الهدايا للموظفين - أحكامها وكيفية التصرف فيها

عبد الرحيم الهاشم

أصل هذا الكتاب

أصل هذا الكتاب بحث محكم ومنشور في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض في المجلد 13 العدد 19 ذو الحجة 1425 هـ ومن البحوث التي حصل بها المؤلف على درجة أستاذ مشارك في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية طبعة منقحة بعد نشره في المجلة المذكورة

إهداء

إهداء إلى كل موظف محب لنفسه؛ فيؤمن بالله تعالى واليوم الآخر، ويعمل بأمانة في وظيفته، ويسعى بإخلاص في نفع المجتمع، فيبني خيرًا، ويزرع طيبًا، ويكسب حلالاً، ويقطف ثناءً حسنًا، ويدخر ثوابًا عظيمًا، وأذكره بهذين الحديثين الشريفين: عن عدي بن عمير رضي الله عنه (¬1) قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من استعملناه على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة» قال: فقام رجل أسود من الأنصار، كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله اقبل عني عملك. قال: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجئ بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهى عنه انتهى» (¬2). ¬

(¬1) عميرة - بفتح3 العين -: أبو زرارة الكندي، صحابي رضي الله عنه مات في زمن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. تقريب التهذيب 2/ 17. (¬2) مسلم: 1833.

وعن بريدة رضي الله عنه (¬1) عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (¬2). ¬

(¬1) ابن الحصيب الأسلمي، أبو سهل، صحابي رضي الله عنه أسلم قبل بدر، وتوفي 63هـ تقريب التهذيب 1/ 96. (¬2) الحاكم في المستدرك 1/ 406 وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.

مقدمة

مقدمة الحمد لله الذي حمانا باجتناب الحرام من الضر والآثام، وأمرنا بالأمانة في الأعمال؛ لنعيش في بركة ووئام، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي رغبنا في ترك الشبهات؛ لإبراء ديننا من النقصان، وأعراضنا من البهتان، وعلى آهل وصحبه وأتباعهم، أما بعد: فإن من الأفراد والشركات والمحلات التجارية ونحوها، من يبذل هدايا لبعض موظفي الدولة أو الشركات أو المؤسسات ونحوها، أو لنفس هذه الجهات؛ إكرامًا لإخلاص في عمل أو قضاء مصلحة، أو ترغيبًا في حسن تعامل لإنهاء مهمة، أو ترويج بضاعة. وقد اعتنى الفقهاء رحمهم الله تعالى بأحكام الهدايا للموظفين عند كلامهم في أدب القاضي. وذكروا أن الهدايا لسائر العمال كالهدية للقاضي، إلا أن جرمه أغلظ منهم (¬1)؛: ¬

(¬1) فتاوى السبكي 1/ 215 ونهاية المحتاج 8/ 243 وما سيأتي في القسم الثاني من أقسام الهدايا.

* قال ابن الهمام: «وكل من عمل للمسلمين عملاً، حكمه في الهدية كالقاضي» (¬1) وأفردها السُّبكي برسالة عنوانها: «فصل المقال في هدايا العمال» واختصرها نفسه، بعنوان: (مختصر فصل المقال في هدايا العمال) (¬2) وهذه المختصرة جمعت نصوصًا من الكتاب والسنة وكلامًا لأهل العلم وردت في هدايا العمال. ولم أر لغيره رسالة مفردة في ذلك، وإنما تُطرق لها تبعًا، كما فعل النابلسي (¬3) في كتابه: (تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية) وعبد الله الطريقي (¬4) في كتابه: (جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية). فلما رأيت عدم إفراد البحث بأحكام الهدايا للموظفين، والحاجة داعية لبيانها؛ لتنوع وتجدد صورها، استعنت بالله تعالى وحده في إفراد ذلك؛ تبيانًا لحكمها، وكيفية التصرف الشرعي عند بذلها، وسميته: «الهدايا للموظفين؛ أحكامها ¬

(¬1) فتح القدير (7/ 272). (¬2) مطبوعة ضمن فتاوى السبكى (1/ 213). (¬3) عبد الغني بن إسماعيل النابلسي، حنفي المذهب، مكثر في التصنيف، ولد في دمشق سنة 1050هـ وتوفي بها سنة: 1143هـ. الأعلام 4/ 32. (¬4) دكتور عبد الله بن عبد المحسن المنصور الطريقي، أستاذ الفقه بكلية إعداد المعلمين بالرياض.

وكيفية التصرف فيها». ونهجت في كتابته: ذكر التعريفات اللغوية والاصطلاحية بإيجاز، وبيان أحكام المسائل الفقهية مقرونة بأدلتها، وما اختلف فيها الفقهاء رحمهم الله تعالى ذكرت أقوالهم وأدلتها والترجيح بينها ما أمكن، وعزوت الآيات الكريمة إلى مواضعها من المصحف الشريف، وخرجت بإيجاز الأحاديث الشريفة من مصادرها الأصلية؛ فاقتصرت على اسم المصدر، ورقم الحديث فيه، فإن لم تكن أحاديثه مرقمة، اقتصرت على رقم الجزء والصفحة. وبينت ما اطلعت عليه من درجة أحاديث غير الصحيحين، واقتصرت على روايتهما فيما أخرجه معهما غيرهما، ما لم يكن في لفظه زيادة. وما أخرج منها في أكثر من مصدر، اقتصرت على واحد منها. وعزوت ذلك كله إلى مصادره الأصلية. وما لم أجده في مصادره، عزوته إلى المصدر الذي ذكره. وما لم أنسبه لأحد، فهو من كلامي ومعرض للخطأ. وترضيت كتابة على الصحابة الكرام رضي الله عنهم وللإيجاز ذكرت غيرهم بأسمائهم، وترحمت عليهم شفهيًا، وعرفت بالأعلام غير المشهورين، وهم من يندر ورود اسمه، أو يستغرب، أو يشتبه بغيره.

وجعلت البحث بعد مقدمته مشتملاً على ثلاثة فصول، وخاتمة، وفهرسين: الفصل الأول: الهدية، والرشوة، والفرق بينهما. الفصل الثاني: الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله. الفصل الثالث: التصرف في الهدايا للموظف. الخاتمة: أهم النتائج والتوصيات. الفهرسان: أحدهما للمصادر والمراجع، وثانيهما للمحتويات. وهذا البحث قدمته للتحكيم والنشر في مجلة البحوث الأمنية بكلية الملك فهد الأمنية بالرياض؛ وتم ذلك في مجلدها 13 العدد 29 ذو الحجة 1425هـ وأفدت كثيرًا من ملاحظات المحكمين، كما قدمته للمجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية؛ ضمن البحوث للحصول على درجة أستاذ مشارك، وتم تحكيمه من اللجنة المختصة، وحصولي على الدرجة المذكورة، ثم طلب الإذن من المجلة المذكورة بطباعته في كتاب مستقل، فتمت الموافقة بخطابها رقم 17/ 3/253 وتاريخ 26/ 5/1426هـ فقمت بقراءة البحث وتنقيحه؛ رجاء

تدارك ما يسبق به القلم من أخطاء، وتسهيل الانتفاع به أكثر، ولا يزال من جهد بشر معرض للخطأ. وإني أتقدم بالشكر لأعضاء هيئة تحرير مجلة البحوث الأمنية، ولأعضاء المجلس العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، وللمحكمين لهذا البحث، على ما بذلوه من جهد وتوجيه، والشكر موصول لرئيس هيئة تحرير المجلة المذكورة على إذنه بطباعة هذا البحث. وأسأل الله تعالى بكل وسيلة يرتضيها، أن يتقبل هذا البحث، وأن ينفع به ويجعله من الوسيلة الطيبة إلى رضاه، وأن يغفر لي ووالدي وأهلي ومشايخي والمسلمين، وأن يوفق ولاة أمرنا وموظفينا في هذه البلاد المباركة وسائر بلاد المسلمين إلى ما فيه الخير لهم ولشعوبهم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، آمين.

الفصل الأول الهدية، والرشوة، والفرق بينهما

الفصل الأول الهدية، والرشوة، والفرق بينهما الحديث عن هذا الفصل في ثلاثة فروع: الفرع الأول: الهدية في هذا الفرع مبحثان: المبحث الأول: التعريف بالهدية الهدية في اللغة: تمليك المرء ماله (¬1) لغيره بلا عوض؛ تلطفًا (¬2). ¬

(¬1) المال في اللغة: ما يملكه الإنسان من جميع الأشياء. لسان العرب 11/ 635 وفي الاصطلاح: عرف بعدة تعريفات. من أرجحها: ما له قيمة يباع بها وتلزم متلفه. الأشباه والنظائر، للسيوطي ص327 ويدخل فيه العين كالنقد والثوب والدار، والمنفعة: كالخدمة وسكنى دار. ينظر: التعيين وأثره في العقود المالية ص33 - 37. (¬2) المفردات في غريب القرآن ص541 والمصباح المنير ص673.

وفي الاصطلاح: عرفت بعدة تعريفات متقاربة (¬1) ويجمعها هذا التعريف: «تمليك ممن له التبرع في حياته لغيره، عينًا من ماله؛ إكرامًا بلا شرط ولا عوض» (¬2). شرح التعريف: تمليك ممن له التبرع: أخرج من ليس له التبرع كالمجنون. في حياته لغيره: أخرج الوصية، فهي: تمليك للغير من المتبرع بعد موته. عينًا من ماله: أخرج العارية، فهي: تمليك منفعة مال لا عينه. إكرامًا: أخرج الصدقة، فهي: عطًا على الفقير؛ لوجه الله تعالى. بلا شرط ولا عوض: أخرج الهبة على شرط، فهي: وعدٌ. والهبة على عوض، فهي: بيع. ¬

(¬1) ينظر: بدائع الصنائع 6/ 127، وأقرب المسالك 5/ 431، 432، والمنهاج 2/ 396، ومطالب أولي النهي 4/ 377. (¬2) ينظر: أقرب المسالك 5/ 431، 432 ومطالب أولي النهي 4/ 377 والتعيين وأثره في العقود المالية ص399، 400.

المبحث الثاني: بذل الهدية وقبولها والمكافأة عليها

وأخرج الرشوة، فهي: بشرط عوض محرم من إبطال حق، أو إحقاق باطل. وأخرج الغلول، وهو: الخيانة في المال: ومنها الهدية للعامل المنهي عنها (¬1). المبحث الثاني: بذل الهدية وقبولها والمكافأة عليها الهدية مندوب إلى بذلها؛ فقد أمر بها الشارع الحكيم وحث عليها (¬2) وإن كانت قليلة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها، ولو فرسن شاة» (¬3). وجاء في فضل الهدية نصوص كثيرة، منها: عن أبي هريرة ¬

(¬1) ينظر: إحياء علوم الدين 2/ 152 - 154 وفتاوى السبكي 1/ 214 وفتح الباري 5/ 197، 210 والمغني 8/ 250 والنهاية في غريب الحديث 3/ 380. (¬2) المغني 8/ 240. (¬3) البخاري: 2566. والفرسن - بكسر الفاء وفتح السين -: عُظيم قليل اللحم، وهو للبعير: موضع الحافر. ويطلق على الشاة، مجازًا، وجمعه فراسن. المصباح المنير ص468 وفتح الباري 5/ 198.

رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «تهادوا تحابوا» (¬1). ودل الإجماع على استحبابها (¬2). ولما يترتب عليها من الآثار والمعاني الاجتماعية الحسنة؛ فهي تئول إلى التوسعة على الآخذ، ونفي الشح عن نفس الباذل (¬3) وهي وسيلة للإكرام والإجلال كالهدية للوالد والعالم، وللتلطف والتودد كالهدية للزوج والقريب والصديق والجار، وللمكافأة على فعل معروف أو دفع ضر ممن لا يجبان عليه بعمل في ولاية لسلطان ونحوه (¬4). وكل هذه الأمور حث عليها الإسلام، ومن مقاصده العظام، وطرقه القويمة في تأليف المجتمع الذي امتن الله سبحانه عليه بالألفة؛ في قوله تعالى: {وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ ¬

(¬1) البخاري في الأدب المفرد: 594، وقال ابن حجر: إسناده صحيح. التلخيص الحبير 3/ 1047. (¬2) مغني المحتاج 2/ 396. (¬3) كشاف القناع 4/ 299. (¬4) ينظر: إحياء علوم الدين 2/ 153 والتعيين وأثره في العقود المالية ص399، 401، 415 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص68 - 75.

بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 63]. والهدية وسيلة للتآلف؛ لأنها تجلب المحبة بين المتهادين، وتؤلف بينهم إذا تنافروا (¬1) والمحبة بين المسلمين وعدم تنافرهم، طريقان لأمنهم وسعادتهم في الدنيا، وفوزهم بالجنة في الآخرة؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم» (¬2) فإذا كانت الهدية بالسلام تفعل هذا، وهي مجرد كلام، فكذا الهدية بالمال تفعل مثله أو أكثر! وقبول الهدية فيه إدخال للسرور على باذلها؛: * قال الخطابي: «قبول النبي - صلى الله عليه وسلم - الهدية، نوع من الكرم، وباب من حسن الخلق؛ يتألف به القلوب ... وكان أكل الهدية شعارًا له - صلى الله عليه وسلم - وأمارة من أماراته، ووصف - صلى الله عليه وسلم - في الكتب المتقدمة: بأنه يقبل الهدية» (¬3). ¬

(¬1) ينظر: تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص/55 - 99. (¬2) مسلم: 54. (¬3) معالم السنن 3/ 168.

فيستحب قبولها؛ ويكره ردها؛ فعن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعًا: «لا تردوا الهدية» (¬1). وتمتلك ويباح التصرف فيها؛ قال الله تعالى: {وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: 4]. ففي الآية دلالة على إباحة قبول الهدية؛ لأن الله تعالى أمر الزوج بأكل ما طابت به نفس امرأته مما أعطته من مهرها، ووصفه بأنه هنيئًا مريئًا (¬2) وهو منها لزوجها هدية. وهذان: الأمر والوصف، من أقوى الأدلة على إباحة قبول الهدية. ويكره قبول الهدية إذا ترتب عليها ما يناقض القصد الذي شرعت له؛ لأن المقاصد في العقود معتبرة (¬3). ويجب ردها إن علم أنها بذلت بغير طيب نفس؛ لما روى أنس رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا ¬

(¬1) مسند أحمد بن حنبل: 8383. وصححه الألباني. إرواء الغليل 6/ 59. (¬2) ينظر: تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص55 - 99. (¬3) ينظر: فتح الباري 5/ 203، 221 والنية وأثرها في الأحكام الشرعية 2/ 262 والقواعد ص348.

بطيب نفسه» (¬1) أو كانت مما لا يحل للمهدي أخذه (¬2). ويباح ردها إن كان باذلها منانًا؛ دفعًا للمنة. وتستحب المكافأة على الهدية (¬3) ولو بأقل منها؛ فعن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقبل الهدية، ويثيب عليها» (¬4) وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أهدى إليكم فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه، فادعوا له حتى ترون أن قد كافأتموه» (¬5). والأفضل أن تكون المكافأة على الهدية بأعلى منها وإلا فبمثلها (¬6)؛ وصدق الله العظيم: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا} [النساء: 86]. ¬

(¬1) مسند أحمد بن حنبل: 20971 والدارقطني 3/ 26. وصححه الألباني إرواء الغليل 5/ 279. (¬2) فتح الباري 5/ 221 والفتاوى الكبرى الفقهية 4/ 310 ومنار السبيل إلى شرح الدليل 2/ 25. (¬3) ينظر: معالم السنن 3/ 168 وذكر قولاً: بوجوب المكافأة. (¬4) البخاري: 2585. (¬5) الحاكم 1/ 412 وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين) ووافقه الذهبي. (¬6) ينظر: فتح الباري 5/ 210.

الفرع الثاني: الرشوة

الفرع الثاني: الرشوة الحديث عن هذا الفرع في ثلاثة مباحث: المبحث الأول: التعريف بالرشوة الرشوة في اللغة: بكسر الراء وضمها وفتحها (¬1): ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره؛ ليحكم له، أو يحمله على ما يريد (¬2). وفي الاصطلاح: عرفت بعدة تعريفات لا يخلو معظمها من نقد؛ لكونها غير جامعة أو غير مانعة (¬3) وأحسنها ما نسبه ابن عابدين لصاحب المصباح (¬4) وهو التعريف اللغوي المذكور. وعليه لا يعدو معنى الرشوة في الاصطلاح معناها اللغوي. ¬

(¬1) مختار الصحاب ص244 والقاموس المحيط 4/ 336. (¬2) المصباح المنير ص228. (¬3) ينظر: فتح الباري 5/ 221 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص50 - 52. (¬4) رد المحتار 5/ 362 وينظر: شرح السنة 10/ 88 وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص184.

المبحث الثاني: أضرار الرشوة

المبحث الثاني: أضرار الرشوة الرشوة من المكاسب المحرمة، والمتوعد عليها بلعنة الله تعالى، وفيها أضرار عظيمة، ومفاسد وخيمة على الفرد والمجتمع؛ فهي مما يخل بأمن المجتمع وسعادته؛ بينما الإسلام يؤكد الأخوة والأمانة بين المسلمين؛ قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات: 10]. * ومما تعنيه الأُخوة: التعاون على قضاء حاجات الإخوان بأمانة، وبدون رشوة؛ عن أنس رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» (¬1)، والمؤمن لا يحب أن تقضى حاجته برشوة، فكيف هو لا يقضي حاجة أخيه إلا بها! وبينما يأمر الإسلام بالعزة وعلو النفس والكرامة، وبأسباب المحبة بين المسلمين من التزاور والتواضع، ومن التعاون بالهدية والصدقة والشفاعة الحسنة وقضاء الحاجات والنصح لهم وأداء الأمانة، ويحرم عليهم القطيعة والخيانة والغش ¬

(¬1) البخاري: 13.

بينهم. تأتي الرشوة مناقضة لذلك، فتفسد الخلق؛ روي عن كعب (¬1): «الرشوة تسفه الحليم، وتعمي عين الحكيم» (¬2)، وتحدث في المجتمع القهر والحقد في النفوس، وتنتشر العداوة والظلم والأنانية؛: * قال الطريقي: «والرشوة من أهم العوامل التي تنشر الفساد، وتضيع الحقوق، وتنصر الظالم على المظلوم ... ولأن أخذ الرشوة، خيانة لهذه الأمانة - أمانة الوظيفة - وفيه غش وخديعة للأمة» (¬3). * وقال القرضاوي: «ولا غرابة في تحريم الإسلام للرشوة، وتشديده على كل من اشترك فيها، فإن شيوعها في مجتمع، ¬

(¬1) لم أقف على المراد به. ولعله كعب الأحبار؛ فهو المشهور. ابن مانع الحميري، العلامة الحبر، كان يهوديًا فأسلم، مخضرم، روى عن جمع من الصحابة, وروى عنه جمع منهم رضي الله عنه مات في خلافة عثمان رضي الله عنه ينظر: تقريب التهذيب 2/ 134، 135، وأخبار القضاة 1/ 55، وسير أعلام النبلاء 3/ 489 - 494. (¬2) فتاوى السبكي 1/ 214 والمغني 14/ 60، ولم أقف على هذا الأثر في مظانه من كتب الحديث والسير. وعه: «هذه الرشوة أخذها يطمس البصر، ويطبع القلب» أخبار القضاة 1/ 55. (¬3) جريمة في الرشوة في الشريعة الإسلامية ص153.

المبحث الثالث: بذل الرشوة وقبولها

شيوع للفساد والظلم: من حكم بغير حق، أو امتناع عن الحكم بالحق، وتقديم من يستحق التأخير، وتأخير من يستحق التقديم، وشيوع روح النفعية في المجتمع، لا روح الواجب» (¬1). * والنفعية: تقديم الشخص منفعة نفسه على ما يجب عليه من نفع غيره. فيصير الموظف لا يقوم بحقوق غيره الواجبة عليه بطريق وظيفته مقابل راتبه، بل مقابل انتفاعه بما يتقاضاه منهم من رشوة أو هدية محرمة؛ فيكون كل من الموظف والباذل له قد عملا لمنفعتهما لا للمصلحة العامة، بل على حسابها! فيضران غيرهما، ويحدثان في المجتمع الأنانية التي هي من أوائل أسباب الفساد فيه. المبحث الثالث: بذل الرشوة وقبولها الرشوة محرم بذلها وقبولها؛ دل عليهما القرآن الكريم، والسنة المطهرة، والإجماع. فمن القرآن الكريم: قول الله جل وعز: {وَلَا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ ¬

(¬1) الحلال والحرام في الإسلام ص322.

بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَاكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188]. ففي الآية نهي عن أكل الأموال بالباطل ولو طابت به نفس باذلة كالرشوة (¬1)؛: * قال البغوي: «أي لا تعطوها الحكام على سبيل الرشوة؛ ليغيروا الحكم لكم» (¬2). ومن السنة: عن ثوبان رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي، والمرتشي، والرائش» (¬3). * ففيه أن: الرشوة من كبائر الذنوب؛ لأن اللعن، وهو الطرد من رحمة الله جل وعز، لا يكون إلا على كبيرة (¬4) وقد ¬

(¬1) الجامع لأحكام القرآن 2/ 338 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص98. (¬2) شرح السنة 10/ 88. (¬3) مسند أحمد بن حنبل 22762 ورمز له السيوطي بالصحة. الجامع الصغير 2/ 406 وينظر: فتح الباري 5/ 221 وجاءت روايات أخرى وأقوال للصحابة رضي الله عنهم في النهي عن الرشوة والتحذير منها. ينظر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد 4/ 198، 199 وأخبار القضاة 1/ 45 - 57. وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص102 - 108. (¬4) فتاوى إسلامية 4/ 344، 345 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص102.

شمل هذا اللعن جميع المتعاونين على الرشوة، وهم: الراشي: معطي الرشوة. والمرتشي: آخذها. والرائش: السفير الذي يأخذ الرشوة من الراشي ويذهب بها إلى المرتشي (¬1). وأجمعت الأمة على تحريم الرشوة في الجملة (¬2)؛ لما جاء من النصوص في النهي عنها والتحذير منها، ولما تفضي إليه من أضرار على الفرد والمجتمع، ومن الفساد في الأرض. ¬

(¬1) النهاية في غريب الحديث 2/ 226. (¬2) فتاوى السبكي 1/ 214 ونهاية المحتاج 8/ 243 وسبل السلام 4/ 249.

الفرع الثالث: الفرق بين الهدية والرشوة

الفرع الثالث: الفرق بين الهدية والرشوة معرفة الفرق بين الهدية والرشوة مما يعين على بذل الهدية وتجنب الرشوة؛ فيسعد المجتمع بوجود المحبة بين أفراده، وتظهر الأمانة فيعم الأمن في المجتمع. ومما تقدم من الحديث عن الهدية والرشوة، يتبين أن بينهما فوارق كثيرة، أهمها خمسة: الأول: الهدية: أمر بها الشارع الحكيم، ورغب فيها، وهي من المكاسب الطيبة. والرشوة: نهى عنها الشارع الحكيم، وحذر منها، وهي من المكاسب الخبيثة. الثاني: الهدية: لا شرط في بذلها. والرشوة: مشروطة بعوض غير شرعي، إما لفظًا وإما معنى. وعوضها إما عمل منهي عنه، أو أداء واجب متعين (¬1). الثالث: الهدية: تبذل في حق كتودد وتلطف لنحو قريب أو جار أو صديق. أو تعطي إكرامًا لمن أسدى معروفًا متبرعًا به ¬

(¬1) فتح القدير 7/ 272 وإحياء علوم الدين 2/ 154 - 156 وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص184، 191.

ليس واجبًا عليه بوظيفة لدولة أو فرد. والرشوة: تبذل للتقرب والاستعطاف في الباطل؛: * قال البغوي: «فيعطي الراشي؛ لينال باطلاً، أو ليمنع حقًا يلزمه. ويأخذ الآخذ على أداء حق يلزمه، فلا يؤديه إلا برشوة يأخذها، أو على باطل يجب عليه تركه، ولا يتركه إلا بها» (¬1) وذلك كدفع مال لموظف مسئول عن التوظيف؛ ليقدم توظيف الدافع على غيره المستحق للوظيفة؛ بتميزه أو تقدم زمن طلبه. أو تبذل جزاء عمل واجب؛ بوظيفة لدولة أو فرد كدفع مال إلى عامل أو موظف؛ عوضًا عن قيامه بمهمة واجبة عليه بجهة وظيفته (¬2). الرابع: الهدية: ظاهرة معلنة، ومبنية على الجود والكرم والسماحة وطيب نفس، ويمدح باذلها وآخذها، فيبارك فيها. والرشوة مخفاة، ومبنية على المشاحّة والمنَّة، وغالبًا على عدم طيب نفس، ويعاب باذلها وآخذها، فتمحق بركتها (¬3). ¬

(¬1) شرح السنة 10/ 88. وفيه (إلا برشوة يأخذ) ولعل الصواب (برشوة يأخذها) كما أثبته. (¬2) ينظر: الحاوي الكبير 16/ 288. (¬3) ينظر: فتح الباري 5/ 221.

الخامس: بذلك الرشوة أو اشتراطها يسبق العمل، والهدية تكون بعده (¬1). ¬

(¬1) لسان العرب 9/ 358 والقاموس المحيط 3/ 210 ومختار الصحاح ص728 والمصباح المنير ص664 والمعجم الوسيط 2/ 1042 ومعجم لغة الفقهاء ص506.

الفصل الثاني الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله

الفصل الثاني الهدية إلى الموظف، وإلى جهة عمله الكلام عن هذا الفصل، في ثلاثة فروع: الفرع الأول: التعريف بالموظف الموظف في اللغة: مشتق من وظّف توظيفًا وظيفة وموظفًا، والتوظيف: تعيين الوظيفة. وهي ما يُقدر للإنسان من عمل، أو رزق، أو طعام. والجمع وظائف. وتأتي بمعنى العهد والشرط، وبمعنى المنصب والخدمة المعينة. وهذا المعنى مولّد (¬1). وفي الاصطلاح: عرف عند الفقهاء، وعند الإداريين: فعند الفقهاء: الموظف: اسم لكل عمل من أعمال الدولة ¬

(¬1) الأحكام السلطانية، للماوردي ص349 - 351 وللفراء ص247 - 250 وينظر: إحياء علوم الدين 2/ 153 وفتاوى إسلامية 4/ 344.

في الحكم أو الأمن أو المال. سواء أقدر العمل بزمن كشهر، أم عمل كصدقة هذه السنة، أم مطلقًا كحماية مكة (¬1)؛: قال ابن تيمية: «ومثل صاحب الديوان: الذي وظيفته أن يكتب المستخرج والمصروف، والنقيب والعريف: الذي وظيفته إخبار ذي الأمر بالأحوال» (¬2). والقائم بذلك يسمى في الجملة: عاملاً، وواليًا (¬3) وفي هذه العصر يسمى موظفًا. والعامل معناه في اللغة: من يتولى أمور الرجل في ماله، وملكه، وعمله (¬4). ومعناه في اصطلاح الفقهاء: من يتعاطى أمرًا يتعلق ¬

(¬1) الحسبة ص14. (¬2) ينظر: الأحكام السلطانية، للماوردي ص349 - 351 وللفراء ص247 - 250 والحاوي الكبير 16/ 282 وفتاوى إسلامية 4/ 344. (¬3) النهاية في غريب الحديث 3/ 300 وينظر: المصباح المنير ص430، 672. (¬4) رد المحتار 5/ 373 وحاشية الشبراملسي 8/ 243 وينظر: شرح فتح القدير 7/ 272 ونهاية المحتاج 8/ 243 والأحكام السلطانية، للماوردي ص349 - 351 وللفراء ص247 - 259 وإحياء علوم الدين 2/ 153.

بالمسلمين في أعمال الدولة (¬1). لكن هذا التعريف غير جامع؛ لأنه لا يشمل العامل الذي يعمل لدى غير الدولة من الشركات والمؤسسات والأفراد ونحوها. والموظف عند الإداريين: «من يقدم طاقة عمل نظير أجر» (¬2). وهذا التعريف غير مانع؛ لدخول من يعمل بأجرة لدى عدة جهات كالمقاولين، وأصحاب الورش ونحوهم، وهؤلاء لا يطلق عليهم موظفون. ويمكن التعريف بالموظف: «من يختص عمله بغيره من دولة أو شركة أو مؤسسة أو فرد، في محل تجاري أو مزرعة أو مصنع أو ورشة ونحوها» (¬3). ¬

(¬1) إدارة الموارد البشرية، المنهج الحديث في إدارة الأفراد ص37، 38. (¬2) ينظر: معجم لغة الفقهاء ص506، وفتاوى إسلامية 4/ 344. (¬3) ينظر: الأحكام السلطانية، للماوردي ص349، 350 والحسبة ص14 والسياسة الشرعية مصدر تقنين بين النظرية والتطبيق ص452.

وهذا التعريف بالموظف موافق للتعريف اللغوي له، لكن اللغوي جعله للعمل؛ وهنا أريد به القائم بالعمل. وهو بهذا موافق أيضًا للتعريف اللغوي للعامل. فشمل هذا التعريف جميع من يعمل لدى تلك الجهات من الموظفين على اختلاط طبقاتهم، وتنوع أعمالهم. وإن كان كل قائم بعمل من أعمال الدولة وغيرها يختص باسم، فيقال: والي القضاء وعامل الزكاة وحامي البلد (¬1) ومشايخ البلدان والقرى والأسواق والحرف ومباشرو الأوقاف (¬2) ومنهم المحاسبون والأطباء والمدرسون والمهندسون والكتاب والعمال ورجال الأمن (¬3). وخرج بذلك من يعمل لصالح نفسه؛ فإنه لا يُسمى منظفًا، بل صاحب عمل حر، كالمقاولين ومالكي المستشفيات والشركات والمؤسسات والورش ونحوهم. والحديث في هذا الفصل عن الهدية للموظف لا لصاحب ¬

(¬1) رد المحتار 5/ 373 وحاشية الشبراملسي 8/ 243. (¬2) ينظر: الحسبة ص14. (¬3)

العمل الحر؛ فإن الهدية إليه داخلة في عموم الهدية المباحة، إلا أن يقصد بها التقرب إليه؛ ليسيء إلى غيره بالتأخير ونحوه، فتكون من الإعانة على الإثم والعدوان. والله تعالى أعلم.

الفرع الثاني: حكم الهدية إلى الموظف

الفرع الثاني: حكم الهدية إلى الموظف الموظف إذا قام بواجب عمله، استحق الإحسان عليه بشكره على جهده، وبتلبية متطلبات العمل واحترام أنظمته؛ وهي متطلبات حسنة، تأمر بها الشريعة الإسلامية وتحث عليها. وكل ذلك مما يعين الموظف على حسن أداء عمله، وهي من حق المسلم على المسلم، ومن حق المجتمع على أفراده ولو كان الموظف فيه غير مسلم. والشكر مطلوب لكل محسن بفعله ما هو مندوب إليه، أو واجب عليه كالموظف. ولا يصح ما اشتهر على بعض الألسنة: لا شكر على واجب. بل الشكر حتى على أداء الواجب (¬1)؛ فإن الله سبحانه وتعالى متفضل ومنعم على عباده، وشكرهم له واجب عليهم، وإذا شكروه رضي عنهم؛ قال الله تعالى: {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} [الزمر: 7]. لكن ليس من الشكر والإحسان للموظف، بذل الهدية له؛ ¬

(¬1) مشافهة من شيخي: د. صالح بن عبد الرحمن الأطرم. أستاذ الفقه بكلية الشريعة بالرياض، وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، المتقاعد.

لأجل وظيفته لأنها: إما رشوة، وإما اعتياض منه على عمل واجب عليه بوظيفته، وكلاهما محرم. وسواء أكانت الهدية نقود أم ثياب أم طعام أم أثاث أم دعوة خاصة لطعام أم ضيافة في سفر، أم شفاعة أم قضاء حاجة كإبضاع (¬1) أم قرض أم عارية أم محاباة في بيع ونحوه (¬2) أو بطاقات تخفيض أو بطاقات مجانية. وما يقدم للموظف من هدية لأجل وظيفته، تعرف في الجملة عند أهل العلم بهدايا العمال، لكن ليست كل هدية تقدم للموظف تكون لأجل وظيفته، بل قد تكون لصلة رحم أو لتقوية صداقة ونحوهما. ولذا يختلف حكم الهدية للموظف باختلاف القصد منها، والسبب الباعث إليها، وعلاقة مهديها بالموظف، وباختلاف عمل الموظف، ورتبته فيه، وباختلاف قدر الهدية، ووقت بذلها. وحكم الهدايا للموظفين يختلف: فمنها الهدايا المحرم بذلها ¬

(¬1) الإبضاع: إعطاء مال لمسافر؛ ليجلب به سلعة، الشرح الكبير 4/ 140. والمعنى أن يجلب مسافر للموظف سلعة بمال الموظف. (¬2) رد المحتار 5/ 372 والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/ 139، 140 وفتح الباري 5/ 220 و 13/ 163، 164 ونهاية المحتاج 8/ 243 ومغني المحتاج 4/ 393 والمغني 14/ 60 ونيل الأوطار 7/ 261.

القسم الأول: الهدايا المحرم بذلها للموظف وقبوله لها

وقبولها، ومنها الهدايا المحرم قبولها وقد يباح بذلها، ومنها الهدايا المباح بذلها وقبولها، فهي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: الهدايا المحرم بذلها للموظف وقبوله لها: هذه الهدايا: ما يقدمها المهدي للموظف بعد ترشيحه للوظيفة، أو توليه لها؛ لقصد استمالة قلب الموظف في غير الحق حالاً أو مستقبلاً؛ وذلك ليقدمه هو أو من يشفع له على غيره، أو ليغض الطرف عنه فيما اشترطته جهة عمله، أو ليموه أو يخفي الحقيقة إن كان محققًا، أو ليحكم له بباطل إن كان حاكمًا كقاض ونحوه. فهذه في ظاهرها قد تكون هدية، لكنها في باطنها رشوة ألبست ثوب الهدية، فيحرم على المهدي بذلها، ويحرم على الموظف قبولها، ويشتد تحريمها عليه إن علم بقصد المهدي (¬1). وهي حرام في حق جميع الموظفين: الحاكم والقاضي ¬

(¬1) ينظر: الهداية وفتح القدير 7/ 371 والحاوي الكبير 16/ 283 والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/ 140 ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 58، 59 والنية وأثرها في الأحكام الشرعية 2/ 260 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص75.

والعمدة ومديرو الدوائر ومشايخ الأسواق والحرف والبلدان ومباشرو الأوقاف وغيرهم من الموظفين. لكنها في حق الحاكم والقاضي أعظم جرمًا من غيرهما (¬1)؛ لأنها للحاكم والقاضي؛ لأجل ولايتهما، وهي من مناصب النبوة، فلا تقابل بعوض. والهدية لهم تحدث تهمة تهين بمناصبهم، وتخل بهيباتهم، وتئول للخيانة فيهم وفي أتباعهم؛ فتختل المصالح (¬2). والحاكم منزلته عظيمة؛ فهو المؤمل بعد الله تعالى لدى رعيته في إسعادهم: بإقامة العدل، ونبذ الظلم، ونشر الأمن. فتنزهه عن هدايا رعيته وتعامله المالي معهم؛ أمر مطلوب شرعًا؛ فعن أبي الأسود المالكي (¬3) عن أبيه عن جده: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «ما عدل والٍ اتجر في رعيته» (¬4). ¬

(¬1) فتح القدير 7/ 272 ونهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي 8/ 243 وفتاوى السبكي 1/ 215. (¬2) الذخيرة 10/ 79، 80 وينظر: الفتاوى الفقهية الكبرى 4/ 294، 295. (¬3) لم أر تعريفًا به. وذكره الذهبي بلا تعريف به. ميزان الاعتدال 4/ 491. (¬4) الحاكم في الكنى. الجامع الصغير: 7941 وقال السيوطي: حديث ضعيف. وقال الذهبي: قال أبو أحمد الحاكم: (ليس حديثه بالقائم) وذكر الحديث المذكور. ميزان الاعتدال 4/ 491.

والقضاة هم أمل الأمة، ومؤتمنوها في حفظ الحقوق والدفاع عنها، وهم القدوة لغيرهم من الموظفين في إنجاز الأعمال والإخلاص فيها؛ لما شرفهم الله تعالى من علم الشرع، والحكم بين الناس، والتوقيع فيه عن الشارع الحكيم (¬1). والهدية للحاكم والقاضي من أحد المتخاصمين فيها إيذاء للخصم الآخر؛ بكسر قلبه، وذريعة للرشوة في الحكم عليه؛ لميل النفوس لمن أهدى إليها، فيندرج هذان - الحاكم والقاضي - في الذين اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً (¬2)؛: قال الماوردي (¬3): «قضاة الأحكام، فالهدايا في حقهم أغلظ مأثمًا وأشد تحريمًا؛ لأنهم مندوبون لحفظ الحقوق على أهلها دون أخذها، يأمرون فيها بالمعروف، وينهون فيها عن المنكر، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ¬

(¬1) ينظر: فتاوى السبكي 1/ 216 وإعلام الموقعين 1/ 36 - 39. (¬2) الهداية 7/ 275 وشرح العناية 7/ 273 والذخيرة 10/ 80 ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 58، 59. (¬3) أبو الحسين علي بن محمد الماوردي البصري الشافعي، ولد 364هـ، له مصنفات كثيرة، منها: الحاوي الكبير، والأحكام السلطانية، توفي 450هـ، مقدمة تحقيق الحاوي الكبير.

الراشي والمرتشي في الحكم» (¬1) فخص الحكم بالذكر؛ لاختصاصه بالتغليظ» (¬2) وروي عن مسروق (¬3): «القاضي إذا أكل الهدية أكل السحت، وإذا قبل الرشوة بلغ به الكفر» (¬4). والأصل في الهدايا للموظفين تحريم بذلها وقبولها (¬5) فإن كان للشخص حق مرتبط إنجازه بموظف، ولا يستطيع الوصول إليه إلا بدفع مال لهذا الموظف، فصبره وعدم دفعه أولى. فإن أبى الموظف إلا الدفع، فإنه يحرم على الموظف مماطلة صاحب ¬

(¬1) الترمذي: 1336 وقال: «حسن صحيح» سنن الترمذي 5/ 16 وتقدم تخريجه بدون لفظ: «في الحكم». (¬2) الحاوي الكبير 16/ 286 وينظر: الذخيرة 10/ 80. ولفظ الحاوي وقد روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لعن الله» وما ذكرته، هو في سنن الترمذي، وتقدم. (¬3) لم أقف على المراد به، ولعله ابن الأجدع؛ فهو المشهور، ابن مالك أبو عائشة الإمام العَلَم، مخضرم وأسلم في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ت62هـ. ينظر: تقريب التهذيب 2/ 242، 243 وسير أعلام النبلاء 4/ 63 - 69. (¬4) أخبار القضاة 1/ 53. ومعنى: قبول الرشوة يبلغ الكفر. قيل: إن استحلها. وقيل: إنها طريق وسبب موصل إليه، كما قيل: المعاصي بريد الكفر. مغني المحتاج 4/ 392. (¬5) ينظر: ما سيأتي من كلام الغزالي في الهدية الأولى من هدايا القسم الثاني.

الحق، وقبوله ما يدفعه إليه تجاهه؛ لأنه مرتشٍ. أما البذل له من صاحب الحق، فللفقهاء في جوازه قولان: الأول: يجوز البذل؛ لأن الباذل يدفع به الظلم عن نفسه، وهو جائز؛ لاستنقاذه حقه بذلك كما يستنقذ الرجل أسيره، وإليه ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة. والثاني: يحرم البذل؛ لعموم حديث: لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي (¬1). تنبيه: ومن هذه الهدايا المحرمة بذلاً وقبولاً؛ ما يقدمه أصحاب المحلات التجارية والمستشفيات ونحوها لموظفيها؛ مقابل قيامهم بتغيير صلاحية المنتج، أو أسماء الشركات، أو طلب تحاليل من المرضى، أو ترويج أدوية (¬2). ¬

(¬1) فتح القدير 7/ 255 وحاشية الرهوني على شرح الزرقاني 7/ 313 ومواهب الجليل 6/ 121 ونهاية المحتاج 8/ 243 والحاوي الكبير 16/ 283 والمغني 14/ 60 وسبل السلام 4/ 250 ونيل الأوطار 10/ 259 - 261. وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص55 - 62، وتقدم تخريج حديث: «لعن الراشي». (¬2) ينظر: ما سيأتي ص68.

القسم الثاني: الهدايا المنهي الموظف عن قبولها، وقد يباح بذلها له

القسم الثاني: الهدايا المنهي الموظف عن قبولها، وقد يباح بذلها له: من الهدايا للموظفين ما ينهى الموظف عن قبولها. أما باذلها له فقد يعذر في بذلها؛ لأنه يبذلها للموظف إما إكرامًا له أو حياء منه على ما قام به من عمل تجاهه، أو استعطافًا؛ ليقوم له بحقه أو دفع ظلم عنه، لا سيما إذا رأى من الموظف تبرمًا أو تقاعسًا في ذلك وخشي الضرر بالتبليغ عنه. ولم أر في كلام الفقهاء ما يدل على تحريم بذلها لسبب ذلك، بل قال الماوردي: «أن يهدي إليه من يشكره على جميل كان منه ... وعليه ردها، ولا يجوز له قبولها ... ولا يحرم بذلها على المهدي» (¬1) بخلاف قبول الموظف لها، فإنهم نصوا على نهيه عن قبولها، وأنه إذا قبلها، يردها على باذلها، أو يجعلها في بيت المال، أو يكافئ المهدي بمثلها، وستأتي كيفية تصرف الموظف فيما يهدى إليه. والهدايا المنهي عن قبولها للموظفين وقد يباح بذلها من المهدين، خمس: الهدية الأولى: الهدية للموظف من غير الأعلى منه في عمله ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 284.

كرئيسه، وغير من لا يُقبل له حكمه لو كان قاضيًا كوالده زوجه، وله حاجة مباحة تتعلق بوظيفته، وبذلها له قبل إنها حاجته، سواء أكان ممن يهدي للموظف قبل توليته الوظيفة أم لا. هذه الهدية: يحرم على الموظف قبولها؛ لأنها كالرشوة بالنسبة له (¬1)؛ لوجود تهمة الرشوة بها؛ لبذلها ممن يتهم بها، ولتقدمها على قضاء حاجة المهدي، وللتهمة فيها باستعطاف الموظف على فعله واجبًا عليه، سواء أكان الموظف متبرعًا أم برزق (¬2)؛: قال الغزالي عن أقسام عموم الهدية: «الخامس: أن يطلب التقرب إلى قلبه وتحصيل محبته، لا لمحبته ولا للأنس به من حيث إنه أنس فقط، بل ليتوصل بجاهه إلى أغراض له ... فإن كان جاهه بولاية تولاها: من قضاء أو عمل أو ولاية صدقة أو جباية مال أو غيره من الأعمال السلطانية ... وكان لولا تلك الولاية لكان لا يهدي إليه، فهذه رشوة عرضت في معرض ¬

(¬1) الهداية وفتح القدير 7/ 271 والشرح الكبير 4/ 140 ونهاية المحتاج 8/ 243 والمغني 14/ 59. (¬2) الهداية وفتح القدير 7/ 371 والحاوي الكبير 16/ 284 ومغني المحتاج 4/ 392، والمغني 14/ 59.

الهدية ... فهذا مما اتفقوا على أن الكراهة فيه شديدة، واختلفوا في كونه حرامًا، والمعنى فيه متعارض؛ فإنه دائر بين الهدية المحضة، وبين الرشوة المبذولة في مقابل جاه محض في غرض معين. وإذا تعارضت المشابهة القياسية، وعضدت الأخبار والآثار أحدهما، تعين الميل إليه. وقد دلت الأخبار على تشديد الأمر في ذلك» (¬1)، ثم ذكر بعض ما ورد في تحذير الشارع الحكيم من هدايا العمال، والتي منها: عن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه (¬2) قال: «استعمل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً من الأزد على صدقات بني سليم يدعى ابن اللُّتبية (¬3) فلما جاء حاسبه. قال: هذا مالكم، وهذا هدية. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فهلا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقًا» ثم خطبنا: فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «أما بعد: ¬

(¬1) إحياء علوم الدين 2/ 153، 154. (¬2) عبد الرحمن بن سعد، صحابي مشهور رضي الله عنه اختلف في اسمه كثيرًا، شهد أحدًا وما بعدها، وروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - عدة أحاديث، توفي في خلافة معاوية ابن أبي سفيان رضي الله عنهما. الإصابة في معرفة الصحابة 11/ 89. (¬3) عبد الله بن اللتبية - بضم اللام - بن ثعلبة، صحابي رضي الله عنه منسوب إلى بني لُتب من الأسد - بفتح الهمزة وإسكان السين - ويقال: الأزد. تهذيب الأسماء واللغات 2/ 301 والإصابة في معرفة الصحابة 6/ 202.

فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله. فيأتي فيقول: هذا مالكم، وهذا هدية أهديت لي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه؛ حتى تأتيه هديته إن كان صادقًا، والله لا يأخذ أحدكم منها شيئًا بغير حقه، إلا لقي الله تعالى يحمله يوم القيامة، فلا أعرفن أحدًا منكم لقي الله يحمل بعيرًا له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر» ثم رفع يديه حتى رؤي بياض إبطيه وقال: «اللهم هل بلغت» بصر عيني وسمع أذني» (¬1). وعن عدي بن عميرة رضي الله عنه قال: «سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من استعملناه على عمل فكتمنا مخيطًا فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة» قال: فقام رجل أسود، من الأنصار كأني أنظر إليه، فقال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا. قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى» (¬2). ¬

(¬1) البخاري: 6979 ومسلم: 1832 واللفظ له. والرغاء: صوت البعير، والخوار: صوت البقر، واليُعار بضم الياء: صوت المعز. فقه اللغة ص218، 220 ومختار الصحاح 249 والمصباح المنير ص232. (¬2) مسلم: 1833.

قال الغزالي: «وإذا ثبتت هذه التشديدات، فالقاضي والوالي ينبغي أن يقدر نفسه في بيت أمه وأبيه، فما كان يعطى بعد العزل وهو في بيت أمه، يجوز له أن يأخذه في ولايته، وما يعلم أنه إنما يعطاه لولايته، فحرام أخذه، وما أشكل عليه في هدايا أصدقائه؛ أنهم هل كانوا يعطونه لو كان معزولاً، فهو شبهة، فليجتنبه» (¬1). وقال ابن الهماك: «وتعليل النبي - صلى الله عليه وسلم - دليل على تحريم الهدية التي سببها الولاية» (¬2). ولأن الأصل في الموظف: أنه يقوم بما يجب عليه للآخرين بجهة عمله، أو بما يجب عليه لصالحها. وهذا لا يجيز له أخذ الهدية عليه (¬3) كما لا يجوز له بالإجماع أنه يأخذ مالاً على صلاته وصيامه وإيمانه؛ لوجوبها عليه (¬4) والموظف يعمل في جهة عمله مقابل عوض، وائتمنته على عمله، فعليه الصبر في أدائه بأمانة وإخلاص، ولا يحل له الإخلال بما اؤتمن عليه؛ بحجة ¬

(¬1) إحياء علوم الدين 2/ 154. (¬2) فتح القدير 7/ 272. (¬3) المصدر نفسه، والأم 2/ 58 ومعالم السنن 3/ 8. (¬4) الذخيرة 10/ 79 والحاوي الكبير 16/ 283.

قلة راتبه، أو كثرة عمله؛ فإنه داخل باتفاق عليهما مع جهة العمل. ولا يحل له أخذ عمولة ممن ينفذ عملاً لجهة عمله مقابل ترشيحه له إن كان الترشيح من طبيعة عمله، أو لكونه يعمل في هذه الجهة؛ فإن قبوله لذلك مخالف لمقتضى عقد عمله مع جهته؛ ولذا في المملكة العربية السعودية نص المرسوم الملكي الكريم رقم 43 في 29/ 11/1377هـ بالحظر على الموظف من أخذه الرشوة والهدايا والإكراميات، واستغلال عقود المزايدات والمناقصات لمصلحة شخصية. ورتب على متجاوز ذلك عقوبة السجن بما لا يزيد على ثلاث سنين، أو غرامة لا تزيد على عشرين ألف ريال، مع رد كل مبلغ أخذه الموظف في ذلك (¬1) وقد أمر الله تعالى بالوفاء في العقود فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1]. ثم إن كان العمل الذي يأخذ الموظف عليه هدية باطلاً، فالهدية عليه حرام، وإن كان العمل حقًا، فلا يجوز توقيفه عليها؛ لا سيما إن كان للموظف رزق في بيت المال (¬2). ¬

(¬1) مجموعة الأنظمة المتعلقة باختصاصات هيئة الرقابة والتحقيق ص309 ونظام الخدمة المدنية ص40 المادة 12. (¬2) الأم 2/ 58 ومغني المحتاج 4/ 392.

فإن أبى هذا الموظف إلا أخذه الهدية على عمله؛ لسبب قلة راتبه أو كثرة عمله، أو بقصد أنها عمولة له، فليطلب الإقالة عن عمله؛ فإنها خير له من أخذه ذلك؛ لأنه محرم وهو من الخيانة؛ والله تعالى يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [الأنفال: 27]. وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «من استعملناه على عمل، فرزقناه رزقًا، فما أخذ بعد ذلك فهو غلول» (¬1). قال الخطابي: «هدايا العمال سحت، وأنه ليس سبيلها سبيل سائر الهدايا المباحة وإنما يهدي إليه للمحاباة؛ وليخفف عن المهدي، ويسوغ له بعض الواجب عليه، وهو خيانة منه، وبخس للحق الواجب عليه استيفاؤه لأهله» (¬2). وقال عمر بن عبد العزيز: «كانت الهدية في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هدية، واليوم رشوة» (¬3) وروي عن ربيعة (¬4): ¬

(¬1) إسناده صحيح، وتقدم. (¬2) معالم السنن 3/ 8. (¬3) البخاري 2/ 235 تعليقًا بصيغة الجزم. وينظر لسبب وروده: فتح الباري 5/ 220، 221. (¬4) لم أقف على المراد به. ولعله ربيعة الرأي؛ فهو المشهور، ابن فروخ التيمي مولاهم المدني، كان صاحب الفتوى بالمدينة، وبه تفقه مالك بن أنس، توفي 136هـ ينظر: تقريب التهذيب 1/ 246، 247 والأعلام 3/ 17.

«الهدية ذريعة الرشوة، وعُلمة الظلمة» (¬1). فإن قيل: قال المستورد بن شداد رضي الله عنه (¬2): سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «من كان لنا عاملاً فليكتسب زوجة، فإن لم يكن له خادم فليكتسب خادمًا، فإن لم يكن له مسكن فليكتسب مسكنًا» قال: قال أبو بكر رضي الله عنه: أُخبرت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «من اتخذ غير ذلك فهو غال، أو سارق» (¬3). فالجواب ما قاله الخطابي: «هذا يتأول على وجهين: أحدهما: إنه إنما أباح له اكتساب الخادم والمسكن من عمالته التي هي أجر مثله، وليس له أن يرتفق بشيء سواها. والوجه الآخر: إن للعامل السكني والخدمة. فإن لم يكن له مسكن وخادم، استؤجر له من يخدمه فيكفيه مهنة مثله، ويكترى له مسكن يسكنه مدة مقامه في عمله» (¬4). ¬

(¬1) فتاوى السبكي 1/ 215 ولم أقف عليه في كتب الآثار. وينظر لتشكيل العُلمة: لسان العرب 12/ 419. (¬2) ابن عمرو القرشي، حجازي نزل الكوفة، هو وأبوه صحابيان رضي الله عنهما، توفي 45هـ. تقريب التهذيب 2/ 242. (¬3) أبو داود وسكت عنه: 2944. وسكت عنه المنذري. عون المعبود 8/ 162. (¬4) معالم السنن 3/ 7 وينظر: الحاوي الكبير 16/ 285.

تنبيه: يلحق بهذه الهدية في التحريم، قبول الموظف استضافته في سفره المار فيه في محل وظيفته عند من له حاجة متعلقة بعمله لم تنته بعد (¬1)؛ لأنها ذريعة للرشوة. الهدية الثانية: الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، وكان معتادًا أن يهدي له قبل ترشيحه أو توليته لها؛ لنحو قرابة أو صداقة، لكن زادت هديته بعد الوظيفة فوق ما اعتاده قبلها، ومال المهدي لم يزدد. تثبت العادة في الهدية، بالمرة الواحدة، ومن المعتادة هدية القريب والصديق الذي استغنى عند إهدائه للموظف وهديته تناسب غناه؛ لأن الظاهر في المانع من إهدائه قبل الوظيفة هو فقره (¬2) ومن المعتادة أيضًا، زيادة الهدية لزيادة مال المهدي عند إهدائه للموظف، وتناسبها لزيادة ماله. وزيادتها: إما في قدرها كمن يهدي عشرة فأهدى اثني عشر، وإما في صفتها كمن يهدي ثوب قطن، فأهدى ثوب حرير. ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 287. (¬2) فتح القدير 7/ 271، 272 ورد المحتار 5/ 374 ونهاية المحتاج 8/ 243.

فإذا زادت الهدية فوق المعتادة ومال المهدي لم يزدد، فاختلف الفقهاء في قبول الموظف لهذه الهدية، على ثلاثة أقوال: القول الأول: يكره للموظف قبول الزيادة فقط، وإليه ذهب الحنفية (¬1). واستدلوا: إنما كرهت الزيادة عليها؛ خشية كونها بسبب الوظيفة (¬2). ولعل عدم تحريم هذه الهدية وزيادتها؛ بوجود التهمة فيها بالرشوة؛ لوجود أصل الهدية المباح قبولها. القول الثاني: تحرم الهدية كلها، واستظهره الدسوقي (¬3). واستدلوا: بقياس هذه الهدية على صفقة جمعت حلالاً وحرامًا (¬4) فإنه يحرم جميعها. القول الثالث: إن كانت الزيادة في صفة الهدية، حرم الجميع. وإن كانت في قدرها، حرمت الزيادة فقط. وإليه مال ¬

(¬1) فتح القدير 7/ 272 وينظر: معين الحكام ص19 والمغني 14/ 60. (¬2) ينظر: فتح القدير 7/ 272. (¬3) حاشية الدسوقي 4/ 140. (¬4) المصدر نفسه.

ابن عابدين (¬1) وهو مذهب الشافعية (¬2). واستدلوا: إن الزيادة إذا كانت في الصفة، لم تتميز فلم يمكن فصلها. أما إذا كانت في القدر، فإنه يمكن تميزها فحرمت هي فقط؛ لأنها هي التي فيها التهمة بالرشوة؛ لأن الظاهر أنها بسبب الوظيفة، وهي حق للمسلمين وليس للموظف، فلا يحل له قبول ما أهدي إليه بسببها (¬3). الترجيح: الراجح القول الثالث: تحريم الزيادة المتميزة فقط، وتحريم الكل إن لم تتميز الزيادة، وذلك؛ لقوة دليله، وجمعه بين القولين الآخرين. الهدية الثالثة: الهدية للموظف ممن له حاجة عنده تتعلق بوظيفته، وهو من غير ذي رحمه المحرم، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة، وهديته لم تتغير بزيادة بعد توليته. اختلف الفقهاء في قبول الموظف لهذه الهدية، على قولين: ¬

(¬1) رد المحتار 5/ 374. (¬2) رد المحتار 5/ 374 ونهاية المحتاج 8/ 243 وينظر: حاشية الدسوقي 4/ 140 والمغني 14/ 60. (¬3) المنهاج ومغني المحتاج 4/ 392 والحاوي الكبير 16/ 285، 286.

القول الأول: يكره للموظف قبولها، وإليه ذهب الحنفية (¬1). ويمكن الاستدلال له: التهمة بالرشوة منتفية هنا؛ لوجود مثل هذه الهدية قبل توليته الوظيفة؛ فظاهر هذه الهدية أنها لاستمرار ما كان قبلها لا لميل في قضاء هذه الحاجة. القول الثاني: يحرم على الموظف قبول هذه الهدية، وإليه ذهب المالكية (¬2) والشافعية (¬3) والحنابلة (¬4). واستدلوا: في هذه الهدية ممايلة للمهدي، وذريعة إلى الرشوة في الحكم عن كان الموظف قاضيًا، فيندرج في الذين اشتروا بآيات الله ثمنًا قليلاً (¬5). الترجيح: لم يظهر لي ترجيح أحد القولين؛ لتكافؤ دليلهما. ¬

(¬1) فتح القدير 7/ 272. (¬2) الذخيرة 10/ 80. (¬3) الحاوي الكبير 16/ 286. (¬4) ينظر: المغني 14/ 59. (¬5) الذخيرة 10/ 80 والحاوي الكبير 16/ 286 والمغني 14/ 95.

الهدية الرابعة: الهدية للموظف من غير ذي رحمه المحرم، ولم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، ولا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته. اختلف الفقهاء في قبول الموظف لهذه الهدية، على قولين: القول الأول: يحرم على الموظف قبولها، وإليه ذهب جمهور المذاهب الأربعة (¬1). واستدلوا: التهمة بالرشوة في هذه الهدية موجودة؛ لأن سببها ظاهر، وهو الوظيفة؛ ويخشى حدوث حاجة للمهدي، فتكون وسيلة لاستمالة قلب الموظف (¬2). قال ابن قدامة: «ولأن حدوث الهدية عند حدوث الولاية، يدل على أنها من أجلها؛ ليتوسل بها إلى ميل الحاكم معه على خصمه، فلم يجز قبولها منه كالرشوة» (¬3). ¬

(¬1) ينظر: الهداية وفتح القدير 7/ 271، 272 ورد المحتار 5/ 374 والشرح الكبير وحاشية الدسوقي 4/ 140 والمنهاج ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 58، 59. (¬2) بدائع الصنائع 7/ 10 والحاوي الكبير 16/ 287 والمنهاج ومغني المحتاج 4/ 392 والمغني 14/ 59. (¬3) المغني 14/ 59.

وقال الشوكاني: «والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة ونحوهم هي نوع من الرشوة؛ لأن المهدي إذا لم يكن معتادًا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته، لا يهدي إليه إلا لغرض ... وأقل الأحوال: أن يكون طالبًا لقربه من الحاكم وتعظيمه ونفوذ كلامه، ولا غرض له بذلك إلا الاستطالة على خصومه أو الأمن من مطالبتهم له فيحتشمه من له حق عليه، ويخافه من لا يخافه قبل ذلك، وهذه الأغراض كلها تئول إلى ما آلت إليه الرشوة. فليحذر الحاكم المتحفظ لدينه، المستعد للوقوف بين يدي ربه، من قبول هدايا من أهدى إليه بعد توليه للقضاء، فإن للإحسان تأثيرًا في طبع الإنسان، والقلوب مجبولة على حب من أحسن إليها، فربما مالت نفسه إلى المهدى إليه ميلاً يؤثر الميل عن الحق عند عروض المخاصمة بين المهدي وبين غيره، والقاضي لا يشعر بذلك، ويظن أنه لم يخرج عن الصواب؛ بسبب ما قد زرعه الإحسان في قلبه، والرشوة لا تفعل زيادة على هذا» (¬1). ¬

(¬1) نيل الأوطار 10/ 261.

القول الثاني: يكره قبولها، وإليه ذهب الصنعاني (¬1). ويمكن الاستدلال له: مثل هذه هدية تنفي التهمة بالرشوة، فلم تحرم. الترجيح: الراجح القول الأول، تحريم قبول هذه الهدية؛ لقوة دليله، ولأن الحاجة للمهدي عند الموظف قد تحدث مستقبلاً، والأحاديث الواردة في النهي عن هدايا العمال عامة. الهدية الخامسة: الهدية للموظف ممن لم يكن يهدي له قبل توليته الوظيفة، وبذلها للموظف بعد إنهائه حاجته المتعلقة بوظيفته. اختلف الفقهاء في قبول الموظف هذه الهدية، على قولين: القول الأول: يكره للموظف قبول هذه الهدية ولا يحرم، وإليه ذهب الحنفية (¬2). واستدلوا: هذه الهدية ليست كالرشوة؛ لأنها تبذل بعد إنهاء الحاجة، والرشوة متقدمة عليها (¬3) وإنما كرهت؛ خوف الشبهة. ¬

(¬1) سبل السلام 4/ 250 وينظر: حاشية الدسوقي 4/ 140. (¬2) ينظر: فتح القدير 7/ 272 والمغني 14/ 60. (¬3) ينظر: فتح القدير 7/ 272.

القول الثاني: هذه الهدية إن كانت على فعل جميل من الموظف، فإن كان واجبًا عليه، حرم عليه قبولها. أما إن لم يكن واجبًا عليه، أو كانت الهدية لغير سبب منه، كره له قبولها، غلا أن يكافئ عليها بمثلها، وإليه ذهب الشافعية (¬1). واستدلوا: الموظف إن كان متبرعًا بفعله الجميل؛ يصير مكتسبًا هذه الهدية بمجاملته، ومعتاضًا على جاهه، وهما بالوظيفة، فلا تحل بهما الهدية - بلا كراهة - وإن كان فعل الجميل مما يجب عليه بوظيفته، ففي الهدية تهمة اعتياضه على أدائه الحق الواجب عليه (¬2). الترجيح: الراجح القول الثاني؛ لقوة دليله، ولما فيه من سد ذريعة الاكتساب بالوظيفة، ودرء شبهة التهمة بالرشوة، ولعموم أحاديث النهي عن هدايا العمال. ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 284، 285. (¬2) المصدر نفسه 16/ 283، 284.

القسم الثالث: الهدايا المباح بذلها للموظف، وقبوله لها

القسم الثالث: الهدايا المباح بذلها للموظف، وقبوله لها: الأفضل للموظف عدم قبوله هذه الهدايا لا سيما في بلدة وظيفته ومن أهلها؛ وذلك بعدًا عن التهمة لدينه وعرضه (¬1)؛: قال ابن حبيب (¬2): «لم يختلف العلماء في كراهتها إلى السلطان والقضاة والعمال وجباة الأموال» (¬3). وهذه الهدايا، ست عشرة هدية: الهدية الأولى: الهدية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - تجوز الهدية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهي من خصوصياته (¬4)؛: قال الماوردي: «فإن قيل: قبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهدايا من المسلمين وغيرهم من ملوك الأقطار وقال: «لو أهدي إلي ذراع لقبلت، ولو دعيت إلى كراع لأجبت» (¬5) قيل عنه ثلاثة أجوبة: ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 281 ونهاية المحتاج 8/ 244. (¬2) أبو مروان عبد الملك بن حبيب الأندلسي المالكي، له عدة مؤلفات في الحديث والفقه والأدب، ت239هـ تقريب التهذيب 2/ 518 والأعلام 4/ 157. (¬3) الذخيرة 10/ 80 وفتاوى السبكي 1/ 215. (¬4) الذخيرة 10/ 81، 82 والدر المختار 5/ 372. (¬5) البخاري: 5178.

أحدها: أن الله تعالى قد ميزه عن الخلق؛ فقال سبحانه: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب: 6] ... والثاني: إنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكافئ على الهدايا ... والثالث: إنه - صلى الله عليه وسلم - بعيد عن الميل، منزه عن الظنة، ظاهر العصمة، فامتنع أن يقاس بغيره» (¬1). وقال القرافي: «إن عظم منصبه - صلى الله عليه وسلم - أوجب الفرق ... المنة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الداعي، جزمًا، والأمر فينا بالعكس، إنما ندعى؛ لتكون المنة علينا، وذلك هوان بنا، وعز به - صلى الله عليه وسلم - فحصل الفرق» (¬2). وقال ابن عبد البر: «وليس النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك كغيره؛ لأنه مخصوص بما أفاء الله عليه من غير قتال من أموال الكفار ... يكون له دون سائر الناس، ومن بعده من الأئمة حكمه في ذلك خلاف حكمه، لا يكون له خاصة دون سائر المسلمين بإجماع من العلماء؛ لأنها فيء لمن سمى الله في آيات الفيء» (¬3). ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 282، وفيه (طاهر العصمة) بالطاء، ولعل الصواب (ظاهر) بالظاء. كما أثبته. (¬2) الذخيرة 10/ 82. (¬3) الاستذكار 14/ 199، 200.

وقال محمد بن الحسن: «إذا بعث ملك العدو إلى أمير الجند بهدية، فلا بأس أن يقبلها، ويصير فيئًا للمسلمين ... ؛ لأنه ما أهدي إليه بعينه بل لمنعته، ومنعته للمسلمين، فكان هذا بمنزلة المال المصاب بقوة المسلمين، وهذا بخلاف ما كان لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الهدية؛ فإن قوته ومنعته لم تكن بالمسلمين على ما قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} [المائدة: 67]. فلهذا كانت الهدية له خاصة» (¬1). الهدية الثانية: الهدية للسلطان ممن لم يهد له قبل توليته، ولا يريد منه وظيفة في الدولة، ولا مجازاته على جميل قام به للمهدي. تباح هذه الهدية؛ لأنها لجاه السلطنة. لكن وإن كافأ السلطان عليها، صارت له (¬2) أما إن لم يكافئ عليها، فهل يردها أو يقبلها لبيت المال؟ سيأتي في كيفية التصرف في الهدية. الهدية الثالثة: هدية أهل الحرب للسلطان: يباح للسلطان قبول هذه الهدية؛ لأنه يحل له استباحة ¬

(¬1) شرح كتاب السير الكبير 4/ 1237، 1238. (¬2) الحاوي الكبير 16/ 284.

أموالهم. لكن لمن تكون؟ يختلف باختلاف القصد منها، وهو لا يخلو من ثلاثة أمور: الأمر الأول: أن تكون الهدية لمودة سابقة بين السلطان وبين المهدي، وليست لكونه سلطانًا، فالهدية تكون للسلطان. الأمر الثاني: أن تكون لأجل سلطانه، فالهدية لبيت المال؛ لأن سلطانه بالمسلمين فكانوا أحق بها. الأمر الثالث: أن تكون الهدية لحاجة، فإن كان السلطان يقدر عليها بغير سلطانه فهو أحق بها، وإلا فالبيت مال المسلمين؛ لأن سلطانه بهم، فكانوا أحق بها (¬1). الهدية الرابعة: هدية الأعداء المحاربين لأمير جيش محاربيهم أو لأحد عسكره. تباح هذه الهدية لمن أهديت إليه؛ لأنه يباح في حالة الحرب أن يستولي على أموال الأعداء المحاربين. لكن إن أهديت لأمير الجند، فهي غنيمة لسائر الجند أو فيئًا للمسلمين؛ لأن قوة هذا الأمير بهم وليس بنفسه (¬2). ¬

(¬1) المصدر نفسه 16/ 282. (¬2) شرح كتاب السير الكبير 4/ 1237 والمغني 14/ 58 والقواعد ص348.

وإن أهديت لأحد الجند، فهي له؛ لأن الهدية لمثله لا تكون على وجه الخوف منه أو طلب الرفق به. وإن كانت لذلك، فقوة الجندي بنفسه لا بغيره، فكانت الهدية له (¬1). الهدية الخامسة: الهدية للموظف ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، ولم يقصد بها استمالة قلبه، وكان يهدي له قبل توليته الوظيفة؛ لقرابة ونحوها، ولم تزد الهدية بعد الوظيفة فوق المعتاد إلا بزيادة مال المهدي: تباح هذه الهدية؛ لانتفاء الاتهام فيها بالرشوة، ولعدم المجازات بها على عمل (¬2) ولما روي أن زيد بن ثابت رضي الله عنه كان يهدي لعمر بن الخطاب رضي الله عنه لبنًا فيقبله، حتى اقترض زيد مالاً من بيت المال، وأهدى اللبن، فرده عمر، فقال زيد: لم رددته؟ فقال: لأنك اقترضت من بيت المال مالاً، فقال زيد: لا حاجة لي في مال يقطع الوصلة بيني وبينك، فرد المال، وأهدى ¬

(¬1) شرح كتاب السير الكبير 4/ 1238. (¬2) فتح القدير 7/ 272 والدر المختار ورد المختار 5/ 374، 375 والذخيرة 10/ 80 ونهاية المحتاج 8/ 242، 243 ومغني المحتاج 4/ 292 والمغني 14/ 58، 59.

اللبن، فقبله (¬1). فعمر رضي الله عنه رد اللبن على زيد رضي الله عنه حين كان لزيد حاجة عنده، مع أن زيدًا كان قبل ذلك يهديه إليه، ولم ينكر زيد على عمر رده لهديته، ولم يرد عمر هدية زيد بعد إرجاعه المال، فدل على جواز هذه الهدية. وعند المالكية وجه: يكره قبول هذه الهدية (¬2) وعند الشافعية وجه: لا يحل للموظف قبول هذه الهدية (¬3). وذلك خشية أن تحدث للمهدي حاجة ينسب بها الموظف إلى الممايلة للمهدي (¬4). ويمكن الرد على هذا الوجه، بما استدل به للقول الأول، وما سيأتي في دليل القول بإباحة الهدية السادسة. ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 283، ولم أعثر عليه فيما اطلعت عليه من كتب الآثار. (¬2) الذخيرة 10/ 80. (¬3) الحاوي الكبير 16/ 286. (¬4) الذخيرة 10/ 80 والحاوي الكبير 16/ 286.

الهدية السادسة: الهدية للموظف ممن لا يُقبل له حكمه لو كان قاضيًا كولده، أو من ذي رحمه المحرم كأخيه، ولم يكن يهدي للموظف قبل توليته الوظيفة، ولا حاجة له عند الموظف. تباح هذه الهدية؛ لعدم دخول الظنة بها؛ للشدة الداخلة والمنافية بين الموظف والمهدي؛ لجمع الرحم من الحرمة في ميل قلبه أكثر من حرمة الهدية (¬1). الهدية السابعة: الهدية للموظف من صاحب الهدية السادسة، لكن له حاجة عند الموظف تتعلق بوظيفته. اختلف الفقهاء في قبول الموظف هذه الهدية، على قولين: القول الأول: لا يباح للموظف قبولها، وإليه ذهب الحنفية في قول (¬2). واستدلوا: هذه هدية تلحق التهمة؛ بطلب المهدي ميل الموظف إليه في حاجته المتعلقة بوظيفته (¬3). ¬

(¬1) الهداية وفتح القدير 7/ 271 وبدائع الصنائع 7/ 9 والذخيرة 10/ 80 ومغني المحتاج 4/ 392. (¬2) فتح القدير 7/ 271، 272 وبدائع الصنائع 7/ 9. (¬3) بدائع الصنائع 7/ 9.

القول الثاني: يباح للموظف قبول هذه الهدية، وإليه ذهب الحنفية في قول (¬1) والمالكية (¬2) والشافعية (¬3). واستدلوا: هذه الهدية لا تدخل بها الظنة على الموظف؛ للشدة الداخلة والمنافية بينه وبين المهدي؛ لجمع الرحم من الحرمة في ميل القلب أكثر من حرمة الهدية، فهي لصلة الرحم بينهما (¬4). الترجيح: الراجح، القول الأول عدم إباحة هذه الهدية للموظف؛ وذلك لقوة دليله. ولما تقدم في هدايا القسم الثاني من كلام الغزالي في الأولى منها، والشوكاني في الرابعة، ولأن هذه الهدية لو كانت لصلة الرحم، لقدمت قبل الوظيفة، وقبل أن تكون حاجة عنده، وجمع الرحم من الحرمة أكثر من الهدية، هذا صحيح لو سلمت الذمم من الميل بغير الحق لمن أحسن إليها. نعم لو كان هذا القريب لا يهدي للموظف قبل توليته؛ لكونه فقيرًا، ثم استغنى بعد ذلك فأهدى، لأبيحت هديته كما ¬

(¬1) الهداية وفتح القدير 7/ 271، 272. (¬2) الذخيرة 10/ 80. (¬3) مغني المحتاج 4/ 392. (¬4) رد المحتار 5/ 374 الذخيرة 10/ 80 ومغني المحتاج 4/ 392.

تقدم (¬1). الهدية الثامنة: الهدية المأذون بها للموظف من ولي الأمر: إذا أذن ولي الأمر للموظف بقبول الهدية، فإنه يباح له أخذها (¬2). ويدل على هذا، دليلان: الدليل الأول: عن معاذ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى اليمن فقال: «أتدري لم بعثت إليك؟ لا تصيبن شيئًا بغير إذني؛ فإنه غلول» (¬3). فالهدية للموظف تكون غلولاً إن كان بغير إذن الإمام، أما إن كانت بإذنه فليست غلولاً، بل مباحة. الدليل الثاني: عن معاذ رضي الله عنه: أنه قدم من اليمن فرأى عمر رضي الله عنه عنده غلمانًا قال: ما هؤلاء؟ قال: أصبتهم في وجهي ¬

(¬1) في الهدية الثانية من هدايا القسم الثاني. (¬2) فتح الباري 13/ 167. (¬3) الترمذي وقال: (حديث حسن غريب): 1336 وسكت عنه ابن حجر في فتح الباري 13/ 167.

هذا. قال عمر: من أي وجه؟ قال: أهدوا إلي، وأكرمت بهم. فقال عمر: أذكرتهم لأبي بكر؟ فقال معاذ: ما ذكري لأبي بكر. ونام معاذ فرأى كأنه على شفير النار، وعمر آخذ بحجزته من ورائه؛ أن يقع في النار ففزع معاذ، فذكره لأبي بكر رضي الله عنه فسوغه له أبو بكر. فقال عمر: هذا حين حل وطاب (¬1). فعمر رضي الله عنه أنكر على معاذ رضي الله عنه عدم إخباره أبا بكر رضي الله عنه بهداياه التي جاءته أثناء عمله في اليمن، وأبو بكر سوغها لمعاذ حين أخبره بها، فدل على جواز الهدية للعامل بإذن الإمام. ويدخل في هذه الهدية: الهدايا التي يقدمها للموظف أصحاب الحاجات على سبيل إكرامه، وأذن له فيها رئيسه في العمل، وكان رئيسه مأذونًا له بذلك ممن ولاه هذه الرئاسة، أو أعطاه صلاحية بما يراه من مصلحة العمل، ورأى هذا الرئيس أن من مصلحة العمل الإذن للموظف بأخذ هذه الهدية؛ مكافأة له على جهوده في خدمة العمل، وأمانته واحترامه لأنظمة العمل وللمراجعين. والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) فتاوى السبكي 1/ 213، 214 وعزاه إلى مسند أحمد، ولم أعثر عليه في وإنما في الطبقات الكبرى 3/ 588.

الهدية التاسعة: الهدية للموظف من الأعلى منه في وظيفته هذه الهدية يباح بذلها من الأعلى من الموظف كرئيسه والسلطان، ويباح للموظف قبولها، لكن بشرطين: أن تكون معتادة لمثل الموظف، وأن لا يتغير قبل الموظف عن التصميم عن الحق (¬1). وذلك؛ لانتفاء التهمة بالرشوة؛ حيث إن مراعاة الموظف للأعلى منه في وظيفته أو للسلطان، لا تكون بهديتهم إليه، بل بالمركز والقوة المستمدة من نفوذ مراكزهم (¬2). وبه يتبين جواز الهدايا التي تقدمها الدوائر الحكومية والمؤسسات لبعض موظفيها. تنبيه: الهدايا للموظفين ممن أعلى منهم مقابل تغيير تاريخ صلاحية المنتجات ونحوها. الهدايا للموظفين ممن أعلى منهم، إنما تباح إذا لم تكن مقابل عمل محرم، فإن كان في مقابله، لم يحل بذلها ولا قبولها. وبه يتضح تحريم الهدايا المقدمة للموظفين من مسئوليهم في ¬

(¬1) نهاية المحتاج 8/ 243. (¬2) رد المحتار 5/ 374 وجريمة الرشوة في الشريعة ص76.

المحلات التجارية والمؤسسات الخاصة ونحوها؛ مقابل قيامهم بتغيير تاريخ صلاحية المنتجات، أو تغيير أسماء شركات التصنيع، أو بترويج أدوية، أو طلب تحاليل ونحوها لا يحتاج إليها المرضى بل قد تضرهم، فهذه الأعمال محرمة، والهدايا عليها من الرشوة المحرمة؛ لأنها مقابل عمل محرم، ومن قبيل التعاون على الإثم والعدوان. والله تعالى أعلم. الهدية العاشرة: الهدية للموظف بعد تركه الوظيفة إذا ترك الموظف وظيفته، لانتهاء فترتها، أو استقالته منها، ثم قدمت له هدايا من إدارة عمله أو غيرها، أفرادًا كانوا أو جهات. فإنه يباح بذلها وقبولها (¬1)؛ وذلك لحديث ابن اللتبية رضي الله عنه من قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «فهلا جلس في بيت أبيه وأمه، فينظر أيهدى له» (¬2). ووجه: أن الموظف إذا ترك العمل، يكون قد جلس في بيت أبيه وأمه، فإذا أهدي إليه حينئذ؛ جازت؛ لانتفاء الريبة بالرشوة (¬3). ¬

(¬1) إحياء علوم الدين 2/ 154. (¬2) صحيح، وتقدم. (¬3) إحياء علوم الدين 2/ 154 وينظر: رد المحتار 5/ 374 وفتح الباري 5/ 221 و 13/ 167.

وعلى هذا: تباح الهدايا التي تقدم لبعض الموظفين عند تقاعدهم، ولو كانت من المراجعين لهم في عملهم. والله تعالى أعلم. الهدية الحادية عشرة: الهدية على وجه إكرام العلم والصلاح، المقدمة للمفتي والواعظ وإمام المسجد والمعلم الذي لا علاقة له باختبار الطالب ودرجاته هذه الهدية يباح بذلها وقبولها (¬1)؛ لانتفاء الريبة بالرشوة؛ بانتفاء ما يدعو إليها؛ لأن الحامل للإهداء إلى هؤلاء معنى خاص فيهم، هو إكرام العلم أو الصلاح الذي اتصفوا به، ولأن هؤلاء لا يرجى منهم جاه ولا عون على خصم (¬2) ولا يطلب منهم الحكم بإبطال حق، أو إحقاق باطل؛ لعدم أهلية الإلزام فيهم؛ فليس لهم أمر في الحكم في خصومة، أو سلطة في تنفيذ حكم، أو قهر وتسلط على من دونهم، أو في تقدير المقدرات ¬

(¬1) رد المحتار 5/ 373 ومغني المحتاج 4/ 393 وكشاف القناع 6/ 301، 317 وينظر: شرح كتاب السير الكبير 4/ 1239 وشرح النووي على صحيح مسلم 12/ 219 ومواهب الجليل 6/ 121 وجريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية ص74، 75. (¬2) الشرح الكبير 4/ 140.

من زكاة وأرش جناية (¬1). فإن كانت الهدية للمفتي ونحوه ليست على وجه الإكرام، وإنما لجاه الوظيفة، أو لحثهم على القيام بعملهم، أو لتحقيق شيء منهي عنه، حالاً أو مستقبلاً، فإنها تدخل في الهدايا المنهي عنها، فإن علم المهدي إليه بهذا القصد، لم يجز له قبولها (¬2). تنبيه: الهدية للمفتي والواعظ والمعلم في المسجد الموظفين من قبل ولي الأمر أو غيره من وظفته الدولة أو غيرها من المفتين والواعظين والمعلمين الذين ليس لهم علاقة بدرجات الطلاب ونجاحهم كالمدرسين في الحرمين الشريفين ونحوهما من المساجد، لا يشملهم النهي عن الهدايا في حديث: «من استعملناه» (¬3)؛ لأن العلماء أطلقوا إباحة الإهداء إلى هؤلاء، دون تقييده بمن لم توظفه الدولة (¬4) ولأن العلة في منع الإهداء للموظف؛ ذات الوظيفة، وخشية التهمة بالرشوة، وهؤلاء يهدي إليهم ليس لذلك كما تقدم في ¬

(¬1) رد المحتار 5/ 373 ومغني المحتاج 4/ 393. (¬2) رد المحتار 5/ 373 ومواهب الجليل 6/ 121 وإعلام الموقعين 4/ 232. (¬3) جزء من حديث صحيح تقدم تخريجه. (¬4) ينظر: رد المحتار 5/ 373 ومغني المحتاج 4/ 393.

الدليل للهدية الحادية عشرة. والله تعالى أعلم. فإن عملوا أن هذه الهدايا إنما هي لإكرامهم؛ إجلالاً للعلم والصلاح، فالأفضل لهم قبولها (¬1)؛ لأن باذلها يتقرب بها إلى الله تعالى، وفي قبولها تعاون على البر والتقوى. أما إن علموا أنها ليست لذلك وإنما مقابل ما يحصل منهم من عمل، فالأفضل لهم عدم قبولها؛ وذلك لتكون أعمالهم خالصة لوجه الله تعالى، ولدفع الريبة عن أعراضهم وكسبهم. والله تعالى أعلم. الهدية الثانية عشرة: ضيافة الموظف المسافر المجتاز في بلد وظيفته، ممن لا حاجة له عند الموظف تتعلق بوظيفته، أو كان الموظف قد أنهى حاجة مضيفه. هذه الضيافة: يجوز بذلها، وقبولها (¬2). ويمكن الاستدلال لهذه: الضيوف يستوون في هذه الضيافة، فليس فيها مجازاة للموظف على حاجة للمضيف قضاها بجهة وظيفته، ولانتفاء الاتهام بالرشوة؛ لكون هذه الضيافة إما لعدم الحاجة في وظيفة العامل، أو بعد إنهائها. ¬

(¬1) حاشية رد المحتار 5/ 373 ونهاية المحتاج 8/ 243، 244 ومغني المحتاج 4/ 393. (¬2) الحاوي الكبير 16/ 287.

الهدية الثالثة عشرة: نزول الموظف المسافر ضيفًا في غير بلده يباح للموظف قبول هذه الضيافة إن كان عابر سبيل في هذه البلدة، ويكره إن كان مقيمًا فيها (¬1). ويمكن الاستدلال لهذا: إباحتها إن كان الموظف عابرًا؛ بانتفاء التهمة بالرشوة؛ لأنه صار في حق الضيافة كسائر المسلمين العابرين، فلا منة فيها، ولا سبيل بها للتهمة بالرشوة؛ من وجود الحاجة أو بلد الوظيفة. أما كراهيتها للمقيم؛ فلعدم الأحقية له في الضيافة حينئذ، ولخشية حدوث حاجة للمضيف تتعلق بالوظيفة. الهدية الرابعة عشرة: الهدية للموظف من غير أهل بلد الوظيفة، ويرسلها المهدي إلى بلد الوظيفة، وليس للمهدي حاجة عند الموظف تتعلق بالوظيفة. للشافعية ي قبول الموظف هذه الهدية وجهان: أوجههما: الحرمة (¬2). ويمكن الاستدلال لها: أنه يخشى أن تحدث حاجة ¬

(¬1) المصدر نفسه. (¬2) نهاية المحتاج 8/ 243.

للمهدي، فتكون هذه الهدية من الرشوة. الوجه الثاني: يجوز قبولها، والأولى عدم قبولها (¬1). وهذا هو الأرجح؛ لأن الأصل في الهدية الإباحة، وليست هذه من الهدايا الممنوع منها الموظف؛ خشية التهمة بالرشوة، أو المجازاة على عمل واجب. والله تعالى أعلم. الهدية الخامسة عشرة: الهدية للموظف في غير بلد الوظيفة، من أهل بلده أو غيرهم. هذه الهدية: يباح للموظف قبولها ما لم يشعر أنها مقدمة لحاجة في وظيفته (¬2). وذلك؛ لدخولها في عموم إباحة الهدية، وعدم ما يمنعها. لكن تنزهه عنها، أولى (¬3)؛ خشية أن تكون لأجل الوظيفة، وهي مما لا يجوز التكسب بها. أما إن شعر أنها قدمت لحاجة في وظيفته، فيحرم عليه قبولها؛ كما تقدم. ¬

(¬1) ينظر: فتح القدير 7/ 271. (¬2) الحاوي الكبير 16/ 286 ونهاية المحتاج 8/ 243. (¬3) الحاوي الكبير 16/ 286، 287.

الهدية السادسة عشرة: الهدية للموظف من زميله في عمله الذي تعرف عليه فيه، أو مُراجع في العمل صارت بينهما صداقة؛ لكثرة مراجعته. تحصل أحيانًا ألفة بين موظف وزميله في العمل، أو بينه وبين مراجع له، وذلك لحسن التعامل المباح بينهما، فيبذل الزميل أو المراجع هدية لهذا الموظف؛ تحببًا وتوددًا إليه وإكرامًا له، لا بقصد الوظيفة، وليس للمهدي عند الموظف حاجة تتعلق بالوظيفة. وهذه الهدية: أرجو أن يكون بذلها وقبولها مباحين (¬1). وذلك؛ لعدم التهمة فيها بالرشوة، ولأن هذا الموظف لو ترك وظيفته، لن تذهب صداقته مع هذين الصديقين، ولأن حسن تعامل الموظف، خُلقٌ له - ومن لوازمه الأمانة في العمل - وكسبه الهدية كان بخلقه لا بالوظيفة، ولو كان بالوظيفة لأهدي لغيره من الموظفين الذين لا يحسنون التعامل مع الآخرين ولا إحداث الصداقة معهم. والله تعالى أعلم. ¬

(¬1) ينظر: إحياء علوم الدين 2/ 153.

الفرع الثالث: حكم الهدية إلى جهة عمل الموظف

الفرع الثالث: حكم الهدية إلى جهة عمل الموظف الهدايا لا يقتصر تقديمها على الموظفين، بل تقدم أحيانًا إلى جهات عملهم. وجهات العمل، قسمان: القسم الأول: جهة عمل ليست للدولة، ولا ارتباط لها بعمل الدولة هذه الجهة كالمؤسسات والمحلات التجارية التي لا ارتباط لها بأي عمل للدولة. والهدية لهذه الجهات: يجوز بذلها، ويجوز للمسئول عن هذه الجهات قبولها. وذلك؛ لأن الأصل إباحة الهدية، سواء أقصد بها مطلق الإكرام، أم المعاوضة بإعلان لمنتج للمهدي أو نوع عمله ونشاطه. لكن جواز هذه الهدية مرتبط بما إذا لم يقصد بها المهدي ميل أصحاب الجهة إليه للإضرار بغيره. فيحرم عليه البذل، ويحرم عليهم القبول إذا علموا بقصده؛ لأنها أصبحت وسيلة إضرار بالغير، وهو منهي عنه؛ للنهي عن التعاون على الإثم والعدوان.

القسم الثاني: جهة عمل للدولة، أو لها ارتباط بعمل متعلق بالدولة

القسم الثاني: جهة عمل للدولة، أو لها ارتباط بعمل متعلق بالدولة هذا القسم من الجهات يشمل الدوائر الحكومية والمؤسسات الخاصة المرتبطة بالحقوق العامة كمكاتب التقارير الطبية في المستشفيات الخاصة، ومكاتب المحاماة والمحاسبين القانونيين، أو المؤسسات المرتبطة بمشاريع مالية للدولة كشركات ومؤسسات المقاولة، والمحلات التجارية التي تتعامل مع الدولة. والهدية لهذا القسم من الجهات، لا يخلو قصد مهديها من أحد أمرين: الأمر الأول: أن يقصد بهديته ميل قلوب موظفي الجهة؛ لتسهيل أعماله التي فيها، حالاً أو مستقبلاً. فحينئذ: إما أن تكون أعماله هذه نظامية، لكن موظفو الجهة لا ينجزونها إلا ببذله هدية لدائرتهم لا لأنفسهم. فهذه الهدية: يجوز للمهدي بذلها، ويحرم على موظفي الجهة قبولها. وذلك؛ لأنهم لا يملكون طلب العوض على عملهم؛

فأعمال الجهة التابعين لها لا عوض عليها. وتقدم (¬1). وإما أن تكون أعمال المهدي لهذه الجهة غير نظامية، وأراد بهديته أن يغض موظفوها الطرف عنه فيها، أو أراد أن يقدموه على غيره كما في مشاريع المقاولات، أو غير ذلك من المقاصد غير المشروعة. فهذه تعتبر رشوة، يحرم على المهدي بذلها، ويحرم على موظفي الدائرة قبولها. وتقدم (¬2). الأمر الثاني: أن يقصد بهديته هذه إكرام الجهة ومجازاتها على ما قامت به تجاه مهمته. فهذه الهدية: أرجو أن لا يكون بأس في بذلها وقبولها. وذلك؛ لأنها ليست مقدمة لذات الموظف، فيخشى عليه المجازاة على عمل واجب عليه، وليس فيها تهمة بالرشوة؛ لأنها هدية مبذولة بعد العمل وبلا شرط، بخلاف الرشوة؛ فهي قبل العمل أو بشرط. ثم إن ظاهر هذه الهدية؛ أنها من قبيل ¬

(¬1) في القسم الأول من الهدايا للموظفين. (¬2) الحوافز التجارية التسويقية ص121 وينظر: ما تقدم في القسم الأول من الهدايا للموظفين.

الشكر لجهة عامة، فتدخل في عموم الأصل في إباحة الهدايا. وما قد يقال: إن هذا قد يئول إلى التهمة بالرشوة والمنة ونحوهما، فهذا بعيد؛ لأن المصلحة عائدة للمجتمع كله، وقد يكون منع مثل هذا؛ فيه إغلاق لأبواب الشكر للدولة والتعاون معها ونحوها من الجهات. والله تعالى أعلم.

الفصل الثالث التصرف في الهدايا للموظفين

الفصل الثالث التصرف في الهدايا للموظفين من الأخلاق السامية للموظف الناجح، أنه لا يقبل أي هدية تبذل إليه لأجل وظيفته، ولا يتبرم ولا يتقاعس تجاه عمله ومراجعيه، ولا يُظهر على نفسه وتصرفه ما يشعر المراجعين بأنه يرغب في عوض على عملهم الذي يقوم به. وهو إذا تجنب هذا الخلق السيء، وأظهر للناس حبه للعمل وإخلاصه في قضاء حوائجهم، ظهرت نزاهته في كسبه الحلال المبارك الذي يعود عليه في الدنيا بالخير والبركة في ماله وصحته وأهله، وفي الآخرة بالثواب العظيم، وانتشرت محبته لدى الناس، فاكتسب الدعوة الصالحة، والسمعة الطيبة، وأصبح محل ضرب المثل في الخلق الرفيع. لكن سبق أن الهدايا للموظفين تنقسم من حيث حكمها، إلى ثلاثة أقسام: قسم يحرم على المهدي بذلها، ويحرم على الموظف قبولها. وقسم ينهى الموظف عن قبولها، وقد يباح

الفرع الأول تصرف الموظف في الهدايا المباح بذلها له، وقبوله لها

للمهدي بذلها. وقسم يباح للمهدي بذلها، ويباح للموظف قبولها. وتصرف الموظف فيما يأتيه من تلك الهدايا، يختلف باختلاف حكمها، والحديث عنها في ثلاثة فروع: الفرع الأول تصرف الموظف في الهدايا المباح بذلها له، وقبوله لها إذا قبل الموظف الهدية المباح بذلها وقبولها، فله أن يمتلكها حلالاً طيبًا، ويسن له مكافأة المهدي إن استطاع؛ كما تقدم، وأقل المكافأة الدعاء للمهدي كما تقدم، وله أن يردها لمالكها إن عرفه، أو يضعها في بيت المال (¬1). وعليه أن ينظر في الأصلح من ذلك: فإن علم أن المهدي ممن يتأذى برد هديته عليه، وقد يورث الرد عداوة بينهما. فلا يردها عليه، بل يكافئه عليها بمثل قيمتها إن استطاع (¬2) وإن خشي منته ونحوها، رد الهدية، وإلا وضعها في بيت المال. ¬

(¬1) نهاية المحتاج 8/ 244. (¬2) رد المحتار 5/ 372.

الفرع الثاني تصرف الموظف في الهدايا المحرم بذلها له، وقبوله لها

الفرع الثاني تصرف الموظف في الهدايا المحرم بذلها له، وقبوله لها هذه الهدايا لها حالتان: الحالة الأولى: أن يكون الموظف لم يستلم هذه الهدية فحينئذ يجب عليه أمران: الأمر الأول: عدم قبوله هذه الهدية. الأمر الثاني: نهيه - إن استطاع - باذل الهدية عن هذا المنكر، وتذكيره بأن هديته هذه ليست مباحة، وإنما هي: إما رشوة، وقد لعن الشارع الحكيم متعاطيها. وإما هدية مقابل عمل واجب متعلق بالدولة، وهي هدية محرمة؛ لأنه لا يحل أخذ العوض على هذا العمل. ويذكره: أنهما من الرشوة أو الهدية المحرمة، وأنهما من الفساد في الأرض العائد ضرره على الباذل والآخذ والمجتمع، وقد حرم الله تعالى الفساد في الأرض (¬1). وذلك؛ أن إنكار المنكر واجب، وهذه الهدية من المنكر، فيجب النهي عنها. ¬

(¬1) ينظر: ما تقدم ص (22 - 26).

الحالة الثانية: أن يكون الموظف أخذ هذه الهدية. فحينئذ اختلف الفقهاء في كيفية تصرفه فيها، على قولين: القول الأول: يحفظها؛ ليردها إلى المهدي، فإن تعذر ردها؛ لعدم معرفته بالمهدي أو بعد مكانه، فيضعها في بيت المال. وإليه ذهب الحنفية (¬1) والشافعية (¬2) والحنابلة (¬3). واستدلوا لعدم أخذ الموظف هذه الهدية: أنه أخذها بغير حق، فأشبه المأخوذ بعقد فاسد، فلا تحل له (¬4). واستدلوا لحفظه لها إن جهل صاحبها: كي يردها عليه إذا عرفه؛ لأنها حينئذ كاللقطة المجهول ربها، فإن جاء ربها أعطاها إياه (¬5). واستدلوا لردها في بيت المال إذا تعذر الرد: أنها أهديت إلى الموظف بسبب عمله، وهو فيه نائب عن المسلمين، فكانت الهدايا من حيث المعنى لهم وليست له (¬6). ¬

(¬1) فتح القدير وشرح العناية 7/ 272، 273. (¬2) مغني المحتاج 4/ 393. (¬3) المغني 14/ 60. (¬4) والمغني 14/ 60 وينظر: فتح القدير والعناية 7/ 272، 273 ومغني المحتاج 4/ 392. (¬5) فتح القدير والعناية 7/ 272، 273. (¬6) المصدر نفسه 7/ 272.

القول الثاني: لا يردها على باذلها، وإنما يجعلها في بيت مال المسلمين. وإليه ذهب المالكية (¬1) وذكره ابن قدامة احتمالاً في مذهب أحمد (¬2). واستدلوا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر ابن اللُّتيبة رضي الله عنه بردها إلى أربابها (¬3)، فدل على عدم ردها لمهديها. واعترض عليه: النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأخذ الهدايا من ابن اللتبية رضي الله عنه حتى يكون وضعها في بيت المال (¬4). ويمكن الرد عليه: يسلم هذا، لكن لعل النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن فيها لابن اللتبية رضي الله عنه (¬5) فتكون مما أذن فيه ولي الأمر، فتباح للموظف كما تقدم. الترجيح: الراجح القول الثاني، توضع الهدايا في بيت المال، ولا ترد لأصحابها؛ وذلك لقوة دليل هذا القول؛ حيث ¬

(¬1) ينظر: مواهب الجليل 6/ 120، 121 وفتح الباري 13/ 167. (¬2) المغني 14/ 60. (¬3) المغني 14/ 60 وفتح الباري 13/ 167، وينظر: أخبار القضاة 1/ 59، 60. (¬4) الحاوي الكبير 16/ 285. (¬5) ينظر: المصدر نفسه.

استدل بدليل نقلي وارد في هدايا العمال غير المباحة. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمر عماله بأن يردوا على المهدين إليهم هداياهم، بل قال: «من استعملناه على عمل، فكتمنا مخيطًا فما فوقه، كان غلولاً يأتي به يوم القيامة» ثم قال للرجل الأسود، من الأنصار، الذي قال: يا رسول الله، اقبل عني عملك. قال له: «وما لك؟» قال: سمعتك تقول كذا وكذا، قال: «وأنا أقوله الآن: من استعملناه منكم على عمل فليجيء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ، وما نهي عنه انتهى» (¬1) إلا أن يقال: إن المراد بقليله وكثيره، ما كان متعلقًا بنفس العمل، والهدية ليست متعلقة به. ولما روي عن عمر رضي الله عنه: أنه كان يحصي على عماله أموالهم عند استعماله لهم، ثم بعد إنهائهم العمل، يحصي أموالهم، ويشاطرهم ما زاد على رءوس أموالهم. وإنما لم يأخذ الزائد كله؛ لكونه قد يكون من تجارة ونحوها لا من هدية (¬2). ولما جاء أن عبد الله وعبيد الله ابني عمر بن الخطاب رضي الله عنهم خرجا في جيش إلى العراق، فلما قفلا، مرَّا على أبي موسى ¬

(¬1) صحيح، وتقدم تخريجه في صفحة الإهداء. (¬2) الذخيرة 10/ 81، وهذا الأثر عن عمر رضي الله عنه سكت عنه الحافظ. التلخيص الحبير 3/ 1030.

الأشعري رضي الله عنه - وهو أمير بالبصرة - فرحب بهما وسهّل ثم قال: لو أقدر على أمر أنفعكما به لفعلت. ثم قال: بلى، هاهنا مال من مال الله، أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين، فأُسلفكماه، فتبتاعان به متاعًا من متاع العراق، ثم تبيعانه بالمدينة، فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين، ويكون الربح لكما. فقالا: وددنا ذلك ففعل، وكتب إلى عمر بن الخطاب: أن يأخذ منهما المال. فلما قدما، باعا فأربحا. فلما دفعا ذلك إلى عمر. قال: أكُلّ الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا. فقال عمر بن الخطاب: ابنا أمير المؤمنين، فأسلفكما! أديا المال وربحه. فأما عبد الله فسكت، وأما عبيد الله، فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا، لو نقص هذا المال أو هلك لضمناه. فقال عمر: أدياه، فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله. فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين: لو جعلته قراضًا. فقال عمر: قد جعلته قراضًا. فأخذ عمر رأس المال ونصف ربحه، وأخذ عبد الله وعبيد الله ابنا عمر، نصف ربح المال» (¬1). ولكي يكون وضعها في بيت المال رادعًا لباذلها وآخذها، ولمن تسول له نفسه مثل فعلهما. ¬

(¬1) الموطأ: 1385، وإسناده صحيح. ينظر: التلخيص الحبير 3/ 1029.

الفرع الثالث التصرف في الهدايا المباح بذلها للموظف والمنهي هو عن قبولها

الفرع الثالث التصرف في الهدايا المباح بذلها للموظف والمنهي هو عن قبولها سبق أن هذا النوع من الهدايا قد يكون باذلها معذورًا؛ لأنه يبذلها للموظف: إما على وجه الحياء منه؛ لقيامه بعمل مباح له. وإما استعطافًا له؛ كي يقوم بحق هو له، وهذا قصد قد يعذر به، فيباح له البذل. لكنه لا يبيح للموظف الأخذ. وحينئذ يختلف تصرف الموظف في هذه الهدايا باختلاف قصد المهدي من بذلها للموظف، وله حالتان: الحالة الأولى: أن يقصد بالهدية إكرام الموظف هذه الهدية تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: هدية مبذولة للموظف بعد قضائه حاجة المهدي. هذه الهدية: للشافعية فيها وجهان: الوجه الأول: ترد على باذلها؛ لأنها هدية فاسدة. الوجه الثاني: يجوز للموظف قبولها، ويجب عليه مكافأة

صاحبها بأعلى منها أو مثلها من ماله الخاص. فإن لم يكافئه، وجب عليه ردها إلى مهديها، أو دفعها لجهة عمله؛ ولا يستأثر بها الموظف لنفسه؛ لأنها بذلت تطوعًا لنائب المسلمين (¬1): قال الشافعي: «وإن أهدي له ... فكانت تفضلاً عليه، أو شكرًا لحسن في المعاملة، فلا يقبلها، وإن قبلها كانت في الصدقات، لا يسعه عندي غيره. إلا أن يكافئه عليه بقدرها عليها، فيسعها أن يتمولها» (¬2). القسم الثاني: هدية مبذولة ممن لا حاجة له في جهة عمل الموظف، أو إلى موظف لا علاقة له بحاجة المهدي في جهة عمله. يختلف التصرف في هذه الهدية باختلاف الموظف، وهو ضربان: الضرب الأول: أن يكون الموظف سلطانًا، وحينئذ إن كانت الهدية ممن لا يريد وظيفة في الدولة، ولا مجازاة ¬

(¬1) الحاوي الكبير 3/ 158 وتحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية ص185، 191. (¬2) الأم 2/ 58، 59.

السلطان على جميل قام به. فهذه هدية لجاه السلطنة، فللسطان قبولها، والمكافأة عليها. فإن لم يرد المكافأة عليها، فوجهان: الوجه الأول: يقبلها لبيت المال؛ لأن جاه السلطنة لكافة المسلمين. الوجه الثاني: يردها على المهدي؛ لأن المهدي خص السلطان بها؛ لجاه السلطنة، وهو بالمسلمين، ولا يجوز للسلطان أن يستأثر بشيء وصل إليه بجاه المسلمين (¬1). الضرب الثاني: أن يكون الموظف غير سلطان، فإن كافأ مهديها بمثلها، حلت له، وكانت معاوضة. وإن لم يكافئه عليها، لم تكن رشوة، ولم يجب عليه الرد، وإنما عرّض نفسه للتهمة. لكن هل يقر ولي الأمر الموظف عليها؟ فيه ثلاثة أوجه: الوجه الأول: يقره ولي الأمر ولا يسترجعها منه؛ لأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أقر ابن اللتبية رضي الله عنه على الهدية، ولم يسترجعها منه. ¬

(¬1) الحاوي الكبير 16/ 284.

الوجه الثاني: ترد لبيت المال؛ لأنها بسببه. إلا إذا رأى الإمام الإذن بأخذها، فيجوز. الوجه الثالث: إن كان للموظف رَزَق، وضعت في بيت المال، وإلا أذن ولي الأمر للموظف بأخذها كلها، أو قدر حاجته مما لم تف به أجرته (¬1). وأرجح هذه الأوجه: ثانيها؛ لما في الرد لبيت المال من سد باب رغبة الموظفين في الهدايا إليهم، ولعدم معارضة هذا الوجه لتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن اللتبية رضي الله عنه. الحالة الثانية: أن يقصد بهذه الهدية استعطاف الموظف في قيامه بعمل مباح للمهدي أو دفع ظلم عنه، وهي غالبًا تكون قبل إنهاء الغرض. هذه الهدية يحرم على الموظف قبولها، وينبغي عليه أن يبين للمهدي: أن هذه الهدية لا يحل له قبولها؛ لأن ما يقوم به من عمل، هو واجب عليه، ومن طبيعة عمله، وأنه سيحقق غرضه في حدود ما يستطيعه من نظام العمل. ¬

(¬1) المصدر نفسه 16/ 285.

لكن إن كان أخذها، فليتصرف فيها بما سبق في الهدية المحرم بذلها وأخذها.

الخاتمة

الخاتمة الحمد لله تعالى على توفيقه من شاء فاستنار بطاعته، وحرمانه من شاء فتخبط في معصيته، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه، أما بعد: فهذه أهم نتائج هذا البحث، وما اقترحه من توصيات: أما نتائجه، فأربع: النتيجة الأولى: تفترق الهدية المباحة عن الرشوة والهدية المحرمة بعدة فوارق، أهمها: الهدية المباحة تكون بلا شرط، ويقصد بها التودد أو الإكرام المشروعان، أو المجازاة على فعل إحسان لا يجب بجهة الوظيفة. والإسلام رغّب في بذل هذه الهدية، وفي قبولها والمكافأة عليها، وأنها من المكاسب الطيبة الهنيئة، ومن أسباب تآلف المجتمع. وأما الرشوة فتكون بشرط ويقصد بها الاستعانة على باطل، والهدية المحرمة تكون إما لأجل الوظيفة، وإما للمجازاة على عمل واجب بالوظيفة. والرشوة والهدية المحرمة، هما من

النتيجة الثانية

المكاسب المنهي عنها، ومن أكل أموال الناس بالباطل. والإسلام حرم الرشوة والهدية المحرمة، وحذر منهما؛ لما فيهما من الفساد بما تسبباه من الظلم والعدوان، وإغاظة القلوب المظلومة. النتيجة الثانية: الهدايا للموظفين ليست كلها محرمة، وإنما فقط: المحرم بذلها لهم وقبولهم لها، وهي: ما قصد بها الوصول لغرض باطل، أو مجازاة على عمل واجب بجهة الوظيفة. ومن الهدايا: ما يحرم على الموظف قبوله لها، وقد يباح بذلها له، وهي: المبذولة خوفًا من تقاعس الموظف عن القيام بحاجة المهدي، أو المبذولة حياءً من الموظف بسبب جهده. ومن الهدايا: ما يباح بذلها للموظفين وقبولهم لها وهي كثيرة: منها الهدايا من الأقارب والأصدقاء والجيران الذين يهدون للموظف قبل ترشيحه أو توليه الوظيفة، بشرط أن لا تتغير هداياهم بعد الوظيفة بزيادة غير مألوفة، وليس لهم عنده حاجة تتعلق بوظيفته. ومنها الهدية ممن لا أثر لها في ميل قلب الموظف كالهدية من ولي الأمر ورؤساء الموظف في العمل،

النتيجة الثالثة

وذوي رحمه من أقاربه الذين يراعى الموظف حرمة رحمهم أشد من مراعاته هداياهم. ومنها الهدية للمفتي والواعظ ونحوهما؛ إكرامًا لهم على علمهم، لا المعلم الذي له أثر قي نجاح الطالب ودرجاته. النتيجة الثالثة: الهدايا المبذولة لجهة عمل الموظف: إن كانت على سبيل الرشوة، أو بذلت بغير طيب نفس، لم تؤخذ من باذلها، وإن كانت لإكرام الجهة، جاز قبولها. النتيجة الرابعة: الهدايا المبذولة للموظف: إن كانت مما يباح له قبولها، فهو الذي يملكها، ويستحب له أن يكافئ عليها. وإن كانت مما يحرم عليه قبولها: فالرشوة، لا يقبلها، بل ينهى باذلها، فإن لم يعرفه وضعها في بيت مال المسلمين، على القول الراجح، وفي قول: يحفظها ليردها لصاحبها إن أمكنه، وإلا وضعها في بيت المال. وأما غير الرشوة: فإن بذلت بغير طيب نفس، ردها على صاحبها. وإن بذلت بطيب نفس، وضعها في بيت المال. والتوصيات أربع: التوصية الأولى: العناية بالبحوث التي تعتني بتحسين أخلاق

الفرد مع المجتمع، وتبين أحكامها. التوصية الثانية: تثقيف الناس وتذكيرهم عبر المنابر ووسائل الإعلام؛ بالمحرم من الرشا والهدايا للموظفين، والتحذير من خطرهما عليهم وعلى المجتمع. وبالهدايا المباحة للموظفين؛ حتى يعرف الفرق بين المباح منها والمحرم. التوصية الثالثة: إطلاع الموظف عند تعيينه، على ما يهمه من نظام الدولة في الرشوة والهدايا والإكرامات للموظفين؛ حتى يكون على بصيرة بها. التوصية الرابعة: توجيه الموظفين وتدريبهم على أخلاقيات الوظائف؛ لتعم الأمانة في المجتمع، ومن ذلك: وجوب قضاء حوائج الناس بأمانة وإخلاص. هذا ما يسره الله تعالى لي جمعه في الهدايا للموظفين؛ أحكامها وكيفية التصرف فيها، فإن أصبت فبفضل الله تعالى، وإن أخطت فمن نفسي والشيطان، وأعاذني الله تعالى من شرهما، وأسأله سبحانه أن يكفينا بحلاله عن حرامه، ويغنينا بفضله عمن سواه، ويقنعنا بما رزقنا، ويبارك لنا فيه. آمين، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وأصحابه.

فهرس المصادر والمراجع

فهرس المصادر والمراجع القرآن الكريم وعلوم 1 - المصحف الشريف. 2 - الجامع لأحكام القرآن - أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي ت671هـ ط2، 1386هـ. 3 - المفردات في غريب القرآن - أبو القاسم الراغب الأصفهاني ت502هـ ط 1381هـ مصطفى البابي. الحديث الشريف وعلومه 1 - إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - محمد ناصر الدين الألباني ت 1422هـ ط1، 1399هـ المكتب الإسلامي. 2 - الأدب المفرد - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ تحقيق فضل الله الجيلاني ط 1378هـ المطبعة السلفية. القاهرة. 3 - تقريب التهذيب - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852 ط2، 1395هـ دار المعرفة.

4 - التلخيص الحبير - أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ت 852هـ مكتبة نزار الباز مكة المكرمة، الرياض. 5 - التلخيص - أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ مطبوع مع المستدرك على الصحيحين للحاكم، وسيأتي. 6 - الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت911هـ ط1، 1401هـ، دار الفكر. 7 - الجامع المسند الصحيح - أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ت 256هـ تحقيق: محب الدين، الخطيب ط1، 1400هـ، المطبعة السلفية ومكتبتها. 8 - سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام - محمد بن إسماعيل الصنعاني ت 1182هـ تعليق د. محمد البيانوني، ود. خليل إبراهيم ملا خاطر. ط 1397هـ، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، الرياض. 9 - سنن أبي داود - أبو داود سليمان بن الأشعث السجستاني ت 275هـ تحقيق الدعاس، والسيد ط1، 1389هـ. دار الحديث، بيروت.

10 - سنن الترمذي - أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي ت 279هـ. تحقيق عزت عبيد الدعاس. المكتبة الإسلامية، تركيا. ط بدون تاريخ. 11 - سنن الدارقطني - علي بن عمر الدارقطني ت 385هـ تحقيق السيد عبد الله هاشم يماني المدني ط 1386هـ دار المحاسن للطباعة. القاهرة. 12 - شرح السنة - أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي ت 510هـ تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومحمد الشاويش ط2، 1403هـ، المكتب الإسلامي. 13 - شرح صحيح مسلم - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676هـ ط بدون تاريخ، المطبعة المصرية ومكتبتها. 14 - صحيح مسلم - مسلم بن الحجاج القشيري ت 261هـ تحقيق: فؤاد عبد الباقي ط 1400هـ. رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالسعودية. 15 - عون المعبود - شرح سنن أبي داود أبو الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي ط2، 1388هـ المكتبة السلفية المدينة المنورة.

16 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري - أحمد بن علي بن العسقلاني ت 852هـ تحقيق عبد العزيز بن باز، ومحب الدين الخطيب، ومحمد فؤاد عبد الباقي. ط بدون تاريخ. المكتبة السلفية. 17 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد - نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي ت 807هـ ط3، 1402هـ، دار الكتاب العربي، بيروت. 18 - المستدرك على الصحيحين - أبو عبد الله النيسابوري الحاكم ت 405هـ ط بدون تاريخ، دار الكتاب العربي. 19 - المسند: أحمد بن محمد بن حنبل ت241هـ تحقيق السيد أبو المعاطي النوري وزملائه ط1، 1419هـ. 20 - معالم السنن شرح سنن أبي داود - حمد بن إبراهيم بن الخطاب الخطابي ت388هـ ط2، 1401هـ المكتبة العلمية بيروت. 21 - الموطأ برواية يحيى بن يحيى الليثي - مالك بن أنس الأصبحي ت179هـ إعداد أحمد راتب عرموش ط2، 1397هـ دار النفائس.

الفقه وقواعده

22 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال - أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ت748هـ تحقيق علي البجادي ط1، 1382هـ دار المعرفة. 23 - النهاية في غريب الحديث - مجد الدين المبارك بن الأثير ت606هـ ط2، 1399هـ دار الفكر. 24 - نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار - محمد بن علي الشوكاني ت1250هـ تحقيق طه سعد ومصطفى الهواري ط 1398هـ مكتبة الكليات الأزهرية. الفقه وقواعده الحنفية: 25 - بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع - علاء الدين أبو بكر مسعود الكاساني ت587هـ ط2، 1406هـ دار الكتب الوطنية، بيروت. 26 - تحقيق القضية في الفرق بين الرشوة والهدية - عبد الغني بن إسماعيل النابلسي ت 1143هـ تحقيق محمد عمر بيوند ط1، 1402هـ وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويت.

27 - الدر المختار شرح تنوير الأبصار - علاء الدين محمد بن علي الحصكفي ت 1088هـ مطبوع مع رد المحتار، وسيأتي. 28 - رد المحتار على الدر المختار - محمد أمين، ابن عابدين ت 1252هـ. ط2، 1386هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي، مصر. 29 - شرح كتاب السير الكبير - محمد بن الحسن الشيباني ت 189هـ تحقيق عبد العزيز أحمد ط 1971م شركة الإعلانات الشرقية معهد المخطوطات بجامعة الدول العربية. 30 - العناية على الهداية - أكمل الدين محمد البابرتي ت 786هـ مطبوع مع فتح القدير، وسيأتي. 31 - فتح القدير - كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن الهمام ت 681هـ ط1، 1389هـ مصطفى البابي الحلبي. 32 - الهداية شرح بداية المبتدي - برهان الدين علي المرغناني ت 593هـ مطبوع مع شرح فتح القدير، وتقدم.

المالكية

المالكية: 33 - أقرب المسالك - أبو البركات أحمد بن محمد الدردير ت 1201هـ ط بدون تاريخ مطبعة عيسى البابي الحلبي مصر، مطبوع مع حاشية التعلق الحاوي. 34 - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير - شمس الدين محمد عرفة الدسوقي ت 1230هـ ط بدون تاريخ دار إحياء التراث العربي. عيسى البابي. 35 - حاشية الرهوني على شرح الزرقاني - محمد بن أحمد الرهوني ت 1230هـ ط1، 1306هـ المطبعة الأميرية، تصوير 1398هـ، دار الفكر. 36 - الذخيرة - شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي ت 634هـ تحقيق: محمد بو خبزة ط1، 1994م، دار الغرب الإسلامي. 37 - الشرح الكبير - أحمد بن محمد الدردير ت 1201هـ مطبوع بحاشية الدسوقي، وتقدم. 38 - معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام - علاء الدين أبو الحسن علي بن خليل الطرابلسي ت 844هـ ط2، 1393هـ، مصطفى البابي الحلبي.

الشافعية

الشافعية: 39 - الأحكام السلطانية والولايات الدينية - أبو الحسين علي بن محمد الماوردي ت 450هـ تعليق خالد عبد اللطيف العلمي ط1، 1410هـ دار الكتاب العربي. بيروت. 40 - إحياء علوم الدين - محمد بن محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ ط 1358هـ. مصطفى البابي الحلبي. 41 - الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية - جلال الدين عبد الرحمن السيوطي ت 911هـ ط 1378هـ مكتبة ومطبعة الحلبي وأولاده. 42 - الأم - محمد بن إدريس الشافعي ت 204هـ تحقيق محمد زهري النجار ط2، 1393هـ، دار المعرفة بيروت لبنان. 43 - حاشية الشبراملسي - أبو الضياء نور الدين علي بن علي الشبراملسي ت 1087هـ مطبوع مع نهاية المحتاج، وسيأتي. 44 - الحاوي الكبير شرح مختصر المزني - أبو الحسين علي بن محمد الماوردي ت 450هـ تحقيق علي عوض وعادل عبد الموجود ط1، 1414هـ دار الكتب العلمية، بيروت.

الحنابلة

45 - فتاوى السبكي - أبو الحسين تقي الدين علي بن عبد الكافي السبكي ت 756هـ ط 1356هـ، مكتبة القدسي، القاهرة. 46 - الفتاوى الكبرى الفقهية - شهاب الدين أحمد بن حجر الهيتمي ت 974هـ ط 1403هـ دار الفكر. 47 - مغني المحتاج - محمد الشربيني الخطيب ت 977هـ ط 1377هـ شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر. 48 - منهاج الطالبين - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676هـ مطبوع مع مغني المحتاج، وتقدم. 49 - نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج - شمس الدين محمد بن أحمد الرملي ت 1004هـ ط 1358هـ، المكتبة الإسلامية. الحنابلة: 50 - الأحكام السلطانية - أبو يعلى محمد بن الحسين الفراء ت 458هـ تعليق محمد حامد الفقي ط2، 1386هـ مصطفى البابي الحلبي وأولاده مصر. 51 - إعلام الموقعين - شمس الدين أبو عبد الله محمد بن قيم الجوزية ت 751هـ تعليق طه عبد الرءوف سعد ط 1973م

دار الجيل. 52 - الحسبة - تقي الدين أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ت 728هـ تحقيق صلاح عزام ط1، 1376هـ مؤسسة دار الشعب. 53 - القواعد الفقهية - أبو الفرج عبد الرحمن بن رجب ت 795هـ تحقيق طه عبد الرءوف سعد ط1، 1391هـ مكتبة الكليات الأزهرية. 54 - كشف القناع عن متن الإقناع - منصور بن يونس البهوتي ت 1051هـ تحقيق هلال مصيليحي ط 1402هـ دار الفكر، بيروت. 55 - مطالب أولي النهى - مصطفى بن سعد الرحيباني السيوطي ت1243هـ ط 1380هـ المكتب الإسلامي. 56 - المغني - موفق الدين أبو محمد بن عبد الله بن أحمد بن قدامة ت 620هـ تحقيق: د. عبد الله التركي، ود. عبد الفتاح الحلو ط2، 1412هـ، هجر للطباعة والنشر، القاهرة. 57 - منار السبيل في شرح الدليل - إبراهيم بن محمد بن ضويان ت 1353هـ ط3، 1392 هـ المكتب الإسلامي.

الفقه العام

الفقه العام: 58 - التعيين وأثره في العقود المالية - د. عبد الرحيم بن إبراهيم السيد الهاشم تحت الطبع، نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. 59 - جريمة الرشوة في الشريعة الإسلامية - د. عبد الله بن عبد المحسن المنصور الطريقي ط3، 1403هـ بدون اسم مطبعة. 60 - الحلال والحرام في الإسلام - د. يوسف القرضاوي ط13، 1400هـ، المكتب الإسلامي. 61 - الحوافز التجارية التسويقية - خالد بن عبد الله المصلح ط1، 1420هـ، دار ابن الجوزي السعودية. 62 - السياسة الشرعية مصدر تقنين بين النظرية والتطبيق - د. عبد الله بن محمد القاضي ت 1417هـ ط1، 1410هـ دار الكتب الجامعية الحديثة. 63 - فتاوى إسلامية - عبد العزيز بن باز ومحمد العثيمين وعبد الله الجبرين جمع وترتيب محمد بن عبد العزيز المسند ط1، 1415هـ، دار الوطن.

اللغة العربية وعلومها

64 - النية وأثرها في الأحكام الشرعية - أ. د. صالح بن غانم السدلان ط2، 1414هـ دار عالم الكتب الرياض. اللغة العربية وعلومها 65 - تهذيب الأسماء واللغات - أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ت 676هـ ط بدون تاريخ، دار الكتب العلمية. بيروت. 66 - القاموس المحيط - مجد الدين محمد بن يعقوب الفيروزآبادي ت 817هـ ط2، 1371هـ، مصطفى البابي الحلبي، مصر. 67 - مختار الصحاح - محمد بن أبي بكر الرازي ت 666هـ، ط1، 1379هـ، دار الكتاب العربي. بيروت. 68 - المصباح المنير في غريب الشرح الكبير - للرافعي أحمد بن محمد الفيومي ت 770هـ ط بدون تاريخ المكتبة العلمية. 69 - لسان العرب - أبو الفضل جمال الدين بن منظور: ت 711هـ ط بدون تاريخ دار صادر. 70 - معجم لغة الفقهاء - أ. د. محمد رواس قلعة جي، ود. حامد صادق قنيبي ط1، 1405هـ دار النفائس. 71 - المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية - ط بدون تاريخ، مطابع قطر الوطنية.

السير والتاريخ

السير والتاريخ 72 - أخبار القضاة - محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع ت 306هـ ط بدون تاريخ، عالم الكتب، بيروت. 73 - الإصابة في تمييز الصحابة - أحمد بن حجر العسقلاني ت 852هـ تحقيق طه محمد الزيني ط1 بدون تاريخ، مكتبة الكليات الأزهرية. 74 - الأعلام - خير الدين بن محمود الزركلي ت 1396هـ ط15، 2002م دار العلم للملايين. 75 - سير أعلام النبلاء - أبو عبد الله محمد بن أحمد الذهبي ت 748هـ. تحقيق: شعيب الأرناؤوط، ومأمون الصاغرجي ط7 مؤسسة الرسالة. 76 - الطبقات الكبرى - محمد بن سعد بن منيع ت 230هـ ط بدون تاريخ، دار صادر، بيروت، لبنان. الإدارة 77 - إدارة الموارد البشرية، المنهج الحديث لإدارة الأفراد - د. مدني عبد القادر علاقي ط1، 1993م.

المراسيم الملكية السعودية

المراسيم الملكية السعودية 78 - المرسوم الملكي بالمملكة العربية السعودية رقم: 43 في 29/ 11/1377هـ. المشافهات 79 - د. صالح بن عبد الرحمن الأطرم. مشافهة.

§1/1