الوجيز في أسباب ونتائج قتل عثمان

مصطفى يونس الراقي الفاخري

الوجيز المفيد في تبيان أسباب ونتائج قتل عثمان بن عفان

جامعة قار يونس كلية الآداب والعلوم إجدابيا قسم التاريخ بحث مقدم لنيل درجة الليسانس في الآداب بعنوان: الوجيز المفيد في تِبْيان أسباب ونتائج قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه إعداد الطالب: مصطفى يونس الراقي الفاخري إشراف الأستاذ: محمد سعيد بو حليقة الزوي للعام الجامعي 2005م- 2006م بسم الله الرحمن الرحيم إلى الغيورين على شريعة الله العاملين بها أهدى هذا البحث مقدمة الحمد الله كريم المنّة، وناصر الدينِ بأهل السنة، الحمد الله كثيراً كما أنعم علينا كثيراً، وصلى الله وسلم على رسوله محمد الذي أرسلهُ شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنهِ وسراجاً منيراً، وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهَّرهم تطهيراً، وعلى جميع المؤمنين الذين أمر الله نبيهُ أن يبشرهم بأن لهم من الله فضلاً كبيراً. أما بعد:

أنا كغيري من شباب أهل السنة الذين رزقهم الله حب أصحاب رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فعندما أخبرني أستاذي الفاضل الأستاذ محمد بو حليقة بأنه اختصني للبحث في هذا الموضوع، وذلك إحساساً منهُ للظن بي، بقيتُ عدة أيام وأنا متردد في البحث وجالت في ذهني عدة خواطر، حاولت مراراً وتكراراً الاعتذار عن الكتابة في هذا الموضوع، ولكنني استشرت من أثق بمشورتهم من أصدقائي، فتنوعت آراؤهم بين مؤيد يُحسن الظن بي ويرى إنني أستطيع الوصول إلى الحقيقة والتعبير عنها، وبين معارض يرى أن هذا الموضوع لا يبحث مطلقاً، وهناك طائفة أخرى من الأصدقاء أنا لا أبالي بهم، ولا بأقوالهم المثبطة، ففيهم شبه ممن قال اللهُ فيهم (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) " التوبة.الآية47 "، وبعد الاستخارة مرات ومرات شرح الله صدري للبحث، وشرعت في تجميع المصادر من هنا وهناك، فوالله لقد تحصلت على بعض المراجع التي ما كنتُ أحلمُ بها، ولولا أن العام الدراسي داهمني على الانقضاء وأنا منتسب ولدي تسع مواد أخرى تحتاج إلى اهتمام ودراسة لما توقفت عن تطوير هذا البحث وتنويره، وأرى أن هذا البحث موجز ولذلك سميتهُ "الوجيز المفيد في تبيان أسباب ونتائج قتل عثمان بن عفان رضي الله عنه" ولا يزال يستحق إلى دراسة عميقة ومتأنية، وكما قال العماد الأصفهاني:" إني رأيتُ أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غَدِهِ: لوُ غَّيرَ هذا لكان أحسن ولو زيَّد هذا لكان يُستحَسن ولو قُدَّم هذا لكان أفضل ولو تُرِك هذا لكان أجمل. وهذا أعظم العبر وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر " أخي القاري الكريم لا أزعم أنني آتيك بشي جديد في هذا الموضوع من نفسي، إنما هي أقوال علماء بحثت عنها ورتبتها بطريقتي الخاصة فهو جهد بسيط يُضم إلى جهود بقية طلبة التاريخ في هذه الجامعة، ولدي تنبيهان اثنان أوّد أن أنبه عليهما كل من يطلع على هذا البحث وجعلتهما في

مقدمة هذا البحث لضرورتهما: - الأول: يقول الشيخ محب الدين (إن التاريخ الإسلامي لم يبدأ تدوينه إلا بعد زوال بني أمية وقيام دول لا يسر رجالها التحدث بمفاخر ذلك الماضي , ومحاسن أهله فتولى تدوين تاريخ الإسلام ثلاث طوائف: طائفة كانت تنشد العيش والجده من التقرب إلى مبغضي بني أمية بما تكتبه وتؤلفه وطائفة ظنت أن التدوين لا يتم ولا يكون التقرب إلى الله إلا بتشويه سمعة أبي بكر وعمر وعثمان وبني عبد شمس جميعاً وطائفة ثالثة من أهل الإنصاف والدين - كالطبري وابن عساكر وابن الأثير وابن كثير- رأت أن من الإنصاف أن تجمع أخبار الإخباريين من كل المذاهب والمشارب كلوط بن يحي الشيعي (أبو مخنف) المحترق وسيف بن عمر العراقي المعتدل ولعل بعضهم اضطر إلى ذلك إرضاءً لجهات كان يشعر بقوتها ومكانتها وقد أثبت أكثر هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال راويه وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها تاريخنا بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا وهذا ممكن وميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المراجع وله من الألمعية ما يستخلص به حقيقة ما وقع ويجردها عن الذي لم يقع مكتفياً بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن الزيادات الطارئة عليها وأن الرجوع إلى كتب السنة وملاحظات أئمة الأمة مما يسهل هذه المهمة وقد آن لنا أن نقوم بهذا الواجب الذي أبطأنا فيه كل الإبطاء وأول من استيقظ في عصرنا للدسائس المدسوسة على تاريخ بني أمية العلامة الهندي الكبير الشيخ شلبي النعماني في انتقاده لكتب جرجي زيدان ثم أخذ أهل الألمعية من المنصفين في دراسة الحقائق فبدأت تظهر لهم وللناس منيرة مشرقة ولا يبعد إذا استمر هذا الجهاد في سبيل الحق أن يتغير فهم المسلمين لتاريخهم ويدركوا أسرار ما وقع في ماضيهم من معجزات) (¬1) ¬

_ (¬1) - حاشية العواصم من القوا صم-177-178

الثاني: بخصوص مسألة البحث فيما شجر بين الصحابة فأود أن أنقل بعض السطور التي اقتبستها من رسالة الشيخ محمد عبد الله المنشور في الشبكة الإسلامية من مطبوعات مكتبة السفير في الرياض (¬1) عندما تطرق لأسس البحث في تاريخ الصحابة حيث قال الشيخ: [أولا: إن الكلام عما شجر بين الصحابة ليس هو الأصل، بل الأصل الاعتقادي عند أهل السنة والجماعة هو الكف والإمساك عما شجر بين الصحابة، وهذا مبسوط في عامة كتب أهل السنة في العقيدة، كالسنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل، والسنة لابن أبي عاصم، وعقيدة أصحاب الحديث للصابوني، والإبانة لابن بطة، والطحاوية، وغيرها. ويتأكد هذا الإمساك عند من يُخشى عليه الالتباس والتشويش والفتنة، وذلك بتعارض ذلك بما في ذهنه عن الصحابة وفضلهم ومنزلتهم وعدالتهم وعدم إدراك مثله، لصغر سنه أو لحداثة عهده بالدين. . . لحقيقة ما حصل بين الصحابة، واختلاف اجتهادهم في ذلك، فيقع في الفتنة بانتقاصه للصحابة من حيث لا يعلم. وهذا مبني على قاعدة تربوية تعليمية مقررة عند السلف، وهي ألا يعرض على الناس من مسائل العلم إلا ما تبلغه عقولهم. قال الإمام البخاري رحمه الله: ((باب من خص بالعلم قوما دون قوم كراهية ألا يفهموا)) . وقال علي رضي الله عنه: ((حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يكذب الله ورسوله)) . وقال الحافظ في الفتح تعليقا على ذلك: ((وفيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة. ومثله قول ابن مسعود: (ما أنت محدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) . (رواه مسلم) . وممن كره التحدث ببعض دون بعض الأمام أحمد في الأحاديث التي ظاهرها الخروج على السلطان، ومالك في أحاديث الصفات، وأبو يوسف في الغرائب.)) ، إلى أن قال: ((وضابط ذلك أن يكون ظاهر الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراده، فالإمساك عنه ¬

_ (¬1) - بعنوان: اعتقاد أهل السنة في الصحابة

عند من يخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب، والله أعلم. (صحيح البخاري 1 / 41، الفتح 1 / 199 -200، وراجع أيضا كلاما جيدا للسلمي في كتابة التاريخ 228) . ثانيا: إذا دعت الحاجة إلى ذكر ما شجر بينهم، فلابد من التحقيق والتثبت في الروايات المذكورة حول الفتن بين الصحابة، قال عز وجل: {يا أيها الذين أمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} . وهذه الآية تأمر المؤمنين بالتثبت في الأخبار المنقولة إليهم عن طريق الفساق، لكيلا يحكموا بموجبها على الناس فيندموا. فوجوب التثبت والتحقيق فيما نقل عن الصحابة، وهم سادة المؤمنين أولى وأحرى، خصوصا ونحن نعلم أن هذه الروايات دخلها الكذب والتحريف، إما من جهة اصل الرواية أو تحريف بالزيادة والنقص يخرج الرواية مخرج الذم والطعن. وأكثر المنقول من المطاعن الصريحة هو من هذا الباب، يرويها الكذابون المعروفون بالكذب، مثل أبي مخنف لوط بن يحيى، ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما، ومن أجل ذلك لا يجوز أن يدفع النقل المتواتر في محاسن الصحابة وفضائلهم بنقول بعضها منقطع وبعضها محرف، وبعضها يقدح فيما علم، فإن اليقين لا يزول بالشك، ونحن تيقنا ما ثبت في فضائلهم، فلا يقدح في هذا أمور مشكوك فيها، فكيف إذا علم بطلانها. (منهاج السنة 6 / 305) .

ثالثا: إذا صحت الرواية في ميزان الجرح والتعديل، وكان ظاهرها القدح، فليلتمس لها أحسن المخارج والمعاذير. قال ابن أبي زيد: ((والإمساك عما شجر بينهم، وأنهم أحق الناس أن يلتمس لهم أحسن المخارج، ويظن بهم أحسن المذاهب)) . (مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني) . وقال ابن دقيق العيد: ((وما نقل عنهم فيما شجر بينهم واختلفوا فيه، فمنه ما هو باطل وكذب، فلا يلتفت إليه، وما كان صحيحا أولناه تأويلا حسنا، لأن الثناء عليهم من الله سابق، وما ذكر من الكلام اللاحق محتمل للتأويل، والمشكوك والموهوم لا يبطل الملحق المعلوم)) . هذا بالنسبة لعموم ما روي في قدحهم. رابعا: أما ما روي على الخصوص فيما شجر بينهم، وثبت في ميزان النقد العلمي، فهم فيه مجتهدون، وذلك أن القضايا كانت مشتبهة، فلشدة اشتباهها اختلف اجتهادهم وصاروا ثلاثة أقسام: القسم الأول: ظهر لهم بالاجتهاد أن الحق في هذا الطرف، وأن مخالفه باغ، فوجب عليهم نصرته وقتال الباغي عليه، فيما اعتقدوه، ففعلوا ذلك، ولم يكن يحل لمن هذه صفته التأخر عن مساعدة إمام العدل في قتال البغاة في اعتقاده. القسم الثاني: عكس هؤلاء، ظهر لهم بالاجتهاد إن الحق مع الطرف الآخر، فوجب عليهم مساعدته وقتال الباغي عليه. القسم الثالث: اشتبهت عليهم القضية، وتحيروا فيها، ولم يظهر لهم ترجيح أحد الطرفين، فاعتزلوا الفريقين، وكان هذا الاعتزال هو الواجب في حقهم، لأنه لا يحل الإقدام على قتال مسلم حتى يظهر أنه مستحق لذلك. (مسلم بشرح النووي 15 / 149، 18 / 11، وراجع الإصابة 2 / 501، فتح الباري 13 / 34) .

أيضا من المهم أن نعلم أن القتال الذي حصل بين الصحابة رضوان الله عليهم لم يكن على الإمامة، فإن أهل الجمل وصفين لم يقاتلوا على نصب إمام غير علي، ولا كان معاوية يقول إنه الإمام دون علي، ولا قال ذلك طلحة والزبير، وإنما كان القتال فتنة عند كثير من العلماء، بسبب اجتهادهم في كيفية القصاص من قاتلي عثمان رضي الله عنه، وهو من باب قتال أهل البغي والعدل، وهو قتال بتأويل سائغ لطاعة غير الإمام، لا على قاعدة دينية، أي ليس بسبب خلاف في أصول الدين. (منهاج السنة 6 / 327) . ويقول عمر بن شبه: ((إن أحدا لم ينقل أن عائشة ومن معها نازعوا عليا في الخلافة، ولا دعوا أحدا ليولوه الخلافة، وإنما أنكروا على علياً منعه من قتال قتلة عثمان وترك الاقتصاص منهم)) . (أخبار البصرة لعمر بن شبه نقلا عن فتح الباري 13 / 56) . ويؤيد هذا ما ذكره الذهبي: ((أن أبا مسلم الخولاني وأناساً معه، جاءوا إلى معاوية، وقالوا: أنت تنازع علياً أم أنت مثله؟ . فقال: لا والله، إني لأعلم أنه أفضل مني، وأحق بالأمر مني، ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما، وأنا ابن عمته؟ والطالب بدمه، فائتوه فقولوا له، فليدفع إلي قتلة عثمان، وأسلم له. فأتوا عليا فكلموه، فلم يدفعهم إليه)) . (سير أعلام النبلاء للذهبي 3 / 140، بسند رجاله ثقات كما قال الأرناؤوط) وفي رواية عند ابن كثير: ((فعند ذلك صمم أهل الشام على القتال مع معاوية)) . وأيضا فجمهور الصحابة وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة. قال عبد الله بن الإمام أحمد: ((حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن علية حدثنا أيوب السختياني عن محمد بن سيرين، قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرات الألوف، فما حضرها منهم مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين)) . قال ابن تيمية: ((وهذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقته،

ومراسيله من أصح المراسيل)) . (منهاج السنة 6 / 236) . فأين الباحثون المنصفون ليدرسوا مثل هذه النصوص الصحيحة؟ لتكون منطلقاً لهم لا أن يلطخوا أذهانهم بتشويشات الإخباريين، ثم يؤولوا النصوص الصحيحة حسب ما عندهم من البضاعة المزجاة. نقول أخيراً: أن أهل السنة والجماعة لا يعتقدون أن الصحابي معصوم من كبائر الإثم وصغائره، بل تجوز عليهم الذنوب في الجملة، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، ثم إذا كان صدر من أحدهم ذنب فيكون إما قد تاب منه، أو أتى بحسنات تمحوه، أو غفر له بسابقته، أو بشفاعة محمد صلى الله عليه وسلم، وهم أحق الناس بشفاعته، أو ابتلي ببلاء في الدنيا كفر به عنه، فإذا كان هذا في الذنوب المحققة، فكيف بالأمور التي هم مجتهدون فيها إن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطأوا فلهم أجر واحد، والخطأ مغفور، إذن فاعتقادنا بعدالة الصحابة لا يستلزم العصمة، فالعدالة استقامة السيرة والدين، ويرجع حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس تحمل على ملازمة التقوى والمروءة جميعا، حتى تحصل ثقة النفس بصدقه. . . ثم لا خلاف في أنه لا يشترط العصمة من جميع المعاصي، ومع ذلك يجب الكف عن ذكر معا يبهم ومساوئهم مطلقا -، وإن دعت الضرورة إلى ذكر زلة أو خطأ صحابي، فلا بد أن يقترن بذلك منزلة هذا الصحابي من توبته أو جهاده وسابقته - فمثلاً من الظلم أن نذكر زلة حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه دون ذكر توبته التي لو تابها صاحب مكس لقبل منه. . . وهكذا. (الإمامة لأبي نعيم 340، ومنهاج السنة 6 / 207) . فالمرء لا يُعاب بزلة يسيرة حصلت منه في فترة من فترات حياته وتاب منها، فالعبرة بكمال النهاية، لا ينقص البداية، لا سيما وإن كانت له حسنات ومناقب ولو لم يزكه أحد فكيف إذا زكاه خالقه العليم بذات الصدور!] . ولا يسعني في نهاية هذه المقدمة إلا أن أشكر أستاذي أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة

ابن سبأ اليهودي وأثره في إحداث الفتنة

إجدابيا الأستاذ محمد بو حليقة وكذلك أخي الشريف الشارف صاحب البداية أسال الله لنا ولهُ حسن النهاية، كما إنني أشكر الأستاذ خميس عبد الغني نشاد، والأستاذ السنوسي للوريدي، على ملاحظاتهم القيمة، وتصحيحا تهم لبعض الأخطاء التي وقفوا عليها، ولا يزال هذا البحث جهد بشري من طالب في بداية الطريق، فلا يخلو من هفوات وزلات وخاصة أن موضوع البحث هو أكبر بكثير من عقل الباحث وعلمه، وإن هذه القضية لا تقتصر على الجانب التاريخي فقط، وإنني أتمنى من كل من يطلع على هذا البحث وتكون لديه أي ملاحظة صغيرة كانت أو كبيرة، أن يبلغني عنها وله مني دعوة بظهر الغيب، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد،وعلى آلهِ وصحبه وسلم تسليماً كثيرا. كتبه أخوكم: مصطفى الراقي E.mail:[email protected] الباب الأول ابن سبأ اليهودي وأثره في إحداث الفتنة (سبب هذه الفتنة التي حدثت في صدر الإسلام الأول رجل يقال له عبد الله بن سبأ، وشهرته ابن السوداء لأن أمه كانت سوداء من الحبشيات. وهو من صنعاء كان يهودياً من يهود اليمن أظهر الإسلام وأبطن الكفر والنفاق، ثم انتهج التشيع لعلي - رضي الله عنه -، وهو الذي تُنسب إليه فرقة السبئية الذين قالوا بألوهية علي.

فلما رأى هذا الرجل أن أمر الإسلام بدأ ينتشر بهذه الصورة وبدأ يظهر رأى أن هذا الأمر ليس له إلا فتنة من داخله، وكان بمنتهى الخبث فأول ما بدأ بدأ بالمدينة، وكانت المدينة يومها مليئة بالعلماء، فدُحر بالعلم كلما رمى شبهة رُدَّ عليها، فمن شبهه أنه أظهر بعض العقائد اليهودية، مثل القول بالرجعة؛ أي رجعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - واستدل بقوله تعالى: " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " القصص "85"، وذكر تعجبه للناس ممن يصدق برجعة عيسى - عليه السلام -ويكذب برجعة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وما كان قوله هذا إلا وسيلة للوصول إلى ما هو أكبر من ذلك، حيث قال بعد ذلك برجعة علي - رضي الله عنه - وأنه سيملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً، وهكذا. وللرد عليهم أشير إلى أن الآية التي استدل بها السبئية دليل عليهم، وقد نقل ابن كثير في تفسير هذه الآية، أقوال العلماء في ذلك، فمنهم من يقول: رادك يوم القيامة فيسألك عما استرعاك من أعباء النبوة. ومنهم من يقول: رادك إلى الجنة، أو إلى الموت، أو إلى مكة كما أخرجك قومك منها وقد أورد البخاري عن ابن عباس القول بالرد إلى مكة. وقد سَأل عاصم بن ضمرة "ت 74هـ " الحسن بن علي فيما يزعمه الشيعة بأن علياً - رضي الله عنه -سيرجع، فقال: كذب أولئك الكذّابون، لو علمنا ذلك ما تزوج نساؤه ولا قسمنا ميراثه. المسند "1/148". ومن أقوال ابن سبأ أيضاً القول بالوصية والإمامة. يقول الشهر ستاني في الملل والنحل "1/174": أن ابن سبأ هو أول من أظهر القول بالنص بإمامة علي، ويذكر ابن تيميه في مجموع الفتاوى (4/435) : أن أصل الرفض من المنافقين الزنادقة، فإنه ابتدعه ابن سبأ الزنديق وأظهر الغلو في علي بدعوى الإمامة والنص عليه، وادّعى العصمة له) (¬1) . ومن المحدثين الشيعة الذين ¬

_ (¬1) -.: عبدا لله بن سبأ ودورهُ في أحداث الفتنة ص208 بتصرف

ذكروا فكرة الوصي، محمد بن يعقوب الكليني الشيعي "ت 329هـ" في كتابه الكافي في الأصول، حيث أورد النص التالي: (ولاية علي مكتوبة في جميع صحف الأنبياء، ولن يبعث الله رسولاً إلا بنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ووصية علي عليه السلام. كتاب الحجة من الكافي" 438 ج1 ط إيران) (¬1) وإنني أتعجب أشد العجب من انحرافات (¬2) الدكتور طه حسين عميد الأدب العربي!! عندما قال في فتنته الكبري التي هي بحق فتنة كبرى على عقول الناشئة من أبناء المسلمين حيث قال: (إن أمر السبئية وصاحبهم ابن السوداء.. إنما كان متكلفاً منحولاً، قد اخترع بآخره ... أراد خصوم الشيعة أن يدخلوا في أصول هذا المذهب عنصراً يهودياً إمعاناً في الكيد لهم والنيل منهم.."؟! (الفتنة الكبرى 2/90-91) . وهذه مغالطة علمية، وإنكار لما لم ينكره (الشيعة) أنفسهم فضلاً عن كلام أهل السنة، وهاك البرهان فالشيعي سعد بن عبد الله القمّي (ت229 هـ) يعتبر (ابن سبأ) أول من قال بفرض إمامة علي ورجعته.." (المقالات والفرق ص10-21) ، وأقدم كتاب عند الشيعة معتمد في علم الرجال، هو رجال الكشي، للكشي (من أهل القرن الرابع الهجري) . وقد جاء في الكتاب ما نصه: " إن عبد الله بن سبأ كان يهودياً فأسلم ووالى علياً عليه السلام وكان يقول وهو على يهو ديته في يوشع بن نون وصي موسى (بالغلو) فقال في إسلامه بعد وفاة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في علي مثل ذلك، وكان أول من أشهر القول بفرض إمامة علي وأظهر ¬

_ (¬1) –الشيعة والسنة إحسان إلهي ص 24، وانظر تاريخ الطبري: 2/647 (¬2) - من ضمن انحرافاته يقول: القرآن قابل للنقد باعتباره كتاباً أدبياً!!!، ويقول: وجود إبراهيم وإسماعيل – عليهما السلام – أمر مشكوك فيه، ولو ذكروا في التوراة والإنجيل والقرآن.. فلسنا ملزمين بتصديق أي منها!!. ولمن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب "محاكمة فكر طه حسين" للأستاذ أنور الجندي،

البراءة من أعدائه وكاشف مخالفيه وكفّرهم، من هنا قال من خالف الشيعة أن أصل التشيع والرفض مأخوذ من اليهودية " الكشي ص108، 109) . (¬1) وهذا النوبختي الشيعي من أعلام القرن الثالث للهجرة يقول في كتابه "فرق الشيعة": (عبد الله بن سبأ كان ممن أظهر الطعن على أبي بكر وعمر وعثمان والصحابة، وتبرأ منهم، وقال إن علياً عليه السلام أمره بذلك، فأخذه علي فسأله عن قوله هذا فأقر به فأمر بقتله فصاح الناس إليه يا أمير المؤمنين أتقتل رجلاً يدعو إلى حبكم أهل البيت وإلى ولايتكم والبراءة من أعدائكم؟ فسيره (علي) إلى المدائن "عاصمة إيران آنذاك"، ولما بلغ عبد الله بن سبأ نعي علي بالمدائن، قال للذي نعاه: كذبت لو جئتنا بدماغه في سبعين صرة، وأقمت على قتله سبعين عدلاً، لعلمنا أنه لم يمت، ولم يقتل، ولا يموت حتى يملك الأرض ["فرق الشيعة" للنوبختي ص43 و44 ط المطبعة الحيدرية بالنجف، العراق، سنة 1959م] .) (¬2) وخلاصة ما جاء به ابن سبأ، أنه أتى بمقدمات صادقة وبنى عليها مبادئ فاسدة راجت لدى السذّج والغلاة وأصحاب الأهواء من الناس، وقد طرق باب القرآن يتأوّله على زعمه الفاسد كما سلك طريق القياس الفاسد في ادعاء إثبات الوصية لعلي - رضي الله عنه - بقوله: إنه كان ألف نبي، ولكل نبي وصي، وكان علي وصي محمداً ثم قال: محمد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأولياء (¬3) ¬

_ (¬1) - الإنقاذ من دعاوى الإنقاذ للتاريخ الإسلامي للدكتور سليمان العودة ص24، والسنة والشيعة ص8 (¬2) - الشيعة والسنة إحسان إلهي ظهير ص9 (¬3) - تاريخ الطبري 2 /647 بتصرف

(وذهب ابن سبأ إلى مصر، فأوحى إلى طائفة من الناس كلاماً اخترعه من عند نفسه مضمونه أنه يقول للرجل: أليس قد ثبت أن عيسى بن مريم سيعود إلى الدنيا؟ فيقول الرجل: نعم فيقول له: فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أفضل منه فما تنكر أن يعود إلى هذه الدنيا، وهو أشرف من عيسى ابن مريم عليه السلام؟ ثم يقول: وقد كان أوصى إلى علي بن أبي طالب، فمحمد خاتم الأنبياء، وعلي خاتم الأوصياء، ثم يقول: فهو أحق بالإمرة من عثمان، وعثمان معتدٍ في ولايته ما ليس له، فأنكروا عليه وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر، وكتبوا إلى جماعات من عوام أهل الكوفة والبصرة، فتمالأوا على ذلك، وتكاتبوا فيه، وتواعدوا أن يجتمعوا في الإنكار على عثمان،) (¬1) (واستطاع ابن سبأ أن يجمع من مصر ما بين ستمائة إلى الألف من الرجال، ثم اتجه عبد الله بن سبأ إلى الكوفة فوجد فيها أرضاً خصبة للفتن فاستطاع أن يجمع حوله جماعة، ثم انتقل إلى البصرة فجمع فيها جماعة أخرى، وكان عددهم على أقل تقدير عند المؤرخين ستمائة رجل، واستخدم ابن سبأ كذلك الأعراب، فذهب إليهم وبدأ يثير عندهم الأكاذيب حول عثمان ويستدل على قوله بكتب مزيفة كتبها هو وأعوانه على ألسنة طلحة والزبير وعائشة فيها التذمر على سياسة عثمان في الحكم، فصار الأعراب وهم الذين لا يفقهون من دين الله الشيء الكثير يتأثرون بهذه الأكاذيب ويصدقونها فملئت قلوبهم على عثمان - رضي الله عنه - بعد ذلك اتجه ابن سبأ إلى هدفه المرسوم، وهو خروج الناس على الخليفة عثمان - رضي الله عنه -) (¬2) " فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم فقال لهم: إن عثمان أخذ الأمر بغير حق وهذا وصي الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، و ¬

_ (¬1) – البداية والنهاية 7/164-165 بتصرف يسير (¬2) – استشهاد عثمان ووقعة الجمل لخالد الغيث 72-87. بتصرف

ابدؤوا بالطعن في أمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر ثم إنه أخذ يحضّ أتباعه على إرسال الكتب بأخبار سيئة مفجعة عن مِصرهم إلى بقية الأمصار، فيتخيل أهل البصرة مثلاً أن حال أهل مصر أسوأ ما يكون من قبل واليهم، ويتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة أسوأ ما يكون من قبل واليهم، وكان أهل المدينة يتلقّون الكتب من الأمصار بحالها وسوئها من أتباع ابن سبأ، وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال من السوء مالا مزيد عليه. والمستفيد من هذه الحال هم السبئية. لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي. هذا وقد شعر عثمان رضي الله عنه بأن شيئاً ما يحاك في الأمصار وأن الأمة تمخض بشرّ فقال والله إن رحى الفتنة لدائرة فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها " (¬1) . ¬

_ (¬1) - تاريخ الطبري (2/648 -647) بتصرف.

(والذي حصل أن أهل الفتنة أخذوا يتراسلون فيما بينهم، فلما رأوا أن عددهم قد كثر تواعدوا على أن يلتقوا عند المدينة في شوال من سنة (35هـ) في صفة الحجاج، فخرج أهل مصر في أربع رفاق (¬1) على أربعة أمراء المقلّل يقول ستمائة والمكثر يقول ألف ولم يجترئوا أن يعلموا الناس بخروجهم إلى الحرب، وإنما خرجوا كالحجاج ومعهم المنافق ابن السوداء وخرج أهل الكوفة في عدد كعدد أهل مصر، وكذا أهل البصرة، ولما اقتربوا من المدينة شرعوا في تنفيذ مرحلة أخرى من خطتهم، فقد اتفق أمرهم أن يبعثوا اثنين منهم ليطلعا على أخبار المدينة ويعرفا أحوال أهلها، وذهب الرجلان فلقيا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلياً وطلحة والزبير، وقالا: إنما جئنا نستعفي عثمان من بعض عمالنا، واستأذنا لرفاقهم بالدخول فأبى الصحابة، وقال علي رضي الله عنه: لا أمركم بالإقدام على عثمان فإن أبيتم فبيض سيفرخ (¬2) , تظاهر القوم بالرجوع وهم يبطنون أمراً لا يعلمه الناس فوصلت الأنباء إلى أهل المدينة بانصراف أهل الفتنة فهدأ الناس، وفي الليل فوجئ أهل المدينة بأهل الفتنة يدخلون المدينة من كل مكان فتجمعوا في الشوارع وهم يكبرون، فجاء علي بن أبي طالب وقال: ما شأنكم؟ لماذا عدتم؟ فرد عليه الغافقي بأن عثمان غدر بهم، قال كيف؟ قال: قبضنا على رسول ومعه كتاب من عثمان يأمر فيه الأمراء بقتلنا!! ، فقال علي لأهل الكوفة والبصرة: وكيف علمتم بما لقي أهل مصر!! وقد سرتم مراحل ثم طويتم نحونا؟ هذا والله أمر أبرم بالمدينة، وكان أمر الكتاب الذي زوّر على لسان عثمان - رضي الله عنه -اتخذوه ذريعة ليستحلوا دمه ويحاصروه في داره إلى أن قتلوه - رضي ¬

_ (¬1) – ربما يكون هنا خطأ مطبعي والصواب هو فرق وليس رفاق وهذه هي الموجودة في طبعة المشكاة ص 652/2، وكذلك في قرص مكتبة التاريخ والحضارة الإسلامية. (¬2) - تاريخ الطبري (2/652) بتصرف.

الله عنه -, وفوق هذا كله فالثائرون يفصحون عن هدفهم ويقولون: ضعوه على ما شئتم لا حاجة لنا في هذا الرجل ليعتزلنا ونحن نعتزله) (¬1) وعلاوة على ذلك هناك ما يؤكد تزوير هذا الكتاب، إذ ليس هو الكتاب الوحيد الذي يزوّر على لسان الصحابة، فهذه عائشة - رضي الله عنه -، تُتهم بأنها كتبت إلى الناس تأمرهم بالخروج على عثمان فتنفي وتقول: لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سواداً في بياض حتى جلست مجلسي هذا (¬2) وما تلك اليد الخفية التي كانت تخط وراء الستار لتوقع الفرقة بين المسلمين، وتضع في سبيل ذلك الكتب على لسان الصحابة وتدبر مكيدة الكتاب المرسل إلى عامل عثمان على مصر، وتستغل الأمور لتقع الفتنة بالفعل إلا يد ذلك اليهودي الخبيث وأتباعه، فهم المحركون للفتنة. يقول عنه الشيخ الدكتور إحسان إلهي ظهير (ولقد أجمع المؤرخون قاطبة شيعة كانوا أم أهل السنة، أن الذي أضرم نار الفتنة والفساد، ومشى بين المدن والقرى بالتحريض والإغراء على أمير المؤمنين، وخليفة المسلمين عثمان بن عفان، ذي النورين - رضي الله عنه -، كان هذا اللعين وشرذمته اليهودية، وهم الذين أوقدوا نار العصيان، وأشعلوها كلما خمدت نيرانها، وكان يتجول من بلدة إلى بلدة، ويتنقل من قرية إلى قرية،) (¬3) ولنذكر لك أخي القاري الكريم مجموعة من التهم الملفقة التي وجهت إلي سيدنا عثمان بن عفان - رضي الله عنه -، والتي استحلوا بها دمهُ رحمه الله ورضي عنه وأرضاه، وقتل مظلوماً في داره، وهو الشهيد التقي النقي الذي تجاوز الثمانين من عمره وقطعت كف زوجته نائلة وهي تدافع عنه، كما سنرويه لك مفصلاً في هذا الباب وكان مقتلهُ بمثابة الشرارة الكبرى في ¬

_ (¬1) - تاريخ الطبري (2/653) بتصرف، وأنظر استشهاد عثمان ووقعة الجمل ص87-99. (¬2) - البداية والنهاية (7 / 192) وكذلك تاريخ خليفة بن خياط ص80. (¬3) –الشيعة والسنة إحسان إلهي ظهير ص12.

الرد على هذه التهم الملفقة ضد سيدنا عثمان

إشعال نار الفتنة في صدر الإسلام، وهذا العلامة القاضي أبي بكر بن العربي المالكي رحمه الله المتوفى سنة 543هـ ذكر هذه التهم السبئية وقام بتفنيدها واحدة تلو الأخرى فجزاهُ الله عن الصحابة خير الجزاء. التهم السبئية الموجهة ضد عثمان - رضي الله عنه - 1- ضربه لعمار حتى فتق أمعاءه 2- ضربه لابن مسعود حتى كسر أضلاعه ومنعه عطاءه 3- ابتدع في جمع القرآن وتأليفه وفي حرق المصاحف 4- وحمى الحمى 5- أجلى أبا ذر إلى الربذه 6- أخرج من الشام أبا الدر داء 7- رد الحكَمَ بعد أن نفاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - 8- أبطل سنة القصر في الصلوات في السفر 9- ولىّ معاوية بن أبي سفيان 10- ولىّ عبد الله بن عامر بن كريز. 11-ولىّ مروان بن الحكم. 12- ولى الوليد بن عقبة بن معيط. 13- أعطى مروان خُمس أفريقية. 14- كان عمر يضرب بالدرة وهو يضرب بالعصا. 15- وعلا على درجة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وقد أنحط عنها أبو بكر وعمر. 16- لم يحضر بدراً، وانهزم يوم أحد, وغاب عن بيعة الرضوان. 17- لم يقتل عبيد الله بن عمر بالهرمزان (الذي أعطى السكين إلى أبي لؤلؤة، وحرضه على عمر حتى قتله) 18- وكتب مع عبده على جمله كتابًا إلى ابن أبي السرح في قتل من ذكر فيه (¬1) الرد على هذه التهم الملفقة ضد سيدنا عثمان - رضي الله عنه - الرد على التهمة الأولى: - ¬

_ (¬1) - انظر كتاب العواصم من القوا صم: ص 61- 62 بتصرف يسير

يقول القاضي بن العربي رحمه الله:هذا كله باطل سنداً ومتناً لو أنه فتق أمعاءه ما عاش أبداً. وقد علق على ذلك محب الدين الخطيب في الحاشية فقال:"وقد روى الطبري (5 / 99) عن سعيد بن المسيب أنه كان بين عمار وعباس بن عتبة بن أبي لهب خلاف حمل عثمان على أن يؤدبهما عليه بالضرب. قلت هذا مما يفعله ولي أمر في مثل هذه الأحوال قبل عثمان وبعده، كما فعل عمر مثل ذلك بأمثال عمار ومن هم خير من عمار بما له من حق الولاية على المسلمين، ولما نظم السبئيون حركة الإشاعات، وصاروا يرسلون الكتب من كل مصر إلى الأمصار الأخرى بالأخبار الكاذبة فأشار الصحابة على عثمان بأن يبعث رجالاً ممن يثق بهم إلى الأمصار حتى يرجعوا إليه بحقيقة الحال تناسى عثمان ما كان من عمار فأرسله إلى مصر ليكون موضع ثقته في كشف حالها. فأبطأ عمار في مصر والتف به السبئيون ليستميلوه إليهم، فتدارك عثمان وعامله على مصر هذا الأمر وجئ بعمار إلى المدينة مكرماً وعاتبه لما قدم عليه فقال له (يا أبا اليقضان قذفت ابن أبي لهب أن قذفك وغضبت علي أن أخذت لك بحقك وله بحقه اللهم قد وهبت ما بيني وبين أمتي من مظلمة اللهم إني متقرب إليك بإقامة حدودك في كل أحد ولا أبالي، اخرج عني يا عمار.وقال شيخ الإسلام ابن تيميه في منهاج السنة (3/192-193) عثمان أفضل من كل من تكلم فيه، هو أفضل من ابن مسعود وعمار وأبي ذر ومن غيرهم من وجوه كثيرة كما ثبت ذلك بالدلائل فليس جعل كلام المفضول قادحاً في الفاضل بأولى من العكس، وكذلك ما نقل من ُتكلم عمار في عثمان وقول الحسن فيه (أي في عمار) نقل أن عمار قال: لقد كفر عثمان كفرة صلعاء. فأنكر الحسن بن علي ذلك عليه وكذلك علي وقال له: يا عمار، أتكفر برب آمن به عثمان؟ قال ابن تيميه: وقد تبين من ذلك أن الرجل المؤمن الذي هو ولي لله قد يعتقد كفر الرجل المؤمن الذي هو ولي لله،ويكون مخطئ في هذا الاعتقاد ولا يقدح هذا في إيمان

الرد على التهمة الثانية

واحد منهما وولايته. وكما ثبت في الصحيح أن أسيد بن حضير قال لسعد بن عبادة بحضرة النبي - صلى الله عليه وسلم -: إنك منافق تجادل عن المنافقين كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق. فقال - صلى الله عليه وسلم -: (إنه قد شهد بدراً وما يدريك لعل الله أطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) فعمر أفضل من عمار وعثمان أفضل من حاطب بن أبي بلتعة بدرجات كثيرة. وحجة عمر فيما قال لحاطب أظهر من حجة عمار, مع هذا فكلاهما من أهل الجنة فكيف لا يكون عثمان وعمار من أهل الجنة وإن قال أحدهما للآخر ما قال؟ مع أن طائفة من العلماء أنكروا أن يكون عمار قال ذلك ثم قال شيخ الإسلام: وفي الجملة فإذا قيل أن عثمان ضرب ابن مسعود أو عمار فهذا لا يقدح في أحد منهم فإنا نشهد أن الثلاثة في الجنة وأنهم من أكابر أولياء الله المتقين، وأن ولي الله قد يصدر عنه ما يستحق عليه العقوبة الشرعية , فكيف بالتعزير، وقد ضرب عمر بن الخطاب أبي بن كعب بالدرة لما رأى الناس يمشون خلفه وقال: (هذه ذله للتابع وفتنة للمتبوع) " (¬1) الرد على التهمة الثانية: - ¬

_ (¬1) - حاشية محب الدين الخطيب ص64-65 بتصرف يسير

الرد على التهمة الثالثة

هذا القاضي أبو بكر ابن العربي المتوفى 543هـ رحمه الله يرد على هذه التهمه فيقول: أما ضرب عثمان لابن مسعود فهو زور وكذب، وعند ولاية عثمان كان ابن مسعود والياً لعمر على أموال الكوفة وسعد بن أبي وقاص واليًا على صلاتها وحربها فاختلف سعد وابن مسعود على قرض استقرضه سعد فعزل عثمان سعداً وأبقى ابن مسعود إلى هنا لا يوجد بين ابن مسعود وخليفته إلا الصفو، فعزم عثمان على تعميم مصحف واحد في العالم الإسلامي يجمع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على أنه هو المصحف الكامل الموافق لآخر عرضة عرض بها كتاب الله عز وجل على رسوله - صلى الله عليه وسلم -قبل وفاته , وكان ابن مسعود يود لو أن كتابة المصحف أنيطت به وكان أيضاً يود لو يبقى مصحفه الذي كان يكتبه لنفسه فيما مضى، فجاء عمل عثمان على خلاف ما كان يود ابن مسعود في الحالتين: أما اختيار عثمان زيد بن ثابت لكتابة المصحف الموحد فلأن أبا بكر وعمر اختاراه قبل ذلك لهذا العمل في خلافة أبي بكر بل إن أبا بكر وعمر اختارا زيد بن ثابت لأنه هو الذي حفظ العرضة الأخيرة لكتاب الله على الرسول - صلى الله عليه وسلم - قبيل وفاته , فكان عثمان على حق في هذا وهو يعلم كما يعلم سائر الصحابة - مكانة ابن مسعود وعلمه وصدقه وإيمانه ثم أن عثمان كان على حق في غسل المصاحف الأخرى كلها ومنها مصحف ابن مسعود لأن توحيد كتابة المصحف على أكمل ما كان في استطاعة البشر هو من أعظم أعمال عثمان بإجماع الصحابة وكانت جهود الصحابة في كل ذلك مع عثمان على ابن مسعود (¬1) الرد على التهمة الثالثة: - ¬

_ (¬1) - منهاج السنة النبوية لأبن تيميه نقلاً عن حاشية محب الدين الخطيب على العواصم (3/191-192)

الرد على التهمة الرابعة

وهذا الشيخ محب الدين عندما علق على رد ابن العربي أثناء ردهِ على هذه التهمة فقال: (العناية التي بذلها عظيما الإسلام أبو بكر وعمر , وأتمها أخوهما وصنوهما ذو النورين عثمان في جمع القرآن وتثبيته ورسمه، وكان لهم بها أعظم المنة على المسلمين , وبها حقق الله وعده، في قوله سبحانه" إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " وقد تولى الخلافة بعد هؤلاء الشيوخ الثلاثة أمير المؤمنين علي فأمضى عملهم وأقر مصحف عثمان برسمه وتلاوته في جميع أمصار ولايته , وبذلك انعقد إجماع المسلمين في الصدر الأول على أن ما قام به أبو بكر وعمر وعثمان هو أعظم حسناتهم. بل نقل بعض علماء الشيعة هذا الإجماع على لسان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. وجاء في كتاب تاريخ القرآن لأبي عبد الله الزنجاني (ص 46) من شيعة عصرنا أن علي بن موسى المعروف بابن الطاووس (589- 664) وهو من علمائهم نقل في كتابه (سعد السعود) عن الشهرستاني في مقدمة تفسيره عن سويد بن غفلة قال سمعت علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -يقول: "أيها الناس الله الله إياكم والغلو في أمر عثمان وقولكم حرّا ق المصاحف فو الله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -, جمعنا وقال: ما تقولون في هذه القراءة التي أختلف الناس فيها. يلقى الرجل يقول قراءتي خير من قراءتك: وهذا يجر إلى الكفر؟ فقلنا ما الرأي؟ قال: أريد أن أجمع الناس على مصحف واحد , فإنكم إن أخلفتم اليوم كان من بعدكم أشد اختلافاً فقلنا نعمّا رأيت "، ومما لا ريب فيه أن البغاة أنفسهم كانوا في خلافة علي - رضي الله عنه - يقرأون في مصاحف عثمان التي أجمع عليها الصحابة وعلي فيهم) (¬1) . الرد على التهمة الرابعة: - ¬

_ (¬1) - (2 حاشية محب الدين الخطيب على العواصم من القوا صم ص 69 بتصرف

الرد على التهمة الخامسة

يقول ابن العربي: (وأما الحمى فكان قديماً فيقال أن عثمان زاد فيه لما زادت الرعية: وإذ جاز أصله للحاجة إليه جازت الزيادة لزيادة الحاجة) (¬1) ويقول محب الدين الخطيب: كان الشريف في الجاهلية إذا نزل أرضاً في حيه استعوى كلباً، فحمى لخيله وإبله وسوائمهِِ مدى عواء الكلب لا يشركه فيه غيره. فلما جاء الإسلام نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك واختص الحمى بإبل الزكاة المرصدة للجهاد والمصالح العامة فقال - صلى الله عليه وسلم - لا حمى إلا لله ورسوله) رواه البخاري (¬2) الرد على التهمة الخامسة: - يقول القاضي ابن العربي أثناء تفنيدهِ لهذهِ الشبهة: (وأما نفيه أبا ذر إلى الربذة فلم يفعل وكان أبو ذر زاهداً وكان ُيقرِّع عمال عثمان، ويتلو عليهم " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذابٍ اليم " التوبة [34] ويراهم يتوسعون في المراكب والملابس حين وجدوا، فينكر ذلك عليهم، ويريد تفريق جميع ذلك من بين أيديهم، وهو غير لازم. قال ابن عمر وغيرهُ من الصحابة: إن ما أديت زكاته فليس بكنز، ... إلى أن قال ابن العربي وكلٌ على خير وبركة وفضل، وحال ُ أبي ذر أفضل. ولا تمكن لجميع الخلق، فلو كانوا عليها لهلكوا فسبحان مرتب المنازل) (¬3) الرد على التهمة السادسة: - (ووقع بين أبي الدر داء ومعاوية كلام، وكان أبو الدر داء زاهداً فاضلاً قاضياً لهم، فلما اشتد في الحق وأخرج طريقة عمر في قوم لم يحتملوها عزلوه فخرج إلى المدينة، وهذه كلها مصالح لا تقدح في الدين، ولا تؤثر في منزلة أحد من المسلمين بحال، وأبو ذر وأبو الدر داء بريئان من عاب، وعثمان برئ أعظم براءة وأكثر نزاهة فمن روى أنه نفى وروى سبباً فهو كله باطل) (¬4) ¬

_ (¬1) - العواصم من القوا صم ص 72 (¬2) - حاشية محب الدين الخطيب ص72 (¬3) - العواصم من القوا صم ص73-74 باختصار يسير (¬4) - المصدر السابق ص 77

الرد على التهمة السابعة

الرد على التهمة السابعة: - وهذه التهمة يقول عنها القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله: (وأما ردُّ الحَكَم فلم يصح) . وعلق محب الدين علي كلام ابن العربي بقول: شيخ الإسلام بن تيميه في منهاج السنة 3/196: (طعن كثير من أهل العلم في نفيه وقالوا ذهب باختياره وقصة نفي الحكم ليست في الصحاح وليس لها إسناد يعرف به أمرها..... وقالوا هو ذهب باختياره ... وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم -قد عزر رجلاً بالنفي لم يلزم أن يبقى منفيًا طول الزمان فإن هذا لا يعرف في شيء من الذنوب , ولم تأتِ الشريعة بذنب يبقي صاحبه منفيا دائما) (¬1) . الرد على التهمة الثامنة: - (أما ترك القصر فاجتهاد , إذ سمع أن الناس افتتنوا في القصر وفعلوا ذلك في منازلهم ,فرأى أن السنة ربما أدَّت إلى إسقاط الفريضة فتركها خوف الذريعة مع أن جماعة من العلماء قالوا: إن المسافر مخير بين القصر والإتمام , واختلف في ذلك الصحابة) (¬2) الرد على التهمة التاسعة: - (أما معاوية فعمرُ ولاه , وجمع له الشامات كلها وأقرّه عثمان بل إنّما ولاه أبو بكر الصدَّيق - رضي الله عنه -. لأنه ولى أخاه يزيداً واستخلفه يزيد , فأقَّره عمرُ لتعلقه بولاية أبي بكر لأجل استخلاف واليه له , فتعلَّق عثمان بعمر واقرَّه.) (¬3) الرد على التهمة العاشرة: - ¬

_ (¬1) -ً حاشية محب الدين الخطيب على العواصم ص77-78 بتصرف (¬2) - العواصم من القوا صم ص - 78-79-80 بتصرف (¬3) - العواصم من القوا صم ص (80- 81)

الرد على التهمة الحادية عشر

(أما عبد الله بن [عامر بن] كريز فولاَّه لأنه كريم العمات والخالات) (¬1) يقول محب الدين الخطيب: فهو عبشمي الآباء وهاشمي الخئولة وكان سخياً كريماً شجاعاً افتتح خرسان كلها وأطراف فارس وسجستان وكرمان وقضى على يزد جرد بن شهريار آخر ملوك فارس وقال عنه ابن كثير: هو أول من اتخذ الحياض بعرفة لحجاج بيت الله الحرام وأجرى إليها الماء المعين (¬2) الرد على التهمة الحادية عشر: - (وأما قول القائلين في مروان والوليد فشديد عليهم، وحكمهم عليهما بالفسق فسقٌ منهم، مروان بن الحكم رجل عادل من كبار الأُمة عند الصحابة التابعين وفقهاء المسلمين. أما الصحابة فإن سهل بن سعد الساعد ي روى عنه وأما التابعين فأصحابه في السن وإن جازهم باسم الصحبة في أحد القولين. وأما فقهاءُ الأمصار فكلهم على تعظيمه واعتبار خلافته والتلفت إلى فتواه والانقياد إلى روايته. وأما السفهاءُ من المؤرخين والأدباء يقولون على أقدارهم) (¬3) الرد على التهمة الثانية عشر: - ¬

_ (¬1) - العواصم ص 83 (¬2) -حاشية الخطيب ص 84 -85 بتصرف (¬3) - (3) العواصم ص 89 - 90

(وأما تولية الوليد بن عقبة فإن الناس على فساد النيات – أسرعوا إلى السيئات قبل الحسنات.فذكر الإفترائيون أنه إنما ولاه للمعنى الذي تكلم به.قال عثمان: ما وليتُ الوليد لأنه أخي وإنما ولَّيته لأنه ابن أُم حكيم البيضاء عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتوأمة أبيه) وعلق الشيخ محب الدين الخطيب على كلام ابن العربي في الحاشية قائلاً: (قد يظن من لا يعرف صدر هذه الأمة إن أمير المؤمنين عثمان جاء بالوليد بن عقبة من عرض الطريق فولاه الكوفة. أما الذين أنعم الله عليهم بنعمة الأنس بأحوال ذلك العصر وأهله فيعلمون أن دولة الإسلام الأولى في الخلافة أبي بكر تلقفت هذا الشاب الماضي العزيمة الرضي الخلق الصادق الإيمان فاستعملت مواهبه في سبيل الله إلى أن توفي أبو بكر، وأول عمل له في خلافة أبي بكر أنه كان موضع سر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده خالد بن وليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12 (الطبري 4: 7) ، ثم وجهه مدداً إلى قائده عياض بن غنم الفهري (الطبري 4: 22) وفي سنة 13 كان الوليد يلي لأبي بكر صدقات قضاعة , ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة , فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بن عقبة يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد , فسار ابن العاص بلواء الإسلام نحو فلسطين , وسار الوليد بن عقبة قائداً إلى شرق الأردن (الطبري 4: 29-30) , ثم رأينا الوليد في سنة 15 أميراً على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة (الطبري 4: 155) يحمي ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم , فكانت تحت قيادته ربيعة وتنوخ مسلمهم وكافرهم. وانتهز الوليد بن عقبة فرصة ولايته وقيادته على هذه الجهة التي كانت لا تزال مليئة بنصارى القبائل العربية فكان – مع جهاده الحربي وعمله الإداري – داعياً إلى الله يستعمل جميع أساليب الحكمة والموعظة الحسنة لحمل نصارى إياد

الرد على التهمة الثالثة عشر

وتغلب على أن يكونوا مسلمين كسائر العرب.) (¬1) الرد على التهمة الثالثة عشر: - (وأما إعطاؤه خُمس أفريقية لواحد فلم يصح. على أنه قد ذهب مالك وجماعة إلى أن الأمام يرى رأيه في الخُمس، وينفذ فيه ما أداهُ إليه اجتهاده، وأنَّ إعطاءه لواحد جائز) (¬2) الرد على التهمة الرابعة عشر: - (وأما قولهم إنه ضرب بالعصا فما سمعته مما أطاع أو عصى، وإنما هو باطل يحكى وزور ُينثي (¬3) فيالله وللنهى) (¬4) الرد على التهمة الخامسة عشر: - (كان مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضيق المساحة في عصر النبوة وخلافة أبي بكر وكان من مناقب عثمان في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم -عندما زاد عدد الصحابة أن اشترى من مالهِ مساحة من الأرض وسع بها المسجد النبوي ثم وسعه أمير المؤمنين عمر فأدخل فيه دار العباس بن عبد المطلب. ثم ازداد عدد المصلين بازدياد عدد سكان المدينة وقاصديها فوسعه أمير المؤمنين عثمان مرة أخرى وجعل طوله ستين ومائة ذراع وعرضه خمسين ومائة ذراع وجدد بناءه. فاتساع المسجد وازدياد غاشيته وبعد أمكنة بعضهم عن منبر الخطابة يجوز أن يكون من ضرورات ارتفاع الخطيب ليراهم ويروه ويسمعوه) (¬5) الرد على التهمة السادسة عشر: - ¬

_ (¬1) -حاشية العواصم لمحب الدين الخطيب ص85-86 (¬2) -العواصم ص 100 (¬3) - نثى الخبر والحديث: أذاعه وأظهره. والنثا مثل الثناء. إلا أنه يكون في لخير والشر، والثناء في الخير خاصة. (¬4) -العواصم ص 102 - 103 (¬5) - حاشية محب الدين الخطيب على العواصم ص 103

الرد على التهمة السابعة عشر

(قد أخرج الإمام البخاري من حديث عثمان بن عبد الله بن موهب قال: جاء رجل من أهل مصر يريد حج البيت فرأى قوماً جلوساً فقال: من هؤلاء القوم؟ قالوا: هؤلاء قريش , قال: فمن الشيخ فيهم؟ قالوا عبد الله بن عمر. قال: يا ابن عمر , إني سائلك عن شيء فحدثني عنه. هل تعلم أن عثمان فرَّ يوم أحد؟ قال: نعم. فقال: تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد؟ قال: نعم. قال: تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها؟ قال: نعم. قال الله أكبر! قال ابن عمر , وتعال أبين لك. أما فرارهُ يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر (¬1) له. وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانت مريضة فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن لك أجر رجل ممن شهد بدر وسهمه. وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحدٌ أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه , فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى (هذه يد عثمان) فضرب بها على يده فقال (هذه لعثمان) ثم قال له ابن عمر: اذهب بها الآن معك) (¬2) . الرد على التهمة السابعة عشر: - ¬

_ (¬1) -قلت: ابن عمر يشير إلى الآية (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله ُ عنهم إن الله غفورٌ رحيم) آل عمران 155 (¬2) - البخاري كتاب فضائل الصحابة ج4-ص208 نقلا عن حاشية محب الدين ص104

الرد على التهمة الثامنة عشر

(وأما امتناعه عن قتل عبيد الله بن عمر بن خطاب بالهرمزان فإن ذلك باطل فإن كان لم يفعل فالصحابة متوافرون والأمر في أوله وقد قيل: إن الهرمزان سعى في قتل عمر , وحمل الخنجر وظهر تحت ثيابه وكان قتل عُبيد الله لهُ وعثمان لم يلي بعد، ولعل عثمان كان لا يرى على عبيد الله حقاً لما ثبت عنده من حال الهرمزان وفعله، وأيضاً فإن أحدًا لم يقم بطلبه، وكيف يصح مع هذه الاحتمالات كلها أن ينظر في أمر لم يصح؟) (¬1) الرد على التهمة الثامنة عشر: - (وأما تعلُّقهم بأن الكتاب وجد مع راكب ,أو مع غلامه - ولم يقل أحد قط إنه كان غلامه - إلى عبد الله بن سعد بن أبي سرح. يأمره بقتل حامليه , فقد قال لهم عثمان: إما أن تقيموا شاهدين على ذلك وإلا فيميني أني ما كتبت ولا أمرت، وقد يكتب على لسان الرجل , ويضرب على خطه , وينقش على خاتمه) (¬2) . وقد قال: شيخ الإسلام بن تيميه (كل ذي علم بحال عثمان يعلم أنه لم يكن ممن يأمر بقتل محمد بن أبي بكر ولا أمثاله , ولا عرف منه قط أنه قتل أحداً من هذا الضرب , وقد سعوا في قتله (أي في قتل أمير المؤمنين عثمان) ودخل عليه محمد فيمن دخل وهو لا يأمر بقتالهم دفعاً عن نفسه , فكيف يبتدئ بقتل معصوم الدم) (¬3) حصار عثمان - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) - العواصم ص -106 108 (¬2) - العواصم ص109-110 (¬3) - منهاج السنة النبوية (3 / 188) نقلاً عن حاشية محب الدين الخطيب ص110

يقول ابن كثير" كان حصار عثمان مستمراً من أواخر ذي القعدة إلى يوم الجمعة الثامن عشر من ذي الحجة، فلما كان قبل ذلك بيوم، قال عثمان للذين عنده في الدار من المهاجرين والأنصار، وكانوا قريباً من سبعمائة، فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير والحسن والحسين ومروان وأبو هريرة، وخلق من مواليه، ولو تركهم لمنعوه فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق أن يكف يده وأن ينطلق إلى منزله، وعنده من أعيان الصحابة وأبنائهم جم غفير وقال لرقيقه: من أغمد سيفه فهو حر فبرد القتال من داخل، وحمي من خارج، واشتد الأمر، وكان سبب ذلك أن عثمان رأى في المنام رؤيا دلت على اقتراب أجله فاستسلم لأمر الله رجاء موعوده، وشوقاً إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وليكون خير ابني آدم حيث قال حين أراد أخوه قتله: إني أريدُ أن تبوء بإثْمِي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاءُ الظّالمين " (¬1) " المائدة:29 " ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية 178-179/7 بتصرف

ويقول ابن الأثير: (كان بمصر محمد بن أبي بكر ومحمد بن أبي حُذيفة يحرضان على عثمان. فلما خرج المصريون خرج فيهم عبد الرحمن بن عديس البلوي في خمسمائة وقيل ألف وفيهم كنانة بن بشير الليثي , وسودان بن حمران وقتيرة بن فلان السكوني وعليهم جميعاً الغافقي بن حرب العكي , وخرج أهل الكوفة وفيهم زيد بن صوحان العبد ي , والأشتر النخعي وزياد بن النضر الحارثي وعبد الله بن الأصم العامر ي وهم في عداد أهل مصر، وخرج أهل البصرة وفيهم حكيم بن جبلة العبد ي وذريح بن عباد وبشر بن شريح القيسي وابن المحترش وهم بعداد أهل مصر وأميرهم حرقوص بن زهير السعدي , فخرجوا جميعاً في شوال من سنة 35 هـ وأظهروا أنهم يريدون الحج , فلما كانوا من المدينة على ثلاث , تقدم ناس من أهل البصرة فنزلوا ذا خُشب وكان هواهم في طلحة , وتقدم ناس من الكوفة وكان هواهم في الزبير وتركوا الأعوص وجاءهم ناس من أهل مصر وكان هواهم في علي ونزلوا عامتهم بذي المروة ومشى فيما بين أهل مصر وأهل البصرة زياد بن النضر , وعبد الله بن الأصم , وقالا لهم: لا تعجلوا حتى ندخل المدينة ونرتاد لكم فقد بلغنا أنهم عسكروا لنا , فوالله إن كان هذا حقاً استحلوا قتالنا بعد علم حالنا إنِّ أمرنا لباطل , وإن كان الذي بلغنا باطلاً رجعنا إليكم بالخبر. قالوا: اذهبا. فذهبا فدخلا فلقيا أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم -وعلياً وطلحة والزبير , فقالا: إنما نريد هذا البيت ونستعفي من بعض عمالنا , استأذناهم في الدخول فكلمهما أُبىّ ونهاهما ,فرجعا إلى أصحابهما. فاجتمع نفر من أهل مصر فأتوا علياً, ونفر من أهل البصرة فأتوا طلحة ونفر من أهل الكوفة فأتوا الزبير , وقال كل فريق منهم:إن بايعنا صاحبنا وإلا ّكذبناهم وفرقنا جماعتهم , ثم رجعنا عليهم حتى نبغتهم فأتى المصريون علياً وهو في عسكر عند أحجار الزيت متقلداً سيفه , وقد أرسل ابنه الحسن إلى عثمان فيمن اجتمع إليه , فسلموا عليه

وعرضوا عليه فصاح بهم وطردهم وقال: لقد علم الصالحون أن جيش ذي المروة وجيش ذي خُشُب والأعوص ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم - , فانصرفوا عنه. وأتى البصريون طلحة فقال لهم مثل ذلك وكان قد أرسل أبنيه إلى عثمان , وأتى الكوفيون الزبير فقال لهم مثل ذلك وكان قد أرسل ابنه عبد الله إلى عثمان فرجعوا وتفرقوا عن ذي خُشُب وذي المروة والأعوص إلى عسكرهم ليتفرق أهل المدينة ثم يرجعوا إليهم. فلما بلغوا عسكرهم تفرق أهل المدينة فرجعوا إليهم فلم يشعر أهل المدينة إلا والتكبير في نواحيها ونزلوها وأحاطوا بعثمان وقالوا: من كف يده فهو آمن وصلى عثمان بالناس أياماً ولزم الناس بيوتهم وهم يصلون خلفه وهم في عينه أدق من التراب , وكانوا يمنعون الناس من الاجتماع ولما جاءت الجمعة التي على أثر دخولهم خرج عثمان فصلى بالناس ثم قام على المنبر فقال: يا هؤلاء الله , الله فوالله إن أهل المدينة ليعلمون أنكم ملعونون على لسان محمد - صلى الله عليه وسلم -, فامحوا الخطأ بالصواب. فقام محمد بن مسلمة فقال: أنا أشهد بذلك فأقعده حكيم بن جبلة , وقام زيد بن ثابت فأقعده محمد بن أبي قتيرة وثار القوم بأجمعهم فحصبوا الناس حتى أخرجوهم من المسجد وحصبوا عثمان حتى ُصرع عن المنبر مغشياً عليه فأُدخل داره , ثم صلى عثمان بالناس بعدما نزلوا به في المسجد , ثم منعوه الصلاة وصلى بالناس أميرهم الغافقي , وتفرّق أهل المدينة في حيطانهم , ولزموا بيوتهم لا يجلس أحد ولا يخرج إلا بسيفه ليمتنع به وكان الحصار أربعين يوماً ومن تعرض لهم وضعوا فيه السلاح) (¬1) وهناك بعض الروايات تفيد أن عثمان - رضي الله عنه - أرسل إلى الأمصار يطلب منهم العون بعد أن اشتد عليه التضييق والحصار وهذا خبر لا يصح منه شيء لأن منهج عثمان - رضي الله عنه -كان الصبر والكف عن القتال امتثالا لوصية الرسول - صلى الله ¬

_ (¬1) - الكامل في التاريخ بتصرف ص (529 - 531 / 2)

عليه وسلم - له وذلك لحديث عائشة رضى الله عنها قالت: (لما كان يوم الدار قيل لعثمان: ألا تقاتل؟ قال: قد عاهدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -على عهد سأصبر عليه , قالت عائشة: فكنا نرى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -عهد إليه فيما يكون من أمره) (¬1) لهذا وضع مصلحة الرعية في المقام الأول، روى الطبري إن معاوية قال لعثمان بن عفان (يا أمير المؤمنين انطلق معي إلى الشام قبل أن يهجم عليك من لا قبل لك به فإن أهل الشام على الأمر لم يزالوا فقال أنا لا أبيع جوار رسول الله بشيء وإن كان فيه قطع خيط عنقي قال فابعث إليك جندا منهم يقيم بين ظهراني أهل المدينة لنائبة إن نابت المدينة أو إياك؟ قال أنا لا أقتر على جيران رسول الله الأرزاق بجند تساكنهم وأضيق على أهل دار الهجرة والنصرة قال والله يا أمير المؤمنين لتغتالن أو لتغزين قال حسبي الله ونعم الوكيل) (¬2) وإلى جانب صبره واحتسابه حفظاً لكيان الأمة من التمزق والضياع وقف عثمان- رضي الله عنه - موقف آخر أشد صلابة وهو عدم إجابته الخارجين إلى خلع نفسه من الخلافة فلو أجابهم إلى ما يريدون لسن بذلك سنة , وهي كلما كره قوم أميرهم خلعوه , ومما لا شك فيه أن هذا الصنيع من عثمان كان أعظم وأقوى ما يستطيع أن يفعله إذ لجأ إلى أهون الشرين وأخف الضررين ليدعم بهذا الفداء نظام الخلافة الإسلامية ولهذا احتج عثمان - رضي الله عنه -على المحاصرين بقوله: إن وجدتم في الحق أن تضعوا رجلي في قيد فضعوها (¬3) ، وفي هذه الظروف العصيبة التي عان منها هذا الشيخ الذي جاوز الثمانين من عمره فهو يتصرف مع هذه الأزمة بحكمة وصبر كما وصاه رسول الله فقد ثبت إن الرسول قال لعثمان (يا عثمان إن ولاك الله هذا الأمر يوما فأرادك المنافقون أن تخلع قميصك الذي قمصك الله فلا ¬

_ (¬1) - صححه الألباني في ظلال الجنة حديث رقم 1176 (¬2) - تاريخ الطبري 2/ 650 (¬3) - تاريخ خليفة بن خياط ص 77 بتصرف

تخلعه يقول ذلك ثلاث مرات قال النعمان: فقلت لعائشة ما منعك أن تعلمي الناس بهذا قالت أنسيته) (¬1) يقول ابن كثير: (ولهذا صمموا على حصره والتضييق عليه، حتى منعوه الميرة والماء والخروج إلى المسجد، وتهددوه بالقتل، ولهذا خاطبهم بما خاطبهم به من توسعة المسجد وهو أول من منع منه، ومن وقفه بئر رومه على المسلمين وهو أول من منع ماءها، ومن أنه سمع رسول الله يقول: " لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث، النفس بالنفس، والثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة" وذكر أنه لم يقتل نفساً، ولا ارتد بعد إيمانه، ولا زنى في جاهلية ولا إسلام، بل ولامسَّ فرجه بيمينه بعد أن بايع بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية بعد أن كتب بها المفصل، ثم ذكر لهم من فضائله ومناقبه ما لعله ينجع فيهم بالكف عنه والرجوع إلى الطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منهم، فأبوا إلا الاستمرار على ما هم عليه من البغي والعدوان، ومنعوا الناس من الدخول إليه) (¬2) واستمر الحصار عليه - رضي الله عنه -حتى أنهم منعوا عنه الماء , فوصل الخبر إلى أمهات المؤمنين فجاءت أم حبيبة رضي الله عنها وكانت من أقارب عثمان فأخذت الماء وجعلته تحت ثوبها , وركبت بغله وحولها حشمها وخدمها، فقالوا: ما جاءبك؟ فقالت: إن عنده وصايا بني أمية لأيتام وأرامل، فأحببت أن أذكره بها، فكذبوها في ذلك ونالها منهم شدة عظيمة، وقطعوا حزام البغلة وندَّت بها، وكادت أو سقطت عنها، وكادت تقتل لولا تلاحق بها الناس فأمسكوا بدابتها، ووقع أمر كبير جداً، ولم يبق يحصل لعثمان وأهله من الماء إلا ما يوصله إليهم آل عمرو بن حزم في الخفية ليلاً فإنا لله وإنا إليه راجعون (¬3) ، واستمر الحصار ¬

_ (¬1) - صححه الألباني في سنن ابن ماجة حديث رقم 112 (¬2) - البداية والنهاية ص 7/184 والحديث المذكور متفق علية (¬3) - البداية والنهاية 7/184 بتصرف

على عثمان - رضي الله عنه - وكان خلال هذه المدة في غاية الشجاعة وضبط النفس رغم قسوة الظروف ورغم الحصار , ولطالما كان يطل على المحاصرين ويخطب فيهم ويذكرهم بمواقفه لعلهم يلينون لكنهم لم يفعلوا. روى الطبري عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري. (قال: أشرف عليهم عثمان - رضي الله عنه -ذات يوم فقال: السلام عليكم قال فما سمع أحد من الناس رد عليه إلا أن يرد رجل في نفسه فقال: أنشدكم بالله هل علمتم أني اشتريت بئر رومه من مالي يستعذب بها فجعلت رشائي منها كرشاء رجل من المسلمين؟ قال: قيل نعم قال فما يمنعني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر قال أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد قيل نعم قال فهل علمتم أحداً من الناس منع أن يصلي فيه من قبلي؟ قال: أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله يذكر كذا وكذا أشياء بشأنه إلى أن قال فوعظهم وذكرهم فلم تأخذ فيهم الموعظة وكان الناس تأخذ فيهم الموعظة أول ما يسمعونها فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ فيهم قال ثم أنه فتح الباب ووضع المصحف بين يديه قال وذاك أنه رأى من الليل أن نبي الله يقول افطر عندنا الليلة) (¬1) وقال أبو هريرة - رضي الله عنه -للذين حاصروا عثمان - رضي الله عنه -يوم الدار: (إني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول إنكم تلقون بعدي فتنة واختلافاً , أو قال: اختلافاً وفتنة , فقال له قائل من الناس: فمن لنا يا رسول الله؟ فقال: عليكم بالأمين وأصحابه , وهو يشير إلى عثمان بذلك) (¬2) روى ابن ماجة في السنن إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -قال: (في مرضه وددت أن عندي بعض أصحابي قلنا: يا رسول الله ألا ندعو لك أبا بكر؟ فسكت قلنا: ألا ندعو لك عمر؟ فسكت قلنا: ألا ندعو لك عثمان؟ قال: نعم فجاء فخلا به فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلمه ووجه عثمان ¬

_ (¬1) -- تاريخ الطبري / 2.671 (¬2) - السلسلة الصحيحة حديث رقم 3188

يتغير قال: قيس فحدثني أبو سهلة مولى عثمان أن عثمان بن عفان قال: يوم الدار إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عهد إلي عهدا فأنا صائر إليه أو قال علي في حديثه وأنا صابر عليه قال قيس فكانوا يرونه ذلك اليوم) ، (¬1) وكان أهل الفتنة أثناء حصارهم لعثمان في داره ومنعه من الصلاة بالناس , هم الذين يصلون بهم وكان الذي يصلي بالناس الغافقي بن حرب (¬2) . وأخرج البخاري في صحيحه عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن , عن عبد الله بن خيار": أنه دخل على عثمان وهو محصور فقال: إنك إمام عامة ونزل بك ما نرى ويصلي بنا إمام الفتنة ونتحرج فقال: الصلاة أحسن ما يعمل الناس , فإذا أحسن الناس فأحسن معهم , وإذا أساءوا فأجتنب إساءتهم" (¬3) . وحدثت بعض المناوشات بين شباب الصحابة والثوار فخرج خلالها بعض الصحابة أمثال الحسن بن علي وغيره وهذا الخبر يؤيده ما ذكره ابن عبد البر عن كنانة مولى صفية بنت حيي بن الأخطب قال: (شهدت مقتل عثمان , فأخرج من الدار أمامي أربع من شبان قريش ملطخين بالدم محمولين. وكانوا يدرؤون عن عثمان - رضي الله عنه - وهم: الحسن والحسين أبناء علي, وعبد الله بن الزبير ,ومروان بن الحكم) (¬4) . مقتل عثمان - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) - صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة 1/42 حديث رقم 113 (¬2) -انظر البداية والنهاية 7/173 (¬3) البخاري مع الفتح 2/221 (¬4) - ابن عبد البر في الاستيعاب 3/1387، والبخاري في التاريخ الكبير 7/237

يقول ابن كثير: (قال سيف بن عمر التميمي رحمه الله عن العيص بن القاسم عن رجل عن الخنساء مولاة أسامة بن زيد وكانت تكون مع نائلة بنت الفرافصة امرأة عثمان.أنها كانت في الدار ودخل محمد بن أبي بكر وأخذ بلحيته فقال: مهلاً يا بن أخي فوالله لقد أخذت مأخذاً ما كان أبوك ليأخذ به , فتركه وانصرف مستحيياً نادماً فاستقبله القوم على باب الصّفة فردهم طويلاً حتى غلبوه ودخلوا وخرج محمد راجعاً، فأتاه رجل بيده جريدة يقدمهم حتى قام على عثمان فضرب بها رأسه فشجه , فقطر دمه على المصحف حتى لطخه , ثم تعاوروا عليه فأتاه رجل فضربه على الثدي بالسيف , ووثبت نائلة بنت الفرافصة الكلبية فصاحت وألقت نفسها عليه , وقالت يا بنت شيبة أيقتل أمير المؤمنين؟ وأخذت السيف فقطع الرجل يدها , وانتهبوا متاع الدار ومر رجل على عثمان ورأسه مع المصحف فضرب رأسه برجله ونحاه عن المصحف وقال: ما رأيت كاليوم وجه كافر أحسن ولا مضجع كافر أكرم. قال والله ما تركوا في داره شيئاً حتى الأقداح إلا ذهبوا به ويروي ابن كثير عن ابن عساكر أنهُ جاء رجل من كنده من أهل مصر يلقب حماراً ويكنى بأبي رومان , وقال قتادة: اسمه رومان , وقال غيره كان أزرق أشقر , وقيل كان اسمه سودان بن رومان المراد ي. وعن ابن عمر قال كان اسم الذي قتل عثمان أسود بن حمران ضربه بحربة وبيده السيف صلتا ًقال: ثم جاء فضربه في صدره حتى أقعصه. ثم وضع ذباب السيف في بطنه واتكأ عليه وتحامل حتى قتله. وقامت نائلة دونه فقطع السيف أصابعها رضي الله عنها. ويقول ابن كثير: وثبت من غير وجه أن أول قطرة من دمه سقطت على قوله تعالى: فسيكفيكهُمُ الله وهو السميع العليم. البقرة: 137ويروى أنه وصل إليها في التلاوة أيضاً حين دخلوا عليه، وليس ببعيد فإنه كان قد وضع المصحف يقرأ فيه القرآن. قلت: نعم لقد اقتص الله من القتلة الخوراج،" وقد أقسم بعض السلف بالله إنه ما مات أحد من قتلة عثمان

إلا مقتولاً رواه ابن جرير وقال بعضهم: ما مات أحد منهم حتى جن. " ويروى أن محمد بن أبي بكر طعنه بمشاقص في أذنه حتى دخلت في حلقه، والصحيح أن الذي فعل ذلك غيره وأنه استحى ورجع حين قال له عثمان: لقد أخذت بلحيةٍ كان أبوك يكرمها. فتذمر من ذلك وغطى وجهه ورجع وحاجرَ دونه فلم يفد وكان أمر الله قدراً مقدوراً وكان ذلك في الكتاب مسطورا ً وروى ابن عساكر أن عمر وبن الحمق وثب على عثمان فجلس على صدره وبه رمق فطعنه تسع طعنات وقال: أما الثلاث فهن لله وست لما كان في صدري عليه) (¬1) . يقول ابن كثير: (كانت مدة حصار عثمان في داره أربعين يوماً على المشهور , وكان قتله في يوم الجمعة بلا خلاف وكان ذلك في ثماني ليلة خلت من ذي الحجة سنة 35هـ على الصحيح المشهور , فكانت خلافته اثنتي عشر سنة إلا اثني عشر يوماً، وأما عمره - رضي الله عنه - فجاوز اثنتين وثمانين سنة , وقيل أربعة وثمانين سنة وقال قتادة: توفي عن ثمان وثمانين أو تسعين سنة. وأما موضع قبره بلا خلاف دفن بحش كوكب شرقي البقيع وقال الإمام مالك: بلغني أن عثمان - رضي الله عنه - كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول: سيدفن هنا رجل صالح وقال البخاري في التاريخ: حدثنا موسى بن إسماعيل عن عيسى بن منهال حدثنا غالب عن محمد بن سيرين قال: كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي، فقلت: يا عبد الله ما سمعتُ أحداً يقول ما تقول، قال: كنت أعطيت لله عهداً إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته فلما قتل ووضع على سريره في بيته والناس يجيئون يصلون عليه. فدخلت وكأني أصلي عليه فوجدت خلوة فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ولطمته وقد يبست يميني. قال ابن سيرين رأيتها يابسة كأنها عود) (¬2) فرحم الله عثمان - رضي الله عنه - وأسكنه فسيح الجنان ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 7- 181- 182-183-187 بتصرف (¬2) - البداية والنهاية (7 -187-188) بتصرف

ذكر ما حدث إثر مقتل عثمان

ذكر ما حدث إثر مقتل عثمان - رضي الله عنه - يقول الإمام ابن كثير ولما وقع هذا الأمر العظيم , الفضيع الشنيع أسقط في أيدي الناس , فأعظموه جداً وندم أكثر هؤلاء الجهلة الخوارج بما صنعوا , وأشبهوا من تقدمهم ممن قص الله علينا في كتابه العزيز , من الذين عبدوا العجل , في قوله تعالى: (ولما سُقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكو نن من الخاسرين) (¬1) ولما بلغ الزبير مقتل عثمان وكان قد خرج من المدينة. قال: إنا لله وإنا إليه راجعون وترحم على عثمان وبلغه أن الذين قتلوه ندموا فقال: تباً لهم ثم تلا قوله تعالى: ((ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون. فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون)) (¬2) وبلغ علياً قتله فترحم عليه وسمع بندم الذين قتلوه فتلا قوله: ((كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين)) (¬3) ولما بلغ سعد بن أبي وقاص قتل عثمان استغفر له وترحم عليه وتلا في حق الذين قتلوه قوله تعالى: ((قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً) (¬4) ثم قال سعد بن أبي وقاص: اللهم اندمهم ثم خذهم (¬5) . ومعلوم أن سعداً مستجاب الدعوة وقد ثبت أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -قال: " اللهم استجب لسعد إذا دعاك " (¬6) " إذا قال قائل، كيف ُيقتل عثمان بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضى الله عنهم؟ الجواب: - ¬

_ (¬1) - الآية 149 من سورة الأعراف (¬2) الآية 49 - 50 من سورة يس (¬3) - الآية 16 من سورة الحشر (¬4) - الآية 103 - 104 من سورة الكهف (¬5) - البداية والنهاية (7/ 186) (¬6) - صححه الألباني في. جامع الترمذي 5-649 حديث رقم 3751

نبذه مختصرة عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -

إن كثيراً منهم بل أكثرهم أو كلهم لم يكن يظن أنه يبلغ الأمر إلى قتله، فإن أولئك الثوار كانوا يطلبون منه ثلاثة أمور وهي: أما أن يعزل نفسه, أو يسلم إليهم مروان بن الحكم، أن الصحابة مانعوا دونه أشد الممانعة ولكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم ويغمدوا أسلحتهم ففعلوا. فتمكن أولئك مما أرادوا. أن هؤلاء الخوارج اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج أن هؤلاء الخوارج كانوا قريباً من ألفي مقاتل من الأبطال ربما لم تكن هناك قوات عسكرية في المدينة تستطيع ردع هؤلاء الثوار لأن الناس كانوا في الثغور وفي الأقاليم في كل جهة.) (¬1) نبذه مختصرة عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه -. ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (7/193-194) بتصرف

(هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، أبو عمر وأبو عبد الله القرشي الأموي أمير المؤمنين ذو النورين وصاحب الهجرتين وزوج الابنتين وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن عبد شمس ,أمها أم حكيم وهي البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة , وأحد الستة أصحاب الشورى , وأحداً الثلاثة الذين خلصت لهم الخلافة من الستة ثم تعينت فيه بإجماع المهاجرين والأنصار - رضي الله عنه - ,أسلم عثمان قديماً على يدي أبي بكر الصديق , وهاجر إلى الحبشة أول الناس ومعه زوجته رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم عاد إلى مكة وهاجر إلى المدينة , فلما كانت وقعة بدر اشتغل بتمريض ابنة رسول الله وضرب له رسول الله بسهمه منه وأجره فيها , فهو معدود فيمن شهدها. فلما توفيت زوجهُ رسول الله بأختها أم كلثوم فتوفيت أيضاً في صحبته وشهد أحداً وشهد الخندق والحديبية وبايع عنه رسول الله بإحدى يديه , وشهد خيبر وعمرة القضاء , وحضر الفتح وهوازن والطائف وغزوة تبوك وجهز جيش العسرة , فقال يومها رسول الله "ما ضر عثمان ما فعل بعد هذا اليوم " مرتين. وحج مع رسول الله حجة الوداع , وتوفي وهو عنه راضٍ ,وصحب أبا بكر فأحسن صحبته , وتوفي وهو عنه راضٍ , وصحب عمر وتوفي وهو عنه راضٍ ونص عليه في أهل الشورى الستة فكان خيرهم , وقد كان - رضي الله عنه - مليح الوجه كريم الأخلاق ذا حياء كثير , وكرم غزير , يؤثر أهله وأقاربه في الله تأليفاً لقلوبهم من متاع الحياة الدنيا الفاني , لعله يرغبهم في إيثار ما يبقى على ما يفنى , كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعطي أقواماً ويدع آخرين , وقد تعنت عليه بسبب هذه الخصلة أقوام , كما تعنت بعض الخوارج على رسول الله في غزوة حنين.) (¬1) الفصل الثاني ¬

_ (¬1) المصدر السابق (7/197 - 198) بتصرف

خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب

خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أبو الحسن والحسين ويكنى بأبي تراب وهو ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وختنه على ابنته فاطمة الزهراء وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ويقال إنها أول هاشمية ولدت هاشمياً وكان له من الأخوة طالب وعقيل وجعفر وكانوا أكبر منه , وله أختان , وهما أم هاني وجمانة وكلهم من فاطمة بنت أسد. وكان علي أحد العشرة المشهود لهم بالجنة وأحد الستة أصحاب الشورى وكان ممن توفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو راضٍ عنهم. أسلم علي قديماً وهو ابن سبع سنين وقيل أكثر من ذلك، وهو أول من أسلم من الغُلمان وهاجر علي بعد خروج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من مكة وكان قد أمره بقضاء ديونه ورد ودائعه ثم يلحق بهم فامتثل ما أمر به , ثم هاجر وآخى الرسول بينه وبين سهيل بن حنيف , وقد شهد علي بدراً وكانت له اليد البيضاء فيها،بارز يومئذٍ فغلب وظهر فيه وفي عمه حمزة وابن عمه عبيد بن الحارث وخصومهم الثلاثة عتبة وشيبة والوليد بن عتبة. نزل قوله تعالى

{هذان خصمان اختصموا في ربهم} الحج الآية 19. وشهد علي أُحداً وكان على الميمنة ومعه الراية بعد مصعب بن عمير وقاتل قتالاً شديداً وقتل خلقاً كثيراً من المشركين. وشهد يوم الخندق فقتل يومئذ فارس العرب وأحد شجعانهم المشاهير عمرو بن عبد ود العامري. وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، وشهد خيبر وكانت له بها مواقف هائلة ومشاهد طائلة , منها أن الرسول - صلى الله عليه وسلم -قال: " لأعطين الراية غداً رجلاً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " (¬1) وفتح الله على يده وقتل مرحباً اليهودي. وشهد عمرة القضاء وفيها قال لهُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أنت مني وأنا منك " (¬2) ، ولما خرج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -إلى تبوك استخلفه على المدينة قال له: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟ فقال له: " ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي " (¬3) . ثم لما مات رسول الله - صلى الله عليه وسلم -كان علي من جملة من غسله وكفنه. ¬

_ (¬1) -متفق علية رواة البخاري في المغازي 4209-ومسلم في فضائل الصحابة 2405 نقلاً عن حاشية بيومي على البداية 7-222 (¬2) - رواه البخاري في المغازي 4251. نقلاً عن حاشية محمد بيومي على البداية والنهاية 7-223 (¬3) - رواه البخاري ومسلم في فضائل الصحابة. نقلاً عن حاشية محمد بيومي على البداية والنهاية - 7/223

وولي دفنه ولما بويع الصديق يوم السقيفة كان علي من جملة من بايع بالمسجد وكان بين يدي الصديق كغيره من أمراء الصحابة يرى طاعته فرضاً عليه وأحب الأشياء إليه. ولما توفيت فاطمة بعد ستة أشهر-وكانت تغضب بعض الشيء على أبي بكر بسبب الميراث الذي فاتها من أبيها عليه السلام، ولم تكن اطلعت على النص المختص بالأنبياء وأنهم لا يورثون، فلما بلغها سألت أبا بكر أن يكون زوجها ناظراً على الصدقة فأبي ذلك عليها، فبقي في نفسها شيء على أبي بكر، واحتاج علي أن يداريها بعض المدارة، فلما توفيت جدد البيعة مع الصديق - رضي الله عنهم -، ولما توفي أبو بكر وقام عمر - رضي الله عنه -في الخلافة كان علي من جملة من بايعه ولم طُعِن عمر وجعل الشورى في ستة أحدهم علي - رضي الله عنه - ثم قُدِم عثمان بن عفان للخلافة فسمع له علي وأطاع. ولما قتل عثمان عدل الناس إلى علي فبايعوه , وقد امتنع علي من إجابته إلى قبول الإمارة حتى تكرر قولهم له وفر منهم إلى حائط بني عمرو بن مبدول وأغلق بابه فجاء الناس فطرقوا الباب وولجوا وجاءوا معهم بطلحة والزبير فقالوا له: إن الأمر لا يمكن بقاءه بلا أمير , ولم يزالوا به حتى أجاب) (¬1) . نواب الأمصار في هذه الفترة ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (7- 221 - 224) بتصرف

(لما تولى علي بن أبي طالب الخلافة كان على الكوفة أبو موسى الأشعر ي على الصلاة وعلى الحرب القعقاع بن عمرو وعلى الخراج جابر بن فلان المزني , وعلى البصرة عبد الله بن عامر , وعلى مصر عبد الله بن سعد بن أبي سرح وقد تغلب على محمد بن أبي حذيفة , وعلى الشام معاوية بن أبي سفيان , وعلى حمص عبد الرحمن بن خالد بن وليد. وعلى قنسرين حبيب بن سلمة , وعلى الأردن أبو الأعور , وعلى فلسطين حكيم بن علقمة , وعلى أذربيجان الأشعث بن قيس , وعلى قرقيسيا جرير بن عبد الله البجلي , وعلى حلوان عتيبة بن النهاس , وعلى قيسارية مالك بن حبيب , وعلى همذان حبُيش وكان على بيت المال عقبة بن عمرو وعلى قضاء المدينة زيد بن ثابت ولما قتل عثمان بن عفان خرج النعمان بن بشير ومعه قميص عثمان متضمخ بدمه ومعه أصابع نائلة التي أصيبت حين حاجفت عنه بيدها , فقطعت مع بعض الكف فورد على معاوية بالشام فوضعه معاوية على المنبر ليراه الناس , وعلق الأصابع في كم القميص وندب الناس للأخذ بهذا الثأر والدم وصاحبه فتباكى الناس حول المنبر وجعل القميص يرفع تارة ويوضع تارة والناس يتباكون حوله سنة وحث بعضهم البعض على الأخذ بثأره واعتزل أكثر الناس النساء في هذا العام وقام في الناس معاوية وجماعة من الصحابة معه يحرضون الناس على المطالبة بدم عثمان ممن قتله من أولئك الخوارج: منهم عبادة بن الصامت وأبو الدر داء وأبو أمامه وعمرو بن عنسبة وغيرهم من الصحابة ومن التابعين: شريك بن حباشة وأبو مسلم الخولاني وعبد الرحمن بن غنم وغيرهم من التابعين , ولما استقر أمر بيعة علي دخل عليه طلحة والزبير ورؤوس الصحابة - رضي الله عنهم - وطلبوا منه إقامة الحدود والأخذ بدم عثمان فاعتذر إليهم بأن هؤلاء لهم مدد وأعوان وأنه لا يمكنه ذلك يومه هذا) (¬1) . ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (7/ 226) بتصرف

(استهلت هذه السنة وقد ولى علي بن أبي طالب نواباً على الأمصار , فولى عبد الله بن عباس على اليمن وولى سمرة بن جندب على البصرة وعمارة بن شهاب على الكوفة وقيس بن سعد بن عبادة على مصر وعلى الشام سهل بن حنيف بدل معاوية، فسار حتى بلغ تبوك فتلقته خيل معاوية فقالوا: من أنت؟ فقال: أمير فقالوا: على أي شئ؟ قال على الشام فقالوا إن كان الذي بعثك عثمان فحي هلا بك وإن كان غيره فارجع , وأما قيس بن عبادة فاختلف عليه أهل مصر فبايع له الجمهور وقالت طائفة: لا نبايع حتى نقتل قتلة عثمان وكذلك أهل البصرة وانتشرت الفتنة وتفاقم الأمر وبعث علي إلى معاوية كتباً كثيرة فلم يرد عليه جوابها وتكرر ذلك مراراً إلى الشهر الثالث من مقتل عثمان ثم عزم علي - رضي الله عنه -على قتال أهل الشام وكتب إلى مصر والكوفة يستنفرهم للقتال وخرج من المدينة واستخلف عليها قثم بن العباس وجاء إليه الحسن بن علي فنهاه فلم يقبل منه ولم يبق شئ إلا خرج من المدينة قاصداً إلى الشام حتى جاءه ما شغله عن ذلك كله وهو ما سنورده) (¬1) يوم النحيب وابتداء وقعة الجمل ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 7/227-228 بتصرف

يقول ابن كثير: (لما وقع قتل عثمان - رضي الله عنه - بعد أيام التشريق وكان أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين قد خرجن للحج في هذا العام فرارا من الفتنة وفرّ أصحابة من بني أمية وغيرهم إلى مكة , واستأذن طلحة والزبير علياً في الاعتمار فأذن لهما فخرجا إلى مكة وتبعهم خلق كثير وجم غفير وقدم إلى مكة يعلى بن أمية من اليمن ومعه ستمائة بعير وستمائة درهم. وقدم أيضاً عبد الله بن عامر من البصرة فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين فقامت عائشة - رضي الله عنه - تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان وجهز الناس يعلى بن أمية , وكانت حفصة أم المؤمنين قد وافقت عائشة على المسير إلى البصرة فمنعها أخوها عبد الله من ذلك وسار الناس في صحبة عائشة في ثلاثة آلاف وأم المؤمنين تحمل في هودج على جمل اسمه عسكر اشتراه يعلى بن أمية بمائتي دينار. وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع وتباكى الناس وكان ذلك اليوم يسمى بيوم النحيب وسار الناس قاصدين البصرة وكان الذي يصلي بالناس عبد الله بن الزبير والمؤذن مروان بن الحكم ومروا في مسير هم ليلاً بماء يقال له الحوأب فنبحتهم كلاب عنده فلما سمعت ذلك عائشة قالت ما اسم هذا المكان؟ قالوا الحوأب فضربت بإحدى يديها على الأخرى وقالت إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظنني إلا راجعة قالوا: ولم؟ قالت سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لنسائه (ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب؟) ثم ضربت عضد بعيرها وأناخته وقالت ردوني , ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب فأناخ الناس حولها يوماً وليلة وقال لها عبد الله بن الزبير إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب , ولما اقتربت من البصرة كتبت إلى الأخنف بن قيس وغيره من رؤوس الناس وذكرت لهم أنها جاءت للقيام بطلب دم عثمان لأنه قتل مظلوماً ونزلت أم المؤمنين قريباً من البصرة والتحق

بها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة ثم تحاجر الناس وجاء حارثة بن قدامه السعدي فقال: يا أم المؤمنين، والله لقتل عثمان أهون علي من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح، وأقبل حكيم بن جبلة. وكان على خيل عثمان بن حنيف فانشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وحجز الليل بينهم فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال فاقتتلوا قتالا شديداً إلى أن زال النهار وقتل خلق كثير من أصحاب عثمان بن حنيف وكثرت الجراح في الفريقين وبعد شئ من الهدنة المؤقتة بعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى ووقع من رعاع الناس من أهل البصرة كلام وضرب فقتل منهم نحو أربعين رجلاً ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير , ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها ثم قام طلحة والزبير بتولية بيت المال لعبد الرحمن بن أبي بكر وقسموا أموال بيت المال في الناس وفضلوا أهل الطاعة فحمى لذلك جماعة من قوم عثمان وأنصارهم , فركبوا في جيش قريب من ثلاثمائة ومقدمهم حكيم بن جبلة وهو أحد من باشر قتل عثمان - رضي الله عنه - , فبارزوا وقاتلوا , فضرب رجلٌ رِجلُ حكيم بن جبلة فقطعها ثم مات حكيم قتيلاً ومعهُ نحو من سبعين من قتلة عثمان وأنصارهم أهل المدينة. وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليالي بقين من الربيع الأخر سنة ست وثلاثين) (¬1) . مسير علي بن أبي طالب إلى البصرة بدلاً من الشام ووقعة الجمل ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (7/ 228 - 231) بتصرف

(خرج علي - رضي الله عنه - من المدينة في نحو تسعمائة مقاتل , وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق وقال لقد نهيتك فعصيتني تقتل غداً بمضيعة لا ناصر لك، فلما عزم على المسير قام إليه ابن أبي رفاعة بن رافع فقال: يا أمير المؤمنين أي شئ تريد؟ وأين تذهب بنا؟ فقال: أما الذي نريد وننوي فالإصلاح إن قبلوا منا وأجابوا إليه , قال: فإن لم يجيبوا إليه؟ قال ندعهم بغدرهم ونعطيهم الحق ونصبر. قال: فإن لم يرضوا؟ قال: ندعهم ما تركونا. قال: فإن لم يتركونا؟ قال: امتنعنا منهم قال: فنعم إذاً، ولما اقترب علي من الكوفة وجاءهُ الخبر بما وقع من الأمر على جليته من قتل ومن إخراج عثمان بن حنيف من البصرة وأخذهم أموال بيت المال , ولما بلغ ذي قار أتاه عثمان بن حنيف ماشياً وليس في وجهه شعرة فقال: يا أمير المؤمنين بعثتني إلى البصرة وأنا ذو لحية وقد جئتك أمرداً فقال أصبت خيراً وأجراً، ويقال إن علياً بعث الأشتر فعزل أبا موسى عن الكوفة وأخرجه من قصر الإمارة من تلك الليلة واستجاب الناس للنفير فخرج مع الحسن تسعة آلاف ويقال اثنا عشر ألف رجل ورجل واحد فاجتمعوا عند علي بذي قار وكان من المشهورين من رؤساء من انضاف إلى علي القعقاع بن عمر وسعيد بن مالك وهند بن عمرو والهيثم بن شهاب وزيد بن صوحان والأشتر وعدي بن حاتم والمسيب بن نجبة ويزيد بن قيس وحجر بن عدي وأمثالهم ثم بعث علي بن أبي طالب القعقاع بن عمرو إلى البصرة فبدأ بعائشة أم المؤمنين فقال: أي أماه! ما أقدمك هذا البلد؟ فقالت: أي بني الإصلاح بين الناس فسألها أن تبعث إلى طلحة والزبير ليحضر عندها. فحضروا فقال القعقاع: إني سألت أم المؤمنين ما أقدمها؟ فقالت: إنما جاءت للإصلاح بين الناس فقالا ونحن كذلك , قال: فاخبراني ما وجه هذا الإصلاح؟ قالا: قتلة عثمان. فإن هذا إن تُرِك كان تركاً للقرآن فقال: قتلتما قتلته من أهل البصرة وهم ستمائة رجل فغضب لهم

ستة آلاف فاعتزلوكم. وطلبتم حرقوص بن زهير فمنعهُ ستة آلاف ,فإن تركتموهم وقعتم فيما تقولون، يعني أن الذي تريدونه من قتل قتلة عثمان مصلحة، ولكنهُ يترتب عليه مفسدة هي أربي منها، وكما أنكم عجزتم عن الأخذ بثأر عثمان من حرقوص بن زهير لقيام ستة آلاف في منعه ممن يريد قتله فعلي بن أبي طالب أعذر في تركه الآن قتل قتلة عثمان وإنما أخر قتل قتلة عثمان إلى أن يتمكن منهم فقالت عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنه -: فماذا تقول أنت؟ قال: أقول إن هذا الأمر الذي وقع دواؤه التسكين وأشرف القوم على الصلح ففرح هؤلاء وهؤلاء وقام علي في الناس خطيبا فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة إلى أن قال إني مرتحل غداً فارتحلوا معي ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وسالم بن ثعلبة وغلاب بن الهيثم وغيرهم في ألفين وخمسمائة وليس فيهم صحابي ولله الحمد ثم قال ابن السوداء قبحه الله: يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون وبهذا التفاهم اطمأنت النفوس وسكنت واجتمع كل فريق بأصحابه من الجيشين فلما أمسوا بعث علي عبد الله بن عباس إليهم وبعثوا إليه محمد بن طليحة السجاد وبات الناس بخير ليلة وبات قتلة عثمان بشر ليلة وباتوا يتشاورون وأجمعوا على أن يثيروا الحرب من الغلس فنهضوا من قبل طلوع الفجر وهم قريب من ألفي رجل فانصرف كل فريق إلى قراباتهم فهجموا عليهم بالسيوف فثارت كل طائفة إلى قومهم ليمنعوهم وقام الناس من منامهم إلى السلاح فقالوا: طرقتنا أهل الكوفة ليلاً , وبيتونا وغدروا بنا وقامت الحرب على قدم وساق وتبارز الفرسان وجالت الشجعان وتواقف الفريقان وقد اجتمع مع علي عشرون ألفاً. والتف على عائشة ومن معها

نحواً من ثلاثين ألفاً , فإنا لله وإنا إليه راجعون وأصحاب ابن السوداء قبحه الله لا يفترون عن القتل ومنادي علي ينادي: ألا كفوا , ألا كفوا فلا يسمع أحد. وقد كان من سنتهم في هذا اليوم أنه لا يذفف على جريح ولا يتبع مدبر , وقد قتل مع هذا خلق كثير جداً , حتى جعل علي يقول لابنه الحسن: يا بنيّ ليت أباك مات قبل هذا بعشرين عاماً فقال له: يا أبتي لقد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني إني لم أر أن الأمر يبلغ هذا.ثم تقدمت عائشة رضي الله عنها في هودجها وناولت كعب بن سوار قاضي البصرة مصحفاً وقالت: دعهم إليه وذلك أنه حين أشتد الحرب وحمي القتال ورجع الزبير وقتل طلحة - رضي الله عنهم -. وكان عبد الله بن سبأ اليهودي وأتباعه بين يدي الجيش يقتلون من قدروا عليه من أهل البصرة لا يتوقفون في أحد فلما رأوا كعب بن سوار رافعاً المصحف رشقوه بنبالهم رشقة رجل واحد فقتلوه ووصلت النبال إلى هودج أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وجعلت الحرب تأخذ وتعطي فتارةً لأهل البصرة وتارةً لأهل الكوفة وقتل خلق كثير وقطع يد سبعين رجلاً وهى آخذة بخطام الجمل وجعل أولئك يقصدون الجمل وقالوا: لا يزال الحرب قائماً مادام هذا الجمل واقفاً وأخذ زمام الجمل بني ضبة فكلما قتل واحد ممن يمسك الجمل يقوم غيره حتى قتل منهم أربعون رجلاً قالت عائشة: مازال جملي واقفاً معتدلاً حتى فقدت أصوات بني ضبة ثم أخذ الخطام سبعون رجلاً من قريش وكل واحد يقتل بعد صاحبه فكان منهم محمد بن طلحة المعروف بالسجاد وأخذ الخطام عمرو بن الشرف فجعل لا يدنو منه أحد إلا حطه بالسيف فأقبل إليه الحارث بن زهير الأزدي , واختلفا ضربتين فقتل كل واحد صاحبه , وأحدق أهل النخبة والشجاعة بعائشة فكان لا يأخذ الراية ولا خطام الجمل إلا شجاع معروف فيقتل من قصده ثم يُقتل بعد ذلك وفقئت عين عدي بن حاتم الطائي ذلك اليوم، ثم تقدم عبد الله بن الزبير فأخذ بخطام الجمل وجرح في رأسه جرحاً

شديداً، وجرح مروان بن الحكم أيضاً ثم جاء رجل فضرب الجمل على قوائمه فعقره وسقط إلى الأرض فسمع له عجيج ما سمع أشد منه ولا أنفذ منه , ولما سقط البعير إلى الأرض انهزم من حوله من الناس وحمل هودج عائشة وأمر علي نفراً أن يحملوا الهودج من بين القتلى وجاء إليها أخوها محمد فسألها هل وصل إليك شئ من الجراح؟ فقالت: لا وأقام علي بظاهر البصرة ثلاثاً ثم صلى على القتلى من الفريقين وكان مجموع القتلى يوم الجمل من الفريقين عشرة آلف. خمسة من هؤلاء وخمسة من هؤلاء رحمهم الله ورضي عن الصحابة منهم. وقد سأل بعض أصحاب علي علياً أن يقسم فيهم أموال أصحاب طلحة والزبير فأبى عليهم فطعن فيه السبئية وقالوا كيف يحل لنا دماؤهم ولا تحل لنا أموالهم؟ فبلغ ذلك علياً فقال أيكم يحب أن تصير أم المؤمنين في سهمه؟ فسكت القوم. ولما أرادت أم المؤمنين عائشة الخروج من البصرة بعث إليها علي - رضي الله عنه - بكل ما ينبغي من مركب وزاد ومتاع وغير ذلك وأذن لمن نجا ممن جاء في الجيش معها أن يرجع إلا أن يحب المقام واختار لها أربعين امرأة من نساء أهل البصرة المعروفات وسير معها أخاها محمد وسار معها علي مودعاً ومشيعاً أميالاً وسرح بنيه معها بقية ذلك اليوم وكان يوم السبت مستهل رجب سنة ست وثلاثين وقصدت في مسيرها ذلك إلى مكة فأقامت بها إلى أن حجت عامها ذلك ثم رجعت إلى المدينة - رضي الله عنه -) (¬1) وقعة صفين ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية (7- 232- 244) بتصرف

(روى الإمام أحمد عن ابن سيرين أنه قال: هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرات الألوف لم يحضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين , وقال الإمام أحمد حدثنا أمية بن خلد قال لشعبة إن أبا شيبة روى عن بن أبي ليلى قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلاً , فقال: كذب أبو شيبة والله لقد ذاكرنا الحكم في ذلك فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت , وقد قيل أنه شهدها من أهل بدر سبأ بن حنيف وكذا أبو أيوب الأنصاري قاله شيخنا العلامة ابن تيميه في كتاب الرد على الرافضة (¬1) ¬

_ (¬1) - قلت (إن سبب تسميتهم بهذا الاسم لأنهم طلبوا من زيد بن علي بن الحسين بن علي البراءة من أبى بكر وعمر فأبى فقالوا: إذًا نرفضك. فمن ذلك الوقت سُموا الرافضة. وسميت شيعته الزيدية) . انظر العبر في خبر من غبر ج1/ 114

وأما علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فإنه لما فرغ من وقعة الجمل ودخل البصرة وشيع أم المؤمنين عائشة لما أرادت الرجوع إلى مكة سار من البصرة إلى الكوفة فنزل في الرحبة وصلى في الجامع الأعظم ركعتين ثم خطب الناس فحثهم على الخير ونهاهم عن الشر , ثم بعث إلى جرير بن عبد الله وكان على همذان من زمن عثمان وإلى الأشعث بن قيس وهو على نيابة أذربيجان من زمن عثمان - رضي الله عنه - أن يأخذ البيعة على من هنالك من الرعايا ثم يقبلا إليه ففعلا ذلك. فلما أراد علي رضي الله عنه أن يبعث إلى معاوية - رضي الله عنه - يدعوه إلى بيعته قال جرير بن عبد الله أنا اذهب إليه يا أمير المؤمنين فإن بيني وبينه وداً , فآخذ لك البيعة منه وكتب معه كتاباً إلى معاوية يعلمه باجتماع المهاجرين والأنصار على بيعته. فلما انتهى إليه جرير بن عبد الله أعطاه الكتاب فطلب معاوية عمرو بن العاص ورؤوس أهل الشام فاستشارهم فأبوا أن يبايعوا حتى يقتل قتلة عثمان أو يسلم إليهم قتلة عثمان فرجع جرير إلى علي فأخبره بما قالوا , وخرج أمير المؤمنين علي بن أبي طالب من الكوفة عازماً على الدخول إلى الشام واستخلف على الكوفة أبا مسعود , وبلغ معاوية أن علياً قد خرج بنفسه فاستشار عمرو بن العاص فقال له: اخرج أنت أيضاً بنفسك وتهيأ أهل الشام وتأهبوا وخرجوا إلى نحو الفرات من ناحية صفين حيث يكون َمقدم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - فتلقاهم أبو الأعور عمرو بن سفيان السلمي في مقدمة أهل الشام فتوافقوا , ودعاهم زياد بن النضر أمير مقدمة أهل العراق إلى البيعة فلم يجيبوه بشيء فكتب إلى علي بذلك فبعث إليهم علي الأشتر النخعي أميراً وعلى ميمنته زياد وعلى ميسرته شريح , وأمره أن لا يتقدم إليهم بقتال حتى يبدءوه بالقتال ولكن ليدعُهم إلى البيعة مرة بعد مرة , فإن امتنعوا فلا يقاتلهم حتى يقاتلوه ولا يقرب منهم قرب من يريد الحرب ولا يبتعد منهم ابتعاد من يهاب الرجال

فلما كان صباح اليوم الثالث وبعد المناوشات التي حصلت في اليومين أقبل علي - رضي الله عنه -في جيوشه وجاء معاوية- رضي الله عنه - في جنوده فتواجه الفريقان وتقابلت الطائفتان فبالله المستعان.فتواقفوا طويلاً وذلك بمكان يقال له صفين وذلك في أوائل ذي الحجة ثم عدل علي - رضي الله عنه - فارتاد لجيشه منزلاً , وقد كان معاوية سبق بجيشه فنزلوا على مشرعة الماء في أسهل موضع وأفسحه فلما نزل علي نزل بعيداً من الماء وجاء سرعان أهل العراق ليردوا من الماء فمنعهم أهل الشام , فوقع بينهم مقاتلة بسبب ذلك. فعطش أصحاب علي عطشاً شديداً فبعث علي الأشعث بن قيس الكندي في جماعة ليصلوا إلى الماء فمنعهم أولئك وقالوا: موتوا عطشاً كما منعتم عثمان من الماء فتراموا بالنبل ساعة. ثم تطاعنوا بالرماح أخرى ثم تقاتلوا بالسيوف بعد ذلك كله، وأمد كل طائفة أهلها حتى جاء الأشتر النخعي من ناحية العراقيين وعمرو بن العاص من ناحية الشاميين، واشتدت الحرب بينهم أكثر مما كانت , ثم مازال أهل العراق يكشفون الشاميين عن الماء حتى أزاحوهم عنه وخلوا بينهم وبينه ثم اصطلحوا على الورود حتى صاروا يزدحمون لا يكلم أحد أحداً ولا يؤذي إنسان إنساناً وكان من أمراء علي على الحرب الأشتر النخعي وحجر بن عدي وشبيب بن ربعي وخالد بن المعتمر وزياد بن النضر وزياد بن حفصة وسعيد بن قيس، ومعقل بن قيس وقيس بن سعد، وكذلك كان معاوية يبعث على الحرب كل يوم أميراً فمن أمرائه عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والأعور السلمي وحبيب بن مسلم وذي الكلاع الحمير ي وعبيد الله بن عمر بن الخطاب،وشرحبيل بن السمط وحمزة بن مالك الهمداني وربما اقتتل الناس في اليوم مرتين وذلك في شهر ذي الحجة بكامله. وحج بالناس في هذه السنة عبد الله بن عباس عن أمر علي له بذلك. فلما انسلخ ذي الحجة ودخل المحرم تداعى الناس للمتاركة لعل الله يصلح بينهم على أمر يكون فيه حقن دمائهم قال ابن جرير رحمه

الله: ثم لم تزل الرسل تتردد بين علي ومعاوية والناس كافون عن القتال حتى انسلخ عن المحرم من هذه السنة ولم يقع بينهم صلح فأمر علي بن أبي طالب يزيد بن الحارث الجشمي فنادى أهل الشام عند غروب الشمس ألا إن أمير المؤمنين يقول لكم: إني قد استأنيتكم لتراجعوا الحق وأقمت عليكم الحجة فلم تجيبوا , وإني قد نبذت إليكم على سواء إن الله لا يحب الخائنين. ففزع أهل الشام إلى أمرائهم فاعلموهم بما سمعوا المنادي ينادي فنهض عند ذلك معاوية وعمرو بن العاص فعبيا الجيش ميمنة وميسرة وبات علي يعبي جيشه من ليلته فجعل على خيل أهل الكوفة الأشتر النخعي وعلى رجالاتهم عمار بن ياسر وعلى خيل أهل البصرة سهل بن حنيف وعلى رجالاتهم قيس بن سعد وهاشم بن عتبة وعلى قرائهم سعد بن فدكي التميمي وتقدم علي إلى الناس وأمرهم أن لا يبدءوا واحداً بالقتال حتى يبدأ أهل الشام وأنه لا يذفف جريح ولا يتبع مدبر ولا يكشف ستر امرأة ولا تهان، وإن شتمت أمراء الناس وصلحاءهم، وبرز معاوية صبح تلك الليلة وقد جعل على الميمنة ابن ذي الكلاع الحميري وعلى الميسرة حبيب بن مسلمة الفهري وعلى المقدمة أبو الأعور السلمي وعلى خيل دمشق عمرو بن العاص وعلى رجالاتهم الضحاك بن قيس والتقى الجيشان أول يوم صفر وكان ذلك يوم الأربعاء فاقتتلوا ذلك اليوم قتالاً شديداً ثم رجعوا من آخر يومهم وقد انتصف بعضهم من بعض وتكافئوا في القتال ثم أصبحوا من الغد يوم الخميس وأمير حرب أهل العراق هاشم بن عتبة وأمير الشاميين يومئذ أبو الأعور السلمي فاقتتلوا قتالاً شديداً تحمل الخيل على الخيل والرجال على الرجال ثم تراجعوا من آخر يومهم وقد صبر كل من الفريقين للآخر وتكافئوا ثم خرج في اليوم الثالث وهو يوم الجمعة عمار بن ياسر من ناحية أهل العراق وخرج إليه عمرو بن العاص في الشاميين فاقتتل الناس قتالاً شديداً وحمل عمار على عمرو بن العاص فأزاله عن موقفه وبارز زياد بن النضر الحارثي وكان

على الخيالة رجلاً فلما تواقفا تعارفا فإذا هما أخوان من أم فانصرف كل واحد منهما إلى قومه وترك صاحبه،وتراجع الناس من العشي وقد صبر كل فريق لصاحبه وخرج في اليوم الرابع وهو يوم السبت محمد بن علي وهو ابن الحنفية، ومعه جمع عظيم فخرج إليه في كثير من جهة الشاميين عبيد الله بن عمر فاقتتل الناس قتالاً شديداً وبرز عبيد الله بن عمر فطلب من ابن الحنفية أن يبرز إليه فبرز إليه فلما كادا أن يقتربا قال علي:من المبارز؟ قالوا محمد ابنك وعبيد الله , فيقال أن علياً حرك دابته وأمر ابنه أن يتوقف وتقدم إلى عبيد الله فقال له:تقدم إلي قال لهُ: لا حاجة لي في مبارزتك، فقال: بلى، فقال: لا! فرجع عنه علي وتحاجز الناس يومهم ذلك ثم خرج في اليوم الخامس وهو يوم الأحد في العراقيين عبد الله بن عباس وفي الشاميين الوليد بن عقبة واقتتل الناس قتالاً شديداً ويقال إن ابن العباس قاتل يومئذ قتالاً شديداً بنفسه - رضي الله عنه - ثم خرج في اليوم السادس , وهو يوم الاثنين. وعلى الناس من جهة العراقيين قيس بن سعد ومن جهة أهل الشام ابن ذي الكلاع فاقتتلوا قتالاً شديداً أيضاً وتصابروا ثم تراجعوا ثم خرج الأشتر النخعي في اليوم السابع وهو يوم الثلاثاء وخرج إليه قرنُهُ حبيب بن مسلمة فاقتتلوا قتالاً شديداً أيضاً ولم يغلب أحد أحداً في هذه الأيام كلها وقد ذكر علماء التاريخ وغيرهم أن علياً رضي الله عنه بارز في أيام صفين وقاتل وقتل خلقاً حق ذكر بعضهم أنه قتل خمسمائة فمن ذلك أن كريب بن الصباح قتل أربعة من أهل العراق ثم وضعهم تحت قدميه ثم نادى: هل من مبارز؟ فبرز إليه علي فتجاولا ساعة ثم ضربه علي فقتله ثم قال علي هل من مبارز فبرز إليه الحارث ابن وداعة الحميري فقتله، ثم برز إليه داود بن الحارث الكلاعي فقتله، ثم برز إليه المطاع بن المطلب القيسي فقتله , فتلا علي قوله تعالى "والحرمات قصاصٌ ". البقرة (194)

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي زياد قال: إني لأسير مع معاوية منصرفه من صفين بينه وبين عمرو بن العاص فقال عبد الله بن عمرو: يا أبتي أما سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول لعمار " ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية " قال: فقال عمرو لمعاوية: ألا تسمع ما يقول عبد الله هذا؟ فقال معاوية: يزال يأتينا بهنة بعد هنة أنحن قتلناه؟ إنما قتله الذين جاءوا به) (¬1) . وثبت في الصحيحين عن سهل بن حنيف أنه قال يوم صفين: " يأيها الناس اتهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتني يوم أبي جندل ولو أقدر لرددت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم - أمره، ووالله ما حملنا سيوفنا على عواتقنا منذ أسلمنا لأمر يقطعنا إلا أسهل بنا إلى أمر نعرفه غير أمرنا هذا فإنا لا نسد منه خصما إلا انفتح لنا غيره لا ندري كيف نبالي له" (¬2) ليلة الهر ير ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 7- 250 -267 بتصرف (¬2) -رواه البخاري في الجزية والمودعة 3181 ومسلم في الجهاد والسير 1785 نقلا عن حاشية بيومي 7- 264

يقول ابن كثير: (قال ابن جرير الطبري: وقد ذكر أن عماراً لما قتل قال علي لربيعه وهمدان: أنتم درعي ورمحي فانتدب له نحو اثنا عشر ألفاً وتقدمهم علي ببغلته فحمل وحملوا معه حملة رجل واحد وقتلوا كل من انتهوا إليه حتى بلغوا معاوية إلى أن قال ثم قدم على ابنه محمداً في عصابة كثيرة من الناس فقاتلوه قتالاً شديداً ثم تبعه في عصابة أخرى فحمل بهم فقتل في هذا الموطن خلق كثير من الفريقين لا يعلمهم إلا الله وقتل من العراقيين خلق كثير أيضاً وطارت أكف ومعاصم ورؤوس عن كواهلها. رحمهم الله , ثم حانت صلاة المغرب فما صلى بالناس إلا إماء صلاتي العشاء واستمر القتال في هذه الليلة كلها وهي من أعظم الليالي شراً بين المسلمين وتسمى هذه الليلة ليلة الهر ير وكانت ليلة الجمعة، تقصفت الرماح ونفذت النبال وصار الناس إلى السيوف وعلي رضي الله عنه يحرض القبائل ويتقدم إليهم يأمر بالصبر والثبات وهو أمام الناس في قلب الجيش وعلى الميمنة الأشتر تولاها بعد قتل عبد الله بن بديل عشية الخميس ليلة الجمعة. وعلى المسيرة ابن عباس والناس يقتتلون من كل جانب فذكر غير واحد من علمائنا علماء السير أنهم اقتتلوا بالرماح حتى تقصفت وبالنبال حتى فنيت وبالسيوف حتى تحطمت ثم صاروا إلى أن تقاتلوا بالأيدي والرمي بالحجارة والتراب في الوجوه وتعاضوا بالأسنان يقتتل الرجلان حتى يثخنا ثم يجلسان يستريحان وكل واحد منهم يهمر على الأخر ويهمر عليه ثم يقومان فيقتتلان كما كانا فإنا لله وإنا إليه راجعون ولم يزل ذلك دأبهم حتى أصبح الناس من يوم الجمعة وهم كذلك وصلى الناس الصبح إيماء وهم في القتال حتى تضاحي النهار وتوجه النصر لأهل العراق على أهل الشام فعند ذلك رفع أهل الشام المصاحف فوق الرماح وقالوا: هذا بيننا وبينكم قد فني الناس فمن للثغور؟ ومن لجهاد المشركين والكفار) (¬1) رفع أهل الشام المصاحف ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (7/ 269) بتصرف

(فلما رفعت المصاحف قال أهل العراق: نجيب إلى كتاب الله وننيب إليه. ويروى أن علياً قال: عباد الله أمضوا إلى حقكم وصدقكم وقتال عدوكم فقال له مسعر بن فدكي التميمي وزيد بن حصين الطائي في عصابة معهم من القراء الذين صاروا بعد ذلك خوارج: يا علي أجب كتاب الله إذ دعُيت إليه وإلا دفعناك برمتك إلى القوم أو نفعل بك ما فعلنا بابن عفان فقال علي، فإن تطيعوني فقاتلوا، وإن تعصوني فاصنعوا ما بدا لكم , قالوا: فابعث إلى الأشتر فليأتك ويكف عن القتال فبعث إليه علي ليكف عن القتال، فأقبل الأشتر إلى علي وترك القتال فقال: يا أهل العراق يا أهل الذل والوهن أحين علوتم القوم وضنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها وقد والله تركوا ما أمر الله به فيها , وسنة من أنزلت عليه. فلا تجيبوهم أمهلوني فإني قد أحسست بالفتح , قالوا: لا قال: أمهلوني عدو الفرس فإني قد طمعت في النصر، قالوا إذاً ندخل معك خطيئتك. ثم أخذ الأشتر يناظر أولئك القراء الداعين إلى إجابة أهل الشام بما حاصله: إن كان أول قتالكم هؤلاء حقاً فاستمروا عليه , وإن كان باطلاً فاشهدوا لقتلاكم بالنار فقالوا: دعنا منك فإنا لا نطيعك ولا صاحبك أبداً , ونحن قاتلنا هؤلاء في الله، وتركنا قتلهم لله، فقال لهم الأشتر:خُدعتم والله فانخدعتم , ودعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم. يا أصحاب السوء كنا نضن صلاتكم زهادة الدنيا وشوقاً إلى لقاء الله. فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت، يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم بربانيين بعدها، فابعدوا كما بعدوا القوم الظالمون، فسبوه وسبهم فضربوا وجه دابته بسياطهم وجرت بينهم أمور طويلة ورغب أكثر الناس من العراقيين وأهل الشام بكمالهم إلى المصالحة والمسالمة مدة لعله يتفق أمر يكون فيه حقن لدماء المسلمين فإن الناس تفانوا في هذه المدة ولا سيما في هذه الثلاثة الأيام المتأخرة إلى آخر أمرها ليلة الجمعة وهي ليلة

الهر ير. كل من الجيشين فيه من الشجاعة والصبر ما ليس يوجد في الدنيا مثله، ولهذا لم يفر أحد عن أحد , بل صبروا حتى قتل من الفريقين فيما ذكره غير واحد سبعون ألفاً. خمسة وأربعون من أهل الشام وخمسة وعشرون من أهل العراق , واختلفا في مدة المقام بصفين فقال سيف بن عمر سبعة أشهر أو تسعة أشهر وقيل أقل من ذلك والله أعلم وقال الزهري: بلغني أنه كان يدفن في القبر الواحد خمسون نفساً، ويقول ابن كثير هذا كلهُ ملخص من كلام ابن جرير، وابن الجوزي في المنتظم وقال عبد الرحمن بن زياد بن أنعم. وذكر أهل صفين فقال: كانوا عرباً يعرف بعضهم بعضاً في الجاهلية فالتقوا في الإسلام معهم على الحمية وسنة الإسلام فتصابروا واستحيوا من الفرار وكانوا إذا تحاجزوا دخل هؤلاء في عسكر هؤلاء فيستخرجون قتلاهم فيدفنوهم. وقال الشعبي: هم أهل الجنة. لقي بعضهم بعضاً فلم يفر أحد من أحد) (¬1) قصة التحكيم قال القاضي أبو بكر ابن العربي: قاصمة التحكيم (وقد تحكم الناس في التحكيم فقالوا فيه ما لا يرضاه الله وإذا لاحظتموه بعين المروءة دون الديانة. رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدمُ الدين وفي الأقل جهلٌ متين. والذي يصح من ذلك ما روى الأئمة كخليفة بن خياط (¬2) ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (7/ 270-275) بتصرف (¬2) -هو الإمام أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري، أحد أوعية العلم، ومن شيوخ الإمام البخاري. قال عنه ابن عدي: هو صدوق مستقيم الحديث من متيقظي رواة السنة توفي سنة 240هـ. نقلاً عن حاشية محب الدين

والدار ُقطني أنه لما خرج الطائفة العراقية مائة ألف والشامية في سبعين ألفاً أو تسعين ألفاً ونزلوا على الفرات بصفين واقتتلوا في أول يوم وهو الثلاثاء على الماء فغلب أهل العراق عليه. ثم التقوا يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر سنة سبع وثلاثين ويوم الخميس ويوم الجمعة وليلة السبت ورفعت المصاحف من أهل الشام ودعوا إلى الصلح وتفرقوا على أن تجعل كل طائفة أمرها إلى رجل حتى يكون الرجلان يحكمان بين الدعويين بالحق فكان من جهة علي أبو موسى الأشعري، ومن جهة معاوية عمرو بن العاص وكان أبو موسى رجلاً تقياً ثقفاً فقيهاً عالماً حسبما بيناه في كتاب " سراج المريدين " أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم -إلى اليمن مع مُعاذ وقدمه عمر وأثنى عليه بالفهم وزعمت الطائفة التاريخية الركيكة أنه كان أبله ضعيف الرأي مخدوعاً في القول، وأن ابن العاص كان ذا دهاء وأرب حتى ضربت الأمثال بدهائه تأكيداً لما أرادت من الفساد.اتبع في ذلك بعض الجهال بعضاً وصنفوا فيه حكايات، وغيره من الصحابة وكان أحذق منه وأدهى، وإنما بنوا ذلك على أن عمراً لما غدر أبا موسى في قصة التحكيم صار له الذكر في الدهاء والمكر.وقالوا. [يقصد الطائفة التاريخية الركيكة} :إنهما لما اجتمعا بأذرُح من دومه الجندل وتفاوضا اتفقا على أن يخلعا الرجلين فقال عمرو لأبي موسى: اسبق بالقول فتقدم فقال: إني نظرتُ فخلعت علياً عن الأمر وينظر المسلمون لأنفسهم كما خلعت سيفي هذا من عنقي أو من - عاتقي - وأخرجه من عنقه فوضعه في الأرض. وقام عمرو فوضع سيفه في الأرض وقال: إني نظرت فأثبت معاوية في الأمر كما أثبت سيفي هذا في عاتقي وتقلده. فأنكر أبو موسى فقال عمرو , كذلك اتفقنا وتفرق الجمع على ذلك من الاختلاف..

قال القاضي أبو بكر ابن العربي: هذا كله كذب صراح ما جرى منه حرف قط وإنما هو شيء أخبر عنه المبتدعة ووضعته التاريخية للملوك فتوارثه أهلُ المجانة والجهارة بمعاصي الله والبدع وإنما الذي روى الأئمة الثقاة الإثبات أنهما لما اجتمعا للنظر في الأمر في عُصبة كريمة من الناس منهم ابن عمر ونحوه , وعزل عمرو معاوية , وذكر الدارقطني بسنده إلى حضين بن المنذر لما عزل عمرو معاوية جاء [ابن حضين بن المنذر] فضرب فسطا طه قريباً من فسطاط معاوية فبلغ نبؤه معاوية فأرسل إليه فقال إنه بلغني عن هذا [أي عمرو] كذا وكذا (¬1) فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه , فأتيته فقلت اخبرني عن هذا الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا ,ووالله ما كان الأمر على ما قالوا (¬2) ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين توفي رسول - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يُستعن بكما ففيكما معُونة وإن يُستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما.....إلى أن قال ابن العربي: فهذا كان بدءُ الحديث ومنتهاه: فاعرضوا عن الغاوين، وازجروا العاوين وعرجوا عن سبيل الناكثين، إلى سنن المهتدين، وأمسكوا الألسنة عن السابقين إلى الدين، وإياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقد هلك من كان أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - خصمه. ودعوا ما مضى، فقد قضى الله ما قضى، وخذوا لأنفسكم الجد فيما يلزمكم اعتقاداً وعملاً ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل ناعق اتخذ الدين هملاً، فإن الله لا يضيعُ أجر من أحسن عملاً. ورحم الله الربيع بن خثيم ت 64 هـ. فإنه ¬

_ (¬1) - أي عزله علياً ومعاوية وتفويضه الأمر إلى كبار الصحابة (¬2) -- أي أنهما لم يعزلا ولم يوليا ولكن تركا الأمر لأعيان الصحابة

لما قيل له: قتل الحُسين قال اقتلوه؟ قالوا: نعم فقال " اللهم فاطر السماوات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون " الزمر الآية 46 ولم يزد على هذا أبداً. فهذا العقل والدين، والكف عن أحوال المسلمين والتسليم لرب العالمين) (¬1) خروج الخوارج (وذلك أن الأشعث بن قيس مر على ملأ من بني تميم فقام إليه عروة بن جرير فقال: أتحكمون في دين الله الرجال؟ وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب على من القراء وقالوا: لا حكم إلا لله فسموا المحكمية، وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين وخرج معاوية إلى دمشق بأصحابه ورجع علي إلى الكوفة ولما كان قد قارب دخول الكوفة اعتزل من جيشه قريب من - اثنى عشر ألفاً - وهم الخوارج وأبوا أن يساكنوه في بلده، ونزلوا بمكان يقال له حر وراء وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها فبعث إليهم علي - رضي الله عنه -عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه والمقصود أن هؤلاء الخوارج هم المشار إليهم في الحديث الصحيح عن أبي سعيد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق) رواه مسلم برقم 1065 والحديث لهُ عدة طرق ذكرها ابن كثير في البداية والنهاية. وهذا الحديث من دلائل النبوة إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام وفيه الحكم بإسلام الطائفتين أهل الشام وأهل العراق، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام، من تكفيرهم أهل الشام وفيه أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن علياً هو المصيب وإن كان معاوية مجتهداً وهو مأجور إن شاء الله) (¬2) خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم علياً ¬

_ (¬1) - العواصم من القواصم ص 172-180 بتصرف (¬2) -البداية والنهاية 7-275-276 بتصرف

(لما بعث علي أبا موسى ومن معه من الجيش إلى دومه الجندل أشتد أمر الخوارج وبالغوا في النكير على علي وصرحوا بكفره، وتعرضوا لعلي في خطبه واسمعوه السب والشتم والتعريض بآيات من القرآن , وذلك أن علياً قام خطيباً في بعض الجُمع فذكر أمر الخوارج فذمه وعابه. فقام جماعة منهم كل يقول لا حكم إلا لله. وقام رجل منهم وهو واضع إصبعه في أذنيه يقول: " ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين " الزمر65- وروي أن علياً لما بعث أبا موسى لإنفاذ الحكومة اجتمع الخوارج في منزل عبد الله بن وهب الراسبي فخطبهم خطبة بليغة زهدهم في هذه الدنيا ورغبهم في الآخرة والجنة وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ثم قال: فاخرجوا بنا إخواننا من هذه القرية الظالم أهلها إلى جانب هذا السواد إلى بعض كور الجبال أو بعض هذه المدائن منكرين لهذه الأحكام الجائرة. ثم قام حرقوص بن زهير فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إن المتاع بهذه الدنيا قليل،وإن الفراق لها وشيك،فلا يدعونكم زينتها أو بهجتها إلى المقام بها، ولا تلتفت بكم عن طلب الحق وإنكار الظلم "إن الله مع الذين اتقوا والذين هم مُحسنون " النحل 128/ فقال سنان بن حمزة الأسدي: يا قوم إن الرأي ما رأيتم وإن الحق ما ذكرتم فولوا أمركم رجلاً منكم فإنه لابد لكم من عماد وسناد ومن راية تحفون بها وترجعون إليها فبعثوا إلى عبد الله بن وهب الراسبي وعرضوا عليه الإمارة فقبلها وقال: أما والله لا أقبلها رغبة في الدنيا ولا أدعها فرقاً من الموت، واجتمعوا أيضاً في بيت زيد بن حصن الطائي فخطبهم وحثهم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،وتلا عليهم آيات من القرآن الكريم منها قوله تعالى " ياداودُ إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله " ص.26

وقوله تعالى " ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون " المائدة 44- ثم بكى رجل منهم يقال لهُ عبد الله بن سخبرة السلمي، ثم حرض أولئك على الخروج على الناس،وقال في كلامه: اضربوا وجوههم وجباههم بالسيوف حتى يطاع الرحمن الرحيم، فإن أنتم ظفرتم وأطيع الله كما أردتم أثابكم ثواب المطيعين لهُ العاملين بأمره.وإن قتلتم فأي شيء أفضل من المصير إلى رضوان الله وجنته؟ ثم يعلق ابن كثير على هذه الرواية فيقول " قلت: وهذا الضرب من الناس من أغرب أشكال بني آدم فسبحان من نوع خلقه كما أراد، وسبق في قدره العظيم، وما أحسن ما قال بعض السلف في الخوارج إنهم المذكورون في قوله تعالى {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا} والمقصود أن هؤلاء الجهلة الضلال والأشقياء في الأقوال والأفعال اجتمع رأيهم على الخروج من بين أظهر المسلمين..واجتمع الجميع بالنهروان وصارت لهم شوكة ومنعة وهم جند مستقلون وفيهم شجاعة وعندهم أنهم متقربون بذلك. فهم لا يصطلى لهم بنار، ولا يطمع في أن يؤخذ منهم بثأر، وبالله المستعان "ثم بلغ علياً أن الخوارج قد عاثوا في الأرض فساداً وسفكوا الدماء وقطعوا السبل واستحلوا المحارم، وكان من جملة من قتلوه عبد الله بن خباب صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أسروه وامرأته معه وهي حامل فاقتادوه بيده فبينما هو يسير معهم إذ سقطت تمرة من نخلة فأخذها أحدهم فألقاها في فمه فقال له آخر: بغير إذن ولا ثمن؟ فألقاها ذاك من فمه، ومع هذا قدموا عبد الله بن خباب فذبحوه، وجاءوا إلى امرأته فقالت: إني امرأة حبلى، ألا تتقون الله، فذبحوها وبقروا بطنها عن ولدها، فلما بلغ الناس هذا من صنيعهم خافوا إن هم ذهبوا إلى الشام واشتغلوا بقتال أهله أن يخلفهم هؤلاء في ذراريهم

وديارهم بهذا الصنع، فأرسل علي إلى الخوارج رسولاً من جهته وهو الحرب بن مرة العبدي فقال: أخبرلي خبرهم، واعلم لي أمرهم واكتب إلى به على الجلية فلما قدم عليهم قتلوه ولم ينظروه فلما بلغ ذلك علياً عزم على الذهاب إليهم أولاً قبل أهل الشام) (¬1) . مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج (بعث علي إلى الخوارج: أن ادفعوا إلينا قتلة إخواننا منكم حتى أقتلهم ثم أنا تارككم وذاهب إلى العرب يعني أهل الشام فبعثوا إلى علي يقولون: كلنا قتل إخوانكم ونحن مستحلون دماءكم فتقدم إليهم قيس بن سعد بن عبادة فوعظهم فيما ارتكبوا من الأمر العظيم والخطب الجسيم فلم ينفع فيهم. وكذلك أبو أيوب الأنصاري وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب فلم يكن لهم جواب إلا أن تنادوا فيما بينهم أن لا تخاطبوهم ولا تكلموهم وتهيؤا للقاء الرب عز وجل والرواح الرواح إلى الجنة وتقدموا فاصطفوا للقتال وتأهبوا للنزال فأمر علي أبا أيوب الأنصاري أن يرفع راية الأمان للخوارج ويقول لهم: من جاء إلى هذه الراية فهو آمن، ومن انصرف إلى الكوفة والمدائن فهو آمن فانصرف منهم طوائف كثيرون. وكانوا أربعة آلاف فلم يبق منهم إلا ألف أو أقل مع عبد الله بن وهب الراسبي فزحفوا إلى علي فقدم علي بين يديه الخيل وقال لأصحابه: كفوا عنهم حتى يبدءوكم , وأقبلت الخوارج يقولون لا حكم إلا لله، والرواح الرواح إلى الجنة فحملوا على الخيالة الذين قدمهم علي ففرقوهم حتى أخذت طائفة من الخيالة إلى الميمنة وأخرى إلى الميسرة فاستغلبهم الرماة بالنبل ونهض إليهم الرجال بالرماح والسيوف فأناموا الخوارج فصاروا صرعى تحت سنابك الخيول وقتل أمراؤهم عبد الله بن وهب , وحرقوص بن زهير , وشريح بن أوفي , وعبد الله بن سخبرة السلمي قبحهم الله. ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية 7 /281- 285 بتصرف

ولما أقبل أهل النهروان جعل الناس يقولون: الحمد لله يا أمير المؤمنين الذي قطع دابرهم فقال علي: كلا والله إنهم لفي أصلاب الرجال وأرحام النساء، وقال الهيثم بن عدي عن علقمة بن عامر قال: سئل علي عن أهل النهروان أمشركون هم؟ قال: من الشرك فروا قيل أفمنافقون؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً فقيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم علينا فهذا ما أورده ابن جرير الطبري وغيره في هذا المقام) (¬1) . بعض الأحاديث النبوية الواردة في الخوارج الأحاديث الواردة في صفات الخوارج وذمهم كثيرة جداً كما ذكرها ابن كثير في تاريخه ونظراً لأن المجال لا يتسع لذكرها اقتصر على ذكر ثلاثة أحاديث منها وهي: (1 - قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع حدثنا الأعمش وعبد الرحمن عن سفيان عن الأعمش بن خيثمة عن سويد بن غفلة قال: قال علي: إذا حدثتكم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلئن أخرّ من السماء أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يقول: "يخرج قوم من أمتي في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم " قال عبد الرحمن لا يجاوز إيمانهم حناجرهم " يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً لمن قاتلهم عند الله يوم القيامة " وأخرجاه في الصحيحين من طرق عن الأعمش. ¬

_ (¬1) -المصدر السابق ص285-287 بتصرف

2- الحديث الثاني عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يخرج قوم في آخر الزمان سفهاء الأحلام , أحداث أو حدثاء الأسنان يقولون من خير قول الناس يقرأون القرآن بألسنتهم لا يعدوا تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية فمن أدركهم فليقتلهم فإن في قتلهم أجراً عظيماً عند الله لمن قتلهم , قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح. 3- الحديث الثالث روى أحمد عن جابر بن عبد الله قال: لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غنائم هوازن بالجعرانة قام رجل من بني تميم فقال: اعدل يا محمد فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -ويلك ومن يعدل إن لم أعدل لقد خبت وخسرت إن لم أعدل قال: فقال عمر: يا رسول الله ألا أقوم فأقتل هذا المنافق؟ قال: " معاذ الله أن يتسامع الأمم أن محمداً يقتل أصحابه " ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن هذا وأصحاباً له يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية) (¬1) صفة مقتل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) - المصدر السابق 7-287-294 بتصرف

(عن ابن جرير الطبري وغير واحد من علماء التاريخ والسير أن ثلاثة من الخوارج وهم عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم الحميري، والبرك ابن عبد الله التميمي، وعمرو بن بكر التميمي، اجتمعوا فتذاكروا قتل علي إخوانهم من أهل النهروان فترحموا عليهم , وقالوا: ماذا نصنع بالبقاء بعدهم؟ كانوا لا يخافون في الله لومه لائم. فلو شرينا أنفسنا فأتينا أئمة الضلال فقتلناهم فأرحنا منهم البلاد وأخذنا منهم ثأر إخواننا؟ فقال ابن ملجم: أما أنا فأكفيكم علي بن أبي طالب وقال البرك وأنا أكفيكم معاوية وقال عمرو بن بكر: وأنا أكفيكم عمرو بن العاص. فتعاهدوا وتواثقوا أن لا ينكص رجل منهم عن صاحبه حتى يقتله أو يموت دونه فأخذوا أسيافهم فسموها واتعدوا السبع عشر من رمضان , فأما ابن ملجم فسار إلى الكوفة فدخلها وكتم أمره حتى عن أصحابه من الخوارج الذين هم بها , فبينما هو جالس في قوم من بني تيم الرباب يتذاكرون قتلاهم يوم النهروان إذ أقبلت امرأة منهم يقال لها: قطام بنت الشنجة , وقد قتل علي يوم النهروان أباها وأخاها وكانت فائقة الجمال مشهورة به وكانت قد انقطعت في المسجد الجامع تتعبد فيه فلما رآها ابن ملجم سلبت عقله وخطبها إلى نفسه فاشترطت عليه ثلاثة آلاف درهم وخادماً وقينه وأن يقتل لها علي بن أبي طالب قال: فهو لك ووالله ما جاء بي إلى هذه البلدة إلا قتل علي فتزوجها ودخل بها ثم شرعت تحرضه على ذلك وندبت له رجل من قومها يقال له وردان واستمال ابن ملجم قبحه الله رجلاً يقال له: شبيب بن نجدة الأشجعي الحروري ودخل شهر رمضان فواعدهم ابن ملجم ليلة الجمعة لسبع عشرة ليلة خلت وقال: هذه الليلة التي واعدت أصحابي فيها أن يثأروا بمعاوية وعمرو بن العاص فجاء هؤلاء الثلاثة وهم ابن ملجم ووردان وشبيب وهم مشتملين على سيوفهم فجلسوا مقابل السدة التي يخرج منها علي فلما خرج جعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة ويقول الصلاة الصلاة عباد

الله فثار إليه شبيب بالسيف فضربه فوقع في الطاق فضربه ابن ملجم بالسيف على قرنه فسال دمه على لحيته - رضي الله عنه - ولما ضربه ابن ملجم قال: لا حكم إلا لله ليس لك يا علي ولا لأصحابك وجعل يتلو قوله تعالى:" ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد " [البقرة: 207] ونادى علي: عليكم به وهرب وردان فأدركه رجل من حضرموت فقتله وذهب شبيب فنجا بنفسه ومسك ابن ملجم وقدم علي جُعده بن هُبيرة بن أبي وهب فصلى بالناس صلاة الفجر وحمل علي إلى منزله وحمل إليه عبد الرحمن ابن ملجم فأوقف بين يديه وهو مكتوف - قبحه الله - فقال له: أي عدو الله ألم أحسن إليك؟ قال: بلى , ثم قال علي: إن متُ فاقتلوه وإن عشتُ فأنا أعلم كيف أصنع به , فقال جندب بن عبد الله: يا أمير المؤمنين إن متَ نبايع الحسن؟ فقال: لا أمركم ولا أنهاكم أنتم أبصر ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله ولا يتلفظ بغيرها. وقد قيل إن آخر ما تكلم به " فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره" [الزلزلة: 7, 8] . وأما صاحب معاوية - وهو البرك - فإنه حمل عليه وهو خارج إلى صلاة الفجر في هذا اليوم فضربه بالسيف وقيل بخنجر مسموم فجاءت الضربة في وركه ومسك الخارجي فقتل وجاء الطبيب فقال لمعاوية: إن جرحك مسموم فإما أن أكويك وإما أن أسقيك شربة فيذهب السم ولكن ينقطع نسلك فقال معاوية: أما النار فلا طاقة لي بها , وأما النسل ففي يزيد وعبد الله ما تقر به عيني فسقاه شربة فبرأ من ألمه وجراحه وانقطع نسله وسلم - رضي الله عنه - ومن يومئذ عملت المقصورة في المسجد الجامع وجعل الحرس حولها في حال السجود فكان أول من اتخذها معاوية لهذه الحادثة.

وأما صاحب عمرو بن العاص وهو - عمرو بن بكر - فإنه كمن له ليخرج إلى الصلاة فاتفق أن عرض لعمرو بن العاص مغص شديد في ذلك اليوم فلم يخرج إلا نائبه للصلاة وهو خارجة بن أبي حبيبة من بني عامر ابن لؤي وكان على شرطة عمرو بن العاص فحمل عليه الخارجي فقتله وهو يعتقده عمرو بن العاص , فلما أخذ الخراجي قال: أردت عمراً وأراد الله خارجة , فأرسلها مثلاً , وقتل قبحه الله. وعن جعفر بن محمد الصادق قال: صُلَّى عَلَى علِيَّ ليلاً ودفن بالكوفة وعمي موضع قبره , ولكنه عند قصر الإمارة وقال ابن الكلبي (¬1) ¬

_ (¬1) - تنبيه. الكلبي قال: عنه ابن تيميه في منهاج السنة 5/82-83 أثناء رده على أحد الروافض يقول شيخ الإسلام (......يرويها الكذابون المعروفون بالكذب مثل أبي مخنف لوط بن يحيى ومثل هشام بن محمد بن السائب الكلبي وأمثالهما من الكذابين ولهذا استشهد هذا الرافضي بما صنفه هشام الكلبي في ذلك وهو من أكذب الناس وهو شيعي يروي عن أبيه وعن أبي مخنف وكلاهما متروك كذاب وقال الإمام أحمد في هذا الكلبي ما ظننت أن أحدا يحدث عنه إنما هو صاحب سمر وشبه وقال الدارقطني هو متروك وقال ابن عدي هشام الكلبي الغالب عليه الأسمار ولا أعرف له في المسند شيئا وأبوه أيضا كذاب وقال زائدة والليث وسليمان التيمي هو كذاب وقال يحيى ليس بشيء كذاب ساقط وقال ابن حبان وضوح الكذب فيه أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه) وما نقلت عنه هذا المقطع القصير الذي جعلتهُ بين قوسين حتى وجدت الخطيب البغدادي يقول " باب التشدد في أحاديث الأحكام والتجاوز في فضائل الأعمال " ثم روى بسنده إلى الإمام احمد بن حنبل -يرحمه الله- أنه قال: إذا روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلال والحرام والسنن والأحكام تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضائل الأعمال وما لا يضع حكماً ولا يرفعه تساهلنا في الأسانيد" ارجع إلى كتاب (الكفاية في علم الرواية ص212-223) .

خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب

: (شهد دفنه في الليل الحسن والحسين وابن الحنفية وعبد الله بن جعفر وغيرهم من أهل بيتهم فدفنوه في ظاهر الكوفة وعموا قبره خيفة عليه من الخوارج وغيرهم) . وحاصل الأمر أن علياً قتل يوم الجمعة سحراً وذلك لسبع عشرة خلت من رمضان من سنة أربعين ودفن بالكوفة على ثلاث وستين سنة - رضي الله عنه - وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر فلما مات علي - رضي الله عنه - استدعى الحسن ابن ملجم فقال له ابن ملجم: إني أعرض عليك خصلة قال: وما هي؟ قال إني كنت عاهدت الله عند الحطيم أن أقتل علياً ومعاوية أو أموت دونهما فإن خليتني ذهبت إلى معاوية على أني إن لم أقتله أو قتلته وبقيت فلله علي أن أرجع إليك حتى أضع يدي في يدك فقال له الحسن: كلا والله حتى تعاين النار ثم قدمه فقتله وقد قيل: إن عبد الله بن جعفر قطع يده ورجله وكحلت عيناه وهو مع ذلك يقرأ سورة [اقرأ باسم ربك الذي خلق] إلى أخرها ثم جاءوا ليقطعوا لسانه فجزع وقال: إني أخشى أن تمر علي ساعة لا أذكر الله فيها ثم قطعوا لسانه ثم قتلوه) (¬1) الباب الثالث خلافة الحسن بن علي بن أبي طالب ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (7 / 325 - 329) بتصرف

يقول ابن كثير: (إن علياً - رضي الله عنه - لما ضربه ابن ملجم قالوا له: استخلف يا أمير المؤمنين فقال: لا لكن أدعكم كما ترككم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يعني بغير استخلاف. فإن يرد الله بكم خيراً يجمعكم كما جمعكم على خيركم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما توفي وصلى عليه ابنه الحسن.لأنه أكبر بنيه - رضي الله عنهم - ودفن بدار الإمارة على الصحيح من أقوال الناس فلما فرغ من شأنه كان أول من تقدم إلى الحسن بن علي - رضي الله عنه - قيس بن سعد بن عبادة فقال له: ابسط يدك أبايعك على كتاب الله وسنة نبيه فسكت الحسن فبايعه ثم بايعه الناس بعده، وكان قيس بن سعد على إمرة أذربيجان تحت يده أربعون ألف مقاتل قد بايعوا علياً على الموت فلما مات علي ألح قيس بن سعد على الحسن في النفير لقتال أهل الشام، فعزل قيساً عن إمرة أذربيجان، وولى عبيد الله بن عباس عليها , ولم يكن في نية الحسن أن يقاتل أحداً، ولكن غلبوه على رأيه، فاجتمعوا اجتماعاً عظيماً لم يسمع بمثله ,فأمر الحسن بن علي قيس بن سعد بن عبادة على المقدمة في اثنى عشر ألفاً بين يديه، وسار هو بالجيوش في أثره قاصداً بلاد الشام، ليقاتل معاوية وأهل الشام فلما اجتاز بالمدائن إذ صرخ في الناس صارخ: ألا إن قيس بن سعد بن عبادة قد قتل، فثار الناس فانتهبوا أمتعة بعضهم بعضاً حتى انتهبوا سرادق الحسن، حتى نازعوه بساطاً كان جالساً عليه،وطعنه بعضهم فكرههم الحسن كراهية شديدة، وركب فدخل القصر الأبيض من المدائن فنزله وهو جريح، وكان عامله على المدائن سعد بن مسعود الثقفي، فلما استقر الجيش بالقصر , قال المختار بن أبي عبيد قبحه الله لعمه سعد بن مسعود: هل لك في الشرف والغني؟ قال: ماذا؟ قال تأخذ الحسن بن علي فتقيده وتبعثه إلى معاوية فقال له عمه: قبحكم الله وقبح ما جئت به، أغدر بابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولما رأى الحسن بن علي تفرق

جيشه عليه مقتهم وكتب عند ذلك إلى معاوية بن أبي سفيان- فبعث إليه معاوية عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة، فقدما عليه الكوفة فبذلا له ما أراد من الأموال فاشترط أن يأخذ من بيت مال الكوفة خمسة آلاف درهم وأن يكون خراج دار أبجرد له وأن لا يُسب علي وهو يسمع فإذا فعل ذلك نزل عن الإمرة لمعاوية ويحقن الدماء بين المسلمين فاصطلحوا على ذلك واجتمعت الكلمة على معاوية، وقد لام الحسين لأخيه الحسن على هذا الرأي فلم يقبل منه والصواب مع الحسن - رضي الله عنه - والمشهور أن مبايعة الحسن كانت في سنة أربعين ولهذا يقال له عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على معاوية والمشهور عند ابن جرير وغيره من علماء السير أن ذلك كان في أوائل سنة إحدى وأربعين وقال ابن جرير في هذه السنة (يعني سنة إحدى وأربعين) سلّم الحسن بن علي الأمر لمعاوية بن أبي سفيان. ثم روى عن الزهري أنه قال: لما بايع أهل العراق الحسن بن علي طفق يشترط عليهم أنهم سامعون مطيعون مسالمون من سالمت محاربون من حاربت فارتاب به أهل العراق وقالوا: ما هذا لكم بصاحب فازداد لهم بغضاً وازداد منهم ذعراً. فعند ذلك عرف تفرقهم واختلافهم عليه وكتب إلى معاوية يسالمه ويراسله في الصلح بينه وبينه على ما يختاران , وروى البخاري في كتاب الصلح عن أبي موسى قال: قال الحسن: ولقد سمعت أبا بكرة يقول: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه مرة أخرى ويقول "إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين " قال البخاري: قال لي علي بن المديني: إنما ثبت عندنا سماع الحسن من أبي بكرة بهذا الحديث (¬1) . ¬

_ (¬1) البخاري في كتاب الصلح برقم 2704 نقلا عن حاشية محمد بيومي

وروى الحافظ الخطيب البغدادي: حدثنا بن جعفر محمد بن أحمد بن إبراهيم الحكمي حدثنا عباس بن محمد حدثنا أسود بن عامر حدثنا زهير بن معاوية حدثنا أبو روق الهمداني حدثنا أبو العريف قال: كنا في مقدمة الحسن بن علي اثنا عشر ألفاً بمسكن مستميتين من الجد على قتال أهل الشام، وعلينا أبو الغمر طه فلما جاءنا بصلح الحسن بن علي كأنما كسرت ظهورنا من الغيظ، فلما قدم الحسن بن علي على الكوفة قال له رجل منا يقال له: أبو عامر سعيد بن النتل: السلام عليك يا مذل المؤمنين فقال: لا تقل هذا يا عامر. لست بمذل المؤمنين ولكني كرهت أن أقتلهم على الملك، ولما تسلم معاوية البلاد ودخل الكوفة وخطب بها واجتمعت عليه الكلمة في سائر الأقاليم والآفاق، ورجع إليه قيس بن سعد وقد كان عزم على الشقاق وحصل على بيعة معاوية عامئذ الإجماع والاتفاق، ترحل الحسن بن علي ومعه إخوه الحسين وبقية أخوتهم وابن عمهم عبد الله بن جعفر من أرض العراق إلى أرض المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وجعل كلما مر بحي من شيعتهم يبكتونه (¬1) على ما صنع من نزوله عن الأمر لمعاوية، وهو في ذلك هو البار الراشد الممدوح وليس يجد في صدره حرجاً ولا تلوماً ولا ندماً بل هو راضٍ بذلك مستبشر به، وإن كان قد ساء هذا خلقاً من ذويه وأهله وشيعتهم، - رضي الله عنه - وأرضاه وجعل جنات الفردوس متقلبه ومثواه) (¬2) . فضل معاوية بن أبي سفيان ¬

_ (¬1) يبكتونه: يقرعونه. القاموس. (¬2) البداية والنهاية (8/ 381-386) وأنظر الكامل في التاريخ 3/85-87 بتصرف

يقول ابن كثير: (هو معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي أبو عبد الرحمن القرشي الأموي خال المؤمنين وكاتب وحي رب العالمين أسلم هو وأبوه وأمه هند بنت عتبة بن ربيعه بن عبد شمس يوم الفتح وقد روى عن معاوية أنه قال: أسلمت يوم عمرة القضاء ولكني كتمت إسلامي من أبي إلى يوم الفتح وقد كان أبوه من سادات قريش في الجاهلية وآلت إليه رياسة قريش بعد يوم بدر فكان هو أمير الحروب من ذلك الجانب وكان رئيساً مطاعاً ذا مال جزيل ثم أصبح معاوية من كتّاب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولما فتحت الشام ولاه عمر نيابة دمشق بعد أخيه يزيد بن أبي سفيان وأقره على ذلك عثمان بن عفان وزاده بلاداً أخرى وهو الذي بنى القبة الخضراء بدمشق وسكنها أربعين سنة.

وروى الطبراني عن ابن عباس أنه قال: مازلت موقناً أن معاوية يلي الملك من هذه الآية يعني " من قُتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً " [الإسراء:33] فلما امتنع معاوية من البيعة لعلي حتى يسلمه قتلة عثمان حدثت تلك الأحداث العظيمة التي ذكرناها في الباب الثاني في هذا البحث، ثم استفحل أمر معاوية ولم يزل أمر علي في اختلاف مع أهل العراق حتى قتله ابن ملجم فعند ذلك بايع أهل العراق الحسن بن علي وأهل الشام لمعاوية بن سفيان , ثم خلع الحسن نفسه من الخلافة وسلم الملك إلى معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - وكان ذلك في ربيع الأول من سنة إحدى وأربعين ودخل معاوية إلى الكوفة فخطب الناس بها خطبة بليغة بعدما بايعه الناس واستوثقت لهُ الممالك شرقاً وغرباً وبعداً وقرباً، وسمي هذا العام عام الجماعة لاجتماع الكلمة فيه على أمير واحد بعد الفرقة) (¬1) (وروى الإمام أحمد ومسلم والحاكم في مستدركهِ من طريق أبي عوانه عن أبي حمزة عمران بن أبي عطاء عن ابن عباس قال: كنت ألعب مع الغلمان فإذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قد جاء فقلت: ما جاء إلا إلي، فاختبأت على الباب فجاءني فخطاني خطاة أو خطاتين، ثم قال " اذهب فادعُ لي معاوية " وكان يكتب الوحي. قال: فذهبت فدعوته لهُ فقيل: إنه يأكل، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: له إنه يأكل، فقال: اذهب فادعه، فأتيته الثانية فقيل: إنهُ يأكل فأخبرتهُ، فقال في الثالثة " لا أشبع الله بطنه " قال: فما شبع بعدها (¬2) . يقول ابن كثير: " وقد انتفع معاوية بهذه الدعوة في دنياه وأخراه، أما في دنياه فإنه لما صار إلى الشام أميراً كان يأكل في اليوم سبع مرات، يجاء بقصعة فيها لحم كثير وبصل فيأكل منها، ويأكل في اليوم سبع أكلات بلحم، ومن الحلوى والفاكهة شيئاً كثيراً، ويقول: والله ما أشبع وإنما أعيا، وهذه نعمة ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (8-389) بتصرف (¬2) - مسلم 2604

ومعدة يرغب ُ فيها كلِ الملوك) (¬1) ، وأما في الآخرة فيقول الشيخ عبد المحسن العباد: (وقد ختم الإمام مسلم رحمه الله بهذا الحديث الأحاديث الواردة في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يجعل ما صدر منه من سب ودعاء على أحد ليس هو أهلاً لذلك أن يجعله له زكاة وأجراً ورحمة وذلك كقوله: " تربت يمينك، وثكلتك أمك، عقري حلقي ولا كبرت سنك "، فقد أورد في صحيحه عدّة أحاديث. أحدها هذا الحديث، وقبله حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كانت لأم سليم يتيمة، وأم سليم هي أم أنس، فرآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: " أأنت هي لقد كبرتِ لا كبر سنّك ". فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت لها أم سليم: ما لك يا بنية؟ فقالت الجارية: دعا عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن لا يكبر سنّي، فالآن لا يكبر سني أبداً، أو قالت قرني. فخرجت أم سليم مستعجلة تلوث خمارها، حتى لقيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " ما لك يا أم سليم؟ "، قالت: يا رسول الله، أدعوت على يتيمتي؟ قال: " وما ذاك يا أم سليم؟ "، قالت: زَعَمَتْ أنك دعوت عليها أن لا يكبر سنها ولا يكبر قرنها. قال: فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: " يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي على ربي أني اشترطت على ربي فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهوراً وزكاة وقربة يقربه بها منه يوم القيامة ". ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (8/ 493)

وعقب هذا الحديث مباشرة أورد مسلم ـ رحمه الله ـ الحديث الذي قال فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في معاوية: " لا أشبع الله بطنه ". وهذا من حسن صنيع مسلم ـ رحمه الله ـ وجودة ترتيبه لصحيحه، وهو من دقيق فهمه، وحسن استنباطه رحمه الله) (¬1) يقول ابن كثير في تاريخه: قلت: (قد قال البخاري في كتاب المناقب: ذكر معاوية بن أبي سفيان ثم ذكر سنداً عن ابن أبي مليكه قال: أوترَ معاوية بعد العشاء بركعة وعندهُ مولى لابن عباس، فأتى ابن عباس، فقال: أوتر معاوية بركعة بعد العشاء فقال: دعه فإنه قد صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. حدثنا بن أبي مريم حدثنا نافع بن عمر ابن أبي مليكة قال: قيل لابن عباس: هل لك في أمير المؤمنين معاوية؟ ما أوتر إلا بواحدة! قال: أصاب. إنه فقيه) (¬2) . (روى أبو بكر بن أبي الدنيا عن عمر بن عبد العزيز قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -في المنام وأبو بكر وعمر جالسان عنده فسلمت عليه وجلست فبينما أنا جالس إذ أتى بعلي ومعاوية فأدخلا بيتاً وأُجيف الباب وأنا أنظر فما كان بأسرع من أن خرج علي وهو يقول: قُضِي لي ورب الكعبة , ثم ما كان بأسرع من أن خرج معاوية وهو يقول: غُفِر لي ورب الكعبة. ¬

_ (¬1) 4) - من أقوال المنصفين في الصحابي الخليفة معاوية للشيخ العباد: ص19، قلت: لقد علق الشيخ الألباني على هذا الحديث تعليقًا جميلا وطويلا ومن أرادهُ فليرجع إلى السلسلة الصحيحة ج1 ص164 حديث رقم 82، وكذلك أنظر مشكاة المصابيح الحديث رقم 2669 (¬2) - رواه البخاري 3764 - 3765 البداية والنهاية 8-496

وروى ابن عساكر عن أبي زرعة الرازي أنه قال له رجل: إني أبغض معاوية , فقال له: ولِمَ؟ قال: لأنه قاتل علياً , فقال له أبو زرعة: ويحك إن رب معاوية رحيم , وخصم معاوية كريم , فإيش دخولك أنت بينهما؟ رضي الله عنهما وسئل الإمام أحمد عن ما جرى بين علي ومعاوية فقرأ: " تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم , ولا تسألون عما كانوا يعملون") (¬1) [البقرة: 134] . يقول أحد السلف وهو أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي قال: (إن معاوية بن أبي سفيان ستر لأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمن كشف الستر اجترأ على ما وراءه) . (¬2) (وقال جرير بن عبد الحميد عن مغيرة قال: لما جاء خبر قتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى معاوية جعل يبكي فقالت له امرأته أتبكيه وقد قاتلته؟ فقال: ويحك إنك لا تدرين ما فقد الناس من الفضل والفقه والعلم. وفي رواية أنها قالت: بالأمس تقاتلنه واليوم تبكينه؟) (¬3) خروج طائفة من الخوارج على معاوية ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (8/ 503 - 504 (¬2) - من أقوال المنصفين ص 3 (¬3) - البداية والنهاية (8/ 504)

يقول ابن كثير: (كان سبب ذلك أن معاوية رضي الله عنه لما دخل الكوفة وخرج الحسن وأهله منها قاصدين إلى الحجاز قالت فرقة من الخوارج نحو خمسمائة. جاء ما لا يشك فيه فسيروا إلى معاوية فجاهدوه فساروا حتى قربوا من الكوفة وعليهم فروة بن نوفل. فبعث إليهم معاوية خيلاً من أهل الشام فطردوا الشاميين، فقال معاوية: لا أمان لكم عندي حتى تكفوا بوائقكم فخرجوا إلى الخوارج فقالت لهم الخوارج: ويلكم ما تبغون؟ أليس معاوية عدوكم وعدونا؟ فدعونا حتى نقاتله فإن أصبناه كنا قد كفينا كموه، وإن أُصبنا كنتم قد كفيتمونا. فقالوا: لا والله حتى نقاتلكم , فقالت الخوارج: يرحم الله إخواننا من أهل النهروان كانوا أعلم بكم يا أهل الكوفة، فاقتتلوا فهزمهم أهل الكوفة وطردوهم، ثم ولى معاوية على الكوفة المغيرة بن شعبة وفي هذه السنة وثب حمران بن أبان على البصرة فأخذها وتغلب عليها فبعث معاوية جيشاً ليقتلوه ومن معه، فجاء أبو بكرة الثقفي إلى معاوية فسأله في الصفح والعفو، فعفى عنهم وأطلقهم وولي على البصرة بسر ابن أبي أرطأة وبعد خروج هذه الطائفة بسنتين وتحديداً سنة ثلاث وأربعين. كانت وقعة عظيمة بين الخوارج وجند الكوفة،وذلك أنهم صمموا على الخروج على الناس في هذا الحين، فاجتمعوا في قريب من ثلاثمائة عليهم المستورد بن علقمة، فجهز لهم المغيرة بن شعبة جنداً عليهم معقل بن قيس في ثلاثة آلاف، فصار إليهم وقدم بين يديه أبا الرواع في طليعة هي ثلاثمائة على عدة الخوارج، فلقيهم أبو الرواع بمكان يقال له المذار , فاقتتلوا معهم فهزمهم الخوارج ثم كروا عليهم فهزمتهم الخوارج، ولكن لم يقتل أحد منهم فلزموا مكانهم في مقاتلتهم ينتظرون قدوم أمير الجيش معقل بن قيس عليهم، فما قدم عليهم إلا في آخر نهار غربت فيه الشمس فنزل وصلى بأصحابه،ثم شرع في مدح أبي الرواع فقال له: أيها الأمير إن لهم شدات منكرة. فكن أنت ردأ الناس ومر الفرسان

فليقاتلوا بين يديك فقال معقل بن قيس: نعم ما رأيت , فما كان إلا ريثما قال له ذلك حملت الخوارج على معقل وأصحابه فانجفل عنه عامة أصحابه فترجل عند ذلك معقل بن قيس وقال: يا معشر المسلمين الأرض الأرض , فترجل معه جماعة من الفرسان والشجعان قريب من مائتي فارس منهم أبو الرواع الشاكري , فحمل عليهم المستورد بن علقمة بأصحابه فاستقبلوهم بالرماح والسيوف ولحق بقية الجيش بعض الفرسان فدمرهم وعيرهم وأنبهم على الفرار فرجع الناس إلى معقل وهو يقاتل الخوارج بمن معه من الأنصار قتالاً شديداً، والناس يتراجعون في أثناء الليل، فصفهم معقل بن قيس ميمنة وميسرة ورتبهم وقال: لا تبرحوا على مصافكم حتى نصبح فنحمل عليهم فما أصبحوا حتى هزمت الخوارج فرجعوا من حيث أتوا، وهربوا بين أيديهم حتى قطعوا دجلة. ووقعوا في أرض نهر شير، وتبعهم أبو الرواع ولحقه معقل بن قيس ووصلت الخوارج إلى المدينة العتيقة فركب إليهم شريك بن عبيد - نائب المدائن- ولحقهم أبو الرواع بمن معه من المقدمة) (¬1) . أخذ معاوية - رضي الله عنه -البيعة لابنه يزيد سنة إحدى وخمسين هجري ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية (8/389-392) بتصرف

روى خليفة بن خياط في تاريخه (عن وهب بن جرير بن حازم قال: حدثني أبي قال: أخبرنا النعمان بن راشد عن الزهري عن ذكوان مولى عائشة قال: لما أجمع معاوية أن يبايع لابنه يزيد، حج فقدم مكة في نحو من ألف رجل، فلما دنا من المدينة خرج ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فلما قدم معاوية المدينة صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ابنه يزيد فقال: من أحق بهذا الأمر منه؟ ثم ارتحل فقدم مكة فقضى طوافه، ودخل منزله، فبعث إلى ابن عمر، فتشهد وقال: أما بعد يا بن عمر فإنك قد كنت تحد ثني أنك لا تحب أن تبيت ليلة سوداء ليس عليك أمير، وإني أحذرك أن تشق عصا المسلمين، وأن تسعى في فساد ذات بينهم، فلما سكت تكلم ابن عمر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:أما بعد فإنه قد كانت قبلك خلفاء لهم أبناء ليس ابنك بخير من أبنائهم، فلم يروا في أبنائهم ما رأيت أنت في ابنك، ولكنهم اختاروا للمسلمين حيث عملوا الخيار، وأنك تحذرني أن أشق عصا المسلمين، فإذا اجتمعوا على أمر فإنما أنا رجل منهم فقال: يرحمك الله، فخرج ابن عمر. وأرسل إلى عبد الرحمن بن أبي بكر، فتشهد وأخذ في الكلام، فقطع عليه كلامه فقال: إنك والله لوددت إنا وكلناك في أمر ابنك إلى الله، وإنا والله لا نفعل، والله لتردن هذا الأمر شورى في المسلمين، أو لنفرنها عليك جذعه ثم وثب فقام. فقال معاوية: اللهم اكفنيه بما شئت، ثم قال: على رسلك أيها الرجل لا تشرفن بأهل الشام فإني أخاف أن يسبقوني بنفسك حتى أخبر العشية أنك قد بايعت ثم كن بعد ذلك على ما بدا لك من أمرك. ثم أرسل إلى ابن الزبير فقال: يا بن الزبير عمدت إلى هذين الرجلين فنفخت في مناخرهما وحملتهما على غير رأيهما، فتكلم ابن الزبير فقال: إن كنت قد مللت الإمارة فاعتزلها، وهلم ابنك فلنبايعه، أرأيت إذا بايعنا ابنك معك لأيكما نسمع؟ لأيكما نطيع؟ لا نجمع البيعة لكما والله أبدا، ثم قام فراح معاوية فصعد المنبر فحمد

الله وأثنى عليه ثم قال: إنا وجدنا أحاديث الناس ذوات عوار، زعموا أن ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر الصديق لم يبايعوا يزيد قد سمعوا وأطاعوا وبايعوا له فقال: أهل الشام لا والله لا نرضى حتى يبايعوا على رؤوس الناس وإلا ضربنا أعناقهم، فقال: مه سبحان الله ما أسرع الناس إلى قريش بالسوء، لا أسمع هذه المقالة من أحد بعد اليوم، ثم نزل. فقال الناس: بايع ابن عمر وابن الزبير وابن أبي بكر، ويقولون: لا والله ما بايعنا. ويقول الناس: بلى لقد بايعتم، وارتحل معاوية فلحق بالشام، ثم روي ابن خياط عن وهب قال: حدثني أبي عن أيوب عن نافع قال: خطب معاوية فذكر ابن عمر فقال: والله ليبايعن أو لا قتلنه، فخرج عبيد الله بن عبد الله بن عمر إلى أبيه فأخبره، وسار إلى مكة ثلاثا، فلما أخبره بكى ابن عمر، فبلغ الخبر عبد الله بن صفوان فد خل على ابن عمر فقال: أخطب هذا بكذا؟ قال: نعم. فقال: ما تريد؟ أتريد قتاله؟ فقال: يا بن صفوان الصبر خير من ذلك. فقال ابن صفوان: والله لئن أراد ذلك لأقاتلنه. فقدم معاوية مكة، فنزل ذا طوى، فخرج إليه عبد الله بن صفوان فقال: أنت الذي تزعم أنك تقتل ابن عمر إن لم يبايع لابنك؟ فقال: أنا أقتل ابن عمر!! إني والله لا أقتله. حدثنا وهب بن جرير قال: حدثني جويرية بن أسماء قال: سمعت أشياخ أهل المدينة يحدثون أن معاوية لما كان قريبا من مكة، قال لصاحب حرسه: لا تدع أحدا يسير معي إلا من حملته أنا. فخرج يسير وحده حتى إذا كان وسط الأراك لقيه الحسين بن علي، فوقف وقال: مرحبا وأهلا يا بن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، سيد شباب المسلمين، دابة لأبي عبد الله يركبها، فأتي ببرذون فتحول عليه، ثم طلع عبد الرحمن بن أبي بكر فقال: مرحبا وأهلا بشيخ قريش وسيدها وابن صديق هذه الأمة، دابة لأبي محمد، فأتي ببرذون فركبه، ثم طلع ابن عمر فقال: مر حبا وأهلا بصاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وابن الفاروق

وسيد المسلمين ودعا له بدابة فركبها، ثم طلع ابن الزبير فقال له: مرحبا وأهلا يا بن حواري رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وابن الصديق وابن عمة رسول الله، ثم دعا له بدابة فركبها. ثم أقبل يسير بينهم لا يسايره غيرهم حتى د خل مكة، ثم كانوا أول داخل وآخر خارج ليس في الأرض صباح إلا لهم فيه حباء وكرامة لا يعرض لهم بذكر شئ مما هو فيه حتى قضى نسكه وترحلت أثقاله، وقرب مسيرة إلى الكعبة وأنيخت رواحله، فأقبل بعض القوم على بعض فقالوا: أيها القوم لا تخدعوا إنه والله ما صنع بكم لحبكم ولا كرامتكم، وما صنعه إلا لما يريد فأعدوا له جوابا. وأقبلوا على الحسين فقالوا: أنت يا أبا عبد الله؟ قال: وفيكم شيخ قريش وسيدها هو أحق بالكلام. فقالوا: أنت يا أبا محمد لعبد الرحمن بن أبي بكر فقال: لست هناك وفيكم صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وابن سيد المسلمين - يعني ابن عمر -. فقالوا لابن عمر: أنت؟ قال: لست بصاحبكم ولكن ولوا الكلام ابن الزبير يكفيكم. قالوا: أنت يا بن الزبير. قال: نعم إن أعطيتموني عهودكم ومواثيقكم ألا تخالفوني كفيتكم الرجل. فقالوا: فلك ذلك. فخرج الإذن فأذن لهم، فدخلوا، فتكلم معاوية فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: قد علمتم سيرتي فيكم وصلتي لأرحامكم وصفحي عنكم وحملي لما يكون منكم، ويزيد بن أمير المؤمنين أخوكم وابن عمكم وأحسن الناس فيكم رأيا، وإنما أردت أن تقدموه باسم الخلافة وتكونون أنتم الذين تنزعون وتؤمرون، وتجبون وتقسمون، لا يدخل عليكم في شئ من ذلك، فسكت القوم فقال: ألا تجيبوني؟ فسكتوا. فأقبل على ابن الزبير فقال: هات يا بن الزبير، فإنك لعمري صاحب خطبة القوم. قال: نعم يا أمير المؤمنين نخيرك بين ثلاث خصال أيها ما أخذت فهو لك رغبة. قال: لله أبوك أعرضهن. قال: إن شئت صنعت ما صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن شئت صنعت ما صنع أبو بكر فهو خير هذه الأمة بعد رسول الله صلى الله عليه

وسلم، وإن شئت صنعت ما صنع عمر فهو خير هذه الأمة بعد أبي بكر. قال: لله أبوك وما صنعوا؟ قال: قبض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعهد ولم يستخلف أحدا، فارتضى المسلمون أبا بكر، فإن شئت أن تدع هذا الأمر حتى يقضي الله فيه قضاءه فيختار المسلمون لأنفسهم فقال: إنه ليس فيكم اليوم مثل أبي بكر، إن أبا بكر كان رجلا تقطع دونه الأعناق، وإني لست آمن عليكم الاختلاف. قال: صدقت والله ما تحب أن تدعنا على هذه الأمة. قال فاصنع ما صنع أبو بكر. قال: لله أبوك قال: وما صنع أبو بكر؟ قال: عمد إلى رجل من قاصية قريش ليس من بني أبيه ولا من رهطه الأدنين فاستخلفه، فإن شئت أن تنظر أي رجل من قريش شئت ليس من بني عبد شمس فترضى به قال: لله أبوك الثالثة ما هي؟ قال: تصنع ما صنع عمر. قال: وما صنع عمر؟ قال: جعل هذا الأمر شورى في ستة نفر من قريش، ليس فيهم أحد من ولده ولا من بني أبيه ولا من رهطه. قال: فهل عندك غير هذا؟ قال: لا. قال: فأنتم؟ قالوا: ونحن أيضا. قال: أما أنا فإني أحببت أن أتقدم إليكم أنه قد أعذر من أنذر، وإنه قد كان يقوم منكم القائم إلي فيكذبني على رؤوس الناس، فأحتمل له ذلك وأصفح عنه. وإني قائم بمقالة إن صدقت فلي صدقي وإن كذبت فعلي كذبي، وإني أقسم لكم بالله لئن رد علي منكم إنسان كلمة في مقامي هذا لا ترجع إليه كلمته حتى يسبق إلي رأسه، فلا يرعين رجل إلا على نفسه، ثم دعا صاحب حرسه فقال: أقم على رأس كل رجل من هؤلاء رجلين من حرسك، فإن ذهب رجل يرد علي كلمة في مقامي هذا بصدق أو كذب فليضرباه بسيفيهما (¬1) ¬

_ (¬1) - قلت: إذا صحت هذه الرواية فإن مسألة الولاية مسألة اجتهادية، وقد عزل عمر بن الخطاب سعد بن وقاص وولى من دونه في الفضل، ولعل معاوية - رضي الله عنه -رأي أنه في ترك الناس هكذا فساد عظيم وبلاء جسيم فا لذلك أختار لهم يزيد، أما اتهام يزيد بالفسق وشرب الخمر، فهذا من الكذب الظاهر، وندع محمد بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه يجيب على هذا الادعاء لأنه أقام عند يزيد وهو أدرى به، قال ابن كثير في البداية ((لما رجع أهل المدينة من عند يزيد مشى عبد الله بن مطيع وأصحابه إلى محمد بن الحنفية فأرادوه على خلع يزيد فأبى عليهم، فقال ابن مطيع: إن يزيد يشرب الخمر ويترك الصلاة ويتعدّى حكم الكتاب. فقال لهم: ما رأيت منه ما تذكرون، وقد حضرته وأقمت عنده فرأيته مواظباً على الصلاة متحرياً للخير يسأل عن الفقه ملازماً للسنة، قالوا: فإن ذلك كان منه تصنّعاً لك. فقال: وما الذي خاف مني أو رجا حتى يظهر إليّ الخشوع؟ أفأطلعكم على ما تذكرون من شرب الخمر؟ فلئن كان أطلعكم على ذلك إنكم لشركاؤه، وإن لم يكن أطلعكم فما يحل لكم أن تشهدوا بما لم تعلموا. قالوا: إنه عندنا لحق وإن لم يكن رأيناه. فقال لهم أبى الله ذلك على أهل الشهادة، فقال {إلا من شهد بالحق وهم يعلمون} ولست من أمركم في شيء، قالوا: فلعلك تكره أن يتولى الأمر غيرك فنحن نولّيك أمرنا. قال: ما استحل القتال على ما تريدونني عليه تابعاً ولا متبوعاً، فقالوا: فقد قاتلت مع أبيك، قال: جيئوني بمثل أبي أقاتل على مثل ما قاتل عليه، فقالوا: فمر ابنيك أبا القاسم والقاسم بالقتال معنا، قال: لو أمرتهما قاتلت. قالوا: فقم معنا مقاماً نحض الناس فيه على القتال، قال: سبحان الله!! آمر الناس بما لا أفعله ولا أرضاه إذاً ما نصحت لله في عباده قالوا: إذاً نكرهك. قال: إذا آمر الناس بتقوى الله ولا يرضون المخلوق بسخط الخالق، وخرج إلى مكة. البداية والنهاية.8/ 604

، ثم خرج وخرجوا معه حتى إذا رقي المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هؤلاء الرهط سادة المسلمين وخيارهم، لا نستبد بأمر دونهم ولا نقضي أمرا إلا عن مشورتهم، وإنهم قد رضوا وبايعوا ليزيد بن أمير المؤمنين من بعده، فبايعوا بسم الله، فضربوا على يديه ثم جلس على راحلته وانصرف فلقيهم الناس فقالوا: زعمتم وزعمتم فلا أرضيتم وحبيتم فعلتم قالوا: إنا والله ما فعلنا قالوا: فما منعكم أن تردوا على الرجل إذ كذب؟ ثم بايع أهل المدينة والناس ثم خرج إلى الشام. حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أخبرنا سفيان عن محمد بن المنكدر قال: قال ابن عمر حين بويع يزيد بن معاوية: إن كان خيرا رضينا وإن كان بلاء صبرنا، وحدثنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أبو عوانة عن داود بن عبد الله الأود ي عن حميد بن عبد الرحمن قال: د خلنا على رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين استخلف يزيد بن معاوية فقال: أتقولون أن يزيد ليس بخير أمة محمد، لا أفقه فيها فقها ولا أعظمها فيها شرفا؟ قلنا: نعم. قال: وأنا أقول ذلك، ولكن والله لإن تجتمع أمة محمد أحب إلي من أن تفترق. أرأيتم بابا لو دخل فيه أمة محمد وسعهم، أكان يعجز عن رجل واحد لو دخل فيه؟ قلنا: لا. قال: أرأيتم لو أن أمة محمد قال كل رجل منهم لا أهر يق دم أخي، ولا آخذ ماله، أكان هذا يسعهم؟ قلنا: نعم. قال: فذ لك ما أقول لكم. ثم قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: لا يأتيك من الحياء إلا خير) (¬1) . وفاة الحسن بن علي بن أبي طالب ¬

_ (¬1) -تاريخ خليفة بن خياط ص 99- 102 بتصرف

يقول ابن كثير: (هو أبو محمد القرشي الهاشمي سِبْط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ابن ابنته فاطمة الزهراء، وريحانته , وأشبه خلق الله به في وجهه، ولد في النصف من رمضان سنة ثلاث من الهجرة، فحنكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريقه وسماه حسناً، وهو أكبر ولد أبويه، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحبه حباً شديداً، وقد ثبت في صحيح البخاري أن أبا بكر الصديق صلى بهم العصر بعد وفاة رسول الله بليالٍ ثم خرج هو وعلي يمشيان , فرأى الحسن يلعب مع الغلمان فاحتمله على عنقه وجعل يقول " بأبي شبه النبي، وليس شبيهاً لعلي" قال: وعلي يضحك (¬1) وقال أبو داود والطيالسي: حدثنا قيس عن أبي إسحاق عن هانئ بن هانئ عن علي قال: كان الحسن أشبه الناس برسول الله من وجهه إلى سرته، وكان الحسين أشبه الناس به ما أسفل من ذلك (¬2) وقال أحمد: حدثنا حازم بن الفضيل حدثنا معتمر عن أبيه قال: سمعت أبا تميمة يحدث عن أبي عثمان النهد ي يحدثه أبو عثمان عن أسامة بن زيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذني فيقعدني على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الأخرى ثم يضمنا ثم يقول: " اللهم ارحمهما فإني ارحمهما " (¬3) وفي رواية " اللهم أحبهما فإني أحبهما " وقال شعبة عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن بن علي على عاتقه وهو يقول " اللهم أحبه فإني أحبه" (¬4) وقال الأصمعي: عن سلام بن مسكين عن عمران بن عبد الله قال: رأى الحسن ¬

_ (¬1) -رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي. 3750 نقلاً: عن محمد بيومي حاشية البداية8/402 (¬2) - رواه أبو داود والطيالسي 130 نقلاً: عن محمد بيومي حاشية البداية 8/402 (¬3) -البخاري في فضائل أصحاب النبي 3747 وأحمد 5/205. نقلاً: عن محمد بيومي حاشية البداية 8/402 (¬4) -متفق علية البخاري برقم (3749) ومسلم برقم 2422. نقلاً: عن محمد بيومي حاشية البداية ص8/402

بن علي في منامه أنه مكتوب بين عينيه، (قل هو الله أحد) ففرح بذلك فبلغ ذلك سعيد بن المسيب فقال: إن كان رأى هذه الرؤيا فقلَّ ما بقي من أجله. قال: فلم يلبث الحسن بن علي بعد ذلك إلا أياماً حتى مات. وروى أبو بكر بن أبي الدنيا عن عمير بن إسحاق، قال: " دخلت أنا ورجل آخر من قريش على الحسن بن علي فقام فدخل المخرج ثم خرج فقال: لقد لفظت طائفة من كبدي أقلبها بهذا العود , ولقد سقيت السم مراراً وما سقيت مرة هي أشد من هذه، قال: وجعل يقول لذلك الرجل سلني قبل أن لا تسألني. فقال: ما أسألك شيئاً يعافيك الله، قال: فخرجنا من عنده ثم عدنا إليه من الغد، وقد أخذ في السوق فجاء حسين حتى قعد عند رأسه فقال: أي أخي! من صاحبك؟ قال: تريد قتله , قال نعم! قال: لئن كان صاحبي الذي أظن الله أشد نقمة. وفي رواية: فالله أشد بأساً وأشد تنكيلاً , وإن لم يكن هو ما أحب أن تقتل بي بريئاً. ورواه محمد بن سعد عن ابن علية عن ابن عون. وقال أبو نعيم: " لما أشتد بالحسن بن علي الوجع جزع فدخل عليه رجل فقال له: يا أبا محمد ما هذا الجزع؟ وما هو إلا أن تفارق روحك جسدك فتقدم على أبويك علي وفاطمة وعلى جديك النبي - صلى الله عليه وسلم - وخديجة وعلى أعمامك حمزة وجعفر , وعلى أخوالك القاسم الطيب والطاهر وإبراهيم، وعلى خالاتك زينب ورقية وأم كلثوم، قال: فسري عنه. وقيل: إن القائل له ذلك أخوه الحسين وأن الحسن قال له: يا أخي إني أدخل في أمرٍ من أمر الله لم أدخل في مثله، وأرى خلقاً من خلق الله لم أرَ مثله قط، قال: فبكى الحسين - رضي الله عنهم -. رواه عباس الدوري عن ابن معين، ورواه بعضهم عن جعفر بن محمد عن أبيه فذكر نحوهما. وتوفي الحسن وهو ابن سبع وأربعين سنة والمشهور أنه مات سنة 49 هـ) (¬1) وفاة معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية 8 / -412 413- 414 بتصرف.

وقال ابن أبي الدنيا: (حدثني هارون بن سفيان عن عبد الله السهمي حدثني ثمامة بن كلثوم أن آخر خطبة خطبها معاوية أن قال: أيها الناس إن من زرع قد استحصد، وإني قد وليتكم ولن يليكم أحد بعدي خيرٌ مني، إنما يليكم من هو شر مني، كما كان من وليكم قبلي خيراً مني , ويا يزيد إذا دنا أجلي فولِ غسلي رجلاً لبيباً , فإن اللبيب من الله بمكان، فلينعم الغسل وليجهر بالتكبير، ثم اعمد إلى منديل في الخزانة فيه ثوب من ثياب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقراضة من شعره وأظفاره فاستودع القراضة أنفي وفمي، وأذني وعيني، واجعل ذلك الثوب مما يلي جلدي دون لفافي، ويا يزيد احفظ وصية الله في الوالدين. فإذا ادرجتموني في جريدتي ووضعتموني في حفرتي فخلوا معاوية وارحم الراحمين.) (¬1) (وقال أبو السائب المخزومي: لما حضرت معاوية الوفاة تمثل بقول الشاعر: إن تناقش يكن نقاشكَ يا ربُ عذاباً لا طوقَ لي بالعذابِ أو تجاوز تجاوزَ العفوِ واصفحْ عن مسيءٍ ذنوبهُ كالترابِ وقال محمد بن سيرين: جعل معاوية لما احتضر يضع خداً على الأرض ثم يقلب وجهه ويضع الخد الآخر ويبكي ويقول: اللهم إنك قلت في كتابك {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} النساء 48 اللهم فاجعلني فيمن تشاء أن تغفر له. وقال العتبي عن أبيه: تمثل معاوية عند موته بقول بعضهم وهو في السياق: هو الموتُ لا منجا منَ الموتِ والذي نحاذرُ بعد الموتِ أدهى وأفظعُ ¬

_ (¬1) -المصدر السابق 8/514- 515

ثم قال: اللهم أقلِ العثرة، واعف عن الزلة، وتجاوز بحلمك عن جهل من لم يرجَ غيرك، فإنك واسع المغفرة، ليس لذي خطيئة من خطيئته مهرب إلا إليك , رواه ابن دريد عن أبي حاتم عن أبي عبيده عن أبي عمرو بن العلاء فذكر مثله، وزاد: ثم مات. وقال غيره: أغمي عليه ثم أفاق فقال لأهله: اتقوا الله فإن الله تعالى يقي من اتقاه , ولا يقي من لا يتقي، ثم مات رحمه الله. ولا خلاف أنه توفي بدمشق في رجب سنة ستين. وقال محمد بن إسحاق والشافعي: صلى عليه ابنه يزيد وقال آخرون: بل كان ابنه يزيد غائباً فصلى عليه الضحاك بن قيس بعد صلاة الظهر بمسجد دمشق، ثم دفن بدار الإمارة وهي الخضراء، وقيل بمقابر باب الصغير , وعليه الجمهور والله أعلم , وكان عمره آنذاك ثمانيا وسبعين سنة، وقيل جاوز الثمانين وهو الأشهر) (¬1) قال أبو زرعة قال سمعت أبا مسهر _ أملاه علينا: أن معاوية بويع سنة أربعين وهو عام الجماعة فأقام عشرين سنة إلا شهراً (¬2) توجه الحسين بن علي - رضي الله عنه -إلى العراق ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 8 / 515-516 (¬2) - تاريخ أبي زرعة الدمشقي _ 18

قال ابن كثير: (لما تواترت الكتب إلى الحسين من جهة أهل العراق وتكررت الرسل بينهم وبينه , وجاءه كتاب مسلم بن عقيل بالقدوم عليه بأهله، ثم وقع في غبون ذلك ما وقع من قتل مسلم بن عقيل , والحسين لا يعلم بشيء من ذلك، بل قد عزم على المسير إليهم والقدوم عليهم، فاتفق خروجه من مكة أيام التروية قبل مقتل مسلم بيوم واحد- فإن مسلماً قتل يوم عرفة- ولما استشعر الناس خروجه أشفقوا عليه من ذلك،وحذروه منه، وأشار عليه ذوو الرأي منهم والمحبة له بعدم الخروج إلى العراق، وأمروه بالمقام بمكة، وذكّروه ما جرى لأبيه وأخيه معهم، وقال غير واحد عن شبابه بن سوار قال: حدثنا يحي بن إسماعيل بن سالم الأسدي قال: سمعت الشعبي يحدث عن ابن عمر أنه كان بمكة فبلغه أن الحسين بن علي قد توجه إلى العراق فلحقه على مسيرة ثلاث ليالٍ فقال: أين تريد؟ قال: العراق وإذ معه كتب، فقال: هذه كتبهم وبيعتهم، فقال: لا تأتهم فأبى، فقال ابن عمر: إني محدثك حديثاً، إن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فخيره بين الدنيا والآخرة فاختار الآخرة ولم يرد الدنيا، وإنك بضعة من رسول الله والله ما يليها أحدُ منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم، فأبى أن يرجع.قال: فاعتنقه ابن عمر وبكى وقال: أستودعك الله من قتيل. وقال يحي بن معين:حدثنا أبوعبيدة حدثنا سليم بن حيان عن سعيد بن مينا قال: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: عجل حسين قدره، والله لو أدركته ما تركته يخرج إلا أن يغلبني ببني هاشم فُتح هذا الأمر، وببني هاشم يُختم، فإذا رأيت الهاشمي قد ملك فقد ذهب الزمان. قلت: وهذا مع حديث ابن عمر يدل على أن الفاطميين أدعياء كذبة، لم يكونوا من سلالة فاطمة كما نص عليه غير واحد من الأئمة.

وقال ابن الزبير للحسين: أين تذهب إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ فقال: لأن أقتل بمكان كذا وكذا أحب إلى من أن تُستحل بي - يعني مكة) (¬1) (وهذا هو موقف ابن الزبير رضي الله عنه مثل باقي كبار الصحابة الذين نصحوا الحسين بعدم الخروج والحجة في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد حسن قال: لقي عبد الله بن الزبير الحسين بن علي بمكة فقال: يا أبا عبد الله بلغني أنك تريد العراق، قال: أجل، قال فلا تفعل، فإنهم قتلة أبيك، الطاعنين بطن أخيك وإن أتيتهم قتلوك. المصنف "7 /477 "، وهذا الأثر يرد على مزاعم الإخباريين حول تحريض ابن الزبير للحسين بن علي رضوان الله عنهم أجمعين على الخروج على يزيد بن معاوية. وأن ابن الزبير ضاق من وجود الحسين بمكة، وأنه كان يطمع بالخلافة، وأن يخلو له الجو كما يقولون، وأن تخلو له الساحة والميدان) (¬2) ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 8/ 532-533 بتصرف (¬2) - استشهاد الحسين ص/ 3-5 بتصرف

وروى محمد بن سعد قال: (لما بايع الناس معاوية ليزيد كان الحسين ممن لم يبايع له، وكان أهل الكوفة يكتبون إليه يدعونه إلى الخروج إليهم في خلافة معاوية كل ذلك يأبى عليهم، فقدم منهم قوم إلى محمد بن الحنفية يطلبون إليه أن يخرج معهم فأبى، وجاء إلى الحسين يعرض عليه أمرهم، فقال له الحسين: إن القوم إنما يريدون أن يأكلوا بنا , ويستطيلوا بنا , ويستنبطوا دماء الناس ودماءنا، فأقام حسين على ما هو عليه من الهموم، مرة يريد أن يسير إليهم، ومرة يجمع الإقامة عنهم، فجاءه أبو سعيد الخدري فقال: يا أبا عبد الله! إني لكم ناصح، وإني عليكم مشفق، وقد بلغني أنه قد كاتبك قوم من شيعتكم بالكوفة يدعونك إلى الخروج إليهم فلا تخرج إليهم، فإني سمعت أباك يقول بالكوفة: والله لقد مللتهم وأبغضتهم وملوني وأبغضوني، وما يكون منهم وفاء قط، ومن فاز بهم فاز بالسهم الأخيب، والله ما لهم نيات ولا عزم على أمر، ولا صبر على السيف) (¬1) . (وقال محمد بن سعيد: حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا جعفر بن سليمان عن يزيد الرشك قال: حدثني من شافه الحسين قال: رأيت أخبية مضروبة بفلاة من الأرض فقلت: لمن هذه؟ قالوا: هذه للحسين قال: فأتيته فإذا شيخ يقرأ القرآن والدموع تسيل على خديه ولحيته، قال قلت: بأبي وأمي يا بن بنت رسول الله ما أنزلك هذه البلاد والفلاة التي ليس بها أحد؟ فقال: هذه كتب أهل الكوفة إلى ولا أرهم إلا قاتلي , فإذا فعلوا ذلك لم يدعوا لله حرمة إلا انتهكوها فيسلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من قرم الأمة - يعني مقنعتها) (¬2) . ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية 8 / 534 (¬2) -البداية والنهاية (8/ 541)

استشهاد الحسين بن علي

(وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: حدثني حجاج بن محمد عن أبي معشر عن بعض مشيخته قال: قال الحسين حين نزلوا كر بلاء: ما اسم هذه الأرض؟ قالوا: كر بلاء، قال: كرب وبلاء. وبعث عبيد الله بن زياد عمر بن سعد لقتالهم، فقال له الحسين: يا عمر اختر مني إحدى ثلاث خصال، إما أن تتركني أرجع كما جئت، فإن أبيت هذه فسيرني إلى يزيد فأضع يدي في يده فيحكم فيَ ما رأى , فإن أبيت هذه فسيرني إلى الترك فأقاتلهم حتى أموت. فأرسل إلى ابن زياد بذلك , فهمّ أن يسيره إلى يزيد، فقال شمر بن ذي الجو شن: لا! إن ينزل على حكمك، فأرسل إلى الحسين بذلك فقال الحسين: والله لا أفعل , وأبطأ عمر عن قتاله فأرسل ابن زياد شمر بن ذي الجو شن وقال له: إن تقدم عمر فقاتل وإلا فاقتله وكن مكانه، فقد وليتك الإمرة وكان مع عمر قريب من ثلاثين رجلاً من أعيان أهل الكوفة , فقالوا له: يعرض عليكم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث خصال فلا تقبلوا منها شيئاً؟ فتحولوا مع الحسين يقاتلون معه) (¬1) . استشهاد الحسين بن علي - رضي الله عنه -. يقول الشيخ أبو عبد الله الذهبي (يقول ابن حجر: وقد صنف جماعة من القدماء في مقتل الحسين تصانيف فيها الغث والسمين، والصحيح والسقيم، وقد صح عن إبراهيم النخعي أنه كان يقول: لو كنت فيمن قاتل الحسين ثم دخلت الجنة لاستحييت أن أنظر إلى وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. الإصابة (2/81) . ¬

_ (¬1) - البداية والنهاية (8/ 542)

واختلفت الأقوال في يوم قتله، فالبعض قال يوم الجمعة وقيل يوم السبت العاشر من المحرم والأصح الأول. واتفق على أنه قتل يوم عاشوراء من المحرم سنة إحدى وستين، وكذا قال الجمهور، وشذ من قال غير ذلك، وكان يوم الجمعة هو يوم عاشوراء. الإصابة (2/76-81) والعقد الفريد لابن عبد ربه (4/356) وهو يؤيد الإجماع. وقال الحافظ في الفتح: كان مولد الحسين في شعبان سنة أربع في قول الأكثر، وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين بكر بلاء من أرض العراق، وكان أهل الكوفة لما مات معاوية واستخلف يزيد كاتبوا الحسين بأنهم في طاعته فخرج الحسين إليهم، فسبقه عبيد الله بن زياد إلى الكوفة، فخذل غالب الناس عنه فتأخروا رغبة ورهبة، وقتل ابن عمه مسلم بن عقيل، وكان الحسين قد قدمه قبله ليبايع له الناس، ثم جهز إليه عسكراً فقاتلوه إلى أن قتل هو وجماعة من أهل بيته. فتح الباري (7/120) . وتاريخ خليفة (ص 234) .وروى الحاكم عن أم الفضل بنت الحارث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا - يعني الحسين - فقلت: هذا؟ فقال نعم، وأتاني بتربة من تربته حمراء. السلسلة الصحيحة (2/464) وهو في صحيح الجامع، رقم (61) .

وروى أحمد عن عائشة أو أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: لقد دخل عليّ البيت مَلَكٌ لم يدخل علي قبلها، فقال لي: إن ابنك هذا حسين مقتول، وإن شئت أريتك من تربة الأرض التي يقتل بها. السلسلة الصحيحة (2/465) . وروى أحمد عن ابن عباس قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرى النائم ذات يوم بنصف النهار أشعث أغبر بيده قارورة فيها دم، فقلت: بأبي أنت وأمي ما هذا؟ قال: هذا دم الحسين وأصحابه، ولم أزل ألتقطه منذ اليوم. فأحصي ذلك الوقت، فوجد قتل ذلك الوقت. مشكاة المصابيح للتبريزي بتحقيق الشيخ الألباني (6172) . ومسند أحمد (1/283) والذي يقول فأحصينا.. هو راوي الخبر عن ابن عباس، هو أبو عمر عمار بن أبي عمار مولى بني هشام، صدوق من كبار التابعين (ت 120 هـ) ، التقريب (ص 408) . وقد اختلطت الروايات الحقيقية بالمكذوبة التي افتراها الرافضة الحمقى وروج لها الإخباريين بأسلوب يهدر كل القيم والمثل. نعم هناك روايات كتاب الأغاني، - والذي يسمى بالنهر المسموم -، ذلك النهر الذي عب منه كل مثقفينا، وكل من تناول جانباً من تاريخنا، كابراً عن كابر، فَضَّلوا وأضلوا. وهذا الذي ذكرته هو المشهور والمتفق عليه بين العلماء في مقتله رضي الله عنه وقد رويت زيادات بعضها صحيح وبعضها ضعيف وبعضها كذب موضوع، والمصنفون من أهل الحديث في سائر المنقولات أعلم وأصدق بلا نزاع بين أهل العلم؛ لأنهم يسندون ما ينقلونه عن الثقات، أو يرسلونه عمن يكون مرسله مقارب الصحة بخلاف الإخباريين؛ فإن كثيراً مما يسندونه، يسندونه عن كذّاب أو مجهول، أمّا ما يرسلونه فظلمات بعضها فوق بعض، وأما أهل الأهواء ونحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلاً لا ثقة ولا ضعيف وأهون شيء عندهم الكذب المختلق، وأعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة بل إلى سماعات عن المجاهيل والكذابين، و

روايات عن أهل الإفك المبين.هذه هي الحقيقة الفاجعة، وأصلها وفصلها، وكفى، لكن لنقف مع تقويم هذه المعارضة من قبل الحسين رضي الله عنه. كانت معارضة الحسين ليزيد بن معاوية وخروجه إلى العراق طلباً للخلافة، ثم مقتله رضي الله عنه بعد ذلك، قد ولد إشكالات كثيرة، ليس في الكيفية والنتيجة التي حدثت بمقتله رضي الله عنه، بل في الحكم الشرعي الذي يمكن أن يحكم به على معارضته، وذلك من خلال النصوص النبوية، وإن عدم التمعن في معارضة الحسين ليزيد والتأمل في دراسة الروايات التاريخية الخاصة بهذه الحادثة قد جعلت البعض يجنح إلى اعتبار الحسين خارجاً على الإمام!! ، وأن ما أصابه كان جزاءاً عادلاً!! وذلك وفق ما ثبت من نصوص نبوية تدين الخروج على الولاة.فقد قال صلى الله عليه وسلم: من أراد أن يفرق بين المسلمين وهم جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان. صحيح مسلم (12/241) ، قال السيوطي: أي فاضربوه شريفاً أو وضيعاً على إفادة معنى العموم. عقد الزبرجد (1/264) . وقال النووي معلقاً على هذا الحديث: الأمر بقتال من خرج على الأمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك وينهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بالقتل قتل وكان دمه هدراً. وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث المشابهة له جاء تأكيد النبي - صلى الله عليه وسلم -على أن الخارج على سلطان المسلمين يكون جزاؤه القتل، وذلك لأنه جاء ليفرق كلمة المسلمين. وإن الجمود على هذه الأحاديث جعلت الكرامية فرقة من الفرق مثلاً يقولون: إن الحسين رضي الله عنه باغ على يزيد!! ، فيصدق بحقه من جزاء القتل. نيل الأوطار للشوكاني (7/362) .

وأما البعض فقد ذهبوا إلى تجويز خروج الحسين - رضي الله عنه - واعتبروا عمله هذا مشروعاً، وجعلوا المستند في ذلك إلى أفضلية الحسين والى عدم التكافؤ مع يزيد. نيل الأوطار (7/362) ، وأما البعض فقد جعل خروج الحسين خروجاً شرعياً بسبب ظهور المنكرات من يزيد. انظر: الدرة فيما يجب اعتقاده لابن حزم (ص 376) وابن خلدون في المقدمة (ص 271) ، ولكن إذا أتينا لتحليل مخرج الحسين - رضي الله عنه - ومقتله، نجد أن الأمر ليس كما ذهب إليه هذان الفريقان، فالحسين لم يبايع يزيد أصلاً، وظل معتزلاً في مكة حتى جاءت إليه رسل أهل الكوفة تطلب منه القدوم، فلما رأى كثرة المبايعين ظن - رضي الله عنه - أن أهل الكوفة لا يريدون يزيد فخرج إليهم، وإلى الآن فإن الحسين لم يقم بخطأ شرعي مخالف للنصوص، وخاصة إذا عرفنا أن جزءً من الأحاديث جاءت مبينة لنوع الخروج. فعن ابن عمر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: من نزع يداً من طاعة فلا حجة له يوم القيامة، ومن مات مفارقاً للجماعة فقد مات ميتة جاهلية. مسلم بشرح النووي (12/233-234) . وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - رضي الله عنه -: الصلاة المكتوبة إلى الصلاة التي بعدها كفارة لما بينهما، والجمعة إلى الجمعة والشهر إلى الشهر يعني رمضان كفارة لما بينهما، قال: ثم قال بعد ذلك: إلا من ثلاث، - قال: فعرفت إن ذلك الأمر حدث إلا من الإشراك بالله، ونكث الصفقة، وترك السنة. قال: أما نكث الصفقة: أن تبايع رجلاً ثم تخالف إليه، تقاتله بسيفك، وأما ترك السنة فالخروج من الجماعة. المسند (12/98) بسند صحيح. وبالرغم من أن الحسين - رضي الله عنه - حذره كبار الصحابة ونصحوه إلا أنه خالفهم، وخلافه لهم إنما هو لأمر دنيوي، فقد عرفوا أنه سيقتل وسيعرض نفسه للخطر، وذلك لمعرفتهم بكذب أهل العراق، والحسين - رضي الله عنه - ما خرج يريد

القتال، ولكن ظن أن الناس يطيعونه، فلما رأى انصرافهم عنه طلب الرجوع إلى وطنه أو الذهاب إلى الثغر أو إتيان يزيد. منهاج السنة (4/42) . يقول ابن خلدون في المقدمة (ص 271) : فتبين بذلك غلط الحسين، إلا أنه في أمر دنيوي لا يضره الغلط فيه، وأما الحكم الشرعي فلم يغلط فيه، لأنه منوط بظنه، وكان ظنه القدرة على ذلك، وأما الصحابة رضوان الله عليهم الذين كانوا بالحجاز ومصر والعراق والشام والذين لم يتابعوا الحسين رضوان الله عليه، فلم ينكروا عليه ولا أثمّوه لأنه مجتهد وهو أسوة للمجتهدين به، ويقول شيخ الإسلام في منهاج السنة (4/556) : وأحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - التي يأمر فيها بقتل المفارق للجماعة لم تتناوله، فإنه - رضي الله عنه - لم يفارق الجماعة، ولم يقتل إلا وهو طالب للرجوع إلى بلده أو إلى الثغر أو إلى يزيد، وداخلاً في الجماعة معرضاً عن تفريق الأمة، ولو كان طالب ذلك أقل الناس لوجب إجابته إلى ذلك، فكيف لا تجب إجابة الحسين، ويقول في موضع آخر 6/340 ولم يقاتل وهو طالب الولاية، بل قتل بعد أن عرض الانصراف بإحدى ثلاث.. بل قتل وهو يدفع الأسر عن نفسه، فقتل مظلوماً.) (¬1) 1) (وقال عبد الملك بن عمير: دخلت على عبيد الله بن زياد وإذا رأس الحسين بن علي بين يديه على ترس، فوا لله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على المختار بن أبي عبيد، وإذا رأس ابن زياد بين يدي المختار على ترس، ووالله ما لبثت إلا قليلاً حتى دخلت على عبد الملك بن مروان وإذا برأس مصعب بن الزبير على ترس بين يديه) (¬2) 2) ¬

_ (¬1) -استشهاد الحسين/ص6--10 بتصرف (¬2) -البداية والنهاية 8/ 567)

(عن حسن البصري أنه قال: قتل مع الحسين ستة عشر رجلاً كلهم من أهل بيته ما على وجه الأرض يومئذ لهم شبه وقال غيره: قتل معه من ولده وإخوته وأهل بيته ثلاث وعشرون رجلاً فمن أولاد علي - رضي الله عنه -: جعفر والحسين والعباس ومحمد وعثمان وأبو بكر , ومن أولاد الحسين: علي الأكبر وعبد الله , ومن أولاد أخيه الحسن ثلاثة: عبد الله والقاسم وأبو بكر , ومن أولاد عبد الله بن جعفر اثنان: عون ومحمد ومن أولاد عقيل: جعفر وعبد الله وعبد الرحمن ومسلم قتل قبل ذلك وممن قتل مع الحسين بكر بلاء أخوه من الرضاعة عبد الله بن يقطر، وقد قيل قبل ذلك حيث بعث معه كتاباً إلى أهل الكوفة فحمل إلى ابن زياد فقتله وقتل من أهل الكوفة من أصحاب عمر بن سعد ثمانية وثمانون رجلاً سوى الجرحى. فصلى عليهم عمر بن سعد ودفنهم ويقال: إن عمر بن سعد أمر عشرة من الفرسان فداسوا الحسين بحوافر خيولهم حتى ألصقوه بالأرض يوم المعركة وأمر برأسه أن يحمل من يومه إلى ابن زياد مع خولي بن يزيد الأصبحي فلما انتهى به إلى القصر وجده مغلقاً فرجع به إلى منزله فوضعه تحت إجاّنه وقال لامرأته نوار بنت مالك: جئتك بعز الدهر فقالت: ما هو؟ فقال: برأس الحسين. فقالت: جاء الناس بالذهب والفضة وجئت أنت برأس ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والله لا يجمعني وإياك فراش أبداً ثم نهضت من الفراش. فلم أصبح غدا به إلى ابن زياد فأحضره بين يديه ويقال إنه كان معه رؤوس بقية أصحابه وهو المشهور ومجموعها اثنان وسبعون رأساً وذلك أنه ما قتل قتيل إلا احتزوا رأسه وحملوه إلى ابن زياد، ثم بعث بها ابن زياد إلى يزيد بن معاوية إلى الشام) (¬1) . ويقول ابن كثير: (ولقد بالغ الشيعة في يوم عاشوراء فوضعوا أحاديث كثيرة كذباً فاحشاً من كون الشمس كسفت يومئذٍ حتى بدت النجوم وما رفع يومئذ حجر إلا وجد تحته دم ¬

_ (¬1) -البداية والنهاية (8/ 561) بتصرف، وتاريخ خليفة بن خياط112

وأن أرجاء السماء احمرت وإن الشمس كانت تطلع وشعاعها كأنه الدم وصارت السماء كأنها علقه والكواكب ضرب بعضها بعضاً وأمطرت السماء دماً أحمر وأن الحمرة لم تكن في السماء قبل يومئذ إلى أن قال: ابن كثير وللشيعة (¬1) والرافضة في صفة مصرع الحسين كذب كثير وأخبار باطلة، وقد أسرف الرافضة في دولة بني بويه في حدود أربعمائة وما حولها فكانت الدبادب تضرب ببغداد ونحوها من البلاد في يوم عاشوراء، وبذر الرماد والتبن في الطرقات والأسواق، وتغلق المسوح على الدكاكين، ويظهر الناس الحزن والبكاء، وكثير منهم لا يشرب الماء ليلتئذ موافقة للحسين لأنه قتل عطشان ثم تخرج النساء حاسرات عن وجوههن ينحن ويلطمن وجوههن وصدورهن حافيات في الأسواق إلى غير ذلك من البدع الشنيعة والأهواء الفظيعة والهتائك المخترعة وإنما يريدون بهذا وأشباهه أن يشنعوا على دولة بني أمية لأنه قتل الحسين في دولتهم وقد عاكس الرافضة والشيعة يوم عاشوراء النواصب من أهل الشام فكانوا في يوم عاشوراء يطبخون الحبوب (¬2) ويغتسلون ويتطيبون ويلبسون أفخر ثيابهم، ويتخذون ذلك اليوم عيداً ويصنعون فيه أنواعاً من الأطعمة، ويظهرون فيه الفرح والسرور ويريدون بذلك عناد الروافض ومعاكستهم إلى أن قال ابن كثير رحمه الله: فكل مسلم له أن يحزنه قتله - رضي الله عنه - , فإنه من سادات المسلمين وعلماء الصحابة وابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي هي ¬

_ (¬1) - لمعرفة الفرق بين الشيعة والرافضة ارجع إلى هامش ص31 من هذا البحث. (¬2) - قلت يوم عاشوراء هذا هو اليوم الذي نجى فيه موسى من فرعون ومن السنة أن ُيصام هذا اليوم واليوم الذي قبلهُ مخالفةً لليهود كما نصت على ذلك السنة المطهرة، وأما ما يفعله كثير من الناس في هذه البلاد من طبخ الفول وتوزيعه واتخاذ هذا اليوم عيد هذا عمل ليس عليه دليل وفي ظني والله أعلم إنه عمل محدث سرى إلينا من أفعال النواصب الذين ذكرهم ابن كثير هنا

أفضل بناته وقد كان عابداً شجاعاً شيخاً ولكن لا يحسن ما يفعله الشيعة من إظهار الجزع والحزن الذي لعل أكثره تصنع ورياء , وقد كان أبوه أفضل منه فقتل وهم لا يتخذون مقتله مأتماً كيوم مقتل الحسين، فإن أباه قتل يوم الجمعة وهو خارج إلى صلاة الفجر في السابع عشر من رمضان سنة أربعين، وكذلك عثمان كان أفضل من علي عند أهل السنة والجماعة، وقد قتل وهو محصور في داره، وقد ذبح من الوريد إلى الوريد، ولم يتخذ الناس يوم مقتله مأتماً وكذلك عمر بن الخطاب وهو أفضل من عثمان وعلي قتل وهو قائم يصلي في المحراب صلاة الفجر ويقرأ القرآن، ولم يتخذ الناس يوم مقتله مأتماً، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولد آدم في الدنيا والآخرة , وقد قبضه الله إليه كما مات الأنبياء قبله، ولم يتخذ أحداً يوم موتهم مأتماً يفعلون فيه ما يفعله هؤلاء الجهلة من الرافضة يوم مصرع الحسين ولا ذكر أحد أنه ظهر يوم موتهم وقبلهم شيء مما ادعاه هؤلاء يوم مقتل الحسين من الأمور المتقدمة، مثل كسوف الشمس والحمرة التي تطلع في السماء وغير ذلك) (¬1) . (وروى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب سمعت ابن أبي نعيم قال: سمعت عبد الله بن عمر وسأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب فقال: أهل العراق يسألون عن قتل الذباب وقد قتلوا ابن بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هما ريحانتاي من الدنيا رواه البخاري برقم 3753) (¬2) . ماذا تعرف عن الكوفة؟؟ الجواب: (يقول الشيخ الشيعي باقر شريف القرشي: " إن الكوفة كانت مهداً للشيعة، وموطناً من مواطن العلويين، وقد أعلنت إخلاصها لأهل البيت في كثير من المواطن " حياة الإمام الحسين 3/12 ¬

_ (¬1) البداية والنهاية (8/ 573 - 574) بتصرف (¬2) -البداية والنهاية 8/576

من قتل الحسين

وقال الشيخ الشيعي جواد محدثى: " اشتهر أهل الكوفة تاريخياً بالغدر ونقض العهد، وعلى كل حال فإن تاريخ الإسلام لا يحمل نظرة طيبة عن عهد والتزام أهل الكوفة" وقال أيضاً: "ومن جملة الخصائص النفسية والخلقية التي يتصف بها أهل الكوفة يمكن الإشارة إلى ما يلي: تناقض السلوك والتحايل والتلون والتمرد على الولاة والانتهازية وسوء الخلق والحرص والطمع وتصديق الإشاعات والميول القبلية إضافة إلى أنهم يتألفون من قبائل مختلفة، وقد أدت كل هذه الأسباب إلى أن يعاني منهم الإمام علي عليه السلام الأمرَّين، وواجه الإمام الحسن عليه السلام منهم الغدر، وقتل بينهم مسلم بن عقيل مظلوماً، وقتل الحسين عطشاناً في كر بلاء قرب الكوفة، وعلى يد جيش الكوفة موسوعة عاشوراء ص 59) (¬1) من قتل الحسين؟ يجيبك على هذا السؤال كبار أئمة الشيعة الروافض فهذه شهاداتهم على بني جلدتهم: (1-قال الشيعي حسين كوراني: " أهل الكوفة لم يكتفوا بالتفرق عن الإمام الحسين، بل انتقلوا نتيجة تلون مواقفهم إلى موقف ثالث، وهو أنهم بدأوا يسارعون بالخروج إلى كر بلاء، وحرب الإمام الحسين علية السلام، وفي كربلاء كانوا يتسابقون إلى تسجيل المواقف التي ترضي الشيطان، وتغضب الرحمن، مثلاً نجد أن عمرو بن الحجاج الذي برز بالأمس في الكوفة وكأنه حامي حمى أهل البيت، والمدافع عنهم، والذي يقود جيشاً لإنقاذ العظيم هانئ بن عروة، يبتلع كل موقفه الظاهري هذا ليتهم الإمام الحسين بالخروج عن الدين لنتأمل النص التالي: وكان عمرو بن الحجاج يقول لأصحابه: قاتلوا من مرق عن الدين وفارق الجماعة " في رحاب كربلاء ص 60-61 " ¬

_ (¬1) -من قتل الحسين؟ ص 13- 14

الأدلة على عدالة الصحابة من القرآن الكريم

2- يقول الشيعي كاظم الإحسائي النجفي: "إن الجيش الذي خرج لحرب الإمام الحسين - عليه السلام - ثلاثمائة ألف، كلهم من أهل الكوفة، ليس فيهم شامي ولا حجازي ولا هندي ولا باكستاني، ولا سوداني، ولا مصري، ولا أفريقي، بل كلهم من أهل الكوفة، قد تجمعوا من قبائل شتى" "عاشوراء ص 89 " 3-قال المؤرخ الشيعي حسين بن أحمد البراقى النجفي " قال القزويني: ومما نقم على أهل الكوفة أنهم طعنوا الحسن بن علي - عليه السلام -، وقتلوا الحسين عليه السلام بعد أن استدعوه "تاريخ الكوفة ص113 " 4-وقال الشيعي جواد محدثتي " وقد أدت كل هذه الأسباب إلى أن يعاني منهم الإمام علي عليه السلام الأمرَّين، وواجه الإمام الحسن عليه السلام منهم الغدر، وقتل بينهم مسلم بن عقيل مظلوماً، وقتل الحسين عطشاناً في كربلاء قرب الكوفة وعلى يدي جيش الكوفة " موسوعة عاشوراء ص59) (¬1) ما هو موقف أهل السنة من قتل الحسين - رضي الله عنه -؟ الجواب: (أما موقف أهل السنة من مقتل الحسين رضي الله عنه فيلخصه شيخ الإسلام ابن تيميه في مجموع الفتاوى (4 /511) بقوله: " وقد أكرمه الله بالشهادة وأهان ذلك من قتله أو أعان على قتله، أو رضي بقتله وله أسوةً حسنه بمن سبقه من الشهداء، فإنه وأخوه سيدا شباب الجنة، وقد كانا قد تربيا في عز الإسلام لما ينالا من الهجرة والجهاد والصبر والأذى في لله ما نالهُ أهل بيته فأكرمهما الله بالشهادة تكميلاً لكرامتهما ورفعاً لدرجاتهما وقتلهُ مصيبة عظيمة. والله سبحانه وتعالى قد شرع الاسترجاع عند المصيبة بقوله تعالى: " وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم وأولئك هم المهتدون"البقرة 155-157") (¬2) الباب الرابع الأدلة على عدالة الصحابة من القرآن الكريم ¬

_ (¬1) - من قتل الحسين؟ ص 39 -41 (¬2) -من قتل الحسين ص 12

قال الله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الفتح:29) يقول الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي المغربي: [قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: (وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور) وقال ابن إدريس رحمه الله: " لا آمن أن يكونوا قد ضارعوا الكفار- يعني الرافضة – لأن الله تعالى يقول: {ليَغيظَ بهمُ الكُفَّار} " تفسير ابن الجوزي ". قال أبو عروة الزبيري رحمه الله: (كنا عند مالك فذكروا رجلاً ينتقص أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقرأ مالك هذه الآية: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنجيل كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} .قال مالك: من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب محمد عليه السلام فقد أصابته الآية) " رواه الخلال، وأبو نعيم وذكره ابن الجوزي مختصراً في تفسيره، ونقل القرطبي هذا الأثر وعزاه للخطيب ثم قال: (لقد أحسن مالك في مقالته وأصاب في تأويله فمن نقص واحداً منهم

أو طعن عليه في روايته فقد ردَّ على الله رب العالمين، وأبطل شرائع المسلمين) " تفسير القرطبي ".قال الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} ، {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر: 8، 10) . وقال شيخ الإسلام رحمه الله في " منهاج [2/18 – 19] وهذه الآيات تتضمن الثناء على المهاجرين والأنصار، وعلى الذي جاءوا من بعدهم يستغفرون لهم ويسألون الله أن لا يجعل في قلوبهم غلاً لهم، وتتضمن أن هؤلاء الأصناف هم المستحقون للفيء، ولا ريب أن هؤلاء الرافضة خارجون من الأصناف الثلاثة، فإنهم لم يستغفروا للسابقين الأولين، وفي قلوبهم غلّ عليهم. ففي الآيات الثناء على الصحابة وعلى أهل السنة الذين يتولونهم، وإخراج الرافضة من ذلك، وهذا نقيض مذهب الرافضة، وقد روى ابن بطَّة وغيره من حديث أبي بدر عن سعد بن أبي وقاص قال: الناس على ثلاث منازل، فمضت منزلتان وبقيت واحدة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت، ثم قرأ: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً} . هؤلاء المهاجرون وهذه منزلة قد مضت. ثم قرأ {وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} . ثم قال هؤلاء

الأنصار وهذه منزلة قد مضت.ثم قرأ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} . فقد مضت هاتان وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم عليه كائنون أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت أن تستغفروا الله لهم. وقال ابن أبي العز رحمه الله: فمن أضل ممن يكون في قلبه غلٌّ على خيار المؤمنين وسادات أولياء الله تعالى بعد النبيين؟ بل قد فضلهم اليهود والنصارى بخصلة، قيل لليهود: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب موسى، وقيل للنصارى: من خير أهل ملتكم؟ قالوا: أصحاب عيسى، وقيل للرافضة: من شر أهل ملتكم؟ قالوا أصحاب محمد!! لم يستثنوا منهم إلا القليل، وفيمن سبُّوهم من هو خير ممن استثنوهم بأضعاف مضاعفة "شرح الطحاوية [470] ". وقال سبحانه وتعالى: {لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} الحديد:10. والحسنى هي الجنة كما ورد مرفوعاً وموقوفاً من طرق كثيرة مستفيضة. واستدل ابن حزم رحمه الله تعالى: {وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُّ الحُسنَى} إن جميع الصحابة بدون استثناء من أهل الجنة مقطوع بذلك، ورضي الله عنهم من فوق سبع سماوات في قوله {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً} (الفتح:18) . وفي قوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ

عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة:100) . وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: فقد أخبر الله العظيم أنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان، فيا ويل من أبغضهم أو سبهم أو أبغض أو سب بعضهم ولا سيما سيد الصحابة بعد الرسول وخيرهم وأفضلهم، أعني الصديق الأكبر والخليفة الأعظم أبا بكر بن أبي قحافة - رضي الله عنه -، فإن الطائفة المخذولة من الرافضة يعادون أفضل الصحابة ويبغضونهم ويسبونهم، عياذاً بالله من ذلك؛ وهذا يدل على أن عقولهم معكوسة، وقلوبهم منكوسة، فأين هؤلاء من الإيمان بالقرآن إذ يسبون من رضي الله تعالى عنهم، وأما أهل السنة فإنهم يترضون عمن رضي الله عنه ويسبون من سبه الله ورسوله، ويوالون من يوالي الله، ويعادون من يعادي الله، وهم متبعون لا مبتدعون ويقتدون ولا يبتدون، ولهذا هم حزب الله المفلحون وعباده المؤمنون " في تفسيره [2/367] . وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: (أخبرنا الله عز وجل أنه علم ما في قلوبهم ورضي عنهم وأنزل السكينة عليهم فلا يحل لأحد التوقف في أمرهم ولا شك فيهم) والآيات القرآنية في مدحهم وتعظيم قدرهم كثيرة منها: قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} آل عمران: 110. وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} البقرة:143. فمن المخاطب وقت نزول الآيتين غير الصحابة؟ فهم المخاطبون بذلك خطاباً أولياً، فثبت خيريتهم رضي الله تعالى عنهم على كافة الناس غير الأنبياء وجعلهم الله شهداء على الناس يوم القيامة لفضلهم وشرفهم وعلو منزلتهم. ومنها قوله تعالى: {يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ

آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ} التحريم:8. قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: (وفي الجملة كل ما في القرآن من خطاب المؤمنين والمتقين والمحسنين ومدحهم والثناء عليهم، فهم – أي الصحابة – أول من دخل في ذلك من هذه الأمة، وأفضل من دخل في ذلك من هذه الأمة) " منهاج السنة [2/49-50]] (¬1) . الأدلة على عدالة الصحابة من السنة النبوية وأقوال السلف? ¬

_ (¬1) - من سب الصحابة ومعاوية فأمه هاوية. ص 2-6

يقول الشيخ المغراوي [قال صلى الله عليه وسلم: (لا تسبّوا أحدا من أصحابي فان أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه) (¬1) - قال شيخ الإسلام ابن تيميه: (وذلك إن الإيمان الذي كان في قلوبهم حين الإنفاق في أول الإسلام وقلة أهله، وكثرة الصوارف عنه، وضعف الدواعي إليه لا يمكن لأحد أن يحصل له مثله من بعدهم. وهذا يعرف بعضه من ذاق الأمر، وعرف المحن والابتلاء الذي يحصل للناس، وما يحصل للقلوب من الأحوال المختلفة. وهذا مما يعرف به أن أبا بكر - رضي الله عنه - لن يكون أحد مثله، فان اليقين والإيمان الذي كان في قلبه لا يساويه فيه أحد. قال أبو بكر بن عياش: ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في قلبه. وهكذا سائر الصحابة حصل لهم بصحبتهم للرسول، مؤمنين به مجاهدين معه، إيمان ويقين لم يشركهم فيه من بعدهم) (¬2) . وقال العلامة الشوكاني: (فانظر إلى هذه المزية العظيمة، والخاصية الكبيرة التي لم تبلغ من غيرهم إنفاق مثل الجبل الكبير من الذهب نصف المد الذي ينفقه الواحد منهم، فرضي الله عنهم أرضاهم فهم أفضل أولياء الله سبحانه وأكرمهم عليه وأعلاهم منزلة عنده،: وهم الذين عملوا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -) (¬3) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم … الحديث) وهو خبر متواتر وقد رواه جمع من الصحابة الكرام منهم: أبو هريرة وعبد الله بن مسعود وعمران بن الحصين والنعمان بن بشير وعائشة وبريده وأبو برزة وعمر بن الخطاب وسمرة وسعد بن تميم وجعده بنت هبيرة وجميلة بنت أبى لهب (¬4) . وقال صلى الله عليه وسلم: من سب أصحابي فعليه ¬

_ (¬1) – رواه البخاري 3673، ومسلم 2541 (¬2) - منهاج السنة 6/ 223 (¬3) - قطر الولي. ص: 255 (¬4) - انظر الأزهار المتناثرة للسيوطي ولقط الآلي للزبيدي ص: 72 ونظم المتناثر للكتاني127

لعنة الله والملائكة والناس أجمعين (¬1) . قال الإمام الآجر ي: (ومن سبهم فقد سب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن سب رسول الله استحق اللعنة من الله عز وجل ومن الملائكة ومن الناس أجمعين) (¬2) . وقال أيضاً: (لقد خاب وخسر من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ لانه خالف الله ورسوله ولحقته اللعنة من الله عز وجل ومن رسوله ومن الملائكة ومن جميع المؤمنين ولا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا، لا فريضة ولا تطوعا، وهو ذليل في الدنيا، وضيع القدر، كثّر الله بهم القبور، وأخلى منهم الدور) (¬3) وقال صلى الله عليه وسلم: (النجوم آمنة للسماء فإذا ذهبت النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبتُ ¬

_ (¬1) -5- أخرجه أبو نعيم ورواه الطبراني عن ابن عباس موصولا وقال الألباني: (وبالجملة فالحديث بمجموع طرقه حسن عندي على اقل الدرجات والله اعلم) . (¬2) - الشريعة 3/ 543 (¬3) - الشريعة 3/ 550

أتى أصحابي ما يوعدون، وأصحابي أمنة لأمتي، فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون) (¬1) . قال ابن القيم رحمه الله: (… جعل نسبة أصحابُه لمن بعدهم كنسبتهِ إلي أصحابهِ، وكنسبة النجوم إلى السماء ومن المعلوم إن هذا التشبيه يُعطي من وجوب اهتداء الأمة بهم ما هو نظير اهتدائهم بنبيهم - صلى الله عليه وسلم -، ونظير اهتداء أهل الأرض بالنجوم، وأيضاً فإنهُ جعل بقائهم بين الأمة آمنةً لهم وحِرزاً من الشر وأسبابه) (¬2) . وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: (يأتي على الناس زمان يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فيقولون: نعم فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم: فيكم من رأى من صحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقولون نعم، فيفتح لهم، ثم يغزو فئام من الناس فيقال لهم هل فيكم من رأى من صحب من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقولون: نعم، فيفتحُ لهم (¬3) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: استوصوا بأصحابي خيراً ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم …. وفي رواية: أحسنوا إلى أصحابي، وفي رواية: احفظوني في أصحابي، وفي رواية: أكرموا أصحابي، وفي أخرى: أوصيكم بأصحابي (¬4) . وقال - صلى الله عليه وسلم -: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا، وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا (¬5) ¬

_ (¬1) - احمد 4/ 399، ومسلم 2531 (¬2) - – إعلام الموقعين 4/ 137 (¬3) - البخاري 3649، ومسلم 2532 (¬4) – رواه احمد والترمذي وقال حسن صحيح من هذا الوجه. ورواه الحاكم وصححه واقره الذهبي وقد صحح الحديث أحمد شاكر رحمه الله وكذا الألباني في الصحيحة. (¬5) - رواه الطبراني وأبو نعيم وغيرهما من حديث ابن مسعود رضي الله عنه وحسنه الحافظان العراقي وابن حجر وصححه الألباني لشواهده أنظر الصحيحة

ومعنى: إذا ذكر أصحابي فأمسكوا قال أبو الحسن الأشعر ي، في رسالته إلى أهل الثغر ص: 172 قال أهل العلم: ومعنى ذلك لا تذكروهم إلا بخير الذكر. وقال - صلى الله عليه وسلم -. آية الإيمان حب الأنصار وآية النفاق بغض الأنصار. وقال في الأنصار كذلك. لا يحبهم إلا مؤمن ولا يبغضهم إلا منافق رواة البخاري ومسلم / قال ابن عمر - رضي الله عنه -: لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم أربعين سنة وفي رواية خير من عبادة أحدكم عمره) (¬1) . وقال ابن مسعود - رضي الله عنه -: (إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمد خير قلوب العباد، فاصطفاه لنفسه وابتعثه برسالته، ثم نظر في قلوب العباد بعد قلب محمد - صلى الله عليه وسلم - فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه] (¬2) . يقول الإمام مالك في الذين يقدحون في الصحابة: إنما هؤلاء أقوام أرادوا القدح في النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمكنهم ذلك فقدحوا في أصحابه حتى يقال رجل سوء ولو كان صالحاً لكان أصحابه صالحين) (¬3) عدالة جميع الصحابة بدون استثناء عند المحدثين قال الحافظ بن حجر: (اتفق أهل السنة على إن الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلا شذوذ من المبتدعة) ¬

_ (¬1) - (6) رواه أحمد في فضائل الصحابة وابن ماجة وصححه البوصيري، وحسنه الألباني (¬2) -– أخرجه أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: (أسانده صحيح وهو موقوف على ابن مسعود) وصححه الحاكم وأقره الذهبي وقال الألباني: (ثم أخرجه – أي الخطيب في الفقيه والمتفقه – من طريق عبد الرحمن بن يزيد: فذكره وإسناده صحيح (¬3) – من سب الصحابة ومعاوية ص7-15

قال القرطبي: (فالصحابة كلهم عدول أولياء الله تعالى وأصفياؤه وخيرته من خلقه بعد أنبيائه ورسله، هذا مذهب أهل السنة والذي عليه الجماعة من أئمة هذه الأمة وقد ذهبت شرذمة لا مبالاة بهم إلى أن حال الصحابة كحال غيرهم) "الجامع لأحكام القرآن: 16 / 285 – 286) . قال ابن عبد البر: (ثبتت عدالة جميعهم بثناء الله عز وجل عليهم وثناء رسوله عليه السلام، ولا أعدل ممن ارتضاه الله لصحبة نبيه ونصرته ولا تزكية أفضل من ذلك ولا تعديل أكمل منه) . ثم قال: (وهم أولو العلم والدين والفضل، وخير أمة أخرجت للناس، وخير القرون، ومن قد رضي الله عنهم، وأخبر بأنهم رضوا عنه، وأثنى عليهم بأنهم الرحماء بينهم، الأشداء على الكفار، الركع السجود، وأنهم الذين أوتوا العلم. قال ابن كثير: (والصحابة كلهم عدول عند أهل السنة والجماعة لما أثنى الله عليهم في كتابه العزيز وبما نطقت به السنة النبوية في المدح لهم في جميع أخلاقهم وأفعالهم وما بذلوه فيه من الأموال والأرواح بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رغبة فيما عند الله من الثواب الجزيل والجزاء الجميل) . ثم قال: (وقول المعتزلة الصحابة عدول إلا من قاتل عليا قول باطل مرذول ومردود) . قال ابن صلاح في مقدمته: (للصحابة بأسرهم خاصية وهي أنه لا يسأل عن عدالة أحد منهم بل ذلك مفروغ منه لكونهم على الإطلاق معدلين بنصوص الكتاب والسنة وإجماع من يعتد به في الإجماع من الأمة، قال الله تبارك وتعالى: (كنتم خير أمة أخرجت للناس) "آل عمران: 110".

الآية، قيل: اتفق المفسرون على أنه وارد في أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال تعالى: (وكذلك.......الناس) " البقرة: 142 ". وهذا خطاب مع الموجودين حينئذ …) .ثم قال: (إن الأمة مجمعة على تعديل الصحابة ومن لابس الفتن منهم، فكذلك بإجماع العلماء الذين يعتد بهم في الإجماع إحساناً للظن بهم ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه وتعالى أتاح الإجماع إحساناً للظن بهم ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر وكأن الله سبحانه وتعالى وأتاح الإجماع على ذلك لكونهم نقلة الشريعة والله أعلم) قال ابن حزم رحمه الله: (وكلهم عدل إمام فاضل رضى) . قال النووي: (الصحابة كلهم عدول، من لابس الفتن وغيرهم بإجماع من يعتد به) . وقال السخاوي: (وهم رضي الله عنهم باتفاق أهل السنة عدول كلهم مطلقا كبيرهم وصغيرهم، لابس الفتن أم لا. وجوبا لحسن الظن ونظراً إلى ما تمهد لهم من المآثر من امتثال أوامره بعده وفتحهم الأقاليم وتبليغهم عنه الكتاب والسنة وهدايتهم الناس، ومواظبتهم على الصلاة والزكاة وأنواع القربات من الشجاعة والبراعة والكرم والآثار والأخلاق الحميدة التي لم تكن في أمة من الأمم المتقدمة) وقال ابن الجوزي: (أجمع صالحوا هذه الأمة وعلى رأسهم السلف الكرام على استهجان واستقباح النيل من أحد الصحابة، وهجروا فاعله ورموه بالرزيات وأوقعوا به شتى العقوبات، وقد توعده القرآن والسنة بالخزي في الحياة وبعد الممات، قال تعالى: (ومن يشاقق --- مصيرا) "النساء:115". وَمَنْ المؤمنون حين نزول هذه الآية غير الصحابة؟ فجهنم لمن اتبع غير سبيلهم. فكيف بمن سبهم وشتمهم وأبغضهم؟ قال أبو الحسن الأشعر ي: (وأجمعوا " أي أهل السنة والجماعة " على النصيحة للمسلمين والتولي لجماعتهم وعلى التوادد في الله والدعاء لأئمة المسلمين،والتبري ممن ذم أحدا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأهل بيته و

أزواجه، وترك الاختلاط بهم، والتبري منهم) (¬1) . الأدلة القرآنية على حرمة الطعن في الصحابة يقول شيخ الأسلام ابن تيميه: (أما الأولُ فلأنّ الله سبحانه يقول: {وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} وأدنى أحوال السابّ لهم أن يكون مغتاباً، وقال تعالى: {وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} (وَالطَّاعِنُ عَلَيْهِمِ هُمَزَة لُمَزَةٌ) وقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدْ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً} وهم صدور المؤمنين فإنهم هم المواجَهون بالخطاب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} حيث ذُكرت، ولم يكتسبوا ما يوجب أذاهم، لأن الله سبحانه رضي عنهم رضىً مطلقاً بقوله تعالى: {وَالسَّابِقُوْنَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} فرضي عن السابقين من غير اشتراط إحسانٍ، ولم يرضَ عن التابعين إلا أن يتّبعوهم بإحسانٍ، وقال تعالى: {لَقَدْ رَضي اللهُ عَنِ المُؤْمِنينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} والرضى من الله صفةٌ قديمةٌ، فلا يرضى إلا عن عبدٍ علم أنه يوافيه على موجبات الرضى ومَن - رضي الله عنه - لم يسخط عليه أبداً، وقولة تعالى: {إذْ يُبَايِعُوْنَكَ} سواءٌ كانت ظرفاً محضاً أو ظرفاً فيها معنى التعليل فإن ذلك ظرفٌ لتعلق الرضى بهم، فإنه يسمى رضىً أيضاً كما في تعلق العلم والمشيئة والقدرة وغير ذلك من صفات الله سبحانه، وقيل: بل الظرفُ يتعلقُ بنفسِ الرضى، وإنه يرضى عن المؤمن بعد أن يطيعه، ويسخط عن الكافر بعد أن يعصيه، ويحبُّ من اتبع الرسول بعد اتباعه له، وكذلك أمثال هذا، وهذا قول جمهور السلفِ وأهل الحديث وكثير من أهل الكلام وهو الأظهر، وعلى هذا فقد بيّن في مواضع أُخر أن هؤلاء ¬

_ (¬1) - من سب الصحابة ومعاوية فأمهُ هاوية ص 38-39

الذين رضي اللهُ عنهم هم من أهل الثواب في الآخرة، ويموتون على الإيمان الذي به يستحقون ذلك، كما في قوله تعالى: {وَالسَّابِقُوْنَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رضي الله ُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِيْ تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيْهَا أَبَداً ذلِكَ الفَوْزُ العَظِيمُ} . وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لاَ يَدْخُل النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشّجَرَةِ".وأيضاً فكل من أخبر الله عنه أنه رضي عنه فإنه من أهل الجنة وإن كان رضاه عنه بعد إيمانه وعمله الصالح، فإنه يذكر ذلك في مَعْرِض الثناء عليه والمدح عليه، فلو علم أنه يَتَعقّب ذلك ما يُسخط الرَبَّ لم يكن من أهل ذلك، وهذا كما في قوله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيْةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي} ولأنه سبحانه وتعالى قال: {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلى النَّبيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَار ِالّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ العُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيْغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءوفٌ رَحِيمٌ} وقال سبحانه وتعالى: {وَاصبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيْدُونَ وَجْهَهُ} وقال تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْواناً} الآية، وقال تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للِنَّاسِ} وقال تعالى {وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً} ، وهم أول من وُجِّه بهذا الخطاب، فهم مرادون بلا ريبٍ، وقال ـ سبحانه وتعالى: {

وَالّّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدَهُمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الّذِينَ سَبَقُونَا بَالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلّذينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءوفٌ رَحِيمٌ} فجعل سبحانه ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى للمهاجرين والأنصار والذين جاءوا من بعدهم مستغفرين للسابقين وداعين لله أن لا يجعل في قلوبهم غِلاً لهم، فعُلم أن الاستغفار لهم وطهارة القلب من الغِلِّ لهم أمرٌ يحبهُ الله ويرضاه، ويُثني على فاعله، كما أنه قد أمر بذلك رسوله في قوله تعالى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ} ، وقال تعالى: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ} ومحبةُ الشيء كراهةٌ لضده، فيكون الله سبحانه وتعالى ـ يكرهُ السب لهم الذي هو ضدُّ الاستغفار والبغض لهم الذي هو ضدُّ الطهارةِ، وهذا معنى قول عائشة رضي الله عنها: "أُمِرُوا بِالاِسْتِغْفَارِ لأَصْحَابِ مُحَمَّدٍ فَسَبُّوهُمْ" رواه مسلمُ. وعن مجاهدٍ عن ابن عباسٍ قال: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَمَرَنَا بَالاِسْتِغْفَارِ لَهُمْ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُمْ سَيَقْتَتِلُونَ" رواه الإمام أحمد.

وعن سعد بن أبي وقاصٍ قال: "النَّاسُ عَلى ثَلاث مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَة، فأحسن ما أنتم كائنونَ عليهِ أن تكونوا بهذه المنزلةِ التي بقيت، قال: ثم قرأَ: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} إلى قوله: {وَرِضْوَاناً} فهؤلاء المهاجرون، وهذه منزلةٌ قد مضت {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: هؤلاء الأنصارُ، وهذه منزلةٌ قد مضت، ثم قرأ: {وَالَّذَينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى قوله: {رَحِيمٌ} قد مضت هاتان، وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم كائنونَ عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت"، يقولُ: أن تستغفروا لهم، ولأن مَن جَاز سبُّهُ بعينهِ أو لعنته لم يجز الاستغفار له، كما لا يجوز الاستغفارُ للمشركين لقوله تعالى: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيم} وكما لا يجوز أن يستغفر لجنس العاصيين مُسمَّين باسم المعصية، لأن ذلك لا سبيل إليه، ولأنه شرع لنا أن نسأل الله أن لا يجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا، والسب باللسانِ أعظمُ من الغِلِّ الذي لا سبَّ معهُ، ولو كان الغِلُّ عليهم والسبُّ لهم جائزاً لم يشرع لنا أن نسأله ترك ما لا يضرُّ فِعْلهُ، ولأنه وَصَفَ مستحقي الفيء بهذه الصفة كما وَصَفَ السابقين بالهجرة والنصرة، فعُلم أن ذلك صفةٌ لهم وشرطٌ فيهم، ولو كان السبُّ جائزاً لم يشترط في استحقاق الفيء ترك أمرٍ جائزٍ كما لا يشترط ترك سائر المباحاتِ، بل لو لم يكن الاستغفارُ لهم واجباً لم يكن شرطاً في استحقاقِ الفيءِ (لأِنَّ استِحْقَاقَ الفَيء) لا يشترك فيه ما ليس بواجبٍ، بل هذا دليلٌ على أن الاستغفار لهم داخلٌ في عَقْد الِّدين

وأصله.) (¬1) الأدلة من السنة على عدم جواز سب الصحابة وأما السنةُ ففي الصحيحين عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيدٍ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فوا لذي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ". وفي رواية لمسلم، واستشهد بها البخاري، قال: "كَانَ بَيْنَ خَالِدِ ابن الوَلِيدِ وَبَيْنَ عبدا لرحمن بن عَوْفٍ شَيءٌ، فسبَّهُ خالدٌ، فقال رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَإنَّ أَحَدَكُمْ لَو أَنْفَقَ مَثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ". وفي روايةٍ للبرقاني في صحيحه: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، دَعُوا لِي أَصْحَابِي، فَإِنًَّ أَحَدَكُمْ لَوْ أَنْفَقَ كُلَّ يَوْمٍ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ". والأصحابُ: جمعُ صاحبٍ، والصاحبُ: اسم فاعل من صحبه يصحبُه، وذلك يقع على قليلِ الصحابةِ وكثيرها، لأنه يقالُ: صحبته ساعة، وصحبته شهراً وصحبته سنةً، قال الله تعالى: {وَالصَّاحِبُ بِالجَنْبِ} قد قيل: هو الرفيقُ في السفرِ، وقيل: هو الزوجةُ، ومعلومٌ أن صحبةَ الرفيقِ وصحبةَ الزوجةِ قد تكون ساعةً فما فوقها، وقد أوصى الله به إحساناً ما دام صاحباً، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خَيْرُ الأَصْحَابِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لِصَاحِبِهِ، وَخَيْرُ الجِيْرَانِ عِنْدَ اللهِ خَيْرُهُمْ لجارِهِ"، وقد دخل في ذلك قليل الصحبة وكثيرها، وقليلُ الجوار وكثيره، وكذلك قال الإمام أحمد وغيره: "كل من صحب النبي - صلى الله عليه وسلم - سنةً أو شهراً أو يوماً أو رآه مؤمناً به فهو من أصحابه له من الصُّحبة بقدر ذلكَ". فإن قيل: فَلِم نهى خالداً عَنْ أن يسب ¬

_ (¬1) - الصارم المسلول ج 2ص 171-172

أصحابه، إذا كان من أصحابه أيضاً؟ وقال: "لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مَثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيْفَهُ". قلنا: لأن عبد الرحمن بن عَوْفٍ ونظراءه هم من السابقين الأولين الذين صحبوه في وقتٍ كان خالدٌ وأمثاله يعادونه فيه، وأنفقوا أموالهم قبل الفتح وقاتلوا، وهم أعظم درجةً من الذين أنفقوا من بعد الفتح وقاتلوا، وكلاً وَعَدَ الله الحسنى، فقد انفردوا من الصحبة بما لم يَشْرَكهم فيه خالدٌ، فَنَهى خالداً ونُظَراءه ممن أسلم بعد الفتح الذي هو صلح الحديبية وقاتل، أن يسبَّ أُولئكَ الذين صحبوه قبله، ومن لم يصحبه قطُّ نسبته إلى من صحبه كنسبة خالدٍ إلى السابقين وأبعد. وقوله: "لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي" خطابٌ لكلِّ أحدٍ أن يسبَّ من انِفرد عنه بصحبته - صلى الله عليه وسلم -، وهذا كقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أخر: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي أَتَيْتُكُمْ، فَقُلتُ: إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: صَدَقْتَ، فَهَلَ أَنْتُمْ تاركو لِي صَاحِبي؟ فَهَلْ أَنْتُمْ تاركو لِي صَاحِبي"؟ أو كما قال بأبي هو وأمي - صلى الله عليه وسلم - قال ذلك لما غامر بعض الصحابةِ أبا بكرٍ، وذاك الرجلُ من فضلاءِ أصحابه، ولكن امتاز أبو بكر عنه بصحبةٍ انفرد بها عنه. وعن محمد بن طلحة المدني عن عبدا لرحمن بن سالم بن عتبة بن عويم بن ساعدة عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إنَّ اللهَ اخْتَارَنِي، وَاخْتَارَ لِي أَصْحَاباً، جَعَلَ لِي مِنْهُمْ وُزَرَاءَ وَأَنْصَاراً وَأَصْهَاراً، فَمَنْ سَبَّهُمْ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، لاَ يَقْبَلُ اللهُ مِنْهَ يَوْمَ القِيامَةِ صَرْفاً وَلاَ عَدْلاً" وعن عبد الله بن مُغَفّلٍ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الله اللهَ فِي

أصْحَابِي، لاَ تَتَّخِذُوهُمْ غَرَضاً مِنْ بَعْدِي، مَنْ أَحَبَّهُمْ فَقَدْ أَحَبَّنِي، ومن أَبْغَضَهُمْ فَقَدْ أَبْغَضَنِي، وَمَنْ آذَاهُمْ فَقَدْ آذَانِي، وَمَن آذَانِي فَقَد آذَى اللهَ، وَمَنْ آذَى اللهَ فَيُوشِكُ أَنْ يَأْخُذَهُ" رواه الترمذيُّ وغيره من حديث عبيده بن أبي رائطة عن عبد الرحمن بن زيادٍ عنه، وقال الترمذي: "غريبٌ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه". ورُوي هذا المعنى من حديث أنسٍ أيضاً، ولفظه: "مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي فَقَدْ سَبَّنِي، وَمَنْ سَبَّنِي فَقَدْ سَبَّ اللهَ" رواه ابن البناءِ. وعن عطاء بن أبي رباحٍ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لَعَنَ اللهُ مَنْ سَبَّ أَصْحَابِي" رواه أبو أحمد الزبيريّ: حدثنا محمدُ بن خالدٍ عنه، وقد رُوي عنه عن ابن عمر مرفوعاً من وجهٍ آخر، رواهما اللالكائي. ولما جاء فيه من الوعيد قال إبراهيم النخعي: "كان يقال: شَتْمُ أَبي بكر وعمر من الكبائرِ"، وكذلك قال أبو إسحاق السبيعي: "شَتْم أبي بكرٍ وعمر من الكبائر التي قال الله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَونَ عَنْهُ} "، وإذا كان شَتْمهم بهذه المثابة فأقل ما فيه التعزيرُ، لأنه مشروعٌ في كُلِّ معصيةٍ ليس فيها حدٌّ ولا كفارةٌ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: "انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً" وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - والتابعين لهم بإحسانٍ وسائر أهل السنة والجماعة، فإنهم مجمعون على أن الواجبَ الثناءُ عليهم، والاستغفار لهم، والتّرحّمُ عليهم، والتّرضّي عنهم، واعتقادُ محبتهم وموالاتهم، وعقوبةُ مَنْ أَساء فيهم القول (¬1) . حكم من سبّ أحداً من الصحابة ¬

_ (¬1) - الصارم المسلول ج2/ 173-174

يقول الدكتور المغراوي: [اعلم أن سب المسلم ذنب عظيم وخلق ذميم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) "متفق عليه ". وقال: (لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك) "رواه البخاري ". وقال: (من لعن مؤمنا فهو كقتله، ومن قذف مؤمنا بكفر فهو كقتله) " رواه البخاري ". وقال: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) " رواه البخاري ومسلم من وجه آخر ". فإذا كان هذا الوعيد الشديد يلحق من سب مسلما من رعاع الناس فكيف بمن سب خيرة الناس بعد الأنبياء فالوعيد عليه أشد والخسران به ألحق، قال الله تعالى: (والذين يؤذون.... مبينا) "الأحزاب: 58 ". وقال: (ويل لكل همزة لمزة) قال ابن عباس (همزة لمزة) : طعان معياب. ويا من يقول قول سوء في الصحابة الكرام ولم يتعظ بالمواعظ العظام، وسلك سبيل اللئام ألا تخاف من بطش رب الأنام؟ (فكيف تقدم على شيء لم يكن عليه أمر الله ورسوله وكل ما لم يكن عليه أمرهما فهو رد، أي باطل، كيف وقد أمرك الله ورسوله بخلافه، ونهاك عن سب كل من اتصف بالإسلام كيف وقد أمرك الله تعالى بطلب المغفرة منه لمن سبق كيف وقد وصف الله تعالى نفسه بأنه قد رضي عنهم، أفيرضى عنهم وتسخط عنهم أنت يا عامي يا جاهل، فان قلت: إنما أمر الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء لهم قبل أن يقع ما وقع قلت: هذا كفر لأن الله تعالى عالم بما كان وما سيكون فلو علم لقيد الأمر بمن لم يقع منه شيء وقد أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ذلك كما هو معروف وكان سينقلب علم الله تعالى جهلا أو أنه وقع شيء وهو لا يعلمه أو أنهم فعلوا شيئا لا قدرة له على دفعه وكل واحد من هذه الثلاثة لا يقول به إلا كافر نعوذ بالله من ذلك) " من كتاب (القول الشافي السديد في نصح المقلد وإرشاد المستفيد) لعلي محمد بن علي الشوكاني - وهو ابن العلامة

الشوكاني. وقال العلامة علي القاري: (وأما من سب أحدا من الصحابة فهو فاسق ومبتدع بالإجماع، إلا إذا اعتقد انه مباح، كما عليه بعض الشيعة وأصحابهم، أو يترتب عليه ثواب كما هو دأب كلامهم، أو اعتقد كفر الصحابة وأهل السنة في فصل خطابهم؛ فانه كافر بالإجماع. وبعد هذا أتركك أخي القارئ مع إمام همام وهو شيخ الإسلام بحق ابن تيميه الحراني يفصل لك القول في ذلك، وسأنقل كلامه وإن طال لنفاسته وأهميته. قال رحمه الله " في الصارم المسلول (¬1) فأما مَن سبَّ أحداً مِن أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهل بيته وغيرهم فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُضربُ ضرباً نكالاً، وتوقف عن كفره وقتله. قال أبو طالبٍ: سأَلت أحمد عمن شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: القتل أَجْبُنُ عنه، ولكن أضربه ضرباً نكالاً". وقال عبد الله: "سأَلت أبي عمن شتم رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: أرى أن يضرب، قلت له: حدٌّ، فلم يقف على الحد، إلا أنه قال: يُضرب، وقال: ما أراه على الإسلامِ". وقال: سَأَلْتُ أَبِي: مَنِ الرَّافِضَةُ؟ فَقَالَ: الّذِينَ يَشْتُمُونَ ـ أو يسبون ـ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما". وقال في الرسالة التي رواها أبو العباس أحمد بن يعقوبَ الإصطخري وغيره: "وخير الأمةِ بعدَ النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو بكرٍ وعمرُ بعدَ أبي بكرٍ، وعثمان بعد عمرَ، وعلي بعد عثمانَ، ووقفَ قومٌ عَلَى عُثمانَ وهم خلفاءُ راشدون مهديون، ثم أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بعد هؤلاء الأربعةِ خير الناسِ، لا يجوز لأحدٍ أن يذكر شيئاً من مساويهم، ولا يطعن على أحدٍ منهم بعيبٍ ولا نقصٍ، فمن فعل ذلك فقد وجب عَلَى السُّلْطَانِ تأديبه وعقوبته، ليس له أن يعفو عنه، بل يعاقبه ويستتيبهُ، فإن تاب قُبِلَ منهُ، وإن ثبت أعادَ عليهِ العقوبَةَ وخلده في الحبس حتى يموت أو يُراجعَ. وحكى الإمام أحمد ¬

_ (¬1) - ج2 ص/169

هذا عمن أدركه من أهل العلم، وحكاه الكرماني عنه وعن إسحاق والحميد ي وسعيد بن منصورٍ وغيرهم. وقال الميموني: "سمعت أحمد يقول: ما لهم ولمعاوية؟ نسأل الله العافية، وقال لي: يا أبا الحسن إذا رأيت أحداً يذكر أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بسوءٍ فاتهمه على الإسلام". فقد نصّ رضي الله عنه على وجوب تعزيره، واستتابته حتى يرجع بالجلد، وإن لم ينته حبس حتى يموت أو يراجع، وقال: ما أراه على الإسلام، واتهمه على الإسلام، وقال: أجبنُ عن قتله. وقال إسحاق بن راهويه: من شتم أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يعاقب ويحبس. وهذا قول كثير من أصحابنا، ومنهم ابن أبي موسى، قال: "ومن سب السلف من الروافض فليس بكفؤ ولا يُزوج، ومن رمى عائشة رضي اللهُ عنها بما برأها اللهُ منه فقد مَرَقَ من الدِّين، ولم ينعقد له نكاح على مسلمة، إلا أن يتوب ويظهر توبتَهُ"، وهذا في الجملة قول عمر بن عبدا لعزيز وعاصمِ الأحول وغيرهما من التَّابِعِيْنَ. قال الحارث بن عتبة: "إنّ عُمَرَ بن عبدا لعزيز أُتِي برجلٍ سبَّ عثمان، فقال: ما حملك على أن سببته؟ قال: أُبغضهُ، قال: وإن أبغضتَ رجلاً سببته؟ قال: فأمر به فجُلِد ثلاثين سوطاً". وقال إبراهيم بن ميسرةَ: "مَا رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ عبدا لعزيز ضَرَبَ إنسَاناً قَطُّ، إلاّ إنسَاناً شتم معاويةَ فضربهُ أسوَاطاً". رواهما اللالكائي. وقد تقدم عنه [أي في الصفحات السابقة من كتاب الصارم المسلول] أنهُ كَتب في رجلٍ سبَّهُ: "لا يقتل إلا من سب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن اجلده فوق رَأسه أَسواطاً، ولولا أني رجوت أن ذلك خير له لم أَفعلْ". وروى الإمام أحمد حدثنا أبو معاوية حدثنا عاصم الأحول قال: "أُتِيْتُ برجلٍ قدْ سبَّ عُثمانَ، قال: فضربتهُ عشرةَ أسواطٍ، قالَ: ثمَّ عَادَ لِمَا قَالَ: فضربتهُ عشرةً أخرى، قال: فلم يزل يَسُبُّهُ حتى ضربتُهُ سبعينَ سَوطاً".

وهذا هو المشهورُ من مذهب مالكٍ، قال مالكٌ: "من شتم النبي - صلى الله عليه وسلم - قتل، ومن شتم أَصحابه أُدّبَ" (¬1) . وقال عبد الملك بنُ حبيب: "مَنْ غَلاَ مِنَ الشِّيْعَةِ إلى بُغْضِ عثمان والبراءة منهُ أُدِّبَ أدباً شديداً، ومَن زادَ إلى بُغضِ أبي بكرٍ وعمرَ فالعقوبةُ عليهِ أشدُّ، ويُكرَّرُ ضربُهُ، ويُطَالُ سجنهُ حتى يموتَ، ولا يبلغُ به القتل إلاّ في سَبّ النّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -". وقال ابن المنذرِ: "لا أعلم أَحداً يوجب قتل من سب من بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -". وقال القاضي: أبو يعلى: الذي عليه الفقهاءُ في سبّ الصحابةِ: "إن كان مستحلاً لذلك كفر، وإن لم يكن مستحلاً فَسَق ولم يكفر، سواء كَفَّرهم أو طَعَن في دينهم مع إسلامهم". وقد قطع طائفةٌ من الفقهاء من أهل الكوفةِ وغيرهم بقتل من سبّ الصحابة وَكُفْرِ الرَّافضةِ. قال محمدُ بن يوسف الفريابي، وسئل عمن شتم أبا بكر، قال: "كافر، قيل: فيُصلَّى عليه؟ قال: لا، وسأله: كيف يُصنع به وهو يقول لا إله إلا الله؟ قال: لا تمسوه بأيديكم، ادفعوه بالخشب حتى تواروه في حفرته". وقال أحمد بن يونس: "لو أن يهودياً ذبح شاة وذبح رافضي لأَكلت ذبيحة اليهودي، ولم آكل ذبيحة الرافضي، لأَنه مرتد عن الإسلام". وكذلك قال أبو بكر بن هانئ: "لا تُؤكل ذبيحة الروافض والقدريةِ كما لا تُؤكلُ ذبيحةُ المرتدّ، مع أنهُ تُؤكل ذبيحةُ الكتابّي، لأن هؤلاء يُقامونَ مقامَ المرتدّ، وأهل الذمةِ يُقَرُّونَ على دينهم، وتُؤخذُ منهم الجزيةُ". وكذلك قال عبد الله بن إدريس من أعيانِ أئمة الكوفةِ: "ليس لرافضي شفعة لأَنه لا شفعة إلا لمسلمٍ. وقال فضيلُ بن مرزوقٍ: ¬

_ (¬1) - قلت: إذا كان هذا هو مذهب مالك فيمن يشتم أحد من الصحابة، فماذا يقول الإمام مالك رحمه ُ الله لو رأى شبابنا الذين يسبون دين الله صباحاًً ومساءً!! وعلى أتفه الأسباب، ويا ترى ما هو حكمهم في دين الإسلام عند مالك؟؟؟

"سَمِعْتُ الحَسَنَ بَنَ الحسنِ يقولُ لرجلٍ من الرافضةِ: واللهِ إن قَتْلكَ لقربةٌ إلى اللهِ، وما أمتنعُ من ذلك إلا بالجوازِ"، وفي رواية قال: "رَحَمِكَ اللهُ قَدْ عرفتُ إنما تقولُ هذا تمزحُ، قال: لا، واللهِ ما هو بالمزح ولكنهُ الجد، قال: وسمعته يقول: لئن أمكننا الله منكم لنقطعنَّ أيديكُم وأَرْجُلَكُمْ". وصَرَّح جماعاتٌ من أصحابنا بكفر الخوارج المعتقدين البراءة من عليّ وعثمان وبكفر الرافضة المعتقدين لسب جميع الصحابة الذين كفَّروا الصحابة وفسَّقوهُم وسبّوهُم. وقال أبو بكرٍ عبد العزيز في "المُقْنِعِ" وَ "أما الرَّافِضِيُّ فَإِنْ كَانَ يَسُبُّ فَقَدْ كَفَرَ فَلاَ يُزَوَّجُ". ولفظ بعضهم وهو الذي نَصَره القاضي أبو يعلى أنهُ إن سبهم سبًّا يقدحُ في دينهم أو عدالتهم كَفَر بذلك، وإن كان سبًّا لا يقدحُ ـ مثل أن يسبَّ أبا أحدهم أو يسبه سبًّا يقصد به غيظه ونحو ذلك ـ لم يكفر". قال أحمدُ في روايةِ أبي طالبٍ في الرجلِ يشتمُ عثمان: "هذه زندقةٌ"، وقال في رواية المروذي: "من شتم أَبا بكر وعمر وعائشة ما أراه على الإسلام". (وقال في رواية حنبل: من شتم رجلاً من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ما أراه على الإسلام) . قال القاضي أبو يعلى: فقد أطلق القول فيه أنه يكفر بسبّه لأحدٍ من الصحابةِ، وتوقّف في رواية عبد الله وأبي طالبٍ عن قتله وكمال الحد، وإيجاب التعزير يقتضي أنه لم يحكم بكفره. قال: فيحتمل أن يحمل قوله: "مَا أَرَاهُ عَلَى الإِسْلاَمِ" إذا استحلَّ سبهم بأنَّهُ يكفرُ بلا خلافٍ، ويحملُ إسقاطُ القتلِ على مَنْ لم يستحلّ ذلك، بل فَعَلهُ مع اعتقادهِ لتحريمهِ كمن يَأتِي المعاصي، قالَ: ويحتملُ أن يحمل قولهُ: "مَا أَرَاهُ عَلَى الإِسْلاَمِ" على سبٍّ يطعنُ في عدالتهم نحو قوله: ظَلمُوا، وفَسَقُوا، بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأَخذُوا الأمر بغير حقّ، ويحملُ قولهُ في إسقاطِ القتلِ على سبٍّ لا يطعنُ في

دينهم، نحو قوله: كان فيهم قلةُ علمٍ، وقلةُ معرفةٍ بالسياسة والشجاعة، وكان فيهم شحُّ ومحبةٌ للدُّنْيَا، ونحو ذلك، قال: ويحتملُ أن يُحملَ كلامُه على ظاهره فتكونُ في سابهم روايتان: إحداهما: يكفُرُ، والثانية: يفسقُ، وعلى هذا استقرَّ قولُ القاضي وغيره، حكوا في تكفيرهم روايتين. قال القاضي: "ومن قذف عائشة ـ رضي الله عنها ـ بما برأَها الله منه كفر بلا خلافٍ وإذا أردت التوسع في هذا الموضوع فارجع إلى كتاب ابن تيميه الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم] (¬1) بعض الكتب التي صنفت في من سب الصحابة 1 - رسالة النهي عن سب الصحابة لمحمد بن سحنون التنوخي (ترتيب المدارك) 4 / 207 2 - النهي عن سب الأصحاب وما جاء فيه من الإثم والعقاب للضياء محمد بن عبد الواحد المقدسي. 3 - تنبيه الولاة والحكام على أحكام شاتم خير الأنام، أو أحد أصحابه الكرام عليهم الصلاة والسلام لابن عابدين. 4 - الصواعق المحرقة لإخوان الشياطين أهل الابتداع والضلال الزندقة، لابن حجر الهيتمي. 5 - حكم من سب أحدا من الصحابة للشوكاني. 6 - السيف المسلول على مبغضي أصحاب الرسول لياسين مصطفى الفرضي. 7 - الحسام المسلول على منقصي أصحاب الرسول لبحرق اليمني. 8 - السيف اليماني المسلول في عنق من طعن في أصحاب الرسول لمحمد بن يوسف التونسي 9 - السيف المسلول على من سب أصحاب الرسول للقاضي عياض 10 - السيف المسلول على من سب أصحاب الرسول لتقي الدين السبكي 11 - الرسالة الوازعة للمعتدين عن سب صحابة سيد المرسلين للمؤيد يحيى بن حمزة الطالبي ت 745. 12-وكتب محمود شكري الألوسي المتوفى سنة [1342 هجري] : (صب العذاب على من سب الأصحاب) ذكرها في الإعلام [7 / 173] وقد طبعت مؤخرا. 13- (الصارم القرضاب في نحر من سب أكارم الأصحاب) لعثمان بن سند. 14 - (إلقام الحجر لمن زكى ساب أبي بكر وعمر) للسيوطي. ¬

_ (¬1) - من سب الصحابة ص36-39 بتصرف

- الخاتمة - نسألُ اللهَ حُسنَها، إِذَا َبلَغت الرّوح المنتَهَى وفي ختام هذا البحث أحدد النتائج التي توصلت إليها وهي: - أولاً: أن السبب الرئيسي لهذه الفتنة التي حدثت في صدر الإسلام رجل يهودي ادعى الإسلام وباطنه الكفر والنفاق، ويعتبر هوالذي وضع الخطوط العريضة لمذهب الروافض الغلاة بشهادات كبار علماء الشيعة. ثانياً: جميع التهم التي وجهت إلى سيدنا عثمان ليس فيها حجة للطاعنين عليه، فهي إما مكذوبة من الأساس، مثل الأمر بقتل بعض زعماء الفتنة، وإما مسائل اجتهادية والحق فيها مع عثمان، مثل تحريق المصاحف ثالثاً: قتلة عثمان ليس فيهم صحابي ولله الحمد، وعندما وقع قتله استنكرهُ جميع الصحابة. رابعاً: القتال الذي نشب بين جيش أهل العراق، وجيش أهل الشام، كان سببه الرئيسي في تحديد توقيت الاقتصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه -. خامساً: ليس من العدل والانصاف نسبة هذه الحرب إلى الصحابة، وتسميتها بالفتنة الكبرى، لأن عدد الصحابة الذين حضروا هذه الفتنة لا يتجاوز الثلاثين رجُل. سادسأ: أن قصة التحكيم المتداولة بين الكُتَّاب والمؤرخيين، والتي يتهم فيها عمرو بن العاص بالغش والخيانة لأبي موسى الأشعري غير ثابتة ولأولى هو إحسان الظن بصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. سابعاً: أهل العراق عامة، وأهل الكوفة خاصة، أهل فتنة إلا من رحم الله وقليل ماهم، فلذلك لايرضون عن أمير، ولا يرضى عنهم أمير، وهم على عكس أهل الشام تماماً. ثامناً: تقع مسؤلية قتل مسلم بن عقيل والحسين بن على على كاهل الشيعة، وليس على بني أمية.

تاسعاً: اتخاذ الشيعة يوم عاشوراء يوم حداد، إنما هو من أجل التشنيع على بني أمية، لأنه قتل في دولة يزيد وليس حباً ولا حزناً على الحسين - رضي الله عنه -، ولهذا نجد أن علي أفضل من الحسين، وقد قتل غدراً ولم يتخذ أحداً يوم موته مأتماً، بل قد قتل من هو خير من الحسين ومن علي وهو عثمان بن عفان، ولم يتخذ أحد يوم قتله مأتما، وقتل عمر بن الخطاب في صلاة الفجر، وهو أفضل من هؤلاء جميعاً رضي الله عنهم، ولم يتخذ أحد يوم موته مأتما. عاشراً: عدالة الصحابة ثابتة بالقرآن والسنة، ولايطعن فيهم إلا زنديق أو منافق معلوم النفاق. الحادي عشر: ان الأصل هو عدم الخوض فيما شجر بين الصحابة مع عامة الناس، إلا إذا ظهرمبتدع يقدح فيهم بالباطل فلابد من الذب عنهم، وذكر ما يبطل حجته بعلم وعدل، ولابدا من الرجوع إلى أقوال الا ئمة المتخصصين في هذا الشان، وكذلك التحقق من الرويات التاريخية، وكما يقال وما أفة الأخبار إلا رواته. وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآخرُ دعوانا أن الحمدُاللهِ ربِ العالمين

§1/1