الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة

سعيد بن وهف القحطاني

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم -، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (¬1). فهذه رسالة في ((الهدي النبوي في تربية الأولاد في ضوء الكتاب والسنة)) كتبت أصلها في النصف الثاني من سنة 1402هـ ثم في عام 1431هـ، نظرت فيها، وتأملت وحررتها تحريراً، وزدت عليها زيادات نافعة إن شاءالله تعالى، وقد قسمت البحث إلى أربعة وعشرين مبحثاً على النحو الآتي: المبحث الأول: أهمية تربية الأولاد في الإسلام. ¬

(¬1) عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه وعلا صوته واشتد غضبه، حتى كأنه منذر جيش يقول: صبَّحكم ومسَّاكم. ويقول: بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه السبابة والوسطى، ويقول: أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة. أخرجه مسلم برقم 867.

المبحث الثاني: أهمية اختيار الزوجة الصالحة في تربية الأولاد. المبحث الثالث: العقيقة واختيار الاسم الحسن حق للأولاد على الآباء. المبحث الرابع: أهمية الإنفاق على الأسرة من الحلال. المبحث الخامس: مداعبة الأولاد. المبحث السادس: الرعاية الصحية. المبحث السابع: الرضاعة. المبحث الثامن: الحضانة. المبحث التاسع: النفقة على الأولاد. المبحث العاشر: تعليمهم التعليم الشرعي. المبحث الحادي عشر: تعليمهم حرفة شريفة يكتسبون منها. المبحث الثاني عشر: الرعاية العقلية. المبحث الثالث عشر: تعويدهم على الأخلاق الفاضلة. المبحث الرابع عشر: تأديبهم بالأدب النبوي. المبحث الخامس عشر: العدل بين الأولاد. المبحث السادس عشر: الحلم والرفق بهم. المبحث السابع عشر: الرحمة بالأولاد. المبحث الثامن عشر: التلطف بالأولاد والتبسط معهم وإدخال السرور عليهم. المبحث التاسع عشر: مصاحبتهم بعد البلوغ. المبحث العشرون: تعليمهم اختيار الجليس الصالح والصاحب الصالح. المبحث الحادي والعشرون: فوائد وثمرات التربية الحسنة.

المبحث الثاني والعشرون: مضار التربية السيئة. المبحث الثالث والعشرون: الهدي النبوي في تربية الشباب. المبحث الرابع والعشرون: التربية والتأديب بالقوة عند الحاجة. والله أسأل أن يجعله نافعاً، مباركاً، خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به كل من انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين. أبو عبد الرحمن سعيد بن علي بن وهف القحطاني كُتبَ أصله في النصف الثاني من عام 1402هـ وحرِّر في ضحى يوم الأحد الموافق 1/ 7/1431هـ

المبحث الأول: أهمية تربية الأولاد في الإسلام

المبحث الأول: أهمية تربية الأولاد في الإسلام أولاً: حرص الأنبياء والمرسلين على تربية أهليهم وأولادهم: 1 - نوح عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: 1 - قال اللَّه في قصته مع ابنه: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله: (وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ) لما ركب، ليركب معه (وَكَانَ) ابنه (فِي مَعْزِلٍ) عنهم، حين ركبوا، أي: مبتعداً وأراد منه، أن يقرب ليركب، فقال له: (يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) فيصيبك ما يصيبهم. فـ (قَالَ) ابنه، مُكذِّباً لأبيه أنه لا ينجو إلا من ركب معه السفينة: (سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) أي: سأرتقي جبلاً أمتنع به من الماء، فـ (قَالَ) نوح: (لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ)، فلا يعصم أحداً، جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب، لما نجا إن لم ينجه الله: (وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ) الابن (مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (¬2). ¬

(¬1) سورة هود، الآيات: 42 - 43. (¬2) تيسير الكريم الرحمن، (ص 382).

2 - (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (¬1). قوله - عز وجل -: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) أي: وقد قلت لي: فـ (احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ) ولن تخلف ما وعدتني به؛ لعله عليه الصلاة والسلام، حملته الشفقة، وأن الله وعده بنجاة أهله، ظن أن الوعد لعمومهم، من آمن، ومن لم يؤمن، فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء، ومع هذا، ففوّض الأمر لحكمة الله البالغة، فـ (قَالَ) الله له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ) الذين وعدتك بإنجائهم (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) أي: هذا الدعاء الذي دعوت به، لنجاة كافر، لا يؤمن بالله ولا رسوله. (فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) أي: ما لا تعلم عاقبته، ومآله، وهل يكون خيراً، أو غير خير. (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) أي: أني أعظك وعظاً تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين. ¬

(¬1) سورة هود، الآيات: 45 - 47.

2 - إبراهيم عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

فحينئذ ندم نوح - عليه السلام -، ندامة شديدة، على ما صدر منه، و (قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ). فبالمغفرة والرحمة ينجو العبد من أن يكون من الخاسرين، ودلّ هذا على أن نوحاً - عليه السلام -، لم يكن عنده علم، بأن سؤاله لربه، في نجاة ابنه محرم، داخل في قوله: (وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) بل تعارض عنده الأمران، وظنّ دخوله في قوله: (وَأَهْلَكَ). وبعد ذلك تبين له أنه داخل في المنهي عن الدعاء لهم، والمراجعة فيهم)) (¬1). 2 - إبراهيم عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام: 1 - (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (¬2). ((يخبر تعالى، عن عبده وخليله، إبراهيم - عليه السلام -، المتفق على إمامته وجلالته، الذي كل من طوائف أهل الكتاب تدّعيه، بل وكذلك المشركون: أن الله ابتلاه وامتحنه بكلمات، أي: بأوامر ونواهي، كما هي عادة اللَّه في ابتلائه لعباده، ليتبين الكاذب الذي لا يثبت عند الابتلاء والامتحان من الصادق، الذي ترتفع درجته، ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 382 - 383). (¬2) سورة البقرة، الآية: 124.

ويزيد قدره، ويزكو عمله، ويخلص ذهبه، وكان من أجلِّهم في هذا المقام، الخليل - عليه السلام -. فأتمّ ما ابتلاه اللَّه به، وأكمله ووفَّاه، فشكر اللَّه له ذلك، ولم يزل اللَّه شكوراً، فقال: (إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا) أي: يقتدون بك في الهدى، ويمشون خلفك إلى سعادتهم الأبدية، ويحصل لك الثناء الدائم، والأجر الجزيل، والتعظيم من كل أحد. وهذه - لعمر اللَّه - أفضل درجة، تنافس فيها المتنافسون، وأعلى مقام، شمّر إليه العاملون، وأكمل حالة حصّلها أولو العزم من المرسلين وأتباعهم، من كلِّ صدّيق متَّبِعٍ لهم، داعٍ إلى اللَّه وإلى سبيله. فلما اغتبط إبراهيم بهذا المقام، وأدرك هذا، طلب ذلك لذرّيته (قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي)؛ لتعلو درجته ودرجة ذريّته، وهذا أيضاً من إمامته، ونصحه لعباد اللَّه، ومحبّته أن يكثر فيهم المرشدون، فلله عظمة هذه الهمم العالية، والمقامات السامية. فأجابه الرحيم اللطيف، وأخبر بالمانع من نيل هذا المقام، فقال: (لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) أي: لا ينال الإمامة في الدين، من ظلم نفسه وضرّها، وحطّ قدرها، لمنافاة الظلم لهذا المقام، فإنه مقام آلته الصبر واليقين، ونتيجته أن يكون صاحبه على جانب عظيم من الإيمان، والأعمال الصالحة، والأخلاق الجميلة، والشمائل السديدة، والمحبّة التامّة، والخشية والإنابة، فأين الظلم وهذا المقام؟

ودلّ مفهوم الآية، أن غير الظالم، سينال الإمامة، ولكن مع إتيانه بأسبابها)) (¬1). 2 - (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (¬2). أي: واذكر إبراهيم وإسماعيل، في حالة رفعهما القواعد من البيت الأساس، واستمرارهما على هذا العمل العظيم، وكيف كانت حالهما من الخوف والرجاء، حتى إنهما مع هذا العمل دعَوَا اللَّه أن يتقبّل منهما عملهما، حتى يحصل فيه النفع العميم. ودعَوَا لأنفسهما، وذريتهما بالإسلام، الذي حقيقته، خضوع القلب، وانقياده لربه، المتضمِّن لانقياد الجوارح. (وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا) أي: علّمناها على وجه الإراءة والمشاهدة، ليكون أبلغ. يحتمل أن يكون المراد بالمناسك: أعمال الحج كلّها، كما يدلّ عليه السياق والمقام، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعمُّ من ذلك، وهو الدّين كلّه، والعبادات كلّها، كما يدلّ عليه عموم اللفظ، لأن النسك: التعبد، ولكن غلب على متعبّدات الحج، تغليباً عرفياً، فيكون ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 65). (¬2) سورة البقرة، الآيتان: 127 - 128.

حاصل دعائهما، يرجع إلى التوفيق للعلم النافع، والعمل الصالح، ولمّا كان العبد - مهما كان - لا بد أن يعتريه التقصير، ويحتاج إلى التوبة قالا: (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (¬1). 3 - (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (¬2). (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ) امتثالاً لربه: (أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) إخلاصاً وتوحيداً، ومحبة، وإنابة فكان التوحيد للَّه نعته. ثم ورثه في ذريته، ووصّاهم به، وجعلها كلمة باقية في عقبه، وتوارثت فيهم، حتى وصلت ليعقوب، فوصّى بها بنيه. فأنتم - يا بني يعقوب - قد وصّاكم أبوكم بالخصوص، فيجب عليكم كمال الانقياد، واتباع خاتم الأنبياء قال: (يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ) أي: اختاره وتخيره لكم، رحمة بكم، وإحساناً إليكم، فقوموا به، واتصفوا بشرائعه، وانصبغوا بأخلاقه، حتى تستمروا على ذلك، فلا يأتيكم الموت إلا وأنتم عليه، لأن من عاش على شيء، مات عليه، ومن مات على شيء، بعث عليه)) (¬3). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 66). (¬2) سورة البقرة، الآيتان: 131 - 132. (¬3) تيسير الكريم الرحمن، (ص 66).

4 - (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (¬1). ((أي: (وَ) اذكر إبراهيم عليه الصلاة والسلام في هذه الحالة الجميلة، إذ قَال: (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ) أي: الحرم) آمِنًا (فاستجاب الله دعاءه شرعاً وقدراً، فحرّمه الله في الشرع، ويسّر من أسباب حرمته قدراً ما هو معلوم، حتى إنه لم يُرده ظالم بسوء إلاّ قصمه اللَّه، كما فعل بأصحاب الفيل وغيرهم. ولما دعا له بالأمن دعا له ولبنيه بالأمن، فقال: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأصْنَامَ) أي: اجعلني وإياهم جانباً بعيداً عن عبادتها، والإلمام بها، ثم ذكر الموجب لخوفه عليه وعلى بنيه بكثرة من افتتن، وابتلي بعبادتها فقال: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ) أي: ضلوا بسببها، (فَمَنْ تَبِعَنِي) على ما جئت به من التوحيد والإخلاص للَّه ربّ العالمين (فَإِنَّهُ مِنِّي) لتمام الموافقة، ومن أحبّ قوماً وتبعهم التحق بهم. (وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) وهذا من شفقة الخليل عليه الصلاة والسلام؛ حيث دعا للعاصين بالمغفرة والرحمة من اللَّه، ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآيتان: 35 - 36.

واللَّه تبارك وتعالى أرحم منه بعباده، لا يعذب إلا من تمرّد عليه)) (¬1). 5 - (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) (¬2). وذلك أنه أتى بـ (هاجر) أم إسماعيل، وبابنها إسماعيل عليه الصلاة والسلام، وهو في الرضاع، من الشام حتى وضعهما في مكة، وهي -إذ ذاك- ليس فيها سكن، ولا داعٍ، ولا مجيب، فلما وضعهما دعا ربه بهذا الدعاء، فقال - متضرعاً متوكلاً على ربه: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) أي: لا كل ذريتي؛ لأن إسحاق في الشام، وباقي بنيه كذلك، وإنما أسكن في مكة إسماعيل وذريته، وقوله: (بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ) أي: لأن أرض مكة لا تصلح للزراعة، (رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ) أي: اجعلهم موحدين مقيمين الصلاة؛ لأن إقامة الصلاة من أخصّ وأفضل العبادات الدينية، فمن أقامها كان مقيما لدينه، (فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ) أي: تحبّهم وتحب الموضع الذي هم ساكنون فيه، فأجاب اللَّه دعاءه، فأخرج ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 426 - 427). (¬2) سورة إبراهيم، الآيات: 37 - 40.

من ذرية إسماعيل محمداً - صلى الله عليه وسلم -، حتى دعا ذريته إلى الدين الإسلامي، وإلى ملة أبيهم إبراهيم، فاستجابوا له، وصاروا مقيمي الصلاة. وافترض اللَّه حجّ هذا البيت الذي أسكن به ذرية إبراهيم، وجعل فيه سراً عجيباً جاذباً للقلوب، فهي تحجّه، ولا تقضي منه وطراً على الدوام، بل كلما أكثر العبد التردد إليه، ازداد شوقه، وعظم ولعه، وتوقه، وهذا سرّ إضافته تعالى إلى نفسه المقدسة. (وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) فأجاب اللَّه دعاءه، فصار يجبى إليه ثمرات كل شيء، فإنك ترى مكة المشرّفة كل وقت والثمار فيها متوفرة، والأرزاق تتوالى إليها من كل جانب. (رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ) أي: أنت أعلم بنا منّا، فنسألك من تدبيرك، وتربيتك لنا، أن تيسّر لنا من الأمور التي نعلمها، والتي لا نعلمها، ما هو مقتضى علمك ورحمتك، (وَمَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الأرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ)، ومن ذلك هذا الدعاء الذي لم يقصد به الخليل إلا الخير، وكثرة الشكر للَّه ربّ العالمين. فهبتهم من أكبر النعم، وكونهم على الكبر في حال الإياس من الأولاد نعمة أخرى، وكونهم أنبياء صالحين أجلّ وأفضل، (إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ) أي: لقريب الإجابة ممّن دعاه، وقد دعوته فلم يخيب رجائي)) (¬1). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 427 - 428).

3 - إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

6 - (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) (¬1). ثم دعا لنفسه ولذريته، فقال: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) فاستجاب الله له في ذلك كله إلا أن دعاءه لأبيه إنما كان عن موعدة وعده إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه 7 - (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ) (¬2). (رَبِّ هَبْ لِي) ولداً يكون (مِنَ الصَّالِحِينَ)، وذلك عند ما أيس من قومه، ولم يرَ فيهم خيراً، دعا اللَّه أن يهب له غلاماً صالحاً، ينفع الله به في حياته، وبعد مماته، فاستجاب الله له، وقال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ)، وهذا إسماعيل - عليه السلام - بلا شك، فإنه ذكر بعده البشارة بإسحاق؛ ولأن الله تعالى قال في بشراه بإسحاق (فَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ) فدلّ على أن إسحاق غير الذبيح، ووصف الله إسماعيل - عليه السلام - بالحلم، وهو يتضمّن الصبر، وحسن الخلق، وسعة الصدر والعفو عمن جنى)) (¬3). 3 - إسماعيل بن إبراهيم عليهما وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ ¬

(¬1) سورة إبراهيم، الآيتان: 40 - 41. (¬2) سورة الصافات، الآيتان: 100 - 101. (¬3) تيسر الكريم الرحمن، (ص 705).

4 - يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

رَسُولًا نَبِيًّا * وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا) (¬1). ((أي: واذكر في القرآن الكريم، هذا النبي العظيم، الذي خرج منه الشعب العربي، أفضل الشعوب، وأجلّها، الذي منهم سيّد ولد آدم. (إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ) أي: لا يعد وعداً إلا وفى به. وهذا شامل للوعد الذي يعقده مع اللَّه، أو مع العباد؛ ولهذا لمّا وعد من نفسه الصبر على ذبح أبيه له، وقال: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)، وفى بذلك، ومكّن أباه من الذبح، الذي هو أكبر مصيبة تصيب الإنسان، ثم وصفه بالرسالة والنبوة، التي هي أكبر منن اللَّه على عبده، وأهلها من الطبقة العليا من الخلق. (وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ) أي: كان مقيماً لأمر اللَّه على أهله، فيأمرهم بالصلاة المتضمنة للإخلاص للمعبود، وبالزكاة المتضمّنة للإحسان إلى العبيد، فكمل نفسه، وكمل غيره، وخصوصاً أخصّ الناس عنده، وهم أهله؛ لأنهم أحقّ بدعوته من غيرهم. (وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا)، وذلك بسبب امتثاله لمراضي ربه، واجتهاده فيما يرضيه، ارتضاه اللَّه وجعله من خواصّ عباده، وأوليائه المقربين، فرضي اللَّه عنه، ورضي هو عن ربه)) (¬2). 4 - يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ¬

(¬1) سورة مريم، الآيتان: 54 - 55. (¬2) تيسير الكريم الرحمن، (ص 496).

5 - زكريا عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام:

إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (¬1). ((ولمّا كان اليهود يزعمون أنهم على ملّة إبراهيم، ومن بعده يعقوب، قال تعالى منكراً عليهم: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ) أي: حضوراً (إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ) أي: مقدماته وأسبابه، فقال لبنيه على وجه الاختبار، ولتقرّ عينه في حياته بامتثالهم ما وصاهم به: (مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي)؟ فأجابوه بما قرّت به عينه، فقالوا: (نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا)، فلا نشرك به شيئاً، ولا نعدل به أحداً، (وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فجمعوا بين التوحيد والعمل. ومن المعلوم أنهم لم يحضروا يعقوب؛ لأنهم لم يوجدوا بعد، فإذا لم يحضروا، فقد أخبر اللَّه عنه أنه وصّى بنيه بالحنيفية، لا باليهودية)) (¬2). 5 - زكريا عليه وعلى نبيّنا أفضل الصلاة والسلام: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) (¬3). ((أي: دعا زكريا - عليه السلام - ربه أن يرزقه ذرية طيبة، أي: طاهرة الأخلاق، طيبة الآداب، لتكمل النعمة الدينية والدنيوية بهم. ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 133. (¬2) تيسير الكريم الرحمن، (ص 66). (¬3) سورة آل عمران، الآية: 38.

فاستجاب له دعاءه)) (¬1). (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) (¬2). ((أي: واذكر عبدنا ورسولنا زكريا، منوهاً بذكره، ناشراً لمناقبه وفضائله، التي من جملتها، هذه المنقبة العظيمة المتضمّنة لنصحه للخلق، ورحمة الله إياه، وأنه (نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا) أي: (قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) (¬3) من هذه الآيات علمنا أن قوله: (رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْدًا) أنه لما تقارب أجله، خاف أن لا يقوم أحد بعده مقامه في الدعوة إلى اللَّه، والنصح لعباد اللَّه، وأن يكون في وقته فرداً، ولا يخلف من يشفعه ويعينه، على ما قام به، (وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ) أي: خير الباقين، وخير من خلفني بخير، وأنت أرحم بعبادك مني، ولكني أريد ما يطمئنّ به قلبي، وتسكن له نفسي، ويجري في موازيني ثوابه. (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى) النبي الكريم، الذي ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 129). (¬2) سورة الأنبياء، الآيتان: 89 - 90. (¬3) سورة مريم، الآيات: 4 - 6.

6 - محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم -

لم يجعل اللَّه له من قبل سمياً. (وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ) بعدما كانت عاقراً، لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح اللَّه رحمها للحمل، لأجل نبيه زكريا، وهذا من فوائد الجليس، والقرين الصالح، أنه مبارك على قرينه، فصار يحيى مشتركاً بين الوالدين. ولمّا ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كلاً على انفراده، أثنى عليهم عموماً، فقال: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) أي: يبادرون إليها، ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها، (وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا) أي: يسألوننا الأمور المرغوب فيها، من مصالح الدنيا والآخرة، ويتعوّذون بنا من الأمور المرهوب منها، من مضارّ الدارين، وهم راغبون راهبون، لا غافلون، لاهون، ولا مدلون، (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) أي: خاضعين متذلّلين متضرّعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم)) (¬1). 6 - محمد خاتم الأنبياء والمرسلين - صلى الله عليه وسلم -: 1 - أمره اللَّه تعالى بقوله: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) (¬2). ((أي: حثّ أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل. والأمر بالشيء، أمر بجميع ما لا يتمّ إلا به، فيكون أمراً ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 129). (¬2) سورة طه، الآية: 132.

بتعليمهم، ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها. (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة بإقامتها، بحدودها وأركانها وآدابها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، ولكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك، والصبر معها دائماً، فإن العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به، كان لما سواها من دينه أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع، ثم ضمن تعالى لرسوله الرزق، وأن لا يشغله الاهتمام به عن إقامة دينه، فقال: (نَحْنُ نَرْزُقُكَ) أي: رزقك علينا قد تكفّلنا به، كما تكفّلنا بأرزاق الخلائق كلهم، فكيف بمن قام بأمرنا، واشتغل بذكرنا؟! ورزق اللَّه عام للمتقي وغيره، فينبغي الاهتمام بما يجلب السعادة الأبدية، وهو: التقوى، ولهذا قال: (وَالْعَاقِبَةُ) في الدنيا والآخرة (لِلتَّقْوَى) التي هي فعل المأمور، وترك المنهي، فمن قام بها، كان له العاقبة، كما قال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (¬1). 2 - أوحى اللَّه - عز وجل - إليه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (¬2). ((أي: يا مَنْ مَنَّ اللَّه عليهم بالإيمان، قوموا بلوازمه وشروطه، فـ (قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 517). (¬2) سورة التحريم، الآية: 6.

ووقاية الأنفس بإلزامها أمر اللَّه، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتنابًا، والتوبة عما يسخط اللَّه، ويوجب العذاب، ووقاية الأهل، والأولاد، بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر اللَّه، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر اللَّه به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته من الزوجات والأولاد وغيرهم ممن هو تحت ولايته وتصرفه. ووصف اللَّه النار بهذه الأوصاف، ليزجر عباده عن التهاون بأمره فقال: (وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) كما قال تعالى: (إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ). (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ) أي: غليظة أخلاقهم، عظيم انتهارهم، يفزعون بأصواتهم ويخيفون بمرآهم، ويهينون أصحاب النار بقوتهم، ويمتثلون فيهم أمر اللَّه، الذي حتم عليهم العذاب، وأوجب عليهم شدة العقاب، (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)، وهذا فيه أيضًا مدح للملائكة الكرام، وانقيادهم لأمر اللَّه، وطاعتهم له في كلّ ما أمرهم به)) (¬1). 3 - أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس بقوله: ((مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِع)) (¬2). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن، (ص 874). (¬2) أخرجه أحمد (11/ 369، رقم 6756)، وابن أبي شيبة، (1/ 347، رقم 3501)، وأبوداود بلفظه، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 495، وأبو نعيم في الحلية (10/ 26)، والحاكم (1/ 197، رقم 708)، والبيهقي (2/ 228). وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 401): ((إسناده حسن صحيح)).

ثانيا: حرص الصالحين الصادقين على صلاح الذرية:

ثانياً: حرص الصالحين الصادقين على صلاح الذرية: 1 - حرص امرأة عمران: (إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ * فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (¬1). قوله تعالى: ((إذ قالت امرأة عمران) أي: والدة مريم لمّا حملت: (رب إني نذرت لك ما في بطني محررًا) أي: جعلتُ ما في بطني خالصاً لوجهك، محرراً لخدمتك وخدمة بيتك (فتقبل مني) هذا العمل المبارك (إنك أنت السميع العليم) تسمع دعائي، وتعلم نيّتي وقصدي، هذا وهي في البطن قبل وضعها، (فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى) كأنها تشوّفت أن يكون ذكراً؛ ليكون أقدر على الخدمة، وأعظم موقعاً، ففي كلامها نوع عذر من ربّها، فقال اللَّه: (واللَّه أعلم بما وضعت) أي: لا يحتاج إلى إعلامها، بل علمه متعلِّق بها قبل أن تعلم أمّها ما هي (وليس الذكر ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآيات: 35 - 37.

كالأنثى وإني سميتها مريم) فيه دلالة على تفضيل الذكر على الأنثى، وعلى التسمية وقت الولادة، وعلى أن للأم تسمية الولد إذا لم يكره الأب (وإنّي أُعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم) دعت لها ولذرّيتها أن يُعيذهم اللَّه من الشيطان الرجيم. (فتقبّلها ربها بقبولٍ حسنٍ) أي: جعلها نذيرة مقبولة، وأجارها وذرّيتها من الشيطان (وأنبتها نباتًا حسنًا) أي: نبتت نباتاً حسناً في بدنها وخلقها وأخلاقها، لأن اللَّه تعالى قيّض لها زكريا - عليه السلام - (وكفّلها) إيّاه، وهذا من رفقه بها؛ ليربيها على أكمل الأحوال، فنشأت في عبادة ربها، وفاقت النساء، وانقطعت لعبادة ربّها، ولزمت محرابها أي: مصلاَّها فكان (كلّما دخل عليها زكريّا المحراب وجد عندها رزقًا) أي: من غير كسب ولا تعب، بل رزق ساقه اللَّه إليها، وكرامة أكرمها اللَّه بها، فيقول لها زكريا: (أنَّى لك هذا قالت هو من عند اللَّه) فضلاً وإحساناً (إن اللَّه يرزق من يشاء بغير حساب) أي: من غير حسبان من العبد، ولا كسب، قال تعالى: (ومن يتَّقِ اللَّهَ يجعلْ له مخرجًا ويرزقْهُ من حيثُ لا يحتسب) وفي هذه الآية دليل على إثبات كرامات الأولياء الخارقة للعادة، كما قد تواترت الأخبار بذلك، خلافاً لمن نفى ذلك)) (¬1). ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن (ص 128).

2 - حرص لقمان الحكيم:

2 - حرص لقمان الحكيم: 1 - (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (¬1). 2 - (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ * وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (¬2). ((والله تعالى لم يذكر عنه إلا أنه آتاه الحكمة، وذكر بعض ما يدلّ على حكمته في وعظه لابنه، فذكر أصول الحكمة وقواعدها الكبار فقال: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ)، أو قال له قولاً به يعظه بالأمر، والنهي، المقرون بالترغيب والترهيب، فأمره بالإخلاص، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له السبب في ذلك فقال: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ووجه كونه عظيماً، أنه لا أفظع وأبشع ممّن سَوَّى المخلوق من تراب، بمالك الرقاب، وسوَّى الذي لا يملك ¬

(¬1) سورة لقمان، الآية: 13. (¬2) سورة لقمان، الآيات: 16 - 19.

من الأمر شيئاً، بمن له الأمر كله، وسوَّى الناقص الفقير من جميع الوجوه، بالربّ الكامل الغني من جميع الوجوه، وسوَّى من لم ينعم بمثقال ذرة من النعم بالذي ما بالخلق من نعمة في دينهم، ودنياهم وأخراهم، وقلوبهم، وأبدانهم، إلاّ منه، ولا يصرف السوء إلا هو، فهل أعظم من هذا الظلم شيء؟؟! وهل أعظم ظلماً ممن خلقه الله لعبادته وتوحيده، فذهب بنفسه الشريفة، فجعلها في أخس المراتب جعلها عابدة لمن لا يسوى شيئا، فظلم نفسه ظلماً كبيراً. (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ) التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، (فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ) أي في وسطها (أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأرْضِ) في أي جهة من جهاتهما (يَأْتِ بِهَا اللَّهُ) لسعة علمه، وتمام خبرته، وكمال قدرته، ولهذا قال: (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) أي: لطيف في علمه وخبرته، حتى اطلع على البواطن والأسرار، وخفايا القفار والبحار. والمقصود من هذا، الحثّ على مراقبة الله، والعمل بطاعته، مهما أمكن، والترهيب من عمل القبيح، قَلَّ أو كَثُرَ. (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ) حثّه عليها، وخصّها لأنها أكبر العبادات البدنية، (وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ) وذلك يستلزم العلم بالمعروف ليأمر به، والعلم بالمنكر لينهى عنه. والأمر بما لا يتمّ الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر إلا به، من الرفق، والصبر، وقد صرح به في قوله: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) ومن كونه فاعلاً

لما يأمر به، كافّاً لما ينهى عنه، فتضمّن هذا، تكميل نفسه بفعل الخير، وترك الشر، وتكميل غيره بذلك، بأمره ونهيه. ولما علم أنه لا بدّ أن يبتلى إذا أمر ونهى، وأن في الأمر والنهي مشقة على النفوس، أمره بالصبر على ذلك فقال: (وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ) الذي وعظ به لقمان ابنه (مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) أي: من الأمور التي يعزم عليها، ويهتمّ بها، ولا يوفق لها إلا أهل العزائم. (وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ) أي: لا تُمِلْهُ وتعبس بوجهك للناس، تكبُّرًا عليهم، وتعاظماً. (وَلا تَمْشِ فِي الأرْضِ مَرَحًا) أي: بطراً، فخراً بالنعم، ناسياً المنعم، معجباً بنفسك. (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ) في نفسه وهيئته وتعاظمه (فَخُور) بقوله. (وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ) أي: امش متواضعاً مستكيناً، لا مَشْيَ البطر والتكبّر، ولا مشي التماوت. (وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ) أدباً مع الناس ومع الله، (إِنَّ أَنْكَرَ الأصْوَاتِ) أي أفظعها وأبشعها (لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) فلو كان في رفع الصوت البليغ فائدة ومصلحة، لما اختصّ بذلك الحمار، الذي قد عُلمت خسّته وبلادته. وهذه الوصايا، التي وصّى بها لقمان لابنه، تجمع أمّهات الحِكَم، وتستلزم ما لم يذكر منها، وكل وصية يقرن بها ما يدعو إلى فعلها، إن كانت أمراً، وإلى تركها إن كانت نهياً. وهذا يدلّ على ما ذكرنا في تفسير الحكمة، أنها العلم بالأحكام، وحِكَمِها ومناسباتها، فأمره بأصل الدين، وهو التوحيد، ونهاه عن الشرك، وبيَّن له الموجب لتركه، وأمره ببر الوالدين، وبين له السبب

3 - حرص عباد الرحمن:

الموجب لبرّهما، وأمره بشكره وشكرهما، ثم احترز بأن محل برهما وامتثال أوامرهما، ما لم يأمرا بمعصية، ومع ذلك فلا يعقهما، بل يحسن إليهما، وإن كان لا يطيعهما إذا جاهداه على الشرك. وأمره بمراقبة الله، وخوَّفه القدوم عليه، وأنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من الخير والشر، إلا أتى بها. ونهاه عن التكبّر، وأمره بالتواضع، ونهاه عن البطر والأشر، والمرح، وأمره بالسكون في الحركات والأصوات، ونهاه عن ضد ذلك. وأمره بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وإقامة الصلاة، وبالصبر اللذين يسهل بهما كل أمر، كما قال تعالى، فحقيق بمن أوصى بهذه الوصايا، أن يكون مخصوصاً بالحكمة، مشهوراً بها. ولهذا من منة الله عليه وعلى سائر عباده، أن قصّ عليهم من حكمته، ما يكون لهم به أسوة حسنة)) (¬1). 3 - حرص عباد الرحمن: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا*أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا * خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا) (¬2). (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا) أي: قرنائنا من أصحاب وأقران وزوجات، (وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ) أي: تقر بهم أعيننا. وإذا استقرأنا حالهم، وصفاتهم عرفنا من هممهم، وعلوّ ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن (ص 648 - 649). (¬2) سور الفرقان، الآيات: 74 - 76.

مرتبتهم أنهم لا تقرّ أعينهم حتى يروهم مطيعين لربهم، عالمين عاملين، وهذا كما أنه دعاء لأزواجهم وذرياتهم في صلاحهم، فإنه دعاء لأنفسهم؛ لأن نفعه يعود عليهم، ولهذا جعلوا ذلك هبة لهم فقالوا: (هَبْ لَنَا) بل دعاؤهم يعود إلى نفع عموم المسلمين؛ لأن بصلاح من ذكر يكون سبباً لصلاح كثير ممن يتعلّق بهم وينتفع بهم. (وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) أي: أوصلنا يا ربنا إلى هذه الدرجة العالية، درجة الصديقين، والكمّل من عباد اللَّه الصالحين، وهي درجة الإمامة في الدين، وأن يكونوا قدوة للمتقين في أقوالهم وأفعالهم، يقتدى بأفعالهم، ويطمئن لأقوالهم، ويسير أهل الخير خلفهم فيهدون ويهتدون. ومن المعلوم أن الدعاء ببلوغ شيء دعاء بما لا يتمّ إلا به، وهذه الدرجة -درجة الإمامة في الدين- لا تتمّ إلا بالصبر واليقين، كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَاهم أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)، فهذا الدعاء يستلزم من الأعمال، والصبر على طاعة اللَّه، وعن معصيته، وأقداره المؤلمة، ومن العلم التامّ الذي يوصل صاحبه إلى درجة اليقين، خيراً كثيراً وعطاءً جزيلاً وأن يكونوا في أعلى ما يمكن من درجات الخلق بعد الرسل؛ ولهذا لمّا كانت هممهم ومطالبهم عالية، كان الجزاء من جنس العمل، فجازاهم بالمنازل العاليات، فقال: (أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا) أي: المنازل الرفيعة والمساكن الأنيقة الجامعة لكل ما يشتهى، وتلذّه الأعين، وذلك بسبب صبرهم نالوا ما نالوا، كما قال

تعالى: (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)، ولهذا قال هنا: (وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلامًا) من ربهم، ومن ملائكته الكرام، ومن بعض على بعض، ويسلمون من جميع المنغصات والمكدرات. والحاصل: أن اللَّه وصفهم بالوقار والسكينة والتواضع له ولعباده، وحسن الأدب والحلم، وسعة الخلق والعفو عن الجاهلين، والإعراض عنهم، ومقابلة إساءتهم بالإحسان، وقيام الليل، والإخلاص فيه، والخوف من النار والتضرّع لربهم أن ينجيهم منها، وإخراج الواجب والمستحب في النفقات والاقتصاد في ذلك - وإذا كانوا مقتصدين في الإنفاق الذي جرت العادة بالتفريط فيه أو الإفراط، فاقتصادهم وتوسّطهم في غيره من باب أولى- والسلامة من كبائر الذنوب، والاتصاف بالإخلاص للَّه في عبادته، والعفة عن الدماء والأعراض والتوبة عند صدور شيء من ذلك، وأنهم لا يحضرون مجالس المنكر والفسوق القولية والفعلية، ولا يفعلونها بأنفسهم، وأنهم يتنزّهون من اللغو والأفعال الرديَّة التي لا خير فيها، وذلك يستلزم مروءتهم وإنسانيتهم وكمالهم، ورفعة أنفسهم عن كل خسيس قولي وفعلي، وأنهم يقابلون آيات اللَّه بالقبول لها، والتفهم لمعانيها والعمل بها، والاجتهاد في تنفيذ أحكامها، وأنهم يدعون اللَّه تعالى بأكمل الدعاء، في الدعاء الذي ينتفعون به، وينتفع به من يتعلّق بهم، وينتفع به المسلمون من صلاح أزواجهم وذريتهم، ومن

4 - حرص المؤمنين على صلاح ذريتهم

لوازم ذلك سعيهم في تعليمهم ووعظهم ونصحهم؛ لأن من حرص على شيء، ودعا اللَّه فيه، لا بد أن يكون متسبباً فيه، وأنهم دعوا اللَّه ببلوغ أعلى الدرجات الممكنة لهم، وهي درجة الإمامة والصديقية. فَلِلَّهِ ما أعلى هذه الصفات، وأرفع هذه الهمم، وأجلّ هذه المطالب، وأزكى تلك النفوس، وأطهر تلك القلوب، وأصفى هؤلاء الصفوة، وأتقى هؤلاء السادة، وللَّه فضل اللَّه عليهم ونعمته ورحمته التي جلّلتهم، ولطفه الذي أوصلهم إلى هذه المنازل. وللَّه، منة اللَّه على عباده أن بين لهم أوصافهم، ونعت لهم هيئاتهم، وبين لهم هممهم، وأوضح لهم أجورهم، ليشتاقوا إلى الاتصاف بأوصافهم، ويبذلوا جهدهم في ذلك، ويسألوا الذي منّ عليهم وأكرمهم الذي فضله في كل زمان ومكان، وفي كل وقت وأوان، أن يهديهم كما هداهم ويتولاهم بتربيته الخاصة كما تولاهم)) (¬1). 4 - حرص المؤمنين على صلاح ذريتهم، قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجَاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن (ص 587 - 588).

يُوعَدُونَ) (¬1). ((هذا من لطفه تعالى بعباده، وشكره للوالدين، أن وصّى الأولاد وعهد إليهم أن يحسنوا إلى والديهم بالقول اللطيف، والكلام الليّن، وبذل المال والنفقة، وغير ذلك من وجوه الإحسان. ثم نبّه على ذكر السبب الموجب لذلك، فذكر ما تحمّلته الأمّ من ولدها، وما قاسته من المكاره وقت حملها، ثمّ مشقّة ولادتها المشقّة الكبيرة، ثم مشقّة الرضاع، وخدمة الحضانة، وليست المذكورات مدة يسيرة ساعة أو ساعتين، وإنما ذلك مدّة طويلة قدرها (ثَلاثُونَ شَهْرًا) للحمل تسعة أشهر ونحوها، والباقي للرضاع هذا هو الغالب. ويستدلّ بهذه الآية مع قوله: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ) (¬2) أن أقلّ مدّة الحمل ستة أشهر؛ لأنّ مدّة الرضاع -وهي سنتان- إذا سقطت منها السنتان بقي ستة أشهر مدّة للحمل، (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ) أي: نهاية قوته وشبابه، وكمال عقله، (وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي) أي: ألهمني ووفقني (أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ) أي: نعم الدين، ونعم الدنيا، وشكره بصرف النعم في طاعة مسديها وموليها، ومقابلة منته بالاعتراف والعجز عن الشكر، والاجتهاد في الثناء بها على اللَّه، والنعم على الوالدين: نعم على أولادهم وذريتهم؛ لأنهم لا بد أن ¬

(¬1) سورة الأحقاف، الآيتان: 15 - 16. (¬2) سورة البقرة، الآية: 233.

ثالثا: أصول يجب العلم بها في التربية وغيرها:

ينالهم منها ومن أسبابها وآثارها، خصوصاً نعم الدين، فإن صلاح الوالدين بالعلم والعمل من أعظم الأسباب لصلاح أولادهم. (وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ) بأن يكون جامعاً لما يصلحه، سالماً مما يفسده، فهذا العمل الذي يرضاه اللَّه ويقبله ويثيب عليه. (وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي) لمّا دعا لنفسه بالصلاح، دعا لذريته أن يصلح اللَّه أحوالهم، وذكر أن صلاحهم يعود نفعه على والديهم لقوله: (وَأَصْلِحْ لِي)، (إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ) من الذنوب والمعاصي، ورجعت إلى طاعتك (وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ). (أُولَئِكَ) الذين ذكرت أوصافهم (الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا)، وهو الطاعات لأنهم يعملون أيضاً غيرها. (وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ) فِي جملة (أَصْحَابِ الْجَنَّةِ)، فحصل لهم الخير والمحبوب، وزال عنهم الشر والمكروه. (وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) أي: هذا الوعد الذي وعدناهم هو وعد صادق من أصدق القائلين الذي لا يخلف الميعاد)) (¬1) - سبحانه وتعالى -. ثالثاً: أصول يجب العلم بها في التربية وغيرها: 1 - الإيمان أن هداية التوفيق والتسديد والتثبيت بيد الله تعالى، قال الله - عز وجل -: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ ¬

(¬1) تيسير الكريم الرحمن (ص 781).

2 - الإيمان بأن الله تعالى علم هداية المهتدين،

بِالْمُهْتَدِين} (¬1) فلا يهتدي مهتدٍ، ولا يهديه هادٍ إلا بتوفيق الله - عز وجل -. 2 - الإيمان بأن الله تعالى عَلِمَ هداية المهتدين، وضلال الضالين في علمه السابق الذي لا أوَّل له، قال الله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير} (¬2) قال العلامة السعدي رحمه الله: « ... ذكر أنه [- سبحانه وتعالى -] خلق العباد وجعل منهم المؤمن والكافر، فإيمانهم وكفرهم كله بقضاء الله وقدره، وهو الذي شاء ذلك منهم، بأن جعل لهم قدرة وإرادة، بهما يتمكنون من كل ما يريدون، من الأمر، والنهي {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير}» (¬3). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفوسَةٍ إلا كُتِبَ مكانَها: مِنَ الجَنَّة والنَّارِ، وإلا قد كُتِبت شَقِيَّة أو سَعِيدة» فقال رجل يا رسول الله أفلا نتَّكِلُ على كتابنا وندع العمل؟ فمن كان منَّا من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، وأمَّا من كان منَّا من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة؟ قال: «[اعْمَلوا فَكُلٌّ مُيَسَّر لما خُلِقَ له] أمَّا أهل السَّعادة فسيُيَسَّرون إلى عملِ أهل السَّعادة، وأما أهل الشقاوة فسيُيَسَّرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى* وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ¬

(¬1) سورة القصص، الآية: 56. (¬2) سورة التغابن، الآية: 2. (¬3) تيسير الكريم الرحمن (ص 866).

3 - الإيمان بأن ذلك التفاوت: من الشقاوة والسعادة، لحكمة

*فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى}» (¬1). ولا شك أن الله تعالى إنّما يهدي من كان أهلاً للهداية، ويضلُّ من كان أهلاً للضلالة، قال - عز وجل -: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِين} (¬2). فبيَّن الله - عز وجل - أن أسباب الضلالة لمن ضل إنما هي بسبب من العبد نفسه، والله - عز وجل - لا يظلم الناس شيئاً، ولكن الناس أنفسهم يظلمون، قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا} (¬3). وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُون} (¬4). وقال الله تعالى: {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون} (¬5). 3 - الإيمان بأن ذلك التفاوت: من الشقاوة والسعادة، لحكمةٍ عظيمة جعلها الله سبحانه من أمور الغيب وأوجب على عباده الإيمان بها، والتَّسليم بأن ذلك عين الحكمة، والعدل، والرحمة، كما قال الخضر ¬

(¬1) متفق عليه، البخاري، كتاب الجنائز، باب موعظة المحدِّث عند القبر برقم 1362، وكتاب التفسير، بابٌ {فسُنُيَسِّرهُ لليُسْرَى} [سورة الليل: 5 - 10]، ومسلم، كتاب القدر، باب كيف خلق الآدمي في بطن أمه، وكتابة رزقه، وعمله، وشقاوته وسعادته، برقم 6247، والآيات من سورة الليل 5 - 10. (¬2) سورة الصف، الآية: 5. (¬3) سورة النساء، الآية: 40. (¬4) سورة يونس، الآية: 44. (¬5) سورة يونس، الآية: 101

4 - الإيمان بأن الله قادر على أن يجعل الناس كلهم مؤمنين؛

لموسى: {وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله: «وكان ذلك الغلام قد قُدِّر عليه أنه لو بلغ لأرهق أبويه طغياناً وكفراً، أي: لحملهما على الطغيان والكفر، إما لأجل محبتهما إياه، أو للحاجة إليه، أو يحدهما على ذلك: أي فقتلته لاطلاعي على ذلك سلامة لدين أبويه المؤمنين، وأي فائدة أعظم من هذه الفائدة الجليلة؟ وهو وإن كان فيه إساءة إليهما، وقطع لذريتهما فإن الله سيعطيهم من الذرية ما هو خير منه، ولهذا قال: {فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا} أي: ولداً صالحاً، زكياً، واصلاً لرحمه، فإن الغلام الذي قتل لو بلغ لعقهما أشد العقوق بحملهما على الكفر والطغيان» (¬2). وهذا لحكمةٍ عظيمةٍ يجب الإيمان بها وليست للعبث، قال الله - عز وجل -: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لاَ تُرْجَعُون} (¬3). 4 – الإيمان بأن الله قادر على أن يجعل الناس كلهم مؤمنين؛ لقوله - عز وجل -: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أفَأنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُوْنُوا مُؤْمِنين} (¬4). 5 – التبري من الحول والقوة «لا حول ولا قوة إلا بالله» وأن يخاف ¬

(¬1) سورة الكهف، الآية: 80. (¬2) تيسير الكريم الرحمن (ص 483). (¬3) سورة المؤمنون، الآية: 115. (¬4) سورة يونس، الآية: 99.

6 - الإيمان بأن الله تعالى يجيب الدعوات

المؤمن سوء الخاتمة، فهو لا يدري بما يختم له، وهذا نبينا - صلى الله عليه وسلم - يقول: «يا مُقَلِّبَ القُلوبَ ثَبِّتْ قَلْبي عَلَى دِينِك» (¬1). وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وقد بيَّن - صلى الله عليه وسلم - أن القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يُقلبهما كيف يشاء، فنحن أولى بهذا الدعاء؛ لضعفنا، وعدم عصمتنا، ونسأل الله للمهتدي الثبات، وللكافر والفاسق الهداية. 6 - الإيمان بأن الله تعالى يجيب الدعوات، فينبغي للعبد أن يسأل الله تعالى الذرية الصالحة، ويسأله صلاح الذرية، ويلح في ذلك كما سبق في حال الأنبياء والصالحين (¬2). ¬

(¬1) الترمذي، كتاب الدعوات، باب حدثنا أبو موسى برقم 3522، وأحمد (19/ 160، رقم 12107)، وابن حبان (3/ 222، رقم 943)، وأبو يعلى (4/ 207، رقم 2318)، وابن أبي شيبة (10/ 209، رقم 29807)، وعبد الرزاق (10/ 442، رقم 19647)، والحاكم (1/ 525)، وصححه، وصحح إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، (5/ 126)، وصحيح سنن الترمذي، برقم 2792. (¬2) هذه الأصول الستة من مشاركة الشيخ عبد الرحمن العمر في ندوة الجامع الكبير بالرياض بتاريخ 15/ 5/1431هـ، والقسم الخاص بمشاركتي في هذه الندوة من أول المبحث الأول في هذا الكتاب إلى هذه الأصول، وكان عنوان الندوة «تربية الناشئين في ضوء الكتاب والسنة» وقد عَلَّق عليها سماحة مفتي عام المملكة السعودية عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ.

المبحث الثاني: أهمية اختيار الزوجة الصالحة في تربية الأولاد

المبحث الثاني: أهمية اختيار الزوجة الصالحة في تربية الأولاد لقد شرع الله - تبارك وتعالى - الزواج للحفاظ على الأخلاق والنسل؛ لكي لا تختلط الأنساب وتُنتهك الأعراض؛ فإن الزواج أفضل طريق لاستنفاد طاقة الإنسان الجنسية المتجددة، ووسيلة لتنظيم الفطرة والغريزة، التي أودعها الله في الإنسان، حتى يحقق غاية استخلافه في الأرض، والسير بالحياة في مجال الخير والإصلاح، فليس أضر بالأمة ولا أفتك بها، ولا أسرع إلى خرابها من انتشار الفسق وترك الحبل على الغارب للمجرمين، فسدًّا لهذا جعل الله الزواج من سنن المرسلين، وجعله واجباً على من خاف على نفسه من الوقوع في الزنا، فعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبَصَرِ وأحْصَنُ للفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ)) (¬1). ثم إنَّ الإسلام قد حثَّ الرجل المسلم على البحث عن الزوجة الصالحة؛ لأنها شريكة حياته، وهي التي سوف تربي أولاده، وهي نعمة عظيمة من الله سبحانه وتعالى، إذ أنعم بها على الذكر، وكذلك أنعم على الأنثى بالذكر، قال تعالى: {وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج ... )) برقم 5065، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه ووجد مؤنة واشتغال من عجز عن المؤن بالصوم، برقم 1400.

أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)) (¬2). فينبغي أن يتخيّر الرجل المرأة الصالحة ذات الخلق الحميد والدين القويم، فلا يكون همه الجمال وحده، فقد تكون هذه المرأة سببُ تنغيصٍ وشقاوةٍ على الإنسان، ومن ثم ينشأ أولاده على: الفسق، والعصيان، وسوء الأخلاق، أما المرأة الصالحة، فهي تربي أجيالاً صالحين، وقد أرشد إليها الرسول - صلى الله عليه وسلم - وأخبر أنها خير متاع، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الدُّنْيَا مَتَاعٌ، وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ)) (¬3). أي أن الدنيا متاع زائل، وخير ما في هذا المتاع المرأة الصالحة؛ لأنها تُسعد صاحبها في الدنيا، وتعينه على أمر الآخرة. ولله در من قال: سعادة المرء في خمسٍ إذا اجتمعت ... صلاح جيرانه والبر في ولده ¬

(¬1) سورة النحل، الآية: 72. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين، برقم 5090، ومسلم، كتاب النكاح، باب استحباب نكاح ذات الدين، برقم 1466. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب النكاح، باب خير متاع الدنيا المرأة الصالحة، رقم 1467.

وزوجة حسنت أخلاقها ... وكذا خلٍّ وفيٍّ ورزق المرء في بلده (¬1) والمرأة الصالحة خير كنز للإنسان المسلم، وهي أغلى من كنوز الذهب والفضة، فهي إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله، وإذا أقسم عليها أبرته، فعن عبد الله بن سلام قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((خيرُ النِّساءِ مَن تَسُرُّكَ إذَا أبْصَرْتَ، وتُطيعُكَ إذا أمَرْتَ، وتحفَظُ غَيْبتكَ في نَفْسِهَا ومالِك)) (¬2)، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: من تسرك إذا أبصرت: كناية عن جمال الخلقة ونظافة الملبس، وكمال الزينة، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وتطيعك إذا أمرت: كناية عن طيب عنصرها، وحسن تربيتها، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك: كناية عن قوة دينها وصدق إيمانها بالله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -. وحُقَّ لمن توفَّرت فيها هذه الصفات أن يصفها الصادق المصدوق - صلى الله عليه وسلم - بأنها خير النساء. والزوجة الصالحة فيض من السعادة، يغمر البيت ويملؤه سروراً وبهجة، فعن أبي أمامة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى الله خَيْرًا له من زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ: إن أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ، وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ، وَإِنْ أَقْسَمَ عليها أَبَرَّتْهُ، وَإِنْ غَابَ عنها نَصَحَتْهُ ¬

(¬1) من كتاب بناء الأسرة المسلمة، الحلقة الثانية، حسين محمد يوسف (¬2) أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (9/ 456 رقم 429)، والحاكم في المستدرك (2/ 175 رقم 2682)، والطيالسي في مسنده، برقم 2325، وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 3299.

في نَفْسِهَا وَمَالِهِ)) (¬1). وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مِنَ سعادةِ ابن آدَم ثَلاثة، ومن شَقاوة ابنِ آدمَ ثلاثة: مِن سَعَادةِ ابنِ آدم: الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ، وَالْمَسْكَنُ الْوَاسِعُ، وَالمركب الصَّالِحُ، ومِنْ شَقاوَةِ ابن آدم: َالْمَرْأَةُ السُّوءُ، وَالْمَسْكَنُ السُّوء، وَالْمَرْكَبُ السُّوءُ)) (¬2). ولفظ ابن حبان في صحيحه: «أربعٌ مِنَ السَّعادة: المَرْأة الصَّالِحَة، والمسكَنُ الواسِع، والجَارُ الصَّالِح، والمَرْكب الهنيء، وأربعٌ من الشّقاوة: الجَار السُّوءُ، والمرأة السُّوءُ، والمسكن الضيِّق، والمركب السُّوءُ» (¬3). ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب النكاح، باب أفضل النساء، برقم 1857، والطبراني في الكبير (8/ 222 رقم 7881) قال الكناني في مصباح الزجاجة (2/ 96 – 97 رقم 665): هذا إسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف. قال البخاري: منكر الحديث، وعثمان بن أبي العاتكة مختلف فيه، وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو رواه مسلم وغيره. ورواه النسائي وسكت عنه. وقال العجلوني في كشف الخفاء (2/ 236 رقم 2188): رواه ابن ماجه والطبراني عن أبي أمامة بسند ضعيف، لكن له شواهد تدل على أن له أصلاً. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع، برقم 4999، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 7 رقم 1205). (¬2) أخرجه أحمد في مسنده (1/ 168) وابن حبان في صحيحه (9/ 340 رقم 4032) قال المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 28 رقم 2948): رواه أحمد بإسناد صحيح، والطبراني والبزار والحاكم وصححه، إلا أنه قال: والمسكن الضيق. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 272): رواه أحمد والبزار والطبراني في الكبير والأوسط ورجال أحمد رجال الصحيح. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 403 رقم 1914: صحيح لغيره. (¬3) ابن حبان في صحيحه (9/ 340، برقم 4032)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 403، برقم 1914): «صحيح».

ولفظ الحاكم: «ثلاثٌ مِنَ السَّعَادة، وثَلاثٌ مِنَ الشّقاوة: فمِنَ السَّعادة: المرأةُ تَرَاها تُعْجِبُكَ، وتَغيْبُ عنها فتأْمَنها على نَفسِها ومالِكَ، والدَّابةُ تكونُ وطيَّة فتلحقُ بأصحابِكَ، والدَّارُ تكونُ واسعة كثيرة المرافق. ومن الشقاوة المرأة تراها فتسؤك، وتحمل لسانها عليك، وإن غبت عنها لم تأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون قطوفاً فإن ضربتها أتعبتك وإن تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من رَزَقَهُ الله امْرَأَةً صَالِحَةً فَقَدْ أَعَانَهُ على شَطْرِ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ الله في الشَّطْرِ البَاقِي)) رواه الطبراني والحاكم وقال: صحيح الإسناد (¬2). ¬

(¬1) أخرجه الحاكم (2/ 162)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 403 رقم 1915): «حسن». (¬2) أخرجه الحاكم (2/ 175 رقم 2681)، والطبراني في الأوسط (1/ 294 رقم 972)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 383 رقم 5487)، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. ونقل تصحيح الحاكم المنذري في ترغيبه (3/ 29 رقم 2950) بينما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 272): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عبد الرحمن عن أنس. وعنه زهير بن محمد ولم أعرفه إلا أن يكون عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فيكون إسناده منقطعاً، وإن كان غيره فلم أعرفه. بينما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 111): وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في التزويج أصلاً. بينما قال في تلخيص الحبير (3/ 117): رواه الحاكم وسنده ضعيف. ونقل تضعيف الحافظ ابن حجر الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 227). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 5599). بينما قال في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 404 رقم 1916) حسن لغيره. وهذا الأخير هو من آخر ما قال الألباني رحمه الله، والله أعلم.

والزوجة الصالحة هي سكن للزوج وحرث له، وهي شريكة حياته وربة بيته وأم أولاده، إن صلحت صلح الأولاد، وإن فسدت فسد الأولاد. قال الشاعر: الأمُّ مَدْرسَةً إذَا أعَدَدتها ... أعدَدتَ شعْباً طَيبَ الأعْرَاقِ (¬1) ومن أجل هذا رغَّب الإسلام في اختيار الزوجة الصالحة. والصالحة: هي التي تحافظ على دينها، وأخلاقها، وعرضها، وتربي أولادها التربية الإسلامية. قال الشيخ محمد بن سالم البيحاني رحمه الله في منظومته الرجزية: وإن أرَدتَ العَيْشَ فِي وَدَاعةٍ ... فالتَمِسِ المَرأة ذاتَ الطَّاعِةِ واحدة جميلة ذات شرف ... من أوسط البيوت لا من الطرف تكون عوناً له في الحياة الحلوة ... لزوجها في حقله والخلوه قارئة كاتبة وصانعة ... في بيتها جامعة ومانعة ¬

(¬1) هذا البيت من بحر الكامل، وينسب إلى حافظ إبراهيم، شاعر مصر القومي، ولقب بشاعر النيل، عاش يتيماً، اشتهر شعره ونثره، وفي شعره إبداع امتاز به عن أقرانه، توفي بالقاهرة سنة 1351هـ.

وبالقليل والكثير تكتفي ... وللنساء المؤمنات تقتفي منزلها في غاية النظافة ... كأنه الجوهرة الشَّفَّافة أثاثه مرتب ترتيباً ... به تسر الأهل والغريب ولا تمنّ بالذي تعمله ... والمستحق لبرها تصله (¬1) روى النسائي وغيره بسند صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُ النِّساء مَن إذَا نَظَرْتَ إليْهَا سَرَّتْكَ، وإذَا أمَرْتَها أطَاعَتْكَ، وإذا أقْسَمْتَ عليْهَا أبَرَّتْكَ، وإِذَا غِبْتَ عَنْها حَفِظَتْكَ في نَفْسِها ومالِك)) (¬2). فهذا تحديد ووصفٌ للمرأة الصالحة وأنها الجميلة المطيعة البارَّة، الأمينة، ومن المزايا التي ينبغي توفرها في المرأة الصالحة المخطوبة: أن تكون من بيئة كريمة، معروفة باعتدال المزاج، وهدوء الأعصاب، والبعد عن الانحرافات النفسية؛ فإنها أجدر أن تكون حانَّة على ولدها، بارة بزوجها، عابدة لربها. فقد خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمَّ هاني، فاعتذرت إليه بأنها صاحبة أولاد. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ ¬

(¬1) منظومة البيحاني في تربية البنين (ص 5). (¬2) أخرجه النسائي في الكبرى (5/ 310 رقم 8961)، والطبري في تفسيره (5/ 60)، والطيالسي في مسنده برقم 2325، والديلمي في مسند الفردوس (2/ 181 رقم 2912)، والحاكم (2/ 175 رقم 2682، 2683) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وقال ابن حزم في المحلى (10/ 334): هذا خبر صحيح.

الْإِبِلَ صالحُ نِساءُ قُرَيشٍ، أَحْنَاهُ (¬1) على ولَدٍ في صِغرهِ، وَأَرْعَاهُ (¬2) على زَوْجٍ في ذَاتِ يَدِهِ)) (¬3). وطبيعة الأصل الكريم أن يتفرع عنه مثله. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((النَّاسُ مَعادِنُ كَمَعَادِنِ الذَّهبِ والفِضَّةِ، خِيَارُهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الْإِسْلَامِ إذا فَقُهُوا)) (¬4). فالمنبت الحسن يخرج نباته حسناً، والمنبت السوء لا يخرج إلا سوءاً والعياذ بالله، والغصن كما قال القائل من منبته. وكما أن الزوجة سوف تكون ربةً لبيت الرجل، وتكون راعية في بيته، ومسؤولة عن رعيتها، كما ورد في السنة عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ، وَالْأَمِيرُ رَاعٍ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ على أَهْلِ بَيْتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ على بَيْتِ زَوْجِهَا وَوَلَدِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عن رَعِيَّتِهِ)) (¬5). ¬

(¬1) أحناه: أكثر شفقة. (¬2) أرعاه: أحفظه وأصون في ماله. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب النكاح، باب إلى من ينكح برقم 5082، ومسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل نساء قريش، برقم 2527. (¬4) أخرجه البخاري، كتاب المناقب، باب قول الله تعالى: (يا أيُّهَا النَّاس إنَّا خَلَقْنْاكُمْ)، برقم 3493، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب الأرواح جنود مجندة، برقم 2638/ 160. (¬5) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم 893، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل ... برقم 1829.

فحريٌّ بالمرأة الصالحة التي تراقب الله أن تحافظ على أولادها، وعلى بيت زوجها، وكل ما يختص به من شؤون البيت ورعاية الأولاد، فهي تعلم أن طاعة زوجها من طاعة الله، ومعصيته من معصية الله، فهي تُنَفِّذ أمر الله وتطيع زوجها في غير معصية الله تبارك وتعالى. وعلى المرء أن يبحث عن الزوجة الصالحة، ويسأل الخالق الذي يعلم الغيب ويعلم ما تُكنُّ الضمائر، أن يرزقه زوجةً صالحةً، وأن يكون أكثر دعائه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار} (¬1). قال بعض المفسرين في تفسير هذه الآية: إنها تشمل كل مطلوب دنيوي: من عافية، ودار رحبة، وزوجة حسنة، ورزق واسع، وعلم نافع، وعمل صالح، ومركب هين، وثناء جميل، إلى غير ذلك؛ فإنها كلها مندرجة في الحسنة في الدنيا (¬2). ومما ينبغي للرجل المسلم أثناء بحثه عن الزوجة الصالحة ألا يغفل عن المرأة الولود الودود؛ فإن الزواج بالمرأة الصالحة التي لا تلد لا يكون مساعداً على إنجاب الأولاد، الذين سوف يخدمون الإسلام، وقد ورد في هذا الجانب نصوص من الشريعة الإسلامية تحث على الزواج بالمرأة الولود الودود، فقد أخرج أبو داود بسنده ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 201. (¬2) تفسير ابن كثير، (1/ 244 – 245).

عن معقل بن يسار أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الأُمَمَ)) (¬1). وقد اعتبرت الشريعة الإسلامية الذرية من مظاهر الأنس والبهجة في الحياة، قال تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً} (¬2)، فالأولاد زينة. كما اعتبرت الشريعة الإسلامية الأولاد من مصادر النفع والخير في الحياة الدنيا، وبعد الممات. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إلا من ثَلَاثَةٍ: إلا من صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أو عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أو وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه: « ... إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: أنَّى هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك» هذا لفظ ابن ماجه، ولفظ أحمد: «إن الله - عز وجل - ليرفع الدرجة للعبد الصالح في الجنة فيقول: يا ربِّ أنَّى لي هذه؟ فيقول: باستغفار ولدك ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب النكاح، باب النهي عن التزوج من لم يلد من النساء، برقم 2050، والحاكم (2/ 176، رقم 2685)، والبيهقي في سننه الكبرى (7/ 81 رقم 13253)، وصححه الحاكم ونقل تصحيحه المنذري في ترغيبه (3/ 31 رقم 2958) وصححه الألباني في صحيح الجامع، برقم 2940. وقال في صحيح سنن أبي داود (1/ 574 رقم 2050): حسن صحيح. (¬2) سورة الكهف، الآية: 46. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته، برقم 1631.

لك» (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إنَّ مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً علَّمه ونشره، وولداً صالحاً تركه، ومصحفاً وَرَّثه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته، يلحقه من بعد موته» (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبع يجري أجرها للعبد بعد موته وهو في قبره: من عَلَّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً، أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً، أو ورَّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته» (¬3). وحتى لو مات ولده قبله يحصل على الأجر العظيم؛ لحديث أبي سلمى راعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: «بخٍ بخٍ – وأشار بيده الخمس – ما أثقلهن في الميزان: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، والولد الصالح يتوفَّى للمرء المسلم فيحتسبه» (¬4). ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الوالدين، برقم 3660، وأحمد في المسند (16/ 356 رقم 10610)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 214)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، رقم 1598، وقال عنه محققو المسند (16/ 356): «إسناده حسن». (¬2) ابن ماجه في المقدمة، باب ثواب معلم الناس الخير، برقم 242، وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 98)، وفي إرواء الغليل (6/ 29). (¬3) أبو نعيم في حليةالأولياء، بلفظه (2/ 344)، والبيهقي في الجامع لشعب الإيمان (5/ 122 – 123)،وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (1/ 140، 566، و2/ 699). (¬4) ابن سعد في الطبقات (7/ 433)، وابن حبان في صحيحه، برقم 2328، «موارد»، والحاكم (1/ 511)، وصححه ووافقه الذهبي برقم 1408، وصححه الألباني في الأحاديث الصحيحة، برقم 1204، وفي صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان (2/ 416، رقم 2328).

وفضل تربية البنات والإحسان إليهن ثابت في الأحاديث الصحيحة، فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه (¬1)، وفي الترمذي: «وأشار بأصبعيه» (¬2). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن، وأطعمهن، وسقاهن، وكساهن من جدته (¬3) كُنَّ له حجاباً من النار يوم القيامة» (¬4). وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما من مسلم تدركه ابنتان فيُحسن صحبتهما إلا أدخلتاه الجنة» (¬5). وعن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان ¬

(¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب الإحسان إلى البنات، برقم 2631. (¬2) الترمذي برقم 1914. (¬3) جِدته: أي من غناه. (¬4) ابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الولد والإحسان إلى البنات، برقم 3669، والبخاري في الأدب المفرد (رقم 76)، وصححه الألباني في الصحيحة، برقم 294، وفي صحيح ابن ماجه (3/ 215)، وصحيح الأدب المفرد (ص57). (¬5) البخاري في الأدب المفرد (رقم 77)، وابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الولد والإحسان إلى البنات، برقم 3670، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص 57)، وفي صحيح ابن ماجه (3/ 215)، وفي الصحيحة، رقم 2775.

له ثلاث بنات يؤويهنَّ، ويكفيهنَّ، ويرحمهنَّ، فقد وجبت له الجنة البتة» فقال رجل من بعض القوم: واثنتين يا رسول الله؟ قال: «واثنتين» (¬1). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يكون لأحد ثلاثُ بنات، أو ثلاث أخوات، أو ابنتان، أو أُختانِ، فيتقي الله فيهنَّ، ويُحسن إليهنَّ إلا دخل الجنة» (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من عال ابنتين، أو ثلاثاً، أو أختين، أو ثلاثاً حتى يَبِنَّ (¬3) أو يموت عنهنَّ كنتُ أنا وهوَ في الجنةِ كهاتَيْنِ» وأشار بأصبعهِ الوُسطى والتي تليها (¬4). ¬

(¬1) البخاري في الأدب المفرد، برقم 78، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص 58)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 294، 2492. (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب في بر الوالدين، برقم 5147، 5148، والترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في النفقة على البنات والأخوات، برقم 1912، 1916، وابن حبان (2/ 191، برقم 446، وأحمد في المسند (17/ 476 رقم 11384، و18/ 413، رقم 11924)، والحديث قال عنه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان (2/ 190): «ومتن الحديث صحيح» وقال عنه محققو مسند الإمام أحمد: (17/ 476): «حديث صحيح لغيره» وقال عنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 429: «صحيح لغيره» وأخرجه البخاري في الأدب المفرد برقم 79، وقال الألباني في صحيح الأدب المفرد (ص 58): «حسن». وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 294، (1/ 183). (¬3) يَبنَّ: أي ينفصلن عنه بتزويج أو موت. حاشية مسند الإمام أحمد (19/ 481). (¬4) أحمد في المسند (19/ 481) برقم 12498، و (20/ 48) برقم 12593، وعبد بن حميد برقم 1378، وابن حبان في صحيحه (2/ 191) برقم 447، وغيرهم كثير، قال محققو مسند الإمام أحمد (19/ 481): «إسناده صحيح على شرط الشيخين» وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان (2/ 191): «إسناده صحيح على شرط الشيخين». وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 428): «صحيح»، وانظر: أحاديث كثيرة في ذلك سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني (1/ 184 – 186) وأصل الحديث في صحيح مسلم برقم 2631: «من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو» وضم أصابعه. والجارية هي البنت الصغيرة، فتدخل الأخت في ذلك، والله تعالى أعلم.

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرةً؛ لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صَنَعَتْ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «إن الله قد أوجب لها بها الجنة، أو أعتقها بها من النار» (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ، فأعطيتها إيَّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها، ثم قامت وخرجت، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته فقال: «من ابتُلي من هذه البنات بشيء [فأحسن إليهنّ] كنَّ له ستراً من النار» (¬2). ¬

(¬1) مسلم، كتاب البر والصلة، باب الإحسان إلى البنات برقم 2630. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، والقليل من الصدقة، برقم 1418، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب الإحسان إلى البنات، برقم 2629.

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الجمع بين الحديثين السابقين: «ويمكن الجمع بأن مرادها بقولها في حديث عروة: فلم تجد عندي غير تمرة واحدة: أي أخصها بها، ويحتمل أنها لم تكن عندها في أول الحال سوى واحدة فأعطتها ثم وجدت ثنتين، ويحتمل تعدد القصة» (¬1). فالأولاد نعمة من الله تعالى، وهبة من هباته، قال الله - عز وجل -: {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُور * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير} (¬2). وقوله تعالى: {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} أي: يجمع لمن يشاء سبحانه بين الذكور والإناث فضلاً منه وإحساناً. فنفع الأولاد الصالحين يعود على الوالدين في الدنيا والآخرة، والآيات والأحاديث في الحث على طلب الأولاد كثيرة جداً. وإذا كانت شريعتنا الغراء قد حثَّت على طلب الزوجة الصالحة، فإنها قد حثَّت كذلك الآباء على تزويج بناتهم رجالاً صالحين، فعلى الأب أن يجتهد في اختيار الرجل الكفء الذي يتمتع بالخلق الحميد، والدين القويم، وصفاء العقيدة، وأن يكون لديه القدرة على تحمل الأمانة، وحفظ المرأة، وصيانتها، والوفاء بجميع حقوقها، والذي إذا أحبها أكرمها، وإذا أبغضها لم يُهنها، فعن ¬

(¬1) فتح الباري، بشرح صحيح البخاري، لابن حجر (10/ 428). (¬2) سورة الشورى، الآيتان: 49 - 50.

أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ)) (¬1). فقد بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سيحدث للآباء من الأخطار الجسيمة، والمفاسد الكبيرة التي تنتظرهم إذا لم يختاروا لبناتهم، أو من ولاَّهم الله رعايته: من بنات، أو أخوات، أو أقرباء - الرجال العقلاء، الذين يعرفون ما يسرّهم وما يضرّهم؛ فإن العاقل الحازم هو الذي يحافظ على دينه، وشرفه، ويراقب ربه؛ لأنه يعلم أنه يراه، وسوف يحاسبه على ما عمل من عمل، ويُثيبه على كل ما يتقرب إليه به من الأعمال الصالحة، فهذا الرجل لا يمكن إن شاءالله أن يظلم من يتولَّى شؤونه: من زوجة وولد ... وغيرهم، كما أنه سوف يُعين هذه المرأة المسكينة على المحافظة على دينها، وشرفها؛ فإنها ولو كانت صالحة وتزوجت برجل لا يراقب مولاه، ولا يخشاه، فربما أضلَّها عن السبيل؛ لأن المرأة في الغالب على دين زوجها. ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب النكاح، باب ما جاء إذا جاءكم من ترضون دينه فزوجوه (رقم 1084)، والطبراني في الأوسط (1/ 141 – 142 رقم 446)، وفي لفظٍ للترمذي (1085): ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد))، قالوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟ قال: ((إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه)) ثلاث مرات. والحاكم (2/ 179 رقم 2695) وصححه، وقال الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 551 رقم 1084 ورقم 1085): حسن صحيح.

فالآباء إذا أحسنوا اختيار الرجل الصالح لبناتهم، فقد اجتهدوا وألقوا الأمانة من على أكتافهم إلى رجال صالحين، سوف يحملون هذه الأمانة. قال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً} (¬1). والخلاصة أن من أسباب صلاح الذرية في هذا المبحث ما يأتي: 1 – التأكد من صلاح الزوجة في دينها وحسن خلقها، وأن تكون ودوداً ولوداً. 2 – التأكد من صلاح الزوج في دينه وخلقه، وأمانته. 3 – التأكد من صلاح أبوي الزوجين، وأولادهما: إخوة الزوجة، وإخوة الزوج؛ لأن أخلاق الوالدين وأخلاق إخوة الزوجين لها تأثير على أولاد الزوجين؛ لأن هذه الأخلاق تورث كما يورث الشَّبه في الغالب؛ ولأن العرق دسَّاس، وكذلك ينبغي أن يتَّصفوا بالسماحة، والشجاعة، والكرم، وحسن الخلق. 4 – الدعاء عند الدخول وبعده؛ لحديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال: بسم الله، اللهم جنِّبنا الشيطان وجنِّب الشيطان ما رزقتنا؛ فإنه إن قُدِّر ¬

(¬1) سورة الأحزاب، الآية: 72.

بينهما ولدٌ لم يضره شيطان أبداً» (¬1). 5 – أن يكون الأبوان قدوة صالحة لأولادهما. * ... * ... * ¬

(¬1) مسلم، كتاب النكاح، باب ما يستحب أن يقوله عند الجماع، (رقم 1434).

المبحث الثالث: العقيقة واختيار الاسم الحسن حق للأولاد على الآباء

المبحث الثالث: العقيقة واختيار الاسم الحسن حقٌّ للأولاد على الآباء أولاً: مفهوم العقيقة: لغة واصطلاحاً: العقيقة لغة: مشتقة من العقِّ، وهو القطع؛ وأصل العق: الشق والقطع، وقيل للذبيحة عقيقة؛ لأنها يُشقُّ حلقها، ويقال للشعر الذي يخرج على رأس المولود من بطن أمه: عقيقة؛ لأنه يُحلق، وقد جعل الزمخشري الشعر أصلاً، والشاة المذبوحة مشتقة منه (¬1). والعقيقة شرعاً: الشاة التي تذبح عن المولود في اليوم السابع من ولادته عند حلق شعره (¬2)، وهي من حقوق الولد على والده. وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((العقيقة: الذبيحة التي تذبح عن المولود، وقيل: هي الطعام الذي يصنع ويُدعى إليه من أجل المولود)) (¬3). ثانياً: حكم العقيقة عن المولود: الذكر والأنثى: العقيقة سنة مؤكدة، سنَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4)؛ للأحاديث الآتية: ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير (3/ 276). (¬2) المرجع السابق (3/ 276)، ومعجم لغة الفقهاء، للروَّاس، (ص 288)، والقاموس الفقهي لغة واصطلاحاً لسعدي أبو جيب (ص 258). (¬3) المغني لابن قدامة (13/ 392)، وقال: ((قال أبو عُبيد: الأصل في العقيقة الشعر الذي على المولود، وجمعها: عقائق ... ثم إن العرب سمَّت الذبيحة عند حلق شعره: عقيقة على عادتهم في تسمية الشيء باسم سببه، أو مجاوره، ثم اشتهر ذلك حتى صار من الأسماء العرفية، وصارت العقيقة مغمورة فيه، فلا يفهم من العقيقة عند الإطلاق إلا الذبيحة، وقال ابن عبد البر: أنكر أحمد هذا التفسير، وقال: إنما العقيقة: الذبح نفسه ... )). (¬4) اختلف العلماء في حكم العقيقة على أقوال: القول الأول: العقيقة سنة مؤكدة، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في المغني (13/ 393): ((والعقيقة سنة في قول عامة أهل العلم، منهم ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وفقهاء التابعين، وأئمة الأمصار)). القول الثاني: العقيقة ليست سنة، وهي من أمر الجاهلية، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه. [المغني لابن قدامة، 13/ 393]. القول الثالث: العقيقة واجبة، وبه قال الحسن، وداود، وروي عن بريدة، واستدلوا بحديث سمرة: ((كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويسمى فيه، ويحلق رأسه))؛ ولأحاديث الأمر بالعقيقة، وقالوا: ظاهر الأمر الوجوب. [المغني لابن قدامة، 13/ 394]. ثم رد ابن قدامة على من قال: بأن العقيقة واجبة، وعلى أبي حنيفة وأصحابه الذين قالوا: إن العقيقة من أمر الجاهلية، فقال رحمه الله: ((ولنا على استحبابها هذه الأحاديث: وعن أم كُرْزٍ الكعبية، قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((عن الغلام شاتان، مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وفي لفظ: ((عن الغلام شاتان مثلان، وعن الجارية شاة)) [رواه أبو داود، برقم 2834]، وفي رواية قال: ((العقيقة عن الغلام شاتان)). والإجماع، قال أبو الزناد: العقيقة من أمر الناس، كانوا يكرهون تركه، وقال أحمد: العقيقة سنة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد عقَّ عن الحسن والحسين، وفعله أصحابه، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الغلام مرتهن بعقيقته))، وهو إسناد جيد، يرويه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وجعلها أبو حنيفة من أمر الجاهلية؛ وذلك لقلة علمه ومعرفته بالأخبار. وأما بيان كونها غير واجبة، فدليله ما احتج به أصحاب الرأي من الخبر)). [قلت: وهو قولهم] ((روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه سئل عن العقيقة فقال: ((إن الله تعالى لا يحب العقوق)) [أحمد،2/ 182]، فكأنه كره الاسم، وقال: ((من ولد له مولود فأحب أن ينسك عنه فليفعل)) رواه مالك في موطئه))، ثم قال ابن قدامة عن قول أصحاب الرأي: ((وما رووه محمول على الاستحباب جمعاً بين الأخبار؛ ولأنها ذبيحة لسرورٍ حادثٍ، فلم تكن واجبة، كالوليمة، والنقيعة [طعام القادم من السفر] [المغني لابن قدامة، 13/ 394 - 395]. وقال شيخنا ابن باز في مجموع فتاويه (18/ 48): ((العقيقة سنة مؤكدة، وليست بواجبة)). وانظر: مجموع فتاوى اللجنة الدائمة (11/ 439).

الحديث الأول:

الحديث الأول: حديث سلمان بن عامر الضبِّي، قال: سمعت

الحديث الثاني:

رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَعَ الْغُلاَمِ عَقِيقَتُهُ، فَأَهْرِيقُوا عَنْهُ دَمًا، وَأَمِيطُوا عَنْهُ الأَذَى)) هذا لفظ البخاري وأهل السنن الأربع، ولفظ أحمد: ((مع الغُلام عقيقتُهُ، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى))، وقال: ((الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم صلةٌ وصدقة)) (¬1). الحديث الثاني: حديث سمرة بن جُندبٍ - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل غُلَام رهينةٌ بعقيقته، تذبح عَنهُ يَوْم سابعه، وَيُسَمَّى فِيهِ، ويُحلقُ رَأسُهُ)) (¬2). ¬

(¬1) البخاري، كتاب العقيقة، باب إماطة الأذى عن الصبي في العقيقة، (رقم 5471، 5472)، وأحمد في المسند (26/ 970، رقم 6231)، وقد أخرجه أحمد في مواضع بأرقام، هي: (16226، 16229، 16230، 16232، 16240، 16241، 17871، 17873، 17875، 17885، 17886)، وأبو داود (رقم 2839)، والترمذي (رقم 1515)، والنسائي (رقم 4214). (¬2) أحمد في المسند، (33/ 271، برقم 20083، ورقم 20193، ورقم 20194)، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة (رقم 2838)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب من العقيقة (رقم 1522)، والنسائي، كتاب العقيقة، باب متى يعق (رقم 4220)، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، (رقم 3165)، وقد صح سماع الحسن من سمرة بن جندب، فإنه صرَّح بالسماع، فقد روى البخاري في إثر حديث سلمان بن عامر الضبّي عن عبد الله بن أبي الأسود، حدثنا قريش بن أنس، عن حبيب بن الشهيد، قال: أمرني ابن سيرين أن أسأل الحسن ممن سمع حديث العقيقة؟ فسألته فقال: من سمرة بن جندب)) [صحيح البخاري، قبل الحديث رقم 5473]، وقال محققو مسند أحمد (33/ 271): ((إسناده صحيح، رجاله ثقات رجال الشيخين، وقد صرّح الحسن البصري بسماعه لهذا الحديث من سمرة)). والحديث صححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (2/ 196 رقم 2838) وفي سائر السنن.

قال الإمام ابن الأثير رحمه الله: ((كل غُلام رَهِينة بعَقيقته)) الرَّهينة: الرَّهْن، والهاءُ للمبالغة، كالشَّتِيمة والشتْم، ثم استُعْمِلا بمعنى المَرْهُون، فقيل: هو رَهْن بكذا، ورَهِينَة بكذا، ومعنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((رهينة بعقَيِقته)) أن العقَيِقَة لازِمةٌ له لا بُدَّ منها، فشبَّهه في لُزومها له، وعَدم انْفِكاكه منها بالرَّهن في يَدِ المُرْتَهن، قال الخطابي: تكلَّم الناسُ في هذا، وأجْودُ ما قيل فيه ما ذَهب إليه أحمدُ بن حنْبَل، قال: هذا في الشفاعَةِ، يريدُ أنه إذا لم يُعَقَّ عنه فمات طِفلاً لم يَشْفَع في والدَيه، وقيل: معناه أنه مَرهون بأذَى شَعَره، واستدَلُّوا بقوله: ((فأمِيطُوا عنه الأذَى)) وهو ما عَلق به من دَم الرَّحِم)) (¬1) (¬2). وقال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((والرهن في اللغة: الحبس، قال تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (¬3)،وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَنّهُ رَهِينَةٌ فِي نَفْسِهِ، مَمْنُوعٌ مَحْبُوسٌ عَنْ خَيْرٍ يُرَادُ بِهِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُعَاقَبَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ، وَإِنْ حُبِسَ بِتَرْكِ أَبَوَيْهِ الْعَقِيقَةَ عَمّا يَنَالُهُ ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 285). (¬2) وقال الإمام السندي في حاشيته على سنن النسائي (7/ 166): ((وقال التوربشتي: أي إنه كالشيء المرهون، لا يتم الانتفاع به دون فكّه، والنعمة إنما تتم على المنعم عليه بقيامه بالشكر، ووظيفته، والشكر في هذه النعمة: ما سنَّه النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهو أن يعق عن المولود شكراً لله تعالى، وطلباً لسلامة المولود، ويحتمل أنه أراد بذلك: أن سلامة المولود، ونشوؤه على النعت المحمود رهينة بالعقيقة ... )). وقال الشوكاني في نيل الأوطار (3/ 503): (( ... وقيل: إنه مرهون بالعقيقة، بمعنى: أنه لا يُسمَّى، ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها، وبه صرّح صاحب المشارق ... )). (¬3) سورة المدثر، الآية: 38.

الحديث الثالث:

مَنْ عَقّ عَنْهُ أَبَوَاهُ، وَقَدْ يَفُوتُ الْوَلَدَ خَيْرٌ بِسَبَبِ تَفْرِيطِ الْأَبَوَيْنِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ كَسْبِهِ، كَمَا أَنّهُ عِنْدَ الْجِمَاعِ إذَا سَمّى أَبُوهُ لَمْ يَضُرّ الشّيْطَانُ وَلَدَهُ، وَإِذَا تَرَكَ التّسْمِيَةَ لَمْ يَحْصُلْ لِلْوَلَدِ هَذَا الْحِفْظُ، وَأَيْضًا؛ فَإِنّ هَذَا إنّمَا يَدُلّ عَلَى أَنّهَا لَازِمَةٌ لَا بُدّ مِنْهَا، فَشَبّهَ لُزُومَهَا وَعَدَمَ انفكاك المولود عنها بالرهن، وقد يستدل بهذا من يرى وجوبها: كَاللّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، وَأَهْلِ الظّاهِرِ، وَاَلله أَعْلَمُ)) (¬1). الحديث الثالث: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة، فقال: ((لا يحبُّ الله العقوق)) وكأنه كره الاسم، قال لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: إنما سألك: أحدُنا يولَدُ له؟ فقال: ((من أحب أن ينْسُك عن ولده، فلينسك عنه، عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية: شاة))، قال داود [راويه]: سألت زيد بن أسلم عن ((المكافئتان؟)) قال: الشاتان: المشبَّهتان تذبحان جميعاً، وهذا لفظ النسائي، ولفظ أحمد: سُئل عن العقيقة فقال: ((إن الله لا يحب العقوق)) وكأنه كره الاسم، قالوا: يا رسول الله، إنما نسألك عن أحدنا يولد له؟ قال: ((من أحب منكم أن ينسك عن ولده ¬

(¬1) زاد المعاد (2/ 326)، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم (2/ 326): ((المقصود بقوله: ((كل غلام رهينة بعقيقته)): الله أعلم بمراده، وتفسيره بأنه محبوس عن الشفاعة لوالديه لا دليل عليه، فهو مرتهن، وقد يكون كما قال المؤلف: محبوس عن خير يُراد به، أو غيره، والعلم عند الله، المهم أنه مرتهن بعقيقته حتى يُعقّ عنه)).

الحديث الرابع:

فليفعل، عن الغلام: شاتان مكافأتان، وعن الجارية شاة))، ولفظ أبي داود: ((لا يحب الله العقوق)) كأنه كره الاسم، وقال: ((من ولد له ولد فأحبَّ أن ينسك عنه فلينسك: عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة)) (¬1). الحديث الرابع: حديث عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وهذا لفظ أحمد، وفي لفظ له آخر: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن نعقَّ عن الجارية شاة، وعن الغلام شاتين))، ولفظ الترمذي: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتانِ، وعن الجارية شاة)) (¬2). ومعنى: ((مكافأتان))، و ((مكافئتان)) واحد: والمعنى يجزئ في عقيقته: شاتان متساويتان في السن، والشَّبه، ولا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وتذبحان جميعاً (¬3). ¬

(¬1) النسائي، كتاب العقيقة، (رقم 4212)، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، (رقم 2842)، وأحمد، (2/ 182)، والنسخة المحققة، (رقم 6713، 6822)، وقال الألباني في صحيح النسائي (3/ 137): ((حسن صحيح))، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة، (رقم 1655)، وإرواء الغليل (4/ 362). وحسنه في صحيح سنن أبي داود (2/ 197 رقم 2842). (¬2) أحمد (40/ 30، رقم 24028، ورقم 25250، ورقم 26134)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب ما جاء في العقيقة، (رقم 1513)، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، (رقم 3163)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2/ 164 رقم 1513)، وفي صحيح ابن ماجه (3/ 92). (¬3) وذكر ابن حجر عن زيد بن أسلم أنه سئل عن قوله: ((مكافئتان)) فقال: متشابهتان تذبحان جميعاً، أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى، وحكى أبو داود عن أحمد: المكافأتان: المتقاربتان، قال الخطابي: أي في السنِّ، وقال الزمخشري: معناه: متعادلتان لما يجزئ في الزكاة والأضحية، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرزٍ من وجه آخر عن عبيد بن أبي يزيد بلفظ: ((شاتان مثلان))، ووقع عند الطبراني في حديث آخر، قيل: ما المكافئتان؟ قال: المثلان، وما أشار إليه زيد بن أسلم: من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن، ويحتمل الحمل على المعنيين معاً)) [فتح الباري لابن حجر، 3/ 592]، وانظر: تحفة الأحوذي شرح سنن الترمذي، (5/ 103). وقال الإمام السندي الحنفي في شرحه على سنن ابن ماجه، 3/ 549: ((قوله عن الغلام)) أي يجزئ في عقيقته: ((شاتان مكافئتان)) - بالهمز -، أي: متساويتان في السن، بمعنى أن لا ينزل سنهما عن سنِّ أدنى ما يجزئ في الأضحية، وقيل: متساويتان: أي متقاربتان، وهو من كسر الفاء، من مكافأه: إذا ساواه، قال الخطابي: المحدثون يفتحون الفاء ((مكافأتان))، وأراد أنه أولى؛ لأنه يريد أن يساوى بينهما، وأما بالكسر ((مكافِئتان)) فلا، وقال الزمخشري: لا فرق بين الفتح والكسر؛ لأن كل واحدة إذا كانت أختها فقد كوفئت، فهي كافية ومكافأة. حاصله: أن الأصل في الفتح والكسر: اعتبار المساواة بالنظر إلى ثالث، فعلى الكسر هما يساويان الثاني، وعلى الفتح يساويهما ثالث، كما هو شأن باب المفاعلة، فإن اكتفى بمساواة إحداهما الأخرى فيصح الفتح والكسر جميعاً. فإن كل واحدة فاعلة لهذه المساواة، ومفعولة، ثم قال الزمخشري: يحتمل أن معناه: متساويتان لما يجب في الأضحية في السِّنَّيْن، ويحتمل مع الفتح: أن يراد مذبوحتان، من كافأ الرجل بين بعيرين إذا نحر هذا ثم هذا معاً، من غير تعيين: كأنه يريد شاتين يذبحهما معاً)). وانظر أيضاً: حاشية السندي على سنن النسائي، (7/ 164).

وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحب الله العقوق)) فقد قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله: ((وفي هذا الحديث كراهية ما يقبح معناه من الأسماء، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحب الاسم الحسن، ويعجبه الفأل الحسن ... وكان الواجب بظاهر الحديث أن يقال للذبيحة عن المولود: نسيكة ولا يقال: عقيقة، لكني لا أعلم أحداً من العلماء مال إلى ذلك، ولا قال

به، وأظنهم - والله أعلم - تركوا العمل بهذا المعنى المدلول عليه من هذا الحديث؛ لما صح عندهم من لفظ العقيقة ... ))، ثم ذكر حديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه -: ((كل غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويُسَمَّى فيه، ويحلق رأسه)) (¬1). وحديث سلمان العنسي - رضي الله عنه -: ((مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى)) (¬2)، ثم قال: (( ... وهما حديثان ثابتان، إسناد كل واحد منهما خير من إسناد حديث زيد بن أسلم هذا)) (¬3). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول في العقيقة: ((لا حرج في تسميتها بالعقيقة؛ لتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم -[لها بذلك] في الأحاديث الصحيحة)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) أحمد، (33/ 271، رقم 20083، 2193، 2194)، وأبو داود، (رقم 2838)، وبقية أصحاب السنن وتقدم تخريجه. وصححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 385، 394). (¬2) البخاري، (رقم 5471، 5472)، بنحوه، وأحمد في المسند، (26/ 170 رقم 6231)، وتقدم تخريجه. (¬3) التمهيد لابن عبد البر، (4/ 305 – 306). (¬4) سمعته من شيخنا رحمه الله أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث (رقم 5472). وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد لابن القيم، (2/ 325): (( ... العقيقة سنة مؤكدة، وهي كالأضحية: يأكل، ويهدي، ويتصدق، وفي الأحاديث الصحيحة سمَّاها [النبي]- صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((كل غلام رهينة بعقيقته)) فلا بأس بتسميتها عقيقة))، وسمعته يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، (2/ 332)، عن خبر جعفر بن محمد عن أبيه: يرفعه مرسلاً: ((ابعثوا إلى بيت القابلة برجل، وكلوا، وأطعموا، ولا تكسروا منها عظماً)) [أخرجه البيهقي، (9/ 302)، وأبو داود في المراسيل]، قال شيخنا: وهذا مرسل، والمرسل لا حجة فيه، فيأكل، أو يهدي، أو يتصدق ما تيسَّر، وكسر العظم لا بأس به، وذكر بعضهم أن هذا يترك تفاؤلاً)). (¬5) وقال العلامة ابن القيم رحمه الله في كتاب تحفة المودود بأحكام المولود، (ص 37): ((الفصل السادس: هل تكره تسميتها عقيقة: اختلف فيه، فكرهت ذلك طائفة، واحتجوا بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كره الاسم، فلا ينبغي أن يطلق على هذه الذبيحة الاسم الذي كرهه، قالوا: فالواجب بظاهر هذا الحديث أن يقال لها: نسيكة، ولا يقال لها عقيقة. وقالت طائفة أخرى: لا يكره ذلك، ورأوا إباحته، واحتجوا بحديث سمرة: ((الغلام مرتهن بعقيقته))، وبحديث سلمان بن عامر: ((مع الغلام عقيقة))، ففي هذين الحديثين لفظ العقيقة، فدل على الإباحة، لا على الكراهة، قال أبو عمر: .. وعلى هذا كتب الفقهاء في كل الأمصار ليس فيها إلا العقيقة لا النسيكة، قال: على أن حديث مالك هذا ليس فيه التصريح بالكراهة، وكذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، إنما فيهما: كأنه كره الاسم، وقال: ((من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل)). ثم قال ابن القيم رحمه الله: ((قلت: ونظير هذا اختلافهم في تسمية العشاء بالعتمة، وفيه روايتان عن أحمد، والتحقيق في الموضعين كراهة هجر الاسم المشروع: من العشاء والنسيكة، والاستبدال به اسم العقيقة والعتمة، فأما إذا كان المستعمل هو الاسم الشرعي، ولم يهجر، وأطلق الاسم الآخر أحياناً فلا بأس بذلك، وعلى هذا تتفق الأحاديث وبالله التوفيق)) انتهى كلام ابن القيم رحمه الله، (ص 37). وقال العلامة السندي رحمه الله في حاشيته على سنن النسائي، (7/ 162 – 163): ((وكأنه كره الاسم)) يريد أنه ليس فيه توهين لأمر العقيقة، ولا إسقاط لوجوبها، وإنما استبشع الاسم وأحب أن يسميه بأحسن منه، كالنسيكة، والذبيحة، ولذلك قال: ((من أحب أن ينسُك عن ولده)) بضم السين: أي يذبح، قال: التوربشتي: هذا الكلام هو كأنه كره الاسم غير سديد، أُدرج في الحديث من قول بعض الرواة، ولا يُدرى من هو، وبالجملة فقد صدر عن ظن يحتمل الخطأ، والظاهر أنه ها هنا خطأ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - ذكر العقيقة في عدة أحاديث، ولو كان يكره لعدل عنه إلى غيره، ومن سنته تغيير الاسم إذا كرهه، والأوجه أن يقال: يحتمل أن السائل ظن أن اشتراك العقيقة مع العقوق في الاشتقاق مما يوهن أمرها، فأعلم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ الذي كرهه الله تعالى من هذا الباب هو العقوق لا العقيقة، ويحتمل أن العقوق هنا مستعار للولد بترك العقيقة: أي لا يحب أن يترك الوالد حق الولد الذي هو العقيقة، كما لا يحب أن يترك الولد حق الوالد الذي هو حقيقة العقوق ... والله تعالى أعلم)). انتهى كلام الإمام السندي.

ثالثا: وقت العقيقة:

ثالثاً: وقت العقيقة: الأفضل أن تذبح عن المولود اليوم السابع، وإن ذُبحت قبل ذلك بعد الولادة فلا بأس، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله: ((فإن ذبحها قبل السابع جاز؛ لأنه فعلها بعد سببها، فجاز كتقديم الكفارة على الحنث ... )) (¬1)، ولكن السنة أن تذبح في اليوم السابع، قال الإمام ابن قدامة: ((وإن ذبح قبل ذلك أو بعده أجزأه)) (¬2)، وقد دلَّت السنة الثابتة على مشروعية الالتزام بالسنة في اليوم السابع (¬3)؛ لحديث ¬

(¬1) الكافي لابن قدامة، (2/ 498). (¬2) المغني لابن قدامة، (13/ 397). (¬3) قال ابن القيم في تحفة المودود بأحكام المولود، (ص43): ((قال مالك: ولا يعد اليوم الذي ولد فيه، إلا أن يولد قبل الفجر من ليلة ذلك اليوم)) وانظر: فتح الباري لابن حجر، (9/ 595). وقال أصحاب الموسوعة الفقهية، (30/ 278): ((ذهب الشافعية، والحنابلة إلى أن وقت ذبح العقيقة يبدأ من تمام انفصال المولود، فلا تصح قبله، بل تكون ذبيحة عادية، وذهب الحنفية والمالكية إلى أن وقت العقيقة يكون في سابع الولادة، ولا يكون قبله، وذهب جمهور الفقهاء إلى أن يوم الولادة يحسب من السبعة، ولا تحسب الليلة إن ولد ليلاً، بل يحسب اليوم الذي يليها، وقال المالكية: لا يحسب يوم الولادة في حق من ولد بعد الفجر، وأما من ولد مع الفجر أو قبله، فإن اليوم يحسب في حقه، وقالت المالكية: إن وقت العقيقة يفوت بفوات اليوم السابع، وقالت الشافعية: إن وقت الإجزاء في حق الأب ونحوه ينتهي ببلوغ المولود، وقال الحنابلة وهو قول ضعيف عند المالكية: إن فات ذبح العقيقة في اليوم السابع يسن ذبحها في الرابع عشر، فإن فات ذبحها فيه انتقلت إلى اليوم الحادي والعشرين من ولادة المولود، فيسن ذبحها فيه، وهو قول عند المالكية، وهذا مروي عن عائشة رضي الله عنها .... ))، قال ابن القيم في تحفة المودود بأحكام المولود، (ص43): ((والظاهر أن التقييد بذلك استحباباً، وإلا فلو ذبح عنه في الرابع، أو الثامن، أو العاشر، أو ما بعده أجزأت، والاعتبار بالذبح لا بالطبخ والأكل)). وقال سماحة شيخنا ابن باز في مجموع فتاويه، (26/ 266) في شأن من لم يُعقَّ عنه: (( ... يستحب أن يعق عن نفسه؛ لأن العقيقة سنة مؤكدة، وقد تركها والده، فشرع له أن يقوم بها إذا استطاع لعموم الأحاديث)). وسمعته أيضاً يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، (2/ 332): ((والمقصود أن الإنسان إذا لم يعق عنه والده استحب له أن يعق عن نفسه؛ لأنها سنة، وكونها تجاوزت اليوم السابع لا يؤثر؛ لأنه من باب الأفضلية)). وسمعت شيخنا ابن باز يذكر: أن من فاته اليوم السابع، فإنه لا يُحدِّد ذبح العقيقة بيومٍ معيَّن، فيذبح في أي وقت تيسر له.

رابعا: مقدار ما يذبح في العقيقة:

سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسُه)) (¬1). رابعاً: مقدار ما يذبح في العقيقة: السنة أن يذبح عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاةٌ؛ للأحاديث الآتية: الحديث الأول: حديث أم كرز الكعبية رضي الله عنها، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عَنِ الْغُلامِ شَاتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، هذا لفظ النسائي، وفي لفظٍ له أيضاً: قالت رضي الله عنها: أَتَيْتُ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - بِالْحُدَيْبِيَةِ أَسْأَلُهُ عَنْ لُحومِ الْهَدْيِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((عَلَى الْغُلَامِ شَاتَانِ، وَعَلَى الْجَارِيَةِ شَاةٌ، لَا يَضُرُّكُمْ ذُكْرَانًا كُنَّ أَمْ إِنَاثًا))، ولفظ أبي داود: ((عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، قال أبو داود: سمعت أحمد ¬

(¬1) أحمد (رقم 20083، ورقم 20193)، وأبو داود، (رقم 2838)، والترمذي، (رقم 1522)، والنسائي (رقم 4220)، وابن ماجه (رقم 3165)،وصححه الألباني وتقدم تخريجه.

الحديث الثاني:

قال: مكافِئتان، أي مستويتان، أو متقاربتان))، وفي لفظ لأبي داود: قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مِثْلاَنِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬1). الحديث الثاني: حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وفيه: ((مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْ وَلَدِهِ فَلْيَنْسُكْ عَنْهُ: عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ))، هذا لفظ النسائي، ولفظ أبي داود: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ: عَنِ الْغُلاَمِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬2). الحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن نعقَّ عن الغلام شاتين، وعن الجارية شاة)) (¬3). ¬

(¬1) النسائي، كتاب العقيقة، باب العقيقة عن الغلام، (رقم 4215، 4216، 4217، 4218)، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، (رقم 2734، ورقم 2836)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود، (رقم 1516)، وابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، (رقم 3162)، وأحمد (45/ 113، رقم 27139، ورقم 27142، 27143، 27371، 27372)، والحديث صححه الألباني في صحيح سنن النسائي (3/ 137 رقم 4223)، وفي سائر صحيح السنن الأربع. (¬2) النسائي، (رقم 4212)، وأبو داود، (رقم 2842)، وأحمد، (رقم 6713، 6822)، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة عن المولود، الحديث الثالث. والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 197 رقم 2842). (¬3) الترمذي، (رقم 1513)، وابن ماجه، واللفظ له، (رقم 3136)، وأحمد، (40/ 30، رقم 24028، ورقم 25250، ورقم 26134)، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة، الحديث الرابع. والحديث صححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 92 رقم 2578).

الحديث الرابع:

الحديث الرابع: حديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: ((عقَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين - رضي الله عنهم -: بكبشين كبشين)) (¬1). الحديث الخامس: حديث أسماء بنت يزيد رضي الله عنها، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((عَنِ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافَأَتَانِ وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ)) (¬2). وسمعت شيخنا عبد العزيز ابن باز رحمه الله يقول: ((السنة في العقيقة: شاتان عن الغلام، وشاة عن الجارية، ولا حرج أن يزيد إذا كان عنده ضيوف كثير ولا يكفيهم، والعقيقة أمرها واسع، سواء وزَّعها على إخوانه، أو أكل بعضاً وأهدى بعضاً، أو دعا عليها إخوانه، والسنة مثل الأضحية، وإزالة شعر الرأس بالحلق خاص بالغلام)) (¬3). وهذه الأحاديث الصحيحة تدل على أن السنة أن يُذبح عن الغلام شاتان متماثلتان متقاربتان، وعن الجارية شاة، يتقرب بها ¬

(¬1) النسائي بلفظه، كتاب العقيقة، باب لم يعق عن الجارية، (رقم 4219)، وأبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، (رقم 2841)، بلفظ: كبشا كبشاً، وصححه الألباني في صحيح النسائي، (3/ 139 رقم 4230)، وفي صحيح أبي داود، (2/ 197)، وقال عن رواية النسائي: ((بكبشين كبشين))، وهو الأصح. (¬2) أحمد في المسند (6/ 456)، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير، رقم (4105). وقد عزاه ابن حجر في فتح الباري، (9/ 592) بلفظ آخر إلى أحمد فقال: ((وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((العقيقة حق عن الغلام شاتان، مكافئتان، وعن الجارية شاة))، وبحثت له بهذا اللفظ في أحمد، فلم أجد إلا اللفظ الذي قبل هذا. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4133). (¬3) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث (رقم 5472).

العبد إلى الله تعالى شكراً على نعمته بهذا المولود (¬1). ¬

(¬1) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: ((وهذه الأحاديث حجة الجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية، وعن مالك: هما سواء، فيعق عن كل واحد منهما شاة، واحتج بما جاء: ((أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عق عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً))، [أخرجه أبو داود، برقم 2841]، فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ: ((كبشين كبشين))، وأخرج أيضاً من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مثله، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار، وهو كذلك، فإن العدد ليس شرطاً بل مستحب، وذكر الحليمي: أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استيفاء النفس، فأشبهت الدية، قوَّاه ابن القيم بالحديث الوارد: أن من أعتق ذكراً عتق كل عضو منه، ومن أعتق جاريتين كذلك، إلى غير ذلك مما ورد، ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد. واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية، وفيه وجهان للشافعية، وأصحهما يشترط، وهو بالقياس لا بالخبر، ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني، ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر، وقال البندنيجي من الشافعية: لا نص للشافعي في ذلك، وعندي أنه لا يجزئ غيرها، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضاً، وفيه حديث عند الطبراني، وأبي الشيخ عن أنس رفعه: ((يعق عنه: من الإبل، والبقر، والغنم، ونص أحمد على اشتراطه كامله، وذكر الرافعي بحثاً أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية، والله أعلم)) [فتح الباري، 9/ 592 – 593]. قال ابن القيم رحمه الله: ((الفصل السادس: هل تشرع العقيقة بغير الغنم، كالإبل والبقر أم لا؟ وقد اختلف الفقهاء هل يقوم غير الغنم مقامها في العقيقة، ثم ذكر: عن أنس، وأبي بكرة، أنهما كانا يعقان عن أولادهما بالجزور. ثم قال: ((وأنكر بعضهم ذلك، وقال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشاتين عن الغلام، وعن الجارية بشاة، ولا يجوز أن يعق بغير ذلك، وثبت أن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ولدت غلاماً للمنذر بن الزبير، فقيل لها: هلا عقيت جزوراً؟ فقالت: معاذ الله، كانت عمتي تقول: عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة)). [البيهقي، 9/ 301، وهو حديث صحيح]. ثم قال ابن القيم: ((قال ابن المنذر: ولعل حجة من رأى العقيقة تجزئ بالإبل، والغنم والبقر قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً))، ولم يذكر دماً دون دم، فما ذبح للمولود على ظاهر هذا الخبر يجزئ، قال: ويجوز أن يقول قائل: إن هذا مجمل وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة)) مفسَّر، والمفسَّر أولى من المجمل)). [انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، ص54 – 55]. قلت: والذي يظهر لي: أنه لا يُعدل عن أحاديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أقوال الرجال، فقول: من قال: إنه لا يجزئ إلا الغنم قول قوي، وهو الصواب والعلم عند الله تعالى.

خامسا: السن المجزئ في العقيقة سن الضحايا والهدايا:

خامساً: السنُّ المجزئ في العقيقة سنّ الضحايا والهدايا: قال العلامة ابن القيم رحمه الله: ((وفي قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ ... )) (¬1) (¬2). فاستنبط رحمه الله، أن هذا الحديث دليل على أنه إنما يجزئ في العقيقة ما يجزئ في النسك: من الضحايا، والهدايا؛ ولأنه ذبح مسنون إما وجوباً، وإما استحباباً: يجري مجرى الهدي والأضحية: في الصدقة، والهدية، والأكل، والتقرب إلى الله، فاعتبر فيها السنّ الذي يجزئ في الهدي والأضحية؛ ولهذا شُرِعَ في حق الغلام شاتان، وشرع أن تكونا مكافِئتين، لا تنقص إحداهما عن الأخرى، فاعتبر أن يكون سنّهما سنّ الذبائح المأمور بها؛ ولهذا جرت مجراها في عامة أحكامها (¬3)، ثم قال ابن القيم رحمه الله: ((قال أبو عمر ابن عبد البر: وقد ¬

(¬1) النسائي، (رقم 4212)،وأبو داود، (رقم 2842)،وأحمد، (رقم 6713)،وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. والحديث حسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 197 رقم 2842). (¬2) تحفة المودود، بأحكام المولود، (ص52). (¬3) انظر: تحفة المودود، بأحكام المولود، (ص 52 – 53).

أجمع العلماء: أنه لا يجوز في العقيقة إلا ما يجوز في الضحايا من الأزواج الثمانية، إلا من شذّ ممن لا يُعدُّ قوله خلافاً ... وقال مالك: العقيقة، بمنزله النسك، والضحايا، ولا يجوز عوراء، ولا عجفاء، ولا مكسورة، ولا مريضة، ولا يباع من لحمها شيء، ولا جلدها ... ويأكل أهلها منها ويتصدقون)) (¬1). وقال الإمام ابن قدامة رحمه الله: (( ... حكم العقيقة حكم الأضحية: في سنِّها، وأنه يمنع فيها من العيوب ما يمنع فيها، ويستحب فيها من الصفة ما يستحبُّ فيها)) (¬2). وقال شيخنا ابن باز رحمه الله: ((وقد عقَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وصاحبها مخير: إن شاء وزَّعها لحماً بين الأقارب والأصحاب، والفقراء، وإن شاء طبخها ودعا إليها من شاء من الأقارب، والجيران، والفقراء، ... )) (¬3). ¬

(¬1) المرجع السابق، (ص 53). (¬2) المغني لابن قدامة، (13/ 399)، وانظر: الموسوعة الفقهية الكويتية، (30/ 279). (¬3) مجموع فتاوى ابن باز (18/ 51)، وسمعت شيخنا ابن باز أثناء تقريره على منتقى الأخبار للمجد ابن تيمية على أحاديث (رقم 2756 – 2768)، وعلى زاد المعاد لابن القيم (2/ 327). يقول: ((العقيقة لم يحدد النبي - صلى الله عليه وسلم - في توزيع لحمها بشيء، فإذا أكل وتصدق، وأهدى فلا حرج، وإن جمع الناس عليها فلا حرج؛ لأنها من باب الشكر لله تعالى على هذه النعمة، وقال بعض أهل العلم: إنها مثل الضحية: ثلاثة أثلاث، والصواب أن الأمر مطلق، فما أطلقه الله ورسوله نطلقه ... ))، ثم قال: (( ... فللذي يذبح أن يفعل ما شاء باللحم))، وانظر: المغني لابن قدامة، (13/ 400).

سادسا: تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته:

سادساً: تسمية المولود في اليوم السابع من ولادته: الأفضل والسنة أن يُسمَّى المولود في اليوم السابع من ولادته؛ لحديث سمرة بن جندب - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((كلُّ غلامٍ رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬1). وإن سمَّاه قبل السابع فلا بأس؛ لحديث أنس بن مالكٍ - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وُلِدَ لي الليلةَ غلامٌ فسميته باسم أبي إبراهيم - عليه السلام - .. )) (¬2)؛ ولحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، قال: ((وُلد لي غلامٌ فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسماه إبراهيم، فحنَّكه بتمرةٍ، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ ... )) (¬3)؛ ولحديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -، قال: ذهبت بعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وُلِدَ ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عباءةٍ يهنأ (¬4) بعيراً له، فقال: ((هل معك تمر؟)) فقلت: نعم، فناولته تمراتٍ فألقاهن في فيه فلاكهن، ثم فغر فا الصبي (¬5) فمجَّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حبُّ الأنصار التمر))، وسماه عبد الله (¬6). ¬

(¬1) أحمد، (رقم 20083، ورقم 20193)، وأبو داود، (رقم 2838)، والترمذي (رقم 1522)، والنسائي (رقم 4220)، وابن ماجه، (رقم 3165)، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 385، 394). (¬2) مسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك، (رقم 2315). (¬3) البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه، (رقم 5467). (¬4) يهنأ بعيراً له: أي يطليه بالقطران. (¬5) فغر فاه: فتح فمه. (¬6) متفق عليه: البخاري، كتاب العقيقة، باب تسمية المولود، (رقم 5470)، ومسلم، واللفظ له، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، (رقم 2144).

سابعا: تحسين اسم المولود، واختيار الاسم الذي لا محذور فيه

وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((وهذا يدلّ على شرعية تسمية المولود أول ما يولد، وهذا سنة، ويدل على شرعية التحنيك في أول يوم)) (¬1). سابعاً: تحسين اسم المولود، واختيار الاسم الذي لا محذور فيه شرعاً، ورد على أنواع: النوع الأول: أحبُّ الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن؛ لحديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أحبَّ أسمائكم إلى الله: عبد الله، وعبد الرحمن))، هذا لفظ مسلم، ولفظ أبي داود والترمذي: ((أحبُّ الأسماء إلى الله تعالى: عبد الله وعبد الرحمن)) (¬2). النوع الثاني: أسماء سمَّاها النبي - صلى الله عليه وسلم - ابتداءً، ومنها ما يأتي: 1 - إبراهيم؛ لحديث أبي موسى - رضي الله عنه -، وفيه: ((ولد لي غلامٌ، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم -، فسمّاه إبراهيم، فحنَّكه بتمرٍ ودعا له بالبركة)) (¬3)؛ ولحديث أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((وُلد لي الليلة غلامٌ، فسمّيته باسم أبي إبراهيم - عليه السلام -)) (¬4). ¬

(¬1) سمعته أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم (5467). (¬2) مسلم، كتاب الآداب، باب النهي عن التكني بأبي القاسم، وبيان ما يستحب من الأسماء، (رقم 2132)، وأبو داود، (رقم 4929)، والترمذي، (رقم 2833). (¬3) البخاري، (رقم 5467)، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬4) مسلم، (رقم 2315)، وتقدم تخريجه في تسمية المولود.

2 - عبد الله

2 - عبد الله؛ لحديث أنس - رضي الله عنه -، وفيه: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حنَّك ابن أبي طلحة، وسماه: ((عبد الله)) (¬1). 3 - كنَّى بأمِّ عبد الله، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت يا رسول الله كلُّ صواحبي لهنَّ كُنى، قال: ((فاكتني بابنك عبد الله بن الزبير)) [يعني ابن اختها]، فكانت تُكنَّى: أمُّ عبد الله (¬2). وَيُؤَيِّده حديث البراء بن عازب - رضي الله عنهم -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الخالة بمنزلة الأم)) (¬3). 4 - يوسف، عن يوسف بن عبد الله بن سلام، قال: ((سمّاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوسف وأقعدني على حجره ومسح على رأسي)) (¬4). النوع الثالث: أسماء غيَّرها النبي - صلى الله عليه وسلم -: 1 - ((برَّة)) سمّاها زينب؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -: أن زينب بنت أبي سلمة، كان اسمها برة (¬5)، فقيل: تُزكِّي نفسها، فسماها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) البخاري، (رقم 5470)، ومسلم، (رقم 2144)، وتقدم تخريجه في تسمية المولود، وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه سمى أكثر من واحد باسم (عبد الله). (¬2) أبو داود، كتاب الأدب، باب في المرأة تكنى، (رقم 4970)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 221 رقم 4970). (¬3) الترمذي، كتاب البر، باب ما جاء في بر الخالة، (رقم 1904)، وصححه الألباني في إرواء الغليل، (رقم 2190)، وفي صحيح الترمذي، (2/ 343). وفي صحيح أبي داود (2/ 33 - 34 رقم 2280). (¬4) البخاري، في الأدب المفرد، برقم 367، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص147، وصحح الحافظ ابن حجر إسناده في فتح الباري، (10/ 486). (¬5) برة: اسم امرأة، وهو تأنيث بَرّ، والبَرُّ: ضد الفاجر. [جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 372].

2 - برة أسماها: جويرية

((زينب)) (¬1). 2 - ((برة)) أسماها جويرية أيضاً؛ لحديث ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قال: كانت جويرية اسمها برة، فحوّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمها جويرية، وكان يكره أن يقال خرج من عند برّة (¬2). 3 - ((عاصية))، سمّاها جميلة؛ لحديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غيّر اسم عاصية، وقال: ((أنت جميلة))، وفي رواية: أن ابنة لعمر كانت يقال لها عاصية، فسمّاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ((جميلة)) (¬3). 4 - ((أبو الحكم)) كَنَّاه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بأبي شريح أكبر أولاده، فقد كان يكنى بأبي الحكم فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله هو الحكم وإليه الحكم))، ثم سأل الرجل عن أكبر أولاده؟ فقال: شريح، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((فأنت أبو شريح)) (¬4). 5 - ((أصرم)) إلى زُرْعة؛ لحديث أسامة - رضي الله عنه -، وفيه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل: ((ما اسمك؟)) قال: أنا أصرم، قال: ((بل أنت زُرْعة)) (¬5). ¬

(¬1) البخاري، كتاب الآداب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، (رقم 6172)، ومسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، (رقم 2141). (¬2) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، وتغيير اسم برة إلى زينب وجويرية، ونحوهما، (رقم 2139). (¬3) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تغيير الاسم القبيح إلى حسن، (رقم 2140). (¬4) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، (رقم 4955)، والنسائي كتاب آداب القضاة، (رقم 5402، 8/ 226)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، (3/ 216 رقم 4955). (¬5) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، (رقم 4954)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود، (3/ 216 رقم 4954).

6 - حزن إلى سهل

6 - ((حزْن)) إلى سهل، سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - جدَّ سعيد بن المسيب، فَقَالَ: ((مَا اسْمُكَ؟))، قَالَ: اسْمِي حَزْنٌ، قَالَ: ((بَلْ أَنْتَ سَهْلٌ))، قَالَ: مَا أَنَا بِمُغَيِّرٍ اسْمًا سَمَّانِيهِ أَبِي، قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: فَمَا زَالَتْ فِينَا الْحُزُونَةُ بَعْدُ))، هذا لفظ البخاري، ولفظ أبي داود، قال: ((أنت سهل))، قال: لا، السَّهْلُ يُوطأ ويُمتهن)) (¬1). 7 - ((فلان)) إلى المنذر؛ لحديث سهل، وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سأل أبا أُسَيد عن اسم ولده فقَالَ: ((مَا اسْمُهُ؟))، قَالَ: فُلَانٌ، فقَال النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم -: ((وَلَكِنْ أَسْمِهِ الْمُنْذِرَ)) فَسَمَّاهُ يَوْمَئِذٍ الْمُنْذِرَ (¬2). قَالَ أَبُو دَاوُدَ: ((وَغَيَّرَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - اسْمَ: الْعَاصِ، وَعَزِيزٍ، وَعَتَلَةَ، وَشَيْطَانٍ، وَالْحَكَمِ، وَغُرَابٍ، وَحُبَابٍ، وَشِهَابٍ، فَسَمَّاهُ هِشَامًا، وَسَمَّى حَرْبًا سَلْمًا، وَسَمَّى الْمُضْطَجِعَ الْمُنْبَعِثَ، وَأَرْضًا تُسَمَّى عَفِرَةَ سَمَّاهَا خَضِرَةَ، وَشِعْبَ الضَّلاَلَةِ سَمَّاهُ شِعْبَ الْهُدَى، وَبَنُو الزِّنْيَةِ سَمَّاهُمْ بَنِي الرِّشْدَةِ، وَسَمَّى بَنِي مُغْوِيَةَ بَنِي رِشْدَةَ)) (¬3). وعن أبي وهب الجشمي - رضي الله عنه -،وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ... وَأَحَبُّ الأَسْمَاءِ إِلَى الله: عَبْدُ الله وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ، وَأَصْدَقُهَا حَارِثٌ وَهَمَّامٌ، وَأَقْبَحُهَا حَرْبٌ ¬

(¬1) البخاري، كتاب الأدب، باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه، (رقم 6193)، وأبو داود، كتاب الآداب، باب في تغيير الاسم القبيح، (رقم 4956). (¬2) البخاري، كتاب الأدب، باب تحويل الاسم أحسن منه، (رقم 6191). (¬3) أبو داود، كتاب الأدب، باب تغيير الاسم القبيح، على إثر حديث رقم 4956، قال أبو داود: ((تركت إسنادها للاختصار))، وصححها الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 217 رقم 4956).

ومعاني الأسماء المذكورة آنفا:

وَمُرَّةُ)) (¬1). ومعاني الأسماء المذكورة آنفاً: 1 - أصرم: إنما كره أصرم لما فيه من معنى الصرم: وهو القطع. 2 - زرعة: جعله زرعة؛ لأنه من الزرع والزرع النبات، وهو ضد القطع (¬2). 3 - حزن: الحزونة: ضد السهولة، وهو ما خشن وغلظ من الأرض، ومعنى: ((يمتهن)): يداس (¬3). 4 - عتلة: العتلة: الشدة والغلظة، يقال: عتلت الرجل إذا جذبته جذباً عنيفاً، ومنه قيل: رجل عُتلٌّ، وهو الجافي الغليظ. 5 - عزيز: إنما كره العزيز؛ لأن العبد موصوف بالذل والخضوع لله تعالى. 6 - شهاب: وكره شهاباً؛ لأن الشهاب الشعلة؛ ولأنه يرجم به الشيطان. 7 - غراب: وكره غراباً؛ لأن معناه البعد، والغراب من أخبث الطيور، وقد أُبيح قتله في الحلِّ والحرم. 8 - عفرة: العفرة من عفر الأرض، وهو لونها، ورويت عثرة بالثاء، ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الأدب، باب في تغيير الأسماء، برقم 4950، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 214 رقم 4950)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 904، و1040. (¬2) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 374. (¬3) المرجع السابق، 1/ 376.

9 - بني الزنية

وهي التي لا نبات فيها، إنما هي صعيد، علاها العثير: وهو الغبار. 9 - بني الزنيّة: يقال فلان لزنية، إذا كان ولد زنا، وفلان لرشدة إذا كان النكاح صحيحاً. 10 - الحُبَاب: الحيَّة، وبه يسمَّى الشيطان حُباباً (¬1). 11 - حرب: تركه لما فيه من القتل والأذى. 12 - مُرّة: معناها المُرّ، والمُرُّ: كريه بغيض إلى الطباع (¬2). النوع الرابع: أسماء نهى عنها النبي - صلى الله عليه وسلم -: عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه -، قال: ((نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن نسمِّيَ رقيقنا، بأربعة أسماء: أفلح، ورباح، ويسار، ونافع)) (¬3). وفي رواية عن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفيه: ((وَلاَ تُسَمِّيَنَّ غُلاَمَكَ يَسَارًا، وَلاَ رَبَاحًا، وَلاَ نَجِيحًا، وَلاَ أَفْلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ فَلاَ يَكُونُ فَيَقُولُ: لاَ)) (¬4) (¬5). ¬

(¬1) انظر هذه المعاني: جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 376. (¬2) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 359. (¬3) مسلم، كتاب الآداب، باب كراهة التسمية بالأسماء القبيحة، برقم 2136. (¬4) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 2137. (¬5) وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 334 - 336: ((كان هذا النهي أولاً، ثم سمَّى الصحابة ببعض هذه الأسماء، فدلّ ذلك على أنه منسوخ، أو أقرّه بعد ذلك، أو أنه يكون للكراهة ... وقد أقرّ عليه الصلاة والسلام اسم حكيم بن حزام، والله - عز وجل - ذكر اسم امرأة العزيز، فللمخلوق ما يليق به، وللخالق ما يليق به، بخلاف الأسماء التي تدلّ على العظمة: كالخالق، والجبار، ورب العالمين، وغير ذلك فهذا لا يطلق إلا على الله)).

مجموع الأسماء التي جاء النهي عنها

وعن جابر - رضي الله عنه - قال: ((أَرَادَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَنْهَى عَنْ أَنْ يُسَمَّى بِيَعْلَى، وَبِبَرَكَةَ، وَبِأَفْلَحَ، وَبِيَسَارٍ، وَبِنَافِعٍ، وَبِنَحْوِ ذَلِكَ، ثُمَّ رَأَيْتُهُ سَكَتَ بَعْدُ عَنْهَا، فَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قُبِضَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَنْهَ عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ أَرَادَ عُمَرُ أَنْ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكَهُ)) (¬1). ومجموع الأسماء التي جاء النهي عنها في هذه الأحاديث على النحو الآتي: 1 - يسار. 2 - رباح. 3 - نجيح. 4 - أفلح. 5 - يعلى. 6 - بركة. 7 - نافع. قال الإمام النووي رحمه الله: ((يكره التسمية بهذه الأسماء المذكورة في الحديث وما في معناها، ولا تختصّ الكراهة بها وحدها، وهي كراهة تنزيه لا تحريم، والعلّة في الكراهة ما بيّنه - صلى الله عليه وسلم - في قوله: ((فإنك ¬

(¬1) مسلم، في الكتاب والباب السابقين، برقم 2137.

النوع الخامس: أسماء محرمة لا يجوز التسمية بها:

تقول: أثمَّ هو؟ فيقول: لا، فَكُرِه لبشاعة الجواب))، وربما أوقع بعض الناس في شيء من الطيرة، وأما قوله: أراد النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن ينهى عن هذه الأسماء، فمعناه: أراد أن ينهى عنها نهي تحريم، فلم ينه، وأما النهي الذي هو لكراهة التنزيه فقد نهى عنه في الأحاديث الباقية)) (¬1). النوع الخامس: أسماء محرمة لا يجوز التسمية بها: * ملك الأملاك؛ لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أَخْنَعَ اسْمٍ عِنْدَ الله رَجُلٌ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ)) [لا مَالِكَ إِلا الله - عز وجل -]، قَالَ سُفْيَانُ: مِثْلُ شَاهانْشَاه))، وفي لفظ: ((أَغْيَظُ رَجُلٍ عِنْدَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَخْبَثُهُ، وَأَغْيَظُهُ عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ يُسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ، لا مَالِكَ إِلا الله)) هذه ألفاظ مسلم، ولفظ البخاري: ((أَخْنَى الأَسْمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى مَلِكَ الأَمْلاكِ))، وفي لفظ للبخاري: ((أَخْنَعُ اسْمٍ عِنْدَ الله -وَقَالَ سُفْيَانُ غَيْرَ مَرَّةٍ-: أَخْنَعُ الْأَسْمَاءِ عِنْدَ الله رَجُلٌ تَسَمَّى بِمَلِكِ الْأَمْلَاكِ)) (¬2). ومعنى: أخنع: الخانع الذليل، وقال أحمد: أخنع: أوضع (¬3). ومعنى: أخنى: الخنا: الفحش (¬4). ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 365 - 366. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب أبغض الأسماء إلى الله، برقم 6205، 6206، ومسلم، كتاب الآداب، باب تحريم التسمِّي بملك الأملاك أو بملك الملوك، برقم 2143. (¬3) تفسير أحمد: أوضع، ذكره مسلم، على إثر حديث رقم 2143، والذليل ذكره ابن الأثير في جامع الأصول، 1/ 360. (¬4) جامع الأصول لابن الأثير، 1/ 360.

النوع السادس: الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم.

قال الإمام النووي رحمه الله: ((واعلم أن التسمي بهذا الاسم حرام، وكذلك التَّسمي بأسماء الله تعالى المختصة به: كالرحمن، والقدوس، والمهيمن، وخالق الخلق، ونحوها ... )) (¬1). النوع السادس: الناس يدعون يوم القيامة بأسماء آبائهم. فينبغي للعبد المسلم أن يختار الأسماء المحبوبة لله تعالى، والتي لا محذور فيها شرعاً، قال البخاري رحمه الله تعالى: ((بَابُ مَا يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ))، ثم ذكر حديث ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ ابنِ فُلَانٍ)) (¬2). قال الإمام ابن حزم رحمه الله: ((اتفقوا على استحسان الأسماء المضافة إلى الله: كعبد الله، وعبد الرحمن، وما أشبه ذلك، واتفقوا على تحريم كل اسم مُعبَّدٍ لغير الله، كعبد العزَّى، وعبد هُبَل، وعبد عمرو، وعبد الكعبة، وما أشبه ذلك، حاشا عبد المطلب ... )) (¬3). ثامناً: حلق رأس المولود الذكر: يُسنُّ أن يُحلق رأس المولود يوم سابعه، ويُزال عنه الأذى؛ لحديث سمرة - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كلُّ غلامٍ رهينة بعقيقته، تذبح ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 369، وانظر لزيادة البحث: فتح الباري، لابن حجر، 10/ 589 - 590. (¬2) متفق عليه: البخاري، كتاب الأدب، باب ما يدعى الناس بآبائهم، برقم 6177، ومسلم، كتاب الجهاد والسير، باب تحريم الغدر، برقم 1736. (¬3) الفروع لابن مفلح، 6/ 107 – 108.

عنه يوم سابعه، ويسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬1). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، قال: عقَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاةٍ، وقال: ((يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدّقي بزنة شعره فضّة))، قال: فوزنته، فكان وزنه درهماً أو بعض درهم (¬2). وفي حديث سلمان بن عامر الضبي: ((مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دماً، وأميطوا عنه الأذى)) (¬3) (¬4). قال العلامة المرداوي رحمه الله: ((تنبيه: الظاهر أن مراده بالحلق: الذكر، وهو الصحيح وعليه الأكثر، وقدمه في الفروع ... إذ الإناث يكره في حقهن الحلق)) (¬5). وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وحكى الماورديُّ كراهة حلق رأس ¬

(¬1) أحمد، برقم 20083، وأصحاب السنن الأربع، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة عن المولود، والحديث صححه الألباني في إرواء الغليل (4/ 385، 394). (¬2) البخاري، بنحوه، برقم 5472،وأحمد بلفظه، 26/ 170، برقم 6231، وتقدم تخريجه في حكم العقيقة. (¬3) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب العقيقة بشاة، برقم 1519، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، 2/ 166، وفي إرواء الغليل، برقم 1175، وصححه في صحيح سنن أبي داود (2/ 196 رقم 2839)، وأخرجه أحمد، 6/ 390، 392، والحاكم، 4/ 237، والبيهقي، 9/ 304. (¬4) (أميطوا عنه الأذى): ((أي أزيلوا)). فتح، 9/ 493، والأذى حلق الرأس، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن: ((أنه كان يقول: ((إماطة الأذى حلق الرأس))، [قال الألباني في صحيح سنن أبي داود، برقم 2840: ((صحيح مقطوع))]، ولكن لا يتعيَّن ذلك في حلق الرأس، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الحاكم: ((ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه)) فعطفه عليه، فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس)). [فتح الباري، 9/ 293]. (¬5) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، 9/ 439.

تاسعا: الصدقة بعد حلاقة رأسه بزنة شعره فضة:

الجارية)) (¬1). وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول: ((ويحلق رأسه [أي الغلام]، ولا يحلق رأس الأنثى ... )) (¬2). وقال سماحة شيخنا ابن باز أيضاً: (( ... السنة حلق رأس الطفل الذكر عند تسميته في اليوم السابع فقط، أما الأنثى فلا يحلق رأسها؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((كل غلام رهينة بعقيقته تُذبح عنه يوم سابعه، ويُسمَّى فيه، ويُحلق رأسه)) (¬3). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر ... )) (¬4). تاسعاً: الصدقة بعد حلاقة رأسه بزنة شعره فضّة: فعن علي - رضي الله عنه - قال: عقّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الحسن بشاة، وقال: ((يا فاطمة احلقي رأسه، وتصدَّقي بِزِنَةِ شعره فِضَّة))، قال: فوزنته فكان وزنه درهماً أو بعض درهم)) (¬5). ¬

(¬1) فتح الباري، 9/ 595، وقال ابن حجر هنا: ((وعن بعض الحنابلة يحلق)). (¬2) سمعته أثناء تقريره على منتقى الأخبار، لعبد السلام ابن تيمية، الأحاديث رقم 2756 – 2768. (¬3) مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 48، والحديث تقدم تخريجه مرات، وانظر: مجموع فتاوى ابن باز أيضاً، 18/ 28. (¬4) الشرح الممتع، 7/ 540. (¬5) الترمذي، برقم 1519، وأحمد، 6/ 390، 392، والحاكم، 4/ 237، والبيهقي، 9/ 304، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي، (2/ 166 رقم 1519)، وفي إرواء الغليل، برقم 1175، وتقدم تخريجه. وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله أثناء تقريره على زاد المعاد، لابن القيم، 2/ 329: يذكر أن التصدّق بوزن شعر الغلام فضة ضعيف لا يحتج به، وإنما يحلق رأسه، ويُسمَّى، ويعق عنه، أما البنت فلا دليل على حلق رأسها، ولا يُسنّ، لكن إذا كان هناك مصلحة في حلق رأسها فلا بأس، وقد حسّن الألباني حديث: ((احلقي رأسه، وتصدَّقي بزنة شعره فضَّة))، وليس بحسن، والحديث ليس بثابت، ومتنه منكر، وإن صح فهو شاذ.

عاشرا: يلطخ رأسه بزعفران فيطلى به إن تيسر بعد الحلق:

فهذا الحديث يدل على مشروعية الصدقة بمثل وزن شعره المحلوق (¬1). قال المرداوي رحمه الله: ((قوله: ويحلق رأسه، ويتصدَّق بوزنه ورِقاً، يعني يوم السابع، وهذا المذهب وعليه الأصحاب ... )) (¬2). وقال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: ((وينبغي في اليوم السابع حلق رأس الغلام الذكر، ويتصدق بوزنه ورِقاً أي فضةً)) (¬3). وقد ذكر الإمام ابن القيم آثاراً تدل على الصدقة بوزن شعر الغلام عند حلقة في يوم سابعه (¬4). عاشراً: يُلطَّخ رأسه بزعفران فيُطلى به إن تيسر بعد الحلق: فعن بريدة - رضي الله عنه -،قال: كُنَّا في الجاهليَّة إذ وُلِد لأحدنا غلامٌ ذبح شاةً ولطَّخ رأسه بدمها، فلمّا جاء الله بالإسلام، كُنَّا نذبح شاةً، ونحلق رأسه، ونلطِّخه ¬

(¬1) انظر: المغني لابن قدامة، 13/ 397. (¬2) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف مع المقنع والشرح الكبير، 9/ 438. (¬3) الشرح الممتع، 7/ 540. (¬4) انظر: تحفة المودود بأحكام المولود، ص 62.

بزعفرانٍ)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: كانوا في الجاهلية إذا عَقُّوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اجعلوا مكان الدَّم خلوقاً)) (¬2). وهذا يدل على نسخ عادة الجاهلية، فعن يزيد بن عبدٍ المزني - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يُعَقُّ عن الغلام ولا يمسُّ رأسه بدمٍ)) (¬3) (¬4). ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الضحايا، بابٌ في العقيقة، برقم 2843، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 2/ 197: ((حسن صحيح)). (¬2) ابن حبان، كتاب الأطعمة، باب العقيقة، برقم 5308، وأخرجه أبو يعلى، برقم 4521، والبزار، برقم 239، والبيهقي، 9/ 303، وعبد الرزاق، برقم 7963، وقال شعيب الأرنؤوط في تحقيقه لصحيح ابن حبان، 12/ 124: ((إسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير يوسف بن سعيد، فقد روى له النسائي، وهو ثقة. حجاج: هو ابن محمد الأعور، ويحيى بن سعيد: هو الأنصاري، وقد صرّح ابن جريج بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه)). وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 1/ 752، برقم 463. (¬3) ابن ماجه، كتاب الذبائح، باب العقيقة، برقم 3166، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه، (3/ 93 رقم 463)، وفي إرواء الغليل، 4/ 388 – 389، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 2452. (¬4) سمعت شيخنا ابن باز يقول: ((وكانوا في الجاهلية يلطخون رأسه بالدم، فجاء الله بالإسلام، فأمر بالحلق وإزالة الأذى، ويستحب أن يؤذن في اليمنى، ويقيم في اليسرى، وإن كان في سندها بعض الضعف، وكذلك التحنيك، والعقيقة، الأفضل اليوم السابع، فإن تأخَّر فلا حرج، وكذلك التحنيك لو تأخر عن الولادة إلى اليوم السابع أو غيره لا حرج، والتحنيك والأذان ليس من شرط أن يكون بعد الولادة فوراً)). [سمعته منه رحمه الله أثناء تقريره على المنتقى لابن تيمية، الحديث رقم 2761 – 2768].

الحادي عشر: تحنيك المولود سواء كان ذكرا أو أنثى:

الحادي عشر: تحنيك المولود سواء كان ذكراً أو أنثى: الأفضل تحنيك المولود؛ لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - في أحاديث منها ما يأتي: الحديث الأول: حديث أبي موسى - رضي الله عنه - قال: وُلد لي غلامٌ، فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فسمَّاه إبراهيم، فحنَّكه بتمرٍ، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ ... )) (¬1) الحديث الثاني: حديث أنس - رضي الله عنه -، قال: ذهبت بعبد الله بن طلحة الأنصاري إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وُلِدَ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عباءةٍ يهنأ بعيراً له (¬2) فقال: ((هل معك تمرة؟))، فقلت: نعم، فناولته تمراتٍ، فألقاهنَّ في فيه، فلاكهنَّ ثم فغر فا الصبي (¬3)، فمجّه في فيه، فجعل الصبي يتلمَّظه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((حب الأنصار للتمر))، وسماه عبد الله (¬4). الحديث الثالث: حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يُؤتَى بالصبيان فيُبرِّك عليهم ويُحنِّكهم)) (¬5). وغير ذلك من الأحاديث الكثيرة، التي تدل على سُنِّيَّة التحنيك (¬6). ¬

(¬1) البخاري، برقم 5467، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬2) يهنأ بعيراً له: أي يطليه بالقطران. (¬3) فغرفا الصبي: فتح فمه. (¬4) البخاري، برقم: 5470، ومسلم، برقم 2144، وتقدم تخريجه في تسمية المولود. (¬5) مسلم، كتاب الآداب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته، برقم 2147. (¬6) انظر: صحيح مسلم، من الحديث رقم 2144 - 2147.

الثاني عشر: الأذان في إذن المولود: سواء كان ذكرا أو أنثى:

قال الإمام النووي رحمه الله: ((اتفق العلماء على استحباب تحنيك المولود عند ولادته بتمرٍ، فإن تعذَّر فما في معناه، وقريب منه من الحلوى، فيمضغ المُحَنِّكُ التَّمْرَ حتى يصير مائعاً بحيث يُبتلع، ثم يفتح فم المولود ويضعها فيه؛ ليدخل شيء منها في جوفه)) (¬1) (¬2). وذكر العلامة ابن القيم رحمه الله استحباب تحنيك المولود لهذه الأحاديث الصحيحة (¬3). الثاني عشر: الأذان في إذن المولود: سواء كان ذكراً أو أنثى: عن أبي رافع - رضي الله عنه - قال: ((رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أُذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة)) (¬4). وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله الآثار في ذلك، ثم قال: ((وسِرُّ التأذين -والله أعلم - أن يكون أوَّل ما يقرع سمع الإنسان كلماته ¬

(¬1) شرح النووي على صحيح مسلم، 14/ 370. (¬2) وسمعت شيخنا ابن باز يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لعبد السلام ابن تيمية، الحديث رقم 2767: (( ... التحنيك والأذان ليس من شرط أن يكون بعد الولادة فوراً)). (¬3) تحفة المودود بأحكام المولود، ص 24. (¬4) الترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود، برقم 1514، قال الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح))، وأبو داود، كتاب الأدب، باب في المولود يؤذن في أذنه، برقم 5105، والحاكم، 3/ 179، والبيهقي، 9/ 305، والطبراني في الكبير، برقم 926، 931، و2578،و2579. وأحمد في المسند، 45/ 166، برقم 27186، وأخرجه برقم 23869، وحسنه الألباني في إرواء الغليل، 4/ 400، برقم 1173، وسمعت شيخنا ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على زاد المعاد، 2/ 333: ((والإقامة رويت في حديث في سنده مقال، ولكنَّها وردت عن بعض السلف))، ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (رقم 1514)، وفي ضعيف سنن أبي داود (رقم 5105).

الثالث عشر: يعق عن السقط لأكثر من أربعة أشهر، ويسمى:

المتضمنة لكبرياء الرب وعظمته، والشهادة التي أوَّل ما يدخل بها في الإسلام، فكان ذلك كالتَّلقين له شعار الإسلام عند دخوله إلى الدنيا، كما يُلقَّن كلمة التوحيد عند خروجه منها، وغير مستنكر وصول التأذين إلى قلبه، وتأثره به، وإن لم يشعر، مع ما في ذلك من فائدة أخرى، وهي هروب الشيطان من كلمات الأذان، وهو كان يرصده حتى يُولد فيقارنه للمحنة التي قدَّرها الله، وشاءها، فيسمع شيطانه ما يضعفه، ويغيظه أول أوقات تعلُّقه به .. وغير ذلك من الحكم)) (¬1). الثالث عشر: يُعَقُّ عن السقط لأكثر من أربعة أشهر، ويسمَّى: عن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - يرفعه: ((والسقط يُصلَّى عليه، ويُدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة)) (¬2). وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله تعالى أن السِّقط الذي تضعه المرأة ميتاً، أو لغير تمام وقد كَمُلَ له أكثر من أربعة أشهر، فإنه يُغسَّل، ويكفَّن، ويُصلّى عليه، ويُسمَّى، ويُدفن في مقابر المسلمين؛ لأنه نسمة نُفِخَ فيها الروح، فيُصلَّى عليه كالمستهلِّ الذي يصرخ عند الولادة، فإن المستهلّ ¬

(¬1) تحفة المودود بأحكام المولود، ص 22، وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، 3/ 507 – 509. (¬2) أبو داود، كتاب الجنائز، باب المشي أمام الجنازة، برقم 3180، والترمذي، كتاب الجنائز، باب ما جاء في الصلاة على الأطفال، برقم 1031، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (2/ 293 رقم 3180)، وفي صحيح سنن الترمذي، 1/ 525، وفي إرواء الغليل (3/ 170).

يُصلَّى عليه بغير خلاف (¬1). وكذلك العقيقة؛ لأنه صار بنفخ الروح إنساناً، له حكم الأطفال، قال شيخنا ابن باز رحمه الله: (( ... إذا كان سقوط الجنين في الشهر الخامس وما بعده، فإنه يُغسَّل ويُكَفَّنُ، ويُصلَّى عليه، ويُسمَّى، ويُعقّ عنه؛ لأنه بذلك صار إنساناً له حكم الأطفال؛ لعموم الأحاديث)) (¬2). وقال رحمه الله بعد أن ذكر أحاديث العقيقة: ((وهذه الأحاديث تعمّ السقط وغيره، إذا كانت قد نفخت فيه الروح، وهو الذي ولد في الشهر الخامس وما بعده ... )) (¬3). فالسقط الذي نفخت فيه الروح له أحكام الأطفال، ويشفع في والديه، وهو فرط، ويبعث يوم القيامة؛ ولهذا يُغسَّل، ويُكفَّنُ، ويُصلَّى عليه، ويُقبر في مقابر المسلمين، ويُسمّى، ويُعقّ عنه: عن الذكر شاتان والأنثى شاة (¬4). ¬

(¬1) انظر: مختصر الخرقي المطبوع مع المغني لابن قدامة، 3/ 458، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، 6/ 107. (¬2) مجموع فتاوى ابن باز، 10/ 228، 18/ 49. (¬3) المرجع السابق، 18/ 49. (¬4) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين، 7/ 539 – 540.

المبحث الرابع: أهمية الإنفاق على الأسرة من الحلال

المبحث الرابع: أهمية الإنفاق على الأسرة من الحلال عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سَبِيلِ الله، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ على مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ على أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الذي أَنْفَقْتَهُ على أَهْلِكَ)) (¬1). فهذه النفقة التي تستحق الأجر العظيم يجب أن تكون من حلال؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً (¬2). فقد حرَّم الله الربا، والغش، والسرقة، والخداع والغصب، وجميع ما حرَّم الله ورسوله، فإنه لا يجوز للإنسان الذي يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقترب منه؛ لأنه مهما أخذ من هذا الحرام وتصدق به أو أنفقه على عياله، فإن الله لا يقبل منه عدلاً ولا صرفاً. وقد جاء في ذلك الشيء الكثير من القرآن والسنة، قال الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُون} (¬3). وقال تعالى: {وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِين * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُون* وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُون * أَلاَ يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة على العيال والمملوك (رقم 995). (¬2) فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً ... )) أخرجه مسلم (رقم 1015). (¬3) سورة البقرة، الآية: 188.

مَّبْعُوثُون * لِيَوْمٍ عَظِيم} (¬1). وعن حكيم بن حزام - رضي الله عنه - قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ ما لم يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا في بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَت بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا)) (¬2). عن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عجرة - رضي الله عنه -: ((لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من نَبَتَ لَحْمُهُ من سُحْتٍ، النَّارُ أَوْلَى بِهِ)) (¬3). وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لاَ يَكْسِبُ عَبْدٌ مَالاً حَرَاماً فَيَتصدَّق بهِ فيُقبَلَ منهُ، ولا يُنفِقَ منه فَيُبَارَكَ له فيه، وَلاَ يتركه خَلْفَ ظَهْرِهِ إِلاَّ كان زَادَهُ إلى النَّارِ)) (¬4). ¬

(¬1) سورة المطففين، الآيات: 1 – 5. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب إذا بيّن البيعان ولم يكتما ونصحا (رقم 2079)، ومسلم، كتاب البيوع، باب الصدق في البيع والبيان (رقم 1532). (¬3) أخرجه الحاكم (4/ 468 رقم 8302)، وابن حبان في صحيحه (5/ 9 رقم 1723)، والدارمي (رقم 2776)، وعبد الرزاق في مصنفه (11/ 345 – 346 رقم 20719)، والطبراني في الأوسط (3/ 139 – 140 رقم 2730)، وفي الصغير (رقم 430) وفي الكبير (19/ 105 رقم 212)، وأحمد (3/ 321)، وفي النسخة المحققة (22/ 332 برقم 14441)، و (23/ 425 برقم 15284)، وقال محققو مسند الإمام أحمد: ((إسناده قوي على شرط مسلم، ورجاله ثقات، غير ابن خيثم، فصدوق لا بأس به)). وقال الهيثمي في المجمع (5/ 247): رواه أحمد والبزار ... ورجالهما رجال الصحيح. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 320 رقم 1728) صحيح لغيره. (¬4) أخرجه أحمد (1/ 387)، وقال محققو مسند أحمد 6/ 190: «قال الدارقطني في العلل، 5/ 271: الصحيح موقوف» والنسخة المحققة 6/ 189، برقم 3672، وأخرجه الحاكم في المستدرك في النسخة الهندية، 2/ 447، وصححه ووافقه الذهبي، والعدني في الإيمان (رقم 64)، وابن أبي الدنيا في إصلاح المال (رقم 42)، وأبو نعيم في حلية الأولياء (4/ 166)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 53): رواه أحمد ورجال إسناده بعضهم مستور وأكثرهم ثقات. وقال في موضع آخر (10/ 228): رواه أحمد ورجاله وثقوا وفي بعضهم خلاف. وقال ابن عبد البر في التمهيد (24/ 427): وهذا حديث حسن الألفاظ ضعيف الإسناد، وأكثره من قول علي - رضي الله عنه -. والحديث ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 532 رقم 1076).

وثبت أن عمر - رضي الله عنه - أراق اللبن المغشوش بالماء تأديباً للغاش، وزجراً للناس عن غش المبيعات (¬1)، فعلى المسلم أن يراعي في كسبه على أسرته الكسب من الحلال الطيِّب؛ لأن التجَّار الذين يأكلون أموال الناس بالباطل هم الفجَّار؛ لحديث رفاعة - رضي الله عنه -: أنه خرج مع النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المصلَّى فرأى الناس يتبايعون، فقال: «معشر التجار»، فاستجابوا لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورفعوا أعناقهم وأبصارهم إليه، فقال: «إن التُّجار يبعثون يوم القيامة فجاراً إلا من اتقى الله، وبرَّ، وصدق» (¬2). وعن عبد الرحمن بن شبل - رضي الله عنه -، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن التجار هم الفجَّار» فقالوا: يا رسول الله أليس قد أحل الله البيع؟ قال: «بلى ولكنهم يحدِّثون فيكذبون، ويحلفون ¬

(¬1) ذكره شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى، 28/ 115، ونسبه إلى مالك في المدونة، وذكره ابن القيم في الطرق الحكمية، ص 388، وانظر: حقوق الإنسان في الإسلام (ص 90). (¬2) الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في التجارة وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم، برقم 1210، وقال: هذا حديث حسن صحيح، وابن ماجة كتاب التجارات، باب التوقي في التجارة، برقم 2146، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، 2/ 208، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة برقم 1458، وقال في صحيح الترغيب والترهيب: «صحيح لغيره» بينما قال في ضعيف سنن الترمذي ص 117: «ضعيف».

ويأثمون» (¬1). وعن أبي سعيد - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «التاجر الصدوق الأمين مع النبيين، والصدِّيقين، والشهداء» (¬2). ¬

(¬1) أحمد في المسند، 24/ 290، برقم 15530، واللفظ له، والحاكم، وقال محققو المسند: «حديث صحيح» وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 343. (¬2) الترمذي، كتاب البيوع، باب ما جاء في التجار وتسمية النبي - صلى الله عليه وسلم - إياهم، برقم 1209، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، 2/ 342: «صحيح لغيره» بينما ضعفه في ضعيف سنن الترمذي ص 117.

المبحث الخامس: مداعبة الأولاد

المبحث الخامس: مداعبة الأولاد لقد ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - المثل الأعلى في الرفق في تربية الأطفال، وعلاج أخطائهم، بروح الشفقة والرأفة، والعطف، والرحمة، ومعرفة البواعث التي أدت إلى هفواتهم، والعمل على تداركها ولم يقر النبي - صلى الله عليه وسلم - الشدة والعنف في معاملة الأولاد، واعتبر الغلظة والجفاء في معاملة الأولاد نوعاً من فقد الرحمة في القلب، وهدد المتصف بها، بأنه عرضة لعدم حصوله على الرحمة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((من لا يَرْحَمْ لا يُرحَمْ)) (¬1). وعن أبي قتادة الأنصاري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها (¬2). قال ابن حجر: ((وفيه تواضعه - صلى الله عليه وسلم -، وشفقته على الأطفال وإكرامه لهم جبراً لهم ولوالديهم)) (¬3). وعن عبد الله بن شداد بن الهاد عن أبيه قال: بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (رقم 5997)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال ... (رقم 2318). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (رقم 516)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة (رقم 543). (¬3) فتح الباري (1/ 592)

يصلي بالناس إذ جاءه الحسين فركب عنقه وهو ساجد، فأطال السجود بالناس، حتى ظنوا أنه قد حدث أمر، فلما قضى صلاته قالوا: قد أطلت السجود يا رسول الله، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، فقال: ((إنَّ ابني قد ارْتَحَلني، فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حتى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ)) (¬1). وعن أمِّ خالد بنت خالد بن سعيد قالت: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعليَّ قميص أصفر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((سَنَهْ سَنَهْ)) قال عبد الله: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة، فزجرني أبي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعها))، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَبْلي وأَخْلِقي، ثُمَّ أَبْلي وأَخْلقِي، ثمَّ أبْلِي وأخْلِقي)) قال عبد الله: فبقيت حتى ذكر يعني من بقائها (¬2). وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((الحَسنُ والحُسينُ هُمَا رَيْحانَتايَ مِنَ الدُّنْيا)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 243 رقم 727)، وفي المجتبى (2/ 229 رقم 1141)، والبيهقي في الكبرى (2/ 263 رقم 3236)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 187 – 188 رقم 934)، وأحمد (3/ 493)، والطبراني في الكبير (7/ 270 رقم 7107). وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي (1/ 371 رقم 1140). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة (رقم 3071). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنها (رقم3753)، والترمذي، كتاب المناقب، باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما (رقم3770) واللفظ له.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء أعرابي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تُقبِّلون الصِّبيان فما نقبلهم، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أوَأَمْلِكَ لَكَ أن نَزَعَ اللهُ مِنْ قَلْبِكَ الرَّحْمَةَ)) (¬1). وعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه -: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني فيقعدني على فخذه، ويقعد الحسن على فخذه الأخرى، ثم يضمهما، ثم يقول: ((اللهمَّ ارحمْهُمَا، فإنِّي أرْحَمْهُما)) (¬2). وثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه مرَّ بصبيان فسلَّم عليهم (¬3). وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يداعب الصبيان، فقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لأخٍ صغير لأنس بن مالك: ((يا أبَا عُمَير ما فَعَلَ النُّغير)) (¬4). والنغير اسم لطائر يشبه العصفور، كان يلعب به أبو عمير فمات، فكان - صلى الله عليه وسلم - يداعب الصبي ليخفف عنه، ويزيل حزنه بفقد الطائر الذي كان يلعب به، فقد كان التلطُّف بالأطفال من عادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكيف لا يكون هذا من خلقه - صلى الله عليه وسلم - والقرآن خلقه (¬5)؟ فمن كان القرآن خلقه ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (رقم 5998)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (رقم 2317). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب وضع الصبي على الفخذ (رقم 6003). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان (رقم 6247) ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب السلام على الصبيان (رقم 2168). (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس (رقم 6129) ومسلم، كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وحمله إلى صالح يحنكه وجواز تسميته يوم ولادته (رقم 2150). (¬5) عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت: يا أم المؤمنين أنبئيني عن خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى. قالت: فإن خلق نبي الله - صلى الله عليه وسلم - القرآن. أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب جامع صلاة الليل ومن نام عنه أو مرض (رقم 746).

فقد أُعطيَ خيراً كثيراً. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان - صلى الله عليه وسلم - يُؤْتَى بالصِّبيان فيبارك عليهم ويحنِّكهم، فأُتِي بصبيٍّ فبال عليه، فدعا بماءٍ فأتبعه بوله، ولم يغسله)) (¬1). ومن هذه النصوص تبيَّن مدى عناية المصطفى - صلى الله عليه وسلم - بالأطفال، وشفقته عليهم، وحرصه على إدخال السرور عليهم، فالأطفال يُمثِّلون بعض اليوم وكلّ الغد، فيحتاجون إلى بناء شخصيتهم وإشعارهم بالاهتمام بهم، وهذا بلا شك يترك آثاراً حسنة في نفوسهم، ويعود عليهم بالخير والبركة، ويعوِّدهم على الثقة بالله ثم بالنفس، ويربِّي فيهم حب الخير والتآخي. وقد أخذ الخلفاء والصحابة بنهج النبي - صلى الله عليه وسلم - في الترفُّق بالأطفال، وأخذهم باللين والشفقة والعطف، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي يهابه عظماء الرجال تأخذه الرقة واللين للأطفال، ويستنكر الغلظة والشدة في معاملتهم، ويعتبر ذلك من الأمور المخلة بأهلية الإنسان في الولاية على الغير، فقد دخل عليه ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب وضع الصبي في الحجر (رقم 6002) ومسلم، كتاب الطهارة، باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله (رقم 286).

أحد عماله، وولاته، فوجد عمر مستلقياً على ظهره وصبيانه يلعبون حوله، فأنكر عليه سكوته على لعب الأطفال من حوله، فسأله عمر: كيف أنت مع أهلك؟ فأجاب: إذا دخلت سكت الناطق، قال له عمر: اعتزل عملنا؛ فإنك لا ترفق بأهلك وولدك، فكيف ترفق بأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - (¬1). فالخليفة الراشد يضرب مثلاً في حسن معاملة الأهل والولد والسعي في إدخال السرور عليهم؛ ليتربوا تربية حسنة بعيدة عن الخوف والجبن. وقد عزل عمر هذا الوالي؛ لجفائه، وشدته، وقسوته مع أقرب الناس إليه من الأهل والأولاد؛ لأن من يفعل هذا مع أسرته يكون مع الناس أشد جفاءً وغلظة وقسوة في المعاملة، رحم الله عمر فقد كان دائماً خير قدوة، وخير مثل في الرفق والعدل، وفي حسن السياسة، وصلاح الرأي (¬2). * ... * ... * ¬

(¬1) انظر: الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 208). (¬2) الطفل في الشريعة الإسلامية، للدكتور محمد بن أحمد الصالح ص 208.

المبحث السادس: الرعاية الصحية

المبحث السادس: الرعاية الصحية يحث الإسلام على النظافة في البدن والملبس، فالنظافة من الإيمان (¬1)، وبالنظافة تدوم الصحة بإذن الله تعالى، ويزداد البدن قوة ونشاطاً. فعلى الوالد أو المربي أن يحافظ على نظافة الأولاد، وإضافة إلى النظافة لا بد من الأغذية المناسبة التي تلائم الطفل، وتنظيم الوجبات، ولا يكون الغذاء مفيداً إلا إذا نُظِّم؛ فإن الإكثار من الطعام بدون تنظيم قد يضر، كما إن الإقلال إلى درجة الضعف يسبب أمراضاً ضارة كذلك، والرسول - صلى الله عليه وسلم - قد أرشدنا إلى ترك الإكثار من الطعام، وأخبرنا بأن الأفضل لابن آدم أن يجعل ثلثاً لطعامه، وثلثاً لنفسه، وثلثاً لشرابه (¬2). ¬

(¬1) النظافة من الإيمان معناه صحيح، ولكن ورد فيه حديث ضعيف جداً، أخرجه الطبراني في الأوسط، قاله العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين، 1/ 278. (¬2) عن المقدام بن معدي كرب - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنٍ، بحسب ابن آدم أكلات يُقمن صلبه، فإن كان لا محالة، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه)). أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في كراهية كثرة الأكل (رقم 2380، 2381)، وقال: هذا حديث حسن صحيح. وأخرجه ابن ماجه، كتاب الأطعمة، باب الاقتصاد في الأكل وكراهة الشبع، (برقم 3349)، بلفظ: ((ما ملأ آدميٌّ وعاءً شراً من بطن .. حسب الآدمي لقيمات يقمن صلبه فإن غلبت الآدميُّ نفسه: فثلث للطعام، وثلث للشراب، وثلث للنَّفس)) وابن حبان (2/ 449 رقم 674)، والنسائي في الكبرى (4/ 178 رقم 6770)، والحاكم (4/ 367 رقم 7945) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وحسنه ابن حجر في فتح الباري 9/ 528، 529.

ومن الرعاية الصحية أن يحافظ على أولاده، وأن لا يدفعهم إلى مرضعات لا يحافظن على النظافة، سواء كانت: النظافة الحسية، أو المعنويَّة، وإذا كانت الشريعة الإسلامية تدعو إلى النظافة، فلا غرو أن توجب أموراً تتعلق بإزالة الأذى عن الطفل، منها: الختان، وحلق الرأس في اليوم السابع من ولادة الطفل، وبذل الوسع في نظافة بدن الطفل وثوبه. والختان، والاستحداد، ونتف الإبط، وقص الشارب، وتقليم الأظفار من أعظم ما يتنظف بإزالته الإنسان المسلم، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((الفطرةُ خمسٌ: الْخِتَانُ وَالاِسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإِبْطِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ، وَتَقْلِيمُ الأَظْفَارِ)) (¬1). فجعل الختان رأس خصال الفطرة، التي فطر الله الناس عليها، وهذا يتَّفق مع تأويل من تأول قوله تعالى: {صِبْغَةَ الله وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ الله صِبْغَةً} (¬2) على الختان. وقد جاء عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا في تأويل قوله تعالى: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} (¬3) أنه ابتلاه بالطهارة وهي خمس في الرأس، وخمس في الجسد، فالتي في الرأس: قص ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب تقليم الأظفار (رقم 5891)، ومسلم، كتاب الطهارة، باب خصال الفطرة (رقم 257). (¬2) سورة البقرة، الآية: 138. (¬3) سورة البقرة، الآية: 124.

1 - عدم تراكم المفرزات التي تؤدي إلى الالتهاب

الشارب، والمضمضة، والاستنشاق، والسواك، وفرق الرأس. والتي في الجسد: تقليم الأظفار، وحلق العانة، والختان، ونتف الإبط، وغسل أثر الغائط والبول بالماء (¬1). وذُكِر عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((الأقلف لا تقبل له صلاة، ولا تؤكل له ذبيحة، ولا يجوز له شهادة)) (¬2). والصواب خلاف ذلك كله، فصلاته صحيحة وتؤكل ذبيحته، وتجوز شهادته؛ لعدم الدليل الصحيح (¬3). وقد أثبت الطب الحديث فوائد الختان، ومنافعه الكبيرة والكثيرة، ومن ذلك: 1 - عدم تراكم المفرزات التي تؤدي إلى الالتهاب. 2 - عدم تراكم آثار البول. 3 - عدم تراكم آثار المفرزات المنوية. 4 - يعري الحشفة فيزيد من حساسية القضيب أثناء الجماع (¬4). أما حلق الرأس: فهو من مظاهر عناية الشريعة بالطفل، ¬

(¬1) تفسير ابن كثير (1/ 166). (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة (5/ 21 رقم 23334)، وانظر: الاستذكار (8/ 338)، والمحلى (7/ 454)، وانظر: تحفة المودود، لابن القيم (ص 96). (¬3) أخرج البخاري تعليقاً عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي أنهما قالا: «لا بأس بذبيحة الأقلف» في كتاب الذبائح والصيد، باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها، قبل الحديث رقم 5508. (¬4) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 84).

والاهتمام بنظافته من ولادته حتى يبلغ رشده، وذلك لأن بقاء الشعر على رأس الطفل الصغير خاصة يلحق ضرراً به؛ لأنه يغلق مسام الرأس، فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: ((أَمَرَنَا رسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حِينَ سَابعِ المولودِ بتسمِيَتهِ وعَقِيقتهِ وَوَضْعِ الأذَى عَنْهُ)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: ((عقَّ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الحَسنِ والحُسينِ يومَ السابعِ، وسَمَّاهُما وأَمَرَ أنْ يُمَاطَ عَنْ رُؤُوسِهما الأذَى)) (¬2). وعن سمرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كُلُّ غُلاَمٍ مُرْتَهِنٌ بِعَقِيقَتِهِ، تُذْبَحُ عنه يوم سَابِعِهِ، ويُحْلَقُ، ويُسمَّى)) (¬3). ونأخذ من هذا عناية الإسلام بصحة الطفل من نظافة وحفظ ورعاية وغير ذلك من المحافظة على صحته وأخلاقه. وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((نِعْمَتانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ الناسِ ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في تعجيل اسم المولود (رقم 2832) وقال: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 130 رقم 2832). (¬2) أخرجه ابن حبان (12/ 127 رقم 5311)، والبيهقي في الكبرى (9/ 299 رقم 19055)، وأبو يعلى (8/ 17 – 18 رقم 4521)، والحاكم (4/ 264 رقم 7588) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. (¬3) أخرجه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب من العقيقة (رقم 1522) وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي في الكبرى (3/ 77 رقم 4546)، والبيهقي في الكبرى (9/ 299 رقم 19047). ونقل الألباني في إرواء الغليل (4/ 380) تصحيح الحاكم والذهبي وابن السكن وابن حجر رحم الله الجميع.

الصِّحةُ والْفَرَاغُ)) (¬1). عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نَظِّفُوا أفْنِيَتُكم، ولا تَشَبَّهوا باليَهودِ)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لَوْلاَ أن أَشُقَّ عَلَى أمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلَّ صَلاَةٍ)) (¬3). وعن أسامة بن شريك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تَدَاوَوْا عبَادَ الله، فإن الله تعالى لم يَضَعْ دَاءً إلا وَضَعَ لَهُ دَوَاءً غَيْرَ دَاءٍ وَاحِدٍ، الهرَمُ)) (¬4). وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - لم ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الرقاق، باب ما جاء في الصحة والفراغ (رقم 6412). (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في النظافة (رقم 2799)، والبزار (3/ 320 رقم 1114) وقال الترمذي: هذا حديث غريب. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 1616). وفي ضعيف سنن الترمذي (2799). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب السواك يوم الجمعة (رقم 887)، ومسلم كتاب الطهارة، باب السواك (رقم 252). (¬4) أخرجه الضياء المقدسي في الأحاديث المختارة (4/ 170 رقم 1385)، وابن حبان (13/ 426 رقم 6061)، وابن ماجه، كتاب الطب، باب ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء (رقم 3436)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3/ 140 رقم 1467)، والحميدي في مسنده (2/ 363 رقم 824)، والطبراني في الصغير (رقم 559)، وفي الكبير (1/ 179 رقم 464)، وصححه الكناني في مصباح الزجاجة (4/ 49). وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 158 رقم 3499).

يُنزلْ داءً إلا أنْزَلَ لهُ شِفَاءً، عَلِمَهُ من عَلِمَهُ، وَجَهِلَهُ من جَهِلَهُ)) (¬1). فهذه النصوص من الشرع توجب العناية بالأطفال وصحتهم، والمحافظة عليهم والقيام بالرعاية الصحية، إضافة إلى الرعاية البدنية والأخلاقية. * ... * ... * ¬

(¬1) أخرجه أحمد (1/ 377، 413)، وأبو يعلى (9/ 113 رقم 5183)، والحاكم (4/ 441 رقم 8205)، والبيهقي في الكبرى (9/ 343 رقم 19344)، والحميدي (1/ 50 رقم 90)، والطبراني في الأوسط (7/ 121 رقم 7036)، وفي الكبير (10/ 163 رقم 10331)، وقال الهيثمي في المجمع (5/ 84): رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني ثقات. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 451).

المبحث السابع: الرضاعة

المبحث السابع: الرضاعة الرضاع: هو مص الرضيع اللبن من ثدي المرأة في مدة الرضاع، ولما كان الطفل في مستهل حياته لا قدرة له على تناول الطعام، ولا قدرة له إلا أن يتغذى عن طريق المص، سواء كان ما يرضعه هو لبن الأم، أو غيرها من المراضع، أو كان رضاعاً صناعياً بألبانٍ صناعية، فقد أمر الله أم المولود أن ترضعه حولين كاملين، قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬1)؛ لأنه يعلم - سبحانه وتعالى - أن هذه المدة هي المثلى من جميع الوجوه: الصحية، والنفسية للطفل، وأثبتت البحوث الطبية اليوم أن مدة عامين ضرورية لنمو الطفل نمواً سليماً من الناحيتين البدنية والنفسية، ولكن نعمة الله على الجماعة المسلمة لم تنتظر بهم حتى يعلموا هذا من تجاربهم، ومما يدل على عناية الشريعة الإسلامية بغذاء الطفل أنْ منحت المرضع الحق في الفطر في رمضان، كما أوجبت عليها تناول الغذاء الذي يُؤدي إلى إدرار اللبن، الذي يحفظ حياة الطفل، ويحصل به نموه (¬2). والذي خلق هذا الطفل هو أعلم بما يسره، وما يضره، وما يسعده، وما يشقيه، فقال - سبحانه وتعالى -: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} (¬3). وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 233. (¬2) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 70). (¬3) سورة البقرة، الآية: 233.

الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا} (¬1). وقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير} (¬2). قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ}: هذا إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة، وهي سنتان، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك؛ ولهذا قال: {لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}، وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين، فلو ارتضع المولود [من غير أمِّه] وعمره فوقهما لم يحرم (¬3). وقال الشوكاني في قوله تعالى: {يُرْضِعْنَ} قيل: هو خبر في معنى الأمر للدلالة على تحقق مضمونه. وقوله: {حَوْلَين كَامِلين} للدلالة على أن هذا التقرير تحقيقي لا تقريبي. وقوله: {لمنْ أَرَادَ أن يُتمَّ الرَّضاعة} وفيه دلالة على إن إرضاع الحولين ليس حتماً بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما دونه (¬4). واستنبط ابن كثير من تفسير آية الأحقاف، وآية لقمان، وآية البقرة: أن أقل مدة الحمل ستة أشهر وهو استنباط قوي صحيح وافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - (¬5). ¬

(¬1) سورة الأحقاف، الآية: 15. (¬2) سورة لقمان، الآية: 14. (¬3) تفسير ابن كثير، (1/ 284). (¬4) تفسير الشوكاني آية 233 من سورة البقرة. (¬5) تفسير ابن كثير (4/ 158).

وقد ذكر ابن كثير قصة رجل تزوج امرأة من جهينة فولدت له تمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان - رضي الله عنه - فذكر ذلك له، فبعث إليها، فلما أتي بها عثمان أمر بها فرجمت، فبلغ ذلك علياً، فقال علي لعثمان: أما تقرأ القرآن؟ قال: بلى، قال: أما سمعت قول الله - عز وجل -: {وحَمْلُهُ وفِصَالهُ ثَلاثُونَ شَهْراً}؟ وقال: (حَوْلَينِ كَامِلينِ) فلم نجده بقي إلا ستة أشهر، فقال عثمان - رضي الله عنه -: والله ما فطنت بهذا، عليَّ بالمرأة فوجدوها قد فُرِغَ منها (¬1). قال ابن أبي حاتم عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((إذا وَضَعَتِ المرأة لتسعة أشهر كفاه من الرضاع واحد وعشرون شهراً، وإذا وضعت لسبعة أشهر كفاه من الرضاع ثلاثة وعشرون شهراً، وإذا وضعت لستة أشهر فحولين كاملين))؛ لأن الله يقول: {وحَمْلُهُ وفِصَالهُ ثَلاثُونَ شَهْراً} (¬2). وإن أراد والد الطفل أو والدته فطامه فلا بد من الرضى بين الطرفين، والتشاور، فإذا اتفقا على فطامه قبل الحولين فلا جناح عليهما، ولا ينبغي انفراد أحدهما بالفصال دون الآخر، أو يستبد من غير مشاورة الآخر، وهذا فيه احتياط للطفل وإلزام للنظر في أمره، وهو من رحمة الله بعباده حيث نبَّه الوالدين وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه. ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3293 رقم 18567) وانظر: تفسير ابن كثير (4/ 158). (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (10/ 3294 رقم 18567)، وانظر: تفسير ابن كثير (4/ 158).

ولقد حافظت الشريعة على رعاية الطفل، فإن تيسر إرضاعه من أمه فبها ونعمت، وإن عدم هذا فلا جناح على والدي الطفل أن يسلماه إلى مرضعة: ذات أمانة، وشرف، ودين، إذا سلَّما وَالِدَا الطفل أجرة المرضعة، قال تعالى: {وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ} (¬1). وإذا رضع الولد من غير والدته وكان الرضاع خمس رضعات فأكثر في الحولين؛ فإن الرضاع يُحرِّم ما يحرم النسب، والأصل في هذا قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ الله عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} (¬2). وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَحْرُمُ مِنَ ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 233. (¬2) سورة النساء، الآيتان: 23 – 24.

الرّضاعِ مَا يَحرُمُ مِنَ النَّسبِ)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يَحْرُمُ مِنَ الرِّضاعَةِ ما يَحرمُ مِنَ الوِلادَةِ)) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُحْرِّمُ المصَّة والمصَّتانِ)) (¬3). ولا يَحْرُم إلا من رضع خمس رضعات، قالت عائشة رضي الله عنها: ((كَانَ فِيْما أُنْزلَ مِنَ القُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلومَاتٍ ثُمَّ نُسِخْنَ بخَمْسٍ مَعْلُوماتٍ، فَتُوفِّي رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وهُنَّ فيما يُتْلَى مِنَ القُرْآنِ)) (¬4). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((انْظُرْنَ من إِخْوَانُكُنَّ فَإِنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنَ الْمَجَاعَةِ)) (¬5). وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحرمُ مِنَ الرَّضَاعةِ إلاَّ ما فَتَقَ الأمْعاءَ في الثَّدْيِ وكانَ قَبلَ الفِطامِ)) (¬6). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب (رقم 2645) ومسلم، كتاب الرضاع، باب تحريم ابنة الأخ من الرضاعة (رقم 1447). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب (رقم 2646) ومسلم، كتاب الرضاع، باب يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة (رقم 1444). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب في المصة والمصتان (رقم 1450). (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الرضاع، باب التحريم بخمس رضعات (رقم 1452). (¬5) أخرجه البخاري، كتاب الشهادات، باب الشهادة على الأنساب (رقم 2647) ومسلم، كتاب الرضاع، باب إنما الرضاعة من المجاعة (رقم 1455) بلفظ: ((انظرن إخوتكنَّ من الرضاعة، فإنما الرضاعة من المجاعة)). (¬6) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء ما ذكر أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين (رقم 1152)، وابن حبان (10/ 37 رقم 4224)، والنسائي في سننه الكبرى (3/ 301 رقم 5465)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (1/ 589 – 590 رقم 1152)، وفي صحيح الجامع (رقم 7633).

ولا ينبغي أن يتخذ أحد الوالدين من الطفل سبباً لمضارة الآخر {لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ} (¬1). فلا يستغل الأب عواطف الأم وحنانها ولهفتها على طفلها؛ ليهددها فيه، أو تقبل إرضاعه بلا مقابل إذا كانت أجنبية عن أب المولود، أمَّا إذا كانت الزوجية قائمة فليس لها أجرة على إرضاعه، وكذلك إذا كانت معتدة من طلاق رجعي، إذ إن النفقة تثبت لها لقيام الزوجية، وبقائها في مدة العدة، ولا تستحق أجرة أو نفقة، بسبب الرضاعة، إذ لا يحسب للمرأة نفقتان، وإن تعددت أسباب الوجود (¬2). ولا تستغل هي عطف الأب على ابنه وحبه له لتثقل كاهله بمطالبها، وليس للأم مضارة الأب، وإذا فعلت فللأب أن يحضر لطفله مرضعاً حين تتحقق مصلحة الطفل في هذا الرضاع ... ، على شرط أن يوفي أجرها وأن يحسن معاملتها. وإذا توفي الأب فإن المسؤولية تنتقل إلى وارثه، وعلى الوارث مثل ذلك، فهو المكلف أن يرزق من تقوم بإرضاع الطفل ويكسوها بالمعروف والحسنى، وهكذا توالي الشريعة الإسلامية عنايتها بالطفل، وتعمل على حفظه، فلا يتعرض للضياع إن مات والده، ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 233. (¬2) زاد المعاد (4/ 32).

فحقه وحق من تقوم بإرضاعه مكفول في جميع الحالات (¬1). والشريعة تضرب المثل الأعلى في العناية بالطفل، والعمل على صيانته وحفظه، فلقد قرر الخليفة الراشد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عطاء للأطفال من بيت المال يبدأ بعد الفطام، ولما علم أن الأمهات تسارع إلى فطام أطفالهن استعجالاً لهذا العطاء، أفزعه ذلك وأقض مضجعه وحرمه النوم ولم يكد المصلون يتبينون صوته في القرآن من شدة تأثره وبكائه، فسارع بعد الصلاة بإصدار قراره بأن العطاء لكل طفل من حين ولادته، وما ذلك إلا للحفاظ على الطفولة وحمايتها، وإقناع الأمهات باستمرارهن في الإرضاع (¬2). وهذا العمل الذي فعله عمر يدل على رحمته بالمؤمنين والشفقة على أطفالهم، والشريعة الإسلامية كاملة شاملة، تشمل جميع أمور الدنيا والآخرة، التي فيها سعادة للبشرية جمعاء في دنياهم وأخراهم، قال الله تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} (¬3). * ... * ... * ¬

(¬1) في ظلال القرآن (ص 254). (¬2) انظر: طبقات ابن سعد، 3/ 298، والرياض النضرة، 2/ 389، وانظر: الطفل في الشريعة الإسلامية. (¬3) سورة القصص، الآية: 77.

المبحث الثامن: الحضانة

المبحث الثامن: الحضانة أولاً: تعريف الحضانة لغة وشرعاً: الحضانة في اللغة: هي ضم الشيء إلى الحضن، وهو الجنب أو الصدر والعضدان وما بينهما. يقال: حضن الطائر أفراخه واحتضنها: إذا ضمها إلى جناحه. وحضنت الأم طفلها إذا ضمته إلى جنبها أو صدرها. ومن معانيها: النصر، والإيواء، يقال: حضنه واحتضنه، أي أواه ونصره. والحضانة في الاصطلاح: التزام الطفل لتربيته والقيام بحفظه وتدبير شؤونه (¬1). ثانياً: عناية الشريعة الإسلامية بالحضانة: لقد عنيت الشريعة الإسلامية بالأسرة ورسمت لها الطريق السوي؛ لكي يدوم الصفاء وتستمر المودة والمحبة والألفة؛ حتى يعيش الأولاد في أحضان الأبوين، عيشة كريمة بعيدة عن النكد والشحناء، فأمرت برعاية الولد والمحافظة على حياته وصحته وتربيته، وتنشئته وتثقيفه بين الأبوين ... هذا ما يُعْرَفُ بالحضانة، ولكن عندما تنفصم العُرَى الزوجية وينفصل الزوجان لا تترك الشريعة الأولاد للضياع والتشرد، وإنما تعمل على تربيتهم وحمايتهم؛ حتى يصلوا إلى مرحلة تمكنهم من الاعتماد على ¬

(¬1) المعجم الوسيط، مادة (حضن).

ثالثا: أهمية الحضانة:

أنفسهم وإدراك مصالحهم. ولقد جاءت الشريعة في هذا الباب بتعاليم سامية ووصايا حكيمة، تأتي في الجو الملبد بالنزاع والمليء بالخصومات بين الزوجين، فتفتح الأنفس على الخير، وتلفتها إلى المعروف لمصلحة الطفل الناشئ الذي هو ثمرة مشتركة بين الزوجين يهمهما أمره. ومرحلة الحضانة هذه قد حافظ فيها الإسلام على مصلحة الولد أولاً: وعطف فيها على الأم ثانياً: رعاية لحنانها، وتقديراً لعاطفتها الفيَّاضة التي ترى في الولد أنه جزء منها، فجعل للأم ثم لقرابتها الأقرب فالأقرب حضانة الطفل حتى يبلغ سبع سنين وبعدها يدخل في مرحلة أخرى يصدر فيها حكماً يجعله لأبيه، أو لأمه، أو يخير بينهما، وذلك عدل ورحمة ووضع الأمور في مواضعها (¬1). ثالثاً: أهمية الحضانة: وللحضانة شأن آخر خلاف الرضاع، ولها أحكام تخالف الإرضاع، ولكن لا يرد تطبيق الأحكام للحضانة غالباً إلا في حال الفرقة بين الزوجين ووجود أولاد دون السن التي يستغني فيها الصغير عن النساء، وذلك؛ لأن الطفل يحتاج إلى نوع من: الرعاية، والحماية، والتربية، والقيام بما يصلحه، وهذا ما يعرف بالولاية. ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية.

رابعا: أقسام الولاية:

رابعاً: أقسام الولاية: الولاية تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الولاية الأولى: ولاية التربية والحفظ، وهي القيام على شؤون الطفل من وقت نزوله من بطن أمه وهي المسماة بالحضانة، والأم هنا أحق بالقيام على تربية ولدها، والأم مقدمة على الأب في هذا المجال، لما تحمله من أنواع الرحمة والعطف، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن امرأة قالت: يا رسول الله! إن ابني هذا كان بطني له وعاءً، وثديي له سقاءً، وحجْري له حِواءً، وإن أباه طلَّقني، وأراد أن ينتزعه منِّي، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لم تَنْكِحِي)) (¬1). والولاية الثانية: الولاية على النفس: وذلك بإنفاذ التصرفات في كل أمر يتعلق بنفس الصغير المولَّى عليه، وبين هذه الولاية وبين الحضانة مشاركة زمنية، تنتهي بانتهاء مدة الحضانة، على أن هذه الولاية قد تكون من القوة بحيث يجبر المولَّى عليه على أمرٍ ينفعه، أو الاعتراض على سلوكه، والحيلولة بينه وبين التصرفات الضارة. الولاية الثالثة: الولاية على المال: وهي تختص بتنمية أمواله ودفع الزكاة عنه حتى يبلغ الصغير الرشد، وقد ورد النهي عن دفع ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد (رقم 2276)، والبيهقي في الكبرى (8/ 4 رقم 15541)، والحاكم (2/ 225 رقم 2830)، وأحمد (2/ 182)، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 323): رواه أحمد ورجاله ثقات، وصححه الحاكم، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (2/ 32 رقم 2276)، وفي إرواء الغليل (7/ 244).

خامسا: أنواع الولاية:

المال إلى من ليس أهلاً لحفظه وصيانته، قال الله تعالى: {وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ الله لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا} (¬1). وقد علق القرطبي على الآية بقوله: ((فالسفيه المشار إليه في الآية له أحوال: حال يحجر عليه لانعدام عقله بجنون أو غيره، وحال يحجر عليه لصغره، وحال لسوء نظره لنفسه وماله)) (¬2). خامساً: أنواع الولاية: والولاية من حيث الولي نوعان: نوع يُقدَّمُ فيه الأب على الأم، ونوع تقدم فيه الأم على الأب، فيقدم الأب في الولاية على المال والنكاح، وتقدم الأم على الأب في الرضاع والحضانة. سادساً: شروط الحضانة: يشترط للحضانة شروط على النحو الآتي: 1 - ألا تكون الأم مزوجة بأجنبي. 2 - أن تكون أمينة. 3 - العدالة إذا كانت الحضانة لغير الأبوين. 4 - القدرة على التربية. 5 - أن تكون ذات رحم، فلا حضانة للقريبة غير المحرم، كما لا ¬

(¬1) سورة النساء، الآية: 5. (¬2) الجامع لأحكام القرآن الكريم للقرطبي (5/ 28).

6 - يشترط في الحاضنة ألا تكون مرتدة

يثبت الحق في الحضانة للمحارم غير الأقارب، كالأم والأخت من الرضاعة إذا لم تكن قريبة أو محرماً. 6 - يشترط في الحاضنة ألا تكون مرتدة؛ فإنها سوف تفسد المحضون. أما الشروط التي يلزم توافرها في الرجل الذي له حق الحضانة لعدم وجود أهل الحضانة من النساء، فهي: 1 - الحرية. 2 - العقل. 3 - البلوغ. 4 - القدرة على تربية الطفل. 5 - الأمانة. 6 - وأن يكون ذا رحم محرماً إذا كان الطفل أنثى. 7 - وأن يكون عصبة للطفل ويقدم من يكون مقدماً في الميراث (¬1). سابعاً: أدلة ثبوت الحضانة: أدلة ثبوت الحضانة ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع. فمن الكتاب: قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ} (¬2). ومن السنة: حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن امرأة قالت: يا رسول الله، إن ابني هذا كان بطني له وعاء، وثديي له سقاء، وحجري له حواء، وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني، فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنْتِ أحقُّ بِهِ ما لم تَنْكِحي)) (¬3). ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 98). (¬2) سورة البقرة، الآية: 233. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد (رقم 2276)، وسبق تخريجه. وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 32 رقم 2276)، وفي إرواء الغليل (7/ 244).

وعن البراء بن عازب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن ابنة حمزة اختصم فيها: علي، وجعفر، وزيد، فقال علي: أنا أحق بها وهي ابنة عمي، وقال جعفر: ابنة عمي، وقال زيد: ابنة أخي، فقضى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لخالتها، وقال: ((الخَالةُ بمَنزلةِ الأُمِّ)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيَّر غلاماً بين أبيه وأمه (¬2). وعن أبي هريرة أيضاً - رضي الله عنه -: أن امرأة جاءت فقالت: يا رسول الله! إن زوجي يريد أن يذهب بابني، وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((استَهِمَا عَلَيْهِ)) فقال زوجها: من يُحاقُّني في ولدي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذَا أبوكَ وهَذهِ أمُّك وخُذْ بِيَدِ أيُّهُما شِئْتَ)) فأخذَ بيد أمه فانطلقت به (¬3). وروى أبو داود عن عبد الحميد بن جعفر قال: أخبرني جدي رافع، أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم، فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: ابنتي ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب المغازي، باب عمرة القضاء (رقم 4251). (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء في تخيير الغلام بين أبويه إذا افترقا (رقم 1357)، وابن ماجه، كتاب الأحكام، باب تخيير الصبي بين أبويه (رقم 2351)، والبيهقي في الكبرى (8/ 3 رقم 15535)، وأبو يعلى (10/ 512 رقم 6131) وصححه الترمذي. والألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 80 رقم 1357)، وفي إرواء الغليل (7/ 249 – 251). (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب من أحق بالولد (رقم 2277)، والبيهقي في الكبرى (8/ 3 رقم 15536)، والحاكم (4/ 108 رقم 7039)، وصححه، وكذا صححه ابن القطان كما قال في الدراية (2/ 82). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 32 – 33 رقم 2277).

أما الإجماع:

وهي فطيم أو شبهه، وقال رافع: ابنتي، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اقْعُد ناحية)) وقال لها: ((اقْعُدِي ناحية)) فأقعد الصبية بينهما، ثم قال: ((ادعوها)) فمالت إلى أمِّها، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ اهْدِهَا)) فمالت إلى أبيها فأخذها (¬1). أما الإجماع: فقد جاء في الفقه الحنبلي: أن كفالة الطفل وحضانته واجبة. وجاء في الفقه المالكي: الإجماع قائم على وجوب كفالة الأطفال الصغار (¬2). والشريعة الإسلامية كفلت حق الطفل كما كفلت حقوق الآخرين، فمهما عدلت البشرية إلى غيرها فإنها سوف تبقى تائهة ضائعة، حتى ترجع لتعاليم الشريعة الإسلامية وتترك قوانين هي عبارة عن كلمات تقال، وهي في الواقع توقع الفساد وتضيع حقوق الآخرين. أما أحكام الشريعة الإسلامية فإنها صالحة لكل زمان ومكان. ونأخذ مما تقدم أن وقت حضانة الطفل من وقت ولادته إلى بلوغه مبلغ الرجال ينقسم إلى مرحلتين: المرحلة الأولى: مرحلة الحضانة وهي التي يحتاج فيها الطفل إلى الرعاية والخدمة، ولا يحسن هذا في الغالب إلا النساء، وتنتهي هذه المرحلة بالنظر إلى الغلام – سواء كانت الحاضنة الأم أو ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الطلاق، باب إذا أسلم أحد الأبوين مع من يكون (2244). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 21 رقم 2244). (¬2) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 101).

غيرها – ببلوغه حداً يستقل فيه بنفسه وحده وقدَّر بعض الفقهاء ذلك بسبع سنين. أما البنت فيفرق بين حضانة الأم والجدة وحضانة غيرهما، فإن كانت الحاضنة الأم أو الجدة بقيت البنت عندها حتى تبلغ مبلغ النساء، وإن كانت الحاضنة غيرهما بقيت عندها إلى سن المراهقة تسع سنين على المفتى به عند الحنفية ورواية عند أحمد (¬1). المرحلة الثانية: وهي مرحلة ضم الطفل إلى وليه، الذي يرعاه ويقوم على تأديبه بأنواع التربية والتهذيب. أما البنت – بعد حد الاستغناء الذي تشارك فيه الغلام – فتستمر حضانتها حتى تبلغ مبلغ النساء إذا كانت الحاضنة هي الأم أو الجدة، أما إذا لم تكن كذلك فحتى سن التمييز عند غيرها من النساء، ثم تكون عند الأب ليقوم بحمايتها والمحافظة عليها وصون عرضها، والولد يقوم بتأديبه وإرشاده إلى الأمور الخيرية (¬2). ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 101 – 102). (¬2) المرجع السابق بتصرف (ص 104).

المبحث التاسع: النفقة على الأولاد

المبحث التاسع: النفقة على الأولاد أولاً: أهمية النفقة على الأولاد في الشريعة الإسلامية: من حقوق الطفل في الشريعة الإسلامية حقه في الإنفاق عليه مادام صغيراً غير قادر على الكسب، ولم يكن له مال، وتستمر نفقة الصغير على أبيه أو على ورثته، حتى يحصل على مال أو يكبر ويكون قادراً على التكسب. أما إذا كبر الصغار وهم فقراء أو كانوا غير قادرين على الكسب، فإما أن يكونوا ذكوراً أو يكونوا إناثاً، فإن كانوا ذكوراً فلا تجب نفقتهم على أبيهم إلا إذا كانوا عاجزين عن الكسب بسبب مرض أو غيره، فإن قدر أحدهم على اكتساب شيء لا يفي بنفقته كان على الأب أن يُكَمِّلها له. أما البنت فتجب نفقتها على أبيها حتى تتزوج ولو لم تكن عاجزة عن الكسب، ولا يجوز لأبيها أن يدفعها لتكسب أو يؤجرها في عمل أو خدمة، فإن ذلك يعرضها للفتنة والانحراف، ولكن إذا كان لها كسب من طريق مأمون كأن كانت تعمل وهي في بيتها وتكتسب من ذلك، وكان أبوها فقيراً فلا تجب عليه نفقتها، فإن كان كسبها لا يفي بحاجتها كان على أبيها أن يكمل لها بما فيه كفايتها. ثانياً: الأدلة على وجوب النفقة على الأولاد: النفقة على الأولاد واجبة بالكتاب والسنة والإجماع.

أما الكتاب:

أما الكتاب: فقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا} (¬1). وقوله تعالى: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا} (¬2). أما الأدلة من السنة فهي: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أفضلُ الصَّدَقة ما تركَ غِنىً، واليدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلى، ابْدأ بمَنْ تَعول، تَقُولُ المرأةُ: إمَّا أن تُطْعمَني وإمَّا تُطَلِّقَني، ويَقُولُ العبدُ: أطْعمني واسْتَعملني، ويَقُولُ الابن: أطْعِمني، إلى مَنْ تدَعُني)) فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، هَذا مِنْ كِيسِ أبي هُريرة)) (¬3). وعن عائشة رضي الله عنها أن هنداً بنت عتبة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله، إن أبا سفيان رجل شحيح، وإنه لا يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه سراً وهو لا يعلم، فهل في ذلك شيء؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((خُذِي ما يَكْفِيكِ ووَلَدُكِ بالمعروفِ)) (¬4). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 233. (¬2) سورة الطلاق، الآية: 7. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال (رقم 5355). (¬4) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه ما يكفيها وولدها بالمعروف (رقم 5364)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب قضية هند (رقم 1714).

وعن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذَا أنْفَقَ المسلمُ نَفَقَةً عَلى أهلِهِ وهوَ يحْتِسِبُها كانَتْ لهُ صَدَقَةٌ)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّاعِي عَلى الأرْمَلَةِ والمسْكينِ كالمُجَاهِدِ في سبيلِ الله أو القائِمِ اللَّيلَ الصَّائِمِ النَّهَارَ)) (¬2). وعنه أيضاً: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((قالَ الله تعالى: أنْفِقْ يا ابنَ آدَمَ أُنْفِقْ عَلَيكَ)) (¬3). وعن سعد - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعودني وأنا مريض بمكة فقلت: لي مالٌ أوصي بمالي كلِّه؟ قال: لا، قلت: فالشطر؟ قال: لا، قلت: فالثلث؟ قال: ((الثُّلثُ والثُّلُثُ كثيرٌ، أَنْ تَدَعْ وَرَثَتكَ أغْنِياءَ خيرٌ مِنْ أنْ تَدَعَهُمْ عَالةً يتَكَفَّفونَ النَّاسَ في أيْدِيهِم، ومهما أنْفَقتَ فهُوَ لكَ صَدَقَةٌ حتَّى اللقْمَة ترْفَعُها في فيِّ امْرأتِكَ، ولعلَّ الله يَرْفَعُكَ، ينتَفِعُ بكَ ناسٌ ويَضُرَّ بكَ آخَرونَ)) (¬4). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ ما تَرَكَ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين (رقم 1002). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقةعلى الأهل (رقم 5353)، ومسلم، كتاب الزهد والرقائق، باب الإحسان إلى الأرملة والمسكين واليتيم (رقم 2982). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5352)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (رقم 993). (¬4) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5354)، ومسلم، كتاب الوصية، باب الوصية بالثلث (رقم 1628).

غِنًى، واليَدُ العُليا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفلَى، وابْدأ بِمَنْ تَعول: تَقُولُ امْرَأَتُكَ: إمَّا أنْ تُعطيني وإمَّا أن تُطَلِّقني، ويقُولُ العبدُ: اطْعِمني واسْتَعملني، ويَقولُ الابن: أطْعِمني إلى مَنْ تَكِلُني)) (¬1). فقالوا: يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: لا، هذا من كيس أبي هريرة. وعن ثوبان مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَفْضَلُ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ الرَّجُلُ على عِيَالِهِ، ودِينارٌ يُنفِقُهُ على فَرَسِهِ في سبيلِ الله، ودِينارٌ يُنفِقُه على أَصْحَابِهِ في سَبِيلِ الله، قال أبو قِلاَبَةَ: بَدَأُ بِالْعِيَالِ ثم قال أبو قلابةَ: أيُّ رجلٍ أعظمُ أجْراً منْ رجلٍ يُنفق على عِيالٍ صِغار، يَعفهم الله أو ينفعهم الله بهِ ويُغنِيهم)) (¬2). رواه مسلم والترمذي. وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: مرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلده ونشاطه، فقالوا يا رسول الله، لو كان هذا في سبيل الله؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان خَرَجَ يَسْعَى على أولادٍ صِغارٍ فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّه، وَإِنْ كان خَرَجَ يَسْعَى على أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّه، وَإِنْ كان يَسْعَى على نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان خَرَجَ يَسعَى رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)) (¬3). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال (رقم 5355)، وسبق تخريجه. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الزكاة، باب الحث على النفقة وتبشير المنفق بالخلف (رقم 994). (¬3) أخرجه الطبراني في الصغير (رقم 940) وفي الأوسط (7/ 56 رقم 6835)، وفي الكبير (19/ 129 رقم 282) قال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 335): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وقال الهيثمي في المجمع (4/ 325): رواه الطبراني في الثلاثة ورجال الكبير رجال الصحيح). وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 306 رقم 1692): صحيح لغيره، وصححه في صحيح الجامع الصغير (رقم 1428).

وجوب نفقة الأولاد بالإجماع:

وهكذا نجد السنة المطهرة قد جاءت موافقة للقرآن الكريم من كل وجه، وشارحة له، في وجوب نفقة الولد على الوالد، فقد عاضدت السنة القرآن الكريم، وتواردت معه، وقد تضافرت الأدلة في هذا الحكم (¬1). وجوب نفقة الأولاد بالإجماع: قال ابن قدامة رحمه الله في المغني عن ابن المنذر: ((وأجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن على المرء نفقة أولاده الأطفال الذين لا مال لهم، ولأن ولد الإنسان بعضه، وهو بعض ولده، فكما يجب عليه أن ينفق على نفسه وأهله كذلك على بعضه وأصله)) (¬2). * ... * ... * ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 179). (¬2) المغني (8/ 212).

المبحث العاشر: تعليمهم التعليم الشرعي

المبحث العاشر: تعليمهم التعليم الشرعي يبدأ التعليم للطفل من أول خروجه من بطن أمه إلى هذه الحياة؛ لأنه من المستحب أن يسمع ما يطرد الشيطان عنه، وأن يطرق سمعه كلام حسن. وقد ورد في الحديث عن أبي رافع - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أُذن الحسن بن علي عند ولادته (¬1)، لأن هذا الكلام أحسن كلام يطرق أذن المولود، وحيث إن الطفل يعتبر صفحة بيضاء فاستحب أن يسمع أولاً وقبل كل شيء ذكر الله الذي يطرد الشيطان، ثم على والد الطفل عندما يبلغ سن التعليم، وقد يبدأ من استطاعة الطفل على النطق بالكلام فليقنه (لا إله إلا الله)، ويغرس حب الإسلام في قلبه، والعلم هو الذي يهدي الإنسان إلى معرفة خالقه سبحانه وتعالى، قال تعالى: {شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (¬2). وقال - عز وجل -: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق* خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الصبي يولد فيؤذن في أذنه (رقم 5105)، والترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود (رقم 1514)، والبيهقي في الكبرى (9/ 305 رقم 19086)، والحاكم (3/ 197 رقم 4827)، وأحمد (6/ 391)، والطبراني في الكبير (1/ 313 رقم 926)، والبزار (9/ 325 رقم 3879)، وابن أبي الدنيا في العيال (رقم 54) وصححه الحاكم وحسنه محقق كتاب العيال الدكتور/ نجم عبد الرحمن بن خلف. بينما ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي (رقم 1514) وفي ضعيف سنن أبي داود (رقم 5105). (¬2) سورة آل عمران، الآية: 18.

* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم * عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} (¬1). وقال سبحانه: {قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَاب} (¬2). وقال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (¬3). كما جاء في السنة الأمر بتعليم الأطفال كل ما يعود عليهم بالنفع في الدنيا والآخرة، وأول شيء يلقن لهم ويلقى في أسماعهم، أعذب الكلام وأطيبه، وهو ذكر الله - سبحانه وتعالى -. قال أبو رافع: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أذَّنَ في أُذُنِ الحَسنَ بن علي حينَ وَلَدَتْهُ فاَطِمَة)) (¬4). ويتعين على الوالد والوالدة مواصلة تعليم الطفل وتربيته بحسب ما تقتضيه مراحل نموه، فيُعلَّم كيف ينطق ثم الكلام، وأحسن ما يقال له في هذا هو تلقينه لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويجعل هذا عند الطفل من باب التسلية له، ويحسن تعليم الأطفال كل ما ينفعهم ويقوي أجسادهم، يقول أمير المؤمنين عمر الفاروق - رضي الله عنه -: ((علِّموا أولادكم السباحةَ والرمي، ¬

(¬1) سورة العلق، الآيات: 1 – 5. (¬2) سورة الزمر، الآية: 9. (¬3) سورة فاطر، الآية: 28. (¬4) أخرجه الترمذي، كتاب الأضاحي، باب الأذان في أذن المولود، (برقم 1514)،وسبق تخريجه. وانظر: تحفة المولود لابن القيم (ص 133). وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (رقم 1514) وفي ضعيف أبي داود (رقم 5105).

ومروهم فليثبوا على الخيل وثباً)) (¬1). ومن ذلك يجب على الأب أن يعلِّم ابنه الصلاة ويرغِّبه فيها إذا بلغ سبع سنين. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مُرُوا أبْنَاءكم بالصَّلاةِ لسبعٍ، واضْرِبُوهُم عَلى تَرْكِها لِعَشْرٍ، وفرِّقُوا بَيْنهم في المضَاجِعِ)) (¬2). وأعظم العلوم: القرآن، فينبغي لوالد الطفل ووالدته أن يُعلَّموا أولادهم القرآن من الصِّغر. وعلى الأب أن يجتنب القسوة والضرب في أول أمر الطفل إلا بعد العاشرة إذا تكاسل عن الصلاة، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - مثالاً للرحمة، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي قتادة: ((أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حامل أمامة بنت زينب على عنقه، فإذا ركع أو سجد وضعها، وإذا جلس ردها في مكانها، وهكذا حتى انتهى من صلاته)) (¬3). ¬

(¬1) ذكره السيوطي في الدر المنثور (4/ 86) مقتصراً على الجزء الأول. وانظر: فيض القدير (4/ 327)، بينما ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (6/ 70) بلفظ: ((اقطعوا الركب وثبوا على الخيل وثباً)). وقال الألباني عن الجزء الأول في ضعيف الجامع (رقم 3727) ضعيف جداً. (¬2) أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (رقم 495)، والبيهقي في الكبرى (2/ 228 رقم 3050)، والدارقطني (1/ 230 رقم 2، 3)، وابن أبي شيبة (1/ 304 رقم 3482)، وحسنه النووي في رياض الصالحين (ص 95)، وحسنه محقق كتاب العيال لابن أبي الدنيا (رقم 297). وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 266) (2/ 7). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة (رقم 516)، ومسلم، كتاب الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة (رقم 543).

ومن حق الولد على الوالد أن يحسن أدبه ويحسن اسمه (¬1). وقد اعتبر - صلى الله عليه وسلم - تأديب الطفل حق من حقوقه على والده، فقال فيما رواه عنه أبي سعيد وابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَلْيُحْسِن اسمُهُ وأدَبَه، فَإذَا بَلَغَ فَلْيُزوِّجهُ، فإنْ بَلَغَ ولم يُزَوِّجهُ فأصَابَ إثْماً فإنَّما إثْمُهُ عَلى أبِيهِ)) (¬2). وكان عليه الصلاة والسلام يهتم بالأطفال، ويعتني بهم، ويعلمهم الأدب حتى طريقة الأكل والشرب وغير ذلك، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لعمر بن أبي سلمة عندما رآه يأكل وتطيش يده في الصحفة: ((يا غُلام سمِّ الله، وكُلْ بِيَمينكَ، وكُلْ ممَّا يَلِيْكَ)) (¬3). وقوله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: ((يا غُلَامُ إني أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ: احْفَظْ الله يَحْفَظْكَ، احْفَظْ الله تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إذا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِالله، وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لو اجْتَمَعَتْ على أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لم يَنْفَعُوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله لك، وَلَوِ اجْتَمَعُوا على أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لم يَضُرُّوكَ إلا بِشَيْءٍ قد كَتَبَهُ الله عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ)). رواه الترمذي. وفي رواية ¬

(¬1) إحياء علوم الدين للغزالي (2/ 217). (¬2) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (6/ 401 رقم 8666)، وابن أبي الدنيا في العيال (رقم 173). وذكره التبريزي في مشكاة المصابيح (2/ 939 رقم 3138)، ولم يحكم عليه الألباني بشيء، بينما ضعفه في السلسلة الضعيفة (2/ 163 – 164 رقم 737). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (رقم 5376)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامهما (رقم 2022).

لغير الترمذي: ((احْفَظِ الله تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إلى الله في الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ في الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ ما أَخْطَأَكَ لم يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وما أصَابَكَ لم يَكُنْ ليخطئك، وَاعْلَمْ أَنَّ النصرَ معَ الصَّبرِ، وأنَّ الفَرَجَ معَ الكَرْبِ، وَأَنَّ مع الْعُسْرِ يُسْرًا)) (¬1). هذا التوجيه الكريم من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - للأمة في شخصية ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ليس تربية على الزهد أو توجيهها إلى اعتزال الحياة، ولكنها تصحيح العقيدة وتثبيت الإيمان الراسخ في قلب عبد الله بن عباس حتى لا يفسدها فقر أو حرمان، أو يطغيها ثراء أو متاع أو يحول بينها وبين عقيدتها عرض أو جاه، فهذه النصوص المذكورة تدل دلالة واضحة على مدى عناية الشريعة بالعلم والتعلم، إذاً فواجب على كل والد أن يربي أولاده على الأخلاق الفاضلة ويعلمهم دينهم، وأفضل ما يعلم الطفل قبل كل علم بعد استقامة لسانه هو القرآن الكريم؛ لأنه حبل الله المتين، من قال به صدق، ومن حكم به عدل، ومن تمسك به لم يضل. ثم بعد ذلك يُعلِّمه الصلاة إذا بلغ سبع سنين مع استمراره في تعلم القرآن والسنة النبوية على قدر تحمله وطاقته، ويكون ذلك على أيدي رجال صالحين، وهذان الأصلان العظيمان هما أساس ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب صفة القيامة (رقم 2516)، والحاكم (3/ 623 رقم 6303)، والطبراني في الأوسط (5/ 316 رقم 5417)، وفي الكبير (11/ 123 رقم 11243)، وأبو يعلى (4/ 430 رقم 2556)، وأحمد (1/ 293)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 434 رقم 745)، وعبد بن حميد (رقم 636) وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 609 – 610 رقم 2516).

الدين ومصدره، فإذا تعلم الناشئ هذا القرآن وهذه السنة المطهرة وتعمق فيهما وفهم الأحكام والعبادات، والمعاملات، والآداب كان من الذين وصفهم الله بالعلم إذا عمل بما علم {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (¬1). ونأخذ في هذا الموضع رأي ونظر مؤرخ من مؤرخي الإسلام بعد أن استدلينا من القرآن والسنة المطهرة، ألا وهو ابن خلدون. يرى ابن خلدون أن مناهج التعليم تختلف باختلاف البيئات الإسلامية، ولكن المسلمين متفقون على أن القرآن هو أصل الدين ومصدر العلوم الإسلامية، ولذلك جعلوه أصلاً من أصول التعليم، وأساساً من أسس التربية الإسلامية، وفي ذلك يقول: ((اعلم إن تعليم الوِلدان للقرآن شعار من شعائر الدين، أخذ به أهل الملة، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم، لما يسبق فيه إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده من آيات القرآن، وبعض متون الأحاديث، وصار القرآن أصل التعليم الذي ينبني عليه ما يحصل بعد من الكتاب، وسبب ذلك أن تعليم الصغر أشد رسوخاً وهو أصل لما بعده)) (¬2). وعلى ما تقدم فإن الأب مسؤول عن تعليم ابنه أمور دينه من أركان وواجبات ومستحبات، وكذلك أمور دنياه، التي تعود عليه ¬

(¬1) سورة فاطر، الآية: 28. (¬2) مقدمة ابن خلدون (4/ 1239) بتصرف.

أولا: المسؤوليات الكبرى للأب والمربي:

وعلى أمة الإسلام بالخير والبركة، هذا هو التعليم المطلوب. وخلاصة القول: أن الأب يُربِّي أولاده ذكوراً وإناثاً على طاعة الله - عز وجل -، وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - على النحو الآتي: أولاً: المسؤوليات الكبرى للأب والمربي: 1 - مسؤولية التربية الإيمانية: تلقينه إذا نطق بالكلمات الطيبة وأعظمها «لا إله إلا الله» وتعريفه أوَّل ما يعقل: الحلال والحرام، ويؤمر بالصلاة في سن السابعة، وتأديبه على حب الله تعالى وحب النبي - صلى الله عليه وسلم -، وحب القرآن، ويرشده إلى: الإيمان بأركان الإسلام الخمسة، وأركان الإيمان الستة، وركن الإحسان: أن يعبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإنه يراه، ويغرس الخشوع لله في قلبه، والتقوى، والمراقبة لله تعالى في السر والعلن. 2 - مسؤولية التربية الخُلُقية، وهذه المسؤولية هي ثمرة من ثمرات الإيمان، فيربيهم على الصدق، وجميع الأخلاق الفاضلة، ويحذرهم من الكذب وجميع الأخلاق الرذيلة. 3 - مسؤولية التربية الجسمية، فينفق على أولاده من الحلال، ويحافظ على القواعد الصحية لأولاده، ويبعدهم عن أسباب الأمراض، ويعالج المرضى منهم، ويُطبِّق قاعدة: لا ضرر ولا ضرار، ويُعلِّمهم على الرماية، وركوب الخيل، والسباحة عند الأمن من المفاسد، ويعوّدهم على الجدِّ والرجولة، ويبعدهم عن كل ما يضرهم من المفاسد.

4 - مسؤولية التربية العقلية،

4 - مسؤولية التربية العقلية، فيعلمهم كل ما ينفعهم منذ الصغر، وإبعادهم عن المفاسد المنتشرة؛ لما في ذلك من التأثير على العقل والذاكرة: كالخمور، والتدخين، وغير ذلك. 5 - مسؤولية التربية النفسية، فيبعدهم عن ظاهرة الخور، والخجل، والخوف، والحسد، والغضب، والشعور بالنقص، ويربي فيهم الإيمان بالقضاء والقدر، وغير ذلك. 6 - المسؤولية الاجتماعية، فيربِّيهم على القيام بحقوق الآخرين بجميع أنواعها، وعلى الرحمة، والعفو، والتقوى، والإيثار، والجرأة، وغير ذلك. 7 - يُحذِّرهم من الانحراف الجنسي، ويزوِّج المحتاج منهم (¬1). ثانياً: وسائل التربية المؤثرة التي ينبغي للأب والمربي استخدامها: 1 - التربية بالقدوة، فيكون الأب والمربِّي قدوة صالحة في جميع أموره: في العبادة، والكرم، والزهد، والتواضع، والحلم، والشجاعة، ويتخذ الرسول - صلى الله عليه وسلم - قدوة له، فحينئذ ينفع تعليمه ويقتدى به. 2 - التربية بالعبادة: فيربي أولاده على العبادة، ويعلمهم أنواع العبادات بإخلاص، ومتابعة للنبي - صلى الله عليه وسلم -. 3 - التربية بالموعظة: فيوصيهم ويعظهم، كما وعظ لقمان الحكيم ابنه، ويعظهم بالقرآن والسنة. 4 - التربية بالملاحظة: فيراقب أولاده في جميع الجوانب، ¬

(¬1) انظر: تربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله علوان 1/ 155 - 611.

5 - التربية بالعقوبة:

وجميع تصرفاتهم، فلا بد من ذلك، ويقوِّم ما اعوجّ منها بالحكمة. 5 – التربية بالعقوبة: والتأديب عند الحاجة، وهي العقوبات الشرعية: من الحدود، والجلد على التهاون بالصلاة لمن بلغ سبع سنين، وعقوبة التعزيرات. ثالثاً: القواعد الأساسية في التربية التي يعمل بها الأب والمربي: 1 – الربط الاعتقادي، فيجب أن يُربط الولد منذ تعقُّله بأركان الإيمان الستة الأساسية، وأركان الإسلام الخمسة، وحينئذ ينشأ الولد على المراقبة لله تعالى، وقد سبق ذلك في مسؤولية التربية الإيمانية. 2 – الربط الروحي، فيربط الولد بالعبادة، ويؤمر بالصلاة، والصوم إذا أطاقه، وبعبادة الحج إذا استطاع الأب ذلك بغير مشقة، وبعبادة الزكاة، والصدقة إذا كان الأب والمربي يقدر على ذلك، ويربطه بالقرآن فيُحفَّظ ويُعلَّم، ويربطه بالمساجد التي هي بيوت الله تعالى، ويربطه بذكر الله - عز وجل -، فيُعلَّم أذكار الصباح والمساء، وأذكار أدبار الصلوات، وغير ذلك من الأذكار ويكون ذلك بالتدرّج، ويُربط الولد بالنوافل: من صلاة الضحى، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، وصلاة الليل ولو قليلاً، وصلاة الاستخارة، ويُربط بالصيام، كصوم يوم عرفة، وعشر ذي الحجة، وصيام عاشوراء مع يوم قبله أو بعده، وبصوم ست من شوال، وغير ذلك على حسب الاستطاعة، ويربط بمراقبة الله تعالى في السر والعلن، ويربط الولد بالآداب الاجتماعية، وتعليمه حقوق الله تعالى، ثم حقوق المجتمع، وقد سبق في

3 - قاعدة التحذير:

مسؤولية التربية الاجتماعية، ومن الربط الاجتماعي: ربط الولد بالمرشد الطلابي، وبالصحبة الصالحة، وبالعلم والعلماء. 3 - قاعدة التحذير: فيحذر الأب والمربي الولد من الرِّدة، والتحذير من الإلحاد، والتحذير من اللهو المحرم: من الغناء، والمزامير، والشطرنج، والقمار، والموسيقى، والنظر إلى آلات الفساد، والمسلسلات الخليعة، ويحذره من التقليد بدون دليل، ويحذره من رفقة السوء، ومن مفاسد الأخلاق، ومن الحرام بجميع أنواعه: سواء كان في الملبس، أو المشرب والمأكل، أو حلق اللحية، أو إسبال الثياب، وغير ذلك من أنواع التحذير. 4 - مسائل مهمة في التربية ينبغي للأب أن يعملها، ومن أهمها: تشويق الولد إلى أفضل المكاسب، ومراعاة استعداداته، ويروّح على الولد في المباحات بدون إفراط ولا تفريط، وإيجاد التعاون بين البيت والمسجد والمدرسة، وتقوية الصلة بين المربِّي والولد، وتوفير الوسائل العلمية النافعة، والسير على منهج تربوي في اليوم والليلة ينفع الولد في الدنيا والآخرة (¬1). * ... * ... * ¬

(¬1) انظر: تربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله بن ناصح علوان 2/ 631 - 1110، الطبعة الثالثة، ط 1401هـ، دار السلام، بيروت، لبنان.

المبحث الحادي عشر: تعليمهم حرفة شريفة يكتسبون منها

المبحث الحادي عشر: تعليمهم حرفة شريفة يكتسبون منها على والد الطفل أن يعلمه حرفة شريفة يكتسب منها بعد أن علمه ما يجب عليه من العلم الشرعي، ومن التربية الحسنة المستمدة من الكتاب والسنة، ولقد ورد في هذا الموضوع نصوص شرعية كثيرة، تحث الإنسان على أن يكون كسبه بيده، لأن أطيب ما أكل المسلم من عمل يده، وقد كان نبي الله داود يأكل من عمل يده. عن المقدام - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَا أكَلَ أحَدٌ طَعَاماً قَطّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)) (¬1). رواه البخاري. وعن أبي عبيدة مولى عبد الرحمن بن عوف أنه سمع أبا هريرة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لأنْ يَحْتَطِبَ أحَدَكُم حزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ مِنْ أنْ يَسْألَ أحَداً فَيُعطِيهِ أوْ يَمْنَعه)) (¬2). رواه البخاري. وعن عقبة بن عامر الجهني قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ الله - عز وجل - يُدْخلُ الثَّلاثَةَ بالسَّهْمِ الوَاحِدِ الجَنَّةَ، صَانِعُهُ يَحتَسِبَ في صَنْعَتِهِ الخَير، والممدّ به، والرَّامِي بِهِ)) وقال: ((ارمُوا وارْكَبُوا، وإنْ تَرْمُوا أحبَّ إليَّ مِنْ أنْ تَرْكَبُوا، وإنْ كلّ شيءٍ يَلْهو بِهِ الرَّجلُ بَاطِلٌ، إلاَّ رَمْيةَ الرَّجلِ بِقَوْسِهِ، وتأدِيبهُ فَرسه ومُلاعَبَتِهِ امرأتِهِ، فإنَّهُنَّ مِنَ الحقِّ، ومَنْ نَسِيَ الرَّمْيَ بَعْدَما عَلِمَهُ فَقَدْ كَفَر الذي علمه)) (¬3). رواه أحمد ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2072). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2074)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس (رقم 1042). (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب في الرمي (رقم 2513)، والنسائي في الكبرى (3/ 39 رقم 4420)، وفي المجتبى، كتاب الخيل، باب تأديب الرجل فرسه (رقم 3578)، والبيهقي في الكبرى (10/ 13 رقم 19515)،والدارمي (رقم 2405)، وابن أبي شيبة (4/ 215 رقم 19433)، وأحمد (4/ 144)، والطيالسي (رقم 1006، 1007). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 2513).

وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه والدارمي. وعن أبي مسعود - رضي الله عنه -: ((إذَا أنْفَقَ المسْلمُ نَفَقَةً عَلى أهْلِهِ كَانَتْ لهُ صَدَقَةً)) (¬1). رواه البخاري. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((السَّاعِي عَلَى الأرْمَلَة والمِسْكِينِ كالمجَاهِدِ في سَبيلِ الله أو القَائِمِ الليلَ الصَّائِمِ النَّهارَ)) (¬2). وعن سعد في حديثه الطويل، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ومهْمَا أنفَقْتَ فهُوَ لَكَ صَدَقَةً، حتَّى اللقمَةَ ترْفَعُها في فيّ امْرَأتك)) (¬3). رواه البخاري. وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((إنَّ أطْيَبَ مَا أكَلَ الرَّجُلَ مِنْ كَسْبِهِ، وإنَّ وَلَدهُ مِنْ كَسْبِهِ)) (¬4). رواه البخاري وأحمد ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5351)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد (رقم 1002). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5353)،سبق تخريجه. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب فضل النفقة على الأهل (رقم 5354)، سبق تخريجه. (¬4) أخرجه ابن حبان (10/ 72 رقم 4259)، والترمذي، كتاب الأحكام، باب ما جاء أن الوالد يأخذ مال ولده (رقم 1358)، والنسائي في الكبرى (4/ 4 رقم 6043)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب الحث على المكاسب (رقم 2137)، والبيهقي في الكبرى (7/ 480 رقم 15525)، وأحمد (6/ 193)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 380 رقم 3528).

وابن ماجه والترمذي والنسائي. وعن عائشة فيما نقل عنها عروة قال: قالت عائشة رضي الله عنها: ((كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عمَّال أنفسهم، فكان يكون لهم أرواحٌ، فقيل لهم: لو اغتسلتُم)) (¬1). ولقد ذكر الله في القرآن ما يحث الإنسان على طلب الرزق من الحلال، ولكن بشرط ألا يشغله عن طاعة الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ} (¬2). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون* فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون} (¬3). عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((أفْضَلُ الصَّدَقةَ ما تَرَكَ غِنىً، واليَدُ العُلْيا خَيرٌ مِنَ اليدِ السُّفْلى, وابْدأ بِمَنْ تُعولُ ... )) (¬4). وعن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - قال: مرَّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل، فرأى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جلده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب كسب الرجل وعمله بيده (رقم 2071)، ومسلم بنحوه، كتاب الجمعة، باب وجوب غسل الجمعة على كل بالغ من الرجال وبيان ما أمروا به (رقم 847). (¬2) سورة القصص، الآية: 77. (¬3) سورة الجمعة، الآيتان: 9 – 10. (¬4) أخرجه البخاري، كتاب النفقات، باب وجوب النفقةعلى الأهل والعيال (رقم 5355).

كان هذا في سبيل الله، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن كان خَرَجَ يَسْعَى على أولادٍ صِغارٍ فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان خَرَجَ يَسْعَى على أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان يَسْعَى على نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ في سَبِيلِ الله، وَإِنْ كان خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ في سَبِيلِ الشَّيْطَانِ)) (¬1). رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وهكذا نجد السنة المطهرة تحث على طلب الرزق، كما حث على ذلك القرآن الكريم، والأدلة من القرآن والسنة على أن طلب الرزق عبادة كثيرة جداً، ولكن الفرق بين هذه الأعمال والتي تتحول إلى عبادة وبين أعمال الذين يكدحون من غير المسلمين أن هذه الأعمال تتحول بنية المؤمن الصادق واحتسابه إلى عبادة. إذاً نأخذ مما تقدم أنه يجب على والد الطفل أن يعلمه حرفة شريفة يكتسب منها، لكي يعيش على الحلال، ويبتعد عن الحرام والشبهات، ولقد قال بعض المربين: إنه من المستحسن لوالد الطفل بعد أن يعلمه العلوم الشرعية التي لا بد منها، أن يراعي رغبة الولد وميوله إلى المهنة التي يرغب أن يكون عالماً فيها، ما لم تتعارض مع الشريعة الإسلامية، ومن هؤلاء العلماء العلاَّمة ابن خلدون، وابن سينا وغيرهما. وقد ورد في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في الصغير (رقم 940)، وسبق تخريجه. وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 1428)، وقال عنه في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 306 رقم 1692): صحيح لغيره.

أنه قال: ((الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إلى الله من الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وفي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بالله، ولا تَعْجَزْ، وإن أصَابَكَ شيءٌ فلا تَقُلْ لو أَنِّي فَعَلْتُ كانَ كَذَا وكذا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ الله وما شَاءَ فَعَلَ، فإن لو تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ)) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه -: أن رجلاً من الأنصار أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسأله، فقال: ((أَمَا في بَيْتِكَ شيءٌ؟)) قال: بلى حلس، نلبس بعضَهُ ونبسط بعضه، وقعبٌ «إناء» نشرب فيه الماء، قال: ((ائتني بهما)) فأتاه بهما، فأخذهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده، وقال: ((مَنْ يشْتري هذينِ؟)) قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين، فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين فأعطاهما الأنصاري وقال: ((اشترِ بأحدِهِما طَعاماً فانبذهُ إلى أهْلِكَ، واشترِ بالآخَرِ قَدُّوماً فأتِني بهِ)) فأتاه به، فشد فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عوداً بيده، ثم قال: ((اذْهَبْ واحْتَطِبْ وبِعْ ولا أرَيَنَّكَ خمسَةَ عَشَرَ يوماً))، ففعل فجاءه وقد أصاب عشرة دراهم فاشترى ببعضها ثوباً وببعضها طعاماً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((هذَا خَيرٌ لكَ مِنْ أنْ تَجِيءَ، والمسألة نكتَة في وَجْهِكَ يَومَ القِيامة)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب القدر، باب بيان أن الآجال والأرزاق وغيرها لا تزيد ولا تنقص عما سبق به القدر (رقم 2664). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الزكاة، باب ما تجوز فيه المسألة (رقم 1641)، وابن ماجه، كتاب التجارات، باب بيع المزايدة (رقم 2198)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (3/ 6). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 1641)، وفي ضعيف ابن ماجه (رقم 2198)، وفي مشكاة المصابيح (رقم 1851)، وفي ضعيف الترغيب والترهيب (1/ 518 – 519 رقم 1042).

المبحث الثاني عشر: الرعاية العقلية

المبحث الثاني عشر: الرعاية العقلية على والد الطفل أن يحافظ على رعاية ابنه من الناحية العقلية، ويلاحظ الصحة العقلية في الولد، فكل ما يؤثر على عقل الولد وذاكرته، واتزانه؛ فعليه أن يبعده عنه، وأن ينهاه عنه، ويبيّن له خطره المحدق على: الجسم، والعقل، والنفس. وبناء على هذا وجب على الأب أو المربِّي أن يلاحظ في الولد مفسدة تناول الخمور، والمخدرات؛ لكونها: تفتك بالجسم وتورث الهستريا والجنون. وعليه أن يلاحظ العادة السرية لكونها تورث السل، وتضعف الذاكرة، وتسبب الخمول الذهني، والشرود العقلي، والقلق والانطوائية والخوف. ويمكن أن يلاحظ مفسدة التدخين؛ لكونه: يهيِّج الأعصاب، ويؤثِّر على الذاكرة، ويُضعف ملكة الإحضار الذهني، والتفكير. وعليه أن يلاحظ أخيراً مفسدة الخلاعة من الأفلام، والتمثيليات والصور العارية؛ لكونها تعطل وظيفة العقل وتقضي بشكل تدريجي على ملكة الاستذكار والتفكير الصافي. فالصحة العقلية للولد هي من أهم ما يجب على الوالد أو على المربِّي أن يلحظها ويهتم بها، ويؤكد عليها، وهي من أظهر ما يتميز بها، وبقدر العناية والملاحظة والاهتمام يتحقق للولد الوقار

والتعقل والاتزان (¬1). وعلى والد الطفل أو المربي أن يرشده إلى الاقتران بالجلساء الصالحين، والابتعاد عن جلساء السوء؛ لأن المرء من جليسه. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((المرءُ عَلى دِينِ خَلِيلهِ، فَليَنْظر أحَدَكُم مَنْ يُخالِل)) (¬2). قال الشاعر: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه ... فكل قرين بالمقارن يقتدي (¬3) عن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَمَثَلِ صاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الحدَّادِ، لا يعدمكَ منْ صاحِبِ المسْكِ إمَّا أنْ تشتَريه، أو تَجِدَ ¬

(¬1) تربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله علوان، القسم الثالث رقم (1) (ص 143) ببعض التصرف. (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد (رقم 2378)، وأبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (رقم 4833)، وأحمد (2/ 303)، وإسحاق بن راهويه (1/ 352 رقم 351)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 141 رقم 187)، والطيالسي (رقم 2573)، وعبد بن حميد (رقم 1431)، وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 112). وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 554 رقم 2378)، وفي السلسلة الصحيحة (رقم 927). (¬3) هذا البيت من بحر الطويل وينسب إلى طرفة بن العبد الشاعر الجاهلي، كان هجاءً غير فاحش القول، تفيض الحكمة على لسانه في أكثر شعره، مات سنة 60 قبل الهجرة، وينسب هذا البيت أيضاً لعدي بن زيد شاعر من دهاةالجاهليين، مات سنة 36 قبل الهجرة. وذكر البيت الإمام الطبري في تفسيره ونسبه إلى عدي بن زيد (5/ 88)، وكذا فعل المناوي في فيض القدير (3/ 118)، بينما ذكر البيت ولم ينسبه إلى أحد كل من ابن كثير في تفسيره (1/ 498)، وأبو عبد الرحمن السلمي في آداب الصحبة (ص 42)، والعيني في عمدة القاري (15/ 216)، والعجلوني في كشف الخفاء (1/ 319).

ريحه، وكِيرِ الحدَّادِ ْ يُحْرِقُ بَدَنَك أو ثَوْبَك، أوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً)) (¬1). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب في العطار وبيع المسك (رقم 2101)، ورقم (5534)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السوء (رقم 2628).

المبحث الثالث عشر: تعويدهم على الأخلاق الفاضلة

المبحث الثالث عشر: تعويدهم على الأخلاق الفاضلة لقد دعانا نبي الرحمة - صلى الله عليه وسلم - إلى تأديب أطفالنا، وغرس الأخلاق الكريمة في نفوسهم، وتعويدهم على حسن السمت والتحلِّي بالصدق، والأمانة، واحترام الكبير، فعن عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَيْسَ مِنْ أمَّتِي مَنْ لَمْ يُجِلَّ كَبِيرَنَا، وَيَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيَعْرَفْ لِعَالِمِنَا حَقَّه)) (¬1). وعن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((أكْرِموا أوْلادَكُم، وأحسِنُوا أدَبَهم)) (¬2). وعن أيوب بن موسى عن أبيه عن جده أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما نَحَلَ وَالِدٌ وَلَدًا من نَحْلٍ أَفْضَلَ من أَدَبٍ حَسَنٍ)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه أحمد (5/ 323)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (1/ 187)، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 127) (8/ 14). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (1/ 152 رقم 101) وفي صحيح الجامع (رقم 5443). (¬2) أخرجه ابن ماجه، كتاب الأدب، باب بر الوالد والإحسان إلى البنات (رقم 3671)، والقضاعي في مسند الشهاب (1/ 389 رقم 665)، والديلمي في مسند الفردوس (1/ 67 رقم 196)، وضعفه في مصباح الزجاجة (4/ 101 - 102). وقال الألباني في ضعيف الترغيب (2/ 20 رقم 1231): ضعيف جداً. (¬3) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في أدب الولد (رقم 1952)، والبيهقي في الكبرى (3/ 84)، والحاكم (4/ 292 رقم 7679)، وأحمد (3/ 412)، والطبراني في الكبير (2/ 320 رقم 13234)، والقضاعي في الشهاب (2/ 251 رقم 1295)، وعبد بن حميد (رقم 362)، وابن أبي الدنيا في العيال (رقم 326)، وذكر الحديث البخاري في تاريخه الكبير (1/ 422) وقال: ولم يصح سماع جده من النبي - صلى الله عليه وسلم -، وذكره العقيلي في الضعفاء (4/ 227) وقال: وليس الحديث بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وفيه أيضاً مقال. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (2/ 20 رقم 1230) وفي ضعيف الجامع (رقم 5227).

وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما ورَّث والدٌ وَلَداً خَيراً مِنْ أدَبٍ حَسَن)) (¬1). فالولد أمانةٌ عند أبويه، وهو معدن نفيس يجب الاعتناء به والمحافظة على تعويده على الأخلاق الفاضلة والآداب الحسنة، وقلب الطفل طاهر نظيف قابل لما يُلقى إليه من خير وشر. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسَانِهِ)) (¬2). ومما لا شك فيه أن والد الطفل ووالدته يستطيعان بتوفيق الله لهما العمل على حسن تربية الولد، عن طريق القدوة الحسنة أولاً، ثم تلقينه الآداب الفاضلة، والعمل على غرس الخصال الكريمة في نفسه وطبعه على الصفات الحميدة، وتقوية صلته بالله عن طريق حفظه للقرآن، وممارسة والده ووالدته العبادات، وتعليمه إيَّاها وتعويده عليها؛ فإن المرحلة الأولى من مراحل الطفل هي أهم مرحلة في تربية الطفل جسمياً وخلقياً، وفي تعويده أحسن العادات، وأكرم الأخلاق، فيعنى الوالدان بصحة الطفل وتغذيته تغذية صحية، وتعويده أدب الحديث، وأدب السؤال، بحيث يكون مُهذَّباً في ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 77 رقم 3658)، وابن عدي في الكامل (6/ 211)، وقال: وهذا أيضاً بهذا الإسناد منكر. وقال الهيثمي في المجمع (8/ 105 – 106): رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وهو ضعيف. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب ما قيل في أولاد المشركين (رقم 1385)، ومسلم، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة وحكم موت أطفال الكفار وأطفال المسلمين (رقم 2658).

سؤاله، لطيفاً في حديثه، يحسن الوصول إلى ما يريد برفق وأدب. وينبغي أن يعوّد الطفل على النوم مبكراً، والاستيقاظ مبكراً، كما يعوّد على ممارسة الرياضة التي لا تتعارض مع الدين؛ ليقوى بها بدنه، ويعتاد على النشاط، والقدرة على الحركة، وعدم الكسل والخمول، وكلما تقدمت به السن تأكد العمل على حسن توجيهه وتربيته، فإذا بلغ ست سنين أُدّب، وهُذّب، وأُرسل إلى المدرسة المثالية للتعلم، ورُبِّي تربية كاملة: جسمية، وعقلية، وخلقية، واجتماعية، بحيث يُعدُّ للحياة العملية التي تنتظره. فإذا بلغ سبع سنين أُمِر بالصلاة، وعُلِّم الطهارة والوضوء، وشُجِّع على الصلاة، وتأديتها في أوقاتها في المسجد مع الجماعة، حتى يصبح ذلك خُلقاً له. فإذا بلغ عشر سنين ضُرِب إذا ترك الصلاة، أو أهمل فيها، وعُزِل فراشه عن إخوته وأخواته. فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعٍ، وَاضْرِبُوهُمْ على تَركِهَا لعشرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ في الْمَضَاجِعِ)) (¬1). وفي استطاعة المدرس أن يوصل إلى الأطفال كثيراً من الأخلاق الفاضلة: كالصدق في القول، والأمانة في العمل، والعدالة ¬

(¬1) أخرجه أحمد (2/ 187)، وأبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (رقم 495)، وتقدم تخريجه. وصححه الألباني في إرواء الغليل (1/ 266) (2/ 7).

في الحكم، والصراحة، والشجاعة، والإخلاص. وينبغي أن يختار الرجل مؤدباً لولده؛ فإن المؤدب (المدرس) هو الذي يربِّي هذا الولد. وقد قال بعض الحكماء يوصي مؤدب ولده: ((ليكن إصلاحك لابني إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بعينك، فالحسن عندهم ما استحسنت، والقبيح ما استقبحت)) (¬1). فالصبي يُحاكي أُستاذه، وزملاءه قصداً ومن غير قصد فيما يقولون وما يفعلون، ويأنس بما يأنسون، وقد ثبت في علم النفس أن الطفل بطبيعته يُحاكي ما يحدث في المجتمع الذي يُحيط به: حسناً كان أو قبيحاً، فهو يُحاكي من يعيشون معه أو يتصلون به؛ ولهذا يجب أن يكون المُقلِّد قدوة طيبة، ونموذجاً حسناً؛ فإن الطفل للمحاكاة عنده أثر كبير في تربيته الخلقية، والعقلية، والتقليد عامل مُهِمٌّ في المرحلة الأولى لتكوين العادة. والطفل يرى الشيء يفعل أمامه ويكرره حتى يصير عادة له، وهو في الواقع: يُحاكي أبويه، وإخوته الكبار، ولكنه يكسب من محاكاة الصغار أكثر مما يكسب من محاكاة الكبار. وينبغي للأب أن يُعوِّد الطفل على آداب الأكل، والشرب، وذلك بأن يغسل يديه قبل الأكل وبعده، ويُسمِّي عند البدء بالأكل والشرب، ويأكل بيمينه، ويحمد الله عند الانتهاء من الأكل والشرب، ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 210).

ويأكل مما يليه، ولا ينظر إلى الآكلين حوله، ويمضغ اللقمة مضغاً جيداً، ولا يتقدم على من هو أكبر منه، وإذا شرب يشرب بهدوء، ولا يتنفس في الإناء. وهذه الأخلاق قد ورد بها التوجيه من المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عمر بن أبي سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: كُنتُ غُلاماً في حِجْر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال لي: ((يا غُلام سمِّ الله، وكُلْ بِيَمينكَ، وكُلْ ممَّا يَليكَ)) (¬1). وينبغي للأبوين تعليم الأطفال أوقات الاستئذان على أبويهما، ما لم يبلغ الطفل الحلم، فإذا بلغ الحلم وجب عليه الاستئذان دائماً وأبداً، كلما أراد أن يدخل على أبويه، والأوقات التي يجب على الأبوين أن يرشدوا أطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم ثلاثة أوقات: 1 – من قبل صلاة الفجر. 2 – حين وضع الثياب من الظهيرة. 3 – من بعد صلاة العشاء. وما عدا هذه الثلاثة الأوقات فيجوز دخول الأطفال الصغار بدون استئذان، وكذلك الخدم، فإذا بلغ الأطفال الحلم وجب عليهم الاستئذان كلما أرادوا الدخول؛ لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأطعمة، باب التسمية على الطعام والأكل باليمين (رقم 5376)، وتقدم تخريجه.

وَمِن بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاء ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ الله لَكُمُ الآيَاتِ والله عَلِيمٌ حَكِيم} (¬1). فهذه الآداب الإسلامية التي تُكسِبَ من تمسك بها السعادة في الدنيا والآخرة، وينبغي ألا يتهاون بها وألاَّ تُهمَل، وتُضيَّع؛ فإن من ترك الآداب الإسلامية وتخلَّى عنها فقد أهملها، ويخشى عليه من الضلال والعياذ بالله. ¬

(¬1) سورة النور، الآية: 58.

المبحث الرابع عشر: تأديبهم بالأدب النبوي

المبحث الرابع عشر: تأديبهم بالأدب النبوي على الوالد أن يُؤدِّب أولاده، بالأدب النبوي، في جميع شؤون حياتهم: من عبادات، ومعاملات، وأخلاق، وآداب العبادة، وآداب كل شيء مباح: من الأعمال الدنيوية، وغيرها. ومن ذلك تعليمهم آداب قراءة القرآن الكريم، بحيث يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند القراءة، وأن يكون على طهارة. وتعليمهم آداب دخول المساجد، فقد ثبت عن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا دخل المسجد قال: ((أعُوذُ بالله العَظيمِ، وبِوَجْهِهِ الكَريم، وبِسُلطانِهِ القَديم مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيم)) قال: ((فإذا قَالَ ذَلك قال الشَّيطان: حفظَ مِنِّي سائِرَ اليَومِ)) (¬1). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول إذا دخل المسجد: ((بسمِ الله، اللهمَّ صَلِّ عَلى مُحمَّدٍ))، وإذا خرج قال: ((بسمِ الله، اللهمَّ صَلِّ عَلى مُحمَّدٍ)) (¬2). وعن أبي حُميد أو أبي أُسيد قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا دخل ¬

(¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب فيما يقول الرجل عند دخوله المسجد (رقم 466)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 136 - 137 رقم 466)، وفي صحيح الجامع (رقم 4715). (¬2) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة (رقم 88) وحسنه السيوطي كما ذكر المناوي في فيض القدير (5/ 129) وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4716). بينما حسنه في الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب (2/ 604)، وفي الكلم الطيب (رقم 64).

أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلْيَقُلِ: اللهم افتح لنا أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ، وإذا خَرَجَ فَلْيَقُلِ: اللهم إني أَسْأَلُكَ من فَضْلِكَ)) (¬1). ومن آداب دخول المسجد أن يدخل بالرِّجل اليمنى ويخرج باليسرى. ويعلمه آداب دخول المنزل بأن يقول دعاء الدخول، والخروج وآداب الاستئذان وغيره من الآداب الإسلامية، فيقول عند دخوله المنزل: ((اللهم إني أَسْأَلُكَ خَيْرَ الْمَوْلَجِ وَخَيْرَ الْمَخْرَجِ، بِسْمِ الله وَلَجْنَا، وَبِسْمِ اللَّهِ خَرَجْنَا، وَعَلَى الله رَبِّنَا تَوَكَّلْنَا، ثُمَّ لِيُسَلِّمْ على أَهْلِهِ)) (¬2). ويقول عند الخروج من المنزل: ((بسم الله، توكَّلتُ على الله، ولا حَوْلَ ولا قُوَّةَ إلا بالله، اللهمَّ إنِّي أعُوذُ بِكَ أن أضِلَّ أو أُضَل، أو أزِلَّ أو أُزَلّ، أو أظْلِم أو أُظْلَم، أو أَجْهَلَ أو يُجْهَل عليَّ)) (¬3). ويعلمه آداب النوم والاستيقاظ من النوم كذلك، فعن ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب ما يقول إذا دخل المسجد (رقم 713). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول (رقم 5096)، والطبراني في الكبير (3/ 296 رقم 3452) وفي مسند الشاميين (2/ 447 رقم 1674). وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 5096)، وفي الكلم الطيب (رقم 62)، بينما صححه في صحيح الجامع (رقم 839). (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب ما جاء فيمن دخل بيته ما يقول (رقم 5094)، والطبراني في الأوسط (3/ 34 رقم 2383) وفي الكبير (23/ 320 رقم 726)، وفي الدعاء (رقم 412)، والقضاعي (2/ 333 رقم 1469)، وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 38). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 252 رقم 5095).

حذيفة بن اليمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد أن ينام قال: ((باسْمِكَ اللهمَّ أمُوتُ وأحْيَا))، وإذا استيقظ من منامه قال: ((الحَمدُ لله الذي أحْيَانا بَعدَما أماتَنَا وإليْهِ النُّشُور)) (¬1). وغير ذلك من أدعية النوم والاستيقاظ. ويعلمه آداب سماع الأذان والقول مثل ما يقول المؤذن. وبعد انتهاء المؤذن يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويسأل الله له الوسيلة (¬2). ويعلمه كذلك دعاء الكرب والهم والحزن والالتجاء إلى الله ليغرس في قلبه الاعتماد على الله في الرخاء والشدة، فقد ثبت عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: ((لَا إِلَهَ إلا الله الْعَظِيمُ الْحَلِيمُ، لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، لَا إِلَهَ إلا الله رَبُّ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا نام (رقم 6312)، ومسلم عن البراء بن عازب - رضي الله عنه -، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع (رقم 2711). (¬2) فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((من قال حين يسمع النداء: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته، حلت له شفاعتي يوم القيامة)). أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الدعاء عند النداء (رقم 614)، وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليَّ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً، ثم سلوا الله لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة)). أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب الإمساك عن الإغارة على قوم في دار الكفر إذا سمع فيهم الأذان (رقم 384).

السماوات وَرَبُّ الأرضِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ)) (¬1). ويعلمه كذلك الدعاء عند لقاء العدو، فعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا خاف قوماً قال: ((اللهمَّ إنَّا نَجْعَلُكَ فِي نُحُورِهِمْ، ونَعُوذُ بِكَ مِنْ شُرُورِهِم)) (¬2). ويعلمه آداب ركوب الدابة، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجاً إلى سفر: ((يكبِّر ثلاثاً ثم يقول: سبحانَ الذِي سَخَّر لَنَا هَذا وما كُنَّا لهُ مُقرِنينَ، وإنَّا إلى رَبِّنَا لمنقَلِبونَ)) (¬3). ويعلمه آداب القيام من المجلس، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ جَلَسَ في مَجْلِسٍ فَكَثُرَ فيه لَغَطُه فقالَ قَبْلَ أنْ يَقومَ مِنْ مَجْلِسِهِ: سُبْحانَكَ اللهمَّ وبِحَمْدِكَ، أشْهَدُ أنْ لا إلهَ إلاَّ أنْتَ، أسْتَغْفِرُكَ وأتُوبُ إليْكَ إلا غُفِر له ما كان في مجلسه ذلك)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الدعوات، باب الدعاء عند الكرب (رقم 6346)، ومسلم، كتاب الذكر والدعاء والتوبة، باب دعاء الكرب (رقم 2730). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الوتر، باب ما يقول إذا خاف قوماً (رقم 1537)، والنسائي في سننه الكبرى (6/ 154 رقم 10437)، وابن حبان (11/ 82 رقم 4765)، والحاكم (1/ 154 رقم 2629)، وصححه وكذا صححه النووي في رياض الصالحين (ص 246). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 421 رقم 1537). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الحج، باب ما يقول إذا ركب إلى سفر الحج وغيره (رقم 1342). (¬4) أخرجه الترمذي، كتاب الدعوات، باب ما يقول إذا قام من المجلس (رقم 3433) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح. وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه (11/ 24 رقم 19796)، وابن أبي شيبة (6/ 41 رقم 29325)، والطبراني في الأوسط (2/ 54 رقم 1227). وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 414 رقم 3433).

وهذه الآداب النبوية الشريفة ينبغي للأب أن لا يسردها دفعة واحدة على الولد فيمل، ولكن يطبق أمامه، ويعلمه شيئاً فشيئاً، ومع طول الزمن وتتابع الليالي والأيام يصبح هذا العمل الطيب والآداب الحميدة - آداب الرسول - صلى الله عليه وسلم - خلقاً لهذا الولد وجِبلَّة له، فيكون من الذاكرين الله كثيراً؛ لأنه مربوط بآداب الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فعندما يدخل المسجد أو يخرج منه، وعند الدخول في المنزل والخروج منه، وعند النوم والاستيقاظ، وركوب الدابة، ودخول الخلاء والخروج منه، يفعل مثل ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل، ومن فعل هذه السنن والآداب فإنه يكون من الأولى أن يحافظ على الفرائض والواجبات، فيكون موفقاً في دنياه وأخراه، ويصبح من الرجال الصالحين الذين يفيدون والديهم ومجتمعهم المسلم إن شاءالله تعالى. * ... * ... *

المبحث الخامس عشر: العدل بين الأولاد

المبحث الخامس عشر: العدل بين الأولاد لقد كفلت الشريعة الإسلامية للأولاد حقوقاً كثيرة، من بينها حقوقهم في النسب والرضاعة والحضانة، كما تقدم، وأوجب على الوالدين العدل في المعاملة بين الأولاد: في الأمور المادية، والأدبية، ولا عجب في أن تأمر الشريعة بالعدل بين الأولاد، وهي التي أمرت بالعدل بين جميع الناس، وقد أمر الله تعالى بالعدل في أكثر من موضع في القرآن الكريم. قال تعالى: {إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون} (¬1). وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ الله كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} (¬2). فالله - سبحانه وتعالى - يدعو المؤمنين لأداء الأمانة، وهي القيام بالقسط المطلق، الذي يمنع البغي والظلم في الأرض، والذي يكفل العدل بين الناس، وإذا كان هذا النوع مطلوباً في حق سائر الناس؛ فإنه يتحتم القيام به في حق الولد من باب أولى؛ لأن على الوالدين أن ينهضا بواجب حسن التربية؛ ولهذا فإنه لا يحل لشخص أن يفضِّل ¬

(¬1) سورة النحل، الآية: 90. (¬2) سورة النساء، الآية: 135.

بعض أولاده على بعض في العطاء؛ لما يترتب على ذلك: من زرع العداوة، والبغضاء، وقطع الصلات التي أمر الله بها أن توصل، وإذا كان كل من الأبوين يسره أن يتسابق أولاده في بره، ويتنافسوا في احترامه وتوقيره؛ فإن على الآباء والأمهات العدل بين أولادهم: في الهدايا، والهبات، بل وفي الملابس والأدوات، وفي المداعبة، والنظرات، والتقبيل؛ لأن هذا أدعى إلى إيجاد المودة، ويبعث على التراحم (¬1). وقد جاءت السنة المطهرة بالشيء الكثير من هذا، فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - أن أباه أتى به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني نَحلْتُ ابني هذا غُلاماً، فقال: ((أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْله؟)) قال: لا، قال: ((فارْجِعْهُ)) (¬2). وفي رواية أخرى عند البخاري عن عامر قال: سمعت النعمان بن بشير رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وهو على المنبر يقول: أعطاني أبي عطية، فقالت عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية، فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله، فقال: ((أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثلَ هَذَا؟)) قال: لا، قال: ((فاتَّقُوا الله واعْدِلُوا بَيْنَ أوْلادِكُمْ)) قال: فرَجَعَ ¬

(¬1) الطفل في الشريعة الإسلامية (ص 182). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الهبة، باب الهبة للولد (رقم 2856)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623).

فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ (¬1). وفي رواية لمسلم: ((أكلّ بَنِيكَ نَحَلتَ؟)) قال: لا، قال: ((فاردُدْهُ)) (¬2). وفي رواية لمسلم: ((أفَعَلْتَ هذَا بِوَلَدِكَ كُلّهم؟)) قال: لا، قال: ((اتَّقُوا الله واعْدِلُوا في أولادَكمْ)) (¬3). وفي رواية لمسلم أيضاً: ((يا بشير، ألَكَ وَلَدٌ سِوَى هَذا؟)) قال: نعم، فقال: ((أكُلّهم وَهَبْتَ لَهُ مِثلَ هَذا؟)) قال: لا، قال: ((فلا تُشْهِدُني إذاً فإنِّي لا أشْهَدُ عَلى جوْرٍ)) (¬4). وفي رواية لمسلم أيضاً: ((أكُلّ بَنِيكَ قَدْ نحَلْتَ مِثلَ النُّعمانِ؟)) قال: لا، قال: ((فأشْهِد عَلى هَذَا غَيرِي)) ثم قال: ((أيَسُرُّكَ أنْ يَكونُوا إليْكَ في البرِّ سَواء؟)) قال: بلى، قال: ((فلا إذاً)) (¬5). وفي رواية لمسلم أيضاً: ((أكُلّ وَلَدِكَ أعْطَيتَهُ هَذا؟)) قال: لا، قال: ((ألَيْسَ تُريدُ مِنهم البرَّ مِثلَ ما تُريدُ منْ ذَا؟)) قال: بلى، قال: ((فإنِّي لا أشْهَد)) (¬6). وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يرفعه: ((سَوُّوا بينَ أوْلادَكُم في العَطِيَّةِ، ¬

(¬1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة، باب الإشهاد في الهبة (رقم 2587)، ومسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623) (10). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623) (13). (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623) (14). (¬5) أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623) (17). (¬6) أخرجه مسلم، كتاب الهبات، باب كراهة تفضيل بعض الأولاد في الهبة (رقم 1623) (18).

فلوْ كُنْتُ مُفَضِّلاً أحَداً لَفَضَّلتُ النِّساءَ)) (¬1). فمن هذه الروايات الصحيحة وغيرها يجب على الأب أن يعدل بين أولاده كما يجب عليه أن يعدل في كل أموره، وفي كل شيء، فإن الله - سبحانه وتعالى - يحب المقسطين. * ... * ... * ¬

(¬1) أخرجه البيهقي في سننه الكبرى (6/ 177 رقم 11780)، والطبراني في الكبير (11/ 354 رقم 11997)، والديلمي في الفردوس (2/ 308 رقم 3391)، وحسن إسناده الحافظ ابن حجر في فتح الباري (5/ 214)، وتبعه في تحسينه كل من المباركفوري في تحفة الأحوذي (4/ 507)، والزرقاني في شرحه على موطأ مالك (4/ 54)، بينما نقل ابن الملقن في خلاصة البدر المنير (2/ 120 – 121) تضعيف ابن الجوزي. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 3215)، والسلسلة الضعيفة (1/ 514 رقم 340).

المبحث السادس عشر: الحلم والرفق بهم

المبحث السادس عشر: الحلم والرفق بهم على الأب أن يكون حليماً في تربيته لأولاده، وأن يكون رفيقاً بهم، وألاَّ يكون قاسياً شديداً، فلقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أرحم الناس وأكرمهم، وهو الذي كان يُقبِّل الحسن والحسين، وكان - صلى الله عليه وسلم - بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قَبَّل الحسن بن علي، وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبلت أحداً منهم، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: ((مَنْ لا يَرحَمُ لا يُرحَمُ)) (¬1). وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا عائشةُ إنَّ الله رَفِيقٌ يُحبُّ الرِّفْقَ، ويُعْطِي على الرَّفقِ ما لا يُعْطِي علَى العُنْفِ)) (¬2). وعن المقداد بن شريح عن أبيه قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن البداوة؟ فقالت::كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبدو إلى هذه التِّلاع (¬3)، وإنه أراد البداوة مرة فأرسل إليَّ ناقة محرَّمة (¬4) من إبل الصدقة، فقال لي: ((يا عائِشَةُ، ارفِقِي فإنَّ الرِّفْقَ لم يَكُنْ في شيءٍ قَطّ إلا زَانَهُ، ولا نُزِعَ من شيءٍ قطّ إلا شَانَهُ)) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته (رقم 5997)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال وتواضعه وفضل ذلك (رقم 2318) .. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (رقم 2593). (¬3) التلاع: مسايل الماء من علو إلى سفل، واحدها تلعة. قاله ابن الأثير في النهاية (1/ 194). (¬4) محرمة: هي التي لم تركب ولم تذلل. قاله ابن الجوزي في غريب الحديث (1/ 208). (¬5) أخرجه أبو داود، كتاب الجهاد، باب ما جاء في الهجرة وسكنى البدو (رقم 2478)، وابن حبان (2/ 310 رقم 550)، وأحمد (6/ 112)، وابن أبي شيبة (5/ 209 رقم 25304). وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 89 رقم 2478): صحيح دون جملة التلاع.

وعن جرير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الخَيْرَ كُلَّهُ)) (¬1). وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه عليه الصلاة والسلام قال: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمَهُم الرَّحْمنُ، ارْحَمُوا مَنْ في الأرضِ يَرْحَمَكُمْ مَنْ في السَّماءِ)) (¬2). ويؤخذ مما تقدم أن الرفق من أخلاق العظماء وأخلاق الرجال الذين يقتدون ويتبعون خير خلق الله محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فهو الذي قال: ((لمْ يَكُنْ الرِّفقُ في شَيءٍ قَط إلا زَانَهُ، ولا نُزِعَ مِن شيءٍ قَط إلا شَانَهُ)) فعلى الأب أن يرفق بأولاده وأهله، وأن يعاملهم بالتي هي أحسن، فلا يكون بالشديد ولا يكون بالسهل الهيِّن؛ حتى يركب أولاده على عاتقه وتقلّ هيبته، لكن خير الأمور أوسطها، وفي الغالب أن الأولاد يعملون ما يعمل أبوهم. وقد قال بعض الشعراء: إذا كان ربّ البيت بالدُّف ضارباً ... فشيمةُ أهلِ البيت كلهم الرقص (¬3) ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق (رقم 2592). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في الرحمة (رقم 4941)، والترمذي كتاب البر والصلة، باب ما جاء في رحمة المسلمين (1924)، والبيهقي في الكبرى (9/ 41 رقم 17683)، وابن أبي شيبة (5/ 214 رقم 25355)، والحميدي في مسنده (2/ 269 رقم 591)، والطبراني في الأوسط (9/ 23 رقم 9013)، وأحمد (2/ 160)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 212 رقم 4941). (¬3) هذا البيت من بحر الطويل، وينسب إلى محمد بن عبيد الله بن عبد الله المعروف بسبط ابن التعاويذي شاعر العراق في عصره، المتوفى سنة 583هـ.

ومعنى ذلك أن صاحب البيت المسؤول عن الأسرة يعمل أي عمل ويهتم به؛ فإنَّ أسرته تقلِّده وتتبع أثره، وقد شاهدنا رجالاً صالحين يُصلُّون ونرى أبناءهم الصغار ينظرون إليهم ويرفعون رؤوسهم ويخفضون، يريدون تقليد آبائهم في صلاتهم، فهذا الواقع ملموس بالمشاهدة، وبالعكس نرى الرجال الذين عندهم نوع من الانحراف والخمول عندما يشربون السجائر، نرى أبناءهم يعمدون إلى أخذ أقلاماً أو أعواداً صغيرة ويجعلونها في أفواههم، وكأنَّهم يشربون الدخان! كل ذلك لأنهم شاهدوا آباءهم، فأرادوا تقليدهم!! فيجب على الأب أن يحافظ على السلوك، والأخلاق الحميدة، ويكون رفيقاً، رحيماً، قدوة لأولاده في كل خير. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} (¬1). فعلى هذا يجب على ولي الطفل أو المربِّي أن يكون رفيقاً في الأمور التي يحب الله الرفق فيها، ولا يكون رفيقاً في الأمور التي يغضب الله التهاون بها والتكاسل؛ فإنه يجب على كل مسلم أن يجعل أعماله موافقة لشرع الله - عز وجل -. والتوجيهات الإسلامية التي ذكرت بعضاً منها في لين الجانب ¬

(¬1) سورة التحريم، الآية: 6.

وحسن القول، وفضيلة المعاملة والحلم والرفق، من صفات المؤمنين؛ لأنهم كالجسد الواحد في توادهم وتراحمهم، فالجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. فيجب على الآباء خاصة، وعلى المسلمين عامة الالتزام بالرفق.

المبحث السابع عشر: الرحمة بالأولاد

المبحث السابع عشر: الرحمة بالأولاد الرحمة بالأولاد والتبسط معهم، من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فهو القدوة العظمى والمربي الأول، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً، وهو الذي قال الله في شأنه: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (¬1). وقد قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ يُحرَمَ الرِّفْق يُحْرَمَ الخَير كلُّه)) (¬2). وقال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل ومعه صبي، فجعل يضمه إليه، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((أتَرْحَمَه؟)) قال: نعم، قال: ((فالله أْرحَمُ بِكَ مِنْكَ بهِ، وهوَ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ)) (¬4). وعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: جاءت امرأة إلى عائشة رضي الله عنها فأعطتها عائشة ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيان التمرتين، ونظرا إلى أمهما، فعمدت الأم إلى التمرة فشقَّتها، فأعطت كل صبي نصف تمرة، فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبرته عائشة، فقال: ((ومَا يُعجِبُكِ مِنْ ذلكَ؟ لَقَدْ رَحِمَها الله بِرَحْمَتِها صَبِيَّيها)) (¬5). وكان عليه الصلاة والسلام إذا رأى طفلاً ¬

_ (¬1) سورة القلم، الآية: 4. (¬2) أخرجه مسلم (رقم 2592) وتقدم تخريجه. (¬3) أخرجه البخاري (رقم 5997)، وتقدم تخريجه. (¬4) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم 377)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 422 رقم 7134)، والنسائي في النعوت والأسماء والصفات (ص 308)، وفي جزء إملاء النسائي (رقم 2). وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (رقم 377). (¬5) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم 89)، والحاكم (4/ 196 رقم 7349) وصححه. وكذا صححه الألباني في صحيح الأدب المفرد (رقم 89). بينما أخرج الحديث مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله قد أوجب لها بها الجنة أو أعتقها بها من النار. صحيح مسلم (رقم 148 - [2630]. وأخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت عليَّ امرأة معها ابنتان لها تسألني، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرةٍ واحدة، فأعطيتها إيَّاها، فقسمتها بين ابنتيها، ولم تأكل منها شيئاً، ثم قامت فخرجت فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم - علينا، فأخبرته، فقال: ((من ابتُليَ من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كُنَّ له ستراً من النار)). [البخاري كتاب الزكاة، باب اتقوا النار ولو بشق تمرة، برقم 1418، وفي كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، برقم 5995. وأخرجه مسلم بهذا اللفظ أيضاً برقم 147 - [2629].

يحتضر وأوشكت أن تفيض روحه، فاضت عيناه بالدموع: حزناً، وعطفاً على الصغار، وتعليماً للأمة فضيلة العطف والرحمة، فعن أسامة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أرسلت بنت النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبيها إن ابني قد احتضر، فاشهدنا، فأرسل عليه الصلاة والسلام يقرئها السلام، ويقول: ((إنَّ للهِ ما أخَذَ ولهُ ما أعْطَى، وكلّ شيءٍ عِنْدَهُ بأجَلٍ مُسَمًّى، فَلْتَصْبِر ولتَحْتَسِب)) فأرسلت إليه تُقسم عليه ليأتينها، فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال رضي الله عنهم، فرُفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - الصبي، فأقعده في حجره ونفسه تقعقع، ففاضت عيناه، فقال سعد: يا رسول الله، ما هذا؟ قال: ((هذِهِ رحَمَةٌ جَعَلها الله في قُلُوبِ عِبَادهِ، وإنَّما يَرْحَمُ الله مِنْ عِبادِهِ

الرُّحَمَاء)) (¬1). وتسلية الرسول - صلى الله عليه وسلم - لأخي أنس حين قال له - صلى الله عليه وسلم - وهو يداعبه ويُسلِّيه: ((يا أبا عُمَيْرٍ ما فَعَلَ النُّغَيرُ)) (¬2). هذه نماذج قليلة جداً من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فينبغي لكل مسلم أن يقتدي به في أفعاله ومعاملته وكل شؤون حياته - صلى الله عليه وسلم -. * ... * ... * ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجنائز، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: يعذب الميت ببعض بكاء أهله عليه (رقم 1284)، ومسلم، كتاب الجنائز، باب البكاء على الميت (رقم 923). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الانبساط إلى الناس (رقم 6129)، ومسلم، كتاب الأدب، باب استحباب تحنيك المولود عند ولادته وجواز تسميته يوم ولادته (رقم 2150).

المبحث الثامن عشر: التلطف بالأطفال وإدخال السرور عليهم

المبحث الثامن عشر: التلطف بالأطفال وإدخال السرور عليهم وَصَلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - إلى الدرجة العليا في الكمال البشري في جميع المجالات، ومن هذه الأخلاق العظيمة أخلاقه مع الأطفال التي ضرب فيها المثل الأعلى، ولا يصل إلى درجته أحد من خلق الله تعالى، لا علماء النفس، ولا غيرهم؛ ولكن مع ذلك المسلم يُلْزِمُ نفسه على حسب قدرته بالاقتداء بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن هذا تلطفه ومداعبته الكريمة للأطفال، ومن ذلك على سبيل المثال والإيجاز ما يأتي: المثال الأول: مداعبته - صلى الله عليه وسلم - محمود بن الرُّبيع: قال محمود - رضي الله عنه -: ((عَقلتُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلوٍ)) (¬1)، وقوله - رضي الله عنه -: عقلت: أي حفظت، ومجةً: المجُّ هو إرسال الماء من الفَمِ، ولا يُسمَّى مجًّا إلا إذا كان عن بُعدٍ، وفعل ذلك - صلى الله عليه وسلم - إمَّا مداعبةً أو ليُبارك عليه كما كان ذلك شأنه مع أولاد الصحابة (¬2)، قال شيخنا ابن باز رحمه الله: وهذا من باب المداعبة وحسن الخلق (¬3). المثال الثاني: ملاطفته ومداعبته - صلى الله عليه وسلم - لجملة من الأطفال: عن جابر بن سَمُرة - رضي الله عنه -، قال: ((صليتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة ¬

(¬1) البخاري، كتاب العلم، باب متى يصح سماع الصغير، برقم 77، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر، برقم 265 – (33). (¬2) فتح الباري لابن حجر، 1/ 172. (¬3) سمعته منه أثناء تقريره على صحيح البخاري، الحديث رقم 77.

المثال الثالث: ملاطفته - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين في مواقف كثيرة:

الأُولى ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاستقبلهُ وِلدانٌ فجعل يمسح خدَّيْ أحدهم واحداً واحداً، قال: وأما أنا فمسح خدَّيَّ فوجدت لِيَدِهِ برداً أو ريحاً، كأنما أخرجها من جؤنة (¬1) عطّار)) (¬2). المثال الثالث: ملاطفته - صلى الله عليه وسلم - الحسن والحسين في مواقف كثيرة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قبَّل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الحسن بن عليٍّ وعنده الأقرع بن حابسٍ التميمي جالساً، فقال الأقرع: إن لي عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «من لا يَرْحم لا يُرحم» (¬3). وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: جاء أعرابيٌّ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: تُقَبِّلون صبيانكم فما نُقَبِّلُهُم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: «أَوَ أَمْلِكُ لَكَ أن نَزَعَ اللهُ من قلبك الرحمة» (¬4)، والمعنى: لا أقدر أن أجعل الرحمة في قلبك بعد أن نزعها الله منه (¬5). والحسن والحسين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا من أحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ... وسمعتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: «هُمَا ريحانتاي من الدنيا» (¬6)، والمعنى: أنهما مما أكرمني الله وحباني به؛ لأن ¬

(¬1) والجؤنة: السفط الذي فيه متاع العطار. (¬2) مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولين مسه، والتبرك بمسحه، برقم 2329. (¬3) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، برقم 5997. (¬4) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، برقم 5998، ومسلم، كتاب الفضائل، باب رحمته - صلى الله عليه وسلم - الصبيان والعيال، وتواضعه، وفضل ذلك، برقم 2317. (¬5) فتح الباري لابن حجر، 10/ 430. (¬6) البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، برقم 5994.

المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد:

الأولاد يُشمّون ويُقبَّلون، فكأنهم من جملة الرياحين، وقوله «من الدنيا» أي نصيبي من الريحان الدنيوي (¬1). وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر والحسن إلى جنبه ينظر إلى الناس مرة وإليه مرة، ويقول: «إن ابني هذا سيد، ولعلَّ الله أن يُصلِحَ به بين فئتين عظيمتين من المسلمين» (¬2). وقد أصلح الله به بين معاوية ومن معه وأتباع علي بن أبي طالب ومن معه فتنازل عن الخلافة لمعاوية فحقن الله تعالى به دماء المسلمين (¬3). وعن البراء - رضي الله عنه - قال: رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - والحسن بن عليٍّ على عاتقه يقول: «اللهم إني أُحِبُّه فأَحِبَّه» (¬4). المثال الرابع: ركوب الصبي على ظهره - صلى الله عليه وسلم - وهو ساجد: عن شدَّادٍ - رضي الله عنه - قال: خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس؛ ليصلي بهم إحدى صلاتي العشاء وهو حامل حسناً أو حسيناً فتقدَّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلَّى، فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، قال أَبِي: فرفعت رأسي وإذا الصبي على ظهر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو ساجد، فرجعتُ إلى سجودي، فلمَّا قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الصلاة قال الناس: يا ¬

(¬1) فتح الباري لابن حجر، 10/ 427. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، برقم 3746. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الصلح، باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - للحسن بن علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، برقم 2704. (¬4) البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، برقم 3749.

المثال الخامس: محبته - صلى الله عليه وسلم - لأسامة:

رسول الله! إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظنَنّا أنه قد حدث أمر أو أنه يُوحى إليك، قال: «كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني، فكرهت أن أُعَجِّلَهُ حتى يقضي حاجته» (¬1). المثال الخامس: محبته - صلى الله عليه وسلم - لأُسامة: عن أسامة بن زيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأخذني فَيُقْعِدُني على فخذه ويُقعد الحسن بن علي على فخذه الآخر ثُمَّ يضمُّهما ثم يقول: «اللهم ارحمهما فإني أرحمهما»، وفي رواية: «اللهم إني أُحبُّهما فأَحبَّهما» (¬2). المثال السادس: حَمْلُهُ - صلى الله عليه وسلم - بنت زينب وهو يصلي: فعن أبي قتادة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي وهو حاملٌ أمامة بنت زينب، بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بنت أبي العاص، فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها (¬3). ¬

(¬1) أخرجه النسائي، كتاب التطبيق، باب هل يجوز أن تكون سجدة أطول من سجدة، برقم 1142، وصححه الألباني في صحيح النسائي (1/ 371 رقم 1140)، ومسند أحمد 25/ 420، برقم 16033. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب وضع الصبي على الفخذ، برقم 6003، وكتاب فضائل الصحابة، باب مناقب الحسن والحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، برقم 3747، وكتاب فضائل الصحابة، باب ذكر أسامة بن زيد رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا 3735. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الصلاة، باب إذا حمل جارية صغيرة على عنقه في الصلاة، برقم 516، وكتاب الأدب، باب رحمة الولد وتقبيله ومعانقته، رقم 5996، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب جواز حمل الصبيان في الصلاة، برقم 543.

المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

المثال السابع: مداعبة أم خالد باللغة الحبشية: فعن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت: ((أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أبي وعليَّ قميص أصفر، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «سَنَه سَنَه» قال عبد الله الراوي: وهي بالحبشية: حسنة، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي (¬1)، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «دعها» ثم قال: «أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي ثم أبلي وأخلقي» قال عبد الله فبقيت حتى ذكر)) (¬2)، والمعنى فبقيت حتى ذكر الراوي من بقائها أمداً طويلاً، وقيل: لم تعش امرأة مثلما عاشت أم خالد (¬3). المثال الثامن: تخفيفه - صلى الله عليه وسلم - الصلاة عند بكاء الصبي: كان يخفف الصلاة إذا سمع بكاء الصبي رحمة لأمه وشفقة عليها وعليه، - صلى الله عليه وسلم -، فعن أبي قتادة، عن أبيه رضي الله عنهما، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إِنِّي لأقوم في الصلاة أُريد أن أُطوِّل فيها فأسمع بكاء الصّبيِّ؛ فأتجوَّز في صلاتي كراهية أن أشقّ على أُمِّه» (¬4). المثال التاسع: سلامه - صلى الله عليه وسلم - على الصبيان: فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه مرَّ على صبيان فسلم عليهم، وقال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله (¬5). ¬

(¬1) زبرني: أي نهرني وزجرني. انظر: المصباح المنير، 1/ 250. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من تكلم بالفارسية والرطانة، برقم 3071. (¬3) فتح الباري لابن حجر، 1/ 184. (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الأذان، باب الإيجاز في الصلاة وإكمالها، برقم 707. (¬5) البخاري، كتاب الاستئذان، باب التسليم على الصبيان، برقم 6247، ومسلم، كتاب السلام، باب استحباب السلام على الصبيان، برقم 2168.

المثال العاشر: مداعبته - صلى الله عليه وسلم - لأبي عمير:

المثال العاشر: مداعبته - صلى الله عليه وسلم - لأبي عُميرٍ: فعن أنس - رضي الله عنه -، قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلقاً، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عُمير – أحسبه فَطِيماً – وكان إذا جاء - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟» (¬1) نُغرٌ كان يلعبُ به، أي طير صغير كان يلعب به أبو عمير، فمات النُّغير، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - حزيناً على النغير، فداعبه - صلى الله عليه وسلم - (¬2). المثال الحادي عشر: إعطاؤه - صلى الله عليه وسلم - الصبي قبل الأشياخ؛ لأ نه عن يمينه: أعطى - صلى الله عليه وسلم - الشراب لغلام صغير عن يمينه قبل الأشياخ، فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلامٌ أصغر القوم، والأشياخ عن يساره فقال: «يا غلام أَتَأْذَنُ لِي أَن أُعطيه الأشياخ؟» قال: ما كنت لأوثر بفضلي منكَ أحداً يا رسول الله! فأعطاه إياه. وفي رواية: «أَتَأْذَنُ لي أن أُعطِيَ هؤلاء؟» فقال الغلامُ: لا واللهِ يا رسول الله، لا أُوثِرُ بنصيبي منك أحداً، قال: فَتَلَّهُ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - في يده (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل، برقم 6203. (¬2) فتح الباري لابن حجر، 10/ 583. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب المساقاة (الشرب)، باب في الشرب ومن رأى صدقة الماء وهبته ووصيته جائزة، مقسوماً كان أو غير مقسوم، برقم 2351، وكتاب المظالم، باب إذا أذن له أو أحله، ولم يبين كم هو، برقم 2451.

المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره - صلى الله عليه وسلم -:

المثال الثاني عشر: بول الصبيان في حجره - صلى الله عليه وسلم -: فعن أمِّ قيس بنت مِحصنٍ أنها أتت بابنٍ لها لم يأكل الطعام إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأجلسه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجره، فبال على ثوبه، فدعا بماءٍ فنضحه ولم يغسله (¬1). وغير هذه المواقف كثيرةٌ جداً. * ... * ... * ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الوضوء، باب بول الصبيان، برقم 223.

المبحث التاسع عشر: مصاحبتهم بعد البلوغ

المبحث التاسع عشر: مصاحبتهم بعد البلوغ بعد أن بذل الوالد جهده في تربيته لأولاده: من المهد، فالطفولة المبكرة، فالطفولة المتأخرة، فالمراهقة من سن الثانية عشر إلى إحدى وعشرين كما يقوله علماء النفس، فقد أدى ما كان واجباً عليه من رعاية: عقلية، وتربية ماديَّة، وأدبيّة، وصحيّة، وغير ذلك؛ فإنه بعد البلوغ من الأحسن أن يصاحبه ويعتبره رجلاً ويحمله المسؤولية ويناصحه، ولا يَعْنِي هذا أن يتركه بعد البلوغ ولا يرشده إلى أمور دينه ودنياه، بل عليه أن يلازمه حتى ولو بعد البلوغ، ويرشده إلى كل خير. وقد قص القرآن الكريم قصصاً من إرشاد الآباء الصالحين وتوجيههم إلى كل خير، وتحذيرهم من كل شر، قال تعالى عن لقمان: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} (¬1)، يخبر تعالى عن وصية لقمان لابنه، أوصاه أولاً بأن يعبد الله وحده ولا يشرك به أحداً، ثم قال محذراً له: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم}. وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: لما نزلت {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} شق ذلك على أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا: أيُّنا لم يلبس إيمانه بظلم؟، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّهُ لَيْسَ بذلكَ، ألا تَسمَعُ إلى قولِ لقمان: {يَا بُنَيَّ لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ ¬

(¬1) سورة لقمان، الآية: 13.

عَظِيم})) (¬1). ثُم قَصَّ الله - سبحانه وتعالى - وصية أخرى للقمان لابنه، قال سبحانه وتعالى: {يَابُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا الله إِنَّ الله لَطِيفٌ خَبِير * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور * وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِير} (¬2). هذه وصايا نافعة قد ذكرها الله - سبحانه وتعالى - عن لقمان الحكيم، ليمتثلها الناس ويقتدوا بها، فلقمان أرشد ابنه إلى أن المظلمة أو الخطيئة لو كانت مثقال حبة من خردل يُحضرها الله يوم القيامة ويجازي عليها إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، كقوله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} (¬3). ومهما كانت الذرة خافية يأتي بها من لا تخفى عليه خافية، وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِير} أي لطيف العلم بالأشياء، وخبير بكل شيء، حتى دبيب النمل في الليل البهيم، وكل مخلوق يُرى وما لا يُرَى. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب التفسير، باب {لا تُشْرِكْ بالله إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} (رقم 4776)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب صدق الإيمان وإخلاصه (رقم 124). (¬2) سورة لقمان، الآيات: 17 – 19. (¬3) سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8.

ومن وصايا لقمان لابنه ما ذكر عنه:

ثم أوصى لقمان ابنه بإقام الصلاة: ومعنى إقامتها بفروضها، وحدودها، وأركانها، وأوقاتها، وواجباتها، وأوصاه أن يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، حسب الاستطاعة، ويصبر على ما أصابه؛ لأن الداعي إلى الله تعالى لا بد أن يناله الأذى، والصبر على أذى الناس من العزائم التي يوهبها الله لأهل دعوته. ثم نهى لقمان ابنه عن الكبر، وتصعير الخدّ، أي لا يعرض بوجهه عن الناس إذا كلمهم أو كلموه، احتقاراً منه لهم، واستكباراً عليهم، ونهاه ألا يمشي في الأرض مرحاً، والله لا يحب كل معجب بنفسه فخور على غيره، واقصد في مشيك: لا بطيئاً ولا مسرعاً، واغضض من صوتك: أي لا ترفع صوتك فيما لا فائدة فيه؛ فإنَّ أنكر الأصوات صوت الحمير، فهذه وصايا نافعة من قصص القرآن الكريم عن لقمان الحكيم. ومن وصايا لقمان لابنه ما ذُكِرَ عنه أنه قال له: 1 - يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك. 2 - يا بني إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام (يعني السلام)، ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق، حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في ذكر الله فاجعل سهمك معهم، وإن أفاضوا في غير ذلك فتحول عنهم إلى غيرهم (¬1). ¬

(¬1) تفسير ابن كثير (3/ 448).

وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ((كَانَ رَسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقاً)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: سُئل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ فقال: ((تَقْوى الله وحُسْن الخُلُق)). وسُئل عن أكثر ما يدخل الناس النار؟ فقال: ((الأجْوَفانِ: الفَمُ والفَرْجُ)) (¬2). وعن أنس - رضي الله عنه - أنه ذُكِر مرفوعاً: ((ذَهَبَ حُسْنُ الخُلق بخَيرِ الدُّنيا والآخِرة)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل (رقم 6203)، ومسلم، كتاب المساجد، باب جواز الجماعة في النافلة والصلاة على حصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات (رقم 659). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد (رقم 289) وابن حبان (2/ 224 رقم 476)، والحاكم (4/ 360 رقم 7919)، وأحمد (2/ 392)، والقضاعي في مسند الشهاب (2/ 137 رقم 1050)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 235 رقم 4914)، وابن المبارك في الزهد (رقم 1073)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (رقم 170)، وفي الورع (رقم 135)، وفي الصمت (رقم 4)، وفي مداراة الناس (رقم 76)، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد ص 123، برقم 222/ 289. (¬3) أخرجه الطبراني في الكبير (23/ 222 رقم 411)، وعبد بن حميد (رقم 1212)، والديلمي في الفردوس (2/ 247 رقم 3163)، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول (2/ 312)، وابن أبي الدنيا في التواضع والخمول (رقم 169)، وابن عدي في الكامل (5/ 347)، والعقيلي في الضعفاء (2/ 171 رقم 688)، قال ابن الجوزي في العلل المتناهية (2/ 650): هذا حديث لا يصح. وقال الرازي في علل الحديث (1/ 416 رقم 1252)، قال أبي: هذا حديث موضوع، لا أصل له. وقال الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 190 رقم 1604): منكر.

المبحث العشرون: تعليمهم اختيار الجليس الصالح والصاحب الصالح

المبحث العشرون: تعليمهم اختيار الجليس الصالح والصاحب الصالح إن الشريعة الإسلامية قد أرشدت معتنقيها إلى كل فضيلة تعود بالخير عليهم في دنياهم وأخراهم، فلا نجد أمراً من أمور البشرية يهمها ويسعدها إلا وقد جاء الإسلام بحكم واضح فيه، ويكون هذا الحكم شافياً كافياً، فقد شرع الإسلام اختيار الجليس الصالح، فمن هنا يجب على الآباء إرشاد أبنائهم إلى مجالسة الصالحين والتزام مجالسهم؛ فإن الصالح لا يأتي إلا بخير، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -: ((المرءُ عَلى دِينِ خَلِيْلِهِ، فَلْيَنظُر أحَدَكُمْ مَنْ يُخَالل)) (¬1). فينبغي لأب الطفل وأمه كذلك أن يلحقا أولادهما برفقة صالحة وإبعادهم عن رفقاء السوء. وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السُّوْءِ كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ، لَا يَعْدَمُكَ من صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أو تَجِدُ رِيحَهُ، وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أو ثَوْبَكَ أو تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً)) (¬2). فالرسول - صلى الله عليه وسلم - أرشدنا إلى أن الرجل على دين خليله، وأن الجليس السوء مثل حامل الكير: إما أن يجد منه الإنسان ريحاً خبيثة، وإما أن يحرق ثيابه. أما حامل المسك، فإنه لا يجد منه ¬

(¬1) أخرجه الترمذي (رقم 2378)، وسبق تخريجه. (¬2) أخرجه البخاري (رقم 2101)، ورقم (5534)، وسبق تخريجه.

صاحبه إلا رائحة طيبة أو يشتري منه مسكاً، فعلى الآباء أولاً إرشاد أبنائهم وأقاربهم وإخوانهم الشباب وغيرهم إلى مجالسة الصالحين، وتحذيرهم من مجالسة الفساق والعاصين؛ فإنهم إذا جالسوا الصالحين فسوف يعينونهم على الحق، ويذكِّرونهم إذا نسوا. أما أهل الفسق والضلال فإنه لا يأتي منهم إلا شر ولا يعملون إلا فجوراً وعصياناً والعياذ بالله، وقد أخبرنا الله - سبحانه وتعالى - بالذي يَعضّ على يديه يوم القيامة ويذكر سبب ذلك أنه: كان جليسه، وخليله، وصديقه الذي كان يرشده ويهديه إلى: الفسق، والكفر، والعصيان، قال - عز وجل -: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً* يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} (¬1). يخبر تعالى عن ندم الظالم الذي فارق طريق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به من عند الله من الحق المبين الذي لا مرية فيه، وسلك طريقاً أخرى غير سبيل الرسول، فإذا كان يوم القيامة ندم حيث لا ينفعه الندم (¬2). وقد قال الله - عز وجل -: {الأَخِلاَّء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِين} (¬3). فنأخذ مما تقدم أن الخليل يتحسَّر على ما فعل مع خليله، الذي يعلم أنه لم يردُّه عن طريق الحق إلا هذا الخليل الضال، فقد ردَّه ¬

(¬1) سورة الفرقان، الآيات: 27 – 29. (¬2) تفسير ابن كثير (3/ 318). (¬3) سورة الزخرف، الآية: 67.

من طريق: الحق، والهدى، إلى طريق الباطل، والزور، ومن طريق النور، إلى طريق الظلام الدامس، وردّه من الإيمان إلى الكفر والجحود، فندم حين لا ينفع الندم، فيجب على الآباء إرشاد أبنائهم وتوجيههم إلى مجالسة الأخيار والبعد عن الأشرار. فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرءُ مَعَ مَنْ أحبَّ، ولهُ ما اكْتَسَب)) (¬1). فالواجب على كل مسلم أن يأخذ بالتوجيهات التي وردت في الكتاب والسنة، حتى تصح أحوال أبنائهم، وتسمو أخلاقهم، ويظهر في المجتمع أدبهم وحتى يكونوا في الأمة أداة خير ودعاة إصلاح، ودعاة هداية، فيصلح المجتمع بصلاحهم، وتفخر الأمة: بكريم فعالهم، وجميل صفاتهم (¬2). ومن أسباب صلاح الذريّة: تزويج الأبناء بزوجات صالحات، وتزويج البنات بأزواج صالحين؛ لأن الزوج الصالح جليس صالح، والزوجة الصالحة جليسة صالحة، والدعاء للأولاد من القلب واللسان بصدق وإخلاص، والحذر من دعاء الوالدين على أولادهما؛ لأن دعوة الوالد على ولده مستجابة. * ... * ... * ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء أن المرء مع من أحب (رقم 2386) وقال: هذا حديث حسن غريب. قال الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 559 رقم 2386): صحيح بلفظ: «أنت مع من أحببت، ولك ما احتسبت». (¬2) تربية الأولاد في الإسلام عبد الله علوان (ص 160).

المبحث الحادي والعشرون: فوائد التربية الحسنة

المبحث الحادي والعشرون: فوائد التربية الحسنة أولاً: بر الوالدين: بعد الجهد الطويل لهذا الأب والتربية الصالحة إذا كان صالحاً فإنه سوف يجني ثمرات جهده، وسوف يحصل إن شاءالله على أولاد صالحين، يبرُّونه في حياتهم بإطاعتهم له، ومحافظتهم على أوامر اللَّه تبارك وتعالى، ففي حياة هذا الأب يجد أولاداً صالحين، بارّين بأمهم وأبيهم، رحماء بينهم، وقد قال القائل: وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... على ما كان عوده أبوه (¬1) وبعد موت الأب يدعون له ويستغفرون له، وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذَا مَاتَ الإنسانُ انْقَطعَ عَمَلُهُ إلاَّ مِنْ ثلاثةٍ: إلا من صَدَقَةٍ جَاريةٍ، أو عِلمٍ يُنْتَفعُ به، أو ولدٍ صالِحٍ يَدعُو لهُ)) (¬2). فهذا من فضل اللَّه على كل من له ولد صالح؛ فإنه سوف يبرّه في حياته، وبعد موته، والقرآن الكريم والسنة فيهما الكثير من هذا، قال الله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ ¬

(¬1) هذا البيت من بحر الوافر، وينسب إلى أبي العلاء المعري الشاعر والفيلسوف، ولد ومات في معرة النعمان، كان نحيف الجسم، أصيب بالجدري وهو صغير فعمي في السنة الرابعة من عمره، كان يحرم لحم الحيوان فلم يأكل اللحم خمساً وأربعين سنة وكان يلبس خشن الثياب، مات سنة 449هـ. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الوصية، باب ما يلحق الإنسان من الثواب بعد وفاته (رقم 1631).

تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (¬1). فقد وصى الله بعبادته أولاً، وقرن بالعبادة بر الوالدين، ونهى سبحانه وتعالى عن كل ما يؤذيهما حتى التأفيف، الذي هو أدنى مراتب القول السيء، ونهى سبحانه وتعالى عن نهر الوالدين {وَلاَ تَنْهَرْهُمَا}. قال بعض المفسرين: ولا يصدر منك إليهما فعل قبيح، وقال عطاء: لا تنفض يدك على والديك (¬2)، ثم أمر سبحانه بالقول اللين والتواضع للوالدين والرحمة بهما. وقد ثبت في بر الوالدين أحاديث كثيرة منها: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله، من أحقُّ بحسن صحابتي؟ قال: ((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك))، قال: ثم مَن؟ قال: ((أمُّك)) قال: ثم مَن؟ قال: ((أبُوك)) (¬3). وفي رواية قال: ((أُمُّك، ثمَّ أُمُّك، ثمَّ أُمُّك، ثمَّ أبَاكَ، ثمَّ أدْناكَ أدْناكَ)) (¬4). وعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ مِنْ أبرِّ البرّ ¬

(¬1) سورة الإسراء، الآيتان: 23 – 24. (¬2) أخرجه الطبري في تفسيره (15/ 65) وانظر: تفسير ابن كثير (3/ 35). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من أحق الناس بحسن الصحبة (رقم 5971)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (رقم 2548) (1). (¬4) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب بر الوالدين وأنهما أحق به (رقم 2548) (2).

صِلَةُ الرَّجلِ أهلَ وُدِّ أبيهِ بعدَ أن يولِّي)) (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أحبَّ أن يُبْسَطَ لهُ في رِزْقِهِ، ويُنسأَ لهُ في أثَرِهِ فلْيَصِلْ رَحِمَهُ)) (¬2). هذه الأحاديث تبيِّن حق الوالد على ولده، ففي الغالب أن الأبناء الذين تربوا على الأخلاق الإسلامية يلتزمون بهذه الشريعة وبهذه الفضائل، بل الواجبات، فهذا تعود ثمرته على الوالد الذي بذل جهده في تربية أولاده على كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، فقد قال القائل: قد ينفع الأدب الأحداث في مَهَلٍ ... وليس ينفع بعد الكَبْرةِ الأدبُ إن الغصونَ إذا قوَّمتها اعتدلت ... ولا يَلينُ إذَا قَوَّمتَهُ الخَشَبُ (¬3) فالولد الذي عوَّده أبوه على طاعة الله تبارك وتعالى في صغره يأتي بتوفيق الله صالحاً في كبره إن شاءالله، فمن هذا الصلاح يحصل الأب والأم على الأجر العظيم، والثواب الجزيل؛ لأن الله لا يضيع أجر المحسنين، وهم قد أحسنوا تربية أولادهم في الصغر، فأعطاهم ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب فضل صلة أصدقاء الأب والأم ونحوهما (رقم 2552). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب البيوع، باب من أحب البسط في الرزق (رقم 2067)، ومسلم، كتاب البر والصلة، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (رقم 2557). (¬3) هذا البيت من بحر البسيط وينسب إلى سابق بن عبد الله البربري فقيه ومحدث وأحد شعراء الزهد في العصر الأموي، مات سنة 132هـ، وينسب أيضاً إلى صالح بن عبد القدوس الشاعر الحكيم، شعره كله أمثال وحكم، عمي في آخر عمره، مات سنة 160هـ، وذكر البيت أبو منصور الثعالبي في التمثيل والمحاضرة (ص 217)، وابن الجوزي في تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر (ص 5).

ثانيا: الرجولة الصالحة والأنوثة الصالحة:

الله تبارك وتعالى هذا الأجر بسبب عملهم الطيب، وجعل أولادهم بارين بهم في حياتهم وبعد الممات، كما دلَّت على ذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. ثانياً: الرجولة الصالحة والأنوثة الصالحة: من فوائد التربية الحسنة للأولاد أنه يَنْتُجُ عن هذه التربية أولادٌ صالحون، وبنات صالحات، يمتثلون أوامر ربهم ورسولهم - صلى الله عليه وسلم -، فهم يملكون أخلاقاً عالية وآداباً سامية. فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: ((لَعَنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المخنَّثينَ منَ الرِّجالِ، والمترَجِّلات مِنَ النِّساءِ)) (¬1). وفي رواية: ((لعنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبِّهينَ مِنَ الرِّجالِ بالنِّساءِ، والمتشَبِّهات مِنَ النِّساءِ بالرِّجالِ)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: ((لَعَنَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ)) (¬3). فنجد الأبناء الذين أخذوا التربية الحسنة من آبائهم لا يسلكون هذه المسالك، بينما نجد الذين لم تحسن تربيتهم يسلكون هذه ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت (رقم 5886). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء والمتشبهات بالرجال (رقم 5885). (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب اللباس، باب لباس النساء (رقم 4098)، والنسائي في الكبرى (5/ 397 رقم 9253)، والحاكم (4/ 215 رقم 7415)، والطبراني في الأوسط (1/ 296 رقم 984)، والبيهقي في شعب الإيمان (6/ 167 رقم 7802)، وصححه الحاكم، وكذا النووي في رياض الصالحين (ص 373). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (2/ 519 رقم 4098).

ثالثا: الأخلاق الحميدة:

المسالك المذكورة. فالأبناء الذين تربوا تربية إسلامية تراهم محافظين على رجولتهم، فلا يتشبهون بالنساء ولا بالفساق، بينما نجد عكسهم بعكسهم، فالمربِّي الصالح يَنْتُجُ عن تربيته أولادٌ صالحون: ذكوراً وإناثاً، يحافظون على شرع الله، ويلتزمون بالآداب الإسلامية، والأخلاق الحميدة، والرجولة الكاملة، والأنوثة الكاملة للنساء؛ لأن مراقبة الله هي التي تجعل المسلم دائماً وأبداً يلتزم بالأخلاق الحميدة. وقد قال القائل: إذا ما خلوت الدهر يوماً ... فلا ... تقل خلوت ولكن قل عليَّ رقيب ولا تحسبن الله يغفل ساعة ... ولا إن ما تخفي عليه يغيب (¬1) ثالثاً: الأخلاق الحميدة: من فوائد التربية الحسنة الأخلاق الحميدة التي وردت في الشرع، فقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خلقاً، قال الله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم} (¬2). ويقول الله سبحانه: {وَلَوْ كُنتَ فَظًّا ¬

(¬1) هذا البيت من بحر الطويل وينسب إلى أبي العتاهية المتوفى سنة 211هـ، وأبي نواس المتوفى سنة 198هـ، وصالح بن عبد القدوس المتوفى سنة 160هـ. وذكر البيتين ابن كثير في تفسيره (3/ 380) (4/ 305)، وأن الإمام أحمد رحمه الله كان ينشدهما. وكذا قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (ص 162) بينما ذكرهما البيهقي في شعب الإيمان (5/ 461 رقم 7292) وأخبر أن الشافعي رحمه الله كان ينشدهما. (¬2) سورة القلم، الآية: 4.

غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهمْ)) (¬2). وعن النواس بن سمعان - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البر والإثم فقال: ((الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ ما حَاكَ في صَدْرِكَ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عليه الناس)) (¬3). وعن أبي ذر - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ، وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا، وَخَالِقِ الناس بِخُلُقٍ حَسَنٍ)) (¬4). وعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ما شَيْءٌ أَثْقَلُ في مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يوم الْقِيَامَةِ من خُلُقٍ حَسَنٍ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ)) (¬5). ¬

(¬1) سورة آل عمران، الآية: 159. (¬2) أخرجه الترمذي، كتاب الرضاع، باب ما جاء في حق المرأة على زوجها (رقم 1162)، وابن حبان (9/ 483 رقم 4176)، وأحمد (2/ 250، 472)، والبيهقي في الشعب (1/ 61 رقم 27)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 409 رقم 1923): حسن صحيح. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تفسير البر والإثم (رقم 2553). (¬4) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معاشرة الناس (رقم 1987)، والبزار (9/ 416 رقم 4022)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الألباني في صحيح الترغيب (3/ 12 رقم 2655): حسن لغيره. (¬5) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق (رقم 2002)، وابن أبي شيبة (5/ 211 رقم 25323)، وأحمد (6/ 446، 448)، والطبراني في مسند الشاميين (2/ 103 رقم 993)، وعبد بن حميد (رقم 204)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 363 رقم 783)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 378 رقم 2002).

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أكثر ما يدخل الناس الجنة؟ قال: ((تَقْوى الله وحُسن الخُلُق))، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: ((الفم والفَرج)) (¬1). وعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ في رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كان مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كان مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ في أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ)) (¬2). فالآباء الصالحون يطبقون هذه الأخلاق الحميدة وغيرها من الأخلاق الفاضلة: كالتواضع، والصدق، والوفاء بالعهد، والأمانة، والاستقامة، والشجاعة، والصبر، والحلم، والأناة، والرفق، والتقوى، والحياء، والورع، والتوكل على الله، والرحمة، والمحبة، والإيثار على النفس، وهذه أخلاق حميدة يتصف بها أبناء الرجال الصالحين الذين تلقوا التربية الحسنة من آبائهم الصلحاء. قال الشاعر: ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في حسن الخلق (رقم 2004) وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (رقم 977) وقال في صحيح سنن الترمذي: حسن الإسناد. (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب في حسن الخلق (رقم 4800)، والبيهقي في الكبرى (10/ 249 رقم 20965)، والطبراني في الكبير (8/ 98 رقم 7488)، وفي مسند الشاميين (2/ 407 رقم 1594)، وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب (3/ 364 رقم 4437)، وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 174). وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 179 رقم 4800).

رابعا: تكوين أسرة مسلمة متماسكة:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همو ذهبت أخلاقهم ذهبوا (¬1) رابعاً: تكوين أسرة مسلمة متماسكة: إن من نتائج التربية الصالحة إخراج أسرة صالحين مصلحين، وأعظم أسرة يضرب بها المثل لكل الأجيال هي أسرة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام. فإن التعاطف الذي قدَّره الله تعالى بين الزوجين: الرجل والمرأة لِمَن أجلِّ النعم التي أسبغها الله على عباده، وأعظم الآيات الدالة على قدرته وإعجازه، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون} (¬2). فبهذا التعاطف تقوم الأسرة السعيدة، وتدوم الحياة الأسرية المستقرة التي في ظلها تزدهر المعاني الكريمة، وإن المتأمل في سيرة الدعوة الإسلامية ليَسْتطيع أن يلمس بوضوح بعض ما يمكن للأسرة القوية، ولقد جعل الإسلام رابطة الزواج الشرعي القائم على الكتاب والسنة، هو الوسيلة الوحيدة لتكوين الأسرة المسلمة، فعن أنس - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من رَزَقَهُ الله امْرَأَةً صَالِحَةً ¬

(¬1) هذا البيت من بحر البسيط، وينسب إلى أحمد شوقي أشهر شعراء العصر الحديث، أرسله الخديوي توفيق إلى فرنسا لدراسة الحقوق، واطلع على الأدب الفرنسي، مات سنة 1351هـ، بينما جاء عجز البيت هكذا: فإن تولت مضوا في إثرها قُدُما. (¬2) سورة الروم، الآية: 21.

فَقَدْ أَعَانَهُ على شَطرِ دِينِهِ، فَلْيَتَّقِ الله في الشَّطْرِ الثَّانِي)) (¬1). ففي هذا الأساس تتكون الأسرة المسلمة الصالحة من وقت زواج الرجل الصالح بالمرأة الصالحة، ومن ثم تربية الأولاد التربية الإسلامية، فيتكون مجتمع صالح من هذه الأسرة الصالحة، يتراحمون فيما بينهم، ويحب بعضهم بعضاً، ويقومون بواجبهم الذي خلقوا من أجله، وهو عبادة الله تبارك وتعالى وعدم الإشراك به. والمؤمن دائماً يسأل الله الذرية الصالحة كما قال الله تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} (¬2). فمن نتائج دعاء المؤمنين ربهم رزقهم الهداية، ثم الأولاد وأعانهم على تربيتهم، ومن ثم تكونت: أسرة مسلمة، متماسكة، كالبنيان يشد بعضه بعضاً (¬3)، وكانوا كالجسد الواحد: في توادِّهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (¬4)، وكانوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ¬

(¬1) أخرجه الحاكم (2/ 175 رقم 2681)، والطبراني في الأوسط (1/ 294 رقم 972)، والبيهقي في الشعب (4/ 383 رقم 5487)، وصححه الحاكم. بينما ضعفه الحافظ ابن حجر في تلخيص الحبير (3/ 117) ونقل تضعيفه الشوكاني في نيل الأوطار (6/ 227). وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 5599) بينما قال في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 404 رقم 1916): حسن لغيره. (¬2) سورة الفرقان، الآية: 74. (¬3) أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المعاصرة (بتصرف). (¬4) فعن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضواً تداعى له سائر جسده بالسهر والحمى)) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (رقم 6011) ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم (رقم 2586).

خامسا: انتشار الحب بين الأولاد:

وكانوا يحبون لإخوانهم المسلمين ما يحبون لأنفسهم، إلى غير ذلك من ترابط الأسرة المسلمة وتماسكها. خامساً: انتشار الحب بين الأولاد: ومن نتائج وفوائد التربية الحسنة انتشار الحُب بين الأولاد، وذلك؛ لأنهم مؤدبون على طاعة الله ورسوله، ومن أطاع الله فإنه يحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما يبغضه الله ورسوله، فالله قد أمر بالتواصل والتراحم، والتعاطف، فهم ممتثلون لأمره سبحانه وتعالى، ففي الصحيحين عن أنس - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ثَلَاثٌ من كُنَّ فيه وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ، من كان الله وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إليه مِمَّا سِوَاهُمَا، وَمَنْ كانَ يحبُّ المرء لَا يُحِبُّهُ إلا لله، ومنْ كانَ َيَكْرَهُ أَنْ يرجعَ في الْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْقَذَهُ الله منهُ، كما يَكْرَهُ أَنْ يُلْقَى في النَّارِ)) (¬1). وعن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((مَنْ أحَبَّ لله، وأبْغَضَ لله وأعطَى للهِ، ومنَعَ لله، فقَدِ استكمَلَ الإيمانَ)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان (رقم 16)، ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الإيمان (رقم 43). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه (رقم 4681)، وابن أبي شيبة (7/ 130 رقم 34730)، والطبراني في الكبير (8/ 134 رقم 7613)، وفي مسند الشاميين (2/ 239 رقم 1260)، والبيهقي في الشعب (6/ 492 رقم 9021). وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 140 – 141 رقم 4681).

وعن البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((أوْثَق عُرَى الإيمانَ: الحبّ في الله، والبُغْضُ في الله)) (¬1). وعبد الله الصادق في إيمانه: هو من يرضيه ما يرضي الله، ويسخطه ما يسخط الله، ويحب ما أحبه الله ورسوله، ويبغض ما أبغضه الله ورسوله، ويوالي أولياء الله، ويعادي أعداء الله ورسوله، هذا هو الذي استكمل الإيمان (¬2). قال الله تعالى: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ الله وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} (¬3). فنتائج التربية الحسنة وفوائدها عظيمة وجمة: فهم متراحمون، متعاطفون فيما بينهم، ومتحابون، وليس حبهم بينهم فحسب، بل يحبون كل من كان يحب الله ورسوله، فهم يحبون لله ويبغضون له سبحانه. ¬

(¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 80 رقم 34338)، والطيالسي (رقم 747)، وابن أبي الدنيا في الإخوان (رقم 1)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 2539). وقال في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 165 – 166 رقم 3030): حسن لغيره. (¬2) العبودية لابن تيمية (ص 6). (¬3) سورة المجادلة، الآية: 22.

المبحث الثاني والعشرون: مضار التربية السيئة

المبحث الثاني والعشرون: مضار التربية السيئة أولاً: عقوق الوالدين: الآباء الذين لم يعتنوا بتربية أولادهم التربية الإسلامية سوف يجدون ما قدموا لأنفسهم في حياتهم وبعد وفاتهم، إلا من عصم الله ورحم، ففي الدنيا العقوق وعدم البر والصلة، وفي الآخرة يكون هذا الأب مسؤولاً أمام الخالق تبارك وتعالى عن الإهمال الذي قام به نحو أولاده، وكذلك إذا توفي الوالد وخلَّف أولاداً فسَّاقاً فإنه لا ينتفع منهم بعد موته؛ لأنهم قد لا يبتعدون عن الجرائم والآثام، فإذا فعلوا ذلك فيستبعد أن يدعوا لوالديهم، والصلاح شرط لقبول العمل وإيصاله إلى والد الولد ((ولدٌ صالحٌ يدعو له)). وقد ورد في قطيعة الأرحام وعقوق الوالدين أحاديث كثيرة منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رَغِمَ أنفُهُ، رَغِمَ أنفُهُ، رَغِمَ أنفُهُ)) قيل: مَن يا رسول الله؟ قال: ((مَنْ أدْرَكَ والِدَيهِ عِنْدَ الكِبَر أحَدَهُما أو كِلاهُما، ثم لم يدخل الجنَّةَ)) (¬1). وعن المغيرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ الْبَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ. وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وقال، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ الْمَالِ)) (¬2). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب رغم أنف من أدرك أبويه أو أحدهما عند الكبر فلم يدخل الجنة (رقم 2551). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب في الاستقراض، باب ما ينهى عن إضاعة المال (رقم 2408)، ومسلم، كتاب الأقضية، باب النهي عن كثرة المسائل من غير حاجة والنهي عن منع وهات (رقم 593).

وعن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مِنَ الكبائرِ شَتْمُ الرَّجل والدَيْهِ)) قالوا: يا رسول الله، وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: ((نَعم، يَسُبُّ أبَا الرَّجل فيسبُّ أباه، ويَسبُّ أمّهُ فيسب أمّه)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خَلَقَ الله الْخَلْقَ فلما فَرَغَ منه قَامَتِ الرَّحِمُ، فقال: مَهْ؟ قالت: هذا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ من الْقَطِيعَةِ. فقال: ألا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ من قَطَعَكِ؟ قالت: بَلَى يا رَبِّ! قال فَذَلِك لكِ)) (¬2). وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الرَّحِمُ معلَّقةٌ بالعَرْشِ، تقول: مَنْ وَصَلَني وصَلَهُ الله، ومَنْ قَطَعَني قَطَعَهُ الله)) (¬3). وعن جبير بن مطعم - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخُل الجنَّةَ قاطِعٌ)) (¬4). ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه (رقم 5973) ومسلم، كتاب الإيمان، باب بيان الكبائر وأكبرها (رقم 90). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله} برقم 7502، كتاب التفسير، باب وتقطعوا أرحامكم (رقم 4830)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (رقم 2554). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب من وصل وصله الله (رقم 5989)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (رقم 2555). (¬4) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب إثم القاطع (رقم 5984)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها (رقم 2556).

ثانيا: الرجولة الناقصة والأ نوثة الناقصة:

فلهذه الأحاديث الصحيحة تحرم القطيعة والعقوق، والغالب أن الأولاد الذين لم يتربوا على الأخلاق الفاضلة يقعون في ما ذُكِر وغيره من المحرمات؛ لأنه لا يوجد عندهم تحصين عن هذا، والمعصوم من عصم الله، ولكن هذا في الغالب، والله أعلم. ثانياً: الرجولة الناقصة والأ نوثة الناقصة: سبق أن عرفنا الرجولة الصالحة، والأنوثة الصالحة، وتبيَّن لنا أثر التربية الحسنة، أما الآن فأتناول أثر التربية السيئة، وما يترتب على هذه التربية وبسببها يخرج رجال ناقصو الرجولة، وبنات ناقصات الأنوثة. فلا شك أن التربية هي الأساس الذي يُبنى عليه المجتمع المسلم. ولقد أخبرنا الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ((كُلّ مَوْلُودٍ يُولَدُ على الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أو يُنَصِّرَانِهِ، أو يُمَجِّسَانِهِ)) (¬1). فلهذا نجد أولاداً فاسقين في الغالب من الآباء الفاسقين، وذلك لأن هؤلاء الآباء لم يهتموا بأنفسهم ولا بأولادهم من الناحية المعنوية، فنجد أن الولد يحاول تقليد النساء، والبنت تحاول تقليد الرجال، وما ذلك إلا لعدم التربية الإسلامية، ومن ثم عدم الإيمان الكامل، وقد سبق وأن ذكرت قبل هذا حديث اللعن لمن تشبه من ¬

(¬1) أخرجه البخاري (رقم 1385)، وتقدم تخريجه.

الرجال بالنساء، ولمن تشبه من النساء بالرجال، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((صِنْفَانِ من أَهْلِ النَّارِ لم أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بها الناس، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رؤوسهن كأسنة الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ من مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا)) (¬1). وهذا الحديث من علامات صدق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد وقع بعد أربعة عشر قرناً من الهجرة النبوية، وهو معجزة من معجزات الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فقد تكشَّفت النساء إلا من رحم ربي، وقد رأينا النساء اللائي قل حياؤهن يلبسن ملابس خفيفة أو ملابس قصيرة، حتى وصل الأمر إلى أقبح من هذا، فرأينا نساء يمشين مع رجالهن وقد أسبل رجالهن الثياب وهي تكنس الشوارع من طولها، أما نساؤهم فقد رفعن ثيابهن إلى أنصاف الساقين أو الركبتين، كاشفة رأسها، وعنقها، وصدرها، ومبدية زينتها أمام الرجال الأجانب، فأصبح الأمر بالعكس، فإنا لله وإنا إليه راجعون!! وما ذلك إلا بسبب التربية السيئة التي قامت بعيدة عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وسوء معاملة الأبوين للولد، من الأمور التي يكاد يجمع علماء التربية عليها، إن الولد إذا عومل من قبل أبويه ومربيه المعاملة ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النساء الكاسيات العاريات المائلات المميلات (رقم 2128).

ثالثا: الأخلاق الفاسدة غير الحميدة:

القاسية وأدب بالضرب الشديد والتوبيخ في غير محله، وكان التحقير والازدراء موجهاً من الآباء والتشهير والسخرية فإن ردود الفعل ستظهر في سلوكه وخُلُقه، وإن مظاهر الخوف والانكماش، ستبدو في تصرفاته وأفعاله، وقد يؤول به الأمر إلى الانتحار حيناً، أو إلى مقاتلة أبويه أحياناً، أو إلى ترك البيت نهائياً، متخلصاً مما يعانيه من القسوة الظالمة والمعاملة الأليمة، فلا عجب – وهذه الحالة – أن نراه في المجتمع مجرماً وفي هذه الحياة شاذاً ومنحرفاً!! ولا عجب أن ينشأ على الاعوجاج والميوعة والانحلال. ثالثاً: الأخلاق الفاسدة غير الحميدة: إن التربية السيئة التي لم تعتمد على الهدي النبوي الشريف لا بد وأن تكون ناقصة، وينتج عنها أخلاق فاسدة غير مرضية، وقد قال الله تبارك وتعالى: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُون} (¬1). وقال تعالى: {بَلَى مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُون} (¬2). وقال تعالى: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيمًا} (¬3). وعن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذَا رَأَيْتَ الله ¬

(¬1) سورة العنكبوت، الآية: 4. (¬2) سورة البقرة، الآية: 81. (¬3) سورة النساء، الآية: 31.

رابعا: أسرة منحلة غير ملتزمة بشرع الله:

يُعْطِي العَبْدَ مِنَ الدُّنْيا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ فإنَّما هَوَ اسْتِدْراجٌ))، ثم تلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون} (¬1). وغير ذلك من النصوص التي وردت في الشرع تدل على ذم الأخلاق السيئة، والأبناء الذين لم يُعلَّموا الأخلاق الحميدة: أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -، فكيف يعرفون أخلاقه وهم لم يعلَّموا ولم يوجَّهوا التوجيه السليم؟ فهم عند آباءٍ فاسقين، وأمهات لا يخفن الله ولا يراقبنه، فمن هذه الغباوة ظهر أولاد فاسدون واستحبوا الأخلاق الرذيلة على الأخلاق الحميدة، واستحبوا: الكذب على الصدق، والأمانة، والنفاق على الإخلاص، واستحبوا: الإسراف، والبخل على الكرم، والاقتصاد، واستحبوا: التكبر، والإعجاب على التواضع، ولين الجانب، وغير ذلك من الأخلاق الرذيلة الناتجة عن سوء التربية. رابعاً: أسرةٌ منحلَّة غير ملتزمة بشرع الله: من نتائج التربية السيئة تفكك الأسرة وانحلالها وفساد أخلاقها، وذلك؛ لأن التربية الإسلامية هي أساس الأخلاق، والفضائل، فعند المراهقة للأولاد والبنات تنتشر الأخلاق الرذيلة ¬

(¬1) أخرجه أحمد (4/ 145)، وفي الزهد (ص 12)، والبيهقي في الشعب (4/ 128 رقم 4540)، وابن المبارك في الزهد (رقم 321)، وابن أبي الدنيا في الشكر (رقم 32)، والطبراني في الأوسط (9/ 110 رقم 9272)، وفي الكبير (17/ 330 رقم 913)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 561). وفي السلسلة الصحيحة (1/ 773 رقم 413).

وتتفرق الأسرة ولم يعد يضم البيت العائلي عدداً من الأسرة بحيث يجمع بين الجد وأولاده، وحفدته وزوجاتهم، فالزوج يعيش مستقلاً عن زوجته في معاشه ومهنته، والمرأة تنطلق في العمل، ولم يعد لديها الفراغ الكافي لتربية أطفالها، وقامت مقامها مدارس رياض الأطفال، وأخذت تزاحم الرجال جنباً إلى جنب (¬1)، والبنت ذهبت مع صديقها للنزهة، والولد يذهب مع أقرانه الخبثاء، هذا بالنسبة للأسرة المنحلة انحلالاً كاملاً، أما ما دون ذلك فإنه يظهر في بعض الأسر التي لم تحض على التربية الإسلامية ولا على تعاليم الدين الصحيح، فنجد مثلاً عدداً من البنات يقبعن في بيوت آبائهن عوانس، بدون زواج، فالفتيان يقفون اليوم من الفتيات موقفاً لا يدل على إقبالهم عليهن، ورغبتهم فيهن؛ لأن مشكلة الجنس قد حلتها الأوضاع المتفككة المنحلة للأسرة، والمجتمع، وذلك لرغبة آباء البنات في المال الكثير، فكأن الفتاة سلعة، والزواج تجارة، فما على صاحب السلعة إلا أن يحتال ويساوم الشاري، ويشغل رغبته، وحاجته ليقبض أكبر ثمن ممكن لهذه السلعة، ولا يسأل والد الفتاة عن دين الرجل ولا أمانته، وإنما الذي يسأل عنه كم مع هذا من المال، وما له من حوانيت وأملاك!! إلخ (¬2). فيسبب هذا ضياع الأسرة، وقد تحدث أمور لا يرضاها ¬

(¬1) الأسرة بين الجاهلية والإسلام (باختصار وتصرف) (ص 154). (¬2) الأسرة بين الجاهلية والإسلام (بتصرف) (ص 155).

المسلم، وما ذلك إلا لعدم التمسك بالشريعة الإسلامية وعدم التربية الإسلامية الصحيحة، التي على أساس من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. قال الله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله شَدِيدُ الْعِقَاب} (¬1). وعن العرباض بن سارية - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قَدْ تَرَكْتُكُمْ عَلى الْبَيْضَاءِ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا، لَا يَزِيغُ عنها بَعْدِي إلا هَالِكٌ)) (¬2). أو كما قال - صلى الله عليه وسلم -. وينتج من تفكك الأسرة والانحلال أمور كثيرة، ومن هذه الأخلاق الرذيلة التكبر على المسلمين، فعن عياض بن حمار - رضي الله عنه - قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: (( ... وإنَّ اللَّهَ أَوْحَى إلي أَنْ تَوَاضَعُوا حتَّى لَا يَبْغِيَ أَحَدٌ على أَحَدٍ، ولا يَفْخَرَ أَحَدٌ على أَحَدٍ)) (¬3). والبغي هو التعدي والاستطالة. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذَا قالَ الرجل: ¬

(¬1) سورة الحشر، الآية: 7. (¬2) أخرجه الحاكم (1/ 175 رقم 331)، وأحمد (4/ 126)، وابن ماجه، المقدمة، باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين (رقم 43)، والطبراني في الكبير (18/ 247 رقم 619)، وفي مسند الشاميين (3/ 172 – 173 رقم 2017)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (رقم 4369). وفي السلسلة الصحيحة (2/ 610 رقم 937). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار (رقم 2865).

خامسا: وجود العداوة بين الأولاد:

هَلَكَ النَّاس فهوَ أهلَكهُمْ)) (¬1). وعن أبي خراش - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((مَنْ هَجَرَ أخَاهُ سَنَةً فهوَ كسفكِ دَمِهِ)) (¬2). خامساً: وجود العداوة بين الأولاد: إن من مضار التربية السيئة وجود العداوة بين الأولاد ونفور بعضهم من بعض، وذلك لأنه لا يوجد عندهم تراحم ولا تعاطف، ولا تكاتف فيما بينهم، فنجد الأخ قد لا يستأنس مع أخيه الذي من صلب أبيه، وما نتج هذا إلا عن سوء التربية التي تلقاها من أبيه أو مربيه، والله تبارك وتعالى قد نهى عن التباغض والعداوة سواء بين الأخوة الأشقاء أو بين المسلمين عموماً، فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} (¬3). وقال سبحانه في صفات المؤمنين: {أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} (¬4). وقال - عز وجل -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن قول هلك الناس (رقم 2623). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب فيمن يهجر أخاه المسلم (رقم 4915)، والحاكم (4/ 180 رقم 7292)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/ 205 رقم 2735)، وأحمد (4/ 220)، والطبراني في الكبير (22/ 308 رقم 780)، وصححه النووي في رياض الصالحين (ص 364)، والألباني في صحيح الجامع (رقم 6581). وفي صحيح سنن أبي داود (3/ 204 – 205 رقم 4915). (¬3) سورة الحجرات، الآية: 10. (¬4) سورة المائدة، الآية: 54.

عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ} (¬1). وعن أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لَا تَبَاغَضُوا، ولا تَحَاسَدُوا، ولا تَدَابَرُوا، ولا تَقَاطَعوا، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، ولا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاث)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ ويوم الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يشرك بالله شَيْئًا، إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا)) (¬3). وفي رواية لمسلم: ((تُعرضُ الأعمال في كلِّ يومِ خميسٍ واثنين)) وذكر نحو الحديث السابق (¬4). ونكتفي بهذه الأحاديث الصحيحة التي تحرم القطيعة والهجران فوق ثلاثٍ إلا لمن هجر لأجل الله، فلا إثم عليه إن شاءالله؛ لأن هجره من أجل أن يتوب من معصيته، فالأولاد الذين لم يدربوا على التراحم والتعاطف والتآلف يتصفون بالقطيعة والهجران إلا من رحم ربي، قال القائل: ¬

(¬1) سورة الفتح، الآية: 29. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى عن التحاسد والتدابر (رقم 6065)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب تحريم التحاسد والتباغض والتدابر (رقم 2559). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن الشحناء والتهاجر (رقم 2565) (35). (¬4) المصدر السابق (رقم 2565) (36).

وينشأ ناشئ الفتيان فينا ... على ما كان عوده أبوه (¬1) فما على الأب إلا هداية الإرشاد والبيان، أما هداية القلب والجوارح فهي بيد الله يهدي من يشاء ويضل من يشاء، سبحانه وتعالى. ولا شك أن أسباب انحراف الأولاد كثيرة جداً، ولكن منها الأسباب الآتية: 1 - الفقر. 2 - الطلاق. 3 - الفراغ الذي يَتَحكَّمُ في الأطفال، وانتشار البطالة والجلوس بدون عمل. 4 - القرناء الفاسدين، والخلطة الفاسدة. 5 - سوء معاملة الوالدين للولد. 6 - مشاهدة أفلام الجريمة والجنس. 7 - تخلِّي الأبوين عن تربية الأولاد. 8 - مصيبة اليتم. وهذه أسباب خطيرة تسبب الانحراف عن الصراط المستقيم إلا من عصم الله - عز وجل - (¬2). * ... * ... * ¬

(¬1) سبق الإشارة إليه في المبحث العشرين: فوائد التربية الحسنة. (¬2) انظر: تربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله علوان 1/ 119 - 133.

المبحث الثالث والعشرون: الهدي النبوي في تربية الشباب

المبحث الثالث والعشرون: الهدي النبوي في تربية الشباب أولاً: مفهوم مرحلة الشباب: لقد ذكر الله - سبحانه وتعالى - هذه المرحلة في كتابه العزيز بالفتوة، كما في قوله عن أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} (¬1). ووصفها بالقوة كما في قوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} (¬2). ومرحلة القوة في هذه الآية التي تقع بين مرحلتي ضعف، هي مرحلة الشباب (¬3). كما وردت الإشارة إليها بصفات أخرى: كالأشُد، كما في قوله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} (¬4). والأشد هنا: الاحتلام كما قاله الشعبي ومالك وغير واحد من ¬

(¬1) سورة الكهف، الآية: 13. (¬2) سورة الروم، الآية: 54. (¬3) انظر: ابن كثير، تفسير القرآن العظيم (3/ 440). (¬4) سورة الأنعام، الآية: 152.

السلف (¬1). وقيل: ((هو بلوغ سن الرشد والقوة)) (¬2). وصفة الرشد وردت في قوله تعالى: {وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} (¬3). في هذه الآية دلالة واضحة على أن الرشد لا يكون قبل الاحتلام. وفي السنة المطهرة ورد ذكر هذه المرحلة بلفظ الشباب والفتيان وغيرهما، ومن ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبصر، وأحصنُ للفرج، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنه له وِجَاءٌ)) (¬4). وقال جندب بن عبد الله - رضي الله عنه -: ((كُنَّا مَعَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ونَحْنُ فِتْيان حزاوِرة (¬5)، فتَعَلَّمنا الإِيمانَ قَبْلَ أنْ نَتَعلَّمَ القرآنَ، فازْدَدْنا به إِيماناً)) (¬6). ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2/ 190). (¬2) تفسير القرآن الحكيم لمحمد رشيد رضا (8/ 190)، الطبعة الثانية، بيروت، دار المعرفة. (¬3) سورة النساء، الآية: 6. (¬4) أخرجه البخاري (رقم 5065)، ومسلم، برقم 1400، واللفظ له، سبق تخريجه. (¬5) حزاورة: جمع حزور، وهو الغلام إذا اشتد وقوي. انظر: الصحاح للجوهري (2/ 629)، الطبعة الرابعة، بيروت، دار العلم للملايين، 1990م مادة (حزور) (¬6) أخرجه ابن ماجه في المقدمة، باب في الإيمان برقم 61، والبيهقي في سننه الكبرى (3/ 120 رقم 5075)، والطبراني في الكبير (2/ 165 رقم 1678)، وقال الكناني في مصباح الزجاجة (1/ 12 رقم 22): هذا إسناد صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (1/ 37 – 38 رقم 52).

وأما من حيث المعنى اللغوي فإن الشباب بمعنى: الفتاء والحداثة. يقال: شَبَّ الغُلاَمُ يَشِبّ شَبَاباً وشُبُوباً، وشَبِيباً، وأشبَّه الله، وأشبَّ الله قرنه، بمعنىً، والاسم الشبيبة، هو خلاف الشيب. والشباب جمع شَابٍّ وكذلك شُبَّانُ وشَبَبَةٌ. وشباب الشيء أوله، يقال: لقيت فلاناً في شباب النهار، أي في أوله (¬1). وكلمة (شاب) تعني في أصلها اللغوي النماء والقوة. يقول ابن فارس: ((الشين والباء أصل واحد يدل على نماء الشيء وقوته، في حرارة تعتريه)) (¬2). ولتحديد مرحلة الشباب فهي من حيث البداية تتبين مما يأتي: قال تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} (¬3). وعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظ، وعَنِ الصَّبيِّ حتَّى يَشبّ، وعَنِ المَعْتوهِ حتَّى يَعْقِل)) (¬4). ¬

(¬1) انظر: ابن منظور، لسان العرب (1/ 480) مادة (شبب). (¬2) انظر: معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام هارون، الطبعة الأولى، القاهرة، دار إحياء الكتاب العربية، 1368هـ، (3/ 177). (¬3) سورة النور، الآية: 59. (¬4) أخرجه الترمذي، السنن، كتاب الحدود، باب فيمن لا يجب عليه الحد (4/ 32)، وقال: حسن غريب من هذا الوجه، والعمل على هذا عند أهل العلم. وقال الألباني في كتابه صحيح سنن الترمذي (2/ 117 رقم 1423): صحيح.

وبالنظر إلى هذه النصوص نجد أن الله سبحانه وتعالى سمَّى الإنسان قبل الاحتلام طفلاً. وفي حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خاطب جماعة باسم الشباب، حاثًّا لهم على الزواج، ولا يكون الزواج إلا بعد الاحتلام. وفي حديث علي - رضي الله عنه - نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل بداية الشباب بلوغ الإنسان، وعلى هذا الأساس، فإن مرحلة الشباب تبدأ بالبلوغ. ومن حيث نهاية المرحلة فقد ورد فيها خلاف بين أهل اللغة، ومن ذلك: ما قاله الزبيدي عن محمد بن حبيب أن الشباب من سن السابعة عشرة إلى أن يستكمل إحدى وخمسين. وقيل: ((الشاب هو البالغ إلى أن يكمل ثلاثين)). وقيل: ((ابن ست عشرة إلى اثنتين وثلاثين)) (¬1). واعتبر أبو منصور الثعالبي في تقسيمه لأسنان الناس الشباب إلى سن الأربعين (¬2). وعند بطرس البستاني، الشاب لغة: من يكون سنه بين الثلاثين ¬

(¬1) انظر: تاج العروس، الطبعة الأولى، بيروت، منشورات دار الحياة، 1306هـ (1/ 307). (¬2) انظر: فقه اللغة، مصر، المطبعة الرحمانية، 1346هـ، (ص 142، 143).

ثانيا: أهمية مرحلة الشباب:

إلى الأربعين (¬1). وأما التحديد المختار لمرحلة الشباب فهو: من البلوغ (¬2) حتى بلوغ سن الأربعين. وسبب هذا الاختيار أن الأصل اللغوي لكلمة الشباب يدل على أمرين: النماء والقوة. ونجد في القرآن الكريم أن سن الأربعين داخلة في هذا المعنى وأنها نهاية للنماء. كما في قوله سبحانه: {حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} (¬3). يقول ابن كثير رحمه الله: {إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ} .. أي قوي وشب وارتجل {وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً} أي تناهى عقله وكمل فهمه (¬4). ثانياً: أهمية مرحلة الشباب: وأما أهمية هذه المرحلة فتعود إلى عدة سمات منها: 1 - الشباب: بداية التكليف: عن علي - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُفِعَ القَلَمُ عَن ثلاثةٍ: عَنِ النَّائِمِ حتَّى يَسْتَيْقِظ، وعَنِ الصَّبيِّ حتَّى يَشبّ، وعَنِ المَعْتوهِ حتَّى ¬

(¬1) انظر: محيط المحيط (بدون ناشر) (1/ 1044). (¬2) والبلوغ يكون إما بالعلامات الطبيعية كالاحتلام وإنبات الشعر الخشن حول القبل. وإما بالسن وهو بلوغ خمس عشرة سنة عند الحنابلة. وعند أبي حنيفة حتى يتم للذكر ثماني عشرة سنة. انظر: القاموس الفقهي، لسعدي أبو جيب، الطبعة الأولى، دمشق، دار الفكر، 1402هـ (ص 42). (¬3) سورة الأحقاف، الآية: 15. (¬4) تفسير القرآن العظيم (4/ 158).

يَعْقِل)) (¬1). ومرحلة الشباب هي المرحلة التي يحصل فيها العلم والقدرة على التكليف الشرعي. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (¬2): ((الأمر والنهي، الذي يسميه العلماء التكليف الشرعي، مشروط بالممكن من العلم والقدرة، فلا تجب الشريعة على من لا يمكنه العلم كالمجنون والطفل، ولا تجب على من يعجز كالأعمى والأعرج والمريض في الجهاد، وكما لا تجب الطهارة بالماء والصلاة قائماً، والصوم، وغير ذلك على من يعجز عنه)). ويقول (¬3) أيضاً: ((تكليف العاجز الذي لا قدرة له على الفعل بحال، غير واقع في الشريعة، بل قد تسقط الشريعة التكليف عمن تكمل فيه أداة العلم والقدرة، تخفيفاً عنه، وضبطاً لمناط التكليف، وإن كان تكليفه ممكناً، كما رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، وإن كان له فهم وتمييز، لكن ذلك لأنه لم يتم فهمه، ولأن العقل يظهر في الناس شيئاً فشيئاً وهم يختلفون فيه، فلما كانت الحكمة خفية ومنتشرة قيدت بالبلوغ)). ولما كانت مرحلة الشباب هي بداية سلوك طريق العبادة ¬

(¬1) أخرجه الترمذي (رقم 1423)، وسبق تخريجه. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 117 رقم 1423). (¬2) مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمن بن قاسم وابنه محمد، الطبعة الأولى، بيروت، دار العربية (10/ 344). (¬3) مجموع الفتاوى (10/ 344، 345).

2 - الشباب: فترة القوة:

الاختيارية التي تنبع من الإنسان نفسه، ويجري عليه القلم فيها بالحسنات والسيئات، فلا بد لهذا الشاب من رعاية خاصة تعينه على بداية سلوك الطريق، وتوضح له معالمه، وتذلل له مصاعبه، وتبين له زاده. حتى يسير الشاب إلى ربه آمناً مطمئناً على هُدًى وبصيرة. 2 – الشباب: فترة القوة: يمر الإنسان في حياته بمراحل تتفاوت قوةً وضعفاً، فهو يخرج إلى الدنيا صغيراً ضعيفاً لا يعلم شيئاً، ثم يكبر شيئاً فشيئاً، ويقوى جسمه، وتنمو حواسه، ويزداد عقلاً وعلماً، حتى يبلغ أشده. قال تعالى: {وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (¬1). يقول ابن كثير رحمه الله (¬2): ((ذكر الله تعالى منته على عباده في إخراجه إياهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئاً، بعد هذا يرزقهم السمع الذي يدركون به الأصوات، والأبصار التي يحسون بها المرئيات، والأفئدة وهي العقول – التي مركزها القلب على الصحيح وقيل الدماغ – والعقل به يميز بين الأشياء ضارها ونافعها، وهذه القوى والحواس تحصل للإنسان على التدريج قليلاً قليلاً، كلما كبر زيد في سمعه وبصره وعقله حتى يبلغ أشده)). ¬

(¬1) سور النحل، الآية: 78. (¬2) تفسير القرآن العظيم (2/ 580).

ولكن هذه المرحلة من القوة لا تدوم مع الإنسان، بل إذا طال به العمر عاد مرة أخرى إلى الضعف، كما في قوله سبحانه: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُون} (¬1). وقوله سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِير} (¬2). قال ابن كثير رحمه الله (¬3): يخرج من بطن أمه ضعيفاً نحيفاً واهن القوى، ثم يشب قليلاً قليلاً، حتى يكون صغيراً، ثم حدثاً، ثم مراهقاً، ثم شاباً وهو القوة بعد الضعف، ثم يشرع في النقص، فيكتهل، ثم يشيخ، ثم يهرم، وهو الضعف بعد القوة، فتضعف الهمة والحركة والبطش، وتشيب اللمة، وتتغير الصفات الظاهرة والباطنة. وقال ابن جرير الطبري رحمه الله (¬4): أحدث لكم الضعف بالهرم والكبر عما كنتم عليه أقوياء في شبابكم، {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} يخلق ما يشاء: من ضعفٍ، وقوَّةٍ، وشبابٍ، وشيب. وقال ابن الجوزي (¬5) رحمه الله في قوله تعالى: {مِن بَعْدِ ضَعْفٍ ¬

(¬1) سورة يس، الآية: 68. (¬2) سورة الروم، الآية: 54. (¬3) تفسير القرآن العظيم (3/ 440). (¬4) انظر: جامع البيان في تفسير القرآن، القاهرة، دار الحديث 1407هـ، (21/ 36، 37). (¬5) زاد المسير، الطبعة الأولى، بيروت، المكتب الإسلامي (6/ 310).

قُوَّةً}: يعني جعل بعد ضعف الطفولة قوة الشباب، ثم جعل من بعد قوة الشباب ضعف الكبر وشيبه. وكما ورد في السنة ما يدل على أن الشباب مرحلة القوة، كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: جمعت القرآن كله في ليلة. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنِّي أخْشَى أنْ يَطُولَ عَلَيْكَ الزَّمان، وأنْ تَمِلَّ فاقرأْهُ في شَهرٍ)). فقلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: ((فاقْرأهُ في عَشْرةٍ)) قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. قال: ((فاقْرأهُ في سَبْعٍ)). قلت: دعني أستمتع من قوتي وشبابي. فأبى (¬1). والقوة في هذه المرحلة في كل شيء: قوة في البدن، وقوة في الحواس، وقوة على العمل والتكسب، وقوة على طلب العلم. قال الإمام الشافعي (¬2) رحمه الله: ولا ينال العلم إلا فتى ... خال من الأفكار والشغل لو أن لقمان الحكيم الذي ... سارت به الركبان بالفضل بُلِيَ بفقرٍ وعيالٍ لما ... فرَّق بين التبن والبقل ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب إقامة الصلاة، باب في كم يستحب أن يقرأ القرآن (1/ 428) حديث 1346، وابن حبان (3/ 33 رقم 756)، والنسائي في سننه الكبرى (5/ 24 رقم 8064)، وأحمد (2/ 163)، وقال الألباني في كتابه (صحيح سنن ابن ماجه) (1/ 400 رقم 1114): صحيح. (¬2) هذه الأبيات من بحر السريع، ديوان الشافعي، جمع وتعليق محمد عفيف الزعبي، الطبعة الثالثة، بيروت، دار الجيل (ص21).

وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله: قلت لأبي: يا أبت، ما الحفاظ؟ قال: يا بني شباب كانوا عندنا من أهل خراسان وقد تفرقوا (¬1). وكما أن مرحلة الشباب قوة في التعلُّم، فهي قوة في التعليم أيضاً. فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: قلنا لزيد بن أرقم: حدثنا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: كبرنا ونسينا، والحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شديد (¬2). ولما كانت مرحلة الشباب أيضاً مرحلة قوة في الشهوة الجنسية، لزم الاهتمام بها، وتحصين الشباب من الوقوع في المعصية، من أجل ذلك حرص الرسول - صلى الله عليه وسلم - على تحصين شباب الصحابة رضي الله عنهم، كما في حديث عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - شباباً لا نجد شيئاً، فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ من اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ؛ فإنَّه أغضُّ للبَصَرِ، وأحْصَنُ للفَرْجِ، وَمَنْ لم يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فإنَّه لهُ وِجَاءٌ)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه (10/ 326)، وابن عساكر في تاريخه (13/ 112)، والدارمي في السنن، المقدمة، نشر دار إحياء السنة النبوية. (¬2) أخرجه ابن ماجه في السنن، المقدمة، باب التوقي في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (1/ 11) حديث (25)، والطبراني في الكبير (5/ 169 رقم 4978)، وابن الجعد في مسنده (رقم 68)، وأحمد (4/ 370)، والطيالسي (رقم 676)، وقال الكناني في مصباح الزجاجة (1/ 8): هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات. وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 26 رقم 23). (¬3) أخرجه البخاري (رقم 5065)، ومسلم برقم 1400، وسبق تخريجه.

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم، فرخَّص له، وأتاه آخر فسأله فنهاه، فإذا الذي رخص له شيخ، والذي نهاه شاب (¬1). ومن هنا يتأكد الاهتمام بالشباب من أولياء أمورهم ومن المربين والدعاة، والسعي إلى تحصينهم، وأن يبعدوهم، ويبعدوا عنهم كل ما شأنه إثارة شهواتهم ووقوعهم فيما حرم الله عليهم. 3 – الشباب: أفضل فترات العمر: تعود الأفضلية لهذه المرحلة لما يجتمع للإنسان فيها من القوة والنشاط، دون غيرها، ولما يتوافر له فيها من كمال الحواس، والقدرة على التعلم والكسب، ولكن هذه الأفضلية ليست مطلقة لكل الناس، بل وربما كانت بعض الفترات عند بعض الناس أفضل من فترة الشباب، وذلك عندما يتحقق له في تلك المرحلة قوة الإيمان ودوام الصلة بالله - سبحانه وتعالى -، ففي هذه الحال تكون الأفضلية الحقيقية. وتكتمل الأفضلية عندما تجتمع مرحلة الشباب مع قوة الإيمان فيها. ومما يدل على فضل هذه المرحلة أنها هي الحال التي يكون ¬

(¬1) أخرجه أبو داود في السنن، كتاب الصوم، باب كراهيته للشاب (2/ 781)، حديث (2387)، وابن ماجه بنحوه، كتاب الصيام، باب ما جاء في المباشرة للصائم (1/ 539) حديث رقم (1688)، وأخرجه مالك في الموطأ موقوفاً على ابن عباس، كتاب الصيام، ما جاء في التشديد في القبلة للصائم، وقال الألباني في كتابه صحيح سنن أبي داود: (2/ 65 رقم 2387): حسن صحيح.

عليها أهل الجنة، لما ورد عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ينادِي مُنَادٍ، إنَّ لَكُم أنْ تَصِحُّوا فَلا تَسْقَمُوا أبَداً، وإنَّ لكُم أنْ تَحْيوا فلا تَمُوتُوا أبَداً، وإنَّ لكُم أن تَشبُّوا فلا تَهْرَمُوا أبَداً، وإنَّ لَكُمْ أنْ تَنْعَمُوا فلا تبأسُوا أبَداً)) (¬1). وراحة الحياة وبهجتها في الدنيا غالباً ما تكون في مرحلة الشباب، فهي مرحلة يتطلع الصغير أن يصل إليها، ويتمنى الكبير أن يرجع إليها، هي مرحلة بكى عليها الشيوخ وتغنَّى بها الشعراء، كما يقول أبو العتاهية: بكيتُ على الشبابِ بدمعِ عيني ... فلم يُغن البكاء ولا النحيب فيا أسفاً أسفت على الشباب ... نعاه الشيبُ والرأس الخضيبُ عريت من الشباب وكنت غضًّا ... كما يعرى من الورق القضيب فيا ليت الشبابَ يعود يوماً ... فأخبره بما فعل المشيب (¬2) ويقول فتيان الشاغوري نادماً على شبابه ومتلهفاً على لهو الشباب وعصره (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب صفة الجنة ونعيم أهلها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (4/ 2182). (¬2) هذه الأبيات من بحر الوافر، ديوان أبي العتاهية، (ص 46). (¬3) انظر: ديوان فتيان بن علي الشاغوري، تحقيق أحمد الجودي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق (ص 150).

هريق شبابي واستشن لشقوتي ... أديمي فلم أملك شباباً ولا وفرا (¬1) تبين لي خيط من الفجر ناصع ... إلى جنب خيط حالك وخط الشعرا (¬2) واللهو الباطل مذموم في هذه المرحلة وفي غيرها من المراحل، ولكن المقصود هو استمتاع الشباب بطيبات الحياة. فهذا جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - لما تزوج سأله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلاً: ((هل تزوَّجتَ بِكْراً أمْ ثَيِّباً؟)). قال جابر: تزوجت ثيباً. قال: ((فهلا تَزوَّجْتَ بِكراً تُلاعِبُها وتُلاعِبُك)) (¬3). وعن عتبة بن عويم بن ساعدة الأنصاري - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَيْكُم بالأبْكارِ، فإنَّهُنَّ أعْذَبُ أفْواهاً، وأنْتَقُ أرْحاماً، وأرضَى باليسير)) (¬4). ¬

(¬1) هذا البيت من بحر الطويل. هراق الماء: صبه. وأصله أراق، وهراق شبابه عبارة عن ضياعه. استشن الرجل: هزل، استشن أديمه تشنج ويبس جلده عند الهرم. (¬2) هذا البيت من بحر الطويل، أراد بخيط الفجر الناصع بياض الشعر وبالخيط الحالك سواده ووخط الشعر: دخل فيه، ووخطه الشيب فشا فيه، ديوان الشاغوري (ص 150). (¬3) أخرجه البخاري مطولاً، الجامع الصحيح، كتاب الجهاد، باب استئذان الرجل الإمام (2/ 350) حديث رقم (2967). (¬4) أخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب النكاح، باب تزويج الأبكار (1/ 598)، حديث رقم (1861)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 259) عن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقال الهيثمي: رواه الطبراني، وفيه بلال الأشعري ضعفه الدارقطني، وأورده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة بعدة طرق. وقال فيه: من الممكن أن يقال: بأن الحديث حسن بمجموع هذه الطرق. فإن بعضها ليس شديد الضعف. والله أعلم. ثم جزمت بذلك لما رأيت الحديث في كتاب السنن لسعيد بن منصور. انظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 192 – 196). وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 123 رقم 1520).

4 - الشباب: أطول مراحل العمر:

4 – الشباب: أطول مراحل العمر: إذا كان عمر الإنسان في هذه الأمة بين الستين والسبعين إذا أطال الله عمره، كما في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أعْمارُ أمَّتِي ما بَيْنَ السِّتِّين إلى السَّبعين، وأقلَّهم مَنْ يَجُوزُ ذلكَ)) (¬1). فإن الوسط الحسابي لهذين العددين (60، 70) هو 65 سنة. وإذا كان زمن سن الغلومية هو من الولادة حتى سن الشباب (¬2). وسن الشباب من الرابعة عشرة – غالباً – إلى الأربعين حسب التعريف السابق. ثم زمن الكهولة من انتهاء فترة الشباب (¬3) إلى تمام الخمسين (¬4). ثم الشيخوخة من بعد الخمسين إلى آخر العمر، فمرحلة ¬

(¬1) أخرجه الترمذي في السنن، كتاب الدعوات، باب في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - (5/ 553) رقم (3550)، وقال: حسن غريب، وأخرجه ابن ماجه في السنن، كتاب الزهد، باب الأمل والأجل (2/ 1415) رقم (4236)، والحاكم في المستدرك (2/ 427)، وقال: صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن، انظر: صحيح سنن الترمذي (3/ 178)، وصحيح سنن ابن ماجه (2/ 415)، وسلسلة الأحاديث الصحيحة (2/ 397) وجميعها للألباني. وقال في السلسلة الصحيحة (2/ 385 رقم 757): حسن لذاته صحيح لغيره». (¬2) قال الزبيدي في تاج العروس (9/ 5): والغلام بالضم من حين أن يولد إلى أن يشب. (¬3) قال الأزهري: وقيل كهل حينئذ لانتهاء شبابه، لسان العرب (11/ 600) مادة (كهل). (¬4) انظر: المرجع السابق، وليس من قول الأزهري.

ثالثا: تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب:

الشباب هي أطول هذه المراحل، ويمكن توضيح هذه النسب بالجدول والرسم البياني الآتي: جدول يبين النسب المئوية لمراحل العمر (¬1) المرحلة ... السنوات ... السنوات ... النسبة المئوية الغلومية ... من الولادة ... إلى 13 ... 20 الشباب ... من 14 ... إلى 40 ... 41.5 الكهولة ... من 41 ... إلى 50 ... 15.4 الشيخوخة ... من 51 ... إلى الوفاة ... 23.1 المجموع ... 100 ثالثاً: تعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب: ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - أروع الأمثلة في تعامله مع الناس عامة، ومع الشباب خاصة، قبل البعثة وبعدها مما حبب الناس إليه، وألَّفهم عليه. وقد وصف شباب الصحابة - رضي الله عنهم - خلق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان مما قالوا فيه: كان عليه الصلاة والسلام أحسن الناس خُلُقاً، لم يكن فاحشاً، ولا متفحِّشاً، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة مثلها، ولكن يعفو ويصفح (¬2). ولا يكاد يواجه أحداً في وجهه بشيء ¬

(¬1) المنهاج النبوي في دعوة الشباب لسليمان بن قاسم العيد (ص 24 – 38) ببعض التصرف، دار العاصمة، الطبعة الأولى، المملكة العربية السعودية، الرياض، 1415هـ. (¬2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (6/ 174)، (2/ 328)، من حديث عائشة وأبي هريرة رضي الله عنهما. وعند الدارمي في المقدمة بنحوه من حديث عبد الله بن سلام (1/ 5). وعند البخاري قوله: ((لم يكن فاحشاً ولا متفحشاً)) الجامع الصحيح، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -، (3/ 34) حديث (3759). وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 384 رقم 2016).

رابعا: مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب في التربية:

يكرهه (¬1). وما ضرب شيئاً قط بيده، ولا امرأة، ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله (¬2)، وإذا استسلف سلفاً قضى خيراً منه (¬3)، وما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال لا (¬4). وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً (¬5). رابعاً: مواقف النبي - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب في التربية: من مواقفه - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب التي تدل على حسن خلقه معهم المواقف الآتية: 1 - الرفق بهم والشفقة عليهم عن أبي سليمان مالك بن الحويرث - رضي الله عنه - قال: أتينا النبي - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في المسند مطولاً (3/ 133) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 4182، 4789)، وفي ضعيف الجامع (رقم 4512). (¬2) أخرجه مسلم مطولاً، كتاب الفضائل، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام (4/ 1814). (¬3) لما في صحيح البخاري، كتاب الاستقراض (2/ 173)، من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، قال: ((كان لي على النبي - صلى الله عليه وسلم - دين فقضاني وزادني)). وانظر: ابن القيم، زاد المعاد (1/ 165). (¬4) أخرجه مسلم من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئاً قط فقال: لا، (4/ 1805). (¬5) المرجع السابق، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام، من حديث عائشة رضي الله عنها (ص 1813).

ونحن شببه متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة، فظن أنا اشتقنا أهلنا، وسألنا عمن تركنا في أهلنا فأخبرناه، وكان رقيقاً (¬1) رحيماً، فقال: ((ارْجِعُوا إلى أهْلِيكُمْ فعَلِّمُوهم ومُرُوهُم، وصَلُّوا كَمَا رأيْتُمونِي أصَلِّي، وإذَا حَضَرتِ الصَّلاة فليؤذِّنْ لَكُمْ أحَدَكُم، ثمَّ ليؤُمَّكُمْ أكبَرُكُم)) (¬2). وانظر إلى شفقته - صلى الله عليه وسلم - لما طلع عليه مصعب بن عمير - رضي الله عنه - - وما كان بمكة أحسن منه ولا أنعم نعمة منه - وما عليه إلا بردة له مرقوعة بفرو، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكى للذي كان فيه من النعمة والذي هو فيه اليوم (¬3). وهذا أنس بن مالك - رضي الله عنه - يروي حاله مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول: خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أفٍّ (¬4) قط، وما قال لشيء صنعته، لِمَ صنعته؟! ولا لشيء تركته: لمَ تركته؟! وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أحسن الناس خُلقاً، ولا مسست خزًّا قط (¬5) ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا شممت مسكاً قط، ولا ¬

(¬1) رقيقاً: من الرقة. وفي بعض الروايات رفيقاً من الرفق. ابن حجر، فتح الباري (10/ 438). (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب رحمة الناس والبهائم (4/ 93) حديث (6008). (¬3) انظر: ابن الأثير، أسد الغابة (4/ 370). (¬4) كلمة تقال من كرب أو ضجر. الفيروزآبادي، القاموس المحيط (3/ 117)، مادة (أف). (¬5) الخز: ثياب تعمل من صوف وإبريسم. والإبريسم هو الحرير. ابن منظور، لسان العرب (5/ 345) مادة (خزز).

2 - الابتسام لهم والترحيب بهم

عطراً كان أطيب من عرق النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). في هذا الحديث دليل على أن للاهتمام بحسن المظهر وطيب الرائحة أثره على المدعوين. 2 - الابتسام لهم والترحيب بهم عن جرير بن عبد الله قال: «ما حجبني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت ولا رآني إلا تبسم في وجهي» (¬2). وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((سَيَأتِيكُم أقْوَامٌ يَطْلُبُونَ العِلْمَ، فإذَا رَأيْتُمُوهُم فقُولُوا لَهُمْ: مَرْحباً مَرْحباً بِوَصِيَّةِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واقْنُوهم)) (¬3). 3 - الشراء منهم وإكرامهم بزيادتهم في الربح عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزاة فأبطأ بي جملي وأعيا (¬4)، فأتى عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: ((جابر؟)) فقلت: نعم، قال: ((ما شَأنُك؟)) قلت: أبطأ عليَّ جملي وأعيا، فتخلفت، فنزل ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - (4/ 368) وقال: حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 383 رقم 2015). وهو عند البخاري بلفظ: ((خدمت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر سنين، فما قال لي أف، ولا لم صنعت؟ ولا ألا صنعت؟)) الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب حسن الخلق (4/ 98) حديث (6038). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - (4/ 1925). (¬3) أخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب الوصاة بطلبة العلم (1/ 90، 91)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 98 رقم 203)، وفي صحيح الجامع (رقم 3651). (¬4) أعيا: الإعياء الكلال، ابن منظور، لسان العرب (15/ 114) مادة (عيا).

4 - تقديرهم واحترام حقوقهم

يحجنه بمحجَنِه (¬1) ثم قال: ((اركَب)) فركبته، فلقد رأيته أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ... إلى أن قال: ((أتَبِيعُ جَملَك؟)) قلت: نعم، فاشتراه مني بأوقية، ثم قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبلي وقدمت بالغداة، فجئنا إلى المسجد فوجدته على باب المسجد قال: ((الآن قَدِمْتَ؟)) قلت: نعم، قال: ((فدَع جملَك، فادخل، فصلِّ ركعتين))، فدخلت فصليت، فأمر بلالاً أن يزن له أوقية، فوزن لي بلال فأرجح في الميزان، فانطلقت حتى وليت، فقال: ((ادعو لي جابراً)) قلت: الآن يرد عليَّ الجمل، ولم يكن شيء أبغض إليَّ منه، فقال: ((خُذْ جَمَلَكَ، ولَكَ ثَمَنُه)) (¬2). 4 - تقديرهم واحترام حقوقهم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أُتي بشراب فشرب منه - وعن يمينه غلام، وعن يساره الأشياخ - فقال للغلام: ((أتَأذَن لِي أنْ أُعْطِيَ هَؤُلاءِ؟)) فقال الغلام: والله يا رسول الله لا أؤثر بنصيبي منك أحداً، قال: فتله (¬3) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يده (¬4). ¬

(¬1) المحجن: العصا المعوجة. المرجع السابق (13/ 108) مادة (حجن). (¬2) أخرجه البخاري مطولاً، الجامع الصحيح كتاب البيوع، باب شراء الدواب والحمير (2/ 88) حديث (97). (¬3) فتله: وضعه. (¬4) متفق عليه. أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأشربة، باب هل يستأذن الرجل من عن يمينه (4/ 19)، ومسلم، كتاب الأشربة، باب استحباب إدارة الماء واللبن ونحوهما عن يمين المبتدئ (3/ 1603). واللفظ للبخاري.

5 - دعاؤهم بأحب الأسماء إليهم وإدخال السرور عليهم

5 – دعاؤهم بأحب الأسماء إليهم وإدخال السرور عليهم كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدعو عليًّا بأبي تراب. فعن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال: ما كان لعلي اسم أحب إليه من أبي تراب، وإن كان ليفرح إذا دعي به (¬1). كما أنه عليه الصلاة والسلام يغير الأسماء القبيحة إلى أحسن منها، كما غير اسم سهل بن سعد من حزن إلى سهل، وعاصية إلى جميلة، وبرة إلى جويرية (¬2). 6 – تهوين ما يحزنهم لما توفي والد جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وحزن عليه جابر وازداد همه لما ترك والده من عيال ودين، لقيه الرسول - صلى الله عليه وسلم - على هذه الحال فقال: ((يا جابرُ، مَا لي أراكَ منْكَسِراً؟)) قالَ جابر: قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالاً وديناً، قال: ((أفَلا أبَشِّرُكَ بِمَا لَقِيَ الله بهِ أبَاكَ؟)) قال: بلى يا رسول الله، قال: ((ما كَلَّمَ الله أحداً قَطّ إلاَّ مِنْ وَرَاءِ حِجاب، وكَلَّمَ أبَاكَ كِفَاحاً، فقالَ: يا عَبْدِي، تَمَنَّ عليَّ أُعْطِكَ، قال: يا ربِّ تُحْيينِي فأُقْتَل فيكَ ثانيةً، فقالَ الربُّ سبحانه: إنَّه سَبَقَ مِنِّي أنَّهُم إليْهَا لا يَرْجِعُونَ. قالَ: يا ربِّ، فأبْلِغْ مَنْ وَرائِي، قال: فأنْزَلَ الله تعالى: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْوَاتًا بَلْ ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - (4/ 1874). (¬2) قال ابن حجر في الإصابة (2/ 88): أن سهل بن سعد كان اسمه حزناً فغيَّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اسمه إلى سهل. وفي صحيح مسلم (3/ 1686) غير اسم عاصية إلى جميلة، وبرة إلى جويرية.

7 - إردافهم معه على الدابة

أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُون} (¬1). وعن المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - قال: ما سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحد عن الدجال أكثر مما سألته عنه، فقال لي: ((أيْ بُنيَّ، وما يُنْصِبُك (¬2) مِنْهُ إنَّه لَنْ يَضُرُّكَ)) قال: قلت: إنهم يزعمون أنه معه أنهار الماء وجبال الخبز، قال: ((هوَ أهْوَنُ على الله مِنْ ذَلكَ)) (¬3). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقيه في بعض طرق المدينة وهو جنب فانْخَنَس منه (¬4) فذهب فاغتسل ثم جاء، فقال: ((أيْنَ كُنْتَ يا أبَا هُريرة؟)) قال: كنت جنباً فكرهت أن أجالسك وأنا على غير طهارة، فقال: ((سُبْحانَ الله، إنَّ المسلمَ لا يَنْجَس)) (¬5). 7 - إردافهم معه على الدابة عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن أسامة - رضي الله عنه - كان رِدف النبي - صلى الله عليه وسلم - من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى، قال: فكلاهما قال: لم يزل النبي - صلى الله عليه وسلم - يلبي حتى رمى بجمرة العقبة (¬6)، وكما كان عليه ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، المقدمة، باب فيما أنكرت الجهمية (1/ 68)، وحسنه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (1/ 81 - 82 رقم 158). (¬2) ينصبك: من النصب وهو التعب والمشقة. أي ما يشق عليك وما يتعبك. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الأدب، باب جواز قوله لغير ابنه: يا بني، واستحباب الملاطفة (3/ 1693). (¬4) فانخنست منه: أي مضيت عنه مستخفياً، ولذلك سمي الشيطان بالخناس. (¬5) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الغسل، باب عرق الجنب وأن المسلم لا ينجس (1/ 109) حديث (283). (¬6) أخرجه البخاري في الجامع الصحيح، كتاب الحج، باب الركوب والارتداف في الحج (1/ 476) حديث (1544).

8 - قضاء حاجاتهم

الصلاة والسلام يردف معاذ بن جبل - رضي الله عنه - كما علمنا من حديثه. 8 – قضاء حاجاتهم عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، فدعوتها يوماً فأسمعتني في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكره، فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا أبكي، قلت: يا رسول الله، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى عليَّ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ اهْدِ أمَّ أبي هُريرة)). فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله - صلى الله عليه وسلم -، فلما جئت فصرت إلى الباب، فإذا هو مُجَافٌ (¬1)، فسمعت أمي خَشْفَ قدمي (¬2)، فقالت: مكانك! يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة (¬3) الماء، قال: فاغتسلتْ، ولَبِست دِرْعَها، وعجلت عن خِمَارِها، ففتحت الباب، ثم قالت: يا أبا هريرة! أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قال: قلت: يا رسول الله أبشر، قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة، «فحمد الله، وأثنى عليه، وقال خيراً». قال: قلت يا رسول الله، ادع الله أن يُحبِّبني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا. قال: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((اللهمَّ حَبِّبْ عُبَيْدكَ هذا – يعني أبا هريرة ¬

(¬1) مجاف: أي مردود، لسان العرب (9/ 35) مادة (جوف). (¬2) خشف: صوتها في الأرض، المرجع السابق (ص 71) مادة (خشف). (¬3) خضخضة: تحريك الماء ونحوه. المرجع السابق (7/ 114) مادة (خضخض).

9 - عيادة مرضاهم

– وأُمَّه إلى عبادِك المؤمنينَ، وحَبِّبْ إليْهِم المؤمنينَ)) فما خُلِقَ مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبَّني (¬1). 9 – عيادة مرضاهم عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: ((كان غلام يهودي يخدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فمرض، فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: ((أَسْلِم)) فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - فأسلم، فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: ((الحمدُ للهِ الذي أنْقَذَهُ مِنَ النَّارِ)) (¬2). خامساً: ترغيب الشباب في حسن الخلق كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يحرص على هذا الجانب النفسي لدى الشباب، ليرغبهم في حسن الخلق والآداب الحسنة، وله - صلى الله عليه وسلم - مع الشباب مواقف كثيرة لا يتسع المقام لحصرها، ولكن منها المواقف الآتية: 1 – حسن الأخلاق أحب الناس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنَّ مِنْ أحَبِّكُم إليَّ، وأقرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيامَةِ أحَاسِنَكُمْ أخْلاقاً، وإنَّ أبْغَضَكُمْ إليَّ، وأبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيامَةِ الثَّرثَارونَ (¬3) والمُتَشَدِّقونَ (¬4)، والمُتَفِيْهِقون)). قال: ((المتكبرون)) (¬5). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أبي هريرة الدوسي، (4/ 1938). (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الجنائز، باب إذا أسلم الصبي فمات (1/ 416). (¬3) الثرثار: كثير الكلام، لسان العرب (4/ 102) مادة (ثرر). (¬4) المتشدق: هو المتوسع في الكلام من غير احتياط ولا احتراز، وقيل: المستهزئ بالناس، المرجع السابق (10/ 173) مادة (شدق). (¬5) أخرجه الترمذي، كتاب البر والصلة، باب ما جاء في معالي الأخلاق (4/ 370) حديث (2018)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 384 – 385 رقم 2018).

وعن عبد الله بن عمرو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ألا أخْبِرُكُم بأحَبِّكُمْ إليَّ، وأقْرَبَكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَومَ القِيامَة؟))، فسكت القوم، فأعادها مرتين أو ثلاثاً. قال القوم: نعم يا رسول الله، قال: ((أحْسَنُكُم خُلُقاً)) (¬1). ولا شك أن الحصول على محبة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، والقرب منه يوم القيامة، من الأهداف التي يسعى إليها المؤمن. كما سأل ربيعة بن كعب الأسلمي - رضي الله عنه - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: أسألك مرافقتك في الجنة (¬2). وعندما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - في غزوة خيبر ((لأعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلاً يَفْتحُ الله عَلى يَدَيْهِ، يحبُّ الله ورسُولَهُ، ويُحبُّهُ الله ورسولَه)) (¬3)، يقصد علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. استشرف الصحابة رضي الله عنهم كلهم يرجو أن يُعطاها، رغبة منهم في أن يكونوا من أهل تلك الصفة. ولا شك أن واحدة من الخصلتين: أحبكم إليَّ، وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة، كافية لترغيب المؤمن في العمل اللازم لها، وهو ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (2/ 185). وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (3/ 10 رقم 2650) وفي صحيح الأدب المفرد (رقم 272). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب الصلاة، باب فضل السجود والحث عليه (1/ 353) حديث رقم (489). (¬3) أخرجه البخاري مطولاً، الجامع الصحيح، كتاب المغازي، باب غزوة خيبر، (3/ 137) حديث (4210).

2 - حسن الخلق يحرم على النار

حسن الخلق. 2 – حُسْنُ الخُلُق يُحرِّم على النار عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أُخْبِرُكُم بِمَنْ يَحرُم علَى النَّارِ، وبمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار؟ عَلَى كلِّ قَرِيبٍ هيِّنٍ سَهْلٍ)) (¬1). إن النجاة من النار مطلب للؤمن، فإذا أدرك أن هذا مترتب على التواضع وخفض الجناح، أسرع لتحقيقه، لنيل مطلوبه. 3 – الصدق يهدي إلى البر عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((عَلَيْكُم بالصِّدْقِ؛ فإنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إلى البِرِّ، وإنَّ البرَّ يَهْدِي إلى الجَنَّةَ، وما يَزَال الرَّجُلَ يَصْدُقُ ويَتَحرَّى الصِّدْقَ حتَّى يُكْتَبَ عنْدَ الله صِدِّيقاً. وإيَّاكُم والكَذِب؛ فإنَّ الكَذِبَ يَهْدِي إلى الفُجُورَ، وإنَّ الفُجَورَ يَهْدي إلى النَّارِ. وما يزالُ العبدُ يَكْذَبُ ويتَحرَّى الكذِبَ حتَّى يُكتَبَ عندَ الله كَذَّاباً)) (¬2). إن معرفة الشباب المؤمن أن الصدق طريق موصل إلى الجنة، يرغِّبهم فيه، ويحثهم عليه. كما أن معرفتهم بأن الكذب طريق إلى ¬

(¬1) أخرجه الترمذي، السنن، كتاب صفة القيامة باب (45، 4/ 654) حديث رقم (2488)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 601 رقم 2488). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: {يا أيُّها الذينَ آمَنُوا اتَّقوا الله وكُونُوا مَعَ الصَّادقين} (رقم 6094)، ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب قبح الكذب وحسن الصدق وفضله (رقم 2607) (105) واللفظ لمسلم.

4 - الحب في الله طريق الجنة

النار فهذا يحذرهم منه، ويبعدهم عنه. 4 - الحب في الله طريق الجنة ويرغب الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشباب وغيرهم بالتحاب بينهم، وإفشاء السلام، مبيناً أن ذلك هو طريق الجنة التي يسعى المؤمن للفوز بها. حيث يقول فيما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: ((لا تَدْخُلوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنوا حتَّى تَحَابُّوا، أوَلا أدُلُّكُمْ عَلَى شيءٍ إذَا فَعَلْتُموهُ تَحَابَبْتُم؟ أفْشُوا السَّلامَ بَيْنَكُم)) (¬1). 5 - ثمرة الورع والقناعة ومحبة الناس عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يا أبَا هُريرةَ! كُنْ وَرِعاً تَكُنْ أعْبَدَ النَّاس، وكُنْ قَنِعاً تَكُنْ أشْكَرَ النَّاس، وأحِبَّ للنَّاسِ ما تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤمِناً، وأحْسِنْ جِوارَ مَنْ جَاوَرَكَ تَكُنْ مُسلماً، وأقِلَّ الضَّحِكَ فإنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكَ تُمِيتُ القَلْبَ)) (¬2). 6 - ترغيب الشباب في أبواب الخير عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: كنت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر، فأصبحت يوماً قريباً منه، ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: ((لقَدْ سألتَ عَظِيماً، وإنَّه ليسيرٌ علَى مَنْ يَسَّرهُ الله عليه: تَعْبُدَ الله لا تُشْرك بِهِ شَيئاً، وتُقيمُ ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون (1/ 74). (¬2) أخرجه ابن ماجه، كتاب الزهد، باب الورع والتقوى (2/ 1410) حديث (4217)، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 374 رقم 3417).

سادسا: إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الآباء في التأديب

الصَّلاةَ، وتُؤتِي الزَّكاةَ، وتَصُومُ رَمضانَ، وتَحِجُّ البَيْتَ)) ثم قال: ((ألا أدُلُّكَ علَى أبْوابِ الخَير؟ الصَّومُ جُنَّة، والصَّدَقةُ تُطْفئُ الخَطيئة، كَما يُطفئُ النارَ المَاءُ، وصلاةُ الرَّجُل في جَوْفِ الليْل)). ثم قرأ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}. ثم قال: ((ألا أُخْبِرك بِرَأسِ الأمرِ وعُمودِه وذروَةِ سِنَامهِ؟ الجهَادُ)). ثم قال: ((ألا أخْبركَ بمِلاكِ ذلكَ كُلِّه؟)) قلت: بلى. فأخذَ بلسانه فقال: ((كفَّ عَلَيْكَ هذَا)) قلت: يا نبي الله وإنَّا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثَكَلَتْكَ أمّك يا معاذ، هل يكبَّ النَّاسَ عَلَى وجوهِهم في النَّارِ إلا حَصَائِدُ ألْسِنَتِهِم؟!)) (¬1). سادساً: إرشاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الآباء في التأديب تأديب الشباب هو حلقة من سلسلة مراحل التأديب التي تبدأ في الصغر. وفي هذه المرحلة – بداية التأديب – تقع المسؤولية كاملة على الأبوين، كما في حديث عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إذ يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألاَ كُلُّكُمْ رَاعٍ وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: فالإمامُ الأعظمُ الذي عَلَى النَّاسِ راعٍ، وهوَ مَسؤولٌ عنْ رعيَّتهِ: والرَّجُلُ راعٍ علَى أهْلِ بَيْتِه، وهوَ مسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أهْلِ بَيْتِ زَوْجِها ووَلَدِهِ، وهيَ مَسْؤولَةٌ عَنْهُم، وعَبْدُ الرَّجُلِ رَاعٍ علَى مالِ سَيِّدِهِ، وهوَ مَسْؤولٌ عَنْهُ، ألا فكُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة (2/ 1314) حديث رقم (3973) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 301 – 302 رقم 3224).

رَعِيَّتهِ)) (¬1). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَا مِنْ مَولودٍ إلا ويُولَدُ علَى الفِطْرةِ، فأبَوَاهُ يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه، كما تُنتجُ البَهيمةُ بهيمةً جَمْعاء، هل تحسُّون فيها مِنْ جَدعاء)) (¬2). ويحذر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أهمل رعيته كما ورد في حديث معقل بن يسار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرعيهِ الله رَعِيَّةً فلَمْ يُحِطْهَا بِنُصحِهِ [إلا] لمْ يَجِد رائِحَةَ الجَنَّةِ)) (¬3). كما وردت التوجيهات القرآنية من المولى جل وعلا كما في قوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} (¬4). فإذا كان الأب يخاف على ابنه من نار الدنيا، ويضع الاحتياطات اللازمة لذلك، فخوفه عليه من نار الآخرة يجب أن يكون أشد، وصيانته منها هو تأديبه وتهذيبه وتعليمه القيام بحقوق الإسلام. عن علي - رضي الله عنه - قال في قوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ ¬

(¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِين} [التغابن: 12]، (4/ 328) حديث (1738)، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل (3/ 1459)، واللفظ للبخاري. (¬2) أخرجه البخاري برقم (1385)، ومسلم، برقم (2658)، وتقدم تخريجه. (¬3) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأحكام، باب من استرعى رعية فلم ينصح (4/ 331)، حديث (7150). (¬4) سورة التحريم، الآية: 6.

سابعا: وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - للشباب في الآداب

نَارًا} أدبوهم وعلموهم (¬1). وفي هذا المعنى أيضاً يخاطب الله سبحانه وتعالى نبيه قائلاً: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} (¬2). ويوصي الله سبحانه وتعالى المؤمنين بأولادهم كما في قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} (¬3). كما يذكر الله سبحانه وتعالى في سورة لقمان أنموذجاً من نماذج تأديب الآباء للأبناء، ويتمثل ذلك في وصايا لقمان عليه السلام لابنه (¬4). سابعاً: وصايا النبي - صلى الله عليه وسلم - للشباب في الآداب أوصى النبي - صلى الله عليه وسلم - الشباب بوصايا كثيرة، منها الوصايا الآتية: 1 - لا تصاحب إلا مؤمناً. عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنه سمع الرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((لا تُصاحِب إلا مُؤْمناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إلا تَقِيٌّ)) (¬5). الشباب في هذه المرحلة وخاصة في بدايتها أحوج ما يكونون ¬

(¬1) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (4/ 392). (¬2) سورة طه، الآية: 132. (¬3) سورة النساء، الآية: 11. (¬4) انظر الآيات: 13، 16، 17، 18، 19 من سورة لقمان. (¬5) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (رقم 4832)، والترمذي، كتاب الزهد، باب ما جاء في صحبة المؤمن (رقم 2395)، وقال: هذا حديث حسن. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 563 - 564 رقم 2395).

إلى النصيحة والإرشاد في اختيار الأصحاب والجلساء. ويضرب الرسول عليه الصلاة والسلام للشباب مثل الجليس الصالح والجليس السوء، كما في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ كَحامِلِ الْمِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فحامِل المِسْكِ إمَّا أنْ يُحذيكَ وإمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً طَيِّبةً، ونافِخِ الكِيرِ إمَّا أنْ يُحْرِقُ ثِيابَكَ وإمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحاً خَبيثةً)) (¬1). ولعظم تأثير الجليس على جليسه يقول سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاَنًا خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولاً} (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرءُ عَلى دِينِ خَلِيْلِهِ، فَلْيَنظُر أحَدَكُمْ مَنْ يُخَالل)) (¬3). والشاب خاصة أشد تأثراً بقرينه، ومن هنا تأتي أهمية اختيار ¬

(¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الذبائح والصيد، باب المسك (3/ 463) رقم (5534). ومسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب استحباب مجالسة الصالحين، ومجانبة قرناء السوء (4/ 2026)، واللفظ للبخاري. (¬2) سورة الفرقان، الآيات: 27 – 29. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (رقم 4833)، والترمذي، كتاب الزهد (رقم 2378)، وقال: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 554 رقم 2378).

الصاحب، وإذا كان الفتى في هذه المرحلة لا يتمكن من المعرفة التامة بالصاحب المناسب الذي يسلم من شره، وينتفع بخيره. وهنا يأتي دور الداعية ببيان ذلك للشباب وإعانتهم عليه. ذكر الغزالي شروط الصاحب فقال: ينبغي أن يكون فيمن تؤثر صحبته خمس خصال: أن يكون عاقلاً، حسن الخُلق، غير فاسق، ولا مبتدع ولا حريص على الدنيا. أما العقل فهو رأس المال وهو الأصل، فلا خير في صحبة الأحمق، فإلى الوحشة والقطيعة ترجع عاقبتها وإن طالت. قال علي - رضي الله عنه -: فلا تصحب أخا الجهل ... وإياك وإياه فكم من جاهل أردى ... حليماً حين آخاه يقاس المرء بالمرء ... إذا ما المرء ما شاه وللشيء من الشيء ... مقاييس وأشباه (¬1) وأما حسن الخلق فلا بد منه، إذ رب عاقل يدرك الأشياء على ما هي عليه، ولكن إذا غلبه غضب أو شهوة أو بخل أو جبن أطاع هواه، وخالف ما هو معلوم عنده، لعجزه عن قهر صفاته وتقويم أخلاقه، فلا خير في صحبته. وأما الفاسق المصر على الفسق فلا فائدة في صحبته؛ لأن من ¬

(¬1) هذه الأبيات من بحر الهزج، وذكرها أبو حيان التوحيدي في الصداقة والصديق (ص259).

2 - أحسن خلقك للناس

يخاف الله لا يصرُّ على كبيرة. ومن لا يخاف الله لا تؤمن غائلته، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغيير الأغراض. وأما المبتدع ففي صحبته خطر سراية البدعة وتعدي شؤمها إليه، فالمبتدع مستحق للهجر والمقاطعة، فكيف تؤثر صحبته؟ وحسن الخُلُق قد جمعه علقمة العطاردي في وصيته لابنه، حين حضرته الوفاة. قال: يا بني إذا عرضت لك صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤونة مانك. اصحب من إذا مددت يدك بالخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدّها، وإن رأى سيئة سدَّها. اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك. اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمراً أمرك، وإن تنازعتما في شيء آثرك (¬1). 2 – أحسن خلقك للناس عن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - قال: آخر ما أوصاني به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين وضعت رجلي في الغرز (¬2) أن قال: ((أحْسِنْ خُلُقكَ للناسِ يا معاذ بن جبل)) (¬3). ¬

(¬1) إحياء علوم الدين، بيروت، نشر دار الندوة الجديدة (2/ 170 – 172)، وانظر: فيض القدير (6/ 406). (¬2) الغرز: ركاب الرحل من الجلد، الصحاح (3/ 88) مادة (غرز). (¬3) أخرجه الإمام مالك في الموطأ، كتاب الجامع، ما جاء في حسن الخلق. (ص 650) رقم (1627)، وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب والترهيب (2/ 189 – 190 رقم 1603).

3 - املك عليك لسانك

وعن عبد الله بن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن معاذ بن جبل - رضي الله عنه - أراد سفراً فقال: يا رسول الله، أوصني، قال: ((اعبُدِ الله ولا تُشْركْ بهِ شَيئاً)) قال: يا رسول الله، زدني، قال: ((إذَا سأْلْتَ فأحْسِن)) قال: يا رسول الله زدني. قال: ((استَقِمْ، ولتُحسِنَ خُلُقِك)) (¬1). 3 – املك عليك لسانك عن عقبة بن عامر قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((امْلُك عَليكَ لِسانَك، وليسعَكَ بيتُكَ، وابكِ علَى خَطِيئتكَ)) (¬2). كما أوصى الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشاب معاذ بن جبل - رضي الله عنه - بجملة من الأعمال ثم قال: ((ألا أخُبِركَ بمَلاكِ ذلِكَ كُلّه؟)) قال معاذ: بلى. فأخذ بلسانه وقال: ((تكفّ عَليْكَ هَذا)) قال معاذ: يا نبي الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ((ثَكَلَتْكَ أمُّك يا مُعاذ، هلْ يَكبُّ النَّاس على وجوهِهِم في النَّارِ إلاَّ حَصَائِدُ ألْسِنَتِهم؟!)) (¬3). وهذه إشارة من الرسول - صلى الله عليه وسلم - للشباب، إلى أن السلامة في كف ¬

(¬1) أخرجه الحاكم في المستدرك (1/ 54)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي، وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (رقم 1228). (¬2) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان (رقم 2406)، وقال: حديث حسن. وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (2/ 567 رقم 2406). (¬3) أخرجه ابن ماجه في كتاب الفتن، باب كف اللسان في الفتنة حديث رقم (3973) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه (3/ 301 – 302 رقم 3224) وتقدم تخريجه.

4 - لا تتبع النظرة النظرة

اللسان؛ لأن الكلام ترجمان، يعبر عن مستودعات الضمائر، ويخبر بمكنونات السرائر، لا يمكن استرجاع بوادره، ولا يقدر على رد شوارده، فحق على العاقل أن يحذر من زلَلِهِ، بالإمساك عنه، أو بالإقلال منه، فرحم الله امرءاً قال فَغَنِمَ، أو سكت فسَلِمَ. وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: ((اللسان معيار أطاشه الجهل، وأرجحه العقل)). وقال بعض الحكماء: ((الزم الصمت تعد حكيماً، جاهلاً كنت أو عالماً)). وقال بعض الأدباء: سعد من لسانه صموت، وكلامه قوت (¬1). وليعلم الشاب أنه إذا أراد أن يتكلم. فإن للكلام شروطاً هي: 1 - أن يكون للكلام داع يدعو إليه: إما في اجتلاب نفع، أو دفع ضرر. 2 - أن يأتي به في موضعه، ويتوخى به إصابة فرصته. 3 - أن يقتصر منه على قدر الحاجة. 4 - أن يتخير اللفظ الذي يتكلم به. 4 - لا تتبع النظرة النظرة عن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((يا عليّ لا تُتْبعِ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ، فإنَّ لكَ الأولى ولَيْسَت لكَ الآخِرَةُ)) (¬2). ¬

(¬1) انظر: الماوردي، أدب الدنيا والدين، تحقيق وتعليق مصطفى السقا، دار الكتب العلمية، بيروت، (ص 265)، وفيض القدير (4/ 24). (¬2) أخرجه الترمذي في سننه، كتاب الأدب، باب ما جاء في نظر الفجأة (رقم 2777) وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث شريك. وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (3/ 108 رقم 2777).

وعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظرة الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري (¬1). ما أحوج الشباب إلى مثل هذه النصيحة، والتأكيد عليها لاجتماع شهواتهم وكثرة الفتن في هذا الزمان، وإذا كان الشاب غير متزوج، كانت الحاجة أشد، لما في النظر عليه من الخطر. قال ابن القيم رحمه الله: والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان. فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولا بد، ما لم يمنع منه مانع. وفي هذا قيل: ((الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده)) ولهذا قال الشاعر: كل الحوادث مبدؤها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة بلغت في قلب صاحبها ... كمبلغ السهم بين القوس والوتر والعبد ما دام ذا عين يقلبها ... في أعين الغير موقوف على الخطر يسر مقلته ما ضر مهجته ... لا مرحباً بسرورٍ عاد بالضرر (¬2) ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الآداب، باب نظر الفجاءة (رقم 2159). (¬2) الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، الرياض، نشر مكتبة الرياض الحديثة 1392هـ، (ص 134). وذكر الأبيات الذهبي في الكبائر (ص 59).

5 - البداءة باليمين

5 - البداءة باليمين يُوصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الشباب بالتيمن، في أكلهم وشربهم وتنعلهم، وفي كل أمورهم، كما هي حاله. عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذَا أكَلَ أحدكُمْ فَلْيَأكُلْ بِيمِينهِ، وإذَا شَرِبَ فَلْيَشرَبْ بِيمينهِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يأكُلُ بشِمالِهِ، ويشْرَبُ بشِمالِهِ)) (¬1). وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تأكُلُوا بالشِّمَالِ، فإنَّ الشَّيْطانَ يأكُلُ بالشِّمال)) (¬2). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذَا انْتَعَلَ أحدُكُم فليَبْدأ باليُمْنَى، وإذَا خَلَعَ فليبدَأ بالشِّمالِ، وليُنْعلهُمَا جَميعاً، أو لِيَخْلَعْهُما جَميعاً)) (¬3). وعن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تَمشِ في نَعْلٍ واحدٍ، ولا تَحْتَبِ (¬4) في إزارٍ واحِدٍ، ولا تأكُلْ بِشِمَالِكَ، ولا تَشْتَمِلِ الصَّمَاء (¬5)، ولا تضَعْ إحْدَى رِجْليكَ على الأخْرَى، إذَا ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الأشربة، باب آداب الطعام والشراب وأحكامها (3/ 1598). (¬2) المرجع السابق. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب استحباب لبس النعل في اليمنى أولاً، (3/ 1660). (¬4) الاحتباء هو: أن يقعد الإنسان على إليتيه وينصب ساقيه ويحتوي عليهما بثوب أو نحوه أو بيده، وهذه القعدة يقال لها الحبوة بضم الحاء وكسرها. وكان هذا الاحتباء عادة للعرب في مجالسهم. فإن انكشف معه شيء فهو حرام. شرح النووي على صحيح مسلم (14/ 76، 77). (¬5) اشتمال الصماء: قال الأصمعي: هو أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده، لا يرفع منه جانباً فلا يبقى ما يخرج منه يده، وهذا يقوله أكثر أهل اللغة، وقال ابن قتيبة: سميت صماء لأنه سد المنافذ كلها كالصخرة الصماء التي ليس فيها فرق ولا صدع، قال أبو عبيدة: هو أن يشتمل بثوب ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه فيضعه على أحد منكبيه. المرجع السابق.

6 - ارفع إزارك

استَلْقَيتَ)) (¬1). 6 – ارفع إزارك عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: مررت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي إزاري استرخاء فقال: ((يا عبد الله، ارْفَعْ إزَارَك)) فرفعته، ثم قال: ((زِدْ)) فزدت, فما زلت أتحراها بعد. فقال بعض القوم: إلى أين؟ فقال: ((أنْصافِ السَّاقَين)) (¬2). والتحذير من إسبال الثياب ضروري للشباب، لأن الشاب تعجبه نفسه ويغلبه هواه، فيقع فيما حرم الله. ولا بد أن يدرك الشاب جيداً خطر هذا الجرم، وما يترتب عليه من الإثم. ومن ذلك أن الله يوم القيامة لا ينظر إلى من جرَّ إزاره بطراً، كما في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يَنْظرِ الله يومَ القِيامة إلى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب في منع الاستلقاء على الظهر ووضع إحدى الرجلين على الأخرى (3/ 1662). (¬2) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء (3/ 1653). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء (4/ 54). ومسلم في كتاب اللباس والزينة، باب تحريم جر الثوب خيلاء (3/ 1653) ولم يذكر يوم القيامة.

ثامنا: تقويم أخطاء الشباب في الآداب

وأنه مُعَرَّضٌ لأن يخسف الله به الأرض، كما في حديث سالم بن عبد الله أن أباه حدثه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((بينما رَجُلٌ يَجرُّ إزَارَهُ إذْ خُسِفَ بهِ؛ فهوَ يتَجَلْجَلُ في الأرضِ إلى يومِ القِيامةِ)) (¬1). وأنه معرض لعذاب جهنم كما في قوله عليه الصلاة والسلام: ((ما أسْفَلَ الكَعْبينِ مِنَ الإزارِ ففي النَّارِ)) (¬2). ثامناً: تقويم أخطاء الشباب في الآداب استخدم النبي - صلى الله عليه وسلم - أساليب حكيمة في إصلاح أخطاء الشباب في الآداب، ومن ذلك الأساليب الآتية: 1 - أسلوب الإصلاح العملي لما كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، أردف معه الفضل بن العباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا من مزدلفة إلى منى، وكان الفضل - رضي الله عنه - حسن الشعر، أبيض وسيماً، فلما دفع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مَرَّت به ظُعُن (¬3) يجرين فطفق الفضل ينظر إليهن. فوضع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يده على وجه الفضل، فحول الفضل وجهه إلى الشق الآخر ينظر. فحول الرسول - صلى الله عليه وسلم - يده من الشق الآخر على وجه الفضل. يصرف وجهه من الشق الآخر ¬

(¬1) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب من جر ثوبه من الخيلاء (4/ 54)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم التبختر في المشي مع إعجابه بثيابه (4/ 1654). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب ما أسفل من الكعبين فهو في النار (4/ 54) حديث (5787). (¬3) الظعن: بضم الظاء والعين، ويجوز إسكان العين جمع ظعينة، كسفينة وسفن، وأصل الظعينة البعير الذي عليه امرأة. وتسمى به المرأة مجازاً لملابستها البعير. انظر: لسان العرب لابن منظور (13/ 270، 271) مادة (ظعن).

2 - أسلوب التلميح

ينظر (¬1). تصرف حكيم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزد على وضع يده أمام وجه الفضل - رضي الله عنه -، مع أنه نظر إلى النساء وهو في عبادة، ورديف النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكن هذا الأسلوب النبوي كان كافياً لإصلاح الخطأ من الفضل بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. ومن الحكمة في الإصلاح الاقتصار من الأسلوب على ما يكون كافياً في ردع المخطئ، وإصلاح الخطأ، دون الزيادة على ذلك، من التوبيخ والتجريح. من مراعاة حال المخطئ ودرجة الخطأ. فالفضل - رضي الله عنه - شاب حديث السن قوي الشهوة. ولم تغب هذه الأشياء عن تصور النبي - صلى الله عليه وسلم - عند توجيهه للفضل بن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. 2 – أسلوب التلميح عن جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - في دين كان على أبي، فدققت الباب، فقال: ((مَنْ ذا؟)) فقلتُ: أنا فقال: ((أنَا أنَا ... )) كأنه كرهها (¬2). ولم يوضح النبي - صلى الله عليه وسلم - خطأه في الاستئذان، ولكنه لما ردد ((أنا)) كارهاً كان في ذلك إيحاء لجابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بخطئه. وقد يكون الإيحاء بالغضب، كما في حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء في خدرها، ¬

(¬1) انظر: صحيح مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم - (2/ 891). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الاستئذان، باب إذا قال: من ذا؟ فقال: أنا (4/ 140) حديث (6250).

3 - أسلوب الثناء

فإذا رأى شيئاً يكرهه عرفناه في وجهه (¬1). 3 – أسلوب الثناء للثناء تأثير عجيب على النفوس، إذا استغل في الدعوة، مع مراعاة الاعتدال فيه. وخاصة على الشباب، لما لديهم من حاجة إلى التقدير والاحترام والقبول الاجتماعي. ففي الثناء عليهم وبيان حسناتهم إشباع لهذه الحاجة. كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يستغل هذه الحاجة في الوقت المناسب لإصلاح أخطاء الشباب في الآداب. عن خريم بن فاتك الأسدي - رضي الله عنه - قال: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((نِعْمَ الرَّجلُ أنتَ يا خريم، لولا خلَّتانِ فيكَ)) قلت: وما هما يا رسول الله؟ قال: ((إسْبَال إزَارِكَ، وإرْخاؤُكَ شَعْرِكَ)) (¬2). وفي رواية: ((لولا أنَّ فِيْكَ اثنَتينِ كُنْتَ أنْتَ)) قال: إن واحدة تكفيني، قال: ((تسْبِل إزَارك، وتوفِّرُ شَعْرَك)). قال: لا جرم والله لا أفعل (¬3)! أسلوب حكيم جعل خريم بن فاتك الأسدي يقسم أن ينتهي عنهما، طمعاً في المكانة التي يكون فيها إذا ارتدع عن تلكما الخصلتين. ¬

(¬1) أخرجه البخاري، في كتاب الأدب، باب من لم يواجه الناس بالعتاب (4/ 110) حديث (6102). (¬2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 322)، وأبو داود بلفظ قريب، كتاب اللباس، باب ما جاء في إسبال الإزار (رقم 4089)، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 4089). (¬3) أخرجه الإمام أحمد في المسند (4/ 321).

4 - أسلوب الإقناع بالحوار

فحري بالدعاة أن يغتنموا ما في الشباب من خصال حميدة، ليثنوا عليهم فيها، ويحذروهم من سواها، مع إشعارهم بأن أخطاءهم قليلة، وأنهم سيصبحون في مكان محمود إذا تخلصوا منها، بدلاً من التركيز على المساوئ، وإغفال المحاسن، والإعراض عن النتائج. 4 – أسلوب الإقناع بالحوار عن عبيدة بن خلف قال: قدمت المدينة وأنا شاب متأزر ببردة لي ملحاء أجرها، فأدركني رجل فغمزني بمخصرة معه، فقال: ((أمَا لَوْ رَفَعْتَ ثَوْبَكَ كَانَ أبْقَى وأنْقَى)) فالتفت، فإذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: قلت يا رسول الله، إنما هي بردة ملحاء، قال: ((وإنْ كانَتْ بُردَةً مَلحاء، أما لَكَ فيَّ أسوَة)) فنظرت إلى إزاره فإذا فوق الكعبين وتحت العضلة (¬1). لم يكتف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيان الخطأ لعبيدة بن الحارث، بل حثه على إصلاحه، وأقنعه بأهمية ذلك، كما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يجار الشاب عندما قال: ((إنها بردة ملحاء)) لها مكانة في نفسه، فحكم الشرع فوق هوى النفس. ومن هذا الباب أيضاً حديث الشاب الذي جاء يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الزنى. ¬

(¬1) أخرجه الإمام أحمد في المسند (5/ 364)، ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (رقم 1857).

5 - أسلوب التحذير والتنفير

5 – أسلوب التحذير والتنفير عن عبد الله بن عمرو بن العاص رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ مِنْ أكبرِ الكَبَائرَ أن يَلْعَنَ الرَّجُلُ والدَيْهِ)) قيل: يا رسول الله، وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: ((يَسُبُّ الرَّجلُ أبَا الرَّجُلِ، فيسبُّ أبَاهُ، ويَسُبُّ أمَّه، فيَسُبَّ أمَّه)) (¬1). وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألا أنَبِّئكم بأكْبَرِ الكَبائر؟)) قلنا بلى يا رسول الله، قال: (ثلاثاً): ((الإشْراكَ بالله، وعُقُوقِ الوَالدَينِ)). وكان متكئاً فجلس فقال: ((ألا وقَوْلُ الزُّورِ وشَهَادَةُ الزُّورِ، ألا وقَوْلُ الزُّورِ وشَهادَةُ الزُّورِ)) فما زال يقولها حتى قلت: لا يسكت (¬2). كما يحذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - الشباب الذين اغتروا بطراوة أجسادهم، وجمال أشكالهم، وحسن شعورهم، حتى تشبوا بالنساء: هيئةً، ولباساً، ومشية، وكلاماً، كما يقول ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبِّهين من الرِّجالِ بالنساءِ، والمتشبِّهات من النِّساءِ بالرِّجالِ (¬3). وعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أيضاً: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من ¬

(¬1) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الأدب، باب لا يسب الرجل والديه (4/ 86)، حديث (5973). (¬2) أخرجه البخاري، باب عقوق الوالدين من الكبائر (4/ 87)، حديث (5976). (¬3) أخرجه البخاري، كتاب اللباس، باب المتشبهين بالنساء، والمتشبهات بالرجال (4/ 71) رقم (5884).

6 - أسلوب العتاب والعقاب

الرجال، والمترجِّلات من النساء، وقال: ((أخْرِجُوهُم مِنْ بِيوتِكُمْ)) قال: فأخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - فلاناً وأخرج عمر فلانة (¬1). 6 - أسلوب العتاب والعقاب أسلوب العتاب والعقاب الذي في محله ولا يتجاوز حده من الأساليب النبوية في تقويم الأخطاء لدى الشباب، فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: دخل عليَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى فاطمة رضي الله عنها من الليل، فأيقظنا للصلاة، ثم رجع إلى بيته فصلى هوِّياً من الليل. قال فلم يسمع لنا حسًّا. قال: فرجع إلينا، فأيقظنا وقال: ((قوما فصَلِّيا)) قال: فجلست وأنا أعرك عيني وأقول: إنا والله ما نصلي إلا ما كتب لنا، إنما أنفسنا بيد الله، فإذا شاء يبعثنا بعثنا: قال: فولَّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول ويضرب بيده على فخذه: ((ما نُصلِّي إلا ما كَتَبَ لنا؟ ما نصلِّي إلا ما كَتَب لنا؟)) {وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} (¬2). بهذا الأسلوب اللطيف الذي ليس فيه تجريح ولا توبيخ، عاتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا. وعن معاوية بن جاهمة السلمي قال: أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) أخرجه البخاري، باب إخراج المتشبهين بالنساء من البيوت (4/ 72) رقم (5886). (¬2) أخرجه الإمام أحمد في المسند (1/ 91). والبخاري، الجامع الصحيح، كتاب التوحيد، باب في المشيئة والإرادة (4/ 398)، حديث (7465)، وهذا لفظ الإمام أحمد.

فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة، قال: ((وَيْحَكَ أحيَّةٌ أمُّك؟)) قلت: نعم. قال: ((ارجِع فبرَّهَا)) ثم أتيته من الجانب الآخر، فقلت: يا رسول الله، إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ((ويْحَك أحيَّةٌ أمُّكَ؟)) قلت: نعم يا رسول الله، قال: ((فارجِع إليْها فبُرَّها)) ثم أتيته من أمامه، فقلت يا رسول الله: إني كنت أردت الجهاد معك، أبتغي بذلك وجه الله والدار الآخرة. قال: ((ويْحكَ أحيَّة أمُّك)) قلت: نعم يا رسول الله: قال: ((ويحَك الزَمْ رِجْلَها فثمَّ الجنَّة)) (¬1). مع أن معاوية كرر على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الطلب إلا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يزد عن قوله: ((ويحك .. )). ولكن العتاب يزداد مع حجم الخطأ، فيكون عقاباً يصل إلى تطبيق الحد الشرعي إذا لزم الأمر ذلك دون مراعاة للطبقات أو تأثرٍ بالعواطف. كما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رجلاً من الأعراب جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس فقال: يا رسول الله اقضِ بكتاب الله، فقام خصمه فقال: صدق، اقضِ لي يا رسول الله بكتاب الله، إن ابني كان ¬

(¬1) أخرجه ابن ماجه، كتاب الجهاد، باب الرجل يغزو وله أبوان (رقم 2781) وصححه الألباني، في صحيح سنن ابن ماجه (2/ 386 - 387 رقم 2259).

عَسِيفاً (¬1) على هذا فزنى بامرأته. فأخبروني أن على ابني الرجم، فافتديت بمائة من الغنم، ووليدة، ثم سألت أهل العلم فزعموا أن ما على ابني: جلد مائة وتغريب عام. فقال: ((والذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لأقْضِيَنَّ بَيْنَكُما بِكتابِ الله: أمَّا الغَنَم والوَلِيدة فردٌّ عَلَيْكَ، وعلى ابْنِكَ جَلْدُ مائَة وتَغْريبُ عامٍ. وأمَّا أنْتَ يا أنيس فاغْدُ على امْرأةِ هذَا فارْجُمْهَا))، فغَدا أنيسٌ فَرَجَمَها (¬2) (¬3). * ... * ... * ¬

(¬1) العسيف: قال مالك: الأجير، والجمع عسفاء ويطلق أيضاً على الخادم وعلى العبد وعلى السائل. ابن حجر، فتح الباري (12/ 139). (¬2) أخرجه البخاري، الجامع الصحيح، كتاب الحدود، باب من أمر غير الإمام بإقامة الحد غائباً عنه (4/ 259)، حديث (6835، 6836). (¬3) انظر: المنهاج النبوي في دعوة الشباب، لسليمان بن قاسم العيدي، (ص 305 – 343) بتصرف.

المبحث الرابع والعشرون: التربية والتأديب بالقوة عند الحاجة

المبحث الرابع والعشرون: التربية والتأديب بالقوة عند الحاجة لا شك أن التربية بالرفق، واللين، والرحمة، من أهم أساليب التربية، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل ذلك، كما تقدم في المباحث السابقة، وما ضرب رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أحداً بيده إلا أن يجاهد في سبيل اللَّه؛ لحديث: عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: ((مَا ضَرَبَ رسولُ اللَّه - صلى الله عليه وسلم - شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلاَ امْرَأةً وَلاَ خَادِماً، إِلاَّ أنْ يُجَاهِدَ فِي سَبيلِ اللَّهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلاَّ أن يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ تَعَالَى، فَيَنْتَقِمُ للَّهِ تَعَالَى)) (¬1). ولكن إذا لم ينفع الرفق واللين، والرحمة؛ فإن التربية بالحكمة هي وضع الشيء في موضعه بإحكامٍ وإتقانٍ، بدون زيادة ولا نقصان؛ فإن المربِّي كالطبيب في معالجته للمرض والمرضى، فمن المرض ما يحتاج إلى حمية المريض عن بعض المأكولات، ومن المرض ما يحتاج إلى بعض الأدوية اليسيرة، ومن المرض ما يحتاج إلى كيٍّ بالنار عند الحاجة، ومن المرض ما يحتاج إلى عملية جراحية للمريض، إذا لم ينفع في علاجه غيرها، فتستخدم عند الحاجة إليها، بشرط الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية، وقد جاءت نصوص من الكتاب والسنة في التأديب بالقوة عند الحاجة لذلك، وهي على النحو الآتي: ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرمته، برقم 2327.

أولا: النصوص بالمنطوق أو المفهوم وهي على النحو الآتي:

أولاً: النصوص بالمنطوق أو المفهوم وهي على النحو الآتي: 1 - أمر الله - عز وجل - المؤمنين بإلزام أنفسهم وأهليهم بطاعة الله، ووقاية أنفسهم وأهليهم من عذاب الله، قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون} (¬1). قال العلامة السعدي رحمه الله: ((أي يا من منَّ الله عليهم بالإيمان قوموا بلوازمه وشروطه، فـ {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}. موصوفة بهذه الأوصاف الفظيعة، ووقاية الأنفس بإلزامها بأمر الله، والقيام بأمره امتثالاً، ونهيه اجتناباً، والتوبة عما يسخط الله ويوجب العذاب، ووقاية الأهل [والأولاد] بتأديبهم، وتعليمهم، وإجبارهم على أمر الله، فلا يسلم العبد إلا إذا قام بما أمر الله به في نفسه، وفيما يدخل تحت ولايته: من الزوجات، والأولاد، وغيرهم، مِمَّن هُوَ تحت ولايته وتصرفه)) (¬2). 2 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الضرب في الوجه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ، فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ)) (¬3). ¬

(¬1) سورة التحريم، الآية: 6. (¬2) تفسير السعدي (ص 874). (¬3) أخرجه مسلم، كتاب البر والصلة، باب النهي عن ضرب الوجه، برقم 2612، ومسند أحمد، 12/ 275، برقم 7323، والنسائي في السنن الكبرى، كتاب صفة الصلاة، باب التسليم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 7310، وأما لفظ البخاري، كتاب العتق، باب إذا ضرب العبد فليجتنب الوجه، برقم 2559، ولفظ آخر لمسلم، كتاب البر والصلة والآداب، باب النهي عن ضرب الوجه، برقم 2612: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((قَالَ إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ)).

3 - لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من وسم البهيمة في وجهها؛

3 - لعن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - من وسم البهيمة في وجهها؛ لحديث: جابر - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مَرَّ عَلَيْهِ حِمَارٌ قَدْ وُسِمَ في وَجْهِهِ، فَقَالَ: ((لَعَنَ اللهُ الَّذِي وَسَمَهُ)) (¬1). 4 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوسْم في الوجه؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - قال: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الضَّرْبِ في الوَجْهِ، وَعَنِ الوَسْمِ في الوَجْهِ)) (¬2). 5 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يضرب الرجل امرأته ضرب العبد، ثم يُضاجعها؛ لحديث: عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - أَنْ يَضْحَكَ الرَّجُلُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنَ الْأَنْفُسِ، وَقَالَ: ((بِمَ يَضْرِبُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ ضَرْبَ الْفَحْلِ، أَوِ الْعَبْدِ، ثُمَّ لَعَلَّهُ يُعَانِقُهَا)) وَقَالَ الثَّوْرِيُّ، وَوُهَيْبٌ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامٍ: ((جَلْدَ الْعَبْدِ)) (¬3). ¬

(¬1) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه، ووسمه فيه، برقم 2117. (¬2) أخرجه مسلم، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن ضرب الحيوان في وجهه، ووسمه فيه، برقم 2116. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأدب، باب قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم)، برقم 6042، ومسلم، كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون، والجنة يدخلها الضعفاء، برقم 2855، ولفظه: عن أبي زمعة ثم ذكر النساء فوعظ فيهن ثم قال: ((إلام يجلد أحدكم امرأته)) في رواية أبي بكر: (جلد الأمة)، وفي رواية أبي كريب: (جلد العبد)، ((ولعله يضاجعها من آخر يومه)).

6 - أدب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض المجاهدين في صدره،

6 - أدّب النبي - صلى الله عليه وسلم - بعض المجاهدين في صدره، ثم طلب منه أن يقتصّ منه؛ لحديث: عبد الله بن جبير الخزاعي وغيره قال: ((طعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً في بطنه، إما بقضيب، وإما بسواك، قال: أوجعتني فأقدني، فأعطاه العود الذي كان معه، ثم قال: ((استقد))، فقبّل بطنه، ثم قال: بل أعفو عنك، لعلك أن تشفع لي بها يوم القيامة)) (¬1). 7 - خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة إلى مقبرة البقيع يزور أهلها، فلحقته عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فلهدها في صدرها؛ لحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: ((قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: ((مَا لَكِ يَا ¬

(¬1) وردت هذه القصة بروايات متقاربة في: معرفة الصحابة لأبي نعيم، 3/ 1609، بلفظه، والمستدرك، 3/ 288، برقم 5262، والسنن الكبرى للبيهقي، 8/ 49، والأحاديث المختارة للضياء المقدسي، 3/ 417، سيرة ابن هشام، 3/ 174، أسد الغابة لابن الأثير، 2/ 88، الروض الأنف، 3/ 67، الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر، 3/ 218، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، 6/ 452: ((رواه الطبراني ورجاله ثقات)). وحسّن إسناده الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحية، 6/ 808.

8 - إذا انتهكت حرمات الله، فلا يقوم لغضبه - صلى الله عليه وسلم -

عَائِشُ؟ حَشْيَا رَابِيَةً))، قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: ((لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ))، قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأمِّي فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: ((فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟)) قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: ((أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟)) قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ، نَعَمْ، قَالَ: ((فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ فَنَادَانِي فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ))، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللَّهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ)) (¬1). 8 - إذا انتهكت حرمات اللَّه، فلا يقوم لغضبه - صلى الله عليه وسلم - قائم وينتقم لله منه؛ لحديث عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: قالت: ((مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا)) (¬2). 9 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأطر على الحق، والإلزام به؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ ¬

_ (¬1) مسلم، كتاب الجنائز، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، برقم 974. (¬2) البخاري، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم 3560، ومسلم، كتاب الفضائل، باب مباعدته - صلى الله عليه وسلم - للآثام، واختياره من المباح أسهله، وانتقامه لله عند انتهاك حرماته، برقم 2327.

10 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يسأل الرجل فيما يضرب امرأته؛

عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ: يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهَ، وَدَعْ مَا تَصْنَعُ، فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ، ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ، فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ». ثُمَّ قَالَ: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ (إِلَى قَوْلِهِ: (فَاسِقُونَ (ثُمَّ قَالَ: «كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ، وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا، وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا» (¬1)، وفي رواية زاد: ((أَوْ لَيَضْرِبَنَّ اللَّهُ بِقُلُوبِ بَعْضِكُمْ عَلَى بَعْضٍ ثُمَّ لَيَلْعَنَنَّكُمْ كَمَا لَعَنَهُمْ)) (¬2). 10 - نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يُسأل الرجل فيما يضرب امرأته؛ لحديث: عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِي - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «لاَ يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَا ¬

_ (¬1) أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4338، الترمذي، كتاب تفسير القرآن، باب ومن سورة المائدة، برقم 3047، وحسنه، وابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم 4006، ومسند الإمام أحمد، 6/ 251، برقم 3713، والسنن الكبرى للبيهقي، 10/ 93، وشعب الإيمان للبيهقي، 10/ 43، والمعجم الكبير للطبراني، 10/ 145برقم 10264، والمعجم الأوسط 1/ 166، ومسند أبي يعلى، 8/ 448، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، 7/ 269: ((رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح))، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود، ص 354، وقال محققو مسند الإمام أحمد، 6/ 251، برقم 3713: ((إسناده ضعيف لانقطاعه: أبو عبيدة، وهو ابن عبد الله بن مسعود لم يسمع من أبيه، وشريك بن عبد الله، وهو النخعي القاضي: سيئ الحفظ، وبقية رجاله ثقات)). (¬2) سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4339. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (رقم 1822).

11 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتغيير المنكر باليد لمن يستطيع ذلك؛

ضَرَبَ امْرَأَتَهُ» (¬1). 11 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتغيير المنكر باليد لمن يستطيع ذلك؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فليُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ)) (¬2). 12 - بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ تغيير المنكر جهاد؛ لحديث عبد اللَّه بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ، وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِم خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)) (¬3). 13 - خطر من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فعن حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ ¬

(¬1) أبو داود، كتاب النكاح، باب في ضرب النساء، برقم 2147، وابن ماجه، كتاب النكاح، باب ضرب النساء، برقم 1986، ومسند الإمام أحمد، 1/ 275، برقم 122، ومسند البزار، 1/ 356، والأحاديث المختارة للضياء، 1/ 62، وضعفه الألباني في ضعيف سنن أبي داود (رقم 2147)، وفي ضعيف الجامع (رقم 6350). (¬2) صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، برقم 49. (¬3) أخرجه مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأن الإيمان يزيد وينقص، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبان، برقم 50.

14 - تأثير ترك الأمر والنهي على الدعاء

بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ)) (¬1). 14 - تأثير ترك الأمر والنهي على الدعاء، فعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - فَعَرَفْتُ فِي وَجْهِهِ أَنْ قَدْ حَفَزَهُ شَيْءٌ، فَتَوَضَّأَ ثُمَّ خَرَجَ، فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا، فَدَنَوْتُ مِنَ الْحُجُرَاتِ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ - عز وجل - يَقُولُ: مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ، وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَدْعُونِي فَلَا أُجِيبُكُمْ، وَتَسْأَلُونِي فَلَا أُعْطِيكُمْ، وَتَسْتَنْصِرُونِي فَلَا أَنْصُرُكُمْ)) (¬2). 15 - وجوب عمل المربِّي بما يقول، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((يُؤْتَى بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِالرَّحَى، ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد، 28/ 233، برقم 23301، والترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم 2169، وحسّنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب، (2/ 576 - 577 برقم 2313). (¬2) أخرجه أحمد في المسند بلفظه، 42/ 149، برقم 25255، وحسنه لغيره محققو المسند. وأخرجه ابن ماجه، كتاب الفتن، باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، برقم 4004، بلفظ: ((مروا بالمعروف، وانهو عن المنكر، قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم))، ابن حبان، برقم 290، بلفظ: ((عن عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: دخل عليَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - فعرفت في وجهه أن قد حضره شيء، فتوضأ وما كلم أحداً، ثم خرج فلصقت بالحجرة أسمع ما يقول، فقعد على المنبر، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: ((يا أيها الناس إن الله تبارك تعالى يقول لكم: مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوني فلا أجيبكم، وتسألوني فلا أعطيكم، وتستنصروني فلا أنصركم))، فما زاد عليهم حتى نزل)). قال الألباني في رواية ابن حبان وابن ماجه في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2325:: ((حسن لغيره))، دون لفظ ((وتسألوني فلا أعطيكم ... )) فقد حذفها.

16 - الوعيد الشديد لمن أمر الناس بالبر ونسي نفسه؛

فَيَجْتَمِعُ إلّيْهِ أَهْلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ ما لَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَدْ كُنْتُ آمُرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ، وَآتِيهِ)) (¬1). 16 - الوعيد الشديد لمن أمر الناس بالبر ونسي نفسه؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى قَوْمٍ تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: خُطَبَاءُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا [من أمتك] مِمَّنْ كَانُوا يَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ، وَيَنْسَوْنَ أَنْفُسَهُمْ، وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ، أَفَلَا يَعْقِلُونَ)) (¬2). 17 - المعلم الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه مثل السراج ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، كتاب بدء الخلق، باب صفة النار وأنها مخلوقة، برقم 3267، ومسلم، واللفظ له، كتاب الزهد والرقائق، باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، برقم 2989. (¬2) أخرجه أحمد في المسند، 19/ 244، برقم 12211، قال محققو المسند 19/ 244: ((حديث صحيح، وهذا إسناد ضعيف لضعف علي بن زيد بن جدعان، لكن قد توبع ... ، وباقي رجال الإسناد ثقات رجال الصحيح، وسيتكرر من هذا الطريق برقم (12856). وهو في (الزهد) لوكيع (297)، ومن طريقه أخرجه أيضاً ابن أبي شيبة 14/ 308، وأبو يعلى (3996). وأخرجه ابن المبارك في (الزهد) (819)، وعبد بن حميد (1222)، وابن أبي الدنيا في (الصمت) (513)، والخطيب في (تاريخ بغداد)، 6/ 199 - 200، و12/ 47، وفي (موضح أوهام الجمع والتفريق)، 2/ 170، والبغوي في (شرح السنة)، (4159)، وفي (تفسيره)، 1/ 68 من طرق عن حماد بن سلمة، بهذا الإسناد. وأخرجه أبو يعلى (4069)، والبيهقي في (شعب الإيمان)، برقم (4965) من طريق معتمر بن سليمان، وأبو نعيم في (الحلية) 8/ 172 من طريق ابن المبارك، كلاهما عن سليمان التيمي، عن أنس. والإسنادان صحيحان. وأخرجه ابن أبي حاتم في تفسير سورة البقرة (476)، والبيهقي في (شعب الإيمان)، (4966) من طريق هشام الدستوائي، عن المغيرة بن حبيب ختن مالك)). ا. هـ. وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2327في السلسلة الصحيحة (رقم 291).

18 - بعض البشر يرى عيوب الناس ولا يرى عيوبه؛

الذي يحرقه نفسه؛ لحديث جُنْدُبِ بنِ عبدِ اللَّه الأزديِّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَثَلُ الْعَالِمِ الَّذِي يُعَلِّمُ النَّاسَ الْخَيْرَ ويَنْسَى نَفْسَهُ، كَمَثَلِ السِّرَاجِ يُضِيءُ لِلنَّاسِ ويُحْرِقُ نَفْسَهُ)) (¬1). 18 - بعض البشر يرى عيوب الناس ولا يرى عيوبه؛ لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يُبصِرُ أَحَدُكُمُ الْقَذَاةَ فِي عَيْنِ أَخِيهِ وَيَنْسَى الْجِذَعَ فِي عَيْنِهِ)) (¬2). 19 - حذّر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالوعيد الشديد لمن يترك أهله وأولاده على المحرمات؛ لحديث معقل بن يسار: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللَّهُ رَعِيَّةً يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ إِلَّا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)) (¬3). 20 - وجوب الأخذ على يد الظالم ومنعه من ظلمه؛ لحديث قيس بن حازم قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ أَنْ حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ، وَتَضَعُونَهَا عَلَى غَيْرِ مَوَاضِعِهَا) عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)، وَإِنَّا سَمِعْنَا النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ فَلَمْ يَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ أَوْشَكَ أَنْ ¬

(¬1) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 2/ 227، برقم 1659، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم 2328: ((صحيح لغيره)) وصححه في اقتضاء العلم العمل (ص 49). (¬2) أخرجه ابن حبان في صحيحه، 13/ 73، برقم 5761، وصححه الألباني في التعليقات الحسان، برقم 5731، وفي صحيح الترغيب والترهيب، (2/ 585 رقم 2331)، وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة، برقم 33. (¬3) أخرجه البخاري، كتاب الأحكام، باب من استُرعي رعية فلم ينصح، برقم 7150، ورقم 7151، ومسلم، واللفظ له، كتاب الإيمان، باب استحقاق الوالي الغاش لرعيته النار، برقم 142.

21 - التحذير من السكوت على المنكر؛

يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ)) (¬1). 21 - التحذير من السكوت على المنكر؛ لحديث جرير - رضي الله عنه - قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: «مَا مِنْ رَجُلٍ يَكُونُ فِى قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِى يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يُغَيِّرُوا عَلَيْهِ فَلاَ يُغَيِّرُوا إِلاَّ أَصَابَهُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَمُوتُوا)) (¬2). 22 - الأمر بالأخذ بما يُعرف وترك ما يُنكر إذا فسد الناس؛ لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «كَيْفَ بِكُمْ وَبِزَمَانٍ». أَوْ «يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ زَمَانٌ يُغَرْبَلُ النَّاسُ فِيهِ غَرْبَلَةً، تَبْقَى حُثَالَةٌ مِنَ النَّاسِ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ وَأَمَانَاتُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا فَكَانُوا هَكَذَا». وَشَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، فَقَالُوا: وَكَيْفَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: «تَأْخُذُونَ مَا تَعْرِفُونَ، وَتَذَرُونَ مَا تُنْكِرُونَ، وَتُقْبِلُونَ عَلَى أَمْرِ خَاصَّتِكُمْ، وَتَذَرُونَ أَمْرَ عَامَّتِكُمْ)) (¬3). 23 - الأمر بلزوم البيت وحفظ اللسان وترك أمر العامة عند عموم الفتن؛ لحديث عبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ حَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - إِذْ ذَكَرَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ: «إذَا رَأَيْتُمُ النَّاسَ قَدْ مَرِجَتْ عُهُودُهُمْ، وَخَفَّتْ أَمَانَاتُهُمْ، وَكَانُوا هَكَذَا». وَشَبَّكَ بَيْنَ ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4338، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 35 - 36 رقم 4338) وفي صحيح الجامع (رقم 1973). (¬2) أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4339، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 36 رقم 4339)، وقال في صحيح الترغيب والترهيب (2/ 578 رقم 2316). (¬3) أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4342، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (36 - 37 رقم 4322) وفي صحيح الجامع (رقم 4594).

24 - من شهد المنكر وأنكر كان كمن غاب عنه، ومن غاب عنه

أَصَابِعِهِ، قَالَ: فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: كَيْفَ أَفْعَلُ عِنْدَ ذَلِكَ جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ؟ قَالَ: «الْزَمْ بَيْتَكَ، وَامْلِكْ عَلَيْكَ لِسَانَكَ، وَخُذْ بِمَا تَعْرِفُ، وَدَعْ مَا تُنْكِرُ، وَعَلَيْكَ بِأَمْرِ خَاصَّةِ نَفْسِكَ، وَدَعْ عَنْكَ أَمْرَ الْعَامَّةِ» (¬1). 24 - من شهد المنكر وأنكر كان كمن غاب عنه، ومن غاب عنه ورضيه كان كمن حضر؛ لحديث الْعُرْسِ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِ - رضي الله عنه -، عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: «إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا». وَقَالَ مَرَّةً: «أَنْكَرَهَا» «كانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا» (¬2). 25 - أفضل الجهاد كلمة حقٍّ عند سلطان جائر؛ لحديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». أَوْ «أَمِيرٍ جَائِرٍ» (¬3). 26 - المربي المخلص الصادق لا تأخذه في الله لومة لائم؛ لحديث عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ - رضي الله عنه - قَالَ: بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ، وَالْمَكْرَهِ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ ¬

(¬1) أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4343، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، 3/ 37: ((حسن صحيح)). وصححه في صحيح الجامع (رقم 563، 4594) وفي السلسلة الصحيحة (رقم 205، 206). (¬2) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4345، وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 38 رقم 4345). (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، برقم 4345، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، (3/ 37 رقم 4344).

27 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب الأولاد على الصلاة لعشر؛

أَوْ نَقُولَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ)) (¬1). وعن النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ، وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا، وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا)) (¬2). 27 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بضرب الأولاد على الصلاة لعشر؛ لحديث عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: «مُرُوا أَوْلاَدَكُمْ بِالصَّلاَةِ وَهُمْ أَبْنَاءُ سَبْعِ سِنِينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا وَهُمْ أَبْنَاءُ عَشْرِ سِنِينَ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِى الْمَضَاجِعِ» (¬3). 28 - بيّن النبي - صلى الله عليه وسلم - أن كلّ راعٍ مسؤول عن رعيّته؛ لحديث عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَايَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ: الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، واللفظ له، كتاب الأحكام، باب كيف يبايع الإمام الناس، برقم 7199، ومسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، وتحريمها في المعصية، برقم 43 - (1709). (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الشركة، باب هل يقرع في القسمة والاستهام فيه، برقم 2493. (¬3) أخرجه أبو داود، كتاب الصلاة، باب متى يؤمر الغلام بالصلاة، برقم 494، و495، ومسند أحمد، 11/ 284، وابن أبي شيبة 1/ 304، برقم 3482، والحاكم، 1/ 311، برقم 708، وأبو نعيم في الحلية، 10/ 26،، والبيهقى في السنن الكبرى، 2/ 228، وحسنه الأرناؤوط في تعليقه على المسند، 11/ 284. وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (1/ 144 - 145 رقم 495): حسن صحيح.

29 - نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الجلد أكثر من عشر جلدات في التأديب إلا

أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ))، قَالَ: وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ: ((وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)) (¬1). 29 - نهى - صلى الله عليه وسلم - عن الجلد أكثر من عشر جلدات في التأديب إلا في حد من حدود الله؛ لحديث أَبِي بُرْدةَ - رضي الله عنه - قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ: ((لَا يُجْلَدُ فَوْقَ عَشْرِ جَلَدَاتٍ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ)) (¬2). 30 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بتعليق السوط تأديباً لمن يراه من الأهل، فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ورفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((عَلِّقُوا السَّوْطَ حَيثُ يَرَاهُ أهْلُ البَيْتِ، فًإِنَّهُ لَهُمْ أدَبٌ)) (¬3). 31 - أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخافة الأهل في الله تعالى، فعن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال: أوصاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بتسع: ((لا تشرك بالله شيئاً، وإن ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري، كتاب الجمعة، باب الجمعة في القرى والمدن، برقم 893، ومسلم، كتاب الإمارة، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر، والحث على الرفق بالرعية، والنهي عن إدخال المشقة عليهم، برقم 1829. (¬2) أخرجه البخاري، كتاب الحدود، باب كم التعزير والأدب، برقم 6848، ومسلم، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير، برقم 1708. (¬3) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، 10/ 285، برقم 10672، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد، 8/ 106. وحسّنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 432، برقم 1447. ولفظه في تهذيب الآثار للطبري، 1/ 411 بلفظ: «علق سوطك حيث يراه الخادم)). وعند أبي نعيم، 7/ 332، عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مرفوعاً بلفظ: ((علقوا السوط حيث يراه أهل البيت))، وحسنه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، 3/ 431، برقم 1446.

قُطِّعت أو حُرِّقْت، ولا تتركنَّ الصلاةَ المكتوبةَ مُتعمِّداً، ومن تركها مُتعمِّداً برئت منه الذِّمَّة، ولا تشربنَّ الخمرَ؛ فإنها مفتاحُ كلِّ شَرٍّ، وأطِعْ والديْكَ، وإن أمراك أن تَخْرُجَ من دنياك فاخْرُجْ لهما، ولا تُنازِعَنَّ وُلاةَ الأمرِ، وإن رأيتَ أنَّكَ أنتَ، ولا تَفْرُرْ من الزَّحفِ، وإن هَلَكْتَ وَفَرَّ أصحابُكَ، وأنفِقْ من طَوْلِكَ على أهلِكَ، ولا ترفعْ عَصَاكَ على أهْلِكَ (¬1)، وأخِفْهُمْ في اللَّهِ - عز وجل -)) (¬2). ¬

_ (¬1) لا ترفع عصاك على أهلك، الجمع بين معنى الحديث: (لا ترفع عصاك على أهلك)، وفي رواية: (لا ترع عصاك عن أهلك) روايتان صحيحتان: أما على رواية: ((ولا ترفع عصاك على أهلك)) فنهيٌ عن ضرب المرأة، بل كل من يكون تحت رئاسته في البيت: من الزوجة والولد، والخادم بغير حق، وقد ورد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الذين ضربوا نساءهمٍ: ((ليس أولئك بخياركم)) [أخرجه أبو داود في كتاب النكاح، باب في ضرب النساء رقم 2146، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، 1/ 597]. وأما على رواية أحمد وغيره: ((لا ترفع عصاك عن أهلك)) فالمراد به الضرب بحقٍّ كما في قوله تعالى: {وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} [النساء: 34]، انظر: فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد، لفضل الله الجيلاني (1/ 81). (¬2) أخرجه البخاري في الأدب المفرد، 20، برقم 18، وحسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد، ص9، برقم 14. وهو في شعب الإيمان،10/ 270، والمستدرك، 4/ 41، والسنن الكبرى للبيهقي، 7/ 304، والمعجم الكبير للطبراني،24/ 190، وتهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب،1/ 411 بلفظ: ((ولا ترفع عصاك عنهم، أخفهم لله)). وأيضاَ في 1/ 415، بلفظ: ((لا ترفع عصاك عن أهلك))، قال: فكان يشتري سوطاً فيعلقه في قبته، لتنظر إليه امرأته وأهله. ومسند عبد بن حميد، 1/ 462 عن أم أيمن أنها سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوصي بعض أهله فقال: ((لا تشرك بالله شيئا، وإن قطعت أو حرقت بالنار، ولا تفر يوم الزحف، فإن أصاب الناس موت وأنت فيهم فاثبت، وأطع والديك، وإن أمراك أن تخرج من مالك، ولا تترك الصلاة متعمداً، فإنه من ترك الصلاة متعمداً فقد برئت منه ذمة الله، إياك والخمر، فإنها مفتاح كل شر، والمعصية فإنها تسخط الله، ولا تنازع الأمر أهله وإن رأيت أن لك، أنفق على أهلك من طولك، ولا ترفع عصاك عنهم وأخفهم في الله - عز وجل -، قال عمرو ثنا غير سعيد أن الزهري قال كان الموصى بهذه الوصية ثوبان.

32 - إذا احتيج إلى الضرب فلا يكون مبرحا؛

32 - إذا احتيج إلى الضرب فلا يكون مُبرِّحاً؛ لحديث جابر - رضي الله عنه - في بيان خطبة النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة في عرفات، وفيه: (( ... فاتقوا الله في النساء؛ فإنكم أخذتموهنَّ بأمانِ الله، واستحللتم فُروجهنَّ بكلمة الله، ولكم عليهنَّ أن لا يُوطِئْن فُرُشكم أحداً تكرهونه، فإن فعلنَ فاضرِبُوهنَّ ضرباً غَيرَ مبرِّح ... )) (¬1). والضرب المبرِّح: هو الضرب الشديد الشاق، والمعنى اضربوهن ضرباً ليس بشديد ولا شاق، والبَرَح: المشقة (¬2). 33 - إصلاح الأهل والأولاد قبل إصلاح الناس: كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - مع أهله قويًّا، فكان إذا أراد أن يأمر المسلمين بشيء أو ينهاهم عن شيء مما فيه: صلاحهم، ونجاحهم، وفلاحهم، بدأ بأهله، وتقدَّم إليهم بالوعظ لهم، والوعيد على خلافهم أمره، فعن سالم بن عبد الله بن عمر قال: ((كان عمر إذا صعد المنبر فنهى الناس عن شيء جمع أهله، فقال: إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإن الناس ينظرون إليكم نظر الطير إلى اللحم، وأقسم بالله لا أجد أحداً منكم فعله إلا أضعفت عليه العقوبة)) (¬3). ¬

(¬1) مسلم، كتاب الحج، باب حجة النبي - صلى الله عليه وسلم -، برقم (1216). (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم، 8/ 184. (¬3) انظر: تاريخ الأمم والملوك للإمام الطبري (2/ 68)، والكامل في التاريخ لابن الأثير (3/ 31)، والتاريخ الإسلامي لمحمود شاكر (3/ 404)، وأعلام المسلمين للبيطار (2/ 54).

ثانيا: أسباب استخدام القوة في التأديب مع عصاة المسلمين:

ولا شك أن الله تعالى أعز الإسلام بعمر بن الخطاب - رضي الله عنه -؛ ولهذا قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر)) (¬1). وما فعله أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه - في هذا التأديب العظيم الحكيم لأهله: من أعظم مواقف التربيةالحكيمة بالقوة؛ لأن الناس ينظرون إلى المربِّي والداعية، ومدى تطبيقه العملي والقولي لما يدعو إليه، كما ينظرون إلى تطبيقه ذلك على أهله ومن تحت يده (¬2). ثانياً: أسباب استخدام القوة في التأديب مع عصاة المسلمين: كما أن من الحكمة في الدعوة إلى الله استخدام القوة مع الكفار عند الحاجة إليها؛ فإن مراتب الدعوة والتأديب بحسب مراتب البشر، قال الله تعالى: {ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬3) وقال تعالى: {وَلاَ تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} (¬4).فعُلِمَ بذلك أن مراتب الدعوة إلى الله بحسب مراتب البشر: أربع مراتب: المرتبة الأولى الحكمة: وتكون للمستجيب الذكي القابل للحق الذي لا يعاند، فهذا يُبيَّن له الحق: علماً، وعملاً، واعتقاداً؛ فإنه يقبله ويعمل به. ¬

(¬1) البخاري، كتاب فضائل الصحابة، باب مناقب عمر، (برقم 3684)، وكتاب مناقب الأنصار (برقم 3863). (¬2) الحكمة في الدعوة إلى الله، للمؤلف، (ص 356 - 357). (¬3) سورة النحل، الآية: 125. (¬4) سورة العنكبوت، الآية: 46.

المرتبة الثانية: الموعظة الحسنة،

المرتبة الثانية: الموعظة الحسنة، وتكون للقابل للحق المعترف به، ولكن عنده غفلة وتأخر، وشهوات تصدّه عن الحق، فهذا يُدعى بالموعظة الحسنة، المشتملة على الترغيب في الحق، والترهيب من الباطل. المرتبة الثالثة: الجدال بالتي هي أحسن، وتكون للمعاند الجاحد، يجادل بالتي هي أحسن. المرتبة الرابعة: استخدام القوة، وتكون لمن ظلم، وعاند، ولم يرجع إلى الحق؛ فإنه ينتقل معه إلى استخدام القوة إن أمكن (¬1). فكذلك تستخدم مع من يحتاجها من المسلمين الذين لم ينتفعوا بالمواعظ من الترغيب والترهيب, ولم يستفيدوا من حكمة القول التصويرية: من ضرب الأمثال, ولفت الأنظار إلى الصور المعنوية: كصفات المؤمنين وآثارها , ولفت الأنظار والقلوب إلى الآثار المحسوسة: كالأمر بالسير في الأرض, والنظر فيما حل بالمكذبين من الدمار والهلاك. فإذا لم يؤثر ما تقدم في عصاة المؤمنين فإن استخدام القوة حينئذٍ من الحكمة؛ لأن القوة كالعملية الجراحية للمريض إذا لم ينفع في علاج مرضه غيرها, فتستخدم عند الحاجة إليها بشرط الالتزام بالشروط والضوابط الشرعية. واستخدام القوة في هذه المرحلة يتنوع ويختلف باختلاف ¬

(¬1) انظر: الحكمة في الدعوة إلى الله (ص 808) للمؤلف.

الداعية المربِّي والمدعو، والأحوال والأزمان والأماكن، وإمكانية استخدام القوة مع أمن الوقوع في المفاسد؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - شرع لأمته الدعوة إلى الله - تعالى - وإيجاب إنكار المنكر؛ ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله , فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه, وأبغض إلى الله ورسوله؛ فإنه لا يسوغ إنكاره, وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله, وهذا: كالإنكار على الملوك، والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر, وقد «استأذن الصحابة رضي الله عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قتال الأمراء الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها , وقالوا: أفلا نقاتلهم؟ فقال: ((لا ما أقاموا الصلاة)) (¬1)، وقال: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر [ولا ينزعن يداً من طاعة]» (¬2). ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على منكر؛ فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه وأنكر؛ ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يترك بعض الأمور المختارة، ويصبر على بعض المفاسد خوفاً من أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم؛ ولهذا لما فتح الله مكة وصارت دار إسلام ¬

(¬1) مسلم، كتاب الإمارة، باب خيار الأئمة وشرارهم (3/ 1482)، برقم 1855، وأحمد بلفظه (3/ 28 – 29). (¬2) مسلم، كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن برقم 1849، (3/ 1477)، وباب خيار الأئمة وشرارهم (3/ 1482)، واللفظ من الموضعين.

ثالثا: الكلمة القوية والفعل الحكيم:

عزم على نقض بناء البيت وردّه على قواعد إبراهيم، ولكن منعه من ذلك -مع قدرته عليه- خشية وقوع ما هو أعظم منه، من عدم احتمال قريش لذلك؛ لقرب عهدهم بالإسلام، وكونهم حديثي عهد بكفر، ولهذا لم يأذن في قتل عبد الله بن أبيّ، ولم يأذن في الإنكار على الأمراء باليد، لما يترتب على ذلك من وقوع ما هو أعظم منه (¬1). ثالثاً: الكلمة القوية والفعل الحكيم: 1 - عن ابن عباس رضي الله عنهما «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتماً من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه، وقال: ((يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده))! فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((خذ خاتمك انتفع به)). قال: لا والله لا آخذه أبداً وقد طرحه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬2). 2 - وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - «أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرَّ على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً، فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟)) قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: ((أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني)) (¬3). ¬

(¬1) انظر: إعلام الموقعين لابن القيم (3/ 15 – 16)، وشرح النووي (16/ 139). (¬2) مسلم، كتاب اللباس، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال (3/ 1655) (رقم 2090). (¬3) مسلم، كتاب الإيمان، باب قوله - صلى الله عليه وسلم -: من غشنا فليس منا (1/ 99) (رقم 102).

3 - وعن عائشة رضي الله عنها أنها اشترت نمرقة (¬1) فيها تصاوير فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - بالباب فلم يدخل، فقلت: أتوب إلى الله ماذا أذنبت؟ قال: ((ما هذه النمرقة؟)) قلت: لتجلس عليها وتوسّدها قال: ((إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم! وإن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة)) (¬2). 4 - وعنها رضي الله عنها: «قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي (¬3) على سهوة (¬4) فيها تماثيل (¬5) فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه، وقال: ((إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين)) (¬6). 5 - وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: «بينما النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي رأى في قبلة المسجد نخامة فحكها بيده، فتغيظ ثم قال: ((إن أحدكم إذا كان في ¬

(¬1) النمرقة: قيل هي الوسائد التي يضم بعضها إلى بعض، وقيل: هي الوسائد التي يجلس عليها. انظر: الفتح (10/ 339)، وشرح النووي (14/ 90). (¬2) البخاري مع الفتح، كتاب اللباس، باب من كره القعود على الصورة (10/ 389) (رقم 5957)، ومسلم، كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان (رقم 2106) (85). (¬3) القرام: ستر فيه رقم ونقش. انظر: شرح النووي (14/ 88)، وفتح الباري (10/ 387). (¬4) قيل بيت صغير علقت عائشة رضي الله عنها الستر على بابه، وقيل: الكوة، وقيل: الرف. ورجح القول الأول الحافظ في فتح الباري (10/ 387). وانظر: شرح النووي (14/ 88). (¬5) التصاوير. انظر: الفتح (10/ 387)، وشرح النووي (14/ 88). (¬6) البخاري مع الفتح، كتاب اللباس، باب ما وطئ من التصاوير (10/ 387) (رقم 5954)، ومسلم، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم صور الحيوان وما فيه صور غير ممتهنة (3/ 1667)، (رقم 2106) (92).

رابعا: التهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة:

الصلاة فإن الله حيال وجهه فلا يتنخمن حيال وجهه في الصلاة» (¬1). فهذه كلمات حكيمة قوية مؤثرة تصحبها الحكمة الفعلية، وما ذلك إلا لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسوة الدعاة إلى الله، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان» (¬2). 6 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «ما خُيِّرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً؛ فإن كان إثما كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم لله بها» (¬3). رابعاً: التهديد الحكيم والوعيد بالعقوبة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة ¬

(¬1) البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب ما يجوز من الغضب والشدة لأمر الله (10/ 517) (رقم 6111). (¬2) مسلم، كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان (1/ 69) (رقم 49). (¬3) البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - (6/ 566)، (12/ 86، 186) (برقم 3560).

فأحرق عليهم بيوتهم بالنار» (¬1). وفي هذا الحديث التخويف بتقديم الوعيد والتهديد على العقوبة، والسر في ذلك- والله أعلم- أن المفسدة إذا ارتفعت بالأهون من الزجر اكتفي به عن الأعلى من العقوبة (¬2)، وهذا من حكمته - صلى الله عليه وسلم - فقد خوَّف وزجر عن التخلف عن صلاة الجماعة بهذا الوعيد والهم بالتعذيب، فللداعية الحكيم القادر أن يستخدم التخويف بالعقوبة الجائزة شرعاً، أما التعذيب بالنار فقد نسخ (¬3). ولا بد في التهديد والوعيد بالعقوبة من مراعاة الشروط والضوابط الشرعية، والأصول التي دل عليها كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -. وهذه الشروط، والضوابط، والأصول تجعل الداعية المربِّي في سلامة من الزلل، فلا ينكر منكراً ويقع ما هو أنكر منه، ولا يسعى في جلب مصلحة ويفوت ما هو أعظم منها؛ فإن من أعظم الحكم في الدعوة إلى الله دفع المفاسد وجلب المصالح، فإن تعارضت المصالح والمفاسد دفعت أعظم المفسدتين أو الضررين باحتمال ¬

(¬1) البخاري مع الفتح، كتاب الأذان، باب وجوب صلاة الجماعة (2/ 125) (برقم 644)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاة الجماعة وبيان التشديد في التخلف عنها (1/ 451) (رقم 651) (252). (¬2) انظر: فتح الباري (2/ 130). (¬3) انظر: المرجع السابق (2/ 130)، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((إن النار لا يعذب بها إلا الله)) البخاري مع الفتح (6/ 149)، برقم 3016.

خامسا: حكمة القوة في التربية بالعقوبات الشرعية:

أيسرهما وجلبت أعظم المصلحتين بترك أيسرهما (¬1). خامساً: حكمة القوة في التربية بالعقوبات الشرعية: توطئة: قرر الإسلام العقوبات الشرعية على ارتكاب الجرائم؛ ليستوفي المجرم جزاءه، ويطهر من هذه الجريمة، ويرتدع أمثاله من ناحية أخرى، وهذا من أبلغ الحكم، ومن أعدل الأحكام، ومن أعظم وسائل حفظ الأمن والاستقرار، وبهذا حفظ الإسلام لأهله: الدين، والنفس، والنسب، والعرض، والعقل، والمال (¬2). والدعوة إلى الله - تعالى- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتربية الحسنة لا يتم ذلك كله إلا بتطبيق وتنفيذ العقوبات الشرعية، فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وذلك واجب على ولاة الأمور، وذلك يحصل بالعقوبات على ترك الواجبات وفعل المحرمات، ولا يجوز لهم التهاون في تنفيذها؛ لأنها من شرع الله، وتعطيلها يؤدي إلى سخط الله كما يؤدي إلى فساد المجتمع، فإذا أقيمت الحدود ظهرت طاعة الله، ونقصت معصيته، وحصل الخير والنصر والتمكين (¬3). ¬

(¬1) انظر: فتح الباري (1/ 325)، وشرح النووي (3/ 191)، وإعلام الموقعين لابن القيم (3/ 15 - 17). (¬2) وهذا يعرف عند أهل الأصول بالضروريات. انظر: أضواء البيان (3/ 448). (¬3) انظر: الحسبة في الإسلام، لابن تيمية (ص 50)، وأصول الدعوة، لعبد الكريم زيدان (ص272)، وعناصر القوة في الإسلام (ص 51).

النوع الأول: عقوبة الهجر الحكيم في التربية:

وتطبيق هذه العقوبات كما أمر الله من حكمة القوة في الدعوة إلى الله ونصر دينه والتربية الحسنة. وسأذكر معظم هذه العقوبات الشرعية الحكيمة في عشرة أنواعٍ على النحو الآتي: النوع الأول: عقوبة الهجر الحكيم في التربية: من حكمة القوة في التربية: هجر من يظهر المنكرات على وجه التأديب حتى يتوب، كما هجر النبي - صلى الله عليه وسلم - الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى أنزل الله توبتهم. وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم، وقلتهم وكثرتهم؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه، ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كان هجره يضعف الشر كان مشروعاً، وإن كان المهجور لا يرتدع بذلك ولا يرتدع به غيره، بل يزيد الشر والهاجر ضعيف وتكون مفسدة الهجر راجحة على مصلحته لم يشرع الهجر بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر، كما كان الهجر لبعض الناس أنفع من التأليف؛ ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتألف قوما ويهجر آخرين (¬1)، وينبغي أن يفرق بين الهجر لحق الله وبين الهجر لحق النفس، فالهجر لحق الله- تعالى- مأمور به والثاني منهي عنه. ولا شك أن الهجر لحق الله من العقوبات الشرعية، فهو من ¬

(¬1) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 204 - 207).

النوع الثاني: عقوبة التعزير:

جنس الجهاد في سبيل الله (¬1)، وهذا يفعل؛ لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله. وهذا يدل على أن حكمة القوة لها الأثر الكبير عند وضعها في موضعها. ولهذا يجب على ولي أمر المسلمين- وهو الذي ينبغي أن ينصر الدعوة بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعلم بأن إقامة الحدود والعقوبات الشرعية رحمة من الله بعباده، وأن يكون قويا في إقامة الحد لا تأخذه في الله لومة لائم، ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات، ويكون بمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه، فيدخل المريض على نفسه المشقة ويشرب الدواء لينال به الراحة والشفاء (¬2). النوع الثاني: عقوبة التعزير: التعزير هو العقوبة المشروعة على جناية لا حد فيها (¬3)، وقد اتفق العلماء -رحمهم الله- على أن التعزير مشروع في كل معصية ليس فيها حد. والمعصية نوعان: ترك واجب أو فعل محرم (¬4) كما يستتاب المرتد حتى يسلم، فإن تاب وإلا قتل، وكما يعاقب تارك ¬

(¬1) انظر: المرجع السابق (28/ 208). (¬2) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 329). (¬3) انظر: المغني لابن قدامة (12/ 523). (¬4) انظر: فتاوى ابن تيمية (35/ 402).

الزكاة وحقوق الآدميين حتى يؤدوها (¬1). والتعزير أجناس: فمنه ما يكون بالتوبيخ والزجر بالكلام، ومنه ما يكون بالحبس، ومنه ما يكون بالنفي عن الوطن، ومنه ما يكون بالضرب؛ فإن كان ذلك لترك واجب مثل الضرب على ترك الصلاة، أو ترك أداء الحقوق الواجبة مثل: ترك وفاء الدين مع القدرة عليه، أو على ترك رد المغصوب، أو أداء الأمانة إلى أهلها فإنه يضرب مرة بعد مرة حتى يؤدي الواجب ويفرق عليه الضرب يوما بعد يوم، وإن كان الضرب على ذنب ماض جزاء بما كسب ونكالاً من الله له فهذا يفعل منه بقدر الحاجة فقط، وليس لأقله حد. أما أكثر التعزير ففيه ثلاثة أقوال وأعدلها أنه لا يتقدر بحد، لكن إن كان التعزير فيما فيه مقدر لم يبلغ به ذلك المقدر مثل التعزير على سرقة دون النصاب لا يبلغ به القطع، والتعزير على المضمضة بالخمر لا يبلغ به حد الشرب، والتعزير على القذف بغير الزنا واللواط لا يبلغ به الحد (¬2). أما حديث «لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله» (¬3) فقد فسره طائفةٌ من أهل العلم بأن المراد بحدود الله ¬

(¬1) انظر: المرجع السابق (28/ 347)، والحسبة في الإسلام لابن تيمية (ص 50). (¬2) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 108)، والحسبة في الإسلام (ص 52). (¬3) البخاري مع الفتح، كتاب الحدود، باب التعزير والأدب (12/ 175)، (برقم 6848)، ومسلم، كتاب الحدود، باب قدر أسواط التعزير (3/ 1332) (برقم 1708).

النوع الثالث: القصاص:

ما حُرِّم لحق الله، ومراد الحديث أن من ضرب لحق نفسه كضرب الرجل امرأته في النشوز، وكتأديب الأب ولده الصغير فلا يزيد على عشر جلدات في التأديبات (¬1). ثم من لم يندفع فساده في الأرض إلا بالقتل قتل مثل: المفرق لجماعة المسلمين، والداعي إلى البدع في الدين (¬2). النوع الثالث: القصاص: أوجب الله - تعالى - القصاص في جريمة قتل العمد والاعتداء على الأطراف، قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأنْثَى بِالأنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (¬3). وقال تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} (¬4). وقال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الألبابِ لَعَلَّكُمْ ¬

(¬1) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 348)، وفتح الباري (12/ 178). (¬2) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 108، 112، 113، 348)، والحسبة في الإسلام لابن تيمية أيضاً (ص52). (¬3) سورة البقرة، الآية: 178. (¬4) سورة المائدة، الآية: 45.

النوع الرابع: حد الزنا واللواط:

تَتَّقُونَ} (¬1). النوع الرابع: حد الزنا واللواط: 1 - الزاني إن كان محصناً؛ فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت كما رجم النبي - صلى الله عليه وسلم - ماعز بن مالك الأسلمي، ورجم الغامدية، ورجم اليهوديين، ورجم غير هؤلاء، ورجم المسلمون بعده (¬2). 2 - وإن كان الزاني غير محصن؛ فإنه يجلد مائة جلدة بكتاب الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬3) ويغرّب عاماً بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (¬4). 3 - وأما اللواط فالصحيح الذي اتفق عليه الصحابة أنه يقتل الاثنان: الأعلى والأسفل، فعن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» (¬5)، ولم يختلف الصحابة في قتله ولكن تنوعوا فيه (¬6). ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 179. (¬2) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 333). (¬3) سورة النور، الآية: 2. (¬4) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 333). (¬5) أخرجه أصحاب السنن: أبو داود، كتاب الحدود، باب فيمن عمل عمل قوم لوط، (4/ 158) (برقم 4462)، والترمذي، كتاب الحدود، باب ما جاء في حد اللواط (4/ 57) (برقم 1456)، وابن ماجه، كتاب الحدود، باب من عمل عمل قوم لوط (2/ 856) (برقم 2564)، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 73 رقم 4462): حسن صحيح. (¬6) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 335).

النوع الخامس: حد القذف:

النوع الخامس: حد القذف: حفظ الإسلام الأعراض من الاعتداء عليها، وجعل عقوبة القاذف ثمانين جلدة. قال تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً ولا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ *إلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). وهذا الحد جاء به الكتاب والسنة وأجمع عليه المسلمون؛ فإذا قذف المحصن بالزنا أو اللواط وجب الحد على قاذفه، والمحصن هنا هو الحر العفيف، وفي باب حد الزنا هو الذي وطئ وطأً كاملاً في نكاح تام (¬2). النوع السادس: حد شرب الخمر: وحد الشرب ثابت بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإجماع المسلمين، فقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ضرب في شرب الخمر بالجريد والنعال أربعين، وضرب أبو بكر - رضي الله عنه - في خلافته أربعين، وضرب عمر - رضي الله عنه - في خلافته ثمانين، وكان علي - رضي الله عنه - يضرب مرة أربعين ومرة ثمانين. فمن العلماء من يقول يجب ضرب الثمانين، ومنهم من يقول: الواجب أربعون والزيادة يفعلها الإمام عند الحاجة إذا أدمن الناس ¬

(¬1) سورة النور، الآيتان: 4 - 5. (¬2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (28/ 342).

النوع السابع: حد السرقة:

الخمر أو كان الشارب ممن لا يرتدع بدونها، ورجح ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (¬1). النوع السابع: حد السرقة: السرقة اعتداء على مال معصوم لا شبهة له فيه يأخذه خفية بشروط معينة منها: أن يكون المال محرزا، ولا تقل قيمته عن ربع دينار، وحينئذ يجب عليه حد السرقة بالكتاب والسنة والإجماع، قال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬2). ولا يجوز بعد اكتمال شروط القطع وثبوت الحد عليه بالبينة أو بالإقرار تأخيره لا بحبس ولا مال يفتدي به ولا غيره بل تقطع يده اليمنى في الأوقات المعظمة وغيرها (¬3). النوع الثامن: حد المحاربين قطاع الطريق: قطاع الطريق هم المحاربون الذين يتعرضون للناس بالسلاح في الصحراء والطرقات؛ ليغصبوهم المال مجاهرة بالقوة والقهر وسواء ارتكب هذه الجريمة فرد أو جماعة فإنه يسمى بالمحارب (¬4). ¬

(¬1) انظر: المرجع السابق (28/ 336). (¬2) سورة المائدة، الآيتان: 38 - 39. (¬3) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 329). (¬4) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 309)، والمغني لابن قدامة (12/ 474).

والأصل في عقوبتهم قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (¬1). وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قطاع الطريق: «إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا، وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا، وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف، وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض» (¬2)، وهذا قول كثير من أهل العلم كالشافعي وأحمد، أما من كان من المحاربين قد قتل فإنه يقتل حدّاً لا يجوز العفو عنه بحال بإجماع العلماء ولا يكون أمره إلى ورثة المقتول بخلاف ما لو قتل رجل رجلاً لعداوة بينهما. أما غير القاتل فمنهم من قال للإمام أن يجتهد فيهم فيقتل من رأى في قتله مصلحة، والقول الأول قول الأكثر (¬3). ¬

(¬1) سورة المائدة، الآيتان: 33، 34). (¬2) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب السرقة، باب قطاع الطريق (8/ 283 رقم 17090) وفي سننه الصغرى (7/ 331 رقم 3393)، وانظر: المغني (12/ 475)، وفتاوى ابن تيمية (28/ 310). (¬3) انظر: فتاوى ابن تيمية (28/ 310).

النوع التاسع: عقوبة المرتد:

النوع التاسع: عقوبة المرتد: المرتد هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر بفعلٍ، أو قولٍ، أو اعتقادٍ، أو شكٍّ، قال تعالى: {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (¬1). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من بدَّل دينه فاقتلوه» (¬2). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة» (¬3). فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وكان بالغاً عاقلاً استتيب ثلاثة أيام فإن رجع وإلا قتل بالسيف (¬4). النوع العاشر: قتال أهل البغي: جريمة البغي هي خروج جماعة ذات قوة وشوكة بتأويل سائغ على الإمام يريدون خلعه بالقوة والعنف، فعلى الإمام أن يراسلهم فيسألهم ما ينقمون منه؟ فإن ذكروا مظلمة أزالها، وإن ادَّعوا شبهة ¬

(¬1) سورة البقرة، الآية: 217. (¬2) البخاري مع الفتح، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله (6/ 149)، (برقم 3017)، وفي كتاب حكم المرتد (12/ 267) (برقم 6922). (¬3) أخرجه البخاري مع الفتح، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} (12/ 201) (برقم 6778)، ومسلم، كتاب القسامة، باب ما يباح به دم المسلم (3/ 1302) (برقم (1676). (¬4) انظر: المغني لابن قدامة (12/ 264)، وفتاوى ابن تيمية (35/ 99 – 206).

كشفها، فإن رجعوا وإلا قاتلهم، وعلى المسلمين القتال مع إمامهم، والأصل في هذه الجريمة (¬1) وعقوبتها قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (¬2). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ستكون هنات وهنات (¬3)، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائناً من كان» (¬4). وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه» (¬5) (¬6). وصلى اللَّه على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين. ¬

(¬1) انظر: المغني (12/ 237)، وفتاوى ابن تيمية (35/ 5)، وأصول الدعوة لعبد الكريم زيدان (ص279). (¬2) سورة الحجرات، الآيتان: 9 - 10. (¬3) الفتن والأمور الحادثة. انظر: شرح النووي (12/ 241). (¬4) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع (3/ 1479) (برقم 1852). (¬5) أخرجه مسلم، كتاب الإمارة، باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع (3/ 1480) (برقم 1852) (60). (¬6) انظر: حكمة القوة الفعلية مع الكفار، في الحكمة في الدعوة إلى الله للمؤلف، (ص 811 - 852)، وحكمة القوة الفعلية مع عصاة المسلمين، المرجع السابق نفسه (ص 853 - 878).

المصادر والمراجع

المصادر والمراجع 1 - الآحاد والمثاني، لأحمد بن عمرو بن الضحاك أبي بكر الشيباني، ت 287هـ، تحقيق د. باسم فيصل أحمد الجوابرة، ط1، 1411ـ، دار الراية، الرياض. 2 - أحاديث في الصحة، نبيل الطويل. 3 - أحكام الأسرة في الإسلام، محمد سلام مدكور. 4 - إحياء علوم الدين، للإمام الغزالي، دار الندوة الجديدة، بيروت. 5 - الإخوان، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي البغدادي، (281هـ)، تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409 - 1988. 6 - آداب الصحبة، لأبي عبد الرحمن السلمي (412هـ)، تحقيق مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث، طنطا، مصر، الطبعة الأولى، 1410 - 1990هـ. 7 - أدب الدنيا والدين، تحقيق وتعليق مصطفى السقا، دار الكتب العلمية، بيروت. 8 - الأدب المفرد، للإمام أبي عبد الله محمد إسماعيل البخاري، تحقيق محمود فؤاد عبد الباقي، الطبعة الثالثة 1409هـ، دار البشائر الإسلامية. 9 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 10 - الاستذكار، للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، ت 463 هـ، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، الطبعة الأولى، 1401هـ، دار قتيبة للطباعة والنشر، دمشق، بيروت. 11 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لابن الأثير؛ عز الدين علي بن محمد (ت630هـ)، بيروت، نشر المكتبة الإسلامية لصاحبها رياض الحاج. 12 - الأسرة بين الجاهلية والإسلام. بشير العوا. دار الفكر الإسلامي. 13 - الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني دار صادر، بيروت، لبنان. 14 - إصلاح المال، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي البغدادي (ت 281هـ)، تحقيق محمد عبد القادر عطا، مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت

- لبنان، الطبعة الأولى، 1414هـ - 1993هـ 15 - أصول الدعوة، للدكتور عبد الكريم زيدان، الطبعة الثالثة، 1396هـ، مكتبة المنار الإسلامية. 16 - أعلام المسلمين للبيطار. 17 - إعلام الموقعين عن رب العالمين، لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ت 751هـ، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، طبعة 1407هـ، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت. 18 - اقتضاء العلم العمل، أحمد بن علي بن ثابت البغدادي أبو بكر (ت 463هـ)، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1397هـ. 19 - الإنصاف لمعرفة الراجح من الخلاف، لعلي بن سليمان المرداوي، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 20 - أهداف الأسرة في الإسلام والتيارات المعاصرة، حسين محمد يوسف. 21 - الإيمان، لمحمد بن يحيى بن أبي عمر العدني، تحقيق حمد بن حمدي الجابري الحربي، الدار السلفية، الكويت، الطبعة الأولى 1407هـ. 22 - بناء الأسرة المسلمة، الحلقة الثانية، حسين محمد يوسف 23 - تاج العروس، الطبعة الأولى، بيروت، منشورات دار الحياة، 1306هـ. 24 - التاريخ الإسلامي، محمود شاكر، الطبعة الرابعة، 1405هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 25 - تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، ت 310هـ، الطبعة الثانية، 1408هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 26 - التاريخ الكبير، محمد بن إسماعيل البخاري (ت 256هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان.

27 - تاريخ بغداد، أحمد بن علي أبو بكر الخطيب البغدادي، (ت 463هـ)، دار الكتب العلمية، بيروت. 28 - تاريخ دمشق وذكر فضلها، أبو القاسم علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي، ت 571هـ، دراسة وتحقيق علي شيري، دار الفكر والطباعة والنشر والتوزيع. 29 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، لأبي العُلا محمد عبد الرحمن عبد الرحيم المباركفوري، ت 1353 هـ، الطبعة الثانية، 1457 هـ، مكتبة ابن تيمية، القاهرة. 30 - تحفة المودود بأحكام المولود، للإمام شمس الدين محمد بن أبي بكر بن قيم الجوزية، ت 751هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الثانية، 1407هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، ومكتبة المؤيد، الطائف، المملكة العربية السعودية. 31 - تربية الأولاد في الإسلام، لعبد الله بن ناصح علوان، الطبعة الثالثة، ط 1401هـ، دار السلام، بيروت، لبنان. 32 - تربية البنين، منظومة رجزية، محمد سالم البحاني. 33 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، لعبد العظيم بن عبد القوي المنذري، ت 656هـ، الطبعة الثالثة، 1388هـ، دار إحياء التراث العربي. 34 - التعليقات الحسان على صحيح ابن حبان وتمييز سقيمه من صحيحه، وشاذه من محفوظه، محمد ناصر الدين الألباني (ت 1420هـ)، دار باوزير. 35 - تفسير ابن أبي حاتم، الإمام الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، تحقيق أسعد محمد الطيب، المكتبة العصرية - صيدا. 36 - تفسير البغوي (معالم التنزيل)،للإمام الحافظ أبي محمد الحسين بن مسعود البغوي ت516 هـ، تحقيق خالد عبد الرحمن العك ومروان سوار، الطبعة الأولى،1406 هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 37 - تفسير القرآن الحكيم لمحمد رشيد رضا، الطبعة الثانية، بيروت، دار المعرفة. 38 - تفسير القرآن العظيم، للإمام إسماعيل بن عمر بن كثير ت 747هـ، الطبعة الأولى 1419هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 39 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للحافظ أحمد بن علي بن محمد

العسقلاني، 773هـ، توزيع رياسة إدارات البحوث العلمية. 40 - التمثيل والمحاضرة، لأبي منصور الثعالبي، تحقيق زهية سعدو، رسالة دكتوراه، جامعة الجزائر، 2005م. 41 - التمهيد، للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي ابن عبد البر، ت 465هـ. 42 - تنبيه النائم الغمر على مواسم العمر، لأبي الفرج بن الجوزي، دار الصحابة للتراث، طنطا، الطبعة الأولى، 1411هـ- 1991م. 43 - تهذيب الآثار وتفصيل الثابت عن رسول الله من الأخبار، أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري (ت 310هـ)، تحقيق محمود محمد شاكر، مطبعة المدني، القاهرة. 44 - التواضع والخمول، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي (ت 281هـ)، تحقيق محمد عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1409 - 1989. 45 - تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان، للعلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي، الطبعة الأولى ت 1376هـ، تحقيق عبد الرحمن بن معلا اللويحق، مؤسسة الرسالة. 46 - الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب، محمد ناصر الدين الألباني، غراس للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى. 47 - جامع الأصول من أحاديث الرسول، لأبي السعادات المبارك بن محمد بن الأثير الجزري، ت656 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1453 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 48 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري ت 310هـ، تحقيق محمود محمد شاكر، توزيع دار التربية والتراث، مكة المكرمة.

49 - الجامع الصحيح (سنن الترمذي)، تحقيق أحمدمحمد شاكر، وأتمه إبراهيم عطوة عوض، المكتبة الإسلامية. 50 - الجامع لأحكام القرآن، لأبي عبد الله بن أحمد الأنصاري القرطبي، الطبعة الأولى عام 1414 هـ، تحقيق الدكتور محمد بن إبراهيم الحفناوي، نشر دار الحديث، القاهرة. 51 - جزء إملاء النسائي 52 - الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، الرياض، نشر مكتبة الرياض الحديثة 1392هـ 53 - حاشية الإمام السندي على سنن النسائي، للعلامة عبد الهادي السندي، ت 1138 هـ، المطبوع مع سنن النسائي بعناية عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 54 - الحسبة في الإسلام، لشيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، ت 728 هـ، بدون تاريخ، دار الفكر، بيروت، لبنان. 55 - حقوق الإنسان في الإسلام. 56 - الحكمة في الدعوة إلى الله، سعيد بن علي بن وهف القحطاني، الطبعة الثالثة، 1417 هـ، توزيع مؤسسة الجريسي، الرياض، المملكة العربية السعودية. 57 - حلية الأولياء وطبقات ألأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصفهاني، ت 430هـ، بدون تاريخ، دار الكتاب العربي، بيروت. 58 - خلاصة البدر المنير، لعمر بن علي بن الملقن الأنصاري المتوفى (723هـ)، مكتبة الرشد، الرياض، الطبعة الأولى 1410هـ. 59 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، 1993م، دار الفكر، بيروت. 60 - الدراية في تخريج أحاديث الهداية، أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت 852 هـ)، تحقيق عبد هاشم اليماني المدني، دار المعرفة، بيروت. 61 - ديوان أبي العتاهية، دار الكتب العلمية، بيروت، منشورات: محمد علي بيضون، 1419هـ /1998م، بدون طبعة. 62 - ديوان الإمام الشافعي، لأبى عبد الله محمد بن إدريس الشافعي، ت 254 هـ،

جمعه وعلق عليه محمد عفيف الزعبي، الطبعة الثالثة، 1392 هـ، مؤسسة الزعبي، بيروت، لبنان. 63 - ديوان فتيان بن علي الشاغوري، تحقيق أحمد الجودي، مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق. 64 - الروض الأنف في تفسير السيرة النبوية لابن هشام، للفقيه المحدث عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد السهيلي، قدم له وعلق عليه وضبطه طه عبد الرؤوف سعد، دار المعرفة، بيروت، 1398هـ/ 1978م. 65 - رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي، حققه علي عبد الحميد أبو الخير، دار الخير، دمشق، عام 1418هـ-1998م. 66 - الرياض النضرة في مناقب العشرة، أحمد بن عبد الله الشهير بالمحب الطبري، الطبعة الثانية، دار الكتب العلمية، بيروت، 1424هـ- 2003م. 67 - زاد المسير في علم التفسير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، ت 596هـ، الطبعة الأولى، 1384هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 68 - زاد المعاد في هدي خير العباد، للإمام شمس الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية، ت 751 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط وعبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الأولى، 1399 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 69 - الزهد والرقائق، للإمام عبد الله بن المبارك المروزي، ت 181 هـ، تحقيق أحمد فريد، الطبعة الأولى، 1415 هـ، دار المعراج الدولية للنشر، الرياض، المملكة العربية السعودية. 70 - الزهد، للإمام أحمد بن حنبل، مطبعة أم القرى بمكة المكرمة، عام 1357هـ. 71 - الزهد، لوكيع بن الجراح، ت 229هـ، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، 1404هـ، مكتبة الدار، المدينة المنورة. 72 - الزهد، لهناد بن السري الكوفي، تحقيق عبد الرحمن عبد الجبار الفريوائي، ط1،1406هـ، دار الخلفاء للكتاب الإسلامي، الكويت. 73 - سلسلة الأحاديث الصحيحة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة 1498هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 74 - سلسلة الأحاديث الضعيفة، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الرابعة

1498هـ، المكتب الإسلامي بيروت. 75 - سنن ابن ماجه، لمحمد بن يزيد القزويني، ت 275 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 76 - سنن أبي داود، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع، الرياض، المملكة العربية السعودية. 77 - سنن الترمذي، لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة، ت 279 هـ، تحقيق أحمد محمد شاكر، الطبعة الثانية، 1398 هـ، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، القاهرة، مصر. 78 - سنن الدارقطني، للإمام علي بن عمر الدارقطني، ت 385هـ، دار المحاسن للطباعة، القاهرة. 79 - سنن الدارمي، عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، ت 255 هـ، طبعة 1404 هـ، تحقيق عبد الله بن هاشم اليماني، توزيع الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء، الرياض، المملكة العربية السعودية. 80 - السنن الصغرى (المنة الكبرى شرح وتخريج السنن الصغرى) لأبي بكر البيهقي، محمد ضياء الرحمن الأعظمي، مكتبة الرشد، الرياض، 1422هـ - 2001م. 81 - السنن الكبرى، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: د. عبد الغفار سليمان البنداري، وسيد كسروي حسن، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1411هـ. 82 - السنن الكبرى، للإمام الحافظ أبي بكر أحمد بن الحسين بن على البيهقي، ت 458 هـ، الطبعة الأولى، 1406هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 83 - سنن النسائي (المجتبى)، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب، ت 303 هـ، بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي، ت 911 هـ، وحاشية السندي، ت 1138 هـ، الطبعة الأولى، 1406 هـ، اعتنى به ورقمه عبد الفتاح أبو غدة، الطبعة الثانية، 1406 هـ، دار البشائر الإسلامية، بيروت، لبنان. 84 - سنن النسائي، للإمام أحمد بن شعيب النسائي، الطبعة الأولى عام 1420هـ، دار السلام للنشر والتوزيع الرياض المملكة العربية السعودية. 85 - سيرة ابن هشام، لأبي محمد بن عبد الملك بن هشام، تحقيق محمد محيي الدين

عبد الحميد، نشر رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء. 86 - شرح الزرقاني على الموطأ، محمد بن عبد الباقي بن يوسف، الزرقانى، ت 1122 هـ، الطبعة الأولى، 1411 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 87 - شرح السنة، للإمام أبي محمد الحسن بن علي بن خلف البربهاري، ت 329 هـ، تحقيق أبي ياسر خالد بن قاسم الردادي، الطبعة الأولى 1414 هـ، مكتبة الغرباء الأثرية، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية. 88 - شرح السندي على سنن ابن ماجه، المطبوع مع سنن ابن ماجه، الطبعة الأولى، 1416هـ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 89 - الشرح الكبير، لأبي الفرج عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي 682هـ، المطبوع مع الإنصاف والمقنع، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر للطباعة والنشر. 90 - الشرح الممتع، لابن عثيمين، الطبعة الثالثة، 1415هـ، مؤسسة آسام للنشر، المملكة العربية السعودية. 91 - شرح النووي على صحيح مسلم، ليحيى بن شرف الدين النووي، مراجعة خليل الميس، دار القلم، بيروت، لبنان. 92 - شعب الإيمان، للإمام أبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ت 458 هـ، تحقيق أبي هاجر محمد السعيد بسيوني زغلول، الطبعة الأولى، 1410 هـ، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان. 93 - الشكر، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي البغدادي (ت 281هـ)، تحقيق بدر البدر، المكتب الإسلامي - الكويت، الطبعة الثالثة، 1400 - 1980. 94 - الشمائل المحمدية، لمحمد بن عيسى بن سَوْرة بن موسى بن الضحاك (ت 279هـ)، تحقيق سيد عباس الجليمي، مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت، الطبعة الأولى، 1412هـ. 95 - الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية، إسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، طبعة دار العلم للملايين، الطبعة الرابعة، 1990م. 96 - صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان، للإمام أبي حاتم محمدبن أحمدبن حبان

البستي، ت354 هـ، رتبه الأمير علاء الدين علي بن سليمان بن بلبان الفارسي، ت 739 هـ، تحقيق شعيب الأرناؤوط، الطبعة الثانية، 1414 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 97 - صحيح ابن خزيمة، للإمام أبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة السلمي النيسابوري، ت 311 هـ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمى، طبعة 1390 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 98 - صحيح ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 99 - صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري، بقلم محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثانية 1415هـ، دار الصديق، الجبيل، المملكة العربية السعودية. 100 - صحيح البخاري، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ت 256 هـ، طبعة 1414 هـ، دار الفكر، بيروت، لبنان. وطبعة 1315 هـ، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا، والنسخة المطبوعة مع فتح الباري، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وإشراف محب الدين الخطيب، بدون تاريخ، مكتبة الرياض، المملكة العربية السعودية. 101 - صحيح الترغيب والترهيب، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1412 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 102 - صحيح الجامع الصغير، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب الإسلامي. 103 - صحيح سنن ابن ماجه باختصار السند، لمحمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1407 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 104 - صحيح سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 105 - صحيح سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية. 106 - صحيح سنن النسائي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. الرياض، المملكة العربية السعودية.

107 - صحيح مسلم، لأبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري، ت 261 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 108 - صحيح موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لمحمد ناصر الدين الألباني، دار الصميعي، الرياض، الطبعة الأولى، 1422هـ- 2002م. 109 - الصداقة والصديق. 110 - الصمت وآداب اللسان، أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي (281هـ)، تحقيق أبي إسحاق الحويني، دار الكتاب العربي - بيروت، الطبعة الأولى، 1410هـ. 111 - ضعيف الجامع الصغير، للعلامة الألباني ناصر الدين، الطبعة الأولى 1388هـ، المكتب 112 - ضعيف سنن ابن ماجه، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، ط1، 1408هـ- 1988م. 113 - ضعيف سنن أبي داود، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض- والمكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1412هـ - 1991م. 114 - ضعيف سنن الترمذي، للعلامة محمد ناصر الدين الألباني، أشرف على طباعته زهير الشاويش، المكتب الإسلامي، بيروت - لبنان، ط1، 1411هـ- 1991م، نشر مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض. 115 - ضعيف سنن النسائي، لمحمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الأولى، 1410هـ - 1990م. 116 - غريب الحديث، لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن حمادي بن أحمد بن جعفر، تحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1985م. 117 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، للحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني 852هـ، أشرف على مقابلة نسخه المطبوعة والمخطوطة عبد العزيز بن عبد الله بن باز، نشر مكتبة الرياض الحديثة. 118 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ت 230 هـ، بدون تاريخ، تصوير

بيروت، دار صادر. 119 - الطفل في الشريعة الإسلامية، د. محمد بن أحمد الصالح. 120 - العبودية، لشيخ الإسلام ابن تيمية، تقديم وتحقيق الشيخ عبد الرحمن الباني - المكتب الإسلامي - ط ثانية - بيروت 1389 هـ. 121 - علل الحديث، لابن أبي حاتم أبي محمد عَبد الرحمن بن محمد بن إدريس بن مهران الرازي، (ت 327هـ)، تحقيق الدكتور سعد بن عبد الله الحميد. 122 - العلل الكبير الترمذي، شرح علل للترمذي، للدكتور نور الدين عتر، الطبعة الأولى، 1398هـ، دار الملاح للطباعة والنشر. 123 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لعبد الرحمن بن علي بن الجوزي، تحقيق خليل الميسعمدة القاري، دار الكتب العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1403هـ. 124 - عمدة القاري شرح صحيح البخاري، لبدر الدين أبي محمد محمود بن أحمد العيني، ت 855، بدون تاريخ، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان. 125 - عمل اليوم والليلة، للحافظ أبي بكر أحمد بن محمد الدينوري المعروف بابن السني، ت 265 هـ، تحقيق بشير محمد عيون، الطبعة الأولى، 1407 هـ، مكتبة دار البيان، دمشق، سورية. 126 - العيال، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا القرشي البغدادي (ت 281هـ]، تحقيق د نجم عبد الرحمن خلف، دار ابن القيم - السعودية - الدمام. 127 - فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، جمع أحمد بن عبد الرزاق الدويش، الطبعة الأولى، 1419هـ، نشر إدارة البحوث العلمية والإفتاء، المملكة العربية السعودية. 128 - فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية في علم التفسير، للإمام محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ت 1250 هـ، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 129 - الفروع، لمحمد بن مفلح المقدسي، ت763هـ، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1424هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 130 - فضل الله الصمد في توضيح الأدب المفرد للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل

البخاري، تأليف فضل الله الجيلاني، الطبعة الثالثة، 1407هـ، دار الطبعة السلفية، القاهرة. 131 - فقه اللغة وسرُّ العربية، لأبي منصور الثعالبي، مصر، المطبعة الرحمانية، 1346هـ. 132 - في ظلال القرآن، سيد قطب، الطبعة التاسعة، 1400هـ، دار الشروق، بيروت، القاهرة. 133 - فيض القدير شرح الجامع الصغير، للعلامة عبد الرؤوف المناوي، ت 1031 هـ، بدون تاريخ، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 134 - القاموس الفقهي: لغة واصطلاحاً، لسعدي أبو جيب، الطبعة الأولى، 1402هـ، دار الفكر، دمشق، سورية. 135 - القاموس المحيط، للعلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي، ت 817 هـ الطبعة الأولى، 1406 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 136 - الكافي لابن قدامة: عبد الله بن أحمد بن محمد، ت 620هـ تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، دار هجر. 137 - الكامل في التاريخ، لابن الأثير:، علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد الكريم، ت 630هـ، الطبعة السادسة 1406هـ، دار الكتاب العربي. 138 - الكامل في ضعفاء الرجال، لعبد الله بن عدي بن عبد الله بن محمد، أبو أحمد الجرجاني، تحقيق: يحيى مختار غزاوي، دار الفكر، بيروت، الطبعة الثالثة، 1409 - 1988م. 139 - الكبائر، أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي (ت 748 هـ)، حققه وعلق عليه أسامة صلاح الدين منيمنة، مكتبة المعارف، الرياض، ط1، 1410هـ. 140 - كتاب السنة، للحافظ أبي بكر عمر بن أبي عاصم الضحاك بن مخلد الشيباني، ت 287 هـ، ومعه ظلال الجنة في تخريج السنة لمحمد بن ناصر الدين الألباني، الطبعة الأولى، 1400 هـ المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 141 - كشف الأستار عن زوائد البزار، للهيثمي، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط2، 1404هـ.

142 - كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، للعلامة إسماعيل بن محمد العجلوني، ت 1132 هـ، بإشراف وتصحيح أحمد القلاش، الطبعة الثالثة،1403 هـ، مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان. 143 - الكلم الطيب من أذكار النبي - صلى الله عليه وسلم -، لشيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني، ت 827 هـ، تحقيق عبد القادر الأرناؤوط، الطبعة الثالثة، 1403 هـ، دار البيان، دمشق، سورية. 144 - لسان العرب، لابن منظور: جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، الطبعة الأولى، 1410هـ، دار صادر، بيروت، لبنان. 145 - الضعفاء الكبير، لأبي جعفر محمد بن عمر بن موسى العقيلي، تحقيق عبد المعطي أمين قلعجي، دار المكتبة العلمية - بيروت، الطبعة الأولى، 1404هـ - 1984م. 146 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين على بن أبي بكر الهيثمي، ت 807 هـ، الطبعة الثالثة، 1402 هـ، دار الكتاب العربي، بيروت، لبنان. 147 - مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمن بن القاسم، أشرف على طباعته المكتب السعودي بالمغرب. 148 - مجموع فتاوى ابن باز، جمع عبد الله الطيار، وأحمد الباز، الطبعة الأولى 1416هـ، دار الوطن، الرياض، المملكة العربية السعودية. 149 - محمد، الطبعة الأولى، بيروت، دار العربية. 150 - المحلى بالآثار، لمحمد بن علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي، تحقيق أحمد شاكر، مكتبة دار التراث، القاهرة، بدون تاريخ. 151 - محيط المحيط، المعلم بطرس البستاني، طبعة جديدة، 1987م، مكتبة لبنان، بيروت. 152 - المختارة للمقدسي (الأحاديث المختارة)، أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد الحنبلي المقدسي 643هـ، تحقيق عبد الملك بن عبد الله بن دهيش، مكتبة النهضة الحديثة، مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1410هـ. 153 - مختصر الخرقي المطبوع مع المغني، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي، الطبعة الأولى 1410هـ، دار هجر للطباعة والنشر.

مداراة الناس، لأبي بكر بن أبي الدنيا، تحقيق محمد خير رمضان يوسف، دار ابن حزم، بيروت. 154 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، دار المعرفة، بيروت، لبنان. 155 - مسند أبي داود الطيالسي، لأبي داود سليمان بن داود الطيالسي (204 هـ)، تحقيق: د. محمد بن عبد المحسن التركي، طبع دار هجر بالقاهرة، الطبعة الأولى 1419 هـ. 156 - مسند أبي يعلى الموصلي، للإمام الحافظ أحمد بن علي بن المثني التميمي، ت 307 هـ، تحقيق حسين سليم أسد، الطبعة الأولى، 1412هـ، دار الثقافة العربية، دمشق، بيروت. 157 - مسند إسحاق بن راهويه، إسحاق بن إبراهيم بن مخلد بن راهويه الحنظلي، تحقيق: د. عبد الغفور بن عبد الحق البلوشي، مكتبة الإيمان، المدينة المنورة، الطبعة الأولى، 1412هـ - 1991م. 158 - مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني، النسخة المحققة، تحقيق مجموعة من أهل العلم أشرف على التحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان. 159 - مسند البزار (البحر الزخار)، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار (ت292هـ)، تحقيق د. محفوظ الرحمن زين الله، مؤسسة علوم القرآن/ مكتبة العلوم والحكم، بيروت/ المدينة النبوية، 1409هـ. 160 - مسند الحميدي، عبد الله بن الزبير أبو بكر الحميدي، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، دار الكتب العلمية , مكتبة المتنبي - بيروت , القاهرة. 161 - مسند الشاميين، سليمان بن أحمد بن أيوب أبو القاسم الطبراني، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الأولى، 1405 - 1984م. 162 - مسند الشهاب، محمد بن سلامة بن جعفر أبو عبد الله القضاعي، تحقيق حمدي بن عبد المجيد السلفيمسند الطيالسي، مؤسسة الرسالة - بيروت، الطبعة الثانية، 1407 - 1986م. 163 - مسند الفردوس (الفردوس بمأثور الخطاب)، أبو شجاع شيرويه بن شهرداد بن

شيرويه الديلمي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1406هـ- 1986م. 164 - مسند عبد بن حميد (المنتخب من مسند عبد بن حميد) لعبد بن حميد بن نصر أبي محمد الكشي، تحقيق: صبحي البدري السامرائي , ومحمود محمد خليل الصعيدي، مكتبة السنة - القاهرة، الطبعة الأولى، 1408هـ - 1988م. 165 - مشكاة المصابيح، لمحمد عبد الله الخطيب التبريزي، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، الطبعة الثالثة 1405هـ، المكتب الإسلامي، بيروت، لبنان. 166 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، لشهاب الدين البوصيري (ت 840هـ)، ط1، بيروت، دار الجنان، 1406هـ. 167 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي، للعلامة أحمد بن محمد بن علي المقرئ الفيومي، بدون تاريخ، المكتبة العلمية، بيروت، لبنان. 168 - مصنف عبد الرزاق بن همام الصنعاني، تحقيق: حبيب الرحمن الأعظمي، الطبعة الثانية 1403 هـ، المكتب الإسلامي، بيروت. 169 - المصنف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة الكوفي، تحقيق كمال يوسف الحوت، مكتبة الرشد - الرياض، الطبعة الأولى، 1409م. 170 - المعجم الأوسط، للطبراني، المجموع في مجمع البحرين في زوائد المعجمين، مكتبة الرشد، الرياض. 171 - المعجم الكبير، لأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني ت 360هـ، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الجمهورية العراقية، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، إحياء التراث. 172 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية، الطبعة الثانية، المكتبة الإسلامية، إستانبول، تركيا. 173 - معجم شيوخ ابن الأعرابي، لأحمد بن محمد بن زياد، (ت 340هـ)، تحقيق محمود نصار، والسيد يوسف أحمد، دار الكتب العلمية، بيروت، 1998م. 174 - معجم لغة الفقهاء، للأستاذ الدكتور، محمد رواس الطبعة الأولى 1416هـ، دار النفائس، بيروت، لبنان.

175 - معجم مقاييس اللغة، تحقيق وضبط عبد السلام هارون، الطبعة الأولى، القاهرة، دار إحياء الكتاب العربية، 1368هـ. 176 - معرفة الصحابة، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق بن موسى بن مهران الأصبهاني (ت 430هـ)، تحقيق عادل بن يوسف العزازي، دار الوطن للنشر - الرياض، الطبعة الأولى 1419 هـ - 1998 م. 177 - المغني، لعبد الله أحمد بن محمد بن قدامة ت 620، تحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي، هجر للطباعة، القاهرة. 178 - مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي، المقدمة، دار القلم، بيروت، ط5، 1984م. 179 - المنتقى من أخبار المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، لمجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية، تصحيح محمد حامد الفقي، 1402هـ، الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية، الرياض، المملكة العربية السعودية. 180 - منظومة البيحاني في تربية البنين، 181 - المنهاج النبوي في دعوة الشباب، لسليمان بن قاسم العيد، دار العاصمة، الطبعة الأولى، المملكة العربية السعودية، الرياض، 1415هـ. 182 - الموسوعة الفقهية الكويتية، الطبعة الأولى 1414هـ، مطابع دار صفوة للنشر والتوزيع، توزيع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت. 183 - موضح أوهام الجمع والتفريق، 184 - موطأ الإمام مالك، للإمام مالك بن أنس، ت 179 هـ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، بدون تاريخ، دار إحياء الكتب العربية، عيسى البابي الحلبي وأولاده. 185 - ندوة الجامع الكبير بالرياض بتاريخ 15/ 5/1431هـ، 186 - النعوت الأسماء والصفات، لأحمد بن شعيب النسائي، تحقيق د. عبد العزيز بن إبراهيم الشهوان، مكتبة العبيكان - الرياض، الطبعة الأولى، 1998م. 187 - النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير: أبي السعادات المبارك بن محمد، ت 606هـ، تحقيق محمود محمد الطناحي وطاهر أحمد الزاوي، المكتبة العلمية، بيروت.

188 - نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول، لأبي عبد الله محمد الحكيم الترمذي، دار صادر، بيروت. 189 - نيل الأوطار، للشوكاني، تحقيق أحمد محمد السيد ومحمود إبراهيم بزّال، الطبعة الأولى 1419هـ، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت. 190 - الورع، لعبد الله بن محمد أبي بكر القرشي البغدادي، تحقيق: أبي عبد الله محمد بن حمد الحمود، الدار السلفية - الكويت، الطبعة الأولى، 1408 - 1988م.

§1/1