الوجيز في حكم تجويد الكتاب العزيز

محمد بن سيدي محمد الأمين

والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا ... وهكذا منه إلينا وصلا وهو أيضاً حلية التلاوة ... وزينة الأداء والقراءة محمد بن محمد بن محمد الجزري

المقدمة

المقدمة الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب مرتلاً، ووعد من قرأه على كل حرف منه عشر حسنات إحساناً منه وتفضلاً. والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على أفصح من نطق بالضاد، من تلا كتاب ربه فتفطرت لسماعه قلوب العباد. وعلى آله وصحبه الذين عرفوا لحروفه الحق والمستحق فهمسوا التاء وجهروا بالجيم ففازوا برضوان من الله والله ذو فضل عظيم فضبطوا حروفه وهيئاته، وصانوه عن اللحن الذميم وبعد: فإني متناول بالبحث والدرس إن شاء الله تعالى جانباً من جوانب الكتاب العزيز تناقلته الأمة جيلاً بعد جيل حتى وصل إليناً محاطاً بالرعاية والإتقان معلوم القواعد بالتحديد مقرب الموارد بالتمهيد إنه «الأخذ بالتجويد» لقد كان الأئمة وسلفنا الصالح لا يفرقون بين القرآن وتجويده لأنهم يعلمون علم اليقين أن القرآن نزل مرتلاً مجوداً من العزيز الحكيم، فبه قرءوا القرآن وأقرءوه ومن تلقى عنهم به ألزموه. فلما ضعفت الهمم وتباعد الناس عن أخذ كتاب ربهم من أفواه الشيوخ الضابطين ظهر دعاة الفصل بين القرآن وتجويده. ونادى فريق بتجريد القرآن من رسمه وضبطه، بل إن واقع الأمة اليوم منذر بتركه وهجره. وأمام هذه التحديات والتعديات التي أثارت البلبلة في أذهان أهل العلم بله الناشئة. كان لا بدّ من وقفة يُجْلى فيها الحق وتُبْرأ فيها الذمة، ويعود فيها أهل القرآن إلى تجويد كتاب ربهم بعزيمة وهمة. وهذا ما سأحاول الوصول إليه من خلال كتابة هذا البحث بعد القراءة

الطويلة في هذا الموضوع وجمع مادته من كتب شتى. ويمتاز هذا البحث عن نظائره بما سيلحظه القارئ من حضورٍ لأئمة الإقراء أصحاب الأسانيد العالية، فمن كتبهم أستمد مادتي، وبأقوالهم أقوّي حُجّتي، وعلى الله أولاً وآخراً اعتمادي وعُدّتي. فيا رب أنت الله حسبي وعدتي ... عليك اعتمادي ضارعاً متوكلا1 {رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} 2 واقتضى العمل في هذا البحث أن تأتي خطته على ما يأتي: مقدمة وستة مباحث وخاتمة. المقدمة: وفيها لمحة عن اهتمام السلف بالتجويد والسبب الباعث على تأليف هذا البحث. المبحث الأول: تعريف التجويد لغة واصطلاحاً. المبحث الثاني: نشأة التجويد. المبحث الثالث: عناية الأمة بالأخذ بالتجويد. المبحث الرابع: كيف يتلقى القرآن. المبحث الخامس: حكم الأخذ بالتجويد. المبحث السادس: اللحن في القراءة. الخاتمة.

_ 1 حرز الأماني للشاطبي: 8 2 سورة الممتحنة آية: 4

المبحث الأول: تعريف التجويد لغة واصطلاحا

المبحث الأول: تعريف التجويد لغة واصطلاحاً تعريفه لغة: يقال: جاد الشيء جُودة أي صار جيداً، وأجدت الشيء فجاد، والتجويد مثله1. فالتجويد: مصدر من جوّد تجويداً إذا أتى بالقراءة مجودة الألفاظ، بريئة من الجور في النطق بها. ومعناه انتهاء الغاية في إتقانه وبلوغ النهاية في تحسينه، ولهذا يقال جوّد فلان في كذا إذا فعل ذلك جيداً، والاسم منه الجودة ضد الرداءة. 2 ويقال لقارئ القرآن الكريم المحسّن تلاوته (مجوِّد) بكسر الواو إذا أتى بالقراءة مجوَّدة الألفاظ، بريئة من الجور والتحريف حال النطق بها3. وفي الاصطلاح: هو إعطاء الحروف حقوقها وترتيبها مراتبها، ورد الحرف إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وتصحيح لفظه وتلطيف النطق به على حال صيغته وكمال هيئته من غير إسراف ولا تعسف ولا إفراط ولا تكلف. وهو حلية التلاوة وزينة القراءة. 4

_ 1 لسان العرب لابن منظور 3/135 مادة: جود 2 التحديد لحقيقة الإتقان والتجويد للداني: 70، التمهيد في علم التجويد لابن الجزري: 59، النشر: 1/212 3 هداية القاري: 1/45 4 التحديد للداني: 70، التمهيد: 59، النشر: 1/212، المصباح الزاهر: 4/1468

ويقول الهذلي1 في كامله: فأما تجويد الحروف فمعرفة ألفاظها وقراءتها، وأصولها وفروعها وحدودها وحقوقها وقطعها ووصلها، ومدّها وحدرها وتحقيقها وترسيلها وترتيلها، ومذاهب القراء فيها، وهو حلية التلاوة وزينة القراءة. 2 وعَرَّفه المتأخرون فقالوا: هو إخراج كل حرف من مخرجه وإعطاؤه حقه ومستحقه من الصفات. 3

_ 1 يوسف بن علي بن جبارة بن محمد بن عقيل أبو يوسف بن علي القاسم الهذلي، ولد في حدود التسعين وثلاثمائة. قال ابن الجزري عنه: لا أعلم أحداً في هذه الأمة رحل في القراءات رحلته ولا لقي من لقي من الشيوخ، قال في كتابه الكامل: فجملة من لقيت في هذا العلم ثلاثمائة وخمسة وستون شيخاً من آخر المغرب إلى باب فرغانة يميناً وشمالاً وجبلاً وبحراً، ولو علمت أحداً تقدم علي في هذه الطبقة في جيع بلاد الإسلام لقصدته، من أبرز شيوخه: أحمد بن محمد بن علان، أحمد بن نفيس، الحسن بن علي بن إبراهيم المالكي، قرأ عليه: أبو العز القلانسي، وإسماعيل بن الأخشيد. توفي سنة (465هـ‍) . غاية النهاية: 2/397، العبر في خبر من عبر الذهبي: 2/320 2 الكامل للهذلي لوحة: 19/ب 3 نهاية القول المفيد محمد مكي نصر: 12، فتح المجيد لحمد بن خلف الحسيني الشهير بالحداد: 3، هداية القارئ: 1/45 وحق الحرف من الصفات أي الصفات اللازمة الثابتة التي لا تنفك عنه بحال كالجهر، والشدة، والاستعلاء، والإطباق، والقلقلة. والمستحق: أي من الصفات العارضة التي تعرض له في بعض الأحوال وتنفك عنه في البعض الآخر لسبب من الأسباب كالترقيق والتفخيم والإظهار والإدغام والمد والقصر وغير ذلك. هداية القارئ: 1/45

المبحث الثاني: نشأة التجويد

المبحث الثاني: نشأة التجويد نشأ التجويد على وجه التحديد منذ الوهلة الأولى التي نزل فيها القرآن الكريم على قلب سيد الأولين والآخرين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ علم عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} . 1 هذه الآيات قرأها جبريل على رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتلة، فحفظها رسول الله صلى الله عليه وسلم على تلك الكيفية التي تلقاها بها وأداها كما سمعها. يشهد لذلك ما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا فجعل جبريل عليه السلام ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم يرتله ترتيلاً) . 2 فقوله: يرتله ترتيلاً هذا اللفظ يحتمل كل ما يرد فيه من معان فيحتمل نزوله على مكث وتمهل، ويحتمل بيان حروفه وحركاته، وإعطاء كل حرف منه حقه ومستحقه. ولقائل أن يقول: إذا كان القرآن نزل بادئ ذي بدء مرتلاً مجوداً وقرأه الرسول صلى الله عليه وسلم كما أنزل فما معنى أمر الله لرسوله بالترتيل في آية المزمل {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} 3 وهي متأخرة النزول عن آيات سورة العلق السابقة.

_ 1 سورة العلق الآيات: 1-5 2 المستدرك للحاكم وقال صحيح الإسناد وأقره الذهبي: 2/223 3 سورة المزمل آية: 4

ويجاب عن ذلك بأن الخطاب وإن كان له صلى الله عليه وسلم إلا أن المراد أمته فهم مطالبون بترتيل وتجويد ما نزل إليهم من ربهم. ولذلك نظائر كثيرة في كتاب الله من توجيه الخطاب لنبيه صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، من ذلك قوله تعالى: {لاَ تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً} 1. فمعلوم أنه صلى الله عليه وسلم لا يجعل مع الله إلاهاً آخر ولا يقعد مذموماً مخذولاً. ومن ذلك قوله تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً} 2، ومعلوم أن والديه صلى الله عليه وسلم قد ماتا قبل ذلك بزمن طويل فلا وجه لاشتراط بلوغهما أو أحدهما الكبر بعد أن ماتا منذ زمن طويل، إلا أن المراد التشريع لغيره صلى الله عليه وسلم3. ومثل ذلك كثير. فآية المزمل إنما تفيد التأكيد والالتزام بتلك الكيفية التي نزل عليها القرآن وبيان أنها أفضل مراتب القراءة وحض الأمة على الأخذ بها. ولقد كان صلى الله عليه وسلم هو المعلم الأول لهذه الأمة تلاوة كتاب ربهم وقراءته امتثالاً لأمر ربه حيث قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} 4. وتواتر ذلك في السنة: فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول

_ 1 سورة الإسراء آية: 22 2 سورة الإسراء آية: 23 3 أضواء البيان: 3/494 4 سورة المائدة آية: 67

الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن"1. وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "كنا إذا تعلمنا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم نتعلم من العشر الذي نزلت بعدها حتى نعلم ما فيه"2. وعن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله أمرني أن أعرض القرآن عليك". فقال: أسمّاني لك ربك. قال: " نعم". فقال أبي: بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما تجمعون"3. قال أبو عبيد القاسم بن سلام4: معنى هذا الحديث عندنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أراد بذلك العرضِ على أبي أن يتعلم منه القراءة ويتثبت فيها وليكون عرض القرآن سنة، وليس هذا على أن يستذكر النبي صلى الله عليه وسلم منه شيئاً بذلك العرض5.

_ 1 مسلم: 1/204 2 المستدرك: 1/577 3 فتح الباري: 7/126، مسلم: 6/85، المسند: 3/130، 137 4 أبو عبيد القاسم بن سلام الخراساني الأنصاري أحد الأعلام المجتهدين أخذ القراءة عرضا وسماعا عن علي بن حمزة الكسائي، وإسماعيل بن جعفر وسليم بن عيسى. روى القراءة عنه أحمد بن إبراهيم وراق خلف، وأحمد بن يوسف التغلبي وله اختيار في القراءة وافق عليه العربية والأثر. توفي سنة (244هـ‍) غاية النهاية: 2/17، الطبقات الكبرى لابن سعد: 7/355، تاريخ بغداد: 12/403، الكامل في التاريخ لابن الأثير: 6/509 5 فضائل القرآن لأبي عبيد: 359

قال السخاوي1: كان القراء في الأمر الأول يقرأ المعلم على المتعلم اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان يتلو كتاب الله عز وجل على الناس كما أمره الله عز وجل2. فعلمهم صلى الله عليه وسلم القرآن مرتلاً مجوداً كما نزل. ويؤكد هذه الصلة الوثيقة بين القرآن والتجويد قول ابن الجزري3: لأنه به الإله أنزلا ... وهكذا منه إلينا وصلا4 فالضمير في لأنه عائد إلى القرآن وفي به يعود على التجويد أي أن الله

_ 1 أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد علم الدين السخاوي شيخ مشايخ الإقراء بدمشق قرأ على أبي القاسم الشاطبي، وعلى أبي اليمن الكندي، وأبي الفضل محمد بن يوسف. قرأ عليه أبو الفتح محمد بن علي الأنصاري وأبو شامة، والقاضي عبد السلام الزواوي وغيرهم. أقرأ الناس نيفاً وأربعين سنة بجامع دمشق. توقي سنة (643هـ‍) . غاية النهاية: 1/568، سير أعلام النبلاء الذهبي: 23/122، طبقات الشافعية للسبكي: 8/297، وفيات الأعيان ابن خلكان: 3/340 2 جمال القراء: 2/446 3 شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن الجزري، إمام المقرئين وخاتمة الحفاظ المحققين، قرأ على أبي محمد عبد الوهاب ابن السلار، وعلى أبي المعالي محمد بن أحمد بن اللبان، وقرأ على أبي بكر عبد الله بن الجندي وغيرهم، وقرأ عليه الكثيرون منهم ابنه أبو بكر أحمد والمحب محمد بن أحمد بن الهائم، ومحمد بن علي بن نفيس وغيرهم. توفي سنة (833هـ‍) . غاية النهاية: 2/247، إنباء الغمر بأبناء العمر للحافظ ابن حجر: 8/245، الضوء اللامع، للسخاوي: 9/255، البدر الطالع للشوكاني: 2/257. 4 المقدمة الجزرية: 8

أنزل القرآن بالتجويد وهذا ما يجب أن يفهمه كل من تدبر وعقل النصوص واستنبط منها ما يليق بكمال الله وجلاله في ذاته وأسمائه وصفاته فله الكمال المطلق سبحانه. فالقرآن أكمل الكتب نزل بأكمل الهيئات على أفضل الرسل لخير أمة أخرجت للناس ثم نقله الصحابة كما علّموا فلم يغيروا ولم يبدّلوا وتناقلته الأمة بعدهم جيلاً بعد جيل على تلك الكيفية التي نزل بها فغاصوا في معانيه وحافظوا على مبانيه وعملوا بما فيه فكان الأخذ بالتجويد سمة القراء المتقنين، ومنهج الأئمة المسندين، ومضماراً للمتنافسين. قال الداني1: وقراء القرآن متفاضلون في العلم بالتجويد والمعرفة بالتحقيق فمنهم من يعلم ذلك قياساً وتميزاً وهو الحاذق النبيه، ومنهم من يعلمه سماعاً وتقليداً وهو الغبي الفهيه، والعلم فطنة ودراية آكد منه سماعاً ورواية، وللدراية ضبطها ونظمها وللرواية نقلها وتعلمها، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم2. ظل التجويد يتلقى مع القرآن من أفواه الشيوخ الضابطين فالمخل بالتجويد مخل بالقراءة مهما كان حفظه للحروف.

_ 1 عثمان بن سعيد بن عثمان أبو عمرو الداني القرطبي المعروف بابن الصيرفي، أستاذ الأستاذين وشيخ مشايخ المقرئين أخذ القراءة عن خلف بن إبراهيم بن خاقان، وطاهر بن عبد المنعم بن غلبون، وأبي الفتح فارس بن أحمد وغيرهم. قرأ عليه: أبو داود سليمان بن نجاح، ومحمد بن عيسى المغامي، ومحمد بن يحيى بن مزاحم وغيرهم. توفي سنة (444هـ‍) . غاية النهاية: 1/503، تذكرة الحفاظ للذهبي: 3/1120، الصلة لابن بشكوال: 2/592، جذوة المقتبس للحميدي: 2/483 2 التحديد للداني: 69، والفهيه: العييّ، اللسان: 13/525.

أورد الداني بسنده عن أبي هاشم الرفاعي1 عن سليم2 عن حمزة3 قال: إن الرجل يقرأ القرآن فما يلحن حرفاً أو قال ما يخطئ حرفاً وما هو من القرآن في شيء. قال الداني معقباً على هذه الرواية: يريد أنه لا يقيم قراءته على حدّها، ولا يؤدي ألفاظه على حقها، ولا يوفّي الحروف صيغتها، ولا ينزلها منازلها من التلخيص والتبيين والإشباع والتمكين، ولا يميز بين سين وصاد، ولا ظاء ولا ضاد، ولا يفرق بين مشدد ومخفف ومدغم ومظهر، ومفخم ومرقق، ومفتوح وممال، وممدود ومقصور، ومهموز وغير مهموز، وغير ذلك من غامض القراءة، وخفاء التلاوة الذي لا يعلمه إلا المهرة من المقرئين، ولا يميزه إلا الحذّاق من المتصدرين الذين تلقوا ذلك أداءً وأخذوه مشافهة، وضبطوه وقيدوه، وميزوا

_ 1 محمد بن يزيد بن رفاعة بن سماعة أبو هاشم الرفاعي، أخذ القراءة عرضا عن سليم سمع قراءة الأعشى على أبي بكر وروى عن الكسائي، روى القراءة عنه موسى بن إسحاق القاضي، وعلي بن الحسن القطيعي توفي سنة (248هـ‍) غاية النهاية: 2/280، تاريخ بغداد: 3/375 2 سليم بن عيسى بن سليم أبو عيسى، عرض على حمزة وهو أخص أصحابه وأضبطهم وهو الذي خلفه في القيام بالقراءة، قرأ عليه حفص بن عمر الدوري وخلف بن هشام. توفي سنة (188هـ‍) غاية النهاية: 1/318، الثقات لابن حبان: 8/295 3 حمزة بن حبيب بن عمارة أبو عمارة الكوفي أحد القراء السبعة ولد سنة (80هـ‍) أدرك الصحابة بالسن، أخذ القراءة عرضاً عن سليمان الأعمش، وحمران بن أعين، روى القراءة عنه إبراهيم بن أدهم والحسن بن عطية، وخلاد بن خالد. توفي سنة (156هـ‍) غاية النهاية: 1/261

جليّه وأدركوا خفيّه وهم قليل من الناس1. وربما قرأ الرجل فأعجب بنفسه وأعجب الحاضرون بقراءته ولكن أئمة التجويد والقراءة بحكم خبرتهم وثاقب نظرتهم يردون عليه ما قرأ ولا يعتبرونه شيئاً لإخلاله بقواعد التجويد من حيث لا يشعر. أورد الداني بسنده عن هشام بن بكير2 وكان هو وأبوه من القراء قال كنت عند عاصم3 ورجل يقرأ عليه قال فما أنكرت من قراءته شيئاً قال فلما فرغ قال له عاصم والله ما قرأت حرفاً. قال الداني معقباً على هذه الرواية: يريد أنك لم تقم القراءة على حدها ولم توف الحروف حقها، ولا احتذيت منهاج الأئمة من القراء، ولا سلكت طريق أهل العلم بالأداء، وهذا وما قدمناه دال على توكيد علم التجويد والأخذ بالتحقيق والله ولي التوفيق4. قلت: نعم إن للقراء فطنة ودراية عجيبة في استكشاف اللحن مهما دق وخفي فآذانهم أدق من موازين الذهب. وملاحظاتهم تنبيك بالعجب. ولقد أدركت من شيوخ الإقراء من هذا حاله. فقد تلقيت في سن الطلب

_ 1 التحديد للداني: 84 2 لم أعثر له على ترجمة. 3 عاصم بن بهدلة بن أبي النجود أبو بكر الأسدي شيخ الإقراء بالكوفة. أحد القراء السبعة اختلف في سنة وفاته فقيل (127هـ‍) وقيل (128هـ‍) ، قرأ على أنس بن مالك، وأخذ القراءة عرضاً على زر بن حبيش، وأبي عبد الرحمن السلمي، روى القراءة عنه أبان بن تغلب، وحفص بن سليمان، وحماد بن سلمة. غاية النهاية: 1/346، مشاهير علماء الأمصار: 165 4 التحديد: 85

بالسنة الرابعة بكلية القرآن الكريم في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية على نخبة من أساتذة القراءات ومنهم شيخنا وشيخ مشايخنا الشيخ عبد الفتاح القاضي1 رحمه الله تعالى تلقينا عليه القراءات الثلاث بمضمّن متن الدرة في القراءات الثلاث المتممة للعشر لابن الجزري فكان أحدنا يقرأ كالمقيد يقوم ويسقط من كثرة إشاراته لنا بالوقوع في اللحن رغم ما كان يتمتع به البعض من جودة في القراءة وصوت حسن نطرب لسماعه. ولكنها ملكة وهبهم الله إياها لكثرة ممارستهم وفضل من الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم. مما تقدم نلحظ منهج أئمة الإقراء في أخذهم بالتجويد كل من رام القراءة عليهم وأنهم لا يصدرونه متى أخل بشيء من قواعده بل ولا يعدونه قارئاً. فما كل من يتلو الكتاب يقيمه ... وما كل من في الناس يقرئهم مقري2 فلما بدأت عصور التدوين كان لعلم التجويد منها حظ ونصيب فأفردت

_ 1 الشيخ العلامة عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي، ولد في مدينة دمنهور سنة (1320هـ‍) . حفظ القرآن على الشيخ علي عيادة وتلقى القراءات العشر على الشيخ همام قطب، والشيخ حسن الصبحي وغيرهما. رحل إلى المدينة سنة (1394هـ‍) وعين رئيساً لقسم القراءات منذ إنشائه وكانت له جهوده الطيبة المباركة في تطوير كلية القرآن الكريم وتلقي عنه الكثير، وكنت ممن تلقى عنه بالكلية القراءات الثلاث، وكتابه الفرائد الحسان في عد الآي، من نظمه. توفي رحمه الله تعالى سنة (1403هـ‍) . ترجم له الشيخ المرصفي في كتابه هداية القارئ: 2/658، والدكتور عبد العزيز القارئ في مجلة كلية القرآن الكريم العدد الأول: 297 2 من قصيدة الخاقاني: انظر: قصيدتان في تجويد القرآن: 18

مباحثه وقواعده بالتأليف وضمَّن بعض القراء كتبهم بعض أبوابه ومسائله فمنهم المقل ومنهم المكثر. ولعل أول من أفرده بالتصنيف أبو مزاحم موسى بن عبيد الله الخاقاني البغدادي المتوفى سنة 325هـ‍ 1 في قصيدته الخاقانية الرائعة والتي من أبياتها: أيا قارئ القرآن أحسن أداءه ... يضاعف لك الله الجزيل من الأجر فما كل من يتلو الكتاب يقيمه ... وما كل من في الناس يقرئهم مقري وإن لنا أخذ القراءة سنة ... عن الأولين المقرئين ذوي الستر2 2- ثم علي بن جعفر بن سعيد أبو الحسن السعيدي الرازي الحذاء المتوفى في حدود سنة 410هـ‍ في كتابه: التنبيه على اللحن الجلي واللحن الخفي3. 3- مكي بن أبي طالب القيسي المتوفى سنة (437هـ‍) وكتابه: الرعاية لتجود القراءة وتحقيق لفظ التلاوة. 4 4- أبو عمرو الداني المتوفى سنة 444هـ وكتابه: التحديد في الإتقان والتجويد5. وذكر في مقدمته سبب تأليفه بأنه راجع إلى ما رآه من إهمال القراء والمقرئين في عصره تجويد التلاوة وتحقيق القراءة وتركهم استعمال ما ندب الله إليه وحث نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته عليه من تلاوة التنزيل بالترسل

_ 1 غاية النهاية: 2/321 2 قصيدتان في تجويد القرآن: 18 3 غاية النهاية: 1/529 وهو مخطوط 4 مطبوع 5 مطبوع

والترتيل1. 5- أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي المتوفى سنة 539هـ‍ وكتابه: نهاية الإتقان في تجويد تلاوة القرآن. 2 6- علم الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد السخاوي المتوفى سنة (643هـ‍) وكتابه: عمدة المفيد وعدة المجيد في معرفة التجويد. 3 7- نجم الدين محمد بن قيصر بن عبد الله البغدادي المارديني المتوفى سنة (721هـ‍) وكتابه: الدر النضيد في معرفة التجويد. 4 8- تقي الدين أبو إسحاق إبراهيم بن عمر الجعبري المتوفى سنة (732هـ‍) وكتابه: عقود الجمان في تجويد القرآن. 5 9- شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة (833هـ‍) خاتمة المحققين ورافع لواء القراء والمجودين وكتابه: التمهيد في علم التجويد. 6 وذكر في مقدمته أن سبب تأليفه: أنه لما رأى الناشئة من قراء زمانه وكثيراً من منتهيهم قد غفلوا عن تجويد ألفاظهم، وأهملوا تصفيتها من كدره، وتخليصها من درنه، رأيت الحاجة داعية إلى تأليف مختصر ابتكر فيه مقالاً يهز عطف

_ 1 التحديد: 98 2 مخطوط 3 مطبوع 4 مخطوط وهو نظم 5 مخطوط 6 مطبوع

الفاتر، ويضمن غرض الماهر، ويسعف أمل الراغب، ويؤنس وسادة العالم. 1 ثم أتبع ذلك بنظم المقدمة الجزرية2 ضمنها كثيراً من مباحث علم التجويد وقد كتب لهذه المقدمة القبول بين طلاب العلم وتناولها العلماء بالشرح والتعليق حتى ربت شروحها على الحصر الدقيق. 10- برهان الدين أبو الحسن إبراهيم بن عمر بن حسن البقاعي المتوفى سنة (885هـ‍) وكتابه: القول المعتبر في أصول التجويد لكتاب ربنا المجيد3. 11- زين الدين أبو الفتح جعفر بن إبراهيم السنهوري المتوفى سنة (894هـ‍) وكتابه: الجامع المفيد في صناعة التجويد4. 12- أحمد بن نصر الميداني المقرئ المتوفى سنة (923هـ‍) وكتابه: قواعد التجويد5. وغير هؤلاء كثير يطول حصرهم وما ذكرته فيه الكفاية، إذ ليس الغرض الحصر والاستقصاء بل العلم والدراية.

_ 1 التمهيد: 52 2 مطبوع 3 مخطوط 4 مخطوط 5 مخطوط

المبحث الثالث: عناية الأمة بالأخذ بالتجويد

المبحث الثالث: عناية الأمة بالأخذ بالتجويد قدمت في المبحث السابق أن القرآن نزل مرتلاً مجوداً وأن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقاه كذلك وبلّغ أمته ما نزل عليه بحروفه وهيئاته. بقي أن نعرف ما المراد بالترتيل المأمور به في قوله تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} . الرتل: حسن تناسق الشيء. وثغر رتَل ورتِل حسن التنضيد مستو النبات. وقيل المفلج وقيل بين أسنانه فروج لا يركب بعضه على بعض. ورتّل الكلام: أحسن تأليفه وأبانه وتمهل فيه. والترتيل في القراءة: الترسل فيها والتبيين من غير بغي. قال علي رضي الله عنه حينما سئل عن معنى الترتيل: (هو تجويد الحروف ومعرفة الوقوف) 1. قال أبو العباس: ما أعلم الترتيل إلا التحقيق والتبيين والتمكين أراد في قراءة القرآن. وقال مجاهد: الترتيل الترسل. قال: ورتله ترتيلا بعضه على إثر بعض. قال أبو منصور: ذهب به إلى قولهم ثغر رتل إذا كان حسن التنضيد. وقال ابن عباس في معنى الآية: قال: بينه تبييناً. قال أبو إسحاق: والتبيين بأن يجعل في القراءة وإنما يتم التبيين بأن يبين جميع الحروف ويوفيها حقها من الإشباع. وقال الضحاك: انبذه حرفاً حرفاً.

_ 1 الكامل للهذلي: لوحة: 19/ب، النشر: 1/209

وقال الفراء: اقرأه على هينتك ترسلاً1. وقال الراغب: الرتل اتساق الشيء وانتظامه على استقامة يقال رجل رتَل الأسنان، والترتيل إرسال الكلمة من الفم بسهولة واستقامة2. وقال الخازن في تفسيره: وقيل الترتيل هو التوقف والترسل والتمهل والإفهام وتبيين القراءة حرفاً حرفاً إثره في إثر بعض بالمد والإشباع والتحقيق3. وقال القرطبي في تفسيره: الترتيل في القراءة هو التأني فيها والتمهل وتبيين الحروف والحركات تشبيها بالثغر المرتل وهو المشبه بنَوْرِ الأقحوان وهو المطلوب في قراءة القرآن4. وقال الزمخشري في الكشاف: ترتيل القرآن قراءته على ترسل وتؤدة بتبيين الحروف وإشباع الحركات حتى يجيء المتلو منه شبيهاً بالثغر المرتل وهو المفلج المشبه بنَوْرِ الأقحوان وأن لا يهذّه هذّاً ولا يسرده سرداً5. وقال الشيرازي6 في كتابه الموضح: الترتيل هو من قولهم ثغر رتَل إذا كان مفلجاً وذلك إذا انفرج ما بين الأسنان على استواء فيها، وترتل في مسيره إذا

_ 1 لسان العرب: 11/265 مادة (ر ت ل) ، معاني القرآن للزجاج: 5/239، معاني القرآن للفراء: 3/197، جامع البيان عن تأويل القرآن للطبري: 29/126 2 المفردات للراغب: 187 3 لباب التأويل في معاني التنزيل: 4/321 4 الجامع لأحكام القرآن: 1/17 5 الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري: 4/175 6 هو الإمام نصر بن علي بن محمد أبو عبد الله الشيرازي الفارسي المعروف بابن أبي مريم قرأ على محمود بن حمزة بن نصر. قال عنه ابن الجزري: إمام كبير المحل. توفي بعد سنة (565هـ‍) . غاية النهاية: 2/337، انباه الرواة على أبناء النحاة للقفطي: 3/344

تتابعت خطاه من غير سرعة، فكذلك الترتيل هو التأني في القراءة مع تفصيل الكلم بعضها من بعض جامع لشرائط التجويد والتقويم1. وقال ابن الجزري: وقال علماؤنا: أي تلبث في قراءته وافصل الحرف من الحرف الذي بعده، ولا تستعجل فتدخل بعض الحروف في بعض2. بعد هذا العرض تبين لنا معنى الترتيل المأمور به، وأنه تبيين القراءة وإتباع بعضها بعضاً على تأن وتؤدة مع تجويد اللفظ وحسن تأديته وتقويمه وإخراجه من مخرجه، فهو الأصل ولذلك نوه الله بشأنه حينما أكد الفعل بالمصدر تعظيما لشأنه وترغيباً في ثوابه، {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} 3، {وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} 4. وعلى هذا جاءت قراءته صلى الله عليه وسلم. كما ثبت في صحيح البخاري من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أنه سئل كيف كانت قراءة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: كانت مدّاً، ثم قرأ (بسم الله الرحمن الرحيم) يمد ببسم الله ويمد بالرحمن ويمد بالرحيم. 5 قال الداني مبيناً وجه الاستدلال من هذا الحديث على وجوب الأخذ بالتجويد: وهذا حديث مخرّج من الصحيح، وهو أصل في تحقيق القراءة، وتجويد الألفاظ، وإخراج الحروف من مواضعها، والنطق بها على مراتبها، وإيفائها صيغتها، وكل حق هو لها، من تلخيص وتبيين ومدّ وتمكين وإطباق وتفش وصفير وغنة وتكرير واستطالة وغير ذلك، على مقدار الصيغة وطبع الخلقة، من

_ 1 الموضح في وجوه القراءات للشيرازي: 1/154 2 التمهيد لابن الجزري: 61 3 سورة المزمل آية: 4 4 سورة الفرقان آية: 32 5 فتح الباري شرح صحيح البخاري: 9/91

غير زيادة ولا نقصان1. رحم الله الداني ما أوسع علمه، وأجزل لفظه، وأحكم عبارته كيف لا وهو حصن حصين وسند في القراءة متين. فقد رأيت من تخبط في فهم هذا الحديث فلم يعرف المراد بالمد فيه فقال: القراء لا يثبتون مداً في هذه المواضع الثلاثة ... ومن قائل: إذا كان أداء القرآن - تجويده - متلقى بالتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أين دليله النصي؟ وهل مقدار الحركة منضبط أو هو مختلف باختلاف سرعة القارئ وبطئه ... الخ ولست هنا في مقام تتبع الأخطاء والهفوات بل هي وقفة تأمل وإنعام نظر فقد كفانا صاحب المنجد2 في هذه المسائل شر الانقسام. وأقول لهؤلاء جميعاً لابد من مراجعة علماء القراءات وما دونوه قديماً وحديثاً فما أشكل عليكم حله وصعب عليكم فهمه فإن لديهم الدواء النافع والبيان الساطع، والحكم القاطع، وكل علم يسأل عنه أهله. ومن ذلك ما روي عن حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته قاعداً قط حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلي في سبحته قاعداً، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها» 3.

_ 1 التحديد للداني: 80 2 منجد المقرئين لابن الجزري: الباب السادس، الفصل الثاني: في أن القراءات العشر متواترة فرشاً وأصولاً حال اجتماعهم وافتراقهم: 57 3 موطأ الإمام مالك. ما جاء في صلاة القاعد: 98، سنن الدرامي: 1/262

وعن أم سلمة رضي الله عنها أنها نعتت قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم مفسرة حرفاً حرفاً. 1 قال ابن القيم: وكانت قراءته ترتيلاً لا هذّا ولا عجلة بل قراءة مفسرة حرفاً حرفاً، وكان يقطع قراءته آية آية وكان يمد عند حروف المد فيمد الرحمن ويمد الرحيم. 2 أقول: لقد تلقت الأمة القرآن الكريم بحروفه وقراءته وكيفية النطق بتلك الحروف والهيئات والصيغ التي جاءت بها على أنها سنة متبعة يجب الحفاظ عليها والالتزام بها وتعليمها كما جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه واتباع هديه في ذلك. أورد ابن مجاهد بأسانيده جملة من الأحاديث والآثار الدالة على وجوب الاتباع في نقل القراءة وترك الابتداع. من ذلك ما رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: «قال لنا علي بن أبي طالب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تقرءوا كلما علمتم» 3. وأورد بسنده عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه قال: القراءة سنة4. وفي رواية أخرى عن خارجة قال: القراءة سنة فاقرءوا كما تجدونه5. وبسنده عن عروة بن الزبير قال: إنما القراءة سنة من السنن فاقرءوه كما

_ 1 الترمذي: 4/254، سنن أبي داود: 2/73، المصنف لابن أبي شيبة: 10/552 2 زاد المعاد في هدي خير العباد: 1/482 3 كتاب السبعة لابن مجاهد: 47 4 كتاب السبعة لابن مجاهد: 49 5 كتاب السبعة لابن مجاهد: 50

علمتموه1. وفي رواية: فاقرءوه كما أقرئتموه2. وورد عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقرئ رجلاً فقرأ الرجل {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 3 مرسلة فقال ابن مسعود: ما هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال وكيف أقرأكها؟ قال: أقرأنيها: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} 4 فمدها. فابن مسعود وهو مَن علمنا إتقانا وضبطا وحسن أداء، مَنْ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه: "من سره أن يقرأ القرآن رطبا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد" 5. أنكر رضي الله عنه على هذا الرجل أن يقرأ كلمة (الفقراء) من غير مد ولم يرخص له في ذلك6 مع أن فعله وتركه سواء في عدم التأثير على دلالة الكلمة ومعناها ولكن لما كانت القراءة سنة متبعة وكيفياتها كذلك لم يقبل ابن مسعود من هذا الرجل أن يقرأ بغير ما قرأ به على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يكون غاشا له موافقا له على ما لم يقرأ به. ويؤكد ابن مسعود رضي الله عنه الحض على الأخذ بالتجويد وأنه زينة

_ 1 كتاب السبعة لابن مجاهد: 52 2 كتاب السبعة لابن مجاهد: 52 3 سورة التوبة آية: 60 4 الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي: 4/221، النشر: 1/315 5 المسند بتحقيق أحمد شاكر: 1/230، 270 6 قال ابن الجزري مبينا أن قصر المتصل لم يصح عن أحد من القراء: وقد تتبعته فلم أجده في قراءة صحيحة ولا شاذة بل رأيت النص بمده. النشر: 1/315

التلاوة فيقول فيما رواه عنه الضحاك قال: قال عبد الله بن مسعود: جودوا القرآن وزينوه بأحسن الأصوات وأعربوه فإنه عربي والله يحب أن يعرب به1. وعن زر بن حبيش رحمه الله تعالى قال: قرأ رجل على عبد الله بن مسعود (طه) ولم يكسر -أي لم يمل- فقال عبد الله بن مسعود (طه) وكسر ثم قال: والله هكذا علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم2. وجاء رجل إلى الإمام نافع3 ليقرأ عليه بالحدر4 فوجهه نافع إلى ما هو أنفع له من الحدر وهو بيان الكيفية التي يجب أن يقرأ بها كتاب الله عز وجل والمنهج القويم الذي سلكه الصحابة والتابعون في الأخذ والأداء. أورد الداني بسنده قال: جاء رجل إلى نافع فقال: تأخذ على الحدر، فقال نافع ما الحدر؟ ما أعرفها أسمعنا قال فقرأ الرجل فقال نافع: الحدر، أو قال حدرنا، أن لا نسقط الإعراب، ولا ننفي الحروف، ولا نخفف مشددا، ولا نشدد مخففا، ولا نقصر ممدودا، ولا نمد مقصورا، قراءتنا قراءة أكابر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم سهل جزل، لا نمضغ ولا نلوك، ننبر ولا نبتهر، نسهل ولا نشدد، نقرأ على أفصح اللغات وأمضاها، ولا نلتفت إلى أقاويل الشعراء وأصحاب اللغات، أصاغر عن أكابر مليّ عن وفيّ، ديننا دين العجائز، وقراءتنا

_ 1 النشر: 1/210 2 جمال القراء: 2/498، النشر: 2/31 3 نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم أبو رويم، ويقال أبو نعيم مولى جعونة بن شعوب الليثي حليف حمزة بن عبد المطلب قرأ على سبعين من التابعين وهو أحد القراء السبعة توفي سنة 169هـ‍ غاية النهاية: 2/230، التيسير لأبي عمرو الداني: 4، السبعة لابن مجاهد: 53 4 يأتي تعريفه ص: 40، 42، 43.

قراءة المشايخ، نسمع في القرآن، ولا نستعمل فيه بالرأي، ثم تلا نافع1: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} 2. قال الداني معقبا على هذه الرواية: «وهذا كلام من أيّد ووفّق ونُصر وفُهّم وجُعل إماماً عالماً وعلماً يُقْتفى أثره ويُتّبع سننه» . وهذه الطريقة التي وصفها وبينها وأوضحها وعرّف أن الصحابة رضوان الله عليهم احتذوها هي التي يجب على قراء القرآن أن يمتثلوها في التحقيق، ويسلكوها في التجويد وينبذوا ما سواها مما هو مخالف لها وخارج عنها وعلى ذلك وجدنا الأئمة من القراء والأكابر من أهل الأداء. 3 نعم لقد عمل أئمة الإقراء الذين خصهم الله بحمل كتابه وشرفهم بالذب عن حياضه في كل عصر ومصر بهذه العبارات النيرة والتوجيهات الخيرة الصادرة من إمام دار الهجرة ورأس القراء السبعة الإمام نافع فجاءت مؤلفاتهم وأقوالهم شارحة وموضحة لذلك المنهج القويم والمسلك السليم ولا يشذ عنهم إلا من لا يعتد بقوله، فهم الحفظة الناقلون، والقراء المجودون. ولعلي في هذه العجالة أن أقتبس بعض الشواهد على ما ذكرت من حضهم على الأخذ بالتجويد قولاً وعملاً، وعلى أي صفة كانت القراءة ترتيلاً أو تحقيقاً أو حدراً. قال مكي4 رحمه الله تعالى في باب صفة من يجب أن يقرأ عليه وينقل عنه:

_ 1 التحديد للداني: 93 2 سورة الإسراء آية: 88 3 التحديد للداني: 94 4 مكي بن أبي طالب أبو محمد القيسي القيرواني الأندلسي إمام علامة محقق أستاذ القراء =

يجب على طالب القرآن أن يتخير لقراءته ونقله وضبطه أهل الديانة والصيانة والفهم في علوم القرآن والنفاذ في علم العربية والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن وصحة النقل عن الأئمة المشهورين بالعلم. فإذا اجتمع للمقرئ صحة الدين والسلامة في النقل والفهم في علوم القرآن، والنفاذ في علوم العربية والتجويد بحكاية ألفاظ القرآن كملت حالته ووجبت إمامته، وقد وصف من تقدمنا من العلماء المقرئين القراء فقال: القراء يتفاضلون في علم التجويد فمنهم من يعلمه رواية وقياساً وتمييزاً فذلك الحاذق الفطن، ومنهم من يعرفه سماعاً وتقليداً فذلك الوهن الضعيف لا يلبث أن يشك ويدخله التحريف والتصحيف إذا لم يبن على أصل ولا نقل عن فهم. 1 وقال في موضع آخر بعد فراغه من أبواب التجويد والفصول التي أوضح فيها القواعد اللازمة لذلك: والمقرئ إلى جميع ما ذكرناه في كتابنا هذا أحوج من القارئ لأنه إذا علِمَه علَّمه، وإذا لم يعلَمْه لم يعلّمه فاستوى في الجهل بالصواب في ذلك القارئ والمقرئ ويضل القارئ بضلال المقرئ فلا فضل لأحدهما على الآخر. 2 وقال الداني مبيناً الطريقة التي ينبغي للقارئ أن يسلكها حال القراءة قال: ينبغي للقارئ أن يأخذ نفسه بتفقد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ

_ = والمجودين. قرأ القراءات على أبي الطيب عبد المنعم بن غلبون، وسمع من أبي بكر محمد بن علي الأذفوي، قرأ عليه يحيى بن إبراهيم البياز وموسى بن سليمان اللخمي، ومحمد بن محمد بن أصبغ وغيرهم. توفي سنة (437هـ‍) . غاية النهاية: 2/309، معرفة القراء الكبار للحافظ الذهبي: 2/316 1 الرعاية: 89 2 الرعاية: 153

بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطي كل حرف منها حقه من المد إن كان ممدودا ومن التمكين إن كان مُمكّنا ومن الهمز إن كان مهموزا ومن الإدغام إن كان مدغما، ومن الإظهار إن كان مظهرا ومن الإخفاء إن كان مخفيا، ومن الحركة إن كان محركا ومن السكون إن كان مسكنا. ومتى لم يفعل ذلك القارئ ولم يستعمل اللفظ به كذلك صار عند علماء هذه الصناعة لاحناً. 1 ويوجه الهذلي قارئ كتاب الله إلى الأخذ بأسباب التجويد مبينا له القواعد التي يجب عليه الاهتمام بها حتى يصير قارئا مصدرا ومتى أخل بشيء من تلك التوجيهات لم يجز له أن يقرئ أحداً من الناس. قال رحمه الله: والأصل أن يتفقد الإنسان لفظه ويعتبر النظم والترتيل والتحقيق والحدر. والترتيل: القراءة بتفكر. والتحقيق إعطاء الحروف حقوقها من غير زيادة ولا نقصان ولا تكلف، وإتعاب نفس برفع صوت، ولا مبالغة في النفس فينقطع. ولا يخلط آية رحمة بعذاب إذا لم يكن موضع الوقف. والحدر: أن يقرأ بغير تفكر في المعاني ولا يمضغ، ولا يزيد ولا ينقص، وليكن صوته على وتيرة واحدة، ويجتهد في مخارج الحروف وذلك بعد أن يعرف مخارجها على اختلاف أقاويل العرب، ويعلم مجهورها من مهموسها وزائدها من أصليها، ومبدلها مما لا يثبت فيه البدل، ومطبقها من المنخفض منها، ونطعيها من لثويها، وذلقيها من أسليها، وحلقيها من حنكيها، وأشباه ذلك مما فيه طول

_ 1 التحديد للداني: لوحة: 98/أ

فمن لم يعلم مثل هذا ولم يفهمه لم يجز له أن يقرئ أحداً من الناس ولا يأخذ على أحد حرفا، ويحرم عليه ذلك في هذه الصناعة. 1 وقال الشهرزوري2 في المصباح الزاهر: إن من لم يعط الحرف حقه من الصفات اللازمة والعارضة، ويخرجه من مخرجه المحدد له فقد صرفه عن مبناه وحاد به عن معناه. قال: اعلم أن التجويد حلية التلاوة وزينة الأداء والقراءة، وهو إعطاء الحروف حقوقها، وترتيبها مراتبها، ورد الحرف من حروف المعجم إلى مخرجه وأصله، وإلحاقه بنظيره وشكله، وإشباع لفظه ولفظ النطق به؛ لأنه متى ما تغير عما ذكرته لك من وصفه زال عن وضعه ورصفه. 3 ويقول الشيرازي إن حسن الأداء فرض واجب على من رام قراءة شيء من كتاب الله سواء رتل، أو حقق أو حدر. قال: وأما الحدر فهو تسهيل القراءة وهو يراد للتحفظ والاستكثار من الدرس، وهو أيضا يرتضى إذا لم يفارق التجويد وذلك بأن تعطى الحروف

_ 1 الكامل للهذلي: لوحة: 24/ب، 31/أ 2 المبارك بن الحسن بن أحمد أبو الكرم الشهرزوري إمام كبير، ثقة محقق، قرأ على أحمد بن الحسن بن خيرون، وأحمد بن على الهاشمي، وأحمد بن على بن سوار، وغيرهم. قرأ عليه هبة الله بن يحيى الشيرازي، وعبد الوهاب بن سكينة وغيرهما، وكتابه المصباح من أحسن ما ألف في القراءات. توفي رحمه الله تعالى سنة (550هـ) . غاية النهاية: 2/38. 3 المصباح الزاهر: 4/1469.

حقوقها من مخارجها ومسالكها ويوفر عليها حظوظها من حركاتها وسكناتها من غير زيادة مجاوزة للحد، ولا نقصان مؤد للقدح، فإن حسن الأداء فرض في القراءة، ويجب على القارئ أن يتلو القرآن حق تلاوته صيانة للقرآن من أن يجد التغيير واللحن إليه سبيلا. 1 ويوضح ابن أم قاسم المرادي2 أن الأخذ بالتجويد هو منهج القراء جميعا لا خلاف بينهم في ذلك، والقارئ مطالب به في كل الأحوال. قال: اعلم وفقنا الله وإياك أن التجويد هو إعطاء كل حرف حقه من مخرجه وصفته، والقراء مجمعون على التزام التجويد في جميع أحوال القراءة من ترتيل وحدر وتوسط، وربما توهم قوم أن التجويد إنما يكون مع الترتيل لاعتقادهم أن التجويد إنما هو الإفراط في المد وإشباع الحركات ونحو ذلك مما لا يتأتى مع الحدر وليس كما توهموه وإنما حقيقة تجويد القرآن ما قدمته لك، وذلك متأت مع الحدر كما يتأتى مع الترتيل، ولا يُنكر أن الأخذ بالترتيل أتم مدا وتحريكا وإسكانا من الأخذ بالحدر، ولكن لابد في جميع ذلك من إقامة مخارج الحروف وصفاتها. 3 ثم نقل عن الأهوازي قوله: وأما الحدر فإنه القراءة السهلة السمحة العذبة الألفاظ التي لا تخرج القارئ عن طباع العرب وعما تكلمت به الفصحاء بعد أن يأتي بالرواية عن الإمام من أئمة القراءة على ما نقل عنه من المد والهمز والقطع

_ 1 الموضح في وجوه القراءات للشيرازي: 1/156 2 الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المالكي المشهور بابن أم قاسم نسبة إلى جدته أم أبيه. قرأ القراءات على مجد الدين إسماعيل، وأخذ عن أبي حيان. توفي سنة (749هـ‍) غاية النهاية: 1/227، الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة للحافظ بن حجر: 2/116 3 المفيد في شرح عمدة المجيد، الحسن بن قاسم المرادي: 38

والوصل والتشديد والتخفيف والإمالة والتفخيم والاختلاس والإشباع فإن خالف شيئا من ذلك كان مخطئا. 1 ثم يأتي خاتمة المحققين من فاق أقرانه وساوى بعض المتقدمين في الأسانيد المتصلة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى الله رب العالمين فيعلن وجوب الأخذ بالتجويد وإثم التارك له تهاوناً استناداً إلى أقوال الأئمة وسلف هذه الأمة من القراء الذي عليهم مدار أسانيد القراءات وإليهم يعزى اختلاف الطرق والروايات فالقول الفصل قولهم والخارق لإجماعهم لا يضرهم. فقال في المقدمة2: والأخذ بالتجويد حتم لازم ... من لم يجود القرآن آثم لأنه به الإله أنزلا ... وهكذا منه إلينا وصلا ثم بين ذلك أوضح بيان في النشر فقال: ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا يجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور ومسيء آثم، أو معذور. فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح استغناء بنفسه واستبدادا برأيه وحدسه واتكالا على ما ألف من حفظه، واستكبارا عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه فإنه مقصر بلا شك، وآثم بلا ريب وغاش بلا مرية

_ 1 المفيد في شرح عمدة المجيد، الحسن بن قاسم المرادي: 39 2 المقدمة الجزرية ضمن كتاب: مجموعة في فن التجويد: 9

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسول ولأئمة المسلمين وعامتهم" 1. أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه فإن الله لا يكلف نفسا إلا وسعها2. أقول: لم يكن ابن الجزري بدعا من الناس فيما صرح به من وجوب الأخذ بالتجويد لكتاب الله وتأثيم المتهاون بتطبيق قواعده الموافقة للغة العرب لمن استطاع إليها سبيلا فقد سبقه إلى ذلك علماء القراءات العالمون بحقائقها ودقائقها وقد تقدم عن الداني ومكي والهذلي والشهرزوري والشيرازي ما يفيد ذلك فأئمة الإقراء كلهم مجمعون على وجوب الأخذ به. قال الداني مبيناً أن الأخذ بالتجويد من ألزم الأشياء للقارئ وأنه منهج السلف: من ألزم الأشياء للقراء ... تجويد لفظ الحرف في الأداء وكل حرف من حروف الذكر ... مما جرى قبل ولم يجر فحقه التفكيك والتمكين ... وحكمه التحقيق والتبيين فاستعمل التجويد عند لفظكا ... بكل حرف من كلام ربكا فعن قريب بالجزيل تجزى ... وبنعيم الخلد سوف تحظى قد جاء في الماهر بالقرآن ... من الشفاء ومن البيان ما فيه مقنع لمن تدبره ... بأنه مع الكرام السفره هذا مقال الصادق المصدوق ... فليرغب القراء في التحقيق وليسلكوا فيه طريق من مضى ... من الأئمة مصابيح الدجى3

_ 1 صحيح مسلم بشرح النووي: 2/37 2 النشر: 1/210 3 الأرجوزة المنبهة: للداني: 297

المبحث الرابع: كيف يتلقى القرآن

المبحث الرابع: كيف يتلقى القرآن مما تقدم تبين لنا أن أخذ القراءة سنة متبعة يجب على الآخذ أن يتلقاها من أفواه الشيوخ الضابطين ويؤديها كما أديت إليه سنة الله في حفظه لهذا الكتاب العظيم وصونا له عن التحريف واللحن {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1 فهذا سيد الخلق رسول الله صلى الله عليه وسلم يدارس جبريل بالقرآن ويعارضه به في كل رمضان فلما كان العام الذي توفي فيه عارضه القرآن مرتين. 2 ولا شك أن تلك المعارضة لم تكن قاصرة على الحفظ فقط بل كانت شاملة له وللكيفية التي تتلى بها حروف القرآن وتؤدى بها على أكمل وجه وأحسنه. قال الكرماني: وفائدة درس جبريل تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم تجويد لفظه وتصحيح الحروف من مخارجها وليكون سنة في حق الأمة لتجويد التلامذة على الشيوخ في قراءاتهم3. ثم إنه صلى الله عليه وسلم تأكيداً لقاعدة أخذ القرآن مشافهة قرأ على أبيّ بن كعب كما في الحديث المتقدم ليعلمه طريقة التلاوة وترتيلها وعلى أي صفة تكون قراءة القرآن ليكون ذلك سنة في الإقراء والتعليم ولتكون المشافهة هي الوسيلة لنقل كتاب رب العالمين لما فيها من الضبط والإتقان لا غيرها من الوسائل. قال الداني مبينا الحكمة من قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي:

_ 1 سورة الحجر آية: 9 2 فتح الباري: 1/30 3 لطائف الإشارات للقسطلاني: 209

في هذا الحديث أيضا أصل كبير في وجوب معرفة تجويد الألفاظ وكيفية النطق بالحروف على هيئتها وصيغتها وأن ذلك لازم لكل قراء القرآن أن يطلبوه ويتعلموه وواجب على جميع المتصدرين أن يأخذوه ويعلموه اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به واتباعا له على ما أكده بفعله ليكون سنة يتبعها القراء ويقتدي بها العلماء. 1 وبالمشافهة تلقى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه وعرضوا عليه وسمعوا منه. فهذا ابن مسعود يقول: والله لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعا وسبعين سورة. 2 وبالمشافهة تلقى التابعون عن الصحابة وهكذا تناقلت الأمة القرآن وأخذته بالمشافهة جيلا بعد جيل حتى وصل إلينا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ونبه ابن الجزري إلى أن من أراد أن يحكم القراءة والتجويد ويتلو كتاب ربه كما نزل فعليه بترويض اللسان وتعويده النطق الصحيح المتلقى من فم المحسن المتقن. قال: ولا أعلم سببا لبلوغ نهاية الإتقان والتجويد ووصول غاية التصحيح والتسديد مثل رياضة الألسن والتكرار على اللفظ المتلقى من فم المحسن. 3 وينظم ذلك المعنى في المقدمة فيقول:

_ 1 التحديد للداني: 81 2 فتح الباري: 9/64 3 النشر: 1/213

وليس بينه وبين تركه ... إلا رياضة امرئ بفكه1 فمن أراد قراءة شيء من كتاب الله سواء كان ذلك المقروء للحفظ أو لمجرد القراءة وجب عليه تصحيح ذلك القدر المقروء. ولا يتأتى تصحيحه إلا بعرضه وأخذه من أفواه الشيوخ الضابطين، ومتى استنكف عن ذلك استكبارا واعتدادا بالنفس فقد وقع في الخطأ لا محالة ومن هنا لحقه الإثم الذي ذكره العلماء: من لم يجود القرآن آثم فإن لرسم المصحف قواعده وضوابطه، ولكل حرف منه مخرجه وصفاته، ولكل لفظ منه كيفيته وأداءه. وقد قيل في حال من يأخذ العلم عن الشيوخ ومن لم يأخذه عنهم: من يأخذ العلم عن شيخه مشافهة ... يكن عن الزيغ والتصحيف في حرم ومن يكن آخذاً للعلم من صُحف ... فعلمه عند أهل العلم كالعدم2 وقيل: لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي. 3 وإن تعجب فعجب قول البعض إن القرآن نزل بلغة العرب والعربي يستطيع قراءته بطبعه فلا يحتاج إلى من يعلمه كيفية النطق به. وهذا القول لا يصدر إلا ممن خانه فهمه، ولم يكن عن أهل الذكر آخذا علمه فإن أصاب فعلى غير هدى، وإن أخطأ فهو به أجدى {أَفَمَنْ يَمْشِي

_ 1 المقدمة الجزرية: 8 2 القول السديد: 7 3 شرح ما يقع فيه التصحيف للعسكري: 10

مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} 1. فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أفصح من نطق بالضاد قد تلقى القرآن من جبريل عرضا وسماعا وأمر بالإنصات والإصغاء التام حتى يفرغ جبريل من القراءة ثم يقرأ هو بعد ذلك حسب ما سمع وتلقى كما في قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 2 وقال تعالى: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} 3 وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، وكان مما يحرك شفتيه، فأنزل الله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} قال: جمعه لك في صدرك وتقرأه {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} قال: فاستمع له وأنصت {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} ثم إن علينا أن تقرأه. فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا أتاه جبريل استمع فإذا انطلق جبريل قرأه النبي صلى الله عليه وسلم كما قرأه. 4 ويستفاد من هذه الآيات ما يأتي: أولا: حفظ النص القرآني وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} أي في صدرك فتحفظ نصه. ثانياً: القراءة وكيفيتها وصفة أدائها وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {وَقُرْآنَهُ}

_ 1 سورة الملك آية: 22 2 سورة القيامة آية: 16، 17، 18 3 سورة طه آية: 114 4 فتح الباري: 1/29

أي وعلينا تعليمك قراءته، فالقرآن هنا مصدر بمعنى القراءة وليس علماً. ثالثاً: معرفة ما في القرآن من العلم والعمل وهذا مأخوذ من قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} أي علينا تعليمك حلاله وحرامه كما علمناك قراءته. 1 وأحاديث مدارسة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم بالقرآن في كل رمضان واعتبار الصحابة القراءة سنة متبعة يجب العمل بها والمصير إليها مما تقدم بيانه كل ذلك يستفاد منه أن الأخذ والتلقي والعرض والسماع أمور لابد منها لطالب القرآن مهما بلغت منزلته وعلا كعبه أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته من بعده والتابعين لهم بإحسان. روى الداني بسنده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه سمع رجلا يقرأ في سورة يوسف (ليسجننه عتى حين) فقال له عمر: من أقرأكها؟ قال أقرأنيها ابن مسعود. فكتب عمر إلى ابن مسعود رضي الله عنه: سلام عليك أما بعد فإن الله أنزل هذا القرآن فجعله قرآناً عربياً مبيناً، وأنزله بلغة هذا الحي من قريش، فإذا جاءك كتابي هذا فأقرئ الناس بلغة قريش ولا تقرئهم بلغة هذيل والسلام. 2 قال الداني معقباً على هذه الرواية: وهذا الخبر أصل كبير ومعناه تعليم عمر عبد الله رضي الله عنهما - رياضة الألسنة، وأمره إياه أن يأخذ من يقرئه بالتفرقة بين الحروف المتشابهة في اللفظ المتقاربة في المخرج، حتى يؤدى القرآن على ما أنزل عليه من القراءات واللغات دون ما يجوز من ذلك من كلام العرب

_ 1 سنن القراء د. عبد العزيز قاري: 244 2 التحديد: 82، المحتسب: 1/343، الكشاف: 2/317، والعرب تبدل أحد هذين الحرفين من صاحبه لتقاربهما في المخرج.

ولغاتها إذا كان مخالفا لما أنزل عليه من الأحرف، ألا ترى أن الفرق بين العين والحاء بحَّة الحاء، ولولا هي لكانت عيناً. وإنما كانت ذات بحة لهمسها وجهر العين، فميز عمر رضي الله عنه الفرق بينها، وأمر عبد الله رضي الله عنه بتتبع ذلك على القارئين وتلخيص بيانه للتالين فيلزم سائر القراء وجميع أهل الأداء استعمال ذلك وتفقده حتى يلفظ بالحروف على هيئتها وينطق بها على مراتبها. 1 ومن تتبع كلام الأئمة في المحاذير التي تعرض لكل حرف من حروف الهجاء وسلامة النطق به حال القراءة واجتماعه مع غيره علم علم اليقين أن الطريق ليس سالكا لكل من رامه ولو كان من أرباب الفصاحة والبلاغة بل لابد فيه من القائد الخبير ورياضة باللسان تذلل العسير. قال في النشر: أول ما يجب على مريد إتقان قراءة القرآن تصحيح إخراج كل حرف من مخرجه المختص به تصحيحا يمتاز به عن مقاربه، وتوفية كل حرف صفته المعروفة به توفية تخرجه عن مجانسه، يعمل لسانه وفمه بالرياضة في ذلك إعمالا يصير ذلك له طبعا وسليقة. فكل حرف شارك غيره في مخرج فإنه لا يمتاز عن مشاركه إلا بالصفات، وكل حرف شارك غيره في صفاته فإنه لا يمتاز عنه إلا بالمخرج. كالهمزة والهاء: اشتركا مخرجا وانفتاحا واستفالا وانفردت الهمزة بالجهر والشدة. والعين والحاء: اشتركا مخرجا واستفالا وانفتاحا وانفردت الحاء بالهمس والرخاوة الخالصة. والغين والخاء: اشتركا مخرجا ورخاوة واستعلاء وانفتاحا وانفردت الغين

_ 1 التحديد: 83

بالجهر. والجيم والشين والياء اشتركت مخرجا وانفتاحا واستفالا، وانفردت الجيم بالشدة واشتركت مع الياء في الجهر، وانفردت الشين بالهمس، والتفشي، واشتركت مع الياء في الرخاوة. والضاد والظاء: اشتركا صفة وجهراً ورخاوة واستعلاء وإطباقاً، وافترقا مخرجاً، وانفردت الضاد بالاستطالة. والطاء والدال والتاء: اشتركت مخرجاً وشدة، وانفردت الطاء بالإطباق والاستعلاء، واشتركت مع الدال في الجهر، وانفردت التاء بالهمس واشتركت مع الدال في الانفتاح والاستفال. والظاء والذال والثاء: اشتركت مخرجاً ورخاوة وانفردت الظاء بالاستعلاء والإطباق واشتركت مع الذال في الجهر، وانفردت التاء بالهمس واشتركت مع الذال استفالا وانفتاحا. والصاد والزاي والسين: اشتركت مخرجاً ورخاوة وصفيرا وانفردت الصاد بالإطباق والاستعلاء واشتركت مع السين في الهمس، وانفردت الزاي بالجهر، واشتركت مع السين في الانفتاح والاستفال. قال: فإذا أحكم القارئ النطق بكل حرف على حدته موف حقه فليعمل نفسه بإحكامه حالة التركيب؛ لأنه ينشأ عن التركيب ما لم يكن حالة الإفراد وذلك ظاهر فكم ممن يحسن الحروف مفردة ولا يحسنها مركبة بحسب ما يجاورها من مجانس ومقارب، وقوي وضعيف، ومفخم ومرقق، فيجذب القوي الضعيف، ويغلب المفخم المرقق فيصعب على اللسان النطق بذلك على حقه إلا بالرياضة الشديدة حالة التركيب.

فمن أحكم صحة اللفظ حالة التركيب حصّل حقيقة التجويد بالإتقان والتدريب. 1 وتوضيحا لما ذكر ابن الجزري نورد بعض الأمثلة ليُعلم أن قراءة القرآن تحتاج إلى دربة ورياضة على أهل الخبرة والدراية. فالهمز مثلا له أحكامه التي يجب مراعاتها سواء كان مبدوءاً به أو موقوفا عليه. قال في النشر: الهمزة إذا ابتدأ بها القارئ من كلمة فليلفظ بها سلسة في النطق سهلة في الذوق، وليتحفظ من تغليظ النطق بها نحو: (الحمد) (الذين) (أءنذرتهم) ولا سيما إذا أتى بعدها ألف نحو (آتى) و (آيات) و (آمّين) فإن جاء حرف مغلظ كان التحفظ آكد نحو: (الله) (اللهم) أو مفخم نحو (الطلاق) (اصطفى) و (أصلح) فإن كان حرفا مجانسها أو مقاربها كان التحفظ بسهولتها أشد وبترقيقها أوكد نحو: (اهدنا) (أعوذ) (أعطى) (أحطت) (أحق) فكثير من الناس ينطق بها في ذلك كالمتهوع. 2 قال مكي: ويجب على القارئ إذا وقف على الهمزة وهي متطرفة بالسكون أن يطلب اللفظ بها وإظهارها في وقفه لأنها لما بعد مخرجها وضعفت وأتت في آخر الكلمة وذهبت حركتها للوقف وضعفت بالسكون صعب إظهارها في الوقف وخيف عليها النقص فلابدّ من إظهارها عند الوقف والتكلف لذلك نحو (أسوأ) و (يستهزئ) فإن كان قبلها ساكن من حروف المد واللين صعب اللفظ بها في الوقف أشد مما قبله فيجب أن تظهرها بالوقف وتتطلب باللفظ نحو الوقف

_ 1 النشر: 1/214، 215 2 النشر: 1/216

على (السراء) و (الضراء) و (سوء) و (شيء) و (يضيء) و (شاء) و (جاء) و (يشاء) فإن كنت تروم الحركة كان ذلك أسهل قليلا من وقوفك بالسكون. وإن كان الساكن قبل الهمزة غير حرف مد ولين فهو أصعب في طلب الهمزة في الوقف إذا كنت لا تروم الحركة نحو قوله تعالى: (دفء) و (ملء) و (سَوء) فاعرف هذا كله وتحفظ منه في وقفك وإن لم تتحفظ من إظهار الهمزة في هذا في وقفك كنت حاذفا حرفا ولاحنا في ذلك. 1 ومن ذلك (التاء) يتحفظ بما فيها من الشدة لئلا تصير رخوة وربما جعلت سينا لاسيما إذا كانت ساكنة نحو (فتنة) و (فترة) وليكن التحفظ بها آكد إذا تكررت نحو: (تتوفاهم) و (تتلوا) وكذا كل ما تكرر من مثلين نحو (ثالث ثلاثة) و (حاججتم) و (لا أبرح حتى) ونحو ذلك. قال في الرعاية: فبيان هذا الحرف المكرر لازم لأن في اللفظ به صعوبة لأنه بمنزلة الماشي يرفع رجله مرتين أو ثلاث مرات ويردها في كل مرة إلى الموضع الذي رفعها منه. وقد مثله بعض العلماء بمشي المقيد فالتحفظ ببيانه لازم للقارئ ومعرفته لذلك زيادة في فهمه وعلمه بحقيقة لفظه. 2 قال ابن الجزري: وإذا سبقت الطاء التاء لخصت صوت الطاء مع الإتيان بصوت الإطباق ثم تأتي بالتاء مرققة على أصلها وهذا قليل في زماننا ولا يقدر

_ 1 الرعاية: 151 2 الرعاية: 205، النشر: 1/217

عليه إلا الماهر المجود. 1 ومن ذلك (السين) إذا جاورت حرفاً من حروف الإطباق سواء كانت ساكنة أو متحركة وجب بيانها في رفق وتؤدة وإلا صارت صادا بسبب المجاورة لأن مخرجهما واحد ولولا التسفل والانفتاح اللذان في السين لكانت صادا، ولولا الاستعلاء والإطباق اللذان في الصاد لكانت سيناً. وينبغي أن يبين صفيرها أكثر من الصاد لأن الصاد بين الإطباق نحو (بسطة) و (مسطورا) و (تسطع) و (أقسط) فتلفظ بها في حالي سكونها وتحريكها برفق ورقة. وإذا سكنت وأتى بعده جيم أو تاء فبينها نحو (مستقيم) و (مسجد) ونحو ذلك. ولولا تبيينها لالتبست بالزاي للمجاورة. واحذر أن تحركها عند بيانك صفيرها. 2 ومن ذلك الضاد فإنه حرف عسير على اللسان والناس يتفاضلون في النطق به قال ابن الجزري: فمنهم من يجعله (ظاء) مطلقا، لأنه يشارك الظاء في صفاتها كلها ويزيد عليها بالاستطالة، فلولا الاستطالة واختلاف المخرجين لكانت ظاء. وإبدالها ظاء لا يجوز في كلام الله تعالى لمخالفته المعنى الذي أراد الله تعالى إذ لو قلنا (الضالين) بالظاء كان معناه الدائمين وهذا خلاف مراد الله تعالى وهو مبطل للصلاة، لأن الضلال بالضاد هو ضد الهدى كقوله {ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ} {وَلا الضَّالِّينَ} ونحوه وبالظاء هو الدوام كقوله {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً}

_ 1 التمهيد: 121 2 التمهيد: 137

ومنهم من لا يوصلها إلى مخرجها بل يخرجها من دونه ممزوجة بالطاء المهملة لا يقدرون على غير ذلك ومنهم من يخرجها لاماً مفخمة. وإذا أتى بعد الضاد حرف إطباق وجب التحفظ بلفظ الضاد لئلا يسبق اللسان إلى ما هو أخف عليه وهو الإدغام كقوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ} {ثُمَّ أَضْطَرُّهُ} وإذا سكنت الضاد وأتى بعدها حرف من حروف المعجم فلا بدّ من المحافظة على بيانها وإلا بادر اللسان إلى ما هو أخف منها نحو: (أفضتم) و (خضتم) و (واخفض جناحك) و (قيضنا) و (فرضنا) ونحو ذلك. 1 وهكذا تناول العلماء كل حرف من حروف الهجاء مبينين خصائصه ومميزاته وكيفية النطق به وما يجب له سواء كان مبدوء به أو موقوفا عليه وسواء كان مفردا أو اقترن بغيره ولو تتبعنا ذلك لخرجنا عن الاختصار وإنما ذكر العلماء ذلك وبينوه أوضح بيان لما رأوا من وقوع الطلاب في الخطأ واللحن فيه قال مكي في الرعاية بعد بيانه للمباحث والأبواب التي عقدها لأحكام التجويد: كل ما ذكرته لك من هذه الحروف وما نذكره لم أزل أجد الطلبة تزل بهم ألسنتهم إلى ما نبهت عليه وتميل بهم طباعهم إلى الخطأ فيما حذرت منه فبكثرة تتبعي لألفاظ الطلبة بالمشرق والمغرب وقفت على ما حذرت منه، ووصيت به من هذه الألفاظ كلها وأنت تجد ذلك من نفسك وطبعك. 2

_ 1 التمهيد: 140-142 2 الرعاية: 170

فإذا كان هذا حال الطلاب في تلك القرون المتقدمة فماذا عسى أن نقوله عمن طغت عليه العجمة وفشي فيه اللحن وغلب عليه اعوجاج اللسان من أهل زماننا هل يُتْرك يقرأ بحسب طبعه ولهجته وما سهل على لسانه؟ ولقد رد العلماء هذه المقولة ووصفوا قائلها بالنقص والجهالة. قال مكي رحمه الله تعالى: وليس قول المقرئ والقارئ أنا أقرأ بطبعي وأجد الصواب بعادتي في القراءة لهذه الحروف من غير أن أعرف شيئاً مما ذكرته بحجة بل ذلك نقص ظاهر فيهما. لأن من كانت هذه حجته يصيب ولا يدري، ويخطئ ولا يدري؛ إذ علمه واعتماده على طبعه وعادة لسانه، يمضي معه أينما مضى به من اللفظ، ويذهب معه أين ما ذهب، ولا يبنى على أصل ولا يقرأ على علم ولا يقرئ عن فهم فما أقربه من أن يذهب عنه طبعه، أو تتغير عليه عادته وتستحيل عليه طريقته؛ إذ هو بمنزلة من يمشي في ظلام في طريق مشتبه فالخطأ والزلل منه قريب. والآخر بمنزلة من يمشي على طريق واضح معه ضياء لأنه يبني على أصل، وينقل عن فهم، ويلفظ عن فرع مستقيم وعلة واضحة فالخطأ منه بعيد. فلا يرضى امرؤ لنفسه في كتاب الله جل ذكره وتجويد ألفاظه إلا بأعلى الأمور وأسلمها من الخطأ والزلل1. وإلى وجوب عرض القرآن وأخذه عن أهل الضبط والإتقان نبه الداني في منظومته المنبهة فقال:

_ 1 الرعاية: 153

واعلم بأن العرض للقرآن ... على الإمام الفاضل الديّان من سنة النبي والصحابة ... ذوي المحل وذوي القرابة والتابعون بعد لم يعدوه ... بل من وكيد الأمر قد عدّوه إذ كان قد صح عن الرسول ... بأنه قرا على جبريل وقد قرا بالوحي إذ أتاه ... على أبيّ ثم قد أقراه فأي شيء بعد هذا يتبع ... وهل يردُّ الحق إلا مبتدع أو جاهل لقوله لا ينظر ... إذ هو في الورى كمن لا يبصر1

_ 1 الأرجوزة المنبهة: للداني: 166

المبحث الخامس: حكم الأخذ بالتجويد

المبحث الخامس: حكم الأخذ بالتجويد بعد النظر في النصوص الواردة عن الأئمة في مسألة حكم الأخذ بالتجويد وما تقدم من بيان اعتناء سلف هذه الأمة به. تحرر عندي أنّ تعلّم علم التجويد فرض كفاية. وأن العمل بأحكامه حال القراءة فرض عين سواء كان ذلك في الصلاة أو خارج الصلاة وسواء كان المقروء يسيراً أو كثيراً وذلك لما يأتي: أولاً: أن الأمة قد أجمعت على تلقي القرآن وعرضه منذ نزوله جيلاً بعد جيل بهذه الكيفية التي عرفت بالتجويد لا خلاف بينهم في ذلك، إذ القراءة عندهم سنة متبعة. وقد كنت عزمت على عقد مبحث أذكر فيه أدلة المعارضين للقول بالوجوب ومناقشتها فلم أجد دليلاً من إمام معتبر يقول بغير الوجوب فصرفت عنه النظر. وما ذكره بعض المعاصرين من أنه دليل معارض للقول بالوجوب كقصة اختلاف هشام بن حكيم وعمر بن الخطاب في القراءة ونحو ذلك، تتبعته فألفيته بعيداً كل البعد عن تقرير أحكام التلاوة وأدائها التي هي صلب الموضوع ولبه، بل هو راجع إلى اختلاف القراءات والحكمة من تعدد الحروف النازلة. ثانياً: أن قراءة القرآن وتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من

أئمة القرآن المسندين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبادة. قال تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} 1. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من قرأ حرفاً من كتاب لله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول (ألم) حرف ولكن (ألف) حرف و (لام) حرف و (ميم) حرف" 2. وكل عبادة يجب أن تؤدى كاملة غير منقوصة ليحصل لصاحبها الثواب كاملاً. وبقدر ما نقص منها مع قدرته على التمام نقص من أجره وثوابه وبقدر تفريطه لحقه الإثم والعقاب. وإلى ما ذكرت أشار ابن الجرزي بقوله: ولا شك أن الأمة كما هم متعبدون بفهم معاني القرآن وإقامة حدوده متعبدون بتصحيح ألفاظه وإقامة حروفه على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة المتصلة بالحضرة النبوية الأفصحية العربية التي لا تجوز مخالفتها ولا العدول عنها إلى غيرها، والناس في ذلك بين محسن مأجور ومسيء آثم، أو معذور. فمن قدر على تصحيح كلام الله تعالى باللفظ الصحيح العربي الفصيح وعدل إلى اللفظ الفاسد العجمي أو النبطي القبيح استغناءً بنفسه واستبداداً برأيه وحدسه، واتكالاً على ما ألف من حفظه، واستكباراً عن الرجوع إلى عالم يوقفه على صحيح لفظه، فإنه مقصر بلا شك وآثم بلا ريب وغاش بلا مرية فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الدين النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة

_ 1 سورة المزّمل آية 20. 2 الترمذي: ما جاء فيمن قرأ حرفاً من القرآن: 5/33، حديث رقم (2910) وابن الضريس في فضائل القرآن: 46. وفي جامع الأصول: 8/498.

المسلمين وعامتهم". أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها 1. ثالثاً: ما ثبت في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران" 2. والماهر بالشيء الحاذق العارف به. ولا يكون ماهراً بالقرآن عارفاً به من أخلّ بشيء من معانيه ومبانيه. فمن لم يعط الحروف حقها من المدّ إن كانت ممدودة، ومن التمكين إن كانت مُمكّنة، ومن الهمز إن كانت مهموزة، ومن الإدغام إن كانت مدغمة، ومن الإظهار إن كانت مظهرة، ومن الإخفاء إن كانت مخفية، ومن الحركة إن كانت محركة، ومن السكون إن كانت مسكّنة … إلخ، مع قدرته على ذلك، لم يكن ماهراً بالقرآن، وأما من كان لا يطاوعه لسانه مع اجتهاده وحرصه على الوصول إلى مرتبة الماهر فإن الله أعدله من الأجر على قدر اجتهاده إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فمن رام مصاحبة السفرة الكرام البررة وجب عليه أن يقيم حروفه ويحرص على أدائها سالمة من الخطأ والزلل كما يقيم حدوده. رابعاً: ما ورد من النهي عن الهذرمة وهي الإسراع بالقراءة إلى الحد الذي لا يمكّن القارئ من ضبط أحكام القراءة، ولا يمكّن السامع من التدبر، ومثلها الهذّ،

_ 1 النشر: 1/210، 211. 2 فتح الباري: 8/691، ومسلم في صلاة المسافرين رقم 6/84.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: لا تنثروه نثر الدقل 1، ولا تهذّوه هذّ الشعر، قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب، ولا يكن هم أحدكم آخر السورة 2. وعن أبي وائل قال جاء رجل إلى عبد الله بن مسعود فقال: قرأت المفصل البارحة فقال: ((هذّا كهذّ الشعر، إنا قد سمعنا القراءة، وإني لأحفظ القُرناء التي كان يقرأ بهنّ النبي صلى الله عليه وسلم: ثماني عشرة سورة من المفصل وسورتين من آل حم)) 3. ولذلك ورد النهي عن ختم القرآن في أقل من سبع وفي رواية أقل من ثلاث كما جاء في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص4. فإذا نهي عن الهذرمة والهذّ وجب الأخذ بضدهما وهو تبيين الحروف وإخراجها من مخارجها وإعطائها حقها على الصفة المتلقاة من أئمة القراءة الناقلين لها بالأسانيد المتصلة سواء كان ذلك في ترتيل، أو تدوير، أو حدر. فذو الحذق معط للحروف حقوقها ... (إذا رتل القرآن أو كان ذا حدر) خامساً: أن القول بعدم وجوب الأخذ بهذه الأحكام من إظهار وإدغام وإخفاء ومد وترقيق وإمالة ونحو ذلك.

_ 1 الدقل هو رديء التمر ويابسه وما ليس له اسم خاص فتراه ليبسه ورداءته لا يجتمع ويكون منثوراً. اللسان: 11/246 2 تفسير البغوي: 4/407. 3 فتح الباري: 9/88. 4 فتح الباري: 9/94. مسلم بشرح النووي: 8/42 5 من قصيدة الخاقاني: أنظر قصيدتان في التجويد: 19.

فيه قدح صريح لصدر هذه الأمة من القراء الناقلين إلينا كتاب ربنا بحروفه وقراءاته ورواياته وطرقه بهذه الكيفيات والهيئات التي تلقوها وأقرءوا بها ودونوها في كتبهم حتى وصلت إلينا عن طريقهم بالأسانيد المتصلة. فهل يقول ذو بصيرة أنهم أنشأوها واخترعوها من أنفسهم وأوجبوها على الناس وتناقلها الناس عنهم في كل عصر ومصر. ولم يخالفهم أحد أو يأخذ على أيديهم لاستحداثهم في كتاب الله ما ليس منه، والله عز وجل قد تكفل بحفظ كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9] والإجماع قائم على أن من زاد في القرآن حركةً أو حرفاً أو نقص من تلقاء نفسه مصراً على ذلك يكفر. كما أن الإجماع قائم على أن النقص في كيفية القرآن وهيئته كالنقص في ذاته ومادته. فترك المد والغنة والتفخيم والترقيق، كترك حروفه وكلماته. فإذا كان الجواب قطعاً بالنفي وأنهم برءاء من الاختراع والابتداع بل منهجهم الإتباع، فلا يقرأ أحدهم إلا بما أقرئ، وجب اتباعهم، قال محمد بن صالح: سمعت رجلاً يقول لأبي عمرو 1 كيف تقرأ: {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ (وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ} 2.

_ 1 زبان بن العلاء أبو عمرو البصري، أحد القراء السبعة ولد سنة (68هـ) وقيل سنة (70هـ) قرأ على الحسن البصري، وحميد بن قيس الأعرج، وعلى أبي العالية. توفي سنة (154هـ) وقيل غير ذلك. غاية النهاية: 1/292، تهذيب التهذيب للحافظ ابن حجر: 12/178، طبقات خليفة بن خياط: 227 2 سورة الفجر آية 25-26.

قال: (لا يعذب) بالكسر، فقال له الرجل كيف وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (لا يعذب) بالفتح، فقال له أبو عمرو: لو سمعت الرجل الذي قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ما أخذته عنه وتدري ما ذاك لأني أتهم الواحد الشاذ إذا كان على خلاف ما جاءت به العامة. قلت وقراءة الفتح أيضاً قراءة متواترة. قرأها من السبعة الإمام الكسائي، ومن العشرة يعقوب الحضرمي 1 وإنما أنكرها أبو عمرو لأنها لم تبلغه على وجه التواتر، لأن الخبر قد يتواتر عند قوم دون قوم 2. وقال ابن مجاهد أخبرنا الأصمعي قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء يقول: لولا أنه ليس لي أن أقرأ إلا بما قد قرئ به لقرأت حرف كذا كذا وحرف كذا كذا 3. ويبين الشهرزوري في كتابه المصباح أن أحكام التجويد من إظهار وإدغام وإقلاب وإخفاء وإمالة وتفخيم وتحقيق همز وتخفيفه كل ذلك من لغة العرب التي نزل بها القرآن، وما من قارئ من قراء الأمصار: الحجاز والشام والعراق إلا وقد ورد عنهم الإدغام والإظهار والهمز والتليين والحدر والتحقيق والإمالة والتفخيم، وليس لأحد أن يعيب على قارئ ممن قرأ بهذه الأوصاف بل كل واحد من هذه الأوصاف نقله الخلف عن السلف جيلاً بعد جيل وقبيلاً بعد قبيل من لدن رسول الله (إلى زماننا هذا، ووقع على جواز ذلك الاتفاق في كل

_ 1 النشر 2/400 2 جمال القراءة للسخاوي: 1/235، منجد المقرئين: 68. 3 السبعة لابن مجاهد: 48.

عصر ومصر إماماً بعد إمام وقدوة بعد قدوة إلى زماننا هذا. (1) قلت: لازال الإجماع والاتفاق قائماً على ما ذكر عن الأئمة قراء الأمصار من تلك الأحكام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فالتارك للقراءة بها قارئ للقرآن بغير لغة العرب التي نزل عليها. وفي موضع آخر من كتابه بين أن أخذهم لقواعد التجويد ليس بدعاً من أنفسهم وإنما هو النقل والرواية عن الأئمة الماضين والسلف الصالحين، فقد أوضحوا في كتبهم وبينوا في مصنفاتهم التجويد في القراءة والتحقيق في التلاوة، ولم يتركوا لغيرهم في ذلك مسلكاً وليس لنا فيما نورده من ذلك إلا التقريب والترتيب.. والله الموفق. (2) فعلينا أن نسلك مسلك أئمتنا ونقتفي أثرهم فهم الأمناء الناقلون والحفظة المسندون. قرءوا القرآن فأدوه أحسن أداء، وكان حسن الأداء سبيلهم لحسن الاستماع، وكان حسن الاستماع سبيلاً لحسن التدبر، وحسن التدبر سبيلاً لحسن الانتفاع. وكل خير في اتباع من سلف ... وكل شر في ابتداع من خلف

_ 1 المصباح الزاهر: 3/929. 2 المصباح الزاهر: 4/1468.

المبحث السادس: اللحن في القراءة

المبحث السادس: اللحن في القراءة يأتي اللحن لمعان كثيرة، والذي يعنينا منه في هذا المبحث هو ما كان بمعنى الخطأ والميل عن الصواب في القراءة. قال في اللسان: اللحْن واللحَن واللحانة واللحانية: ترك الصواب في القراءة والنشيد ونحو ذلك. ورجل لاحِن ولحّان ولحّانة ولُحنة يخطئ. وفي المحكم: كثير اللحن، ولحّنة: نسبة إلى اللحن 1. قال ابن الجزري في التمهيد: واللحن الخطأ ومخالفة الصواب. وبه سمي الذي يأتي بالقراءة على ضد الإعراب لحّاناً، وسمي فعله اللحن، لأنه كالمائل في كلامه عن جهة الصواب والعادل عن قصد الاستقامة 2. واللحن في جميع صوره وأشكاله منهي عنه مستبشع في القراءة. كما روى الحاكم في مستدركه عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً قرأ فلحن قال صلى الله عليه وسلم "أرشدوا أخاكم" 3. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحذر القراء منه. فعن سليمان بن يسار: انتهى عمر إلى قوم يقرئ بعضهم بعضاً فلما رأوا عمر سكتوا فقال: ما كنتم تراجعون، فقلنا: كنا نقرئ بعضنا بعضاً، فقال:

_ 1 اللسان: 13/379، مادة ل ح ن. 2 التمهيد: 76. 3 المستدرك 2/ 439، وقال الحاكم: صحيح الإسناد وأقره الذهبي.

أقرءوا ولا تلحنوا 1. وكان أبو جعفر 2 القارئ يقول: من فقه الرجل عرفانه اللحن 3. ينقسم اللحن إلى قسمين: لحن جلي: أي ظاهر. وخفي: أي مستتر. 4 ولكل واحد منهما حدّ يخصه، وحقيقة بها يمتاز عن صاحبه. القسم الأول: اللحن الجلي: وهو خلل يطرأ على الألفاظ فيخل بعرف القراءة سواء أخل بالمعنى أم لم يخل، وهذا النوع من اللحن قد يكون في بنية الكلمة وحروفها التي تتركب منها، بأن يبدل القارئ منها حرفاً بآخر، فيبدل الضاد ظاء، والذال زاياً، والثاء سيناً، والغين خاءً، ونحو ذلك. وقد يكون في حركات الكلمة سواءً كان ذلك في أولها أو في وسطها، أم في آخرها. فيجعل الفتحة كسرة، أو الضمة فتحة، أو إحدى هذه الحركات سكوناً،

_ 1 المصنف لابن أبي شيبة: 10/459، شعب الإيمان: 5/242، إيضاح الوقف والابتداء لابن الأنباري: 1/19. 2 يزيد بن القعقاع الإمام أبو جعفر المخزومي المدني، أحد القراء العشرة، عرض القرآن على مولاه عبد الله بن عياش، وعبد الله بن عباس، وأبي هريرة. روى عنه نافع بن أبي نعيم، وسليمان بن مسلم بن جماز، توفي سنة (130 هـ) ، غاية النهاية: 2/382. 3 المصنف لابن أبي شيبة: 10/459 4 السبعة لابن مجاهد: 49، التحديد للداني: 118.

أو نحو ذلك، سواء ترتب على هذا الخطأ تغير في المعنى كضم التاء أو كسرها من نحو: {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة: 7] ونحو: {لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ} [النساء: 77] . أو فتحها أو كسرها من نحو: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} [المائدة: 117] . أم لم يترتب عليه تغير في المعنى كضم الهاء من قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ} [الفاتحة: 2] و {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 20] . وهذا النوع من اللحن حرام شرعاً باتفاق المسلمين، معاقب عليه فاعله إن تعمده. فإن فعله ناسياً أو جاهلاً فهو معفو عنه إن شاء الله تعالى. وسمي هذا النوع جلياً لجلائه وظهوره وعدم خفائه على أحد سواء كان من القراء أم من غيرهم. قال الداني: اعلموا أن كل حرف من حروف القرآن يجب أن يمكّن لفظه ويوفّى حقه من المنزلة التي هو مخصوص بها على ما حددناه وما نحدده ولا يبخس شيئاً من ذلك فيتحول عن صورته ويزول عن صيغته وذلك عند علمائنا في الكراهة والقبح كلحن الإعراب الذي يتغير فيه الحركات وينقلب به المعاني 1. القسم الثاني: اللحن الخفي: وهو خلل يطرأ على الألفاظ فيخل بالعرف دون المعنى وهو نوعان: الأول: مثاله ترك الإدغام في موضعه، وكذلك الإظهار، والإقلاب، والإخفاء، وترقيق المفخم وعكسه، وتخفيف المشدد كذلك. وقصر الممدود، ومد المقصور، والوقف بالحركة كاملة في غير الوقف

_ 1 التحديد للداني 118

بالروم، إلى غير ذلك من الأخطاء التي تتنافى والقواعد التي دوّنها علماء القراءة وضبطها أئمة الأداء. الثاني: وهو لا يعرفه إلا مهرة القراء وحذّاقهم ومثاله: تكرير الراءات، وتطنين النونات، وتغليظ اللامات، في غير محله، وترقيقها كذلك، ونقص الغنة أو الزيادة على مقدارها، والزيادة على مقدار المد أو النقص عنه، إلى غير ذلك مما يخل باللفظ ويذهب برونقه وحسن طلاوته. وسمي مخفياً لاختصاص معرفته بعلماء القراءة دون غيرهم، وقد اختلف العلماء في هذا القسم الثاني من اللحن الخفي هل هو ملحق بالقسم الأول في الاتفاق على حرمته أم أن الأمر فيه دون ذلك. فممن قال بحرمته وأنه لا فرق بينه وبين القسم الأول البركوي 1 في شرحه على الدر اليتيم قال: تحرم هذه التغييرات جميعها لأنها وإن كانت لا تخل بالمعنى تخل باللفظ، وتؤدي إلى فساد رونقه وذهاب حسنه وطلاوته 2. وناصر الدين الطبلاوي 3 يرى أن هذه القواعد من الواجب الشرعي الذي يثاب فاعله ويعاقب تاركه.

_ 1 محمد بن بيرعلي البركوي الرومي الحنفي تقي الدين، واعظ نحوي مفسر محدث، توفي سنة (981هـ) معجم المؤلفين، رضا كحالة 9/123، كشف الظنون، حاجي خليفة 1/736. 2 نهاية القول المفيد: 29. 3 محمد بن سالم الطبلاوي ناصر الدين، من علماء الشافعية، عاش نحو مائة سنة، توفي سنة (966هـ) الأعلام، خير الدين الزركلي: 7/4

وذلك في نص سؤال وجه إليه فأجاب عليه بما يفيد ذلك 1. ويرى ملا علي القاري 2 في شرحه على المقدمة الجزرية أن هذا القسم الثاني لا يصل في الحرمة إلى ما عليه القسم الأول فيقول: ولا شك أن هذا النوع مما ليس بفرض عين يترتب عليه العقاب الشديد وإنما فيه خوف العتاب والتهديد 3. والذي أميل إليه في هذه المسألة أن هذه الكيفيات والهيئات التي يقرأ بها كتاب الله عز وجل من إظهار وإدغام وإخفاء وهمس للحروف وجهر لها ونحو ذلك، كل ذلك متلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حفظه الصحابة ونقلوه إلى من بعدهم إلى أن وصل إلينا متواتراً بالأسانيد المتصلة مما بينته سابقاً. فإذا كانت هذه الكيفيات متواترة كان العمل بها والمحافظة على مراعاتها أمراً واجباً شرعاً تحرم مخالفتها ويأثم المتهاون بأدائها. ولقد سبق قول الداني في أنه ينبغي للقارئ أن يأخذ نفسه بتفقد الحروف التي لا يوصل إلى حقيقة اللفظ بها إلا بالرياضة الشديدة والتلاوة الكثيرة مع العلم بحقائقها والمعرفة بمنازلها فيعطي كل حرف منها حقه من المد إن كان ممدوداً ومن التمكين إن كان ممكناً، ومن الهمز إن كان مهموزاً، ومن الإدغام إن كان مدغماً، ومن الإظهار إن كان مظهراً، ومن الإخفاء إن كان مخفياً، ومن الحركة إن كان محركاً، ومن السكون إن كان مسكناً.

_ 1 نهاية القول المفيد: 29- 31. 2 علي بن محمد سلطان، وقيل: علي بن سلطان الهروي المعروف بالقاري، فقيه حنفي، له كتب كثيرة في القراءات، توفي سنة (1014هـ) الأعلام، الزركلي: 5/166 3 المنح الفكرية في شرح الجزرية: 19.

ومتى لم يفعل ذلك القارئ ولم يستعمل اللفظ به كذلك صار عند علماء هذه الصناعة لاحناً 1. والمدار في كل هذا على من كان يستطيع أن يأتي بهذه الكيفيات المتواترة ولكنه استنكف عن ذلك استكباراً وعناداً. أما من كان لا يطاوعه لسانه أو كان لا يجد من يهديه إلى الصواب بيانه، فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. فأول علم الذكر إتقان حفظه ... ومعرفة باللحن من فيك إذا يجري فكن عارفاً باللحن كيما تزيله ... وما للذي لا يعرف اللحن من عذرِ2 وأما النوع الثاني من اللحن الخفي وهو ما لا يعرفه إلا مهرة القراء وحذّاقهم. بأن ينقص القارئ الغنة عن المقدار المقرر لها وهو حركتان فيأتي بها حركتين إلا ربعاً مثلاً، أو أقل من الربع. أو يزيدها على المقدار فيجعلها حركتين وربعاً أو أدنى من الربع، أو يجعل المد اللازم خمس حركات ونصف حركة أو ثلاثة أرباع حركة، أو يجعله ست حركات وربع حركة أو نصف حركة، فينقصه عن المقدار المقرر له، أو يزيده عليه. ومثل ذلك يقال في باقي المد من: المتصل، والمنفصل، والعارض للسكون. وبأن يفاوت بين المدود المتصلة والمنفصلة مثلاً، فيقرأ بعضها بخمس حركات مثلاً، وينقص بعضها عن هذا المقدار ولو قليلاً، أو يزيد بعضها عليه ولو قليلاً.

_ 1 التحديد للداني: لوحة: 98/ أ 2 للخاقاني: قصيدتان في تجويد القرآن: 21.

وبأن يقف على بعض الكلمات بالروم، ثم يقف على نظائرها بالسكون المحض أو الإشمام. وبأن يبالغ في تفخيم الحروف المفخمة، فيزيد عن الحد المطلوب، وبأن يبالغ في ترقيق الألف المسبوق بحرف استفال حتى يظن أنها ممالة، وبأن يبالغ في تحقيق الهمز المسبوق بحرف مد حتى يتوهم أنه مشدد. إلى غير ذلك من الأمور التي لا يتنبه لها إلا المهرة العارفون بالتجويد الماهرون به علماً وعملاً الآخذون من أفواه الشيوخ الضابطين فإن هذا وإن كان من اللحن إلا أنه لا يخل بالقراءة الصحيحة ولا يقدح في ضبط التلاوة وحسنها. وإنما يخل بكمال الضبط ونهاية الحسن والبلوغ بالقراءة إلى أسمى مراتب الإحسان والإتقان. وعلى هذا لا يكون ارتكاب مثل هذه الأمور الدقيقة جداً محرماً ولا مكروهاً ممن وقع فيه من غير تعمد. بل يكون خلاف الأولى والأفضل والأكمل، والله الموفق. وإذا لحن المصلي في الفاتحة فإنه أخل بركن من أركان الصلاة، وعليه فإنه تفسد صلاته. سواء كان ذلك اللحن مغيراً للمعنى أو للمبنى، وهذا على أرجح قولي أهل العلم. قال النووي: ولو قال: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: 7] بالظاء بطلت صلاته، على أرجح الوجهين إلا أن يعجز عن الضاد بعد التعلم فيعذر 1. قال في النشر: واختلفوا في صلاة من يبدل حرفاً بغيره، سواءً تجانسا أم تقاربا، وأصح القولين عدم الصحة كمن قرأ {الْحَمْدُ} بالعين، و {الدِّينِ}

_ 1 الأذكار للنووي: 46.

بالتاء أو {الْمَغْضُوبِ} بالخاء أو الظاء1. على أنه في كل ذلك يعتبر الجهد الذي يبذله المكلف في تصحيح قراءته، فإن كان مع اجتهاده وحرصه على التصحيح غلبه لسانه ولم يقو على اجتناب اللحن فلا حرج عليه، لأن التكليف مقيد بالاستطاعة ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، فبعد استفراغ الوسع في تصحيح القراءة إن وقع المصلي في اللحن فصلاته تجزئه، كصلاة الألثغ، والأعجمي الشديد العجمة، والشيخ الفاني الذي لا يستطيع أن يقوّم لسانه ونحوهم من طوائف الأمة الذين لا يقدرون على تحاشي اللحن 2. وأما إمامة اللحان ويسميه الفقهاء (أُمِّيّاً) . وهو الذي لا يحسن قراءة مالا تصح الصلاة إلا به من القرآن فلا خلاف في كراهة إمامته، ولا ينبغي له أن يؤم الناس والصحيح من أقوال أهل العلم بطلان الاقتداء به، وفساد الصلاة خلفه. وهذا مذهب أبي حنيفة، ومالك، وأحمد، والأصح من مذهبي الشافعي وقال به أبو ثور، وابن المنذر، واختاره المزني. وهو مذهب عطاء، وقتادة من التابعين 3. وقيل: تفسد صلاة القارئ خلف الأمّي، وتصح صلاة من كان مثله. قال في النشر: ولهذا أجمع من نعلمه من العلماء على أنه لا تصح صلاة

_ 1 النشر: 1/211. 2 سنن القراء: 128. 3 المغني لابن قدامة: 3/32. المجموع شرح المهذب: 4/269.

قارئ خلف أُمّي وهو من لا يحسن القراءة 1. وهذا آخر ما تيسر جمعه في هذا البحث، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين … آمين.

_ 1 النشر: 1/211. المغني لابن قدامة: 3/29.

الخاتمة

الخاتمة إنه لجدير بكل مسلم يجل كتاب ربه ويعظمه أن يصونه عن اللحن والتحريف، ويكون لسانه رطباً به في كل وقت وحين، وفق الكيفية التي أمر الله أن يتلى بها وحض عليها رسوله صلى الله عليه وسلم، وتناقلتها الأمة جيلاً بعد جيل حتى وصلت إلينا محاطة بالرعاية، متصلة بالأسانيد. فمتى ما قرئ القرآن مجوداً مصححاً كما أنزل تلذذت الأسماع بتلاوته، وخشعت القلوب عند قراءته ولو لم يكن القارئ من أصحاب المقامات والتطريب، ومتى اختلت موازين الحروف لم يقم النغم والتطريب مقامها، بل لا يحسن الصوت حقيقة مع الإخلال بشيء من قواعد التجويد والتلاوة. فحسن الصوت شيء زائد عن أحكام التلاوة وقواعدها وهبة من الله لمن شاء من خلقه وهو حسن بشروطه وليس هذا محل بحثه. ولئن وقف أبناء اللغة العربية البررة مع لغتهم وتعاهدوها ورعوها حق رعايتها مما لم تعهده لغة أخرى في روايتها وترتيب قواعدها واستقصاء أصولها وإحصاء مفرداتها واستيعاب الشواهد عليها وضبط كلماتها وموازينها وبيان الفروق اللغوية بين مترادفاتها، وتحقيق المعرب من الدخيل محتسبين الأجر في ذلك لأنها لغة القرآن. فحري بأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته والمصطفون من خلقه أن يذودوا عن حمى القرآن وأن لا يتركوه لعبث العابثين وتأويل الجاهلين فكما هم مطالبون بالحفاظ على حروفه وحدوده هم مطالبون بالحفاظ على معانيه ومبانيه والكيفية التي تؤدى بها تلك الحروف لأنها أكمل الكيفيات وأتم الهيئات وبتطبيقها تنال أعلى الدرجات في الحياة وبعد الممات. وإنه من فضل الله على هذه البلاد المملكة العربية السعودية أنه لا زال ولاة الأمر فيها قائمين بالحفاظ على كتاب الله وتجويده في كل المناسبات الخاصة منها والعامة.

ففي مجال المسابقة المحلية التي يرعاها سمو الأمير سلمان بن عبد العزيز في كل عام يشترط في كل فرع من فروعها الخمسة التلاوة والتجويد. ومثل ذلك في المسابقة الدولية التي تنظمها وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف كل عام بمكة المكرمة على مستوى العالم يشترط في كل فرع من فروعها الخمسة التلاوة والتجويد. فما يثار بين الفينة والفينة من التقليل بأهمية التجويد لا محل له في دولة القرآن وبين أهل القرآن. {رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... فهرس المصادر والمراجع 1. القرآن الكريم - مصحف المدينة النبوية - طباعة مجمع الملك فهد. 2. أخلاق حملة القرآن الكريم. أبو بكر أحمد بن الحسين الآجري المتوفى سنة (360هـ) تحقيق الدكتور / عبد العزيز القاري، مكتبة الدار، ط1، 1408هـ 3. الأذكار المنتخبة من كلام سيد الأبرار. محيي الدين / يحيى بن شرف النووي المتوفى سنة (676هـ) . دار المعرفة بيروت. 4. الأرجوزة المنبهة على أسماء القراء والرواه. أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة (444هـ) . تحقيق: محمد مجقان الجزائري، نشر: دار المغني - الرياض - ط1- 1420هـ. 5. الأعلام. خير الدين الزركلي، المتوفى سنة (1397هـ) ط3. 6. أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن. للشيخ محمد الأمين الشنقيطي المتوفى سنة (1393هـ) . طبع وتوزيع الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية - الرياض. 7. أنباء الغمر بأبناء العمر. لأبي الفضل / أحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة (852هـ) . مطبعة دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، الهند. 8. إنباه الرواة على أنباه النحاة. لأبي الحسن علي بن يوسف القفطي المتوفى سنة (624هـ) . تحقيق محمد أبو الفصل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ط1 - 1406هـ 9. إيضاح الوقف والابتداء في كتاب الله. أبو بكر الأنباري: محمد بن القاسم المتوفى سنة (328هـ) ط المجمع العلمي بدمشق.

1. البدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع. محمد بن علي الشوكاني المتوفى سنة (1250هـ) . نشر دار الكتاب الإسلامي القاهرة. 2. تاريخ بغداد. أبو بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي المتوفى سنة (463هـ) . نشر دار الكتاب العربي بيروت. 3. التحديد في الإتقان والتجويد. أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني المتوفى سنة (444هـ) دراسة وتحقيق الدكتور / غانم قدوري ط1، (1407هـ) . ونسخة أخرى خطية بمكتبة الجامعة الإسلامية رقمها 7431/1. 4. تذكرة الحفاظ. أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان، الحافظ الذهبي المتوفى سنة (748هـ) تحقيق أبو هاجر محمد، دار الكتب العلمية بيروت ط1 - 1405هـ 5. التمهيد في علم التجويد. أبو الخير محمد بن محمد بن محمد الجزري المتوفى سنة (833هـ) تحقيق غانم قدوري، مؤسسة الرسالة ط4 - 1418هـ 6. تهذيب التهذيب. الحافظ بن حجر العسقلاني، مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، الهند.

1. التيسير في القراءات السبع. أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني، عني بتصحيحه - اوتوبرتزل-. نشر دار الكتاب العربي، بيروت، ط2، 1404هـ. 2. الثقات. أبو حاتم محمد بن حبان بن أحمد البستي المتوفى سنة (354هـ) ط مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدر أباد، الدكن، الهند - سنة 1393هـ 3. جامع الأصول في أحاديث الرسول (. أبو السعادات، المبارك بن محمد بن الأثير الجزري المتوفى سنة (606هـ) تحقيق عبد القادر الأرنؤوط سنة 1389هـ. 4. جامع البيان عن تأويل القرآن. أبو جعفر محمد بن جرير الطبري المتوفى سنة (310هـ) مطبعة الحلبي ط3، 1388هـ. 5. الجامع لأحكام القرآن. أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي المتوفى سنة (671هـ) طبع دار إحياء التراث بيروت. 6. جذوة المقتبس في تاريخ علماء الأندلس. أبو عبد الله محمد بن أبي نصر بن حميد المتوفى سنة (488هـ) تحقيق إبراهيم الأبياري، نشر دار الكتاب المصري ودار الكتاب اللبناني ط2 - 1410هـ. 7. جمال القراء وكمال الإقراء. علي بن محمد السخاوي المتوفى سنة (643هـ) تحقيق الدكتور / علي حسين البواب، مطبعة المدني القاهرة، ط 1، 1408هـ

1. حرز الأماني ووجه التهاني. القاسم بن فيرة الشاطبي المتوفى سنة (590هـ) تصحيح محمد تميم الزعبي، دار المطبوعات الحديثة، ط1 - 1409هـ 2. الدر المنثور في التفسير بالمأثور. عبد الرحمن بن الكمال جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة (911هـ) نشر دار الفكر بيروت، ط1 - 1403هـ. 3. الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. الحافظ بن حجر العسقلاني، تحقيق محمد سيد جاد الحق، مطبعة المدني ط2 - 1385هـ. 4. الرعاية لتجويد القراءة وتحقيق لفظ التلاوة. لأبي محمد، مكي بن أبي طالب القيسي، المتوفى سنة (437هـ) تحقيق الدكتور/ أحمد حسن فرحات، دار عمار، الأردن، ط2، 1404هـ. 5. زاد المعاد في هدي خير العباد. محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، المتوفى سنة (751هـ) تحقيق شعيب الأرنؤوط، عبد القادر الأرنؤوط. مؤسسة الرسالة، ط2 - 1405هـ. 6. السبعة في القراءات. أحمد بن موسى بن مجاهد، المتوفى سنة (324هـ) تحقيق الدكتور / شوقي ضيف، دار المعارف مصر، ط2. 7. سنن أبي داود. لأبي سليمان بن الأشعث، المتوفى سنة (275هـ) مراجعة محمد محيي الدين، دار الكتب العلمية بيروت

1. سنن الترمذي. محمد بن عيسى الترمذي، المتوفى سنة (279هـ) مطبعة الحلبي، مصر 2. سنن الدارمي. محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، المتوفى سنة (255هـ) تحقيق عبد الله هاشم يماني. الناشر: حديث آكادمى باكستان - 1404هـ. 3. سنن القراء ومناهج المجودين. الدكتور / عبد العزيز عبد الفتاح القاري، نشر مكتبة الدار ط1، 1414هـ. 4. سير أعلام النبلاء. الحافظ محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي. تحقيق الدكتور / بشار عواد، ود / محيي هلال مؤسسة الرسالة، ط1 - 1405هـ. 5. شعب الإيمان. للبيهقي أحمد بن الحسين، المتوفى سنة (458هـ) طبع الدار السلفية، بمباي، الهند. 6. شرح ما يقع فيه التصحيف والتحريف. الحسن بن عبد الله بن سعيد العسكرى المتوفى سنة (382هـ) تحقيق عبد العزيز أحمد، مطبعة الحلبي ط1 - 1383هـ. 7. صحيح مسلم بشرح النووي. مسلم بن الحجاج القشيري المتوفى سنة (261هـ) المطبعة المصرية. 8. الصلة. خلف بن عبد الملك بن مسعود بن بشكوال، المتوفى سنة (578هـ) تحقيق إبراهيم الأبياري، نشر دار الكتاب المصري، ودار الكتاب اللبناني ط2 -1410هـ.

1. الضوء اللامع لأهل القرن التاسع. محمد بن عبد الرحمن السخاوي، المتوفى سنة (902هـ) نشر دار مكتبة الحياة بيروت. 2. الطبقات الكبرى. محمد بن سعد بن منيع البصري، المتوفى سنة (230هـ) دار صادر بيروت. 3. الطبقات. لأبي عمرو خليفة بن خياط العصفري، المتوفى سنة (240هـ) تحقيق د/ أكرم ضياء العمري، دار طيبة للتوزيع والنشر، ط2 - 1402هـ. 4. العبر في خبر من غبر. محمد بن أحمد بن عثمان الحافظ الذهبي، تحقيق أبو هاجر محمد، دار الكتب العلمية بيروت، ط1 - 1405هـ. 5. غاية النهاية في طبقات القراء. أبو الخير محمد بن الجرزي، عني بنشره. ج براجستراسر، دار الكتب العلمية بيروت، ط2 - 1400هـ. 6. فتح الباري شرح صحيح البخاري. أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، نشر المكتبة السلفية. 7. فتح المجيد في علم التجويد. محمد بن علي بن خلف الحسيني الشهير بالحداد، مطبعة البابي الحلبي، ط2. 8. فضائل القرآن. لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، المتوفى سنة (224هـ) تحقيق مروان عطية، محسن خرابة، وفاء تقي الدين طبع دار ابن كثير، دمشق، ط1 - 1415هـ.

1. فضائل القرآن. لأبي عبد الله محمد بن أيوب بن الضريس، المتوفى سنة (294هـ) تحقيق غزوة بدير، دار الفكر بيروت، ط1 - 1408هـ. 2. قصيدة الخاقاني. موسى بن عبيد الله بن يحي الخاقاني، المتوفى سنة (325هـ) ضمن: قصيدتان في تجويد القرآن، تحقيق د. عبد العزيز القاري، ط1 - 1402هـ. 3. القول السديد في بيان حكم التجويد. محمد بن علي بن خلف الحسيني الشهير بالحداد، مطبعة الحلبي. 4. الكامل في التاريخ. محمد بن محمد بن عبد الكريم بن الأثير الجزري، المتوفى سنة (630هـ) دار الكتب العلمية بيروت، ط1 - 1407هـ. 5. الكامل في القراءات الخمسين. يوسف بن علي بن جبارة الهذلي، المتوفى سنة (465هـ) مخطوط عن مكتبة الأزهرية. 6. الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل. جار الله محمود بن عمر الزمخشري، المتوفى سنة (538هـ) مطبعة دار المعرفة بيروت. 7. كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون. مصطفى بن عبد الله المعروف بحاجي خليفة، المتوفى سنة (1067هـ) دار الكتب العلمية بيروت.

1. لباب التأويل في معاني التنزيل. على بن محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بالخازن المتوفى سنة (641هـ) توزيع المكتبة الشعبية بيروت. 2. لسان العرب. لأبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، المتوفى سنة (711هـ) نشر دار صادر بيروت. 3. لطائف الإشارات لفنون القراءات. أحمد بن محمد القسطلاني، المتوفى سنة (923هـ) تحقيق الشيخ / عامر السيد عثمان، عبد الصبور شاهين نشر المجلس الأعلى للشئون الإسلامية القاهرة، ط1 - 1392هـ. 4. مجلة كلية القرآن الكريم والدراسات الإسلامية. مطبعة الجامعة الإسلامية، سنة 1403هـ. 5. المجموع شرح المهذب. يحيى بن شرف النووي تحقيق محمد نجيب المطيعي، مكتبة الإرشاد، جدة 6. المحتسب في تبيين وجوه شواذ القراءات والإيضاح عنها. أبو الفتح عثمان بن جني، المتوفى سنة (392هـ) تحقيق: علي النجدي، والدكتور عبد الحليم النجار، والدكتور عبد الفتاح شلبي - مطبعة إحياء التراث - القاهرة - ط 1، 1389هـ 7. المستدرك على الصحيحين. لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، المتوفى سنة (405هـ) مطبعة دار الكتاب العربي بيروت.

1. المسند. للإمام أحمد بن حنبل، المتوفى سنة (241هـ) شرح أحمد شاكر، دار المعارف بمصر، ط4 - 1373هـ. 2. مشاهير علماء الأمصار. محمد بن حبان البستي، تصحيح. م. فلايشهمر. دار الكتب العلمية بيروت. 3. المصباح الزاهر في القراءات العشر البواهر. لأبي الكرم المبارك بن الحسن الشهرزوري، المتوفى سنة (550هـ) رسالة دكتوراه/ إبراهيم الدوسري. 4. المصنف في الأحاديث والآثار. عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، المتوفى سنة (235هـ) تحقيق مختار أحمد الندوي، الدار السلفية، الهند - 1402هـ. 5. معاني القرآن وإعرابه. لأبي إسحاق إبراهيم بن السرى الزجاج، المتوفى سنة (311هـ) شرح وتحقيق د. / عبد الجليل شلبي، عالم الكتب بيروت، ط1 - 1408هـ 6. معاني القرآن. لأبي زكريا يحيى بن زياد الفراء، المتوفى سنة (207هـ) عالم الكتب بيروت، ط3 - 1403هـ. 7. معجم المؤلفين. عمر رضا كحالة المتوفى سنة (1408هـ) ، نشر مكتبة المثنى، ودار إحياء التراث، بيروت. 8. معرفة القراء الكبار على الطبقات والأعصار. للحافظ أبي عبد الله الذهبي، تحقيق محمد سيد جاد الحق مطبعة دار التأليف القاهرة ط1.

1. المغني. موفق الدين عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي المتوفى سنة (620هـ) تحقيق الدكتور / عبد الله بن عبد المحسن التركي، والدكتور / عبد الفتاح محمد الحلو، ط1 - 1406هـ. 2. المفردات في غريب القرآن. لأبي القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، المتوفى سنة (502هـ) تحقيق محمد سيد كيلاني، دار المعرفة بيروت. 3. المفيد في شرح عمدة المجيد في النظم والتجويد. الحسن بن قاسم المعروف بابن أم قاسم المرادي، المتوفى سنة (749هـ) تحقيق الدكتور / علي حسين البواب، نشر مكتبة المنار، الأردن، سنة 1407هـ 4. المقدمة الجزرية. محمد بن محمد الجزري، ضمن مجموع أمهات متون، نشر دار المطبوعات الحديثة جدة. 5. منجد المقرئين ومرشد الطالبين. للحافظ بن الجرزي، دار الكتب العلمية بيروت. 6. المنح الفكرية شرح المقدمة الجرزية. ملا علي بن سلطان محمد القاري، المتوفى سنة (1014هـ) مطبعة الحلبي سنة 1367هـ. 7. الموضح في وجوه القراءات وعللها. نصر بن على بن محمد الشيرازي الفارسي، المتوفى بعد سنة (565هـ) تحقيق الدكتور / عمر حمدان الكبيسي، ط1 - 1414هـ.

1. موطأ الإمام مالك. رواية يحيى بن يحيى الليثي، المتوفى سنة (234هـ) إعداد أحمد راتب عرموش، مطبعة دار النفائس بيروت. ط7 - 1404هـ. 2. النشر في القراءات العشر. للحافظ أبي الخير محمد بن الجرزي. تصحيح الشيخ علي محمد الضباع مطبعة مصطفى محمد البابي، القاهرة. 3. نهاية القول المفيد في علم التجويد. الشيخ محمد مكي نصر، تصحيح الضباع، مطبعة الحلبي سنة 1349هـ. 4. هداية القاري إلى تجويد كلام الباري. عبد الفتاح السيد عجمي المرصفي، المتوفى سنة (1409هـ) ط1-1402هـ 5. وفيات الأعيان وأبناء أبناء الزمان. لأبي العباس أحمد بن محمد بن خلكان، المتوفى سنة (681هـ) تحقيق إحسان عباس، دار صادر بيروت.

§1/1