الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز
عبد العظيم بدوي
الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز طبعة جديدة ومنقحة ومزيدة تأليف الدكتور عبد العظيم بَدَوِيّ قدم له فضيلة الشيخ / محمد صفوت نور الدين فضيلة الشيخ / محمد صفوت الشوادفي فضيلة الشيخ / محمد إبراهيم شقرة دار بن رجب
بسم الله الرحمن الرحيم جميع الحقوق محفوظة جميع حقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة لدار ابن رجب المنصورة - مصر، ويحظر طبع أو تصوير أو ترجمة أو إعادة تنضيد الكتاب كاملًَا أو مجزأ أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخله على الكومبيوتر أو برمجته على اسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر خطياً. الطبعة الثالثة 1421هـ - 2001م الناشر دار ابن رجب للنشر والتوزيع فارسكور ت: 441550/ 57. المنصورة ت: 312068/ 050
مقدمات
بسم الله الرحمن الرحيم تقديم * ولدنا العزيز الشيخ عبد العظيم -حفظه الله- وهداه إلى كل خير. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد. فاسأل الله -سبحانه- أن يديم عليك نعمته، ويتولاك بتوفيقه ويجعل لك من أمرك يسراً. هذا .. وقد سعدت باستلام مؤلفك العزيز "الوجيز"، ونظرت فيه فوجدت مادته طيبة مباركة، فجزاك الله من العلم وطلابه ومريديه خيراً. وإنى مرسل إليك بمقدمة: * ضمنتها ما أحسبه حقًا وصوابًا من كتابك، جعله الله نوراً وبصيرة، وذخراً نافعك يوم القيامة. * ولدنا البار العزيز عبد العظيم ........ وقاه الله وسدَّد خطاه. لما وردنى كتابك "الوجيز" هذا، يسعى في ظهيرة يوم، في عزة حياء، وخفر ثناء، وذكرى ولاء، بتقدمة منه لي، أكرهها في نفسي لو كانت من غيرك -لكنها منك- إنما هى من ابن بار -أعلم منه نقاء السريرة- وصادق المودة، وحسن الصحبة، لذا: فإنها ستظل مرقومة في صفحة قلبي إلى أن تبلغ التراقي. * رضي الله عليك يا ولدنا عبد العظيم - لقد استنصحتنى يوماً وما استنصحت إلا من يمحض إخوانه وأبناءه نصحه، ومحب لهم الخير، ويعين في الشدة، ويصبر على نائبة، ولا يقعد عن نصرة ولا يهن في بلاء، ولا يجد في
صدره إلا على الشيطان وأغويائه، ولا يضمر إلا ما يزوره من أسباب مودة لإخوانه، أو كزوزة ألم على من يريد بهم شرًا، أو فرح يغمر جوانحه لخير يدركهم، ثم هو من بعد هذا ومن قبله لا يجد في إساءة أحدهم، إلا ما يجد الوالد في نفسه من إساءة، لا تعز على عفوه عمن أساءه في أبنائه. * لقد أنالك الله بحسن إصغائك واستجابتك للنصح ما حسدك عليه الخصوم والأعداء، وغبطك عليه المحبون والأصدقاء، ووهبك من نعمائه ما أنت له أهل، وجعل منك سبيلا باذلًا للمعروف لمن هو له أهل ولمن ليس له أهل، فإن أصبت أهله فهو أهله وإن لم تصب أهله فأنت أهله وكفى!! وليس لك من الأمر شيء. وهذا هو شعارى يا ولدنا منذ كنت، ما بخلت على من ظننت فيه خيرًا يومًا بمعروف ولا كنت ضنينًا على من أجهل حاله ساعة بإحسان، ولا تحريت عن حال من يأتينى سائلًا غويًا. * ولا أحسب إلا أن الله -سبحانه- قد منَّ عليك بقلم سطرت به علمًا في كتابك هذا النفيس الوجيز، وبلسان أبليت فيه أعوامًا بالدعوة إلى الكتاب العزيز، وُبخُلق رفيع لم يدع عذرًا لعائذ بإيهام أو بتعجيز، وهذا هو جماع أمر الداعية إلى الله على بصيرة إن أخطأه القلم أوفى منه إلى بيان اللسان، وإلا فإن له من خلقه، ما يدعو الناس على بينة بأسوة، يراه الناس بها في أنفسهم حلت منها منزلة. لا تكون إلا لمن كان على مثل ما هو عليه، ولعمر الحق، إن هذا في الدعاة اليوم لعزيز. وإذا كنت يا عبد العظيم واحدًا من أولئك النفر القليل - الذين أوفوا على الأمر الشديد فصبروا عليه وأماطوا الأذى عن الطريق حتي أناخهم الصبر عليه وقعدوا عن الشر فأدميت أعقابهم عليه - فإن "وجيزك" كان عزاء لمثلى في شدة، وبسمة وضيئة في كربة وومضة رجاء في ظلمة، إذ وجدت ممن كان منه لي
وفاء -وقد عزَّ في الناس- الوفاء - قد ذلق قلمه بحبات من نور الكتاب والسنة فرشها علي قراطس نقية، صيَّرها مسائل فقهية نفيسة، تتحلى بها أجياد القلوب، وتترنم بوقعها الآخاذ حفيَّات العقول، وتسترشد بالعمل بها صفيات النفوس. أعظم الله قدرك يا عبد العظيم - فقد عرفت قدرك فلزمت حدَّك، وقدرك عظيم عندي وعند كل من يعرفك، فقد أسلفت لما عاهدت، وانتفيت مما أوجف فيه القاعدون جهودهم الضالة، أصابوا بها ضلَّة، وأخطأوا رشدة، وأخلدوا من بعدها إلى رقدة. أما أنت فمضيت إلى غاية استهديت إليها بمشورة من تحب ومن يحبك، فما بخل بها عليك كما لم يبخل بها على من تعرف فمن كان يومًا يُستشر، وما فرحت لشيء من بعد سفرك، فرحى للأخبار المضمخة بعطر الدعوة، وشذى الوحي، وروح العلم، التي ينطلق بها لسانك المدرة في المساجد، وقاعات الدرس، وعرصات القرى، ألَّفت بها بين القلوب، وجمعت عليها عصيَّات النفوس، ونقيت فيها مريبات النفوس، حتى إذا ما انتهيت إلى قناعة أن الناس في حاجة إلى كتاب يجمع بين دفتيه مسائل الفقه، تؤلفها في أبواب وفصول، يغنيهم عن المطَّولات، وضعته لهم في هذا "الوجيز" المبارك. ولقد نظرت في أبوابه وفصوله نظرة عُجلى، فوقفت منها على ما ملأنى إعجابًا، ووجدت صدق ما قال فيه أخونا الفاضل الشيخ/ محمَّد صفوت نور الدين: "قد حوي من أقصر طريق تحقيق الاقتداء بالرسول الكريم في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الفقه"، وصدق ما قال فيه أخونا الفاضل فضيلة الشيخ/ صفوت الشوادفي: "هذا الكتاب الذي بين يدي القراء. قد وفق الله مؤلفه، وأجري على يديه الخير الكثير، والنفع الجزيل، وذلك من خلال منهج واضح يتميز بالسهولة والشمول مع الإفصاح والإيضاح" فجزاهما الله خيرًا على
ما كان فهمًا في ثناء على هذا الكتاب ومؤلفه. * وحسبى من الثناء ثناؤهما -أما سائر ما قلت في الكتاب ومؤلَّفه، فهو فيض نفس أرضخها ألم - وأثقلها همَّ وأجاءها إلى حزن لميم سقم، فهو أشبه ما يكون برسالة - أبعث بها إلى واحد من أعز الأبناء على قلبى لعلي- وأرجو- أن أجد فيه شيئًا أتعزى به- وإنى إن شاء الله لواجده- وأنفى به عن نفسى بعض ما أصابها من سُقياى من قعب الجحود، بأيدي أولئك القاطعين حبل الوفاء بشفرة النسيان. "فجزاك الله يا ولدنا علي ما قدمت، وبارك عليك وعلى أهل بيتك، ورزقنا وإياكم ومن نحب جميعًا ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة وحشرنا في زمرة المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، فنشرب من يده الشريفة شربة من ماء حوضه - لا نظمأ بعدها أبدًا. والحمد لله أولًا وآخرًا، والصلاة والسلام على نبى الرحمة والهدى المبعوث إلى الناس كافة، وعلى آله وصحابته والتابعين بإحسان. عمان العشرين من جمادى الآخرة/ 1416 هـ. الثالث عشر من تشرين الثاني / 1995 م كتبه/ محمد إبراهيم شقرة
مقدمة الطبعة الثانية
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة الطبعة الثانية إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه، واستن بسنته إلى يوم الدين. أما بعد: فإن الله -تعالى- بعث محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بالهدى ودين الحق ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، وأنزل عليه الكتاب والحكمة (وهي السنة) وأمره باتباع ما أنزل عليه، والإعراض عن غيره فقال {اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ} [الأنعام: 106] وأمر أتباعه أيضًا بما أمره به فقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} [الأعراف: 3] ونهاهم عن مخالفة التنزيل فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات:1] فقال ابن عباس - رضي الله عنه -: "لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة" [ابن كثير: 41205]. وقد جعل الله الناس قسمين: عالمِين، وعامُّيين وأمر الآخرين أن يسألوا الأولين فقال {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43]. فإذا عرض العامى نازلته على المفتى فهو قائل له: "أخرجنى عن هواى ودلنى على اتباع الحق"، فلا يمكن -والحال هذه- أن يقول له:"في مسألتك قولان، فاختر لشهوتك أيهما شئت؟! فإن معنى هذا تحكيم الهوى دون الشرع" [الموافقات للشاطبى: 143/ 4] والعامى إنما سأله ليدله على حكم الشرع فكان الواجب عليه أن يذكر له الراجح من القولين بدليله، لا أن يقول له: في مسألتك قولان.
ولقد ضاق العامّيون ذرعًا بقول المفتى: فيها قولان، حتى نكّتوا على ذلك. وتعاونًا مني مع العامة والخاصة وضعت هذا الكتاب: "الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز" مقتصرًا فيه على القول الراجح الذي يرجحه الدليل من الكتاب والسنة، راجيًا الله -عَزَّ وَجَلَّ - أن يكون ما ظهر لي رجحانه هو الراجح، فما كان كذلك فمن الله فضلًا، وما لم يكن كذلك فأستغفر الله منه وأسأل الله سبحانه أن يمن عليّ فيه بالراجح كما منّ عليّ به في غيره. ويسعدنى أن تصدر هذه الطبعة الثانية مزدانة بتقديم من والدنا الكريم سماحة الشيخ الأستاذ/ محمَّد إبراهيم شقرة -حفظه الله- ونفع المسلمين بعلمه. وأسأل الله -سبحانه- أن يضع لهذه الطبعة القبول وأن ينفعِ بها المسلمين، وأن يدخر لي ثوابها {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وكتبه عبد العظيم بن بدوى الخلفى (لقبًا) بمنزلى الكائن بقرية الشين/ مركز قطور محافظة الغربية/ جمهورية مصر العربية ضحى الخميس غرة رمضان 1420 هـ - 9/ 12/ 1999 م.
تقديم بقلم فضيلة الشيخ/ محمد صفوت نور الدين
تقديم بقلم فضيلة الشيخ/ محمد صفوت نور الدين الرئيس العام لجماعة أنصار السنة المحمدية بمصر بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول لله - صلى الله عليه وسلم -. فلقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما عن معاوية بن أبى سفيان رضي الله عنهما قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (¬1). وأخرجا أيضًا عن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: مثل ما بعثنى الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير، أصاب أرضًا، فكان منها نقيةٌ قبلت الماء، فانبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس فشربوا منها، وسقوا وزرعوا، وأصاب طائفة منها أخرى، إنما هى قيعان لا تمسك ماءً، ولا تنبت كلأ، فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثنى الله به فعلم وعلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به (¬2). وبعد: أيها القارئ إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما وصفته عائشة رضي الله عنها: "كان خلقه القرآن" (¬3). أي كان تنفيذًا عمليًا للوحى وتطبيقًا له. من أجل ذلك كان - صلى الله عليه وسلم - يقول للناس "صلوا كما رأيتمونى أصلي" (¬4) ويقول في الحج "خذوا عني مناسككم" (¬5) ويقول في الوضوء "من توضأ نحو وضوئى هذا ... " (¬6) ويقول في غير هذا ¬
"أو مالك فيّ اسوه" (¬1) ولقد قال رب العزة سبحانه {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. لذلك أصبح لزامًا على كل مسلم أن يتعلم ما كان يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عبادته أو معاملته حتى يمتثل لذلك لأنه هو دين الإِسلام. وهذا الوجيز بين يديك قد حوى من أقصر طريق تحقيق الاقتداء بالرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - في العبادات والمعاملات وسائر أبواب الفقه وحتى تطمئن نفس القارئ للعمل زين القول بالدليل وحرص الشيخ أكرمه الله ونفع به على أن يكون الدليل مما تلقاه أهل الحديث بالقبول فجاء بالصحيح وما قاربه وأعرض عما اشتدت به العلة لأن في دين الله ما يغنى عن المردود من الآثار. والشيخ عبد العظيم بن بدوى نفع الله بعلمه جمع فيه بين القلة في الكلام وبين الأدلة التي تطمئن السالكين فكان هذا الكتاب -على صغر حجمه بين الدواوين- جامعا لكتابين معًا الأول كتاب فقه يأخذ بيد القارئ ماذا يفعل والثانى كتاب حديث يصور فيه قول الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وفعله والجمع بينهما خير كبير فالكتاب يكفى السالك إلى الله رب العالمين ويرضى طلبه العلم المجتهدين. لذا فالكتاب يحتاجه الناس وآمل أن يكون القارئ له متدبرًا يقرأ مقدمته ولا ينسى خاتمته ويعمل بما بينهما. ولقد قرأت الكتاب من أوله حتى آخر الحج فالفيته سهلًا ميسورًا خلا من ذكر الخلاف تيسيرا على كل من أراد النجاة بالعمل الصالح والتعرف على العلم النافع فالله نسأل أن يوفق الشيخ الكريم إلى المزيد من هذا النتاج الطيب وأن ينفع بعلمه وأن يكلله بالنجاح وأن يوفق كل من قرأ الكتاب للعمل وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل والإخلاص في السر والعلن والله من وراء القصد. وكتبه فقير عفو ربه ورضاه محمد صفوت نور الدين ¬
بقلم فضيلة الشيخ/ صفوت الشوادفى
بقلم فضيلة الشيخ/ صفوت الشوادفى رئيس تحرير مجلة التوحيد الحمد لله .. والصلاة والسلام على عبده ومصطفاه؛ محمَّد رسول الله، واله وصحبه ومن والاه ... وبعد: فإن علم الفقه- كما يقول ابن نجيم رحمه الله - من أشرف العلوم قدرًا وأعظمها أجرًا، وأتمها عائدة، وأعمها فائدة، وأعلاها مرتبة، وأسناها منقبة، يملأ العيون نورًا، والقلوب سرورًا، والصدور انشراحًا ويفيد الأمور اتساعًا وانفتاحًا؛ هذا لأن ما بالخاص والعام من الاستقرار على سنن النظام، والاستمرار على وتيرة الاجتماع والالتئام، إنما هو بمعرفة الحلال من الحرام، والتمييز بين الجائز والفاسد في وجوه الأحكام، بحوره زاخرة، ورياضه ناضرة، ونجومه زاهرة، وأصوله ثابتة، وفروعه نابتة، لا يفنى بكثرة الإنفاق كنزه ولا يبلى على طول الزمان عزّه. أهله قِوام الدين، وقُوََّامه، وبهم ائتلافه وانتظامه، وإليهم المفزع في الدنيا وأمور الآخرة، والمرجع في التدريس والفتوى. وهذا الفن لا يدرك بالتمنى، ولا ينال بسوف ولعلّ ولو أنىّ!! ولا يناله إلا من كشف عن ساعد الجد، وشمرَّ، واعتزل أهله، وشد المئزر وخاض البحار، وخالط العجاج، يدأب في التكرار والمطالعة بكرة وأصيلا، ينصب نفسه للتأليف والتحرير بياتاٌ ومقيلا، ليس له همّة إلا معضلة يحلها؛ أو مستصعبة عزت على القاصرين إلا ويرتقى إليها ويحلها؛ على أن ذلك ليس من كسب العبد، وإنما هو من فضل الله يؤتيه من يشاء. أهـ كلامه. وقد كان السلف الصالح رضي الله عنهم يتفقهون في الدين بالمعنىِ الكامل الشامل الذي نبه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا
كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. فلم يكن فقه القوم يقف عند معرفة الأحكام الشرعية المتعلقة بالعبادات والمعاملات؛ وإنما كان يمتد ليشمل كل علوم الشريعة قاطبة!! فكلانوا يتفقهون في التوحيد والسيرة والرقائق كما يتفقهون في التفسير والحديث وغيرهما! فهم -كما قال الله عَزَّ وَجَلَّ- يتفقهون في الدين. فكانت ثمرة هذا الفقه: إنذار قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون! وهذا الكتاب الذي بين يدي القراء قد وفق الله مؤلفه، وأجرى على يديه الخير الكثير، والنفع الجزيل. وذلك من خلال منهج واضح يتميز بالسهولة والشمول مع الإفصاح والإيضاح. ويقوم على استخراج الأحكام من نصوص الكتاب والسنة الصحيحة بطريقة سهلة تعين القارئ على سرعة اللهم، ووفرة التحصيل. وهو يقدم النصوص على الأقوال، ويجعل النص الشرعى إمامًا له في كل مسألة من مسائل الفقه. وهو بهذا يقارب أو يطابق مذهب إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله؛ فقد كان في فقهه يدور مع النص أينما دار. ومن المفيد لطالب العلم أن يبدأ بقراءة هذا الكتاب قبل أن يخوض في المطولات حتى لا تتفرق به السبل، وتضلّ القدم! وإنى سائل كل قارئ لهذا الكتاب أن يدعو لمؤلفه بالتوفيق والسداد، ولكل من أعان على نشره أو ساهم في طبعه بالخير والبركة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمَّد وآله وصحبه. وكتبه صفوت الشوادفى رئيس تحرير مجلة التوحيد - أنصار السنة المحمدية
مقدمة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬1). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬2). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬3). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشرّ الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكلل ضلالة في النار (¬4). ثم إن علم الفقه من أفضل العلوم وأشرفها، إذ به تصح العبادة التي هي الغاية من خلق الخلق، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] (¬5). وإذا كان أصل النجاة لا يحصل للعبد إلا بصحة التوحيد وسلامته عن شوائب الشرك، فإن تمام النجاة لا يحصل إلا بصحة العبادة وسلامتها من شوائب البدعة ¬
ولقد جعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقه العبد عنوان إرادة الله به الخير، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين" (¬1). "وعظمة هذا العلم وشرفه قبل عن الوصف والإحاطة، ذلك أنها أحكام تساير المسلم وتلازمه في عموم مسالك حياته فيما بينه وبين ربه. وفيما بينه وبين عباده: فبها يشد حبل الاتصال بعبادة ربه في علانيته وسره، من طهارة، وصلاة، وزكاة، وصيام، وحج ونسائك. وبها ينشر راية الإِسلام، ويرفع منار القرآن، وذلك في فقه الجهاد والمغازي، والسّيَر، والأمان والعهد، ونحو ذلك. وبها يتطلب الرزق المباح، ويبتعد عن مواطن الإثم والجناح، وذلك في فقه المعاملات من بيع وشراء، وخيار، وربا، وصرف، وما جرى مجرى ذلك مما يرتبط بمعاملات الخلق المالية لبعضهم مع بعض، وبها تجرى الأمو الذي وظائفها الشرعية من وقف ووصية ونحوهما من أحكام التصرفات المالية. وبها يقف على فقه الفرائض المحكمة فيسعد بنصف العلم، وتستقر الأموال في يد أربابها على أعدل قسمة وأتم نظام. وبفقهها ينعم بالحياة الزوجية الشرعية، وما يلحق بها من الأحكام. ويحيط بمدى محافظة الإِسلام على ضروريات الحياة المشمولة باسم: الجنايات، والديات، والحدود والتعزيرات، فيعيش في أمن وأمان، وراحة بال واستقرار. وهكذا في أحكام الأطعمة والنحائر، والنذور والأيمان، وفي مباحث التقاضي وقواعده وطرقه وأحكامه: موطن تحقق العدالة وفصل الخصام، فتقر الحقوق في أنصبائها، وتعاد الظلامات إلى أهلها" (¬2). لهذا كله وغيره قال القائل: ¬
إذا ما اعتز ذو علم بعلم ... فأهل الفقه أولى باعتزاز فكم طيب يفوح ولا كمسك ... وكم طير يطيرولا كباز ولما كانت "الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، ولا يصلح فيها غير ذلك، والدليل عليه أمور: أحدها: أدلة القرآن. من ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} (¬1) فنفي أن يقع فيه الاختلاف ألبتة، ولو كان فيه ما يقتضي قولين مخلتفين لم يصدق عليه هذا الكلام على حال. وفي القرآن {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية (¬2). وهذه الآية صريحة في رفع التنازع والاختلاف، فإنه رد المتنازعين إلى الشريعة، وليس ذلك إلا ليرتفع الاختلاف، ولا يرتفع الاختلاف إلا بالرجوع إلى شيء واحد، إذ لو كان فيه ما يقتضى الاختلاف لم يكن فيِ الرِجوع إليه رفِع تنازع، وهذا باطل. وقال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} (¬3). والبينات هي الشريعة، فلولا أنها لا تقتضي الاختلاف ولا تقبله ألبتة لما قيل لهم: من بعد كذا، ولكان لهم فيها أبلغ العذر، وهذا غير صحيح. فالشريعة لا اختلاف فيها. والآيات في ذم الاختلاف والأمر بالرجوع إلِى الشريعة كثيرة، كله قاطع في أنها لا اختلاف فيها، وإنما هي على مأخذ واحد وقول واحد. قال المزنىُّ صاحب الشافعي: ذمّ الله الاختلاف وأمر عنده بالرجوع إلى الكتاب والسنة. والثاني: أن عامة أهل الشريعة أثبتوا في القرآن والسنة الناسخ والمنسوخ على الجملة، وحذّروا من الجهل به والخطأ فيه، ومعلوم أن الناسخ والمنسوخ إنما هو ¬
فيما بين دليلين يتعارضان بحيث لا يصح اجتماعهما بحال، وإلا لما كان أحدهما ناسخا والآخر منسوخا، والفرض خلافه، فلو كان الاختلاف من الدين لما كان لاثبات الناسخ والمنسوخ -من غير نص قاطع فيه- فائدة، ولكان الكلام في ذلك كلامًا فيما لا يجنى ثِمرة، إذ كان يصح العمل بكل واحد منهما ابتداء ودواما، استنادا إلى أن الاختلاف أصل من أصول الدين، لكن هذا كله باطل لإجماع، فدل على أن الاختلاف لا أصل له في الشريعة وهكذا القول في كل دليل مع معارضه، كالعموم والخصوص، والاطلاق والتقييد، وما أشبه ذلك، فكانت تنخرم هذه الأصول كلها، وذالك فاسد، فما أدى إليه مثله. والثالث: أنه لو كان في الشريعة مساغ للخلاف لأدى إلى تكليف مالًا يطاق، لأن الدليلين إذا فرضنا تعارضهما، وفرضناهما مقصودين معًا للشارع: فإما أن يقال إن المكلف مطلوب بمقتضاهما، أوْلا، أو مطلوب بأحدهما دون الآخر، والجميع غير صحيح. فالأول يقتضي "افعل"، "لا تفعل" لمكلف واحد من وجه واحد، وهو عين التكليف بما لا يطاق. والثاني باطل، لأنه خلاف الفرض، وكذلك الثالث، إذ كان الفرض توجه الطلب بهما، فلم يبق إلا الأول، فيلزم منه ما تقدم. والرابع: أن الأصوليين اتفقوا على إثبات الترجيح بين الأدلة المتعارضة إذا لم يمكنْ الجمع وأنه لا يصح إعمال أحد الدليلين المتعارضين جزافًا من غير نظر في ترجيحه جملى الآخبر. والقول بثبوت الخلاف في الشريعة يرفع باب الترجيح جملة، إذ لا فائدة فيه ولا حاجة إليه على فرض ثبوت الخلاف أصلًا شرعيًا لصحة وقوع التعارض في الشريعة، لكن ذلك فاسد، فما أدى إليه مثله" (¬1). أقول: لما كانت الشريعة كلها ترجع إلى قول واحد في فروعها وإن كثر الخلاف، كما أنها في أصولها كذلك، أحببت أن أكتب كتابًا في الفقه، مقتصرًا ¬
فيه على القول الواحد الراجح بما رجحه الدليل الصحيح الثابت سالكًا في ذلك سبيل أهل الاجتهاد والتحقيق، والنظر العميق، الذين حرروا الوقائع، وبينوا النوازل، وساقوا لها صنوف الأدلة من مشكاة النبوة، سائرين مع السنن حيث سارت ركائبها، متجهين معها حيث كانت مضاربها، فأخرجوا بذلك للناس علمًا جما، وفكرا خصبا جاريا على أسعد القواعد وأرشدها. وهذا النوع من الفقه هو أصلًا حظ أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - لقوه إلى التابعين لهم بإحسان، وهكذا تلقفه من تبعهم بالحسنى، فدّونوه على هذا النمط الكريم، والمنهج السليم (¬1). وقد سمّيت كتابي هذا: الوجيز في فقه السنة والكتاب العزيز وقد رتّبتُه على هذا النحو: كتاب الطهارة. كتاب الصلاة. كتاب الصيام. كتاب الزكاة. كتاب الحج. كتاب النكاح. كتاب البيوع. كتاب الأيْمان. كتاب الأطعمة. كتاب الوصايا. كتاب الفرائض. كتاب الحدود. كتاب الجنايات. كتاب القضاء. كتاب الجهاد. كتاب العتق. وسرّ هذا الترتيب: أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه، وبالإلهية يفردوه، ولما كانت الصلاة أصل العبادات وعمود الدين فقد بدأت بها، وإنما قدمت عليها كتاب الطهارة لأن الطهارة شرط من شروط صحتها، والشرط مقدم على المشروط. ولما كان الصيام لله تعالى وهو يجزى به -كما في الحديث- فقد ألحقته بالصلاة، وقدمته على الزكاة تقديما للعبادات البدنية على العبادات المالية فقط وهي ¬
الزكاة، والبدنية المالية وهي الحج. ولما كان النكاح سبب وجود العابدين فقد جعلته أول كتاب بعد كتب العبادات، ثم أتبعته بالبيوع لأن الناس الموجودين من النكاح لا يزالون يبيعون ويشترون. وقد جرت العادة بكثرة الأيْمان في البيوع ولذلك ألحقت كتاب البيوع بكتاب الأيْمان لبيان ما يصح منها وما لا يصح. ثم أتبعت ذلك بكتاب الأطعمة والوصايا والفرائض، ثم الحدود والجنايات، ولما كان القضاء -غالبا- هو الذي يفصل في الفرائض، و- دائما- في الحدود والجنايات، إذ لا يؤذن في إقامة الحدود لأحد إلا للحاكم أو نائبه، فقد أتبعت ذلك بكتاب القضاء. ولما كان المسلمون مكلفُين بعد إقامة دين الله في أنفسهم بالسعى لإقامة دين الله في أرض الله ودعوة الناس إلى عبادة الله، وجرت العادة في كل زمان ومكان بوجود من يصدْ عن سبيل الله، ويمنع الدعاة من تبليغ دين الله، فقد تكلمت عن الجهاد وأحكامه، ولما كان من نتائج الجهاد وجود الرقيق -أحيانا- وهم أسرى الحرب من الكفار والمشركين، فقد جعلت كتاب العتق بعد الجهاد لبيان ترغيب الإِسلام في العتق، والأنعام على أسرى الحرب الحرية. والحكمة في جعل كتاب العتق آخر كتاب في كتاب الوجيز هى الطمع في أن يجعل الله هذا العمل سبب عتقى من النار إنه سبحانه هو العزيز الغفار. والله العظيم أسأل أن أكون وفقت فيه للصواب وأن يثيبني عليه، وأن يغفر لي ما كان فيه من خطأ. وأن ينفع به المسلمين. والحمد لله رب العالمين. كتبه عبد العظيم بن بدوي الخلفي (لقبا) بمنزلي الكائن في قريتي الشين/ مركز قطور/ غربية ساعة أذان الظهر يوم الخميس 21/ 7/ 1413هـ 14/ 1/ 1993 م
الرموز المستخدمه في التخريج خ .... صحيح البخاري (فتح البارى). م .... صحيح الإِمام مسلم. ت ... سنن الترمذي. نس .... سنن النسائي. جه .... سنن ابن ماجه. د .... سنن أبى داود (عون المعبود). ما .... موطأ الإِمام مالك. فع .... الشافعي (الأم). أ ..... أحمد (الفتح الربانى). هق ....... البيهقي. قط .......... الدراقطني. حب .... صحيح ابن حبان. خز .... صحيح ابن خزيمة. كم .... مستدرك الحاكم. مى .... سنن الدارمي. طب .... الطبراني في الكبير. ش .... مصنف ابن أبي شيبة. بز .... مسند البزار. طس ... الطبراني في الأوسط طع .. الطبراني في الصغير مختصر خ .... مختصر صحيح البخاري. مختصر م .... مختصر صحيح مسلم. ص. ت .... صحيح سنن الترمذي. ص. نس .... صحيح سنن النسائي. ص. جه .... صحيح سنن ابن ماجه. ص. د .... صحيح سنن أبى داود. ص. ج .... صحيح الجامع الصغير. الإرواء ... إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل. الجنائز ... أحكام الجنائز. الزفاف ... آداب الزفاف صفة الصلاة ... صفة صلاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. تمام المنة ... تمام المنة في التعليق على فقه السنة. * * *
كتاب الطهارة
كتاب الطهارة
1 - باب المياه
الطهارة: لغة: النظافة والنزاهة من الأحداث. واصطلاحًا: رفع الحدث أو إزالة النجس (*). 1 - باب المياه: كلّ ماء نزل من السماء أو خرج من الأرض فهو طهور: لقول الله تعالى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬1). ولقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في البحر: "هو الطهور ماؤه، الحل ميتته" (¬2). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في البئر: "إن الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬3). وهو باق على طهوريته وإن خالطه شيء طاهر مالم يخرج عن إطلاقه. لقوله - صلى الله عليه وسلم - للنسوة اللاتي قمن بتجهيز ابنته: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن، بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورا أو شيئًا من كافور" (¬4). ولا يحكم بنجاسة الماء وإن وقعت فيه نجاسة إلا إذا تغير بها: لحديث أبي سعيد قال: قيل يا رسول الله، أنتوضأ من بئر بُضاعة؟ وهي بئر يُلقى فيها الحيض ولحوم الكلاب والنتن، فقال - صلى الله عليه وسلم -: " الماء طهور لا ينجسه شيء" (¬5). 2 - باب النجاسات: النجاسات جمع نجاسة، وهي كل شيء يستقذره أهل الطبائع السليمة ¬
ويتحفظون عنه ويغسلون الثياب إذا أصابهم كالعذرة والبول (¬1). والأصل في الأشياء الإباحة والطهارة، فمن زعم نجاسة عينٍ ما فعليه بالدليل فإن نهض به فذلك، وإن عجز عنه أو جاء بما لا تقوم به الحجة فالواجب علينا الوقوف على ما يقتضيه الأصل والبراءة (¬2)، لأن الحكم بالنجاسة حكم تكليفي تعم به البلوى، فلا يحل إلا بعد قيام الحجة (¬3). ومما قام الدليل على نجاسته: 1، 2 - بول الآدمي وغائطه: أما الغائط فلحديث أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وطئ أحدكم بنعله الأذى فإن التراب له طهور" (¬4). والأذى: كل ما تأذيت به من النجاسة والقذر والحجر والشوك وغير ذلك (¬5). والمراد به في الحديث ... النجاسة كما هو واضح. وأما البول فلحديث أنس: أن أعرابيا بال في المسجد فقام إليه بعض القوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "دعوه ولا تزرموه" (*). قال: فلما فرغ دعا بدلو من ماء فصبه عليه" (¬6). 3، 4 - المذي والودى: أما المذى: فهو ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند شهوة، لا بشهوة ولا دفق ولا يعقبه فتور، وربما لا يحس بخروجه، ويكون ذلك للرجل والمرأة (¬7). وهو نجس، ولهذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بغسل الذكر منه. عن عليّ قال: كنت رجلًا مذاء، وكنت أستحيى أن أسال النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكان ¬
ابنته، فأمرت المقداد بن الأسود فسأله فقال: "يغسل ذكره ويتوضا" (¬1). وأما الودي: فهو ماء أبيض ثخين يخرج بعد البول (¬2). وهو نجس. عن ابن عباس قال: "المنى والودي والمذي، أما المنى فهو الذي منه الغسل وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك للصلاة" (¬3). 5 - روث ما لا يؤكل لحمه: عن عبد الله قال: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتبرز، فقال: "إئتني بثلاثة أحجار" فوجدت له حجرين وروثة حمار، فأمسك الحجرين وطرح الروثة، وقال: "هى رجس" (¬4). 6 - دم الحيض: عن أسماء بنت أبي بكر قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيض كيف تصنع؟ فقال: تحته ثم تقرصه (*) بالماء ثم تنضحه، ثم تصلى فيه (¬5). 7 - لعاب الكلب: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" (¬6). 8 - الميتة: وهي ما مات حتف أنفه من غير ذكاة شرعية. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دبغ ¬
كيفية تطهير النجاسة
الإهاب فقد طهر" (¬1) والأهاب جلد الميتة ويستثنى من ذلك: 1 - ميتة السمك والجراد، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أحلت لنا ميتتان ودمان: أما الميتتان فالحوت والجراد. وأما الدمان فالكبد والطحال" (¬2). 2 - ميتة ما لا دم له سائل، كالذباب والنمل والنحل ونحو ذلك. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه كله ثم ليطرحه، فإن في إحدى جناحيه داء وفي الآخر شفاء" (¬3). 3 - عظم الميتة وقرنها وظفرها وشعرها وريشها، كل ذلك طاهر، وقوفًا على الأصل وهو الطهارة، ولما رواه البخاري تعليقا (¬4) قال: وقال الزهرى في عظام الموتى- نحو الفيل وغيره-: أدركت ناسيًا من سلف العلماء يمتشطون بها ويدهنون فيها، لا يرون به بأسا. وقال حماد: لا بأس بريش الميتة. كيفية تطهير النجاسة: اعلم أن الشارع الذي عرّفنا كون هذه العين نجسة أو متنجسة عرّفنا أيضًا كيفية تطهيرها، والواجب علينا اتباع قوله وامتثال أمره، فما ورد فيه الغسل حتى لا يبقى منه لون ولا ريح ولا طعم كان ذلك هو تطهيره، وما ورد فيه الصب أو الرشّ أو الحت أو المسح على الأرض أو مجرد المشي في أرضٍ طاهرةٍ كان ذلك هو تطهيره واعلم أن الماء هو الأصل في تطهير النجاسات، لوصف الشارع له ¬
بقوله:"خلق الله الماء طهورا" (¬1). فلا يعدل إلى غيره إلا إذا ثبت ذلك عن الشارع، وإلا فلا؛ لأنه عدول عن المعلوم كونه طهورا إلى ما لم يعلم كونه طهورا، وذلك خروج عما تقتضيه المسالك الشرعية (¬2). إذا علمت هذا فإليك ما جاء به الشرع في صفة تطهير الأعيان النجسة أو المتنجسة: 1 - تطهير جلد الميتة بالدباغ: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أيما إهاب دُبغ فقد طهر" (¬3). 2 - تطهير الإناء إذا ولغ فيه الكلب: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب" (¬4). 3 - تطهير الثوب إذا أصابه دم الحيض: عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع؟ فقال: "تحته ثم تقرصه بالماء، ثم تنضحه ثم تصلي فيه" (¬5). وإن بقى بعد ذلك أثره فلا بأس: عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله، ليس لي إلا ثوب واحد، وأنا أحيض فيه؟ قال فهذا طهرت فاغسلي موضع الدم ثم صلى فيه "قالت يا رسول الله: إن لم يخرج أْثره؟ قال: "يكفيك الماء ولا يضرك أثره" (¬6). ¬
4 - تطهير ذيل ثوب المرأة: عن أم ولدٍ لإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنها سألت أمَّ سلمة زوجَ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: إني امرأة أطيل ذيلي، وأمشي في المكان القذر؟ فقالت أم سلمة: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يطهره ما بعده" (¬1). 5 - تطهير الثوب من بول الصبي الرضيع: عن أبي السمح خادم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يُغسل من بول الجارية، ويُرش من بول الغلام" (¬2). 6 - تطهير الثوب من المذي: عن سهل بن حنيف قال: كنت ألقى من المذي شدّة وعناء، وكنت أكثر منه الاغتسال فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما يجزيك من ذلك الوضوء" فقلت: يا رسول الله: كيف بما يصيب ثوبي منه؟ قال: "يكفيك أن تأخذ كفًا من ماء فتنضح به ثوبك، حيث ترى أنه قد أصاب منه" (¬3). 7 - تطهير أسفل النعل: عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأي خبثًا فليمسه بالأرض ثم ليصل فيهما" (¬4). 8 - تطهير الأرض: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قام أعرابي فب الذي المسجد، فتناوله الناس، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - دعوه، وهَريقوا على بوله سَجْلًا (*) من ماء -أو ذنوبا من ماء- فإنما بعثتم مُيسَرَّين ولم تبعثوا مُعَسرَّين (¬5). ¬
سنن الفطرة
وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك استعجالا لطهارة الأرض، فلو تركت حتى جفت وذهب أثر النجاسة طهرت لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: كانت الكلاب تبول في المسجد وتقبل وتدبر زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يكونوا يرشون شيئًا" (¬1). سنن الفطرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس من الفطرة: الاستحداد (¬2) والختان، وقص الشارب، ونتف الإبط، وتقليم الأظفار" (¬3). وعن زكري ابن أبي زائدة عن مصعب بن شيبة عن طلق بن حبيب عن ابن الزبير عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "عشرٌ من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم (¬4)، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء -يعني الاستنجاء- قال زكريا قال مصعب ونسيت العاشرة إلا أن تكون المضمضة" (¬5). الختان: والختان واجب في حق الرجال والنساء؛ لأنه من شعائر الإِسلام، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لرجل أسلم: "ألْقِ عنك شعرَ الكفر واختتن" (¬6). وهو من ملة إبراهيم: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اختتن إبراهيم خليل الرحمن بعد ما أتت عليه ثمانون سنة" (¬7) وقد قال الله لنبيه محمَّد - صلى الله عليه وسلم -: ¬
إعفاء اللحية
{ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} (¬1). ويستحب أن يكون الختان في اليوم السابع للمولود: لحديث حابر: أن رسول - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين وختنهما لسبعة أيام (¬2). وعن ابن عباس قال: سبعة من السنة في الصبى يوم السابع: يسمى ويختن (¬3) الحديث. والحديثان وإن كان في كل منهما ضعف لكن أحد الحديثين يقوى الآخر، إذ مخرجهما مختلف وليس فيهما متهم (¬4). إعفاء اللحية: إعفاء اللحية واجب، وحلقها حرام، لأنه تغيير لخلق الله، وهو من عمل الشيطان القائل {وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} (¬5). وفي حلقها تشبه بالنساء، وقد "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء" (¬6). وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإعفائها، والأمر للوجوب كما هو معلوم. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "جُزُّوا الشوارب، وأرخوا اللحي، خالفوا المجوس" (¬7). وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خالفوا المشركين، وفروا اللحى، وأحفوا الشوارب" (¬8). ¬
السواك
السواك: السواك مستحب في كل حال، ويتأكد استحبابه: 1 - عند الوضوء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع الوضوء" (¬1). 2 - عند الصلاة: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" (¬2). 3 - عند قراءة القرآن: عن علي رضي الله عنه قال: أمَرنا بالسواك وقال: "إن العبد إذا قام يصلي أتاه ملك فقام خلفه يستمع القرآن ويدنو، فلا يزال يستمع ويدنو حتى يضع فاه على فيه، فلا يقرأ آية إلا كانت في جوف الملك" (¬3). 4 - عند دخول البيت: عن المقدام بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة قلت: بأى شيء كان يبدأ النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل بيته؟ قالت: بالسواك (¬4). 5 - عند القيام من الليل: عن حذيفة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام ليتهجد يشوص (*) فاه بالسواك (¬5). ¬
كراهة نتف الشيب
كراهة نتف الشيب: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنتفوا الشيب، ما من مسلم يشيب شيبة في الإِسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة" (¬1). تغيير الشيب بالحناء والكتم (*) ونحوهما وتحريم السواد: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحسن ما غيرتم به الشيب الحناء والكتم" (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن اليهود والنصاري لا يصبغون فخالفوهم" (¬3). وعن جابر رضي الله عنه قال: أتي بأبي قحافة يوم فتح مكة ورأسه ولحيته كالثغامة بياضا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد" (¬4). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة" (¬5). آداب الخلاء 1 - يستحب لمن أراد دخول الخلاء أن يقول: بسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، وذلك لحديث علي رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ستر ما بين الجنَّ وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول بسم الله" (¬6). ¬
ولحديث أنس رضي الله عنه قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث" (¬1). 2 - ويستحب إذا خرج أن يقول: غفرانك، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم -إذا خرج من الخلاء قال غفرانك" (¬2). 3 - ويستحب أن يقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج، وذلك لكون التيامن فيما هو شريف، والتياسر فيما هو غير شريف، وقد ورد ما يدل عليه في الجملة (¬3). 4 - وإذا كان في الفضاء استحب له الإبعاد حتي لا يُرى: عن جابر رضي الله عنه قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يأتي البراز (*) حتى يتغيب فلا يُرى" (¬4). 5 - ويستحب أن لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض: عن ابن عمر رضي الله عنهما "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد الحاجةَ لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض" (¬5). 6 - ولا يجور استقبال القبلة واستدبارها في الصحراء ولا في البنيان: عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها, ولكن شرقوا أوغربوا" (¬6). ¬
قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة، فننحرف عنها ونستغفر الله تعالى (¬1). 7 - ويحرم التخلى في طريق الناس وفي ظلّهم: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "اتقوا اللاعنَيْن، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلي في طريق الناس أوفي ظلهم" (¬2). 8 - ويكره أن يبول في مستحمه: عن حميد الحميري قال: لقيت رجلًا صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - كما صحبه أبو هريرة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمتشط أحدنا كل يوم، أو يبول في مغتسله" (¬3). 9 - ويحرم البول في الماء الراكد: عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه نهى أن يبال الذي الماء الراكد" (¬4). 10 - ويجوز البول قائما والقعود أفضل: عن حذيفة رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - انتهى إلى سباطة قوم فبال قائما، فتنحيت فقال ادنه، فدنوت حتى قمت عند عقبيه، فتوضأ ومسح على خفيه" (¬5) إنما قلنا القعود أفضل لأنه الغالب من فعله - صلى الله عليه وسلم - حتى قالت عائشة رضي الله عنها: "من حدثكم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا جالسًا (¬6). وقولها هذا لا ينفي ما جاء عن حذيفة؛ لأنها أخبرت عما رأت، وأخبر ¬
حذيفة عما رأى، ومعلوم أن المثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم. 11 - ويجب الاستنزاه من البول: فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرّ بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير، أما أحدهما فكان لا يستنزه من بوله، وأما الآخر فكان يمشي بين الناس بالنميمة" (¬1). 12 - ولا يمسك ذكره بيمينه وهو يبول، ولا يستنجى بها: عن أبي قتادة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يستنج بيمينه" (¬2). 13 - وبجوز الاستنجاء بالماء أو بالأحجار وما في معناها والماء أفضل: عن أنس رضي الله عنه قال: كان. رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل الخلاء، فاحمل أنا وغلام نحوى إداوة (*) من ماء وعنزة (**)، فيستنجى بالماء" (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: قال "إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار فَلْيَستطِبْ بها فإنها تَجزِيء عنه" (¬4). 14 - ولا يجور الاقتصار على أقل من ثلاثة أحجار: عن سلمان الفارسي رضي الله عنه أنه قيل له: "قد علمكم نبيكم - صلى الله عليه وسلم - كل شيء حتى الخراءة! فقال: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجى باليمين، ¬
باب الآنية
أو أن نستنجى بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجى برجيع (*) أو بعظم" (¬1). 15 - ولا يجوز الاستجمار بالعظم والروث: عن جابر رضي الله عنه قال: إنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتمسح بعظم أو ببعر" (¬2) باب الآنية ويجوز استعمال الأواني كلها إلا آنية الذهب والفضة، فإنه يحرم الأكل والشرب فيهما خاصة، دون سائر الاستعمال. عن حذيفة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا تلبسوا الحرير والديباج، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة" (¬3). وعن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله قال: "الذي يشرب في إناء الفضة إنما يجرجر (**) في بطنه نار جهنم" رواه البخاري ومسلم (¬4). ولمسلم: "إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ... ". قال مسلم: "وليس في حديث أحد منهم ذكر الأكل والذهب إلا في حديث ابن مسهر. أهـ. قال الألباني: فهذه الزيادة شاذة من جهة الرواية، وإن كانت صحيحة في المعنى من حيث الدراية، لأن الأكل والذهب أعظم وأخطر من الشرب والفضة كما هو ظاهر. أهـ (¬5). ¬
الطهارة للصلاة
الطهارة للصلاة عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تقبل صلاة بغير طهور" (¬1). والطهارة نوعان: طهارة بالماء، وطهارة بالصعيد. أولًا: الطهارة بالماء: الوضوء والغسل. الوضوء صفته: عن حُمران مولى عثمان أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دعا بوضوء فتوضأ: فغسل كفيه ثلاث مرات، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه ثلاث مرات، ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات، ثم غسل يده اليسرى مثل ذلك، ثم مسح رأسه، ثم غسل رجله اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات، ثم غسل اليسرى مثل ذلك، ثم قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئى هذا ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من توضأ نحو وضوئى هذا ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفرله ما تقدم من ذنبه". قال ابن شهاب: وكان علماؤنا يقولون: هذا الوضوء أسبغ ما يتوضأ به أحد للصلاة (¬2). شروط صحته: أ- النية: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" (¬3) ولا يشرع التلفظ بها لعدم ثبوته عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ¬
فرائضه
2 - التسمية: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" (¬1). 3 - الموالاة: لحديث خالد بن معدان: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاًَ يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعيد الوضوء والصلاة" (¬2). فرائضه: 1 - 2 - غسل الوجه، ومنه المضمضة والاستنشاق. 3 - غسل اليدين إلى المرفقين (¬3). 4 - 5 - مسح الرأس كله، والأذنان من الرأس. 6 - غسل الرجلين إلى الكعبين. لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ....... } (¬4). أما كون المضمضة والاستنشاق من الوجه فتجبان فلأن الله سبحانه قد أمر في كتابه العزيز بغسل الوجه، وقد ثبت مداومة النبي - صلى الله عليه وسلم - على ذلك في كل وضوء، ورواه جميع من روى وضوءه - صلى الله عليه وسلم - وبين صفته، فافاد ذلك أن غسل الوجه المأمور به في القرآن هو مع المضمضة والاستنشاق (¬5). ¬
وقد ورد الأمر بهما في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر" (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأت فمضمض" (¬3). وأما وجوب استيعاب الرأس بالمسح فلأن الأمر بالمسح في القرآن مجمل، فيرجع في بيانه إلى السنة، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استوعب مسح رأسه وفي هذا دليل على وجوب تكميل مسح الرأس. فإن قيل: قد ثبت من حديث المغيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح بناصيته وعلى العمامة؟ فالجواب: إنما اقتصر على مسح الناصية لأنه كمل مسح بقية الرأس على العمامة، ونحن نقول بذلك، وليس فيه دليل على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميل على العمامة (¬4). فالحاصل أنه يجب استيعاب الرأس بالمسح، والماسح إن شاء مسح على الرأس فقط، أو على العمامة فقط، أو على الرأس والعمامة، فالكل صحيح ثابت. وأما كون الأذنين من الرأس فيجب مسحهما، فلقوله - صلى الله عليه وسلم - "الأذنان من الرأس" (¬5). 7 - تخليل اللحية: لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا توضأ أخذ كفًا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال: "هكذا أمرني ربى عَزَّ وَجَلَّ" (¬6). 8 - تخليل أصابع اليدين والرجلين: ¬
سننه
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أسبغ الوضوء، وخلل بين الأصابع، ويالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" (¬1). سننهُ: 1 - السواك: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك مع كل وضوء" (¬2). 2 - غسل الكفين ثلاثًا في أوّل الوضوء، لما ثبت عن عثمان رضي الله عنه في حكايته لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل كفيه ثلاثًا (¬3). 3 - الجمع بين المضمضة والاستنشاق ثلاثًا بغرفة، لما في حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه بني تعليمه لوضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه تمضمض واستنشق من كف واحدة ففعل ذلك ثلاثًا (¬4). 4 - المبالغة فيهما لغير الصائم: لقوله - صلى الله عليه وسلم - وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما" (¬5). 5 - تقديم اليمنى على اليسرى: لحديث عائشة رضي الله عنها: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب التيامن في تنعله (*) وترجله (**) وطهوره وفي شأنه كله" (¬6). ولما في حديث عثمان في حكايته لوضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه غسل اليمنى ثم اليسرى. 6 - الدلك: لحديث عبد الله بن زيد: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى بثلثى مُدّ فتوضأ فجعل يدلك ذراعيه" (¬7). ¬
7 - تثليث الغسل: لحديث عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ثلاثا ثلاثا. وقد صح أنه - صلى الله عليه وسلم - توضأ مرة مرة ومرتين مرتين (¬1). ويستحب تكرار مسح الرأس أحيانًا: "لما صح عن عثمان أنه توضأ فمسح رأسه ثلاثًا وقال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ هكذا" (¬2). 8 - الترتيب: لأنه الغالب في وضوء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما حكاه من حكى وضوءه - صلى الله عليه وسلم -، لكنه قد صح عن المقدام بن معد يكرب "أنه أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوضوء فتوضأ فغسل كفيه ثلاثًا، وغسل وجهه ثلاثًا، ثم غسل ذراعمِه ثلاثًا، ثم تمضمض واستنثر ثلاثًا، ثم مسح برأسه وأذنيه ... الحديث (¬3). 9 - الدعاء بعده: لقوله - صلى الله عليه وسلم - ما منكم من أحد يتوضأ فيسبغ الوضوء ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" (¬4) زاد الترمذي (¬5): "اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين". وعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فقال: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، كتب في رقّ (*)، ثم طبع بطابع فلا يكسر إلى يوم القيامة" (¬6). 10 - صلاة ركعتين بعده: لقول عثمان بعد أن علمهم صفة وضوء رسول الله ¬
نواقضه
- صلى الله عليه وسلم -: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ نحو وضوئي هذا، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قام فركع ركعتين لا يحدث فيهما نفسه، غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬1). وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الصبح: "يا بلال أخبرني بأرجي عمل عملته في الإِسلام فإني سمعت دفّ نعليك (*) بين يديّ في الجنة؟ قال: ما عملت عملًا أرجى عندي: أني لم أطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار الأصليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى" (¬2). نواقضه: 1 - ما خرج من السبيلين "القبل والدبر" من بول أو غائط أو ريح: لقول الله تعالى: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} (¬3) وهوكناية عن قضاء الحاجة. ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ، فقال رجل من حضرموت: ما الحدث يا أبا هريرة؟ قال: فساء أو ضراط (¬4). كما ينقضه خروج المذي والودى: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: المني والودي والمذي، أما المنى فهو الذي منه الغسل، وأما الودي والمذي فقال: اغسل ذكرك أو مذاكيرك وتوضأ وضوءك للصلاة (¬5). ¬
2 - النوم المستغرق: الذي لا يبقى معه إدراك، سواء كان ممكنا مقعدته من الأرض أم لا، لحديث صفوان بن عسال قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم (¬1) " فسوّى النبي - صلى الله عليه وسلم - بين النوم والبول والغائط. وعن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "العين وِكاء السَّه، فمن نام فليتوضأ" (¬2). والوكاء بكسر الواو - الخيط الذي يربط به الخريطة. والسّه: بفتح السين المهملة وكسر الهاء المخففة الدبر. والمعني: اليقظة وكاء الدبر أي حافظة ما فيه من الخروج؛ لأنه ما دام مستيقظا أحسّ بما يخرج منه (¬3). 3 - زوال العقل بسكر أو مرض؛ لأن الذهول عند هذه الأسباب أبلغ من النوم. 4 - مس الفرج من غير حائل إذا كان بشهوة: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من مس ذكره فليتوضأ" (¬4). وقوله - صلى الله عليه وسلم - "هل هو إلا بضعة منك" (¬5)، فهو بضعة منك إن لم يقترن بالمس شهوة؛ لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم، بخلاف ما إذا مسه بشهوة فحينئذ لا يشبه مسه مس العضو الآخر؛ لأنه لا يقترن عادة بشهوة، وهذا أمر بّين كما ترى (¬6). ¬
ما يجب له الوضوء (ما يحرم على المحدث)
5 - أكل لحم الإبل: لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "توضئوا من لحوم الإبل، ولا توضئوا من لحوم الغنم" (¬1). وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رجلًا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أأتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت توضأ وإن شئت لا تتوضأ: قال: أأتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم توضأ من لحوم الإبل" (¬2). ما يجب له الوضوء (ما يحرم على المحدث): 1 - الصلاة: لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ ... الآية} (¬3). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (¬4). 2 - الطواف بالبيت: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "الطواف بالبيت صلاة، إلا أن الله أحل فيه الكلام" (¬5). ما يستحب له الوضوء: 1 - ذكر الله عَزَّ وَجَلَّ: لحديث المهاجر بن قنفد "أنه سَلَّم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ، فرد عليه وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة" (¬6). ¬
2 - النوم: لما رواه البراء بن عازب رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة، ثم اضطجع على شقك الأيمن، ثم قل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهى إليك، وفوّضت أمرى إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك،، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، اللهم اَمنت بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت. فإن مت من ليلتك فأنت على الفطرة، واجعلهن آخر ما تتكلم به" (¬1). 3 - الجنب: إذا أراد أن يأكل أو يشرب، أو ينام، أو يعاود الجماع: عن عائشة رضي الله عنها قالت:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان جنبًا فأراد أن يأكل أو ينام توضأ وضوءه للصلاة" (¬2). وعن عمار بن ياسر رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص للجنب إذا أراد أن يأكل أو يشرب أو ينام أن يتوضأ وضوءه للصلاة" (¬3). وعن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ" (¬4): 4 - قبل الغسل سواء كان واجبًا أم مستحبًا: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة (¬5). 5 - أكل ما مسته النار: لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: " توضأوا مما مست النار" (¬6). وهو محمول على الاستحباب، لحديث عمرو بن أمية الضمري قال: ¬
رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يحتز من كتف شاة، فأكل منها، فدعى إلى الصلاة، فقام وطرح السكين وصلى ولم يتوضأ (¬1). 6 - لكل صلاة: لحديث بريدة رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ عند كل صلاة، فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد. فقال له عمر: يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله. فقال: عمدًا فعلته يا عمر" (¬2). 7 - عند كل حدث: لحديث بريدة رضي الله عنه قال: أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا فدعا بلالًا فقال: يا بلال بم سبقتنى إلى الجنة، إنى دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك (*) أمامى؟ فقال بلال: يا رسول الله، ما أذّنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابنى حدث قط إلا توضأت عنده فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لهذا (¬3). 8 - من القىء: لحديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قاء فأفطر فتوضأ، فلقيت ثوبان في مسجد دمشق فذكرت ذلك له، فقال: صدق، أنا صببت له وضوءه (¬4). 9 - من حمل الميت: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من غسّل ميتا فليغتسل، ومن حمله فليتوضأ" (¬5) ¬
المسح على الخفين
المسح على الخفين قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم (164/ 3): أجمع من يعتد به في الإجماع على جواز المسح على الخفين في السفر والحضر، سواء كان لحاجة أو لغيرها، حتى يجوز للمرأة الملازمة بيتها والزّمن الذي لا يمشي، وإنما أنكرته الشيعة والخوارج، ولا يعتد بخلافهم. قال الحسن البصري - رحمه الله -: حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يمسح على الخفين. أهـ وأحسن ما يحتج به لجواز المسح ما رواه مسلم عن الأعمش عن إبراهيم عن همام قال: بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه. فقيل: تفعل هذا؟ فقال: نعم، رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بال ثم توضأ ومسح على خفية. قال الأعمش: قال إبراهيم كان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة (¬1). قال النووي: (¬2) معناه: أن الله تعالى قال في سورة المائدة (فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إلى الكعبين). فلو كان إسلام جرير متقدما على نزول المائدة لاحتمل كون حديثه في مسح الخف منسوخًا بآية المائدة، فلما كان إسلامه متأخرًا علمنا أن حديثه يعمل به، وهو مبيّن أن المراد بالآية غير صاحب الخف، فتكون السنه مخصصة للآية. والله أعلم. شروطه: يشترط لجواز المسح أن يلبس الخفين على وضوء: عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة في ¬
مدة المسح
مسير، فأفرغت عليه من الإداوة فغسل وجهه وذراعيه ومسح برأسه، ثم أهويت لأنزع خفيه فقال: "دعهما فإنى أدخلتهما طاهرتين" (¬1) فمسح عليهما. مدة المسح: عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويومًا وليلة للمقيم (¬2). محل المسح وصفته: المحل المشروع مسحه ظهر الخف، لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كان الدّين بالرأى لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على ظاهر خفيه (¬3). والواجب في المسح ما يطلق عليه اسم المسح. المسح على الجوربين والنعلين: وكما يجوز المسح على الخفين فإنه يجوز على الجوربين والنعلين، لحديث المغيرة بن شعبة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - توضأ ومسح على الجوربين والنعلين (¬4). وعن عبيد بن جريج قال: قيل لابن عمر: رأيناك تفعل شيئًا لم نر أحدًا يفعله غيرك، قال: وما هو؟ قالوا: رأيناك تلبس هذه النعال السبتية. قال: إني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبسها ويتوضأ فيها ويمسح عليها. ¬
ما يبطل المسح
ما يبطل المسح: يبطل المسح بأحد هذه الثلاثة: 1 - انقضاء المدة: لأن المسح موقت كما علمت، فلا يجوز الزيادة على المدة المقررة. 2 - الجنابة: لحديث صفوان: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة، لكن من غائط وبول ونوم" (¬1). 3 - نزع الممسوح عليه من الرجلين: لأنه إذا نزعهما ثم لبسهما لم يكن أدخل رجليه طاهرتين. فائدة: انقضاء المدة ونزع الممسوح عليه يبطلان المسح وحده، فلا يجوز المسح حتى يتوضأ ويغسل رجليه ثم يلبس، لكنه إذا كان متوضئًا حين نَزعِ الممسوح عليه أو انقضاء المدة فإنه باق على وضوئه يصلى به ما شاء حتى يحدث. فائدة: من لبس جوربين على طهارة، ثم مسح عليهما، ونزع الأعلى بعد المسح جاز له إتمام المدة بالمسح على الأسفل؛ لأنه يصدق عليه أنه أدخل رجليه طاهرتين أما إذا لبس جوربا واحدا ومسح عليه، ثم لبس عليه غيره لم يمسح عليه؛ لأنه لم يصدق عليه أنه أدخلهما طاهرتين (¬2). ¬
الغسل
الغسل موجباته: 1 - خروج المنى في اليقظة أو في النوم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"إنما الماء من الماء" (¬1) وعن أم سلمة أن أم سليم قالت: "يا رسول الله، إن الله لا يستحى من الحق، فهل على المرأة غسل إذا احتلمت؟ قال: نعم إذا رأت الماء" (¬2). وتشترط الشهوة في اليقظة دون النوم، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة، فهذا لم تكن حاذفًا فلا تغتسل" (¬3). قال الشوكانى: (¬4) الحذف هو الرمى، وهو لا يكون بهذه الصفة إلا لشهوة، ولهذا قال المصنف: وفيه تنبيه على أن ما يخرج لغير شهوة إما لمرض أو أبردة لا يوجب الغسل". ومن احتلم ولم يجد الماء فلا غسل عليه، ومن وجد الماء ولم يذكر احتلامًا فعليه الغسل عن عائشة قالت: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الرجل يجد البلل ولا يذكر احتلاما؟ فقال: يغتسل. وعن الرجل يرى أنه قد احتلم ولا يجد البلل؟ فقال: لا غسل عليه" (¬5). 2 - الجماع وإن لم ينزل: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل" (¬6). 3 - إسلام الكافر: عن قيس بن عاصم "أنه أسلم فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يغتسل بماء وسدر" (¬7). 4 - انقطاع الحيض والنفاس: لحديث عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة بنت ¬
أركانه
أبي حبيش "إذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة، وإذا أدبرت فاغتسلى وصلى" (¬1). والنفاس كالحيض بالإجماع. 5 - يوم الجمعة: عن أبي سعيد الخدرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "غُسل الجمعة واجب على كل مُحتلم" (¬2). أركانه: 1 - النية: لحديث: "إنما الأعمال بالنيات" (¬3). 2 - تعميم البدن بالماء. صفته المستحبة: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر، حتى إذا رأى أن قد استبرأ (*) حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده، ثم غسل رجليه" (¬4) فائدة: لا يجب على المرأة نقض شعرها في الغسل من الجنابة، ويلزمها ذلك في الغسل من الحيض. عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "قلت يا رسول الله، إني امرأة أشد ضفر رأسى أفأنقضه لغسل الجنابة؟ قال: لا، إنما يكفيك أن تحثى على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" (¬5). ¬
الأغسال المستحبة
وعن عائشة رضي الله عنها أن أسماء سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل المحيض، فقال: تأخذ إحداكن ماءها وسدرتها، فتطهر فتحسن الطهور، ثم تصب على رأسها فتدلكه دلكًا شديدًا، حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تصب عليها الماء، ثم تأخذ فرصة ممسكة فتطهر بها. فقالت أسماء: كيف تطهر بها؟ فقال: سبحان الله تطهرى بها. فقالت عائشة كأنها تخفى ذلك: تتبعين بها أثر الدم. وسألته عن غسل الجنابة. فقال تأخذ ماء فتطهر فتحسن الطهور أو تبلغ الطهور ثم تصب على رأسها فتدلكه حتى تبلغ شئون رأسها، ثم تفيض عليها الماء (¬1). فهذا الحديث صريح في التفريق بين غسل المرأة من المحيض وغسلها من الجنابة، حيث اكد على الحائض أن تبالغ في التدليك الشديد والتطهير مالم يؤكد مثله في غسلها من الجنابة، كما أن حديث أم سلمة دليل على عدم وجوب النقض في غسلها من الجنابة (¬2). والأصل نقض الشعر لتيقن وصول الماء إلى ما تحته، إلا أنه عُفى عنه في غسل الجنابة لتكرره ووقوع المشقة الشديدة في نقضه، بخلاف غسل الحيض فإنه في الشهر مرة (¬3). فائدة: يجوز للزوجين أن يغتسلا معًا في مكان واحد، ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه لقول عائشة رضي الله عنها: "كنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد ونحن جنبان" (¬4). الأغسال المستحبة: 1 - الاغتسال عند كل جماع: لحديث أبي رافع "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف ذات ليلة على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه. قال: فقلت يا رسول الله! ألا تجعله واحدًا؟ قال: هذا أزكى وأطيب وأطهر" (¬5). ¬
2 - اغتسال المستحاضة لكل صلاة، أو للظهر والعصر جميعًا غسلًا، وللمغرب والعشاء جميعًا غسلًا، وللفجر غسلًا، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن أمّ حبيبة استحيضت في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرها بالغسل لكل صلاة ... الحديث (¬1)، وفي رواية عنها: استحيضت امرأة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فامرت أن تعجّل العصر وتؤخّر الظهر، وتغتسل لهما غسلًا واحدًا، وتؤخّر المغرب وتعجّل العشاء وتغتسل لهما غسلًا، وتغتسل لصلاة الصبح غسلًا (¬2). 3 - الاغتسال بعد الأِغماء: لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: ثَقُلَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: أصلّى الناس؟ فقلنا لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماء في المخضب (*)، قالت: ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينو (**) فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، فقال: ضعوا لي ماءً في المخضب، قالت: ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمى عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله .. فذكرت إرساله إلى أبي بكر وتمام الحديث (¬3). 4 - الاغتسال من دفن المشرك: لحديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أبا طالب مات. فقال: "اذهب فواره"، فلما واريته رجعت إليه فقال لي: "اغتسل" (¬4). 5 - الاغتسال للعيدين ويوم عرفة، لما رواه البيهقي من طريق الشافعي عن زاذان قال: سأل رجل "عليًا" رضي الله عنه عن الغسل؟ قال: اغتسل كل يوم إن شئت، فقال: لا، الغسل الذي هو الغسل؟ قال: يوم الجمعة، ويوم عرفة، ويوم النحر، وبوم الفطر. ¬
التيمم
6 - الغسل من غسل الميت، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من غسّل ميتًا فليغتسل" (¬1). 7 - الغسل للإحرام بالعمرة أو الحج، لحديث زيد بن ثابت "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل" (¬2). 8 - الغسل لدخول مكة: عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يقدم مكة إلا بات بذى طوى حتى يصبح ويغتسل، ثم يدخل مكة نهارًا، ويذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه فعله (¬3). ثانيًا- الطهارة بالصعيد (التيمم): مشروعيته: قال تعالى {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ ... } (¬5). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين" (¬6). ¬
الأسباب المبيحة له
الأسباب المبيحة له: يباح التيمم عند العجز عن استعمال الماء، لفقده أو خوف ضرر من استعماله لمرض في الجسم أو شدة برد: عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: كنّا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل، فقال: ما منعك أن تصلى قال: أصابتني جنابة ولا ماء. فقال اغيض: "عليك بالصعيد فإنه يكفيك" (¬1). وعن جابر رضي الله عنه قال: خرجنا في سفر، فأصاب رجلًا منا حجرٌ فشجّه في رأسه ثم احتلم فسأل أصحابه: هل تجدون لي رخصة في التيمم؟ فقالوا: ما نجد لك رخصة وأنت تقدر على الماء، فاغتسل فمات. فلما قدمنا علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُخبر بذلك، فقال: "قتلوه قتلهم الله، ألا سألوا إذ لم يعلموا فإنما شفاء العىّ السؤال، إنما كان يكفيه أن يتيمم". (¬2). وعن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه لما بُعث في غزوة ذات السلاسل قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أَهْلَك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذكروا ذلك له، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ فقلت: ذكرت قول الله تعالى: {وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِن اللهَ كَانَ بِكمْ رَحِيمًا} فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل شيئًا" (¬3). ¬
ما هو الصعيد؟
ما هو الصعيد؟ قال في لسان العرب (¬1): الصعيد الأرض، وقيل: الأرض الطيبة، وقيل هو كل تراب طيب وفي التنزيل: "فتيمموا صعيدا طيبا". قال أبو إسحاق: الصعيد وجه الأرض، وعلى الإنسان أن يضرب بيديه وجه الأرض ولا يبالي أكان في الموضع تراب أو لم يكن؛ لأن الصعيد ليس هو التراب، إنما هو وجه الأرض، ترابا كان أو غيره. قال: ولو أن أرضا كانت كلها صخرًا لا تراب عليه ثم ضرب المتيمم يده على ذلك الصخر لكان ذلك طهورًا إذا مسح به وجهه. أهـ. صفة التيمم: عن عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: أجنبت فلم أصب ماء، فتمعكت (*) في الصعيد وصليت، فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "إنما كان يكفيك هكذا. وضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بكفيه الأرض ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه" (¬2). فائدة: الأصل في التيمم أنه قائم مقام الوضوء، فيباح به ما يباح بالوضوء، ويجوز قبل دخول الوقت كما يجوز الوضوء، ويُصلى به ما شاء كما يصلى بالوضوء. نواقضه: ينقض التيمم ما ينقض الوضوء، وينقضه أيضًا وجود الماء لمن فقده، والقدرة على استعماله لمن عجز عنه، وما مضى من صلاته فصحيح لا تلزمه إعادته. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج رجلان في سفر، فحضرت الصلاة وليس معهما ماء، فتيمما صعيدًا طيبًا فصليا، ثم وجدا الماء في الوقت، ¬
جواز التيمم بالجدار
فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر، ثم أتيا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرا ذلك له، فقال للذى لم يعد أصبت السنة، وأجزأتك صلاتك، وقال للذى توضأ وأعاد: لك الأجر مرتين (¬1). فائدة: من كان به جرح قَدْ لَفّه، أو كسر قد جبره، فقد سقط عنه غسل ذاك الموضع ولا يلزمه المسح عليه ولا التيمم له. برهان ذلك قول الله تعالى: {لا يًكَلِّفُ الله نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬2). وقول ْالرسول - صلى الله عليه وسلم - "إذا أمرتكم بأمر فاتوا منه ما استطعتم" (¬3). فسقط بالقرآن والسنة كل ما عجز عنه المرء، وكان التعويض منه شرعًا، والشرعُ لا يلزم إلا بقرآن أو سنة، ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر والدواء من غسل ما لا يقدر على غسله، فسقط القول بذلك (¬4). جواز التيمم بالجدار (¬5): عن ابن عباس قال: أقبلت أنا وعبد الله بن يسار مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلنا على أبي جهيم بن الحارث بن الصمة الأنصارى، فقال أبو الجهيم: "أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جَمَلٍ (¬6)، فلقيه رجل فسلّم عليه، فلم يرد عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه، ثم رَدَّ عليه السلام" (¬7). ¬
أحكام الحيض والنفاس
أحكام الحيض والنفاس الحيض هو الدم المعروف عند النساء، ولا حد في الشرع لأقله وأكثره، وإنما يرجع فيه إلى العادة. والنفاس هو الدم الخارج بسبب الولادة، وأكثره أربعون يومًا: عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: "كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أربعين يوما" (¬1). ومتى رأت الطهر قبل الأربعين اغتسلت وطهرت، وإن استمر بها الدم بعد الأربعين اغتسلت لتمام الأربعين وطهرت. ما يحرم بالحيض والنفاس : يحرم على الحائض والنفساء ما يحرم على المحدث (*)، وتزيد عليه في تحريم 1 - الصوم: وتقضيه إذا طهرت: عن معاذة قالت: "سألت عائشة فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬2). 2 - الوطء في الفرج، لقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} (¬3). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - "اصنعوا كل شيء إلا النكاح" (¬4). ¬
حكم من أتى حائضا
حكم من أتى حائضَا: قال الإمام النووي - رحمه الله- في شرح مسلم (204/ 3): ولو اعتقد مسلم حل جماع الحائض في فرجها صار كافرًا مرتدًا. ولو فعله إنسان غير معتقد حله: فإن كان ناسيًا أو جاهلّا بوجود الحيض أو جاهلًا بتحريمه أو مكرهًا فلا إثم عليه ولا كفارة. وان وطئها عامدًا عالمًا بالحيض والتحريم مختارًا فقد ارتكب معصية كبيرة نص الشافعي على أنها كبيرة، وتجب عليه التوبة، وفي وجوب الكفارة قولان. اهـ. قلت: والقول الراجح وجوب الكفارة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال: "يتصدق بدينار أو نصف دينارًا (¬1). والتخيير في الحديث راجع إلى التفريق بين أول الدم وآخره، لما روى عن ابن عباس موقوفًا "إن أصابها في فور الدم تصدق بدينار، وإن كان في آخره فنصف دينار" (¬2). الاستحاضة: هي دم يخرج في غير أوقات الحيض والنفاس أو متصلا بهما. فإن كان الأول فواضح، وإن كان الثاني: فإن كانت المرأة معتادة فما زاد على عادتها فهو استحاضة، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لأم حبيبة "امكثى قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي وصلى" (¬3). وإن كانت مميزة بين الدمين فالحيض هو الأسود المعروف، وغيره استحاضة، ¬
أحكام المستحاضة
لقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش: "إذا كان دم الحيض فإنه أسود معروف، فأمسكي عن الصلاة، فهذا كان الآخر فتوضئ فإنما هو عرق" (¬1). فإن بلغت مستحاضة ولا تستطيع التمييز رجعت إلى غالب عادة نسائها، لقوله - صلى الله عليه وسلم - لحمنة بنت جحش: "إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان، فتحيضي ستة أيام أو سبعة في علم الله، ثم اغتسلي، حتي إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلى أربعًا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين وأيامهن، وصومي، فإن ذلك يجزيك، وكذلك فافعلى في كل شهر، كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن" (¬2). أحكام المستحاضة: لا يحرم على المستحاضة شيء مما يحرم بالحيض، إلا أنه يلزمها الوضوء لكل صلاة لقوله - صلى الله عليه وسلم - لفاطمة بنت أبي حبيش "ثم توضئ لكل صلاة" (¬3). ويسن لها الغسل لكل صلاة كما مر في الأغسال المستحبة. * * * ¬
كتاب الصلاة
كتاب الصلاة
منزلتها في الدين
الصلوات المفروضات خمس: الظهر والعصر، والمغرب، والعشاء، والفجر. عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "فرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - الصلوات ليلة أُسرِىَ به خمسين، ثم نقصت حتى جعلت خمسًا، ثم نودي يا محمد إنه لا يُبَدَّل القول لديّ، وإن لك بهذه الخمس خمسين" (¬1). وعن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه أن أعرابيًا جاء إلى رسول - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ما فرض الله على من الصلاة. قال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا" (¬2). منزلتها في الدين: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "بُنى الإِسلام علي خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان" (¬3). حكم تاركها: أجمع المسلمون على أن من جحد فريضة الصلاة فقد كفر وخرج عن الإِسلام. لكنهم اختلفوا فيمن ترك الصلاة مع اعتقاده وجوبها، وسبب الخلاف أحاديث جاءت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسمى تارك الصلاة كافرًا، من غير تفريق بين الجاحد والمتهاون، عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بين الرجل وبين ¬
الشرك والكفر ترك الصلاة" (¬1). وعن بريدة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر" (¬2). لكن الراجح من أقوال العلماء أن المراد بالكفر هنا الكفر الأصغر الذي لا يخرج من الملة، جمعًا بين هذه الأحاديث وأحاديث أخر، منها: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول: "خمس صلوات كتبهن الله على العباد، من أتى بهن لم يضيع منهن شيئًا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه وإن شاء غفر له" (¬3). فلما رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر من لم يأت بهن إلى مشيئة الله، علمنا أن تركهن دون الكفر والشرك، لقول الله تعالى {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (¬4). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن أول ما يحاسب به العبد المسلم يوم القيامة الصلاة المكتوبة، فإن أتمها وإلا قيل انظروا هل له من تطوع، فإنه كان له تطوع كملت الفريضة من تطوعه، ثم يفعل بسائر الأعمال المفروضة مثل ذلك" (¬5). وعن حذيفة بن اليمان قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "يدرس الإِسلام كما يدرس وشي الثوب (*) حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة وليسرى على ¬
على من تجب؟
كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ في ليلة، فلا يبقى في الأرض منه آية. وتبقى طوائف من الناس، الشيخ الكبير والعجوز. يقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة: لا إله إلا الله، فنحن نقولها". فقال له صلة: ما تغنى عنهم لا إله إلا الله، وهم لا يدرون ما صلاة ولا صيام ولا نسك ولا صدقة؟ فأعرض عنه حذيفة. ثم ردّها عليه ثلاثًا. كل ذلك يعرض عنه حذيفة. ثم أقبل عليه في الثالثة فقال: يا صلة تنجيهم من النار. ثلاثًا (¬1). على من تجب؟: تجب على كل مسلم بالغ عاقل: عن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتي يحتلم، وعن المجنون حتي يعقل" (¬2). ويجب على ولي الصبى أن يأمره بها وإن كانت غير واجبة عليه ليتعود المحافظة عليها: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر سنين، وفَرِّقوُا بينهم في المضاجع" (¬3). المواقيت: عن جابر بن عبد الله "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءه جبريل عليه السلام فقال له: قم فصلّه، فصلّى الظهر حين زالت الشمس، ثم جاءه العصر فقال: قم فصلّه، ¬
فصلّى العصر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه المغرب فقال: قم فصلّه، فصلّى المغرب حين وجبت الشمس، ثم جاءه العشاء فقال: قم فصلّه، فصلّى العشاء حين غاب الشفق، ثم جاءه الفجر فقال قم فصلّه، فصلّى الفجر حين برق الفجر، أو قال: سَطَعَ الفجر. ثم جاءه من الغد للظهر فقال: قم فصله، فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله، ثم جاءه العصر فقال: قم فصله، فصلّى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه، ثم جاءه المغرب وقتًا واحدًا لم يزل عنه، ثم جاءه العشاء حين ذهب نصف الليل، أو قال: ثلث الليل فصلى العشاء، ثم جاء حين أسفر جدًا فقال: قم فصله، فصلى الفجر، ثم قال: ما بين هذين الوقتين وقت" (¬1). قال الترمذي: قال محمَّد (يعني ابن إسماعيل البخاري): أصح شيء في المواقيت حديث جابر: 1 - الظهر: وقته من زوال الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله. 2 - العصر: وقته من صيرورة الظل مثله إلى غروب الشمس. 3 - المغرب: وقته من غروب الشمس إلى أن يغيب الشفق: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقت صلاة المغرب ما لم يغب الشفق" (¬2). 4 - العشاء: وقتها من غياب الشفق إلى نصف الليل: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط" (2). 5 - الفجر: وقته من. طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وقت صلاة الصبح من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس" (2). ¬
استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر
الصلاة الوسطي ما هى؟ قال تعالى {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬1). عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الأحزاب "شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارًا" (¬2). استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر: عن جابر بن سمرة قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى الظهر إذا دحضت الشمس (*) " (¬3) استحباب الأبراد بالظهر في شدة الحر: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم" (¬4). استحباب التبكير بالعصر: عن أنس رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى العصر والشمس مرتفعة حيّة، فيذهب الذاهب إلى العوالي فيأتي العواليِ (••) والشمس مرتفعة" (¬5). إثم من فاتته صلاة العصر: عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "الذي تفوته صلاة ¬
إثم من أخرها إلى الاصفرار
العصر كأنما وُتِرَ أهله وماله (*) " (¬1) عن بريدة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله" (¬2). إثم من أخرها إلى الاصفرار: عن أنس قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تلك صلاة المنافق، يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرنى الشيطان قام فنقرها أربعًا لا يذكر الله إلا قليلاًَ (¬3). استحباب تعجيل المغرب وكراهة تأخيرها: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تزال أمتي بخير أو على الفطرة مالم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم" (¬4). وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى المغرب إذا غربت الشمس وتوارت بالحجاب" (¬5). استحباب تأخير العشاء ما لم تكن مشقة: عن عائشة قالت: "أعتم النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل، وحتى نام أهل المسجد، ثم خرج فصلى، فقال: إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي" (¬6). ¬
كراهة النوم قبلها والحديث بعدها لغير مصلحة
كراهة النوم قبلها والحديث بعدها لغير مصلحة: عن أبي برزة رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها (¬1): عن أنس رضي الله عنه قال: نظرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة حتى كان شطر الليل يبلغه، فجاء فصلى لنا ثم خطبنا فقال: ألا إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة" (¬2). استحباب التبكير بالصبح في أول وقتها (وهو التغليس): عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الفجر متلفعات بمروطهن (*)، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة، لا يعرفهن أحد من الغلس" (¬3). متى يكون مدركًا للوقت؟ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر" (¬4). وليس هذا الحكم خاصًا بالصبح والعصر وإنما هو عام في كل صلاة. عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" (¬5). ¬
قضاء الفوائت
قضاء الفوائت: عن أنس رضي الله عنه قال: قال نبى الله - صلى الله عليه وسلم - "من نسى صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" (¬1). هل يقضي من ترك الصلاة عمدًا حتى خرج وقتها؟ قال ابن حزم - رحمه الله - في المحلي (235/ 2): إن الله تعالى جعل لكل صلاة فرض وقتًا محدود الطرفين، يدخل في حين محدود، ويبطل في وقت محدود، فلا فرق بين من صلاها قبل وقتها وبين من صلاها بعد وقتها، لأن كليهما صلى في غير الوقت. وأيضًا فإن القضاء إيجاب شرع، والشرع لا يجوز لغير الله تعالى على لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -، ولو كان القضاء واجبًا على العامد لترك الصلاة حتى يخرج وقتها لما أغفل الله تعالى ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، ولا نسياه، ولا تعمدا اعناتنا بترك بيانه، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬2). وكل شريعة لم يأت بها القرآن والسنة فهي باطل. أهـ. الأوقات التي نُهى عن الصلاة فيها: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تَضَيَّف الشمس (*) للغروب حتى تغرب" (¬3). وقد بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - علّة النهى عن الصلاة في هذه الأوقات بقوله لعمرو بن ¬
ويستثنى من هذا النهى زمان ومكان
عبسة: "صل صلاة الصبح، ثم أقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس حتى ترتفع، فإنها تطلع حين تطلع بين قرنى شيطان، وحينئذ يسجد لها الكفار، ثم صل فإن الصلاة مشهودة محضورة، حتى يستقل الظل بالرمح، ثم أقصر عن الصلاة، فإنه حينئذ تسجر جهنم، فإذا أقبل الفيء فصل فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر، ثم أقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس، فإنها تغرب بين قرنى شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار" (¬1). ويستثنى من هذا النهى زمان ومكان: أما الزمان فعند الاستواء يوم الجمعة، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة فيتطهر ما استطاع من طهر، ويدهن من دهن، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإِمام، إلا غفر له، ما بينه وبين الجمعة الأخرى" (¬2). فندبه إلى صلاة ما كتب له، ولم يمنعه عنها إلا في وقت خروج الإِمام، ولهذا قال غير واحد من السلف منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتبعه عليه الإِمام أحمد بن حنبل: خروج الإِمام يمنع الصلاة، وخطبته تمنع الكلام، فجعلوا المانع من الصلاة خروج الإِمام لا انتصاف النهار. وأما المكان: فمكة زادها الله تعالى تشريفًا وتعظيمًا، فلا تكره الصلاة فيها في شيء من هذه الأوقات، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "يا بني عبد مناف، لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى آية ساعة من ليل أو نهار" (¬3). والصلاة المنهى عنها في هذه الأوقات هى صلاة التطوع المطلق الذي لا سبب ¬
النهي عن التطوع بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح.
له، فيجوز في هذه الأوقات: قضاء الفوائت فريضة كانت أونافله، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها، لاكفارة لها إلا ذلك" (¬1). كما تجوز الصلاة عقيب الوضوء في أي وقت كان، لحديث أبي هريرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الصبح: "يا بلال أخبرنى بأرجى عمل عملته في الإِسلام، فإني سمعت دف نعليك بين يدىّ في الجنة! قال: ما عملت عملا أرجى عندي: أني لم أتطهر طهورًا في ساعة من ليل أو نهار الأصليت بذلك الطهور ما كتبا لي أن أصلى" (¬2). وتجوز تحية المسجد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين" (¬3). النهي عن التطوع بعد طلوع الفجر وقبل صلاة الصبح. عن يسار مولى ابن عمر قال: رآني ابن عمر وأنا أصلى بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج علينا ونحن نصلى هذه الصلاة، فقال: "ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا تصلوا بعد الفجر إلا سجدتين" (¬4). النهى عن التطوع إذا أقيمت الصلاة. عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" (¬5). ¬
المواضع التي نهى عن الصلاة فيها
المواضع التي نهى عن الصلاة فيها: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "فضلت على الأنبياء بستّ: أعطيت جوامع الكلم. ونصرت بالرعب. وأحلت لي الغنائم. وجعلت لي الأرض طهورًا ومسجدًا. وأُرسلت إلى الخلق كافَة. وخُتم بي النّبيون" (¬1). فالأرض كلها مسجد إلا ما استثنى في هذه الأحاديث: عن جندب بن عبد الله البجلى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "ألا وإنّ من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك" (¬2). وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمّام" (¬3). وعن البراء بن عازب قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة في مبارك الإبل فقال: "لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين". وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم. فقال: "صلوا فيها فإنها بركة" (¬4). ¬
الأذان
الأذان حكمه: الأذان هو الإعلام بدخول وقت الصلاة بألفاظ مخصوصة (¬1)، وهو واجب: عن مالك بن الحويرث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكِم اكبركم" (¬2): فقد أمره - صلى الله عليه وسلم - بالأذان والأمر للإيجاب كما هو معلوم. ْوعن أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا غزا بنا قومًا لم يكن يغزو بنا حتي يصبح وينظر، فإن سمع أذانًا كف عنهم، وإن لم يسمع أذانًا أغار عليهم" (¬3). فضله: عن معاوية رضي الله عنه أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المؤذنين أطول الناس أعناقا يوم القيامة" (¬4). وعن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصارى ثم المازنى عن أبيه أنه أخبره أن أبا سعيد الخدرى قال له: "إنى أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو بادتيك فاذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنّ ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة". قال أبو سعيد سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬5). صفته: عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال: لما أجمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب بالناقوس وهُو لَه كاره لموافقته النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم، رجلٌ ¬
استحباب جمع المؤذن بين كل تكبيرتين في نفس
عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله. قال: فقلت: يا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قال وما تصنع به؟ قال: قلت: ندعو به إلى الصلاة. قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟ فقلت بلى. قال: تقول الله أكبر الله أكبر. الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. حيّ على الصلاة، حى على الصلاة. حىّ على الفلاح، حىّ على الفلاح. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: ثم استأخر غير بعيد، قال: ثم تقول إذا أقمت الصلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدًا رسول الله، حىّ على الصلاة حىّ على الفلاح، قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله. قال: فلما أصبحت أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته بما رأيت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن هذه الرؤيا حق إن شاء الله، ثم أمر بالتاذين. فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك" (¬1). استحباب جمع المؤذن بين كل تكبيرتين في نفَس: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر. ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله .... الحديث (¬2). ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين، وأن السامع يجيبه كذلك (¬3). ¬
استحباب الترجيع
استحباب الترجيع: الترجيع: هو العود إلى الشهادتين مرتين برفع الصوت بعد قولهما مرتين بخفض الصوت (¬1). عن أبي محذورة رضي الله عنه أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - علمه هذا الأذان: "الله أكبر الله أكبر. أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدًا رسول الله أشهد أن محمدًا رسول الله. ثم يعود فيقول: أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله. أشهد أن محمدًا رسول الله، أشهد أن محمدًا رسول الله. حىّ على الصلاة مرتين، حىّ على الفلاح مرتين. الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" (¬2). التثويب في الأذان الأول للصبح: عن أبي محذورة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه الأذان: وفيه: حىّ على الفلاح، حىّ على الفلاح، الصلاة خير من النوم، الصلاة خير من النوم، في الأولي من الصبح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله" (¬3). قال الأمير الصنعانى في سبل السلام (120/ 1): قال ابن رسلان: فشرعية التثويب إنما هى في الأذان الأول للفجر لأنه لإيقاظ النائم، وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ودعاء إلى الصلاة. أهـ. استحباب الأذان في أول الوقت وتقديمه عليه في الفجر خاصة: عن جابر بن سمرة قال: "كان بلال يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم، ثم لا يقيم حتى يخرج إليه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا خرج أقام حين يراه" (¬4). ¬
ما يقال عند سماع الأذان والإقامة
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن بلالا يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" (¬1). وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - الحكمة من تقديم الأذان في الفجر على الوقت بقوله: "لا يمنعن أحدكم أذان بلال من سحوره، فإنه يؤذن، أو قال ينادى بليل ليرجع قائمكم، ولينبه نائمكم" (¬2). ما يقال عند سماع الأذان والإقامة: يستحب لمن سمع الأذان والإقامة أن يقول مثل ما يقول المؤذن: عن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن" (¬3). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم الله أكبر الله أكبر، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال: أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال أشهد أن محمدًا رسول الله، قال: أشهد أن محمدا رسول الله، ثم قال: حى على الصلاة، قال لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال الله أكبر الله أكبر، قال: الله أكبر الله أكبر، ثم قال: لا إله إلا الله، قال: لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة" (¬4). فمن قال مثل ما يقول المؤذن، أو قال عند الحيعلتين: لا حول ولا قوة إلا بالله، أو جمع بين الحيعلة والحوقلة فقد أصاب إن شاء الله. فهذا فرغ المؤذن من الأذان أو الإقامة، وأجابه السامع قال بعد الفراغ ما يأتي ¬
فائدة
في الحديثين: عن عبد الله بن عمرو: أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علىّ، فإنه من صلى علىّ صلاة صلى الله بها عليه عشرا، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغى إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل الله لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة (¬1). وعن جابر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، حلت له شفاعتى يوم القيامة" (¬2). فائدة: يستحب للمسلم الإكثار من الدعاء بين الأذان والإقامة فإن الدعاء حينئذ مستجاب: عن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة" (¬3). ما يستحب للمؤذن (¬4): يستحب للمؤذن أن يتصف بالصفات الآتية: 1 - أن يبتغي بأذانه وجه الله، فلا يأخذ عليه أجرًا، فعن عثمان بن أبي العاص قال: قلت يا رسول الله، اجعلني إمام قومي، قال: "أنت إمامهم، واقتد بأضعفهم، واتخذ مؤذنًا لا يأخذ على أذانه أجرًا" (¬5). 2 - أن يكون طاهرًا من المحدثين، لما مرّ فيما يستحب له الوضوء. ¬
كم بين الأذان والإقامة؟
3 - أن يكو الن قائمًا مستقبل القبلة، قال ابن المنذر: الإجماع على أن القيام في الأذان من السنة لأنه أبلغ فيسماع، وأن من السنة أن يستقبل القبلة بالأذان. ذلك أن مؤذنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانوا يؤذنون مستقبلى القبلة. 4 - أن يلتفت برأسه وعنقه يمينًا عند قوله: حىّ على الصلاة، وشمالا عند قوله: حىّ على الفلاح. عن أبي جحيفة "أنه رأى بلالًا يؤذن، قال: فجعلت أتتبع فاه ها هنا وههنا بالأذان (¬1). 5 - أن يدخل إصبعيه في أذنيه، لقول أبي جحيفة: "رأيت بلالًا يؤذن ويدور، ويُتبع فاه ها هنا وها هنا، وإصبعاه في أذنيه" (¬2). 6 - أن يرفع صوته بالنداء: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنُّ ولا إنس ولا شىء إلا شهد له يوم القيامة" (¬3). كم بين الأذان والإقامة؟ وينبغي الفصل بين الأذان والإقامة بوقت يتسع للتأهب للصلاة وحضورها، لأن الأذان إنما شرع لهذا، وإلا ضاعت الفائدة منه. قال ابن بطال: (¬4) لا حد لذلك غير تمكن دخول الوقت واجتماع المصلين. النهي عن الخروج من المسجد بعد الأذان: ¬
الأذان والإقامة للفائتة
عن أبي الشعثاء قال: كنا قعودا في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - (¬1). الأذان والإقامة للفائتة: من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يشرع له أن يؤذن لها ويقيم، لما رواه أبو داود في قصة نوم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه عن صلاة الفجر في السفر، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بلالًا فأذن وأقام" (¬2). فإن تعددت الفوائت أذّن أذانًا واحدًا وأقام لكل صلاة، لحديث ابن مسعود قال: "إن المشركين شغلوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أربع صلوات يوم الخندق، حتى ذهب من الليل ما شاء الله، فأمر بلالًا فأذن، ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، ثم أقام فصلى العشاء" (¬3). شروط صحة الصلاة: يشترط لصحة الصلاة ما يلي: 1 - العلم بدخول الوقت، لقوله تعالى: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} (¬4). فلا تصح الصلاة قبل دخول وقتها ولا بعد خروجه إلا لعذر. ¬
فائدة
2 - الطهارة من الحدثين، لقولى تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} (¬1). ولحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (¬2). 3 - طهارة الثوب والبدن والمكان الذي يصلى فيه: أما طهارهّ الثوب، فلقوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} (¬3). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض ثم ليصلّ فيهما" (¬4). وأما طهارة البدن، فلقول - صلى الله عليه وسلم - لعلىّ وقد سأله عن المذى "توضأ واغسل ذكرك" (¬5). وقال للمستحاضة: "اغسلي عنك الدم وصلى" (¬6). وأما طهارة المكان: فلقوله - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه وقد بال الأعرابي في المسجد: "أريقوا على بوله سجلا من ماء" (¬7). فائدة: من صلى وعليه نجاسة لا يدرى بها فصلاته صحيحة ولا إعادة عليه، وإن علم بها أثناء الصلاة: فإن أمكنه إزالتها بأن كانت في نعليه أو في ثوب زائد على ما يستر العورة أزالها وأتم صلاته، وإن لم يمكن إزالتها صلى ولا إعادة عليه: لحديث أبي سعيد أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى فخلع نعليه، فخلع الناس نعالهم، فلما انصرف قال: "لم خلعتم؟ قالوا: رأيناك خلعت فخلعنا، فقال: "إن جبريل ¬
أتاني فأخبرني أن بهما خبثًا، فإذا جاء أحدكم المسجد فليقلب نعليه ولينظر فيهما، فإن رأى خبثًا فليمسحه بالأرض ثم ليصلّ فيهما" (¬1). 4 - ستر العورة: لقولى تعالى {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬2) أي استروا عوراتكم، وكانوا يطوفون بالبيت عراة. ولقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" (¬3). وعورة الرجل ما بين سرته وركبته، كما جاء بذلك الحديث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعًا "ما بين السرة والركبة عورة" (¬4). وعن جرهد الأسلمى قال: مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلىّ بردة وقد انكشفت فخذي، فقال: "غط فخذك فإن الفخذ عورة" (¬5). والمرأة كلها عورة إلا وجهها وكفيها في الصلاة: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "المرأة عورة" (¬6). وقوله "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" (¬7). 5 - استقبال القبلة: لقولى تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} (¬8). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسىء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة ... الحديث" (¬9). ويجوز ترك الاستقبال في شدة الخوف وفي النافلة في السفر على الراحلة: ¬
فائدة
قال الله تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} (¬1). قال ابن عمر: مستقبلى القبلة وغير مستقبليها، قال نافع: لا أرى ابن عمر ذكر ذلك إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬2). وعن ابن عمر قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسبح على راحلته قِبَلَ أي وجه توجه، ويوتر عليها غير أنه لا يصلّى عليها المكتوبة" (¬3). فائدة: من تحرّى القبلة فصلى إلى الجهة التي ظنها، ثم تبين له خطؤه فلا إعادة عليه: عن عامر بن ربيعة قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر في ليلة مظلمة، فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله، فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فنزل {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} (¬4). 6 - النية: وهي أن ينوي الصلاة التي قام إليها ويعيّنها بقلبه، كفرض الظهر أو العصر، أو سنتهما مثلًا (¬5)، ولا يشرع التلفظ بها، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتلفظ بها، وإنما كان - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة قال: الله أكبر، ولم يقل شيئا قبلها، ولا تلفظ بالنية البتة، ولا قال أصلى لله، صلاة كذا، مستقبل القبلة، أربع ركعات إماما، أو مأمومًا، ولا قال: أداء، ولا قضاء، ولا فرض الوقت، وهذه عشر بدع، لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل، لفظة واحدة منها البتة، ولا عن أحد من أصحابه، ولا استحسنه أحد من التابعين ولا الأئمة الأربعة. أهـ (¬6). ¬
صفة الصلاة
صفة الصلاة (¬1) كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة استقبل الكعبة قائمًا قريبًا من السترة، وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى". ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يستفتح الصلاة بقوله: الله أكبر، وكان يرفع يديه مع التكبير، ثم يضع اليمنى على اليسرى فوق صدره، ثم يرمي ببصره نحو الأرض. ثم يستفتح القراءة بأدعية كثيرة متنوعة، يحمد الله تعالى فيها ويمجده ويثنى عليه. ثم يستعيذ بالله تعالى من الشيطان الرجيم. ثم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ولا يجهر بها، ثم يقرأ الفاتحة ويقطعها آية آية. فإذا انتهى من الفاتحة قال: آمين، ويجهر ويمد بها صوته. ثم يقرأ بعد الفاتحة سورة غيرها وكان يطيلها أحيانًا، ويقصرها أحيانًا. وكان - صلى الله عليه وسلم - يجهر بالقراءة في صلاة الصبح وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء ويسرّ بها في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء. وكان يجهر بها أيضًا في صلاة الجمعة والعيدين، والاستسقاء، والكسوف. وكان يجعل الركعتين الأخيرتين أقصر من الأوليين قدر النصف، قدر خمس عشرة آية، وربما اقتصر فيهما على الفاتحة. ثم كان - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من القراءة سكت سكتة، ثم رفع يديه وكبر وركع. وكان يضع كفيه على ركبتيه، ويفرج بين أصابعه، ويمكن يديه من ركبتيه كأنه قابض عليهما. وكان يجافي مرفقيه عن جنبيه، ويبسط ظهره ويسوّيه، حتى لو صب عليه الماء لاستقر. وكان يطمئن في ركوعه، ويقول: سبحان ربى العظيم ثلاثا. وكان يقول في هذا الركن أنواعا من الأذكار والأدعية، تارة بهذا، وتارة بهذا. وكان ينهى عن قراءة القرآن في الركوع والسجود. ¬
ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يرفع صلبه من الركوع قائلا: سمع الله لمن حمده، وكان يرفع يديه عند هذا الاعتدال، ويقول وهو قائم: ربنا ولك الحمد، وكان تارة يزيد على ذلك. ثم كان يكبر ويهوى ساجدا، ويضع يديه على الأرض قبل ركبته، وكان يعتمد على كفّيه ويبسطهما، ويضم أصابعهما ويوجههما قبل القبلة، وكان يجعلهما حذو منكبيه، وأحيانا حذو أذنيه، ويمكن أنفه وجبهته من الأرض وكان يقول: أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين والركبتين وأطراف القدمين. وكان يقول: "لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين" وكان يطمئن في سجوده، ويقول: سبحان ربي الأعلى. ثلاثا. وكان يقول أنواعا من الأذكار والأدعية، تارة هذا، وتارة هذا. وكان يأمر بالاجتهاد والإكثار من الدعاء في هذا الركن. ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يرفع رأسه مكبرا، ثم يفرش رجله اليسرى فيقعد عليها مطمئنا؛ وكان ينصب رجله اليمنى ويستقبل بأصابعها القبلة. وكان يقول: اللهم اغفر لي وارحمنى، واجبرني وارفعني، واهدني، وعافنى، وارزقني. ثم يكبر ويسجد السجدة الثانية كالأولى، ثم يرفع رأسه مكبرا. ثم يستوى قاعدا على رجله اليسرى معتدلا، حتى يرجع كل عظم إلى موضعه، ثم ينهض معتمدا على الأرض إلى الركعة الثانية. وكان يصنع فيها مثل ما يصنع في الأولى، إلا أنه كان يجعلها أقصر من الأولى. ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يجلس للتشهد بعد الفراغ من الركعة الثانية، فإذا كانت الصلاة ركعتين جلس مفترشا، كما كان يجلس بين السجدتين، وكذلك يجلس في التشهد الأول من الثلاثية والرباعية، وكان إذا قعد في التشهد وضع كفه اليمني على فخذه اليمنى، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى، وكان يبسط اليسرى، ويقبض اليمنى، ويشير بالسبابة ويرمى ببصره إليها، وكان إذا رفع أصبعه يحركها يدعو بها ويقول: "لهى أشد على الشيطان من الحديد. يعني السبابة". ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في كل ركعتين التحية، وكان يصلى على نفسه في التشهد الأول وغيره، وشرع ذلك لأمته. وكان - صلى الله عليه وسلم - يدعو فى صلاته بأدعية متنوعة.
أركان الصلاة
ثم كان - صلى الله عليه وسلم - يسلم عن يمينه: "السلام عليكم ورحمة الله وعن يساره كذلك، وكان أحيانا يزيد في التسليمة الأولى "وبركاته". أركان الصلاة: للصلاة فرائض وأركان تتركب منها حقيقتها، حتى إذا تخلف فرض منها لا تتحقق ولا يعتد بها شرعًا، وهذه الأركان هي: 1 - تكبيرة الإحرام: عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للمسيء صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فكبر" (¬2). 2 - القيام في الفرض للقادر عليه، قال الله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} (¬3). وكان - صلى الله عليه وسلم - يصلى قائمًا. وأمر بذلك عمران بن حصين، فقال له: "صل قائمًا، فإن لم تستطع فقاعدًا، فإن لم تستطع فعلى جنب" (¬4). 3 - قراءة الفاتحة في كل ركعة: عن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" (¬5). وقد أمر النبي المسىء صلاته بالقراءة ثم قال: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" (¬6). 4، 5 - الركوع والطمأنينة فيه، لقوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا .... } الآية (¬7). ¬
ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته: "ثم اركع حتى تطمئن راكعا" (¬1). 6، 7 - الاعتدال بعد الركوع والطمأنينة فيه: عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا تجزى صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود" (¬2) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسيء صلاته: "ثم ارفع حتى تعتدل قائما" (¬3). 8، 9 - السجود والطمأنينة فيه، لقولى تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا .... } (¬4). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - للمسيىء صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا" (¬5). أعضاء السجود: عن ابن عباس قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده على أنفه، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين" (¬6). وعن ابن عباس أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب جبينه" (¬7). 10، 11 - الجلوس بين السجدتين والطمأنينة فيه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجزى صلاة لا يقيم فيها الرجل صلبه في الركوع والسجود" (¬8). ¬
فائدة
ولأمره - صلى الله عليه وسلم - المسيء صلاته بذلك، كما مرّ في السجود. 12 - التشهد الأخير: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد: السلام على الله، السلام على جبريل وميكائيل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تقولوا هكذا, ولكن قولوا: التحيات لله ... " (¬1). فائدة: أصح صيغ التشهد ما رواه ابن مسعود رضي الله عنه قال: "علمنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التشهد كفىّ بين كفيّه، كما يعلمني السورة من القرآن التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله" (¬2). فائدة أخرى: قوله "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" قال الحافظ في الفتح (2/ 314): وقد ورد في بعض طرق حديث ابن مسعود هذا ما يقتضى المغايرة بين زمانه - صلى الله عليه وسلم - فيقال بلفظ الخطاب، وأما بعده فيقال بلفظ الغيبة، ففى الاستئذان من صحيح البخاري من طريق أبي معمر عن ابن مسعود بعد أن ساق حديث التشهد قال: "وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا السلام، يعني على النبي" كذا وقع في البخاري، وأخرجه أبو عوانة في صحيحه, والسراج والجوزقى وأبو نعيم الأصبهاني، والبيهقي من طرق متعددة إلى أبي نعيم شيخ البخاري، فيه بلفظ "فلما قبض قلنا: السلام على النبي "بحذف لفظ يعني". وكذلك رواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي نعيم. قال السبكى في شرح المنهاج بعد أن ذكر هذه الرواية من عند أبي عوانة وحده: إن صح هذا عن الصحابة دل على أن الخطاب في السلام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
غير واجب، فيقال: السلام على النبي. قلت (القائل الحافظ): قد صح بلا ريب، وقد وجدت له متابعًا قويًا قال عبد الرزاق: أخبرنا ابن جريج أخبرني عطاء أن الصحابة كانوا يقولون والنبي - صلى الله عليه وسلم - حىّ: السلام عليك أيها النبي، فلما مات قالوا: السلام على النبيّ، وهذا إسناد صحيح. أهـ. قال الألباني في صفة الصلاة (126): "ولا بد أن يكون ذلك بتوقيف منه - صلى الله عليه وسلم -، ويؤيده أن عائشة رضي الله عنها كذلك كانت تعلمهم التشهد في الصلاة: "السلام علي النبي" رواه السراج في مسنده (ج 9/ 1/ 2) والمخلص فى "الفوائد" (ج 11/ 54/1)، بسندين صحيحين عنها. أهـ. 13 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد الأخير: لحديث فضالة بن عبيد الأنصارى: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلًا يصلى، لم يحمد الله ولم يمجده، ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وانصرف. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "عجل هذا" فدعاه وقال له ولغيره: "إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه، وليصل علي النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم يدعو بما شاء" (¬1). وعن أبي مسعود قال: أقبل رجل حتى جلس بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن عنده فقال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلى عليك إذا نحن صلينا عليك في صلواتنا, صلى الله عليك؟ قال: فصمت حتى أحببنا أن الرجل لم يسأله, ثم قال: "إذا أنتم صليتم عليّ فقدلوا: اللهم صل علي محمد النّبي الأمي وعلى آل محمد ... الحديث" (¬2). ¬
واجبات الصلاة
فائدة: أفضل صيغ الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ما رواه كعب بن عجرة قال: قلنا يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك، فكيف الصلاة؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد (¬1). 14 - السلام: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم" (¬2). واجبات الصلاة: 1 - تكبيرات الانتقال، وقول سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام إلى الصلاة يكبر حين يقوم، ثم يكبر حين يركع، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حين يرفع صلبه من الركعة، ثم يقول وهو قائم: ربنا لك الحمد، ثم يكبر حين يهوى، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يكبر حين يسجد، ثم يكبر حين يرفع رأسه، ثم يفعل ذلك في الصلاة كلها حتى يقضيها، ويكبر حين يقوم من الثنتين بعد الجلوس" (¬3). وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" (¬4). وقد أمر بذلك المسيء صلاته فقال: "إنه لا تتم صلاة لأحد من الناس حتى يتوضأ فيضع الوضوء -يعني مواضعه- ثم يكبر ويحمد الله عز وجل ويثنى عليه، ويقرأ بما شاء من القرآن ثم يقول: الله أكبر، ثم يركع حتى تطمئن مَفاصِلَه، ثم يقول: سمع الله لمن حمده، حتى يستوي قائمًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد ¬
حتى تطمئن مَفاصِلَه، ثم يقول الله أكبر، ويرفع رأسه حتى يستوى قاعدًا، ثم يقول: الله أكبر، ثم يسجد حتى تطمئن مَفاصِلَة، .. ثم يرفع رأسه فيكبر، فإذا فعل ذلك فقد تمت صلاته" (¬1). 2 - التشهد الأول: عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع به ربه عز وجل" (¬2). وقد أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - المسيء صلاته فقال: "فإذا جلست في وسط الصلاة فاطمئن وافترش فخذك اليسرى ثم تشهد" (¬3). 3 - ويجب عليه إذا قام إلى الصلاة أن يتخذ سترة بين يديه، تمنع المرور أمامه، وتكف بصره عما وراءها: عن سهل بن أبي حثمة: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة، وليدن منها, لا يقطع الشيطان عليه صلاته" (¬4). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصل إلا إلى سترة، ولا تدع أحدًا يمر بين يديك، فإن أبى فلتقاتله، فإن معه القرين" (¬5). وتتحقق السترة بالجدار والاسطوانة والعصا المغروزة والراحلة يعرضها فيصلى إليها، وأقل ما يجزئ مثل مؤخرة الرحل (*)، لحديث موسي بن طلحة عن أبيه ¬
دنو المصلى من السترة
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وضع أحدكم بين يديه مثل مؤخرة الرحل فليصل، ولا يبال من مر وراء ذلك" (¬1). دنو المصلى من السترة: عن بلال: "أنه - صلى الله عليه وسلم - صلى وبينه وبين الجدار نحو من ثلاثة أذرع" (¬2). وعن سهل بن سعد قال: "كان بين مصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبين الجدار ممر الشاة" (¬3). فإذا اتخذ السترة فلا يدع شيئًا يمر بينه وبين السترة: عن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى فمرت شاة بين يديه، فساعاها إلى القبلة حتى ألزق بطنه بالقبلة" (¬4). وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان أحدكم يصلى فلا يدع أحدًا يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان" (¬5). وإذا لم يتخذ سترة فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود: عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم يصلى، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل. فإذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" قلت: يا أبا ذر! ما بال الكلب الأسود من الكلب الأحمر من الكلب الأصفر؟ قال: يا ابن أخي سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما سألتنى فقال: "الكلب الأسود شيطان" (¬6). ¬
تحريم المرور بين يدي المصلى
تحريم المرور بين يدي المصلى: عن أبي جهيم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لو يعلم المارّ بين يدي المصلى ماذا عليه، لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يديه" (¬1). سترة الإِمام سترة للمأموم: عن ابن عباس قال: "أقبلت راكبًا على أتان. وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى بالناس بمنى. فمررت بين يدي الصف. فنزلت فأرسلت الأتان ترتع. ودخلت في الصف. فلم ينكر ذلك علي أحد" (¬2). سنن الصلاة: وسننها قسمان: قولية وفعلية: فأما القولية فهي: 1 - دعاء الاستفتاح، وأفضله، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا كبر في الصلاة سكت هنيهة قبل القراءة، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمى، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياى كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نَقنَّى من خطاياى كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدَنَس، اللهم اغسلنى من خطاياى بالثلج والماء والبَرَد" (¬3). ¬
2 - الاستعاذة: قال الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (98)} (¬1). وعن أبي سعيد الخدرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان إذا قام إلى الصلاة استفتح ثم يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه ونفثه" (¬2). 3 - التأمين: عن وائل بن حجر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قرأ ولا الضالين قال آمين ورفع بها صوته (¬3): وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أمّن الإِمام فَأمّنوا، فإن من وافق تامينه تأمين الملائكة غُفِرَ له ما تقدم من ذنبه" (¬4) 4 - القراءة بعد الفاتحة: عن أبي قتادة قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بفاتحة الكتاب وسورتين، يُطوّل في الأولى ويُقصّر في الثانية، ويُسمع الآية أحيانا، وكان يقرأ في العصر بفاتحة الكتاب وسورتين، وكان يُطول في الركعة الأولى من صلاة الصبح ويُقصر في الثانية" (¬5). وعنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، ويسمعنا الآية أحيانا، ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب" (¬6). وتسنّ القراءة في الأخريين أحيانا: لحديث أبي سعيد "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في صلاة الظهر في الركعتين الأوليين في كل ركعة قدر ثلاثين آية، وفي الأخريين قدر خمس عشرة آية، أو قال: نصف ذلك، وفي العصر في الركعتين الأوليين في ¬
كل ركعة قدر قراءة خمس عشرة آية، وفي الأخريين قدر نصف ذلك" (¬1). والسنة أن يجهر بالقراءة في صلاة الصبح وفي الأوليين من المغرب والعشاء وأن يسرّ بها في الظهر والعصر، والثالثة من المغرب، والأخريين من العشاء. 5 - التسبيح في الركوع والسجود: عن حذيفة قال: "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فكان يقول في ركوعه: سبحان ربي العظيم، وفي سجوده: سبحان ربي الأعلى" (¬2). وعن عتبة بن عامر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع قال: سبحان ربي العظيم وبحمده، ثلاثًا، وإذا سجد قال: سبحان ربي الأعلى وبحمده، ثلاثًا" (¬3). 6 - الزيادة في الاعتدال من الركوع على قول: ربنا ولك الحمد، بإحدى هذه الزيادات: ملء السموات وملء الأرض وما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد (¬4). فإن شاء اقتصر على هذه الزيادة وإن شاء أتمها بقوله: أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطى لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد (¬5). ربنا ولك الحمد حمدًا كثيرا طيبًا مباركا عليه، كما يحب ربنا ويرضى (¬6). 7 - الدعاء بين السجدتين: عن حذيفة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: رب اغفر لي، رب اغفر لي" (¬7). ¬
وعن ابن عباس "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول بين السجدتين: اللهم اغفر لي وارحمنى، واجبرنى واهدنى واررقنى" (¬1). 8 - الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد التشهد الأول لفعله - صلى الله عليه وسلم - ذلك: عن عائشة قالت: كنا نعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواكه وطهوره، فيبعثه الله فيما شاء أن يبعثه من الليل، فيتسوك ويتوضأ، ثم يصلى تسع ركعات لا يجلس فيهن إلا عند الثامنة، فيدعو ربه ويصلى على نبيه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يصلى التاسعة، فيقعد، ثم يحمد ربه ويصلى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - ويدعو، ثم يسلم ... " (¬2). 9 - الدعاء بعد التشهد الأول والثانى سواء: أما بعد الأول: فعن ابن مسعود قال: إن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قعدتم في كل ركعتين فقولوا: التحيات لله، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه، فليدع ربه عز وجل" (¬3). وأما بعد الثاني: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فليتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال" (¬4). 10 - التسليمة الثانية: لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين، كما جاء عن ابن مسعود: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم عن يمينه وعن يساره السلام عليكم ورحمة الله، ¬
والسلام عليكم ورحمة الله، حتى يُري بياض خده" (¬1). وربما اقتصر على تسليمة واحدة، كما جاء عن عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم في الصلاة تسليمة واحدة تلقاء وجهه، يميل إلى الشق الأيمن شيئًا" (¬2). السنن الفعلية: 1 - رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع والرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول: عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه حذو منكبيه إذا افتتح الصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا رفع رأسه من الركوع رفعهما كذلك أيضًا" (¬3). وعن نافع: "أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك إلى نبى الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). ويسنُّ رفعهما أحيانا عند كل خفض ورفع: لحديث مالك بن الحويرث: "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - رفع يديه في صلاته إذا ركع، وإذا رفع رأسه من الركوع، وإذا سجد، وإذا رفع رأسه من السجود، حتى يحاذى بهما فروع أذنيه" (¬5). 2 - وضع اليمين على الشمال فوق الصدر: عن سهل بن سعد قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة". قال أبو حازم: لا أعلمه إلا ينمى ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). ¬
وعن وائل بن حجر قال: "صليت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووضع يده اليمني على يده اليسرى على صدره" (¬1). 3 - النظر إلى موضع السجود: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "لما دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها" (¬2). 4 - أن يفعل في ركوعه ما تضمنته هذه الأحاديث من الهيئات: عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ركع لم يُشْخص رأسه ولم يُصَوبه (*) ولكن بين ذلك" (¬3). وعن أبي حميد في وصفه لصلاة النبيَ - صلى الله عليه وسلم - قال "وإذا ركع أمكن يديه من ركبتيه، ثم هصر (¬4) ظهره" (¬5). وعن وائل بن حجر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا ركع فرّج أصابعه" (¬6). وعن أبي حميد: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركع فوضع يديه على ركبتيه كانه قابض عليهما، ووتر يديه (**) فنحاهما عن جنبيه" (¬7). 5 - تقديم اليدين على الركبتين في السجود: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" (¬8). ¬
6 - أن يفعل في سجوده ما تضمنته هذه الأحاديث من الهيئات: عن أبي حميد في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإذا سجد وضع يديه غير مفترش ولا قابضهما: واستقبل بأطراف أصابع رجليه القبلة" (¬1). وعن البراء قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجدت فضع كفيك وارفع مرفقيك، (¬2). وعن عبد الله بن مالك ابن بحينة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا صلى فرّج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه" (¬3). وعن عائشة قالت: "فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان معي على فراشي، فوجدته ساجدا راصًّا عقبيه، مستقبلا بأطراف أصابعه القبلة" (¬4). وعن وائل بن حجر قال: "أتيت المدينة فقلت: لأنظرن إلى صلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" فذكر بعض الحديث وقال: ثم هوى، فسجد، فصار رأسه بين كفيه .. " (¬5). وعن وائل بن حجر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد ضم أصابعه" (¬6). وعن البراء قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا سجد فوضع يديه بالأرض استقبل بكفيه وأصابعه القبلة" (¬7). 7 - أن يكون جلوسه بين السجدتين على الهيئة التي تضمنتها الأحاديث الآتية: عن عائشة قالت: "وكان يفرش رجله اليسرى، وينصب رجله اليمني" (¬8). وعن ابن عمر قال: "من سنة الصلاة أن تنصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى" (¬9). ¬
وعن طاوس قال: قلنا لابن عباس في الإقعاء على القدمين، فقال: هى السنة. فقلنا له إنا لنراه جفاء بالرجل، فقال ابن عباس: بل هى سنة نبيك - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 8 - أن لا ينهض من السجود حتى يستوى جالسا: عن أبي قلابة قال: أخبرنا مالك بن الحويرث الليثى "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى، فإذا كان في وتر من صلاته لم ينهض حتى يستوي قاعدًا" (¬2). 9 - أن يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة: عن أيوب عن أبي قلابة قال: "جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا، فقال: إنى لأصلى بكم وما أريد الصلاة، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى. قال أيوب: فقلت لأبي قلابة وكيف كانت صلاته؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا - يعني عمرو بن سلمة. قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير، وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية جلس واعتمد على الأرض ثم قام" (¬3). 10 - أن يكون جلوسه في التشهدين على ما جاء في هذه الأحاديث: عن أبي حميد أنه قال في وصفه صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا جلس في الركعتين جلس على رجله اليسرى ونصب اليمنى، وإذا جلس في الركعة الآخرة قدم رجله اليسرى ونصب الأخرى وقعد على مقعدته" (¬4). وعن ابن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها وأشار بإصبعه التي تلى الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى" (¬5). ¬
الأذكار والأدعية المشروعة بعد الصلاة
وعن نافع قال: كان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، وأشار بإصبعه وأتبعها بصره، ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لهى أشد على الشيطان من الحديد" يعني السبابة (¬1). الأذكار والأدعية المشروعة بعد الصلاة: 1 - عن ثوبان: قال "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت ذا الجلال والإكرام". قال الوليد: فقلت للأوزاعى: كيف الاستغفار؟ قال: تقول: أستغفر الله. أستغفر الله (¬2). 2 - عن أبي الزبير قال: كان ابن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهوعلى كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. وقال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهن دبر كل صلاة (¬3). 3 - وعن وراد مولى المغيرة بن شعبة قال: كتب المغيرة بن شعبة إلى معاوية: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ من الصلاة وسلم قال: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير. اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد *" (¬4). 4 - وعن كعب بن عجرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "معقبات لا يخيب قائلهن ¬
- أو فاعلهن -: ثلاث وثلاثون تسبيحة، وثلاث وثلاثون تحميدة، وأربع وثلاثون تكبيرة، في دبر كل صلاة" (¬1). وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وحمد الله ثلاثًا وثلاثين، وكبّر الله ثلاثًا وثلاثين، فتلك تسعة وتسعون، وقال تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر" (¬2) (*). 5 - وعن معاذ بن جبل قال: أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومًا بيدى فقال لي: يا معاذ والله إني لأحبك. فقلت: بأبي أنت وأمى، والله إنى لأحبك. قال: يا معاذ إني أوصيك لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعنى على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك" (¬3). 6 - عن أبي أمامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من قرأ آية الكرسى دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت" (¬4). زاد محمَّد بن إبراهيم في حديثه "وقل هو الله أحد". 7 - وعن عقبة بن عامر قال: "أمرنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن أقرأ بالمعوذات دبر كل صلاة" (¬5). 8 - عن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علمًا نافعًا، ورزقًا طيبًا، وعملًا متقبلًا" (¬6). ¬
ما يكره فعله في الصلاة
ما يكره فعله في الصلاة: 1 - العبث بالثوب أو بالبدن لغير الحاجة: عن مُعَيْقيب "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الرجل يسوّى التراب حيث يسجد، قال: إن كنت فاعلًا فواحدة" (¬1). 2 - الاختصار، وهو أن يضع المصلي يده على خاصرته: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "نهي أن يصلى الرجل مختصرًا" (¬2) 3 - رفع البصر إلى السماء: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لينتهين أقوام عن رفعهم أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء أو لَتُخَطَفَنَّ أبصَارُهُم" (¬3). 4 - الالتفات لغير حاجة: عن عائشة قالت: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة، فقال: "هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد" (¬4). 5 - النظر إلى ما يلهي: عن عائشة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى في خميصة لها أعلام، فقال: "شغلتنى ¬
أعلام هذه، اذهبوا بها إلى أبي جهم، وأتونى بأنبجانيه (¬1). 6 - السدل وتغطية الفم: عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن السدل في الصلاة، وأن يغطى الرجل فاه" (¬2). قال شمس الحق في عون المعبود (347/ 2): قال الخطابي: السدل إرسال الثوب حتى يصيب الأرض. وقال في النيل: قال أبو عبيدة في غريبه: السدل إسبال الرجل ثوبه من غير أن يضم جانبيه بين يديه، فإن ضمه فليس بسدل. وقال صاحب النهاية: هو أن يلتحف بثوبه ويدخل يديه من داخل فيركع ويسجد وهو كذلك. قال: وهذا مطرد في القميص وغيره من الثياب. قال: وقيل هو أن يضع وسط الإزار على رأسه ويرسل طرفيه عن يمينه وشماله من غير أن بجعلهما على كتفيه. وقال الجوهري: سدل ثوبه يسدله بالضم سدلًا، أي أرخاه. ولا مانع من حمل الحديث على جميع هذه المعاني إن كان السدل مشتركًا بينها، وحمل المشترك على جميع معانيه هو المذهب القوى. أهـ. 7 - التثاؤب: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "التثاؤب في الصلاة من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع" (¬3). ¬
8 - البصاق جهة القبلة أو عن يمينه: عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن أحدكم إذا قام يصلى فإن الله تبارك وتعالى قبل وجهه، فلا يبصقنّ قبل وجهه ولا عن يمينه. وليبصق عن يساره تحت رجله اليسرى فإن عجلت به بادرة فليقل بثوبه هكذا" ثم طوى ثوبه بعضه على بعض (¬1). 9 - تشبيك الأصابع: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا توضأ أحدكم في بيته ثم أتى المسجد كان في صلاة حتي يرجع، فلا يقل هكذا "وشبك بين أصابعه" (¬2). 10 - كف الشعر والثوب: عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أمرت أن أسجد على سبعة، لا أكف شعرًا ولا ثوبًا" (¬3). 11 - تقديم ركبتيه على يديه في السجود: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير وليضع يديه قبل ركبتيه" (¬4). ¬
12 - بسط اليدين في السجود: عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اعتدلوا في السجود، ولا يبسط أحدكم ذراعيه انبساط الكلب" (¬1). 13 - الصلاة بحضرة الطعام أو وهو يدافع الأخبثين: عن عائشة قالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان" (¬2). 14 - مسابقة الإِمام: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإِمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار" (¬3). ¬
ما يباح فعله في الصلاة
ما يباح فعله في الصلاة: 1 - المشى للحاجة: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى في البيت، والباب عليه مغلق، فجئت فاستفتحت فمشى ففتح لي، ثم رجع إلى مصلاه، ووصفت أن الباب في القبلة" (¬1). 2 - حمل الصبى: عن أبي قتادة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأبى العاص بن الربيع، فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها" (¬2). 3 - قتل الأسودين: عن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتل الأسودين في الصلاة، العقرب والحية" (¬3). 4 - الالتفات والإشارة المفهمة للحاجة: عن جابر قال: "اشتكى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلينا وراءه وهو قاعد، فالتفت إلينا فرآنا قياما فأشار إلينا فقعدنا" (¬4). 5 - البصاق في ثوبه أو إخراج منديله من جيبه، لما مر في حديث (¬5) جابر في النهى عن البصاق جهة القبلة. ¬
6 - الإشارة بردّ السلام على من سلّم عليه: عن عبد الله بن عمر قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى قباء يصلي فيه. فجاءته الأنصار فسلموا عليه وهو يصلى. قال: فقلت لبلال: كيف رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلى؟ قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفل، وجعل ظهره إلى فوق (¬1). 7 - تسبيح الرجال وتصفيق النساء للأمر يحدث في الصلاة: عن سهل بن سعد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "يا أيها الناس مالكم حين نابكم شيء في الصلاة أخذتم في التصفيق، إنما التصفيق للنساء، من نابه شيء في صلاته فليقل سبحان الله، فإنه لا يسمعه أحد حين يقول سبحان الله، إلا التفت ... " (¬2). 8 - الفتح على الإِمام: عن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة فقرأ فيها فلبس عليه، فلما انصرف قال لأبىّ: أصليت معنا؟ قال: نعم. قال: فما منعك"؟ (¬3). 9 - غمز رِجْل النائم: عن عائشة قالت: كنت أمدّ رجلى في قبلة النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلى، فإذا سجد غمزنى فرفعتها، فهذا قام مددتها" (¬4). ¬
ما يبطل الصلاة
10 - مقاتلة من أراد المرور بين يدي المصلى: عن أبي سعيد قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره من الناس، فأراد أحد أن يجتاز بين يديه فليدفع في نحوه فإن أبي فليقاتله فإنما هو شيطان" (¬1). 11 - البكاء: عن علي قال: "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت شجرة يصلى ويبكى حتى أصبح" (¬2). ما يبطل الصلاة: 1 - تيقن الحدث: عن عباد بن تميم عن عمه أنه شكا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال: "لا ينفتل -أو لا ينصرف- حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا" (¬3). 2 - ترك ركن من الأركان أو شرط من الشروط عمدا وبدون عذر: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - للمسىء صلاته "إرجح فصل فإنك لم تصل" (¬4). ولأمره - صلى الله عليه وسلم - لمن رأى في ظهر قدمه لمعة أن يعيد الوضوء والصلاة (¬5). ¬
3 - الأكل والشرب عمدا: قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن من أكل أو شرب في صلاة الفرض عامدا إن عليه الإعادة (¬1)، وكذا في صلاة التطوع عند الجمهور؛ لأن ما أبطل الفرض يبطل التطوع. 4 - الكلام عمدا لغير مصلحة الصلاة: عن زيد بن أرقم قال: كنا نتكلم في الصلاة، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة، حتي نزلت: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ}، فامرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام (¬2). 5 - الضحك: ونقل ابن المنذر الإجماع على بطلان الصلاة بالضحك (¬3) 6 - مرور المرأة البالغة، أو الحمار، أو الكلب الأسود، بين يدي المصلى دون موضع سجوده: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم يصلى، فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرّحل. فهذا لم يكن بين يديه مثل آخرة الرحل فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود" (¬4). ¬
صلاة التطوع
صلاة التطوع فضلها: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضة شيئًا قال الرب تبارك وتعالى: انظروا هل لعبدى من تطوع، فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثم يكون سائر عمله على ذلك" (¬1). استحباب كونها في البيت: عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته، فإن الله جاعل في بيته من صلاته نورًا" (¬2). وعن زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "عليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة" (¬3). أنواعها: صلاة التطوع قسمان: مطلقة، ومقيدة: فالمقيدة هى المعروفة بالسنن الرواتب، قبل الصلاة وبعدها، وهي قسمان: مؤكدة، وغير مؤكدة: فالمؤكدة عشر ركعات: عن ابن عمر قال: حفظت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات: ركعتين قبل الظهر، ¬
ما جاء في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض هذه الصلوات
وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح، وكانت ساعة لا يدخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها، فحدثتني حفصة أنه كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر صلى ركعتين (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع أربعًا قبل الظهر، وركعتين قبل الغداة" (¬2). وغير المؤكدة: ركعتان قبل صلاة العصر والمغرب والعشاء: عن عبد الله بن مغفل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "بين كل أذانيْن صلاة، بين كل أذانيْن صلاة، ثم قال في الثالثة "لمن شاء" (¬3). وتستحب المحافظة على أربع قبل العصر: عن عليّ قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى قبل العصر أربع ركعات، يفصل يينهن بالتسليم على الملائكة المقربين ومن تبعهم من المسلمين والمؤمنين (¬4). وعن ابن عمر عن النبي قال: "رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا" (¬5). ما جاء في قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - في بعض هذه الصلوات: عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "نعمت السورتان يُقرا بهما في ركعتين قبل الفجر قل هو الله أحد، وقيل يا أيها الكافرون" (¬6). وعن أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قرأ في ركعتى الفجر قل يا أيها الكافرون ¬
الوتر
{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (¬1) وعن ابن عباس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في ركعتى الفجر في الأولى منهما قولوا أمنا بالله وما أنزل إلينا الآية التي في البقرة، وفي الآخرة منهما: آمنا بالله وشهد بانا مسلمون" (¬2). وعن ابن مسعود قال: ما أحصى ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في الركعتين بعد المغرب وفي الركعتين قبل الفجر بـ "قل يا أيها الكافرون" و" قل هو الله أحد" (¬3). الوتر: حكمه وفضله: الوتر سنة مؤكدة، حث عليه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ورغب فيه: عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله وتر يحب الوتر" (¬4). وعن علي قال: إن الوتر ليس بحتم: ولا كصلاتكم المكتوبة، ولكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أوتر ثم قال: "يا أهل القرآن أوْتِروا فإن الله وتر يحب الوتر" (¬5). وقته: يجوز الوتر من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وهو في الثلث الأخير من الليل أفضل: عن عائشة قالت: "من كل الليل قد أوتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من أول الليل وأوسطه وآخره، فانتهى وتره إلى السحر" (¬6). ¬
عدد ركعات الوتر وصفته
ويستحب تعجيل الوتر أول الليل لمن خشى أن لا يستيقظ آخره، كما يستحب تأخيره إلى آخر الليل لمن ظن أنه يستيقظ آخره. عن أبي قتادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بكر: "متي توتر"؟ قال: أوتر قبل أن أنام. فقال لعمر "متى توتر"؟ قال: أنام ثم أوتر، قال: فقال لأبي بكر: " أخذت بالحزم أو بالوثيقة" وقال لعمر "أخذت بالقوة" (¬1). وعن عائشة قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلى وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوتر أيقظنى فاوترت" (¬2). عدد ركعات الوتر وصفته: أقل الوتر ركعة: عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشى أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلّى" (¬3). ويجوز أن يوتر بثلاث أو خمس أو سبع أو تسع: عن عائشة قالت: "ماكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلى أربعًا فلا تسال عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى أربعًا فلا تسال عن حسنهن وطولهن، ثم يصلى ثلاثًا" (¬4). وعنها قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة، يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها" (¬5). وعنها قالت: "كنا نعد له - صلى الله عليه وسلم - سواكه وطهوره، فيبعثه الله ما شاء أن يبعثه من الليل فيتسوك ويتوضأ، ويصلى تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة، ¬
فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلى التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله ويحمده ويدعوه، ثم يسلم تسليما يسمعنا، ثم يصلى ركعتين بعد ما يسلم وهو قاعد، فتلك إحدي عشرة ركعة يابنى، فلما أسن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وأخذ اللحم أوتر بسبع، وصنع في الركعتين مثل صنيعه الأول، فتلك تسع يا بني" (¬1). فإن أوتر بثلاث قرأ فيهن ما هو مذكور في هذا الحديث: عن ابن عباس قال: "كان رسول الله يقرأ في الوتر بسبح اسم ربك الأعلى، وقيل يا أيها الكافرون، وقيل هو الله أحد، في ركعة ركعة" (¬2). القنوت في الوتر: عن الحسن بن علي قال: علمنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمات أقولهن في الوتر: "اللهم اهدنى فيمن هديت، وعافنى فيمن عافيت، وتولنى فيمن توليت، وبارك لي فيما أعطيت، وقنى شرّ ما قضيت، فإنك تقضى ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، تباركت ربنا وتعاليت" (¬3). والسنة في هذا القنوت أن يكون قبل الركوع، لحديث أُبيّ بن كعب: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قنت في الوتر قبل الركوع" (¬4). ولا يشرع القنوت في الفريضة إلا في النازلة، ولا يخص به صلاة دون صلاة، ويجعله بعد الركوع. عن أبي هريرة رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أراد أن يدعو على أحد أو يدعو لأحد قنت بعد الركوع" (¬5). ¬
أما القنوت في الفجر أبدا فبدعة
أما القنوت في الفجر أبدًا فبدعة كما صرح بذلك أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن أبي مالك الأشجعي، سعد بن طارق، قال: "قلت لأبي: يا أبت إنك قد صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان وعلى ها هنا بالكوفة، نحوًا من خمس سنين، فكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: أي بني محدث (¬1). "ومن المحال أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في كل غداة بعد اعتداله من الركوع يقول: "اللهم اهدني فيمن هديت، وتولنى فيمن توليت" إلخ ويرفع بذلك صوته، ويؤمن عليه أصحابه دائما إلى أن فارق الدنيا، ثم لا يكون ذلك معلوما عند الأمة، بل يضيعه أكثر أمته، وجمهور أصحابه، بل كلهم، حتى يقول من يقول منهم: إنه محدث: كما قال سعد بن طارق الأشجعى" (¬2). قيام الليل قيام الليل سنة مستحبة، وهو من أهم خصائص المتقين، قال الله تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18) وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (¬3). وعن أبي مالك الأشعرى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن في الجنة غرفا يُرَى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها، أعدها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وأدام الصيام، وصلى بالليل والناس نيام" (¬4). ¬
عدد ركعاته
ويتأكد استحبابه في رمضان عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرغب في قيام رمضان من غير أن يأمر فيه بعزيمة فيقول: "من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬1). عدد ركعاته: أقله ركعة، واكثره إحدى عشرة، لما مرّ من قول عائشة، "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة" (¬2). مشروعية الجماعة في قيام رمضان: عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة فأكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، ولم يمنعنى من الخروج إليكم إلا أنى خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان (¬3). وعن عبد الرحمن بن القارئ أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد، فإذا الناس أوزاع (¬4) متفرقون، يصلى الرجل لنفسه، ويصلى الرجل فيصلى بصلاته الرهط. فقال عمر: إنى أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل. ثم عزم فجمعهم على أُبىّ بن كعب. ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم، قال عمر: نعمتِ البدعة ¬
استحباب صلاة الرجل بأهله في غير رمضان
هذه، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون -يريد آخر الليل- وكان الناس يقومون أوله" (¬1). استحباب صلاة الرجل بأهله في غير رمضان: عن أبي سعيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا- أو صلى ركعتين جميعًا- كتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات" (¬2). قضاء قيام الليل: عن عائشة قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فاتته الصلاة من الليل من وَجَع أو غيره، صلى من النهار ثنتى عشرة ركعة" (¬3). وعن عمر بن الخطاب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب له كأنما قرأه من الليل" (¬4). كراهة ترك قيام الليل لمن اعتاده: عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الله لا تكن مثل فلان، كان يقوم الليل فترك قيام الليل" (¬5). ¬
صلاة الضحى (صلاة الأوابين)
صلاة الضحى (صلاة الأوابين) مشروعيتها: عن أبي هريرة قال: "أوصانى خليلى - صلى الله عليه وسلم - بثلاث: بصيام ثلاثة أيام في كل شهر، وركعتي الضحى، وأن أوتر قبل أن انام" (¬1). فضلها: عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يصبح على كل سُلاَمَى (*) من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن المنكر صدقة، ويجزى من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى" (¬2). عدد ركعاتها: أقلها اثنتان، لما سبق من الأحاديث. وأكثرها ثمان: عن أم هانئ: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في يوم فتح مكة اغتسل في بيتها فصلى ثمان ركعات" (¬3). أفضل أوقاتها: عن زيد بن أرقم قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال: "صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال (¬4) من الضحى" (¬5). ¬
الصلاة عقيب الطهور (سنة الوضوء)
الصلاة عقيب الطهور (سنة الوضوء): عن أبي هريرة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبلال عند صلاة الصبح: "يا بلال أخبرنى بأرجى عمل عملته في الإِسلام، فإنى سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة، قال: ما عملت عملا أرجى عندي أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل أو نهار الأصليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى" (¬1). صلاة الاستخارة: يستحب لكل من همّ بأمران يستخير الله تعالى فيه كما جاء في هذا الحديث: عن جابر قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كالسورة من القرآن: "إذا همّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم يقول: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم، ولا أعلم، وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في دينى ومعاشى وعاقبة أمرى -أو قال: في عاجل أمرى وآجله- فاقدره لي. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في دينى ومعاشى وعاقبة أمري -أو قال: في عاجل أمرى وآجله- فاصرفه عني واصرفنى عنه، واقدر لي الخير حيث كان ثم رضّنى به. ويسمى حاجته" (¬2). صلاة الكسوف: إذا خسف القمر وكسفت الشمس استحب أن ينادى: الصلاة جامعة. عن عبد الله بن عمرو قال "لما كسفت الشمس على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نودى: إن الصلاة جامعة" (¬3). ¬
الخطبة بعد الصلاة
فهذا اجتمع الناس في المسجد صلّى بهم الإِمام ركعتين على نحو ما جاء في هذا الحديث: عن عائشة قالت: "خسفتِ الشمسُ في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخرج إلى المسجد، فَصَفَّ الناسُ وراءه، فكبر، فاقترأَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قراءة طويلة، ثم كبر، فركع ركوعا طويلًا، ثم قال: سمع الله لمن حمده، فقام ولم يسجد، وقرأ قراءة طويلة، هى أدنى من القراءة الأولى، ثم كبر وركع ركوعًا طويلًا، وهو أدنى من الركوع الأول، ثم قال سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ثم سجد، ثم قال في الركعة الآخرة مثل ذلك، فاستكمل أربع ركعات في أربع سجدات وانجلت الشمس قبل أن ينصرف" (¬1). الخطبة بعد الصلاة: يسنّ للإمام إذا سلم من الصلاة أن يخطب الناس، فيعظهم ويذكرهم، ويحثهم على العمل الصالح. عن عائشة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم خسفت الشمس ... ثم ذكرت صفة الصلاة قالت ثم سلم -وقد تجلت الشمس- فخطب الناس فقال في كسوف الشمس والقمر إنهما آيتان من آيات الله، لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما فافزعوا إلى الصلاة (¬2). وعن أسماء قالت: "لقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة (*) في كسوف الشمس" (¬3). وعن أبي موسى قال: خسفت الشمس، فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فزعًا، يخشى أن تكون الساعة، فأتى المسجد فصلى بأطول قيام وركوع وسجود رأيته قط يفعله، وقال: هذه الآيات التي يرسل الله لا تكون لموت أحد ولا لحياته، ولكن يخوّف الله بها عباده، فهذا رأيتم شيئًا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره" (¬4). ¬
صلاة الاستسقاء
وظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - "فافزعوا ... " إلخ الوجوب، فتكون صلاة الكسوف فرض كفاية، كما قال أبو عوانة في صحيحه (398/ 2): "بيان وجوب صلاة الكسوف". ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الأمر بها. وهو ظاهر صنيع ابن خزيمة في صحيحه" فإنه قال فيه (38/ 2). "باب الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر ... " وذكر أيضًا بعض الأحاديث في الأمر بها. قال الحافظ في الفتح (2/ 527): "فالجمهور على أنها سنة مؤكدة، وصرح أبو عوانة في صحيحه بوجوبها ولم أره لغيره، إلا ما حكى عن مالك أنه أجراها مجرى الجمعة، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها، وكذا نقل بعض مصنفى الحنفية أنها واجبة" (¬1). صلاة الاستسقاء: إذا انقطع المطر وأجدبت البلاد استحب الخروج إلى المصلى للاستسقاء، فيصلى بهم الإِمام ركعتين، ويكثر من الدعاء والاستغفار، ويحول رداءه، فيجعل اليمين على الشمال: عن عباد بن تميم عن عمه عبد الله بن زيد قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلى يستسقى، واستقبل القبلة فصلى ركعتين، وقلب رداءه، قال سفيان فأخبرنى المسعودي عن أبي بكر قال: جعل اليمين على الشمال (¬2). وعنه قال: "رأيت النبى - صلى الله عليه وسلم - لما خرج يستسقى، قال: فحول إلى الناس ظهره، واستقبل القبلة يدعو، ثم حول رداءه ثم صلى لنا ركعتين، جهر فيهما بالقراءة" (¬3). ¬
سجود التلاوة
سجود التلاوة: قال ابن حزم في "المحلى": (105/ 5)، (106/ 5): في القرآن أربع عشرة سجدة، أولها في آخر ختمة سورة الأعراف، ثم في الرعد، ثم في النحل، ثم في سبحان، ثم في كهيعص، ثم في الحج في الأولى، وليس قرب آخرها سجدة، ثم في الفرقان، ثم في النمل، ثم في آلم تنزيل، ثم في ص، ثم في حم فصلت، ثم في والنجم في آخرها، ثم في إذا السماء انشقت عند قوله تعالى: (لا يسجدون) ثم في اقرأ باسم ربك في آخرها. حكم السجود: قال: وليس السجود فرضا لكنه فضل، ويسجد لها في الصلاة الفريضة والتطوع، وفي غير الصلاة في كل وقت، وعند طلوع الشمس وغروبها واستوائها إلى القبلة وإلى غير القبلة، وعلى طهارة وعلى غير طهارة. أهـ. قلت: أما كونه فضلا لا فرضا فلأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قرأ "والنجم" فسجد فيها (¬1). وقرأها عليه زيد بن ثابت فلم يسجد فيها (¬2). لبيان الجواز. كما ذكره الحافظ في الفتح (555/ 2) قال ابن حزم: (111/ 5): وأما سجودها على غير وضوء وإلى غير القبلة كيف ما يمكن فلأنها ليست صلاة، وقد قال عليه السلام: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" (¬3). فما كان أقل من ركعتين فليس صلاة، إلا أن يأتى نص بأنه صلاة، كركعة الخوف، والوتر، وصلاة الجنازة ولا نص في أن سجدة التلاوة صلاة. أهـ. ¬
فضله
فضله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا قرأ ابن آدم السجدة فسجد اعتزل الشيطان يبكى يقول: ياويله، أمر بالسجود فسجد فله الجنة، وأمرت بالسجود فعصيت فلي النار" (¬1). ما يقول إذا سجد: عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في سجود القرآن بالليل يقول في السجدة مرارا: "سجد وجهى للذي خلقه وشق سمعه وبصره بحوله وقوته" (¬2). وعن عليّ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سجد قال: "اللهم لك سجدت، وبك أمنت، ولك أسلمت، أنت ربي، سجد وجهي للذي شق سمعه وبصره، تبارك الله أحسن الخالقين" (¬3). وعن ابن عباس قال: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه رجل فقال: إني رأيت البارحة فيما يرى النائم، كأني أصلى إلى أصل شجرة، فقرأت السجدة فسجدتُ، فسجدت الشجرة لسجودى. فسمعتها تقول: اللهم احطط عني بها وزرًا، واكتب لي بها أجرًا، واجعلها لي عندك ذخرًا. قال ابن عباس: فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قرأ السجدة فسجد فسمعته يقول في سجوده مثل الذي أخبره الرجل عن قول الشجرة (¬4). ¬
سجود الشكر
سجود الشكر: يستحب لمن وردت عليه نعمة، أو دفعت عنه نقمة، أو بُشّر بما يسره أن يخرّ ساجدا، اقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. عن أبي بكرة: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أتاه أمر يسره أو يُسرُّ به، خرّ ساجدًا شكرًا لله تبارك وتعالى (¬1). وحكمه حكم سجود التلاوة. سجود السهو: " ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسهو في الصلاة، وصح عنه أنه قال: "إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكرونى" (¬2). وقد شرع لأمته في ذلك أحكامًا نلخصها فيما يلي (¬3): 1 - إذا قام من ركعتى الفريضة: (إذا ترك التشهد الأول): عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أنه قال: "صلى لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس، فقام الناس معه. فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه كبّر قبل التسليم فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم" (¬4). وعن المغيرة بن شعبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا قام أحدكم من ¬
الركعتين: فلم يستَتِمَّ قائما فليجلس، فإذا استتمَّ قائما فلا يجلس ويسجد سجدتى السهو" (¬1). 2 - إذا صلى خمسًا: عن عبد الله رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى الظهر خمسًا، فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: وما ذاك؟ قال: صليت خمسًا، فسجد سجدتين بعد ما سلّم" (¬2). 3 - إذا سلّم في ركعتين أو ثلاث: عن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انصرف من اثنتين، فقال له ذو اليدين: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أصدق ذو اليدين؟ فقال الناس: نعم. فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلي اثنتين أخريين، ثم سلّم، ثم كبّر فسجد مثل سجوده أو أطول، ثم رفع" (¬3). وعن عمران بن حصين: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات ثم دخل منزله. فقام إليه رجل يقال له الخرباق، وكان في يديه طول. فقال: يا رسول الله فذكر له صنيعه، وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس. فقال: "أصدق هذا؟ " قالوا: نعم. فصلى ركعة: ثم سلم. ثم سجد سجدتين. ثم سلم" (¬4). ¬
4 - إذا لم يدّركم صلى؟ عن إبراهيم عن علقمة قال: قال عبد الله: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (قال إبراهيم: زاد أو نقص) (*) فلما سلم قيل له: يا رسول الله أحدث في الصلاة شىء؟ قال: "وماذاك؟ " قالوا: صليت كذا وكذا. قال: فثنى رجليه، واستقبل القبلة، فسجد سجدتين، ثم سلم، ثم أقبل علينا بوجهه فقال: إنه لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به ولكن إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون. فإذا نسيت فذكرونى وإذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه. ثم ليسجد سجدتين" (¬1). والتحرى يكون بأن "يتذكر ما قرأ به في الصلاة، فيذكر أنه قرأ بسورتين في ركعتين، فيعلم أنه صلى ركعتين لا ركعة، وقد يذكر أنه تشهد التشهد الأول، فيعلم أنه صلى اثنتين لا واحدة، وأنه صلى ثلاثًا لا اثنتين، وقد يذكر أنه قرأ الفاتحة وحدها في ركعة ثم في ركعة فيعلم أنه صلى أربعًا لا ثلاثًا، وهكذا، فإذا تحرى الذي هو أقرب إلى الصواب، أزال الشك، ولا فرق في هذا بين أن يكون إمامًا أو منفردًا (¬2). فإذا تحرى ولم يترجح عنده شيء بني على اليقين وهو الأقل، كما في الحديث: عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثًا أم أربعًا؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن. ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم. فإن كان صلى خمسًا شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتمامًا لأربع كانتا ترغيمًا للشيطان" (¬3). ¬
حكم سجود السهو
حكم سجود السهو: سجود السهو واجب، لأمره - صلى الله عليه وسلم - به، كما في الأحاديث السابقة، ولمواظبته عليه كلما نسى، ولم يخل به مرة واحدة. محله: " أظهر الأقوال الفرق بين الزيادة والنقص، وبين الشك مع التحرى، والشك مع البناء على اليقين ... فإن هذا مع ما فيه من استعمال النصوص كلها: فيه الفرق المعقول. وذلك أنه إذا كان في نقص، كترك التشهد الأول احتاجت الصلاة إلى جبر، وجبرها يكون قبل السلام لتتم به الصلاة، فإن السلام هو تحليل من الصلاة. وإذا كان من زيادة كركعة - لم يجمع في الصلاة بين زيادتين، بل يكون السجود بعد السلام, لأنه إرغام للشيطان، بمنزلة صلاة مستقلة جبر بها نقص صلاته، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل السجدتين كركعة. وكذلك إذ شك وتحرى فإنه أتم صلاته، وإنما السجدتان لترغيم الشيطان، فيكون بعد السلام ... وكذلك إذا سلم وقد بقى عليه بعض صلاته ثم اكملها فقد أتمها، والسلام منها زيادة، والسجود في ذلك بعد السلام لأنه إرغام للشيطان. وأما إذا شك ولم يتبين له الراجح، فهنا إما أن يكون صلى أربعًا أو خمسًا، فإن كان صلى خمسًا فالسجدتان يشفعان له صلاته، ليكون كانه قد صلى ستًا لا خمسًا، وهذا إنما يكون قبل السلام. وهذا القول الذي نصرناه هو الذي يستعمل فيه جميع الأحاديث، لا يترك منها حديث مع استعمال القياس الصحيح فيما لم يرد فيه نص، وإلحاق ما ليس بمنصوص بما يشبهه من المنصوص" (¬1). ¬
سجود السهو لترك شيء من السنن
سجود السهو لترك شيء من السنن: من ترك سنة ناسيا سجد للسهو، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لكل سهو سجدتان" (¬1) وهو سنة، لا يكون واجبا لئلا يزيد الفرع على أصله (¬2). صلاة الجماعة حكمها: صلاة الجماعة فرض عين على كل مصلِّ إلا من عذر: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والذي نفسي بيده، لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم. والذي نفسي بيده، لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقا (*) سمينا أو مرماتين (**) حسنتين لشهد العشاء" (¬3). وعن أبي هريرة قال: " أتي النبي - صلى الله عليه وسلم -، رجلٌ أعمى فقال يا رسول الله، إنه ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يرخص له فيصلى في بيته، فرخّص له، فلما ولى دعاه فقال: هل تسمع النداء بالصلاة؟ فقال نعم. قال: فأجب" (¬4). وعن عبد الله قال: من سرّه أن يلقى الله غدا مسلمًا، فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدي، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلى هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم، وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور ثم ¬
فضلها
يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة، ويرفعه بها درجة، ويحط عنه بها سيئة، ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف (¬1). وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من سمع النداء فلم يأته، فلا صلاة له، إلا من عذر" (¬2). فضلها: عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صلاة الجماعة تفضل" صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة" (¬3) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة الرجل في الجماعة تضعّف على صلاته في بيته وفي سوقه خمسًا وعشرين ضعفا، وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء، ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة، لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة، وحط عنه بها خطيئة، فهذا صلى لم تزل الملائكة تصلى عليه ما دام في مصلاه: اللهم صلّ عليه، اللهم ارحمه، ولا يزال أحدكم في صلاة ما انتظر الصلاة" (¬4). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من غدا إلى المسجد وراح أعّد الله له نزله من الجنة كلما غدا أو راح" (¬5). ¬
هل تشهد النساء الجماعة؟
هل تشهد النساء الجماعة؟ يجوز للنساء الخروج إلى المساجد وشهود الجماعة بشرط أن يتجنّبْن ما يثير الشهوة ويدعو إلى الفتنة من الزينة والطيب (¬1). عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهدن معنا العشاء الآخرة" (¬3). وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، لكن وليخرجن وهن تفلات (*) " (¬4). بيوتهن خير لهن: المرأة وإن جاز لها الخروج إلى المسجد إلا أن صلاتها في بيتها أفضل: عن أم حميد الساعدية أنها جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله .. إني أحب الصلاة معك. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "قد علمت أنك تحبين الصلاة معي وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدى" (¬5). آداب المشى إلى المسجد: عن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ سمع جلبة (**) رجال، فلما صلى قال: ما شأنكم؟ قالوا: استعجلنا إلى الصلاة. قال: فلا تفعلوا، إذا ¬
ما يقول إذا خرج من بيته
أتيتم الصلاة فعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا" (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا" (¬2). وعن كعب بن عجرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدًا إلى المسجد فلا يشبكن بين أصابعه فإنه في صلاة" (¬3). ما يقول إذا خرج من بيته: وعن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال -يعني إذا خرج من بيته- بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: هُديت وكُفيت ووُقيت، وتنحى عنه الشيطان" (¬4). وعن ابن عباس أنه رقد عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. فوصف صلاته بالليل، ثم قال-: فأذن المؤذن، فخرج إلى الصلاة وهو يقول: "اللهم اجعل في قلبي نورا وفي لساني نورا، واجعل في سمعي نورا، واجعل في بصري نورا، واجعل من خلفي نورا، ومن أمامي نورا واجعل من فوقي نورا ومن تحتي نورا، اللهم أعطنى نورا" (¬5). ما يقول عند دخول المسجد: عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أنه كان إذا دخل المسجد قال: أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم" (¬6). ¬
تحية المسجد
وعن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل المسجد يقول: "بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفرلي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك" وإذا خرج قال: "بسم الله، والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك" (¬1). تحية المسجد: فإذا دخل المسجد وجب عليه أن يصلي ركعتين قبل أن يجلس فعن أبي قتادة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلى ركعتين" (¬2). وإنما قلت بالوجوب لظاهر الأمر الذي ليس هناك من القرائن ما يصرفه عن ظاهره، إلا حديث طلحة بن عبيد الله: أن أعرابيا جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثائر الرأس فقال: يا رسول الله، أخبرني ما فرض الله عليّ من الصلاة. قال: "الصلوات الخمس إلا أن تطوع شيئًا ... " (¬3). "وفي جعل هذا الحديث دليلا على عدم وجوب ما ذكر نظر عندي. لأن ما وقع في مبادئ التعاليم لا يصح التعلق به في صرف ما ورد بعده، وإلا لزم قصر واجبات الشريعة بأسرها على الخمس المذكورة، وإنه خرق للإجماع، وإبطال لجمهور الشريعة. فالحق أنه يؤخذ بالدليل المتأخر إذا ورد موردًا صحيحا، ويعمل بما يقتضيه من وجوب أو ندب أو نحوهما، وفي المسألة خلاف، وهذا أرجح القولين" (¬4). ويؤكد الوجوب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بها: ¬
إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
وإن كان الإِمام يخطب: عن جابر بن عبد الله قال: "جاء رجل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب الناس يوم الجمعة، فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا. قال: قم فاركع" (¬1). "فلو كانت التحية تترك في حالٍ من الأحوال لتركت الآن لأنه قعد وهي مشروعة قبل القعود، ولأنه كان يجهل حكمها, ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قطع خطبته وكلّمه، وأمره أن يصلى التحيّة، فلولا شدّة الاهتمام بالتحية في جميع الأوقات لما اهتم عليه السلام هذا الاهتمام" (¬2). إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة" (¬3). وعن مالك بن بحينة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلا وقد أقيمت الصلاة يصلى ركعتين، فلما انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لاث (*) به الناس، وقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "آلصبح أربعًا؟! آلصبح أربعًا؟! " (¬4). فضيلة إدراك تكبيرة الإحرام مع الإِمام: عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار، وبراءة من النفاق" (¬5). ¬
من جاء وقد فرغ الإمام
من جاء وقد فرغ الإِمام: عن سعيد بن المسيب قال: حضر رجلًا من الأنصار الموتُ، فقال: إني محدثكم حديثا ما أحدثكموه إلا احتسابًا، سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا توضأ أحدكم فأحسن الوضوء ثم خرج إلى الصلاة، لم يرفع قدمه اليمنى إلا كتب الله عَزَّ وَجَلَّ له حسنة، ولم يضع قدمه اليسرى إلا حط الله عز وجل عنه سيئة، فليقرّب أحدكم أو ليبعّد، فإن أتى المسجد فصلى في جماعة غُفِرَ له، فإن أتى المسجد وقد صلوا بعضا وبقى بَعْضٌ صَلَّى ما أدرك وأتم ما بَقِىَ، كان كذلك، فإن أتى المسجد وقد صلوا فأتم الصلاة كان كذلك" (¬1). وعن أبي هريرة قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من توضأ فأحسن وضوءه ثم راح فوجد الناس قد صلوا، أعطاه الله عَزَّ وَجَلَّ مثل أجر من صلاها وحضرها, لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" (¬2). الدخول مع الإِمام على أي حال كان: عن علي بن أبي طالب ومعاذ بن جبل قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإِمام" (¬3). متى يعتد بالركعة؟: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جئتم إلى الصلاة ونحن سجود فاسجدوا, ولا تعدوها شيئا، ومن أدرك الركعة ففد أدرك الصلاة" (¬4). ¬
من ركع دون الصف
من ركع دون الصف: عن أبي بكرة "أنه انتهى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "زادك الله حرصًا ولا تَعُد" (¬1). عن عطاء أنه سمع ابن الزبير على المنبر يقول: إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع، فليركع، حتى يدخل ثم يدب راكعًا حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة (¬2). وعن زيد بن وهب قال: "خرجت مع عبد الله -يعني ابن مسعود- من داره إلى المسجد، فلما توسطنا المسجد ركع الإِمام فكبر عبد الله وركع وركعت معه، ثم مشينا حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رءوسهم، فلما قضى الإِمام الصلاة قمت وأنا أرى أني لم أدرك، فأخذ عبد الله بيدى وأجلسنى، ثم قال: إنك قد أدركت" (¬3). ما يؤمر به الإِمام من التخفيف: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا صلى أحدكم للناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، فماذا صلى لنفسه فليطول ما شاء" (¬4). إطالة الإِمام الركعة الأولى: عن أبي سعيد قال: "لقد كانت صلاة الظهر تقام فيذهب الذاهب إلى البقيع فيقضى حاجته ثم يتوضأ ثم يأتي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الركعة الأولى، مما يطولها" (¬5). ¬
وجوب متابعة الإمام وحرمة مسابقته
وجوب متابعة الإِمام وحرمة مسابقته: عن أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إنما جعل الإِمام ليؤتم به فإذا كبّر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا ... " (¬1). وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإِمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار" (¬2). من أحق بالإمامة؟ عن أبي مسعود الأنصارى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سِلْمًا, ولا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه، ولا يقعد في بيته على تكرمته (*) إلا بإذنه" (¬3). وفي هذا الحديث أن صاحب الدار والإمام الراتب ونحوهما أحق بالإمامة من غيرهما إلا أن ياذنا له، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يؤمنّ الرجلُ الرجلَ في سلطانه ... ". إمامة الصبى: عن عمرو بن سلمة قال: "لما كانت وقعة أهل الفتح بادر كل قوم بإسلامهم، وبدر أبي قومى بإسلامهم فلما قدم قال: جئتكم والله من عند النبي - صلى الله عليه وسلم - حقا، فقال: صلوا صلاة كذا في حين كذا، وصلوا صلاة كذا في حين كذا، فإذا ¬
اقتداء المفترض بالمتنفل وعكسه
حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم، وليؤمكم أكثركم قرآنا، فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا مني، لا كنت أتلقى من الركبان، فقدمونى بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين" (¬1). اقتداء المفترض بالمتنفل وعكسه: عن جابر "أن معاذ بن جبل كان يصلى مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يرجع فيؤم قومه" (¬2). وعن يزيد بن الأسود: "أنه صلى مع رسول - صلى الله عليه وسلم - وهو غلام شاب، فلما صلى إذا رجلان لم يصليا في ناجية المسجد، فدعا بهما، فجىء بهما ترعد فرائصهما، فقال: ما منعكما أن تصليا معنا؟ قالا: قد صلينا في رحالنا، فقال: لا تفعلوا، إذا صلى أحدكم في رحله ثم أدرك الإِمام ولم يصل فليصل معه، فإنها له نافلة" (¬3). اقتداء المقيم بالمسافر وعكسه: عن ابن عمر قال: صلى عمر بأهل مكة الظهر فسلم في ركعتين ثم قال: أتموا صلاتكم يا أهل مكة فإنا قوم سَفْرٌ (¬4). إذا اقتدى المسافر بالمقيم أتم: عن موسى بن سلمة الهذلى قال: سألت ابن عباس: كيف أصلي إذا كنت بمكة إذا لم أصل مع الإِمام؟ فقال: ركعتين: سنة أبي القاسم - صلى الله عليه وسلم - (¬5). ¬
اقتداء القادر علي القيام بالجالس وأنه يجلس معه
وعن أبي مجلز قال: قلت لابن عمر "المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم -يعني المقيمين- أتجزيه الركعتان أو يصلى بصلاتهم؟ فضحك وقال: يصلي بصلاتهم" (¬1). اقتداء القادر علي القيام بالجالس وأنه يجلس معه: عن عائشة أنها قالت: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته وهو شاك (*)، فصلى جالسا وصلي وراءه قوم قياما، فأشار إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف قال: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسًا" (¬2). وعن أنس قال: "سقط النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فرس فجُحِش (**) شِقُّهُ الأيمن فدخلنا عليه نعوده فحضرت الصلاة فصلّى بنا قاعدا، فصلينا وراءه قعودا، فلما قضى الصلاة قال: " إنما جعل الإمام ليؤتم به، فهذا كبر فكبروا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا ولك الحمد، وإذا صلى قاعدا فصلوا قعودا أجمعون" (¬3). المأموم الواحد يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بتّ في بيت خالتى ميمونة فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشاء، ثم جاء فصلى أربع ركعات، ثم نام، ثم قام فجئت فقمت عن يساره فجعلنى عن يمينه" (¬4). ¬
الاثنان فصاعدا يقومان صفا خلف الإمام
الاثنان فصاعدًا يقومان صفا خلف الإمام: عن جابر قال: قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليصلي فجئت فقمت عن يساره فأخذ بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جبار بن صخر فقام عن يسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخذ بأيدينا جميعًا فدفعنا حتى أقامنا خلفه" (¬1). فإذا كان المأموم امرأة فإنها تقوم خلف الإمام: عن أنس بن مالك: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى به وبأمه أو خالته. قال: فأقامنى عن يمينه، وأقام المرأة خلفنا" (¬2). وجوب تسوية الصفوف يجب على الإمام ألا يدخل في الصلاة حتى تستوى الصفوف، وأن يأمرهم بذلك، وأن يلي التسوية بنفسه أو يأمر من يسويها: عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سوّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة" (¬3). وعن أبي مسعود قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ... " (¬4). وعن النعمان بن بشير قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسوى صفوفنا، حتى كأنما يُسَوِّى بها القِدَاحَ حتى رأى أَنَّا قد عَقَلْناَ عنه ثم خرج يوما فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلًا باديا صدره من الصف فقال: "عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم" (¬5). ¬
كيف تسوى الصفوف؟
ّوعن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب وسُدُّوا الخلل ولينوا بايدى إخوانكم، ولا تذروا فُرُجات للشيطان، ومن وصل صفا وصله الله، ومن قطع صفا قطعه الله" (¬1). وعن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رُصُّوا صفوفكم، وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فوالذي نفسي بيده، إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحَذَفُ" (¬2) كيف تُسوّى الصفوف؟ عن أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا صفوفكم، فإني أراكم من وراء ظهر - صلى الله عليه وسلم -، وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه (¬3). وقال النعمان بن بشير: "رأيت الرجل منا يلزق كعبه بكعب صاحبه" (¬4). صفوف الرجال والنساء: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها" (¬5). فضيلة الصفوف الأول وميامن الصفوف: عن البراء بن عازب قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن الله وملائكته يصلون على الصفوف الأول" (¬6). وعنه رضي الله عنه قال: كنا إذا صلينا خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحببنا أن نكون ¬
من يقوم خلف الإمام؟!
عن يمينه، يُقبل علينا بوجهه قال: فسمعته. يقول: "رب قنى عذابك يوم تبعث عبادك" (¬1). من يقوم خلف الإمام؟! عن أبي مسعود الأنصاري قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ليلينى منكم أولوا الأحلام والنهى (*) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم" (¬2). كراهة الصف بين السوارى: عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: "كنا ننهى أن نصف بين السوارى على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونُطْرَدُ عنها طردًا" (¬3). وإنما هذا في حق الجماعة، أما المنفرد فلا بأس بصلاته بين العمودين إذا اتخذ سترة. عن ابن عمر قال: دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - البيت وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وبلال فأطال ثم خرج. كنت أول الناس دخل على أثره. فسالت بلالا: أين صلى؟ قال: بين العمودين المقدمين" (¬4). الأعذار في ترك الجماعة: 1 - البرد والمطر: عن نافع: "أن ابن عمر أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، ثم قال: ألا صلوا في الرحال، ثم قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول ألا صلوا في الرحال" (¬5). ¬
صلاة المسافر
3 - حضور الطعام: عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا وضع عشاء أحدكم وأقيمت الصلاة فابدأوا بالعَشاء، ولا يعجل حتى يفرغ منه". وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتي يفرغ، وإنه ليسمع قراءة الإمام" (¬1). 4 - مدافعة الأخبثين: عن عائشة قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثين" (¬2). صلاة المسافر: والقصر واجب على المسافر في الظهر والعصر والعشاء: قال الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} (¬3). عن يعلي بن أمية أنه سأل عمر بن الخطاب عن هذه الآية فقال: "إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا" فقد آمن الناس، فقال عمر: عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله عن ذلك فقال: "صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته" (¬4). وعن ابن عباس قال: "فرض الله الصلاة على لسان نبيكم - صلى الله عليه وسلم - في الحضر أربعًا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة" (¬5). وعن عمر قال: "صلاة السفر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، والفطر والأضحى ركعتان، تمام غير قصر، على لسان محمَّد - صلى الله عليه وسلم -" (¬6). وعن عائشة قالت: "الصلاة أول ما فرضت ركعتين، فأقرت صلاة السفر، ¬
مسافة القصر
وأتمت صلاة الحضر" (¬1). وعن ابن عمر قال: صحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في السفر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وصحبت عمر فلم يزد على ركعتين حتي قبضه الله، ثم صحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله، وقد قال الله، "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (¬2). مسافة القصر: اختلف العلماء في تحديد المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرًا، حتى نقل ابن المنذر وغيره في هذه المسألة أكثر من عشرين قولًا، والراجح "أنه لاحد لذلك أصلًا، إلا ما سمى سفرًا في لغة العرب التي بها خاطبهم عليه السلام، إذ لو كان لمقدار السفر حد غير ما ذكرنا لما أغفل عليه السلام بيانه ألبتة، ولا أغفلوا هم سؤاله عليه السلام عنه، ولا اتفقوا على ترك نقل تحديده في ذلك إلينا" (¬3). الموضع الذي يقصر منه: " ذهب جمهور العلماء إلى أن قصر الصلاة يشرع بمفارقة الحضر والخروج من البلد وأن ذلك شرط، ولايُتمّ حتى يدخل أول بيوتها. قال ابن المنذر: ولا أعلم أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة، وقال أنس: صليت الظهر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة أربعًا وبذى الحليفة ركعتين" (¬4). ¬
المسافر إذا أقام لقضاء حاجة ولم يجمع إقامة يقصر حتى يخرج
المسافر إذا أقام لقضاء حاجة ولم يُجمع إقامة يقصر حتى يخرج: عن جابر قال: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بتبوك عشرين يومًا يقصر الصلاة" (¬1). قال ابن القيم: ولم يقل - صلى الله عليه وسلم - للأمة لا يقصر الرجل الصلاة إذا أقام أكثر من ذلك، ولكن اتفق إقامته هذه المدة (¬2). فإن عزم الإقامة أتم بعد تسعة عشر، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - تسعة عشر يقصر، فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا، وإن زدنا أتممنا" (¬3). الجمع بين الصلاتين: أسبابه: 1 - السفر: عن أنس قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما، فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلي الظهر ثم ركب" (¬4). وعن معاذ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس، أخّر الظهر حتي يجمعها إلى العصر، يصليهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعًا ثم سار، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخّر المغرب حتى يصليها مع العشاء وإذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع المغرب" (¬5). ¬
وعنه: "أنهم خرجوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام تبوك، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخّر الصلاة يوما، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعًا، ثم دخل، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعًا" (¬1). 2 - المطر: عن نافع: "أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم". وعن هشام بن عروة: أن أباه عروة وسعيد بن المسيب وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بن المغيرة المخزومى كانوا يجمعون بين المغرب والعشاء في الليلة المطيرة إذا جمعوا بين الصلاتين ولا ينكرون ذلك" (¬2). وعن موسى بن عقبة: "أن عمر بن عبد العزيز كان يجمع بين المغرب والعشاء الآخرة إذا كان المطر، وإن سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن ومشيخة ذلك الزمان كانوا يصلون معهم ولا ينكرون ذلك" (¬3). وعن ابن عباس قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر والعصر جميعًا، والمغرب والعشاء جميعًا في غير خوف ولا سفر" (¬4). وعنه قال: "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر" (¬5). وهويُشعِر أن الجمع للمطر كان معروفا في عهد النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولو لم يكن كذلك لما كان ثمة فائدة من نفي المطر كسبب مبرر للجمع" (¬6). 3 - الحاجة العارضة: عن ابن عباس قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الظهر ¬
والعصر جميعًا بالمدينة في غير خوف ولا سفر". قال أبو الزبير فسألت سعيدا: لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتنى فقال: "أراد أن لا يحرج أحدا من أمته" (¬1). وعنه قال: "جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس: ما أراد إلى ذلك؟ قال: أراد أن لا يحرج أمته" (¬2). قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم (219/ 5): "وذهب جماعة من الأئمة إلى جواز الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذه عادة، وهو قول ابن سيرين وأشهب من أصحاب مالك، وحكاه الخطابي عن القفال والشاشى الكبير من أصحاب الشافعي عن أبي إسحاق المروزى عن جماعة من أصحاب الحديث واختاره ابن المنذر، ويؤيده ظاهر قول ابن عباس "أراد أن لا يحرج أمته، فلم يعلّله بمرض ولا غيره. والله أعلم". ... ¬
الجمعة
الجمعة شهود الجمعة فرض عين على كل مسلم إلا خمسه: عبد مملوك، أو امرأة أو صبىِ، أو مريض، أو مسافر قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (9)} (¬1). وعن طارق بن شهاب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: عبد مملوك أو امرأة أو صبيّ أو مريض" (¬2). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس على المسافر جمعة" (*). الحث عليها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل ثم أتي الجمعة فصلى ما قدر له، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلى معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" (¬3). وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان مكفراتٌ ما بينهن إذا اجُتنِبَت الكبائر" (¬4). التحذير من التهاون بها: عن ابن عمر وأبي هريرة أنهما سمعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول على أعواد منبره: "لينتهين أقوام عن وَدْعِهِمُ الجُمُعَاتِ أو ليختمن الله على قلوبهم ثم لَيكُونُن من الغَافِلِين" (¬5). ¬
وقتها
وعن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لقوم يتخلفون عن الجمعة: "لقد هممت أن آمر رجلًا يصلى بالناس، ثم أحرق على رجال يتخلفون عن الجمعة بيوتهم" (¬1). وعن أبي الجعد الضمرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك ثلاث جمع تهاونا بها طبع الله على قلبه" (¬2). وعن أسامة بن زيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ترك ثلاث جمعات من غير عذر كتب من المنافقين" (¬3). وقتها: وقتها وقت الظهر، وتجوز قبله: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصلى الجمعة حين تميل الشمس" (¬4). وعن جابر بن عبد الله أنه سئل: متى كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصلى الجمعة؟ قال: كان يصلى ثم نذهب إلى جمالنا فنريحها حين تزول الشمس" (¬5). الخطبة: وهي واجبة، لمواظبته - صلى الله عليه وسلم - عليها وعدم تركه لها أبدا، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتمونى أصلى" (¬6). ¬
هديه - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة
هديه - صلى الله عليه وسلم - في الخطبة: كان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن طُولَ صلاة الرجل وقِصَرَ خطبته مَئَّنِةٌ (*) من فِقْهِهِ، فأطيلوا الصلاة واقصروا الخطبة، وإن من البيان لسحرا" (¬1). وعن جابر بن سمرة قال: "كنت أصلي مع النبيّ - صلى الله عليه وسلم - الصلوات، فكانت صلاته قصدًا، وخطبته قصدًا (**) " (¬2). وعن جابر بن عبد الله قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه، وعلا صوته واشتد غضبه كأنه منذر جيش يقول صبحكم ومساكم" (¬3). خطبة الحاجة: كان - صلى الله عليه وسلم - يستفتح خطبه ومواعظه ودروسه بهذه الخطبة التي عرفت باسم: خطبة الحاجة، وهذا نصها (¬4): إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬5). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقوا رَبَّكُم الَذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْس وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ منْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَقوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُون بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنًّ اللهَ كَانَ عَلَيْكمْ رَقِيبًا} (¬6). ¬
وجوب الإنصاف وحرمة الكلام أثناء الخطبة
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬1). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار". "ومن تأمل خطب النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وخطب أصحابه وجدها كفيلة ببيان الهدى والتوحيد وذكر صفات الرب جل جلاله، وأصول الإيمان الكلية،- والدعوة إلى الله، وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه، فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببهم إليه، فينصرف السامعون وقد أحبوه وأحبهم. وكان - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يخطب بالقرآن وسورة ق (¬2): قالت أم هشام بنت الحرث بن النعمان: ما حفظت ق إلا من فِيّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممايخطب بها على المنبر" (¬3). وجوب الإنصاف وحرمة الكلام أثناء الخطبة: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا قلت لصاحبك يوم الجمعة أنصت والإمام يخطب فقد لغوت (*) " (¬4). بماذا تدرك الجمعة؟ صلاة الجمعة ركعتان في جماعة، فمن تخلف عن الجماعة ممن لا تجب عليه الجمعة أو كان معذورا صلى الظهر أربع ركعات، ومن أدرك ركعة مع الإِمام فقد ¬
الصلاة قبل الجمعة وبعدها
أدرك الجمعة عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أدرك ركعة من صلاة الجمعة فقد أدرك الصلاة" (¬1). الصلاة قبل الجمعة وبعدها: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من اغتسل يوم الجمعة ثم أتى الجمعة فصلى ما قدرله، ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلى معه، غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وفضل ثلاثة أيام" (¬2). فمن جاء قبل الجمعة فليصل ما شاء من غير حصر، حتي يخرج إمامه، أما ما يعرف اليوم بسنة الجمعة القبلية فمما لا أصل له، فإن من المعلوم "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا فرغ بلال من الأذان أخذ في الخطبة، ولم يقم أحد يركع ركعتين البتة، ولم يكن إلا أذان واحد، فمتى كانوا يصلون السنة؟ " (¬3). وأما بعدها فإن شاء صلى أربعًا أو اثنتين: عن أبي هريرة قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا" (¬4). وعن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلى بعد الجمعة حتى ينصرف فيصلى ركعتين في بيته" (¬5). ¬
آداب يوم الجمعة
آداب يوم الجمعة: يستحب لكل من أراد شهود الجمعة أن يعمل بما في هذه الأحاديث: عن سلمان الفارسي قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا يغتسل رجل يوم الجمعة ويتطهر ما استطاع من الطهر، ويدهن من دهنه، أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلى ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإِمام، إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى" (¬1). وعن أبي سعيد قال: "من اغتسل يوم الجمعة، ولبس من أحسن ثيابه، ومسّ من طيب إن كان عنده، ثم أتى الجمعة فلم يتخط أعناق الناس، ثم صلى ما كتب الله له، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يفرغ من صلاته كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة التي قبلها" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس على قدر منازلهم الأول فالأول، فهذا جلس الإِمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، ومثل المهجر (*) كمثل الذي يهدى بدنة (**) ثم كالذى يهدى بقرة، ثم كالذي يهدى الكبش، ثم كالذى يهدى الدجاجة، ثم كالذى يهدى البيضة" (¬3). ما يستحب من الأذكار والأدعية يوم الجمعة: 1 - الإكثار من الصلاة والسلام على النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن أوس بن أوس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من ¬
الجمعة في المسجد الجامع
الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة عليّ، قالوا: يا رسول الله، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت (*)؟ فقال: إن الله عَزَّ وَجَلَّ حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء" (¬1). 2 - قراءة سورة الكهف: عن أبي سعيد الخدرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قرأ سورة الكهف في يوم الجمعة أضَاءَ له من النور ما بين الجمعتين" (¬2). 3 - الإكثار من الدعاء رجاء أن يصادف ساعة الإجابة: عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، لا يوجد فيها عبد مسلم يسأل الله عَزَّ وجل شيئًا إلا آتاه، إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد صلاة العصر" (¬3). الجمعة في المسجد الجامع: عن عائشة قالت: "كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم والعوالى .. " (¬4). وعن الزهري: "أن أهل ذى الحليفة كانوا يجتمعون مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذلك على مسيرة ستة أميال من المدينة" (¬5). وعن عطاء بن أبي رباح قال: "كان أهل منى يحضرون الجمعة بمكة" (¬6). ¬
اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد
قال الحافظ في التلخيص (55/ 2): " لم ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن لأحد في إقامة الجمعة في شيء من مساجد المدينة ولا في القرى التي قربها". اجتماع الجمعة والعيد في يوم واحد (¬1): إذا اجتمع الجمعة والعيد في يوم واحد سقطت الجمعة عمن صلى العيد: عن زيد بن أرقم قال: صلى النبي - صلى الله عليه وسلم - العيد، ثم رخص في الجمعة، فقال: "من شاء أن يصلى فليصل" (¬2). ويستحب للإمام أن يقيم الجمعة ليشهدها من شاء شهودها، ومن لم يشهد العيد: عن أبي هريرة أنه - رضي الله عنه - قال: "قد اجتمع في يومكم هذا عيدان، فمن شاء أجزأه من الجمعة وإنا مُجَمِّعون" (¬3). * * * ¬
صلاة العيدين
صلاة العيدين حكمها: وصلاة العيدين واجبة على الرجال والنساء، لمواظبة النبي - صلى الله عليه وسلم - عليها، وأمره بالخروج لها. عن أم عطية قالت: " أمِرْنا أن نُخرِجَ العوَاتقَ (*) وذواتِ الخُدور (**) " (¬1). وعن حفصة بنت سيرين قالت: كنا نمنع جوارينا أن يخرجن يوم العيد، فجاءت امرأة فنزلت قصر بني خلف، فأتيتها، فحدثت أن زوج أختها غزا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثنتى عشرة غزوة، فكانت أختها معه في ست غزوات، فقالت: فكنا نقوم على المرضى ونداوى الكلمى ( ... )، فقالت يا رسول الله، على إحدانا بأس إذا لم يكن لها جلباب أن لا تخرج؟ فقال: لتلبسها صاحبتها من جلبابها، فليشهدن الخير ودعوة المؤمنين" (¬2). وقتها: عن يزيد بن خمير الرحبي قال: "خرج عبد الله بن بسر صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع الناس في يوم عيد فطر أو أضحى، فأنكر إبطاء الإِمام، فقال: "إنا كنا قد فرغنا ساعتنا هذه، وذلك حين التسبيح" (¬3). ¬
الخروج إلى المصلى
الخروج إلى المصلى: ومن الأحاديث السابقة تعلم أن محل صلاة العيد هو الخلاء وليس المسجد، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج لها، وعمل بذلك من بعده. هل يؤذن لها ويقام؟ عن ابن عباس وجابر بن عبد الله قالا: "لم يكن يؤذن يوم الفطر ولا يوم الأضحى" (¬1). وعن جابر: "أن لا أذان للصلاة يوم الفطر حين يخرج الإِمام ولا بعد ما يخرج ولا إقامة ولا نداء ولا شىء، لا نداء يومئذ ولا إقامة" (¬2). صفة الصلاة: صلاة العيد ركعتان، يكبر فيهما ثنتى عشر تكبيرة، سبعًا في الأولى بعد تكبيرة الإحرام وقبل القراءة، وخمسًا في الثانية قبل القراءة: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في العيدين سبعًا في الأولى وخمسًا في الآخرة" (¬3). وعن عائشة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كبر في الفطر والأضحى سبعًا وخمسًا، سوى تكبيرتى الركوع" (¬4). القراءة فيها: عن النعمان بن بشير: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في العيدين وفي الجمعة بسبح اسم ربك الأعلى، وهل أتاك حديث الغاشية" (¬5). ¬
الخطبة بعدها
وعن عبيد الله بن عبد الله قال: "خرج عمر يوم العيد، فأرسل إلى أبي واقد الليثى: بأي شيء كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في مثل هذا اليوم؟ قال: بقاف واقتربت" (¬1). الخطبة بعدها: عن ابن عباس قال: "شهدت العيد مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة" (¬2). الصلاة قبلها وبعدها: عن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى يوم الفطر ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها" (¬3). ما يستحب يوم العيد: 1 - الاغتسال: عن علي رضي الله عنه أنه سئل عن الغسل فقال: "يوم الجمعة، ويوم عرفة ويوم الفطر، ويوم الأضحى" (¬4). 2 - لبس أحسن الثياب: عن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلبس يوم العيد بردة حمراء" (¬5). 3 - الأكل يوم الفطر قبل الخروج: عن أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات" (¬6). ¬
4 - تأخير الأكل يوم الأضحى حتى يأكل من أضحيته: عن أبي بريدة: أن رسول الله كان لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم النحر حتى يذبح" (¬1). 5 - مخالفة الطريق: عن جابر قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم عيد خالف الطريق" (¬2). 6 - تكبير في أيام العيدين: قال الله تعالى: {وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (¬3). وذلك في الفطر. وفي الأضحى قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} (¬4). وقال: {كَذَلِكَ سَخرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللهَ َعَلَى مَا هَدَاكمْ} (¬5). ووقته في الفطر من حين يخرج إلى المصلى حتي يصلى: قال ابن أبي شيبة (¬6): حدثنا يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهرى: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتى المصلى، وحتي يقضى الصلاة، فإذا قضى الصلاة قطع التكبير". قال الألباني (¬7): وهذا سند صحيح مرسلًا. وقد روى من وجه آخر عن ابن ¬
عمر مرفوعًا، أخرجه البيهقي (3/ 279)، من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس وعبد الله بن عباس وعلى وجعفر والحسن والحسين وأسامة بن زيد، وزيد بن حارثة وأيمن بن أم أيمن رضي الله عنهم رافعًا صوته بالتهليل والتكبير، فيأخذ طريق الحذائين حتى يأتى المصلى، وإذا فرغ رجع على الحذائين حتى ياتى منزله". وقال البيهقي: "هذا أمثل من الوجه المتقدم". قلت: (الألباني): ورجاله ثقات رجال مسلم غير عبد الله بن عمر وهو العمرى المكبر، قال الذهبي: "صدوق في حفظه شيء". ورمز له هو وغيره بأنه من رجال مسلم، فمثله يستشهد به، فهو شاهد صالح لمرسل الزهرى، فالحديث صحيح عندي موقوفًا ومرفوعًا والله أعلم أهـ. ووقت التكبير في الأضحى من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق، صح ذلك عن علي وابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهم (¬1). وأما صيغة التكبير فالأمر فيها واسع، "وقد ثبت تشفيع التكبير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يكبر أيام التشريق: الله أكبر، الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر، الله أكبر ولله الحمد. أخرجه ابن أبي شيبة (167/ 2) وإسناده صحيح. ولكنه ذكره في مكان آخر بالسند نفسه بتثليث التكبير، وكذلك رواه البيهقي (3/ 315) عن يحيى بن سعيد عن الحكم وهو ابن فروح أبو بكار عن عكرمة عن ابن عباس بتثليث التكبير وسنده صحيح أيضًا" (¬2). ¬
صلاة الخوف
صلاة الخوف قال الله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ .... } الأيه (¬1). صفتها: قال الخطابي: صلاة الخوف أنواع، صلاها النبي - صلى الله عليه وسلم - في أيام مختلفة وأشكال متباينة يتحرى في كلها ما هو أحوط للصلاة وأبلغ في الحراسة، فهي على اختلاف صورها متفقة المعنى. أهـ (¬2). 1 - عن ابن عمر قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة والطائفة الأخرى مواجهة العدو، ثم انصرفوا وقاموا في مقام أصحابهم مقبلين على العدو، وجاء أولئك ثم صلى بهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعة ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قضى هؤلاء ركعة وهؤلاء ركعة (¬3). 2 - عن سهل بن أبي حثمة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى بأصحابه في الخوف فصفّهم خلفه صفين فصلّى بالذين يلونه ركعة، ثم قام فلم يزل قائمًا حتى صلى الذين خلفهم ركعة، ثم تقدموا وتأخر الذين كانوا قدامهم فصلى بهم ركعة، ثم قعد حتى صلى الذين تخلفوا ركعة، ثم سلم" (¬4). 3 - عن جابر بن عبد الله قال: شهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف فصفنا ¬
صفين: صف خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العدو بيننا وبين القبلة، فكبر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكبّرنا جميعًا، ثم ركع وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه وقام الصف المؤخر في نَحْرِ العدو (*)، فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - السجود وقام الصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود وقاموا، ثم تقدم الصف المؤخر وتاخر الصف المقدم،، ثم ركع النبي - صلى الله عليه وسلم - وركعنا جميعًا، ثم رفع رأسه من الركوع ورفعنا جميعًا، ثم انحدر بالسجود والصف الذي يليه الذي كان مؤخرًا في الركعة الأولي وقام الصف المؤخر في نحور العدو، فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - السجود والصف الذي يليه انحدر الصف المؤخر بالسجود فسجدوا، ثم سلم النبي - صلى الله عليه وسلم- وسلمنا جميعًا" (¬1). * * * ¬
كتاب الجنائز
كتاب الجنائز (*) ¬
ومن حضره الموت من المسلمين ندب لأهله أن يلقنوه الشهادة: عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "لقنوا موتاكم لا إله إلا الله" (¬1). وإنما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتلقين رجاء أن يكون آخر كلام الميت لا إله إلا الله: فعن معاذ بن جبل قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة" (¬2). فهذا قضى وأسلم الروح فعليهم عدة أشياء: 1 - 2 أن يغمضوا عينيه، ويدعوا له: عن أم سلمة قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي أبي سلمة، وقد شق بصره (*)، فأغمضه ثم قال: "إن الروح إذا قبض تبعه البصر"، فضج ناس من أهله، فقال: "لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون". ثم قال: "اللهم اغفر لأبي سلمة، وارفع درجته في المهديين، واخلفه في عقبه (* *) في الغابرين (* * *)، واغفر لنا وله يا رب العالمين، وأفسح له في قبره، ونوّر له فيه" (¬3). 3 - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه: عن عائشة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين توفي سُجي ببرد حبرة" (¬4). ¬
ما يجوز للحاضرين وغيرهم
4 - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (¬1). 5 - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله، ولو أتى عليه كله: عن جابر بن عبد الله قال: "مات رجل، فغسلناه وكفناه وحنطناه، ووضعناه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث توضع الجنائز، عند مقام جبريل، ثم آذنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة عليه فجاء معنا خطى، ثم قال: "لعل على صاحبكم دينا". قالوا: نعم. ديناران، فتخلف، فقال له رجل منا يقال له أبو قتادة: يا رسول الله هما عليّ، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "هما عليك وفي مالك والميت منهما برىء" فقال: نعم. فصلّى عليه، فجعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا لقى أبا قتادة يقول: "ما صنعت الديناران؟ " حتى كان آخر ذلك قال: قد قضيتهما يا رسول الله، قال: "الآن حين بردت عليه جلده" (¬2). ما يجوز للحاضرين وغيرهم: ويجور لهم كشف وجه الميت وتقبيله، والبكاء عليه ثلاثة أيام: عن عائشة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت، فكشف عن وجهه ثم أكبّ عليه فقبله، وبكى، حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه" (¬3). وعن عبد الله بن جعفر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: "لا تبكوا على أخى بعد اليوم ... " (¬4). ما يجب على أقارب الميت: ويجب على أقارب الميت حين يبلغهم خبر وفاته أمران: ¬
الأول: الصبر والرضا بالقدر، لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)} (¬1). وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بامرأة عند قبر وهي تبكى فقال لها: "اتقى الله واصبري". فقالت: إليك عني، فإنك لم تصب بمصيبتى قال: ولم تعرفه. فقيل لها: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم -! فأخذها مثل الموت. فأتت باب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم تجد عنده بوابين. فقالت: يا رسول الله، إني لم أعرفك. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الصبر عند أول الصدمة" (¬2). والصبر على وفاة الأولاد له أجر عظيم: عن أبي سعيد الخدرى: "أن النساء قلن للنبي - صلى الله عليه وسلم -: اجعل لنا يوما. فوعظهن وقال: "أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار". قالت امرأة: واثنان؟ قال: "واثنان" (¬3). الأمر الثاني مما يجب على الأقارب: الاسترجاع، وهو أن يقول: "إنا لله وإنا إليه راجعون" كما جاء في الآية، ويزيد عليه قوله "اللهم أجرني في مصيبتى وأخلف لي خيرًا منها": عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله "إنا لله وانا إليه راجعون" اللهم آجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها إلا أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما ¬
ما يحرم علي أقارب الميت
مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة، أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ثم إني قلتها، فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). ما يحرم علي أقارب الميت: 1 - النياحة: عن أبي مالك الأشعرى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أربع في أمتي من أمور الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الأحساب، والطعن في الإنساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة" وقال: "النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سِرْبَالٌ من قَطِرَانٍ ودِرْعٌ من جَرَبٍ" (¬2). 2، 3 - ضرب الخدود، وشق الجيوب: عن عبد الله قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منا من لطم الخدود، وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية" (¬3). 4 - حلق الشعر: عن أبي بردة بن أبي موسى قال: وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه، ورأسه في حجر امرأة من أهله، فصاحت امرأة من أهله، فلم يستطع أن يرد عليها شيئًا فلما أفاق قال: أنا برىء ممن برىء منه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برىء من الصالقة والحالقة والشاقة" (¬4). 5 - نشر الشعر: لحديث امرأة من المبايعات قالت: كان فيما أخذ علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه: وأن لا نخمش وجها، ولا ندعو بويل، ولا نشق جيبا، وأن لا ننشر شعرا" (¬5). ¬
ما يجب للميت
ما يجب للميت: ويجب للميت على من حضره من أهله أو غيرهم أربعة أمور: غسله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه. أولًا - الغسل: ووجوبه مأخوذ من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به في غير ما حديث: 1 - قوله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته: "واغسلوه بماء وسدر ... " (¬1). 2 - قوله - صلى الله عليه وسلم - في ابنته زينب رضي الله عنها: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا .. " (¬2). صفة الغسل: عن أم عطية "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهن في غسل ابنته: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" (¬3). وعنها قالت: دخل علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثًا أو خمسًا أو أكثر من ذلك إن رأيتن ذلك. بماء وسدر، واجعلن في الآخرة كافورًا أو شيئًا من كافور، فهذا فرغتن فآذنني. فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حِقوَهُ (*) فقال: "أشعرنها إياه" (* *) " (¬4). ¬
من يتولى الغسل
وعنها قالت: "فضفرنا شعرها ثلاثة أثلاث قرنيها وناصيتها" (¬1) وعنها قالت: "فضفرنا شعرها ثلاثة قرون وألقيناها خلفها" (¬2). من يتولى الغسل: يتولى غسل الميت من كان أعرف بسنة الغسل، لا سيما إذا كان من أهله وأقاربه، لأن الذين تولوا غسله - صلى الله عليه وسلم - كانوا من أهله: عن عليّ قال: غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجعلت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان طيبًا حيًا وميتًا - صلى الله عليه وسلم -" (¬3). ويجب أن يتولى غسل الذكر الرجال، والأنثى النساء، ويستثنى من ذلك الزوجان فإنه يجوز لكل منهما أن يتولى غسل الآخر: عن عائشة قالت: "لو كنت استقبلت من أمرى ما استدبرت ما غسل النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - غيرُ نسائه" (¬4). وعنها قالت: "رجع إليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جنارة بالبقيع، وأنا أجد صداعا في رأسى وأقول: وارأساه. فقال: "بل أنا وارأساه. ما ضرك لو مت قبلى فغسلتك وكفنتك ثم صليت عليك ودفنتك" (¬5). تنبيه: لا يشرع غسل الشهيد قتيل المعركة: عن جابر قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "ادفنوهم في دمائهم -يعني يوم أحد- ولم يغسلهم" (¬6). ¬
ثانيا- الكفن
ثانيًا- الكفن: ووجوبه مأخوذ من أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به في حديث المُحْرِم الذي وقصته ناقته: "اغسلوه بماء وسدر، وكفنوه في ثوبين ... " (¬1). والكفن أو ثمنه من مال الميت ولو لم يخلف غيره، لحديث خباب بن الأرت قال: هاجرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - نلتمس وجه الله، فوقع أجرنا على الله، فمنا من مات لم يأكل من أجره شيئًا، فمنهم مصعب بن عمير، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يَهدِبُها. قتل يوم أحد فلم نجد ما نكفنه إلا بردة إذا غطّينا بها رأسه خرجت رجلاه، وإذا غطينا رجليه خرج رأسه، فأمرنا النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن نغطي رأسه، وأن نجعل علي رجليه من الإذخر" (¬2). والواجب من الكفن ثوب يستر جميع البدن، فإن لم يوجد إلا ثوب قصير لا يكفى لجميع البدن غطى رأسه وجعل على رجليه من الإذخر، كما في حديث خباب. ويستحب في الكفن أمور: 1 - البياض، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها خير ثيابكم، وكفنوا فيها" (¬3). 2 - كونه ثلاثة أثواب: لحديث عائشة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُفِّنَ في ثلاثة أثوابٍ يمانيةٍ بيضٍ سَحوليةٍ من كُرْسُفٍ ليس فيها قميص ولا عمامة" (¬4). 3 - أن يكون أحدها ثوب حبرة إذا تيسر لحديث جابر عنه - صلى الله عليه وسلم - "إذا توفي أحدكم فوجد شيئًا فليكفن في ثوب حبرة" (¬5). ¬
الصلاة على الجنازة
الصلاة على الجنازة: الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية، لأمره - صلى الله عليه وسلم - بها في أحاديث: منها حديث زيد بن خالد الجهني: "أن رجلًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - تُوفي يوم خيبر، فذكروا ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "صلوا على صاحبكم". فتغيرت وجوه الناس لذلك، فقال: "إن صاحبكم غَلّ في سبيل الله". ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوى درهمين" (¬1). ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما: الأول: الطفل الذي لم يبلغ، قالت عائشة رضي الله عنها: "مات إبراهيم بن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وهو ابن ثمانية عشر شهرا، فلم يصل عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). الثاني: الشهيد، عن أنس: "أن شهداء أحد لم يغسلوا، ودفنوا بدمائهم، ولم يصلّ عليهم" (¬3). لكن عدم الوجوب لا ينفى مشروعية الصلاة عليهما: عَن عائشة قالت: "أُتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصبي من صبيان الأنصار، فصلى عليه .. " (¬4). وعن عبد الله بن الزبير: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمر يوم أحد بحمزة فسجى ببردة، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات، ثم أُتى بالقتلى يصفّون، ويصلى عليهم، وعليه معهم" (¬5). ¬
ويستحب أن يصلوا وراء الإمام ثلاثة صفوف، وإن قلوا
وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من ميت تصلى عليه أمة من المسلمين يبلغون مائة كلهم يشفعون له إلا شفعوا فيه" (¬1). وقوله "ما من رجل مسلم يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه" (¬2). ويستحب أن يصلوا وراء الإِمام ثلاثة صفوف، وإن قلوا: عن مرثد اليزني عن مالك بن هُبيرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من ميت يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب". قال: فكان مالك إذا استقل أهل الجنارة جزأهم ثلاثة صفوف، للحديث (¬3). وإذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء: فإن صلى على كل جنازة صلاة فهذا الأصل، وإن صلى عليها جميعًا صلاة واحدة جاز، ويجعل الذكور -ولو كانوا صغارا- مما يلي الإِمام، والأناث مما يلي القبلة: عن نافع عن ابن عمر: "أنه صلى على تسع جنائز جميعًا، فجعل الرجال يلون الإمام والنساء يلين القبلة فصفهن صفًا واحدًا، ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له زيد، وضعا جميعا، والإمام يومئذ سعيد بن العاص، وفي الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة، فوضع الغلام مما يلي الإمام، فقال رجل: فأنكرت ذلك، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة، فقلت ما هذا؟ قالوا: هى السنة" (¬4) .. ¬
أين يصلى على الجنازة
أين يُصَلَى على الجنازة: تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد: عن عائشة قالت: لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين عليه، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك وقالوا: ما كانت الجنائز يدخل بها المسجد فبلغ ذلك عائشة فقالت: ما أسرع الناس إلى أن يعيبوا ما لا علم لهم به، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد، وما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد" (¬1). لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز، كما كان الأمر على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو الغالب على هديه فيها: عن ابن عمر: "أن اليهود جاءوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - برجل منهم وامرأة زنيا، فأمر بهما فرجما قريبا من موضع الجنائز عند المسجد" (¬2). وعن أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه، خرج إلى المصلى، فصف بهم وكبر أربعًا" (¬3). ولا تجوز صلاة الجنازة بين القبور: لحديث أنس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور" (¬4). أين يقوم الإمام؟ عن أبي غالب الخياط قال: شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل، فقام عند رأسه، فلما رفع أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار، فقيل له: ¬
صفة الصلاة
يا أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها، فصلى عليها، فقام وسطها. وفينا العلاء بن زياد العدوى، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال: يا أبا حمزة، هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم حيث قمت، ومن المرأة حيث قمت؟ قال نعم. قال: فالتفت إلينا العلاء فقال: احفظوا" (¬1). صفة الصلاة: ويكبر عليها أربعا، أو خمسا، إلى تسع تكبيرات، فيفعل هذا تارة، وهذا تارة: أما الأربع: فلحديث أبي هريرة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه خرج إلي المصلى فصف بهم وكبر أربعا" (¬2). وأما الخمس: فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا، وإنه كبر على جنازة خمسا، فسألته فقال: كان رسول - صلى الله عليه وسلم - يكبرها" (¬3). وأما الست والسبع، ففيها بعض الآثار الموقوفة، ولكنها في حكم المرفوعة لأن بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد: عن عبد الله بن معقل: "أن على بن أبي طالب صلي على سهل بن حنيف، فكبر عليه ستا، ثم التفت إلينا فقال: إنه بدرى" (¬4). وعن موسي بن عبد الله بن يزيد "أن عليا صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا، وكان بدريا" (¬5). ¬
وعن عبد خير قال: "كان على رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستا، وعلى أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خمسًا، وعلى سائر الناس أربعا" (¬1). وأما التسع: فعن عبد الله بن الزبير: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات ... " (¬2). ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الأولى: عن عبد الله بن عباس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة، ثم لا يعود" (¬3). ثم يضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم يشد بينهما على صدره: عن سهل بن سعد قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة " (¬4). ثم يقرأ عقيب التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب وسورة: عن طلحة بن عبد الله بن عوف قال: "صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة، فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، وجهر حتى أسمعنا، فلما فرغ أخذت بيده فسألته؟ فقال: إنما جهرت لتعلموا أنها سنة وحق" (¬5). ويقرأ سرًا، لحديث أبي أمامة بن سهل قال: "السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الأولى بأم القرآن مخافتة، ثم يكبر ثلاثًا، والتسليم عند الآخرة" (¬6). ¬
ثم يكبر التكبيرة الثانية، ويصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم -، لحديث أبي أمامة المذكور أنه أخبره رجل من أصحاب النبي: "أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإِمام، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه، ثم يصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات الثلاث، لا يقرأ في شيء منهن، ثم يسلم سرًا في نفسه" (¬1). ثم يأتي ببقية التكبيرات، ويخلص الدعاء فيها للميت: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صليتم على الميت فاخلصوا له الدعاء" (¬2). ويدعو فيها بما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من الأدعية، ومنها ما جاء عن عوف بن مالك قال: صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول: "اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دار خيرا من داره وأهلًا خير من أهله، وزوجا خير من زوجه وأدخله الجنة، وأعذه من عذاب القبر وعذاب النار" قال: فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت" (¬3). والدعاء بين التكبيرة الأخيرة والتسليم مشروع: لحديث أبي يعفور عن عبد الله ابن أبي أوفى رضي الله عنه قال: "شهدته وكبر على جنازة أربعًا، ثم قام ساعة -يعني- يدعوا ثم قال: أترونى كنت أكبر خمسًا؟ قالوا: لا، قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يكبر أربعًا" (¬4). ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة، إحداهما عن يمينه والأخرى عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "ثلاث خلال ¬
ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات التي تحرم الصلاة فيها إلا الضرورة
كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعلهن تركهن الناس، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة" (¬1). ويجوز الاقتصار على التسليمة الأولى فقط، لحديث أبى هريرة رضي الله عنه: "أن رسول الله صلى على جنازة فكبر عليها أربعًا، وسلم تسليمة واحدة" (¬2). ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات التي تحرم الصلاة فيها إلا الضرورة لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلى فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" (¬3). فضل الصلاة على الجنازة واتباعها: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط، فإن تبعها فله قيراطان، قيل وما القيراطان؟ قال: أصغرهما مثل أحد" (¬4). وهذا الفضل في اتباع الجنائز: إنما هو للرجال دون النساء، لنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - لهن عن اتباعها وهو نهى تنزيه، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها: "نهينا عن اتباع الجنائز ولم يعزم علينا" (¬5). ولا يجوز أن تتبع الجنائز بما يخالف الشريعة، وقد جاء النص فيها على أمرين: رفع الصوت بالبكاء، واتباعها بالبخور، وذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تتبع ¬
ويجب الإسراع في السير بها، سيرا دون الرمل
الجنازة بصوت ولا نار" (¬1). ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة؛ لأنه بدعة، ولقول قيس بن عباد: "كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يكرهون رفع الصوت عند الجنائز" (¬2). ولأن فيه تشبها بالنصارى، فإنهم يرفعون أصواتهم بشيء من أناجيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين. وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الآلات الموسيقية أمامها عزفًا حزينًا، كما يفعل في بعض البلاد الإِسلامية تقليدا للكفار. والله المستعان. ويجب الإسراع في السير بها، سيرا دون الرمل: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أسرعوا بالجنازة، فإن تك صالحة فخير تقدمونها عليه، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم" (¬3). ويجور المشى أمامها وخلفها، وعن يمينها ويسارها، على أن يكون قريبا منها إلا الراكب فيسير خلفها لحديث المغيرة بن شعبه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الراكب خلف الجنازة، والماشى حيث شاء منها" (¬4). لكن الأفضل المشى خلفها؛ لأنه مقتضى قوله - صلى الله عليه وسلم - "واتبعوا الجنائز". ويؤيده قول علىّ رضي الله عنه: "المشى خلفها أفضل من المشى أمامها، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا" (¬5). ماذا يقول إذا دخل القبور أو مرّ عليها: ¬
الدفن
عن عائشة قالت: قلت: كيف أقول لهم يا رسول الله؟ قال قولي: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" (¬1). وعن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر: "السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسال الله لنا ولكم العافية" (¬2). الدفن: ويجب دفن الميت ولو كان كافرا لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعلي بن أبي طالب وقد مات أبو طالب: "اذهب فواره" (¬3). والسنة الدفن في المقبرة؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدفن الموتى في مقبرة البقيع، كما تواترت الأخبار بذلك، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة، إلا ما تواتر أيضًا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفن في حجرته، وذلك من خصوصياته - صلى الله عليه وسلم -، كما دل عليه حديث عائشة قالت: "لما قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اختلفوا في دفنه، فقال أبو بكر: سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئًا ما نسيته قال: "ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه". فدفنوه في موضع فراشه" (¬4). ويستثنى من ذلك الشهداء في المعركة، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم، ولا ينقلون إلى المقابر، لحديث جابر رضي الله عنه قال: "لما كان يوم أحد، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع، فنادى منادى رسول الله ¬
ولا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة
- صلى الله عليه وسلم -: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم" (¬1). ولا يجوز الدفن في الأحوال الآتية إلا لضرورة: 1 - عن عقبة بن عامر قال: "ثلاث ساعات كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهانا أن نصلى فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب" (¬2). 2 - وعن جابر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر رجلًا من أصحابه قبض فكفّن في كفن غير طَائِلٍ وقُبِرَ ليلًا فَزَجَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُقْبَرَ الرجل بالليل حتى يُصَلَى عليه، إلا أن يُضْطَرَّ إنسان إلى ذلك" (¬3). فإن اضطروا إلى الدفن ليلًا جاز، ولو مع استعمال المصباح والنزول به في القبر، لتسهيل عملية الدفن لحديث ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدخل رجلًا قبره ليلًا، وأسرج في قبره" (¬4). ويجب إعماق القبر وتوسيعه وتحسينه: عن هشام بن عامر قال: "لما كان يوم أحد، أصيب من أصيب من المسلمين، وأصاب الناس جراحات، فقلنا يا رسول الله، الحفر علينا لكل إنسان شديد، فكيف تأمرنا؟ فقال: "احفروا وأوسعوا، وأعمقوا، وأحسنوا، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر، وقدموا أكثرهم قرآنا قال: فكان أبي ثالث ثلاثة، وكان ¬
ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لحديث عائشة قالت
أكثرهم قرآنا، فقدم" (¬1). ويجوز في القبر اللحد والشق، لجريان العمل عليهما في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن الأول أفضل، عن أنس بن مالك: قال: "لما توفي النبي - صلى الله عليه وسلم - كان بالمدينة رجل يلحد، وآخر يضرح، فقالوا: نستخير ربنا، ونبعث إليهما، فأيهما سبق تركناه، فأرسل إليهما، فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -" (¬2). ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى الرجال دون النساء لأنه المعهود في عهده - صلى الله عليه وسلم - وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم. وأولياء الميت أحق لإنزاله، لعموم قوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} (¬3). ولحديث علىَّ رضي الله عنه قال: "غسلت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبت أنظر ما يكون من الميت فلم أر شيئًا، وكان - صلى الله عليه وسلم - طيبا حيا وميتا، وولى دفنه وإجنابه دون الناس أربعة: عليّ والعباس والفضل وصالح مولي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولحد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لحدا ونصب عليه اللبن نصبا" (¬4). ويجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته، لحديث عائشة قالت: " دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في اليوم الذي بدىء فيه، فقلت: وارأساه، فقال: "وددت أن ذلك كان وأنا حىّ، فهيأتك ودفنتك ... " (¬5). لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة، وإلا لم يشرع له دفنها، وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو كان أجنبيا بالشرط المذكور، لحديث أنس قال: ¬
شهدنا ابنة لرسول - صلى الله عليه وسلم -، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان، ثم قال: "هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ فقال أبو طلحة: أنا يا رسول الله قال: فأنزل، قال: فنزل في قبرها" (¬1). والسنة إدخال الميت من مؤخرة القبر، لحديث أبي إسحاق قال: "أوصى الحارث أن يصلى عليه عبد الله بن يزيد، فصلى عليه، ثم أدخله القبر من قبل رجلى القبر وقال: هذا من السنة" (¬2). ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين، ووجهه قبالة القبلة، ورأسه ورجلاه إلى يمين القبلة ويسارها، وعلى هذا جرى عمل أهل الإِسلام من عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى يومنا هذا. ويقول الذي يضعه في لحده: "بسم الله، وعلى سنة رسوله الله، أو ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا وضع الميت في القبر قال: بسم الله، وعلى سنة رسول الله" (¬3). ولحديث البياضى رضي الله عنه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "الميت إذا وضع في قبره، فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد: باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬4). ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعًا بعد الفراغ من سد اللحد لحديث أبي هريرة "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى على جنازة، ثم أتى الميت فحثى عليه من قبل رأسه ثلاثًا" (¬5). ¬
ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور: الأول: أن يرفع القبر عن الأرض قليلًا نحو شبر، ولا يسوى بالأرض، وذلك لِيَتَميز فَيُصَان ولا يُهَان، لحديث جابر رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألحد له لحد، ونصب عليه اللبِن نصبا، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر" (¬1). الثاني: أن يجعل مسنما، لحديث سفيان التمار قال: "رأيت قبر النبي - صلى الله عليه وسلم - مُسَنَمًا" (¬2). الثالث: أن يعلمه بحجر أو نحوه، ليدفن إليه من يموت من أهله، لحديث المطلب بن أبي وداعة رضي الله عنه قال: لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن، أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله، فقام إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال المطلب: قال الذي يخبرني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كأني انظر إلى بياض ذراعى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنها، ثم حملها فوضعها عند رأسه، وقال: أتعلم بها قبر أخي، وأدفن إليه من مات من أهلى" (¬3). الرابع: أن يقف على القبر يدعوله بالتثبيت، ويستغفر له، ويأمر الحاضرين بذلك: لحديث عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم، وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" (¬4). ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن بقصد تذكير الحاضرين بالموت وما بعده، لحديث البراء بن عازب قال: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في جنازة رجل من الأنصار، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وجلسنا حوله، وكأن ¬
على رؤوسنا الطير، وفي يده عود فجعل ينكت في الأرض فرفع رأسه فقال: استعيذوا بالله من عذاب القبر، مرتين أو ثلاثًا، ثم قال: إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا، وإقبال من الآخرة، نزل إليه ملائكة من السماء بيض الوجوه كان وجوههم الشمس، معهم كفن من اكفان الجنة، وحنوط من حنوط الجنة حتى يجلسوا منه مد البصر، ثم يجىء ملك الموت عليه السلام حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الطيبة، اخرجى إلى مغفرة من الله ورضوان، قال: فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء، فيأخذها، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها، فيجعلوها في ذلك الكفن وفي ذلك الحنوط، ويخرج منها كأطيب نفحة مسك وجدت على وجه الأرض، قال: فيصعدون بها، فلا يمرون يعني بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الطيب، فيقولون فلان بن فلان، بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا، فيستفتحون له فيفتح لهم، فيشيعه من كل سماء مقربوها إلى السماء التي تليها، حتى ينتهى به إلى السماء السابعة، فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ، اكتبوا كتاب عبدي في عليين، وأعيدوه إلى الأرض، فإني منها خلقتهم وفيها أعيدهم، ومنها أخرجهم تارة أخري. قال: فتعاد روحه في جسده، فيأتيه ملكان فيجلسانه، فيقولان له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، فيقولان له: ما دينك؟ فيقول ديني الإِسلام، فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولان له: وما علمك؟ فيقول: قرأت كتاب الله فآمنت به وصدقت، فينادي مناد في السماء: أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابا إلى الجنة، قال: فيأتيه من روحها وطيبها، ويفسح له في قبره مد بصره. قال: ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي بسرك هذا يومك الذي كنت توعد. فيقول له: من أنت؟ فوجهك الوجه يجيء بالخير؟ فيقول: أنا عملك الصالح، فيقول: رب أقم الساعة حتي أرجع إلى أهلي ومالي.
قال: وإن العبد الكافر إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال من الأخرة نزل إليه من السماء ملائكة سود الوجوه، معهم المسوح، فيجلسون منه مد البصر، ثم يجيء ملك الموت حتى يجلس عند رأسه، فيقول: أيتها النفس الخبيثة، اخرجى إلى سخط من الله وغضب، قال: فتفرق في جسده، فينتزعها كما ينتزع السفود من الصوف المبلول فيأخذها، فإذا أخذها, لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح، ويخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الأرض، فيصعدون بها فلا يمرون بها على ملأ من الملائكة إلا قالوا: ما هذا الروح الخبيث؟ فيقولون فلان بن فلان بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا، حتى ينتهى به إلى السماء الدنيا، فيستفتح له فلا يفتح له، ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلًونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ في سَمِّ الْخِيَاطِ} فيقول الله عَزَّ وَجَلَّ: اكتبوا كتابه في سجين في الأرض السفلى فتطرح روحه طرحا، ثم قرأ: {وَمَن يُشْرِكْ بِاللَهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطيْرً أَوْ تَهْوِي بِهِ الريحُ في مَكَان سَحِيقٍ} فتعاد روحه في جسده ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولان له: من ربك؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما دينك؟ فيقول هاه هاه، لا أدرى. فيقولان له: ما هذا الرجل الذي بعث فيكم؟ فيقول: هاه هاه، لا أدرى. فينادى مناد من السماء: أن كذب فافرشوا له من النار، وافتحوا له بابا إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، ويضيق عليه قبره حتي تختلف فيه أضلاعه) ويأتيه رجل قبيح الوجه، قبيح الثياب، منتن الريح، فيقول: أبشر بالذى يسوءك، هذا يومك الذي كنت توعد، فيقول: من أنت، فوجهك الوجه يجيء بالشر؟ فيقول: أنا عملك الخبيث. فيقول: رب لا تقم الساعة. "وفي رواية: ثم يقيص له أعمى أصم أبكم، وفي يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا، فيضربه ضربة حتي يصير ترابا، ثم يعيده الله كما كان فيضربه ضربة أخرى، فيصيح صيحة يسمعه كل شيء إلا الثقلين" (¬1). ¬
التعزية
التعزية: وتشرع تعزية أهل الميت بما يظن أنه يسليهم، ويكف من حزنهم، ويحملهم، على الرضا والصبر مما يثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - إن كان يعلمه ويستحضره، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع: عن أسامة بن زيد قال: "كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسلت إليه إحدى بناته تدعوه وتخبره أن صبيا لها أو ابنا لها في الموت. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ارجع إليها فأخبرها: أن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بأجل مسمى، فمرها فلتصبر ولتحتسب .... " (¬1). وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما: 1 - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد. 2 - اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء. وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه -: "كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة" (¬2). وإنما السُّنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعامًا يشبعهم، لحديث عبد الله بن جعفر - رضي الله عنه - قال: لما جاء نعى جعفر حين قتل، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "اصنعوا لآل جعفر طعاما، فقد أتاهم أمر يشغلهم، أو أتاهم ما يشغلهم" (¬3). ¬
ما ينتفع به الميت
ما ينتفع به الميت: وينتفع الميت من عمل غيره بأمور: 1 - دعاء المسلم له: لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (10)} (¬1). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه مَلَكٌ مُوَكلْ، كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل" (¬2). 2 - قضاء الدين عنه من أي شخص، لما سبق من قضاء أبي قتادة الدينارين عن ميت. 3 - قضاء النذر عنه صَومًا كان أو غيره: لحديث سعد بن عبادة: "أنه استفتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن أمي ماتت وعليها نذر؟ فقال: اقضه عنها" (¬3). 4 - ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة: يقول تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (39)} (¬4) ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه" (¬5). 5 - ما خلفه من آثار صالحة وصدقات جارية: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو عِلْم يُنتفع به، أو ولد صالح يدعو له" (¬6). ¬
زيارة القبور
زيارة القبور: وتشرع زيارة القبور للاتعاظ وتذكر الآخرة، شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى، كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى ونحو ذلك: عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإن فيها عبرة، ولا تقولوا ما يسخط الرب" (¬1). والنساء كالرجال الذي استحباب زيارة القبور لمشاركتهن لهم في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور، ولما مر فيما يقال عند الزيارة أن عائشة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماذا تقول إذا زارت القبور. فعلّمها ماذا تقول ولم ينهها، ولم يبين لها أن ليس للنساء زيارة. ما يحرم عند القبور: 1 - الذبح لوجه الله، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عقر في الإسلام". قال عبد الرزاق ابن همام: "كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة" (¬2). 2 - 6 - ما تضمنه هذا الحديث: عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبني عليه أو يزاد عليه، أو يكتب عليه" (¬3). 7 - الصلاة إليها: لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا تصلوا إلى القبور. . ." (¬4). 8 - الصلاة عندها ولو بدون استقبال. ¬
عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" (¬1). 9 - بناء المساجد عليها: عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا: "لما نزل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - طفق يطرح خميصة له على وجهه، فهذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال: وهو كذلك" لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد، يحذر ما صنعوا" (¬2). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي لم يقم منه: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد". قالت فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا" (¬3). 10 - اتخاذها عيدا، تقصد في أوقات معينة، ومواسم معروفة، للتعبد عندها أو لغيرها لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لا تتخذوا قبري عيدا، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا، وحيثما كنتم فصلوا عليّ فإن صلاتكم تبلغنى" (¬4). 11 - السفر إليها: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والمسجد الأقصى" (¬5). 12 - إيقاد السرج عليها، لكونه بدعة لا يعرفها السلف الصالح، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار" (¬6). وفيه أيضا إضاعة للمال وهو منهى عنه بالنص. ¬
لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله كره لكم ثلاثا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" (¬1). 13 - كسر عظامها: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إن كسر عظم المؤمن ميتا مثل كسره حيًا" (¬2). * * * ¬
كتاب الصيام
كتاب الصيام
حكمه
حكمه: صوم رمضان ركن من أركان الإِسلام، وفرض من فرائضه: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)}. الآيات إلى قوله تعالى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصوم رمضان" (¬2). وأجمعت الأمة على وجوب صيام رمضان، وأنه أحد أركان الإِسلام، التي علمت من الدين بالضرورة، وأن منكره كافر مرتد عن الإسلام (¬3). فضله: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬4). وعن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله - عز وجل - "كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزى به، والصيام جُنَّة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل، فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم، مرتين، ¬
وجوب صيام رمضان برؤية الهلال
والذي نفس محمَّد ببده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك. وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه" (¬1). وعن سهل بن سعد "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال "إن في الجنة بابا يقال له الريان يدخل منه الصائمون يوم القيامة لا يدخل منه أحد غيرهم يقال: أين الصائمون؟ فيقومون لا يدخل منه أحد غيرهم، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد" (¬2). وجوب صيام رمضان برؤية الهلال: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمّى عليكم الشهر فعدوا ثلاثين" (¬3). بم يثبت الشهر؟ " يثبت شهر رمضان برؤية الهلال ولو من واحد عدل، أو إكمال عدة شعبان ثلاثين يومًا" عن ابن عمر قال: "تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أني رأيته، فصام وأمر الناس بصيامه" (¬4). فإن لم يُر الهلال لغيم أو نحوه أتموا عدة شعبان ثلاثين يومًا، لحديث أبي هريرة السابق. وأما شوال فلا يثبت دخوله إلا بشهادة اثنين: عن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب: أنه خطب في اليوم الذي شك فيه ¬
على من يجب
فقال: ألا إني جالست أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسالتهم، إنهم حدثوني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، وأنسكوا لها، فإن غمّ عليكم فاتموا ثلاثين يومًا، فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" (¬1). وعن أمير مكة الحارث بن حاطب قال: "عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننسك للرؤية فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما" (¬2). فقوله: "فإن شهد شاهدان مسلمان فصوموا وأفطروا" في حديث عبد الرحمن ابن زيد. وقوله: "فإن لم نره وشهد شاهدًا عدل نسكنا بشهادتهما" في حديث الحارث يدلان بمفهومهما على عدم جواز شهادة رجل واحد في الصيام والافطار، فخرج الصيام بدليل، وبقى الأفطار حيث لا دليل على جوازه بشهادة واحد" أهـ. بتصرف من "تحفة الأحوذي" (3/ 373 و 374). تنبيه: ومن رأى الهلال وحده فلا يصوم حتى يصوم الناس، ولا يفطر حتى يفطروا، فعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون" (¬3). على من يجب: أجمع العلماء على أنه يجب الصوم على المسلم العاقل البالغ، الصحيح المقيم، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس" (¬4). أما عدم وجوبه على غير العاقل البالغ، فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبى حتى يحتلم" (¬5). ¬
وأما عدم وجوبه على غير الصحيح المقيم، فلقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (¬1). فإن صام المريض والمسافر أجزأهما؛ لأن إباحة الفطر لهما رخصة، فإن أخذا بالعزيمة فهو خير. وأيهما أفضل؟ الفطر أم الصوم؟ إن لم يجد المريض والمسافر مشقة بالصوم فالصوم أفضل، وإن وجدا مشقة فالفطر أفضل. عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان فمنا الصائم ومنا المفطر، فلا يجد الصائم على المفطر ولا المفطر علي الصائم، يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ويرون أن من وجد ضعفا فافطر فإن ذلك حسن" (¬2). وأما عدم وجوبه على الحائض والنفساء، فلحديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك نقصان دينها" (¬3). فإن صامت الحائض أو النفساء، لم يجزئهما؛ لأن من شروط الصوم الطهارة من الحيض والنفاس ويجب عليهما القضاء: عن عائشة قالت: "كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ¬
ما يجب على الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه
ولا نؤمر بقضاء الصلاة" (¬1). ما يجب على الشيخ الكبير والمرأة العجوز والمريض الذي لا يرجى برؤه: ومن عجز عن الصيام لكبر أو نحوه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا، لقوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} (¬2). عن عطاء أنه سمع ابن عباس يقرأ هذه الآية فقال ابن عباس: ليست بمنسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعمان مكان كل يوم مسكينًا" (¬3). الحبلى والمرضع: والحبلى والمرضع إذا لم تطيقا الصوم أوخافتا على أولادهما فلهما الفطر، وعليهما الفدية، ولا قضاء عليهما. عن ابن عباس قال: "رخص للشيخ الكبير، والعجوز الكبيرة في ذلك وهما يطيقان الصوم أن يفطرا إن شاءا، ويطعما كل يوم مسكينا، ولا قضاء عليهما، ثم نسخ ذلك في هذه الآية {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ}، وثبت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا كان لا يطيقان الصوم، والحبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا، وأطعمتا كل يوم مسكينا" (¬4). وعنه قال: "إذا خافت الحامل على نفسها، والمرضع على ولدها في رمضان قال: يفطران، ويطعمان مكان كل يوم مسكينا، ولا يقضيان صومًا (¬5). وعن نافع قال: "كانت بنت لا بن عمر تحت رجل من قريش، وكانت ¬
قدر الطعام الواجب
حاملًا، فاصابها عطش في رمضان، فأمرها ابن عمر أن تفطر وتطعم عن كل يوم مسكينا" (¬1). قدر الطعام الواجب: عن أنس بن مالك "أنه ضعف عن الصوم عاما فصنع جفنة ثريد ودعا ثلاثين مسكينا فاشبعهم" (¬2). أركان الصوم: 1 - النية: لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (¬3). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لك امرئ ما نوى" (¬4). ولا بد أن تكون قبل الفجر من كل ليلة، لحديث حفصة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" (¬5). 2 - الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس: قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} (¬6). ¬
والذي يفطر به الصائم ستة أشياء
والذي يفطر به الصائم ستة أشياء: 1، 2 - الأكل والشرب عمدا، فإن أكل أو شرب ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة: عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من نسي وهو صائم فكل أو شرب، فليتم صومه، فإنما أطعمه الله وسقاه" (¬1). 3 - القيء عمدا، فإن غلبه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة: عن أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض" (¬2). 4، 5 - الحيض والنفاس، ولو في اللحظة الأخيرة من النهار، لإجماع العلماء عليه. 6 - الجماع، وتجب به الكفارة المذكورة في هذا الحديث: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت. قال: مالك؟ قال: وقعت على امرأتى وأنا صائم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد إطعام ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: فمكث النبي-صلى الله عليه وسلم-، فبينا نحن على ذلك اتِىَ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بعَرَق فيها تَمْرٌ -والعَرَقُ المِكْتَل- قال: أين السائل؟ فقال أنا قال: خذ هذا فتصدق به. فقال الرجل: على أفقر مني يا رسول الله؟ فوالله ما بين لابَتَيْهَا -يريد الحَرَّتيَن- أهل بيت أفقر من أهل بيتى- فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك" (¬3). آداب الصيام: ¬
يستحب للصائم أن يراعى في صيامه الآداب التالية
يستحب للصائم أن يراعى في صيامه الآداب التالية: 1 - السحور: عن أنس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تسحروا فإن في السحور بركة" (¬1). ويتحقق السحور ولو بجرعة ماء، لحديث عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" تسحروا ولو بجرعة ماء" (¬2). ويستحب تأخيره: عن أنس عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: "تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قام إلى الصلاة. قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: قدر خمسين آية" (¬3). وإذا سمع الأذان وطعامه أو شرابه في يده فله أن يأكل أو يشرب، لحديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده فلا يضعه حتى يقضى حاجته منه" (¬4). 2 - الكف عن اللغو والرفث ونحوهما مما يتنافى مع الصوم: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم" (¬5). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه" (¬6). ¬
3 - الجود ومدارسة القرآن: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل عليه السلام يلقاه كل ليلة في رمضان حتي ينسلخ، يعرض عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - القرآن، فهذا لقيه جبريل عليه السلام كان أجود بالخير من الريح المرسلة" (¬1). 4 - تعجيل الفطر: عن سهل بن سعد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر" (¬2). 5 - أن يفطر على ما يتيسر له مما هو مذكور في هذا الحديث: عن أنس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفطر على رطبات قبل أن يصلى، فإن لم تكن رطبات فعلى تمرات، فإن لم تكن حسا حسوات من الماء" (¬3). 6 - الدعاء عند الفطر بما جاء في هذا الحديث: عن ابن عمر قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أفطر قال: "ذهب الظمأ وابتلت العروق، وثبت الأجر إن شاء الله" (¬4). ¬
ما يباح للصائم
ما يباح للصائم: 1 - الغسل للتبرد: عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعَرْج يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر" (¬1). 2 - المضمضة والاستنشاق من غير مبالغة: عن لقيط بن صبرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا" (¬2). 3 - الحجامة: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم" (¬3). وتكره إن خشى على نفسه ضعفًا: عن ثابت البناني قال: سئل أنس بن مالك رضي الله عنه اكنتم تكرهون الحجامة للصائم؟ قال: لا، إلا من أجل الضعف" (¬4). 4 - القبلة والمباشرة لمن قدر على ضبط نفسه: عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقبل ويباشر وهو صائم، وكان أملككم لإربه" (¬5). ¬
صيام التطوع
5 - أن يصبح جنبا: لما جاء عن عائشة وأم سلمة: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم" (¬1). 6 - الوصال إلى السحر: عن أبي سعيد الخدرى أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تواصلوا، فأيكم أراد أن يواصل فليواصل حتى السَّحَر. قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: لست كَهَيْئَتِكُم، إني أبيت لي مُطْعِمٌ يُطْعِمُنى وساقٍ يسقين" (¬2). 7 - السواك، والطيب، والأدهان، والكحل، والقطرة، والحقنة: والأصل في إباحة هذه الأشياء البراءة الأصلية، ولو كانت مما يحرم على الصائم لبينه الله ورسوله، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (¬3). صيام التطوع: رغب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صيام هذه الأيام: 1 - ستة من شوال: عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من صام رمضان ثم أتبعه ستًا من شوال كان كصيام الدهر" (¬4). ¬
3،2 - يوم عرفة لغير الحاج، وعاشوراء ويوم قبله: عن أبي قتادة قال: "سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن صوم يوم عرفة؟ فقال: "يكفر السنة الماضية والباقية" وسئل عن صوم يوم عاشوراء؟ فقال: "يكفر السنة الماضية" (¬1) وعن أم الفضل بنت الحارث: أن ناسًا تماروا عندها يوم عرفة في صيام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم: هو صائم. وقال بعضهم: ليس بصائم، فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره بعرفة فشربه" (¬2). وعن أبي غطفان بن طريف المرى قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع" قال: فلم يأت العام المقبل، حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬3). 4 - صيام أكثر المحرم: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر لله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" (¬4). 5 - صيام أكثر شعبان: عن عائشة قالت: ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - استكمل صيام شهر قط إلا شهر ¬
رمضان، وما رأيته في شهر أكثر منه صياما في شعبان" (¬1). 6 - الاثنين والخميس: عن أسامة بن زيد قال: "إن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم يوم الاثنين والخميس، وسئل عن ذلك فقال: "إن أعمال العباد تعرض يوم الاثنين والخميس" (¬2). 7 - ثلاثة أيام من كل شهر: عن عبد الله بن عمرو قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صم من كل شهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها، وذلك مثل صيام الدهر" (¬3). ويستحب أن تكون أيام: ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة: عن أبي ذر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا أبا ذر، إذا صمت من الشهر ثلاثة أيام فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة، وخمس عشرة" (¬4). 8 - صيام يوم وفطر يوم: عن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "أحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يومًا" (¬5). ¬
الأيام المنهى عن صيامها
9 - عشر ذى الحجة: عن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي عليه السلام قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم تسع ذى الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر، وأول اثنين من الشهر والخميس" (¬1). الأيام المنهى عن صيامها: 1 - يوما العيدين: عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: "شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر تكون فيه من نسككم" (¬2). 2 - أيام التشريق (*): عن أبي مرة مولى أم هانئ أنه دخل مع عبد الله بن عمرو على أبيه عمرو بن العاص، فقرب إليهما طعاما، فقال: كل. فقال: إني صائم. فقال عمرو: كل، فهذه الأيام التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا بإفطارها، وينهانا عن صيامها. قال مالك: وهي أيام التشريق (¬3). وعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم، قالا: "لم يرخص في أيام التشريق أن يُصَمْنَ إلا لمن لم يجد الهَدْيَ" (¬4). ¬
3_يوم الجمعه منفردًا: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي كل - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يصوم أحدكم يوم الجمعة إلا يوما قبله أو بعده" (¬1). 4 - يوم السبت منفردًا: عن عبد الله بن بسر السلمى عن أخته -الصماء- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم، ان لم يجد أحدكم إلا لحاء عنبة، أو عود شجرة فليمضغه" (¬2). 5 - النصف الثاني من شعبان لمن لم تكن له عادة: عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا أنتصف شعبان فلا تصوموا" (¬3). وعنه أيضًا أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: "لا يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين، إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم" (¬4). 6 - يوم الشك: عن عمار بن ياسر قال: "من صام اليوم الذي شك فيه فقد عصى أبا القاسم صلي الله عليه وسلم" (¬5). ¬
النهى عن صيام المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه
7 - صوم الدهر وإن أفطر الأيام المنهي عنها: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا عبد الله بن عمرو! إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل، وإنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين ونهكت. لا صام من صام الأبد" (¬1). وعن أبي قتادة: أن رجلًا أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف تصوم؟ فغضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من قوله فلما رأى ذلك عمر قال: رضينا بالله ربا، وبالإِسلام دينا، وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله، ومن غضب رسوله. فلم يزل عمر يرددها، حتي سكن غضب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: "لا صام ولا أفطر" (¬2). النهى عن صيام المرأة وزوجها حاضر إلا بإذنه: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تصم المرأة وبعلها شاهد إلا بإذنه" (¬3). ¬
الاعتكاف
الاعتكاف والاعتكاف في العشر الأخير من رمضان سنة مستحبة، التماسًا للخير، وطلبا لليلة القدر قال تعالى: {إِنَا أَنزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْر من أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّل الْمَلائِكَةُ. َالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم من كلِّ أَمْرٍ (4) سلام هِيَ حَتَّى مَطْلَع الْفَجْرِ} (¬1). عن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يُجَاوِرُ في العشر الأواخر من رمضان، ويقول "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان" (¬2). وعنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من رمضان" (¬3). وكان - صلى الله عليه وسلم - يحث على قيامها ويرغب فيه: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" (¬4). ولا يكون الاعتكاف إلا في مسجد، لقوله تعالى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ في الْمَسَاجِدِ} (¬5). ولأنه معتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ويستحب للمعتكف أن يشغل نفسه بطاعة الله، كالصلاة، والقراءة، والتسبيح والتحميد، والتهليل والتكبير، والاستغفار، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم -، والدعاء، ومذاكرة العلم، ونحو ذلك. ويكره له أن يشغل نفسه، بما لا يعنيه من قول أو عمل. كما يكره له الإمساك ¬
عن الكلام ظنًا منه أن ذلك مما يقرب إلى الله عَزَّ وَجَلَّ" (¬1). ويباح له الخروج من معتكفه للحاجة التي لا بد منها. كما يباح له ترحِيل شعره وحلق رأسه وتقليم أظفاره، وتنظيف بدنه. ويبطل الاعتكاف بالخروج لغير حاجة، وبالوطء. * * * ¬
كتاب الزكاة
كتاب الزكاة
منزلتها في الدين
منزلتها في الدين: الزكاة ركن من أركان الإِسلام، وفريضة من فرائضه: عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بني الإِسلام على خمس، شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصيام رمضان" (¬1). وقد قرنت بالصلاة في اثنتين وثمانين آية. الترغيب في أدائها: قال تعالى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتزَكليهِم بِهَا} (¬2). وقال تعالى: {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ في أَمْوَالِ النَّاس فَلا يَرْبُو عِندَ اللهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكاة تُرِيدًونَ وَجْهَ اللهِ فَاُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب، فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربى أحدكم فلوه (*) حتي تكون مثل الجبل" (¬4). التحذير من منعها: قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الفَة مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا ئَهُم بَلْ هُوَ شَر لَّهمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَة وَلِلَّه مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (¬5). ¬
عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه -يعني ِ شدقيه- ثم يقول: أنا كنزك أنا مالك، ثم تلا هذه الآية: {وَلا يحسبن الَذِين يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ الله مِن فَضله ..... } (¬1). وقال تعالى: {وَالذين يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضة وَلا ينفِقونَهَا في سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَاب أَلِيم (34) يَوْمَ يحْمَى عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كنَزْتُمْ لأَنفسِكُمْ فَذُوقوا مَا كنتُمْ تَكْنِزُونَ} (¬2). عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة، صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره. كلما بَرَدَتْ أعيدت له. في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد. فيرى سبيلُهُ. إما إلى الجنة واما إلى النار". قيل: يا رسول الله أفالإبل؟ قال "ولا صاحب إبل لا يؤدى منها حقها. ومن حقها حَلَبُهَا يوم وردها (*) إلا إذا كان يوم القيامة بُطِحَ لها بقاع قَرْقر (**) أوفر ما كانت لا يفقد منها فصيلا واحدًا تطؤّه بأخفافها وتعضه بأفواهها. كلما مر عليه أولاَهَا رُد عليه أُخْرَاهَا في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار (¬3). ¬
حكم مانعها
حكم مانعها: الزكاة من الفرائض التي أجمعت عليها الأمة واشتهرت شهرة جعلتها من ضروريات الدين بحيث لو أنكر وجوبها أحد خرج عن الإِسلام، وقُتل كفرا، إلا إذا كان حديث عهد بالاسلام فإنه يعذر بجهله الأحكام. أما من امتنع عن أدائها مع اعتقاده وجوبها فإنه يأثم بامتناعه دون أن يخرجه ذلك عن الإِسلام وعلى الحاكم أن يأخذها منه قهرا (¬1)، ويأخذ نصف ماله عقوبة: لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون، لا يفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا تبارك وتعالى، لا يحل لآل محمَّد منها شيء" (¬2). "ولو امتنع قوم عن أدائها مع اعتقادهم وجوبها، وكانت لهم قوة ومنعة فإنهم يقاتلون عليها حتي يعطوها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدأ رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام وحسابهم على الله" (¬3). وعن أبي هريرة قال: لما توفي - صلى الله عليه وسلم -، وكان أبو بكر، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر كيف تقاتل الناس؟ وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أمرت أن أقاتل الناس حتي يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابهم على الله. فقال: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعونى عناقًا (*) كانوا يؤدونها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم على منعها. فقال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق" (¬4). ¬
على من تجب؟
على من تجب؟ تجب على كل مسلم حرّ مالك للنصاب إذا حال الحول علي ما يملك من المال سوى الزرع فإنه تجب الزكاة فيه يوم حصاده إذا بلغ النصاب، قال تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} (¬1). الأموال التي تجب فيها الزكاة: تجب الزكاة في النقدين، والزروع، والثمار، والمواشى، والركاز. أولًا- زكاة النقدين: الذهب والفضة: النصاب ومقدار الواجب: نصاب الذهب عشرون دينارا، ونصاب الفضة مائتا درهم وفيهما ربع العشر: عن علي بن أبي طالب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء -يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينارا، فهذا كانت لك عشرون دينارا وحال عليها الحول ففيها نصف دينار" (¬2). زكاة الحلى: زكاة الحلى واجبة بعموم الآية والأحاديث، وليس مع من أخرجه من هذا العموم دليل، ومع ذلك فقد جاءت فيه نصوص خاصة: منها: عن أم سلمة قالت: "كنت ألبس أوضاحا (*) من ذهب، فقلت يا سول الله أكنز هو؟ فقال: "ما بلغ أن تؤدى زكاته فزكى فليس بكنز" (¬3). ¬
ثانيا- زكاة الزروع والثمار
وعن عائشة قالت: "دخل عليّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرأى في يدي فتخات (*) من ورق، فقال: ما هذا يا عائشة؟ فقلت: صنعتهن أتزيّن لك يا رسول الله، قال: أتؤدين زكاتهن؟ قلت: لا، أو ما شاء الله، قال: هو حسبك من النار" (¬1). ثانيًا- زكاة الزروع والثمار: قال تعالى: {ووَهُوَ الَّذِي أَنشَأَ جَناتٍ مَّعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنخْلَ وَالزرْعَ مُخْتَلِفًُا أُكلًهُ وَالزيْتونَ وَالرمَّانَ فتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِن ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَا تُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّه لا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ} (¬2). الأصناف التي تؤخذ منها: لا تؤخذ الزكاة إلا منِ أصناف أربعة، بيّنها هذا الحديث: عن أبي بردة: عن أبي موسى ومعاذ: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعثهما إلى اليمن يعلمان الناس أمر دينهم، فأمرهم أن لا يأخذوا الصدقة إلا من هذه الأربعة: الحنطة، والشعير، والتمر والزبيب" (¬3). النِّصَاب: يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تبلغ النصاب المذكور في هذا الحديث: عن أبي سعيد الخدرى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:" ليس فيما دون خمس ذَود صدقة من الإبل، وليس فيما دون خمس أواق (* *) صدقة، وليس فيما دون ¬
المقدار الواجب
خمسة أوسُقٍ (*) صدقة" (¬1). المقدار الواجب: عن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت الأنهار والغيم العشور، وفيما سقى بالسانية نصف العشور" (¬2). وعن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "فيما سقت السماء والعيون أو كان عَثَريَّا العشر، وفيما سقى بالنضح نصف العشر" (¬3). خرص النخيل والأعناب (* *): عن أبي حميد الساعدي قال: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزوة تبوك، فلما جاء وادى القرى إذا امرأة في حديقة لها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: اخرصوا، ¬
ثالثا- زكاة المواشي
وخرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة أوسق، فقال لها: أحصى ما يخرج منها ... فلما أتى وادى القرى قال للمرأة: كم جاء حديقتك؟ قالت: عشرة أوسق خرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). وعن عائشة قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخيّر يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص، لكي يحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق" (¬2). ثالثا- زكاة المواشي: المواشى ثلاثة أجناس: الإبل، البقر، الغنم زكاة الإبل: نصابها: عن أبي سعيد الخدرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ليس فيما دون خمس ذَودٍ من الإبل صدقة" (¬3). مقدار الواجب فيها: عن أنس: أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المسلمين، والتي أمر الله بها رسوله، فمن سُئِلَها من المسلمين على وجهها فلْيُعْطِها، ومن سُئلَ فوقها فلا يُعطِ: في أربع وعشرين من الإبل فما دونها من الغنم من كلِّ خمسٍ شاةٌ، فإذا بلغتَ خمسا وعشرين إلى خمس وثلاثين ففيها بنت مَخاضٍ أنثى، فإذا بلغت ستا وثلاثين إلى خمس وأربعين ففيها بنت لَبونٍ أنثى، فإذا بلغت ستا وأربعين إلى ستين ففيها حِقَّةٌ طروقة الجملِ، فإذا بلغت ¬
زكاة البقر
واحدة وستين إلى خمس وسبعين ففيها جذعة، فهذا بلغت -يعني ستا وسبعين- إلى تسعين ففيها بنتا لبون، فإذا بلغت إحدى وتسعين إلى عشرين ومائة ففيها حِقَّتانِ طروقتا الجمل، فهذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربُّها فهذا بلغت خمسا من الإبل ففيها شاة" (¬1). من لزمته سن وليست عنده: عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - "من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما. ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنه تقبل منه الجذعة ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليس عنده إلا بنت لبون فإنها تقبل منه بنت لبون ويعطي شاتين أو عشرين درهما. ومن بلغت صدقته بنت لبون وعنده حقة فإنها تقبل منه الحقة ويعطيه المصدق عشرين درهمًا أو شاتين. ومن بلغت صدقته بنت لبون وليست عنده وعنده بنت مخاض فإنها تقبل منه بنت مخاض ويعطي معها عشرين درهما أو شاتين" (¬2). زكاة البقر: النصاب ومقدار الواجب: عن معاذ بن جبل قال: "بعثنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن، وأمرنى أن آخذ من البقر من كل أربعين مسنة، ومن كل ثلاثين تبيعا أو تبيعة" (¬3). ¬
زكاة الغنم
زكاة الغنم: النصاب ومقدار الواجب: عن أنس أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة، فإذا زادت على عشرين ومائة إلى مائتين شاتان، فإذا زادت على مائتين إلى ثلاثمائة ففيها ثلاث فهذا زادت على ثلاثمائة ففي كل مائة شاة، فإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة واحدة فليس فيها صدقة إلا أن يشاء ربها" (¬1). شروط وجوب الزكاة في المواشي: 1 - النصاب: وهو واضح في الأحاديث السابقة. 2 - أن يحول عليها الحول، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول" (¬2). 3 - أن تكون سائمة، أي راعية في الكلأ المباح أكثر العام: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين إلى عشرين ومائة شاة ... " (¬3). وقوله: "وفي كل إبل سائمة في كل أربعين ابنة لبون" (¬4). ما لا يؤخذ في الزكاة: عن ابن عباس: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما بعث معاذا على اليمن قال "وإياك وكرائم أموالهم .. " (¬5). ¬
حكم الخلطة
وعن أنس أن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يخرج في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس، وإلا ما شاء المصدق" (¬1). حكم الخلطة: إذا اختلط اثنان فأكثرمن أهل الزكاة ولم يتميز مال أحدهما عن مال الآخر فإنهما يزكيان زكاة الواحد إذا وجبت عليهما الزكاة: عن أنس أن أبا بكر كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا يجمع بين متفرق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة، وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بالسوية" (¬2). رابعًا- زكاة الركاز: الركاز: دفن الجاهلية الذي يؤخذ من غير أن يطلب بمال ولا يتكلف له كثير عمل. وتجب فيه الزكاة على الفور من غير اشتراط حول ولا نصاب، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: "وفي الركاز الخمس" (¬3). مصارف الزكاة: قال الله تعالى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (¬4). ¬
هل يجب استيعاب هذه الأصناف؟
قال ابن كثير - رحمه الله - في تفسير هذه الآية (364/ 2): لما ذكر تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولمزهم إياه في قسم الصدقات بيّن تعالى أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولّى أمرها بنفسه، ولم يكل قسمها إلى أحد غيره فجزأها لهؤلاء المذكورين هل يجب استيعاب هذه الأصناف؟ قال ابن كثير: وقد اختلف العلماء في هذه الأصناف الثمانية، هل يجب استيعاب الدفع إليها أو إلى من أمكن منها؟ على قولين: أحدهما: أنه يجب ذلك، وهو قول الشافعي وجماعة. والثاني: أنه لا يجب استيعابها، بل يجور الدفع إلى واحد منها ويعطى جميع الصدقة مع وجود الباقين، وهو قول مالك وجماعة من السلف والخلف، منهم عمر وحذيفة وابن عباس وأبو العالية وسعيد بن جبير وميمون بن مهران، قال ابن جرير: وهو قول عامة أهل العلم. وعلى هذا فإنما ذكرت الأصناف ههنا لبيان المصرف لا لوجوب استيعاب الإعطاء، قال ابن كثير: ولنذكر أحاديث تتعلق بكل من الأصناف الثمانية: 1 - فأما الفقراء: فعن ابن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذى مرة سوى" (¬1). وعن عبيد الله بن عدى بن الخيار: أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألانه من الصدقة، فقلّب فيهما بصره، فرآهما جلدين، فقال: "إن شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغنى ولا لقوى مكتسب" (¬2). 2 - وأما المساكين: فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬
"ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان" قالوا فما المسكين يا رسول الله؟ قال: "الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يسأل الناس شيئًا" (¬1). 3 - وأما العاملون عليها: فهم الجباة والسعاة، يستحقون منها قسطًا على ذلك، ولا يجوز أن يكونوا من أقرباء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذين تحرم عليهم الصدقة، لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد المطلب بن ربيعة بن الحارث أنه انطلق هو والفضل بن العباس يسألان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليستعملهما على الصدقة، فقال: "إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا لآل محمَّد، إنما هى أوساخ الناس" (¬2). 4 - وأما المؤلفة قلوبهم فأقسام: منهم من يعطى ليسلم، كما أعطى النبي - صلى الله عليه وسلم - صفوان بن أمية من غنائم حنين، وقد كان شهدها مشركًا، قال: "فلم يزل يعطينى حتى صار أحب الناس إليّ، بعد أن كان أبغض الناس إليّ" (¬3). ومنهم من يعطى ليحسن إسلامه ويثبت قلبه، كما أعطى يوم حنين أيضا جماعة من صناديد الطلقاء وأشرافهم مائة من الإبل، وقال: "إني لأعطى الرجل وغيرُه أحب إليّ منه، خشية أن يكبه الله على وجهه في نار جهنم" (¬4). وفي الصحيحين عن أبي سعيد أن عليا بعث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بذهيبة في تربتها من اليمن فقسمها بين أربعة نفر: الأقرع بن حابس، وعيينة بن بدر، وعلقمة بن علاثة، وزيد الخير وقال: "أتألفهم" (¬5). ¬
ومنهم من يعطى لما يرجى من إسلام نظرائه. ومنهم من يعطى ليجبى الصدقات ممن يليه، أو ليدفع عن حوزة المسلمين الضرر من أطراف البلاد. والله أعلم. وهل تعطى المؤلفة على الإِسلام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قال ابن كثير: فيه خلاف: فروي عن عمر وعامر والشعبى وجماعة أنهم لا يعطون بعده، لأن الله قد أعز الإِسلام وأهله ومكن لهم في البلاد، وأذل لهم رقاب العباد. وقال آخرون: بل يعطون لأنه عليه الصلاة والسلام قد أعطاهم بعد فتح مكة وكسر هوازن، وهذا أمر قد يحتاج إليه فيصرف إليهم. 5 - وأما الرقاب: فروى عن الحسن البصري ومقاتل بن حيان وعمر بن عبد العزيز وسعيد بن جبير والنخعى والزهرى وابن زيد أنهم المكاتبون، وروى عن أبي موسي الأشعرى نحوه، وهو قول الشافعي والليث رضي الله عنهما. وقال ابن عباس والحسن: لا بأس أن تعتق الرقبة من الزكاة. وهو مذهب أحمد ومالك وإسحاق. أي أن الرقاب أعم من أن يعطي المكاتب، أو يشتري رقبة فيعتقها استقلالا. وقد ورد في ثواب الإعتاق وفك الرقبة أحاديث كثيرة، وأن الله يعتق بكل عضو منها عضوا من معتقها، حتى الفرج بالفرج (¬1)، وما ذاك إلا لأن الجزاء من جنس العمل "وما تجزون إلا ما كنتم تعملون". 6 - وأما الغارمون فهم اْقسام:- فمنهم من تحمل حمالة، أو ضمن دينا فلزمه فاجحف بماله، أو غرم في أداء دينه، أو في معصية ثم تاب، فهؤلاء يدفع إليهم. ¬
والأصل في هذا الباب حديث قبيصة بن مخارق الهلالي قال: تحملت حمالة فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسأله فيها، فقال: "أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها". قال: ثم قال: "يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتي يصيبها ثم يمسك. ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة، حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادًا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحِجَا من قَوْمِهِ: لقد أصابت فلانا فاقة، فَحَلَّت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سِوَاهُنَّ من المسألة يا قبيصة! سُحْتًا يكلها صَاحِبُهَا سُحْتًا" (¬1). 7 - وأما في سبيل الله: فهم الغزاة الذين لاحق لهم في الديوان. وعند الإِمام أحمد والحسن وإسحاق: والحج من سبيل الله، للحديث. (قلت): يريد بالحديث حديث ابن عباس رضي الله عنه قال: "أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحج، فقالت امرأة لزوجها: أحِجَّنى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ما عندي ما أحِجُّكِ عليه. قالت: أجِجَّنى على جملك فلان. قال: ذاك حَبيس في سبيل الله عَزَّ وَجَلَّ، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن امرأتى تقرأ عليك السلام ورحمة الله، وإنها سألتنى الحج معك، قالت: أحجنى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقلت ما عندي ما أحجك عليه. فقالت: أحجنى على جملك فلان. فقلت: ذاك حبيس في سبيل الله. فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله" (¬2). 8 - وابن السبيل: هو المسافر المجتاز في بلد ليس معه شيء يستعين به على سفره فيعطي من الصدقات ما يكفيه إلى بلده، وإن كان له مال. وهكذا الحكم ¬
زكاة الفطر
فيمن أنشأ سفرا من بلده وليس معه شيء فيعطي من مال الزكاة كفايته في ذهابه وإيابه. والدليل على ذلك الآية، وما رواه الإِمام أبو داود وابن ماجه من حديث معمر عن يزيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحل الصدقة لغنى إلا خمسة: العامل عليها، أو رجل اشتراها بماله، أو غارم أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه فأهدي منها لغنى" (¬1). زكاة الفطر حكمها: زكاة الفطر واجبة على كل مسلم: لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر، والذكر والأنثى، والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (¬2). حكمتها: عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (¬3). ¬
قدرها
على من تجب؟ تجب على الحر المسلم المالك لما يزيد عن قوته وقوت عياله يومًا وليلة، وتجب عليه عن نفسه وعمن تلزمه نفقته، كزوجته، وأبنائه، وخدمه، إذا كانوا مسلمين. عن ابن عمر قال: "أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصدقة الفطر عن الصغير والكبير والحر والعبد ممن تمونون" (¬1). قدرها: والواجب عن كل شخص نصف صاع من قمح، أو صاع من تمر أو زبيب، أو شعير أو أقط، أو غير ذلك مما يقوم مقامه كالأرز والذرة ونحوها مما يعتبر قوتا. أما كون الواجب من القمح نصف صاع فلحديث عروة بن الزبير: "أن أسماء بنت أبي بكر كانت تخرج على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أهلها -الحر منهم والمملوك- مُدّيْن من حنطة أو صاعا من تمر، بالمد أو بالصاع الذي يقتاتون به" (¬2). أما كون الواجب من غير القمح صاعا، فلحديث أبي سعيد الخدرى قال: "كنا نخرج زكاة الفطر صاعا من طعام أو صاعا من شعير، أو صاعا من تمر، أوصاعا من أقط أو صاعا من زبيب" (¬3). "ولم يجز عامة الفقهاء إخراج القيمة، وأجازه أبو حنيفة". ذكره النووى في شرح مسلم (60/ 7) قلت: وقول أبي حنيفة - رحمه الله - مردود؛ لأنه (وما ¬
وقت إخراجها
كان ربك نسيا) فلو كانت القيمة مجزئة لبين ذلك الله ورسوله. فالواجب الوقوف عند ظاهر النصوص من غير تحريف ولا تأويل. وقت إخراجها: عن ابن عمر قال: "أمر رسول الله- صلى الله عليه وسلم - بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة" (¬1). ويجوز تعجيلها لمن يقبضها قبل الفطر بيوم أو يومين: عن نافع قال: "كان ابن عمر يعطيها الذين يقبلونها، وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين" (¬2). ويحرم تأخيرها عن وقتها لغير عذر: عن ابن عباس قال: "فرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن أداها قبل الصلاة فهي زكاة مفبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات" (¬3). مصرفها: لا تعطى صدقة الفطر إلا للمساكين، لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس "وطعمة للمساكين" (¬4). ¬
صدقة التطوع: ويستحب الإكثار من صدقة التطوع، لقوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (¬1). ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم - "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا" (¬2). وأولى الناس بصدقة المسلم أهله وذووا رحمه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذى الرحم ثنتان صدقة وصلة" (¬3). * * * ¬
كتاب الحج
كتاب الحج
فضل الحج والعمرة
فضل الحج والعمرة: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - قال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة" (¬1). وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الذنوب والفقر، كما ينفى الكبير خبث الحديد والذهب والفضة، وليس لحجة مبرورة ثواب إلا الجنة" (¬2). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حج لله عَزَّ وَجَلَّ فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه" (¬3). وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الغازي في سبيل الله، والحاج والمعتمر، وفد الله. دعاهم فأجابوه، وسألوه فأعطاهم" (¬4). والحج واجب مع العمرة مرة في العمر على كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، مستطيع. قال الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} (¬5) ¬
قد فرض عليكم الحج فحجوا". فقال رجل: أكل عام يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -؟ فسكت حتى قالها ثلاثًا، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - "لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم". ثم قال: "ذرونى ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم، على أنبيائهم، فماذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه" (¬1). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: "بني الإِسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت وصيام رمضان" (¬2). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "هذه عمرة استمتعنا بها، فمن لم يكن عنده الهدى فليحل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة" (¬3). وعن الصبى بن معبد قال: "أتيت عمر رضي الله عنه فقلت: يا أمير المؤمنين، إني أسلمت، وإني وجدت الحج والعمرة مكتوبيْن علي، فأهللت بهما. فقال: هديت لسنة نبيك" (¬4). حج الصبى والعبد: لا يجب الحج على الصبى والمجنون، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ وعن الصبى حتى يحتلم" (¬5). ولا يجب على العبد لأنه غير مستطيع لانشغاله بخدمة سيده. ¬
ما هى الاستطاعة؟
وإذا حج الصبى أو العبد صح حجهما ولا يجزئهما عن الفريضة إذا بلغ الصبى أو أعتق العبد. عن ابن عباس: أن امرأة رفعت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - صبيا فقالت: ألهذا حج؟ قال: "نعم ولك أجر" (¬1). وعنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أيما صبىّ حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى، وأيما عبد حج ثم عتق فعليه حجة أخرى" (¬2). ما هى الاستطاعة؟ الاستطاعة تتحقق بالصحة وملك ما يكفيه لذهابه وإيابه، فاضلًا عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، وبأمن الطريق. أما اشتراط الصحة فلحديث ابن عباس: "أن امرأة من خثعم قالت: يا رسول الله، إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرًا لا يستطيع أن يستوى على الراحلة، فاحج عنه؟ قال: "حجى عنه" (¬3). وأما ملك ما يكفيه فاضلا عن حاجته وحاجة من تلزمه نفقته، فلقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت" (¬4). وأما اشتراط الأمن فلأن إيجاب الحج مع عدم ذلك ضرر، وهو منفى شرعا. حج المرأة: ¬
الحج على الفور
إذا توفرت شروط الاستطاعة المذكورة في المرأة وجب عليها الحج كالرجل تمامًا، ألا أنه يشترط في حقها شرط زائد وهو أن يصحبها زوج أو محرم، فإن لم تجد فليست مستطيعة: فعن ابن عباس قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم، ولا تسافر المرأة إلا مع ذى محرم"، فقام رجل فقال: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، إن امرأتى خرجت حاجة، وإني اكتتبت في غزوة كذا وكذا، فقال "انطلق فحج مع امرأتك" (¬1). الحج على الفور: ويجب على من استطاع المبادرة بالحج، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أراد الحج فليتعجل، فإنه قد يمرض المريض، وتضل الضالة، وتعرض الحاجة" (¬2). المواقيت: المواقيت جمع ميقات. كمواعيد وميعاد. وهي مواقيت زمانية ومواقيت مكانية (¬3). المواقيت الزمانية: قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} (¬4). وقال تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (¬5). ¬
المواقيت المكانية
قال ابن عمر: "أشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذى الحجة" (¬1). وقال ابن عباس: "من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج" (¬2). المواقيت المكانية: عن ابن عباس قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل المدينة ذا الحليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يلملم، وقال: هن لهن ولمن أتي عليهن من غيرهنّ ممن أراد الحج والعمرة، ومن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ، حتى أهل مكة من مكة" (¬3). وعن عائشة: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت لأهل العراق ذاث عرق" (¬4). فمن أراد مكة لنسك فلا يجوز له أن يتجاوز هذه المواقيت حتى يحرم. ويكره الإحرام قبلها: "وكل ما روى من الأحاديث في الحض على الإحرام قبل الميقات لا يصح بل قد روى نقيضها، فانظر الكلام على عللها، في "سلسلة الأحاديث الضعيفة (210/ 212). وما أحسن قول الإمام مالك - رحمه الله - لرجل أراد أن يحرم قبل ذى الحليفة: "لا تفعل، فإنى أخشى عليك الفتنة، فقال: وأى فتنة في هذه؟ إنما هى أميال أزيدها قال: وأى فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - إنى سمعت الله يقول: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬5). مجاوزة الميقات من غير إحرام: ¬
الإحرام في الميقات
من جاوز الميقات غير محرم "وهو يريد الحج والعمرة، ثم أحرم بعد مجاوزته فقد أثم بذلك ولا يذهب عنه الإثم إلا أن يعود إلى الميقات فيحرم منه، ثم يتم سائر نسكه" فإن لم يعد فنسكه صحيح. وقد لحقه الإثم، ولا دم عليه، لحديث صفوان بن يعلى أن يعلى قال لعمر رضي الله عنه: أرنى النبي - صلى الله عليه وسلم - حين يوحى إليه. قال: فبينما النبي - صلى الله عليه وسلم - بالجعرانة -ومعه نفر من أصحابه- جاءه رجل فقال: يا رسول الله- صلى الله عليه وسلم -، كيف ترى في رجل أحرم بعمرة وهو متضمخ بطيب؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - بساعة، فجاءه الوحى، فأشار عمر رضي الله عنه إلى يعلى، فجاء يعلى- وعلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم - ثوب قد أظل به- فأدخل رأسه، فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مخمر الوجه وهو يغط، ثم سرى عنه فقال: أين الذي سأل عن العمرة؟ فأتي برجل. فقال: اغسل الطيب الذي بك ثلاث مرات، وانزع عنك الجبة، واصنع في عمرتك كما تصنع في حجتك" (¬1). "فهذا الحديث يدل دلالة صريحة على أن من أتى مخالفة أو محظورًا من محظورات الإحرام فليس عليه إلا أن يدعه فقط؛ لأن الرسول عليه السلام لم يأمر الرجل لابس الجبة المتضمخ بطيب النساء -وهو الخلوق كما في رواية أخرى- إلا أن ينزع الجبة ويغسل الطيب، ولم يأمره بذبح هدي الجزاء، ولو كان واجبا لأمره به؛ لأنه لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة والحاجة هنا قائمة" (*). الإحرام في الميقات: " فإذا أراد الإحرام، فإن كان قارنا قد ساق الهدى قال: "لبيك اللهم بحجة وعمرة، وإن لم يسق الهدى -وهو الأفضل- لبى بالعمرة وحدها، ولابد فقال: لبيك اللهم بعمرة، فان كان لبى بالحج وحده فسخه وجعله عمرة" (¬2). لأن النبي ¬
جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه
- صلى الله عليه وسلم - أصحابه جميعًا أن يحلوا من إحرامهم، وأن يجعلوا طوافهم وسعيهم عمرة، إلا من كان قد ساق الهدى منهم مثله - صلى الله عليه وسلم - وغضب على الذين لم يبادروا إلى الاستجابة لأمر، وأكد ذلك صلوات الله وسلامه عليه بقوله: "دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة" فهذا نص أيضًا على أن العمرة صارت جزءًا لا يتجزأ من الحج. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لم أسق الهدى". وهذا ليس إشعارًا منه - صلى الله عليه وسلم - بمجرد رغبة فاتته بإحرامه قارنا، بل هو إيذان منه عليه الصلاة السلام بأن التمتع بالحج أفضل من القران به. فكل حاج لا بد له من أن يقرن مع حجه عمرة، إما متقدمة عليه لأنه لم يسق الهدى، وهذا هو التمتع -وإما مقرونة به لأنه ساق الهدى وهذا هو القران-، فأى الاثنين اختار كان موافقا هدى النبي - صلى الله عليه وسلم - كان التمتع أفضل من القران كما بيّنا آنفا. بقى أن نعلم أنه وان قال! واجبا على من حج مفردًا أو قارنا لم يسق الهدى أن يحل من إحرامه إذا طاف وسعى فإن المحرم بهما قد لا يجد متسعا من الوقت يتحلل فيه من إحرامه ثم يهلّ بالحج قبل خروج وقت عرفة، وعليه فإنه يجوز لمن أحرم مفردًا أو قارنا لم يسق الهدي أن يظل محرما، لا يتحلل من إحرامه إلا بعد رمى جمرة العقبة يوم النحر، إذا لم يتسع وقته للتحلل ثم الإحرام من جديد. ومثال ذلك: من قدم مكة ليلة التاسع، وخشى فوات الوقوف بعرفة، لضيق الوقت واقتراب الفجر، فهذا عليه أن يبادر إلى الصعود إلى عرفة لكيلا يفوته الركن الذي بفواته يفوت الحج كله، وهو الوقوف بعرفة، فيكون الحج المفرد جائزًا مشروعا في حدود ضيقة جدًا وإذا حج إنسان مفردا وترك التمتع والقران إيثارا للإفراد عليهما فهو آثم بهذا؛ لأنه غير مستجيب لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أمر أصحابه أن يجعلوا حجهم عمرة لكن حجه صحيح" (*). جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض ونحوه: ¬
عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي ضباعة بنت الزبير، فقال لها: "أردت الحج؟ " قالت: والله لا أجدنى إلا وجعة فقال لها: "حجى واشترطي، وقولي: اللهم على حيث حبستنى" (¬1). فمن اشترط ذلك فإنه متى حبسه شيء من مرض أو عدو أو غير ذلك، تحلل ولادم عليه. ومن لم يشترط فإنه إذا حُبس لزمه دم، لقوله تعالى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} والهدى لا يكون إلا من النعم: الإبل والبقر والغنم، فإن تيسرت شاة أجزأت، والناقة والبقرة أولي بالإجزاء فإن لم يتيسر الهدى صام عشرة اأيام قياسا على المتمتع إذا لم يجد الهدى. * * * ¬
حجة النبي صلي الله عليه وسلم
"خذوا عني مناسككم" حجة النبي صلي الله عليه وسلم روى مسلم (¬1) بسنده عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: دخلنا على جابر بن عبد الله. فسأل عن القوم حتى انتهى إليّ. فقلت: أنا محمد بن علي بن حسين، فأهوى بيده إلى رأسى فنزع زِرِّى الأعلى، ثم نزع زِرِّى الأسفل، ثم وضع كفّه بين ثدييى وأنا يومئذ غلام شاب، فقال مرحبا بك يا ابن أخي، سل عما شئت، فسألته. وهو أعمي. وحضر وقت الصلاة، فقام في نِسَاجَة ملتحفا بها، كلما وضعها على منكبه رجع طرفاها إليه من صغَرِهَا، ورداؤه على المِشْجَب، فصلى بنا، فقلت: أخبرنى عن حجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال بيده فَعَقَدَ تِسْعًا فقال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكث تسع سنين لمِ يحج، ثم اذَّنَ في الناس في العاشرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاج، فقدم المدينة بشرٌ كثير كلهم يلتمس أن يأتمّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويعمل مثل عمله، فخرجنا معه حتى أتينا ذا الحُلَيْفَة، فولدت أسماء بنت عميس محمد بن أبي بكر، فارسلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كيف أصنع؟ قال: "اغتسلى واسْتَثْفِرى (*) بثوب وأحرمى"، فصلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد. ثم ركب القصواء حتى إذا استوت به ناقته على البيداء نظرتُ إلى مد بصري بين يديه من راكب وماشٍ، وعن يمينه مثل ذلك، وعن يساره مثل ذلك، ومن خلفه مثل ذلك، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أظهرنا، وعليه ينزل القرآن، وهو يعرف تأويله، وما عمل به من شيء عملنا به، فأهلّ بالتوحيد: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك". وأهلّ الناس بهذا الذي يهلّون به، فلم يرد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عليهم شيئًا منه، ولزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيته. ¬
قال جابر رضي الله عنه: لسنا ننوى إلا الحج، لسنا نعرف العمرة، حتى إذا أتينا البيت معه استلم الركن، فَرَمَلَ ثلاثا، ومشى أربعا، ثم نفذ إلى مقام إبراهيم عليه السلام فقرأ: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} (¬1)، فجعل المقام بينه وبين البيت، فكان أبي يقول: "ولا أعلمه ذكره إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -" كان يقرأ في الركعتين: قل هو الله أحد، وقيل يا أيها الكافرون ثم رجع إلى الركن فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا، فلما دنا من الصفا قرأ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} (¬2) أبدأ بما بدأ الله به، فبدأ بالصفا فَرَقِىَ عليه حتى رأى البيت، فاستقبل القبلة فوحّد الله وكبّره وقال: "لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو علي كل شيء قدير لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده". ثم دعا بين ذلك قال مثل هذا ثلاث مرات، ثم نزل إلى المروة، حتى إذا انصَبَّتْ قدماه في بطن الوادي سعى، حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة، ففعل على المروة كما فعل على الصفا، حتى إذا كان آخر طوافه على المروة فقال: "لو أني استقبلت من أمرى ما استدبرت لم اسُقِ الهَدْىَ وجعلتها عمرة، فمن كان منكم ليس معه هدى فليحل وليجعلها عمرة" فقام سراقة بن مالك بن جعشم فقال: يا رسول الله، ألعامنا هذا أم لأبد؟ فَشَبَّكَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصابعه واحدة في الأخرى وقال: "دخلت العمرة في الحج" مرتين "لا بل لأِبَد أبَدٍ". وقدم عليُّ من "اليمن بِبُدْنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فوجد فاطمة رضي الله عنها ممن حل ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، فأنكر ذلك عليها، فقالت: إن أبي أمرني بهذا، قال: فكان عليّ يقول بالعراق: فذهبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مُحَرِّشًا على فاطمة للذى صنعت، مستفتيا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما ذكرتْ عنه، فأخبرته أني أنكرت ذلك عليها، فقال: "صدقت صدقت. ماذا قلت حين فَرَضْتَ الحج؟ " قال: قلت: اللهم إني أهلّ بما أهلّ به رسولك. قال: "فإن معى الهدى فلا تحل" قال: فكان جماعة الهدى الذي قدم به عليُّ من اليمن والذي أتي به النبي - صلى الله عليه وسلم - مائة قال: فحلّ ¬
الناس كلهم وقصروا إلا النبي - صلى الله عليه وسلم - ومن كان معه هدى، فلما كان يوم التروية توجهوا إلى مني، فاهلّوا بالحج، وركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلّى بهم الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلًا حتي طلعت الشمس، وأمر بقبة من شَعَر تضرب له بنمرة، فسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولا تشك قريش إلا إنه واقف عند المشعر الحرام، كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فاجاز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها، حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له، فأتى بطن الوادى فخطب الناس وقال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمى موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل، وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا عباس ابن عبد المطلب، فإنه موضوع كله، فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله، ولكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ " قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت. فقال بإصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها إلى الناس: "اللهم اشهد، اللهم اشهد" ثلاث مرات. ثم أذن. ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئًا. ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أتى الموقف، فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصَّخَرَاتِ، وجعل حبل المشاة بين يديه، واستقبل القبلة، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس وذهبت الصفرة قليلًا حتى غاب القرص، وأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد شنق للقصواء الزمام، حتى إن رأسها ليصيب مَوْرِكَ رحله، ويقول بيده اليمنى: "أيها الناس السكينة السكينة" كلما أتي حبلا من الحبال
أرخى لها قليلًا حتى تصعد، حتى أتى المزدلفة، فصلي بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين. ولم يسبّح بينهما شيئًا، ثم اضطجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى طلع الفجر، وصلى الفجر، حين تبين له الصبح بأذان وإقامة. ثم ركب القصواء. حتى أتي المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعاه وكبره وهلله وحده فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، فدفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس، وكان رجلًا حسن الشَّعْرِ، أبيض، وسيما، فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -مرت به ظُعُنٌ يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن، فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحوّل الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر، فحوّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل يصرف وجهه من الشق الآخر حتى أتى بطن مُحَسِّر، فحرك قليلًا، ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة "الكبرى" حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصى الخَذْف (¬1)، رمى من بطن الوادي، ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلائا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غَبَرَ، وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت، فاكلا من لحمها، وشربا من مرقها. ثم ركب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فافاض إلى البيت، فصلى بمكة الظهر، فأتي بني عبد المطلب يسقون على زمزم فقال: "انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم" فناولوه دلوا فشرب منه". قال الإِمام النووي - رحمه الله - في شرح مسلم (170/ 8): "وهو حديث عظيم، مشتمل على جمل من الفوائد، ونفائس من مهمات القواعد، قال القاضى قد تكلم الناس على ما فيه من الفقه واكثروا، وصنف فيه ¬
أولا- سنن الحج
أبو بكر بن المنذر جزءًا كبيرًا وخرج فيه من الفقه مائة ونيفا وخمسين نوعا، ولو تقصي لزيد على هذا القدر قريب منه. أهـ. الحج عبادة من العبادات، له أركان وواجبات وسنن: أولًا- سنن الحج: أ- سنن الأحرام: ا- الغسل عند الإحرام: لحديث زيد بن ثابت "أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - تجرد لإهلاله واغتسل" (¬1). 2 - الطيب في بدنه قبل الإحرام: لحديث عائشة قالت: "كنت أطيب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لإحرامه حين يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت" (¬2). 3 - أن يحرم في إزار ورداء أبيضين: لحديث ابن عباس قال: "انطلق النبي من المدينة بعد ما ترجل وأدهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه" (¬3). وأما استحباب كونهما أبيضين: فلحديث ابن عباس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البسوا من ثيابكم البياض، فإنها من خير ثيابكم، وكفنوا فيها موتاكم" (¬4). 4 - الصلاة في وادى العقيق لمن مرّ به: لحديث عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوادى العقيق يقول: "أتانى الليلة آت من ربى فقال: صلّ في هذا الوادى المبارك وقل عمرة في حجة" (¬5). 5 - رفع الصوت بالتلبية: لحديث السائب بن خلاد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أتانى جبريل فامرنى أن آمر أصحابى أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال أو التلبية" (¬6). ¬
ولذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصرخون بها صراخًا، وقال أبو حازم: كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أحرموا لم يبلغوا الروحاء حتى تبح أصواتهم" (¬1). 6 - التحميد والتسبيح والتكبير قبل الإهلال: لحديث أنس قال: "صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن معه بالمدينة الظهر أربعًا والعصر بذى الحليفة ركعتين، ثم بات بها حتى أصبح، ثم ركب حتى استوت به على البيداء حمد الله وسبح وكبر، ثم أهل بحج وعمرة" (¬2). 7 - الإهلال مستقبل القبلة: لحديثَ نافع قال: "كان ابن عمر إذا صلى بالغداة بذي الحليفة أمر براحلته، فرحلت ثم ركب، فإذا استوت به استقبل القبلة قائما ثم يلبى ... وزعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فعلِ ذلِك" (¬3). ب- سق دخول مكة: 8، 9، 10 - المبيت بذي طوى والاغتسال لدخول مكة ودخولها نهارًا: عن نافع قال: "كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا دخل أدنى الحرم أمسك عن التلبية، ثم يبيت بذى طوى ثم يصلى به الصبح ويغتسل، ويحدث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يفعل ذلك" (¬4). 11 - دخول مكة من الثنية العليا: لحديث ابن عمر قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل من الثنية العليا، ويخرج من الثنية السفلى" (¬5). ¬
جـ- سنن الطواف
12 - أن يقدم رجله اليمنى عند الدخول إلى المسجد ويقول: "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم. بسم الله، اللهم صل على محمد وسلم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" (¬1). 13 - فإذا رأى البيت رفع يديه إن شاء، لثبوته عن ابن عباس (¬2)، ودعا بما تيسر له، وإن دعا بدعاء عمر "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، فحيّنا ربنا بالسلام" فحسن لثبوته عنه (¬3). جـ- سنن الطواف: 14 - الاضطباع: وهو أن يُدْخِل إزاره تحت إبطه الأيمن ويُردَّ طرفه على منكبه الأيسر، ويكون منكبه الأيمن مكشوفا. لحديث يعلي بن أمية "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف مضطبعا" (¬4). 15 - استلام الحجر الأسود: لحديث ابن عمر قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين يقدم مكة إذا استلم الركن الأسود أول ما يطوف يَخُبُّ ثلاثة أطواف من السبع" (¬5). 16 - تقبيل الحجر: لحديث زيد بن أسلم عن أبيه قال: رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبّل الحجر وقال: لولا أني رأيت رسول الله قبّلك ما قبّلتك" (¬6). ¬
17 - السجود عليه: لحديث ابن عمر قال: رأيت عمر بن الخطاب قبل الحجر، وسجد عليه، ثم عاد فقبّله وسجد عليه ثم قال: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). 18 - التكبير عند الركن: لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: طاف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالبيت على بعيره كلما أتي الركن أشار إليه بشيء كان عنده وكبر" (¬2). 19 - الرمَل في الأشواط الثلاثة الأولى من الطواف الأول: لحديث ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول، مل ثلاثة، ومشى أربعة، من الحجر إلى الحجر" (¬3). 20 - استلام الركن اليمانى: لحديث ابن عمر قال: "لم أر النبي - صلى الله عليه وسلم - يستلم من البيت إلا الركنين اليمانيين" (¬4). 21 - أن يدعو بين الركنين بهذه الدعوة: "ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار" (¬5). 22 - صلاة ركعتين بعد الطواف خلف المقام: لحديث ابن عمر قال: "قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا، ثم صلى خلف المقام ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة". وقال "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (¬6). 23 - أن يقرأ عند المقام قبل الصلاة {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}. وأن يقرأ في الركعتين الكافرون والإخلاص، لحديث جابر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ¬
د- سنن السعى
انتهى إلى مقام إبراهيم عليه السلام قرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} ثم صلى ركعتين وكان يقرأ فيهما {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ... } {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}. 24 - التزام ما بين الركن والباب، بأن يضع صدره ووجهه وذراعيه عليه: لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جَدّه قال: طفت مع عبد الله بن عمرو، فلما فرغنا من السبع ركعنا في دبر الكعبة، فقلت ألا تتعوذ بالله من النار؟ قال أعوذ بالله من النار، قال: ثم مضى فاستلم الركن، ثم قام بين الحجر والباب، فألصق صدره ويديه وخده إليه، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله عد - صلى الله عليه وسلم - يفعل" (¬1). 25 - الشرب من زمزم وغسل الرأس به، لحديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله. د- سنن السعى: 26 - استلام الركن على النحو السابق. 27 - قراءة {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}. ثم يقول: نبدأ بما بدأ الله به، وذلك إذا دنا من الصفا للسعى (¬2). 28 - استقبال القبلة وهو على الصفا وقول: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. (ثلاثًا)، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير. لا إله إلا الله وحده، أنجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده. ثم يدعوا بما شاء. يفعل مثل هذا ثلاث مرات. 29 - السعى بين العلَمين الأخضرين سعيًا شديدًا. 30 - أن يفعل على المروة كما فعله على الصفا من استقبال البيت والذكر والدعاء. ¬
أركان الحج
هـ - سنن الخروج إلى مني: 31 - الإحرام بالحج يوم التروية من منزله (*). 32 - صلاة الظهر والعصر والمغرب والعشاء بمنى يوم التروية، والمبيت بها، حتى يصلى الفجر وتطلع الشمس. 33 - صلاة الظهر والعصر جمعا وقصرا بنمرة يوم عرفة. 34 - أن لا ينفر من عرفة قبل غروب الشمس. أركان الحج: 1 - النية: لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الأعمال بالنيات" (¬2). 2 - الوقوف بعرفة: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحج عرفة" (¬3). ولحديث عروة الطائي قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة، فقلت: يا رسول الله إني جئت من جبلى طىء، ممللت راحلتى، وأتعبت نفسي، والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه، فهل لي من حج؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارا فقد تم حجه وقضى تفثه" (¬4). 3 - المبيت بمزدلفة حتي مطلع الفجر، وصلاة الفجر بها لقوله - صلى الله عليه وسلم - لعروة في الحديث السابق: "من شهد صلاتنا هذه، ووقف معنا حتى ندفع، وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلًا أو نهارا، فقد تم حجه وقضى تفثه" (¬5). ¬
واجبات الحج
4 - طواف الإفاضة: لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: حاضت صفية بنت حيي بعد ما أفاضت. قالت: فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أحابستنا هى؟ " قلت: يا رسول الله، إنها قد أفاضت، وطافت بالبيت، ثم حاضت بعد الإفاضة. قال: "فلتنفر إذن" (¬2). فدل قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحابِسَتُنا هى"؟ على أن هذا الطواف لا بد منه، وأنه حابس لمن لم يأت به. 5 - السعى بين الصفا والمروة، لسعيه - صلى الله عليه وسلم -، وقوله: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعى" (¬3). واجبات الحج: ا- الإحرام من الميقات، بأن يتجرد من ثيابه، ويلبس ملابس الإحرام، ثم ينوى قائلا: لبيك اللهم بعمرة. أو لبيك اللهم حجة وعمرة. 2 - المبيت بمنى في ليالى التشريق، لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بات بها، و"رخص لرعاء الإبل في البيتوتة، يرمون يوم النحر، ثم يرمون الغد ومن بعد الغد بيومين ويرمون يوم النفر" (¬4). وترخيصه - صلى الله عليه وسلم - لهم دليل الوجوب على غيرهم. 3 - رمى الجمار مرتبا: بأن يرمى يوم النحر جمرة العقبة بسبع حصيات، وبرمى الجمرات الثلاث في أيام التشريق كل يوم بعد الزوال، كل جمرة بسبع ¬
حصيات، يبدأ بالأولى، ثم الوسطى، ثم جمرة العقبة. 4 - طواف الوداع: لحديث ابن عباس: "أُمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، إلا أنه خفف عن المرأة الحائض" (¬1). 5 - الحلق أو التقصير: "ثبت الحلق والتقصير بالكتاب والسنة والإجماع. قال الله تعالى: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} (¬2). وعن عبد الله بن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "اللهم ارحم المحلّقين". قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "اللهم ارحم المحلّقين". قالوا: والمقصّرين يا رسول الله؟ قال: "والمقصّرين". وقد اختلف جمهور الفقهاء في حكمه: فذهب أكثرهم إلى أنه واجب، يجبر تركه بدم، وذهبت الشافعية إلى أنه ركن من أركان الحج. وسبب اختلافهم هو عدم الدليل على هذا أو ذاك، كما أخبرنى بذلك شيخنا الألباني -حفظه الله-. ¬
شروط الطواف
شروط الطواف (*): عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الطواف حول البيت مثل الصلاة إلا أنكم تتكلمون فيه، فمن تكلم فيه فلا يتكلم إلا بخير" (¬1). فإذا كان الطواف صلاة فإنه يشترط له: 1 - الطهارة من الحدثين، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يقبل الله صلاة بغير طهور" (¬2). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وقد حاضت في الحج: "افعلى ما يفعل الحاج، غير أن لا تطوفى بالبيت حتى تغتسلى" (¬3). 2 - ستر العورة: لقوله تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} (¬4). ولحديث أبي هريرة: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه بعثه في الحجة التي أمّره عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل حجة الوداع يوم النحر في رهط يؤذن في الناس: "ألا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان" (¬5). 3 - أن يكون سبعة أشواط كاملة: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف سبعا، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فطاف بالبيت سبعا وصلى خلف المقام ركعتين، وبين الصفا والمروة سبعًا، ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة. ففعله هذا - صلى الله عليه وسلم - مبين للمراد بقوله تعالى: {وَلْيَطَوُّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} فإن ترك شيئًا من السبع ولو قليلًا لم يجزئه. وإن شك بني على الأقل حتى يتيقن. ¬
شروط السعى
4, 5 - أن يبدأ الطواف من الحجر إلاسود وينتهى إليه، جاعلا البيت عن يساره، لقول جابر رضي الله عنه: "لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مكة أتى الحجر الأسود فاستلمه ثم مشى عن يمينه، فرمل ثلاثا ومشى أربعًا". فلو طاف وكان البيت عن يمينه لا يصح الطواف. 6 - أن يكون الطواف خارج البيت؛ لأن قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} يقتضى الطواف بجميعه. فلو طاف في الحِجْر لا يصح طوافه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحجْر من البيت". 7 - المَوالاة: لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - طاف كذلك، وقال:"خذوا عني مناسككم". فإن قطعه ليتوضأ، أو ليصلى المكتوبة التي أقيمت، أو ليستريح قليلًا، بني على ما مضى، فإن طال الفصل استأنف. شروط السعى: يشترط لصحة السعى أمور: 1 - أن يكون سبعة أشواط. 2 - أن يبدأ بالصفا ويختم بالمروة. 3 - أن يكون السعى في المسعى، وهو الطريق الممتد بين الصفا والمروة. وذلك لفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك، مع قوله: "خذوا عني مناسككم". محظورات الإحرام: ويحرم على المحرم: 1 - لبس المخيط: لحديث ابن عمر: "أن رجلًا قال: يا رسول الله، ما يلبس المحرم من الثياب؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف، إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس خفين
وليقطعهما أسفل من الكعبين ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسّه زعفران أو ورس" (¬1). ويرخص لمن لم يجد إلا سراويل وخفافا أن يلبسهما من غير قطع: لحديث ابن عباس قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب بعرفات: من لم يجد النعلين فليلبس الخفين، ومن لم يجد إزارًا فليلبس سراويل للمحرم" (¬2). 2 - تغطية وجه المرأة ويديها: لحديث ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين" (¬3). ويجوز لها أن تغطى وجهها إذا مرّ بها رجال لحديث هشام بن عروة عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: "كنا نخمّر وجوهنا، ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبى بكر الصديق" (¬4). 3 - تغطية رأس الرجل بعمامة أو نحوها لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر "لا يلبس القمص ولا العمائم" (¬5). ويجوز أن يستظل بخيمة ونحوها، لما مرّ في حديث جابر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقبة من شعر فضربت له بنمرة فنزل بها". 4 - الطيب: لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عمر "ولا تلبسوا من الثياب شيئًا مسّه زعفران أو ورس" (¬6). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - في المحرم الذي وقصته ناقته: "لا تحنّطوه،، ولا تخمروا رأسه، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا" (¬7). ¬
5، 6 - تقليم الأظفار، وإزالة الشعر بالحلق أو القص أو غير ذلك: لقوله تعالى: {وَلا تَحْلِقُوا رءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} (¬1). وأجمع العلماء على حرمة قلم الظفر للمحرم (¬2). ويجوز إزالة الشعر لمن يتأذى ببقائه، وفيه الفدية، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (¬3). وعن كعب بن عجرة "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر به وهو بالحديبية قبل أن يدخل مكة وهو محرم، وهو يوقد تحت قدر، والقمل يتهافت على وجهه، فقال: أيؤذيك هوامّك هذه؟ قال نعم. قال: فاحلق رأسك، وأطعم فرقًا بين ستة مساكين "والفرق ثلاثة آصع" أو صم ثلاثة أيام، أو انسك نسيكة" (¬4). 7 - الجماع ودواعيه. 8 - اقتراف المعاصى. 9 - المخاصمة والجدال. والاصل في تحريم هذه الثلاث قوله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (¬5). 10، 11 - الخِطبة وعقد النكاح: لحديث عثمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لاينكح المحرم ولا يُنكح ولا يخطب" (¬6). ¬
مبطلات الحج
12 - التعرض لصيد البر بقتل أو ذبح، أو إشارة أو دلالة، لقوله تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬1). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لما سألوه عن الأتان التي صادها أبو قتادة وكان حلالا وهم محرمون: فقال - صلى الله عليه وسلم -: "أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا" (¬2). 13 - الأكل مما صيد من أجله، أو بإشارته إليه، أو بإعانته عليه، لمفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم -: " أمنكم أحد أمره أن يحمل عليها، أو أشار إليها؟ قالوا: لا. قال: فكلوا" (¬3). مبطلات الحج (*): يبطل الحج بواحد من اثنين: الأول: الجماع، إذا كان قبل رمى جمرة العقبة، أما إذا كان بعد رمى جمرة العقبة وقبل طواف الإفاضة، فلا يبطل حجه وإن أثم. وبعضهم يذهب إلى عدم بطلان الحج بالجماع لعدم الدليل المصرح بهذا. الثاني: ترك ركن من أركان الحج. وإذا بطل حجه بأحد هذين الاثنين فيجب عليه الحج من العام القادم إذا كان مستطيعا، على نحو ما بيّنا في معنى الاستطاعة، وإلا ففى الوقت الذي يستطيعه، لأن وجوبه على الفور بالاستطاعة. ¬
محظورات الحرمين
محظورات الحرمين (*): جاء في الصحيحين وغيرهما من حديث عباد بن تميم عن عمه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن إبراهيم حرّم مكة ودعا لها، وإنى حرمت المدينة كما حرّم إبراهيم مكة". فتحريمهما إنما كان بوحى من الله سبحانه لنبييه ورسوليه الكريمين صلوات الله وسلامه عليهما. وإذا قيل الحرمان، فهما مكة والمدينة، ولا يجوز إطلاق لفظ الحرم شرعًا إلا عليهما وحدهما، ولا يجوز إطلاق لفظ الحرم شرعاًَ على المسجد الأقصى، ولا على مسجد إبراهيم الخليل، إذ لم يسمّ الوحى حرما إلا مكة والمدينة، وهو تشريع لا مكان لعقل البشر فيه. ويحظر في أرض الحرمين أمور، لا يجوز فعلها لمن كان يحيا فيهما، أو أتاهما زائرًا لحج أو لعمرة أو لغير ذلك، وهذه الأمور هى: 1 - صيد الحيوان والطير، وتنفيره، والإعانة عليه. 2 - قطع النبات والشوك إلا ما دعت الحاجة والضرورة إليه. 3 - حمل السلاح. 4 - التقاط اللقطة في حرم مكة للحاج، أما من كان مقيما في مكة التقطها وعرّفها، والفرق بين الحاج والمقيم ظاهر في ذلك. أهـ. قلت: والدليل على هذه المحظورات قول النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة: "إن هذا البلد حرّمه الله يوم خلق السموات والأرض، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، وإنه لم يحلّ القتال فيه لأحد قبلى، ولم يحلّ لي إلا ساعة من نهار، فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة، لا يُعضد شوكه، ولا ينُفّر صيده، ولا يلتقط لقطته إلا من عرّفها، ولا يُختلى خلاها". فقال العباس: يا رسول الله، إلا الإذخر، فإنه لِقيْنهم ولبيوتهم، فقال: "إلا الإذخر" (¬1). ¬
جزاء قتل الصيد
وعن جابر قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح" (¬1). وعن علي رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال [يعنى في المدينة]: "لا يُخْتَلَى خلاها، ولا يُنَفَرُ صيدها، ولا تُلتقط لُقَطَتُهَا إلا لمن أشاد بها [أنشدها]، ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال، ولا يصلح أن يُقْطَعَ منها شجرة إلا أن يَعلفَ رجل بعيره" (¬2). قال الشيخ شقرة: فمن أتى شيئًا من هذه المحظورات فقد أثم، ويلزمه التوبة والاستغفار، إلا الصيد فإن على المحرم فيه دم الجزاء زيادة على التوبة والاستغفار أهـ. جزاء قتل الصيد: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} (¬3). قال ابن كثير - رحمه الله - في التفسير (98/ 2): هذا تحريم منه تعالى لقتل الصيد في حال الإحرام، ونهىٌ عن تعاطيه فيه. وهذا إنما يتناول من حيث المعنى المأكول ولو ماتولد منه ومن غيره، فأما غير المأكول من حيوانات البر فعند الشافعي يجوز للمحرم قتلها، والجمهور على تحريم قتلها أيضًا، ولا يستثنى من ذلك إلا ما ثبت في الصحيحين من طريق الزهرى عن ¬
أمثلة من حكومة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في المثلى
عروة عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الغراب والحدأة، والعقرب والفأرة، والكلب العقور" (¬1). قال: والذي عليه الجمهور: أن العامد والناسى سواء في وجوب الجزاء عليه. وقال الزهرى: دل الكتاب على العامد، وجرت السنة على الناسى، ومعنى هذا أن القرآن دل على وجوب الجزاء على المتعمد وعلى تأثيمه بقوله {لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ} وجاءت السنة من أحكام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأحكام أصحابه بوجوب الجزاء في الخطأ، كما دل الكتاب عليه في العمد، وأيضًا فإن قتل الصيد إتلاف، والإتلاف مضمون في العمد وفي النسيان، لكن المتعمد مأثوم، والمخطئ غير ملوم. قال: وقوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مثْل مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} دليل لما ذهب إليه مالك والشافعى وأحمد والجمهور من وجوب الجزاء من مثل ما قتله المحرم إذا كان له مثل من الحيوان الإنسى - وأما إذا لم يكن الصيد مثليا فقد حكم ابن عباس فيه بثمنه يحمل إلى مكة. رواه البيهقي (¬2) أهـ. أمثلة من حكومة النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في المثلى: عن جابر قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الضبع؟ فقال: "هو صيد، ويُجْعَلُ فيه كبش، إذا صاده المحرم" (¬3). وعن جابر: "أن عمر بن الخطاب قضى في الضبع بكبش، وفي الغزال بعنز، وفي الأرنب بعناق، وفي اليربوع بجفرة" (¬4). ¬
جزاء الوطء في الحج
وعن ابن عباس: "أنه جعل في حمام الحرم على المحرم والحلال الذي كل حمامة شاة" (¬1). قال ابن كثير: (100/ 2): وقوله تعالى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} أي واصلا إلى الكعبة، والمراد وصوله إلى الحرم بأن يذبح هناك، ويفرق لحمه على مساكين الحرم، وهذا أمر متفق عليه في هذه الصورة. وقوله: {أَوْ كفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا} أي إذا لم يجد المحرم مثل ما قتل من النعم، أو لم يكن الصيد المقتول من ذوات الأمثال، أو قلنا بالتخيير في هذا المقام بين الجزاء والإطعام والصيام، لظاهر "أو"، فصورة ذلك أن يعدل إلى القيمة فيقوم الصيد المقتول أو مثله، ثم يُشْتَرى به طعام فيتصدق به، فيصرف لكل مسكين مدّ منه، فإن لم يجد أو قلنا بالتخيير صام عن إطعام كل مسكين يوما أهـ بتصرف. جزاء الوطء في الحج: ومن وطئ في الحج قبل التحلل الأول فقد فسد حجه كما سبق وعليه بدنة. فإن وطئ بعد التحلل الأول وقبل الثانى فعليه شاة، ولا يفسد حجه. عن ابن عباس: "أنه سئل عن رجل وقع على أهله وهو محرم، وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنة" (¬2). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه: أن رجلًا أتى عبد الله بن عمرو يسأله عن محرم وقع بامرأة، فأشار إلى عبيد الله بن عمر، فقال: اذهب إلى ذلك فسله، قال: فلم يعرفه الرجل، فذهبت معه، فسأل ابن عمر، فقال: بطل حجك. فقال ¬
الرجل: فما أصنع؛ قال: اخرج مع الناس، واصنع ما يصنعون، فهذا أدركت قابلًا فحج واهد. فرجع إلى عبد الله بن عمرو، وأنا معه، فأخبره، فقال: اذهب إلى ابن عباس فسله. قال شعيب: فذهبت معه إلى ابن عباس فسأله، فقال له كما قال ابن عمر، فرجع إلى عبد الله بن عمرو، وأنا معه، فأخبره بما قال ابن عباس، ثم قال: ما تقول أنت؛ فقال: قولى مثل ما قالا" (¬1). وعن سعيد بن جبير "أن رجلًا أهلّ هو وامرأته جميعًا بعمرة، فقضت مناسكها إلا التقصير، فغشيها قبل أن تقصر، فسأل ابن عباس عن ذلك فقال: إنها لشبقة - فقيل له: إنها تسمع، فاستحيا من ذلك وقال: ألا أعلمتموني؟ وقال لها: أهريقي دمًا. قالت: ماذا؛ قال: انحرى ناقة أو بقرة أو شاة. قالت: أي ذلك أفضل؟ قال: ناقة" (¬2). ومن لم يجد الناقة أو الشاة فعليه صيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع. لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ في الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (¬3). والأفضل أن يقدم صوم الثلاثة أيام قبل يوم عرفة، فإن لم يفعل جاز له صوم أيام التشريق، لقول ابن عمر وعائشة: "لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدى" (¬4). تنبيه: "ومثل الرجل في هذا المرأة، سواء بسواء، غير أنها إذا كانت مكرهة في وطئها فلا هدى عليها، وأيضًا فإن حجها صحيح، بخلاف حج زوجها الواطئ" (¬5). ¬
الدماء في الحج
عن سعيد بن جبير قال: "جاء رجل إلى ابن عباس فقال: وقعت على امرأتى قبل أن أزور. فقال: إن كانت أعانتك فعلى كل منكما ناقة حسناء جملاء. وإن كانت لم تعنك فعليك ناقة حسناء جملاء" (¬1). الدماء في الحج (*): 1 - دم التمتع والقران، وهو الدم الذي يجب على الحاج الذي لبىّ بعمرة متمتعا بها إلى الحج، أو لبىّ بحج وعمرة قارنا بينهما، لقوله تعالى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (¬2). 2 - دم الفدية، الذي يجب علي الحاجِ إذا حلق شعره لمرض أو شيء مؤذ، لقوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} (2). 3 - دم الجزاء، وهو الدم الذي يجب على المحرم إذا قتل صيدًا بريًا، أما صيد البحر فلا شيء منه عليه (وقد سبق قريبا الكلام عن هذا الدم). 4 - دم الإحصار، ويكون بسبب انحباسه عن إتمام المناسك لمرض أو عدو أو غير ذلك، ولا يكون قد اشترط عند إحرامه، لقوله تعالى {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} (2). 5 - دم الوطء وهو دم يفرض على الحاج إذا وطئ أثناء حجه (وقد سبق قريبا). ¬
العمرة
العمرة " العمرة من أجلّ العبادات، وأفضل القربات، التي يرفع الله بها لعباده الدرجات، ويحط عنهم بها الخطيئات، وقد حضّ عليها النبي - صلى الله عليه وسلم - قولًا وعملًا، فقال: "العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما" (¬1). وقال: "تابعوا بين الحج والعمرة، فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفى الكير خبث الحديد والذهب والفضة" (¬2). واعتمر عليه الصلاة والسلام، واعتمر معه أصحابه في حياته وبعد مماته" (¬3). أركانها: 1 - الإحرام، وهو نيّة الدخول فيهلا لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنّما الأعمال بالنيات" (¬4). 2، 3 - الطواف، والسعى: لقوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬5). وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} الآية (¬6). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعى" (¬7). 4 - الحلق أو التقصير: لحديث ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يكن معه هدى فليطف بالبيت، وبيّن الصفا والمروة، وليقصر وليحلل" (¬8). ¬
واجباتها
واجباتها: يجب على من أراد العمرة أن يحرم بها من الميقات إن كان مقيما قبله، فإن كان مقيما بعد الميقات فإنه يحرم من منزله. وأما المقيم بمكة فإنه يجب عليه أن يخرج إلى الحل فيحرم منه، لأمره - صلى الله عليه وسلم - عائشة أن تحرم من التنعيم" (¬1). وقتها: جميع أيام السنة وقت للعمرة، إلا أنها في رمضان أفضل منها في غيره، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "عمرة في رمضان تعدل حجة" (¬2). جوازها قبل الحج: عن عكرمة بن خالد: "أنه سأل ابن عمر - رضي الله عنهما - عن العمرة قبل الحج فقال: لا بأس. قال عكرمة: قال ابن عمر: اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يحج" (¬3). تكرار العمرة (*): اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر في أربع سنوات، لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة، ولا أحد ممن معه من الصحابة - رضي الله عنهم -، ولم يبلغنا أن أحدا منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد، سواء في حياته أم بعد وفاته، إلا عائشة - رضي الله عنها -، حين حاضت في حجها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأمر أخاها عبد الرحمن ابن أبي بكر أن يخرج بها إلى التنعيم لتهل بالعمرة؛ لأنها ظنت أن عمرتها التي ¬
قرنتها بحجها بطلت، فبكت، فأذن لها الرسول عليه السلام أن تعتمر تطييبًا لنفسها. وهذه العمرة التي اعتمرتها عائشة خاصة بها، بدليل أنه لم يعرف عن أحد من الصحابة رجالا ونساء أنه اعتمر بعد حِجه من التنعيم، كما صنعت عائشة - رضي الله عنها -، ولو علم الصحابة أن صنيع عائشة مشروع لهم بعد حجهم لاستفاض النقل عنهم في ذلك. قال الإِمام الشوكاني - رحمه الله -: "ولم يعتمر -أي النبي- (صلى الله عليه وسلم)، خارجا من مكة إلى الحل، ثم يدخل مكة بعمرة، كما يفعل الناس اليوم، ولا ثبت عن أحد من الصحابة فعل ذلك". وكما لم يثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم تكرار العمرة بعد الحج، فإنه لم يثبت عنهم تكرارها في سائر أيام السنة، وكانوا ينتابون مكة للعمرة أفرادًا وجماعات، وهم يعلمون أن العمرة هى الزيارة للطواف بالبيت والسعى بين الصفا والمروة، ويعلمون أيضًا أن الطواف بالبيت أفضل من السعى يقينا، فبدل أن يشغلوا أنفسهم بالخروج إلى التنعيم، والاشتغال بأعمال عمرة جديدة يتبعونها عمرتهم التى سبقتها فأولى أن يطوفوا بالبيت، ومعلوم أن الوقت الذي يصرفه من يخرج إلى التنعيم ليهل بعمرة جديدة يستطيع أن يطوف بالبيت مئات الأشواط في هذا الوقت الذي يصرفه المعتمر في عمرة جديدة. يقول طاووس - رحمه الله - "الذين يعتمرون من التنعيم ما أدرى يؤجرون عليها أو يعذبون!! قيل له: يعذبون؟ قال: لأنّه يدع الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويجئ، وإلى أن يجئ من أربعة أميال يكون قد طاف مئتى طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء". فالقول بعدم مشروعية تكرار العمرة هو ما دلت عليه السنة النبوية العملية ودل عليه فعل الصحابة رضوان الله عليهم. وقد أمرنا نبينا عليه السلام بلزوم سنته وسنة خلفائه من بعده، فقال: "عليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ".
زيارة المدينة المنورة
زيارة المدينة المنورة (*): فضل المدينة: عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول "إن الله تعالى سمى المدينة طابة" (¬1). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المدينة كالكير، تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفى الدينة شرارها، كما ينفي الكبير خبث الحديد" (¬2). فضل مسجدها وفضل الصلاة فيه: عن أبي هريرة، يبلغ به عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: مسجدى هذا، ومسجد الحرام، ومسجد الأقصى" (¬3). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "صلاة في مسجدى هذا خير من ألف صلاة في غيره من المساجد، إلا المسجد الحرام" (¬4). وعن عبد الله بن زيد أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما بين بيتى ومنبرى روضة من رياض الجنّة" (¬5). آداب زيارة المسجد والقبر الشريفين: إن الأفضلية التي اختص بها المسجد النبوى الشريف، والمسجد الحرام، والمسجد الأقصى، هى تكريم من الله سبحانه لهذه المساجد الثلاثة، وتفضيل ¬
للصلاة فيها على الصلاة في غيرها، فمن جاءها فإنّما يجيئها رغبة في تحصيل الثواب وتلبية لدعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحث على شد الرحل إليها وزيارتها. وليست لهذه المساجد الثلاثة آداب تختص بها من بين سائر المساجد، غير أن لَبْسًا قد يخالط بعض الناس، فيجعلون للمسجد النبوى آدابا خاصة به، وما كان هذا اللبس ليكون لولا وجود القبر الشريف داخل المسجد. وحتى يكون المسلم على بينة من أمره إذا قدم المدينة، وأراد أن يزور المسجد النبوى نورد آداب زيارته: 1 - إذا دخل فليدخل برجله اليمنى، ثم ليقل: "اللهم صلِّ على محمَّد وسلِّم، اللهم افتح لي أبواب رحمتك" (¬1). أو "أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم" (¬2). 2 - ثم يصلي ركعتي تحية المسجد قبل أن يجلس. 3 - وليحذر الصلاة إلى جهة القبر الشريف، والتوجه إليه حيثما يدعو. 4 - ثم يذهب إلى القبر الشريف ليسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليحذر وضع يديه على صدره، وطأطأة الرأس، والتذلل الذي لا ينبغى إلا لله وحده، والاستغاثة بالنبي - صلى الله عليه وسلم -. وليسلم على النبي عليه الصلاة والسلام بالكلمات والألفاظ التي كان يسلم بها على أهل البقيع، وقد صحت عنه صلوات الله وسلامه عليه صيغ عدة، منها: "السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون" (¬3). ويسلم على صاحبيه أبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - بالسلام نفسه. 5 - وليس من الأدب أن يرفع صوته في المسجد، أو عند القبر الشريف، فليكن صوته خفيفًا، إذ الأدب مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ميتا كالأدب معه حيا. ¬
مسجد قباء
6 - وليحرص على الصلاة في جماعة في الصفوف الأولى، لما في ذلك من الفضل الجم والثواب العظيم. 7 - ولا يحمله الحرص على الصلاة في الروضة أن يتأخر ممن الصفوف الأولى، فليس للصلاة في الروضة فضل يميزها من الصلاة في سائر أجزاء المسجد. 8 - وليس من السنة أن يحرص على الصلاة في المسجد أربعين صلاة متوالية بناء على الحديث الذي اشتهر على ألسنة الناس تداوله: "من صلى في مسجدى أربعين صلاة لا يفوته صلاة كتبت له براءة من النار، ونجا من العذاب، وبرىء من النفاق" (¬1). فهذا حديث ضعيف لا يصح. 9 - وليس مشروعا أن يكثر التردد على القبر الشريف للسلام على الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فالسلام عليه يبلغه حيثما كان، ولو كان في أقصى الأرض فهو ومَنْ أمام القبر سواء في الحصول على ثواب الصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. 10 - وإذا خرج من المسجد لا يمشي القهقرى، وليخرج برجله اليسرى قائلا: "اللهم صل على محمَّد، اللهم إني أسألك من فضلك" (¬2). مسجد قباء: يسن لمن أتى المدينة أن يؤم مسجد قباء، فيصلى فيه، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، حيث "كان عليه الصلاة والسلام يتعاهده بالزيارة ماشيًا وراكبا، ويأتيه يوم السبت فيصلى فيه ركعتين" (¬3). وكان - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من تطهر في بيته ثم أتي مسجد قباء فصلى فيه، كان له كأجر عمرة" (¬4). ¬
البقيع واحد
البقيع واحد: البقيع مقبرة المسلمين بالمدينة، وفيه دفن خلق كثير من الصحابة، ومازال يدفن فيه المسلمون إلى أيام الناس هذه، وكثيرهم أولئك الذين يأتون المدينة طمعا في الموت بها ليدفنوا في البقيع. و"أُحد جبل يحبنا ونحبه" (¬1). وفي حضنه دفن بضعة وسبعون شهيدًا، من شهداء الغزوة التي دارت رحاها في أحضانه، ونسبت إليه فسميت غزوة أحد. فإذا أراد أحد قدم المدينة أن يزور البقيع أو شهداء أُحد فلا مانع، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن زيارة القبور ثم أذن بها، لتذكر الآخرة والاتعاظ بمصائر من فيها. ولكن يجب الحذر من التبرك بالقبور، والاستغاثة بأهلها، والاستشفاع بهم لدى الأحياء، والتوسل بهم إلى ربِّ العباد. ولا يشرع لمن يأتى أحدًا أن يقصد ما يقال بأنه مصلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفح الجبل ليصلى فيه، أو أن يصعد أُحدًا تبركا، أو يصعد جبل الرماة تتبعا لآثار الصحابة، فذلك وغيره مما يكون من غير السلام والدعاء للشهداء ليس مشروعا ولا مستحبا شَرْعًا، بل هو من الأمور المحدثة المنهى عنها، وفي ذلك يقول عمر - رضي الله عنه -: "إنّما هلك من كان قبلكم بتتبعهم آثار أنبيائهم". فليكن لنا في كلام عمر - رضي الله عنه - مقنع ومقطع. المزارات: هناك أماكن أخرى في المدينة المنورة تعرف بالمزارات، كالمساجد السبعة القريبة من موقع غزوة الخندق، ومسجد القبلتين، وبعض الآبار، ومسجد الغمامة، والمساجد التي تنسب لأبي بكر، وعمر، وعائشة- رضي الله عنهم - جميعًا، فكل هذه الأماكن لا يشرع تخصيصها بالزيارة، ولا يحسبن الزائر لها أنه بزيارتها ¬
تنبيهان مهمان جدا
يحصل على زيادة ثواب، فإن تتبع آثار الأنبياء والصالحين كانت سببا في هلاك الأمم من قبلنا، ولا يحسن بالمسلمين أن يخالفوا هدى نبيهم محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وهدى أصحابه رضوان الله عليهم، فإن الخير كل الخير في هديه وهديهم، والشر كل الشر في المخالفة عن هديه وهديهم. تنبيهان مهمان جدًا: الأول: يحرص كثير من الحجاج على المكث في المدينة المنورة أياما أكثر من الأيام التي يمكثونها في مكة، مع أن الصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف في غيره من المساجد، أما الصلاة في المسجد النبوى فهي كألف صلاة فيما سواه. وهذا الفرق الكبير في الفضل بين الصلاة في مكة وبيّن الصلاة في المدينة ينبغي أن يكون فيه مقنع لأولئك الحجاج أن يكون مكثهم في مكة أكثر منه في المدينة. الثاني: كثير من الحجاج يظنون أن زيارة المسجد النبوي هي من مناسك الحج، ولذا فإنهم يحرصون عليها كحرصهم على مناسك الحج، حتى لو أن رجلًا حج ولم يأت المدينة فعندهم أن حجه ناقص!! ويروون في ذلك أحاديث موضوعة مثل من حج فلم يزرنى فقد جفانى. والأمر على غير ما يظن هؤلاء، فزيارة المسجد النبوى سنة شرعها الرسول - صلى الله عليه وسلم - للصلاة فيه، لكن لا علاقة بين الزيارة وبيّن الحج، ولا يترتب على عدم زيارة المسجد صحة للحج، بل ولا كمال له؛ لأن زيارة المسجد النبوى ليست من مناسك الحج، بل هي مشروعة لذاتها وحدها. * * *
كتاب النكاح
كتاب النكاح
حكمه
حكمه: النكاح من آكد سنن المرسلين، قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} (¬1). ويكره تركه لغير عذر، لحديث أنس بن مالك قال: "جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - يسألون عن عبادة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما أخبروا كأنهم تقالّوها (*)، فقالوا: وأين نحن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. فقال أحدهم: أما أنا، فأنا أصلى الليل أبدًا، وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر وقال الآخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إنى لأخشاكم لله، وأتقاكم له، ولكنى أصوم وأفطر، وأصلى وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتى فليس مني" (¬2). ويجب على القادر عليه إذا خشى على نفسه العنت، "لأن الزنا حرام، وكذلك ما يؤدى إليه، وما هو مقدمة له، فمن خشى على نفسه الوقوع في هذا وجب عليه رفعه عن نفسه، فإن كان لا يندفع إلا بالنكاح وجب عليه ذلك" (¬3). ومن عجز عن النكاح وهو فيه راغب، فعليه بالصوم، لحديث ابن مسعود قال: قال لنا النبي - صلى الله عليه وسلم - "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء" (¬4). ¬
أي النساء خير؟
أي النساء خير؟ ومن أراد النكاح فليتحرّ من النساء من تتوفر فيها هذه الصفات: 1 - أن تكون ذات دين، لحديث أبى هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك (*) " (¬1). 2 - أن تكون بكرا، إلا أن تكون له مصلحة في الشيب: لحديث جابر بن عبد الله قال: "تزوجت امرأة في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فلقيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا جابر، تزوجت؟ قلت: نعم. قال: بكر أم ثيب؟ قلت: ثيب. قال: فهلا بكرا تلاعبها؟ قلت: يا رسول الله إن لي أخوات، فخشيت أن تدخل بيني وبينهن. قال: فذاك إذن. إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها، فعليك بذات الدين تربت يداك" (¬2). 3 - أن تكون ولودا، لحديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تزوجوا الودود الولود، فإنى مكاثر بكم الأمم" (¬3). أي الرجال خير؟ وإذا كان على الرجل أن يتحرى من النساء من وصفنا، فإن على ولىّ المرأة أن يتحرى لنكاحها الرجل الصالح لحديث أبى حاتم المزنى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير" (¬4). ¬
النظر إلى المخطوبة
ولا بأس بأن يعرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير، لحديث ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب حين تأيمت حفصة بنت عمر من خُنيس بن حذافة السهمى، وكان من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتُوفى بالمدينة فقال عمر بن الخطاب: أتيت عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمرى فلبثت ليالى، ثم لقينى فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومى هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر الصديق، فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر، فلم يرجع إليّ شيئًا، وكنت أوجد (*) عليه مني على عثمان، فلبثت ليالى، ثم خطبها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنكحتها إياه، فلقينى أبو بكر فقال: لعلك وجدت علىّ حين عرضت علىّ حفصة فلم أرجع إليك شيئًا؟ قال عمر: قلت: نعم. قال أبو بكر: فإنه لم يمنعنى أن أرجع إليك فيما عرضت علىّ إلا أنى كنت علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد ذكرها، فلم أكن لأفشى سر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولو تركها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلتها" (¬1). النظر إلى المخطوبة: ومن وقع في قلبه خطبة امرأة شُرع له النظر إليها قبل أن يخطبها، لحديث محمَّد بن مسلمة قال: خطبت امرأة، فجعلت أتخبأ لها، حتى نظرت إليها في نخل لها، فقيل له: أتفعل هذا وأنت صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا ألقى الله في قلب امرئ خطبة امرأة، فلا بأس أن ينظر إليها" (¬2). وعن المغيرة بن شعبة قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له امرأة أخطبها، فقال: "اذهب فانظر إليها، فإنه أجدر أن يؤدم بينكماِ (* *) " (¬3). ¬
الخطبة
الخطبة: الَخطبة: هى طلب الزواج من المرأة بالوسيلة المعروفة بين الناس، فإن حصلت الموافقة فهي مجرد وعد بالزواج، لا يحل للخاطب بها شيء من المخطوبة، بل تظل أجنبية عنه حتى يعقد عليها. ولا يحل لمسلم أن يخطب على خطبة أخيه، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يبيع بعضكمَ على بيع بعض، ولا يخطب الرجل على خِطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب" (¬1). ولا يحل له خطبة المعتدة من طلاق رجعى؛ لأنها زوجة، كما لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة من طلاق بائن أو وفاة زوج، ولا بأس بالتعريض، لقول الله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ ....... } الأية (¬2). عقد النكاح: وركناه: الإيجاب والقبول، ويشترط لصحته: 1 - إذن الولي: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة لم يُنكحها الولي، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها مهرها بما أصاب منها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له" (¬3). 2 - حضور الشهود: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل" (¬4). وجوب استئذان المرأة قبل الزواج: ¬
خطبة النكاح
إذا كان لا نكاح إلا بوليّ، فإنه يجب على الولي استئذان من في ولايته من النساء قبل الزواج، ولا يجوز له إجبار المرأة على الزواج إن لم ترض، فإن عقد عليها وهي غير راضية فلها فسخ العقد: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن، قالوا: يا رسول الله، وكيف إذنها؟ قال: أن تسكت" (¬1). وعن خنساء بنت خدام الأنصارية "أن أباها زوّجها وهي ثيب، فكرهت ذلك، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرد نكاحها" (¬2). وعن ابن عباس: "أن جارية بكرًا أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت له أن أباها زوّجها وهي كارهة فخيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬3). خُطبة النكاح: وتستحب الخطبة بين يدي العقد، وهي التي تسمى خطبة الحاجة، ولفظها: إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله. {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} (¬4). {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} (¬5). {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ ¬
استحباب التهنئة بالنكاح
لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (¬1). أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدى محمَّد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (¬2). استحباب التهنئة بالنكاح: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا رفأ قال: "بارك الله لكم، وبارك عليكم وجمع بينكما في خير" (¬3). الصداق: قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} (¬4). فالصداق حق المرأة على الرجل، وهو ملك لها، يحل لأحدٍ أبًا كان أو غيره أن يأخذ منه شيئًا إلا إذا طابت المرأة نفسا بهذا الأخذ. ولم تجعل الشريعة حدًا لقلته، ولا لكثرته، لكن حثت على تخفيف المهور وعدم المغالاة فيها تيسيرًا لعملية الزواج، وحتى لا يُعرِضَ عنه الشباب لكثرة مؤنته. قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا} (¬5) وعن أنس بن مالك رضي الله عنه "أن عبد الرحمن بن عوف جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثر صفرة فسأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار، قال: كم سقت إليها؟ قال: زِنَة نواة من ذهب. قال رسول الله ¬
- صلى الله عليه وسلم -:أولم ولو بشاة" (¬1). وعن سهل بن سعد قال: إنى لفي القوم عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ قامت امرأة فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. فلم يجبها شيئًا. ثم قامت فقالت: يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. ثم قامت الثالثة فقالت يا رسول الله إنها قد وهبت نفسها لك، فَرَ فيها رأيك. فقام رجل فقال: يا رسول الله، أنكحنيها، قال: هل عندك من شيء؟ قال: لا. قال: اذهب فاطلب ولو خاتما من حديد فذهب وطلب، ثم جاء فقال: ما وجدت شيئًا ولا خاتما من حديد. قال: هل معك من القرآن شيء؟ قال: معى سورة كذا وسورة كذا. قال: اذهب فقد أنكحتكها بما معك من القرآن" (¬2). ويجوز تعجيل الصداق كله، وتأخيره كله، وتعجيل بعضه وتأجيل بعضه. فإن دخل بها ولم يعطها شيئًا جاز، ووجب عليه لها مهر المثل، إن كان لم يسمّ لها مهرًا، فإن كان قد سمى لها مهرًا أعطاها ما سماه، والحذر كل الحذر من عدم الوفاء لها بما شرط، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "أحق ما أوفيتم من الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج" (¬3). فإن مات الزوج بعد العقد وقبل الدخول فللمرأة المهر كاملا: عن علقمة قال: "أُتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها، ولم يفرض لها صداقا، ولم يكن دخل بها، قال: فاختلفوا إليه. فقال: أرى لها مثل مهر نسائها، ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعى أن النبي ¬
متى يستحب البناء؟
- صلى الله عليه وسلم - قضى في بروع بنت واشق بمثل ما قضى" (¬1). متى يستحب البناء؟ عن عائشة قالت: "تزوجنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال، فاى نساء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان أحظى عنده مني؟! وكانت تستحب أن يدخل نساؤها في شوال" (¬2). ما يستحب فعله إذا دخل على زوجته: يستحب له أن يلاطفها، كان يقدم إليها شيئًا من الشراب ونحوه، لحديث أسماء بنت يزيد قالت: "إنى قينّت عائشة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم جئته فدعوته لجلوتها، فجاء فجلس إلى جنبها، فأتى بعُس لبن، فشرب ثم ناولها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخفضت رأسها واستحيت. قالت أسماء: فانتهرتها وقلت لها: خذى من يد النبي - صلى الله عليه وسلم -. قالت: فأخذت فشربت شيئًا" (¬3). وينبغى أن يضع يده على مقدمة رأسها، ويسمى الله تعالى ويدعو بالبركة، ويقول ما جاء في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا تزوج أحدكم امرأة، أو اشترى خادما، فليأخذ بناصيتها، وليُسمّ الله عَزَّ وَجَلَّ، وليدع بالبركة، وليقل: اللهم إنى أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه، وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه" (¬4). ¬
ويستحب لهما أن يصليا ركعتين معا؛ لأنه منقول عن السلف، وفيه أثران: الأول: عن أبي سعيد مولى أبي أسيد قال: "تزوجت وأنا مملوك، فدعوت نفرًا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فيهم ابن مسعود وأبو ذر وحذيفة، قال: وأقيمت الصلاة، قال: فذهب أبو ذر ليتقدم، فقالوا: إليك! قال: أو كذلك؟ قالوا: نعم. قال: فتقدمت بهم وأنا عبد مملوك، وعلمونى فقالوا: إذا دخل عليك أهلك فصل ركعتين، ثم سل الله من خير ما دخل عليك، وتعوذ به من شره ثم شأنك وشأن أهلك" (¬1). الثاني: عن شقيق قال: جاء رجل يقال له: أبو حريز فقال: إنى تزوجت جارية شابة (بكرا) وإنى أخاف أن تفركني (*)، فقال عبد الله (يعني ابن مسعود): "إن الإلف من الله والفِرك من الشيطان يريد أن يكرّه إليكم ما أحل الله لكم، فإذا أتتك فأمرها أن تصلى وراءك ركعتين" زاد في رواية أخرى عن ابن مسعود وقيل: "اللهم بارك لي في أهلى وبارك لهم فيّ، اللهم اجمع بيننا ما جمعت بخير وفرّق بيننا إذا فرّقت إلى خير" (¬2). وينبغي أن يقول حين يجامعها: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان، وجنّب الشيطان ما رزقتنا. قال - صلى الله عليه وسلم -: "فإن قضى بينهما ولد لم يضره الشيطان أبدًا" (¬3). ويجوز أن يأتيها في قبلها من أي جهة شاء، من خلفها أو من أمامها لقول الله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ}: أي كيف شئتم مقبلة ومدبرة. عن جابر رضي الله عنه قال: "كانت اليهود تقول: إذا أتى الرجل امرأته من ¬
دبرها في قبلها كان الولد أحول. فنزلت: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} (¬1). وعن ابن عباس قال: "كان هذا الحىّ من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلا على حرف، وذلك أستر ما تكون المرأة، فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحي من قريش يشرحون النساء شرحا منكرًا، ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات، فلما قدم المهاجرون المدينة، تزوج رجل منهم امرأة من الأنصار، فذهب يصنع بها ذلك، فانكرته عليه وقالت: إنما كنا نؤتى على حرف، فاصنع ذلك وإلا فاجتبنى، حتى شرى أمرها، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد (¬2). ويحرم عليه أن يأتيها في دبرها لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضًا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمَّد" (¬3). وينبغى لهما أن ينويا بنكاحهما إعفاف نفسيهما، وإحصانهما من الوقوع فيما حرم الله عليهما فإنه تُكتب مباضعتهما صدقة لهما، لحديث أبى ذر رضي الله عنه: "أن ناسا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم -: يا رسول الله، ذهب أهل الدثور بالأجور، يصلون كما نصلى، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون بفضول أموالهم "قال: أوليس قد جعل الله لكم ما تصدقون؟ إن بكل تسبيحة صدقة، وبكل تكبيرة صدقه، وبكل تهليلة صدقة، وبكل تحميدة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهى عن منكر صدقة، وفي بضع أحدكم صدقة. قالوا: يا رسول الله ¬
وجوب الوليمة
أيأتى أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر" (¬1). وجوب الوليمة: ولابد من عمل وليمة بعد الدخول، لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -عبد الرحمن بن عوف بها، كما تقدم، ولحديث بريدة بن الحصيب قال: "لما خطب علىُّ فاطمة رضي الله عنها قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "إنه لا بد للعرس من وليمة" (¬2). وينبغى أن يلاحظ فيها أمورًا: الأول: أن تكون ثلاثة أيام عقب الدخول، لأنه هو المنقول عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن أنس قال: "تزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - صفية، وجعل عتقها صداقها، وجعل الوليمة ثلاثة أيام" (¬3). الثاني: أن يدعو الصالحين إليها فقراء كانوا أو أغنياء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقى (¬4). الثالث: أن يولم بشاة أو أكثر إن وجد سعة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الرحمن بن عوف: "أولم ولو بشاة" (¬5). وعن أنس قال: "ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولم على امرأة من نسائه ما أولم ¬
على زينب، فإنه ذبح شاة" (¬1). ويجوز أن تؤدى الوليمة بأي طعام تيسر، ولو لم يكن فيه لحم، لحديث أنس قال: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بين خيبر والمدينة ثلاثًا يبنى عليه بصفية بنت حيي، فدعوت المسلمين إلى وليمته، فما كان فيها من خبز ولا لحم، أمر بالأنطاع (*) فألقى يها من التمر والأقط والسمن، فكانت وليمته" (¬2). ولا يجوز أن يخص بالدعوة الأغنياء دون الفقراء، لقوله - صلى الله عليه وسلم -. "شر الطعام طعام الوليمة، يُمنعها من يأتيها، ويُدعى إليها من يأباها، ومن لم يُجب الدعوة فقد عصى الله ورسولَه" (¬3). ويجب على من دُعى إليها أن يحضرها: للحديث السابق، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دُعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها" (¬4). وينبغى أن يجيب ولو كان صائما، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصلّ. يعني الدعاء" (¬5). وله أن يفطر إذا كان متطوعا في صيامه لا سيما إذا ألّح عليه الداعى، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم، وإن شاء ترك" (¬6). ويستحب لمن حضر الدعوة أمران: ¬
الأول: أن يدعو لصاحبها بعد الفراغ بما جاء عنه - صلى الله عليه وسلم -، وهو أنواع: أ- "اللهم اغفر لهم، وارحمهم، وبارك لهم فيما رزقتهم" (¬1). ب- "اللهم أطعم من أطعمنى، واسق من سقانى" (¬2). ج- "أكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة، وأفطر عندكم الصائمون" (¬3). الأمر الثاني: الدعاء له ولزوجه بالخير والبركة. كما سبق في التهنئة بالنكاح. ولا يجوز حضور الدعوة إذا اشتملت على معصية، إلا أن يقصد إنكارها ومحاولة إزالتها فإن أزيلت وإلا وجب الرجوع: وفيه أحاديث، منها: عن عليّ قال: "صنعت طعاما فدعوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع [فقلت: يا رسول الله، ما أرجعك بابى أنتَ وأمى؟ قال: إن في البيت سترا فيه تصاوير، وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تصاوير" (¬4)]. وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم: عن أبي مسعود- عقبة بن عمرو: "أن رجلًا صنع له طعاما، فدعاه، فقال: أفى البيت صورة؟ قال: نعم فأبى أن يدخل حتى كسر الصورة، ثم دخل" (¬5). ¬
وقال البخاري (¬1):"ودعا ابن عمر أبا أيوب، فرأى في البيت سترًا على الجدار. فقال ابن عمر: غلبنا عليه النساء. فقال من كنت أخشى عليه فلم أكن أخشى عليك، فوالله لا أطعم لكم طعاما، فرجع". ويجوز له أن يسمح للنساء في العرس بإعلان النكاح بالضرب على الدف فقط، وبالغناء المباح الذي ليس فيه وصف الجمال وذكر الفجور، وفي ذلك أحاديث، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -:"أعلنوا النكاح" (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح" (¬3). وعن خالد بن ذكوان قال: قالت: الرُّبيِّع بنت مُعَوِّذ بن عفراء: "جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل حين بُنى عليّ، فجلس على فراش كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قُتل من آبائى يوم بدر، إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد. فقال: دعى هذه، وقولى بالذى كنت تقولين" (¬4). والسنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا، وقسم، وإذا تزوج الثيب على البكر أقام عندها ثلاثًا ثم قسم. هكذا رواه أبو قلابة عن أنس، وقال أبو قلابة: ولو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي-صلى الله عليه وسلم" (¬5). ويجب عليه أن يحسن عشرتها، ويسايرها فيما أحل الله لها، لا سيما إذا كانت حديثة السنّ، وفي ذلك أحاديث، منها: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلى" (¬6). ¬
وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم" (¬1). وقوله - صلى الله عليه وسلم -:"لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقا رضي منها آخر" (¬2). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في خطبة حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عوان عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبّرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا، ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن" (¬3). ويجب على الرجل العدل بين نسائه في الطعام والسكن والكسوة والمبيت، وسائر ما هو مادّى، فإن مال إلى إحداهن دون الأخرى شمله الوعيد المذكور في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له امرأتان، يميل مع إحداهما على الأخرى، جاء يوم القيامة واحد شقيه ساقط" (¬4). ولا جناح عليه في الميل القلبى؛ لأنه لا يملكه، ولذا قال تعالى: {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ} (¬5). ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعدل بين نسائه فيما هو مادى، لا يفرق بينهن، ومع ذلك كانت عائشة أحبّهن إليه: عن عمرو بن العاص "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثه على جيش ذات السلاسل، فأتيته ¬
كم ينكح الحر؟
فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عائشة. فقلت من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر بن الخطاب. فعدّ رجالًا" (¬1). كم ينكح الحر؟ ولا يحل التزوج بأكثر من أربع، لقوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (¬2). ولقوله - صلى الله عليه وسلم - لغيلان بن سلمة حين أسلم وتحته عشر نسوة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" (¬3). وعن قيس بن الحارث قال: أسلمت وعندى ثمانية نسوة، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكرت ذلك له فقال: "اختر منهن أربعا" (¬4). المحرمات من النساء: قال تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} (¬5). ¬
فذكر الله تعالى في هذه الآيات المحرمات من النساء، وبالتأمل فيها نجد أن التحريم قسمان: 1 - تحريم مؤبد، يمنع المرأة أن تكون زوجة للرجل في جميع الأوقات. 2 - تحريم مؤقت، يمنع المرأة من التزوج بها ما دامت على حالة خاصة قائمة بها، فإن تغير الحال زال التحريم وصارت حلالًا. وأسباب التحريم المؤبد هى: النسب، والمصاهرة، والرضاع. أولًا: المحرمات بالنسب، وهن: الأمهات. البنات. الأخوات. العمات. الخالات. بنات الأخ. بنات الأخت. ثانيا: المحرمات بالمصاهره، وهن: 1 - أم الزوجة، ولا يشترط في تحريمها الدخول بها، بل مجرد العقد على ابنتها يحرّمها. 2 - ابنة الزوجة المدخول بها، فإن عقد على الأم ولم يدخل بها حلّت له ابنتها لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}. 3 - زوجة الابن: وتحرم بمجرد العقد. 4 - زوجة الأب: يحرم على الابن التزوج بحليلة أبيه بمجرد عقد الأب عليها. ثالثا: المحرمات بسبب الرضاع: قال تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة" (¬1). وعلى هذا، فتنزل المرضعة منزلة الأم، وتحرم على المرضع هى وكل من يحرم على الابن من قبل أمّ النسب، فيحرم على الرضيع التزوج من: 1 - المرضعة. 2 - أم المرضعة. 3 - أم زوج المرضعة. 4 - أخت المرضعة. ¬
الرضاع الذي يثبت به التحريم
5 - أخت زوج المرضعة. 6 - بنات بنيها وبناتها. 7 - الأخت من الرضاعة. الرضاع الذي يثبت به التحريم: عن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحرم المصّة والمصّتان" (¬1). وعن أم الفضل أن نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تحرم الرضعة أو الرضعتان، أو المصة أو المصتان" (¬2). وعن عائشة قالت: "كان فيما أنزل من القرآن "عشر رضعات معلومات يحرمن"، ثم نسخن "بخمس معلومات". فتوفى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهن فيما يقرأ من القرآن" (¬3). ويشترط أن يكون الرضاع في الحولين، لقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬4). وعن أم سلمة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء في الثدى وكان قبل الفطام" (¬5). المحرمات مؤقتا: 1 - الجمع بين الأختين: لقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ} (¬6). ¬
2 - الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها: لحديث أبى هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "لا يُجمع بين المرأة وعمتها، ولا بين المرأة وخالتها" (¬1). 3 - زوجة الغير ومعتدته: لقوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي حرمت عليكم المحصنات من النساء، أى المتزوجات منهن، إلا المسبيات، فإن المسبية تحل لسابيها بعد الاستبراء، وإن كانت متزوجة، لحديث أبى سعيد: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشا إلى أوطاس، فلقى عدوا فقاتلوهم، فظهروا عليهم وأصابوا سبايا، وكان ناس من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ في ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن (¬2). 4 - المطلقة ثلاثًا: لا تحل لزوجها الأول حتى تنكح زوجا غيره نكاحا صحيحا. لقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. 5 - زواج الزانية: لا يحل للرجل أن يتزوج بزانية، ولا يحل للمرأة أن تتزوج بزان، إلا أن يحدث كل منهما توبة. لقوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} (¬3). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن مرثد بن أبي مرثد الغنوى كان يحمل الأسارى بمكة، وكان بمكة بغىّ يقال لها عَنَاق، وكانت صديقته. قال: جئت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت: يا رسول الله أنكح عناقا؟ قال: فسكت عني. ¬
الأنكحة الفاسدة
فنزلت: (والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك) فدعانى فقرأها علىّ، وقال: لا تنكحها" (¬1). الأنكحة الفاسدة: 1 - نكاح الشغار: وهو أن يزوّج الرجلُ ابنته أو أخته أو غيرهما ممن له الولاية عليه على أن يزوّجه الآخر أو يزوّج ابنه أو ابن أخيه ابنته أو أخته أو بنت أخته أو نحو ذلك. وهذا العقد على هذا الوجه فاسد، سواء ذكر فيه مهر أم لا؛ لأنّ الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ذلك وحذر منه، وقد قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (¬2) وفي الصحيحين عن ابن عمر "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار" (¬3). وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الشغار قال: والشغار أن يقول الرجل للرجل: زوّجنى ابنتك وأزوجك ابنتى، أو زوّجنى أختك وأزوجك أختى" (¬4). وقال عليه الصلاة والسلام: "لا شغار في الإِسلام" (¬5). فهذه الأحاديث الصحيحة تدل على تحريم نكاح الشغار وفساده، وأنه مخالف لشرع الله، ولم يفرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين ما سمى فيه مهر وما لم يسمّ فيه شيء. وأما ما ورد في حديث ابن عمر (3) من تفسير الشغار بأن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته، وليس بينهما صداق، فهذا التفسير قد ذكر أهل العلم ¬
2 - نكاح المحلل
أنه من كلام نافع الراوى عن ابن عمر، وليس هو من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث أبى هريرة بما تقدم، وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته على أن يزوجه الآخر ابنته أو أخته ولم يقل وليس بينهما صداق، فدل ذلك على أن تسمية الصداق أو عدمها لا أثر لها في ذلك، وإنما المقتضى للفساد هو اشتراط المبادلة، وفي ذلك فساد كبير، لأنه يفضى إلى إجبار النساء على نكاح من لا يرغبن فيه، إيثارًا لمصلحة الأولياء على مصلحة النساء، وذلك منكر وظلم للنساء، ولأن ذلك أيضًا يفضى إلى حرمان النساء من مهور أمثالهن، كما هو الواقع بين الناس المتعاطين لهذا العقد المنكر، إلا من شاء الله، كما أنه كثيرا ما يفضى إلى النزاع والخصومات بعد الزواج، وهذا من العقوبات العاجلة لمن خالف الشرع" (¬1). 2 - نكاح المحلل: وهو أن يتزوج المطلقة ثلاثًا بعد انقضاء عدتها، ثم يطلقها لتحل لزوجها الأول. وهذا النوع من الزواج كبيرة من كبائر الإثم والفواحش، لا يجوز، سواء شرطا ذلك في العقد، أو اتفقا عليه قبل العقد، أو نواه أحدهما بقلبه، وفاعله ملعون. عن عليّ قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -والمحلَّل له" (¬2). وعن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: هو المحلَّل، لعن الله المحلِّل والمحلل له" (¬3). وعن عمر بن نافع عن أبيه أنه قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه ليحلها ¬
3 - نكاح المتعة
لأخيه، هل تحل للأول؟ قال: لا، إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬1). 3 - نكاح المتعة: " ويسمى الزواج المؤقت، والزواج المنقطع، وهو أن يعقد الرجل على المرأة يوما أو أسبوعا أو شهرا. أو غير ذلك من الآجال المعلومة. وهو زواج متفق على تحريمه، وإذا انعقد يقع باطلًا (¬2). عن سبرة قال: "أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة، ثم لم نخرج حتى نهانا عنها" (¬3). العقد على المرأة وفي نية الزوج طلاقها: قال الشيخ سيد حافظ -حفظه الله- في فقه السنة (38/ 2): اتفق الفقهاء على أن من تزوج امرأة دون أن يشترط التوقيت وفي نيته أن يطلقها بعد زمن، أو بعد إنقضاء حاجته في البلد الذي هو مقيم به، فالزواج صحيح. وخالف الأوزاعى فاعتبره زواج متعة. قال الشيخ رشيد رضا تعليقا على هذا في تفسير المنار: هذا وإن تشديد علماء السلف والخلف في منع المتعة يقتضى منع النكاح بنية الطلاق وإن كان الفقهاء يقولون إن عقد النكاح يكون صحيحا إذا نوى الزوج التوقيت ولم يشترطه في صيغة العقد. ولكن كتمانه إياه يعد خداعا وغشا، وهو أجدر بالبطلان من العقد الذي يشترط فيه التوقيت الذي يكون بالتراضى بين الزوج والمرأة ووليها، ولا يكون فيه ¬
الحقوق الزوجية
من المفسدة إلا العبث بهذه الرابطة العظيمة التي هى أعظم الروابط البشرية وإيثار التنقل في مراتع الشهوات بين الذوّاقين والذوّاقات، وما يترتب على ذلك من المنكرات. وما لا يشترط فيه ذلك يكون على اشتماله على ذلك غشا وخداعا، تترتب عليه مفاسد أخرى، من العداوة والبغضاء، وذهاب الثقة حتى بالصادقين الذين يريدون بالزواج حقيقته، وهو إحصان كل من الزوجين للآخر، وإخلاصه له وتعاونهما على تاسيس بيت صالح من بيوت الأمة. أهـ. (قلت): ويؤيد ما ذهب إليه الشيخ رشيد -رحمه الله- أثر عمر بن ناف ع عن أبيه أنه قال: "جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما، فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثًا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة منه، ليحلها لأخيه، هل تحلّ للأول؟ قال: لا إلا نكاح رغبة، كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (¬1). الحقوق الزوجية: الأسرة هى اللبنة الأولى في المجتمع، إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله، لذا أولى الإِسلام الأسرة عناية كبيرة، وفرض لها ما يكفل سلامتها وسعادتها. فاعتبر الإِسلام الأسرة مؤسسة تقوم على شركة بين اثنين، المسئول الأول فيها الرجل {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} (¬2). وجعل الإِسلام لكل من الشريكين على صاحبه حقوقا، تكفل -بأدائها- استقرار هذه المؤسسة واستمرارية هذه الشركة، وحث كلًا من الشريكين أن يؤدى ¬
حق المرأة على الرجل
ما عليه، وأن يغض الطرف عما يحدث من تقصير في حقوقه أحيانا. حق المرأة على الرجل: يقول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} (¬1) فما يوجد من المودة والرحمة بين الزوجين لا يكاد يوجد بين اثنين. والله سبحانه يحب للأزواج دوام المودة والرحمة، ولذا شرع لهم من الحقوق ما يحفظ أداؤه المودة والرحمة من النفاد أو الضياع، فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬2) وهذه الكلمة على إيجازها جمعت مالًا يؤدى بالتفصيل إلا في سفر كبير، فهي قاعدة كليّة ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق، إلا أمرأَ واحدًا عبّر الله تعالى عنه بقوله {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (2) وقد أحال في معرفة ما لهنّ وما عليهن على المعروف بين الناس ومعاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهم، وما يجرى عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم. فهذه الجملة تعطى الرجل ميزانا يزن به معاملته لزوجه في جميع الشؤون والأحوال، فإذا همّ بمطالبتها بأمر من الأمور تذكّر أنه يجب عليه مثله بإزائه. ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما: إنى لأتزيّن لامرأتى كما تتزين لي (¬3). فالمسلم الحق يعترف بما لزوجته عليه من الحقوق، كما قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} وكما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن لكم على نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا" (¬4). والمسلم الواعى يحاول دائما أن يؤدى لزوجه حقها غير ناظر في حقه استوفاه ¬
أم لا، لأنه حريص على دوام المودة والرحمة بينهما، كما أنه حريص على تفويت الفرصة على الشيطان الذي يحرش بينهما ليتفرقا. ومن باب "الدين النصيحة" نذكر الآن حق المرأة على الرجل، ثم نذكر بعد ذلك حق الرجل على المرأة، لعل الأزواج يتعظون فيتواصون بالحق ويتواصون بالصبر. "إن لنسائكم عليكم حقا" وأوّل ذلك: أن يعاشر الرجلُ المرأة بالمعروف، لقوله تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} (¬1)، وذلك بأن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى، ويؤدّبها إذا خاف نشوزها بما أمر الله أن يؤدب به النساء، بأن يعظها موعظة حسنة من غير سبّ ولا شتم ولا تقبيح، فإن أطاعت وإلا هجرها في الفراش، فإن أطاعت وإلا ضربها في غير الوجه ضربًا غير مبرّح، لقوله تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (¬2) ولقوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل: ما حق زوجة أحدنا عليه؟ فقال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبّح ولا تهجر إلا في البيت" (¬3). إن من مظاهر اكتمال الخلق ونمو الإيمان أن يكون المرء رفيقا رقيقًا مع أهله كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أكتمال المؤمنين إيمانًا أحسنهم خُلقا، وخياركم خياركم لنسائهم" (¬4) فإكرام المرأة دليل الشخصية المتكاملة، وإهانتها علامة على الخسة واللؤم. ومن إكرامها التلطف معها ومداعبتها، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فقد كان يتلطف مع عائشة ويسابقها، حتى قالت "سابقنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسبقته، فلبثنا حتى إذا ¬
أرهقنى اللحم سابقنى فسبقنى، فقال: هذه بتلك" (¬1). ولقد عدّ النبي - صلى الله عليه وسلم -اللهو باطلًا إلا ما كان مع الأهل، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثًا: رميُه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق" (¬2). 2 - ومن حق المرأة على الرجل أن يصبر على أذاها، وأن يعفو عما يكون منها من زلات لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرك مؤمن مؤمنة، إن كره منها خُلُقا رضي منها آخرً" (¬3). وقال - صلى الله عليه وسلم -: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خُلِقن من ضلع، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تُقيمُه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا" (¬4) وقال بعض السلف: اعلم أنه ليس حُسن الخلق مع المرأة كف الأذى عنها، بل تحملّ الأذى منها، والحلم على طيشها وغضبها، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كانت نساؤه يراجعنه وتهجره إحداهنّ اليوم إلى الليل (¬5). 3 - ومن حق المرأة على الرجل أن يصونها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويُثلم عِرضها ويمتهن كرامتها، فيمنعها من السفور والتبرج، ويحول بينها وبين الاختلاط بغير محارمها من الرجال، كما عليه أن يوفّر لها حصانة كافية ورعاية وافية، فلا يسمح لها أن تفسد في خلق أو دين، ولا يفسح لها المجال أن تفسق عن أوامر الله ورسوله أو تفجر، إذ هو الراعى المسئول عنها والمكلف بحفظها وصيانتها لقول الله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} (¬6)، ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته" (¬7). ¬
4 - ومن حق المرأة على الرجل أن يعلمها الضرورى من أمور دينها، أو يأذن، لها أن تحضر مجالس العلم، فإن حاجتها لإصلاح دينها وتزكية روحها ليست أقلّ من حاجتها إلى الطعام والشراب الواجب بذلهما لها، وذلك لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬1) والمرأة من الأهل، ووقايتها من النار بالإيمان والعمل الصالح، والعملُ الصالح لابد له من العلم والمعرفة، حتى يمكن أداؤه والقيام به على الوجه المطلوب شرعا. 5 - ومن حق المرأة على الرجل أن يأمرها بإقامة دين الله والمحافظة على الصلاة، لقوله تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا} (¬2). 6 - ومن حق المرأة على الرجل أن ياذن لها في الخروج من البيت إذا احتاجت إليه كأن ترغب في شهود الجماعة، أو في زيارة أهلها وأقاربها أو جيرانها، بشرط أن يأمرها بالجلباب، وينهاها عن التبرج والسفور، كما ينهاها عن العطر والبخور، ويحذرها من الاختلاط بالرجال ومصافحتهم، كما يحذرها من رؤية التلفزيون وسماع الأغانى. 7 - ومن حق المرأة على الرجل أن لا يفشى سرّها، وأن لا يذكر عيبها، إذ هو الأمين عليها، والمطالب برعايتها والذود عنها، ومن أخطر الأسرار أسرار الفراش ولذا حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم -من إذاعتها لحديث أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والرجال والنساء قعود فقال: "لعل رجلا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها؟ فأرَمَّ القوم، فقلت: إى والله يا رسول الله! إنهن ليفعلن، وإنهم ليفعلون. قال "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل الشيطان لقى شيطانه فى طريق، فغشيها والناس ينظرون" (¬3). 8 - ومن حق المرأة على الرجل أن يستشيرها في الأمور ولا سيما التى تخصهما وأولادَهما، اقتداء برسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يستشير نساءه ويأخذ ¬
برأيهن، ومن ذلك ما كان منه يوم الحديبية حين فرغ من كتابة الصلح ثم قال لأصحابه: "قوموا فانحروا، ثم احلقوا". فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة رضي الله عنها، فذكر لها ما لقى من الناس. فقالت: يا نبى الله أتحب ذلك؟ اخرج، ولا تكلّم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بُدنك، وتدعو حالقك فيحلقك. فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا، حتى كاد يعضهم يقتل بعضًا غمًا (¬1). وهكذا جعل الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في رأى زوجه أم سلمة الخير الكثير، خلافا للأمثلة الجائرة الظالمة التي تنهى عن مشاورة النساء وتحذر منها، كقولهم بالعامية مشورة المرأة إن نفعت بخراب سنة، وإن ما نفعت بخراب العمر. 9 - ومن حق المرأة على الرجل أن يرجع إليها بعد العشاء مباشرة، وألا يسهر خارج المنزل إلى ساعة متأخرة من الليل، فإن هذا يؤرقها ويزعجها قلقًا عليه، إن لم تدب في صدرها الوساوس والشكوك إن طال السهر وتكرر، بل من حق المرأة على الرجل أن لا يسهر في البيت بعيدا عنها ولو في الصلاة حتى يؤديها حقها، ومن هنا أنكر النبي - صلى الله عليه وسلم - على عبد الله بن عمرو طول سهره واعتزال امرأته، وقال له: "إن لزوجك عليك حقا" (¬2). 10 - ومن حق المرأة على الرجل أن يعدل بينها وبين ضرتها إن كان لها ضرة، يعدل بينهما في الطعام والشراب، واللباس، والسكن، والمبيت في الفراش، ولا يجوز أن يحيف في شيء من ذلك أو يجور ويظلم، فإن الله حرّم هذا، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وشقه مائل" (¬3). ¬
حق الرجل على المرأة
إخوة الإِسلام: هذه هى حقوق نسائكم عليكم، فالواجب عليكم أن تجتهدوا في أداء هذه الحقوق لهن، وأن لا تألوا جهدًا في ذلك، فإن قيامكم بهذه الحقوق من أسباب سعادتكم في حياتكم الزوجية، ومن أسباب استقرار البيوت وسلامتها وخلوها من المشاكل التي تؤرقكم وتفقدكم الراحة والسكون والمودة والرحمة. ونذكر النساء بضرورة غض طرفهن عن تقصير أزواجهن في حقهن وأن يقابلن تقصير الرجال بالاجتهاد في خدمتهم، وبذلك تدوم الحياة الزوجية سعيدة. حق الرجل على المرأة: إن حق الرجل على المرأة عظيم، بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - عظمته بقوله: فيما رواه الحاكم وغيره من حديث أبى سعيد "حق الزوج على زوجته أن لو كانت به قرحة فلحستها ما أدَّت حقه" (¬1). والمرأة الكيسة الفطنة هى التي تعظّم ما عظم الله ورسوله، وهي التي تقدر زوجها حق قدره: فتجتهد في طاعته لأنّ طاعته من موجبات الجنة، قال - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها ادخلى الجنة من أي أبوابها شئت" (¬2) فتأملى أيتها المسلمة كيف جعل النبي - صلى الله عليه وسلم -طاعة الزوج من موجبات الجنة كالصلاة والصيام، فالزمى طاعته، واجتنبى معصيته، فإن في معصيته غضب الربّ سبحانه وتعالى، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفسى بيده، ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطًا عليها حتى يرضى عنها" (¬3). فالواجب عليك أيتها المسلمة أن تدينى لزوجك بالسمع والطاعة في كل ما يأمرك به مما لا يخالف الشرع، واحذرى كل الحذر من الإفراط في الطاعة حتى ¬
تطيعيه في المعصية، فإنك إن فعلت كنت آثمة. ومن ذلك مثلا: أن تطيعيه في إزالة شعر وجهك تجملًا له، فقد لعن النبي - صلى الله عليه وسلم - النامصة والمتنمصة (¬1). ومن ذلك: أن تطيعيه في ترك الخمار عند الخروج من البيت لأنه يحبّ أن يتباهى بجمالك أمام الناس، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "صنفان من أمتي من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهنّ كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا" (¬2). ومن ذلك أن تطيعيه في الوطء في المحيض أو في غير ما أحل الله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "من أتى حائضا، أو امرأة في دبرها، أو كاهنا فصدّقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمَّد" (¬3). ومن ذلك أن تطيعيه في الظهوِر على الرجال والاختلاط بهم ومصافحتهم، فقد قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} (¬4) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إياكم والدخول على النساء" قيل: يا رسول الله: أفرأيت الحمو (وهو قريب الزوج كأخيه وابن أخيه وعمه وابن عمه ونحوهم) قال: "الحمو الموت" (¬5) وقيسى على ذلك كل ما يخالف شرع ربك، فلا تغترى بما يلزمك من الطاعة لزوجك حتى تطيعيه في المعصية، فإنما الطاعة في المعروف، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. 2 - ومن حق الزوج على زوجته أن تصون عرضه، وتحافظ على شرفها، وأن ترعى ماله وولده وسائر شئون منزله، لقوله تعالى: {فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ ِللْغَيْبِ بِمَا ¬
حَفِظَ اللَّهُ} (¬1) ولقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "والمرأة رأعيه في بيت زوجها ومسؤلة عن رعيتها" (¬2). 3 - ومن حق الزوج على زوجته أن تتزين له وتتجمل، وأن تبتسم في وجهه دائما ولا تعبس، ولا تبدو في صورة يكرهها، فقد أخرج الطبراني من حديث عبد الله ابن سلام قال - صلى الله عليه وسلم -: "خير النساء من تسرّك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك" (¬3). والعجب كل العجب من إهمال المرأة لنفسها في بيتها بحضرة زوجها، وإفراطها في الاهتمام بنفسها وإبداء زينتها عند الخروج من بيتها، حتى صدق فيها قول من قال: قردٌ في البيت وغزال في الشارع فاتق الله يا أمة الله في نفسك وزوجك، فإنه أحق الناس بزينتك وتجملك، وإياك وإبداء الزينة لمن لا يجوز له رؤيتها، فإن هذا من السفور المحرّم. 4 - ومن حق الزوج على زوجته أن تلزم بيته فلا تخرج منه ولو إلى المسجد إلا بإذنه، لقوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} (¬4). 5 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "فحقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون" (¬5). 6 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحفظ ماله، وأن لا تنفق منه إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم - "ولا تنفق امرأة شيئًا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها" قيل: ولا الطعام؟ قال: "ذلك أفضل أموالنا" (¬6). بل من حق الزوج على زوجته أن لا تنفق من مالها إن كان لها إلا بإذن ¬
زوجها لقوله - صلى الله عليه وسلم "ليس للمرأة أن تنتهك شيئًا من مالها إلابإذن زوجها" (¬1). 7 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعًا وهو شاهد إلا بإذنه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" (¬2). 8 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تمنّ عليه، بما أنفقت من مالها في بيتها وعلى عيالها، فإن المنّ يبطل الأجر والثواب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى} (¬3). 10 - ومن حق الزوج على زوجته أن ترضى باليسير، وأن تقنع بالموجود، وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق، فقد قال تعالى: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬4). 11 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحسن القيام على تربية أولادها منه في صبر فلا تغضب على أولادها أمامه، ولا تدعو عليهم، ولا تسبّهم، فإن ذلك قد يؤذيه والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا تؤذى امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين: لا تؤذيه قاتلك الله، فإنما هو دخيل عندك يوشك أن يفارقك إلينا" (¬5). 12 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحسن معاملة والديه وأقاربه، فما أحسنت إلى زوجها من أساءت إلى والديه وأقاربه. 13 - ومن حق الزوج على زوجته أن لا تمنع منه نفسها متى طلبها، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فلم تأته فبات غضبان عليها لعنتها ¬
الملائكة حتى تصبح" (¬1) وقال -صلي الله عليه وسلم- "إذا دعا الرجل زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور" (¬2). 14 - ومن حق الزوج على زوجته أن تكتم سرّه وسرّ بيته، ولا تفشى من ذلك شيئًا، ومن أخطر الأسرار التي تتهاون النساء بإذاعتها أسرار الفراش وما يكون بين الزوجين فيه، وقد نهى النبي -صلي الله عليه وسلم- عن ذلك: فعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أنها كانت عند النبي -صلي الله علي وسلم- والرجال والنساء قعود، فقال -صلي الله عليه وسلم- "لعل رجلًا يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرمّ القوم. فقلت: إى والله يا رسول الله، إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. فقال -صلي الله عليه وسلم- "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك كمثل شيطان لقى شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون" (¬3). 15 - ومن حق الزوج على زوجته أن تحرص عليه وتحافظ على الحياة معه، ولا تسأله الطلاق من غير سبب، عن ثوبان رضي الله عنه قال -صلي الله عليه وسلم-: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (¬4). وقال صلي الله عليه وسلم: "المختلعات (*) هن المنافقات" (¬5). هذه أيتها المسلمة حقوق زوجك عليك، فعليك أن تجتهدى في القيام بها حق القيام، وأن تغضّى الطرف عن تقصير زوجك في حقك، فإنه بذلك تدوم المودة والرحمة، وتصلح البيوت، ويصلح المجتمع بصلاحها. وعلى الأمهات أن يَعلَمن أن من الواجب عليهن أن يبصّرن بناتهن بحقوق أزواجهن وأن تذكّر كل أم بنتها بهذه الحقوق قبل زفافها، سنة نساء السلف رضي ¬
الله عنهن فقد خطب عمرو بن حجر ملك كندة أم إياس بنت عوف الشيبانى، فلما حان زفافها إليه خلت بها أمها أمامة بنت الحارث فأوصتها وصيّة بينت فيها أسس الحياة الزوجية السعيدة وما يجب عليها لزوجها، فقالت: أى بنيّة: إن الوصية لو تركت لفضل أدب لتركت ذلك لك، لكنها تذكرة للغافل ومعونة للعاقل، ولو أن امرأة استغنت عن الزوج لغنى أبويها وشدة حاجتهما إليها كنت أغنى الناس عنه، ولكن النساء للرجال خُلقن ولهن خُلق الرجال. أي بنيّة: إنك فارقت الجوّ الذي منه خرجت، وخلفت العش الذي فيه درجت، إلى وكر لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه فأصبح بملكه عليك رقيبا ومليكا فكونى له أمة يكن لك عبدًا وشيكا. واحفظى له خصالًا عشرًا يكن لك ذخرًا: أما الأولى والثانية: فالخشوع له بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة. وأما الثالثة والرابعة: فالتفقد لمواضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح ولا يشم منك إلا أطيب ريح. وأما الخامسة والسادسة: فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة. وأما السابعة والثامنة: فالاحتراس بماله، والإرعاء على حشمه وعياله وملاك الأمر في المال حسن التقدير، وفي العيال حسن التدبير. وأما التاسعة والعاشرة: فلا تعصين له أمرًا، ولا تفشين له سرًا، فإنك إن خالفت أمره أوْغرت صدره، وإن أفشيت سره لم تأمنى غدره. ثم إياك والفرح بين يديه إن كان مهمومًا، والكآبة بين يديه إن كان مسرورًا (¬1). (ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما). ¬
الخلافات الزوجية
الخلافات الزوجية: لا تكاد أسرة تسلم من المشاكل والخلافات، ولكن الأسر تتفاوت في حجم مشاكلها ونوع خلافاتها. وقد حث الإِسلام الزوجين على معالجة مشاكلهما والقضاء عليها فيما بينهما، وأرشد كلاّ منهما إلى طرق العلاج التي يستخدمها مع صاحبه، كما حثهما على المبادرة إلى العلاج حين تظهر بوادر الخلاف وأعراضه, قال تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْخرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُن} (¬1) وقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُالحًا وَالصُلْحُ خَيْر} (¬2). "فالمنهج الإسلامى لا ينتظر حتى يقع النشوز بالفعل، وتعلن راية العصيان، وتسقط مهابة القوامة، وتنقسم المؤسسة إلى معسكرين .. فالعلاج حين ينتهى الأمر إلى هذا الوضع قلّما يجدى .. ولابد من المبادرة في علاج مبادئ النشوز قبل استفحاله، لأن مآله إلى فساد في هذه المنظمة الخطيرة، لا يستقر معه سكن ولا طمأنينة، ولا تصلح معه تربية ولا إعداد للناشئين في المحضن الخطير. وماَله بعد ذلك إلى تصدع وانهيار ودمار المؤسسة كلها، وتشرد للناشئين فيها، أو تربيتهم بين عوامل هدامة مفضية إلى الأمراض النفسية والعصبية والبدنية .. وإلى الشذوذ. فالأمر إذن خطير، ولابد من المبادرة باتخاذ الإجراءات المتدرجة في علاج علامات النشوز منذ أن تلوح من بعيد. علاج نشوز المرأة: قال تعالى: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} (1). {فَعِظُوهُنَّ}: هذا هو الإجراء الأول .. الموعظة .. وهذا هو أول واجبات ¬
القيم ورب الأسرة. عمل تهذيبى، مطلوب منه في كل حالة: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكمْ نَارًا وَقُوذهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة} (¬1) ولكنه في هذه الحالة بالذات، يتجه اتجاها معينا لهدف معين، هو علاج أعراض النشوز قبل أن تستفحل وتستعلن. ولكن العظة قد لا تنفع؛ لأن هناك هوى غالبا، أو انفعالا جامحا، أو استعلاء بجمال، أو بمال أو بمركز عائلى، أو بأى قيمة من القيم، تنسى الزوجة أنها شريكة في مؤسسة، وليست ندا في صراع أو مجال افتخار. هنا يجىء الإجراء الثاني .. حركة استعلاء نفسية من الرجل على كل ما تتدل به المرأة من جمال وجاذبية أو قيم أخرى، ترفع بها ذاتها عن ذاته، أو عن مكان الشريك في مؤسسة عليها قوامة. {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} , والمضجع موضع الإغراء والجاذبية التي تبلغ فيها المرأة الناشز المتعالية قمة سلطانها. فإذا استطاع الرجل أن يقهر دوافعه تجاه هذا الإغراء فقد أسقط من يد المرأة الناشز أمضى أسلحتها التي تعتز بها. على أن هناك أدبا معينا في هذا الإجراء .. إجراء الهجر في المضاجع .. وهو ألا يكون هجرا ظاهرا في غير مكان خلوة الزوجين .. لا يكون هجرًا أمام الأطفال، يورث نفوسهم شرًا وفسادًا .. ولا هجرا أمام الغرباء يذل الزوجة، أو يستثير كرامتها فتزداد نشوزًا فالمقصود علاج النشوز لا إذلال الزوجة ولا إفساد الأطفال. وكلا الهدفين يبدو أنه مقصود من هذا الإجراء. ولكن هذه الخطوة قد لا تفلح كذلك .. فهل تترك المؤسسة تتحطم؟ إن هناك إجراء ولو أنه أعنف، ولكنه أهون وأصغر من تحطيم المؤسسة كلها بالنشوز: {وَاضْرِبُوهنّ} , واستصحاب المعانى السابقة كلها، واستصحاب الهدف من هذه الإجراءات كلها يمنع أن يكون هذا الضرب تعذيبا للانتقام والتشفى. ويمنع أن يكون إهانة للإذلال والتحقير، ويمنع أن يكون أيضًا للقسر والإرغام على معيشة لا. ¬
ترضاها .. ويحدد أن يكون ضرب تأديب، مصحوب بعاطفة المؤدب المربى، كما يزاوله الأب مع أبنائه، وكما يزاوله المربى مع تلميذه. وقد أبيحت هذه الإجراءات لمعالجة أعراض النشوز -قبل استفحالها- وأحيطت بالتحذيرات من سوء استعمالها، فور تقريرها وإباحتها، وتولى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بسنته العملية في بيته مع أهله، وبتوجيهاته الكلامية، علاج الغلو هنا وهناك، وتصحيح المفهومات في أقوال كثيرة: عن معاوية بن حيدة رضي الله عنه أنه قال: يا رسول الله، ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: "أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت" (¬1). وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"لا تضربوا إماء الله". فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ذئرن النساء على أزواجهن. فرخّص في ضربهن، فاطاف بآل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساء كثير يشكون أزواجهن. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ولقد أطاف بآل بيت محمَّد نساء كثير يشكون أزواجهن، ليس أولئك بخياركم" (¬2). وعن عبد الله بن زمعة أنه سمع النبي- صلى الله عليه وسلم - يقول: "يعمد أحدكم فيجلد امرأته جلد العبد فلعله يضاجعها من آخر يومه" (¬3). وعلى آية حال فقد جعل لهذه الإجراءات حد تقف عنده، متى تحققت الغاية عند مرحلة من هذه المراحل فلا تتجاوز إلى ما وراءها: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" فعند تحقق الغاية تقف الوسيلة مما يدل على أن الغاية -غاية الطاعة- هى المقصود، وهي طاعة الاستجابة، لا طاعة الإرغام، فهذه ليست طاعة تصلح لقيام مؤسسة الأسرة، قاعدة الجماعة. ¬
علاج نشوز الرجل
ويشير النص إلى أن المضي فيِ هذه الإجراءات بعد تحقق الطاعة بغى وتحكم وتجاور {فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} ثم يعقب على هذا النهى بالتذكير بالعلى الكبير، كى تتطامن القلوب وتعنو الرؤوس، وتتبخر مشاعر البغى والاستعلاء إن طافت ببعض النفوس: على طريقة القرآن في الترغيب والترهيب" (¬1). علاج نشوز الرجل قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْر وَأُحْضرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَ ان تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللهَ كانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (¬2) "لقد نظم المنهج -من قبل- حالة النشوز من ناحية الزوجة، والإجراءات التي تتخذ للمحافظة على كيان الأسرة فالآن ينظم حالة النشوز والإعراض حين يخشى وقوعها من ناحية الزوج، فتهدد أمن المرأة وكرامتها وأمن الأسرة كلها كذلك. إن القلوب تتقلب، وإن المشاعر تتغير. والإِسلام منهج حياة يعالج كل جزئية فيها، ويتعرض لكل ما يعرض لها في نطاق مبادئه واتجاهاته، وتصميم المجتمع الذي يرسمه وينشئه وفق هذا التصميم. فماذا خشيت المرأة أن تصبح مجفوة، وأن تؤدى هذه الجفوة إلى الطلاق -وهو أبغض الحلال إلى الله- أو إلى الإعراض، الذي يتركها كالمعلقة، لا هى زوجة ولا هى مطلقة، فليس هنالك حرج عليها ولا على زوجها، أن تتنازل له عن شيء من فرائضها المالية أو فرائضها الحيوية، كان تترك له جزءًا أو كلا من نفقتها الواجبة عليه، أو أن تترك له قسمتها وليلتها إن كانت له زوجة أخرى يؤثرها، وكانت هى قد فقدت حيويتها للعشرة الزوجية أو جاذبيتها. هذا كله إذا رأت هى -بكامل اختيارها وتقديرها لجميع ظروفها- أن ذلك ¬
كيف الأمر إذا اشتد الخلاف بين الزوجين؟
خير لها وأكرم من طلاقها "وإن أمرأة خافت من بعلها نشوزًا أو إعراضًا فلا جناح عليهما أن يصلحا بينهما صلحا" وهذا هو الصلح الذي أشرنا إليه. ثم يعقب على الحكم بأن الصلح إطلاقا خير من الشقاق والجفوة والنشوز والطلاق: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} (¬1) أهـ. ثم يحث الرجل على الإحسان إلى هذه المرأة الراغبة فيه ولذا تنازلت عن بعض حقوقها لتبقى في عصمته ويبين أن الله عليم بإحسانه وسيجازيه به فيقول {وَأُحضرِتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنوا وَتَتَّقُوا فَإنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}. وسبب نزول الآية ذكره أبو داود من حديث هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت عائشة: يا ابن أختى، كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا، فيدنو من كل امرأة من غير مسيس، حتى يبلغ إلى التي هو يومها فيبيت عندها، ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وفَرِقَت أن يفارقها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يا رسول الله، يومى لعائشة، فقبل ذلك - صلى الله عليه وسلم - منها. قالت: تقول في ذلك أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ وفي أشباهها" أراه قال {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا} (¬2) [النساء: 128]. كيف الأمر إذا اشتد الخلاف بين الزوجين؟ قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَفا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِقِ الله بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (¬3). "ذلك- الذي ذكرناه لعلاج نشوز المرأة والرجل- حين لا يستعلن النشوز، وإنما تتقى بوادره فاما إذا كان قد استعلن، فلا تتخذ تلك الإجراءات التي سلفت، إذ لا قيمة لها إذن ولا ثمرة وإنما هى إذن صراع وحرب بين خصمين، ليحطم أحدهما رأس الآخر، وهذا ليس المقصود، ولا المطلوب، وكذلك إذا رئى أن استخدام هذه ¬
الإجراءات قد لا يجدى، بل سيزيد الشقة بعدا والنشوز استعلانا، ويمزق بقية الخيوط التي لا تزال مربوطة. أو إذا أدى استخدام تلك الوسائل بالفعل إلى غير نتيجة. في هذه الحالات كلها يشير المنهج الإِسلامى الحكيم بإجراء أخير لإنقاذ المؤسسة العظيمة من الانهيار قبل أن ينفض يديه منها ويدعها تنهار: {وَإنْ خِفْتمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا} الآية. وهكذا لا يدعو المنهج الإِسلامى إلى الاستسلام لبوادر النشوز والكراهية، ولا إلى المسارعة بفصم عقدة النكاح، وتحطيم مؤسسة الأسرة على رؤوس من فيها من الكبار والصغار- الذين لا ذنب لهم ولايد ولا حيلة -فمؤسسة الأسرة عزيزة على الإِسلام، بقدر خطورتها في بناء المجتمع، وفي إمداده باللبنات الجديدة اللازمة لنموه ورقيه وامتداده. إنه يلجا إلى هذه الوسيلة الأخيرة -عند خوف الشقاق- فيبادر قبل وقوع الشقاق فعلا، ببعث حكم من أهلها ترتضيه، وحكم من أهله يرتضيه، يجتمعان في هدوء، بعيدين عن الانفعالات النفسية، والرواسب الشعورية، والملابسات المعيشية، التي كدرت صفو العلاقات بين الزوجين. طليقين من هذه المؤثرات التي تفسد جو الحياة، وتعقد الأمور، وتبدو -لقربها من نفس الزوجين- كبيرة تغطى كل العوامل الطيبة الأخرى في حياتهما، حريصين على سمعة الأسرتين الأصليتين. مشفقين على الأطفال الصغار بريئين من الرغبة في غلبة أحدهما علي الآخر -كما قد يكون الحال مع الزوجين في هذه الظروف- راغبين في خيرالزوجين وأطفالهما ومؤسستهما المهددة بالدمار. وفي الوقت ذاته هما مؤتمنان على أسرار الزوجين؛ لأنهما من أهلهما، لا خوف من تشهيرهما بهذه الأسرار، إذ لا مصلحة لهما في التشهير بها، بل مصلحتهما في دفنها ومداراتها. يجتمع الحكمان لمحاولة الإصلاح، فإن كان في نفس الزوجين رغبة حقيقية في الإصلاح، وكان الغضب فقط هو الذي يحجب هذه الرغبة، فإنه بمساعدة الرغبة القوية في نفس الحكمين يقدر الله الصلاح بينهما والتوفيق: {إِنْ يُرِيدَا
لم تحرم ما أحل الله لك؟
إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} فهما يريدان الإصلاح، والله يستجيب لهما ويوفق. {إِن اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا} (¬1). لم تحرم ما أحل الله لك؟ عن أنس رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كانت له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى جعلها على نفسه حراما، فأنزل الله هذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ الله لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْوَاجِكَ .... } إلى آخر الآية (¬2). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إذا حرمٍ الرجل امرأته فهي يمين يكفرها .. ثم قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسنةٌ} (¬3). فمن قال لزوجته: أنت على حرام، فعليه كفارة يمين، وهي المذكورة في قوله تعالى: {لا يؤَاخِذُكُمُ الله باللغو في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ لِيكُمْ أَوْ كسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّام ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (¬4). الإيلاء: وإذا حلف الرجل ألا يطأ زوجته مدة دون الأربعة أشهر، فالأولى أن يكفر عن يمينه ويطأها, لقوله - صلى الله عليه وسلم - "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه" (¬5). فإن لم يكفر فعليها الصبر حتى ينقض الأجل الذي سماه، فقد: "آلي رسول ¬
الظهار
الله - صلى الله عليه وسلم - من نسائه، وكانت انفكت رجله، فأقام في مشربة له تسع وعشرين، ثم نزل، فقالوا: يا رسول الله آليت شهرا؟ فقال: الشهر تسع وعشرون" (¬1). وأما إذا حلف ألا يطاها أبدأ أو مدة تزيد على أربعة أشهر، فإنْ كفّر وعاد إلى وطئها، وإلا انتظرت به حتى تمضيِ أربعة أشهر ثم طالبته بوطئها أو طلاقها لقوله تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤلمونَ مِن نِّسَائِهِمْ تربصن أَرْبَعَةِ أَشْهرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رحِيمٌ (226) وَإِنْ عَزَمُوا الطلاقَ فَإِنَّ اللهَ سَمِيغ عَلِيمٌ} (¬2). عن نافع أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يقول في الإيلاء الذي سمى الله تعالى: لا يحل لأحد بعد الأجل إلا أن يمسك بالمعروف أو يعزم بالطلاق، كما أمر الله عَزَّ وَجَلَّ (¬3). الظهار ومن قال لزوجته أنت على كظهر أمى فهو مظاهر، وتحرم عليه زوجته، فلا يطؤها ولا يستمتع منها بشئ حتى يكفر بما سماه الله في كتابه: {وَالَذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِم ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ من قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكمْ تُوعَظُونَ به وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خبِيرٌا (3) فَمَن لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَم يَسْتطَعْ فَإطْعَام سِتِّينَ مِسْكِينًا ذَلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتِلْكَ حدُودُ اللهِ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيم} (¬4). عن خُويلة بنت مالك بن ثعلبة قالت: "ظاهر مني زوجى أوس بن الصامت، فجئت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشكو إليه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجادلنى فيه، ¬
ويقول: اتق الله، فإنه ابن عمك، فما برحت حتى نزل القرآن: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} إلى الفرض. فقال: يعتق رقبة، قالت: لا يجد، قال: فيصوم شهرين متتابعين. قالت: يا رسول الله، إنه شيخ كبير ما به من صيام، قال: فليطعم ستين مسكينا. قالت: ما عنده من شيء يتصدق به. قالت: فأُتى ساعتئذ بعَرَقَ فيه تمر. قلت: يا رسول الله، فإنى أعينه بعَرَق آخر. قال: قد أحسنت، اذهبى فأطعمى بها عنه ستين مسكينا، وارجعى إلى ابن عمك. قال: والعَرَقُ ستون صاعًا (¬1). وعن عروة بن الزبير قال: قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه كل شيء، إنى لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة، ويخفى على بعضه، وهي تشتكى زوجها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي تقول: يا رسول الله، أكل شبابى، ونثرت له بطني (*)، حتى إذا كبرت سني، وانقطع ولدي ظاهر مني، اللهم إنى أشكو إليك. فما برحت حتى نزل جبرائيل بهؤلاء الآيات: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ} (¬2). ومن ظاهر من امرأته يومًا أو شهرًا أو نحو ذلك، فقال: أنت على كظهر أمي شهرا -مثلا- فهو مظاهر، إن برّ بيمينه فلا شيء عليه، وإن أصابها قبل المدة التي سماها لزمته كفارة الظهار. عن سلمة بن صخر البياضي قال: كنت امرأ أستكثر من النساء، لا أرى رجلا كان يصيب من ذلك ما أصيب. فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتى حتى ينسلخ رمضان. فبينما هي تحدثني ذات ليلة انكشف لي منها شيء. فوثبت عليها فواقعتها. فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم: سلوا لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقالوا: ما كنا نفعل. إذًا ينزل الله فينا كتابا، أو يكون فينا من ¬
حكمه
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قول، فيبقى علينا عاره. ولكن سوف نسلمك بجريرتك اذهب أنت فاذكر شأنك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: فخرجت حتى جئته، فأخبرته الخبر. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت بذاك؟ فقلت: أنا بذاك، وها أنا يا رسول الله، صابر لحكم الله عليّ قال: "فأعتق رقبة" قال: قلت: والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك إلا رقبتي هذه قال: "فصم شهرين متتابعين" قال: قلت: يا رسول الله، وهل دخل عليّ ما دخل من البلاء إلا بالصوم؟ قال: "فتصدق أو أطعم ستين مسكينًا. قال: قلت: والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا هذه ما لنا عشاء. قال: "فاذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له، فليدفعها إليك، وأطعم ستين مسكينا، وانتفع ببقيتها" (¬1). والشاهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينكر عليه ظهاره، وإنما أنكر مسّه زوجته قبل الأجل. حكمه: والظهار حرام، لأن الله وصفه بأنه منكر من القول وزور، وأنكرِ على المظاهر: {الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} (¬2). * * * ¬
الطلاق
الطلاق رأيت فيما سبق حرص الإِسلام على الأسرة المسلمة وسلامتها، واستقرار الحياة فيها، ورأيت طرق العلاج التي شرعها لمعالجة الخلاف الذي ينشأ في الأسرة المسلمة سواء كان سببه أحد الزوجين أو كليهما. إلا أنه قد لا ينفع هذا العلاج أحيانًا لاستفحال الخلاف وشدة الخصومة، وحينئذ فلا بدّ من استخدام علاج أقوى وهو الطلاق. والمتأمل في أحكام الطلاق يتأكد له مدى حرص الإِسلام على مؤسسة البيت، ورغبته في بقاء الشركة بين الزوجين، ذلك أن الإِسلام حين أباح الطلاق لم يجعله مرة واحدة، بحيث تنقطع هذه العلاقة بين الزوجين فلا تتصل أبدا إذا طلق الرجل المرأة، وإنما أباح الطلاق، وأمر أن يكون على مرات: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬1). وإذا طلق الرجل المرة الأولى أو الثانية فليس من حقه إخراج مطلقته من بيته حتى تنقضي عدتها، بل وليس لها الخروج، والعلة في ذلك الطمع في ذهاب الغضب الذي أوجد الطلاق، ثم الحث على عودة الأمور إلى ما كانت عليه، وهذا ما ذكره ربنا في قوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (¬2). أي: لعل الزوج يندم على طلاقها، ويخلق الله تعالى في قلبه رجعتها، فيكون ذلك أيسر وأسهل. ¬
أقسام الطلاق
أقسام الطلاق: أولًا- من حيث اللفظ: ينقسم الطلاق من حيث اللفظ إلى: صريح وكناية: فالصريح: هو الذي يفهم من معنى الكلام عند التلفظ به، ولا يحتمل غيره، مثل: أنت طالق ومطلقة، وكل ما اشتق من لفظ الطلاق. وهذا يقع به الطلاق، هازلا كان أو لاعبا، أو لم ينو: لحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاث جدهن جد، وهزلهن جد: النكاح، والطلاق، والرجعة" (¬1). والكناية: ما يحتمل الطلاق وغيره، مثل: الحقي باهلك، ونحوه. وهذا لا يقع به الطلاق إلا بالنية، فإن نوى طلاقًا وقع، وإن لم ينو لم يقع: عن عائشة رضي الله عنها: "أن ابنة الجون لما أدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودنا منها قالت: أعوذ بالله منك. فقال لها: لقد عذت بعظيم، ألحقي بأهلك" (¬2). وفي حديث كعب بن مالك حين هجره النبي - صلى الله عليه وسلم - وصاحبيه لتخلفهم عن الخروج معه إلى تبوك: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليه: "أن اعتزل امرأتك. فقال: أُطلّقها أم ماذا أفعل؟ قال: بل اعتزلها، فلا تقربنّها. فقال لامرأته: ألحقيى بأهلك" (¬3). ثانيا- من حيث التعليق والتنجيز: صيغة الطلاق إما أن تكون منجزة، وإما أن تكون معلقة: فالمنجزة: هى التي قصد بها من أصدرها وقوع الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق. ¬
ثالثا- من حيث السنة والبدعة
وحكم هذا الطلاق أنه يقع في الحال، متى صدر من أهله، وصادف محلا له. وأما المعلّق: فهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلّقًا على شرط، مثل أن يقول لزوجته إن ذهبت إلى مكان كذا فأنت طالق. وحكم هذا الطلاق أنه إن أراد الطلاق عند وقوع الشرط، فهو كما أراد وأما إن قصد به الحض على الفعل أو الترك ونحو ذلك فهو يمين، إن لم يقع ما حلف عليه لم يلزمه شيء، وإان وقع لزمته كفارة يمين (وهذا مذهب شيخ الإِسلام ابن تيمية - رحمه الله - كما في مجموع الفتاوى (44 - 46، 58 - 60 - 64 - 66/ 33). ثالثًا- من حيث السنة والبدعة: ينقسم الطلاق من حيث السنة والبدعة إلى: طلاق سنيّ، وطلاق بدعيّ. فطلاق السنة: أن يطلق الرجل امرأته التي دخل بها طلقة واحدة، في طهر لم يجامعها فيه. قال تعالى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ} (¬1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} (¬2). وقد فسر النبي - صلى الله عليه وسلم - الآية: حين طلق ابن عمر امرأته وهي حائض، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء" (¬3). وأما الطلاق البدعي: فهو الطلاق المخالف للمشروع، كان يطلقها وهي ¬
حائض، أو في طهر جامعها فيه، أو أن يجمع الطلقات الثلاث بلفظ واحد أو في مجلس واحد: كأن يقول: أنت طالق ثلاثًا، أو أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق. وهذا الطلاق حرام، وفاعله آثم. فإن كان طلقها وهي حائض، فقد وقعت طلقة، وإن كانت رجعية أمر بمراجعتها، ثم يمسكها حتى تطهير، ثم تحيض، ثم تطهير، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمسها. كما أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - ابن عمر. وأما الدليل على وقوعها: فما رواه البخاري: عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال: "حُسِبَت عليّ بتطليقة" (¬1). قال الحافظ في الفتح: (353/ 9): إن النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك، وإذا أخبر ابن عمر أن الذي وقع منه حسبت عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي - صلى الله عليه وسلم - بعيدا جدا، مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك. وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئًا برأيه وهو ينقل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تغيظ من صنيعه؟ كيف لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة؟ قال الحافظ: وقد أخرج ابن وهب في مسنده عن ابن أبي ذئب أن نافعا أخبره "أن ابن عمر طلق امرأته وهي حائض، فسأل عمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك؟ فقال: "مره فليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر". قال ابن أبي ذئب في الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -:"وهي واحدة" قال ابن أبي ذئب: وحدثني حنظلة بن أبي سفيان أنه سمع سالما يحدث عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك. قال الحافظ: وأخرجه الدارقطني من طريق يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب ¬
رابعا- من حيث الرجعة وعدمها
وابن إسحاق جميعا عن نافع عن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "هى واحدة" (¬1) وهذا نص في موضع الخلاف يجب المصير إليه اهـ. طلاق الثلاث: وأما إن طلّقها ثلاثًا بلفظ واحد، أو في مجلس واحد، فإنما يقع واحدة لما رواه مسلم عن ابن عباس قال: "كان الطلاق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وسنين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة .. فلو أمضيناه عليهم؟ فامضاه عليهم" (¬2). ورَأْىُ عمر هذا اجتهاد منه رضى الله عنه، غايته أن يكون سائغا لمصلحة رآها، ولا يجوز ترك ما أفتى به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان عليه أصحابه في عهده وعهد خليفته" اهـ. رابعا- من حيث الرجعة وعدمها: الطلاق إما رجعي وإما بائن. والبائن إما أن يكون بينونة صغرى أو كبرى. الطلاق الرجعي: هو طلاق المدخول بها، في غير مقابلة مال، ولم يسبقه طلاق أصلا، أو كان مسبوِقا بطلقة واحدة. قال تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} (¬3). والمطلقة طلاقًا رجعيًا زوجة ما دامت في عدّتها، ولزوجها حق مراجعتها في أى وقت شاء ما دامت في العدة، ولا يشترط رضاها ولا إذن وليها، قال تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا} (¬4). ¬
الخلع
الخلع تعريفه: الخلع لغة: مأخوذ من خلَع الثوب إذا أزاله، لأن المرأة لباس الرجل، والرجل لباس لها. قال الله تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (¬1). وعرّفه الفقهاء: بأنه فراق الرجل زوجته ببدل يأخذه منها. ويسمّى فدية وافتداء (¬2). مشروعيته: إذا اشتد الخلاف بين الزوجين ولم يمكن التوفيق بينهما ورغبت المرأة في الفراق جاز لها أن تفدي نفسها من زوجها بمال تعويضًا له عن الضرر الذي يلحقه بفراقها. قال تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شمّاس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، ما أنقم على ثابت في دين ولا خلق، إلا أنى أخاف الكفر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: فتردِّين عليه حديقته؟ فقالت: نعم. فردّت عليه، وأمره ففارقها" (¬4). التحذير منه: عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة" (¬5). ¬
تحذير الرجال من عضل النساء
وعنه رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المختلعات هن المنافقات" (¬1). تحذير الرجال من عضل النساء: إذا كره الرجلُ المرأة ورغب عنها لسببٍ ما فعليه أن يفارقها بمعروف كما أمر الله تعالى، ولا يجوز له حبسها والإضرار بها لتفتدى نفسها منه، قال تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (¬2). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا} (¬3). الخلع فسخ وليس طلاقا: إذا افتدت المرأة نفسها وفارقها زوجها كانت أملك لنفسها، ولا حق له في مراجعتها إلا برضاها، ولا يعتبر هذا الفراق طلاقا وإن وقع بلفظ الطلاق، وإنما هو فسخ للعقد لمصلحة المرأة مقابل ما افتدت به. قال ابن القيم -رحمه الله-: "والذي يدل على أنه ليس بطلاق: أن الله سبحانه وتعالى رتّب على الطلاق بعد الدخول الذي لم يستوف عدده ثلاثة أحكام، كلها منتفية عن الخلع: أحدها: أن الزوج أحق بالرجعة فيه. الثاني: أنه محسوب من الثلاث، فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد زوج وإصابة. ¬
الثالث: أن العدة فيه ثلاثة قروء. وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع. وثبت بالسنة وأقوال الصحابة أن العدة فيه حيضة واحدة. وثبت بالنص جوازه بعد طلقتين، ووقوع ثالثة بعده. وهذا ظاهر جدًا في كونه ليس بطلاق، فإنه سبحانه قال: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (¬1). وهذا وإن لم يختص بالمطلقة تطليقتين، فإنه يتناولها وغيرها، ولا يجوز أن يعود الضمير إلى من لم يُذكر، ويُخلي منه المذكور، بل إما أن يختص بالسابق أو يتناوله وغيره، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} (¬2) وهذا يتناول من طلقت بعد فدية وطلقتين قطعا لأنها هى المذكورة، فلا بد من دخولها تحت اللفظ، وهكذا فهم ترجمان القرآن الذي دعا له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يعلمه الله التأويل، وهي دعوة مستجابة بلا شك. وإذا كانت أحكام الفدية غير أحكام الطلاق، دل على أنها من غير جنسه، فهذا مقتضى النص، والقياس، وأقوال الصحابة" (¬3). ¬
العدة
العدة تعريفها: العدة: مأخوذة من العدد والإحصاء، أي ما تحصيه المرأة وتعده من الأيام والأقراء. وهي: اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها، إما بالولادة أو بالأقراء أو الأشهر. أنواعها: ومن مات عنها زوجها فعدّتها أربعة أشهر وعشرِ، دخل بها أم لمِ يدخل، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} (¬1). إلا أن تكون المدخول بها حاملا، فعدتها بوضع الحمل: قال تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (¬2). وعن المسور بن مخرمة: "أن سبيعة الأسلمية نفست بعد وفاة زوجها بليال، فجاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - استأذنته أن تنكح، فأذن لها، فنكحت" (¬3). والمطلقة قبل الدخول لا عدة عليها: لقوله تعالىْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} (¬4). والمطلقة بعد الدخول إن كانت حاملًا فعدتها بوضع العمل، لقوله تعالى: {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} (2). وعن الزبير بن العوام "أنه كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة، فقالت له وهي ¬
ما يجب على المتوفى عنها زوجها
حامل: طّيب نفسى بتطليقة، فطلقها تطليقة. ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت فقال: مالها خدعتنى خدعها الله؟! ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها" (¬1). وإن كانت من ذوات الحيض فعدتها ثلاث حيض، لقوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} (¬2). والقرء هو الحيضة، لحديث عائشة: "أن أم حبيبة كانت تستحاض، فسألت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمرها أن تدع الصلاة أيام أقرائها" (¬3). فإن كانت صغيرة لا تحيض، أو كبيرة قد يئست من الحيض، فعدتها ثلاثة أشهر. قال تعالى: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ} (¬4). ما يجب على المتوفى عنها زوجها: يجب عليها الإحداد حتى تنقضى عدتها. والإحداد: هو ترك الزينة والطيب، ولبس الحلى، ولبس الملون من الثياب، والخضاب والكحل: عن أم عطية قالت: "كنا ننهى أن نُحد على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل، ولا نطيّب، ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب، وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نُبذة من كست أظفار، وكنا ننهى عن اتباع الجنائز" (¬5). ¬
ما يجب على المعتدة من طلاق رجعى
وعن أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "المتوفى عنها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشق ولا الحلى، ولا تختضب، ولا تكتحل" (¬1). ما يجب على المعتدة من طلاق رجعى: يجب عليها أن تلزم بيت الزوجية حتى تنقضى عدتها، ولا يحل لها أن تخرج منه، ولا يحل لزوجها أن يخرجها، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} (¬2). المطلقة البائن: المطلقة ثلاثًا لا سكنى لها ولا نفقة، لحديث فاطمة بنت قيس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في المطلقة ثلاثًا قال: "ليس لها سكنى ولا نفقة" (¬3). ويلزمها أن تعتد في بيت أهلها، ولا يجوز لها الخروج إلا لحاجه: عن جابر بن عبد الله قال: طُلّقتَ خالتى، فأرادت أن تجد (*). نخلها فزجرها رجل أن تخرج، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "بلى، فجُدّى نخلك، فإنك عسى أن تَصَدّقى أو تفعلى معروفًا" (¬4). الاستبراء: إذا استحدث الرجل ملك أمة توطأ حرم عليه الاستمتاع بها حتى يستبرئها إن كانت حاملا بوضع العمل، وإن كانت من ذوات الحيض بحيضة. ¬
الحضانة
عن رويفع بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره" (¬1) وعن أبي سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في سبى أوطاس: "لا توطأ حامل حتى تضع، ولا غير حامل حتى تحيض حيضة" (¬2). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "إذا وهبت الوليدة التي توطأ، أو بيعت، أو عتقت، فليستبرأ رحمها بحيضة، ولا تستبرأ العذراء" (¬3). الحضانة: تعريفها: هى حفظ الطفل عما يضرّه، والقيام بمصالحه (¬4). وإذا فارق الرجل زوجته وله منها ولد، فهي أحق به إلى سبع سنين، ما لم تتزوج فهذا بلغ سبع سنين خُير بين أبويه، فايهما اختار ذهب به: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطنى له وعاء، وثديى له سقاء، وحجرى له حواء، وإن أباه طلقنى، وأراد أن ينتزعه مني فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنت أحق به ما لم تنكحى" (¬5). وعن أبي هريرة: "أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن زوجى يريد أن يذهب بابنى وقد سقانى من بئر أبى غبة، وقد نفعنى. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: هذا أبوك وهذه أمك، فخذ بيد أيهما شئت. فأخذ بيد أمه، فانطلقت به" (¬6). ¬
كتاب البيوع
كتاب البيوع
تعريفها
تعريفها: " البيوع: جمع بيع. وجُمِعَ لاختلاف أنواعه. والبيع: نقل ملك إلى الغير بثمن. والشراء قبوله. ويطلق كل منهما على الآخر. مشروعيتها: قال تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (¬1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} (¬2) وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا" (¬3). وأجمع المسلمون على جواز البيع، والحكمة تقتضيه، لأن حاجة الإنسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا، وصاحبه قد لا يبذله له، ففى تشريع البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج" (¬4). الحث على المكاسب: عن المقدام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أكل أحد طعاما قط خيرا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبى الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" (¬5). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يحتطب أحدكم حُزمة على ظهره خير من أن يسأل أحدا فيعطيه أو يمنعه" (¬6). ¬
لا بأس بالغنى لمن اتقى
لا بأس بالغنى لمن اتقى: عن معاذ بن عبد الله بن خُبيب عن أبيه عن عمه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس من النعيم" (¬1). الحث على الاقتصاد في طلب المعيشة: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أيها الناس اتقوا الله وأجملوا في الطلب فإن نفسًا لن تموت حتى تستوفى رزقها، وإن أبطأ عنها، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب، خذوا ما حلّ ودعوا ما حرم" (¬2). الحث على الصدق والتحذير من الكذب: عن حكيم بن حزام رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا، فان صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة: بيعهما" (¬3). عن عقبة بن عامر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بيّنه له" (¬4). ¬
الحث على السهولة والسماحة في الشراء والبيع
الحث على السهولة والسماحة في الشراء والبيع: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، وإذا اشترى، وإذا اقتضى" (¬1). فضل إنظار المعسر: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه تجاوزوا عنه، لعلّ الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه" (¬2). النهى عن الغش: عن أبي- هريرة قال: "مرّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - برجل يبيع طعامًا، فأدخل يده فيه، فإذا هو مغشوش فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس منّا من غشّ" (¬3). الحث على التبكير في طلب الرزق: عن صخر الغامدى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "اللهم بارك لأمتى في بكورها" (¬4). ما يقول إذا دخل السوق: عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال حين يدخل السوق: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى ويميت وهو حي لا يموت، بيده الخير كله، وهو على كل شيء قدير ¬
وأحل الله البيع
كتب الله له ألف ألف حسنة، ومحا عنه ألف ألف سيئة، وبنى له بيتا في الجنة" (¬1). وأحل الله البيع: والأصل جواز بيع كل شيء على أي نحو كان البيع، ما دام عن تراضٍ من المتبايعين، ما لم ينه الشارع. ما نهى عنه الشارع من البيوع: 1 - بيع الغرر: وهو كل بيع احتوى جهالة، أو تضمن مخاطرة أو قمارًا. عن أبي هريرة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬2). قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم (156/ 10): وأما النهى عن بيع الغرر فهو أصل عظيم من أصول كتاب البيوع، ولهذا قدمه مسلم، ويدخل فيه مسائل كثيرة غير منحصرة، كبيع الآبق، والمعدوم، والمجهول، وما لا يقدر على تسليمه، وما لم يتم ملك البائع عليه، وبيع السمك في الماء الكثير، واللبن في الضرع، وبيع الحمّل في البطن، وبيع بعض الصبرة مبهما، وبيع ثوب من أثواب، وشاة من شياه، ونظائر ذلك، وكل هذا بيعه باطل؛ لأنه غرر من غير حاجة. قال: فإن دعت حاجة إلى ارتكاب الغرر، ولا يمكن الاحتراز عنه إلا بمشقة، وكان الغرر حقيرا جاز البيع، ولذا أجمع المسلمون على جواز بيع الجبة المحشوة وإن لم يرحشوها، ولو بيع حشوها بانفراده لم يجز. ¬
قال: واعلم أن بيع الملامسة، وبيع المنابذة، وبيع حَبل الحبلة، وبيع الحصاة، وعسب الفحل وأشباهها من البيوع التي جاء فيها نصوص خاصة، هي داخلة في النهى عن بيع الغرر، ولكن أفردت بالذكر، ونهى عنها، لكونها من بياعات الجاهلية المشهورة. والله أعلم. أهـ بتصرف. بيع الملامسة والمنابذة: عن أبي هريرة أنه قال: "نُهى عن بيعتين: الملامسة والنابذة: أما الملامسة: فأن يلمس كلُّ واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل. والمنابذة: أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر، ولم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه" (¬1). وعن أبي سعيد الخدرى قال: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيعتين ولبستين: نهى عن الملامسة والمنابذة في البيع: والملامسة: لمس الرجل ثوب الآخر بيده، بالليل أو بالنهار، ولا يقلبه إلا بذلك. والمنابذة: أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه، وينبذ الآخر إليه ثوبه، ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض" (¬2). بيع حبل الحبلة: عن ابن عمر قال: "كان أهل الجاهلية يتبايعون لحم الجزور إلى حَبَل الحبَلةَ، وحَبَل الحبَلة: أن تنتج الناقة ثم تحمل التي نُتجت، فنهاهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك" (¬3). ¬
2 - بيع ما ليس عنده
بيع الحصاة: عن اْبى هريرة قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الحصاة، وعن بيع الغرر" (¬1). قال الإِمام النووى - رحمه الله - في شرح مسلم: (156/ 10): أما بيع الحصاة ففيه ثلاث تأويلات: أحدها: أن يقول: بعتك من هذه الأثواب ما وقعت عليه الحصاة التي أرميها، أو بعتك من هذه الأرض من هنا إلى ما انتهت إليه هذه الحصاة. والثانى: أن يقول: بعتك على أنك بالخيار إلى أن أرمى بهذه الحصاة. والثالث: أن يجعلا نفس الرمى بالحصاة بيعا، فيقول: إذا رميت هذا الثوب بالحصاة فهو مبيع منك بكذا. أهـ. عَسْب الفحل: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عَسْب الفحل" (¬2). 2 - بيع ما ليس عنده: عن حكيم بن حزام قال: قلت يا رسول الله، الرجل يسألنى البيع وليس عندي، أفابيعه؟ قال: "لا تبع ما ليس عندك" (¬3). 3 - بيع المبيع قبل قبضه: عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه". قال ابن عباس: "وأحسب كل شيء بمنزلة الطعام" (¬4). ¬
4 - البيع على بيع أخيه
وعن طاوس عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله" فقلت لابن عباس: لم؟ فقال: ألا تراهم يتبايعون بالذهب والطعامُ مرجأ" (¬1). 4 - البيع على بيع أخيه: عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يبع بعضكم على بيع بعض" (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال. "لا يَسُم المسلم على سوم أخيه" (¬3). 5 - بيع العينة: وهو أن يبيع شيئًا من غيره بثمن مؤجل ويسلّمه إلى المشترى، ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نقد أقل من ذلك القدر. عن ابن عمر: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذُلًّا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (¬4). 6 - بيع الأجل بزيادة في الثمن (بيع التقسيط): انتشر في هذه الأيام بيع الأجل بزيادة في الثمن، وهو المعروف ببيع التقسط، وهو -كما هو معلوم- بيع السلعة بأقساط مع زيادة في الثمن مقابل هذا التأجيل، كأن تكون السلعة نقدًا بألف -مثلا- فتباع بالتقسيط بألف ومائتين، وهذا البيع من البيوع المنهي عنها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. "من باع بيعتين في بيعة فله أو كسهما أو الربا" (¬5). ¬
ما لا يجوز بيعه
ما لا يجوز بيعه: 1 - الخمر: عن عائشة رضي الله عنها: "لما نزلت آيات سورة البقرة عن آخرها، خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حُرّمت التجارة في الخمر" (¬1). 2 - الميتة: والخنزير والأصنام: عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو بمكة عام الفتح: "إن الله ورسوله حرم بيع الخمر، والميتة، والخنزير، والأصنام، فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة، فإنه يُطلى بها السفن، ويُدهن بها الجلود، ويستصبح بها الناس؟ فقال: "لا، هو حرام" ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك: "قاتل الله اليهود، إن الله لما حرم شحومها جملوه، ثم باعوه فأكلوا ثمنه" (¬2). 3 - الكلب: عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغي، وحُلوان الكاهن (*) " (¬3). 4 - التصاوير التي فيها روح: عن سعيد بن أبي الحسن قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما إذ أتاه رجل فقال: يا أبا عباس إني إنسان إنما معيشتي من صنعة يدي، وإني أصنع هذه التصاوير. فقال ابن عباس لا أحدثك إلا ما سمعت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سمعته يقول: "من صَوَّر صورة فإن الله معذبه حتى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدًا. فرَبا الرجل ربوة شديدة واصفرّ وجهه. فقال: ويحك، إن أبيت إلا أن تصنع فعليك بهذا الشجر، كل شيء ليس فيه روح" (¬4). ¬
5 - الثمر قبل بدو صلاحه
5 - الثمر قبل بدو صلاحه: عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، "أنه نهى عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وعن النخل حتى يزهو. قيل: وما يزهو؟ قال: يحمارّ أو يصفارّ" (¬1). وعنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع الثمار حتى تزهى. فقيل له: وما تزهى؟ قال: حتى تحمر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرأيت إذا منع الله الثمرة، بم يأخذ أحدكم مال أخيه" (¬2). 6 - الزرع قبل اشتداد حَبّه: عن ابن عمر "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن بيع النخل حتى يزهو، وعن السنبل حتى يبيض (*)، ويأمن العاهة، نهى البائع والمشتري" (¬3). * * * ¬
الخيار
الخيار تعريفه: هو طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الإلغاء. أقسامه: 1 - خيار المجلس: ويثبت للمتعاقدين من حين العقد إلى أن يتفرقا، ما لم يتبايعا على أن لا خيار، أو يسقطاه بعد العقد، أو يسقطه أحدهما، فيسقط حقه ويبقى حق الآخر: عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكان جميعا، أو يخير أحدهما الآخر، فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع، وإن تفرقا بعد أن تبايعا، ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع" (¬1). وتحرم الفرقة من المجلس خشية الاستقالة: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البيّعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن تكون صفقة خيار، فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله" (¬2). 2 - خيار الشرط: وهو أن يشرطا، أو أحدهما الخيار إلى مدة معلومة، فيصح وإن طالت المدة. عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن المتبايعين بالخيار في بيعهما ما لم يتفرقا أو يكون البيع خيارا" (¬3). ¬
3 - خيار العيب: قد تقدم النهي عن كتمان العيب، فإذا اشترى الرجل سلعة معيبة ولم يدر بالعيب حتى تفرقا فله ردّ السلعة على بائعها: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من اشترى غنما مصرّاةً فاحتلبها فإن رضيها أمسكها، وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر" (¬1). عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تُصَرّوا الإبل والغنم، فمن ابتاعها بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها، إن شاء أمسك، وإن شاء ردّها وصاع تمر" (¬2). * * * ¬
الربا
الربا تعريفه: الربا -مقصور- وهو من ربا يربو، فيكتب بالألف. وأصل الربا: الزيادة، إما في نفس الشيء، كقوله تعالى: {اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} (*). وإما في مقابلة: كدرهم بدرهمين. حكمه: الربا محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (278) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (¬1). وقال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} (¬2). وقال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} (¬3). وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هنّ يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرّم الله إلا بالحق، واكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (¬4). ¬
أقسامه
وعن جابر قال: "لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، وقال: هم سواء" (¬1). وعن ابن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الربا ثلاثة وسبعون بابًا أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه" (¬2). وعن عبد الله بن حنظلة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" (¬3). وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أحد أكثر من الربا إلا كان عاقبة أمره إلى قلّة" (¬4). أقسامه: والربا قسمان: ربا النسيئة، وربا الفضل. فأما ربا النسيئة: فهو الزيادة المشروطة التي يأخذها الدائن من المدين نظير التأجيل. وهذا النوع محرم بالكتاب والسنة وإجماع الأمة. وأما ربا الفضل: فهو بيع النقود بالنقود، أو الطعام بالطعام مع الزيادة. وهو محرم بالسنة والإجماع؛ لأنه ذريعة إلى ربا النسيئة. الأصناف التي يحرم فيها الربا: ولا يجري الربا إلا في الأصناف الستة المنصوص عليها في هذا الحديث: ¬
عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبُرّ بالبُرّ، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلًا بمثل، سواءًا بسواء، يدًا بيد، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم، إذا كان يدا بيد" (¬1). فإذا بيع جنس من هذه الستة بجنسه كذهب بذهب، أو تمر بتمر حرم التفاضل وحرم النّساء، ولا بد من المماثلة في الوزن أو في الكيل، بغض النظر عن الجودة والرداءة، ولابد من التقابض في المجلس: عن أبي سعيد الخدرى رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا الوَرِق بالوَرِق إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها على بعض، ولا تبيعوا منها غائبا بناجز" (¬2). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء، والبُرّ بالبُرّ ربا إلا هاء وهاء، والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء، والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء" (¬3). وعن أبي سعيد قال: كنا نُرزَق تمر الجمع على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو الخلط من التمر، فكنا نبيع صاعين بصاع، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "لا صاعَيْ تمر بصاع، ولا صاعَيْ حنطة بصاع، ولا درهم بدرهمين" (¬4). وإذا بيع جنس من هذه الستة بغير جنسه كذهب بفضة، أو بُرّ بشعير جاز التفاضل بشرط أن يكون التقابض في المجلس: ¬
لقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث عبادة السابق: "فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد". ولقوله - صلى الله عليه وسلم - أيضًا في حديث عبادة عند أبي داود وغيره: "ولا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضة أكثرهما، يدا بيد، وأما نسيئة فلا، ولا بأس ببيع البُرّ بالشعير، والشعير أكثرهما، يدا بيد، وأما نسيئة فلا" (¬1). وإذا بيع جنس من هذه الستة بما يخالفه في الجنس والعلة كذهب ببُرّ، وفضة بملح جاز التفاضل والنسيئة. عن عائشة رضي الله عنها: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى طعاما من يهودي إلى أجل، فرهنه درعه" (¬2). وقال الأمير الصنعاني في "سبل السلام": (38/ 3): "واعلم أنه اتفق العلماء على جواز بيع ربوي بربوي لا يشاركه في الجنس، مؤجلًا ومتفاضلًا كبيع الذهب بالحنطة، والفضة بالشعير، وغيره من المكيل" أهـ. ولا يجوز بيع الرطب بما كان يابسًا إلا لأهل العرايا، وهم الفقراء الذين لا نخل لهم، فلهم أن يشتروه من أهل النخل رطبا يأكلونه في شجره، بخرصه تمرا. عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المزابنة. والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا" (¬3). وعن زيد بن ثابت رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رخص لصاحب العرية أن يبيعها بخرصها من التمر" (¬4). وإنما نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الرطب بالتمر لأن الرطب إذا يبس نقص: ¬
عن سعد بن أبي وقاص: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن بيع الرطب بالتمر، فقال: أينقص الرطب إذا يبس؟ قالوا: نعم، فنهى عن ذلك" (¬1). ولا يصح بيع ربوي بجنسه، ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسهما: عن فضالة بن عبيد قال: اشتريت يوم خيبر قلادة باثنى عشر دينارا، فيها ذهب وخرز، ففصّلتها فوجدت فيها أكثر من اثنى عشر دينارا. فذكرت ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تباع حتى تفصل" (¬2). * * * ¬
المزارعة
المزارعة تعريفها: المزارعة في اللغة: المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها. والمراد بها هنا: إعطاء الأرض لمن يزرعها على أن يكون له نصف ما يخرج منها أو نحوه. مشروعيتها: عن نافع أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أخبره: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع" (¬1). وقال البخاري (¬2): وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال: ما بالمدينة أهل بيت هجرة إلا يزرعون على الثلث والربع. وزارع عليّ وسعد بن مالك وعبد الله ابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبى بكر وآل عمر وآل عليّ وابنُ سيرين. ممن تكون المؤنة؟ ولا بأس بأن تكون المؤنة على رب الأرض، أو على العامل، أو عليهما: قال البخاري (¬3): وعامل عمر الناس على إن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر، وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا. قال: وقال الحسن: لا بأس أن تكون الأرض لأحدهما فينفقان جميعًا، فما خرج فهو بينهما، ورأى ذلك الزهري. ¬
ما لا يجوز في المزارعة
ما لا يجوز في المزارعة: ولا تجوز المزارعة على أن هذه القطعة لصاحب الأرض، وهذه القطعة للعامل. كما لا يجوز أن يقول صاحب الأرض لي منها كذا وكذا وسقًا. عن حنظلة بن قيس عن رافع بن خديج قال: حدثني عمّاى أنهم كانوا يكرون الأرض على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - بما ينبت على الأربعاء أو شيء يستثنيه صاحب الأرض، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك. فقلت لرافع: فكيف هى بالدينار والدرهم؟ فقال رافع: ليس بها بأس بالدينار والدرهم. وقال الليث: وكان الذي نُهى من ذلك ما لو نظر فيه ذوو الفهم بالحلال والحرام لم يجيزوه لما فيه من المخاطرة (¬1). وعن حنظلة أيضًا قال: سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زُجر عنه، فاما شيء معلوم مضمون فلا بأس به (¬2). المساقاة: تعريفها: المساقاة: هى دفع شجر معلوم لمن يقوم بمصالحه بجزء معلوم من ثمره كالنصف ونحوه. مشروعيتها: عن ابن عمر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر على ما يخرج منها من ¬
إحياء الموات
ثمر أو زرع" (¬1). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "قالت الأنصار للنبى - صلى الله عليه وسلم -: اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل. قال: لا. فقالوا: تكفونا المؤونة ونشرككم في الثمرة، قالوا: سمعنا وأطعنا" (¬2). إحياء الموات: تعريفه: الموات -بفتح الميم والواو الخفيفة-: الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة وإحياء الموات: أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم ملك عليها لأحد، فيحييها بالسقى أو الزرع أو الغرس أو البناء، فتصير بذلك ملكه (*). دعوة الإِسلام إليه: عن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعمر أرضا ليست لأحد فهو أحق" (¬3). قال عروة: قضى به عمر في خلافته. وعن جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحيا أرضً ميتة فهي له" (¬4). وعنه أيضًا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أحاط حائطا على أرض فهي له" (¬5). ¬
الإجارة
الإجارة تعريفها (*): الإجارة لغة: الإثابة. يقال: آجرته -بالمد وغير المد- إذا أثبته. واصطلاحا: تمليك منفعة رقبة بعوض. مشروعيتها: قال تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} (¬1). وقال تعالى: {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} (¬2). وقال تعالى: {فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها: "واستاجر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلًا من بني الدّيل ثم من بني عبد بن عدى هاديا خِريتا- الخريت: الماهر بالهداية .. " (¬4). ما يجوز إجارته: كل ما أمكن الانتفاع به مع بقاء عينه صحت إجارته ما لم يمنع من ذلك مانع شرعى. ويشترط أن تكون العين المؤجرة معلومة، والأجرة معلومة، وكذلك مدة الاستئجار ونوع العمل. ¬
أجر الأجراء
قال تعالى حكايته عن صاحب موسى أنه قال: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ} (¬1) الآيات. وعن حنظلة بن قيس قال: "سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق؟ فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زُجر عنه، فاما شيء معلوم مضمون فلا بأس به" (¬2). أجر الأجراء: عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أعطوا الأجير أجره، قبل أن يجف عرقه" (¬3). إثم من منع أجر الأجير: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال الله تعالى: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حُرا فكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره" (¬4). ما لا لمجوز الأجرة عليه: قال تعالى: {وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬5). ¬
أجرة قراءة القرآن
عن جابر: أن جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول يقال لها مسيكة، وأخرى يقال لها أميمة، فكان يكرهما على الزنا فشكتا ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأنزل الله: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء .. إلى قوله: غفور رحيم (¬1). وعن أبي مسعود الأنصارى رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن ثمن الكلب، ومهر البغى وحلوان الكاهن" (¬2). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:" نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن عَسْب الفحل" (¬3). أجرة قراءة القرآن: عن عبد الرحمن بن شبل الأنصارى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "اقرؤوا القرآن، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به، ولا تجفوا عنه، ولا تغلوا فيه" (¬4). وعن جابر بن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نقرأ القرآن، وفينا الاعرابى والعجمى، فقال: "اقرؤوا فكلٌّ حسن، وسيجئ أقوام يقيمونه كما يقام القدح، يتعجلونه ولا يتأجلونه" (¬5). وعن أبي سعيد الخدرى أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "تعلموا القرآن، وسلوا الله به الجنة، قبل أن يتعلمه قوم يسألون به الدنيا، فإن القرآن يتعلمه ثلاثة: رجل يباهى به، ورجل يستأكل به، ورجل يقرأه لله" (¬6). ¬
الشركة
الشركة تعريفها: الشركة: هى الاختلاط. "وشرعا: هى ما يحدث بالاختيار بين اثنين فصاعدًا من الاختلاط لتحصيل الربح. وقد تحصل بغير قصد كالإرث" (¬1). مشروعيتها: قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} (¬2). وقال تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} (¬3). وعن السائب أنه قال للنبى - صلى الله عليه وسلم -: "كنتَ شريكى في الجاهلية، فكنتَ خير شريك، كنتَ لا تدارينى ولا تمارينى" (¬4). الشركة الشرعية: قال الإِمام الشوكانى رحمه الله - في السيل الجرار (246/ 3)، (248/ 3). "والشركة الشرعية توجد بوجود التراض بين اثنين أو أكثر على أن يدفع كلّ واحد منهم من ماله مقدارًا معلوما، ثم يطلبون به المكاسب والأرباح، على أن ¬
لكل واحد منهم بقدر ما دفعه من ماله مما حصل لهم من الربح، وعلى كل واحد منهم بقدر ذلك مما لزم في المؤن التي تخرج من مال الشركة. فإن حصل التراض على الاستواء في الربح مع اختلاف مقادير الأموال كان ذلك جائزًا سائغا ولو كان مال أحدهم يسيرًا ومال غيره كثيرًا، وليس في مثل هذا بأس في الشريعة، فإنه تجارة عن تراض ومسامحة بطيبة نفس".
المضاربة
المضاربة تعريفها (¬1): " المضاربة": مأخوذة من الضرب في الأرض، وهو السفر للتجارة. وقال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} (¬2). وتسمى قراضًا: وهو مشتق من القرض، وهو القطع؛ لأن المالك قطع قطعة من ماله ليتجر فيها وقطعة من ربحه. والمقصود بها هنا: عقد بين طرفين على أن يدفع أحدهما نقدًا إلى الآخر ليتجر فيه، والربح بينهما على ما يتفقان عليه". مشروعيتها: قال ابن المنذر في كتابه "الإجماع" ص 124: "أجمعوا على أن القراض بالدنانير والدراهم جائز. وأجمعوا على أن للعامل أن يشترط على رب المال ثلث الربح، أو نصفه، أو ما يجتمعان عليه، بعد أن يكون ذلك معلوما، جزأ من أجزاء". وقد عمل به أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن زيد بن أسلم عن أبيه أنه قال: "خرج عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب في جيش إلى العراق، فلما قفلا مرّا على أبى موسى الأشعرى، وهو أمير على البصرة، فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به لفعلت، ثم قال: بلى، ههنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأسلفكما، فتبتاعان به متاعا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، ¬
العامل أمين
فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكبرن الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك، ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب أن يأخذ منهما المال، فلما قدما فأربحا، فلما دفعا ذلك إلى عمر قال: أكلّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين! فاسلفكما! أديًا المال وربحه. فاما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله فقال: ما ينبغى لك يا أمير المؤمنين هذا! لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله وراجع عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا؟ فقال: قد جعلته قراضا، فأخذ عمر رأس المال، ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر بن الخطاب نصف ربح المال" (¬1). العامل أمين: والمضاربة جائزة مطلقة ومقيدة، ولا يضمن العامل إلا بالتعدى والمخالفة: قال ابن المنذر: وأجمعوا على أن رب المال إذا نهى العامل أن يبيع بنسيئة فباع بنسيئة أنه ضامن (¬2). وعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالًا مقارضة يضرب له به: أن لا تجعل مالى في كبدٍ رطبة، ولا تحمله في بحر، ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئًا من ذلك فقد ضمنت مالى" (¬3). * * * ¬
السلم
السَّلَم تعريفه: السَّلَم بفتحتين: السَّلَف، وزنا ومعنى. وحقيقته شرعًا: بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل (*). مشروعيته: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} (¬1). قال ابن عباس: أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ .. الآية السابقة (¬2). وعنه قال: "قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وهم يسلفون بالتمر السنتين والثلاث فقال: "من أسلف في شيء ففى كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" (¬3). السَّلَم إلى من ليس عنده أصل: لا يشترط في السلم أن يكون المسلَّم إليه مالكًا للمسلّم فيه: عن محمَّد بن أبي المجالد قال: "بعثنى عبد الله بن شداد وأبو بردة إلى عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما فقالا: سله، هل كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون في الحنطة؟ قال عبد الله: كنا نُسلف نبيط أهل الشام في الحنطة والشعير والزيت في قيل معلوم إلى أجل معلوم. قلَت: إلى من كان أصله عنده؟ قال: ما كنا نسألهم عن ذلك. ثم بعثانى إلى عبد الرحمن بن أبزى فسألته، فقال: كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلفون على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم نسالهم ألهم حرث أم لا" (¬4). ¬
القرض
القرض فضله: عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يّسر على معسر يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه" (¬1). وعن ابن مسعود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقتها مرة" (¬2). التشديد فيه: عن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "من فارق الروحُ الجسدَ، وهو برئ من ثلاث دخل الجنة: من الكبر والغلول والدَّين" (¬3). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نفس المؤمن معلّقة بدينه حتى يقضى عنه" (¬4). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات وعليه دينار أو درهم قُضى من حسناته، ليس ثُمَّ دينار ولا درهم" (¬5). وعن أبي قتادة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام فيهم، فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال، فقام رجل فقال يا رسول الله، أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياى؟ فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر. ثم قال ¬
من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كيف قلت؟ قال: أرأيت إن قتلت في سبيل الله، أتكفر عني خطاياى؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "نعم. إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر، إلا الدّين، فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك" (¬1). من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أو إتلافها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله" (¬2). وعن شعيب بن عمرو قال: حدثنا صهيبُ الخير عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أيما رجل يدين دينا وهو مجمع أن لا يوفيه إياه، لقى الله سارقا" (¬3). الأمر بأداء الدّين: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)} (¬4). حُسن القضاء: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان لرجلٍ على النبي - صلى الله عليه وسلم - سنُّ من الإبل، فجاءه يتقاضاه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أعطوه، فطلبوا سنَّه فلم يجدوا إلا سنّا فوقها، فقال: أعطوه، فقال: أوفيتنى أوفى الله بك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن خياركم أحسنكم قضاء" (¬5). ¬
حسن المطالبة
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو في المسجد -قال مسعر: أراه قال ضُحىً- فقال: صل ركعتين. وكان لي عليه دين فقضانى وزادنى" (¬1). وعن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومى، عن أبيه، عن جده "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف منه حين غزا حنينا، ثلاثين أو أربعين ألفا، فلما قدم قضاها إياه. ثم قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد" (¬2). حُسن المطالبة: عن ابن عمر وعائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من طالب حقًا فليطلبه في عفاف، وافٍ أو غير وافٍ" (¬3) إنظار المعسر: قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (¬4). وعن حذيفة رضي الله عنه قال: سمعت النبي يقول: "مات رجل، فقيل له: ما كنت تقول؟ قال: كنت أبايع الناس، فأتجوز عن الموسر، وأخفف عن المعسر، فغفر له" (¬5). وعن أبي اليسر صاحب النبي قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أحب أن يظله الله في ظله فلينظِر معسرًا، أو ليضع عنه" (¬6). ¬
مطل الغنى (*) ظلم
مَطلُ الغنىِّ (*) ظُلمٌ: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"مَطل الغنى ظلم" (¬1). حبس القادر على الأداء إذا امتنع: عن عمرو بن الشّريد عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم: "لَىُّ الواجد (* *) يُحلّ عرضه وعقوبته" (¬2). كُلُّ قرض جرّ منفعة فهو ربا: عن أبي بردة قال: "قدمت المدينة فلقيت عبد الله بن سلام، فقال: انطلق معى إلى المنزل، فأسقيك في قدح شرب فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وتصلى في مسجدٍ صلّى فيه فانطلقت معه، فسقانى سويقا وأطعمنى تمرا، وصليت في مسجده، فقال لي: إنك في أرضٍ الربا فيها فاش، وإن من أبواب الربا أن أحدكم يقرض القرض إلى أجل، فإذا بلغ أتاه به وبسلة فيها هدية فاتق تلك السلة وما فيها" (¬3). ¬
الرهن
الرّهن تعريفه: الرهَن في اللغة: الاحتباس، من قولهم: رَهَن الشيء، إذا دام وثبت، ومنه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌْْ} (¬1). وفي الشرع: جعل مال وثيقة بدين، ليستوفى منه إن تعذر وفاؤه من المدين (*). مشروعيته: قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} (¬2). والتقييد بالسفر في الآية خرج للغالب، فلا مفهوم له، لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر. عن عائشة رضي الله عنها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اشترى من يهودى طعاما إلى أجل ورهنه درعه" (¬3). انتفاع المرتهن بالرهن: ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن، لما سبق في القرض: كل قرض جرّ نفعًا فهو ربا. إلا أن يكون الرهن مركوبًا أو محلوبًا، فيجوز له أن يركب المركوب، ويحلب المحلوب إذا أنفق عليه. عن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الظَهْر يُركب بنفقته إذا كان مرهونا, ولبن الدَّرِّ يُشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يَركب ويشرب النفقة" (¬4). ¬
الحوالة
الحوالة تعريفها: الحوالة: بفتح الحاء وقد تكسر، مشتقة من التحويل أو من الحئول، تقول: حال عن العهد إذا انتقل عنه حئولا. وهي عند الفقهاء: نقل دين من ذمّة إلى ذمّة. فمن كان عليه دين وله عند آخر فأحال دائنه على من له عنده وجب على الدائن التحول إذا كان المحال عليه ملياّ، لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"مَطلُ الغنَّى ظلم، فإذا أُتبع (*) أحدكم على ملىّ فليتبع" (¬1). الوديعة تعريفها: الوديعة: مأخوذة من ودع الشىء بمعنى يتركه: وسمى الشىء الذي يدعه الإنسان عند غيره ليحفظه له بالوديعة لأنه يتركه عند المودعَ. حكمها: وإذا استودع الرجل أخاه شيئًا استحب له قبوله إن علم من نفسه القدرة على حفظه لأن هذا من باب التعاون على البّر والتقوى. ويجب على المودعَ ردّ الوديعة متى طلبت منه، لقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (¬2). وقوله تعالى: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ} (¬3) ¬
ضمانها
ولقوله:- صلى الله عليه وسلم: "أد الأمانة إلى من ائتمنك .. " (¬1) ضمانها: ولا ضمان على المودّع إلا بالتفريط: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:"من أودع وديعة فلا ضمان عليه" (¬2). وعنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا ضمان على مؤتمن" (¬3). وعن أنس بن مالك: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضمّنه وديعة سُرقت من بين ماله" قال البيهقي: يحتمل أنه كان فرّط فيها، فضمنها إياه بالتفريط (¬4). * * * ¬
العارية
العارية تعريفها: عرفها الفقهاء بأنها إباحة المالك منافع ملكه لغيره بلا عوض. حكمها: وهي مستحبة، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" (¬2). وقد ذمّ الله سبحانه: {الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (¬3). وجوب ردّها: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} (¬4) ضمانها: والمستعير مؤتمن، لا ضمان عليه إلا بالتفريط، أو أن يشترط عليه المعير الضمان: عن صفوان بن يعلى عن أبيه قال: "قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إذا أتتك رسلى فأعطهم ثلاثين درعا، وثلاثين بعيرا، قال: فقلت يا رسول الله، أعارية مضمونة، أو عارية مؤداة؟ قال: بل مؤداة" (¬5). قال الأمير الصنعانى في سبل السلام (69/ 3): المضمونة: التي تضمن إن تلفت بالقيمة. والمؤداة: التي تجب تاديتها مع بقاء عينها، فإن تلفت لم تضمن بالقيمة. قال: والحديث دليل لمن ذهب إلى أنها لا تُضمن العارية إلا بالتضمين، وتقدم أنه أوضح الأقوال أهـ. ¬
اللقطة
اللقطة تعريفها: اللقطة: هى كل مال معصوم معرض للضياع لا يعرف مالكه. وكثيرا ما تطلق على ما ليس بحيوان، أما الحيوان فيقال له: ضالة. الواجب على الملتقط: من التقط مالًا وجب عليه أن يَعْرِفَ جنسه وعدده، ثم يُشْهِد ذا عدل، ثم يحفظه ويعرّفه سنة، فإن أخبره صاحبه بالعلامة دفعه إليه ولو بعد السنة، وإلا انتفع به: عن سويد بن غفلة قال: لقيت أُبيّ بن كعب قال: أصبت صُرةَ فيها مائة دينار، فأتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عرّفها حولًا، فعرّفتها حولًا، فلم أجد من يعرفها، ثم أتيته فقال: عرّفها حولًا، فعرّفتها فلم أجد، ثم أتيته ثلاثًا، فقال: احفظ وعاءها، وعددها، ووكاءها، فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها، فاستمتعت. فلقيته بعدُ بمكة فقال: لا أْدرى ثلاثة أحوال أو حولًا واحدًا (¬1). وعن عياض بن حمِار قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من وجد لقطة فليشهد ذا عدل أو ذوي عدل، ثم لا يغيره ولا يكتم، فإن جاء ربّها فهو أحق بها، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء" (¬2). ¬
ضالة الغنم والإبل
ضالّة الغنم والإبل: ومن وجد ضاّلة من الغنم أخذها وعرفها، فإن اعترفت وإلا ملكها، ومن وجد ضالة الإبل لم يحلّ له أخذها لأنه لا يخشى عليها: عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌّ النبىَّ - صلى الله عليه وسلم - فسأله عما يلتقطه فقال: عرّفها سنة، ثم اعرف عفاصها ووكاءها (*)، فإن جاء أحد يخبرك بها وإلا فاستنفقها. قال: يا رسول الله، فضالة الغنم؟ قال: لك أو لأخيك أو للذئب. قال: ضالة الإبل؟ فتعفَّر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: مالك ولها؟ معها حذاؤها وسقاؤها، ترد الماء وتأكل الشجر (¬1). حكم المأكول والشئ الحقير: ومن وجد مأكولًا في الطريق، فله أكله، ومن وجد شيئًا حقيرًا لا تتعلق به النفوس فله أخذه وتملكه. عن أنس رضي الله عنه قال: "مرّ النبي - صلى الله عليه وسلم - بتمرة في الطريق قال: لولا أنى أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها" (¬2). لقطة الحرم: وأما لقطة الحرم فلا يجوز التقاطها إلا لتعريفها أبدا، ولا يجوز تملكها بعد سنة كغيرها: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله حرّم مكة، فلم تحل لأحد قبلى ولا تحل لأحد بعدي، وإنما أُحلت لي ساعة من نهار، لا يُختلى خلاها، ولا يُعضد شجرها، ولا ينفّر صيدها، ولا تلتقط لقطتها إلا لمعرّف" (¬3). ¬
اللقيط
اللقيط تعريفه: اللقيط: هو الطفل غير البالغ الذي يوجد في الشارع أو ضال الطريق أو لا يعرف نسبه. حكم التقاطه: والتقاطه فرض كفاية، لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (¬1). إسلامه وحريته والنفقة عليه: وإذا وُجد في دار الإِسلام حكم بإسلامه، ويحكم بحريته أينما وُجد؛ لأن الحرية هى الأصل في الآدميين، وان كان معه مال أنفق عليه منه، وإلا فنفقته على بيت المال. عن سُنين أبى جميلة -رجل من بني سليم- قال: "وجدت ملقوطا، فأتيت به عمر بن الخطاب، فقال عريفى: يا أمير المؤمنين إنه رجل صالح، فقال عمر: اكذلك هو؟ قال: نعم: فقال: اذهب به، وهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته" (¬2). ميراث اللقيط واذا مات اللقيط وترك ميراثا ولم يخلّف وارثًا، كان ميراثه لبيت المال، وكذا ديته إن قتل. ادعاء نسبه: ومن ادعى نسبه من ذكر أو أنثى أُلحق به متى كان وجوده منه ممكنًا فإن ادعاه اثنان أو أكثر ثبت نسبه لمن أقام البينة على دعواه، فإن لم تكن، عُرض على القافة ¬
الهبة
ادعاه اثنان أو أكثر ثبت نسبه لمن أقام البينة على دعواه، فإن لم تكن، عُرض على القافة الذين يعرفون الأنساب بالشبه، ثم أُلحق بمن حكم له القائف أنه ولده: عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل على النبي - صلى الله عليه وسلم - مسرورًا تبرق أسارير وجهه فقال: ألم ترى أن مجزرًا المدلجى نظرًا آنفًا إلى زيد وأسامة وقد غطّيا رؤوسهما وبدت أقدامهما فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض" (¬1). فإن حكم القائف أنه لاثنين ألحق بهما: فعن سليمان بن يسار عن عمر في امرأة وطئها رجلان في طهر، فقال القائف: قد اشتركا فيه جميعًا، فجعله عمر بينهما" (¬2). الهبة تعريفها: الهبة: بكسر الهاء وتخفيف الباء الموحدة - هى: تمليك الإنسان ماله لغيره في الحياة بلا عوض. التحريض عليها: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فِرسَنَ (*) شاة" (¬3) وعنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "تهادوا تحابُّوا" (¬4). قبول القليل من الهبة: ¬
ما لا يرد من الهدية
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو دُعيت إلى ذراع أو كُراع لأجبت، ولو أهدى إلىّ ذراع أو كُراع لقبلت" (¬1). ما لا يُرد من الهدية: عن عَزرة بن ثابت الأنصارى قال: حدثني ثمامة بن عبد الله قال: دخلت عليه فناولنى طيبا قال: "كان أنس - رضي الله عنه - لا يرد الطيب. قال: وزعم أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لا يرد الطيب" (¬2). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ثلاث لا ترد: الوسائد، والدهن، واللبن" (¬3). المكافأة في الهبة: عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية ويثيب عليها" (¬4). مَن أولى بالهدية؟ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "قلت يا رسول الله، إن لي جارين، فإلى أيّهما أُهدى؟ قال: "إلى أقربهما منك بابا" (¬5). وعن كُريب مولى ابن عباس: أن ميمونة بنت الحارث - رضي الله عنها - أخبرته أنها أعتقت وليدة ولم تستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما كان يومها الذى يدور عليها فيه ¬
حرمة تفضيل بعض الأولاد في الهبة
قالت: أشعرت يا رسول الله أنى أعتقت وليدتى؟ قال: "أو فعلت"؟ قالت: نعم. قال: "أما إنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك" (¬1). حرمة تفضيل بعض الأولاد في الهبة: عن النعمان بن بشير قال: تصدّق علىّ أبى ببعض ماله. فقالت أمى عَمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تُشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانطلق أبى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ليشهده على صدقتى، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أفعلت هذا بولدك كلهم"؟ قال: لا. قال: "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم" فرجع أبى، فردّ تلك الصدقة. وفي رواية قال: "فلا تُشْهِدْنى إذًا، فإنى لا أشهد على جور". وفي رواية: ثم قال: "أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواءً؟ قال: بلى. قال: "فلا إذا" (¬2). لا يحل لأحد أن يرجع في هبته ولا يشتريها: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لنا مثل السوء، الذي يعود في هبته كالكلب يرجع في قيئه" (¬3). وعن زيد بن أسلم عن أبيه، سمعت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يقول: حملت على فرس في سبيل الله، فأضاعه الذي كان عنده، فأردت أن أشتريه منه، وظننت أنه بائعه برخص فسألت عن ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "لا تشتره، وإن أعطاكه بدرهم واحد، فإن العائد في صدقته كالكلب يعود في قيئه" (¬4). ¬
ويستثنى من ذلك الوالد فيما يعطى ولده
ويستثنى من ذلك الوالد فيما يعطى ولده: عن ابن عمر وابن عباس يرفعان الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل للرجل أن يعطى العطية ثم يرجع فيها، إلا الوالد فيما يعطى ولده" (¬1). وإذا رد المهدي إليه الهدية فلا كراهة للمهدى في قبولها: عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى في خميصة (*) لها أعلام، فنظر إلى أعلامها نظرة، فلما انصرف قال: "اذهبوا بخميصتى هذه إلى أبى جهم وأئتونى بأنبجانية أبى جهم فإنها ألهتنى آنفا عن صلاتي" (¬2). وعن الصعب بن جثّامة الليثى- وكان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه أهدى لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمارًا وحشيًا وهو بالأبواء- أو بودّان -وهو محرم، فرده. قال صعب: فلما عرف في وجهى رده هديتى، قال: ليس بنا ردّ عليك، ولكنا حرم" (¬3). من تصدق بصدقة ثم ورثها: عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إنى تصدقت على أمى بجارية، وإنها ماتت. فقال: "آجرك الله، ورد عليك الميراث" (¬4). هدايا العمال غلول: عن أبي حميد الساعدى - رضي الله عنه - قال: استعمل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أُهدى لي. فقام ¬
العمرى والرقبى
النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: "ما بال العامل نبعثه فيأتى فيقول: هذا لك وهذا لي، فهلا جلس في بيت أبيه وأمه فينظر أيُهدى له أم لا؟ والذي نفسى بيده، لا يأتى بشئ إلا جاء به يوم القيامة يحمله على رقبته، إن كان بعيرًا له رُغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" - ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتى إبطيه- "ألا هل بلغت"ثلاثًا" (¬1). العمرى والرقبى: تعريفهما: هما نوع من الهبة موقّت بوقت: فالعمرى: بضم المهملة وسكون الميم مع القصر، مأخوذ من العمر. والرقبى: بوزن العمرى، مأخوذة من المراقبة. لأنهم كانوا يفعلون ذلك في الجاهلية فيعطى الرجل الدار ويقول له: أعمرتك إياها، أي أبحتها لك مدة عمرك، فقيل لها عمرى لذلك وكذا قيل لها رقبى لأن كلًا منهما يرقب متى يموت الآخر لترجع إليه. وقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا التوقيت ملغيًا، وجعل كلًا من العمرى والرقبى لمن وهبت له حياته ولورثته من بعده، لا ترجع للواهب: عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "العمرى جائزة لمن أُعمرها، والرقبى جائزة لمن أُرقبها" (¬2). وعنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من أعمر رجلًا عُمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها، فهي لمن أُعمر ولعقبه" (¬3). وعنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها، فإنه من أعمر عُمرى فهي للذى أُعمرها حيًّا وميّتًا ولعقبه" (¬4). ¬
الغصب
الغصب تعريفه: الغصب: أخذ حق الغير بغير حق. حكمه: وهو ظلم، والظلم ظلمات يوم القيامة: قال تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ} (¬1). وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (¬2). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطبة الوداع: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" (¬3). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن" (¬4). حرمة الانتفاع بالمغصوب: ويحرم على الغاصب الانتفاع بالمغصوب، ويجب عليه ردّه: عن عبد الله بن السائب بن يزيد عن أبيه عن جده أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يأخذ أحدكم متاع أخيه، لا لاعبأ ولا جادًا، ومن أخذ عصا أخيه فليردها" (¬5). ¬
من قتل دون ماله فهو شهيد
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أُخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه" (¬1). من قُتل دون ماله فهو شهيد: ويجوز للإنسان الدفاع عن نفسه وماله إذا قصده آخر لقتله أو أخذ ماله: عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالى؟ قال: "فلا تعطه مالك". قال: أرأيت إن قاتلنى؟ قال: "قاتله". قال: أرأيت إن قتلنى؟ قال: "فأنت شهيد". قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: "هو في النار" (¬2). غصب الأرض: عن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ظلم من الأرض شيئًا طوّقه من سبع أرضين" (¬3). وعن سالم عن أبيه رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من أخذ من الأرض شيئًا بغير حقه خُسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" (¬4) ومن غصب أرضًا فغرسها أو بني فيها أُلزم بقلع الغرس، وهدم البناء: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليس لعرقٍ ظالمٍ حق" (¬5). ¬
الشفعة
وإن كان زرعها، أخذ نفقته والزرع للمالك: عن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شىء، وله نفقته" (¬1). الشفعة تعريفها: الشُفْعة: بضم المعجمة وسكون الفاء، وهي لغة مأخوذة من الشفع وهو الزوج. وفي الشرع: انتقال حصة شريك إلى شريك، كانت انتقلت إلى أجنبى بمثل العوض المسمى. ما تكون فيه الشفعة: عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: "قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصُرفت الطرق فلا شفعة" (¬2). فمن كان له شريك في أرض أو حائط أو دار ونحو ذلك، فلا يبيع حتى يعرض على شريكه، فإن باع قبل العرض عليه فهو أولى بالمبيع: عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كانت له نخل أو أرض فلا يبيعها حتى يعرضها على شريكه" (¬3). وعن أبي رافع قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشريك أحق بسّقَبِه (*) ما كان" (¬4). ¬
الشفعة بالجوار إذا كان بينهما حق مشترك
الشفعة بالجوار إذا كان بينهما حق مشترك: وإذا كان بين الجارين حق مشترك من طريق أو ماء ثبتت الشفعة لكّل منهما، فلا يبيع أحدهما حتى يستأذن جاره، وإن باع من غير إذنه كان أولى بالمبيع: عن جابر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الجار أحق بشفعة جاره، يُنتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا" (¬1). وعن أبي رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجار أحق بسقبه" (¬2). الوكالة تعريفها: الوكالة -بفتح الواو، وقد تكسر- التفويض والحفظ، تقول: وكّلت فلانًا إذا استحفظته، ووكلت الأمر إليه، إذا فوضته إليه. وهي في الشرع: إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقًا أو مقيدا. مشروعيتها: وهي مشروعة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: قال تعالى: {وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا} (¬3). وعن أبي رافع قال: تزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ميمونة حلالًا، وبنى بها حلالًا ¬
ما تجوز فيه الوكالة
وكنت الرسول بينهما (¬1)، ووكل في استيفاء الديون (¬2) وإقامة الحدود (¬3)، وغير ذلك. وأجمع المسلمون على جوازها، بل على استحبابها؛ لأنها نوع من التعاون على البر والتقوى، إذ ليس كل إنسان قادرا على مباشرة أموره بنفسه، فيحتاج إلى توكيل غيره ليقوم بها نيابة عنه. ما تجوز فيه الوكالة: وكل ما جاز للإنسان التصرف فيه بنفسه جاز له أن يوكل فيه أو يتوكل. الوكيل أمين: والوكيل أمين فيما يقبضه وفيما يصرفه، ولا يضمن إلا بالتعدى: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا ضمان على مؤتمن" (¬4). * * * ¬
كتاب الأيمان والنذور
كتاب الأيمان والنذور
الأيمان
الأيمان: تعريفها: الأيمان -بفتح الهمزة- جمع يمين. وأصل اليمين في اللغة: اليد. وأطلقت على الحلف لأنهم كانوا إذا تحالفوا أخذ كلٌّ بيمين صاحبه. وهي في الشرع: توكيد الشيء بذكر اسمٍ أو صفةٍ لله. بم تنعقد اليمين: ولا تنعقد اليمين إلا بالله تعالى، أو اسم من أسمائه، أو صفة من صفاته: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدرك عمر بن الخطاب هو يسير في ركب يحلف بأبيه، فقال: ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت (¬1). عن أنس بن مالك، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيد، حتى يضع ربّ العزة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعزتك، ويُزوى بعضها إلى بعض" (¬2). الحلف بغير الله شرك: عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك" (¬3). ¬
شبهة وجوابها
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف منكم فقال في حلفه: باللات. فليقل لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك. فليتصدق" (¬1). شبهة وجوابها: يعتذر البعض عن حلفهم بغير الله أنهم يخافون الكذب، مع قول الله تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ .. } (¬2). وجواب هذه الشبهة: ما رواه مسعر بن كدام عن وبرة بن عبد الرحمن قال: قال عبد الله: "لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إلىّ من أن أحلف بغيره صادقًا" (¬3). أما الآية فمعناها كما ذكر ابن كثير - رحمه الله - عن ابن عباس قال: لا تجعلنّ عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير. قال ابن كثير: وكذا قال مسروق والشعبى وإبراهيم النخعى ومجاهد وطاوس وسعيد بن جبير وعطاء وعكرمة ومكحول والزهرى والحسن وقتادة ومقاتل بن حيان والربيع بن أنس والضحاك وعطاء الخراسانى والسدّى رحمهم الله. أهـ (¬4). من حلف بملّة غير الإِسلام: عن ثابت بن الضحاك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ¬
من حلف له بالله فليرض
"من حلف بملّة سوى الإِسلام كاذبًا متعمّدًا، فهو كما قال" (¬1). وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال: إنى برئ من الإِسلام، فإن كان كاذبًا فهو كما قال، وإن كان صادقًا لم يَعُد إليه الإِسلامُ سالمًا" (¬2). من حُلِف له بالله فليرض: عن ابن عمر قال: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلًا يحلف بأبيه فقال: "لا تحلفوا بآبائكم. من حَلَفَ بالله فليصدق. ومن حُلِفَ له بالله فليرض، ومن لم يرض بالله فليس من الله" (¬3). وعن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "رأى عيسى بن مريم رجلًا يسرق، فقال: أسرقت؟ قال: لا. والذي لا إله إلا هو. فقال عيسى: آمنت بالله، وكذّبت بصرى" (¬4). أقسام اليمين: تنقسم الأيمان أقسامًا ثلاثة: 1 - اليمين اللغو. 2 - اليمين الغموس. 3 - اليمين المنعقدة. ¬
اليمين اللغو وحكمها
اليمين اللغو وحكمها: لغو اليمين: هو الحلف من غير قصد اليمين، كقول الرجل: والله لتأكلنّ، أو لتشربنّ ونحو ذلك، لا يريد به يمينا. ولا ينعقد هذا اليمين، ولا يؤاخذ به الحالف. قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬1). وقال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها: "لا يؤاخذكم الله باللغو" قالت: أنزلت في قوله: لا والله، وبلى والله" (¬3). اليمين الغموس وحكمها: هى اليمين الكاذبة التي تُهضم بها الحقوق، أو التي يقصد بها الفسق والخيانة. وسميت بذلك لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار. وهى من أكبر الكبائر، ولا كفارة فيها, لأن الله يقول {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (2)، وهذه يمين غير منعقدة لأن المنعقد ما يمكن حلّه، ولا يتأتى في اليمين الغموس البرُّ أصلًا. قال تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬4). قال الطبرى - رحمه الله -: ¬
اليمين المنعقدة وحكمها
معنى الآية: لا تجعلوا أيمانكم التي تحلفون بها على أنكم توفون بالعهد لمن عاهدتموه، دخلًا أي خديعة وغدرا، ليطمئنوا إليكم وأنتم تضمرون لهم الغدر" أهـ (¬1). وعن عبد الله بن عمرو عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خمس ليس لهن كفارة: الشرك بالله عَزَّ وَجَلَّ، وقتل النفس بغير حق، أو نهب مؤمن، أو الفرار من الزحف، أو يمين صابرة يقتطع بها مالًا بغير حق" (¬3). اليمين المنعقدة وحكمها: اليمين المنعقدة هى اليمين التي يقصدها الحالف ويصمّم عليها، توكيدًا لفعل شيء أو تركه. فإن برّ بيمينه فلا شىء عليه، وإن حنث فعليه الكفارة، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} (¬4). وقوله {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (¬5). مبنى الأيمان على النية: عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنما الأعمال بالنية" (¬6) فمن حلف على شيء، وورّى بغيره، فالعبرة بنيته لا بلفظه: عن سُويد بن حنظلة قال: خرجنا نريد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعنا وائل بن حجر، ¬
لا حنث مع النسيان أو الخطأ
فأخذه عدوُّ له. فتحرّج الناس أن يحلفوا، فحلفت أنا أنه أخي فخلّى سبيله. فأتينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته أن القوم تحرجوا أن يحلفوا، وحلفت أنا أنه أخي. فقال: "صدقت المسلم أخو المسلم" (¬1). وإنما تعتبر نية الحالف إذا لم يُستحلف، فإذا استُحلف فاليمين على نية المستحلِف. عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما اليمين على نية المستحلِف" (¬2). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يمينك على ما يصدقك به صاحبك" (¬3). لا حنث مع النسيان أو الخطأ: من حلف أن لا يفعل شيئًا ففعله ناسيًا أو خطأ فإنه لا يحنث: لقوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} وفي الحديث أن الله قال: "نعم" (¬4). الاستثناء في اليمين: ومن حلف فقال: إن شاء الله فقد استثنى ولا حنث عليه: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: قال سليمان بن داود نبى الله: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، كلهم تأتى بغلام يقاتل في سبيل الله. فقال له صاحبه، أو الملك: قل إن شاء الله، فلم يقل ونسى، فلم تأت واحدة من نسائه، إلا واحدة ¬
من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها
جاءت بشق غلام". فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ولو قال: إن شاء الله، لم يحنث، وكان دَرَكًا له في حاجته" (¬1). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف واستثنى، إن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حانث" (¬2). من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها، فليأت الذي هو خير، وليكفّر عن يمينه" (¬3). النهى عن الإصرار على اليمين: قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (¬4). قال ابن عباس: لا تجعلنّ عرضة ليمينك أن لا تصنع الخير، ولكن كفّر عن يمينك واصنع الخير (¬5). وعن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "والله لأن يلج (*) أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطى كفارته التي فرض الله" (¬6). ¬
كفارة اليمين
كفارة اليمين: من حنث في يمينه فكفارته إحدى هذه الخصال: 1 - إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم. 2 - أو كسوتهم. 3 - أو تحرير رقبة. فمن عجز عن هذه الخصال فكفارته صيام ثلاثة أيام، ولا يجوز التكفير بالصوم مع القدرة على إحدى الخصال الثلاث السابقة. قال تعالى: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} (¬1). الحلف بالحرام: ومن قال: طعامى علىّ حرام، أو دخول دار فلان علىّ حرام، ونحو ذلك، لم يحرم، وعليه إن فعل كفارة يمين: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬2). عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يشرب عسلا عند زينب ابنة جحش ويمكث عندها، فواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له أكلت مغافير؟ إنى أجد منك ريح مغافير. قال: لا, ولكنى كنت أشرب عسلا عند زينب ابنة جحش فلن أعود له، وقد حلفت لا تخبرى بذلك أحدًا" (¬3). وعن ابن عباس قال: في الحرام يكَفّر "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة" (¬4). ¬
النذور
النذور تعريفها: النذور: جمع نذر، وأصله الإنذار بمعنى التخويف. وعرّفه الراغب بأنه إيجاب ما ليس بواجب لحدوث أمر. مشروعيتها: قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} (¬1). وقال تعالى: {ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} (¬2). وقد مدح الله الموفين بالنذر فقال: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه" (¬4). النهى عن النذر المعلّق: عن عبد الله بن عمر قال: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن النذر وقال: إنه لا يردُّ شيئًا، ولكنه يستخرج به من البخيل" (¬5). وعن سعيد بن الحارث أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما يقول: أولم ينهوا عن النذر؟ إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن النذر لا يقدّم شيئًا ولا يؤخّر، وإنما يستخرج بالنذر من البخيل" (¬6). ¬
متى يصح ومتى لا يصح
متى يصح ومتى لا يصح: يصح النذر وينعقد إذا كان قربة يتقرب بها إلى الله سبحانه، ويجب الوفاء به، لحديث عائشة السابق "من نذر أن يطيع الله فليطعه". ولا يصح النذر في المعصية، ولكن تجب به كفارة اليمين: عن عائشة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا نذر في معصية، وكفارته كفارة يمين" (¬1). وأما النذر المباح مثل أن ينذر أن يحج ماشيًا أو يقوم في الشمس، فلا ينعقد، ولا يجب به شيء: عن أبي هريرة قال: "رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيخًا يمشي بين ابنيه يتوكأ عليهما فقال: ما شأن هذا؟ قال ابناه: يا رسول الله كان عليه نذر فقال - صلى الله عليه وسلم -: اركب أيها الشيخ، فإن الله غنى عنك وعن نذرك" (¬2). وعن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرّ برجل بمكة وهو قائم في الشمس، فقال: ما هذا؟ قالوا: نذر أن يصوم ولا يستظل إلى الليل، ولا يتكلم، ولا يزال قائما. قال: "ليتكلم وليستظل وليجلس وليتم صومه" (¬3). من نذر ثم عجز عن الوفاء: من نذر طاعة ثم عجز عن الوفاء بما نذر فعليه كفارة يمين: عن عقبة بن عامر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "كفارة النذر كفارة اليمين" (¬4). من نذر ثم مات: ومن نذر نذرًا ثم مات قبل أن يقضيه قضاه عنه وليّه: عن ابن عباس أنه قال: استفتى سعد بن عبادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في نذر كان على أمه تُوفيت قبل أن تقضيه. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فاقضه عنها" (¬5). ¬
كتاب الأطعمة
كتاب الأطعمة
ما يحرم من الأطعمة
الأطعمة: جمع طعام، وهي ما يأكله الإنسان ويتغذى به من الأقوات وغيرها. والأصل فيها الحل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} (¬1). وقال تعالى: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (¬2). ولا يحرم من الأطعمة إلا ما حرمه الله في كتابه أو على لسان رسوله، وتحريمُ ما لم يحرّمه الله افتراء على الله: قال تعالى {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59) وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (¬3). وقال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4) ما يحرم من الأطعمة: قال تعالى {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (¬5) ¬
ما يلحق بالميتة
فالله تعالى قد فصّل لنا ما يحرم علينا تفصيلًا كافيا، وبينه بيانًا وافيا: قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ} (¬1) وقال تعالى {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (¬2) وقال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} (¬3). وقال تعالى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬4). ما يلحق بالميتة: ويلحق بالميتة في التحريم ما قطع من البهيمة وهي حّية: لحديث أبى واقد الليثى قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "ما قطع من البهيمه وهى حيه ميتة" (¬5). ما يستثنى من الميتة والدم: عن ابن عمر - رضي الله عنهما -:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "احلت لنا ميتتان ودمان. أما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال" (¬6). ¬
تحريم الحمر الأهلية
تحريم الحمر الأهلية: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جاءه جاء فقال أُكلت الحمر. ثم جاءه جاءٍ فقال: أكلت الحمر. ثم جاءه جاء فقال: أُفنيت الحمر. فأمر مناديا فنادى في الناس: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس. فاكفئت القدور، وإنها لتفور باللحم" (¬1). تحريم أكل كل ذى ناب من السباع وكل ذى مخلب من الطير: عن ابن عباس قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن كلِّ ذى ناب من السباع، وعن كلِّ ذى مخلب من الطير" (¬2). تحريم الجلاّلة: الجلالة: هى التي أكثر علفها النجاسة. ويحرم اكلها وشرب لبنها، وركوبها. عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن لحوم الجلالة وألبانها" (¬3). وعنه قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجلالة في الإبل: أن يركب عليها، أو يشرب من ألبانها" (¬4). متى تحلّ الجلاّلة؟ وإذا حُبست ثلاثا: وعُلفت الطاهر، جاز ذبحها واكلها: ¬
إباحة كل ما حرم عند إلاضطرار
عن ابن عمر: "أنه كان يحبس الدجاجة الجلالة ثلاثًا" (¬1). إباحة كل ما حُرم عند إلاضطرار: قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2). وقال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬3). قال ابن كثير - رحمه الله - (14/ 12): أي: فمن احتاج إلى تناول شىّ من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى، لضرورة ألجأته إلى ذلك، فله تناوله، والله غفور رحيم له؛ لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر، وافتقاره إلى ذلك، فيتجاوز عنه، ويغفر له. وفي المسند وصحيح ابن حبان عن ابن عمر مرفوعًا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله يحب أن تؤتى رخصه، كما يكره أن تؤتى معصيته" (¬4). ولهذا قال الفقهاء: قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان، وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها. وقد يكون مندوبا، وقد يكون مباحا؛ بحسب الأحوال. واختلفوا: هل يتناول منها قدر ما يسدٌ به الرمق، أَوْله أن يشبع، أو يشبع - ويتزود؟ على أقوال، كما هو مقرر في كتاب الأحكام. قال: وليس من شرط جواز تناول الميتة أن يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما، كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم، بل متى اضطر إلى ذلك جاز له. أهـ. ¬
الذكاة الشرعية
الذكاة الشرعية: تعريفها: الذكاة في الأصل: معناها التطيب. ومنه: رائحة ذكيّة، أي طيّبة. وسمى بها الذبح لأن الإباحة الشرعية جعلته طيّبا. والمقصود بها هنا: ذبح الحيوان أو نحره، فإن الحيوان الذي يحل أكله لا يجوز أكل شيء منه إلا بالتذكية، ما عدا السمك والجراد. من تحل ذبيحته: تحل ذكاة كل مسلم وكتابى، ذكرًا كان أو أنثى: قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُم} وقال البخارى: قال ابن عباس: طعامعهم ذبائحهم (¬1). وعن كعب بن مالك: "أن امرأة ذبحت شاة بحجر، فسئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك، فأمر بأكلها" (¬2). آلة الذبح: وتجوز الذكاة بكل ما يجرح إلا بالسنّ والظفر. عن عباية بن رفاعة عن جده أنه قال: يا رسول الله، ليس لنا مُدى، فقال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل، ليس الظفر والسن، أما الظفر فمدى الحبشة، وأما السنن فعظم" (¬3). ¬
صفة الذبح
عن شداد بن أوس قال: ثنتان حفظتهما عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله كتب الإحسان علي كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فاحسنوا الذبح، وليحدّ أحدكم شفرته، فليرح ذبيحته" (¬1). صفة الذبح: الحيوان قسمان: مقدور على ذكاته،. وغير مقداور. فما قدر على ذكاته فذكاته في حلقه ولبته. وما لم يقدر على ذكاته فذكاته عقره حيث قدر عليه. عن ابن عباس قال: الذكاة في الحلق واللّبه. وقال ابن عمر وابن عباس وأنس: إذا قطع الرأس فلا بأس. وعن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله، إنا لاقوا العدو غدا، وليست معنا مدى. فقال: "اعجل- أو أرِن- ما أنهر الدم وذُكر اسم الله فكل، ليس السن والظفر، وسأحدثك: أما السنّ فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة". وأصبنا نهب إبل وغنم، فندّ منها بعير، فرماه رجل بسهم فحبسه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا" (¬2). ذكاة الجنين: إذا خرج الجنين من بطن أمه وفيه حياة مستقرة وجب أن يذكى. وإن خرج ميتا فذكاة أمه ذكاة له. ¬
التسمية على الذبيحة
عن أبي سعيد قال: سألنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الجنين فقال: "كلوه إن شئتم، فإن ذكاته ذكاة أمه" (¬1). التسمية على الذبيحة: التسمية على الذبيحة شرط في حلّها، فمن تركها عامدًا لم تحل ذبيحته. قال تعالى: {فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} (¬2). وقال تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} (¬3). وعن رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل" (¬4). استقبال القبلة: ويستحب أن يوجه الذبيحة نحو القبلة ويقول كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الآتى: عن جابر بن عبد الله قال: "ذبح النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الذبح كبشين أقرنين أملحين موجئين فلما وجههما قال: إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض على ملة إبراهيم حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتي ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك عن محمد وأمته، بسم الله والله أكبر، ثم ذبح" (¬5). ¬
الصيد
الصيد: قال تعالى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} (¬1). وقال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} (¬2). وصيد البحر جائز في كل حال، وكذلك صيد البر، إلا في حالة الإحرام: قال تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} (¬3). من يحلّ صيده: يحلّ صيد من تحلّ ذبيحته. آلة الصيد: الصيد قد يكون بالسلاح الجارح كالسيف والسكين والسهم، وقد يكون بالجوارح: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} (¬4). وقال تعالى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} ويشترط في الصيد بالسلاح أن يخرق جسم الصيد وينفذ فيه. ¬
الصيد بالكلب غير المعلم
ويشترط في الصيد بالجوارح أن تكون معلّمة، وأن لا تأكل من الصيد، وألا يجد معها غيرها. والتسمية شرط في حل الصيد عند رمى السهم أو إرسال الجارح. عن عدى بن حاتم رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المعراض فقال: "إذا أصبت بحدّه فكل، فأذا أصاب بعرضه فقتل فإنه وقيذ، فلا تأكل". فقلت: أرسل كلبى. قال: "إذا أرسلت كلبك وسمّيت فكل". قلت: فإن أكل. قال: "فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك، إنما أمسك على نفسه". قلت: أرسل كلبى فأجد معه كلبا آخر. قال: "لا تأكل، فإنك إنما سميت على كلبك، ولم تسمّ على الآخر" (¬1). الصيد بالكلب غير المعلم: لا يحل ما أمسكه الكلب غير المعلم إلا أن يُدرك حيًا فيذكى. عن أبي ثعلبة الخشنى قال: قلت: يا نبى الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب، أفنكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسى وبكلبى الذي ليس بمعلم، وبكلبى المعلم، فما يصلح لي؟ قال: "أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدت غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها. وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل" (¬2). ¬
الصيد إذا وقع في الماء
الصيد إذا وقع في الماء: إذا وقع الصيد في الماء حرم أكله: لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - لعدى بن حاتم: "إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله، فإن وجدته قد قتل فكل، إلا أن تجده قد وقع في ماء، فإنك لا تدرى، الماء قتله أو سهمك" (¬1). الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة ثم وجده: ومن رمى سهمه فأصاب ثم غاب عنه الصيد يومين أو ثلاثة ثم وجده، فله أكله إذا لم ينتن عن عدى بن حاتم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل" (¬2). وعن أبي ثعلبة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا رميت بسهمك فغاب عنك، فأدركته، فكله ما لم ينتن" (¬3). الأضحيه تعريفها: هى ما يذبح من النَّعم يوم النحر وأيام التشريق تقرّبًا إلى الله تعالى. حكمها: وهي واجبة على القادر عليها لقوله - صلى الله عليه وسلم: "من كان له سعة، ولم يضحّ، فلا يقربن مصلانا" (¬4). "ووجه الاستدلال به أنه لما نهى من كان ذا سعة عن قُربان المصلّى إذا لم يضح، دل على أنه ترك واجبا، فكأنه لا فائدة في التقرب بالصلاة للعبد ¬
مع ترك هذا الواجب.
مع ترك هذا الواجب. وعن مخفف بن سليم قال: كنا وقوفا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة فقال: "يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة". أتدرون ما العتيرة؟ هى التي يسميها الناس الرجبية (¬1). وقد نسخت العتيرة بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا فرع ولا عتيرة" (¬2). ونسخ العتيرة لا يستلزم نسخ الأضحية. وعن جندب بن سفيان البجلى قال: شهدت النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر قال: "من ذبح قبل أن يصلى فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح" (¬3). وهو ظاهر في الوجوب، لا سيما مع الأمر بالإعادة" (¬4). ممّ تكون؟ ولا تكون إلا من البقر والغنم والابل، لقوله تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} (¬5) عن كم تجزئ البدنة والبقرة؟ عن ابن عباس قال: "كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فحضر الأضحى، فاشتركنا في الجزور عن عشرة، والبقرة عن سبعة" (¬6). ¬
الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته
الشاة تجزئ عن الرجل وأهل بيته: عن عطاء بن يسار قال: "سألت أبا أيوب الأنصارى: كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: كان الرجل في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يضحى بالشاة عنه وعن أهل بيته، فيأكلون ويُطعمون، ثم تباهى الناس، فصار كما ترى" (¬1). مالا يجوز أن يضحى به: عن عُبيد بن فيروز قال: قلت للبراء بن عازب: حدثني بما كره أو نهى عنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأضاحى. فقال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هكذا بيده، ويدى أقصر من يده: "أربع لا تجزئ في الأضاحى: العوراء البين عورُها، والمريضة البين مرضها، والعرجاء البين ظلعها، والكسيرة التي لا تنقى". قال: فإنى أكره أن يكون نقص في الأذن. قال: فما كرهت منه فدعه، ولا تحرّمه على أحد (¬2). ولا يجزئ في الأضحية الجذع من المعز لحديث البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: "ضحّى خالٌ لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شاتك شاة لحم". فقال: يا رسول الله، إن عندي داجنا جذعة من المعز، قال: اذبحها, ولا تصلح لغيرك، ثم قال: من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه، ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين (¬3). ¬
العقيقة
العقيقة تعريفها: العقيقة -بفتح العين المهملة- اسم لما يذبح عن المولود. حكمها: والعقيقة واجبة على المولود له، عن الغلام شاتان متكافئتان، وعن الجارية شاة: عن سلمان بن عامر الضبى قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "مع الغلام عقيقة، فأهريقوا عنه دمًا، وأميطوا عنه الأذى" (¬1). وعن عائشة قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن نعق عن الغلام شاتين وعن الجارية شاة" (¬2). وعن الحسن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى" (¬3). وقتها: والسنة ذبحها في اليوم السابع من ولادته، فإن فات ففى الرابع عشر، فإن فات ففى الحادى والعشرين: عن بريدة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "العقيقة تذبح لسبع، أو لأربع عشرة، أو لإحدى وعشرين" (¬4). ¬
ما يستحب في حق المولود
ما يستحب في حق المولود: 1 - تحنيكه: عن أبي موسى رضي الله عنه قال: "ولد لي غلام، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إلى. وكان أكبر ولد أبى موسى" (¬1). 2 - حلق رأسه يوم السابع، والتصدق بوزنه فضة: عن الحسن بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "كل غلام مرتهن بعقيقته، تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه، ويسمى" (¬2). وعن أبى رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفاطمة لما ولدت الحسن: "احلقى رأسه، وتصدقى بوزن شعره فضة على المساكين" (¬3). 3 - ختانه يوم السابع: لما رواه الطبراني في المعجم الصغير (¬4) عن جابر: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عقّ عن الحسن والحسين، وختنهما لسبعة أيام". ولما رواه في الأوسط (¬5) عن ابن عباس قال: سبعة من السنة في الصبى يوم السابع: يسمى، ويختن ويماط عنه الأذى، وتثقب أذنه، ويعق عنه، ويحلق رأسه، ويلطخ بدم عقيقته، ويتصدق بوزن شعره رأسه ذهبا أو فضة". * * * ¬
كتاب الوصية
كتاب الوصية
تعريفها
تعريفها: الوصيّة مأخوذة من وصيت الشيء أوصيه، إذا أوصلته. فالموصى وصل ما كان في حياته بعد موته. وهي في الشرع: هبة الإنسان غيره عينًا أو دينًا أو منفعة، على أن يملك الموصى له الهبة بعد موت الموصى. حكمها: وهي واجبة على من له مال يوصى فيه: قال تعالى: {كتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصى فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" (¬2). مقدار المال الذي تستحب الوصية فيه: عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: "جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودنى وأنا بمكة وهو يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها. قال: "يرحم الله ابن عفراء". قلت يا رسول الله، أوصى بمالى كله؟ قال: لا قلت: فالشطر؟ قال: لا. قلت: الثلث؟ قال: فالثلث، والثلث كثير، إنك إن تدع ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس في أيديهم. وإنك مهمام أنفقت من نفقة فإنها صدقة، حتى اللقمة التي ترفعها إلى فىّ امرأتك، وعسى الله أن يرفعك فينتفع بك ¬
لا وصية لوارث
ناس ويُضرّ بك آخرون. ولم يكن له يومئذ إلا ابنة" (¬1). لا وصية لوارث: عن أبي أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في خطبته عام حجة الوداع: "إن الله قد أعطى كل ذى حق حقه، فلا وصية لوارث" (¬2). ما يُكتب في صدر الوصية: عن أنس رضي الله عنه قال: "كانوا يكتبون في صدور وصاياهم: بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أوصى به فلان ابن فلان: يشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور وأوصى من ترك من أهله أن يتقوا الله، ويصلحوا ذات بينهم، ويطيعوا الله ورسوله إن كانوا مؤمنين، وأوصاهم بما أوصى به إبراهيم بنيه ويعقوب "يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" (¬3). متى تستحق الوصية: ولا تستحق الوصية للموصى له إلا بعد موت الموصى، وبعد سداد الديون، فإذا استغرقت الديونُ التركةَ كلها فليس للموصَى له شيء: عن عليّ قال: قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدّين قبل الوصية، وأنتم تقرءونها من بعد وصية يوصى بها أو دين" (¬4). ¬
تنبيه
تنبيه: " ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز، كان من الواجب أن يوصى المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة، عملًا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (¬1). ولذلك كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصون بذلك، والآثار عنهم في ذلك كثيرة، منها: عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال الذي مرضه الذي مات فيه: "ألحدوا لي لحدًا، وانصبوا علىّ اللبِن نصبًا، كما صُنع برسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). تنبيه ثان: إذا كان لرجل فرع وارث مات في حياته فإن عليه أن يوصى لأولاد هذا الفرع بمثل ما كان يستحقه الميت أو بشيء من ماله في حدود الثلث، والثلث كثير، فإن مات ولم يوص لأولاد ولده فإنهم يعطون قدر ما كان يجب عليه أن يوصى به، لأن هذا دين عليه، فإن مات ولم يكتبه لم يضع هذا الديْن، وعلى هذا العمل في المحاكم اليوم. * * * ¬
كتاب الفرائض
كتاب الفرائض
تعريفها
تعريفها (*): الفرائض: جمع فريضة. والفريضة مأخوذة من الفرض بمعنى التقدير: يقول الله تعالى: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتمْ} (¬1) أي: قدّرتم. والفرض في الشرع: هو النصيب المقدر للوارث. التحذير من التعدّى في المواريث: لقد كان العرب في الجاهلية قبل الإِسلام يورّثون الرجال دون النساء، والكبار دون الصغار فلما جاء الإِسلام أعطى الله كل ذى حق حقه، وسمى هذه الحقوق {وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ} (¬2) {فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ} (¬3)، ثم عقّب على ذلك بالتحذير الشديد، والوعيد الأكيد يخالف شرع الله في المواريث، فقال تعالى: {{تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (13) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ} (¬4). ما يورث من مال المُتَوفَّى: إذا مات الإنسان بُدئ من تركته بمؤنة تجهيزه ودفنه، ثم بقضاء دينه، ثم ¬
أسباب الإرث
بوصيته فإن بقى شيء قسم على ورثته، لقوله تعالى {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْن ٍ} ولقول علىّ رضي الله عنه: "قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالدِّين قبل الوصية" (¬1). أسباب الإرث: وأسباب الإرث ثلاثة: 1 - النسب: لقوله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} (¬2). 2 - الولاء: لحديث ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لحمة كلحمة النسب" (¬3). 3 - النكاح: لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ} (¬4). موانع الإرث: 1 - القتل: عن أبي هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "القاتل لا يرث" (¬5). 2 - اختلاف الدين: عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: "لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم" (¬6). 3 - الرّق: لأن العبد وما مَلَك مِلكٌ لسيده، فلو ورث قريبه لكان التوريث لسيده دونه. ¬
الوارثون من الرجال
الوارثون من الرجال: والوارثون من الرجال عشرة: 1، 2 - الابن وابنه وإن نزل، لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}. 3، 4 - الأب وأبوه وان علا، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} والجد أب، ولذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: أنا ابن عبد المطلب" (¬1). 5، 6 - الأخ وابنه وان تراخى، لقوله تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} 7، 8 - العم وابنه وان تباعد، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر". 9 - الزوج، لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ}. 10 - المولى المعتق: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (¬2). الوارثات من النساء: والوارثات من النساء سبع: 1، 2 - البنت وبنت الابن وإن نزل أبوها: لقوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. 3، 4 - الأم والجدّة، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ}. 5 - الأخت، لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}. ¬
المستحقون للتركة
6 - الزوجة: لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}. 7 - المولاة المعتقة: لقوله - صلى الله عليه وسلم -:"الولاء لمن أعتق" (¬1) المستحقون للتركة: المستحقون للتركة ثلاثة: ذو فرض، وعصبة، ورحم. والفروض المقدرة في كتاب الله تعالى ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس. - فالنصف فرض خمسة: 1 - الزوج إذا لم يكن للزوجة ولد: لقوله تعالى: {وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ}. 2 - البنت: لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ}. 3 - بنت الابن: لأنها تقوم مقام البنت بالإجماع: قال ابن المنذر (¬2): أجمعوا على أن بني الابن، وبنات الابن، يقومون مقام البنين والبنات ذكورهم كذكورهم، وإناثهم كإناثهم، إذا لم يكن للميت ولد لصلبه اهـ. 4، 5 - الأخت الشقيقة والأخت لأب: لقوله تعالى: {إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ}. - والربع فرض اثنين: 1 - الزوج إن كان للزوجة ولد، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ}. 2 - الزوجة إن لم يكن للزوج ولد، لقوله تعالى: {وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ}. ¬
- والثمن فرض واحد: وهو الزوجة إن كان للزوج ولد، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ}. - والثلثان فرض أربعة: 1 - 2 - البنتان وبنتا الابن: لقوله تعالى: {فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ}. 4،3 - الأختان الشقيقتان، والأختان لاب، لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ}. - والثلث فرض اثنين: 1 - الأم إذا لم تحجب لقوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ}. 2 - الاثنان فصاعدا من الأخوة والاخوات لأم، لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ}. - والسدس فرض سبعة: 1 - الأم مع الولد أو الأخوة، لقوله تعالى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ}.ً 2 - الجدة عند عدم الأم: قال ابن المنذر (¬1): أجمعوا على أن للجدة السدس إذا لم تكن للميت أم. 3 - الواحد من ولد الأم ذكرا كان أم أنثى: لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} ¬
العصبة
4 - بنت الابن مع بنت الصلب: لحديث أبى قيس قال: سمعت هزيل بن شرحبيل قال: سئل أبو موسى عن ابنة وابنة ابن وأخت. فقال: للابنة النصف، وللأخت النصف، وأت ابن مسعود فسُيتابعني. فسئل ابن مسعود، وأخبر بقول أبى موسى، فقال: لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين، أقضى فيها بما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم -: للابنة النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة الثلثين، وما بقى فللأخت. فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود، فقال: لا تسألونى ما دام هذا الحبر فيكم" (¬1). 5 - الأخت من الأب مع الأخت الشقيقة: تكملة للثلثين، قياسًا علي بنت الابن مع بنت الصلب. 6 - الأب مع الولد: لقوله تعالى: {وَلأَبَوَيْهِ لِكلِّ وَاحِدٍ مّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كانَ لَهُ وَلَدٌ}. 7 - الجد عند عدم الأب: قال ابن المنذر (¬2): وأجمعوا أن حكم الجد حكم الأب. اهـ. العصبة: تعريفها (¬3): العَصَبَة: جمع عاصب، كطالب وطلبة وهم بنو الرجل وقرابته لأبيه. والمقصود بهم هنا: من يصرف لهم الباقي بعد أخذ أصحاب الفروض فروضهم، فهذا لم يفضل شيء منهم لم يأخذوا شيئًا إلا إذا كان العاصب ابنا فإنه لا يحرم بحال. ¬
أقسامها
والعصبة كذلك هم المستحقون للتركة كلها إذا لم يوجد من أصحاب الفروض أحد: عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقى فهو لأولى رجل ذكر" (¬1). وقال تعالى: {وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ} فأضاف جميع الميراث إلى الأخ حين ينفرد، وقيس عليه باقى العصبات. أقسامها (¬2): تنقسم العصبة إلى قسمين: عصبة نسبية، وعصبة سببية: فالعصبة السببية: ما كان سببها العتق: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لمن أعتق" (¬3)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الولاء لحمة كلحمة النسب" (¬4). ولا يرث المولى المعتق إلا إذا عدمت العصبات من النسب. ولا فرق بين أن يكون المعتق ذكرا أو أنثى. عن عبد الله بن شداد عن بنت حمزة قالت: "مات مولاي وترك ابنة، فقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماله بيني وبين ابنته، فجعل لي النصف، ولها النصف" (¬5). وأما العصبة النسبية فهي ثلاثة أصناف: 1 - عصبة بنفسه: وهم الرجال الوارثون إلا الزوج وولد الأم. 2 - عصبة بغيره: وهن البنات وبنات الابن، والأخوات الشقيقات والأخوات لأب، فكل واحدة منهن مع أخيها عصبة به، لها نصف ما له لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}. 3 - عصبة مع غيره: وهن الأخوات مع البنات لحديث ابن مسعود (¬6) "وما بقى فللأخت". ¬
الحجب والحرمان
الحجب والحرمان (¬1) تعريفهما: الحجب لغة: المنع. والمقصود به منع شخص معين من ميراثه كله أو بعضه لوجود شخص آخر. والحرمان: المقصود به منع شخص معين من ميراثه بسبب تحقق مانع من موانع الإرث كالقتل ونحوه من الموانع. أقسام الحجب: الحجب نوعان: حجب نقصان، وحجب حرمان. فحجب النقصان هو نقص ميراث أحد الورثة لوجود غيره، ويكون لخمسة أشخاص: 1 - الزوج يُحجب من النصف إلى الربع عند وجود الولد. 2 - الزوجة تُحجب من الربع إلى الثمن عند وجود الولد. 3 - الأم تُحجب من الثلث إلى السدس عند وجود الفرع الوارث. 4 - بنت الابن. 5 - الأخت لأب. وأما حجب الحرمان: فهو منع جميع الميراث عن شخص لوجود غيره، كمنع ميراث الأخ عنه عند وجود الابن، وهذا النوع لا يدخل في ميراث ستة من الوارثين، وإن جاز أن يحجبوا حجب نقصان، وهم: 1، 2 - الأبوان: الأب والأم. 3، 4 - الولدان: الابن والبنت. 5، 6 - الزوجان. ¬
ويدخل حجب الحرمان فيما عدا هؤلاء من الورثة. وحجب الحرمان قائم على أساسين: 1 - أن كل من ينتمي إلى الميت بشخص لا يرث مع وجود ذلك الشخص، كابن الابن، فإنه لا يرث مع وجود الابن، سوى أولاد الأم، فإنهم يرثون معها مع أنهم ينتمون إلى الميت بها. 2 - يقدم الأقرب على الأبعد، فالابن يحجب ابن أخيه، فإن تساووا في الدرجة يرجح بقوة القرابة، كالأخ الشقيق يحجب الأخ لأب.
كتاب الحدود
كتاب الحدود
تعريفها
تعريفها: " الحدود: جمع حد، والحدّ في الأصل: الشيء الحاجز بين شيئين. وهو في اللغة: بمعنى المنع" (¬1). واصطلاحا: "هى العقوبات المقدرة شرعًا في المعاصي، لتمنع من الوقوع في مثلها" (¬2). جرائم الحدود: " وقد قرر الكتاب والسنة عقوبات محددة لجرائم معينة، تسمى "جرائم الحدود"، وهي: الزنا، والقذف، والسرقة، والسكر، والمحاربة، والردة، والبغي (¬3). فضل إقامتها: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حدُّ يُعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا" (¬4). وجوب إقامتها على القريب والبعيد، والشريف والوضيع: عن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أقيموا حدود الله في القريب والبعيد، ولا تأخذكم في الله لومة لائم" (¬5). وعن عائشة "أن أسامة كلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - في امرأة، فقال: "إنما هلك من كان قبلكم أنهم كانوا يقيمون الحدّ على الوضيع، ويتركون على الشريف. والذي ¬
كراهية الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان
نفسى بيده: لو فاطمة فعلت ذلك لقطعت يدها" (¬1). كراهية الشفاعة في الحدّ إذا رُفع إلى السلطان: عن عائشة رضي الله عنها: أن قريشًا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت. فقالوا: من يكلّم فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ ومن يجترئ عليه إلا أسامة حِبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فكلم رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "أتشفع في حدّ من حدود الله"؛ ثم قام فخطب فقال: "يا أيها الناس، إنما ضلّ من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق الشريف تركوه، وإذا سرق الضعيف فيهم أقاموا عليه الحدّ، وإيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها" (¬2). استحباب الستر على المؤمن: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من ستر مسلما ستره الله في الدنيا والآخرة" (¬3). ويستحب أيضًا أن يستر العبد على نفسه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله عليه، فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا وقد بات يستره ربه، ويصبح يكشف ستر الله عليه" (¬4). ¬
الحدود كفارة
الحدود كفارة: عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - في مجلس، فقال: "بايعونى على أن لا تشركوا بالله شيئًا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، وقرأ هذه الآية كلها. "فمن وفّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئًا فعوقب به فهو كفارته، ومن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله عليه فهو إلى الله، إن شاء غفر له، وإن شاء عاقبه" (¬1). مَن يقيم الحدود (¬2): ولا يقيمها إلا الإِمام أو نائبه؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - يقيم الحدود في حياته، وكذا خلفاؤه من بعده، وأناب - صلى الله عليه وسلم - في إقامة الحدود فقال: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها" (¬3). ويجوز للسيد أن يقيم الحدّ على مملوكه، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا زنت الأمة فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت الثانية فليجلدها الحد ولا يثرّب عليها، ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر" (¬4). ¬
حد الزنا
حدّ الزنا الزنا حرام، وهوِ من أكبر الكبائر: قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (¬1). وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي الذنب أعظم؟ قال: أن تجعل لله ندا وهو خلقك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك. قلت: ثم أي؟ قال: أن تزانى بحليلة جارك" (*) (¬2). وقال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (¬3) الآية. وفي حديث سمرة بن جندب الطويل في رؤيا النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "فانطلقنا فأتينا على مثل التنور. قال: وأحسب أنه كان يقول: فإذا فيه لغط وأصوات قال: فاطلعنا فيه، فإذا رجال ونساء عراة، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضَوضَوا. قال: قلت لهما: ما هؤلاء؟ .. قالا: وأما الرجال والنساء العراة الذين في مثل التنور فهم الزناة والزوانى" (¬4). وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزنى العبد حين يزنى وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب حين يشرب وهو مؤمن، ولا يقتل وهو مؤمن". ¬
أقسام الزناة
قال عكرمة: قلت لابن عباس: كيف ينزع الإيمان منه؟ قال هكذا -وشبك بين أصابعه ثم أخرجها- فإن تاب عاد إليه هكذا - وشبك بين أصابعه (¬1). أقسام الزناة: الزانى إما أن يكون بكرًا أو محصنا: فإذا زنا الحر المحصن (¬2) المكلف مختارًا فحدّه الرجم حتى يموت: عن جابر بن عبد الله الأنصارى "أن رجلًا من أسلم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحدثه أنه قد زنى، فشهد على نفسه أربع شهادات، فأمر به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرُجم، وكان قد أحصن" (¬3). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس يوما فقال: إن الله بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله، فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء، إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف (¬4). حدّ الرقيق: وإذا زنا غير الحر -عبدًا كان أو أمة- فلا رجم عليه، ولكن يجلد خمسين ¬
من أكره على الزنا فلا حد عليه
جلدة، لقوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} (¬1). وعن عبد الله بن عياش المخزومى قال: "أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش، فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة، خمسين خمسين في الزنا" (¬2). من أُكره على الزنا فلا حدّ عليه: عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: "أُتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة جهدها العطش، فمرت على راع فاستسقت، فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها، ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال عليّ رضي الله عنه: هذه مضطرة أرى أن تخلى سبيلها، ففعل" (¬3). حدّ البكر: قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬4). وعن زيد بن خالد الجهني قال: "سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر فيمن زنى ولم يحصن جلد مائة وتغريب عام" (¬5). وعن عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني، خذوا عني، ¬
بم يثبت الحد؟
قد جعل الله لهن سبيلا، البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم" (¬1). بم يثبت الحدّ؟ " يثبت الحدّ بأحد أمرين: الإقرار، أو الشهود (¬2) ": أما الإقرار فلرجمه - صلى الله عليه وسلم - ماعزًا والغامدية بإقرارهما على أنفسهما: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما أتى ماعزُ بن مالك النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: لعلّك قبّلت أو غمزت أو نظرت؟ قال: لا يا رسول الله. قال: أنكتها؟ -لا يكنى- قال؟ فعند ذلك أمر برجمه" (¬3). وعن سليمان بن بريدة عن أبيه، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاءته امرأة من غامد من الأزد، فقالت: يا رسول الله طهرنى. فقال: "ويحك ارجعي فاستغفرى الله وتوبي إليه" فقالت: أراك تريد أن تردني كما رددت ماعز بن مالك. قال: "وما ذاك؟ " قالت: إنها حبلى من الزنا. قال: "أنت"؟ قالت: نعم. فقال لها: "حتى تضعي ما في بطنك". قال: فكفلها رجل من الأنصار حتى وضعت قال: فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: قد وضعت الغامدية. فقال: "إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه" فقام رجل من الأنصار فقال: إلى رضاعه يا نبى الله قال: فرجمها" (¬4). فإن رجع عن إقراره تُرك: لحديث نعيم بن هزّال: كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبى، فأصاب جارية من الحي ... الحديث إلى أن قال: فأمر به أن يرجم، فأخرج به إلى الحرة، فلما رُجم فوجد مسّ الحجارة جزع، فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس، وقد عجز أصحابه، فنزع له ¬
حكم من قال أنه زنا بفلانة
بوظيف بعير فرماه به فقتله، ثم أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له، فقال: "هلا تركتموه، لعله أن يتوب فيتوب الله عليه" (¬1). حكم من قال أنه زنا بفلانة: وإذا أقرّ على نفسه أنه زنا بفلانة حُدّ هو، وإن أقرّت هى على نفسها حُدّتَ وإلا فلا: عن أبي هريرة وزيد بن خالد: أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال أحدهما: اقض بيننا بكتاب الله. وقال الآخر -وهو أفقههما-: أجل يا رسول الله، فاقض بيننا بكتاب الله، وأذن لي أن أتكلم. قال: تكلم. قال: إن ابني كان عسيفا على هذا -قال مالك: والعسيف الأجير- فزنى بامرأته، فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت منه بمائة شاة وبجارية لي، ثم إنى سألت أهل العلم فأخبرونى أن ما على ابني جلد مائة وتغريب عام. وإنما الرجم على امرأته. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما والذي نفسى بيده، لأقضين بينكما بكتاب الله، أما غنمك وجاريتك فرد عليك" وجَلَد ابنه مائة وغرّبه عاما. وأمر أنيسا الأسلمي أن يأتي امرأة الآخر، فإن اعترفت رجمها، فاعترفت فرجمها" (¬2). ثبوته بالشهود: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬3). ¬
حكم من أتى ذات محرم
فإذا شهد أربعة رجال من المسلمين الأحرار العدول بأنهم رأوا ذكر فلان في فرج فلانة كالمرود في المكحلة، والرشاء في البئر، حُدّ الرجل والمرأة. فإذا شهد ثلاثة وتَخلّف الرابع حُدّ الثلاثة حدّ القذف، للآية الكريمة، ولما جاء عن قسامة بن زهير قال: "لما كان من شأن أبى بكرة والمغيرة الذي كان -وذكر الحديث- قال: فدعا الشهود، فشهد أبو بكرة، وشبل بن معبد، وأبو عبد الله نافع، فقال عمر رضي الله عنه حين شهد هؤلاء الثلاثة: شق على عمر شأنه، فلما قدم زياد قال: إن تشهد إن شاء الله إلا بحق، قال زياد: أما الزنا فلا أشهد به، ولكن قد رأيت أمرا قبيحا. قال عمر: الله أكبر، حدّوهم، فجلدوهم. قال: فقال أبو بكرة بعد ما ضربه: أشهد أنه زان. فهمّ عمر رضي الله عنه أن يعيد عليه الجلد، فنهاه عليّ رضي الله عنه وقال: إن جلدته فارجم صاحبك. فتركه ولم يجلده" (¬1). حكم من أتى ذات محرم: ومن زنا بذات محرم فحدّه القتل، محصنًا كان أو غير محصن: وإذا تزوجها قُتل وأخذ ماله: عن البراء قال: "لقيت عمي ومعه الراية. فقلت: أين تريد؟ قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل تزوج امرأة أبيه بعده، أن أضرب عنقه وآخذ ماله" (¬2). حكم من أتى بهيمة: عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من وقع على بهيمة فاقتلوه، واقتلوا البهيمة" (¬3). ¬
حد اللواط
حد اللواط: وإذا أولج رجل في دبر رجل آخر فحدّهما القتل، محصنين كانا أو غير محصنين: عن ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به" (¬1). حدّ القذف تعريفه: القذف: هو الرمى بالزنا، بأن يقول: يا زانٍ، أو غير ذلك من الألفاظ التي يفهم منها رميه غيره بالزنا. حكمه: وهو من الكبائر المحرمة: قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (¬2). وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات. قالوا: وما هن يا رسول الله؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولى يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (¬3). ومن قذف مسلما حُدّ بجلده ثمانين جلدة، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا ¬
اللعان
تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (¬1). اللعان إذا قذف الرجل زوجته فكذّبته فعليه الحدّ إلا أن يقيم البيّنة أو يلاعن: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} (¬2). وعن ابن عِباس: أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي - صلى الله عليه وسلم - شريك بن سحماء، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "البينة أو حدّ في ظهرك". فقال: يا رسول الله، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلًا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - قول: "البينة وإلا حدّ في ظهرك". فقال هلال: والذي بعثك بالحق إني لصادق، فلينزلن الله ما يبّرئ ظهري من الحد. فنزل جبريل وأنزل عليه: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} فقرأ حتى بلغ {إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ}، فانصرف النبي - صلى الله عليه وسلم - فأرسل إليها، فجاء هلال فشهد، والنبي يقول: "إن الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " ثم قامت فشهدت، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا: إنها موجبة. قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع. ثم قالت: لا أفضح قومى سائر اليوم. فمضت. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أبصروها، فإن جاءت به أكحل العينين (*)، سابغ الإليتين، خَدَلّج الساقين، فهو لشريك بن سحماء، فجاءت به كذلك. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن" (¬3). ¬
الأحكام المترتبة على اللعان
الأحكام المترتبة على اللعان: إذا تلاعن الزوجان ثبت بتلاعنهما هذه الأحكام: 1 - التفريق بينهما: لحديث ابن عمر قال: "لاعن النبي - صلى الله عليه وسلم - بين رجل وامرأة من الأنصار وفرّق بينهما" (¬1). َ2 - التحريم المؤبد: لقول سهل بن سعد: "مضت السنة في المتلاعنين أن يفرق بينهما، ثم لا يجتمعان أبدا" (¬2). 3 - استحقاق الملاعَنَة الصداق: لحديث أيوب عن سعيد بن جبير قال: "قلت لابن عمر: رجل قذف امرأته؟ فقال: فرّق النبي - صلى الله عليه وسلم - بين أخوي بني العجلان، وقال: "الله يعلم أن أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا. وقال: "الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا. فقال: "الله يعلم أن أحدكما لكاذب، فهل منكما تائب؟ " فأبيا، ففرق بينهما. قال أيوب: فقال لي عمرو بن دينار: إن في الحديث شيئًا لا أراك تحدثه، قال: قال الرجل: مالى؟ قال: قيل: "لا مال لك، إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك" (¬3). 4 - التحاق الولد بالملاعنة: لحديث ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لاعن بين رجل وامرأته، فانتفى من ولدها، ففرق بينهما، وألحق الولد بالمرأة" (¬4). 5 - ثبوت التوارث بين الملاعنة وولدها: لقول ابن شهاب في حديث سهل بن سعد: ¬
حد السكر
"فكانت السنة بعدهما أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملا، وكان ابنها يُدعى لأمه". قال: "ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه، ويرث منها ما فرض الله له" (¬1). حدّ السكر: تحريم الخمر: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (¬2). وعن أبى هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" (¬3). وعن عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر أم الخبائث، فمن شربها لم تقبل صلاته أربعين يوما، فإن مات وهى في بطنه مات ميتة جاهلية" (¬4). وعن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الخمر أم الفواحش، وأكبر الكبائر، من شربها وقع على أمه، وخالته، وعمته" (¬5). ¬
ما هى الخمر؟
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مُدمن الخمر كعابد وثن" (¬1). وعن أبي الدرداء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يدخل الجنة مدمن خمر" (¬2). وعن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لُعِنَتِ الخمر على عشرة أوجه: بعينها، وعاصرها، ومعتصرها، وبائعها، ومبتاعها، وحاملها، والمحمولة إليه، وآكل ثمنها، وشاربها، وساقيها" (¬3). ما هى الخمر؟ عن ابن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر خمر، وكل خمر حرام" (¬4). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البِتع، وهو نبيذ العسل، وكان أهل اليمن يشربونه- فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل شراب أسكر فهو حرام" (¬5). وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قام عمر على المنبر فقال: "أما بعد نزل تحريم الخمر وهي من خمسة: العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير. والخمر ما خامر العقل" (¬6). وعن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الحنطة خمرا، ¬
لا فرق بين قليل الخمر وكثيره
ومن الشعير خمرا، ومن الزبيب خمرا، ومن التمر خمرا، ومن العسل خمرًا" (¬1). لا فرق بين قليل الخمر وكثيره: عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام" (¬2). وعن عائشة قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كل مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام" (¬3). حدّ شارب الخمر: وإذا شرب المكلف مختارًا الخمر وهو يعلم أنها خمر جُلِد أربعين، فإن رأى الحاكم الزيادة فله ذلك إلى ثمانين لما روى الحصين بن المنذر "أن عليا جلد الوليد ابن عقبة في الخمر أربعين، ثم قال: جلد النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين، وكل سنة، وهذا أحب إلى" (¬4). وإذا تكرر شرب الرجل وحدّ في كل مرة، ثم شرب فرأى الإِمام قتله فله ذلك: عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا سكر فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، ثم قال الذي الرابعة: "فإن عاد فاضربوا عنقه" (¬5). ¬
بم يثبت الحد؟
بم يثبت الحد؟ ويثبت الحد بأحد أمرين (¬1): 1 - الإقرار. 2 - شهادة عدلين. لا يجوز الدعاء على شارب الخمر: عن عمر بن الخطاب: أن رجلًا كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان اسمه عبد الله، وكان يلقب حمارا، وكان يُضحك رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد جلده في الشراب، فأُتى به يوما، فأمر به فجلد، فقال رجل من القوم: اللهم العنه، ما أكثر ما يؤتى به! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تلعنوه فوالله ما علمت أنه يحب الله ورسوله" (¬2). وعن أبي هريرة قال: أُتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بسكران، فأمر بضربه، فمنا من يضربه بيده ومنا من يضربه بنعله، ومنا من يضربه بثوبه، فلما انصرف قال رجل: ماله أخزاه الله! فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تكونوا عون الشيطان على أخيكم" (¬3). حَدُّ السَّرقة ومن الضروريات التي جاء الإِسلام بحفظها المال، وقد أمر الإِسلام بكسبه من الحلال (والأصل في الأشياء الإباحة)، ونهى عن كسبه من الحرام، وبيّن وجوه الكسب الحرام، {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} (¬4). ومن الكسب الحرام السّرقة: وهي أخذ مال الغير على وجه الخفية والاستتار (¬5). ¬
وهي من الكبائر، وحَدُّها ثابت بالكتاب والسنة وإجماعِ الأمة. قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كسبَا نَكَالًا مِّنَ اللهِ واللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (¬1). وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطع سارقًا في حجّن قيمته ثلاثة دراهم" (¬2). وقال ابن المنذر: وأجمعوا على أن قطع يد السارق يجب إذا شهد عليه بالسرقه شاهدان عدلان، مسلمان حرّان (¬3). فإذا سرق البالغ العاقل مختارًا فقد وجب عليه الحدُّ بإقراره أو بشهادة عدلين. ويشترط يبلغ المسروق نصابًا، وأن يكون محروزا. عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تُقطع يد السارق إلا في رُبعٌ دينار فصاعدًا" (¬4). وقال ابن المنذر: وأجمعوا أن القطع إنما يجب على من سرق ما يجب فيه قطعٌ من الحرز (¬5). والحرز ما يُعان في مثله المال ويُحفظ، كالدار المعلقة، والخزانة، والمحل المغلق، ونحو ذلك. وقال صاحب "الروضة الندية" (277/ 2): "والحرز ما يعدُه الناس حرزًا لمثل ذلك المال، فالمتبن حرزٌ للتبن، والاصطبل ¬
حد الحرابة (قطع الطريق)
للدواب، والمراح للغنم، والجرين للثمار". عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أنه سئل عن التمر المعلْق فقال: "منأصاب بغيه من ذى حاجة غيْر مَتّخذِ خُبْنةً فلا شىء عليه، ومن خرج بشىء منه فعليه غرامةُ مثَليْة والعقوبة، ومن سرق منه شيئًا بعد أن يُؤويه الجرين فبلغ ثمن المجْن فعليه القطع" (¬1). وللمسروق منه أن يعفو عن السارق قبل رفعه إلى السلطان: عن صفوان بن أمية قال: كنت نائمًا في المسجد على خميصة لي ثمن ثلاثين درهما، فجاء رجل فاختلسها مني، فأُخذ الرجلُ فأُتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - فأُمر به ليُقَطَع. قال: قال: فهلاّ كان هذا قبل أن تأتينى به" (¬2). فائدة: قال صاحب "الروضة النديّة" (279/ 2). "اتفق أهل العلم على أن السارق إذا سرق أول مرة تقطع يده اليمنى، ثم إذا سرق ثانيًا تقطع رجله اليسرى، واختلفوا فيما إذا سرق ثالثًا بعد قطع يده ورجله فذهب كثرهم إلى أنه تقطع يده اليسرى [قال شيخنا رحمه الله في "التعليقات الرضية" 298/ 3 وقد صح هذا عن أبي بكر وعمر عند البيهقي (8/ 284)] , ثم إذا سرق أيضًا تقطع رجله اليمنى، ثم إذا سرق أيضًا يعزّر ويحبس" أ. هـ حَدُّ الحرابة (قطع الطريق) تعريفها (¬3): الحرابة هى خروج طائفة مسلمة في دار الإِسلام، لإحداث الفوضى، وسفك الدماء وسلب الأموال، وهتك الأعراض، وإهلاك الحرث والنسل، متحدّيِةَ بذلك الدين والأخلاق والنظام والقانون. ¬
حكمها
حكمها: والحرابة من أعظم الجرائم، ولذا كانت عقوبتها من أقسى العقوبات. قال تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ في الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)} (¬1). وعن أنس رضي الله عنه قال: "قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم - نفر من عُكل فأسلموا، فاجتووا المدينة، فأمرهم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، ففعلوا فصحّوا فارتدوا فقتلوا رعاتها، واستاقوا الإبل، فبعث في آثارهم فأتى بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم (*)، ثم لم يحسمهم حتى ماتوا" (¬2). توبة المحاربين قبل القدرة عليهم: قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)} (¬3). * * * ¬
كتاب الجنايات
كتاب الجنايات (*) ¬
تعريفها
تعريفها: " هى جمع جناية، مصدر من جنى الذنب يجنيه جناية: أي جرّه إليه، وجمعت وإن كانت مصدرًا لاختلاف أنواعها، فإنها قد تكون في النفس وفي الأطراف، وتكون عمدًا وخطأ" (¬1). "وهي- في الشرع-: التعدى على البدن بما يوجب قصاصًا أو مالًا" (¬2). تعظيم حرمات المسلمين: قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا (30)} (¬3). وقال تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ الله عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (¬4). وقال تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} (¬5). وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "اجتنبوا السبع الموبقات، قيل: يا رسول الله، وما هنّ؟ قال: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولِّى يوم ¬
تحريم قتل الإنسان نفسه
الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات" (¬1). وعن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم" (¬2). وعن أبي سعيد الخدرى وأبى هريرة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبّهم الله في النار" (¬3). وعن عبد الله بن مسعود قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أوّل ما يقضى بين الناس في الدماء" (¬4). وعنه رضي الله عنه قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: "يجيء الرجل آخذ بيد الرجل، فيقول: ياربّ! هذا قتلنى، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: قتلته لتكون العزة لك، فيقول: فإنها لي. ويجئ الرجل آخذ بيد الرجل، فيقول: إن هذا قتلنى، فيقول الله له: لم قتلته؟ فيقول: لتكون العزة لفلان! فيقول: إنها ليست لفلان، فيبوء بإثمه" (¬5). تحريم قتل الإنسان نفسه: عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردّى فيه خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا. ومن تحسّى سمًا فقتل نفسه فسمُّه في يده يتحساه في نار جهنم خالدًا مخلدًا فيها أبدًا. ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جنهم خالدًا مخلّدًا فيها أبدًا" (¬6). ¬
ما يبيح القتل
وعن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع فأخذ سكينا فحزّ بها يده، فما رقأ الدم (*) حتى مات، قال الله تعالى: "بادرنى عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة" (¬1). وعن جابر: أن الطفيل بن عمرو الدوسىّ أتى النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! هل لك في حصن حصين ومنعة؟ (قال: حصن كان لدوس في الجاهلية) فأبى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم للذى ذخر الله للأنصار، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو، وهاجر معه رجل من قومه، فاجتَوَوا المدينة، فمرض، فجزع، فأخذ مشاقصِ (* *) له، فقطع بها براجمه، فشخبت يداه حتى مات. فراَه الطفيل بن عمرو في منامه، فرآه وهيئته حسنة، ورآه مغطّيًا يديه. فقال له: ما صنع بك ربّك؟ فقال: غفر لي بهجرتى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم. فقال: مالى أراك مغطّيًا يديك؟ قال: قيل لي: لن نصلح منك ما أفسدت. فقصّها الطفيل على رسول الله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم وليديه فاغفر" (¬2). ما يبيح القتل: قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} (¬3). وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أُمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإِسلام، وحسابهم على الله" (¬4). ¬
أنواع القتل
وقد فسّر صلى الله عليه وسلم هذا الحق الذي يحيى القتل بقوله: "لا يحلّ دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، إلا بإحدى ثلاث النفس بالنفس، والثيب الزانى، والمفارق لدينه التارك للجماعة" (¬1). أنواع القتل: والقتل ثلاثة أنواع: عمد، وشبه عمد، وخطأ. فالعمد: هو أن يقصد المكلف قتل إنسان معصوم الدم بما يغلب على الظن أنه يقتل به. وشبه العمد: هو أن يقصد ضربه بما لا يقتل عادة فيموت. والخطأ: هو أن يفعل المكلف ما يباح له فعله، كرمى صيد أو نحوه، فيقتل إنسانا. الآثار المترتبة على القتل: ففى القسمين الاخيرين: الكفارة على القاتل، والدية على عاقلته. لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ الله عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬2). وأما القتل العمد: فولىّ المقتول فيه بالخيار بين القود والعفو على الدية لقوله ¬
شروط وجوب القصاص
تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ في الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬1) وعن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يُودى وإما أن يقاد" (¬2). وليست هذه الدية هى الواجبة بالقتل، بل بدل عن القصاص، ولذا فإن لهم أن يصالحوا على غير الدية، ولو بالزيادة عليها لقوله صلى الله عليه وسلم: "من قَتَلَ مؤمنا متعمدًا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية وهي: ثلاثون حِقَّةً، وثلاثون جَذَعَةً، وأربعون خَلِفَةً، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل" (¬3). والعفو مجانًا أفضل، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (¬4). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًا" (¬5). شروط وجوب القصاص: لا يجب القصاص إلا إذا توفرت الشروط الآتية: ا- تكليف القاتل، فلا قصاص على صغير ومجنون ونائم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "رُفع القلم عن ثلاثة: عن الصبى حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ" (¬6). ¬
الجماعة تقتل بالواحد
2 - عصمة المقتول، بأن لا يكون مهدر الدم لسبب من الأسباب المذكورة في حديث: "لا يحل دم امرئ مسلم ... إلا بإحدى ثلاث .. " الحديث (¬1). 3 - أن لا يكون المقتول ولدًا للقاتل: لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتل والد بولده" (¬2). 4 - أن لا يكون المقتول كافرًا والقاتل مسلمًا: لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يُقتل مسلم بكافر" (¬3). 5 - أن لا يكون المقتول عبدًا والقاتل حرًا: لقول الحسن: "لا يُقتل حرُّ بعبد" (¬4). الجماعة تُقتل بالواحد: إذا اجتمع جماعة علي قتل واحد فإنهم يُقتلون به جميعا , لما رواه مالك عن سعيد بن المسيب: "أن عمر بن الخطاب قتل نفرًا: خمسة أو سبعة برجل واحد ¬
ثبوت القصاص
قتلوه قتل غيلة (¬1)، وقال: لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا" (¬2). ثبوت القصاص: يثبت القصاص بأحد أمرين: الأول: الاعتراف: عن أنس: "أن يهوديًا رضّ رأس جارية بين حجرين، فقيل لها: من فعل بك هذا؟ أفلان أو فلان؟ حتى سُمى اليهودى فأومأت برأسها، فجئ باليهودى فاعترف، فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرُضّ رأسه بالحجارة" (¬3). الثاني: شهادة رجلين عدلين: عن رافع بن خديج قال: أصبح رجل من الأنصار مقتولًا بخيبر، فانطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال: "لكم شاهدان يشهدان على قتل صاحبكم؟ "قالوا: يا رسول الله، لم يكن ثَمَّ أحد من المسلمين، وإنما هم يهود، وقد يجترؤن على أعظم من هذا قال: "فاختاروا منهم خمسين فاستحلِفوهم، فأبوا، فوداه النبي صلى الله عليه وسلم من عنده" (¬4). شروط استيفاء القصاص: يشترط لاستيفاء القصاص ثلاثة شروط: ا- تكليف المستحق: فإن كان مستحقه صبيا أو مجنونا حبس الجانى إلى تكليفه. 2 - اتفاق المستحقين على استيفائه، فإن عما بعضهم سقط القصاص. ¬
عن زيد بن وهب: "أن عمر رضي الله عنه رفع إليه رجل قتل رجلا، فأراد أولياء المقتول قتله، فقالت أخت المقتول -وهي امرأة القاتل- قد عفوت عن حصتى من روى. فقال عمر: عتق الرجل من القتل" (¬1). وعنه قال: "وجد رجل عند امرأته رجلا، فقتلها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فوجد عليها بعض إخوتها، فتصدق عليه بنصيبه، فأمر عمر رضي الله عنه لسائرهم بالدية" (¬2). 3 - أن لا يتعدى الجانى إلى غيره، فإذا كان القصاص قد وجب على امرأة حامل لم تقتل حتى تضع حملها وتسقيه اللبأ (¬3). عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: "أن امرأة من غامد سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنى قد فجرت. فقال: ارجعي. فرجعت، فلما كان الغد أتته فقالت: لعلك أن تردنى كما رددت ماعز بن مالك؟ فوالله إنى لحبلى، فقال لها ارجعي، فرجعت فلما كان الغد أتته، فقال لها: ارجعي حتى تلدى، فرجعت، فلما ولدت أتته بالصبى فقالت: هذا قد ولدته، فقال: ارجعي فارضعيه حتى تفطميه، فجاءت به وقد فطمته، وفي يده شيء يأكله، فأمر بالصبى فدفع إلى رجل من المسلمين، وأمر بها فحفر لها، وأمر بها فرجمت. وكان خالد فيمن يرجمها فرجمها بحجر، فوقعت قطرة من دمها على وجنته، فسبّها، فقال له صلى الله عليه وسلم: مهلا يا خالد، فوالذى نفسى بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغفر له. وأمر بها فصلّى عليها فدفنت" (¬4). ¬
بم يكون القصاص؟
بم يكون القصاص؟ الأصل في القصاص أن يُقتل القاتل بالطريقة التي قتل بها؛ لأن ذلك مقتضى المماثلة والمساواة، ولقول الله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} (¬1) وقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} (¬2) ولأن الرسول صلى الله عليه وسلم رضخ رأس اليهودى بحجر كما رضح هو رأس المرأة بحجر (¬3). القصاص من حق الحاكم: قال القرطبي: "لا خلاف أن القصاص في القتل لا يقيمه إلا أولوا الأمر، فرضٌ عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود، وغير ذلك؛ لأن الله سبحانه طالب جميع المؤمنين بالقصاص، ثم لا يتهيأ للمؤمنين جميعًا أن يجتمعوا على القصاص، فأقاموا السلطان مقام أنفسهم في إقامة القصاص وغيره من الحدود" (¬4). وعلة ذلك ما ذكره الصاوى -حاشيته على الجلالين- قال: "فحيث ثبت أن القتل عمدًا عدوانًا، وجب على الحاكم الشرعى أن يمكن ولى المقتول من القاتل، فيفعل فيه الحاكم ما يختاره الولى من القتل، أو العفو، أو الدية، ولا يجوز للولي التسلط على القاتل من غير إذن الحاكم؛ لأن فيه فسادًا وتخريبًا. فإذا قتله قبل إذن الحاكم عُزِّر" (¬5). القصاص فيما دون النفس: كما يثبت القصاص في النفس، فإنه يثبت كذلك فيما دونها لقوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (¬6) وهذا الحكم وإن كان كتب على من قبلنا فهو شرع لنا، لتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - له. فقد روى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن الرُّبيِّع بنت ¬
شروط القصاص فيما دون النفس
النضر بن أنس كسرت ثنية جارية، ففرضوا عليهم الأرش، فأبوا إلا القصاص، فجاء أخوها أنس بن النضر فقال: يا رسول الله تكسر ثنية الربيع! والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أنس كتاب الله القصاص". فرضى القوم وعفوا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرّه" (¬1). شروط القصاص فيما دون النفس: يشترط في القصاص فيما دون النفس الشروط الآتية: 1 - تكليف الجانى. 2 - تعمد الجناية. لأن الخطأ لا يوجب القصاص في النفس وهي الأصل، فما دونها أولى. 3 - أن يكون دم المجنى عليه مكافئا لدم الجانى. فلا يقتص من مسلم جرح ذميا, ولا من حرّ جرح عبدا ,ولا يقتص من والد جرح ولدًا. القصاص في الأطراف: يشترط في القصاص في الأطراف ثلاثة شروط: 1 - إمكان الاستيفاء بلا حيفِ: بأن يكون القطع من مفصل كالمرفق والكوع، أو ينتهى إلى حدّ كمارن الأنف، وهو ما لان منه دون قصبته. فلا قصاص في جائفة، ولا في قطع بعض الساعد، ولا في عظم دون السنّ. 2 - المماثلة في الاسم والموضع: فلا تقطع يمين بيسار، ولا يسار بيمين، ولا خنصر ببنصر، ولا عكس، لعدم المساواة في الاسم، ولا يؤخذ أصلى بزائد، لعدم المساواة في الموضع والمنفعة. ¬
القصاص من جراح العمد
3 - استواء طرف الجانى والمجنى عليه في الصحة والكمال، فلا يؤخذ عضو صحيح بعضو أشل، ولا يد صحيحة بيد ناقصة الأصابع، ويجوز العكس. القصاص من جراح العمد: وأما جراح العمد، فلا يجب فيها القصاص إلا إذا كان ذلك ممكنا، بحيث يكون مساويا لجراح المجنى عليه من غير زيادة ولا نقص. فإذا كانت المماثلة والمساواة لا يتحققان إلا بمجاوزة القدر، أو بمخاطرة، أو إضرار، فإنه لا يجب القصاص، وتجب الدية. الدية تعريفها: الدية هى المال الذي يجب بسبب الجناية، وتؤدى إلى المجنى عليه أو وليه. وهي تنتظم ما فيه القصاص، وما لا قصاص فيه. وتسمى الدية بـ "العقل". وأصل ذلك: أن القاتل كان إذا قتل قتيلا جمع الدية من الإبل، فعقلها بفناء أولياء المقتول، أي شدّها بعقالها ليسلمها إليهم. يقال: عقلت عن فلان إذا غرمت عنه دية جنايته. وأصل ذلك قول الله سبحانه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬1). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض، وثلاثون بنت لبون، وثلاثون ¬
القتل الذي تجب فيه
حقة، وعشرة بني لبون ذكر" (¬1). وعنه قال: "كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار، أو ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين. قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر رحمه الله، فقام خطيبا فقال: ألا إن الإبل قد غلت، قال: ففرضها عمر على أهل الذهب: ألف دينار، وعلى أهل الورِق: اثنى عشر ألفا، وعلى أهل البقر مائتي بقرة، وعلى أهل النساء ألفى شاة، وعلى أهل الحلل (¬2) مائتى حلة. قال: وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية" (¬3). القتل الذي تجب فيه: من المتفق عليه بين العلماء أنها تجب في القتل الخطأ وفي شبه العمد، وفي العمد الذي وقع ممن فقد شرطا من شروط التكليف، مثل الصغير والمجنون، وفي العمد الذي تكون فيه حرمة المقتول ناقصة عن حرمة القاتل، مثل الحر إذا قتل عبدًا. كما تجب على النائم الذي انقلب في نومه على آخر فقتله. وعلى من سقط على غيره فقتله. ¬
أنواع الدية
أنواع الدية: الدية تكون مغلظة ومخففة، فالمخففة تجب في قتل الخطأ، والمغلظة تجب في شبه العمد. وأما دية قتل العمد إذا عما ولىّ الدم فهي ما اصطلحوا عليه، لما سبق من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "من قتل متعمدا دُفع إلى أولياء المقتول، فإن شاءوا قتلوا، وإن شاءوا أخذوا الدية، وهي: ثلاثون حقة، وثلاثون جذعة وأربعون خلفة، وما صولحوا عليه فهو لهم، وذلك لتشديد العقل". والدية المغلظة: مائة من الإبل في بطون أربعين منها أولادها. لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا مائة من الإبل: منها أربعون في بطونها أولادها" (¬1). وتكون في مال الجانى وحده. أما دية الخطأ وشبه العمد فعلى عاقلة القاتل، وهم عصبته، أي: قرابته المذكور البالغون -من قبل الأب- الموسرون العقلاء. ويدخل فيهم: الأعمى، والزّمن، والهرم، إن كانوا أغنياء، ولا يدخل فيهم: أنثى، ولا فقير، ولا صغير، ولا مجنون، ولا مخالف لدين الجانى؛ لأن مبنى هذا الأمر على النصرة، وهؤلاء ليسوا من أهلها. وأصل وجوب الدية على العاقلة: حديث أبى هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فقضى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن دية جنينها عبد أو وليدة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها" (¬2). ¬
دية الأعضاء
دية الأعضاء: يوجد في الإنسان من الأعضاء ما منه عضو واحد: كالأنف، واللسان، والذكر، ويوجد فيه ما منه عضوان: كالعينين، والأذنين، واليدين. ويوجد ما هو اكثر من ذلك. فإذا أتلف إنسان من إنسان آخر هذا العضو الواحد أو هذين العضوين وجبت الدية كاملة. وإذا أتلف أحد العضوين وجب نصف الدية. فتجب الدية كاملة في الأنف، والعينين، وفي العين الواحدة نصفها، وفي جفني إحدى العينين نصفها، وفي جفن واحدة منها ربعها. وفي أصابع اليدين والرجلين الدية كاملة، وفي كل أصبع عشر من الإبل. وفي الأسنان كمال الدية، وفي كل سنّ خمس من الإبل. عن أبى بكر بن عبيد الله بن عمر عن عمر عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "في الأنف الدية إذا استُوعب جدعُه مائة من الإبل، وفي اليد خمسون، وفى الرجل خمسون، وفي العين خمسون، وفي الآمة ثلث النفس، وفي الجائفة ثلث النفس، وفي المنقلة خمس عشرة، وفي الموضحة خمس، وفي السنّ خمس، وفي كل أصبع مما هنالك عشر" (¬1). وعن أبى بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات: وفيه: "أن في النفس الدية مائة من الإبل، وفي الأنف إذا أوعب جَدعُه الدية، وفي اللسان الدية، وفي الشفتين الدية، وفي البيضتين الدية، وفي الذكر الدية، وفي الصلب الدية، وفي العينين الدية، وفي الرجل الواحدة نصف الدية، وفي المأمومة ثلث الدية، وفي الجائفة ثلث الدية، وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل، وفي كل إصبع من الأصابع من اليد والرجل عشر من الإبل، وفي السنّ خمس من الإبل، وفي الموضحة خمس من الإبل (¬2). ¬
دية منافع الأعضاء
دية منافع الأعضاء: إذا ضرب إنسان إنسانا فذهب عقله أو حاسة من حواسه، كسمعه أو بصره، أو شمه أو ذوقه، أو كلامه بجميع حروفه، ففى كلٍّ من ذلك الدية كاملة. عن عوف قال: سمعت شيخًا قبل فتنة ابن الأشعث، فنعت نعته فقالوا: ذلك أبو المهلب عم أبى قلابة، قال: "رُمى رجل بحجر في رأسه، فذهب سمعه ولسانه وعقله وذكره، فلما يقرب النساء، فقضى فيه عمر رضي الله عنه بأربع ديات" (¬1). وإذا فقئت عين الأعور الصحيحة ففيها الدية كاملة، قضى بذلك عمر وابنه عبد الله وعلىّ بن أبي طالب. عن قتادة قال: سمعت أبا مجلز قال: "سألت عبد الله بن عمر عن الأعور تفقأ عينه". فقال: عبد الله بن صفوان: قضى فيه عمر رضي الله عنه بالدية. فقلت: إنما أسال ابن عمر، فقال: أوليس يحدثك عن عمر" (¬2). وعن قتادة عن خلاس عن علي رضي الله عنه: أنه كان يقول في الأعور إذا فقئت عينه: "إن شاء أخذ الدية كاملة، وإن شاء أخذ نصف الدية، وفقأ بالأخرى إحدى عيني الفاقئ" (¬3). دية الشجاج: الشجاج: هى الإصابات التي تقع بالرأس والوجه. وهي عشرة أنواع: 1 - الخارصة: وهي التي تقشر الجلد ولا تدميه. 2 - الدامية: وهي التي تدميه. ¬
دية الجائفة
3 - الباضعة: وهي التي تشق اللحم شقا كبيرا. 4 - المتلاحمة: وهي التي تغوص في اللحم. 5 - السمّحاق: وهي التي يبقى بينها وبين العظم جلدة رقيقة. فهذه خمس شجاج ليس فيها قصاص (¬1). ولا أرش مقدر، وتجب فيها حكومة (¬2). 6 - الموضحة: وهي التي تبلغ إلى العظم. وفيها خمس من الإبل. 7 - الهاشمة: وهي التي تهشم العظم أي تكسره. وفيها عشر من الإبل. 8 - المنقلة: وهي التي ينقل منها العظم من موضع إلى موضع. وفيها خمس عشرة من الإبل. 9 - المأمومة أو الآمة: وهي التي لا يبقى بينها وبين الدماغ إلا جلدة رقيقة. وفيها ثلث الدية. 10 - الدامغة: وهي التي تبلغ الدماغ. وفيها أيضًا ثلث الدية. دية الجائفة: الجائفة: هى كل ما يصل إلى الجوف: كبطن، وظهر، وصدر، وحلق، ومثانة. وفيها ثلث الدية، لما في كتاب عمرو بن حزم "وفي الجائفة ثلث الدية". دية المرأة: دية المرأة إذا قُتلت خطأ نصف دية الرجل، وكذلك دية أطرافها وجراحاتها على النصف من دية الرجل وجراحاته: ¬
دية أهل الكتاب
عن شريح قال: "أتانى عروة البارقي من عند عمر أن جراحات الرجال والنساء تستوي في السنّ والموضحة، وما فوق ذلك فدية المرأة على النصف من دية الرجل" (¬1). دية أهل الكتاب: دية أهل الكتاب إذا قتلوا خطأ نصف دية المسلم، فدية الذكر منهم نصف دية المسلم، ودية المرأة من نسائهم نصف دية المرأة المسلمة. عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين، وهم اليهود والنصارى" (¬2). دية الجنين: إذا مات الجنين بسبب الجناية على أمه عمدًا أو خطأ ولم تمت أمه، وجب فيه غرة، سواء انفصل عن أمه وخرج ميتا، أم مات في بطنها، وسواء كان ذكرًا أم أنثى. فإذا ماتت المرأة أيضًا فلها ديتها. عن أبي هريرة قال: "اقتتلت امرأتان من هذيل، فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها، فاختصموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقضى أن دية جنينها عبد أو أمة، وقضى بدية المرأة على عاقلتها، وورثها ولدها ومن معه" (¬3). فإما إذا خرج حيًا ثم مات ففيه الدية كاملة. فإن كان ذكرا وجبت مائة بعير. وإن كان أنثى فخمسون، لأنا تيقنا موته بالجناية، فأشبه غير الجنين. ¬
كتاب القضاء
كتاب القضاء
مشروعيته
مشروعيته: القضاء مشروع بالكتاب والسنة وإجماع الأمة: قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} (¬1). وقال: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} (¬2). وعن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر" (¬3). وأجمع المسلمون على مشروعية القضاء. حكمه: وهو فرض كفاية، ويجب على الإِمام أن يعين في البلاد -حسب حاجتها- من يحكم بينهم، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم بين الناس، وبعث عليا إلى اليمن للقضاء، وحكم الخلفاء الراشدون، وولوا القضاء في الأمصار (¬4). فضله: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضى بها ويعلمها" (¬5). خطره: عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جُعل قاضيا بين الناس فقد ذُبح بغير سكين" (¬6). ¬
النهى عن طلب القضاء
وعن أبي بريدة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "القضاة ثلاثة: اثنان في النار وواحد في الجنة: رجل علم الحق فقضى به فهو في الجنة، ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار، ورجل جَارَ في الحكم فهو في النار" (¬1). النهى عن طلب القضاء: عن عبد الرحمن بن سمرة قال: قال لي النبي - صلى الله عليه وسلم -: يا عبد الرحمن، لا تسأل الإمارة، فإنك إن أُعطيتها عن مسألة وُكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أُعنت عليها" (¬2). متى يستوجب الرجل القضاء؟ قال الحافظ - رحمه الله - في الفتح (13/ 146): قال أبو على الكرابيسي صاحب الشافعي في "كتاب آداب القضاء له": لا أعلم بين العلماء ممن سلف خلافا أن أحق الناس أن يقضى بين المسلمين: من بأن فضله وصدقه وعلمه وورعه، قارئا لكتاب الله، عالمًا بأكثر أحكامه، عالمًا بسنن رسول الله حافظًا لأكثرها، وكذا أقوال الصحابة، عالمًا بالوفاق والخلاف وأقوال فقهاء التابعين، يعرف الصحيح من السقيم، يتبع في النوازل الكتاب، فإن لم يجد فالسنن، فإن لم يجد عمل بما اتفق عليه الصحابة، فإن اختلفوا فما وجده أشبه بالقرآن ثم بالسنة، ثم بفتوى أكابر الصحابة عمل به، ويكون كثير المذاكرة مع أهل العلم، والمشاورة لهم، مع فضل وورع، ويكون حافظًا للسانه وبطنه وفرجه، فهما بكلام الخصوم. ثم لا بد أن يكون عاقلا مائلا عن الهوى. ثم قال: وهذا وإن كنا نعلم أنه ليس على وجه الأرض أحد يجمع هذه الصفات، ولكن يجب أن يطلب من أهل كل زمان أكملهم وأفضلهم اهـ. لا يلى القضاءَ النساءُ: ¬
آداب القاضى
عن أبي بكرة قال: لقد نفعنى الله بكلمة أيام الجمل، لما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن فارسا ملّكوا ابنة كسرى قال: "لن يُفلح قوم ولُّوا أمرهم امرأة" (¬1). آداب القاضى: يجب على القاضى أن يعدل بين الخصمين في لحظه، ولفظه، ومجلسه، والدخول عليه (¬2): عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري: أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة متبعة، فافهم إذا ادى إليك، فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاد له، واس بين الناس في وجهك، ومجلسك، وعدلك، ولا يطمع شريف في حيفك" (¬3). ويحرم عليه أخذ الرشوة والهدية: عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "لعنة الله على الراشي والمرتشي" (¬4). وعن أبي حميد الساعدى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "هدايا العمال غلول" (¬5). ويحرم عليه الحكم وهو غضبان: عن عبد الملك بن عمير قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة قال: كتب أبو بكرة إلى ابنه -وكان بسجستان- بأن لا تقضى بين اثنين وأنت غضبان، فإنى سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقضين حكم بين اثنين وهو ¬
قضاء الحاكم لا يغير من الحق شيئا
غضبان" (¬1). قضاء الحاكم لا يغيّر من الحق شيئا: من قُضى له بحق أخيه فلا يأخذه، فإن قضاء الحاكم لا يُحل حراما ولا يُحرّم حلالا: عن أم سلمة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع خصومة بباب حجرته، فخرج إليهم فقال: "إنما أنا بشر، وإنه يأتينى الخصم، فلعلّ بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق، فأقضى له بذلك، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هى قطعة من النار، فليأخذها أو ليتركها" (¬2). الدعاوى والبينات: الدعاوى: جمع دعوى، وهي في اللغة: الطلب، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} (¬3) أي تطلبون. وفي الشرع: إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شئ في يد غيره أو في ذمته. والمدَّعي: هو الذي يطالبُ بالحقِّ، وإذا سَكَتَ عن المطالبة تُرِكَ. والمدّعَى عليه: هو المطالبُ بالحق، وإذا سكتَ لم يُتْركّ (¬4). والبينات: جمع بيّنة، وهي العلامة، كالشاهد ونحوه. والأصل في هذا حديث ابن عباس: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لو يُعطى الناس بدعواهم، ادّعى ناس دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين ¬
إثم من ادعى ما ليس له
على المدْعى عليه" (¬1). وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "البينة على المدّعى، واليمين على المدّعى عليه" (¬2). إثم من ادّعى ما ليس له: عن أبي ذر أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من ادّعى ما ليس له فليس منا، وليتبوأ مقعده من النار" (¬3) إثم من حلف على يمين فاجرة ليقتطع بها مالًا: عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين، وهو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئ مسلم، لقى الله وهو عليه غضبان" (¬4). وعن أبي أمامة الحارثى أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يقتطع رجل حق امرئ مسلم بيمينه، إلا حرمّ الله عليه الجنة، وأوجب له النار". فقال رجل من القوم: يا رسول الله، وإن كان شيئًا يسيرا؟ قال: "وإن كان سواكا من أرأك" (¬5). طرق إثبات الدعوى: ¬
الإقرار
وطرق إثبات الدعوى هى: الإقرار، والشهادة، واليمين (¬1). الإقرار: الإقرار: هو الاعتراف بالحق، والحكم به واجب، إذا كان المقرّ مكلفا مختارًا (¬2). "وقد رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعزا والغامدية والجهنية بإقرارهم. وقال - صلى الله عليه وسلم -: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها (¬3). الشهادة تحمل الشهادة في حقوق الآدميين فرض كفاية، لقوله تعالى {وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} (¬4). وأداؤها فرض عين، لقوله تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ} (¬5). ويجب علي الشاهد قول الحق ولو على نفسه، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (¬6). ويحرم أن يشهد بغير علم، لقوله تعالى: {إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ ¬
من تقبل شهادته
يَعْلَمُونَ} (¬1). وشهادة الزور من أكبر الكبائر، لحديث أبى بكرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر"؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: "الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئا فجلس وقال: "ألا وقول الزور، وشهادة الزور". فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت" (¬2). من تُقبل شهادته: ولا تقبل الشهادة إلا من المسلم البالغ، العاقل، العدل. فلا تقبل شهادة الكافر ولو على مثله، لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬3). وقوله: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} (¬4) "والكافر ليس بعدل، ولا مرضى، ولا هو منا" (¬5). ولا تقبل شهادة الصبى، لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} (4). والصبى ليس من رجالنا. ولا تقبل شهادة المعتوه والمجنون ونحوهما، لأن قولهم على أنفسهم لا يقبل، فعلى غيرهم أولى. ولا تقبل شهادة الفاسق، لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (3). ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة، ولا زان ولا زانية ولا ذى ¬
نصاب الشهادة
غمر على أخيه" (¬1). نصاب الشهادة: الحقوق ضربان: حق الله تعالى، وحق الآدمى (¬2). فأما حقوق الآدميين فثلاثة أضرب: 1 - ضرب لا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران: وهو ما لا يقصد منه المال، ويطلع عليه الرجال كالزواج والطلاق: قال تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} (¬3). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولى وشاهدى عدل" (¬4). ففى الآية والحديث ورد ذكر الشهود بلفظ التذكير. 2 - وضرب يقبل فيه شاهدان، أو رجل وامرأتان، أو شاهد ويمين المدّعِى: وهو ما كان القصد منه المال: كالبيع والإجارة والرهن ونحو ذلك: قال تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى} (¬5). وعن ابن عباس "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى باليمين مع الشاهد" (¬6). 3 - وضرب يقبل فيه رجلان، أو رجل وامرأتان، أو أربع نسوة، وهو مالًا يطلع عليه الرجال غالبا: كالرضاع والولادة وعيوب النساء الداخلية. وأما حقوق الله تعالى فلا تقبل فيها النساء، لقول الزهرى "لا يُجلد في شيء ¬
اليمين
من الحدود إلا بشهادة رجلين". وهي على ثلاثة أضرب: 1 - ضرب لا يقبل فيه أقل من أربعة وهو الزنا: قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ... } (¬1). 2 - وضرب يقبل فيه اثنان وهو ما سوى الزنا من الحدود، لقول الزهرى السابق. 3 - وضرب يقبل فيه واحد وهو هلال رمضان (¬2). اليمين: إذا عجز المدّعى عن تقديم البينة، وأنكر المدّعى عليه، فليس للمدّعى إلا يمين المدّعى عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "البينة على المدّعِى، واليمين على المدّعَى عليه" (¬3). وعن الأشعث بن قيس الكندى قال: "كانت بيني وبين رجل خصومة في بئر، فاختصمنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "شاهداك أو يمينه". قلت: إنه إذن يحلف ولا يبالى، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من حلف على يمين يستحق بها مالا، وهو فيها فاجر، لقى الله وهو عليه غضبان". فأنزل الله تصديق ذلك، ثم قرأ هذه الآية {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا- إِلى- وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬4). * * * ¬
كتاب الجهاد (*) ¬
تعريفه
تعريفه (¬1): " الجهاد مأخوذ من الجهد وهو الطاقة والمشقة، يقال: جاهد يجاهد جهادًا أو مجاهدة إذا استفرغ وسعه، وبذل طاقته، وتحمل المشاق في مقاتلة العدو ومدافعته. ولا يسمى الجهاد جهادا حقيقيا إلا إذا قصد به وجه الله، وأريد به إعلاء كلمته، ورفع راية الحق، ومطاردة الباطل، وبذل النفس في مرضاة الله، فإذا أريد به شيء دون ذلك من حظوظ الدنيا، فإنه لا يسمى جهادًا على الحقيقة. فمن قاتل ليحظى بمنصب، أو يظفر بمغنم، أو يظهر شجاعة، أو ينال شهرة، فإنه لا نصيب له في الأجر، ولاحظ له في الثواب". فعن أبي موسى قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: الرجل يقاتل للمغنم، والرجل يقاتل للذكر، والرجل يقاتل ليُرى مكانه، فمن في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من قاتل لتكون كلمة الله هى العليا فهو في سبيل الله" (¬2). الترغيب في الجهاد: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من آمن بالله ورسوله، وأقام الصلاة وصام رمضان، كان حقا على الله أن يدخله الجنة، جاهد في سبيل الله، أو جلس في أرضه التي وُلد فيها". قالوا: أفلا نبشر الناس؟ قال: "إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس، فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة" (¬3). ¬
فضل الشهادة
وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثل المجاهد في سبيل الله، كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله" (¬1). وعنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "انتدب الله لمن خرج في سبيله، لا يخرجه إلا إيمان بي وتصديق برسلى، أن أرجعه بما نال من أجر وغنيمة، أو أدخله الجنة" (¬2). فضل الشهادة: عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (¬3). قال: إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل معلقة بالعرش، تسرح من الجنة حيث شاءت، ثم تأوى إلى تلك القناديل، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: أي شيء نشتهى، ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا، ففعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا" (¬4). وعن أنس أن الربيع بنت البراء، وهي أم حارثة بن سراقة، أتت النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬
الترهيب من ترك الجهاد
فقالت: يا رسول الله، ألا تحدثنى عن حارثة -وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غريب- فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، فقال:"يا أم حارثة، إنها جنان في الجنة، وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى" (¬1). وعن المقدام بن معد يكرب قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للشهيد عند الله ست خصال: يُغفر له في أول دفعة، ويرى مقعده من الجنة، ويُجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج ثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويُشفع في سبعين من أقربائه" (¬2). وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الشهيد لا يجد ألم القتل، إلا كما يجد أحدكم ألم القرصة" (¬3). الترهيب من ترك الجهاد: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ (38) إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (¬4). وقال تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ... } (¬5) قال ابن كثير: قال الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبى عمران قال: "حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا ¬
حكمه
أبو أيوب الأنصارى، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا: صحبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وشهدنا معه المشاهد ونصرناه، فلما فشا الإِسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبّبا، فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ونصره حتى فشا الإِسلام وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا "وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة"، فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد". رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم، وابن جرير وابن مردويه، والحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده, وابن حبان في صحيحه, والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم على شرط الشيخين ولم يخرجاه (¬1) أهـ. وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلًا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" (¬2). حكمه: قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (¬3). وهو فرض كفاية، لقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي ¬
آداب القتال
الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} (¬1) "فأخبر جل ثناؤه أن الفضل للمجاهدين، وأن لهم وللقاعدين الحسنى، ولو كان القاعدون مضيعين فرضا، لكان لهم السوء لا الحسنى" (¬2). واعلم أنه يستحب الإكثار من الجهاد، للآيات والأخبار الواردة في ذلك، وأقل ما يجب في السنة مرة, لأنه عليه الصلاة والسلام لم يتركه منذ أُمر به في كل سنة، والاقتداء به واجب ولأنه فرض يتكرر، وأقل ما يجب التكرر في كل سنة مرة، كالصوم والزكاة، فإن دعت الحاجة إلى أكثر من مرة في السنة وجب، لأنه فرض كفاية، فيقدر بقدر الحاجة. والله أعلم أهـ. "ولكنه ينبغى أن نعرف وأن يعرف الناس جميعًا أن القتال في الإِسلام لا يكون حتى يسبقه إعلان، وتخيير بين: قبول الإِسلام، أو أداء الجزية، أو القتال، ويسبقه نبذ العهد إن كان هناك عهد -في حالة الخوف من الخيانة - والأحكام النهائية تجعل العهد لأهل الذمة الذين يقبلون مسالمة الإِسلام وأداء الجزية، ولا عهد في غير هذه الحالة، إلا أن يكون بالمسلمين ضعف يجعل الحكم المتعين في حالتهم هذه هو الحكم المرحلى الذي كان في حالة تشبه الحالة التي هم فيها (¬3). آداب القتال: عن بريدة رضي الله عنه قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أمّر الأمير على جيش أو سرية وصّاه في خاصته بتقوى الله تعالى، وبمن معه من المسلمين خيرا، ثم قال: "اغزوا باسم الله، في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا ولا ¬
تغدروا, ولا تمثلوا, ولا تقتلوا وليدا، فهذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خلال، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ادعهم إلى الإِسلام، فإن أجابوك فأقبل منهم وكُفّ عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما عليهم، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجرى عليهم حكم الله تعالى، الذي يجرى على المؤمنين، ولا يكون لهم من الغنيمة والفئ شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين. وإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم" (¬1). وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "وُجدت امرأة مقتولة في بعض مغازى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن قتل النساء والصبيان" (¬2). وأرسل النبي - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى أهل اليمن معلما، فكانت وصيته له: "إنك تأتى قوما أهل كتاب، فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأنى رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم بأن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم بأن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك، فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (¬3). ¬
على من يجب الجهاد؟
على من يجب الجهاد؟ يجب على كل مسلم، بالغ، عاقل، حر، ذكر، قادر على القتال، واجد من المال ما يكفيه وأهله في غيبته. أما وجوبه على المسلم دون الكافر فواضح، إذ أن الجهاد قتال الكافرين. وأما وجوبه على البالغ دون الصبى، فلقول ابن عمر: "عُرضت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزنى، ثم عُرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازنى" (¬1). وأما وجوبه على العاقل دون غيره فلحديث "رفع القلم عن ثلاثة" (¬2). وأما وجوبه على الرجال دون النساء فلحديث عائشة: "يا رسول الله، هل على النساء جهاد، قال: جهاد لا قتال فيه: الحج والعمرة" (¬3). وأما عدم وجوبه على المريض وغير الواجد فلقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ} (¬4). وأما عدم وجوبه على غير الحر فلأن العبد مملوك لسيده، ولا يستطيع الجهاد بدون إذنه. متى يكون الجهاد فرض عين؟ ولا يكون الجهاد فرض عين إلا في الحالات الآتية: 1 - أن يحضر المكلف صف القتال: ¬
أسرى الحرب
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} (¬1). وقال تعالي: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ} (¬2). 2 - إذا وطئ العدو بلدا من بلاد المسلمين. 3 - إذا استنفر الحاكم أحدًا من المكلفين: لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا هجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا" (¬3). أسرى الحرب: ومن سُبى من الكفار فهو على ضربين: ضرب يكون رقيقا بنفس السبى، وهم النساء والصبيان, لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - "نهى عن قتل النساء والصبيان" (¬4). وكان - صلى الله عليه وسلم - يقسم السبى كما يقسم المال. وضرب لا يرق بنفس السبى: وهم الرجال البالغون، والإمام مخير فيهم بين: القتل، والاسترقاق، والمنّ، والفدية بالمال أو الرجال، يفعل من ذلك ما فيه المصلحة. قال تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ} (¬5). وقد قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - رجال بني قريظة، واسترق بني المصطلق، ومنّ على أبى العاص بن الربيع، وثمامة بن أثال، وفدى أسرى بدر بمال، وفدى رجلين منِ أصحابه برجل من المشركين من بني عقيل. وقد قال تعالى: {فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} (¬6). ¬
السلب
السلب: " ومن قتل قتيلًا فله سلبه" (¬1)، وهو ما عليه من ثياب وحلى وسلاح، وكذا دابته التي قتل عليها. الغنائم: وتقسم الغنائم بعد ذلك، فيعطى أربعة أخماسها لمن شهد الوقعة، للراجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ... } الآية (¬2). وعن ابن عمر قال: "رأيت المغانم تجزء خمسة أجزاء ثم يسهم عليها، فما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو له يتخير". وعنه أيضًا "أن رسول الله أسهم يوم خيبر، للفارس ثلاثة أسهم، للفرس سهمان، وللرجل سهم" (¬3). وعن ابن عباس: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفارس ثلاثة أسهم، وأعطى الراجل سهما" (¬4). ولا يُسهم إلا لمن استُكملت فيه خمس شرائط: الإِسلام، والبلوغ، والعقل والحرية، والذكورة، فإن اختل شرط من ذلك رُضخ (¬5) له ولم يُسهم لأنه ليس ممن يجب عليه الجهاد. ¬
مصارف الخمس
عن عُمير مولى آبى اللحم قال: "غزوت مع مولاى يوم خيبر، وأنا مملوك، فلم يقسم لي من الغنيمة، وأُعطيت من خُرثىّ المتاع، سيفا، وكنت أجرّه إذا تقلدته" (¬1). وعن ابن عباس قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غزو بالنساء فيداوين الجرحى، ويُحْذَيْنَ من الغنيمة، فأما بسهم فلم يضرب لهن" (¬2). مصارف الخمس: ويقسم الخمس الباقي على خمسة أسهم: سهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويصرف بعده للمصالح، وسهم لذوى القربى، وهم بنو هاشم وبنو المطلب، وسهم لليتامى، وسهم للمساكين، وسهم لأبناء السبيل: قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (¬3). الفىء: تعريفه: الفىء: مأخوذ من قولهم: فاء، إذا رجع. وشرعا: هو ما أخذ من الكفار من غير قتال، كالمال الذي تركوه فزعًا من المسلمين، والجزية والخراج، والأموال التي يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة. ¬
عقد الذمة
عقد الذّمة: الذمة: هى العهد والأمان: وعقد الذمة: هو أن يقر الحاكم أو نائبه بعض أهل الكتاب أو غيرهم من الكفار على كفرهم بشرطين: أن يبذلوا الجزية، وأن يلتزموا أحكام الإِسلام في الجملة (¬1). والأصل في هذا العقد قول الله سبحانه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (¬2). موجب هذا العقد: وإذا تم عقد الذمة ترتب عليه حرمة قتالهم، والحفاظ على أموالهم وصيانة أعراضهم وكفالة حريتهم، والكف عن أذاهم (¬3) لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال، فأيتهن ما أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم: ادعهم إلى الإِسلام فإن أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فأقبل منهم وكف عنهم" (¬4). الأحكام التي تجرى على أهل الذمة: تجرى عليهم أحكام الإِسلام في حقوق الآدميين، في العقود والمعاملات، ¬
متى ينتقض العهد؟
وأروش الجنايات، وقيم المتلفات، وتقام عليهم الحدود (¬1). عن أنس: "أن يهوديا رضّ رأس جارية بين حجرين. قيل: من فعل هذا بك؟ أفلان؟ أفلان؟ حتى سُمى اليهودى، فأومأت برأسها، فأخذ اليهودى فاعترف، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - به فرضّ رأسه بين حجرين" (¬2). وعن ابن عمر: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أُتى بيهودين قد فجرا بعد إحصانهما فرجمهما" (¬3). متى ينتقض العهد؟ ومن أبى من أهل الذمة بذل الجزية، أو أبى التزام أحكام الإِسلام فقد انتقض عهده, لأنه لم يف بشرط العهد. وكذلك ينتقض العهد بالاعتداء على المسلمين، أو سبّ الله ورسوله. عن عمر رضي الله عنه "أنه رفع إليه رجل أراد استكراه امرأة مسلمة على الزنا، فقال: ما على هذا صالحناكم، فأمر به فصُلب في بيت المقدس" (¬4). وعن عليّ رضي الله عنه: "أن يهودية كانت تشتم النبي - صلى الله عليه وسلم - وتقع فيه، فخنقها رجل حتى ماتت، فأبطل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دمها" (¬5). ¬
موجب النقض
موجب النقض: وإذا انتقض عهده كان حكمه حكم الأسير، فإن أسلم حرم قتله، وان لم يسلم فالإمام مخير فيه بين القتل، والمن، والفداء، كما سبق في حكم الأسرى. ممن تؤخذ الجزية؟ عن نافع عن أسلم: "أن عمر رضي الله عنه كتب إلى أمراء الأجناد: لا تضربوا الجزية على النساء والصبيان، ولا تضربوها إلا على من جرت عليه المواسى" (¬1). قدرها: عن معاذ رضي الله عنه "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما وجهه إلى اليمن، أمره أن يأخذ من كل حالم دينارًا أو عدله من المعافرة" (¬2). وتجوز الزيادة لحديث أسلم: "أن عمر بن الخطاب ضرب الجزية على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الورق أربعين درهما، ومع ذلك أرزاق المسلمين وضيافة ثلاثة أيام" (¬3). ويُراعى الإِمام اليسر والعسر، لقول ابن أبي نجيح: قلت لمجاهد: ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير، وأهل اليمن عليهم دينار؟ قال: جُعل ذلك من قبل اليسار" (¬4). ¬
كتاب العتق
كتاب العتق
تعريفه
تعريفه (¬1): العتق -بكسر المهملة- إزالة الملك. قال الأزهرى: وهو مشتق من قولهم: عتق الفرس، إذا سبق، وعتق الفرخ، إذا طار، لأن الرقيق يتخلص بالعتق ويذهب حيث شاء. الحث عليه وفضله: قال تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12) فَكُّ رَقَبَةٍ .. } الآيات (¬2). عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - "أيما رجل أعتق امرءًا مسلما استنفذ الله بكل عضو منه عضوا منه من النار" (¬3). وعن أبي موسى الأشعرى رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه، وأدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - فآمن به، واتبعه وصدقه، فله أجران. وعبد مملوك أدى حق الله وحق سيده، فله أجران. ورجل كانت له أمة فغذاها فأحسن غذاءها، ثم أدبها فأحسن تأديبها، وعلمها فأحسن تعليمها، ثم أعتقها وتزوجها، فله أجران" (¬4). أي الرقاب أفضل: عن أبي ذر رضي الله عنه قال: "سألت النبي - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: إيمان بالله وجهاد في سبيله. قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: أعلاها ثمنا وأنفسها عند أهلها" (¬5). ¬
متى تستحب العتاقة؟
متى تستحب العتاقة؟ عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنهما قالت: "أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالعتاقة في الكسوف" (¬1). أسباب العتق (¬2): يحصل العتق بتبرع المالك به ابتغاء وجه الله، للأحاديث السابقة في فضله. ويحصل بالملك، فمن ملك ذا رحم محرم فهو حر. عن سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من ملك ذا رحم محرم فهو حر" (¬3). ويحصل عتق العبد كله إذا أعتق بعضه، وإذا كان عبد بين اثنين فأعتق أحدهما، فإن كان موسرا قُوِّم عليه العبد، وأعطى شريكه حصته، وعتق العبد كله: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق شركا له في عبد فكان له مال يبلغ ثمن العبد، قوِّم العبد عليه قيمة عدل، فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد، وإلا فقد عَتَق منه ما عتق" (¬4). وإن لم يكن للمعتق مال فقد عتق من العبد ما عتق، وعلى العبد السعي في عتق ما بقى منه بأن يعمل حتى يحصل لسيده قيمة ما يملك منه: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من أعتق نصيبًا- أو شقيصًا- في مملوك، فخلاصه عليه في ماله إن كان له مال، وإلا قوِّم عليه فاستِسعى به غير مشقوق عليه" (¬5). التدبير: وهو تعليق العتق بالموت، كقوله لرقيقه: إن متُّ فأنت حرُ بعد موتي، فإذا مات أعتق إن كان من ثلث ماله لا يزيد (¬6). ¬
ويصح بيع المدبر وهبته
عن عمران بن حصين: "أن رجلًا كان له ستة مملوكين، ليس له مال غيرهم، فأعتقهم عند موته، فجزّأهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أثلاثًا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرق أربعة، وقال له قولًا شديدًا" (¬1). ويصح بيع المدبر وهبته: عن جابر بن عبد الله قال: "بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن رجلًا من أصحابه أعتق غلامًا له عن دبر، لم يكن له مال غيره فباعه بثمانمائة درهم، ثم أرسل بثمنه إليه" (¬2). الكتابة: تعريفها (¬3): الكتابة: تعليق عتق بصفة على معاوضة مخصوصة. حكمها: إذا قال العبد لسيده كاتبنى وجب على سيده أن يجيبه إلى ما طلب إن علم قدرته على الكسب. لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} (¬4). وعن موسى بن أنس "أن سيرين سأل أنسا الكتابة -وكان كثير المال- فأبى، فانطلق إلى عمر رضي الله عنه، فقال: كاتبه، فأبى، فضربه بالدِّرة، ويتلو عمر "فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا" فكاتبه (¬5). ومتى يعتق؟ ومتى أدى المكاتب ما عليه لسيده، أو أبرأه منه عتق، وهو عبد حتى يؤدى كل ما عليه: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ¬
بيع المكاتب
"المكاتب عبد ما بقى عليه من كتابته درهم" (¬1). بيع المكاتب: وبصح بيع المكاتب إذا رضي: عن عمرة بنت عبد الرحمن: "أن بريرة جاءت تستعين عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، فقالت لها: إن أحب أهلك أن أصبّ لهم ثمنك صبّة واحدة وأعتقك فعلت. فذكرت بريرة ذلك لأهلها، فقالوا: لا، إلا أن يكون الولاء لنا. قال مالك: قال يحيى: فزعمت عمرة أن عائشة ذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "اشتريها وأعتقيها، فإنما الولاء لمن أعتق" (¬2). الولاء: والولاء -بالفتح والمد-: حق ميراث المعتق من المعتق - بالفتح. ولا يرث صاحب الولاء إلا عند عدم عصبات النسب، كما تقدم. ولا يجور بيع الولاء ولا هبته: لحديث ابن عمر: "نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وهبته" (¬3). الخاتمة نسأل الله حسنها قال/ عبد العظيم بن بدوي الخلفي: هذا آخر ما أردت جمعه وترتيبه في هذا الكتاب الوجيز، فإن أكن وفقت فيه للحق والصواب فذلك ما أردت، وإن كانت الأخرى فأسأل الله أن يغفر لي ويعفو عني، وقد جعلت العتق آخره تفاؤلًا بأن يكون سبب عتقى من النار ودخولي في رحمة العزيز الغفار. وأسأله سبحانه أن يضع لهذا الكتاب القبول في السماء والأِرض، ِ وِأن يكتب لي به أجرًا، وِيحط عنىِ به وزرًا، ويجعله لي عنده ذخرًا: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ}. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ¬
1 - القرآن الكريم - طبعة الشمرلي 2 - أحكام الجنائز - طبعة المكتب الإِسلامي سنة 1986م - الألباني 3 - آداب الزفاف - طبعة المكتبة الإِسلامية سنة 1409هـ - الألباني 4 - الإجماع - طبعة دار طيبة سنة 1982م - ابن المنذر 5 - إحكام الأحكام - طبعة دار الكتب العلمية - ابن دقيق العيد 6 - إرشاد الساري - محمد إبراهيم شقرة 7 - إرواء الغليل - طبعة المكتب الإِسلامي سنة 1985م - الألباني 8 - الأم طبعة - دار المعرفة سنة 1973م - الشافعي 9 - بداية المجتهد - طبعة دار المعرفة سنة 1981م - ابن رشد القرطبي 10 - تحفة الأحوذي - طبعة دار الفكر سنة 1979م - المباركفوري 11 - تفسير القرآن العظيم - طبعة دار المعرفة سنة 1983م - ابن كثير 12 - التقريب لفقه ابن قيم الجوزية - بكر أبو زيد 13 - تمام المنة - طبعة المكتب الإِسلامي سنة 1408هـ - الألباني 14 - جامع البيان طبعة - دار الفكر سنة 1984م - ابن جرير الطبري 15 - الروضة الندية - طبعة دار المعرفة سنة 1978م - صديق حسن خان 16 - زاد المعاد - طبعة مؤسسة الرسالة سنة 1986م - ابن قيم الجوزية 17 - سبل السلام - مكتبة الرسالة الحديثة سنة 1971م - الأمير الصنعاني 18 - السلسلة الصحيحة - المكتب الإسلامي سنة 1985م - الألباني 19 - سنن ابن ماجه - طبعة دار الفكر - ابن ماجه 20 - سنن البيهقي - طبعة دار المعرفة - البيهقي 21 - سنن الترمذي - طبعة دار الفكر سنة 1983م - الترمذي 22 - سنن الدارقطني - طبعة دار المحسن - الدارقطني 23 - سنن الدارمي - حديث أكادمى باكستان سنة 1984م - الدارمي 24 - سنن النسائي - طبعة دار الفكر سنة 1930م - النسائي 25 - السيل الجرار - طبعة دار الكتب العلمية سنة 1985م - الشوكاني 26 - صحيح ابن خزيمة - المكتب الإِسلامي سنة 1975م - الألباني 27 - صحيح الجامع - المكتب الإِسلامي سنة 1969م - الألباني 28 - صحيح سنن ابن ماجه - المكتب الإسلامي سنة 1986م - الألباني 29 - صحيح سنن أبي داود - المكتب الإسلامي سنة 1989م - الألباني 30 - صحيح مسلم - دار الفكر سنة 1983م - ترتيب محمد فؤاد عد الباقي 31 - صحيح مسلم بشرح النووي - طبعة دار إحياء التراث العربي سنة 1972م - النووي
32 - صفة صلاة النبي (صلى الله عليه وسلم) - طبعة مكتبة المعارف سنة 1991م - الألباني 33 - شرح الزرقاني على الموطأ - طبعة دار المعرفة سنة 1987م - الزرقاني 34 - شرح السنة - طبعة المكتب الإسلامي سنة 1983م - البغوي 35 - شرح معانى الآثار - طبعة دار الكتب العلمية سنة 1979م - الطحاوي 36 - عون المعبود - دار الفكر سنة 1979م - شمس الحق العظيم آبادي 37 - فتح الباري - طبعة دار المعرفة - ابن حجر العسقلاني 38 - الفتح الرباني - طبعة دار الشهاب - أحمد عبد الرحمن البنا 39 - فقه السنة - طبعة دار الفكر سنة 1977م - سيد سابق 40 - في ظلال القرآن - سيد قطب 41 - كشف الأستار عن زوائد البزار - طبعة مؤسسة الرسالة سنة 1984م - الهيثمي 42 - كفاية الأخيار - طبعة دار المعرفة - تقي الدين الحصني 43 - مجمع الزوائد - طبعة مؤسسة المعارف سنة 1986م - الهيثمي 44 - المجموع شرح المهذب - طبعة دار الفكر النووي 45 - مجموع فتاوى ابن تيمية - طبعة الرئاسة العامة لشئون الحرمين الشرفين - جمع وترتيب عبد الرحمن بن محمد بن قاسم 46 - المحلى - طبعة دار الآفاق الجديدة - أبو محمد بن حزم 47 - مختصر سنن أبي داود - طبعة مكتبة السنة المحمدية - المنذري 48 - المستدرك - طبعة دار الكتب العلمية - الحاكم محمد بن عبد الله 49 - مشكاة المصابيح - طبعة الإسلامي سنة 1985م - الخطيب التبريزي تحقيق الألباني 50 - مصنف ابن أبي شيبة - طبعة الدار السلفية بالهند سنة 1979م - ابن أبي شيبة 51 - المعجم الكبير - طبعة مكتبة ابن تيمية - الطبراني تحقيق حمدي السلفي 52 - المغني - طبعة رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء سنة 1981م - ابن قدامة المقدسي 53 - المقنع - طبعة المؤسسة السعيدية - ابن قدامة المقدسي 54 - منار السبيل - طبعة المكتبة الإسلامي سنة 1984م - إبراهيم بن ضويان 55 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان - طبعة دار الكتب العلمية - نور الدين الهيثمي 56 - الموافقات - طبعة دار المعرفة - أبو إسحاق الشاطبي 57 - نيل الأوطار - طبعة دار الأجيال سنة 1973م - الشوكاني