النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر

ابن مفلح، برهان الدين

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة مفتي الْمذَاهب رحْلَة الطلاب نَسِيج وَحده وفريد عصره شيخ الْإِسْلَام أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم أبي المفاخر مُفْلِح بن مفرج الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ تغمده الله برحمته وَكَانَ قد صنف هَذَا الْكتاب قبل سنة أَرْبَعِينَ وَسَبْعمائة وَتُوفِّي لَيْلَة يسفر صباحها عَن يَوْم الْخَمِيس ثَانِي رَجَب الْفَرد سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَسَبْعمائة وَله تصانيف باهرة فِي فنون مَشْهُورَة وَهَذَا الْكتاب اسْمه النكت والفوائد السّنيَّة على مُشكل الْمُحَرر للشَّيْخ مجد الدّين بن تَيْمِية تغمده الله برحمته

= كتاب الطَّهَارَة قَوْله فِي الْمُحَرر وَيتَخَرَّج التَّطْهِير بِإِضَافَة مَا دون الْقلَّتَيْنِ فيهمَا يعْنى إِذا كَانَ المَاء النَّجس قَلِيلا أَو كثيرا فأضيف المطهر إِلَى كثير نجس فَأكْثر الْأَصْحَاب على أَنه لَا يطهر وَذكر بَعضهم تحريجا وَبَعْضهمْ وَجها وَبَعْضهمْ فِي بعض مصنفاته وَجها وَفِي بَعْضهَا تخريجا وأيا مَا كَانَ فأصله مَسْأَلَة زَوَال التَّغَيُّر بِنَفسِهِ وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب بِهَذَا القَوْل وَعلله بِأَنَّهُ لَو زَالَ بطول الْمكْث طهر فَأولى أَن يطهر بزواله بمخالطته لما دون الْقلَّتَيْنِ فَخَالف فِي هَذِه الصُّورَة أَكثر الْأَصْحَاب كَمَا أَنه قطع فِي الصُّورَة الثَّانِيَة بِمَا قطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب فِي أَنه لَا يطهر وَإِن أضيف الْقَلِيل المطهر إِلَى قَلِيل نجس وَبلغ الْمَجْمُوع قُلَّتَيْنِ فَأكْثر الْأَصْحَاب أَو كثير مِنْهُم لم يحك فِي هَذِه الصُّورَة خلافًا فِي أَنه لَا يطهر وأظن مِنْهُم الشَّيْخ مجد الدّين صَاحب الْمُحَرر فِي شرح الْهِدَايَة وَذكر بَعضهم لما حَال وُقُوع النَّجَاسَة فِي الصُّورَة الأولى فقد حكى فِي عُمُوم خبر الْقلَّتَيْنِ بِخِلَاف هَذِه الصُّورَة وَجها وَبَعْضهمْ تخريجا أَنه يطهر إِلْحَاقًا وَجعلا لكثير بالانضمام كالكثير من غير انضمام وحرروه قِيَاسا فَقَالُوا لِأَنَّهُ مَاء كثير غير متغير بِالنَّجَاسَةِ فَكَانَ طَاهِرا كَمَا لَو وَقعت فِيهِ ابْتِدَاء وَهُوَ كثير وَلم تغيره أَو زَالَ تغيره بِنَفسِهِ وَاحْتَجُّوا بِخَبَر الْقلَّتَيْنِ وعَلى هَذَا قد يخرج طَهَارَة قلَّة نَجِسَة إِلَى مثلهَا وَقد يفرق بَينهمَا وأظن بعض الْأَصْحَاب صرح بِهِ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله أَنه لَا تطهر قله نَجِسَة إِلَى مثلهَا وَذكر فِي الْكَافِي تَخْرِيج طهاررة قلَّة نَجِسَة إِلَى مثلهَا

قَالَ لما ذَكرْنَاهُ وَإِنَّمَا ذكر الْخلاف فِي الْقَلِيل المطهر إِذا أضيف إِلَى كثير نجس وَهَذَا فِيهِ نظر وَاحْتج الْأَصْحَاب للراجح فِي الْمَذْهَب وَالْجَوَاب عَن خبر الْقلَّتَيْنِ والاحتجاج بِهِ هُنَا يطول ذكره فليطلب فِي كَلَامهم فَأَما إِن لم يبلغ الْمَجْمُوع قُلَّتَيْنِ فَهُوَ نجس وَكَذَا فِي الْمُحَرر فِيهِ إِطْلَاق فَإِن كَانَ مُرَاده وَبلغ الْمَجْمُوع قُلَّتَيْنِ وَردت هَذِه الصُّورَة على كَلَامه وَإِن كَانَ مُرَاده أَن التَّخْرِيج يجْرِي فِي هَذِه الصُّورَة أَيْضا فَقَالَ بَعضهم يكون التَّخْرِيج من رِوَايَة إِن المَاء لَا ينجس إِلَّا بالتغيير وَفِيه نظر لِأَن التَّفْرِيع إِنَّمَا هُوَ على الْمَذْهَب فَأَما على رِوَايَة إِن المَاء لَا ينجس إِلَّا بالتغيير فَلَا إِشْكَال والقليل كالكثير فتطهيره بِزَوَال تغيره على أَي وَجه كَانَ وَإِضَافَة مَاء إِلَيْهِ قل أَو كثر وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد أَن المَاء مطهر للْمَاء النَّجس وَإِن لم يبلغ هَذَا الْقدر الْمَخْصُوص إِذا غمره لِأَنَّهُ عين للْمَاء أثر فِي تطهيرها فأثر وَإِن لم يبلغ الْقدر الْمَخْصُوص كَسَائِر الْمحَال وَهَذَا للْمَاء طهر الْمحل وأزال النَّجَاسَة من غير انْفِصَال فَيكون حكمه حكم مَا انْفَصل غير متغير بعد زَوَال النَّجَاسَة لَا فَارق بَينهمَا إِلَّا الِانْفِصَال وَلَا أثر لَهُ هُنَا لعدم اعْتِبَاره كَمَا نقُول فِي المَاء الْكثير أَو فِي نَجَاسَة الأَرْض فَإِنَّهُ لَا يعْتَبر فِي تطهيرها الِانْفِصَال وَقَوْلهمْ مَاء لَا يدْفع النَّجَاسَة عَن نَفسه فَعَن غَيره أولى إِن أَرَادوا

لَا يَدْفَعهَا عَن نَفسه فِيمَا إِذا كَانَت وَارِدَة عَلَيْهِ فَمُسلم وَعَلِيهِ يدل خبر الْقلَّتَيْنِ لَكِن لَا يحصل الْمَقْصُود وَإِن أَرَادوا مُطلقًا فَمَمْنُوع وَلَا يَقُولُونَ بِهِ وَحمل كَلَام صَاحب الْمُحَرر على هَذَا أَو مَا أشبهه أولى لَكِن يستبعد هَذَا من جِهَة أَنِّي لم أجد أحدا ذكره فَيَنْبَغِي أَن يتَأَمَّل هَذَا وَينظر هَل قَالَ بِهِ أحد أم لَا فَإِن كَانَ قد قيل بِهِ فقد لَا يبعد حمل كَلَامه عَلَيْهِ وَإِن كَانَ هُوَ لم يُصَرح بِهِ فَإِن أضيف إِلَى المَاء النَّجس غير المَاء فَهَل يطهره كَلَام الْأَصْحَاب فِيهِ مَشْهُور وَسَيَأْتِي كَلَامه فِي الْمُحَرر فِي المَاء وَأَنه الَّذِي يطهر المَاء النَّجس لَا غَيره وأظن أَنه لم يحك فِي إِضَافَة غَيره خلافًا فِي شرح الْهِدَايَة فِي أَنه لَا يطهر وَهَذَا ظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب كَابْن عقيل وَهَذَا مُتَوَجّه فِيمَا إِذا كَانَ المَاء النَّجس قَلِيلا أما إِذا كَانَ كثيرا فَلَا فرق إِذا كَانَ لَا يستر النَّجَاسَة وَلَا يُغير رائحتها وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب بِأَن غير المَاء لَا يطهر المَاء النَّجس قَوْله وَمن خفى عَلَيْهِ مَوضِع النَّجَاسَة غسل مَا يستيقن بِهِ غسلهَا أطلق الْعبارَة كَغَيْرِهِ وَمرَاده فِي غير الصَّحرَاء قطع بذلك الْأَصْحَاب وَعَن أَحْمد مَا يدل على التَّحَرِّي فِي غير الصَّحرَاء قَالَ إِسْمَاعِيل بن سعيد سَأَلت أَحْمد عَن الْمَذْي يُصِيب الثَّوْب وَلَا يعلم مَكَانَهُ قَالَ إِن علم بمكانه غسله وَإِن أشكل عَلَيْهِ ذَلِك نضح الْمَكَان الَّذِي يظنّ أَنه أَصَابَهُ أما الصَّحرَاء فَلَا يُمكن حفظهَا

من النَّجَاسَة وَلَا يُمكن غسلهَا إِلَّا بِمَشَقَّة شَدِيدَة وَله أَن يُصَلِّي فِيهَا بِلَا تحر فِي ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَصرح بِهِ بَعضهم وَيَنْبَغِي أَن يسْتَحبّ مُبَالغَة فِي تَحْصِيل شَرط الْعِبَادَة قَالَ فِي الرِّعَايَة ويجتنب مَا ظن نَجَاسَته وَهَذَا صَحِيح لِأَنَّهُ كالمتلاعب كَمَا لَو أقدم على الْعِبَادَة ظَانّا عدم دُخُول الْوَقْت وكالصلاة وَالصَّوْم فِي حق من اشتبهت عَلَيْهِ الْأَشْهر وَكَذَا لَو دفع الزَّكَاة إِلَى من يظنّ عدم اسْتِحْقَاقه فَتبين بِخِلَافِهِ

قَوْله وَإِن اشْتبهَ طَاهِر بِطهُور تَوَضَّأ بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ثمَّ صلى

كَذَا عبر جمَاعَة من الْأَصْحَاب وتبعهم وَكَذَا تَبِعَهُمْ فِي مَسْأَلَة اشْتِبَاه الثِّيَاب الطاهرة بالنجسة وَهَذَا الْإِطْلَاق يَقْتَضِي أَن الحكم كَذَلِك مَعَ الْقُدْرَة على اسْتِعْمَال مَاء طهُور بِيَقِين أَو ثوب طَاهِر وَلَيْسَ كَذَلِك عِنْده على مَا ذكره فِي شرح الْهِدَايَة وَكَذَا لم أجد أحدا من الْأَصْحَاب صرح بالْقَوْل بِمُقْتَضى هَذَا الْإِطْلَاق وَوجه عدم القَوْل بِهِ أما فِي مَسْأَلَة الثِّيَاب فلعدم الْجَزْم بِالنِّيَّةِ من غير حَاجَة وَأما مَسْأَلَة الْوضُوء من الطَّاهِر وَالطهُور عِنْد الِاشْتِبَاه مَعَ الْقُدْرَة على اسْتِعْمَال طهُور غير مشتبه فَإِن تَوَضَّأ وضوءين لم يَصح لما تقدم وَهُوَ إخلاله بِالْجَزْمِ بِالنِّيَّةِ من غير حَاجَة وَإِن كَانَ وضُوءًا وَاحِدًا غرفَة من هَذَا وغرفة من هَذَا لكل وضوء إِلَى كَمَال الطَّهَارَة صَحَّ لجزمه بِالنِّيَّةِ وتشاغله فِي خلال الطَّهَارَة بِمَا لَيْسَ مِنْهَا بِشَيْء يسير لَا يطول الْفَصْل بِهِ وَلَا يُؤثر قَوْله يحرم اسْتِقْبَال الْقبْلَة ثمَّ ذكر بعد هَذَا أَنه لَا يفعل كَذَا وَلَا كَذَا قد يُقَال فِيهِ إِشْعَار بِأَن هَذِه الْأُمُور غير مُحرمَة لِأَنَّهُ لَو أَرَادَ التَّحْرِيم ثمَّ صرح بِهِ وَلَو أوضح حكم ذَلِك بِالتَّحْرِيمِ أَو الْكَرَاهَة كَانَ أَجود وَبَيَان ذَلِك أما اسْتِصْحَاب مَا فِيهِ ذكر الله تَعَالَى فمكروه صرح بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يكره ذكرهَا الشريف وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب بِأَن إِزَالَة ذَلِك أفضل وَهَذَا قَول ثَالِث وَلَعَلَّه أقرب وَأما قَوْله وَلَا يتَكَلَّم فَكَذَا عبر جمَاعَة وَصرح جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ

وَلم أجد أحدا مِنْهُم ذكر التَّحْرِيم مَعَ أَن دليلهم يَقْتَضِيهِ وَعَن الإِمَام أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ قَالَ صَالح سَأَلت أبي عَن الْكَلَام فِي الْخَلَاء قَالَ يكره وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم سَأَلت أَحْمد عَن الْكَلَام فِي الْخَلَاء قَالَ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يتَكَلَّم قَوْله وَلَا يمْكث فَوق الْحَاجة كَذَا عبر جمَاعَة وَعبر جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ وَهَذِه الْمَسْأَلَة هِيَ مَسْأَلَة كشف الْعَوْرَة خلْوَة لغير حَاجَة وفيهَا ثَلَاث رِوَايَات التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَالْجَوَاز لَكِن هُنَا يتَعَيَّن نفي الْجَوَاز لأمر اخْتصَّ بِهِ هَذَا الْموضع وَبِه يعرف قُوَّة الْكَرَاهَة أَو التَّحْرِيم قَوْله وَلَا يسْتَقْبل الشَّمْس وَلَا الْقَمَر كَذَا عبر جمَاعَة وَعبر جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ وَلم يذكر بَعضهم هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ شهرتها فَلَعَلَّهُ لم يرهَا وَالْكَرَاهَة تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه وَظَاهر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن شرقوا أَو غربوا يدل على عدمهَا وَقطع أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي فِي كِتَابه الْإِيضَاح بِالتَّحْرِيمِ قَوْله وَلَا يَبُول فِي شقّ وَلَا سرب كَذَا عبر جمَاعَة وَصرح جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ وَلَا فرق بَين أَن يكون فَم بالوعة أَو غَيرهَا صرح بِهِ الْأَزجيّ فِي النِّهَايَة وَفِي الرِّعَايَة

قَوْله وَلَا طَرِيق وَلَا ظلّ نَافِع كَذَا ذكر جمَاعَة وَشرط غير وَاحِد فِي الطَّرِيق أَن يكون مأتيا وَلم يُقيد غير وَاحِد الظل بالنفع وَصرح فِي الْمُبْهِج وَالْكَافِي وَالشَّرْح للمقنع وَغَيرهَا بِالْكَرَاهَةِ وَصرح فِي المغنى بِالتَّحْرِيمِ وَقطع بِهِ ابْن تَمِيم قَوْله وَلَا تَحت شَجَرَة مثمرة كَذَا ذكر جمَاعَة وَصرح جمَاعَة بِالْكَرَاهَةِ وَصرح ابْن تَمِيم بِالتَّحْرِيمِ وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب وَالنِّهَايَة بِأَنَّهُ لَا يَبُول تَحت شَجَرَة مثمرة وَلَا غير مثمرة

قَوْله الرَّابِع لمس الرجل للْمَرْأَة الْمَرْأَة للرجل بِشَهْوَة فينفضيوضوء اللامس وَفِي الملموس رِوَايَتَانِ أطلق الْخلاف وَمرَاده مَعَ الشَّهْوَة من

الملموس لِأَنَّهُ فرع على مَا قدمه وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب فَإِن قيل بِاعْتِبَار الشَّهْوَة من اللامس فَهَل يلْحق الملموس بِهِ مَعَ الشَّهْوَة فِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِن قيل لَا تعْتَبر الشَّهْوَة من اللامس لم تعْتَبر فِي الملموس وَفِي إِلْحَاقه بِهِ الرِّوَايَتَانِ وَلِهَذَا قَالَ القَاضِي أَبُو الحسنين الملموس هَل ينْتَقض وضوءه فِي الْموضع الَّذِي ينْتَقض فِيهِ وضوء اللامس على رِوَايَتَيْنِ وَعَن الشَّافِعِي كالروايتين انْتهى كَلَامه أما اعْتِبَار الشَّهْوَة من اللامس وَعدم اعْتِبَارهَا من الملموس فَلَا وَجه لَهُ لِأَن غَايَة حكم الملموس أَن يُسَاوِي حكم اللامس لِأَنَّهُ فَرعه وَغَايَة الْفَرْع مساواته لأصله وَلِهَذَا صحّح جمَاعَة عدم نقض وضوءه الملموس مُطلقًا وَإِن قُلْنَا ينْقض وضوء اللامس مِنْهُم المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة والأزجي فِي النِّهَايَة وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَنه أظهر الرِّوَايَتَيْنِ وَلم أجد أحدا صحّح خلاف هَذَا غير ابْن عقيل وَمذهب مَالك اعْتِبَار الشَّهْوَة من الملموس كاللامس فَإِن وجدت لزمَه الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا قَالَ المُصَنّف وَيجب أَن تحمل رِوَايَة النَّقْض عندنَا على ذَلِك قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْعُمْدَة إِذا قُلْنَا بِالنَّقْضِ اعْتبرنَا الشَّهْوَة فِي الْمَشْهُور كَمَا نعتبرها فِي اللامس حَتَّى ينْتَقض وضوءه إِذا وجدت الشَّهْوَة فِيهِ دون اللامس وَلَا ينْتَقض إِذا لم تُوجد فِيهِ وَإِن وجدت فِي اللامس انْتهى كَلَامه

وَقَول ابْن تَمِيم وَلم يعْتَبر أَصْحَابنَا الشَّهْوَة فِي الملموس هَذَا يجب أَن يكون اكْتِفَاء مِنْهُم بِبَيَان حكم اللامس وَأَن الشَّهْوَة مُعْتَبرَة مِنْهُ وَأَن من الْوَاضِح أَن حكم الملموس مُفَرع عَلَيْهِ لَا أَنَّهَا تعْتَبر مِنْهُ وَإِن اعْتبرت من اللامس وَلم أجد أحدا صرح بِهَذَا وَيُؤْخَذ من كَلَامه أَن الممسوس فرجه لَا ينْتَقض وضوءه رِوَايَة وَاحِدَة وَصرح بِهِ غير وَاحِد وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ مَعَ أَن مَذْهَبهمَا نقض وضوء الملموس كاللامس على أَصلهمَا لِأَن الْمُلَامسَة تَقْتَضِي الْمُشَاركَة إِلَّا مَا خرج بِدَلِيل وَهنا ورد بِلَفْظ الْمس والممسوس لم يمس وَمن أَصْحَابنَا من ذكر فِي الممسوس فرجه وَجْهَيْن وَمِنْهُم من ذكر رِوَايَتَيْنِ وَذكر القَاضِي فِي شَرحه أَن مس الْمَرْأَة لفرج الرجل أَو الرجل لفرج الْمَرْأَة هَل هُوَ من قبيل مس النِّسَاء أَو من قبيل مس الْفرج على وَجْهَيْن وَالْأَظْهَر أَنه ينْتَقض وضوء الماس مِنْهُمَا لفرج الآخر وَإِن لم يكن بِشَهْوَة والممسوس فرجه لَا ينْتَقض وضوءه فِي ظَاهر الْمَذْهَب إِلَّا أَن يكون عَلَيْهِ شَهْوَة فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ قَوْله فَإِن تيقنهما وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا كَانَ على عكس حَاله قبلهمَا إِلَّا أَن يتيقين أسبق فعلَيْهِمَا فَيكون على مثل حَاله قبلهمَا هَكَذَا ذكر الْأَصْحَاب

قبله هَاتين الْمَسْأَلَتَيْنِ وتبعهم وَتكلم عَلَيْهِمَا فِي شرح الْهِدَايَة كلَاما حسنا وَهَذَا كَلَامه أَو مَعْنَاهُ أما الْمَسْأَلَة الأولى فصورتها أَن يتيقين أَنه على طَهَارَة فِي وَقت وَزنه أَنه مُحدث فِي وَقت آخر وَلَا يتَيَقَّن ابتدائها فَإِنَّهُ يكون على خلاف حَاله قبلهمَا لِأَن الْحَالة السَّابِقَة زَالَت يَقِينا لمخالفتهما من الْحَالين الْمَشْكُوك فيهمَا وَأما الْمُوَافقَة لَهَا فَيحْتَمل أَن تكون هِيَ بِعَينهَا وَقد استمرت إِلَى أَن زَالَت بالمخالفة وَيحْتَمل أَنه بعد الْمُخَالفَة بِسَبَب متجدد فَحِينَئِذٍ لَا نزيل يَقِين الْحَالة الْمُخَالفَة بِأَمْر مَشْكُوك فِيهِ مِثَاله إِذا قَالَ أتحقق أَنِّي بعد الزَّوَال مرّة مُحدثا وَمرَّة متطهرا وَلَا أعلم السَّابِق مِنْهُمَا إِلَى حَالَة قبل الزَّوَال فَإِن كَانَ متطهرا فَهُوَ الْآن مُحدث لِأَن تِلْكَ الطَّهَارَة المتيقنة قبل الزَّوَال زَالَت بِيَقِين الْحَدث بعد الزَّوَال وَأما الطَّهَارَة المتيقنة بعد الزَّوَال فَجَائِز أَن تكون هِيَ السَّابِقَة وَقد استمرت إِلَى مَا بعد الزَّوَال وَجَائِز أَن تكون طَهَارَة مستأنفة فَلَا نزيل يَقِين الْحَدث بِالشَّكِّ وَإِن قَالَ كنت قبل الزَّوَال مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر لماسبق من الِاسْتِدْلَال وَهَذَا كَمَا لَو علمنَا لزيد على عَمْرو ألف دِرْهَم فَأَقَامَ عَمْرو بَينه بِالْأَدَاءِ أَو الْإِبْرَاء فَأَقَامَ زيد بَيِّنَة أَن عمرا أقرّ لَهُ بِأَلف دِرْهَم مُطلقًا لم تثبت لَهُ هَذِه الْبَيِّنَة شَيْئا لاحْتِمَال أَن الْألف الَّذِي أقرّ بِهِ هُوَ الأف الَّذِي علمنَا وُجُوبه وَقَامَت الْبَيِّنَة ببراءته فَلَا تشتغل ذمَّته بِالِاحْتِمَالِ وَقَالَ الْأَزجيّ من أَصْحَابنَا الْمُتَأَخِّرين فِي كتاب النِّهَايَة لَهُ لَو قيل إِنَّه يجب عَلَيْهِ الطَّهَارَة لَكَانَ لَهُ وَجه لِأَن يَقِين الطَّهَارَة قد عَارضه يَقِين الْحَدث وَإِذا تَعَارضا سقطا وَوَجَب عَلَيْهِ الْوضُوء احْتِيَاطًا

للصَّلَاة فَإِنَّهُ يكون مُؤديا فَرْضه بِيَقِين وَالْأول أصح فَلَو لم يعرف مَا كَانَ قبلهمَا لزمَه الْوضُوء لِأَنَّهُ لَا بُد لَهُ من طَهَارَة متيقنة أَو مظنونة أَو مستصحبة وَلَيْسَ هُنَا شَيْء فَوَجَبَ الْوضُوء وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فصورتها أَنه ابْتَدَأَ نقض الطَّهَارَة وفعلها عَن حدث فِي وَقت بِعَيْنِه وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا رَجَعَ إِلَى حَاله قبلهمَا مِثَاله إِذا قَالَ فعلت ذَلِك بِيَقِين بعد الزَّوَال وَلَا أعلم السَّابِق قُلْنَا مَا كنت قبله فَإِن قَالَ متطهرا فَهُوَ الْآن متطهر لِأَنَّهُ تَيَقّن أَنه نقض تِلْكَ الطَّهَارَة ثمَّ تَوَضَّأ إِذْ لَا يُمكن أَن يتَوَضَّأ عَن حدث مَعَ بَقَاء تِلْكَ الطَّهَارَة وَنقض هَذِه الطَّهَارَة الثَّانِيَة مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يَزُول عَن الْيَقِين بِالشَّكِّ وَجَعَلنَا الْحَدث بَين الطهارتين تَحْقِيقا لقَوْله إِذْ لَو كَانَ بعد الثَّانِيَة لكَانَتْ تجديدا لَا يُزِيلهُ الْحَدث فَإِن قيل بل يُمكن ذَلِك بِأَن يكون قد أحدث بَينهمَا حَدثا آخر وأنسيه قيل الأَصْل عدم ذَلِك وَإِن قَالَ كنت قبل الزَّوَال مُحدثا فَهُوَ الْآن مُحدث لِأَن قَوْله إِنَّمَا يتَحَقَّق بِجعْل الطَّهَارَة بَين الحدثين إِذْ لَو كَانَت بعد الثَّانِي لم يكن قد نقض طَهَارَة وَاحْتِمَال طَهَارَة أُخْرَى بَين الحدثين لَا يبْنى عَلَيْهِ لِأَن الأَصْل عدم ذَلِك وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين من أَصْحَابنَا فِي شرح الْهِدَايَة لَهُ هَذَا إِذا كَانَ الْوَقْت لَا يَتَّسِع لَهما وَلَو اتَّسع الْوَقْت لَهما لكَانَتْ الْمَسْأَلَة بِعَينهَا وَيصير

هَذَا كتعارض الْبَيِّنَتَيْنِ إِذا شهدتا بتاريخ وَاحِد سقطتا لِأَنَّهُ لَا يُمكن الْعَمَل بهما انْتهى كَلَامه وَالْأول أصح وَهَذِه الصُّورَة هِيَ مُرَاد صَاحب الْمُحَرر وَإِن كَانَ كَلَامه يدْخل فِيهِ مَا لَو تَيَقّن فعلَيْهِمَا وَلم يتَيَقَّن أَن الطَّهَارَة عَن حدث وَلَا الْحَدث عَن طَهَارَة وَهِي مَسْأَلَة فقد الِابْتِدَاء وَهِي ثَلَاث صور إِحْدَاهَا فقدانه فيهمَا مِثَاله أَن يَقُول أتحقق أَنِّي بعد الزَّوَال تَوَضَّأت وضُوءًا لَا أَدْرِي عَن حدث كَانَ أَو تجديدا وَإِنِّي أحدثت وَلَا أَدْرِي كنت حِين الْحَدث مُحدثا أَو متطهرا وَلَا أعلم السَّابِق من الْفِعْلَيْنِ فَهَذَا يكون على عكس حَاله قبل الزَّوَال فَإِن قَالَ كنت قبل الزَّوَال متطهرا فَهُوَ الْآن مُحدث لِأَن الطَّهَارَة السَّابِقَة زَالَت بِالْحَدَثِ يَقِينا وَأما الْوضُوء الثَّانِي فَيحْتَمل أَنه تَجْدِيد قبل الْبَوْل وَيحْتَمل أَنه رفع الْحَدث بعده فَلَا يزِيل الْحَدث الْمُتَيَقن بِالشَّكِّ وَلَو قَالَ كنت قبل الزَّوَال مُحدثا فَهُوَ الْآن متطهر لِأَن الْحَدث السَّابِق زَالَ يَقِينا بِطَهَارَة متيقنة بعده إِمَّا بِالْوضُوءِ الَّذِي ذكره إِن كَانَ رَافعا وَإِمَّا بِوضُوء تقدمه إِن كَانَ تجديدا وَالْحَدَث الْمُتَيَقن يحْتَمل أَنه قبل هَذِه الطَّهَارَة وَيحْتَمل أَنه بعْدهَا وَلَا يزيلها بِالشَّكِّ هَكَذَا ذكره الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ورن جهل فاعلهما حَالهمَا وأسبقهما أَو عين لَهما وقتا لَا يسعهما فَهَل هُوَ بعدهمَا كحالة قبلهمَا أَو بضده فِيهِ وَجْهَان وَقيل رِوَايَتَانِ

وَمَسْأَلَة جهل فاعلهما حَالهمَا هِيَ هَذِه الصُّورَة وَمَسْأَلَة تعْيين وَقت لَا يسعهما كَلَامه فِي الرِّعَايَة فِيهِ إِطْلَاق يدْخل فِيهِ تحقق الِابْتِدَاء وفقدانه وَلَعَلَّ مُرَاده مَعَ تحقق الِابْتِدَاء فَتكون الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة الَّتِي خَالف فِيهَا أَبُو الْمَعَالِي وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب الْمَسْأَلَة الأولى الَّتِي خَالف فِيهَا الْأَزجيّ ثمَّ قَالَ فَإِن تَيَقّن فعلهمَا فِي وَقت لَا يَتَّسِع لَهما تعَارض هَذَا الْيَقِين وَسقط وَكَانَ على حَاله قبل ذَلِك من طَهَارَة أوجدت وَلم يزدْ على ذَلِك وأظن أَن الشَّيْخ وجيه الدّين أَخذ اخْتِيَاره من هَذَا وَنزل كَلَام من أطلق من الْأَصْحَاب عَلَيْهِ الصُّورَة الثَّانِيَة أَن يفقد الِابْتِدَاء فِي فعل الْحَدث وَحده مِثَاله أَن يَقُول أتيقن أَنِّي بعد الزَّوَال تطهرت عَن حدث وَأَنِّي أحدثت وَلَا أعلم أَنِّي كنت حِين الْحَدث طَاهِرا أَو مُحدثا وَشك فِي السَّابِق من الْفِعْلَيْنِ فَهَذَا متطهر سَوَاء كَانَ قبل الزَّوَال مُحدثا أَو متطهرا لِأَنَّهُ إِن كَانَ متطهرا قبله فقد زَالَت طَهَارَته بِالْحَدَثِ الَّذِي تطهر عَنهُ بعد الزَّوَال وَإِن كَانَ مُحدثا فطهارة هَذِه تزيل كل حدث قبلهَا وَأما الْحَدث الْمُتَيَقن فَيحْتَمل أَنه كَانَ قبل هَذِه الطَّهَارَة وَيحْتَمل أَنه بعْدهَا فَلَا يزيلها بِالشَّكِّ الصُّورَة الثَّالِثَة أَن يفقد الِابْتِدَاء فِي فعل الطَّهَارَة مِثَاله إِذا قَالَ أتحقق أَنِّي بعد الزَّوَال أحدثت حَدثا صَادف طَهَارَة وَأَنِّي تَوَضَّأت وضُوءًا لَا أَدْرِي تجديدا كَانَ أَو رَافعا زَاد صَاحب الرِّعَايَة وعادته التَّجْدِيد غاليا فَإِنَّهُ يكون مُحدثا سَوَاء كَانَ قبل الزَّوَال مُحدثا أَو متطهرا للتَّعْلِيل فِي الصُّورَة قبلهَا قَوْله وَمن قَامَ من نَومه فَوجدَ بللا لم يتيقنه منيا لزمَه الْغسْل إِلَّا أَن

يتقدمه لمس وتفكر أَو يكون بِهِ برد فَلَا غسل هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَعنهُ لاغسل عَلَيْهِ مُطلقًا وَعنهُ عَكسه كَذَا ذكر الْمَسْأَلَة جمَاعَة وَظَاهر هَذَا أَنه لَا فرق بَين أَن يذكر احتلاما أَولا وَذكر ابْن تَمِيم وَفِي الرِّعَايَة رِوَايَة أَنه إِذا تقدمه فكر وَنَحْوه لَا غسل عَلَيْهِ وَإِن ذكر احتلاما وَفِي شرح الْعُمْدَة للشَّيْخ تَقِيّ الدّين رِوَايَة أَنه لَا غسل عَلَيْهِ مُطلقًا وَقطع الشَّيْخ

مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ يلْزمه الْغسْل إِن ذكر احتلاما سَوَاء تقدم نَومه فكر أَو ملاعبة أَولا قَالَ وَهُوَ قَول عَامَّة الْعلمَاء إِلَّا فِي وَجه للشَّافِعِيَّة أَنه لَا يجب تمّ بحث الْمَسْأَلَة وعَلى هَذَا ظَاهر مَا فِي الْمُحَرر يحْتَمل أَن يكون مرَادا كَمَا صرح بِهِ غَيره وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده إِذا لم يتقدمه احْتِلَام جمعا بَين كَلَامه وَكَلَام الْمُتَكَلّم الْوَاحِد أَو من فِي حكمه يُقيد بعضه بَعْضًا وَقد ذكر الشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي ابْن المنجي فِي شرح الْهِدَايَة لَهُ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة شَيْئا لم أجد من الْأَصْحَاب ذكره قَالَ إِن وجد رَائِحَة الطلح

والعجين فَهُوَ منى وَإِن لم يجد الرَّائِحَة وَلم يجد بَيَاضًا وثخنا فَالظَّاهِر أَنه لَيْسَ بِمني قَالَ هُوَ وَالشَّيْخ موفق الدّين وَقد توقف الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مَوَاضِع قَوْله وَمن خَافَ عطشا على نَفسه أَو رفقته أَو بهائمه حبس المَاء وَتيَمّم

ظَاهر كَلَام جمَاعَة أَنه يجوز ذَلِك وقاسوه على خوف الْمَرَض وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد أَنه يحرم عَلَيْهِ اسْتِعْمَال المَاء فِي هَذِه الصُّورَة قَالَ أَبُو طَالب سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن الرجل يَتِيم وَمَعَهُ المَاء الْقَلِيل وَهُوَ يخَاف الْعَطش قَالَ نعم يتَيَمَّم وَلَا يتَوَضَّأ بِهِ وَقَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول إِذا خَافَ على نَفسه تيَمّم وَصلى يعين على نَفسه قَالَ الله تَعَالَى {وَلَا تقتلُوا أَنفسكُم إِن الله كَانَ بكم رحِيما} قَالَ أَبُو عبد الله إِذا كَانَ مَعَه مَاء أَو كَانَ مَعَه قَلِيل يخْشَى على نَفسه تيَمّم وَصلى وَترك المَاء لشفته إِذا خَافَ على نَفسه وَلَا يُعِيد الصَّلَاة

وَهَذَا ظَاهر كَلَام الْأَزجيّ فِي النِّهَايَة وَغَيره لِأَن حفظ النَّفس وَاجِب حسب الْإِمْكَان وَخَوف الضَّرَر بالعطش كَذَلِك فِي إِبَاحَة التَّيَمُّم قطع بِهِ ابْن تَمِيم وَغَيره قَالَ فِي النِّهَايَة يعْتَبر فِي خوف الضَّرَر مَا يعْتَبر فِي خوف الْمَرَض قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره يحبس المَاء لخوف الضَّرَر وَالْمَرَض لَا فرق بَينهمَا وَلَا بُد من قيد الاحترام فَإِن الْحَرْبِيّ وَالْخِنْزِير وَالْكَلب الْأسود البهيم وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يُبَاح قَتله لَا يجوز صرف المَاء فِي سقيه لم أجد فِيهِ خلافًا فَإِن فعل أَثم وَهُوَ فِي الْإِعَادَة كَمَا لَو أراقه قَوْله وَيمْنَع الْحيض وجوب الصَّلَاة الخ

ظَاهره أَنه لَا يمْنَع غير ذَلِك وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يمْنَع صِحَة الطَّهَارَة صرح بِهِ غير وَاحِد وَهُوَ ظَاهر قَوْله وَيجوز التَّمَتُّع بالحائض إِلَّا بِالْوَطْءِ فِي الْفرج وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجوز ذكرهَا صَاحب الْوَسِيلَة وَقَالَ الْخلال وَالشَّيْخ يَعْنِي القَاضِي بحملانها على الِاسْتِحْبَاب انْتهى كَلَامه قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد قلت للامام أَحْمد مَا للرجل من إمرأته وَهِي حَائِض قَالَ قَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر إحدانا أَن تتزر وَاخْتَارَ هَذَا وَرخّص فِيمَا دون الْفرج وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا رِوَايَة بِالْكَرَاهَةِ لِأَن مُخَالفَة الْأَمر توجب ارْتِكَاب الْمَكْرُوه وَقَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول فِي الْحَائِض تقبل وتلمس وَإِذا جَامعهَا كَانَ بَينهمَا إِزَار إِلَى السُّرَّة وَإِلَى الرّكْبَة ويباشرها وَهَذِه الرِّوَايَة مُحْتَملَة لِأَنَّهُ لَا بُد فِيهَا من إِضْمَار وَقَالَ الْخلال كَأَن فِي مَسْأَلَة جَعْفَر وحنبل أَن أَبَا عبد الله أحب لَهما الْإِزَار فِي وَقت الْجِمَاع وَهُوَ على مَا رَوَت عَائِشَة وَأم سَلمَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ بَين عَنهُ الْبَاقُونَ أَنه لَا بَأْس بِهِ وَاحْتج فِي ذَلِك وَالْعَمَل فِي مذْهبه أَنه لَا بَأْس أَن يُجَامع بِغَيْر إِزَار إِذا اتَّقى مخرج الدَّم انْتهى كَلَامه وَلَا إِشْكَال أَن الْمَذْهَب عدم الْكَرَاهَة وَقد صرح فِي رِوَايَة أبي طَالب أَنه لَا بَأْس أَن يَأْتِيهَا دون الْفرج وَصرح قَاطعا صَاحب النِّهَايَة وَغَيرهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَمَعَ هَذَا فالمستحب تَركه وَظَاهر كَلَام إمامنا وأصحابنا أَنه لَا فرق بَين أَن يَأْمَن على نَفسه مواقعه الْمَحْظُور أَو يخَاف وَقطع الْأَزجيّ فِي نهايته بِأَنَّهُ إِذا لم يَأْمَن على نَفسه من ذَلِك حرم عَلَيْهِ لِئَلَّا يكون طَرِيقا إِلَى مواقعه الْمَحْظُور

وَقد يُقَال يحمل كَلَام غَيره على هَذَا قَوْله وَإِذا وطئ لزمَه نصف دِينَار كَفَّارَة وَعنهُ لَا يلْزمه وَقَالَ وَتجب الْكَفَّارَة بِوَطْء النُّفَسَاء وَلم يذكر خلافًا وَظَاهره أَن الْكَفَّارَة تجب بِوَطْء النُّفَسَاء رِوَايَة وَاحِدَة بِخِلَاف وَطْء الْحَائِض وَقد يُؤْخَذ من كَلَام بعض الْأَصْحَاب إِيمَاء إِلَى هَذَا لِأَن دَاعِي الْجِمَاع فِي النّفاس يُقَوي لطول مدَّته غَالِبا فَنَاسَبَ تَأَكد الزاجر بِخِلَاف الْحيض وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الإِمَام وَالْأَصْحَاب رَحِمهم الله أَن وَطْء النُّفَسَاء كَوَطْء الْحَائِض فِي وجوب الْكَفَّارَة لِأَن الْكَفَّارَة إِنَّمَا وَجَبت بِوَطْء النُّفَسَاء قِيَاسا على وَطْء الْحَائِض وَغَايَة الْفَرْع مساواته لأصله وَإِذا لم تجب الْكَفَّارَة فِي الأَصْل انْتَفَى وُجُوبهَا فِي الْفَرْع لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَا دَلِيل لوُجُوبهَا وَلَعَلَّ صَاحب الْمُحَرر فرع على ظَاهر الْمَذْهَب فِي الْحَائِض قَوْله وَلَا حيض مَعَ الْحمل نَص على هَذَا فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة الْأَثْرَم وَإِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ وَأبي دَاوُد وحمدان بن عَليّ وَغَيرهم فَقَالَ الْحَامِل إِذا رَأَتْ دَمًا تتوضأ وَتصلي وتصوم وَقَالَ أَيْضا كَيفَ يكون حَبل مَعَ الْحيض وَكَيف تَنْقَضِي الْعدة إِذا كَانَ حبلا يَعْنِي مَعَ الْحيض وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنَّهَا تحيض وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن إمامنا أَحْمد رَضِي الله عَنهُ

= كتاب الصَّلَاة قَوْله وَمن أخر الصَّلَاة عمدا فَخرج الْوَقْت وَهُوَ فِيهَا أَثم وأجزأته وَقَوله ورذا أسلم الْمُرْتَد لزمَه قَضَاء مَا تَركه قبل الرِّدَّة من صلَاته ظَاهره أَن طرآن الْحيض وَالْجُنُون وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا من الرِّدَّة غير مسْقط لِأَن الْوُجُوب اسْتَقر بِمَا الْتَزمهُ بِالْإِسْلَامِ فَهُوَ كحقوق الْآدَمِيّين وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالشَّيْخ وجيه الدّين والأزجي فِي نهايته وَصَاحب الرِّعَايَة فِيهَا

بِأَن الْمُرْتَدَّة إِذا حَاضَت ثمَّ طهرت وَأسْلمت لَا تقضي الصَّلَاة وَقطع المُصَنّف وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَغَيرهمَا بِأَن الْمُرْتَد لَا تسْقط عَنهُ عبَادَة زمن جُنُونه فِي ردته وَقدمه الْأَزجيّ لِأَن سُقُوطهَا بِالْحيضِ عَزِيمَة وبالجنون رخصَة وَتَخْفِيف وَلَيْسَ من أَهله قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَلَيْسَ هُوَ من أَهله قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين لَو صلى الْمَجْنُون لَا تكون صلَاته مَعْصِيّة بل طَاعَة وَلَو صلت كَانَت مَعْصِيّة قَالَ الْأَزجيّ وَيحْتَمل أَن لَا يجب الْقَضَاء لِأَنَّهُ فِي هَذِه الْحَال غير مُخَاطب بشئ من الْعِبَادَات لفقد آلَة الْخطاب وَهُوَ الْعقل لِأَن الْمعْصِيَة لَا تتمكن من سَبَب الرُّخْصَة حَتَّى تمنع التَّخْفِيف قَوْله وَمن صلى صَلَاة ثمَّ ارْتَدَّ ثمَّ أسلم ووقتها بَاقٍ لم تجب إِعَادَتهَا وَيتَخَرَّج أَن تجب كمن حج ثمَّ ارْتَدَّ فَإِن فِي إِعَادَة الْحَج رِوَايَتَيْنِ وَالرِّوَايَتَانِ فِي مَسْأَلَة الْحَج مشهورتان ذكرهمَا جمَاعَة مِنْهُم أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا وَالْقَاضِي وَعَن مَالك أَيْضا رِوَايَتَانِ وَرِوَايَة عدم وجوب إِعَادَته نصرها أَبُو الْخطاب وَغَيره وَهِي ظَاهر مَا قطع بِهِ الشَّيْخ وَغَيره وَقدمه غير وَاحِد وَهِي قَول

الشَّافِعِي وَرِوَايَة الْوُجُوب ذكرهَا القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره أَنَّهَا أصَحهمَا وَهِي قَول أبي حنيفَة وَأما مَسْأَلَة الصَّلَاة فَلَا أجد أحدا ذكر فِيهَا نصا عَن الإِمَام أَحْمد وَمن الْأَصْحَاب من جعلهَا كَمَسْأَلَة الْحَج كَأبي الْخطاب وَغَيره وَمِنْهُم من يَأْبَى ذَلِك قَالَ القَاضِي أَبُو يعلى قِيَاس الْمَذْهَب أَن لَا يُعِيد الصَّلَاة وَيُعِيد الْحَج قَالَ أَبُو الْخطاب وَلَا أعرف لذَلِك وَجها قَالَ وَاعْتمد على أَن الصَّلَاة يفعل أَمْثَالهَا فِي الْإِسْلَام الثَّانِي وَالْحج لَا يفعل أَمْثَاله وَتسَمى حجَّة الْإِسْلَام وَلَا بُد فِي هَذَا الْإِسْلَام الثَّانِي من حجَّة قَالَ وَهَذَا ظَاهر الْفساد لِأَنَّهُ إِن كَانَت الْحجَّة فِي الْإِسْلَام الأول بطلت بِالرّدَّةِ فَالصَّلَاة فِي أول وَقت الصَّلَاة تبطل بِالرّدَّةِ وَإِذا أسلم فَإِن لزمَه حجَّة الْإِسْلَام فَيجب أَن يلْزمه هَهُنَا صَلَاة الْوَقْت فَإِن وَقت الْحَج جَمِيع الْعُمر كَمَا أَن وَقت الصَّلَاة مَشْرُوع لَهَا وَتَسْمِيَة حجَّة الْإِسْلَام مثل تَسْمِيَة صَلَاة الظّهْر وَالْعصر قَوْله فَإِن بلغ الْوَقْت وَقد صلاهَا أَو ابتدأها أَعَادَهَا كَذَا ذكر الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ دخل فِيهَا قبل وُجُوبهَا وَوُجُود سَبَب وُجُوبهَا أشبه الْبَالِغ إِذا دخل فِيهَا دُخُول الْوَقْت لِأَنَّهَا من فروع الدّين مَقْصُودَة فِي نَفسهَا أشبه الْحَج وَفِيه احْتِرَاز من الْإِيمَان وَالْوُضُوء وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَأما الْإِسْلَام فَيجب تجديده وَلم

يزدْ على ذَلِك وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عدم وجوب إِعَادَتهَا وَذكر أَن بَعضهم حَكَاهُ وَجها لنا وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وقاس أَبُو الْخطاب على الْحَج فَقيل لَهُ الْحَج لَو بلغ فِي أَثْنَائِهِ أَجزَأَهُ فَيجب إِذا بلغ فِي أثْنَاء الصَّلَاة أَن تُجزئه فَأجَاب بِأَن كل وَقت من عَرَفَة وُقُوفه يُجزئ فِي الْحَج وَلَيْسَ كل رَكْعَة من الصَّلَاة تُجزئ عَن بَقِيَّة الصَّلَاة فنظيره أَن ينْصَرف من عَرَفَة قبل الْبلُوغ ثمَّ يبلغ فَإِنَّهُ لَا يُجزئهُ حَتَّى يعود فيقف بِعَرَفَة قَالَ وَالصَّحِيح أَن الْحَج مثل الصَّلَاة فعلى الرِّوَايَة الَّتِي تَقول لَا تُجزئ الصَّلَاة نقُول لَا يُجزئ الْحَج إِذا بلغ بعد إِحْرَامه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا قَول مِنْهُ بروايتين فِي الصَّلَاة قبل وُجُوبهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَيصير لنا فِي الصَّلَاة وَالْحج جَمِيعًا ثَلَاثَة أَقْوَال وَفِي الصَّوْم رِوَايَتَانِ أَعنِي إِذا بلغ فِي نفس الْفِعْل فَأَما إِذا بلغ بعد الْفِعْل وَبَقَاء الْوَقْت فَلَا خلاف فِي وجوب الْحَج وَيمْتَنع مثل ذَلِك فِي الصَّوْم انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن هَذَا التَّفْرِيع على قَوْلنَا لَا تجب عَلَيْهِ كَمَا هُوَ الْمَذْهَب وَأَن على رِوَايَة وُجُوبهَا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ قَول أبي الْحسن التَّمِيمِي وَأبي بكر لاإعادة وَيجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا وَلَا يجب عَلَيْهِ إِتْمَامهَا على الأول صرح بذلك القَاضِي وَغَيره وَعَلِيهِ يحمل إِطْلَاق كَلَام غير وَاحِد من الْأَصْحَاب وَهُوَ ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فَإِنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن بختان فِي غُلَام احْتَلَمَ فِي بعض اللَّيْل يُصَلِّي الْمغرب وَالْعشَاء فَقيل لَهُ وَإِن كَانَ قد صلاهما قَالَ نعم أَلَيْسَ صلاهما وَهُوَ مَرْفُوع عَنهُ الْقَلَم قَالَ القَاضِي فقد أوجب الْإِعَادَة بعد الْفَرَاغ مِنْهَا وَجعل الْعلَّة فِيهَا أَنه فعلهَا قبل جَرَيَان الْقَلَم انْتهى كَلَامه وَصرح بَعضهم على رِوَايَة الْوُجُوب أَنه يقْضِي مَا فَاتَهُ بعد عشر وَهَذَا وَاضح وَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَو بلغ عشر سِنِين فِي أثْنَاء صَلَاة أَو بعْدهَا فِي وَقتهَا

فصل

لزمَه إِعَادَتهَا على هَذِه الرِّوَايَة كَمَا بلغ خمس عشرَة لتوجه الْخطاب إِلَيْهِ وَيُؤْخَذ هَذَا من تَعْلِيل الإِمَام وَالْأَصْحَاب وَهُوَ وَاضح إِن شَاءَ الله تَعَالَى فصل الْمَذْهَب أَن الصَّلَاة لَا تجب على صبي وَعنهُ تجب على من بلغ عشرا وَعنهُ تجب على ابْن أَربع عشرَة سنة قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَنقل عَن الإِمَام أَحْمد فِي ابْن أَربع عشرَة سنة إِذا ترك الصَّلَاة قتل وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي الرَّوْضَة فِي الْمُمَيز وَقد روى عَنهُ أَنه مُكَلّف فَهَذِهِ أَربع رِوَايَات ذكر فِي الْمُحَرر أَن فِي قَضَاء الْمُرْتَد مَا فَاتَهُ حَال الرِّدَّة من عبَادَة رِوَايَتَيْنِ وَكَذَا الْخلاف مَشْهُور فِي كتب الْأَصْحَاب فِي وجوب الْقَضَاء على الْمُرْتَد مَا تَركه فِي حَال ردته وَظَاهر هَذَا أَن الْخلاف مطرد فِي كل صُورَة وَهُوَ أولى وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك عِنْد صَاحب الْمُحَرر رَحمَه الله تَعَالَى فَإِنَّهُ قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة لَهُ فِي تَارِك الصَّلَاة تهاونا إِذا دعِي إِلَى فعلهَا فَامْتنعَ وحكمنا بِكُفْرِهِ وَقَتله قَالَ وَإِذا عَاد لم تسْقط عَنهُ صَلَاة مُدَّة امْتِنَاعه على الرِّوَايَتَيْنِ مَعًا وَإِن قُلْنَا تسْقط عَن الْمُرْتَد لَا نكفره بِتَرْكِهَا فَلَو سَقَطت بِهِ لزال التَّكْفِير وَلِأَن أمره بهَا فِي مُدَّة الاستتابة يدل على صِحَّتهَا مِنْهُ وَأَنه مُكَلّف بهَا فَأَشْبَهت نفس الْإِسْلَام فِي حق الْمُرْتَد انْتهى كَلَامه وَهَذَا فِيهِ إِشْكَال قَوْله وَمن زَالَ عقله بِغَيْر جُنُون قضى كل صَلَاة فَاتَتْهُ لَو سكرت ثمَّ حَاضَت لم يلْزمهَا قَضَاء أَيَّام الْحيض وَجها وَاحِدًا ذكره الْأَزجيّ وَغَيره لما تقدم فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا قَالَ الْأَزجيّ وَإِن شرب محرما فَسَكِرَ

بِهِ ثمَّ جن مُتَّصِلا بالسكر فَهَل يلْزمه قَضَاء مَا فَاتَهُ فِي حَال الْجُنُون فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا يلْزمه الْقَضَاء أَيْضا لاتصاله بالسكر لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي تعاطى سَببا أثر فِي وجود الْجُنُون وَالثَّانِي لَا يلْزمه لِأَن طرآن الْجُنُون مِنْهُ لَيْسَ من وَلَا هُوَ مَنْسُوب إِلَيْهِ كَمَا فعله لَو وجد ذَلِك ابْتِدَاء وَزَوَال الْعقل بالجنون مسْقط للْقَضَاء فِي حق الْمُسلم فَأَما الْمُرْتَد فَتقدم فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا قَوْله لِأَن تكفيره بِتَرْكِهَا فَلَو سَقَطت بِهِ لزال التَّكْفِير لقَائِل يَقُول لَيْسَ الْخلاف فِيمَا نكفره بِتَرْكِهَا لِأَن مَا نكفره بِتَرْكِهَا وَهِي صَلَاة وَاحِدَة أَو وَحَتَّى يتضايق وَقت الْأُخْرَى أَو غير ذَلِك على الْخلاف الْمَعْرُوف فِيهِ وَوَجَب عَلَيْهِ فِي حَال إِسْلَامه قبل الحكم بِوُجُوب قَتله وكفره فَإِذا وجوب قَضَائهَا لَيْسَ وجوب قَضَاء عبَادَة تَركهَا فِي حَال ردته بل وجوب قَضَاء عبَادَة تَركهَا فِي حَال إِسْلَامه وَمَا تَركه بعد الحكم بِوُجُوب قَتله وكفره من الصَّلَوَات لَيْسَ نكفره بِتَرْكِهَا لِأَن الْغَرَض أَنه قد حكم بِكُفْرِهِ وَقَتله قبل ذَلِك فَإِن قيل مُرَاده إِنَّمَا نكفره بِتَرْكِهَا يجب قَضَاؤُهُ وَلَا يَأْتِي فِيهِ الْخلاف فِي ان تَركه الْمُرْتَد ان ماني حَال إِسْلَامه من عبَادَة هَل يجب قَضَاؤُهَا إِذا عَاد إِلَى الْإِسْلَام أم لَا قيل لَيْسَ هَذَا مُرَاده بل تَتِمَّة كَلَامه وَلِأَن أمره بهَا فِي مُدَّة الاستتابة يدل على صِحَّتهَا مِنْهُ مُدَّة الاستتابة ثَلَاثَة أَيَّام بعد الحكم بِوُجُوب قَتله وكفره وَأَنه قاسها على الْإِسْلَام فِي حق الْمُرْتَد مَأْمُور بِالْإِسْلَامِ وَلِأَنَّهُ قَالَ لم تسْقط عَنهُ صَلَاة مُدَّة امْتِنَاعه وَمَا نكفره بِهِ صَلَاة أَو صلاتان على ظَاهر الْمَذْهَب وَمُدَّة الِامْتِنَاع حَقِيقَتهَا إِلَى زمن التَّوْبَة والمراجعة قَوْله وَلِأَن أمره بهَا فِي مُدَّة الاستتابة يدل على صِحَّتهَا مِنْهُ

فصل

لقَائِل أَن يَقُول من يَقُول إِن الْمُرْتَد لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء مَا تَركه فِي حَال الرِّدَّة يَقُول إِنَّمَا هُوَ مَأْمُور ومكلف بِالْإِسْلَامِ وإيقاع الصَّلَاة من حَيْثُ الْجُمْلَة أَعنِي من حَيْثُ هِيَ صَلَاة لَا هَذِه الصَّلَاة الْمعينَة أَو إِيقَاع الصَّلَاة الْمَحْكُوم بِكُفْرِهِ بِتَرْكِهَا وَلِأَنَّهُ لَا يمْتَنع وجوب الْعِبَادَة على الْمُرْتَد فِي حَال ردته فَإِذا تَابَ بِإِسْلَام صَحِيح سَقَطت عَنهُ ترغيبا فِي الْإِسْلَام وَلِأَن الْأَدِلَّة فِي أَن الْمُرْتَد لَا يقْضِي مَا تَركه فِي حَال الرِّدَّة تعم مَسْأَلَتنَا لَا سِيمَا قِيَاسه على الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَالْأولَى حمل كَلَامه إِن أمكن على مَسْأَلَة مَا تَركه حَال إِسْلَامه وَأَن الْخلاف فِيهَا لَا يَأْتِي هُنَا لكنه يُورد هَذَا الْقَيْد على إِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر فَإِنَّهُ ذكر الْخلاف فِيمَا تَركه زمن إِسْلَامه من غير تَفْصِيل وَقَول ابْن عبد الْقوي رَحمَه الله بعد أَن ذكر كَلَام صَاحب الْمُحَرر فِي شرح الْهِدَايَة الْمَذْكُور هَذَا يدل على أَنه لَا يكفر وَإِن قتل فحد لَا نعقاد الْإِجْمَاع أَن الْكَافِر غير مُكَلّف بِفعل الصَّلَاة وَإِن قُلْنَا يكلفون بالفروع وَإِنَّمَا فَائِدَته زِيَادَة الْعَذَاب فِي الْآخِرَة وَإِلَّا فَلَا فِيهِ نظر لِأَن الْإِجْمَاع إِنَّمَا هُوَ فِي الْكَافِر الْأَصْلِيّ فصل قَالَ ابْن عقيل فِي الْفُنُون فِيمَن ترك الصَّلَاة تهاونا وَقيل بِكُفْرِهِ إِذا كَانَ كَافِرًا فيماذا يكون مُسلما بِالشَّهَادَتَيْنِ أم بِفعل الصَّلَاة قَالَ اعْترض بِهِ بَعضهم وَحَكَاهُ غَيره وَهُوَ الكيا الهراسي فِي مفرداته عَن الشَّافِعِي إِن قيل بِالشَّهَادَتَيْنِ فَمَا زَالَ ناطقا بهما لم يرجع عَنْهُمَا وَإِن كَانَ بِالصَّلَاةِ فَصلَاته مَعَ كفره لَا تصح فَكيف يعود بهَا إِلَى الْإِسْلَام

قَالَ ابْن عقيل الْجَواب لَيْسَ لنا كلمة تحكي مَا فِي نَفسه من الايمان إِلَّا الشهادتان وَلَيْسَ بقوله لَهَا حِين ترك الصَّلَاة وَلَا يعْمل بهَا إِذا تَابَ وَنَدم وَهَذَا الَّذِي نسلكه مَعَ الزنديق فِي قبُول تَوْبَته فَإِنَّهُ يتظاهر بِالْإِسْلَامِ حَتَّى يكون مُؤديا ثمَّ إِذا تَابَ قبلت تَوْبَته وأعدناه إِلَى الْإِسْلَام بِنَفس الْكَلِمَتَيْنِ لَا غير لما ذكرنَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الأصوب أَنه يصير مُسلما بِنَفس الصَّلَاة من غير احْتِيَاج إِلَى إِعَادَة الشَّهَادَتَيْنِ لِأَن هَذَا كفره بالامتناع من الْعَمَل ككفر إِبْلِيس بترك السُّجُود وَكفر تَارِك الزَّكَاة بمنعها والمقاتلة عَلَيْهَا لَا بِكُفْرِهِ بسكوت فاذا عمل صَار مُسلما كَمَا أَن المكذب إِذا صدق صَار مُسلما وَمثل هَذَا الْكَافِر تصح صلَاته كَمَا أَن المكذب تصح شَهَادَته فَإِن صلَاته هِيَ تَوْبَته من الْكفْر أما تصييره مُسلما على أصلنَا بِالصَّلَاةِ فَظَاهر فَإِن الْكَافِر الْأَصْلِيّ وَالْمُرْتَدّ بالتكذيب لَو صلى حكم بِإِسْلَامِهِ وَإِنَّمَا الْكَلَام فِي صِحَة صلَاته قبل تَجْدِيد الشَّهَادَتَيْنِ وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي الْمُرْتَد لَا سِيمَا وَالْكَافِر يصير مُسلما بِالشَّهَادَةِ لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ بالرسالة لتضمن ذَلِك الشَّهَادَة بِالتَّوْحِيدِ وَأَيْضًا فَلَو قَالَ أَنا مُسلم صَار مُسلما وَمَا ذكره فِي الزنديق فالأشبه أَيْضا أَن الزنديق إِذا قبلت تَوْبَته فَلَا بُد من أَن يذكر أَنه تائب مِنْهَا فِي الْبَاطِن وَإِن لم يقل فَلَعَلَّ بَاطِنه تغير انْتهى كَلَامه وَكَلَام ابْن عقيل يَقْتَضِي الحكم بِإِسْلَامِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَقَط كَمَا يَكْتَفِي بهما فِي الزنديق فَيكون كالبينة أَولا فَظهر من هَذَا ثَلَاثَة أَقْوَال بِالصَّلَاةِ أم بِالشَّهَادَتَيْنِ أم بهما

وَقَول الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالْمَسْأَلَة مَذْكُورَة فِي الْمُرْتَد قَالَ فِي الْمُرْتَد الْأَصْلِيّ وَهل صلَاته صَحِيحَة قَالَ القَاضِي الصَّلَاة بَاطِلَة وَيحكم بِإِسْلَامِهِ بهَا كالشهادتين إِذا وجدتا حكمنَا بِإِسْلَامِهِ بهما وَلَا يسْتَدلّ بهما على إِسْلَام سَابق وَقَالَ أَبُو الْخطاب هِيَ صَلَاة صَحِيحَة مجزئه فِي الظَّاهِر لأَنا نستدل بِفِعْلِهَا على أَنه كَانَ مُعْتَقدًا للاسلام قبلهَا ثمَّ أورد على نَفسه أَن الإِمَام أَحْمد نَص على أَن الْمُؤْتَم بِهِ يُعِيد فَقَالَ الأصوب أَنه قَالَ بعد الْفَرَاغ إِنَّمَا فعلتها وَقد اعتقدت الْإِسْلَام قُلْنَا صلَاته صَحِيحَة وَصَلَاة من خَلفه وَإِن قَالَ فعلتها تهزؤا قبلنَا فِيمَا عَلَيْهِ من إِلْزَام الْفَرَائِض وَلم نقبل مِنْهُ فِيمَا يؤثره من دينه وَلِأَن أَحْمد قد قَالَ فِيمَن صلى خلف مُحدث يُعِيد وَلَا يعيدون والمحدث لَيْسَ فِي صلَاته كَذَلِك الْكَافِر لَا يكون فِي صَلَاة من خَلفه صحت صلَاته قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين شَرط الصَّلَاة تقدم الشَّهَادَة المسبوقة بِالْإِسْلَامِ فاذا تقرب بِالصَّلَاةِ يكون بهَا مُسلما وَإِن كَانَ مُحدثا وَلَا يَصح الائتمام لفقد شَرطه لَا لفقد الْإِسْلَام وعَلى هَذَا عَلَيْهِ أَن يُعِيدهَا انْتهى كَلَامه قَوْله بَاب الْأَذَان لم يذكر حكم رفع الصَّوْت بِالْأَذَانِ وَظَاهر مَا ذكره حُصُول الْأَذَان الْمَشْرُوع بِدُونِ رفع الصَّوْت وَالْمَعْرُوف فِي كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يسْتَحبّ رفع الصَّوْت بِالْأَذَانِ الظَّاهِر أَن مُرَادهم الْمُبَالغَة فِي الرّفْع بِحَيْثُ لَا يجْهد

نَفسه فَيكون على هَذَا لَو أذن سرا أَو رفع يَسِيرا لم يحصل الْأَذَان الْمَشْرُوع وَقد قطع بِأَن رفع الصَّوْت بِالْأَذَانِ للْجَمَاعَة غير الْحَاضِرين زَاد فِي الرِّعَايَة أَو الصَّحرَاء ركن فِيهِ لِأَنَّهُ الْمَقْصُود بِالْأَذَانِ فان أذن لنَفسِهِ أَو لجَماعَة حاضرين فَإِن شَاءَ رفع صَوته قَالَ بَعضهم وَهُوَ أفضل وَإِن شَاءَ خَافت بِالْكُلِّ أَو بِالْبَعْضِ وَالْأَفْضَل رفع مِقْدَار طاقته وَلَا يجْهد نَفسه لِئَلَّا ينضر وَيَنْقَطِع صَوته وَعنهُ التَّوَسُّط أفضل انْتهى كَلَامه قَالَ القَاضِي قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة يرفع صَوته مَا اسْتَطَاعَ قَالَ الْمَيْمُونِيّ رَأَيْت ابْن حَنْبَل وَهُوَ يُؤذن صَوتا بَين الصوتين وَكَانَ إِلَى خفض الصَّوْت أقرب قَالَ وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يرفع رفعا يخرج عَن طبعه قَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل رجل ضَعِيف الصَّوْت لَا يرفع صَوته وَلَا يخرج من الْمَسْجِد إِذا كَانَ يسمع أهل الْمَسْجِد وَالْجِيرَان فَلَا بَأْس قَالَ القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَنه إِذا لم يسمع الْجِيرَان لم يصب سنة الْأَذَان وَذَلِكَ لِأَن الْقَصْد من الْأَذَان الْإِعْلَام وَدُعَاء النَّاس إِلَى الصَّلَاة وَلِهَذَا الْمَعْنى لم يُؤذن للثَّانِيَة من صَلَاتي الْجمع وَمن الْفَائِتَة لِأَنَّهُ لَا حَاجَة إِلَى جمع النَّاس لأَنهم قد اجْتَمعُوا للأولة فَإِذا لم يسمع الْجِيرَان لم يُوجد الْمَقْصُود فَلم يكن مسنونا فَإِن أذن لنَفسِهِ جَازَ لَهُ أَن يسر لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْهُ الْإِعْلَام انْتهى كَلَامه قَوْله وَيجْعَل إصبعيه فِي أُذُنَيْهِ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل وروى جمَاعَة عَنهُ أَنه كَانَ يفعل ذَلِك فَإِن اقْتصر على وَاحِدَة كفى قَالَه القَاضِي وَقَالَ رَأَيْت أَبَا عبد الله إِذا أذن يضع إصبعه على أُذُنَيْهِ فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَلَعَلَّ جَعْفَر بن مُحَمَّد قَالَ رَأَيْت أَبَا عبد الله أذن وَوضع أَصَابِعه على أُذُنَيْهِ فِي

الْأَذَان وَالْإِقَامَة وَكَذَلِكَ نقل حَنْبَل وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب أحب أَن يَجْعَل يَدَيْهِ على أُذُنَيْهِ على حَدِيث أبي مَحْذُورَة وَضم أَصَابِعه الاربع وَوضع على أُذُنَيْهِ قَوْله وَيشْتَرط للأذان التَّرْتِيب والموالاة ظَاهر مَا ذكره أَنه لَا يشْتَرط للأذان غير ذَلِك وَالنِّيَّة شَرط لَهُ فَلَو أذن غافلا أَو سَاهِيا أَو لاهيا وَنَحْو ذَلِك لم يَصح أَذَانه وَظَاهر مَا ذكره شرطا للأذان أَنه لَا يشْتَرط للاقامة وَلَيْسَ كَذَلِك بل هُوَ شَرط لَهَا وَكَذَا يُبْطِلهَا مَا يُبطلهُ وَغير ذَلِك وَقَوله فِي الرِّعَايَة وَيعْتَبر للأذان النِّيَّة قلت وَكَذَا للاقامه فَلَيْسَ هَذَا قَوْله وَحده بل هُوَ قَول غَيره وَإِنَّمَا خص الْأَذَان بِالذكر لِأَن الْإِقَامَة تبع لَهُ فِي الْأَحْكَام إِلَّا فِيمَا يُخَالِفهُ كإحدارها قَوْله وَيسن لمن سمع الْمُؤَذّن أَن يَقُول إِلَى آخِره فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي سعيد مَرْفُوعا إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول وَظَاهر الْأَمر على

الْوُجُوب وَقد قَالَ بِهِ هُنَا بعض الْعلمَاء وَأَكْثَرهم على الِاسْتِحْبَاب كَقَوْلِنَا وَقد ورد مَا يُؤْخَذ مِنْهُ صرفه عَن ظَاهره وَهُوَ مَا رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم مُسلم عَن أنس أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يُغير إِذا طلع الْفجْر وَكَانَ يستمع الْأَذَان فَإِن سمع أذانا أمسك وَإِلَّا أغار فَسمع رجلا يَقُول الله أكبر الله أكبر فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْفطْرَة ثمَّ قَالَ أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله فَقَالَ خرجت من النَّاس النَّار وَقد نَص الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم وَغَيره على أَنه لَا يجب إِجَابَة الْمُؤَذّن قَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير وَذَلِكَ أَنه لَا يَخْلُو إِمَّا أَن الْأَذَان فِي حق الْمُؤَذّن وَاجِب أَو تطوع فَإِن كَانَ وَاجِبا فِي حَقه فَلَيْسَ بِوَاجِب على غَيره لِأَنَّهُ فرض على الْكِفَايَة وَإِن كَانَ تَطَوّعا فَأولى أَن يكون على السَّامع تَطَوّعا انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر لِأَن الْإِجَابَة لَيست بِأَذَان ليَكُون وُجُوبهَا مقتضيا وجوب الْأَذَان على الْأَعْيَان وَقد يكون الشَّيْء تَطَوّعا وَيجب رده بِدَلِيل ابْتِدَاء السَّلَام ورده والمؤذن يسْتَحبّ لَهُ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول فِي حَقه نَص عَلَيْهِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب يَقُول خُفْيَة مثل مَا يَقُوله من يستمعه وَعَن الإِمَام أَحْمد أَنه كَانَ إِذا أذن فَقَالَ كلمة من الْأَذَان قَالَ مثلهَا سرا وَلَو قَالَ فِي الْمُحَرر وَيسْتَحب لمن سمع الْأَذَان كَانَ أدل على حكم هَذِه الْمَسْأَلَة وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام الْأَصْحَاب أَنه يُكَرر قَوْله مثل مَا يَقُول

الْمُؤَذّن بِتَكَرُّر سَماع الْأَذَان للصَّلَاة الْوَاحِدَة وَفِي الْمَسْأَلَة قَولَانِ للْعُلَمَاء وَيَنْبَغِي تَقْيِيد الْأَذَان الثَّانِي بِكَوْنِهِ مَشْرُوعا وَذَلِكَ لظَاهِر حَدِيث أبي سعيد الذُّكُور وَلِأَن الظَّاهِر من حَال السامعين أَذَان ابْن أم مَكْتُوم إجابتهم لَهُ بعد سماعهم أَذَان بِلَال وإجابتهم لَهُ وَلِأَنَّهُ أَذَان مَشْرُوع فاستحب إجَابَته كالأذان الأول وكالأذانين لصلاتي وَقْتَيْنِ وَصفَة إجابه الْأَذَان مَا ذكره هُنَا عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب لِأَن فِي حَدِيث عمر فَإِذا قَالَ حَيّ على الصَّلَاة قَالَ لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه رَوَاهُ مُسلم وَهُوَ أخص من حَدِيث أبي سعيد فَيقدم قَالَ فِي المغنى أَو يجمع بَينهمَا وَحكى المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة اسْتِحْبَاب الْجمع بَينهمَا عَن بعض الْأَصْحَاب وَقَالَ الْخرقِيّ وَجَمَاعَة يسْتَحبّ لمن سمع الْمُؤَذّن أَن يَقُول كَمَا يَقُول وَلم يستثنوا شَيْئا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام غير وَاحِد أَنه يَقُول الصَّلَاة خير من النّوم كَقَوْل الْمُؤَذّن وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه لَا يَقُوله بل يَقُول صدقت وبالحق نطقت وَنَحْوه وعَلى الْوَجْه الآخر يجمع بَينهمَا وعَلى غَيره يَقُول صدقت وبررت وَهل يَقُوله مَعَه فِيهِ وَجْهَان وَقَوله فِي كلمة الْإِقَامَة أَقَامَهَا الله وأدامها لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُوله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف زَاد جمَاعَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض قَالَ فِي التَّلْخِيص الحبير وَهل يَقُول كَمَا يَقُول مَعَ ذَلِك فِيهِ وَجْهَان وَيَقُول كل ذَلِك خُفْيَة

وَظَاهر كَلَامه إِنَّه إِذا سمع الْأَذَان وَهُوَ يقْرَأ قطع الْقِرَاءَة وأجابه فَإِذا فرغ عَاد إِلَيْهَا لِأَنَّهَا لَا تفوت وَهَذَا صَحِيح قَالَ المُصَنّف وَغَيره وَكَذَا إِذا دخل الْمَسْجِد والمؤذن يُؤذن وَافقه ثمَّ أَخذ فِي التَّحِيَّة نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهَا لَا تفوت بِالتَّأْخِيرِ الْيَسِير وَعلل غَيره بِأَن فِيهِ جمعا بَين الفضيلتين وَعنهُ لَا بَأْس وَظَاهر كَلَامه أَن الْقَاعِد لَا يقوم للصَّلَاة بل يشْتَغل بالإجابة حَتَّى يفرغ الْأَذَان وَهَذَا صَحِيح قَالَ بَعضهم وَلَا يقوم الْقَاعِد حَتَّى يفرغ أَو يقرب فَرَاغه نَص الإِمَام أَحْمد على معنى ذَلِك لِأَن الشَّيْطَان ينفر حِين يسمع الْأَذَان وَظَاهر كَلَامه أَيْضا أَنه إِن سَمعه فِي الصَّلَاة أَجَابَهُ وَلَيْسَ كَذَلِك لم أجد فِيهِ خلافًا وَأَن الأولى أَن يكف عَن الْإِجَابَة ويشتغل بِصَلَاتِهِ لِأَن فِي الصَّلَاة شغلا قَالَ جمَاعَة فَإِذا فرغ من الصَّلَاة أَجَابَهُ فَإِن أَجَابَهُ بجيعلة بطلت لِأَنَّهُ خطاب آدَمِيّ وَإِلَّا لم تبطل لِأَنَّهُ ذكر وثناء على الله تَعَالَى مَشْرُوع مثله فِيهَا وَقد ذكر طَائِفَة كَابْن الْجَوْزِيّ أَنه إِذا أَتَى بقول مَشْرُوع فِي غير مَوْضِعه عمدا هَل تبطل صلَاته على وَجْهَيْن وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا فِي الذّكر كَمَا ذكر غَيره قَالَ وَإِن ذكر الحيعلة وَعلم أَنَّهَا دُعَاء إِلَى الصَّلَاة بطلت وَإِن لم يعلم فَهُوَ ككلام الساهي فِي الصَّلَاة وَفِيه رِوَايَتَانِ ثمَّ قَالَ وَهَذَا إِذا نوى بِهِ الذّكر فَإِن نوى بِهِ الْأَذَان وَإِقَامَة الشعار والإعلام بِدُخُول الْوَقْت بطلت وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا أَنه يجِيبه على قَضَاء الْحَاجة وَالظَّاهِر أَن هَذِه الصُّورَة تَحْتَهُ وَهَذَا أولي وَإِذا سقط رد السَّلَام فِي هَذِه الْحَال مَعَ وُجُوبه فَهَذَا أولى وَفِيه نظر لكَرَاهَة الْبدَاءَة بِالسَّلَامِ فِي هَذِه الْحَال وَقد ذكر غير وَاحِد أَنه لَو عطس وَهُوَ على قَضَاء الْحَاجة حمد الله وَذكر غير وَاحِد رِوَايَة أَنه يحمد

فصل

لفظا ومسألتنا تشبه هَذِه وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب وَكَذَلِكَ يخرج فِي إِجَابَة الْمُؤَذّن وَيتَوَجَّهُ على قَوْلنَا لَا يجِيبه فِي هَذِه الْحَال أَن يجِيبه وَحدهَا فصل ذكر هُوَ وَغَيره أَن ستر الْعَوْرَة شَرط وَذكروا مِقْدَار الْعَوْرَة وَالْخلاف فِيهَا وَكَلَامهم يَقْتَضِي أَنه يجب سترهَا من جَمِيع الْجِهَات وَصرح بِهِ بَعضهم لعُمُوم الْأَدِلَّة وَحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع وَغَيره وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يُجزئهُ ستر الْعَوْرَة بِمَا قابلها وَلَا اعْتِبَار بالطرفين من فَوق وأسفل فَإِن السّتْر من أَسْفَل الْإِزَار والذيل لَا يجب فَكَذَلِك من فَوق قِيَاسا لأحد الطَّرفَيْنِ على الآخر قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي فِي شرح الْهِدَايَة بعد أَن ذكر هَذَا عَن أبي حنيفَة وَاحْتج بِحَدِيث سَلمَة فِي رده قَالَ فالمرعى فِي السّتْر من الجوانب وَمن فَوق أما من أَسْفَل فَلَا يُمكن الِاطِّلَاع عَلَيْهِ إِلَّا بمعاناة وتكلف فَإِن وقف على طرف سطح وَلَيْسَ عَلَيْهِ سوى قَمِيص وَاحِد وَهُوَ معرض للرياح تعبث بذيله فَفِيهِ للفكر مجَال وَالْأَظْهَر عدم الْجَوَاز ليستتر النّظر فَأشبه فَوق لِأَنَّهُ لَا يعد ساترا فِي الْعرف أصلا إِلَّا أَن يكون الذيل ملتفا بالساق انْتهى كَلَامه فقد ظهر من هَذَا أَنه هَل يجب ستر الْعَوْرَة من أَسْفَل أم لَا يجب أم يفرق بَين يسير النّظر وَعَدَمه فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال قَوْله وكل الْحرَّة عَورَة إِلَى آخِره أطلق وَلم يُقيد وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن المراهقة كالأمة وَاحْتج لَهُ وَقطع بِهِ أبن تَمِيم أَيْضا وَقطع بِهِ فِي المغنى فِي كتاب النِّكَاح وَاحْتج بِمَا احْتج بِهِ المُصَنّف وَنَحْوه وَقَالَ عَن الْعَوْرَة

فِي النّظر يحْتَمل أَن يكون حكمهَا حكم ذَوَات الْمَحَارِم كَقَوْلِنَا فِي الْغُلَام الْمُرَاهق وَكَلَام كثير من الْأَصْحَاب يقتضى أَنَّهَا كالبالغة فِي عَورَة الصَّلَاة كَمَا نقُول فِي الْمُرَاهق والمراهقة انهما كالبالغين فِي عَورَة النِّكَاح فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَوْله وَمن صلى فِي ثوب غصب أَو حَرِير أَو بقْعَة غصب لم يُجزئهُ وَعنهُ يحزئه مَعَ التَّحْرِيم هَذِه الرِّوَايَة ذكر فِي الْوَسِيلَة أَنَّهَا اخْتِيَار الْخلال وَهِي مَذْهَب الثَّلَاثَة وتعليل الْمَسْأَلَة مَشْهُور وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن النَّافِلَة تخرج صِحَّتهَا على الرِّوَايَتَيْنِ مَعَ أَن كَلَام صَاحب الْمُحَرر وَغَيره أَعم وَقد جعل المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الصَّلَاة فِي الستْرَة النَّجِسَة أصلا لعدم صِحَة الصَّلَاة فِي الستْرَة الْمَغْصُوبَة وَكَذَا جعل الصَّلَاة فِي الْموضع النَّجس أصلا لعدم صِحَّتهَا فِي الْموضع الْمَغْصُوب بِجَامِع التَّحْرِيم وَقد ذكر ابْن الزَّاغُونِيّ الرِّوَايَتَيْنِ فِي إِعَادَة الْفَرْض وَقَالَ فَإِن قُلْنَا لَا يُعِيد صلى النَّافِلَة وَإِن قُلْنَا يُعِيد لم يصلها لِأَن الْمَقْصُود شغل الْوَقْت كَمَا نقُول فِيمَن لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا وَذكر غَيره أَن الْفَرْض وَالنَّفْل سَوَاء وَقيل يَصح النَّفْل

وَذكر أَبُو الْخطاب فِي بحث الْمَسْأَلَة أَن النَّافِلَة لَا تصح بالِاتِّفَاقِ فَهَذِهِ ثَلَاث طرق فِي النَّفْل وَقد عرف من هَذَا أَنه هَل يُثَاب على الْفَرْض إِذا صححناه على قَوْلَيْنِ وَذكر القَاضِي فِي بحث مَسْأَلَة وُصُول القربات إِلَى الْمَيِّت أَنه لَا يُثَاب على الْفَرْض إِذا صححناه على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَكَذَا عِنْد الْمُخَالف قَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ قَالَ جَمَاهِير أَصْحَابنَا إِن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة صَحِيحَة لَا ثَوَاب فِيهَا وَرَأَيْت فِي فتاوي أبي نصر بن الصّباغ الَّتِي نقلهَا عَنهُ ابْن أَخِيه القَاضِي أَبُو مَنْصُور قَالَ الْمَحْفُوظ من كَلَام أَصْحَابنَا بالعراق أَن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة صَحِيحَة يسْقط بهَا الْفَرْض وَلَا ثَوَاب فِيهَا قَالَ أَبُو مَنْصُور وَرَأَيْت أَصْحَابنَا بخراسان اخْتلفُوا فَمنهمْ من قَالَ لَا تصح الصَّلَاة قَالَ وَذكر شَيخنَا فِي الْكَامِل أَنه يَنْبَغِي أَن تصح وَيحصل الثَّوَاب على الْفِعْل فَيكون مثابا على فعله عَاصِيا بالْمقَام فِي الْمَغْصُوب فَإِذا لم يمْتَنع من صِحَّتهَا لم يمْتَنع من حُصُول الثَّوَاب قَالَ أَبُو مَنْصُور وَهَذَا هُوَ الْقيَاس على طَرِيق من صححهما وَالله أعلم وَيعرف من كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه حَيْثُ أُبِيح اسْتِعْمَال ذَلِك أَن الصَّلَاة تصح وَقد صرح بِهِ غَيره وَظَاهره أَنه لَو انْتَفَى التَّحْرِيم لعَارض جهل أَو نِسْيَان أَن صلَاته تصح وَفِيه رِوَايَة أَنَّهَا لَا تصح وَظَاهره أَنه لَا فرق بَين الْعَالم بِالنَّهْي وَغَيره وَفِيه رِوَايَة بالتفرقة وَقد ذكر ابْن تَمِيم وَجها غَرِيبا بَعيدا أَن صلَاته فِي ذَلِك تصح مَعَ الْكَرَاهَة

فرع

وَهُوَ ظَاهر كَلَام السامري وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه لَا فرق بَين أَن يَلِي الْمحرم عَوْرَته أَولا وَهُوَ أشهر الْوَجْهَيْنِ وتخصيصه الصَّلَاة يدل على أَن غَيرهَا لَيْسَ كَذَلِك وَهُوَ الْمَشْهُور وَقَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ لَو عقد البيع وَالنِّكَاح فِي مَوضِع غصب فَقَالَ الْمُخَالف يَصح ملزما فَقَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ لَا نسلم هَذَا ونقول البيع وَالنِّكَاح وَسَائِر الْعُقُود الشَّرْعِيَّة بَاطِلَة لِأَنَّهُ قد نقل يَعْقُوب بن بختان عَن الإِمَام أَحْمد وَسُئِلَ إِذا اكترى دكانا غصبا وَهُوَ لَا يعلم فَمَا الَّذِي يصنع بِمَا اشْترى مِنْهُ قَالَ يردهُ فِي الْموضع الَّذِي أَخذه مِنْهُ قَالَ وَإِن سلمنَا ذَلِك فالمكان لَيْسَ بِشَرْط فِيهَا بِخِلَاف الصَّلَاة وَهَذَا معنى مَا ذكر أَبُو الْخطاب وَصرح بِالزَّكَاةِ وَالصَّوْم فِي الْمَكَان الْغَصْب وَكَذَا صرح غَيره بِالْأَذَانِ فرع يُؤْخَذ من كَلَام صَاحب الْمُحَرر وَغَيره أَنه لَو طُولِبَ بوديعة وَشبههَا فصلى قبل الْأَدَاء مَعَ الْقُدْرَة أَن صلَاته تصح وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من كَلَام ابْن الزَّاغُونِيّ فِي أصُول الْفِقْه قَالَ حكى عَن الْمُخَالف أَظُنهُ شافعيا أَنه لَو طُولِبَ بالوديعة أَو الْغَصْب فصلى قبل الْأَدَاء صَحَّ فَرْضه دون نفله قَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ اتّفق أَصْحَابنَا فِي هَذِه الْحَال على التَّسْوِيَة بَين الْفَرْض وَالنَّفْل وَاخْتلفُوا بعد ذَلِك فِي الحكم فَقَالَت طَائِفَة لَا يَصح مِنْهُ الْفَرْض وَلَا

النَّفْل وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ يَصح مِنْهُ الْفَرْض وَالنَّفْل لِأَن النَّهْي لَا يتَعَلَّق بِشَرْط وَلَا ركن وعَلى هَذَا فَالصَّلَاة قربَة ويثاب عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ ذكر فِي النَّافِلَة عِنْد تضيق وَقت الْفَرْض وَجْهَيْن انْتهى كَلَامه وَهَذِه الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة تشبه مَا لَو اشْتغل بِالْقضَاءِ حَيْثُ قُلْنَا لَا يجوز الِاشْتِغَال بِهِ وَالَّذِي نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد أَن الصَّلَاة تصح وَقيل لَا تصح كَذَا ذكره غير وَاحِد قَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ فَإِن قُلْنَا بِوُجُوب التَّرْتِيب مَعَ ضيق الْوَقْت فَإِن اشْتغل بِالْأَدَاءِ حكمنَا بِبُطْلَانِهِ وَيخرج فِي مَسْأَلَة من طُولِبَ بوديعة قَول ثَالِث من صَلَاة الْآبِق بِصِحَّة الْفَرْض فَقَط وَقِيَاس القَوْل بِعَدَمِ صِحَة الصَّلَاة فِي هَذِه الْمسَائِل أَنه لَا تصح صَلَاة من طُولِبَ بدين يقدر على وفائه وَلَا عذر وَكَذَا صَلَاة من وَجَبت عَلَيْهِ الْهِجْرَة فَلم يُهَاجر وَكَذَا صَلَاة من صلى حَامِلا لشَيْء مَغْصُوب وَمِمَّا يُؤَيّد هَذَا أَن الصَّلَاة تصح مَعَ عِمَامَة حَرِير أَو تكة حَرِير أَو مَغْصُوبَة وَخَاتم ذهب وخف حَرِير فِي الْمَشْهُور قطع بِهِ بَعضهم وقاسه على مَا لَو صلى وَفِي جيبه دَرَاهِم مَغْصُوبَة فَدلَّ على الْمُسَاوَاة وَاعْتذر المُصَنّف عَن صِحَة صَلَاة من وَجَبت عَلَيْهِ الْهِجْرَة فِي دَار الْحَرْب فَقَالَ إِنَّمَا صحت لِأَن الْمحرم عَلَيْهِ مَا يفوت من فروض الدّين بترك الْهِجْرَة

فصل فرع

الْمَقْدُور عَلَيْهَا لَا نفس الْمقَام وَمُطلق التَّصَرُّف فِيهِ فَهُوَ كمن صلى فِي ملكه وَعَلِيهِ فروض لَا يُمكن أَدَاؤُهَا إِلَّا بِخُرُوجِهِ مِنْهُ فصل فرع لَو غصب مَسْجِدا فَهَل يضمنهُ بذلك الْمَشْهُور أَنه لَا يضمنهُ وَسَيَأْتِي فِي بَاب الْغَصْب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَهل تصح صلَاته كَلَامه فِي الْمُحَرر يصدق على هَذِه الصُّورَة تكن هِيَ نادرة وَقَالَ ابْن عقيل وَتَبعهُ على ذَلِك جمَاعَة إِن أَزَال الْآلَة الدَّالَّة على كَونه مَسْجِدا كَانَ كَسَائِر الغصوب فِي صِحَة الصَّلَاة فِيهِ رِوَايَتَانِ وَإِن لم يُغير هيأته لَكِن منع النَّاس الصَّلَاة فِيهِ فاحتمالان أَحدهمَا تصح قدمه الشَّيْخ وجيه الدّين وَصَاحب الرِّعَايَة لِأَن حركته فِيهِ وَصلَاته لَيْسَ بغاصب وَلَا آثم وَإِنَّمَا هُوَ آثم بِمَنْع النَّاس وَالثَّانِي لَا تصح كَمَا لَو تغلب على أَمْلَاك النَّاس وكما لَو غصب ستارة الْكَعْبَة وَصلى فِيهَا أَو حصر الْمَسْجِد وَصلى عَلَيْهَا قَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ لَو زحم رجلا عَن مَوْضِعه فِي الْمَسْجِد فَهَل تصح صلَاته على وَجْهَيْن أشهرهما فِي الْمَذْهَب أَنَّهَا تصح لِأَن الْموضع مُشْتَرك الْحق بَينهمَا فَإِن أزاله عَمَّا اسْتَحَقَّه بسبقه إِلَيْهِ جلس فِيهِ وَصلى بِحقِّهِ الَّذِي شَاركهُ فِيهِ فَخرج بِهَذَا عَن أَن يكون غصبا

فرع

فرع هَل تصح صَلَاة من غصب نَفسه وَهُوَ العَبْد الْآبِق قَالَ ابْن عقيل فِي الْفُصُول تصح صلَاته لِأَن العَبْد فِي أَوْقَات الصَّلَاة لَيْسَ لسَيِّده عَلَيْهِ حجر فَهُوَ مُسْتَثْنى فَصَارَ كَصَلَاة الْحر إِذا صلى فِي بَيت يملكهُ فِي دَار غصبهَا فَإِنَّهُ يَصح كَذَلِك صَار ظَاهره أَن النَّافِلَة لَا تصح وَذكر فِي كِتَابه الْوَاضِح هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ آخر كَلَامه وَالَّذِي يتَحَقَّق غصبه لنَفسِهِ فِيهَا من الصَّلَاة تكون عندنَا بَاطِلَة وَهِي النَّافِلَة وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَقد ذكر أَصْحَابنَا أَن العَبْد لَا يجوز لَهُ التَّطَوُّع إِلَّا بِإِذن سَيّده وَأَنه إِن خَالف وَأحرم بِحَجّ صَحَّ لِأَنَّهَا عبَادَة بدنية كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْم وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْحَج من الْفُصُول وَيتَخَرَّج بطلَان إِحْرَامه بغصبه لنَفسِهِ فَيكون قد حج فِي بدن غصب فَهُوَ أوكد من الْحَج بِمَال غصب وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكره لكَلَام ابْن عقيل فِي الْوَاضِح لكنه غَاصِب للمكان الَّذِي حل فِيهِ مقَامه فِيهِ يحرم كمقام الْغَاصِب فِي ملك الْمَغْصُوب فبطلان الصَّلَاة أقوى انْتهى كَلَامه فَظهر من ذَلِك ثَلَاثَة أَقْوَال الثَّالِث يَصح الْفَرْض فَقَط وَنَظِير مَسْأَلَة العَبْد الْآبِق من أمره سَيّده بالذهاب إِلَى مَوضِع فخالفه وَأقَام وَهِي مَسْأَلَة من وَجَبت عَلَيْهِ الْهِجْرَة فَخَالف وَأقَام وَنَحْو ذَلِك

قَوْله وَلَا تصح الصَّلَاة فِي محجة الطَّرِيق تبع غَيره من الْأَصْحَاب على هَذَا الْإِطْلَاق لظَاهِر النَّهْي وَقطع فِي شرح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ إِذا كثر الْجمع واتصلت الصُّفُوف إِلَيْهِ أَن الصَّلَاة تصح فِيهِ لحَاجَة لِأَن الْمُصَلِّين يكثرون فِي الْجمع والجنائز والأعياد وَنَحْوهَا فيضطرون إِلَى الصَّلَاة فِي الطرقات وَهَذَا يدل على أَن الْإِطْلَاق غير مُرَاد عِنْده وَكَذَا قطع غَيره وَقطع بعض الْمُتَأَخِّرين كَابْن تَمِيم بِأَنَّهُ لَا بَأْس بطرق الأبيات القليلة

قَالَ فِي الْمُحَرر وإصابة عين الْكَعْبَة فرض من قرب مِنْهَا وَلم يفرق بَين أَن يكون ثمَّ حَائِل أم لَا وَالَّذِي قطع بِهِ غير وَاحِد أَنه إِن كَانَ ثمَّ حَائِل فَإِن كَانَ أَصْلِيًّا كجبل ففرضه الِاجْتِهَاد إِلَى عينهَا وَعنهُ إِلَى جِهَتهَا إِن تعذر الْيَقِين وَإِن كَانَ غير أُصَلِّي كالدور فَلَا بُد من الْيَقِين فَإِن تعذر اجْتهد وَنقل ابْن الزَّاغُونِيّ وَجَمَاعَة فِيهِ رِوَايَة أَن فَرْضه الِاجْتِهَاد وَهَذَا معنى قَول بَعضهم إِن كَانَ غَائِبا عَن الْكَعْبَة بِحَيْثُ يقدر على رؤيتها لكنه مستتر عَنْهَا بالمنازل والجدار فَهَل فَرْضه يَقِين الْقبْلَة أَو التَّوَجُّه إِلَيْهَا بِالِاجْتِهَادِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن قُلْنَا الْيَقِين فَأَخْطَأَ أعَاد وَإِلَّا فَلَا قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين إِذا كَانَ مَمْنُوعًا بِحَائِل من جبل أَو أكمة فَإِنَّهُ يستخبر من على ذَلِك الْحَائِل من المشاهدين هَذَا إِن كَانَ الْحَائِل من الْأَبْنِيَة المحدثة والجدران المستجدة لِأَنَّهُ لَو كلف حكم الْمُشَاهدَة لَأَدَّى إِلَى تَكْلِيفه بشئ يشق عَلَيْهِ ولأصحاب الشَّافِعِي وَجْهَان أَحدهمَا كمذهبنا فَلَا فرق بَين الْحَائِل الْمُحدث والأصلي وَهُوَ ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي وَالثَّانِي تجب عَلَيْهِ المعاينة وَذَلِكَ الْيَقِين فِي الْحَائِل الْمُحدث لِأَن ذَلِك فَرْضه قبل حُدُوث الْحَائِل وحدوث الْحَائِل لَا يُغير حكم الْموضع وَالْخَبَر يكون عَن مُشَاهدَة أَو عَن علم انْتهى كَلَامه وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع أما من فَرْضه المعاينة فَأن يكون فِي الْمَسْجِد الْحَرَام يُشَاهد الْكَعْبَة ويعاينها وَأما من فَرْضه الْإِحَاطَة وَالْيَقِين وَإِن لم يعاين فَهُوَ كمن كَانَ بِمَكَّة من أَهلهَا أَو من غَيرهَا لَكِن كثر مقَامه فِيهَا وَلكنه من دون

حَائِل عَن الْكَعْبَة لأمر أُصَلِّي الْخلقَة كالمنازل والتلول لِأَنَّهُ يتَمَكَّن من التَّوَجُّه إِلَى عينهَا قطعا وَإِن كَانَ من دون حَائِل وَهَكَذَا من كَانَ بِالْمَدِينَةِ ففرضه الْإِحَاطَة وَالْيَقِين لِأَنَّهُ يتَوَجَّه إِلَى محراب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيقطع على أَنه مُتَوَجّه إِلَى الْكَعْبَة وَأما من فَرْضه الْخَبَر فَمن خفى عَلَيْهِ التَّوَجُّه وَهُنَاكَ من يخبر عَن الْكَعْبَة عَن علم ويقين وَأما من فَرْضه التَّقْلِيد فَمن خفيت عَلَيْهِ الدَّلَائِل وَلم يتَوَصَّل إِلَى الْقبْلَة بِالدَّلِيلِ وَأما من فَرْضه الِاجْتِهَاد فَمن كَانَ من مَكَّة على مَسَافَة لَا يتَوَصَّل إِلَى المعاينة وَلَا يتَمَكَّن من الْإِحَاطَة وَالْيَقِين وَلَا مِمَّن يُخبرهُ عَن إحاطة ويقين فَأَما من كَانَ بِمَكَّة أَو بِالْقربِ مِنْهَا من دون حَائِل عَن الْكَعْبَة فَإِن كَانَ الْحَائِل كالجبال والتلول ففرضه الِاجْتِهَاد أَيْضا وَإِن كَانَ لَا من أصل خلقه كالمنازل ففرضه الْإِحَاطَة وَالْيَقِين وكل من قُلْنَا فَرْضه الْإِحَاطَة أَو الْيَقِين أَو الْخَبَر عمل عَلَيْهِ وكل من قُلْنَا فَرْضه الِاجْتِهَاد فَهَل عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي طلب الْعين أَو الْجِهَة على رِوَايَتَيْنِ وَذكر القَاضِي أَن الْمَشْهُور وَالصَّحِيح عَن الإِمَام أَحْمد أَن عَلَيْهِ الِاجْتِهَاد فِي طلب الْجِهَة وَأَن عَليّ بن سعيد قَالَ إِنَّه مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَكَذَا عِنْد غَيره من الْأَصْحَاب وَذكره القَاضِي وَغَيره الْفَائِدَة الَّتِي ذكرهَا فِي الْمُحَرر على الرِّوَايَتَيْنِ وَأَنه لَو اخْتلف اجْتِهَاد رجلَيْنِ فِي الْجِهَة الْوَاحِدَة لَكِن أَحدهمَا يمِيل يَمِينا وَالْآخر يمِيل شمالا فَهَل لأَحَدهمَا أَن يأتم بِالْآخرِ يَنْبَنِي على ذَلِك

قَوْله أَو من مَسْجِد الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لتيقن صِحَة قبلته لعدم إِقْرَاره على الْخَطَأ قَالَ ابْن عبد الْقوي وَفِي مَعْنَاهُ كل مَوضِع ثَبت أَنه صلى فِيهِ وَضبط جِهَته قَالَ وَكَذَلِكَ مَا اجْتمعت عَلَيْهِ الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كمحراب الْكُوفَة وَهَذَا فِيهِ نظر لأَنهم لم يجمعوا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا أجمع عَلَيْهِ طَائِفَة مِنْهُم وَلَا يحصل مَطْلُوبه

قَوْله وَيرْفَع يَدَيْهِ مَعَ التَّكْبِير يسْتَحبّ وَلَا يجب وَهُوَ من تَمام الصَّلَاة نَص الإِمَام على ذَلِك وَيُقَال لمن تَركه تَارِك السّنة فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهل يُقَال لتاركه مُبْتَدع قَالَ القَاضِي أطلق القَوْل بِأَن تَاركه مُبْتَدع فَقَالَ فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي مُوسَى وَقد سَأَلَهُ رجل خراساني إِن عندنَا قوما يأمرون بِرَفْع الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاة وقوما ينهون عَنهُ قَالَ لَا ينهاك إِلَّا مُبْتَدع فعل ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ القَاضِي وَالْوَجْه فِيهِ حَدِيث ابْن عمر أَنه كَانَ إِذا رأى مُصَليا لَا يرفع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة حصبه وَهَذَا مُبَالغَة وَلِأَن رفع الْيَدَيْنِ فِي تَكْبِيرَة الْإِحْرَام مجمع عَلَيْهِ هَكَذَا قَالَ ابْن الْمُنْذر قَالَ القَاضِي فَإِذا كَانَ مجمعا عَلَيْهِ فمنكره مُبْتَدع لمُخَالفَة الْإِجْمَاع وَهل يهجر من تَركه مَعَ الْعلم رُوِيَ عَن الإِمَام أَحْمد فِيمَن تَركه يخبر بِهِ فَإِن لم ينْتَه يهجر ذكره الْخلال وَهَذَا الهجر على سَبِيل الْجَوَاز والاستحباب لعدم وجوب الْمَتْرُوك وَيَنْبَغِي أَن يكون هَذَا النَّص بالهجر وَالنَّص بِأَنَّهُ مُبْتَدع بِنَاء على النَّص بِأَنَّهُ تَارِك للسّنة فَأَما على النَّص الآخر أَنه لَا يكون تَارِكًا للسّنة فَلَا يهجر وَلَا يبدع فعلى هَذَا يكون فِي الْمسَائِل الثَّلَاث رِوَايَتَانِ

قَوْله فِي الْفَاتِحَة إِنَّه يقْرؤهَا أطلق الْقِرَاءَة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يجب تصوت الإِمَام وَالْمُنْفَرد وَالْمَأْمُوم بِكُل قَول وَاجِب قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأكْثر الْحَنَفِيَّة لِأَنَّهُ لَا يكون كَامِلا بِدُونِ الصَّوْت إِنَّمَا هُوَ مُجَرّد حَرَكَة وَنِيَّة بِلَا حُرُوف كل أحد يعلم صِحَة ذَلِك من نَفسه وَالصَّوْت مَا يَتَأَتَّى سَمَاعه وَأقرب السامعين إِلَيْهِ نَفسه حَتَّى لَو لم يسمعهُ لم يحصل علم وَلَا ظن بِحُصُول شَرط الصَّلَاة فَإِن كَانَ ثمَّ مَانع كطرش وصمم اعْتبر قدر مَا يسمع نَفسه لَو عدم ذَلِك كَمَا يحصل الإِمَام سنة الْجَهْر إِذا لم يسمع من خَلفه لمَانع بِقدر مَا يسمعونه لَوْلَا الْمَانِع وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه يَكْفِي مُحَصل الْحُرُوف وَإِن لم يسمع نَفسه وَهُوَ قَول الْكَرْخِي الْحَنَفِيّ فَإِن أسمع نَفسه فَهُوَ عِنْد الْكَرْخِي أدنى الْجَهْر قَوْله وَجمع سور فِي الْفَرْض تبع بَعضهم على هَذَا التَّقْدِيم وَتَبعهُ أَيْضا بَعضهم وَهُوَ أَجود من تَقْدِيم غير وَاحِد الْكَرَاهَة وَذكر القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير أَن الْجَوَاز أصح الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ نقل ذَلِك الْجَمَاعَة صرح بِأَنَّهُ لَا بَأْس فِي الْفَرِيضَة فِي رِوَايَة ابنيه وحنبل وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب فِي الرجل يصلى بِالنَّاسِ يقْرَأ سورتين فِي رَكْعَة قَالَ نعم قَوْله وَيكرهُ قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي الَّذِي يجمع بَين السُّور فِي

رَكْعَة قَالَ لَا بَأْس بِهِ فِي التَّطَوُّع وَأما فِي الْفَرِيضَة فَلَا وَعَن الإِمَام أَحْمد يكره المداومة وَلَا يكره ذَلِك فِي النَّفْل وَقيل يكره وَهُوَ غَرِيب بعيد وَدَلِيل الْمَسْأَلَة مَشْهُور قَوْله وَلَا قِرَاءَة على الْمَأْمُوم قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي غير مَوضِع وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جَامعه وَاخْتَارَ الإِمَام أَحْمد الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَأَن لَا يتْرك الرجل فَاتِحَة الْكتاب وَإِن كَانَ خلف الإِمَام وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي تَارِيخه سَمِعت أَبَا زَكَرِيَّا يحيى بن مُحَمَّد العكبري سَمِعت ابراهيم بن أبي طَالب سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن الْقِرَاءَة فِيمَا يجْهر بِهِ الإِمَام فَقَالَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد عَن شَيْخه الْحَاكِم وَقَالَ كَأَنَّهُ رَجَعَ إِلَى هَذَا القَوْل كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ الشَّافِعِي فَقَالَ يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب وَإِن جهر الإِمَام وَحَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على صِحَة مَا رجعا إِلَيْهِ هَذَا كَلَامه وَوجه هَذَا القَوْل عُمُوم الْأَدِلَّة الدَّالَّة على وجوب الْفَاتِحَة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب فَإِنَّهَا عَامَّة فِي الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَالْمُنْفَرد فِي خُصُوص فَاتِحَة الْكتاب فَيعْمل بعمومها فِي خُصُوص مَا وَردت فِيهِ إِلَى أَن يرد دَلِيل تَخْصِيص وَالْأَصْل عَدمه وَقد اعْتمد فِي التَّخْصِيص على قَوْله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} نقل الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد الْإِجْمَاع على أَنَّهَا فِي الصَّلَاة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَإِذا قَرَأَ فأنصتوا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَصَححهُ هُوَ وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من كَانَ لَهُ إِمَام فقراءته لَهُ قِرَاءَة وَالصَّحِيح عِنْد الْحفاظ أَنه مُرْسل وَهَذَا الْمُعْتَمد عَلَيْهِ إِنَّمَا يدل على خُصُوص الْمَأْمُوم وَلَا دلَالَة فِيهِ على خُصُوص الْقِرَاءَة وَلَا مُعَارضَة بَينه وَبَين مَا قبله أما لَو دلّ على خُصُوص الْمَأْمُوم

وخصوص الْقِرَاءَة كَانَ مُعْتَمدًا صَحِيحا فِي التَّخْصِيص وَهَذَا عِنْد التَّأَمُّل على النّظر الصَّحِيح واعتمدوا على قِيَاس وَهُوَ أَنه مَأْمُوم صَحَّ اقْتِدَاؤُهُ بإمامه فِي رَكْعَة فَلم تلْزمهُ قرَاءَتهَا كَمَا لَو أدْركهُ رَاكِعا وَقد ثَبت الأَصْل بِحَدِيث أبي بكرَة وأصل هَذَا الْقيَاس وَهُوَ الْمَسْبُوق الْمدْرك للرُّكُوع إِن قيل لَا تسْقط عَنهُ الْفَاتِحَة كَمَا هُوَ قَول طَائِفَة من الْعلمَاء وَاخْتَارَهُ من الشَّافِعِيَّة ابْن خُزَيْمَة وَصَاحبه أَبُو بكر الضبعِي فَهُوَ مَمْنُوع وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه لَا تدْرك الرَّكْعَة بِإِدْرَاك الرُّكُوع لَكِن ضعفه ابْن عبد الْبر وَالصَّحِيح عَنهُ كَقَوْلِه الْجَمَاعَة وَقَالَ الْحَاكِم فِي تَارِيخه أَبُو بكر أَحْمد بن إِسْحَق بن أَيُّوب الإِمَام الْمُفْتِي الْمُتَكَلّم الْمَغَازِي الرئيس الْوَلِيّ وَأحد عصره سمعته وَقد سَأَلَهُ الرئيس أَبُو الْحُسَيْن عَن الرجل يدْرك الرُّكُوع وَلم يقْرَأ فَاتِحَة الْكتاب فِي تِلْكَ الرَّكْعَة فَقَالَ يُعِيد تِلْكَ الرَّكْعَة قَالَ الْحَاكِم وَقد صنف الشَّيْخ أَبُو بكر هَذِه الْمَسْأَلَة ويروي عَن أبي هُرَيْرَة وَجَمَاعَة من السَّابِقين أَنهم قَالُوا يُعِيد الرَّكْعَة وَالله أعلم وَيُجَاب عَن حَدِيث أبي بكرَة بِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه قَرَأَ الْفَاتِحَة بِسُرْعَة أَو لم يَقْرَأها وَلم يعلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَرْكِهِ لَهَا فَهُوَ قَضِيَّة فِي عين فَلَا حجه فِيهِ وَإِن قيل تسْقط عَنهُ كَمَا هُوَ قَول أَكثر الْقَائِلين بِوُجُوب الْفَاتِحَة على الْمَأْمُوم وَإِسْحَق بن رَاهَوَيْه أوجبهَا على الْمَأْمُوم وَقَالَ أجمع النَّاس على أَن من أدْرك الرُّكُوع فقد أدْرك الرَّكْعَة وَكَذَا نقل غَيره الْإِجْمَاع إِن قيل بِهَذَا قيل الدَّلِيل الشَّرْعِيّ قد دلّ على وُجُوبهَا على الْمَأْمُوم وَعدم سُقُوطهَا عَنهُ بِخِلَاف الْمَسْبُوق وَالدَّلِيل مُتبع وَكَون الشَّيْء وَاجِبا أَو ركنا وَغير ذَلِك أُمُور اصطلاحية فَجَمِيع مَا دلّ دَلِيل على وُجُوبه فَالْأَصْل عدم سُقُوطه مُطلقًا فَإِن دلّ دَلِيل على سُقُوطه فِي مَوضِع قيل بِهِ عملا بِالدَّلِيلِ

وَكَانَ الْبَاقِي على أصل الدَّلِيل وعَلى هَذَا لَا يتَوَجَّه النَّقْض بالأركان على من أوجبهَا أَو أسقطها عَن الْمَسْبُوق وَلَو أدْركهُ فِي الرُّكُوع فَأتى بتكبيرة الْإِحْرَام فَقَط صحت صلَاته مَعَ تَركه تَكْبِيرَة الرُّكُوع وَهَذَا وَاجِب سقط للْعُذْر كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا وَلَو قَامَ الإِمَام عَن التَّشَهُّد الأول فَذكره بعد شُرُوعه فِي الْقِرَاءَة أَو قبلهَا وَقُلْنَا لَا يرجع وَالْمَأْمُوم جَالس قَامَ وَتَبعهُ وَهَذَا وَاجِب سقط للْعُذْر وَهُوَ مُتَابعَة الإِمَام وَمن أَدِلَّة وُجُوبهَا على الْمَأْمُوم عَن عبَادَة بن الصَّامِت رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الصُّبْح فَثقلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَة فَلَمَّا انْصَرف قَالَ إِنِّي أَرَاكُم تقرءون وَرَاء إمامكم قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله إِي وَالله قَالَ لَا تَفعلُوا إِلَّا بِأم الْقُرْآن فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ حَدثنَا عباد حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن مَكْحُول عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن عبَادَة وَقَالَ حَدِيث حسن وَقد رَوَاهُ أَحْمد فِي الْمسند من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن مَكْحُول وروى أَيْضا حَدثنَا أبي عَن بن إِسْحَاق حَدِيث مَكْحُول فَذكره وَلم أجد أَحْمد رَوَاهُ من غير حَدِيث أبي الْخفاف عَن مُحَمَّد بن أبي عَاصِم عَن صَحَابِيّ وَعَن أبي معَاذ كَمَا سَيَأْتِي بعد ذَلِك وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن ابْن خُزَيْمَة حَدثنَا مُؤَمل بن هِشَام الْيَشْكُرِي حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن علية عَن مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي مَكْحُول وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن إِسْحَاق وَكَذَلِكَ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إِسْنَاده حسن وَفِي لفظ لَا تقرءوا بِشَيْء من الْقُرْآن إِذا جهرت بِهِ إِلَّا بِأم الْقُرْآن رَوَاهُ النَّسَائِيّ أخبرنَا هِشَام بن عمار عَن صَدَقَة عَن زيد بن وَاقد عَن حزَام ابْن حَكِيم عَن نَافِع بن مَحْمُود بن ربيعَة عَن عبَادَة

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث زيد بن وَاقد وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إِسْنَاد حسن وَرُوَاته ثِقَات كلهم وَعِنْده أَنه سمع عبَادَة بن الصَّامِت وَلِحَدِيث عبَادَة غير طَرِيق وَقد رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي غير الصَّحِيح وَصَححهُ وَرَوَاهُ أَيْضا ابْن حبَان وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهم وَقد ضعف الإِمَام أَحْمد حَدِيث عبَادَة من قبل ابْن إِسْحَاق وَقَالَ لم يرفعهُ غير ابْن إِسْحَاق وَاعْتمد ابْن الْجَوْزِيّ على هَذَا وَابْن إِسْحَاق لم ينْفَرد بِهِ وَالظَّاهِر أَن الإِمَام أَحْمد لم يَقع لَهُ غير طَرِيق مُحَمَّد بن إِسْحَاق فَلهَذَا قَالَ هَذَا وَابْن إِسْحَاق مُخْتَلف فِيهِ وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه ثِقَة إِذا صرح بِالسَّمَاعِ كَمَا هُوَ هُنَا فَالصَّوَاب حسن حَدِيثه لزوَال التَّدْلِيس الَّذِي يخْشَى مِنْهُ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وروى هَذَا الحَدِيث الزُّهْرِيّ عَن مَحْمُود بن الرّبيع عَن عبَادَة بن الصَّامِت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب قَالَ وَهَذَا أصح وَالظَّاهِر أَن مُرَاده أَن هَذَا أصح إِسْنَادًا من حَدِيث ابْن إِسْحَاق فَإِنَّهُ قد حسن حَدِيث ابْن اسحاق وَلَو كَانَ ضَعِيفا لم يُحسنهُ وَضعف أَيْضا من قبل زيد بن وَاقد فَإِن أَبَا زرْعَة قَالَ فِيهِ لَيْسَ بِشَيْء كَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ وَتَبعهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن زيد بن وَاقد هَذَا دمشقي من أَصْحَاب مَكْحُول وَثَّقَهُ الإِمَام أَحْمد وَابْن معِين وروى لَهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح وَلم يقل فِيهِ أَبُو زرْعَة لَيْسَ بِشَيْء إِنَّمَا قَالَ فِي زيد بن وَاقد الْبَصْرِيّ الَّذِي يروي عَن حميد وَقَالَ ابْن عبد الْبر فِي نَافِع بن مَحْمُود هُوَ مَجْهُول وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِنَّهُ يروي عَنهُ غير وَاحِد من الثِّقَات وَوَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالثَّانِي سديد فِي الرِّجَال وَقد أخرج لَهُ وَلم أجد فِيهِ جرحا وَهَذِه إِشَارَة إِلَى حَدِيث عبَادَة وَمن نظر فِيهِ ظهر لَهُ حسنه وَأَنه صَالح

للاحتجاج بِهِ وَهُوَ فِي خُصُوص الْمَأْمُوم وخصوص الْقِرَاءَة وَقد احْتج بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ على خَصمه الْحَنَفِيّ فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة إِذا لم يجْهر قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة ثمَّ لَو صَحَّ فَحَدِيث إِذا قَرَأَ الإِمَام فأنصتوا أصح مِنْهُ إِسْنَادًا فَهُوَ مقدم عَلَيْهِ وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ بِتَقْدِير صِحَّته يجب تَقْدِيمه على حَدِيث إِذا قَرَأَ فأنصتوا لخصوصه وَهَذَا ظَاهر قَالَ ثمَّ يحمل قَوْله إِلَّا بِأم الْقُرْآن فَإِنَّهُ لَا صَلَاة لمن لم يقْرَأ بهَا على الْفَضِيلَة والاستحباب لَا اسْتثِْنَاء من قَوْله فَلَا تَفعلُوا وَالْمرَاد بِهِ اسْتِحْبَاب التّرْك وَهَذَا فِيهِ نظر أَيْضا لِأَن الصَّوَاب مذهبا ودليلا أَن حرف النَّفْي إِذا دخل على شَيْء دلّ حَقِيقَة على عدم صِحَّته فالتزام هَذَا الْمَحْذُور الَّذِي ذكره من غير ضَرُورَة ظَاهِرَة بعيد مَعَ أَنه مُخَالف للْمَذْهَب لَا على كَرَاهَة قرَاءَتهَا بل قد ذهب بَعضهم إِلَى الْبطلَان فَإِن كَانَ وَلَا بُد من مُخَالفَته فمخالفته بالمصير إِلَى قَول سلف وَعَلِيهِ جماعات من الْأَئِمَّة أولى لَا سِيمَا وَفِيهِمْ عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ فَإِنَّهُ سُئِلَ عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فَقَالَ اقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب قلت وَإِن كنت أَنْت قَالَ وَإِن كنت أَنا قلت وَإِن جهرت قَالَ وَإِن جهرت رَوَاهُ جمَاعَة بِمَعْنَاهُ مِنْهُم سعيد بن مَنْصُور وَالدَّارَقُطْنِيّ وَهَذَا لَفظه وَقَالَ إِسْنَاد صَحِيح والاستحباب يرْوى عَن اللَّيْث وَالْأَوْزَاعِيّ وَقد روى معنى حَدِيث عبَادَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من غير وَجه رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن مُحَمَّد بن أبي عَائِشَة عَن رجل من الصَّحَابَة وَرَوَاهُ أَيْضا عبد بن حميد فِي مسنديهما من حَدِيث أبي قَتَادَة وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث

عبد الله بن عَمْرو وَغير ذَلِك من الْوُجُوه وفيهَا ضعف وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم وَحكى القَاضِي فِي وُجُوبهَا على الْمَأْمُوم فِي صَلَاة السِّرّ وَجْهَيْن أَحدهمَا تجب وَلَا تجب فِي صَلَاة الْجَهْر مُطلقًا حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن الزُّهْرِيّ وَمَالك وَعَمْرو بن دِينَار وَأحمد وَإِسْحَاق بن سعيد الْمُؤَدب سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فَقَالَ اقْرَأ إِذا لم يجْهر وَظَاهره وجوب الْقِرَاءَة فِي غير حَالَة الْجَهْر وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مشيش وَسُئِلَ عَن الْقِرَاءَة قِرَاءَة الإِمَام لَك قِرَاءَة فَقَالَ هَذَا الآخر أقوى يَعْنِي إِذا جهر فأنصت وَإِذا خَافت فاقرأ هَكَذَا فِي مسَائِل ابْن مشيش فَصَارَ فِي وُجُوبهَا على الْمَأْمُوم أَرْبَعَة أَقْوَال قَوْله وَيسن لَهُ أَن يستفتح ويتعوذ وَيقْرَأ إِلَّا أَن يسمع إِمَامه فَيكْرَه قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِي فصل سكتات الإِمَام وعَلى كل حَال فَمَتَى سكت الإِمَام السُّكُوت الْمَذْكُور أَو غَيره لغفلة أَو نوم أَو تَعب أَو اشْتِغَال أَو غير ذَلِك فاغتنام الْقِرَاءَة فِيهِ للْمَأْمُوم مُسْتَحبّ ظاهة اسْتِحْبَاب الْقِرَاءَة إِذا لم يسمع مُطلقًا فَيدْخل فِيهِ اسْتِحْبَاب الْقِرَاءَة عِنْد رُؤُوس الْآي وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ زين الدّين بن المنجي لِأَنَّهُ الْآن لَا يُسمى قَارِئًا وَيُقَال هُوَ سَاكِت وَقد سكت وَالْأَمر بالإنصات إِنَّمَا هُوَ لاستماع الْقُرْآن وَلَا قِرَاءَة فِي هَذِه الْحَال وَلَيْسَ هَذَا بِبَعِيد إِن لم يُخَالف الْإِجْمَاع

وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِذا كَانَ لَهُ سكتات قَرَأَ الْحَمد وَإِذا لم تكن لَهُ سكتات قَرَأَ عِنْد انْقِطَاع نَفسه وَاخْتَارَ ابْن الْمُنْذر فِي الإشراف أَنه يقْرَأ فِي سكتات الإِمَام فَإِن بَقِي من الْفَاتِحَة شَيْء قَرَأَ عِنْد وقفات الإِمَام فَإِن بَقِي شَيْء فَإِذا ركع الإِمَام وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية هَذَا لم يقلهُ أحد من الْعلمَاء وَقَوله فَيكْرَه هَذَا هُوَ الْمَشْهُور قَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ يقْرَأ فِيمَا لَا يجْهر فِيهِ الإِمَام وَلَا يقْرَأ فِيمَا جهر فِيهِ الإِمَام وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْخطاب لَا يقْرَأ فِيمَا يجْهر فِيهِ وَيقْرَأ فِيمَا يسر وَقَالَ فِي رِوَايَة عبد الله يقْرَأ فِيمَا لَا يجْهر بِهِ الإِمَام فَإِن جهر أنصت وَقَالَ فِي رِوَايَة صَالح يقْرَأ فِيمَا لَا يجْهر وَلَا تعجبني الْقِرَاءَة خلف الإِمَام يَعْنِي فِيمَا يجْهر أحب إِلَى أَن ينصت وَقَالَ فِي رِوَايَة يقْرَأ فِيمَا لَا يجْهر وَلَا يُعجبنِي أَن يقْرَأ وَالْإِمَام يجْهر ذكره جمَاعَة مِنْهُم القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَصَاحب الْمُسْتَوْعب وَهُوَ معنى كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقدم ابْن تَمِيم التَّحْرِيم وَذكر فِي الرِّعَايَة الْكَرَاهَة ثمَّ قولا بِبُطْلَان الصَّلَاة بهَا وَمرَاده وَالله أعلم على هَذَا وَتَكون الْقِرَاءَة مُحرمَة قَوْله وَإِن انحنى بِحَيْثُ يُمكنهُ مس رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ أَجزَأَهُ أطلق الْعبارَة وَصرح جمَاعَة من الْأَصْحَاب فِي حق متوسط النَّاس فِي الْيَدَيْنِ

فصل

لَو قدر ذَلِك فِي حق غَيره وَأما اشْتِرَاط مس رُكْبَتَيْهِ بكفيه وَعدم الِاكْتِفَاء بأصابعه فَلم أجد أحدا صرح بالاكتفاء لَكِن ظَاهر كَلَامه وَكَلَام جمَاعَة الِاكْتِفَاء وَقد قَالَ حَرْب قلت لِأَحْمَد مَتى يدْرك الرجل الرُّكُوع مَعَ الإِمَام قَالَ إِذا وضع يَدَيْهِ على رُكْبَتَيْهِ وَركع قبل أَن يرفع الإِمَام رَأسه وَقطع جمَاعَة مِنْهُم الْآمِدِيّ وَابْن الْبَنَّا وَصَاحب التَّلْخِيص بِعَدَمِ الِاكْتِفَاء فَإِنَّهُ لَا بُد من مس رُكْبَتَيْهِ بكفيه فصل لم يذكر حكم يَدَيْهِ بعد الرّفْع من الرُّكُوع قَالَ الإِمَام أَحْمد إِن شَاءَ أرسلهما وَإِن شَاءَ وضع يَمِينه على شِمَاله وَقطع بِهِ القَاضِي فِي الْجَامِع لِأَنَّهُ حَالَة قيام فِي الصَّلَاة فَأشبه قبل الرُّكُوع لِأَنَّهُ حَالَة بعد الرُّكُوع فَأشبه حَالَة السُّجُود وَالْجُلُوس وَذكر فِي الْمَذْهَب وَالتَّلْخِيص أَنه يرسلهما بعد رَفعه وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن الْخلاف هُنَا كحالة وضعهما بعد تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فصل ظَاهر كَلَامه أَنه لَا يرفع يَدَيْهِ للسُّجُود وَلَا للرفع مِنْهُ وَهُوَ ظَاهر الْمَذْهَب وَالْمَشْهُور وَعنهُ يرفع وَنَصّ على أَنه يرفع فِي كل خفض وَرفع وَذكره القَاضِي وَغَيره وَإِن قَرَأَ سَجْدَة فَهَل يرفع يَدَيْهِ حِين انحطاطه للسُّجُود فِيهِ رِوَايَتَانِ

ذكرهمَا القَاضِي وَغَيره أنصهما أَنه يرفع وَقدمه جمَاعَة وَالثَّانيَِة لَا يرفع اخْتَارَهُ القَاضِي فِي مَوضِع وَذكر غير وَاحِد أَنه قِيَاس الْمَذْهَب وَإِذا فرغ من الْقُنُوت فَهَل يرفع يَدَيْهِ للسُّجُود فِيهِ وَجْهَان وَذكر غير وَاحِد أَن الْمَنْصُوص الرّفْع وَقطع بِهِ القَاضِي وَغَيره قَالَ أَبُو دَاوُد رَأَيْت أَحْمد إِذا فرغ من الْقُنُوت وَأَرَادَ أَن يسْجد رفع يَدَيْهِ كَمَا يرفعهما عِنْد الرُّكُوع وَقَالَ حُبَيْش بن سندي إِن أَبَا عبد الله لما أَرَادَ أَن يسْجد فِي قنوت الْوتر رفع يَدَيْهِ قَالَ القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَنه يرفع لِأَن الْقُنُوت ذكر طَوِيل يفصل حَال الْقيام مَقْصُود فَهُوَ كالقراءة وَقد ثَبت أَن التَّكْبِير عقيب الْقِرَاءَة يرفع لَهُ كَذَلِك هَذَا فَهَذَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَإِن كَانَ عدم الرّفْع فِي هَذَا الْموضع قَوِيا أَو أقوى فِي الدَّلِيل وَهَذِه الْمَسْأَلَة يعاني بهَا فَيُقَال أَيْن لنا مَوضِع يرفع يَدَيْهِ للسُّجُود فِيهِ قَوْله وَيجْعَل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه أَو أُذُنَيْهِ وَظَاهر هَذَا أَنه يُخَيّر وَقَالَ فِي رفعهما إِذا أَرَادَ الدُّخُول فِي الصَّلَاة إِلَى مَنْكِبَيْه وَعنهُ إِلَى أُذُنَيْهِ وَعنهُ هما سَوَاء يَعْنِي فَيُخَير

وَظَاهر هَذَا أَنه قطع بالتخيير فِي حَالَة السُّجُود وَأَن الْمُخْتَار فِي حَالَة الدُّخُول فِي الصَّلَاة غَيره وَهَذَا فِيهِ نظر وَقد قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة إِن قَوْلنَا إِنَّه يضع يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِنَّه مبْنى على رفعهما حذوهما وَإِن قُلْنَا إِن السّنة رفعهما إِلَى الْأُذُنَيْنِ موضعهما فِي السُّجُود حيالهما قَالَ أَبُو حنيفَة وَهَذَا صَحِيح فعلى هَذَا مُرَاده وَيجْعَل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه أَو أُذُنَيْهِ يَعْنِي على مَا تقدم من الْخلاف لَيْسَ مُرَاده التَّخْيِير وَمن قَالَ هُنَا يَجْعَل يَدَيْهِ حَذْو مَنْكِبَيْه وَاقْتصر على ذَلِك فرع على الْمُخْتَار فِي رفعهما فِي الدُّخُول فِي الصَّلَاة إِن كَانَ ذكر الْخلاف فِيهِ وَإِلَّا فَيكون قد قطع فِي الْمَوْضِعَيْنِ برفعهما حَذْو مَنْكِبَيْه وَهَذِه الْعبارَة أوضح وَلَا إِبْهَام فِيهَا قَوْله وَلَا يتَعَوَّذ هَذَا أَجود من إِطْلَاق الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ هُوَ الرَّاجِح مذهبا ودليلا قَالَ القَاضِي نقل الْجَمَاعَة بكر بن مُحَمَّد ومهنا وَأَبُو طَالب وَأحمد بن الْحسن بن حسان وَصَالح لَا يُكَرر انْتهى كَلَامه وَذَلِكَ كَمَا لَو كَانَ فِي غير صَلَاة فَسكت بنية الْقِرَاءَة فَإِن الْقِرَاءَة لَا تحْتَاج إِلَى استعاذة اكْتِفَاء بالاستعاذة السَّابِقَة جعلا للقراءتين كالواحدة كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا بل أولى لشدَّة ارتباط بعض الصَّلَاة بِبَعْض قَالَ القَاضِي وَلِأَن الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة مَبْنِيَّة على الْقِرَاءَة فِي الرَّكْعَة الأولى بِدَلِيل أَنه يجمعهما فعل وَاحِد وَهِي الصَّلَاة

الْوَاحِدَة وَالصَّلَاة الْوَاحِدَة حكمهَا فِي حكم الْفِعْل الْوَاحِد بِدَلِيل أَنه يقْتَصر فِيهَا على تحريمة وَاحِدَة وبدليل أَنه إِذا أدْرك من الْوَقْت رَكْعَة كَانَ بِمَنْزِلَة إِدْرَاك جَمِيعهَا وبدليل أَن بِإِدْرَاك رَكْعَة تدْرك فَضِيلَة الْجَمَاعَة كَمَا لَو وَاصل قِرَاءَة السُّور وَفِي صَحِيح مُسلم عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا نَهَضَ فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة استفتح الْقِرَاءَة بِالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَلم يسكت وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر غير مُرَاد فَإِنَّهُ لَو ترك الإستعاذة فِي الأولى أَتَى بهَا فِي الثَّانِيَة صرح بِهِ جمَاعَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ رِوَايَة وَاحِدَة والاستفتاح بِخِلَاف ذَلِك نَص عَلَيْهِ الإِمَام لِأَنَّهُ يُرَاد لافتتاح الصَّلَاة والاستعاذة للْقِرَاءَة وَقيل يستفتح إِن وَجب وَقيل إِن سنّ ويعايى بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَيُقَال أَيْن لنا مَوضِع الْمَذْهَب أَنه يَأْتِي بالاستعاذة فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة من غير خلاف صَرِيح فِي ذَلِك وَقَوله فِي الْمُحَرر وَعنهُ يتَعَوَّذ نقلهَا جَعْفَر بن مُحَمَّد قَوْله ويبسط أَصَابِع يَده يَعْنِي الْيُسْرَى كَذَا ذكره أَكثر الْأَصْحَاب وَاحْتج لَهُ المُصَنّف بِأَنَّهُ أَكثر رِوَايَة عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَيعلم أَنه الْغَالِب

فَيكون أولى وَقطع فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ يفعل ذَلِك أَو يلفها على ركبته وَهَذَا مُتَوَجّه لصِحَّة الرِّوَايَة بذلك وَدَعوى مَا ذكر من التَّرْجِيح فِيهِ نظر قَوْله فِي الْمُحَرر وَمن نوى بسلامه على الْحفظَة وَالْإِمَام والمأمومين صحت صلَاته وَإِن لم ينْو الْخُرُوج نَص عَلَيْهِ وَقيل لَا تصح وَقيل إِن نوى الْخُرُوج صحت وَإِلَّا فَلَا تصح يَعْنِي أَن من نوى بسلامة على الْحفظَة وَالْإِمَام وَالْمَأْمُوم صحت صلَاته سَوَاء نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو لم يُنَوّه وَدَلِيله وَاضح وَقيل لَا تصح صَلَاة من نوى بسلامه على الْحفظَة وَالْإِمَام وَالْمَأْمُوم سَوَاء نوى الْخُرُوج من الصَّلَاة أَو لم يُنَوّه لِأَنَّهُ قصد خطاب مَخْلُوق فَأشبه تشميت الْعَاطِس أَو قَول الْحَمد لله يقْصد بهَا الْقِرَاءَة وتشميت الْعَاطِس وَقيل إِن نوى مَعَ نِيَّة سَلَامه على الْحفظَة وَالْإِمَام وَالْمَأْمُوم نِيَّة الْخُرُوج صحت صلَاته لِأَنَّهُ لم يتمحض خطاب آدَمِيّ وَإِلَّا لم تصح لتمحضه خطاب آدَمِيّ وَلِهَذَا لَو قَالَ لمن

دق عَلَيْهِ الْبَاب ادخلوها بِسَلام آمِنين يقْصد بنيته الْقِرَاءَة لم تبطل فِي الْأَصَح وَلَو لم يقْصد بطلت كَذَا قيل وَفِيه نظر وَالسَّلَام على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّشَهُّد مَحل وفَاق وَهُوَ خطاب مَخْلُوق وَقد ظهر من هَذَا أَنه إِذا نوى الْخُرُوج فَقَط أَن صلَاته تصح وَقَالَ ابْن تَمِيم وَعنهُ لَا يتْرك السَّلَام على الإِمَام فِي الصَّلَاة وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل إِن ترك السَّلَام على الإِمَام بطلت صلَاته وَقد قَالَ سَمُرَة رَضِي الله عَنهُ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نسلم على أَئِمَّتنَا وَأَن يسلم بَعْضنَا على بعض وَبِتَقْدِير صِحَّته فَهُوَ من بعد حظر الْكَلَام وَقرن بِهِ مَا لَيْسَ بِوَاجِب وَقد عرف مِمَّا تقدم أَنه لَا يُمكن الْخُرُوج من الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمن اعْتبر نِيَّة الْخُرُوج وَهُوَ قَول ابْن حَامِد وَصَححهُ ابْن الْجَوْزِيّ وَلم يذكر ابْن هُبَيْرَة عَن أَحْمد غَيره وَحَكَاهُ بَعضهم رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد وَظَاهر قَوْله أَن نِيَّة الْخُرُوج ركن لِأَنَّهُ قَاس التَّحْلِيل على التَّحْرِيم فِي اعْتِبَار النِّيَّة وَمرَاده نِيَّة الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر لتكبيرة الْإِحْرَام نِيَّة مُفْردَة وَقد عرف من هَذَا ضعف قِيَاسه لِأَن التَّحْلِيل وَالتَّحْرِيم سَوَاء فِي أَنه لَا يعْتَبر لكل وَاحِد مِنْهُمَا نِيَّة مُفْردَة وَنِيَّة الصَّلَاة تشملهما فهما كَسَائِر أَجْزَائِهَا وَقَالَ الْآمِدِيّ إِذا قُلْنَا بِوُجُوبِهَا فَتَركهَا عمدا بطلت صلَاته فَإِن كَانَ سَهوا صحت وَسجد للسَّهْو

قَوْله وَالْفَرْض من ذَلِك الْقيام لَو قَامَ على أحد رجلَيْهِ لم يُجزئهُ وَلَو اسْتندَ إِلَى شَيْء بِحَيْثُ لَو أزيل مَا اسْتندَ إِلَيْهِ سقط لم يُجزئهُ قطع بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَدَلِيله ظَاهر وَكَلَامه صَادِق عَلَيْهَا قَوْله وَقِرَاءَة الْفَاتِحَة هَذَا الْمَذْهَب قَالَ القَاضِي نَص على هَذَا فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فعلى هَذَا إِن تَركهَا من رَكْعَة نَاسِيا بطلت الرَّكْعَة وعَلى هَذَا إِن نَسِيَهَا فِي الأولى وَالثَّانيَِة قَرَأَهَا فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة مرَّتَيْنِ وَسجد للسَّهْو صرح بِهِ بَعضهم وَلَعَلَّ مُرَاد ابْن عقيل بِإِشَارَة أَحْمد إِلَى مَا رَوَاهُ عبد الله عَن أَبِيه إِذا ترك الْقِرَاءَة فِي الْأَوليين قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَسجد للسَّهْو بعد السَّلَام وَإِن ترك الْقِرَاءَة فِي الثَّلَاث ثمَّ ذكر فِي الرَّابِعَة فَسدتْ صلَاته واستأنفها وَإِن نسي الْقِرَاءَة فِي أول رَكْعَة من الْمغرب قَرَأَ فِيمَا بَقِي وَإِن نسي فِي رَكْعَتَيْنِ من الْمغرب فَسدتْ صلَاته وَكَذَلِكَ الْفجْر إِن ترك الْقِرَاءَة فِي آخر رَكْعَة قَالَ القَاضِي ظَاهر هَذَا أَن فرض الْقِرَاءَة فِي رَكْعَتَيْنِ من الصَّلَاة وَأَنه يجب الْقِرَاءَة فِي جَمِيع صَلَاة الْفجْر وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ من الْمغرب وَرَكْعَتَيْنِ من الظّهْر وَالْعصر وَالْعشَاء قَالَ الْخلال مَا فسره عبد الله فَهُوَ على معنى فعل عمر فِي الرِّوَايَة الَّتِي لم تصح عِنْده وَقد بَينهَا وَتركهَا وَذهب إِلَى قَول من روى عَن عمر الْقِرَاءَة يَعْنِي الْخلال قَول أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح وَذكر لَهُ حَدِيث عمر أَنه لم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى من الْمغرب فَقَرَأَ فِي الثَّانِيَة الْحَمد وَسورَة ثمَّ أَعَادَهَا لَا أذهب

إِلَيْهِ وأذهب إِلَى حَدِيث عمر صلى فَلم يقْرَأ فَأَعَادَ الصَّلَاة قَالَ القَاضِي وَمذهب أبي حنيفَة نَحْوهَا حَكَاهُ عبد الله وَالْأول هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَل فِي الْمَذْهَب نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سعيد وَحرب وَصَالح وَقد عرف من هَذَا أَنه لَا يَكْتَفِي بِقِرَاءَة الْمَأْمُوم مَعَ ترك الإِمَام الْقِرَاءَة وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن البهلول لَا أَقرَأ فِيمَا جهر الإِمَام لقَوْل الله تَعَالَى {وَإِذا قرئَ الْقُرْآن فَاسْتَمعُوا لَهُ وأنصتوا} وَمَا خَافت قَرَأت فِيهِ لِأَنِّي لست آمن على الإِمَام النسْيَان قَالَ القَاضِي وَظَاهر هَذَا التَّعْلِيل من أَحْمد يَقْتَضِي أَن الإِمَام إِذا سَهَا عَن الْقِرَاءَة وَوجد من الْمَأْمُوم الْقِرَاءَة أَن صَلَاة الْمَأْمُوم صَحِيحَة وَالْمَنْصُوص عَنهُ خلاف هَذَا وَأَن صَلَاة الْمَأْمُوم لَا تصح انْتهى كَلَامه وَقَوله وَعنهُ أَيْضا سنة وَأَن الْفَرْض قِرَاءَة آيَة ذكرهَا غير وَاحِد قَالَ حَرْب قلت لأبي عبد الله رجل قَرَأَ بِآيَة من الْقُرْآن وَلم يقْرَأ بِفَاتِحَة الْكتاب قَالَ الصَّلَاة جَائِزَة قلت قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة إِلَّا بِفَاتِحَة الْكتاب قَالَ على طَرِيق الْفضل لَا على طَرِيق الْإِيجَاب قَالَ القَاضِي وَهَذَا صَرِيح فِي أَن الصَّلَاة تصح بِغَيْر الْفَاتِحَة وَأَنَّهَا لَا تتَعَيَّن بهَا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَاعْتبر القَاضِي الْمَسْأَلَة بِالْقِرَاءَةِ فِي الْخطْبَة وَقِرَاءَة الْجنب وفيهَا خلاف وَذكر ابْن هيبرة رِوَايَة عَن أَحْمد أَنَّهَا تصح بِغَيْر الْفَاتِحَة مِمَّا تيَسّر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَظَاهر هَذَا الِاكْتِفَاء بِبَعْض آيَة وَقَالَ غير وَاحِد

فصل

إِن لم نقل تتَعَيَّن الْفَاتِحَة اعْتبرنَا أَن يقْرَأ سبع آيَات وَهل يعْتَبر أَن يكون فِي عدد حروفها على وَجْهَيْن وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجب فِي رَكْعَتَيْنِ من الْأَوليين ويسبح فِي الْأُخْرَيَيْنِ لِأَن الْقِرَاءَة لَو وَجَبت فِي بَقِيَّة الرَّكْعَات لسن الْجَهْر بهَا وَحكى ابْن هُبَيْرَة الِاتِّفَاق على أَن الْقِرَاءَة فرض فِي رَكْعَتَيْنِ من الرّبَاعِيّة والثلاثية وركعتي الْفجْر وَعند أبي حنيفَة لَا تجب الْقِرَاءَة فِي غير ذَلِك وَذكر الشريف وَأَبُو الْخطاب هَذَا رِوَايَة عَن أَحْمد وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يعْتَبر أَن يكون الْأَوليين فصل يُؤْخَذ من كَلَامه وَكَلَام غَيره أَن الْإِعَادَة على الْمَأْمُوم لجهله قِرَاءَة إِمَامه وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن جهل مَا قَرَأَ بِهِ إِمَامه لم يضر وَقيل تبطل صلَاته وَهُوَ بعيد وَقيل يُتمهَا وَحده انْتهى كَلَامه وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير فرع فِي رِوَايَة أَحْمد بن أَصْرَم فِي رجل صلى خلف إِمَام فَقيل لَهُ مَا قَرَأَ فَقَالَ لَا أَدْرِي عَلَيْهِ إِعَادَة الصَّلَاة قَالَ أَبُو إِسْحَاق فِي تَعْلِيقه بَيَانهَا عِنْدِي وَالله أعلم إِذا لم يدر هَل قَرَأَ فَاتِحَة الْكتاب أَو غَيرهَا لَا يجْهر فِيمَا يجْهر فِيهِ بِالْقِرَاءَةِ وَلَيْسَ يمنعهُ مَانع من السماع لِأَن قِرَاءَة الإِمَام لَهُ قِرَاءَة انْتهى كَلَامه وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن هَذَا النَّص مُعَلل بِأَن الْمَأْمُوم يجب عَلَيْهِ الْإِنْصَات لقِرَاءَة إِمَامه وَلم يفعل فقد ترك وَاجِبا وَأما علمه بِقِرَاءَة الإِمَام الْفَاتِحَة فَلَا يعْتَبر لِأَنَّهُ لَا يجب على الْمَأْمُوم تَحْصِيل الْعلم بِأَن الإِمَام قد أَتَى بِمَا يعْتَبر للصَّلَاة بل

يَكْفِي الظَّاهِر حملا للأمور على الصِّحَّة والسلامة إِلَى أَن يقوم دَلِيل الْفساد عملا بِحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فِي شكهم فِي التَّسْمِيَة على الذَّبِيحَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سموا الله أَنْتُم وكلوا وَلما فِي ذَلِك من الْحَرج وَالْمَشَقَّة قَوْله فَهَذِهِ وَاجِبَات تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا عمدا لَو أدْرك الإِمَام فِي الرُّكُوع فَكبر تَكْبِيرَة الْإِحْرَام خَاصَّة صحت صلَاته وَلم يضر تَركه لتكبيرة الرُّكُوع قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَقطع بِهِ الْكَافِي وَغَيره وَقدمه غير وَاحِد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد فِي مَوَاضِع أَنَّهَا لَا تبطل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك الشَّافِعِي وَحكى المُصَنّف عَن بعض الْأَصْحَاب عدم الصِّحَّة إِذا تَركهَا عمدا بِنَاء على أصلنَا وَحَكَاهُ غَيره رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد وصححها ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ وَابْن حمدَان وَهُوَ ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص وَغَيرهمَا قَالَ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا عبد الْأَعْلَى عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا إِذا أدْرك الرجل الْقَوْم رُكُوعًا فَإِنَّهُ تُجزئه تَكْبِيرَة وَاحِدَة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن عبد الْأَعْلَى وَقَالَ أذهب إِلَى حَدِيث ابْن عمر وَزيد بن ثَابت انْتهى كَلَامه وَقد روى غير وَاحِد فعلهمَا وَاحْتج بِهِ الإِمَام أَحْمد فِي غير مَوضِع وَقَالَ ابْن مَنْصُور قلت للامام أَحْمد قَالَ سُفْيَان تُجزئه تَكْبِيرَة إِذا نوى بهَا افْتِتَاح الصَّلَاة قَالَ الإِمَام أَحْمد إِي وَالله إِذا نوى ابْن عمر وَزيد بن ثَابت قَالَا ذَلِك وَلِأَنَّهُ يخَاف من اشْتِغَاله بتكبيرة الرُّكُوع فِي محلهَا وَهُوَ الْخَفْض فَوَات الرَّكْعَة

فَكَانَ عذرا فِي سُقُوطهَا وَلِأَن التَّكْبِيرَة شرعت للفصل فِي محَال مُخْتَلفَة فَلَمَّا تعاقب هَهُنَا المحلان من غير فصل حصل الْمَقْصُود بأعلاهما كَمَا لَو طَاف للزيارة عِنْد خُرُوجه فَإِنَّهُ يُجزئهُ عَنهُ وَعَن طواف الْوَدَاع وَلَو قَامَ الإِمَام عَن التَّشَهُّد الأول فَذكر بعد شُرُوعه فِي الْقِرَاءَة أَو قبلهَا وَقُلْنَا لَا يرجع وَالْمَأْمُوم جَالس قَامَ وَتَبعهُ فِي صَحِيح الْمَذْهَب قَوْله وَمن تكلم فِي صلَاته عمدا أَو سَهوا بطلت وَعنهُ لَا تبطل إِلَّا بالعمد ظَاهر هَذَا أَنه إِذا تكلم جَاهِلا بطلت وَإِن قُلْنَا لَا تبطل صَلَاة الْمُتَكَلّم سَاهِيا وَلَيْسَ كَذَلِك فَإِن الْجَاهِل هُنَا إِمَّا كالناسي أَو لَا تبطل صلَاته وَإِن بطلت صَلَاة الساهي كَمَا اخْتَارَهُ القَاضِي وَالشَّيْخ مجد الدّين وَكَذَا حكم كل كَلَام من تكلم بإيماء أَو غَلَبَة سعال أَو عطاس وَنَحْوه فَبَان حرفان أَو سبق على لِسَانه كلمة لَا من الْقُرْآن أَو نَحْو ذَلِك وَهَذَا بِخِلَاف كَلَام الْمُكْره على الْكَلَام فِي الصَّلَاة فَإِن الْأَصْحَاب اخْتلفُوا فِيهِ فَمنهمْ من قَالَ حكمه حكم كَلَام النَّاسِي وَهُوَ الَّذِي ذكره فِي التَّلْخِيص وَغَيره وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَقَالَ القَاضِي لَا تبطل بِخِلَاف النَّاسِي لِأَن أَقْوَاله ملغاة وَصحح الشَّيْخ موفق الدّين الْإِبْطَال بِهِ وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو عَليّ بن الشهَاب العكبري فِي عُيُون الْمسَائِل كَمَا لَو أكره على زِيَادَة فعل وَالنِّسْيَان يكثر فَهَذِهِ ثَلَاث طرق اخْتَار فِي الْمُحَرر أَحدهَا

قَوْله فِي الْمُحَرر واللحن لَا يبطل الصَّلَاة إِذا لم يحل الْمَعْنى فَإِن أَحَالهُ كَانَ عمده كَالْكَلَامِ وسهوه كالسهو عَن كلمة وجهله كجهلها وَالْعجز عَن إِصْلَاحه كالعجز عَنْهَا اللّحن الَّذِي لَا يحِيل الْمَعْنى تصح مَعَه الصَّلَاة عندنَا قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم إِنَّه سمع أَحْمد يَقُول إِذا كَانَ الإِمَام يلحن لحنا كثيرا لَا يُعجبنِي أَن يصلى خَلفه إِلَّا أَن يكون قَلِيلا فَإِن النَّاس لَا يسلمُونَ من اللّحن يُصَلِّي خَلفه إِذا كَانَ لحنة أَو لحنتين وَاسْتدلَّ على ذَلِك بِأَنَّهُ أَتَى بِأَصْل الْحَرْف على وَجه يُؤَدِّي معنى الْكَلِمَة وَقد يكون من الْإِعْرَاب بِدَلِيل سُقُوطه فِي الْوَقْت ثمَّ هَل يجوز تعمد الْإِتْيَان بِهَذَا اللّحن ظَاهر قَول أَصْحَابنَا هَذَا أَنه لَا يحرم تَعَمّده بل يكره لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يكون أَتَى بِقِرَاءَة مَأْمُور بهَا وَإِن كَانَ صحت صلَاته مَعَ نقص فِيهَا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قَرَأَ الْقُرْآن فأعربه فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ عشر حَسَنَات وَمن قَرَأَهُ ولحن فِيهِ فَلهُ بِكُل حرف مِنْهُ حَسَنَة وَفِي كَلَام الشَّيْخ وَغَيره من الْأَصْحَاب أَنه يلْزمه الْإِتْيَان بِقِرَاءَة الْفَاتِحَة غير ملحون فِيهَا لحنا يحِيل الْمَعْنى وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يلْزمه الْإِتْيَان بِقِرَاءَة خَالِيَة من لحن لَا يحِيل الْمَعْنى وَصرح ابْن عقيل فِي صفة الصَّلَاة من الْفُصُول على قَوْلنَا تتَعَيَّن الْفَاتِحَة أَنه إِذا لحن مَعَ الْقُدْرَة على أَن لَا يلحن إِن كَانَ لحنا يحِيل الْمَعْنى لم تُجزئه قِرَاءَته وَوَجَب إِعَادَتهَا وَإِن لم تحل الْمَعْنى لم تبطل الْقِرَاءَة وَقَالَ فِي الْفُنُون سُئِلَ حَنْبَل عَن الْقِرَاءَة بتلحين فَقَالَ مَكْرُوه إِن لم أبلغ بِهِ التَّحْرِيم وَذكر معنى مليحا فَقَالَ إِن لِلْقُرْآنِ كِتَابَة وتلاوة ثمَّ إِن هَذَا التلحين والترجيع لَو سطر كَانَ خَارِجا عَن كَون هَذَا الْمَكْتُوب مُصحفا لِأَن الترجيع يُعْطي فِي الهجاء حروفا تخرج عَن خطّ الْمَصَاحِف

وَمَا أفْضى إِلَى ذَلِك كَانَ أَكثر من اللّحن الْخَارِج عَن الْعَرَبيَّة انْتهى كَلَامه وَمرَاده اللّحن الَّذِي لَا يحِيل الْمَعْنى لِأَن الْمُحِيل الْمَعْنى يحرم بِلَا خلاف فعلى هَذَا الْقِرَاءَة بتلحين لَا يحِيل الْمَعْنى مَكْرُوهَة وَأَحَدهمَا أَشد كَرَاهَة قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب إِذا لحن لحنا يحِيل الْمَعْنى وَكَانَ قَادِرًا على الصَّوَاب بطلت وَظَاهر هَذَا أَنه لَو لم يحل الْمَعْنى مَعَ قدرته على الصَّوَاب لم تبطل وَاخْتَارَ الشَّيْخ زين الدّين بن منجي أَنه يحرم تعمد الْإِتْيَان بلحن لَا يحِيل الْمَعْنى فَإِن فعل لم تصح صلَاته لاستهزائه وتعديه وَهُوَ قَول حسن وَذكر إِبْنِ عقيل فِي الْإِمَامَة من الْفُصُول أَنه إِن كَانَ اللّحن فِي غير الْفَاتِحَة لم يُؤثر فِي صِحَة إِمَامَته وَإِذا كَانَ عَجزا أَو سَهوا وَتبطل إِذا كَانَ عمدا لِأَنَّهُ يكون مستهزئا بِالْقُرْآنِ وَإِن كَانَ يلحن فِي الْفَاتِحَة فَإِن كَانَ لحنا يحِيل الْمَعْنى لم تصح صَلَاة من لَا يلحن بِمن يلحن وَيصِح الائتمام بِهِ إِذا كَانَ مُسَاوِيا لَهُ وَلم يزدْ على ذَلِك وَعند الشَّافِعِيَّة يحرم فعل ذَلِك فَإِن فعل صحت صلَاته على الصَّحِيح عِنْدهم واللحن الَّذِي يحِيل الْمَعْنى عمده كَالْكَلَامِ أَي إِن الْمُتَكَلّم بكلمته إِن كَانَ عَامِدًا بطلت صلَاته وَإِن كَانَ نَاسِيا جَاهِلا فَهُوَ على الْخلاف الْمَشْهُور فِيمَن تكلم فِي صلَاته بِكَلِمَة من غَيرهَا سَاهِيا أَو جَاهِلا لِأَنَّهُ بإحالة الْمَعْنى صَار كَغَيْرِهِ من الْكَلَام فَيكون لَهُ حِكْمَة وَالْعجز عَن إِصْلَاحه كالعجز عَن تِلْكَ الْكَلِمَة وَلم يفرق فِي الْمُحَرر بَين الْفَاتِحَة وَغَيرهَا وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَن لَهُ قِرَاءَة مَا عجز عَن إِصْلَاحه فِي فرض الْقِرَاءَة وَعند أبي إِسْحَاق ابْن شاقلا لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْآنًا وَإِن قدر على إِصْلَاحه وَالْوَقْت متسع لم تصح صلَاته وَأما مَا زَاد على فرض الْقِرَاءَة فَتبْطل صلَاته إِن تَعَمّده وَيكفر إِن اعْتقد إِبَاحَته وَإِن كَانَ لجهل أَو نِسْيَان أَو آفَة أَو عجمة لم

تبطل فِي اخْتِيَار ابْن حَامِد وَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَأكْثر الْأَصْحَاب وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي وللحنفية قَولَانِ وعَلى هَذَا تكون إِحَالَة الْمَعْنى فِي غير الْفَاتِحَة مَانِعا من صِحَة إِمَامَته إِذا لم يتعمده وَقطع بِهِ فِي الشَّرْح وَالْقَوْل بِالْبُطْلَانِ قَول أبي إِسْحَاق بن شاقلا ككلام النَّاس إِذا أَتَى سَهوا أَو جهلا وَاسْتدلَّ فِي شرح الْهِدَايَة على عدم الْبطلَان قَالَ لِأَن قصارى لحنه أَن يَجْعَل مَا قَرَأَهُ كَالْعدمِ وَذَلِكَ لَا يضر لِأَن مازاد على المجزئ سنة انْتهى كَلَامه وَتَقْدِير هَذَا الْمَوْجُود مَعْدُوما مَمْنُوع وَهِي دَعْوَى مُجَرّدَة وَهَذِه الْمَسْأَلَة تشبه مَسْأَلَة مَا إِذا سبق لِسَانه بتغيير نظم الْقُرْآن بِمَا هُوَ مِنْهُ على وَجه يحِيل مَعْنَاهُ مثل أَن يقْرَأ إِن الَّذين آمنُوا وَعمِلُوا الصَّالِحَات أُولَئِكَ أَصْحَاب النَّار هم فِيهَا خَالدُونَ إِن الْمُتَّقِينَ فِي ضلال وسعر أَلا إِن حزب الله هم الخاسرون وَنَحْو ذَلِك وَهل تبطل فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا تبطل لِأَنَّهُ لم يبْق قُرْآنًا لتغيير نظمه وَمَعْنَاهُ وَالثَّانيَِة لَا تبطل وَلَا يسْجد لسَهْوه لِأَنَّهُ قصد الْمَشْرُوع فِي الصَّلَاة فَلم تبطل بتغيير نظمه سَهوا كالأركان وَلِأَنَّهُ قصد إتْمَام الأول بِمَا يَلِيق بِهِ وَبِنَاء الثَّانِي على مَا يَلِيق بِهِ فَقَدمهَا بترك مَا بَينهمَا فَأشبه مَا إِذا كنى فِيهَا عَن آيَة أَو عَن خبر مُبْتَدأ وَلذَلِك لم يسْجد للسَّهْو لِأَن الْبلوى بِهِ تعم لَا سِيمَا فِي التَّرَاوِيح والأوراد بِخِلَاف كَلَام الْآدَمِيّين وعَلى هَذَا لَا يبْقى قُرْآنًا فِي الاحتساب والاعتداد بِهِ لَا فِي الْإِبْطَال بِهِ وَهَذَا قَول الْحَنَفِيَّة مَعَ قَوْلهم إِن النَّاسِي تبطل صلَاته وَقطع الشَّيْخ مجد الدّين بِأَنَّهُ لَا يسْجد للسَّهْو وَفِيه نظر لِأَن عمده مُبْطل فَوَجَبَ السُّجُود لسَهْوه كَغَيْرِهِ وَقد قَالَ بَعضهم هُوَ كالناسي وَالنَّاسِي على

قَوْلنَا تصح صلَاته وَيسْجد للسَّهْو وَقَوله على الرِّوَايَة الأولى تبطل صلَاته يَنْبَغِي أَن يكون على قَوْلنَا تبطل صَلَاة كل مُتَكَلم فَأَما على قَوْلنَا إِن الْمَعْذُور لَا تبطل صلَاته فَهَذَا أَيْضا لَا تبطل صلَاته وَيسْجد للسَّهْو لِأَن غَايَة المأتي بِهِ أَن يكون كلَاما غير سَائِغ على سَبِيل الْعذر قَوْله فِي الْكَلْب الْأسود البهيم إِنَّه يقطع صلَاته الْأسود البهيم هُوَ الَّذِي لَا لون فِيهِ سوى السوَاد قطع بِهِ جمَاعَة وَقطع غير وَاحِد بِأَنَّهُ إِذا كَانَ بَين عَيْنَيْهِ نكتتان مخالفتان لَونه فَلَا يخرج بهما عَن كَونه بهيما وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه إِذا كَانَ بَين عَيْنَيْهِ بَيَاض أَن حكمه حكم البهيم فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيح وَالثَّانيَِة لَا وَإِن كَانَ الْبيَاض مِنْهُ فِي غير هَذَا الْموضع فَلَيْسَ ببهيم رِوَايَة وَاحِدَة قَوْله وَفِي الْمَرْأَة وَالْحمار رِوَايَتَانِ قَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل أَهلِي وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَن الصَّغِيرَة الَّتِي لَا يصدق أَنَّهَا امْرَأَة لَا تبطل الصَّلَاة بمرورها وَهُوَ ظَاهر الْأَخْبَار وعَلى هَذَا يحمل مُرُور زَيْنَب بنت أم سَلمَة بَين يَدي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِتَقْدِير صِحَّته وَبِتَقْدِير صغرها وَهُوَ الظَّاهِر وَإِلَّا امْتنعت من الْمُرُور لَا سِيمَا مَعَ إِشَارَته وَالْأَصْل الصغر وَلِأَن الأَصْل أَن لَا تبطل الصَّلَاة بمرور شئ خُولِفَ فِيمَا نَص الشَّارِع عَلَيْهِ يبْقى مَا عداهُ على عُمُوم الدَّلِيل واستدلال غير وَاحِد من الْأَصْحَاب بِخَبَر زَيْنَب لرِوَايَة عدم بطلَان الصَّلَاة بمرور الْمَرْأَة يدل على اشتراكهما

فِي هَذَا الحكم كَمَا اشْتَركَا فِي تنقيص الصَّلَاة وَلَا يجيبوا عَنهُ فَصَارَت الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَقد يُقَال هَذِه تشبه خلْوَة الصَّغِيرَة بِالْمَاءِ هَل تلْحق بخلوة الْمَرْأَة على وَجْهَيْن وَاسم الْحمار إِذا أطلق إِنَّمَا ينْصَرف إِلَى الْمَعْهُود المألوف فِي الِاسْتِعْمَال وَهُوَ الأهلي هَذَا هُوَ الظَّاهِر وَمن صرح بِهِ من الْأَصْحَاب فَالظَّاهِر أَنه صرح بِمُرَاد غَيره فَلَيْسَتْ الْمَسْأَلَة على قَوْلَيْنِ كَمَا يُوهم كَلَامه فِي الرِّعَايَة قَوْله وَيكرهُ أَن يتخصر أَو يتروح التخصر وضع يَده على خاصرته وَمرَاده بالتروح التروح على وَجهه بشئ فَإِن كَانَ لحَاجَة كغم شَدِيد لم يكره فَأَما المراوحة بَين رجلَيْهِ فِي الْفَرْض وَالنَّفْل حَال قِيَامه فَقطع جمَاعَة بِأَنَّهُ يسْتَحبّ زَاد بَعضهم إِذا طَال قِيَامه وَلَا يسْتَحبّ الْإِكْثَار مِنْهُ فَأَما التَّطَوُّع فَإِنَّهُ يطول وَذكر فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه يكره كَثْرَة التمايل لِأَن فِيهِ تشبها باليهود قَوْله وَيكرهُ أَن يُصَلِّي حاقنا أَو تائقا إِلَى طَعَام بِحَضْرَتِهِ تبع جمَاعَة على هَذِه الْعبارَة وَعبارَة جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب وَتَبعهُ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي الْخُلَاصَة وَيكرهُ أَن يدْخل فِي الصَّلَاة وَهُوَ يدافع الأخبثين أَو حِين تنازعه نَفسه إِلَى طَعَام وَقد صَحَّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَحضر الْعشَاء فابدءوا بالعشاء وَصَحَّ عَنهُ أَيْضا إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة وَوجد

أحدكُم الْخَلَاء فليبدأ بالخلاء وَهَذَا تَقْيِيد يقْضِي على إِطْلَاق قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة بِحَضْرَة طَعَام وَلَا هُوَ يدافعه الأخبثان وَلم أجد أحدا صرح بِكَرَاهَة صَلَاة من طَرَأَ لَهُ ذَلِك فِي أَثْنَائِهَا وَلَعَلَّ من أطلق الْعبارَة رأى أَن اسْتِدَامَة الصَّلَاة لَيست صَلَاة لَكِن قد احْتَجُّوا أَو بَعضهم على أَن الطَّائِف يقطع طَوَافه لإِقَامَة الصَّلَاة بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة وَالطّواف صَلَاة فَيدْخل فِي عُمُوم النَّهْي قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مشيش وَسُئِلَ عَن الرجل يتَطَوَّع فِي الْمَسْجِد فتقام الصَّلَاة هَل يدْخل مَعَ الإِمَام فَقَالَ يتم ثمَّ يدْخل مَعَ الإِمَام فَقيل لَهُ حَدِيث أبي هُرَيْرَة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا صَلَاة إِلَّا الْمَكْتُوبَة فَقَالَ إِنَّمَا ذَلِك أَن لَا يَبْتَدِئ بِصَلَاة إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة انْتهى كَلَامه فَجعلُوا اسْتِدَامَة الصَّلَاة صَلَاة وَيَنْبَنِي على هَذَا مالو حلف وَعقد الْيَمين وَهُوَ مصل أَن لَا يُصَلِّي وَنسي أَنه فِي صَلَاة وَقُلْنَا لَا تبطل صلَاته فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فاستدام أَو حلف لَا يُصَلِّي فابتدأ الصَّلَاة نَاسِيا وَقُلْنَا لَا يَحْنَث ثمَّ ذكر فِيهَا واستدام وَقد قطع ابْن عقيل بِأَنَّهُ إِذا حلف لاصلى وَلَا صَامَ فاستدام لم يَحْنَث ولأصحابنا وَجْهَان فِي مَسْأَلَة الصَّوْم وَلَعَلَّ مَا أخذهما أَن الصَّوْم هَل يَقع على الاستدامه وَلَعَلَّ مَسْأَلَة الصَّلَاة كَذَلِك لهَذَا سوى ابْن عقيل بَينهمَا قَوْله وَله رد من مر أَمَامه يَعْنِي بَينه وَبَين سترته وبالقرب مِنْهُ إِذا لم تكن ستْرَة والقرب ثَلَاثَة أَذْرع وَمَا زَاد عَلَيْهَا بعيد نَص عَلَيْهِ

قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ الْأَقْوَى عِنْدِي لِأَن ذَلِك مُنْتَهى الْمسنون فِي وضع الستْرَة وَعنهُ مَاله الْمَشْي إِلَيْهِ لحَاجَة كَقَتل حَيَّة أَو فتح بَاب وَحَكَاهُ بَعضهم وَجها لِأَنَّهُ صلى عَلَيْهِ وَسلم أَمر أَن يدْفع الْمَار أَمَامه مُطلقًا فَخرج مِنْهُ بِالْإِجْمَاع من كَانَ على بعد تبطل صلَاته بمشيه إِلَيْهِ فَيبقى مَا عداهُ على الظَّاهِر وَقيل مُقَيّد بِالْعرْفِ فَإِن كَانَ الْمَكَان ضيقا أَو يتَعَيَّن طَرِيقا أَو يمشي النَّاس فِيهِ وَنَحْو ذَلِك لم يردهُ قطع بِهِ بَعضهم وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِيمَا إِذا لم يجد الْمَار مساغا غَيره قَالَ وَيكون الْمُصَلِّي مسيئا إِن كَانَ تعمد الصَّلَاة فِي مجازات النَّاس وَجعله قِيَاسا على مَا ذكره من نَص أَحْمد فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب يكره أَن يُصَلِّي فِي مَوضِع يكثر الاجتياز فِيهِ فَإِن فعل لم يجز لأحد أَن يمر بَين يَدَيْهِ وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي هَذَا وَفِيه نظر وإطلاقه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه لَا فرق بَين الْمَسْجِد الْحَرَام وَغَيره وَقدمه غير وَاحِد للْعُمُوم وَعنهُ لَا كَرَاهَة وَلَا منع فِي الْمَسْجِد الْحَرَام وَقطع بِهِ

المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقَالَ نَص عَلَيْهِ لفعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الَّذِي رَوَاهُ عَنهُ الْمطلب بن أبي ودَاعَة وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهم وَلِأَن الطّواف صَلَاة فَصَارَ هَذَا الْمُصَلِّي كمصل بَين يَدَيْهِ صف يصلونَ وَلِأَن النَّاس يكثرون هُنَاكَ ويضيق الاجتياز فِي جِهَة بِعَينهَا وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين أَن حكم الْحرم حكم الْمَسْجِد الْحَرَام وَلم أجد أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِهِ وَقد احْتج على أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه بمرور ابْن عَبَّاس رَاكِبًا على حمَار بَين يَدي بعض الصَّفّ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بِالنَّاسِ بمنى وَهَذَا الِاحْتِجَاج مِنْهُ على اخْتِيَار الْأَصْحَاب لَا على اخْتِيَاره وَظَاهر كَلَامه فِي جَوَاز رد الْمَار فَقَط لقَوْله وَله رد الْمَار وَكَذَا عبارَة جمَاعَة وَصرح الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره باستحباب الرَّد وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رسَالَته فِي الصَّلَاة رِوَايَة مهنا وَمَا يتهاون النَّاس بِهِ فِي صلَاتهم بتركهم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي وَقد جَاءَ الحَدِيث عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ للْمُصَلِّي أدأره فَإِن أَبى فَلَطَمَهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان فَلَو كَانَ للمار بَين يَدي الصَّلَاة رخصَة مَا أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بلطمه وَإِنَّمَا ذَلِك لعظم الْمعْصِيَة من الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي وَالْمَعْصِيَة من الْمُصَلِّي إِذا لم يدرأه وَقَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم سَأَلت أَبَا عبد الله

قلت أيدفع الرجل من يمر بَين يَدَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة قَالَ شَدِيدا ورأيته دفع غير وَاحِد مروا بَين يَدَيْهِ فَلم يدعهم وَهَذَا معنى كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا يَنْبَغِي للمصلى ترك الرَّد إِن أمكنه لِأَنَّهُ مَأْمُور بِهِ وَهُوَ يُنْهِي عَن مُنكر وَقد جَاءَ أَن الْمُرُور ينقص الصَّلَاة فروى البُخَارِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ ممر الرجل يضع نصف الصَّلَاة قَالَ الإِمَام أَحْمد هُوَ يضع من صلَاته وَلَا يقطعهَا وَقَالَ القَاضِي هَذَا مَحْمُول على من أمكنه الرَّد فَلم يرد فَأَما من غلب عَلَيْهِ فَأَجره تَامّ لَا ينقص أجره بذنب غَيره انْتهى كَلَامه وَظَاهر مَا قدم فِي الرِّعَايَة أَن الْمُرُور إِذا لم تكن ستْرَة محرم كَمَا سبق قطع بِهِ جمَاعَة وَقَالَ القَاضِي يكره وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَقيل النَّهْي عَن ذَلِك مُخْتَصّ بِمَا بَينه وَبَين سترته وَحكى ابْن حزم الِاتِّفَاق على إثمه فِي هَذِه الصُّورَة وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر رد الْمَار فِي الْفَرْض وَالنَّفْل آدَمِيًّا كَانَ أَو غَيره وَصرح بِهِ جمَاعَة وَعَن الإِمَام أَحْمد يردهُ فِي الْفَرْض فَقَط قَوْله وَيجب سُجُود السَّهْو لكل مَا تصح بِهِ الصَّلَاة مَعَ سَهْوه دون عمده سُجُود السَّهْو نَفسه تصح الصَّلَاة مَعَ سَهْوه على الْمَذْهَب دون عمده

الَّذِي قبله بِالسَّلَامِ على الْمَذْهَب وَالَّذِي بعده أَيْضا على قَول وَلَا يجب لسَهْوه سجودا آخر وَكَذَا أَيْضا لَا يسْجد لسَهْوه فِي سُجُود السَّهْو نَص عَلَيْهِ الامام أَحْمد وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلم أجد فِيهِ خلافًا فِي الْمَذْهَب لِأَنَّهُ مَظَنَّة التسلسل وَلِأَنَّهُ جَابر غَيره وَنَفسه كَمَا تجزي الشَّاة عَن أَرْبَعِينَ هِيَ أَحدهَا وَكَذَا الحكم إِذا سَهَا بعد سَجْدَتي السَّهْو قبل سلامهما فِي السُّجُود بعد السَّلَام لِأَنَّهُ فِي الْجَائِز فَأَما السُّجُود قبل السَّلَام فَلَا يسْجد لَهُ أَيْضا فِي أقوى الْوَجْهَيْنِ لِأَن سُجُود السَّهْو لَو لم يجْبر كل نقص قبل السَّلَام لأجزأ عَنهُ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَلِأَن السَّهْو بذلك فِي غَايَة الندرة فَلم يفرد بِحكم وَلِأَنَّهُ لَو سجد لَهُ لسجد للسَّهْو بعد الجابر وتسلسل وَوجه الْوَجْه الثَّانِي أَنه نقص لم يقارنه وَلم يسْبقهُ جَابر فَأشبه الْمَسْبُوق إِذا سجد مَعَ إِمَامه ثمَّ سجد فِيمَا يقْضِي وَذكر فِي الرِّعَايَة أَنه إِذا سَهَا بعْدهَا قبل السَّلَام هَل يسْجد لَهُ على وَجْهَيْن وَلم يفرق وَكَذَا الْوَجْهَيْنِ فِيمَن سجد لسَهْوه ثمَّ ذكر أَنه لم يسه وَذكر غير وَاحِد أَن الْكسَائي كَانَ يتقوى بِالْعَرَبِيَّةِ على كل علم فَسَأَلَهُ أَبُو يُوسُف عِنْد ذَلِك بِحَضْرَة الرشيد عَن هَذِه الْمَسْأَلَة هَل يسْجد للسَّهْو فِي سُجُود السَّهْو فَقَالَ لَا يسْجد لِأَن المصغر لَا يصغر

قَوْله فِيمَن نسي ركنا من رَكْعَة فَإِن لم يعلم حَتَّى سلم فَهُوَ كَتَرْكِ رَكْعَة فيبني مالم يطلّ الْفَصْل إِلَّا أَنه يسْجد قبل السَّلَام نَقله عَنهُ حَرْب كَذَا قطع بِهِ هُنَا وَفِي شرح الْهِدَايَة وَلم يحْتَج لَهُ بِشَيْء وَلَفظ الإِمَام أَحْمد قَالَ حَرْب سمعته يَقُول السَّهْو على خَمْسَة أوجه السَّهْو فِي التَّحَرِّي على حَدِيث ابْن مَسْعُود وَيسْجد بعد السَّلَام وَالتَّشَهُّد وَفِي حَدِيث زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن أبي سعيد سجدهما قبل السَّلَام وَلَا يتَشَهَّد وَفِي حَدِيث ابْن بُحَيْنَة سجدها قبل السَّلَام وَلَا يتَشَهَّد وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة وَعمْرَان بن حُصَيْن فِي التَّسْلِيم من ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاث سجد بعد التَّسْلِيم ويتشهد فيهمَا وَقَالَ كل سَهْو يدْخل عَلَيْهِ سوى هَذَا فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهِ قبل السَّلَام لِأَنَّهُ أصح فِي الْمَعْنى فَإِنَّهُ ترك سَجْدَة أَو فَاتِحَة الْكتاب انْتهى كَلَامه وَقد ثَبت أَن سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام عُمُوما واقتصرنا على مورد النَّص فِيمَن سلم من ثِنْتَيْنِ أَو ثَلَاث وَظَاهر كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب أَنه يسْجد فِي كل نقص قبل السَّلَام وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَة قولا إِلْحَاقًا لمحل النزاع بِمحل الْوِفَاق كالعلة الجامعة وَهِي النَّقْض فسوينا بَينهمَا فِي عدم الْبطلَان فِي الْمَنْصُوص من الرِّوَايَتَيْنِ لعِلَّة النَّقْض فَإِن اقْتصر على مورد النَّص هُنَا فليقتصر عَلَيْهِ فِي عدم الْبطلَان وَيُقَال فيبطلان صَلَاة من سلم عَن ترك ركن وَقَالَ الإِمَام أَحْمد

فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خمس رَكْعَات فَسجدَ بعد التَّسْلِيم قَالَ إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّمَا سجدها بعد التَّسْلِيم قَالَ حَرْب فَذهب أَبُو عبد الله إِلَى أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يذكرهما إِلَّا بعد مَا تكلم انْتهى كَلَامه وَظَاهر هَذَا أَنه اعْترض على حَدِيث ابْن مَسْعُود أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِنَّمَا سجد بعد التَّسْلِيم لِأَنَّهُ لم يذكرهُ وَإِلَّا لسجد قبل السَّلَام فعلى هَذَا كل سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام إِلَّا إِذا سلم عَن نقص وَهَكَذَا قَالَ القَاضِي فِي مَوضِع قَالَ وَظَاهر كَلَامه أَن مَا عدا السَّلَام عَن نقص يسْجد لَهُ قبل السَّلَام وَفِي الْمَسْأَلَة رِوَايَات مَشْهُورَة قَوْله وَلَا يسْجد الْمُؤْتَم لسَهْوه كَذَا ذكر الْأَصْحَاب وَظَاهره مُطلقًا وَزَاد فِي الرِّعَايَة وَلَو أَتَى بِمَا تَركه بعد سَلام إِمَامه وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كَانَ الإِمَام يُصَلِّي بمأموم وَاحِد لَا غير فَشك الْمَأْمُوم فَلم أجد فِيهَا نصا عَن أَصْحَابنَا وَقِيَاس الْمَذْهَب لَا يُقَلّد إِمَامه لِأَن قَول الْوَاحِد لَا يَكْفِي فِي مثل ذَلِك بِدَلِيل مَا لَو كَانَ الإِمَام هُوَ الشاك فسبح بِهِ الْمَأْمُوم الْوَاحِد فَإِذا ثَبت أَنه لَا يُقَلّد إِمَامه فَإِنَّهُ يَبْنِي على الْيَقِين كالمنفرد لَكِن لَا يُفَارِقهُ قبل سَلَامه

لِأَنَّهُ لم يتقين خطأه فَلَا يتْرك مُتَابَعَته بِالشَّكِّ فَإِذا سلم أَتَى بالركعة الْمَشْكُوك فِيهَا وَسجد للسَّهْو لِأَنَّهُ أدّى آخر رَكْعَة من صلَاته على الشَّك مُنْفَردا وَسجد لسهو إِمَامه إِن سجد فَإِن نسي إِمَامه أَن يسْجد لم يسْجد وَعنهُ يسْجد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ هَذَا إِذا لم يسه الْمَأْمُوم فَإِن سَهوا مَعًا وَلم يسْجد الإِمَام سجد الْمَأْمُوم رِوَايَة وَاحِدَة لِئَلَّا تَخْلُو الصَّلَاة عَن جَابر فِي حَقه مَعَ نَقصهَا مِنْهُ حسيا وَأطلق صَاحب الْمُحَرر الْعبارَة وَمرَاده غير الْمَسْبُوق فَأَما الْمَسْبُوق إِذا سَهَا إِمَامه فِيمَا أدْركهُ الْمَسْبُوق مَعَه كَذَا قَيده ابْن عقيل وَلَا عمل عَلَيْهِ فَيلْزمهُ السُّجُود بعد فعل مَا فَاتَهُ رِوَايَة وَاحِدَة وَذكره غير وَاحِد إِجْمَاعًا لِأَنَّهُ لم يُوجد جَابر من إِمَامه وَسُجُوده لَا يخل بمتابعة إِمَامه وَفِي مَعْنَاهُ إِذا انْفَرد لعذر فَإِنَّهُ يسْجد وَإِن لم يسْجد إِمَامه مَعَه قطع بِهِ غير وَاحِد مِنْهُم صَاحب الرِّعَايَة وَإِن سجد إِمَام الْمَسْبُوق فَهَل يلْحقهُ حكم سَهْو إِمَامه فَيسْجد مَعَه كَمَا هُوَ الْمَذْهَب أَو لَا يلْحقهُ فَيسْجد إِذا قضى فِيهِ رِوَايَتَانِ فعلى الْمَذْهَب هَل يُعِيد السُّجُود إِذا قضى فِيهِ رِوَايَتَانِ أصَحهمَا لَا يُعِيد وَإِن أدْرك الْمَأْمُوم الإِمَام بعد سُجُود السَّهْو وَقبل

السَّلَام لم يسْجد قطع ابْن الْجَوْزِيّ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص إِذا تمت صَلَاة الْمَأْمُوم قبل الإِمَام وَكَانَ الإِمَام سَهَا فَهَل يسْجد الْمَأْمُوم يتَخَرَّج على رِوَايَتَيْنِ قَالَ وأصلهما هَل سُجُود الْمَأْمُوم تبعا أَو لسهو الإِمَام فِيهِ رِوَايَتَانِ قَوْله وَيجوز التَّطَوُّع جَالِسا وَظَاهره أَنه لَا يجوز مُضْطَجعا قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ ظَاهر قَول أَصْحَاب أبي حنيفَة لعُمُوم الْأَدِلَّة على افتراض الرُّكُوع وَالسُّجُود والاعتدال عَنْهُمَا وَالثَّانِي الْجَوَاز وَهُوَ قَول الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ مَذْهَب حسن لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الحَدِيث الصَّحِيح وَمن صلى نَائِما فَلهُ مثل نصف أجر الْقَاعِد وَلَا يَصح حمله على الْمَرِيض وَغَيره مِمَّن لَهُ عذر لِأَن أجره مثل أجر الصَّحِيح الْمُصَلِّي قَائِما انْتهى كَلَامه وَالْخَبَر الْمَذْكُور رَوَاهُ البُخَارِيّ والخمسة وَقَالَ غير وَاحِد فِي صِحَة التَّطَوُّع

مُضْطَجعا وَجْهَان فَإِن قُلْنَا بِالْجَوَازِ فَهَل لَهُ الْإِيمَاء فِيهِ وَجْهَان وَقَالَ إِسْحَق ابْن إِبْرَاهِيم فِي مسَائِله وَسُئِلَ يَعْنِي الإِمَام أَحْمد عَن رجل يُصَلِّي مُحْتَبِيًا أَو مُتكئا تَطَوّعا قَالَ لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَمعنى هَذَا الحَدِيث يَعْنِي الحَدِيث الْمَذْكُور وَهُوَ حَدِيث عمرَان عِنْد بعض أهل الْعلم فِي صَلَاة التَّطَوُّع حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا ابْن أبي عدي عَن أَشْعَث بن عبد الْملك عَن الْحسن قَالَ إِن شَاءَ الرجل صلى صَلَاة التَّطَوُّع قَائِما وجالسا ومضطجعا وَقَالَ الْخطابِيّ لَا أحفظ عَن أحد من أهل الْعلم أَنه رخص فِي صَلَاة التَّطَوُّع نَائِما كَمَا رخصوا فِيهَا قَاعِدا فَإِن صحت هَذِه اللَّفْظَة فَإِن التَّطَوُّع مُضْطَجعا للقادر على الْقعُود جَائِز كَمَا يجوز للْمُسَافِر أَن يتَطَوَّع على رَاحِلَته وَقَالَ الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ وَالأَصَح عندنَا جَوَاز النَّفْل مُضْطَجعا للقادر على الْقيام وَالْقعُود للْحَدِيث الصَّحِيح وَمن صلى نَائِما فَلهُ نصف أجر الْقَاعِد وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية التَّطَوُّع مُضْطَجعا لغير عذر لم يجوزه إِلَّا طَائِفَة قَليلَة من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد وَهُوَ قَول شَاذ لَا أعرف لَهُ أصلا فِي السّلف وَلم يبلغنَا عَن أحد مِنْهُم أَنه صلى مُضْطَجعا بِلَا عذر وَلَو كَانَ هَذَا مَشْرُوعا لفعلوه كَمَا كَانُوا يتطوعون قعُودا والْحَدِيث الَّذِي ذَكرُوهُ بَين فِيهِ أَن المضطجع لَهُ نصف أجر الْقَاعِد وَهَذَا حق وَذَلِكَ لَا يمْنَع أَن يكون مَعْذُورًا فَإِن الْمَعْذُور لَيْسَ لَهُ بِالْعَمَلِ إِلَّا على مَا عمله فَلهُ بِهِ نصف الْأجر وَأما مَا يَكْتُبهُ الله تَعَالَى لَهُ من غير عمل ليثيبه إِيَّاه فَذَلِك شَيْء آخر كَمَا قَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كتب لَهُ من الْعَمَل مَا كَانَ يعْمل وَهُوَ صَحِيح مُقيم فَلَو لم يصل النَّافِلَة الَّتِي كَانَ يُصليهَا لكتبت لَهُ وَلَا يُقَال إِنَّه صلى قَوْله وَالسّنة أَن يتربع نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَقطع بِهِ جماعات

وَقَالَ فِي رِوَايَة إِسْحَق بن إِبْرَاهِيم وَسُئِلَ عَن الصَّلَاة جَالِسا قَالَ متربعا أحب إِلَيّ وَمَا خف عَلَيْهِ فعله قَالَ وَرَأَيْت أَيْضا إِذا أَرَادَ أَن يُصَلِّي قَاعِدا يجلس ينصب الْيُمْنَى ويفترش الْيُسْرَى وَيكبر كَمَا هُوَ قَاعد أَو يسْجد كَمَا هُوَ وَذكر فِي الْوَسِيلَة رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد أَنه يتربع إِلَّا أَن يكثر رُكُوعه وَسُجُوده فَلَا يتربع فَهَذِهِ أَربع رِوَايَات قَوْله وَيرْفَع يَدَيْهِ هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَقَالَ ابْن عقيل وَقَالَ شَيخنَا نَخْتَار رفع الْيَدَيْنِ عِنْد تَكْبِيرَة الانحطاط عَن هَذَا الدُّعَاء وَعلل بِأَنَّهُ حكم يطول فَهُوَ كالقراءة انْتهى كَلَامه فعلى الأولى يرفعهما إِلَى صَدره لِأَن ابْن مَسْعُود فعله ذكره فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص فِي بَاب صفة الصَّلَاة هَل يرفعهما كرفع الرُّكُوع أَو ليمسح بهما وَجهه على رِوَايَتَيْنِ

قَوْله اللَّهُمَّ اهدني فِيمَن هديت الخ ظَاهره أَن كل مصل يَقُول هَكَذَا وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَن الإِمَام إِذا قنت أَتَى بنُون الْجمع فَيَقُول اللَّهُمَّ اهدنا الخ لِئَلَّا يخص نَفسه دونهم ومجموع هَذَا الدُّعَاء ذكر الْأَصْحَاب أَنه يَقُوله كَمَا ذكر المُصَنّف وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْفُصُول وَالْمُسْتَحب عندنَا مَا رَوَاهُ الْحسن بن عَليّ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اهدني الحَدِيث مَشْهُور قَالَ فَإِن ضم إِلَيْهِ مَا روى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ اللَّهُمَّ إِنَّا نستعينك الخ فَلَا بَأْس قَوْله وَالْمَأْمُوم يُؤمن وَعنهُ يَدْعُو زَاد بَعضهم فِي حِكَايَة هَذِه الرِّوَايَة يجْهر بِهِ وَعنهُ يُتَابِعه فِي الثَّنَاء ويؤمن على الدُّعَاء وَعنهُ يُخَيّر فِي الدُّعَاء بَين الْمُوَافقَة والتأمين وَمن الْأَصْحَاب من حكى رِوَايَة التَّخْيِير مُطلقًا وَظَاهر كَلَام صَاحب الْمُحَرر أَن الْخلاف سَوَاء جهر الإِمَام أم لَا وَكَذَا ظَاهر كَلَام غَيره وَقطع بعض الْأَصْحَاب أَن الْخلاف إِن كَانَ يسمع دُعَاء الإِمَام وَأَنه إِن لم يسمع دُعَاء نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد

ثمَّ الْخلاف قيل هُوَ فِي الْأَفْضَلِيَّة وَقيل بل فِي الْكَرَاهَة قَوْله وَمن ائتم بِمن يقنت فِي الْفجْر تَابعه فأمن أَو دَعَا مُرَاده أَن حكمه حكم الْمَأْمُوم فِي الْوتر على الْخلاف السَّابِق وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يُتَابِعه وَهُوَ قَول أبي حنيفَة قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَهِي الصَّحِيحَة عِنْدِي لقَوْل ابْن عمر أَرَأَيْتكُم قيامكم بعد فرَاغ الإِمَام من الْقِرَاءَة هَذَا الْقُنُوت إِنَّه وَالله لبدعة مَا فعله رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا شهرا ثمَّ تَركه رَوَاهُ أَبُو حَفْص العكبري بِإِسْنَادِهِ قَوْله وَسنة التَّرَاوِيح عشرُون رَكْعَة مُرَاده وَالله أعلم أَن هَذَا هُوَ الْأَفْضَل لَا أَن غَيره من الْأَعْدَاد مَكْرُوه وعَلى هَذَا كَلَام الإِمَام أَحْمد فانه قَالَ لَا بَأْس بِالزِّيَادَةِ على عشْرين رَكْعَة وَكَذَا ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه لَا يكره شَيْء من ذَلِك وَأَنه قد نَص على ذَلِك غير وَاحِد من الْأَئِمَّة كأحمد وَغَيره قَالَ وَالْأَفْضَل يخْتَلف باخْتلَاف أَحْوَال الْمُصَلِّين فَإِن كَانَ فيهم احْتِمَال لطول الْقيام وَالْقِيَام بِعشر رَكْعَات وَثَلَاث بعْدهَا هُوَ الْأَفْضَل وَإِن كَانُوا لَا يحْتَملُونَ فالقيام بِعشْرين هُوَ الْأَفْضَل وَقد روى الإِمَام أَحْمد مَا يدل على التَّخْيِير فِي الْأَعْدَاد المروية وَقد يدل لما اخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِنَّهُ قَالَ روى فِي هَذَا ألوان وَلم يقْض فِيهِ بِشَيْء وَقَالَ عبد الله رَأَيْت أبي يُصَلِّي فِي رَمَضَان مَالا أحصي

قَوْله وَيسن لَهَا وللوتر بعْدهَا الْجَمَاعَة وَظَاهره اسْتِحْبَاب الْجَمَاعَة خَاصَّة وَكَذَا كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب إِلَّا أَن كَلَام جمَاعَة مِنْهُم فِي أَدِلَّة الْمَسْأَلَة يدل على اسْتِحْبَاب الْمَسْجِد أَيْضا وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب فَقَالَ وَمن السّنة المأثورة فعلهَا جمَاعَة فِي الْمَسَاجِد وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين تنَازع الْعلمَاء فِي قيام رَمَضَان هَل فعله فِي الْمَسْجِد جمَاعَة أفضل أم فعله فِي الْبَيْت أفضل على قَوْلَيْنِ مشهورين هما قَولَانِ للشَّافِعِيّ وَأحمد ثمَّ بحث الْمَسْأَلَة قَوْله وَتجب الْجَمَاعَة على الرِّجَال للمكتوبة ظَاهره الْقطع بِوُجُوبِهَا على العَبْد وَفِيه نظر بل يُقَال لَا تجب عَلَيْهِ وَإِن وَجَبت عَلَيْهِ الْجُمُعَة لتكررها بِخِلَافِهَا أَو يكون فِيهَا رِوَايَتَانِ كَالْجُمُعَةِ كَمَا حكاهطائفة كَابْن الْجَوْزِيّ وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا على العَبْد إِذا لم نوجب عَلَيْهِ الْجُمُعَة وَأولى من قبل أَنَّهَا تَتَكَرَّر فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة وَظَاهر قَوْله للمكتوبة وُجُوبهَا للفائتة وَإِن لم تجب للمنظورة وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَلَيْسَ بِبَعِيد وَلم أَجِدهُ صَرِيحًا فِي كَلَام الْأَصْحَاب بل ذكر غير وَاحِد فِي وُجُوبهَا لَهما وَجْهَيْن وَلَعَلَّ هَذَا أوجه على الْمَذْهَب كَمَا سوينا بَينهمَا فِي فعلهَا وَقت نهي فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَقد قطع بِهِ فِي الْمُحَرر لوجوبهما جَمِيعًا وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى الْفرق وَهِي مَذْهَب أبي حنيفَة لتأكد الْوَاجِب بِأَصْل الشَّرْع وَقطع غير وَاحِد مِنْهُم الشَّيْخ مجد الدّين بِعَدَمِ وُجُوبهَا لَهما

فعلى هَذَا ظَاهر كَلَامه وُجُوبهَا حضرا وسفرا وَقد صرح بِهِ غَيره وَظَاهر كَلَامه وُجُوبهَا فِي حَالَة شدَّة الْخَوْف وَيُؤَيِّدهُ أَن المُصَنّف احْتج فِي هَذِه الصُّورَة بعمومات النُّصُوص فِي صَلَاة الْجَمَاعَة وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فِي بَاب جمل من الْفَرَائِض وَصَلَاة الْخَوْف وَاجِبَة أَمر الله بهَا وَهُوَ فعل يستدركون بِهِ فضل الْجَمَاعَة قَوْله وفعلها فِي الْمَسْجِد فرض كِفَايَة وَعنهُ فرض عين لم أجد أحدا من الْأَصْحَاب قَالَ بِفَرْض الْكِفَايَة قبل الشَّيْخ مجد الدّين وَكَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة يدل على أَنه هُوَ لم يجد احدا مِنْهُم قَالَ بِهِ وَزَاد غير وَاحِد على أَنَّهَا فرض عين على الْقَرِيب مِنْهُ وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة وَدَلِيل هَذَا وَاضح وَذكر الشَّيْخ مجد الدّين أَنه إِذا صلى فِي بَيته صحت فِي ظَاهر الْمَذْهَب قَالَ وَيتَخَرَّج أَن لَا تصح بِنَاء على أَن الْجَمَاعَة شَرط لِأَنَّهُ ارْتكب النَّهْي قَالَ وَالْأولَى اخْتِيَار الْأَصْحَاب يَعْنِي أَن لَهُ فعلهَا فِي بَيته فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي عِنْدِي بعيدَة جدا إِن حملت على ظَاهرهَا ثمَّ شرع يسْتَدلّ لاختياره أَنَّهَا فرض كِفَايَة بِأَنَّهَا من أكبر شَعَائِر الدّين وَقَول ابْن مَسْعُود لَو صليتم فِي بُيُوتكُمْ كَمَا يُصَلِّي هَذَا المتخلف فِي بَيته لتركتم سنة نَبِيكُم وَلَو تركْتُم سنة نَبِيكُم لَضَلَلْتُمْ وَيَنْبَغِي أَن يعرف أَن اشْتِرَاط الْجَمَاعَة رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد حَكَاهُ ابْن الزَّاغُونِيّ قَالَ بِنَاء على أَن الْوَاجِب هُوَ الْفَرْض وتغليبها على الْجُمُعَة وَحَاصِل هَذَا أَن ابْن الزَّاغُونِيّ خرج رِوَايَة بالاشتراط من مَسْأَلَة الْفَرْض وَالْوَاجِب وَهَذَا فِيهِ نظر لِأَنَّهُ كَيفَ يخرج من قَاعِدَة عَامَّة شَيْء بِخِلَاف نَص

الإِمَام وَلِهَذَا لم أجد أحدا ساعد على هَذَا التَّخْرِيج وَوَافَقَ عَلَيْهِ وَقد قَالَ الشريف أَبُو جَعْفَر وَغَيره من الْأَصْحَاب لَا نَص عَن صاحبنا فِي كَونهَا شرطا وَقَالَ ابْن عقيل وَعِنْدِي أَنه إِذا تعمد تَركهَا مَعَ الْقُدْرَة لم تصح بِنَاء على أصلنَا الْمَعْمُول عَلَيْهِ فِي الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْغَصْب وَهُوَ نهي لَا يخْتَص الصَّلَاة فَكيف هَهُنَا وَهُوَ نهي يخْتَص الصَّلَاة وَترك مَأْمُور يخْتَص الصَّلَاة وَقَالَ أَيْضا فِي الْفُصُول وَهل تبطل الصَّلَاة بِتَرْكِهَا اخْتلف أَصْحَابنَا على وَجْهَيْن أصَحهمَا عِنْدِي تبطل لِأَنَّهُ وَاجِب فبطلت الصَّلَاة بِتَرْكِهِ عمدا كَسَائِر وَاجِبَات الصَّلَاة ثمَّ ذكر معنى كَلَامه الْمُتَقَدّم وَقد قَالَ صَالح فِي مسَائِله قَالَ أبي الصَّلَاة جمَاعَة أخْشَى أَن تكون فَرِيضَة وَلَو ذهب النَّاس يَجْلِسُونَ عَنْهَا لتعطلت الْمَسَاجِد رُوِيَ عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس من سمع النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الِاشْتِرَاط وَاحْتج الْأَصْحَاب بتفضيل الشَّارِع عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة الْمُنْفَرد وَلَا يَصح حمل ذَلِك على الْمَعْذُور لِأَنَّهُ يكْتب لَهُ أجر مَا كَانَ يَفْعَله لَوْلَا الْعذر كَمَا دلّت عَلَيْهِ نُصُوص صَحِيحَة وَلِأَنَّهَا لَا يشْتَرط لَهَا بَقَاء الْوَقْت فَكَذَا الْجَمَاعَة كالفائتة بعكس الْجُمُعَة وَوُجُوب الْجَمَاعَة لَهَا لَا يُوجب أَن لَا تصح عِنْد عدمهَا كواجبات الْحَج وكترك وَقتهَا عمدا فَإِنَّهَا تصح بعده وَإِن كَانَت قَضَاء وَأجَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن قَوْلهم لَا يَصح حمله على الْمَعْذُور بِأَن الْمَعْذُور يَنْقَسِم على قسمَيْنِ مَعْذُور من عَادَته فِي حَال صِحَّته الصَّلَاة جمَاعَة ومعذور عَكسه فَالْأول هُوَ الَّذِي لَا ينقص أجره عَن حَال صِحَّته وَهُوَ مُرَاد الشَّارِع

وَلِهَذَا قَالَ إِلَّا كتب لَهُ مَا كَانَ يعْمل مُقيما صَحِيحا وَهَذَا من التَّفْضِيل وَالْخَيْر لِأَنَّهُ لما كمل الْخدمَة فِي حَال الصِّحَّة ناسب أَن يكمل لَهُ الْأجر فِي حَال الْعَجز وَهَذَا بِخِلَاف الْقسم الثَّانِي من الْمَعْذُور وَهُوَ الَّذِي أَرَادَهُ الشَّارِع بالتفضيل وَأما قياسها على الْفَائِتَة فَإِن لم نقل بِوُجُوب الْجَمَاعَة لَهَا فَلَا إِشْكَال كالنافلة وَإِن قُلْنَا بِهِ فَلَا أَظن الْمُخَالف يُسَلِّمهَا وَلِهَذَا لم أجد أحدا قَاس عَلَيْهَا إِلَّا من قطع بِعَدَمِ وجوب الْجَمَاعَة لَهَا أَو رَجحه وَهَذَا القائس أوهم بالفائتة وَإِلَّا لَو قَاس على النَّافِلَة كَانَ أوضح للحق وَلِهَذَا لما احْتج ابْن عقيل على عدم الِاشْتِرَاط قَالَ لِأَنَّهَا صَلَاة لم يشْتَرط لَهَا الْوَقْت فَلم يشْتَرط لَهَا الْعدَد كالنوافل وَعَكسه الْجُمُعَة وَلما كَانَ دَلِيل الِاشْتِرَاط عِنْد ابْن عقيل قَائِما وَفَسَاد هَذَا الْقيَاس وَاضحا اسْتغنى عَن إفساده وَأما اعْتِبَار وَاجِبَات الصَّلَاة فِيهَا بواجبات الْحَج ففساده أوضح لِأَنَّهُ لَا صِحَة للصَّلَاة مَعَ ترك الْوَاجِب فِيهَا عمدا من غير نزاع لنا غير مَحل النزاع وَعَكسه وَاجِبَات الْحَج لقِيَام الدَّلِيل على جبرانها وَأما إيقاعها بعد وَقتهَا عمدا فَلم يخل بترك وَاجِب فِيهَا إِنَّمَا أوقع الْعِبَادَة بعد فعل محرم خَارج عَنْهَا فَهُوَ كَغَيْرِهِ من الْمُحرمَات بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا على أَنه لَو ترك الْجَمَاعَة مَعَ الْقُدْرَة ثمَّ عجز عَن إيقاعها جمَاعَة صحت مِنْهُ مُنْفَردا وَإِن كَانَ قد فعل محرما وَقد اعْترف الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن هَذِه الأقيسة لِلْقَوْلِ بِعَدَمِهِ لَيست مَانِعَة من عمل الدَّلِيل الْمُقْتَضِي للقائل بِهِ أَن يعْمل عمله لِضعْفِهَا قَالَ وَكَونهَا شرطا أَقيس وَعَدَمه أشبه بِدلَالَة الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة وَقد تقدم ذَلِك قَالَ وَهُوَ مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَهَذَا صَحِيح وَالله أعلم وَقد يُجَاب عَمَّا تقدم من جَوَاب الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِأَن فِيمَا ذكره قصر اللَّفْظ الْعَام على صُورَة قَليلَة نادرة فِي حَال زمن الْمُتَكَلّم لِأَن الْمَعْذُور الْمُنْفَرد الَّذِي

لَيْسَ من عَادَته فِي حَال صِحَّته إِيقَاع الصَّلَاة جمَاعَة قَلِيل ونادر فِي ذَلِك الزَّمَان بِلَا إِشْكَال وَلِهَذَا قَالَ ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَنْهَا إِلَّا مُنَافِق قد علم نفَاقه أَو مَرِيض وَإِن كَانَ الْمَرِيض ليهادى بَين الرجلَيْن حَتَّى يُقَام فِي الصَّفّ فَهَذَا هُوَ الْمَعْهُود الْمَعْرُوف بَينهم فِي ذَلِك الزَّمَان بل كَلَام ابْن مَسْعُود يدل على أَنه لم يكن يتَخَلَّف عَنْهَا صَحِيح لَكِن مَعْذُور أَو مُنَافِق وَهَذَا إِن كَانَ وَاقعا فِي ذَلِك الزَّمَان فَلَا ريب فِي قلته وندرته وَلَا يخفى بعد قصر الْعَام على الْأُمُور النادرة والوقائع الْبَعِيدَة وَقد صرح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره بِعَدَمِ جَوَازه وَقد كتبت كَلَامه فِي شَهَادَة الشُّرُوطِي وَغَيره وَلَا يمْتَنع مُسَاوَاة هَذَا الْمَعْذُور بعادم الْعذر فِي أَن صلاتهما مفضولة للصَّلَاة جمَاعَة بِقدر معِين وَاخْتلف فِي سُقُوط الْإِثْم بالعذر قَوْله وَمن أم فِي مَسْجِد قبل إِمَامه لم يجز كَذَا عبر جمَاعَة وَبَعْضهمْ أطلق النَّهْي فعلى الأولى لَو صلى يَنْبَغِي أَن لَا تصح وَقَالَ فِي الرِّعَايَة فَإِن اتَّسع الْوَقْت وَصلى بِلَا إِذْنه وَلَا عذر لَهُ فِي تَأْخِيره صحت مَعَ الْكَرَاهَة وَيحْتَمل الْبطلَان بِالنَّهْي وَعبارَته كعبارة من أطلق النَّهْي فَقَالَ وَلَا يؤم فَإِن كَانَ أَرَادَ بِالنَّهْي الْكَرَاهَة أَو التَّحْرِيم فَيَنْبَغِي أَن يفرع عَلَيْهِ وَأما هَذِه الْعبارَة فَفِيهَا نظر على كل حَال فَلَا بطلَان مَعَ الْكَرَاهَة وَكَانَ فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَان حرج عَلَيْهِمَا الصِّحَّة وَعدمهَا وَقَوله أَو يخْشَى فَوَات الْوَقْت يَعْنِي الْوَقْت الشَّرْعِيّ الَّذِي يحرم التَّأْخِير عَنهُ

قَوْله وَمن أدْرك الإِمَام رَاكِعا كبر للْإِحْرَام وَسَقَطت تَكْبِيرَة الرُّكُوع نَص عَلَيْهِ قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة لِأَن حَال الرُّكُوع يضيق عَن الْجمع بَين تكبيرتين فِي الْغَالِب فَإِن وجد أماما يُطِيل الرُّكُوع لم يجب اعْتِبَاره وَحمل الْأَمر على الْغَالِب وَأَنه مَتى تشاغل بتكبيرتين رفع الإِمَام فَسَقَطت الثَّانِيَة كَمَا قَالَ من أوجب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام فِي الْجَهْر والإخفات أَنَّهَا تسْقط إِذا أدْركهُ رَاكِعا لِأَن تِلْكَ حَالَة تضيق عَن الْقِرَاءَة فَلَو وجد إِمَامًا يُطِيل الرُّكُوع حَتَّى تمكنه الْقِرَاءَة لم يجب اعْتِبَاره وَسَقَطت وَكَذَلِكَ من قَالَ يقْرَأ فِي سكتاته قَالَ لما كَانَت السكتات لَا تتسع للْقِرَاءَة لم يُوجِبهَا فِيهَا كَذَلِك هُنَا انْتهى كَلَامه

فرع

وَظَاهر كَلَام من أوجب الْقِرَاءَة أَنه يقْرَأ مالم يخْش رفع الإِمَام وَقد تقدم فِي قَوْله فَهَذِهِ وَاجِبَات أَنه إِذا ترك تَكْبِيرَة الرُّكُوع عمدا وَجها وَبَعْضهمْ حَكَاهُ رِوَايَة أَن صلَاته لَا تصح وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو خَافَ إِن تشاغل بهَا فَاتَهُ الرُّكُوع فَإِنَّهَا تسْقط للْعُذْر وَقد تقدم هَذَا فِي قِرَاءَة الْفَاتِحَة قَوْله وَإِذا بطلت صَلَاة الْمَأْمُومين جَمِيعًا أتمهَا الإِمَام مُنْفَردا وَكَذَا قطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَجعله أصلا لِلْقَوْلِ بِأَن من نوى الْإِمَامَة فَلم يَأْته مَأْمُوم أَو انْصَرف عَنهُ الْمَأْمُوم الْحَاضِر من غير إِحْرَام فَإِنَّهُ يُتمهَا مُنْفَردا وَسَيَأْتِي فِي تَوْجِيه رِوَايَة الْبطلَان فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا إِشَارَة إِلَى وَجه التَّفْرِقَة بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ قَالَ أَبُو الْخطاب قد بَينا أَن صَلَاة الإِمَام غير مُتَعَلقَة بِصَلَاة الْمَأْمُوم وَلَا تَابِعَة لَهَا وَصَلَاة الْمَأْمُوم تَابِعَة لَهَا صِحَة وَفَسَادًا وَاسْتدلَّ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَأَن صلَاته لَا تبطل خلافًا لأبي حنيفَة وَمَالك كقولهما فِي الْمَأْمُوم بِأَنَّهُ صَار مُنْفَردا لعذر فَأشبه الْمَسْبُوق المتخلف إِذا أكمل من خَلفه صلَاتهم يَعْنِي فَإِنَّهُم يفارقونه ويسلمون منفردين لم يزدْ على ذَلِك وَهَذَا فِيهِ نظر وَدَعوى أَنه صَار مُنْفَردا مَمْنُوعَة بل بطلت صلَاته بِبُطْلَان صَلَاة مأمومه وصيرورته مُنْفَردا فرع بَقَاء صِحَة صلَاته وَهِي مَحل النزاع واستخلاف الْمَسْبُوق فِيهِ منع وَإِن

سلم فسلامهم منفردين إِذا أَتموا صلَاتهم مَمْنُوع وَإِن سلم فَهِيَ مُفَارقَة الْمَأْمُوم إِمَامه لعذر فنظيره أَن يَنْوِي الإِمَام مُفَارقَة مأمومه لعذر كَمَا لَو حدث خوف فِي أثْنَاء الصَّلَاة وَنحن نقُول بِهِ وَكَذَا لَو انْفَرد الْمَأْمُوم لعذر فَإِن الإِمَام يُتمهَا مُنْفَردا وَذكر بَعضهم تخريجا بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام بِبُطْلَان صَلَاة الْمَأْمُوم لِأَن كِلَاهُمَا شَرط فِي انْعِقَاد الْجَمَاعَة فَإِذا بطلت صَلَاة أَحدهمَا بطلت صَلَاة الآخر أَو أتمهَا مُنْفَردا تَسْوِيَة بَينهمَا وَهَذَا هُوَ الَّذِي قطع بِهِ فِي الْمُغنِي قَالَ قِيَاس الْمَذْهَب أَن حكمه حكم الإِمَام مَعَه على مَا فصلناه لِأَن ارتباط صَلَاة الإِمَام بالمأموم كارتباط صَلَاة الْمَأْمُوم بِالْإِمَامِ فَمَا فسد ثمَّ فسد هَهُنَا وَمَا صَحَّ ثمَّ صَحَّ هَهُنَا وَقَالَ المُصَنّف فِي تَوْجِيه رِوَايَة عدم بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام وَلِأَن الْجَمَاعَة تفْتَقر إِلَى إِمَام ومأموم ثمَّ لَو بطلت صَلَاة كل الْمَأْمُومين لم تبطل صَلَاة الإِمَام كَذَلِك بِالْعَكْسِ وَهَذَا اعْتِرَاف بالمساواة وَهِي مَانِعَة من التَّفْرِقَة بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الحكم وَقد جعل ابْن عبد الْقوي بطلَان صَلَاة الْمَأْمُوم بِبُطْلَان صَلَاة الإِمَام وَهَذَا الْجعل وَالِاعْتِرَاف الَّذِي قبله غير خَافَ حكمه قَوْله وَإِن بطلت صَلَاة الإِمَام لعذر أَو غَيره بطلت صلَاتهم قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة حَكَاهُمَا جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَوجه الْبطلَان وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة مَا يرْوى عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا إِذا فَسدتْ صَلَاة الإِمَام فَسدتْ صَلَاة من خَلفه قَالَ المُصَنّف إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث لم أَقف عَلَيْهِ رَوَاهُ القَاضِي أَبُو يعلى وَلِأَن حدث الإِمَام معنى يمْنَع انْعِقَاد صَلَاة الْمَأْمُوم إِذا تقدمها فأبطلها إِذا طَرَأَ عَلَيْهَا كحدث الْمَأْمُوم وَهَذَا لِأَن صَلَاة الْمَأْمُوم مندرجة فِي ضمن صَلَاة الإِمَام وتابعة لَهَا حَتَّى نقصت بنقصانها بِدَلِيل حَالَة السَّهْو

فَكَذَلِك تبطل ببطلانها تركنَا هَذَا الْقيَاس إِذا كَانَ الإِمَام مُحدثا فَلم يعلمَانِهِ حَتَّى فرغا للأثر على أَن فِيهِ رِوَايَة بِالْبُطْلَانِ أَيْضا اخْتَارَهَا أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار وَهَكَذَا نقُول على الْمَذْهَب فِيمَن سبقه الْحَدث فَلم يعلم بِهِ وَلَا الْمَأْمُوم حَتَّى فرغا لَا يُعِيد الْمَأْمُوم وَأولى لِأَن الطارىء لم يمْنَع الِانْعِقَاد بِخِلَاف الْمُقَارن وَوجه عدم الْبطلَان وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي عدم اسْتِخْلَاف مُعَاوِيَة لما طعن وَصلى كل إِنْسَان لنَفسِهِ رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد فِي مسَائِل صَالح عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ واستخلاف عمر لعبد الرَّحْمَن بن عَوْف لما طعن رَوَاهُ البُخَارِيّ وَقَالَ القَاضِي إِن بطلت صلَاته بترك فرض كالقراءة بطلت صلَاتهم رِوَايَة وَاحِدَة وَإِن كَانَ بِفعل مَنْهِيّ عَنهُ كَالْكَلَامِ وَالْحَدَث وَالْعَمَل الْكثير فعلى رِوَايَتَيْنِ وَهَكَذَا ذكر الشَّيْخ فَخر الدّين فِي التَّلْخِيص وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين أَنه إِذا اخْتَلَّ من الإِمَام غير الْحَدث من الشُّرُوط كستر الْعَوْرَة واستقبال الْقبْلَة لم يعف عَنهُ فِي حق الْمَأْمُوم لِأَن ذَلِك لَا يخفى غَالِبا بِخِلَاف الْحَدث والنجاسة وَكَذَا إِن فَسدتْ صلَاته بترك ركن فَسدتْ صلَاتهم وَإِن فَسدتْ لفعل يبطل فَإِن كَانَ عمدا فَسدتْ صَلَاة الْجَمِيع وَإِن كَانَ عَن غير عمد لم تفْسد صَلَاة الْمَأْمُوم نَص عَلَيْهِ فِي الضحك من الإِمَام وَعَن الإِمَام أَحْمد فِيمَن سبقه الْحَدث رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَن صَلَاة الْمَأْمُومين تفْسد لترك الشَّرْط فِيهِ وَقد ثَبت الحكم فِي الشَّرْط بِأَن عمر ترك الْقِرَاءَة فِي الْمغرب ثمَّ قَالَ لَا صَلَاة إِلَّا بِقِرَاءَة ثمَّ أعَاد وَأعَاد النَّاس قَالَ وَالصَّحِيح الأولى وَاحْتج باستخلاف عمر لعبد الرَّحْمَن وَالشّرط آكِد لِأَنَّهُ لَا يُعْفَى عَنهُ بِالنِّسْيَانِ بِخِلَاف الْمُبْطل انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين بعد حِكَايَة كَلَام القَاضِي السَّابِق الأول أصح لِأَنَّهُمَا سَوَاء فِي حق الإِمَام فَكَذَلِك فِي حق الْمَأْمُوم وَعند مَالك إِن تعمد

الْمُفْسد فَسدتْ صلَاتهم وَإِن كَانَ لعذر لم تفْسد صلَاتهم كَمَا قُلْنَا فِيمَا إِذا صلى بهم مُحدثا وَذكر أَبُو بكر عبد الْعَزِيز فِي مَسْأَلَة سبق الْحَدث للْإِمَام أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تبطل رِوَايَة وَاحِدَة وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن هَذَا اخْتِيَارا أَكثر الْأَصْحَاب قَوْله وَعنهُ لَا تبطل ويتمونها جمَاعَة وَإِن اسْتخْلف كل طَائِفَة رجلا وأوقعوها جماعات جَازَ وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي غير الْجُمُعَة وَأما فِي الْجُمُعَة فَلَا يجوز قَوْله أَو فُرَادَى هَذَا فِي غير الْجُمُعَة أما فِي الْجُمُعَة فَإِن قُلْنَا بِجَوَاز الِاسْتِخْلَاف فَلم يفعل وَأَتمُّوا فُرَادَى لم تجزئهم جمعتهم قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة قولا وَاحِدًا لِأَن مَا اشْترط لأوّل رَكْعَة من صَلَاة الْجُمُعَة وَاعْتبر للثَّانِيَة كَسَائِر الشُّرُوط وَإِن قُلْنَا بِمَنْع الِاسْتِخْلَاف فَأتمُّوا فُرَادَى فَقيل لَا تجزئهم جُمُعَة لِأَن الْجَمَاعَة شَرط وَلم يُوجد فِي جَمِيعهَا فَأشبه اختلال الْعدَد وعَلى هَذَا هَل يتمونها ظهرا أَو يستأنفونها يَنْبَغِي أَن تكون كَمَسْأَلَة اختلال الْعدَد لِأَن الْمَسْأَلَة مُعْتَبرَة وَقد صرح بعض الْأَصْحَاب بِأَنَّهُم يتمونها ظهرا وَقيل تجزئهم جُمُعَة إِذا كَانُوا قد صلوا مَعَه رَكْعَة كالمسبوق وَقيل تجزئهم جُمُعَة بِكُل حَال لأَنهم لما منعُوا الِاسْتِخْلَاف دلّ على بَقَاء حكم الْجَمَاعَة قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين وَالْأول أشبه بمذهبنا والمسبوق أدْرك رَكْعَة من جُمُعَة تمت شرائطها وَصحت فَجَاز الْبناء عَلَيْهَا ومسألتنا بِخِلَافِهِ

قَوْله وَفِي قَضَاء المسبوقين مَا فاتهم جمَاعَة وَجْهَان حكى بَعضهم رِوَايَتَيْنِ وَصرح فِي الْمُغنِي بِأَن هَذِه الْمَسْأَلَة تخرج على مَسْأَلَة الِاسْتِخْلَاف وعَلى هَذَا يكون كَلَامه فِي الْمقنع عقيب هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِن كَانَ لغير عذر لم يَصح أَي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَمَسْأَلَة الِاسْتِخْلَاف لِأَن الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي الْمَعْنى وَاحِدَة وَذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَذكر بَعضهم فِي الِاسْتِخْلَاف لغير عذر رِوَايَتَيْنِ وَحكى الشَّيْخ مجد الدّين أَن الصِّحَّة فِي المسبوقين ظَاهر رِوَايَة مهنى عَن أَحْمد وَعدمهَا مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح وَهَذِه الْمَسْأَلَة فِي غير الْجُمُعَة أما فِي الْجُمُعَة فَلَا يجوز قطع بِهِ المُصَنّف تَابعا فِيهِ من تقدمه من الْأَصْحَاب لِأَن الْجُمُعَة إِذا أُقِيمَت مرّة فِي مَسْجِد لم يجز أَن تُقَام فِيهِ مرّة أُخْرَى لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن تصلى الْجُمُعَة الْوَاحِدَة جمَاعَة بعد جمَاعَة وَسَائِر الصَّلَوَات بِخِلَافِهِ قَوْله فِي الْمُحَرر وَمن ائتم فِي فرض بمتنفل أَو مفترض بِغَيْرِهِ لم يَصح وَعنهُ يَصح قَوْله أَو مفترض بِغَيْرِهِ ظَاهره أَي فرض كَانَ وَلَو اخْتلفَا فِي الْأَفْعَال وَذكره فِي الرِّعَايَة وَصرح بِهِ فِي شرح الْهِدَايَة فَذكر مفرعا على الْجَوَاز فَمَتَى اخْتلف عدد رَكْعَات الصَّلَاتَيْنِ وَصَلَاة الْمَأْمُوم أكثرهما كالظهر وَالْمغْرب خلف مصلي الْفجْر وكالعشاء خلف مصلي التَّرَاوِيح فَإِنَّهُ يَصح نَص عَلَيْهِ وَيتم إِذا سلم إِمَامه كالمسبوق وكالمقيم خلف الْقَاصِر وَإِن كَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أقلهما كالفجر خلف مصلي الظّهْر أَو الْمغرب صَحَّ أَيْضا على مَنْصُوص أَحْمد وَالشَّافِعِيّ وَمن أصحابهما من منع الصِّحَّة هُنَا بِخِلَاف عَكسه لتعذر دوَام

الْمُتَابَعَة كَمَا منعنَا من الِاقْتِدَاء بِمن يُصَلِّي الْكُسُوف قَالَ وَهَذَا لَيْسَ بشئ لأننا قد التزمنا مثله فِي اسْتِخْلَاف الْمَسْبُوق وفيمن صلى رَكْعَة مُنْفَردا ثمَّ صَار مَأْمُوما فعلى هَذَا يُفَارق إِمَامه فِي الْفجْر إِذا نَهَضَ الإِمَام إِلَى الثَّالِثَة وَفِي الْمغرب إِذا نَهَضَ إِلَى الرَّابِعَة ثمَّ يتم وَيسلم لِأَنَّهَا مُفَارقَة لعذر وَإِن شَاءَ انتظره حَتَّى يسلم مَعَه كاستخلاف الْمَسْبُوق وَحل كَلَام الرجل بعضه بِبَعْض أولى وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ثمَّ إِذا تمّ فَرْضه قبل فرَاغ إِمَامه هَل ينتظره أَو يسلم قبله أَو يُخَيّر فِيهِ أوجه لَكِن يَنْبَغِي أَن يعرف أَن جمَاعَة من الْأَصْحَاب مُقْتَضى كَلَامهم أَن الْخلاف إِنَّمَا هُوَ عِنْدهم فِيمَا إِذا اتّفقت الْأَفْعَال خَاصَّة وَأَن الأئتمام مَعَ اخْتِلَاف الْأَفْعَال مَانع من الصِّحَّة قولا وَاحِدًا بل صَرِيح كَلَامهم وَالشَّيْخ موفق الدّين يخْتَار أَيْضا أَن الْخلاف فِيمَا إِذا اخْتلفت وَكَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أَكْثَرهَا عددا كالعشاء خلف التَّرَاوِيح وَصَاحب الْمُحَرر عِنْده الْخلاف فِي ذَلِك وَفِيمَا إِذا كَانَت صَلَاة الْمَأْمُوم أقلهما عددا وَمن أَصْحَابنَا من منع الْمغرب خلف الْعشَاء لإفضائه إِلَى جُلُوس فِي غير مَحَله وَإِن أجَاز الْفجْر خلفهَا

قَوْله وَإِذا ركع الإِمَام فأحس براكع اسْتحبَّ انْتِظَاره ظَاهره اخْتِصَاص الحكم بالراكع وَكَذَا هُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح جمَاعَة بِأَن حَال الْقيام كالركوع فِي هَذَا وَصرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن التَّشَهُّد كالركوع على الْخلاف وَأولى لِئَلَّا يفوتهُ أصل فَضِيلَة الْجَمَاعَة وَقَالَ فِي التَّلْخِيص وَمهما أحس بداخل اسْتحبَّ انْتِظَاره على أحد الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَة بعد ذكر مَسْأَلَة الرُّكُوع فِي حَال تشهده وَقيل وَغَيره وَجْهَان قَوْله لَا تصح إِمَامَة الصَّبِي فِي الْفَرْض وَفِي النَّفْل رِوَايَتَانِ وَيتَخَرَّج أَن تصح فيهمَا هَذَا التَّخْرِيج إِنَّمَا هُوَ فِي الْفَرْض أما النَّفْل فَلَا تَخْرِيج فِيهِ لَكِن فِيهِ رِوَايَتَانِ منصوصتان وَلَو ذكر التَّخْرِيج قبل مَسْأَلَة النَّفْل كَانَ هُوَ الصَّوَاب والتخريج ذكر جمَاعَة أَنه من مَسْأَلَة المفترض خلف المتنفل وَذكره ابْن عقيل فِي ابْن عشر قَالَ بِنَاء على وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي روضته فِي الصَّبِي الْمُمَيز أَنه يُكَلف يَعْنِي عَن الإِمَام أَحْمد

وَهَذِه الْعبارَة إِن حملت على ظَاهرهَا فَفِيهَا نظر وَلم أجد مَا يعضدها وَجَمَاعَة من الْأَصْحَاب يأبون هَذَا التَّخْرِيج وَهُوَ قَول القَاضِي لِأَنَّهُ نقص يمْنَع قبُول شَهَادَته وَخَبره فَهُوَ غير مؤتمن شرعا فَأشبه الْفَاسِق وَلِأَن بِهِ نقصا يمْنَع قبُول الشَّهَادَة وَالْولَايَة فَأشبه الْمَرْأَة وَعكس ذَلِك مَسْأَلَة الأَصْل وَأطلق الْمُحَرر فِي الْخلاف فِي صِحَة إِمَامَته وَقطع غير وَاحِد بِصِحَّة إِمَامَته بِمثلِهِ مِنْهُم الشَّيْخ فِي الْكَافِي قَوْله وَإِن ائتم بفاسق من يعلم فسقه فعلى رِوَايَتَيْنِ قَوْله من يعلم فسقه يَعْنِي إِن جهل فسقه صحت وَهُوَ مَرْجُوح فِي الْمَذْهَب بل الْمَذْهَب الْمَنْصُوص الْإِعَادَة علم أَو لم يعلم وَأَوْمَأَ الإِمَام أَحْمد فِي مَوَاضِع إِلَى أَنه يُعِيدهَا خلف المتظاهر فَقَط قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهَذَا أحسن وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين بِأَن الْجُمُعَة تصلى خلف الْفَاسِق وَهل يُعِيدهَا ظهرا على رِوَايَتَيْنِ قَالَ وتوجيههما بِمَا وجهنا بِهِ غَيرهمَا صِحَة وبطلانا وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه أَنَّهَا تُعَاد فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَعَن أَحْمد لَا تُعَاد قَالَ فِي الرِّعَايَة وَهِي أشهر وَهَذَا هُوَ الصَّحِيح لِأَن الدَّلِيل على فعلهَا خَلفه وَإِن كَانَ صَحِيحا اقْتضى صِحَّتهَا لمن تَأمله وَألْحق الشَّيْخ بِالْجمعَةِ الْعِيد وَهُوَ مُتَوَجّه وَذكر فِي الْكَافِي الرِّوَايَتَيْنِ فِي إِمَامَة الْفَاسِق ثمَّ قَالَ وَيحْتَمل أَن تصح الْجُمُعَة والعيد دون غَيرهمَا وَأطلق هُنَا الرِّوَايَتَيْنِ كَقَوْل بَعضهم وَقطع فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن يحملهَا فِي الْفَرْض ليرد بذلك الْحجَّة على من أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِإِعَادَة الصَّلَاة خلف أَئِمَّة الْجور بِنَاء مِنْهُ أَنهم كَانُوا يؤخرونها حَتَّى يخرج الْوَقْت بِالْكُلِّيَّةِ وَتبع الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره على هَذَا

وَقد قَالَ صَالح فِي مسَائِله وَسَأَلته عَن الصَّلَاة يَوْم الْجُمُعَة إِذا أَخّرهَا يُصليهَا لوَقْتهَا ويصليها مَعَ الإِمَام وَهَذَا فِيهِ نظر وَلَا يعرف عَن الْأُمَرَاء فِي ذَلِك الزَّمَان وَهُوَ مَا ذكره غير وَاحِد فِي شرح الحَدِيث وعَلى هَذَا لَا حجَّة فِيهِ وَقطع فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن الْجُمُعَة مَحَله هُنَا قَوْله وَأولى أهل الْإِمَامَة بهَا أقرؤهم إِذا عرف مَا يعْتَبر للصَّلَاة هَذَا يُعْطي أَنه إِذا تقدم غير الْمُسْتَحق يجوز مَعَ ترك الأولى وَهَذَا معنى كَلَام ابْن عقيل وَغَيره فَإِنَّهُ قَالَ تصح الْإِمَامَة لَكِن يكون تَارِكًا للفضيلة وَقد تقدم كَلَامه فِي رِوَايَة صَالح هُوَ أولى بِالصَّلَاةِ وَكَلَامه مُطلق فِي إِذن الْمُسْتَحق وَغَيرهَا وَكَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة يَقْتَضِي أَن تَقْدِيم غير الْمُسْتَحق من غير إِذن الْمُسْتَحق لَهُ يكره لِأَنَّهُ قَالَ فِي صُورَة الْإِذْن لَهُ جَازَ وَلم يكره نَص عَلَيْهِ وَهَذَا يقتضى أَنه يكره من غير إِذن وَكَلَامه فِي الْمُغنِي يحْتَمل بَين كَرَاهَة الأولى وَكَرَاهَة التَّنْزِيه وَأَنه قَالَ وَهَذَا تَقْدِيم اسْتِحْبَاب لَا تَقْدِيم اشْتِرَاط وَلَا إِيجَاب لَا نعلم فِيهِ خلافًا فَلَو قدم الْمَفْضُول كَانَ ذَلِك جَائِزا لِأَن

الْأَمر بِهَذَا أَمر أدب واستحباب وَكَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مهنى يدل على أَنه تَقْدِيم إِيجَاب وَأَن النَّاس لَو أَرَادوا تَقْدِيم غير الْمُسْتَحق لم يجز لَهُم فَصَارَ فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أَقْوَال فَأَما مَعَ إِذن الْمُسْتَحق فَيجوز من غير كَرَاهَة نَص عَلَيْهِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لقَوْله فِي الْخَبَر إِلَّا بِإِذْنِهِ قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بعد أَن قطع بِهَذَا وَاحْتج بِهَذَا الْخَبَر قَالَ ويعضده عُمُوم مَا روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا يحل لرجل يُؤمن بِاللَّه وَالْيَوْم الآخر أَن يؤم قوما إِلَّا بإذنهم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد انْتهى كَلَامه وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يكره وَهُوَ قَول إِسْحَاق وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رسَالَته فِي الصَّلَاة رِوَايَة مهنى وَقد جَاءَ فِي الحَدِيث إِذا أم الْقَوْم رجل وَخَلفه من هُوَ أفضل مِنْهُ لم يزَالُوا فِي سفال إِلَى أَن قَالَ فالامام بِالنَّاسِ الْمُقدم بَين أَيْديهم فِي الصَّلَاة على الْفضل لَيْسَ للنَّاس أَن يقدموا بَين أَيْديهم إِلَّا أعلمهم بِاللَّه وأخوفهم لَهُ ذَلِك وَاجِب عَلَيْهِم ولازم لَهُم فتزكوا صلَاتهم وَإِن تركُوا ذَلِك لم يزَالُوا فِي سفا وإدبار وانتقاص فِي دينهم وَبعد من الله وَمن رضوانه وجنته هَذَا آخر كَلَامه قَوْله إِذا عرف مَا يعْتَبر للصَّلَاة أَي من فرض ومسنون وَلَيْسَ المُرَاد بِهَذَا معرفَة أَحْكَام سُجُود السَّهْو وَنَحْوه هَذَا معنى كَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ ولأننا إِنَّمَا نقدم القارىء إِذا كَانَ عَارِفًا بِمَا تحْتَاج إِلَيْهِ الصَّلَاة من الْفُرُوض والواجبات فَحِينَئِذٍ قد تَسَاويا فِيمَا تفْتَقر إِلَيْهِ الصَّلَاة لَكِن امتاز بجودة الْقِرَاءَة وَكَثْرَتهَا وَالْقِرَاءَة مِمَّا يُؤْتى بهَا فِي الصَّلَاة لَا محَالة فرضا وَسنة وامتاز الْفَقِيه بِمَا تنطوي عَلَيْهِ من السَّهْو وَهُوَ متوهم الْوُجُود وَالْأَصْل عَدمه

قَالَ الْأَصْحَاب فِي بحث هَذِه الْمَسْأَلَة وَلِأَن فَضِيلَة الْقِرَاءَة والإكثار مِنْهَا مُتَحَقق وَمَا ينوبه فِي الصَّلَاة من الْحَوَادِث غير مُتَحَقق بل الأَصْل عَدمه مَعَ أَنا قد اعْتبرنَا الْعلم بأحكامه وَقَالَ ابْن عقيل وَإِنَّمَا يكون القارىء أَحَق من الْفَقِيه إِذا كَانَ يحفظ مَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَأَما إِن كَانَ لَا يحسن ذَلِك قدمنَا الْفَقِيه لحفظ الْأَركان والواجبات وَسُجُود السَّهْو وجبرانات الصَّلَاة انْتهى كَلَامه وَكَلَامه فِي الْمُحَرر يحْتَملهُ وَلَعَلَّ الْجمع بَين كلاميه أحسن وَفِي اعْتِبَار هَذَا الْقَيْد وَجْهَان وَهُوَ أَن يكون الأقرأ جَاهِلا بِمَا يحْتَاج إِلَيْهِ فِي الصَّلَاة فَإِن كَانَ لَا يُمَيّز مفروضها من مسنونها فَفِي تَقْدِيمه على الْفَقِيه وَجْهَان أَحدهمَا يقدم قَالَ فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَحْمد الْمَنْصُوص وَلِأَن الْقِرَاءَة ركن الصَّلَاة بِخِلَاف الْفِقْه وَكَانَ الممتاز بِمَا جنسه ركن للصَّلَاة أولى وَالثَّانِي الْفَقِيه أولى وَإِن لم يحسن غير الْفَاتِحَة اخْتَارَهُ ابْن عقيل لِأَنَّهُ امتاز بِمَا لَا يسْتَغْنى عَنهُ فِي الصَّلَاة وَالْجَاهِل قد يتْرك فرضا ظنا مِنْهُ أَنه سنة قَالَ وَهَذَا الْوَجْه أحسن وَوجدت فِي كتاب ابْن تَمِيم أَن هَذَا الْوَجْه هُوَ الْمَنْصُوص قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح يَنْبَغِي للَّذي يقْرَأ الْقُرْآن أَن يتَعَلَّم من السّنة مَا يُقيم بِهِ صلَاته فَهُوَ حِينَئِذٍ أولى بِالصَّلَاةِ وَقد عرف مِمَّا تقدم أَنه مَعَ علمه أفعالها هَل يعْتَبر الْعلم بِمَا يطْرَأ من السَّهْو وَنَحْوه وَيُؤَيّد مَا تقدم أَن القَاضِي قَالَ فِي الْجَامِع فَإِن كَانَ الْمُؤَذّن فَاسِقًا فَهَل يعْتد بأذانه ظَاهر كَلَام أَحْمد أَنه لَا يعْتد بِهِ قَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد فِي الْمُؤَذّن يسكر ينحى وَقَالَ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد فِي الرجل يُؤذن وَهُوَ سَكرَان لعزل الْمُؤَذّن أَهْون من الإِمَام وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن بنت مُعَاوِيَة بن عَمْرو فِي الْمُؤَذّن يصعد المنارة وَهُوَ سَكرَان لَا وَلَا كَرَامَة لَيْسَ مثله من أذن قَالَ

القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَنه لَيْسَ من أَهله لِأَنَّهُ أَمر بصرفه وَعلل بِأَنَّهُ لَيْسَ بِعدْل قَالَ وَيجب أَن يُقَال فِيهِ مَا فِي إِمَامَة الْفَاسِق وَفِي صِحَّتهَا رِوَايَتَانِ كَذَلِك الْأَذَان قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية فِي تَعْلِيق الْمُحَرر وَفِي أَذَان الْفَاسِق رِوَايَتَانِ أَي فِي الْإِجْزَاء فَأَما تَرْتِيب الْفَاسِق مُؤذنًا فَلَا يَنْبَغِي أَن يجوز قولا وَاحِدًا كَمَا قيل فِي نُفُوذ حكم الْفَاسِق إِذا حكم بِالْحَقِّ وَجْهَان وَإِن لم تجز تَوليته قولا وَاحِدًا وَقد تَضَمَّنت هَذِه الْمَسْأَلَة صِحَة إِمَامَة الْجَاهِل وعَلى هَذَا تصح ولَايَته وَإِن كَانَ غَيره أرجح لَا سِيمَا إِن رجحناه على القارىء وَقطع القَاضِي فِي الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّة أَن من شَرَائِط صِحَة ولَايَة إِمَامَة الصَّلَاة الْعَدَالَة وَالْعلم بِأَحْكَام الصَّلَاة وَرَأَيْت فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَا يدل على أَن ولَايَة الْفَاسِق مَبْنِيَّة على صِحَة إِمَامَته وَقَالَ لم يتنازعوا فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي تَوليته لَكِن لَعَلَّ القَاضِي فرع على مَشْهُور الْمَذْهَب وَهُوَ عدم صِحَة إِمَامَة الْفَاسِق وَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون حكم ولَايَة الصَّبِي وَنَحْوه قَوْله ثمَّ أقدمهم هِجْرَة معنى قدم الْهِجْرَة السَّبق إِلَيْنَا بِنَفسِهِ من دَار الْحَرْب فَقَط هَذَا معنى كَلَام جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْفُصُول وَالْمُغني فَلَا يرجح بسبق إِمَامه إِلَى الاسلام على ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَلم أجد فِيهِ

خلافًا وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره بِتَقْدِيم من سبق آباؤه مُهَاجِرين إِلَيْنَا وَعند الْآمِدِيّ يقدم بسبق آبَائِهِ فَقَط لانْقِطَاع الْهِجْرَة بعد الْفَتْح فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكره قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمُهَاجِر من هجر مَا نهى الله عَنهُ قَالَ فَمن سبق إِلَى هجر السَّيِّئَات بِالتَّوْبَةِ مِنْهَا فَهُوَ أقدم هِجْرَة فَيقدم فِي الأمامة وَمعنى الْأَشْرَف أَن يكون قرشيا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَذكره فِي الْمُغنِي أَن الشّرف يكون بعلو النّسَب وبكونه أفضلهم فِي نَفسه وَأَعْلَاهُمْ قدرا وَاحْتج بقول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدمُوا قُريْشًا وَلَا تقدموها قَوْله وَيكرهُ أَن يؤم قوما أَكْثَرهم لَهُ كَارِهُون أطلق الْعبارَة وَمرَاده كَرَاهَة تكون لخلل بِدِينِهِ أَو فَضله قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَعُمُوم كَلَام غَيره يَقْتَضِيهِ أَو لشحناء بَينهم فِي أَمر دُنْيَوِيّ وَنَحْو ذَلِك فَأَما إِن كرهوه لأجل سنته أَو دينه فَلَا كَرَاهَة فِي حَقه قَالَ المُصَنّف وَإِن كَانَ ميلهم إِلَى مُبْتَدع أَو فَاجر فَالْأولى أَن يصبر وَلَا يلْتَفت إِلَى كراهتهم جهده قَالَ صَالح لِأَبِيهِ مَا تَقول فِي رجل يؤم قوما وَيرْفَع يَدَيْهِ فِي الصَّلَاة ويجهر بآمين ويفصل الْوتر والمأمومون لَا يرضون بذلك وَمِنْهُم من يرضى حَتَّى إِن أحدهم يتْرك الْوتر حَال التَّفْصِيل وَيخرج من الْمَسْجِد فترى أَن يرجع إِلَى قَول الْمَأْمُومين أم يثبت على مَا يَأْمُرهُ أهل الْفِقْه فَقَالَ بل يثبت على

صلَاته وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِم وَأطلق اعْتِبَار قَول الْأَكْثَر وَكَذَا غَيره وَمِنْهُم من قَالَ ديانَة قَالَ القَاضِي وَالْمُسْتَحب أَن لَا يؤمهم صِيَانة لنَفسِهِ فَإِن اسْتَووا فَالْأولى أَن لَا يؤمهم وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين فِي الشَّرْح قَالَ ابْن عقيل فَإِن اسْتَووا اسْتحبَّ لَهُ إِزَالَة الْخلاف بترك الْإِمَامَة وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب فِيمَا اذا اسْتَويَا وَجْهَيْن وَاحْتج الْأَصْحَاب حَيْثُ قَالُوا يكره بِمَا يدل على التَّحْرِيم وَلِهَذَا قَالَ بعض الْأَصْحَاب تفْسد صلَاته إِذا تعمد وللشافعية أَيْضا وَجْهَان فِي التَّحْرِيم وَنَصّ الشَّافِعِي على تَحْرِيمه فَقَالَ لَا يحل لرجل أَن يُصَلِّي بِجَمَاعَة وهم لَهُ كَارِهُون نَقله الْمَاوَرْدِيّ فِي كتاب الْحَاوِي وَفِي الْأُم مَا يَقْتَضِيهِ وَكَأن الْأَخْبَار لِضعْفِهَا لَا تنهض للتَّحْرِيم وَإِن كَانَت تَقْتَضِيه فيستدل بهَا على الْكَرَاهَة كَمَا يسْتَدلّ بِخَبَر ضَعِيف ظَاهره يَقْتَضِي وجوب أَمر على ندبية ذَلِك الْأَمر وَلَا يُقَال لَعَلَّ هُنَاكَ صارفا عَن مُقْتَضى الدَّلِيل وَلم يذكر لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَأَكْثَرهم يخص الْكَرَاهَة بِالْإِمَامِ كعبارته فِي الْمُحَرر وَمن كرهت إِمَامَته كره الائتمام بِهِ قَالَ ابْن عقيل تكره لَهُ الْإِمَامَة وَيكرهُ الائتمام بِهِ قَوْله لَا تصح الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام بِحَال الِاعْتِبَار بالقدمين فِي الْوُقُوف بِالْأَرْضِ فَإِن شخص الْمَأْمُوم قد يكون أطول فيتقدم رَأسه وَإِن تَأَخّر قدمه فَإِن كَانَ قدم أَحدهمَا أكبر من الآخر فالاعتبار

بمؤخر الْقدَم وَهِي الْعقب وَإِن تقدم رَأس الْقدَم على رَأس الْقدَم كَمَا لَو كَانَ الْقدَم كَذَا ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجى فِي شرع الْهِدَايَة وَأطلق فِي الْمُحَرر عدم صِحَة الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام وَمرَاده غير حول الْكَعْبَة فَإِنَّهُ إِذا اسْتَدَارَ الصَّفّ حول الْكَعْبَة وَالْإِمَام مِنْهَا على ذراعين والمقابلون لَهُ على ذِرَاع صحت صلَاتهم نَص عَلَيْهِ الامام أَحْمد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا وَحَكَاهُ الشَّيْخ وجيه الدّين إِجْمَاعًا لِأَن الْقدَم إِنَّمَا يعْتَبر حكمه إِذا اتّحدت جِهَة الإِمَام وَالْمَأْمُوم فَأَما إِذا تعدّدت فَلَا أَلا ترى أَن الصفين المقابلين بَين جِهَة الإِمَام ومقابلته تصح صلَاتهم وَإِن كَانَا فِي الْجِهَة الَّتِي بَين يَدي الإِمَام حَيْثُ لم يستقبلوها بِوُجُوهِهِمْ وَلَعَلَّ السَّبَب فِي تسويغ ذَلِك كَثْرَة الْخلق فِي الْموقف فَلَو كلفوا الْقيام فِي جِهَة وَاحِدَة لشق ذَلِك وَتعذر وَظَاهر هَذَا أَنه لَا فرق لمن يَكُونُوا عِنْد الْمَسْجِد أَو خَارجه وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين أَن هَذَا إِذا كَانُوا عِنْد الْمَسْجِد وَإِن كَانُوا خَارج الْمَسْجِد فَبين الإِمَام وَبَين الْكَعْبَة مَسَافَة فِي تِلْكَ الْجِهَة وَالَّذين فِي بَقِيَّة الْجِهَات بَينهم وَبَين الْكَعْبَة دون تِلْكَ الْمسَافَة فَفِيهِ وَجْهَان وَظَاهر مَا قدم فِي الرِّعَايَة أَنه لَا يضر قرب الْمَأْمُوم إِلَى الْجِدَار أَكثر من الإِمَام من اتِّحَاد الْجِهَة وَفِيه نظر فَأَما إِذا تقَابل الإِمَام وَالْمَأْمُوم دَاخل الْكَعْبَة فِي صَلَاة تصح فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا تصح قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين وَهُوَ قَول الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالثَّانِي لَا تصح لِأَنَّهُ مَعَ كَونه قُدَّام إِمَامه مستدبر لبَعض جِهَة الامام فَأشبه مَا لَو كَانَ قفا الْمَأْمُوم فِي وَجه الإِمَام وَهَذَا بِخِلَاف مَا إِذا وصلوا حول الْكَعْبَة فَإِنَّهُ لم يستدبر شَيْئا من جِهَة إِمَامه

وَمُرَاد صَاحب الْمُحَرر أَيْضا غير الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف فَإِنَّهَا تَنْعَقِد مَعَ إِمْكَان الْمُتَابَعَة نَص عَلَيْهِ وَهُوَ قَول الْأَصْحَاب وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لعمومات النُّصُوص فِي صَلَاة الْجَمَاعَة ويعفى عَن التَّقَدُّم للْعُذْر كَمَا يُعْفَى عَن الاستدبار وَالْمَشْي فِي صَلَاة الْخَوْف غير الشَّديد وَإِن كَانَ يُمكنهُم أَن يصلوا جماعتين أَو فُرَادَى بِدُونِ ذَلِك مُحَافظَة على تَكْثِير الْأجر بإيقاع جمَاعَة وَاحِدَة والوهن الْحَاصِل فِي قُلُوب الْعَدو بذلك وَقَالَ ابْن حَامِد لَا تَنْعَقِد الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف وَحَكَاهُ فِي الْمُغنِي احْتِمَالا وَرجحه فَلهَذَا قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين على عدم صِحَة الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام لقَوْل سَمُرَة بن جُنْدُب أمرنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كُنَّا جمَاعَة أَن يتَقَدَّم أَحَدنَا حسنه التِّرْمِذِيّ فَأمره بتقدم الإِمَام ينْهَى عَن تقدمهم عَلَيْهِ ومصافتهم لَهُ ترك ظَاهره فِي المصافة لنصوص يبْقى الْبَاقِي على الظَّاهِر وَلِأَن وُقُوفه عَن يسَاره أَو خلف الصَّفّ فَذا أحسن حَالا وَأقرب إِلَى معنى الِاقْتِدَاء والمتابعة من وُقُوفه قدامه ثمَّ صلَاته تبطل هُنَاكَ على أصلنَا فَهُنَا أولى وَلِأَن الأَصْل إِن كَانَ إِنْسَان يُصَلِّي بِنَفسِهِ ويستقل بتأدية فَرْضه وَلَا يحمل غَيره عَنهُ شَيْئا فَحَث الشَّرْع بِالْجَمَاعَة أوجب فعلهَا على مَا جَاءَت بِهِ النُّصُوص وَلم يرد فِي شَيْء مِنْهَا الْوُقُوف بَين يَدي الإِمَام ثمَّ ذكر قِيَاسا ضَعِيفا وَفِي الْمَسْأَلَة أَدِلَّة ضَعِيفَة وَقيل تصح الصَّلَاة قُدَّام الإِمَام ضَرُورَة فِي عيد أَو جُمُعَة وجنازة فَقَط وَقيل مُطلقًا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَذْهَب أَحْمد وَغَيره قَول أَن صَلَاة الْمَأْمُوم تصح قُدَّام الإِمَام مَعَ الْعذر دون غَيره قَالَ وَهَذَا أعدل الْأَقْوَال وأرجحها وَهُوَ قَول طَائِفَة من الْعلمَاء وَذَلِكَ لِأَن ترك الْمُتَقَدّم على الْأَمَام غَايَته أَن يكون

وَاجِبا من وَاجِبَات الصَّلَاة فِي الْجَمَاعَة والواجبات كلهَا تسْقط بالعذر وَإِن كَانَت وَاجِبَة فِي أصل الصَّلَاة وَالْوَاجِب فِي الْجَمَاعَة أولى بالسقوط انْتهى كَلَامه وَقد يُقَال انْعِقَاد الصَّلَاة جمَاعَة فِي شدَّة الْخَوْف مَعَ الْعَفو عَن التَّقَدُّم للْعُذْر يُقَوي هَذَا القَوْل وَقد تقدم مَا يدل على الْفرق بَينهمَا وَإِذا بطلت صَلَاة الْمَأْمُوم قُدَّام الامام فَهَل تبطل صَلَاة الامام فِيهِ وَجْهَان ذكره ابْن تَمِيم وَغَيره وَالْأولَى أَن يُقَال إِن نوى الامامة بِمن يُصَلِّي قدامه مَعَ علمه لم تَنْعَقِد صلَاته كَمَا لَو نَوَت الْمَرْأَة الامامة بِالرِّجَالِ لِأَنَّهُ يشْتَرط أَن يَنْوِي الامامة بِمن يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ وَإِن نوى الْإِمَامَة ظنا واعتقادا أَنهم يصلونَ خَلفه فصلوا قدامه انْعَقَدت صلَاته عملا بِظَاهِر الْحَال كَمَا لَو نوى الامامة من عَادَته حُضُور جمَاعَة عِنْده ثمَّ هَل تبطل صلَاته ذكر المُصَنّف فِي مَسْأَلَة الأَصْل إِذا لم يَأْته أحد وَأحرم إِمَام بحاضرين فانصرفوا عَنهُ قبل أَن يحرموا احْتِمَالَيْنِ وَهَذَا مثله أَحدهمَا تبطل لأَنا تَبينا أَنه نوى الامامة بِغَيْر مَأْمُوم وَالثَّانِي يُتمهَا مُنْفَردا لِأَن احرامه إِمَامًا انْعَقَد لَكِن تَعَذَّرَتْ الامامة فِي الدَّوَام فَأشبه مَا لَو أَحْدَثُوا وَانْصَرفُوا كلهم بعد دُخُولهمْ مَعَه قَالَ وَالْوَجْه الأول أشبه بِكَلَام أَحْمد لِأَنَّهُ قَالَ فِي رجلَيْنِ نوى كل وَاحِد مِنْهُمَا أَنه إِمَام صَاحبه صلاتهما فَاسِدَة وَكَانَ يجب على قِيَاس الثَّانِي أَن تصح صَلَاة الَّذِي أحرم ابْتِدَاء لِأَن الثَّانِي أعرض عَنهُ بَعْدَمَا انْعَقَدت تحريمته إِمَامًا انْتهى كَلَامه وَالِاسْتِدْلَال بالمنصوص لهَذِهِ الْمَسْأَلَة فِيهِ نظر لِأَن مَسْأَلَة النَّص لَا ظَاهر فِيهَا يعْمل بِهِ فنظيره مَا لَو نوى الامامة وَلَيْسَ بِحَضْرَتِهِ أحد وَلَكِن يحْتَمل الْحُضُور وَعَدَمه فَإِنَّهَا لَا تصح بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا فَإِنَّهُ طَرَأَ الْبطلَان وعَلى صَلَاة الْمَأْمُوم

فصل

بتقدمه على الامام فَهُوَ كَمَا لَو حدث الْبطلَان بِغَيْرِهِ على مَا تقدم عِنْد ذكر صَاحب الْمُحَرر الْمَسْأَلَة وَكَلَامهم يتَنَاوَل صَلَاة الْجِنَازَة أَيْضا وَصرح الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِيهَا بروايتين وَاخْتَارَ الْجَوَاز فصل قد اشْتهر أَن تَسْوِيَة الصُّفُوف أَمر مَطْلُوب للشارع وَعِنْدنَا وَعند عَامَّة الْعلمَاء أَن ذَلِك مُسْتَحبّ وَفِيه إِشْكَال فَإِن فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أنس أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ سووا صفوفكم فَإِن تَسْوِيَة الصَّفّ من تَمام الصَّلَاة وَفِيهِمَا من حَدِيث النُّعْمَان بن بشير أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ لتسون صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم وَفِي لفظ أقِيمُوا صفوفكم ثَلَاثًا وَالله لتقيمن صفوفكم أَو ليخالفن الله بَين قُلُوبكُمْ قَالَ فَرَأَيْت الرجل يلزق مَنْكِبه بمنكب صَاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه إِسْنَاده صَحِيح رَوَاهُ الامام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد قيل فِي قَوْله ليخالفن الله بَين وُجُوهكُم مَعْنَاهُ يمسخها ويحولها عَن صورتهَا كَقَوْلِه فِي الَّذِي يرفع قبل الإِمَام يَجْعَل صورته صُورَة حمَار وَقيل يُغير صفتهَا وَقيل مَعْنَاهُ يُوقع بَيْنكُم الْعَدَاوَة وَاخْتِلَاف الْقُلُوب لِأَن اخْتِلَاف الظَّاهِر سَبَب لاخْتِلَاف الْبَاطِن وَمُخَالفَة الصُّفُوف مُخَالفَة فِي الظَّاهِر وَهَذَا ظَاهر فِي الْوُجُوب وعَلى هَذَا بطلَان الصَّلَاة بِهِ مَحل نظر وَقد قَالَ فِي شرح الْأَحْكَام الصُّغْرَى قَوْله من تَمام الصَّلَاة قد يُؤْخَذ مِنْهُ أَنه مُسْتَحبّ غير وَاجِب لِأَنَّهُ لم يذكر أَنه من أَرْكَانهَا وَلَا من واجباتها

فصل

وَتَمام الشَّيْء زَائِد على وجود حَقِيقَته الَّتِي لَا يُسمى إِلَّا بهَا فِي مَشْهُور الِاصْطِلَاح وَقد يُطلق بِحَسب الْوَضع على بعض مَالا تتمّ الْحَقِيقَة إِلَّا بِهِ انْتهى كَلَامه وَهَذَا اللَّفْظ دلَالَته مُحْتَملَة فَلَا ينْهض أَن يُؤْخَذ مِنْهُ خلاف مَا تقدم وروى البُخَارِيّ عَن أنس مرفعوعا أقِيمُوا صفوفكم وتراصوا فَإِنِّي أَرَاكُم من وَرَاء ظَهْري وَأخذ عدم الْوُجُوب من هَذَا مُتَوَقف على القَوْل بِدلَالَة الاقتران وَلَيْسَ مذهبا لنا ومتوقف أَيْضا على أَن التراص لَا يجب بالاجماع فصل والتسوية فِي الصَّفّ بمحاذاة المناكب والأكعب فِيهِ دون أَطْرَاف الْأَصَابِع ذكره المُصَنّف وَغَيره لما روى أنس أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ رصوا صفوفكم وقاربوا بَينهَا وحاذوا بَين الْأَعْنَاق إِسْنَاده صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَرووا أَيْضا والاسناد جيد عَن أنس مَرْفُوعا أَتموا الصَّفّ الأول ثمَّ الَّذِي يَلِيهِ فَإِن كَانَ نُقْصَان فَلْيَكُن فِي الصَّفّ الْمُؤخر وَالْمَشْهُور القَوْل بِمُوجبِه وَأَن ترك الصَّفّ الأول نَاقِصا مَكْرُوه خلافًا لِابْنِ عقيل فَإِنَّهُ اخْتَار أَن لَا يكره تطوع الامام فِي مَوضِع الْمَكْتُوبَة وقاسه على ترك الصَّفّ الأول للمأمومين وَالْأول أولى وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَيدخل فِي إِطْلَاق كَلَامهم لَو علم أَنه لَو مَشى إِلَى الصَّفّ الأول فَاتَتْهُ رَكْعَة وَإِن صلى فِي الصَّفّ الْمُؤخر لم تفته لَكِن فِي صُورَة نادرة وَلَا يبعد القَوْل بالمحافظة على الرَّكْعَة الْأَخِيرَة وَإِن كَانَ غَيرهَا مَشى إِلَى الصَّفّ الأول وَقد يُقَال يحافظ على الرَّكْعَة الأولى والأخيرة وَهَذَا كَمَا قُلْنَا لَا يسْعَى إِذا أَتَى الصَّلَاة للْخَبَر الْمَشْهُور وَقَالَ الامام أَحْمد فَإِن أدْرك التَّكْبِيرَة الأولى فَلَا بَأْس أَن يسْرع مَا لم يكن

فصل

أعجل بِفَتْح جَاءَ الحَدِيث عَن أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنهم كَانُوا يعجلون شتاء إِذا تخوفوا فَوت التَّكْبِيرَة الأولى وَقد ظهر مِمَّا تقدم أَنه يعجل لإدراك الرَّكْعَة الْأَخِيرَة لَكِن هَل تقيد المسألتان بتعذر الْجَمَاعَة فِيهِ تردد فصل فَإِن لم يجد فُرْجَة فِي الصَّفّ وَلَا وجد أحدا يقوم مَعَه فَلهُ أَن يُنَبه من يقوم مَعَه بنحنحة أَو إِشَارَة أَو كَلَام من غير كَرَاهَة لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَهل يجذب من يقوم مَعَه نَص أَحْمد على أَنه يكره ذكره المُصَنّف وَغَيره وَذكر الشَّيْخ وَغَيره أَنه استقبحه أَحْمد وَإِسْحَاق وَهُوَ قَول مَالك وَذكر المُصَنّف أَنه أصح وَنَصره الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجي لِأَنَّهُ تصرف بِلَا إِذن وَلَا ولَايَة وَفِيه تَأْخِيره عَن فَضِيلَة السَّبق إِلَى الصَّفّ الأول وَذكر المُصَنّف أَن هَذَا اخْتِيَار ابْن عقيل قَالَ فِي التَّلْخِيص فِي جَوَاز ذَلِك وَجْهَان وَالَّذِي اخْتَارَهُ ابْن عقيل أَنه لَا يجوز وَهَذَا ظَاهر قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِنَّهُ قَالَ صلى وَحده خلف الصَّفّ وَلم يدع الْجَمَاعَة وَلم يجتذب أحدا يُصَلِّي مَعَه وَقَوله صلى وَحده هَذَا وَجه فِي الْمَذْهَب وَهُوَ قوي بِنَاء على أَن الْأَمر بالمصافة إِنَّمَا هُوَ مَعَ الْإِمْكَان واعترف ابْن عقيل أَن قَول الْأَصْحَاب الْجَوَاز وَاخْتَارَهُ فِي الْمُغنِي لقَوْل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لينوا فِي أَيدي إخْوَانكُمْ حَدِيث حسن رَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي أُمَامَة وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عمر وقاسه الشَّيْخ على السُّجُود على ظهر إِنْسَان أَو على قدمه

فصل

عِنْد الزحام فِي الْجُمُعَة والتسوية بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ صرح بهَا جمَاعَة مِنْهُم ابْن عقيل وَصَاحب التَّلْخِيص وَهُوَ قَول مَالك وَالْمَنْقُول عَن أَحْمد السُّجُود عِنْد الزحام بِخِلَاف مَسْأَلَة الجذب لَكِن هَل السُّجُود وجوبا كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة كَمَا هُوَ ظَاهر قَول عمر فليسجد على ظهر أَخِيه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ وَسَعِيد بن مَنْصُور أَو السُّجُود أولى فَقَط كَمَا رُوِيَ عَن أَحْمد وَهَذِه التَّفْرِقَة اخْتِيَار جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ وجيه الدّين لِأَنَّهُ لَا ضَرَر فِي مَسْأَلَة الزحام وَمَسْأَلَة الجذب فَلَا يُؤثر الِانْتِقَال من الصَّفّ الأول فيفوته فضيلته وَإِن كَانَ لَهُ أجر فِي وُقُوفه مَعَ الْفَذ وعَلى قَول ابْن عقيل يومي غَايَة الْإِمْكَان فِي مَسْأَلَة الزحام فَإِن احْتَاجَ إِلَى وضع يَدَيْهِ أَو رُكْبَتَيْهِ وَقُلْنَا يجوز فِي الْجَبْهَة فَوَجْهَانِ فصل فَإِن خرج مَعَه وَإِلَّا تَركه قَالَ مَالك لَا يتبعهُ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من قطع صفا قطعه الله رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَيُصلي فَذا وَلنَا أَنه لمصحة كتأخيره عَن يَمِين الإِمَام إِذا جَاءَ آخر وَيجْبر مَا يفوتهُ بسبقه إِلَى تَصْحِيح صَلَاة أَخِيه الْمُسلم وروى أَبُو دَاوُد فِي الْمَرَاسِيل عَن الْحسن بن عَليّ عَن يزِيد بن هَارُون عَن الْحجَّاج بن حسان عَن مقَاتل بن حَيَّان رَفعه قَالَ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن جَاءَ رجل فَلم يجد أحدا فليختلج إِلَيْهِ رجلا من الصَّفّ فَليقمْ مَعَه فَمَا أعطم أجر المختلج كلهم ثِقَات وَذكره الْبَيْهَقِيّ وَغَيره فصل إِذا وقف الصَّبِي فِي الصَّفّ الأول أَو قرب الإِمَام فَهَل يُؤَخر قَالَ الشَّيْخ

مجد الدّين فَإِن وضعت جَنَازَة الْمَفْضُول بَين يَدي الإِمَام ثمَّ جِيءَ بالأفضل تَأَخّر الإِمَام إِن أمكنه ليلِي الْأَفْضَل وَإِن لم يُمكن أخرت السَّابِقَة فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي لَا يُؤَخر وَهُوَ قَول الشَّافِعِي إِن كَانَ السَّابِق صَبيا والمسبوق رجلا مُرَاعَاة للسبق كَمَا لَا يُؤَخر السَّابِق إِلَى الصَّفّ الأول وَإِلَى قرب الإِمَام وَإِن كَانَ مفضولا قَالَ ابْن عبد الْقوي وَقد تقدم فِي صفة الصَّلَاة أَن بعض الصَّحَابَة أخر صَبيا من الصَّفّ الأول قَالَ الشَّيْخ مجد الدّين وتؤخر هُنَا الْمَرْأَة لمجيء الرجل على المذهبين مَعًا لمَكَان الذكورية وَكَون الْمَرْأَة لَا تقف فِي صف الرِّجَال بِخِلَاف الصَّبِي انْتهى كَلَامه وَالْوَجْه الثَّانِي اخْتِيَار القَاضِي وَالْأول اخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة لَو حضرت جَنَازَة امْرَأَة ثمَّ جَنَازَة رجل قدم الرجل إِلَى الْأَمَام وأخرت الْمَرْأَة لقَوْل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أخروهن من حَيْثُ أخرهن الله وَلَو حضرت جَنَازَة صبي ثمَّ حضرت جَنَازَة رجل قدم الرجل لقَوْله ليليني مِنْكُم ذَوُو الأحلام والنهى وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يُؤَخر الصَّبِي لِأَنَّهُ يجوز أَن يقف فِي صف الرِّجَال بِخِلَاف الْمَرْأَة قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فَإِن كَانَت من جنس وَاحِد وتفاوتوا فِي الْفَضَائِل وتعاقبوا فِي الْحُضُور فَمن سبق إِلَى قرب الإِمَام فَهُوَ أَحَق بِهِ كَمَا فِي الصَّفّ الأول فَإِنَّهُ لَا يُؤَخر عَنهُ بِحُضُور من هُوَ أفضل مِنْهُ انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق بَين الْجِنْس والأجناس خلاف مَا ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين كَمَا أَن ظَاهر كَلَامهم أَنه لَا فرق بَين مَسْأَلَة الْجَنَائِز وَمَسْأَلَة الصَّلَاة خلاف مَا ذكره الشَّيْخ مجد الدّين

فَظهر من ذَلِك أَنه هَل يُؤَخر الْمَفْضُول بِحُضُور الْفَاضِل أَولا يُؤَخر أَو يفرق بَين الْجِنْس والأجناس أَو يفرق بَين مَسْأَلَة الْجَنَائِز وَمَسْأَلَة الصَّلَاة أَقْوَال وَالْخَبَر الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن عبد الْقوي رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد عَن قيس بن عباد قَالَ أتيت الْمَدِينَة للقاء أَصْحَاب مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فأقيمت الصَّلَاة وَخرج أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقُمْت فِي الصَّفّ الأول فجَاء رجل فَنظر فِي وُجُوه الْقَوْم فعرفهم غَيْرِي فنحاني وَقَامَ فِي مَكَاني فَمَا عقلت صَلَاتي فَلَمَّا صلى قَالَ يَا بني لَا يسؤك الله فَإِنِّي لم آتٍ الَّذِي أتيت بِجَهَالَة وَلَكِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لنا كونُوا فِي الصَّفّ الأول الَّذِي يليني وَإِنِّي نظرت فِي وُجُوه الْقَوْم فعرفتهم غَيْرك وَكَانَ الرجل أبي بن كَعْب وَهَذَا الْخَبَر إِن صَحَّ فَهُوَ رَأْي صَحَابِيّ وَقد قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من سبق إِلَى مَا سبق إِلَيْهِ مُسلم فَهُوَ أَحَق بِهِ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن جَابر وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم أَن النَّبِي ي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يُقَام الرجل من مَجْلِسه وَيجْلس فِيهِ وَلَكِن تَفَسَّحُوا أَو توسعوا قَوْله وَمن سمع التَّكْبِير وَلم ير الإِمَام وَلَا من وَرَاءه لم يَصح أَن يأتم بِهِ إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَعنهُ لَا يَصح بِحَال وَعنهُ تصح بِكُل حَال أطلق عدم الرُّؤْيَة وَنقض غير وَاحِد بالأعمى وَنقض المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَقَالَ لَو كَانَ الْحَائِل ظلمَة أَو اقْتدى ضَرِير بضرير صَحَّ مَعَ سَماع التَّكْبِير والرؤية ممتنعة وَنقض الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِسوَارِي الْمَسْجِد وَفِيه نظر وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن الْخلاف الَّذِي ذكره سَوَاء اتَّصَلت الصُّفُوف أم لَا وَأَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف مُطلقًا أما فِي غير الْمَسْجِد فَسَيَأْتِي

الْكَلَام فِيهِ فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا وَأما فِي الْمَسْجِد فَلَا يعْتَبر حَكَاهُ فِي شرح الْهِدَايَة إِجْمَاعًا وَكَذَا قطع بِهِ الْأَصْحَاب وَظَاهر هَذَا أَنه سَوَاء كَانَ بَينهمَا حَائِل أم لَا قطع فِي شرح الْهِدَايَة أَبُو الْمَعَالِي ابْن المنجي بِأَنَّهُ إِذا حَال بَينهمَا فِي الْمَسْجِد نهر يُمكن فِيهِ السباحة والخوض مُتَعَذر غير متيسر وَلَا جسر يُمكن العبور عَلَيْهِ أَنه يجوز وَلَا يمْنَع الِاقْتِدَاء لِأَن الْمَسْجِد معد للاجتماع كَمَا لَو صلى فِي سطح الْمَسْجِد وَلَا دَرَجَة هُنَاكَ وَأَنه على روايتي الِاكْتِفَاء بِسَمَاع التَّكْبِير فِي الْمَسْجِد يشْتَرط الِاتِّصَال الْعرفِيّ الَّذِي يعد أَن يجتمعن عرفا كالاتصال فِي الصَّحرَاء انْتهى كَلَامه وَقَالَ الْآمِدِيّ لَا خلاف فِي الْمَذْهَب أَنه إِذا كَانَ فِي اقصى الْمَسْجِد وَلَيْسَ بَينه وَبَين الإِمَام مَا يمْنَع الاستطراق والمشاهدة أَنه يَصح اقْتِدَاؤُهُ بِهِ فَإِن لم تتصل الصُّفُوف فَظَاهر هَذَا أَن مَا يمْنَع الْمُشَاهدَة يمْنَع صِحَة الِاقْتِدَاء وَهُوَ ظَاهر إِطْلَاق مَا رَوَاهُ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز عَن عمر فِي أَن النَّهر مَانع من صِحَة الِاقْتِدَاء فقد ظهر من هَذَا أَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف فِي الْمَسْجِد وعَلى قَول الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي يشْتَرط إِن كَانَ يمْنَع الرُّؤْيَة وَأَنه لَا يضر حَائِل غير مَانع من الرُّؤْيَة فِي الْمَسْجِد خلافًا للآمدي وَأطلق فِي الْمُحَرر الْحَائِل الْمَانِع من الرُّؤْيَة فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَكَذَا ذكر غير وَاحِد وَقد نَص الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي وَأبي طَالب فِي الْمِنْبَر إِذا قطع الصَّفّ لَا يضر قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَمن أَصْحَابنَا من قَالَ هَذَا على عدم اعْتِبَار الْمُشَاهدَة فِي الْمَسْجِد فَأَما على رِوَايَة اعْتِبَارهَا فَيقطع قَالَ وَمِنْهُم من قَالَ هَذَا يجوز على كلتا الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْجُمُعَة وَنَحْوهَا للْحَاجة انْتهى كَلَامه

وَالرِّوَايَة الْخَاصَّة بِالْجمعَةِ عَامَّة سَوَاء كَانَ الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي الْمَسْجِد أَولا وَعنهُ رِوَايَة رَابِعَة أَن ذَلِك يمْنَع مِنْهُمَا فِي الْفَرْض دون النَّفْل قَالَ بعض أَصْحَابنَا فِيمَا إِذا كَانَا فِي الْمَسْجِد وَقيل إِن كَانَ الْمَانِع لمصْلحَة الْمَسْجِد صَحَّ وَإِلَّا لم يَصح وَقَالَ فِيمَا إِذا كَانَ الْمَأْمُوم فِي غير الْمَسْجِد وَعنهُ إِن كَانَ الْحَائِل حَائِط الْمَسْجِد لم يمْنَع وَغَيره يمْنَع قَوْله فَإِذا ائتم بِهِ خَارج الْمَسْجِد وَهُوَ يرَاهُ أَو يرى من خَلفه جَازَ وَظَاهره أَنه سَوَاء رَآهُ فِي كل الصَّلَاة أَو فِي بَعْضهَا وَهُوَ صَحِيح وَقد صرح بِهِ غير وَاحِد وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَإِن كَانَت الْمُشَاهدَة تحصل فِي بعض أَحْوَال الصَّلَاة فَالظَّاهِر صِحَة الصَّلَاة لحَدِيث عَائِشَة كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي من اللَّيْل وجدار الْمَسْجِد قصير الحَدِيث وَظَاهره أَيْضا أَنه لَا يشْتَرط اتِّصَال الصُّفُوف وَقد قطع بِهِ غير وَاحِد مِنْهُم القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَأَنه قَول جُمْهُور الْعلمَاء كَمَا لَو كَانَا فِي الْمَسْجِد وَأَن ظَاهر قَول الْخرقِيّ أَنه يشْتَرط لظَاهِر أمره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بالدنو من الإِمَام وَقطع بِهِ الشَّيْخ فِي الْكَافِي وَقطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين أَيْضا فِي شرح الْهِدَايَة فعلى هَذَا يرجع فِي اتِّصَال الصُّفُوف إِلَى الْعرف قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين فَقَالَ مضبوط بِالْعرْفِ عندنَا وَقطع بِهِ أَيْضا فِي الْكَافِي فَقَالَ لَا يكون بَينهمَا بعد كثير لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ وَهُوَ قَول الْخرقِيّ على مَا ذكره المُصَنّف وَذكر فِي التَّلْخِيص وَالرِّعَايَة أَنه يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف أَو ثَلَاثَة أَذْرع وَقيل مَتى كَانَ بَين الصفين مَا يقوم صف آخر فَلَا اتِّصَال اخْتَارَهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة حَيْثُ اعْتبر اتِّصَال الصُّفُوف وَهُوَ فِي الطَّرِيق على

مَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْمُغنِي معنى اتِّصَال الصُّفُوف أَن لَا يكون بَينهمَا بعد لم تجر الْعَادة بِمثلِهِ فَلَو اقْتصر فِي الْمُغنِي على هَذَا كَانَ مثل قَوْله فِي الْكَافِي وَكَانَ وَاضحا لَكِن زَاد يمْنَع إِمْكَان الِاقْتِدَاء وَهَذِه الزِّيَادَة فِيهَا إِشْكَال وَفهم الشَّيْخ شمس الدّين من هَذِه الزِّيَادَة أَنَّهَا تَفْسِير وَقيد الْكَلَام قبلهَا فَقَالَ فِي شَرحه معنى اتِّصَال الصُّفُوف أَن لَا يكون بَينهمَا بعد لم تجر الْعَادة بِهِ بِحَيْثُ يمْنَع إِمْكَان الِاقْتِدَاء وَتَفْسِير اتِّصَال الصُّفُوف بِهَذَا التَّفْسِير غَرِيب وَإِمْكَان الِاقْتِدَاء لَا خلاف فِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِي مَتى بَعدت بَينه وَبَين من وَرَاء الإِمَام لم تصح قدوته بِهِ وقدرها بِمَا زَاد على ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَجعل مَا دون ذَلِك قَرِيبا أخذا من مدى الغرضين فِي المفاضلة وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَضَبطه الشَّافِعِي بضابط حسن بِمِائَتي ذِرَاع أَو ثَلَاثمِائَة ذِرَاع وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه إِن كَانَ بَينهمَا حَائِل غير مَانع من الرُّؤْيَة لَا يضر إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ على مَا سَيَأْتِي وَقيل إِن كَانَ بَينهمَا شباك وَنَحْوه لم يمْنَع فِي أصح الْوَجْهَيْنِ وَقيل بل فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَالْقَوْل بِأَنَّهُ يمْنَع حَكَاهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة عَن بعض الشَّافِعِيَّة لانْقِطَاع بعد المكانين عَن الآخر قَوْله إِلَّا إِذا كَانَ بَينهمَا نهر تجْرِي فِيهِ السفن أَو طَرِيق لم تتصل فِيهِ الصُّفُوف فَهَل يجوز على رِوَايَتَيْنِ اتِّصَال الصُّفُوف فِي الطَّرِيق فِيهِ الْخلاف السَّابِق إِذْ لَا أثر للطريق فِيهِ هَذَا فِيمَا اذا كَانَ لحَاجَة لعُمُوم الْبلوى بذلك فِي الْجُمُعَة والأعياد وَنَحْوهَا أَو قُلْنَا بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الطَّرِيق مُطلقًا فَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّة وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة

على مَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَحكم من وَرَاء الْوَاقِف فِي الطَّرِيق حكم من اقْتدى بِالْإِمَامِ وَبَينهمَا طَرِيق خَال وَقَوله فَهَل يجوز على رِوَايَتَيْنِ رِوَايَة الْجَوَاز اخْتَارَهَا الشَّيْخ موفق الدّين وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْقيَاس لكنه ترك للأثر وَرِوَايَة الْمَنْع اخْتِيَار الْأَصْحَاب لما رُوِيَ عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ من صلى وَبَينه وَبَين الامام نهر أَو جِدَار أَو طَرِيق فَلم يصل مَعَ الامام وَعَن عَليّ أَنه رأى قوما فِي الرحبة فَقَالَ من هَؤُلَاءِ فَقَالُوا ضعفاء النَّاس فَقَالَ لَا صَلَاة إِلَّا فِي الْمَسْجِد وَعَن أبي هُرَيْرَة وَحَكَاهُ عَنهُ ابْن الْمُنْذر لَا جُمُعَة لمن صلى فِي رحبة الْمَسْجِد وَعَن أبي بكر أَنه رأى قوما يصلونَ فِي رحبة الْمَسْجِد فَقَالَ لَا جُمُعَة لَهُم روى هَذِه الْآثَار أَبُو بكر عبد العزيز بِإِسْنَادِهِ وَهَذِه الْآثَار فِي صِحَّتهَا نظر وَالْأَصْل عدمهَا وَبِتَقْدِير صِحَّتهَا لَا دلَالَة لأكثرها على مَحل النزاع بل فِي أصح وَعَن الإِمَام أَحْمد يمْنَع فِي الْفَرْض خَاصَّة وَألْحق الْآمِدِيّ بالنهر النَّار والبئر وَألْحق صَاحب الْمُبْهِج الشَّيْخ أَبُو الْفرج بذلك السَّبع وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِرِوَايَة الْمَنْع كَمَا اخْتَارَهُ الْأَصْحَاب قَالَ لعدم الِاتِّصَال الْعرفِيّ وَهَذَا بناه على اخْتِيَاره فِي اعْتِبَار اتِّصَال الصُّفُوف عرفا وَالْأَصْحَاب من اعْتبر مِنْهُم وَلَا يلْزم اختلاله وَمن لم يعتبره فَلَا إِشْكَال عَلَيْهِ عِنْده قَالَ وَأما الطَّرِيق المختصة بعبور الرجل والساقية الَّتِي يُمكن خوضها فَلَيْسَ بمانع وَلَا قَاطع عرفا قَوْله وَلَا بَأْس باليسير من ذَلِك

كَذَا ذكر جمَاعَة وَأطلق فِي الْمُسْتَوْعب وَالْمذهب وَغَيرهمَا كَرَاهَة الْعُلُوّ الْيَسِير قطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالشَّيْخ موفق الدّين بِأَنَّهُ كدرجة الْمِنْبَر وَنَحْوهَا وَذكر القَاضِي أَنه يكره بِذِرَاع أَو أَزِيد وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة وَلَعَلَّه يُقَارب معنى القَوْل الَّذِي قبله وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة بِأَن قدر الِارْتفَاع الْمَكْرُوه قدر قامة الْمَأْمُوم لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى رفع رَأسه ليعلم انتقالات إِمَامه وَرفع رَأسه مَكْرُوه وَمَا دون ذَلِك فَلَا يكره لعدم الْحَاجة إِلَى رفع رَأسه الْمُوجب للكراهة قَوْله وَلَا يكره الْوُقُوف بَين السَّوَارِي إِلَّا لصف تقطعه وَلم يتَعَرَّض لمقدار مَا يقطع الصَّفّ وَكَأَنَّهُ يرجع فِيهِ إِلَى الْعرف وَشرط بعض أَصْحَابنَا أَن يكون عرض السارية الَّتِي تقطع الصَّفّ ثَلَاثَة أَذْرع وَإِلَّا فَلَا يثبت لَهَا حكم الْقطع وَلَا حكم الْخلَل ذكره الشَّيْخ وجيه الدّين وَهَذَا القَوْل هُوَ معنى قَول من قَالَ من الْأَصْحَاب إِن من وقف عَن يسَار الامام وَكَانَ بَينه وَبَينه مَا يقوم فِيهِ ثَلَاثَة رجال لَا تصح صلَاته لِأَن الرجل يقوم فِي مقاربة ذِرَاع والتحديد بَابه التَّوْقِيف وَلَا تَوْقِيف هُنَا وَمَتى دعت الْحَاجة إِلَى الْوُقُوف بَين السَّوَارِي فَلَا كَرَاهَة قطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة كَالصَّلَاةِ فِي طاق الْقبْلَة وَاسْتثنى فِي الْمُحَرر الْحَاجة فِيهِ دون هَذِه وَالظَّاهِر أَنه غير مُرَاد وَكَأَنَّهُ تبع غَيره على الْعبارَة قَوْله وَإِذا عجز الْمَرِيض عَن الْقيام صلى جَالِسا

لَيْسَ الحكم مُخْتَصًّا بِالْعَجزِ فَلَو قدر على الْقيام لَكِن خشِي زِيَادَة مرض أَو ضعف أَو تباطؤ برْء وَنَحْو ذَلِك صلى جَالِسا كَمَا قُلْنَا فِي الصّيام وطهارة المَاء على الصَّحِيح قَالَ الْغَمَام أَحْمد إِذا كَانَ قِيَامه مِمَّا يوهنه ويضعفه صلى قَاعِدا وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَت صلَاته قَائِما توهنه وتضعفه فَأحب إِلَى أَن يُصَلِّي قَاعِدا وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجلس إِلَّا إِن عجز أَن يقوم لدنياه وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي أَنه لَو قدر على الْقيام باعتماده على شَيْء أَنه يلْزمه وَصرح بِهِ جمَاعَة وَقَالَ ابْن عقيل لَا يلْزمه أَن يكتري من يقيمه ويعتمد عَلَيْهِ وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه إِن أمكنه الصَّلَاة قَائِما مُنْفَردا وَفِي الْجَمَاعَة جَالِسا أَنه يُصَلِّي قَائِما مُنْفَردا وَقدمه الشَّيْخ وجيه الدّين لِأَنَّهُ ركن مُتَّفق عَلَيْهِ وَالْجَمَاعَة مُخْتَلف فِي وُجُوبهَا وَقيل بل يُصَلِّي قَاعِدا جمَاعَة لِأَن الصَّحِيح يُصَلِّي قَاعِدا خلف إِمَام الْحَيّ الْمَرِيض لأجل الْمُتَابَعَة وَالْجَمَاعَة وَالْمَرِيض أولى وَقيل بل يُخَيّر بَين الْأَمريْنِ قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَقدمه غير وَاحِد لِأَنَّهُ يفعل فِي كل وَاحِد مِنْهُمَا وَاجِبا وَيتْرك وَاجِبا وَلِأَن الْقيام إِنَّمَا يجب حَالَة الْأَدَاء فَإِذا أَدَّاهَا فِي الْجَمَاعَة فقد عجز عَنهُ حَالَة الْأَدَاء قطع المُصَنّف بِهَذَا فِي شرح الْهِدَايَة وَذكره عَن الشَّافِعِي وَظَاهر قَول الْحَنَفِيَّة وَاحْتج بِأَن مصلحَة الْجَمَاعَة أَكثر أجرا ومصلحة من الْقيام لِأَن صَلَاة الْقَاعِد على النّصْف من صَلَاة الْقَائِم وتفضل صَلَاة الْجَمَاعَة على صَلَاة الْفَذ بِخمْس وَعشْرين ضعفا وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه إِذا أمكنه الْقيام فِي صُورَة الرَّاكِع أَنه لَا يلْزمه وَلَيْسَ كَذَلِك بل يلْزمه لِأَنَّهُ قيام مثله بِخِلَاف مَا لَو كَانَ لغير آفَة بِهِ كمن فِي بَيت قصير سقفه أَو خَائِف من عَدو يعلم بِهِ إِذا انتصب ويمكنه أَن يستوى جَالِسا فَإِنَّهُ يُصَلِّي جَالِسا على مَنْصُوص الامام أَحْمد لعدم

الِاسْتِطَاعَة الْمَذْكُورَة فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن وَيُفَارق الَّذِي قبله لِأَنَّهُ إِن جلس جلس منحنيا فَإِذا لم يكن بُد من الانحناء فقيامه أولى لِأَنَّهُ الأَصْل وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يقتضى أَنه لَو صَامَ فِي رَمَضَان صلى قَاعِدا وَإِن أفطر صلى قَائِما أَنه يُصَلِّي قَائِما وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ يَصُوم وَيُصلي قَاعِدا لما فِيهِ من الْجمع بَينهمَا وَإِطْلَاق كَلَامه أَيْضا يَقْتَضِي أَنه لَو صلى قَائِما امْتنعت عَلَيْهِ الْقِرَاءَة أَو لحقه سَلس الْبَوْل وَلَو صلى قَاعِدا امْتنع السلس أَنه يُصَلِّي قَائِما وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ يُصَلِّي قَاعِدا لسُقُوط الْقيام فِي النَّفْل وَلَا صِحَة مَعَ ترك الْقِرَاءَة وَالْحَدَث والنادر وَإِن دخل فِي كَلَام الْمُكَلف فَالظَّاهِر عدم إِرَادَته لَهُ وَهَذِه الصُّورَة أَو بَعْضهَا من النَّوَادِر قَوْله فَإِن عجز أَوْمَأ بطرفه واستحضر الْأَفْعَال بِقَلْبِه وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَعَن أَحْمد تسْقط وضعفها الْخلال وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وللقول الأول أَدِلَّة ضَعِيفَة يطول ذكرهَا وَبَيَان ضعفها وَلَا يخفى ضعفها عِنْد المتأمل وَقد اعْتبر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة هَذِه الْمَسْأَلَة بالأسير إِذا خافهم على نَفسه فَصَارَ بِحَيْثُ لَا يُمكنهُ التَّحْرِيم خوفًا مِنْهُم وَجعلهَا أصلا لَهَا فِي عدم سُقُوط الصَّلَاة لعَجزه عَن الْأَفْعَال فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَكَذَلِكَ عندنَا وَعند مَالك وَالشَّافِعِيّ إِن عجز أَن يومىء بطرفه وَأمكنهُ أَن يَنْوِي ويستحضر أَفعَال الصَّلَاة بِقَلْبِه لزمَه ذَلِك ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَمرَاده بِأَفْعَال الصَّلَاة القولية والفعلية إِن عجز عَن القولية بِلِسَانِهِ وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين قَالَ ابْن عقيل إِذا كَانَ الرجل أحدب يجدد من قلبه عِنْد قصد الرُّكُوع إِنَّمَا يقْصد بِهِ الرُّكُوع لِأَنَّهُ لَا يقدر على فعله كَمَا يفعل الْمَرِيض الَّذِي

لَا يُطيق الْحَرَكَة يجدد لكل فعل وركن قصدا بِقَلْبِه أنْتَهى كَلَامه وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُ إِذا عجز عَن الصَّلَاة مُسْتَلْقِيا أَنه يومىء بطرفه وَيَنْوِي بِقَلْبِه فَلَعَلَّ مُرَاده أَن يَنْوِي الصَّلَاة بِقَلْبِه ويستحضرها فِي ذهنه إِلَى آخرهَا كَمَا ذكره غَيره واقتصاره على هَذَا يُوهم أَنه إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه تسْقط الصَّلَاة مَعَ ثبات عقله وَلَيْسَ كَذَلِك لِأَنَّهُ قَالَ وَيَنْوِي بِقَلْبِه وَمن عجز عَن بعض الْمَطْلُوب أَتَى بِالْبَعْضِ الآخر وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب أَنه يومىء بطرفه أَو بِقَلْبِه وَظَاهره الِاكْتِفَاء بِعَمَل الْقلب وَلَا يجب الْإِيمَاء بالطرف وَلَيْسَ بِبَعِيد وَلَعَلَّ مُرَاده أَو بِقَلْبِه أَن عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه وَقَالَ فِي الْمقنع فَإِن عجز أَوْمَأ بطرفه وَلَا تسْقط الصَّلَاة وَكَذَا فِي الْكَافِي وَزَاد مَا دَامَ عقله ثَابتا فَيحْتَمل أَنه أَرَادَ إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه سَقَطت الصَّلَاة وَيكون قَوْله وَلَا تسْقط الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا يَعْنِي على الْوَجْه الْمَذْكُور وَهُوَ قدرته على الْإِيمَاء بطرفه وَهَذَا قَول الْحسن بن زِيَاد الْحَنَفِيّ وَيدل على هَذَا أَن الظَّاهِر أَنه يَنْوِي بِقَلْبِه مَعَ الْإِيمَاء بطرفه وَلم يذكرهَا وَقد يدل على هَذَا الِاحْتِمَال الثَّانِي وَهُوَ أَنه إِذا عجز عَن الْإِيمَاء بطرفه نوى بِقَلْبِه كَمَا ذكره غَيره واستحضر أَفعَال الصَّلَاة بِقَلْبِه قَوْله وَلَا يُؤَخر الصَّلَاة مَا لم يغم عَلَيْهِ يَعْنِي وَيَقْضِي على أصلنَا وَقَالَ جمَاعَة وَلَا تسْقط الصَّلَاة مَا دَامَ عقله ثَابتا ومرادهم بالسقوط التَّأْخِير

قَوْله وَيجوز لمن بِهِ رمد أَن يُصَلِّي مُسْتَلْقِيا إِذا قَالَ ثِقَات الطِّبّ إِنَّه يَنْفَعهُ لَيْسَ حكم الْمَسْأَلَة مُخْتَصًّا بِمن بِهِ رمد بل من فِي مَعْنَاهُ حكمه حكمه فَإِذا قيل لَهُ إِن صليت مُسْتَلْقِيا زَالَ مرضك أَو أمكن مداواتك فَلهُ ذَلِك وَاحْتج على هَذَا بِأَنَّهُ فرض للصَّلَاة فَإِذا خَافَ الضَّرَر مِنْهُ أَو رجى الْبُرْء بِتَرْكِهِ سقط كالطهارة بِالْمَاءِ فِي حق الْمَرِيض وَلِأَنَّهُ يُبَاح لَهُ الْفطر فِي رَمَضَان لأجل ذَلِك إِذا خشى الضَّرَر بِالصَّوْمِ فَفِي ركن الصَّلَاة أولى وَلِأَنَّهُ يجوز ترك الْجُمُعَة وَالصَّلَاة على الرَّاحِلَة لخوف تأذيه بالمطر والطين فِي بدنه أَو ثِيَابه فَترك الْقيام لدفع ضَرَر يَنْفَعهُ الْبَصَر أَو غَيره أولى وَيعرف من أصُول هَذِه الأقيسة أَن الْمَسْأَلَة يخرج فِيهَا خلاف فِي الْمَذْهَب وفَاقا لمَالِك وَالشَّافِعِيّ فِي عدم الْجَوَاز لِأَن أُصُولهَا أَو أَكْثَرهَا فِيهِ خلاف مَرْجُوح فِي الْمَذْهَب فَوَقع الْكَلَام فِيهَا على الرَّاجِح الْمَقْطُوع بِهِ عِنْد غير وَاحِد وَذكر فِي الْكَافِي الْمَسْأَلَة فِي الرمد كَا ذكرهَا هُنَا وَاحْتج بِمَا ذكره غَيره من أَنه روى أَن أم سَلمَة تركت السُّجُود لرمد بهَا وَلِأَنَّهُ يخَاف مِنْهُ الضَّرَر أشبه الْمَرَض كَذَا قَالَ وَقَوله إِذا قَالَ ثِقَات الطِّبّ لَا يعْتَبر قَول ثِقَات الطِّبّ كلهم وَلم أجد تَصْرِيحًا بِاعْتِبَار قَول ثَلَاثَة بل هُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة قَالَ الشَّيْخ زين الدّين بن منجا وَلَيْسَ بِمُرَاد لِأَن قَول الِاثْنَيْنِ كَاف صرح بِهِ المُصَنّف وَغَيره يَعْنِي بالمصنف الشَّيْخ موفق الدّين وَقدم فِي الرِّعَايَة أَنه يقبل قَول وَاحِد وَقد قَالَ أَبُو الْخطاب

فِي الِانْتِصَار فِي بحث مَسْأَلَة التَّيَمُّم لخوف زِيَادَة الْمَرَض قَالَ الْمُعْتَبر بِالظَّاهِرِ وَغَلَبَة الظَّن إِذا اتّفق جمَاعَة من الْأَطِبَّاء على أَنه بترك المَاء يَأْمَن زِيَادَة الْمَرَض والشين المقبح صَار ذَلِك عذرا فِي التّرْك كالمتيقن انْتهى كَلَامه وثقات الطِّبّ يُعْطي اعْتِبَار إسْلَامهمْ وَهُوَ مُصَرح بِهِ وَيُعْطى الْعلم بِهِ وَيُعْطى أَيْضا الْعَدَالَة لِأَن الْفَاسِق لَيْسَ بِثِقَة وَلَا مؤتمن وَيَنْبَغِي أَن يَكْتَفِي بمستور الْحَال وَقد احْتج من قَالَ بِالْمَنْعِ فِي الْمَسْأَلَة بِمَا ذكره ابْن الْمُنْذر وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس أَنه لما كف بَصَره أَتَاهُ رجل فَقَالَ لَو صبرت على سَبْعَة أَيَّام لم تصل إِلَّا مُسْتَلْقِيا رَجَوْت أَن تَبرأ فَأرْسل إِلَى عَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة وَغَيرهمَا من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فكلهم قَالَ أَرَأَيْت إِن مت فِي هَذِه السَّبْعَة مَا الَّذِي تصنع بِالصَّلَاةِ فَترك معالجة عَيْنَيْهِ وَأجَاب فِي الْمُغنِي بِأَنَّهُ إِن صَحَّ فَيحْتَمل أَن الْمخبر لم يخبر بِخَبَر عَن يَقِين وَإِنَّمَا قَالَ أَرْجُو وَأَنه لم يقبل خَبره لكَونه وَاحِدًا أَو مَجْهُول الْحَال بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَهَذَا يدل على أَنه لَا يَكْفِي قَول وَاحِد وَلَا مَجْهُول الْحَال وَظَاهره سَوَاء جهلت عَدَالَته أَو علم وَأَنه لَا بُد من جزم الطَّبِيب بذلك وَقَالَ المُصَنّف الظَّاهِر أَنهم يئسوا من عود بَصَره بعد ذَهَابه وَلم يثقوا بقول الْمخبر لقصوره أَو للْجَهْل بِحَالهِ أَو لغير ذَلِك وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَأما ابْن عَبَّاس فَكَانَ الْمخبر وَاحِدًا وَالْبَصَر مكفوف فَطلب عودته لم يخف زِيَادَة مرض وَلَا تباطؤ برْء قَوْله خير بَين قصر الرّبَاعِيّة

لَو قَالَ إِلَى رَكْعَتَيْنِ كَمَا قَالَ بَعضهم كَانَ أولى لِأَنَّهُ مَمْنُوع من صَلَاة الرّبَاعِيّة ثَلَاثًا قَالَ ابْن عقيل وَغَيره وَإِذا صلى الْمُسَافِر الرّبَاعِيّة ثَلَاثًا ثمَّ سلم مُتَعَمدا بطلت صلَاته كَمَا لَو مسح على أحد خفيه ثمَّ غسل الرجل الْأُخْرَى قَوْله أَو أخر الْمُسَافِر صلَاته عمدا حَتَّى خرج وَقتهَا أَو ضَاقَ عَنْهَا لزمَه أَن يتم كَذَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم أجد أحدا ذكرهَا قبله وَكَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة يدل على أَنه لم يجد أحدا من الْأَصْحَاب ذكرهَا فَإِنَّهُ قَالَ هُوَ كالناسي لذَلِك فِي مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَظَاهر تَقْيِيد أَصْحَابنَا بِذكر النَّاسِي فِي ذَلِك يَعْنِي وَإِن نسي صَلَاة سفر فَذكرهَا فِيهِ أَو فِي سفر آخر الْمَسْأَلَة قَالَ وَفِي مَسْأَلَة تغلب الْإِتْمَام فِيمَن نسي صَلَاة فِي سفر فَذكرهَا فِي الْحَضَر يدلان على أَن الْقصر لَا يجوز هَهُنَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام بن أبي مُوسَى فَإِنَّهُ قَالَ إِذا دخل وَقت صَلَاة على مُقيم يُرِيد السّفر فارتحل قبل أَدَائِهَا ثمَّ أَدَّاهَا فِي السّفر ووقتها بَاقٍ فَلهُ الْقصر وَإِن لم يصلها حَتَّى خرج وَقتهَا أتمهَا لَا يُجزئهُ غير ذَلِك وَوجه ذَلِك أَن الْقصر رخصَة يخْتَص بصلوات السّفر مَعُونَة عَلَيْهَا وعَلى مشاقه فَوَجَبَ أَن تخْتَص بِمن فعلهَا الْفِعْل الْمَأْذُون فِيهِ وَلم يؤخرها تَأْخِيرا محرما كَمَا اخْتصّت بِالسَّفرِ غير الْمحرم وعَلى هَذِه الْمَسْأَلَة يحمل قَول القَاضِي فِي الْخِصَال فَإِن كَانَ قَاضِيا لَهَا أَو لبعضها لم يجز لَهُ الْقصر تَوْفِيقًا بَينه وَبَين الْجَوَاز للناسي فِي سَائِر صِفَاته

وَيحْتَمل أَن يحمل كَلَام القَاضِي فِي الْخِصَال على ظَاهره فَلَا يجوز قصر فَائِتَة بِحَال كَأحد قولي الشَّافِعِي فقد نقل الْمروزِي مَا يدل عَلَيْهِ فَقَالَ سَأَلت أَبَا عبد الله عَمَّن نسي صَلَاة فِي السّفر فَذكرهَا فِي الْحَضَر قَالَ يُصَلِّي أَرْبعا فِي السّفر ذكرهَا أَو فِي الْحَضَر انْتهى كَلَامه وَعُمُوم كَلَام الْأَصْحَاب يدل على جَوَاز الْقصر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَصرح بِهِ بَعضهم ذكره فِي الرِّعَايَة وَجها وَهُوَ ظَاهر اخْتِيَاره فِي الْمُغنِي فَإِنَّهُ ذكر عَن بعض الْأَصْحَاب أَن من شَرط الْقصر كَون الصَّلَاة مُؤَدَّاة لِأَنَّهَا صَلَاة مَقْصُورَة فَاشْترط لَهَا الْوَقْت كَالْجُمُعَةِ وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ اشْتِرَاط بِالرَّأْيِ والتحكم وَالْجُمُعَة اشْترط لَهَا شُرُوط فَجَاز أَن يشْتَرط لَهَا الْوَقْت بِخِلَاف هَذِه وَإِطْلَاق كَلَامه يَقْتَضِي أَنه لَا فرق بَين التعمد وَالنِّسْيَان وَلَو فرق الحكم لبينه هُوَ وَغَيره من الْأَصْحَاب وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ وَأما التَّقْيِيد بالناسي فَإِنَّهُ وَقع على الْغَالِب لِأَن الْغَالِب فِي الْمُسلم الْمُصَلِّي عدم تَأْخِير الصَّلَاة عَن وَقتهَا لَا لِأَن حَالَة الْعمد تحالف حَالَة النسْيَان فِي ذَلِك وَلِهَذَا وَقع التَّقْيِيد بِالنِّسْيَانِ فِي كتب عَن الْأَصْحَاب من أهل الْمذَاهب وَلما صَرَّحُوا بِحَالَة الْعمد صَرَّحُوا بِأَنَّهَا كحالة النسْيَان فِي هَذَا الحكم وَإِن افْتَرقَا فِي الْإِثْم وَعَدَمه وَأما كَلَام ابْن أبي مُوسَى فَإِنَّمَا هُوَ فِيمَن سَافر بعد دُخُول وَقت صَلَاة فسافر قبل فعلهَا فَإِن فعلهَا مَعَ بَقَاء وَقتهَا قصرهَا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا هُوَ الرِّوَايَة الثَّالِثَة عَن إمامنا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَلم يذكرهَا المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بل حكى عَن بعض الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي هَذِه الْمَسْأَلَة لَا يقصرها مُطلقًا وَهُوَ الْمَشْهُور وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى يقصرها مُطلقًا حَكَاهَا ابْن عقيل وَهِي قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَمن سَافر بعد دُخُول الْوَقْت لم يجز لَهُ قصرهَا سَوَاء سَافر فِي أول وَقتهَا أَو فِي

آخِره وَسَوَاء صلاهَا فِي وَقتهَا أَو بعد خُرُوجه وَعنهُ إِن صلاهَا فِي السّفر فِي وَقتهَا جَازَ لَهَا قصرهَا وَإِن لم يصلها حَتَّى خرج وَقتهَا لزمَه إِتْمَامهَا واختارها ابْن أبي مُوسَى فَمَتَى لم يبْق من الْوَقْت مَا يَتَّسِع لفعل جَمِيعهَا أَربع رَكْعَات لم يجز لَهُ الْقصر قولا وَاحِدًا وَهُوَ معنى قَول القَاضِي فِي الْخِصَال لَا يكون قَاضِيا لَهَا وَلَا لبعضها وَكَذَا إِذا سَافر بعد مَا بقى من وَقتهَا مَا يَتَّسِع لفعل جَمِيعهَا لم يجز لَهُ الْقصر انْتهى كَلَامه وَأما أعتبار هَذِه الْمَسْأَلَة بِالسَّفرِ الْمحرم فِيهِ نظر ظَاهر لِأَن السّفر الْمحرم سَبَب للترخص وَلَا تُبَاح الرُّخص بالأسباب الْمُحرمَة لما فِيهِ من الْإِعَانَة على فعل الْمحرم وَأما هُنَا فَلَيْسَ تَأْخِيره الْمحرم سَببا لرخصة الْقصر حَتَّى يُقَال يلْزم من القَوْل بِهِ ثُبُوت الرُّخْصَة مَعَ تَحْرِيم سَببهَا وَأكْثر مَا فِيهِ أَنه أَتَى بهَا على وَجه محرم وَهَذَا لَا يمْنَع رخصَة الْقصر الَّتِي وجد سَببهَا كَمَا لَو أَتَى بهَا بِغَيْر أَذَان وَلَا إِقَامَة أَو مُنْفَردا مَعَ قدرته على الْجَمَاعَة أَو غير ذَلِك من الْأُمُور الْمُحرمَة قَوْله وَمن نوى الْإِقَامَة فِي بلد يَعْنِي يشْتَرط فِي الْإِقَامَة الَّتِي تقطع السّفر إِذا نَوَاهَا الامكان بِأَن يكون مَوضِع لبث وقرار فِي الْعَادة فعلى هَذَا لَو نوى الاقامة بِموضع لَا يُمكن لم يضر لِأَن الْمَانِع نِيَّة الْإِقَامَة فِي بَلَده وَلم تُوجد وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين من أَصْحَابنَا فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كَانَ لَا تتَصَوَّر الاقامة فِيهَا أصلا كالمفازة فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يقصر لِأَنَّهُ نوى الاقامة وَتعرض للهلاك بِقطع السّفر وَالثَّانِي يقصر لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ الْوَفَاء بِهَذِهِ النِّيَّة للتعذر فلغت وَبَقِي حكم السّفر الأول مستداما

قَوْله والفيج قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين هُوَ السَّاعِي وَقَالَ ابْن الْأَثِير فِي نهايته الفيج هُوَ المسرع فِي مَشْيه الَّذِي يحمل الْأَخْبَار من بلد إِلَى بلد وَالْجمع فيوج وَهُوَ فَارسي مُعرب وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَهُوَ الرَّاعِي المتنقل وَقيل الْبَرِيد قَوْله المسافرون بأهليهم دهرهم وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي بن منجا شَرط أَبُو الْخطاب أَن يكون مَعَهم أَهْليهمْ وَلَا نِيَّة لَهُم فِي الْمقَام فِي مقَام يقصدونه وَقَالَ القَاضِي لَيْسَ ذَلِك بِشَرْط بل الْمُعْتَبر أَن لَا يكون لَهُ وَطن يأوي إِلَيْهِ ويقصده وَهَذَا مِنْهُ يُوهم أَن الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَقد يُقَال لَيْسَ كَذَلِك لِأَن مُرَاد من ذكر الْأَهْل إِذا كَانَ لَهُ أهل لِأَنَّهُ لَا فرق بَين السائحين المجردين الَّذين يتسمون بالفقراء العزاب الَّذين دأبهم السّير فِي الأَرْض غير ناوين إِقَامَة بِبَلَد وَبَين الملاح وَنَحْوه الَّذين مَعَهم أهلهم وَقَالَ ابْن عبد الْقوي أطلق القَاضِي الحكم وَلَا بُد من تَقْيِيده بكونهم يستصحبون أهلهم ومصالحهم وَفِي كَلَام الإِمَام أَحْمد الْإِشَارَة إِلَيْهِ قَالَ ذكر ذَلِك ابْن عقيل فِي عمد الْأَدِلَّة وَقَوله إِذا لم ينووا إِقَامَة بِبَلَد لَا يقصرون هَذَا هُوَ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد الْمَنْصُوص عَنهُ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَصْحَابه لِأَنَّهُ غير ظاعن عَن وَطنه وَأَهله أشبه الْمُقِيم وَلِأَنَّهُ فِي حكم الْمُقِيم بِدَلِيل أَن امْرَأَته تَعْتَد عدَّة الطَّلَاق مَعَه وَلِأَن السّفر لَا يسْقط الصَّوْم وَإِنَّمَا يجوز تَأْخِيره عَنهُ وقضاؤه فِي غَيره لمَشَقَّة أَدَائِهِ فَإِذا كَانَ الْأَدَاء وَالْقَضَاء فِي ذَلِك سَوَاء كَانَ جَوَاز التَّأْخِير عَن الْوَقْت الْمعِين عَبَثا فَلَا يجوز

وَعند أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز لهَؤُلَاء الْقصر وَالْفطر للعمومات وَهِي إِنَّمَا تتَنَاوَل من لَهُ إِقَامَة وسفر فَإِنَّهُ الْمُتَبَادر إِلَى الأفهام هَذَا جَوَاب بَعضهم كالمصنف وَجَوَاب بَعضهم المُرَاد بهَا الظاعن عَن منزله وَهَذَا كَأَنَّهُ يسلم تنَاولهَا ويخصصها بِمَا تقدم وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين منع الملاح وَالْجَوَاز لغيره لِأَنَّهُ لَا يُمكنهُم اسْتِصْحَاب الْأَهْل ومصالح الْمنزل فِي السّفر وَإِن أمكن فَفِيهِ زِيَادَة مشقة فهم فِي هَذِه الْحَال أبلغ فِي اسْتِحْقَاق التَّرَخُّص بِخِلَاف الملاح وَأما أَن كَانَ للملاح وَنَحْوه وَطن أَو منزل يأوون إِلَيْهِ فِي وَقت ترخصوا بِلَا إِشْكَال قَوْله وَهُوَ فِي وَقت الثَّانِيَة أفضل ظَاهره الْعُمُوم فِي حق كل من جَازَ لَهُ الْجمع وَلَا يَخْلُو من نظر وَفِي مَسْأَلته خلاف وتفصيل ذكره قَوْله وَيشْتَرط لَهُ فِي وَقت الأولى أَن ينويه عِنْد افتتاحها ويقدمها على الثَّانِيَة لم أجد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خلافًا مَعَ أَن بعض الْأَصْحَاب لم يذكر هَذَا الشَّرْط مَعَ ذكره شُرُوط الْجمع وَكَأَنَّهُ اكْتفى بِعُمُوم اشْتِرَاطه فِي بَاب الْأَوْقَات يُؤَيّد هَذَا أَن بَعضهم لم يذكرهُ هُنَا مَعَ أَنه جعله أصلا فِي وجوب تَرْتِيب الْفَوَائِت وَلَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَهَذَا مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا نعلم فِيهِ مُخَالفا لِأَن الثَّانِيَة لم يدْخل وَقت وُجُوبهَا وَإِنَّمَا جوز فعلهَا تبعا للأولى

فَإِذا لم تُوجد الأولى لم يكن وجود تابعها وَهَذَا بِخِلَاف تَرْتِيب الْفَوَائِت حَيْثُ نسقطه بِالنِّسْيَانِ لِأَن الصَّلَاتَيْنِ هُنَاكَ قد وجبتا واستقرتا وَلَيْسَ إِحْدَاهمَا تبعا لِلْأُخْرَى قَوْله وَأَن لَا يفرق بَينهمَا إِلَّا بِقدر الْإِقَامَة وَالْوُضُوء تعْتَبر الْمُوَالَاة بَينهمَا لِأَن حَقِيقَته ضم الشَّيْء وَلَا يحصل مَعَ التَّفْرِيق الْكثير واليسير لَا يُمكن التَّحَرُّز مِنْهُ أَو يعسر جدا فَلم يمْنَع وَحكى القَاضِي أَنه يمْنَع وَقد نقل أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار على جَوَاز التَّفْرِيق فِي الْمُوَالَاة فِي الْوضُوء قَالَ كَمَا فِي الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ والمرجع فِي الْيَسِير وَالْكثير إِلَى الْعرف اخْتَارَهُ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين لِأَن هَذَا شَأْن مَا لم يرد الشَّرْع بتقديره وَقدره بَعضهم بِقدر الْإِقَامَة وَالْوُضُوء قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة مرد كَثْرَة التَّفْرِيق الْعرف وَالْعَادَة وَإِنَّمَا قرب تحديده بِالْإِقَامَةِ وَالْوُضُوء لِأَن الْإِقَامَة هَذَا محلهَا وَالْوُضُوء قد يحْتَاج إِلَيْهِ فِيهِ وهما من مصَالح الصَّلَاة وَلَا تَدْعُو الْحَاجة غَالِبا إِلَى غير ذَلِك وَلَا إِلَى تَفْرِيق أَكثر مِنْهُ وَهَذَا إِذا كَانَ الْوضُوء خَفِيفا فَأَما من طَال وضوءه بِأَن يكون المَاء مِنْهُ على بعد بِحَيْثُ يطول الزَّمَان فَإِنَّهُ يبطل جمعه قَوْله وَالتَّرْتِيب ظَاهره أَن التَّرْتِيب هُنَا كالترتيب إِذا جمع فِي وَقت الأولى وَجعل فِي الْكَافِي التَّرْتِيب بَين المجموعتين أصلا لمن قَالَ بِعَدَمِ سُقُوط التَّرْتِيب فِي قَضَاء الْفَوَائِت وَكَذَلِكَ فِي الْمُغنِي وَكَذَلِكَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شرح الْهِدَايَة

وَهَذَا ظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَهَذَا يدل على أَن الْمَذْهَب أَنه لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ وَفِي الرِّعَايَة قَالَ لَا يسْقط بِالنِّسْيَانِ فِي الْأَصَح لِأَن النسْيَان هُنَا لَا يتَحَقَّق لِأَنَّهُ لَا بُد من نِيَّة الْجمع بَينهمَا فَلَا يُمكن ذَلِك مَعَ نِسْيَان أَحدهمَا وَلِأَن اجْتِمَاع الْجَمَاعَة يمْنَع النسْيَان إِذْ لَا يكَاد الْجَمَاعَة ينسون الأولى وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالتَّرْتِيب مُعْتَبر هُنَا لَكِن بِشَرْط الذّكر كترتيب الْفَوَائِت لِأَن الصَّلَاتَيْنِ قد استقرتا فِي الذِّمَّة واجبتين فَلذَلِك سقط بَينهمَا بِالنِّسْيَانِ كالفائتتين بِخِلَاف الْجمع بَينهمَا فِي وَقت الأولى ووافقنا على ذَلِك أَبُو حنيفَة وَإِسْحَاق وَمذهب الشَّافِعِي أَن التَّرْتِيب هُنَا لَا يجب كمذهبه فِي الْفَوَائِت ولأصحابه وأصحابنا وَجه بِاعْتِبَار هَذَا مُطلقًا وَفَائِدَته أَنه مَتى أخل بِهِ بَطل حكم الْجمع وَوَقعت الظّهْر قَضَاء عِنْدهم وَكَذَلِكَ عندنَا إِذا كَانَ نَاسِيا حَتَّى لَو كَانَ نَاسِيا خرج فِي صِحَّتهَا الْخلاف فِي قصر الْفَائِتَة وَكَذَا ذكر غَيره هَذَا التَّفْرِيع عَن الشَّافِعِي وينشأ عَلَيْهِ اشْتِرَاط نِيَّة الْقَضَاء وَالْأَدَاء قَالَه ابْن عبد الْقوي قَالَ المُصَنّف وَهل يشْتَرط التَّرْتِيب هُنَا بِضيق وَقت الثَّانِيَة بِأَن يبْقى من وَقت الثَّانِيَة مَالا يَتَّسِع إِلَّا لوَاحِدَة مِنْهُمَا قَالَ القَاضِي فِي الْمُجَرّد يسْقط كسقوطه فِي الْفَائِتَة مَعَ المؤداة وَذكر فِي تَعْلِيقه أَنه لَا يسْقط قَالَ المُصَنّف فِي الصَّحِيح عِنْدِي لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيد بِتَرْكِهِ فائده لِأَن وَقت الثَّانِيَة وَقت للمجموعتين أَدَاء لَا قَضَاء فأيتهما بَدَأَ بهَا وَقعت أَدَاء وَالْأُخْرَى قَضَاء وَعَكسه الْحَاضِرَة مَعَ الْفَائِتَة فَإِنَّهُ لَو رتب لصارتا قَضَاء وَيُمكن الِاعْتِذَار عَنهُ بِأَنَّهُمَا وَإِن كَانَتَا فِيهِ أَدَاء إِلَّا أَن الثَّانِيَة أخص بوقتها من الأولى قَوْله وَلَا تشرط الْمُوَالَاة على الْأَصَح

وَكَذَا صَححهُ غَيره كالفائتتين فعلى هَذَا إِذا فرق صلاهما بأذانين وَإِقَامَتَيْنِ كالفائتتين إِذا فرقهما قطع بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَجَمَاعَة لم يفرقُوا كَمَا هُوَ مَعْرُوف فِي مَوْضِعه وَقَالَ أَبُو حنيفَة وصاحباه فِي صَلَاتي مُزْدَلِفَة بِأَذَان وَإِقَامَتَيْنِ لِأَن الْأَذَان للْوَقْت وَالْإِقَامَة للإعلام بِالْفِعْلِ وَهُوَ وَقت وَاحِد وفعلان وينتقض هَذَا عِنْدهم بصلاتي عَرَفَة إِذا فرقهما وَوجه اشْتِرَاط الْمُوَالَاة مَقْصُود الْجمع بِالتَّفْرِيقِ الْفَاحِش وَلم يحصل إِلَّا بعزيمة فَوَجَبَ الْمَنْع مِنْهُ كَمَا يمْتَنع الْمُسَافِر أَن يَصُوم فِي رَمَضَان عَن غَيره فعلى هَذَا إِن فرق عمدا أَثم وَكَانَت الأولى قَضَاء وَإِن لم يتَعَمَّد لم يُؤثر ذَلِك فِي فَسَادهَا وَلَا فِي فَسَاد الثَّانِيَة كَمَا لَو صلى الأولى فِي وَقتهَا مَعَ نِيَّة الْجمع ثمَّ تَركه فَإِنَّهُ تصح لَكِن لَو كَانَت مَقْصُورَة خرج فِيهَا الْخلاف فِي قصر الْفَائِتَة - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب صَلَاة الْخَوْف قَوْله إِلَّا أَن الصَّفّ الأول فِي أول رَكْعَة لَا يَسْجُدُونَ مَعَ الإِمَام بل يقفون حرسا

كَذَا ذكر جمَاعَة كَالْقَاضِي وَأبي الْخطاب وَابْن عقيل وَغَيرهم لِأَن حراسته فِي الأولى أحوط وَالصَّوَاب مَا اخْتَارَهُ جمَاعَة كالشيخ موفق الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيرهمَا أَن الصَّفّ الأول يسْجد فِي الأولى ويحرس فِي الثَّانِيَة اقْتِدَاء بِمَا صَحَّ عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب اللبَاس والتحلي قَوْله وَيُبَاح للرجل حلي من الْفضة الْخَاتم ظَاهره تَحْرِيم لِبَاس الْفضة والتحلي بهَا إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ وعَلى هَذَا كَلَام غَيره صَرِيحًا وظاهرا وَلم أجد أحدا احْتج لتَحْرِيم لِبَاس الْفضة على الرِّجَال فِي الْجُمْلَة وَدَلِيل ذَلِك فِيهِ إِشْكَال وَحكى عَن الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه كَانَ يسْتَشْكل هَذِه الْمَسْأَلَة وَرُبمَا توقف فِيهَا وَكَلَامه فِي مَوضِع يدل على إِبَاحَة لبس الْفضة للرِّجَال إِلَّا مَا دلّ دَلِيل شَرْعِي على تَحْرِيمه وَقَالَ فِي مَوضِع آخر لِبَاس الذَّهَب وَالْفِضَّة يُبَاح للنِّسَاء بالِاتِّفَاقِ إِلَى أَن قَالَ فَلَمَّا كَانَت أَلْفَاظه صلوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِ تَامَّة عَامَّة فِي آنِية الذَّهَب وَالْفِضَّة وَفِي لِبَاس الذَّهَب وَالْحَرِير اسْتثْنى من ذَلِك مَا خصصته الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة كيسير الْحَرِير ويسير الْفضة فِي الْآنِية للْحَاجة وَنَحْو ذَلِك فَأَما لبس الْفضة إِذا لم يكن

فِيهِ لفظ عَام بِالتَّحْرِيمِ لم يكن لأحد أَن يحرم مِنْهُ إِلَّا مقَام الدَّلِيل الشَّرْعِيّ على تَحْرِيمه فَإِذا جَاءَت السّنة بِإِبَاحَة خَاتم الْفضة كَانَ هَذَا دَلِيلا على إِبَاحَة ذَلِك وَمَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ وَمَا هُوَ أولى مِنْهُ بِالْإِبَاحَةِ وَمَا لم يكن كَذَلِك فَيحْتَاج إِلَى نظر فِي تَحْلِيله وتحريمه انْتهى كَلَامه وَذَلِكَ لِأَن النَّص ورد فِي الْمَذْهَب وَالْحَرِير وآنية الذَّهَب وَالْفِضَّة فليقتصر على مورد النَّص وَقد قَالَ تَعَالَى {خلق لكم مَا فِي الأَرْض جَمِيعًا} وَوجه تَحْرِيم ذَلِك أَن الْفضة أحد النَّقْدَيْنِ اللَّذين تقوم بهما الْجِنَايَات والمتلفات وَغير ذَلِك وفيهَا السَّرف والمباهاة وَالْخُيَلَاء وَلَا تخْتَص مَعْرفَتهَا بخواص النَّاس فَكَانَت مُحرمَة على الرِّجَال كالذهب وَلِأَنَّهَا جنس يحرم فِيهَا اسْتِعْمَال الْإِنَاء فَحرم مِنْهَا غَيره كالذهب وَهَذَا صَحِيح فَإِن التَّسْوِيَة بَينهمَا فِي غَيره وَلِأَن كل جنس حرم اسْتِعْمَال إِنَاء مِنْهُ حرم اسْتِعْمَاله مُطلقًا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا استقراء صَحِيح وَهُوَ أحد الْأَدِلَّة وَلِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رخص للنِّسَاء فِي الْفضة وحضهن عَلَيْهَا ورغبهن فِيهَا وَلَو كَانَت إباحتها عَامَّة للرِّجَال وَالنِّسَاء لما خصهن بِالذكر ولأثبت عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِبَاحَة عَامَّة لعُمُوم الْفَائِدَة بل يُصَرح بِذكر الرِّجَال لما فِيهِ من كشف اللّبْس وإيضاح الْحق وَذَلِكَ فِيهَا قَالَ الْأَمَام أَحْمد حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا سُفْيَان عَن مَنْصُور عَن ربعي عَن امْرَأَته عَن أُخْت حُذَيْفَة قَالَت خَطَبنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ يَا معشر النِّسَاء مَا مِنْكُن امْرَأَة تتحلى ذَهَبا تظهره إِلَّا عذبت بِهِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد عَن

أبي عوَانَة عَن مَنْصُور حَدِيث حسن ورِبْعِي هُوَ ابْن حِرَاش الإِمَام وَقَالَ أَحْمد أَيْضا حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن دِينَار حَدثنِي أسيد بن أبي أسيد عَن ابْن أبي مُوسَى عَن أَبِيه أَو عَن ابْن أبي قَتَادَة عَن أَبِيه أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من سره أَن يحلق حبيبته حَلقَة من نَار فليحلقها حَلقَة من ذهب وَلَكِن الْفضة فالعبوا بهَا لعبا وَقَوله فالعبوا بهَا لعبا يَعْنِي النِّسَاء لِأَن السِّيَاق فيهم فَقَوله حلوا معاشر الرِّجَال نساءكم بِالْفِضَّةِ مُطلقًا من غير حَاجَة وَلَا يحوج من كره وَعَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قَالَت امْرَأَة يَا رَسُول الله طوق من ذهب قَالَ طوق من نَار إِلَى أَن قَالَ مَا يمْنَع أحداكن أَن تصنع قرطين من فضَّة ثمَّ تصغرهما بالزعفران رَوَاهُ أَحْمد لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام سُئِلَ عَن الْخَاتم من أَي شَيْء أتخذه قَالَ من ورق وَلَا تتمه مِثْقَالا رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب وَهَذَا يدل على أَنهم كَانُوا ممنوعين من اسْتِعْمَال الْوَرق وَإِلَّا لما تَوَجَّهت الْإِبَاحَة إِلَيْهِ وأباح الْيَسِير لِأَنَّهُ نهى عَن تتمته مِثْقَالا وَلِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم نقلوا عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام اسْتِعْمَال يسير الْفضة ليَكُون ذَلِك حجَّة فِي اخْتِصَاصه بِالْإِبَاحَةِ وَلَو كَانَت الْفضة مُبَاحَة مُطلقًا لم يكن فِي نقلهم اسْتِعْمَال الْيَسِير من ذَلِك كَبِير فَائِدَة فَقَالَ أنس رَضِي الله عَنهُ كَانَت قبيعة سيف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فضَّة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ

حسن غَرِيب وَقَالَ مزيدة العصري دخل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْفَتْح وعَلى سَيْفه ذهب وَفِضة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ غَرِيب وَهَذَا كَقَوْل أنس إِن قدح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْكَسَرَ فَاتخذ مَكَان الشّعب سلسلة من فضَّة لتَكون حجَّة إِبَاحَة الْيَسِير فِي الْآنِية وَقد ثَبت فِي الصِّحَاح وَالسّنَن من حَدِيث أنس أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اتخذ خَاتمًا من الْفضة وَفِي هَذَا الْبَاب مسَائِل حَسَنَة وفوائد مهمة وَمَا تيَسّر مِنْهَا مَذْكُور فِيمَا علقته فِي الْآدَاب الشَّرْعِيَّة فليطلب هُنَاكَ وَالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْجُمُعَة قَوْله وَهل تجوز فِي موضِعين للْحَاجة على رِوَايَتَيْنِ

أطلق الرِّوَايَتَيْنِ وَالْمذهب عِنْد الْأَصْحَاب الْجَوَاز وَهُوَ الْمَنْصُور فِي كتب الْخلاف وَنَصره أَيْضا المُصَنّف وَقَوله فِي موضِعين لَيْسَ الحكم مُخْتَصًّا بموضعين بل تجوز إِقَامَتهَا فِي مَوَاضِع للْحَاجة وَصرح بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقد عرف من هَذَا أَن المُصَنّف لَو قَالَ وَتجوز فِي موضِعين فَأكْثر للْحَاجة وَعنهُ لأولى وَقد قَالَ القَاضِي فِي الْخلاف إِن من قَالَ لَا تجوز فِي موضِعين للْحَاجة احْتج بِأَنَّهُ لَا تجوز فِي موضِعين قِيَاسا على الثَّلَاثَة قَالَ وَالْجَوَاب أَن الْخرقِيّ أجَاز ذَلِك من غير أَن يخْتَص ذَلِك بموضعين وَلم يمْتَنع أَن يجوز فِي موضِعين وَلَا تجوز فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع كَصَلَاة الْعِيد وَقد قيل إِن الْقيَاس يَقْتَضِي أَن لَا تجوز إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد لِأَنَّهَا لَو جَازَت فِي موضِعين لجازت فِي سَائِر الْمَسَاجِد كَسَائِر الصَّلَوَات ولجازت فِي سَائِر المواطن من السّفر والحضر كَسَائِر الصَّلَوَات إِلَّا أَنا تركنَا الْقيَاس فِي موضِعين لما ذكرنَا من حَدِيث عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَأَنه أَقَامَ الْعِيد فِي موضِعين وَحكمه حكم الْجُمُعَة من الْوَجْه الَّذِي بَينا انْتهى كَلَامه

وَمَا حَكَاهُ عَن الْخرقِيّ هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ كَلَام الْأَصْحَاب وَلَا فرق بَين الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي ذَلِك فَكيف يَجْعَل الْعِيد أصلا فِي الْمَنْع وَمَا حَكَاهُ القَاضِي من إجازتها فِي موضِعين للْحَاجة وَالْمَنْع عَن ثَلَاث يرْوى عَن أبي حنيفَة وَمُحَمّد ابْن الْحسن وَظَاهر كَلَام المُصَنّف الْقطع بمنعها فِي موضِعين لغير حَاجَة وَهُوَ الْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب وَعَن عَطاء أَنه يجوز وَهُوَ قَول الظَّاهِرِيَّة وَعَن أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي وَقد سُئِلَ عَن صَلَاة الْجُمُعَة فِي مسجدين فَقَالَ صل فَقيل لَهُ إِلَى أَي شَيْء تذْهب فَقَالَ إِلَى قَول عَليّ رَضِي الله عَنهُ فِي الْعِيد إِنَّه أَمر رجلا يُصَلِّي بضعفه النَّاس وَكَذَلِكَ نقل أَبُو دَاوُد وَعنهُ أَنه سُئِلَ عَن المسجدين اللَّذين جمع فيهمَا بِبَغْدَاد هَل فِيهِ شَيْء مُتَقَدم فَقَالَ أَكثر مَا فِيهِ أَمر عَليّ رَضِي الله عَنهُ أَن يُصَلِّي بالضعفة قَالَ القَاضِي بعد أَن ذكر هذَيْن النصين فقد أجَاز الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى ذَلِك على الاطلاق وَقَالَ وَهُوَ مَحْمُول على الْحَاجة قَالَ وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ لِأَنَّهُ قَالَ إِذا كَانَ الْبَلَد يحْتَاج إِلَى جَوَامِع فَصَلَاة الْجُمُعَة فِي جَمِيعهَا جَائِزَة فَاعْتبر الْحَاجة قَالَ وَكَذَلِكَ ذكره شَيخنَا يَعْنِي أَبَا عبد الله بن حَامِد قَوْله ويبكر إِلَيْهَا مَاشِيا للْخَبَر فِي ذَلِك وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِي بحث هَذِه الْمَسْأَلَة أَن فِيهِ انْتِظَار فَرِيضَة بعد أُخْرَى يَعْنِي أَن هَذَا مُسْتَحبّ قَالَ وَفِي ذَلِك ترغيب مَشْهُور فِي الْأَخْبَار وَقطع الشَّيْخ موفق الدّين فِي مَسْأَلَة وَإِن جلس فِي مَسْجِد أَو طَرِيق وَاسع فعثر بِهِ حَيَوَان أَن انْتِظَار الصَّلَاة قربَة فِي جَمِيع الْأَوْقَات وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي منهاج القاصدين أَن من أفضل الْأَعْمَال انْتِظَار الصَّلَاة بعد الصَّلَاة للْخَبَر

وَقطع فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره أَنه يسْتَحبّ الْجُلُوس بعد صَلَاة الْجُمُعَة إِلَى الْعَصْر وَفِيه خبر فِيهِ ضعف رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وَلَا يزَال فِي صَلَاة مَا انْتظر الصَّلَاة وَهُوَ عَام فِي الصَّلَوَات كلهَا وروى ابْن مَاجَه وَإِسْنَاده ثِقَات عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب فَرجع من رَجَعَ وعقب من عقب فجَاء رَسُول الله مسرعا قد حفزه النَّفس قد حسر عَن رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرُوا هَذَا ربكُم قد فتح بَابا من أَبْوَاب السَّمَاء يباهي بكم الْمَلَائِكَة يَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي قد أَدّوا فَرِيضَة وهم ينتظرون أُخْرَى وَقد ذكر ابْن تَمِيم وَصَاحب الرِّعَايَة أَنه يسن الْجُلُوس بعد الْعَصْر إِلَى غرُوب الشَّمْس وَبعد الْفجْر إِلَى طُلُوعهَا وَلَا يسْتَحبّ ذَلِك بعد بَقِيَّة الصَّلَوَات نَص عَلَيْهِ وَقد ورد فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ خبر خَاص يدل على اسْتِحْبَاب الْجُلُوس بعدهمَا وَلَكِن لَا يَنْفِي اسْتِحْبَاب الْجُلُوس بعد غَيرهمَا قَوْله وَلَا يتخطى أحدا إِلَّا لفرجة يَعْنِي يكره لقَوْله وَعنهُ يكره ذَلِك أَيْضا وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام الْأَصْحَاب مَعَ أَن دليلهم على الْكَرَاهَة يَقْتَضِي التَّحْرِيم وَقد رَأَيْت الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا فِي شرح الْهِدَايَة صرح بِأَنَّهُ لَا يجوز وَفِي كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين فِي مَسْأَلَة التبكير إِلَى الْجُمُعَة أَن التخطي مَذْمُوم وَالظَّاهِر أَن الذَّم إِنَّمَا يتَوَجَّه على فعل يحرم وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَيْسَ لأحد أَن يتخطى النَّاس ليدْخل فِي الصَّفّ إِذا لم تكن بَين يَدَيْهِ فُرْجَة لَا يَوْم الْجُمُعَة وَلَا غير يَوْم الْجُمُعَة بل هَذَا من الظُّلم والتعدي لحدود الله ثمَّ اسْتدلَّ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِك

وللشافعية فِي تَحْرِيمه وكراهته وَجْهَان وَفِي تَعْلِيق أبي حَامِد التَّصْرِيح بِتَحْرِيمِهِ عَن نَص الشَّافِعِي وَذكر فِي مَوضِع آخر من الْبَاب عَن الشَّافِعِي أَنه مَكْرُوه قَوْله فِي الْخطْبَتَيْنِ يحتوي كل مِنْهُمَا على حمد الله ظَاهره أَنه لَا يعْتَبر لفظ مَخْصُوص وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه يعْتَبر قَول الْحَمد لله لِأَنَّهُ لم ينْقل عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه أخل بِهِ فِي خطْبَة مَا بِحَال وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين وَابْن تَمِيم وَابْن حمدَان وَغَيرهم وَلم أجد فِيهِ خلافًا ثمَّ ذكر فِي الْمُحَرر مَا تحتوي كل وَاحِدَة عَلَيْهِ قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بعد ذكر اشْتِرَاط الْعدَد يرفع صَوته بِقدر مَا يسمعهم فَإِن منع السماع نوم أَو ضجة أَو غَفلَة أَو وَقع مطر وَنَحْوه لم يُؤثر ذَلِك لِأَن اعْتِبَار حَقِيقَة السماع تشق فتضبط بمظنته وَإِن لم يسمعوه لبعدهم مِنْهُ أَو لكَونه خفض صَوته جدا فَهُوَ كَمَا لَو خطب وَحده وَإِن لم يسمعوا لصمم بهم ووراءه من لَا يسمعهُ لبعد وَلَا صمم بِهِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يُجزئهُ اعْتِبَار المظنة كَمَا لَو كَانَ من بِقُرْبِهِ أعجميا أَو كَانَ الْجَمِيع صمًّا وَالثَّانِي لَا يجزىء لِأَن السماع لم يحصل وَإِنَّمَا أسقطنا حَقِيقَة السماع حَيْثُ يسْقط اعْتِبَارهَا وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُم إِن كَانُوا صمًّا لم تصح وَإِن كَانُوا طرشا أَو عجما لَا يفهمون صحت وَقَالَ ابْن تَمِيم وَإِن كَانَ لطرش وَلَيْسَ من يسمع صحت وَإِن كَانَ من يسمع بَعيدا فَوَجْهَانِ وَلم يذكر فِي الْمُحَرر الْوَقْت للخطبة وَلم أجد فِي اشْتِرَاطه خلافًا وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة قَالَ لِأَنَّهَا كبعض الصَّلَاة وَهَذَا قَول الْجَمَاعَة وتشترط أَيْضا الْمُوَالَاة إِلَى آخر الْخطْبَة وَبَين الْخطْبَتَيْنِ وَبَينهمَا وَبَين الصَّلَاة

فِي الْأَصَح وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لِأَنَّهُمَا مَعَ الصَّلَاة كمجموعتين وَلِأَنَّهُمَا ذكر يشْتَرط لصِحَّة الْجُمُعَة فَأشبه أَرْكَان صلاتهما فعلى هَذَا لَو طَال الْفَصْل اسْتَأْنف إِلَّا أَن يقْرَأ سَجْدَة فَينزل لسجودها وَيطول الْفَصْل فَوَجْهَانِ الِاسْتِئْنَاف لِأَنَّهُ من غير جنس الْخطْبَة كالسكوت وَالْبناء لِأَنَّهُ من مسنونات الْقِرَاءَة الْمَشْرُوعَة فِي الْخطْبَة فَأشبه سَائِر سننها إِذا طولت وَظَاهر كَلَامه فِي التَّلْخِيص وَالرِّعَايَة أَنه لَا يضر كثير بِدُعَاء لسلطان وَنَحْوه وَيَنْبَغِي أَن يخرج على هَذَا وَجه اسْتِحْبَابه والمرجع فِي طول الْفَصْل إِلَى الْعرف وَيشْتَرط أَيْضا تَقْدِيم الْخطْبَة على الصَّلَاة وَلم أجد فِيهِ خلافًا لفعله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ بَيَان مُجمل فَيجب الرُّجُوع إِلَيْهِ وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا تشْتَرط الطَّهَارَة بل قد صرح بِهِ بعد ذَلِك فَقَالَ فَالْأَفْضَل أَن يخْطب طَاهِرا وَفِي اشْتِرَاط الطَّهَارَة لصِحَّة الْخطْبَة رِوَايَتَانِ الِاشْتِرَاط كتكبيرة الْإِحْرَام وَعَدَمه كالأذان والأصلان فيهمَا إِشْكَال لَكِن الأَصْل عدم اشْتِرَاط شَيْء وَالنَّقْل عَنهُ يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَوجه ابْن عقيل عدم الِاشْتِرَاط بِعَدَمِ اشْتِرَاط طَهَارَة الْبقْعَة وَفِيه نظر وَقد تبعه طَائِفَة كَأبي الْمَعَالِي بن المنجا على هَذَا وَلم يتبعهُ آخَرُونَ نظرا إِلَى التَّسْوِيَة بَينهمَا وَهُوَ أولى ثمَّ قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَمَتى قُلْنَا بِاشْتِرَاط الطَّهَارَة اشْترط طَهَارَة الستارة والبقعة لِأَنَّهُمَا أقيما مقَام الرَّكْعَتَيْنِ انْتهى كَلَامه وَقَالَ القَاضِي يشْتَرط لَهما ستر الْعَوْرَة وَلَعَلَّه على الْخلاف وَقد ذكر الْخرقِيّ وَالثنَاء عَلَيْهِ تَعَالَى وَتَبعهُ بَعضهم على هَذِه الْعبارَة كَابْن عقيل وَظَاهره اعْتِبَار الثَّنَاء مَعَ اعْتِبَار الْحَمد بل صَرِيحه

وَقد ذكر الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا كَلَام الْخرقِيّ وَقَالَ فَيكون الثَّنَاء قسما خَامِسًا انْتهى كَلَامه وَأكْثر الْأَصْحَاب لم يذكر الثَّنَاء مَعَ الْحَمد وَبَعض من شرح الْخرقِيّ لم يتَكَلَّم على هَذَا وَلَعَلَّه حمل الثَّنَاء على الْحَمد قَوْله فِي الْمُحَرر وَتَصِح خطْبَة الْجنب نَص عَلَيْهِ وَهُوَ عَاص بِقِرَاءَة الْآيَة إِلَّا أَن يغْتَسل قبل قرَاءَتهَا ثمَّ يتَيَمَّم وَيتَخَرَّج أَن لَا تصح ذكر هَذَا مَعَ أَنه ذكر أَن قِرَاءَة الْآيَة شَرط فِي صِحَة الْخطْبَة كَمَا هُوَ مَعْرُوف أَنه الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب وَأَن الْجنب يحرم عَلَيْهِ قرَاءَتهَا مَعَ أَنه قدم مَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب من أَن الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة لَا تصح وَتَصْحِيح خطْبَة الْجنب مَعَ ذَلِك مُشكل وَفِيه نظر ظَاهر وَلم أجد أحدا ذكره غير صَاحب الْمُحَرر وَالْإِمَام أَحْمد إِنَّمَا نَص على صِحَة خطْبَة الْجنب نصا مُطلقًا لم يتَعَرَّض فِيهِ لشَيْء مِمَّا تقدم فَمن الْأَصْحَاب كَابْن عقيل من قَالَ هَذَا من الإِمَام أَحْمد يعْطى أحد أَمريْن إِمَّا أَن تكون الْآيَة لَيست شرطا أَو جَوَاز قِرَاءَة الْآيَة للْجنب فَأَما أَن تكون الْآيَة شرطا أَو لَا يجوز قرَاءَتهَا للْجنب ثمَّ يجمع بَينهمَا فَلَا وَجه لذَلِك وَالْأَشْبَه أَن يخرج أَنه لَا يشْتَرط الْآيَة هَذَا كَلَامه وَذكر ابْن عقيل أَيْضا فِي عمد الْأَدِلَّة أَن صِحَة خطْبَة الْجنب تلْحق بِصِحَّة الصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة قَالَ وَيحْتَمل أَن نقُول يجوز للْجنب قِرَاءَة آيَة أخذا من تَصْحِيحه خطْبَة الْجنب وَذكر الشَّيْخ أَبُو الْمَعَالِي وجيه الدّين بن المنجي فِي شرح الْهِدَايَة نَص الإِمَام على إِجْزَاء خطْبَة الْجنب ثمَّ قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا يكون إِذا خطب فِي غير الْمَسْجِد أَو خطب فِي الْمَسْجِد غير عَالم بِحَال نَفسه ثمَّ علم بعد ذَلِك ثمَّ قَالَ

وَالْأَشْبَه بِالْمذهبِ اشْتِرَاط الطَّهَارَة من الْجَنَابَة فَإِن أَصْحَابنَا قَالُوا تشْتَرط قِرَاءَة آيَة فَصَاعِدا وَلَيْسَ ذَلِك للْجنب وَلِأَن الْخرقِيّ اشْترط للأذان الطَّهَارَة من الْجَنَابَة فالخطبة أولى وَصحح فِي التَّلْخِيص مَا صَححهُ فِي الْمُغنِي من اشْتِرَاط الطَّهَارَة الْكُبْرَى وَقَالَ هُوَ أليق بِالْمذهبِ وَذكر فِي الْمُغنِي أَيْضا أَن ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد أَنه لَا تشْتَرط لصِحَّة الْخطْبَة الْقِرَاءَة وَاحْتج بِنَصّ أَحْمد على إِجْزَاء خطْبَة الْجنب وَقَالَ غير وَاحِد من الْأَصْحَاب فَإِن جَازَ للْجنب قِرَاءَة آيَة أَو لم تجب الْقِرَاءَة فِي الْخطْبَة خرج فِي خطبَته وَجْهَان قِيَاسا على أَذَانه وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة خطْبَة الْجنب تصح نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة صَالح فَقَالَ إِذا خطب بهم جنبا ثمَّ اغْتسل وَصلى بهم أَرْجُو أَن تُجزئه قَالَ وَمن أَصْحَابنَا من شَرط أَن يكون خَارج الْمَسْجِد لِأَن لبثه فِيهِ مَعْصِيّة تنَافِي الْعِبَادَة وَمِنْهُم من قَالَ يُجزئهُ بِنَاء على الصَّحِيح فِي اعْتِبَار الْآيَة للخطبة وَمنع الْجنب مِنْهَا وَالصَّحِيح أَن ذَلِك لَا يشْتَرط لِأَنَّهُ قد يكون متوضئا فَيُبَاح لَهُ اللّّبْث وَقد يغْتَسل فِي أَثْنَائِهَا قبل الْقِرَاءَة ثمَّ يتَيَمَّم وَقد ينسى جنابته وَلَا يكون عَاصِيا بلبث وَلَا قِرَاءَة ثمَّ على تَقْدِير عدم ذَلِك نقُول تَحْرِيم اللّّبْث لَا أثر لَهُ فِي الْفساد لِأَنَّهُ لَا تعلق لَهُ بِشَيْء من وَاجِبَات الصَّلَاة فَأشبه من أذن فِي الْمَسْجِد جنبا أَو صلى وَفِي كمه ثوب غصب وَأما تَحْرِيم الْقِرَاءَة فَإِنَّهُ أَيْضا لَا يخْتَص هَذِه الْعِبَادَة لكنه مُتَعَلق بِفَرْض لَهَا فالتحقيق فِيهِ أَن يلْحق حكم الْخطْبَة مَعَه بِالصَّلَاةِ فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة انْتهى كَلَامه وَقِيَاس هَذِه الْمَسْأَلَة على مَسْأَلَة الْأَذَان للْجنب فِي الْمَسْجِد فِي الْحَالة الْمُحرمَة فِيهِ نظر لِأَن الْأَذَان فِي هَذِه الْحَالة كالأذان وَالزَّكَاة فِي أَرض مَغْصُوبَة وَفِي

الصِّحَّة مَعَ التَّحْرِيم قَولَانِ وَذكر بعض الْأَصْحَاب رِوَايَتَيْنِ فَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ الصِّحَّة فَلَا كَلَام وَإِن قُلْنَا بِالصِّحَّةِ وَهُوَ الصَّحِيح من الْمَذْهَب فَالْفرق مَا ذكره بعض الْأَصْحَاب أَن الْبقْعَة لَيست من شَرَائِط ذَلِك فَلم يُؤثر تَحْرِيمهَا فِي صِحَّته بِخِلَاف الْخَاتم وَحمل شَيْء مَغْصُوب لِأَنَّهُمَا لم يتعلقا بِشَرْط الْعِبَادَة الْمَأْمُور بهَا وَهَذَا ظَاهر إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين ويعصي الْجنب بِدُخُول الْمَسْجِد بِلَا أَذَان وَيجْزِي أَذَانه وَكَذَا لَو كَانَ مكشوفا عَن عَوْرَته لِأَنَّهُ لَيْسَ من شَرَائِط الصَّلَاة بِخِلَاف الْخطْبَة فَإِنَّهَا من شَرَائِط الصَّلَاة وفيهَا للشَّافِعِيَّة وَجْهَان مَعَ صِحَة الْأَذَان عِنْدهم قَوْله فِي الْمُحَرر إِلَّا أَن يغْتَسل قبل قرَاءَتهَا ثمَّ يتَيَمَّم عِبَارَته تَقْتَضِي وَلَو طَال الْفَصْل وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِأَن الْمُوَالَاة شَرط هُنَا عِنْده وَهُوَ الْمَذْهَب وَهنا اسْتثِْنَاء آخر فِي الْمَسْأَلَة وَهُوَ استنابة من يقْرَأ ذكره جمَاعَة مِنْهُم ابْن عقيل وَابْن الْجَوْزِيّ لِأَن مَقْصُود الْخطْبَة حَاصِل مَعَ ذَلِك فَهُوَ كخطبة الْوَاحِد أَو كأذان شخص وَإِقَامَة آخر وَهَذَا بِخِلَاف الْأَذَان الْوَاحِد فَإِنَّهُ لَا يَصح من اثْنَيْنِ لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فليؤذن لكم أحدكُم وَلِأَن مَقْصُوده وَهُوَ الْإِعْلَام يحصل بذلك غَالِبا لاخْتِلَاف الْأَصْوَات وقاسه فِي الْمُغنِي على الصَّلَاة وَالْأول هُوَ معنى كَلَام القَاضِي وَجَمَاعَة قَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع الْكَبِير وَيُفَارق هَذَا الصَّلَاة لِأَنَّهُ يجوز أَن يسْتَخْلف فِيهَا إِذا أحدث على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فَتكون صَلَاة وَاحِدَة بإمامين وَأما الْخطْبَة إِذا أحدث فِيهَا فَهَل يجوز أَن يسْتَخْلف فِيهَا فَحكمهَا حكم

الصَّلَاة يخرج على الرِّوَايَتَيْنِ وَقد نَص على الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَوضِع وَهل تصح أَن تكون الْخطْبَة من رجل وَالصَّلَاة من آخر على رِوَايَتَيْنِ وَإِنَّمَا كَانَت الْخطْبَة كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا شَرط فِي صِحَّتهَا انْتهى كَلَامه وَظَاهره الْقطع بِأَن الْخطْبَة لَا تصح من اثْنَيْنِ فِي غير حَال الْحَدث كَالصَّلَاةِ وَقد قَالَ القَاضِي وَالْأَصْحَاب بِأَن الْأَذَان وَالْإِقَامَة يتولاهما وَاحِد فَإِنَّهُمَا فصلان من الذّكر من جنس وَاحِد كَصَلَاة وَاحِدَة فَالْأَفْضَل أَن يتولاهما وَاحِد أَصله الخطبتان قَالَ القَاضِي وَفِيه احْتِرَاز من الْأَذَان وَالْخطْبَة الأولى كالإمامة وَالْخطْبَة الثَّانِيَة أَنه يتولاهما اثْنَان لِأَنَّهُمَا من جِنْسَيْنِ وَقَالَ ابْن عقيل وَهل يجوز أَن يتَوَلَّى الْخطْبَتَيْنِ اثْنَان يخْطب كل وَاحِد خطْبَة فِيهِ احْتِمَالَانِ أَحدهمَا يجوز كالأذان وَالْإِقَامَة وَالثَّانِي لَا يجوز وَقَالَ لما بَينا من الْوُجُوه الْمَانِعَة أَن يتولاهما غير من يتَوَلَّى الصَّلَاة وَكَذَا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَظَاهره أَن الْخطْبَة الْوَاحِدَة لَا تصح من اثْنَيْنِ قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين أَيْضا فِي بَاب الْأَذَان وَإِن قيل هَل يجوز الِاسْتِخْلَاف فِي الْخطْبَة قُلْنَا فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يجوز كَالصَّلَاةِ وَالثَّانِي لَا يجوز كالأذان انْتهى كَلَامه وَقطع ابْن عقيل فِي بَاب الْأَذَان بِالْوَجْهِ الأول وَقطع بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين فِي شرح الْهِدَايَة فَلَا يُقَال إِنَّه لم يذكر الِاسْتِثْنَاء لِأَنَّهُ لَعَلَّه لم يره وَهَذِه الْمَسْأَلَة يعايى بهَا فَيُقَال عبَادَة وَاحِدَة بدنية مَحْضَة تصح من اثْنَيْنِ

قَوْله وَمن دخل وَالْإِمَام يخْطب لم يزدْ على رَكْعَتَيْنِ خفيفتين لَو كَانَ فِي آخر الْخطْبَة بِحَيْثُ إِذا اشْتغل بهَا فَاتَهُ مَعَه تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لَا نستحبها فِي مثل ذَلِك وَكَذَا قَالَ الشَّيْخ فِي الْمُغنِي إِذا تشاغل بِالرُّكُوعِ فَاتَهُ أول الصَّلَاة لم يسْتَحبّ لَهُ التشاغل بِالرُّكُوعِ حكى القَاضِي عِيَاض عَن دَاوُد وَأَصْحَابه وجوب تَحِيَّة الْمَسْجِد وَمذهب الشَّافِعِيَّة لَا يشْتَرط أَن يَنْوِي التَّحِيَّة بل تكفيه رَكْعَتَانِ من فرض أَو سنة راتبة أَو غَيرهَا وَلَو نوى بِصَلَاتِهِ الْمَكْتُوبَة والتحية انْعَقَدت صلَاته وحصلتا لَهُ قَوْله وَيحرم الْكَلَام وَالْإِمَام يخْطب إِلَّا على الْخَاطِب وَله لمصْلحَة وَعنهُ يكره من غير تَحْرِيم يُبَاح من الْكَلَام مَا يجوز قطع الصَّلَاة لَهُ كتحذير ضَرِير أَو غافل عَن بِئْر أَو حفيرة لِأَنَّهُ إِذا لم تمنع مِنْهُ الصَّلَاة مَعَ فَسَادهَا بِهِ فالخطبة أولى وَيجوز للمستمع إِذا عطس أَن يحمد الله خُفْيَة لِأَنَّهُ ذكر وجد سَببه وَلَا يخْتل بِهِ مَقْصُود وَله أَن يُؤمن على دُعَاء الْخَاطِب كَمَا يُؤمن على دُعَاء الْقُنُوت وَله أَن يصلى على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ذكر فِي الْخطْبَة نَص عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سنة فِي الْخطْبَة فَأشبه التَّأْمِين بل أولى لِأَن الصَّلَاة عَلَيْهِ آكِد من التَّأْمِين على الدُّعَاء وَلَيْسَ للأخرس الْإِشَارَة بِمَا يمْنَع مِنْهُ الْكَلَام لِأَن الشَّارِع جعل إِشَارَته كنطق الْقَادِر قطع بِهَذَا كُله المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَلم أجد مَا يُخَالف ذَلِك صَرِيحًا بل إطلاقا وظاهرا وَقَالَ إِسْحَاق بن ابراهيم وسمعته يَقُول فِي

رجل يَأْتِي وَالْإِمَام فِي الْخطْبَة وَهُوَ يتَكَلَّم قَالَ لَا بَأْس بالْكلَام مَا لم يجلس وَكَلَامه فِي الْمُحَرر ظَاهر فِي تَحْرِيم ابْتِدَاء نَافِلَة بعد الشُّرُوع فِي الْخطْبَة وَأَنه على الرِّوَايَتَيْنِ فِي تَحْرِيم الْكَلَام وَكَذَا ظَاهر كَلَام غَيره وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين المنجا بِأَنَّهُ يحرم ابْتِدَاء نَافِلَة من حِين خُرُوج الإِمَام وَأَنه يُخَفف مَا كَانَ فِيهِ لِأَن الْكَلَام لَا ضَرَر فِي قطفه بِالْحَال بِخِلَاف الصَّلَاة وَمرَاده على ظَاهر الْمَذْهَب فِي تَحْرِيم الْكَلَام وَتَحْرِيم إِبَاحَة الِاشْتِغَال عَن اسْتِمَاع الْخطْبَة بِكَلَام لَا فَائِدَة فِيهِ مَعَ تَحْرِيم الِاشْتِغَال عَنْهَا بِالصَّلَاةِ وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَلْيتَأَمَّل فِي عدَّة مسَائِل وَقد جعل المُصَنّف ابْتِدَاء نَافِلَة فِي حَال الْخطْبَة أصلا كَمَسْأَلَة تَحْرِيم الْكَلَام وَمرَاده على الشَّافِعِي من تَأمل كَلَامه فِي مسَائِل لِأَن أَكثر الشَّافِعِيَّة يَقُولُونَ بذلك وَإِن لم يجب الانصات وَقد نقل صَاحب الْحَاوِي من الشَّافِعِيَّة الْإِجْمَاع على تَحْرِيم ابْتِدَاء النَّافِلَة وَقد عرف من مَسْأَلَة إِكْمَال النَّفْل أَن كَلَامه صَادِق عَلَيْهَا وَأَنه غير مُرَاد وَقد حكى الشَّيْخ موفق الدّين عَن أبي حنيفَة وَمَالك كَرَاهَة فعل تَحِيَّة الْمَسْجِد وَالْإِمَام يخْطب وَقَالَ لِأَن الرُّكُوع يشْغلهُ عَن اسْتِمَاع الْخطْبَة فكره كركوع غير الدَّاخِل وَلم يجب عَن ذَلِك وَكَذَا ذكر الشَّيْخ مجد الدّين وبحثهما مَعَ ابْن عقيل فِي أَن من لَا يستمع الْخطْبَة لَهُ أَن يبتدىء نَافِلَة يدل على التَّحْرِيم وَذكر أَن التَّنَفُّل يَنْقَطِع بجلوس الإِمَام على الْمِنْبَر ومرادهما بِخُرُوجِهِ بِدَلِيل مَا استدلوا بِهِ وَقد صرح بِهِ الشَّيْخ مجد الدّين وَلم يتَعَرَّض الشَّيْخ موفق الدّين لتَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة

صَرِيحَة إِلَّا أَنه قَالَ بعد كَلَامه الْمَذْكُور فَلَا يُصَلِّي أحد غير الدَّاخِل يُصَلِّي تَحِيَّة الْمَسْجِد ويتجوز فِيهَا وَلَعَلَّ ظَاهره التَّحْرِيم لِأَنَّهُ ظَاهر النَّهْي فِي لِسَان الشَّرْع وَحكمه وَهَذَا معنى عِبَارَته فِي الْمُسْتَوْعب مَعَ أَنه قطع بِأَنَّهُ لَا يكره الْكَلَام فِي هَذِه الْحَال وَقَالَ الشَّيْخ مجد الدّين فِي بحث الْمَسْأَلَة وَلِأَن النَّفْل فِي هَذِه الْحَال قد يُفْضِي إِلَى الْمَنْع من سَماع الْخطْبَة فَإِن قطعه مَكْرُوه أَو محرم بِخِلَاف الْكَلَام فَإِن قطعه عِنْد الْأَخْذ فِي الْخطْبَة لَا مَحْذُور فِيهِ فَلذَلِك لم يكره قبلهَا وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي ابْتِدَاء النَّفْل بعد خُرُوج الإِمَام وَقد سبق أَن الشَّيْخ وجيه الدّين ذكر التَّحْرِيم وَقَالَ المُصَنّف فِي بحث مَسْأَلَة تَحِيَّة الْمَسْجِد لِأَنَّهَا صَلَاة لَهَا سَبَب فَلم تمنع الْخطْبَة مِنْهَا كالفائتة وإكمال النَّفْل الْمُبْتَدَأ إِذا خرج الإِمَام وَهُوَ فِيهِ وَذكر أَيْضا فِيهَا أَن الْقيَاس على النَّفْل الْمُطلق لَا يَصح لِأَنَّهُمَا أوكد مِنْهُ وَلِهَذَا لَو شرع فِي تطوع مُطلق بِأَرْبَع ثمَّ جلس الإِمَام على الْمِنْبَر وَهُوَ فِي أَولهَا تعين عَلَيْهِ أَن يقْتَصر على رَكْعَتَيْنِ وَلَو كَانَت الْأَرْبَع الرَّاتِبَة قبل الْجُمُعَة فَإِنَّهُ يُتمهَا عِنْد أبي حنيفَة لِأَنَّهَا سنة مُؤَكدَة عِنْده فَكَذَلِك هُنَا وَلَعَلَّ ظَاهر هَذَا مُوَافقَة كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين وَفِيه نظر لِأَنَّهُ تَحِيَّة من قَالَ بِكَرَاهَة التَّحِيَّة وَغَيرهَا وَلم يحل التَّحْرِيم وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَلَا يُصَلِّي بعد صعُود الإِمَام الْمِنْبَر إِلَّا من دخل الْمَسْجِد يوجز فيهمَا وَالَّذِي يظْهر مِمَّا تقدم أَن النَّفْل الْمُبْتَدَأ يحرم بعد الشُّرُوع فِي الْخطْبَة وَهل يحرم بعد خُرُوج الإِمَام على وَجْهَيْن

وَقَالَ فِي الْمُحِيط للحنفية وَيكرهُ التَّطَوُّع من حِين يخرج الامام للخطبة إِلَى أَن يفرغ من الصَّلَاة قَالَ وَكَذَلِكَ الْكَلَام عِنْد أبي حنيفَة وَعِنْدَهُمَا لَا بَأْس بِهِ قبل الْخطْبَة وَبعدهَا مالم يدْخل الامام فِي الصَّلَاة وَاحْتج صَاحب الْمُحِيط بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا خرج الامام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام حَتَّى يفرغ وَهَذَا لَا تعرف صِحَّته فيعتمد عَلَيْهِ وَرِوَايَة عدم تَحْرِيم الْكَلَام على ظَاهرهَا عِنْد أَكثر الْأَصْحَاب وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا وَهَذَا مَحْمُول على الْكَلِمَة والكلمتين لِأَنَّهُ لَا يخل بِسَمَاع الْخطْبَة وَلِأَنَّهُ لَا يُمكنهُ التَّحَرُّز من ذَلِك غَالِبا لَا سِيمَا إِذا لم يفته سَماع أَرْكَانهَا وَذكر أَيْضا مَا ذكر غير وَاحِد أَنه هَل يجب الانصات لخطبة الْعِيد إِذا وَجب الانصات لخطبة الْجُمُعَة على رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ عَن رِوَايَة عدم الْوُجُوب وَهَذَا مَحْمُول على كَمَال الانصات وَإِلَّا فَتَركه بِالْكُلِّيَّةِ والتشاغل بِاللَّغْوِ غير جَائِز وفَاقا قَوْله وَمن أدركهم بعد الرُّكُوع فِي الثَّانِيَة فقد فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَهُوَ مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ لما روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ من أدْرك من الْجُمُعَة رَكْعَة أضَاف إِلَيْهَا أُخْرَى وَمن أدركهم جُلُوسًا صلى الظّهْر أَرْبعا رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقل أَن تسلم طَرِيق لهَذَا الحَدِيث عَن الْقدح إِلَّا أَن أَحْمد قَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَعبد الله لَوْلَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى فِي الْجُمُعَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا أدركهم جُلُوسًا وَهَذَا يدل على

أَنه قد صَحَّ لَهُ طَرِيق عِنْده وَهُوَ كَمَا قَالَ المُصَنّف لِأَن كَلَام الإِمَام يعْطى أَنه ترك قِيَاسا وأصلا لهَذَا الحَدِيث فَلَا بُد وَأَن يكون النَّاقِل لَهُ عَن الأَصْل صَالحا للحجة وَقد روى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك هَذَا الحَدِيث من طرق ثَلَاثَة وَقَالَ أسانيدها صَحِيحَة وروى غير وَاحِد من الْأَئِمَّة هَذَا الْمَعْنى عَن ابْن مَسْعُود وَابْن عمر وَرَوَاهُ بَعضهم عَن أنس وَلم يعرف لَهُم مُخَالف وَقد ذكر أَبُو بكر فِي التنبية أَن ذَلِك إِجْمَاع الصَّحَابَة وَقَالَ مهنى قلت لِأَحْمَد إِذا أدْركْت التَّشَهُّد مَعَ الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة كم أُصَلِّي قَالَ أَرْبعا كَذَلِك قَالَ ابْن مَسْعُود وَكَذَلِكَ فعل أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعَن أَحْمد يُصَلِّي جُمُعَة رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَدَاوُد لقَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم فَأتمُّوا أَو فاقضوا وَأجِيب بِأَن هَذَا لَا يتَنَاوَل إِلَّا من أدْرك شَيْئا يعْتد بِهِ بِدَلِيل قَوْله فَأتمُّوا وَلَا يُقَال أدْرك تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَهِي مُعْتَد بهَا لأَنا نقُول لم يُدْرِكهَا مَعَه وَإِنَّمَا يَأْتِي بهَا ليدْخل بهَا مَعَه على أَنه عَام فَيخْتَص بِمَا تقدم فَإِن أدْرك دون الرَّكْعَة إدراكا يعْتد بِهِ كَمثل المرجوم وَنَحْوهَا فقد ذكر المُصَنّف قبل هَذِه وفيهَا رِوَايَات إِحْدَاهَا يُتمهَا جُمُعَة كَقَوْل أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَالثَّانيَِة ظهرا كَقَوْل الشَّافِعِي وَالثَّالِثَة يسْتَأْنف ظهرا كَقَوْل مَالك فَأَما بَاقِي الصَّلَوَات الْخمس فَمن أدْرك الإِمَام فِيهَا قبل سَلَامه فقد أدْرك الْجَمَاعَة نَص عَلَيْهِ أَحْمد وَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهَذَا إِجْمَاع من أهل الْعلم لَا نعلم فِيهِ خلافًا لعُمُوم الْأَدِلَّة فِي دُخُوله مَعَه على أَي حَال كَانَ وَعَن كثير بن شنظير عَن عَطاء

ابْن أبي رَبَاح عَن جَابر قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة وَمن أدْرك الامام قبل أَن يسلم فقد أدْرك فضل الْجَمَاعَة رَوَاهُ أَبُو أَحْمد بن عدي فِي الْكَامِل قَالَ حَدثنَا حَاجِب بن مَالك أخبرنَا عباد بن الْوَلِيد أخبرنَا صَالح بن رزين الْمعلم مُحَمَّد بن جَابر عَن أبان بن طَارق عَن كثير فَذكره وَكثير بن شنطير من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَتكلم فِيهِ بَعضهم وَاخْتلف قَول ابْن معِين فِيهِ وَقَالَ أَحْمد صَالح الحَدِيث وَذكر ابْن عدي هَذَا الْخَبَر فِي تَرْجَمَة كثير وَقَالَ ولكثير بن شنطير من الحَدِيث غير مَا ذكرت وَلَيْسَ فِي حَدِيثه شَيْء مُنكر وَأَحَادِيثه أَرْجُو أَن تكون مُسْتَقِيمَة انْتهى كَلَامه وَهَذَا يدل على أَن الحَدِيث قد صَحَّ إِلَى كثير وَأَن الحَدِيث حَدِيثه وَأَنه يعرف بِهِ وَأَنه لَيْسَ بمنكر عِنْد ابْن عدي مَعَ أَن فِي الاسناد إِلَى كثير ضعفا وَلِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من صَلَاة الإِمَام أشبه مَا لَو أدْرك رَكْعَة لِأَنَّهُ أدْرك جُزْءا من الصَّلَاة فَأشبه مَا لَو أدْركهُ فِي تشهد صَلَاة الْعِيد وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي الأَصْل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْمقنع وَلِأَنَّهُ إِذْ أدْرك جُزْءا من صَلَاة الإِمَام فَأحْرم مَعَه لزمَه أَن يَنْوِي الصّفة الَّتِي هُوَ عَلَيْهَا وَهُوَ كَونه مَأْمُوما فَيَنْبَغِي أَن يدْرك فضل الْجَمَاعَة وَظَاهر كَلَام ابْن أبي مُوسَى أَن الْجَمَاعَة لَا تدْرك إِلَّا بِرَكْعَة قَالَه بَعضهم وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَة قولا وَهَذَا اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ وَهُوَ مَذْهَب مَالك

وَأحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنهُ اخْتَارَهَا جمَاعَة من أَصْحَابه قَالَ وَهُوَ وَجه فِي مَذْهَب الشَّافِعِي وَاخْتَارَهُ أَبُو المحاسن الرَّوْيَانِيّ وَغَيره وَجه هَذَا مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من أدْرك رَكْعَة من الصَّلَاة فقد أدْرك الصَّلَاة وَرَوَاهُ مُسلم من حَدِيث يُونُس عَن الزُّهْرِيّ وَزَاد مَعَ الإِمَام وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَمعمر وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَيُونُس وَعبيد الله عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ فِي حَدِيث أحد مِنْهُم مَعَ الإِمَام وَفِي حَدِيث عبيد الله قَالَ فقد أدْرك الصَّلَاة كلهَا وَلمن اخْتَار الأول أَن يَقُول هَذَا الحَدِيث يدل بِالْمَفْهُومِ وَلَيْسَ بِحجَّة وَلَو كَانَ فَهَذَا الْمَفْهُوم لَيْسَ بِحجَّة لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ فِي مُسلم أَنه خرج على الْغَالِب فَإِن غَالب مَا يُمكن معرفَة إِدْرَاكه رَكْعَة وَنَحْوهَا وَأما التَّكْبِيرَة فَلَا يكَاد يحس بهَا الثَّانِي أَن التَّقْيِيد بِرَكْعَة إِنَّمَا كَانَ لكَمَال ثَوَاب الصَّلَاة بإدراكها عملا بِرِوَايَة عبيد الله الْمَذْكُورَة إِذْ هُوَ أولى من إلغائها وَلَا يُمكن حملهَا على أَن من أدْرك من الصَّلَاة مَا يعْتد بِهِ لَا يجب عَلَيْهِ قَضَاء شَيْء وَمَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فِي بحث مَسْأَلَة وَمن أدْرك مَعَ الإِمَام مِنْهَا رَكْعَة أتمهَا جُمُعَة لِأَنَّهُ يفوت الثَّوَاب الْكَامِل بِفَوَات الْخطْبَة فَلَا يُنَافِي ذَلِك فَإِنَّهُ قد يكون ثَوابًا كَامِلا وأكمل مِنْهُ وَقد ذكر فِي الْمُغنِي فِي بحث مَسْأَلَة صِحَة الصَّوْم بنية من النَّهَار أَنه يحكم لَهُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيّ المثاب عَلَيْهِ وَقت النِّيَّة فِي الْمَنْصُوص وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة

وَقَالَ أَبُو الْخطاب يحكم لَهُ بذلك من أول النَّهَار وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة لِأَنَّهُ لَو أدْرك بعض الرَّكْعَة أَو بعض الْجَمَاعَة كَانَ مدْركا لجميعها وَقَالَ الشَّيْخ مجيبا عَن هَذَا وَأما إِدْرَاك الرَّكْعَة وَالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنه لَا يحْتَاج إِلَى قَضَاء رَكْعَة وَيَنْوِي أَنه مَأْمُوم وَلَيْسَ هَذَا مستحيلا أما أَن يكون مَا صلى الْأَمَام قبله من الرَّكْعَات محسوبا لَهُ بِحَيْثُ يُجزئهُ عَن فعله فكلا وَلِأَن مدرك الرُّكُوع مدرك لجَمِيع أَرْكَان الرَّكْعَة لِأَن الْقيام وجد حِين كبر وَفعل سَائِر الْأَركان مَعَ الإِمَام وَأما الصَّوْم فَلِأَن النِّيَّة شَرط لَهُ أَو ركن فِيهِ فَلَا يتَصَوَّر وجوده بِدُونِ شَرطه أَو رُكْنه انْتهى كَلَامه وَلَو سلم أَن هَذَا الْمَفْهُوم حجَّة فَهَل يخص عُمُوم الْأَمر بِالدُّخُولِ مَعَ الامام على أَي حَال كَانَ وللعلماء فِيهِ خلاف مَشْهُور وَمن جملَة الْأَدِلَّة حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِذا جئْتُمْ وَنحن سُجُود فاسجدوا وَلَا تعدوها شَيْئا وَمن أدْرك الرَّكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَإِسْنَاده حسن وَفِيه يحيى بن أبي سُلَيْمَان الْمدنِي روى لَهُ النَّسَائِيّ وَلم يتَكَلَّم فِيهِ مَعَ أَنه شَرطه فِي الرِّجَال وَكَذَا أَبُو دَاوُد وَذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَقَالَ أَبُو حَاتِم يكْتب حَدِيثه لَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث وَلَو سلم أَنه يخص الْعُمُوم فَلَا نسلم أَن الْمَفْهُوم عُمُوما وَفِيه لنا خلاف وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي بحث مَسْأَلَة المَاء الْجَارِي هَل ينجس بِمُجَرَّد الملاقاة أَنه لَا عُمُوم لَهُ وَأَنه تَكْفِي الْمُخَالفَة فِي صُورَة وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَمَفْهُوم قَوْله وَمن أدْرك الرَّكْعَة فقد أدْرك الصَّلَاة أَن من لم يدْرك الرَّكْعَة لم يدْرك الصَّلَاة وَنحن نقُول بِهِ فِي بعض الصُّور

قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن كبر وَالْإِمَام فِي التسليمة الأولى أَو لم يفرغ مِنْهَا حَتَّى أَخذ فِيهَا فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يكون مدْركا لِأَنَّهُ كبر وَالْإِمَام فِي الصَّلَاة لم يُتمهَا لِأَن السَّلَام عندنَا مِنْهَا وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَح لَا يكون مدْركا لَهُ وَبِه قَالَت الْحَنَفِيَّة لِأَنَّهُ لم يدْرك مَعَه مَا يجوز مُتَابَعَته فِيهِ بل صادفه فِي نفس الْخُرُوج والتحلل وَلِأَنَّهُ أحد طرفِي الصَّلَاة فَلم ينْعَقد إِحْرَام الْمُؤْتَم وَالْإِمَام فِيهِ كالتحريمة وَكَذَا الْوَجْهَانِ عندنَا إِذا كبر بعد التسليمة الأولى وَقبل الثَّانِيَة وَقُلْنَا بِوُجُوبِهَا فَأَما أَن قُلْنَا إِنَّهَا سنة لم يدْرك الْجَمَاعَة وَجها وَاحِدًا انْتهى كَلَامه وَإِن أدْركهُ فِي سُجُود سَهْو بعد السَّلَام فَهَل يدْخل مَعَه وَتَصِح صلَاته فِيهِ رِوَايَتَانِ وَلَو سلم عُمُوم الْمَفْهُوم خص بِمَا تقدم من الْأَثر وَالْقِيَاس وَالْفرق بَين الْجُمُعَة وَغَيرهَا من أوجه أَحدهَا مَا ذكره المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَهُوَ أَن الْجَمَاعَة لَو زَالَت فِي أول رَكْعَة لسَبَب كَانَ مدْركا لفضلها وَلَو نقص الْعدَد فِي أول رَكْعَة من الْجُمُعَة لم يدْرك الْجُمُعَة الثَّانِي أَن الْجُمُعَة عِنْد أبي حنيفَة وصاحبيه وَالشَّافِعِيّ وَرِوَايَة لنا يشْتَرط وُقُوع جَمِيعهَا فِي الْوَقْت فبعضها خَارج الْوَقْت لما نقلنا حكمهَا توقف مدركها على رَكْعَة بِخِلَاف غَيرهَا فَإِنَّهُ يجوز وُقُوع بَعْضهَا فِي الْوَقْت وَبَعضهَا خَارجه وفَاقا فَكَانَ حكمهَا أخف الثَّالِث أَن الْإِدْرَاك نَوْعَانِ إِدْرَاك إِلْزَام يحصل بتكبيرة الاحرام كإحرام الْمُسَافِر خلف الْمُقِيم يلْزمه الْإِتْمَام وَإِدْرَاك إِسْقَاط لَا يحصل

إِلَّا بِرَكْعَة كمن أدْرك الإِمَام سَاجِدا لم تسْقط عَنهُ الرَّكْعَة إِلَّا بِإِدْرَاك جَمِيعهَا وَإِدْرَاك الْجُمُعَة كَذَلِك فَإِن الأَصْل إِقَامَة الصَّلَاة أَربع رَكْعَات وَالْجُمُعَة أُقِيمَت مقَامهَا بشرائط فَفِي إِدْرَاكهَا إِسْقَاط لأَرْبَع بِخِلَاف إِدْرَاك الْإِلْزَام الرَّابِع أَن صَلَاة الْجُمُعَة مدركة بِالْفِعْلِ وَهَذَا يسْقط بِفَوَات الْفِعْل فَلم يصر مدْركا إِلَّا بِمَا يعْتد بِهِ من أفعالها وَسَائِر الصَّلَوَات تدْرك بِالزَّمَانِ فَلذَلِك تسْقط بِفَوَات الزَّمَان فَصَارَ مدْركا لَهَا بِقَلِيل الزَّمَان وَكَثِيره الْخَامِس أَن الْجُمُعَة آكِد فِي نظر الشَّرْع وَلذَلِك اخْتصّت بأَشْيَاء وَأجْمع النَّاس على تعْيين الْجَمَاعَة لَهَا بِخِلَاف غَيرهَا فَجَاز أَن تخْتَص بِخِلَاف غَيرهَا السَّادِس أَن الْجَمَاعَة فِيهَا لَا تَتَكَرَّر كثيرا فَفِي القَوْل بِأَنَّهَا لَا تدْرك إِلَّا بِرَكْعَة حرج - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْعِيدَيْنِ قَوْله وَأَن يبكر الْمَأْمُوم إِلَيْهَا مَاشِيا احْتج لَهُ جمَاعَة بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَقِيَاسًا على الْجُمُعَة وَغَيرهَا وَقَالَ ابْن عقيل وَالْمَشْي إِلَى صَلَاة الْعِيد أفضل من الرّكُوب لِأَن الْمَشَقَّة أَكثر وثواب الْعِبَادَة على قدر الْمَشَقَّة

وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِن ركب لم يكره لَكِن ترك الْمُسْتَحبّ وَمَتى كَانَ عذر من بعد أَو غَيره فَلَا بَأْس قَالَ بَعضهم نَص عَلَيْهِ وَظَاهر كَلَامهم أَنه إِن شَاءَ ركب فِي الرُّجُوع وَإِن شَاءَ لم يركب وَصرح بِهِ ابْن عقيل فَقَالَ فَإِذا رَجَعَ فالمشي وَالرُّكُوب سَوَاء لِأَن رُجُوعه إِلَى بَيته لَيْسَ بِعبَادة وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَأَما الْعود مِنْهَا فَيُسْتَحَب الْمَشْي فِيهِ لَكِن إِن ركب لم يكره نَص عَلَيْهِ لِأَن السَّعْي إِلَى الْعِبَادَة قد انْقَضى وَقد ثَبت عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه ركب فِي عوده من الْجِنَازَة وَمَا نَحن فِيهِ بِمَعْنَاهُ انْتهى كَلَامه وَظَاهره كَرَاهَة الْمَشْي فِي ذَهَابه فَظهر أَن فِي كَرَاهَة الْمَشْي فِي ذَهَابه وَجْهَيْن وَأَن فِي اسْتِحْبَاب الْمَشْي من عودته مِنْهُ وَجْهَيْن وَأطلق هُنَا اسْتِحْبَاب التبكير كَمَا أطلقهُ فِي الْجُمُعَة وَظَاهره اسْتِحْبَابه من أول الْيَوْم وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَذكره جمَاعَة فِي التبكير إِلَى الْجُمُعَة مِنْهُم المُصَنّف وَالشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَذكروا فِي التبكير إِلَى الْعِيد بعد صَلَاة الصُّبْح وَظَاهره أَنه لَا يسْتَحبّ التبكير من طُلُوع الْفجْر وَفِيه نظر وَلم يستدلوا لَهُ وَلَعَلَّ مُرَادهم أَن صَلَاة الْعِيد تفعل فِي الصَّحرَاء وَلَيْسَت محلا لِاجْتِمَاع الْجَمَاعَة كَصَلَاة الْفَرْض غَالِبا وَإِلَّا فَلَا إلجاء لذَلِك وَكَلَامهم فِي دَلِيل الْمَسْأَلَتَيْنِ يَقْتَضِي اسْتِحْبَاب التبكير إِلَى الصَّلَاتَيْنِ من طُلُوع الْفجْر وَقَالَ ابْن عقيل وَيسْتَحب للْمَأْمُوم أَن يدْخل الْمصلى بعد صَلَاة الْفجْر فَإِن صلى فِيهِ صَلَاة الْفجْر فَلَا بَأْس

قَوْله وَلَا سنة لصَلَاة الْعِيد قبلهَا وَلَا بعْدهَا لَا يدل كَلَامه على كَرَاهَة الصَّلَاة قبلهَا وَبعدهَا بل قد يُقَال ظَاهر كَلَامه عدم الْكَرَاهَة لمَذْهَب جمَاعَة من أهل الْعلم وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي إِلَّا أَنه كرهه للْإِمَام خَاصَّة وَالْمذهب كَرَاهَة الصَّلَاة قبلهَا وَبعدهَا فِي موضعهَا حَتَّى تَحِيَّة الْمَسْجِد نَص عَلَيْهِ وَهَذَا معنى كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب وَهَذَا الْكَلَام يُعْطي أَنه لَا سنة قبلهَا وَلَا بعْدهَا لَكِن مُرَادهم بِكَرَاهَة التَّطَوُّع بعْدهَا إِذا لم يُفَارق مَوضِع صلَاته لِأَنَّهُ لَو فَارقه ثمَّ عَاد إِلَيْهِ لم يكره التَّنَفُّل نَص عَلَيْهِ وَهُوَ وَاضح وَظَاهر كَلَامهم هَذَا أَنه لَا يكره غير التَّطَوُّع فِي مَوضِع صَلَاة الْعِيد وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد يكره قَضَاء الْفَوَائِت فِي الْمصلى إِن خَافَ أَن يَقْتَدِي بِهِ بعض من يرَاهُ وَوجه كَرَاهَة التَّطَوُّع قبلهَا وَبعدهَا مَا هُوَ صَحِيح مَشْهُور أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام صلى رَكْعَتَيْنِ لم يصل قبلهمَا وَلَا بعدهمَا وَفِيه نظر لِأَن عدم الْفِعْل لَا يدل على الْكَرَاهَة وَترك الْمُسْتَحبّ لمستحب أولى مِنْهُ لَا يدل على أَن الْمَتْرُوك لَيْسَ بمستحب إِنَّمَا غَايَته أَن يدل على أَن يفعل هَذَا اقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَكِن يدل على أَنه لَيْسَ لَهَا سنة راتبة قبلهَا وَلَا بعْدهَا كَمَا ذكره فِي الْمُحَرر وَقد اخْتَار ابْن عقيل أَنه يسْتَحبّ للْإِمَام أَن يتَطَوَّع فِي غير مَوضِع الْمَكْتُوبَة

وَأَنه لَا يكره بِنَاء مِنْهُ على أَنه لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يتَطَوَّع فِي غير موضعهَا فَنَهَضَ هَذَا للاستحباب وَلم ينْهض للكراهة فَقَالَ بذلك وَصرح القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَابْن عقيل وَجَمَاعَة بِكَرَاهَة فعل صَلَاة الْعِيد فِي الْجَامِع لغير عذر وَعدل فِي الْكَافِي وَالْمُحَرر عَن هَذَا الْعبارَة فَذكر أَنه يسن فعلهَا فِي الصَّحرَاء نظرا مِنْهُمَا إِلَى أَنه لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَة إِلَّا الِاقْتِدَاء بِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وبالخلفاء الرَّاشِدين رَضِي الله عَنْهُم فِي فعلهَا فِي الصَّحرَاء وَهَذَا ينْهض للاستحباب وَكَرَاهَة الأولى فَقَالَا بِهِ فَصَارَت الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن وَالْأَكْثَر على كَرَاهَة التَّنْزِيه وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يَقُول لَا صَلَاة قبلهَا وَلَا بعْدهَا وَعَن جرير قَالَ حفظت من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا صَلَاة فِي الْعِيدَيْنِ قبل الإِمَام رَوَاهُمَا أَبُو عبد الله ابْن بطة من أَصْحَابنَا وَلم أَقف على كَلَام لأحد فِي سندهما وَيبعد صحتهما وَقَالَ النَّسَائِيّ فِي سنَنه أخبرنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور أخبرنَا عبد الرَّحْمَن عَن الْأَشْعَث عَن الْأسود بن هِلَال عَن ثَعْلَبَة بن زَهْدَم أَن عليا اسْتخْلف أَبَا مَسْعُود على النَّاس فَخرج يَوْم عيد فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه لَيْسَ من السّنة أَن يُصَلِّي قبل الإِمَام الْأَشْعَث هُوَ ابْن أبي الشعْثَاء من رجال الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا وَكَذَا الْأسود وَهُوَ قديم أدْرك الْجَاهِلِيَّة وَرُوِيَ عَن عمر ومعاذ وَغَيرهمَا وثعلبة مُخْتَلف فِي صحبته وَلم أجد أحدا تكلم فِيهِ وللمخالف أَن يمْنَع ثُبُوت صِحَّته وَيَقُول لم يرو عَنهُ غير الْأسود وَقد عرف أَن الْجَهَالَة لَا تَزُول بِهِ أَو بِوَاحِد هَذَا الْمَشْهُور وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي الْمُتَأَخِّرين فَأَما المتقدمون فَكَلَام الْمُحدثين فيهم على قَوْلَيْنِ وَيعرف ذَلِك بِكَلَام الْأَئِمَّة فِي حَدِيث أبي ذَر إِذا وجدت المَاء فأمسه بشرتك فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ عَمْرو بن بجدان وَانْفَرَدَ عَنهُ أَبُو قلَابَة فِي حَدِيث عبَادَة خمس صلوَات

كتبهن الله على العَبْد فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَنهُ الْمذْحِجِي وَانْفَرَدَ ابْن محيريز وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث وَبِتَقْدِير صِحَة هَذَا الْخَبَر وَأَن قَول الصَّحَابِيّ إِذا قَالَ من السّنة ينْصَرف إِلَى سنة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهُ الظَّاهِر فالصحابي لم ينْقل لفظا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا إِنَّمَا قَالَ إِنَّه من السّنة فَيحْتَمل أَن يكون أَخذه من كَونه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا بل هَذَا هُوَ الظَّاهِر لِأَن هَذَا هُوَ الشَّائِع الْمَشْهُور الصَّحِيح أما صِيغَة نهي فَلَيْسَ بِمَشْهُور وَلَا تعرف صِحَّته وَإِذا احْتمل وَتردد توقف الحكم والمتحقق أَنه رَأْي صَحَابِيّ واجتهاد وَلَيْسَ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالْخلاف عَنْهُم فِيهَا مَعْرُوف فِي كتب الحَدِيث وَقد نقل الإمامان الشَّافِعِي وَأحمد الْخلاف عَنْهُم فِيهَا وَأكْثر مَا يقدر أَن يكون فِيهَا قَول بَعضهم وَلم ينْقل عَن غَيره خِلَافه وَلَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات دَعْوَى انتشاره وَبِتَقْدِير الثُّبُوت فَهَل هُوَ حجَّة أَو إِجْمَاع أَو لَا وَاحِد مِنْهُمَا أَو غيرذلك من الْأَقْوَال فِيهَا الْمَسْأَلَة الْمَشْهُورَة فِي الْأُصُول وَالْأَصْل اسْتِحْبَاب الصَّلَاة وَالْكَرَاهَة تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه وعَلى تَقْدِير ثُبُوت الْكَرَاهَة فقد ذكر الشَّيْخ أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي احْتِمَالا أَن تَحِيَّة الْمَسْجِد تصلى وَذكره بعض الْمُتَأَخِّرين قولا وَقد ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أبي قَتَادَة أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِذا دخل أحدكُم الْمَسْجِد فَلَا يجلس حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ وَهَذَا الدَّلِيل بِفعل تَحِيَّة الْمَسْجِد بَينه وَبَين دَلِيل كَرَاهَة الصَّلَاة قبل الْعِيد وَبعدهَا عُمُوم وخصوص لَكِن هَذَا أصح وَهِي صِيغَة نهي فرجح لَو تساقطا

فالأدلة الْمُطلقَة على اسْتِحْبَاب الصَّلَاة مُطلقًا تتَنَاوَل هَذَا الْفَرد الْخَاص لَا معَارض لَهَا فِيهِ فَيعْمل بهَا قَوْله وَمن فَاتَتْهُ صَلَاة مَعَ الإِمَام صلاهَا على صفتهَا كَمَا لَو أدْركهُ فِي التَّشَهُّد ظَاهره أَنه لَو أدْركهُ فِي التَّشَهُّد لَا خلاف فِيهِ وَلَعَلَّ مُرَاده عَن أَحْمد فقد خرج القَاضِي وَجها أَنه يُصَلِّي أَرْبعا إِذا قُلْنَا يَقْضِيهَا الْمُنْفَرد أَرْبعا قِيَاسا على الْجُمُعَة وَقد صرح أَحْمد بالتفرقة فِي رِوَايَة حَنْبَل قَالَ فِي المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَمَعَ تَصْرِيح الامام بالتفرقة يمْنَع التَّخْرِيج وَالْفرق بَينهمَا من وُجُوه أَحدهَا أَن الْجُمُعَة تسْقط بِخُرُوج وَقتهَا بِخِلَاف الْعِيد الثَّانِي أَن مدرك التَّشَهُّد فِي الْجُمُعَة قد انْضَمَّ إِلَى فَوَات مَا فَاتَهُ من الْخطْبَتَيْنِ القائمتين مقَام رَكْعَتَيْنِ وَهَهُنَا بِخِلَافِهِ الثَّالِث أَن الْقيَاس أَن يقْضى كل صَلَاة على حسب مَا فَاتَت لَكِن تَرَكْنَاهُ فِي الْجُمُعَة للنَّص الْوَارِد فِيهَا وَلم يرد فِي الْعِيد مثله فبقينا فِيهِ على الْقيَاس وَقد أَوْمَأ أَحْمد إِلَى هَذَا التَّعْلِيل فَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَعبد الله لَوْلَا الحَدِيث الَّذِي يرْوى فِي الْجُمُعَة لَكَانَ يَنْبَغِي أَن يصلى رَكْعَتَيْنِ إِذا أدركهم جُلُوسًا انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِن لم يعلم بالعيد إِلَّا بعد الزَّوَال من يَوْمه صلاه من الْغَد وَكَذَا الحكم إِن لم يصلوا الْعِيد حَتَّى زَالَت الشَّمْس عَالمين بِهِ لعذر أَو لغير عذر وَلَو تركوها من الْغَد أَيْضا صلوا بعده قبل الزَّوَال وَكَذَا لَو مضى عَلَيْهِ أَيَّام قطع بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب قَالَ ابْن حمدَان وَفِيه نظر وَذكر القَاضِي أَن

الْخلاف إِذا علمُوا بالعيد قبل الزَّوَال وَلم يصلوا فِي الْيَوْم الثَّانِي لم يصلوا بعد ذَلِك وَوجه الأول أَنَّهَا صَلَاة لم يسْقط وُجُوبهَا بل تقضى بعد فَوَاتهَا بِيَوْم بِالنَّصِّ الصَّحِيح فَكَذَلِك بأيام كَسَائِر الصَّلَوَات المقضيات وَفَارق من فَاتَتْهُ مَعَ الإِمَام فَإِنَّهُ يَقْضِيهَا مَتى شَاءَ بِأَنَّهَا نَافِلَة وَلَا يشرع لَهَا الِاجْتِمَاع وَقد سقط شعار الْيَوْم بِدُونِهَا وَعند ابْن عقيل لَا يَقْضِيهَا إِلَّا من الْغَد كالمسألة قبلهَا قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين إِذا فعلت من الْغَد هَل تكون قَضَاء تفْتَقر إِلَى نِيَّة الْقَضَاء أم تكون أَدَاء فَإِن كَانَ مَعَ عدم الْعلم أَو الْعذر فِي تَركهَا باشتغالهم بِأَمْر عَظِيم من فتْنَة أَو جِهَاد وَنَحْوه كَانَت أَدَاء لِأَن هَذَا الْوَقْت يصلح أَن تكون فِيهِ أَدَاء عِنْد إِكْمَال الْعدة وَعند تَجْوِيز الْغَلَط فِي حق الشُّهُور وَإِن كَانَ مَعَ الْعلم وَعدم الْعذر كَانَت قَضَاء لفَوَات وَقتهَا كَسَائِر الصَّلَوَات انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام غَيره أَنَّهَا قَضَاء مُطلقًا قَوْله وَفِي الْأَضْحَى للمحل من الْفجْر يَوْم عَرَفَة إِلَى آخِره لَو أَتَى بِعِبَارَة صَرِيحَة فِي أَن ابْتِدَاء تَكْبِيرَة الْحَلَال عقب صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة وتكبير الْمحرم عقب صَلَاة الظّهْر ويمتد حَتَّى يكبران عقب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق وَيَنْتَهِي كَانَ أَجود وَكَلَامه يصدق على الصَّلَوَات الْخمس سَوَاء وَقعت فرضا أَو نفلا كَالصَّلَاةِ الْمُعْتَادَة وَصَلَاة الصَّبِي وَهَذَا كَمَا نقُول تكبر الْمَرْأَة إِذا صلت مَعَ رجال تبعا فِي الْمَشْهُور وَإِن قُلْنَا لَا تكبر إِذا صلت بنساء أَو وَحدهَا على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَقد يُقَال كَلَامه ينْصَرف إِلَى الصَّلَاة الْمَعْهُودَة الْمَعْرُوفَة فَتخرج الصَّلَاة

الْمُعَادَة وَتدْخل صَلَاة الصَّبِي وَقد قطع ابْن عقيل وَغَيره بِأَن الصَّبِي يكبر عقب صلَاته لِأَنَّهَا فِي صُورَة الْفَرْض ويدخلها بنية الطُّهْر وَيضْرب عَلَيْهَا بِخِلَاف نفل الْبَالِغ وَلِأَنَّهُ إِذا شرع لَهُ الْإِتْيَان فِيهَا على صُورَة الْفَرِيضَة فِي سننها وفرائضها كَذَلِك يشرع التَّكْبِير بعْدهَا على الصُّورَة وَإِن لم تكن وَاجِبَة وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر يَقْتَضِي أَن كل أحد يكبر عقب كل صَلَاة هَذِه الْمدَّة وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا أَن الإِمَام إِذا كَانَ لَا يرى التَّكْبِير فِي تِلْكَ الصَّلَاة وَالْمَأْمُوم يرَاهُ أَو بِالْعَكْسِ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا أَن الْمَأْمُوم يتبع إِمَامه فعلا وتركا لِأَن التَّكْبِير من تَوَابِع الصَّلَاة فَأشبه مَا هُوَ جَار فِي نفس الصَّلَاة إِلَّا أَن يتَيَقَّن خطأ الإِمَام فَإِنَّهُ لَا يُتَابِعه كَمَا قُلْنَا فِيمَا زَاد على سبع تَكْبِيرَات فِي صَلَاة الْجِنَازَة والعيد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّانِي يجْرِي على مُوجب اعْتِقَاده لِأَن الِاقْتِدَاء لَا أثر لَهُ فِي هَذَا فَإِن الإِمَام إِذا تحلل من صلَاته فقد انْقَطع أثر الْقدْوَة قَوْله وَفِي صَلَاة الْعِيد وَجْهَان سِيَاق كَلَامه فِي عيد الْأَضْحَى وَهُوَ صَحِيح لِأَن عيد الْفطر لَيْسَ فِيهِ تَكْبِير مُقَيّد وَكَذَا قطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلنَا وَجْهَان هَل فِي عيد الْفطر تَكْبِير مُقَيّد وعَلى القَوْل بِهِ يخرج فِي التَّكْبِير عقب عيد الْفطر وَجْهَان كَمَا نقُول فِي عيد الْأَضْحَى وَذكر فِي الْكَافِي فِي التَّكْبِير عقب عيد الْفطر رِوَايَتَيْنِ وَحكى جمَاعَة كَابْن عقيل وَصَاحب التَّلْخِيص فِي التَّكْبِير عقب صَلَاة الْعِيد رِوَايَتَيْنِ وَذكر ابْن عقيل أَن

فصل

التَّكْبِير أشبه بِالْمذهبِ قَالَ لِأَنَّهَا صَلَاة مَكْتُوبَة أَو مَفْرُوضَة فسن التَّكْبِير عقيبها كَصَلَاة الْوَقْت وَهَذَا يُوَافق مَا تقدم فصل اخْتلف قَول الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى فِي الحَدِيث الصَّحِيح الْمَشْهُور وَهُوَ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شهرا عيد لَا ينقصان رَمَضَان وَذُو الْحجَّة فروى عبد الله والأثرم وَغَيرهمَا أَنه قَالَ لَا يجْتَمع نقصانهما إِن نقص رَمَضَان ثمَّ الْحجَّة وَإِن نقص ذُو الْحجَّة ثمَّ رَمَضَان لَا يجْتَمع نقصانهما فِي سنة وَاحِدَة وَأنكر تَأْوِيل من تَأَوَّلَه على السّنة الَّتِي قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَلِك فِيهَا وَنقل أَبُو دَاوُد أَنه ذكر لِأَحْمَد هَذَا الحَدِيث فَقَالَ لَا أَدْرِي مَا هَذَا قد رأيناهما ينقصان وَظَاهر هَذَا من أَحْمد التَّوَقُّف عَمَّا قَالَه من أَنه لَا يجْتَمع نقصانهما وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ مَعْنَاهُ أَن ثَوَاب الْعَامِل فيهمَا على عهد أبي بكر الصّديق وَالْيَوْم وَاحِد قَالَ الْحَرْبِيّ وَقد رأيتهما نقصا فِي عَام وَاحِد غير مرّة وَذكر التِّرْمِذِيّ عَن إِسْحَاق أَن مَعْنَاهُ لَا ينقص ثوابهما إِن نقص الْعدَد قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن قَالَ الْوَالِد السعيد وَالْأَشْبَه مَا قَالَه أَحْمد فِي الرِّوَايَة الأولة لِأَن فِيهِ دلَالَة على معْجزَة النُّبُوَّة لِأَنَّهُ أخبر بِمَا يكون فِي الثَّانِي وَمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ فَإِنَّمَا هُوَ إِثْبَات حكم قَوْله وَيسن مُطلق التَّكْبِير فِي عشر ذِي الْحجَّة وَكَذَلِكَ الْإِكْثَار فِيهِ من الطَّاعَات وَإِنَّمَا خص التَّكْبِير لِأَنَّهُ فِي بَيَان الْمُقَيد مِنْهُ وَالْمُطلق وَهَذَا الْعشْر أفضل من غَيره إِلَّا الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان فَإِن فِيهِ ترددا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يُقَال أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة أفضل من أَيَّام

الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان وليالي ذَاك أفضل من ليَالِي هَذَا وَقد يُقَال مَجْمُوع عشر ذِي الْحجَّة أفضل من مَجْمُوع الْعشْر الْأَخير من رَمَضَان قَالَ وَهُوَ الْأَظْهر وَيَوْم النَّحْر من جملَة عشر ذِي الْحجَّة صرح بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقَالَ وَهُوَ الْأَفْضَل وَكَذَا ذكر حفيده الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي أَقسَام الْقُرْآن أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم النَّحْر وَقد روى الإِمَام أَحْمد وَأَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن قرط مَرْفُوعا أعظم الْأَيَّام عِنْد الله يَوْم النَّحْر ثمَّ يَوْم القر وَهُوَ الَّذِي يَلِي يَوْم النَّحْر رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه أفضل الْأَيَّام عِنْد الله يَوْم النَّحْر وَيَوْم القر وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن ابْن عقيل علل أَن لَيْلَة الْجُمُعَة أفضل اللَّيَالِي لِأَنَّهَا تَابِعَة لما هُوَ أفضل الْأَيَّام وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة وَظَاهر هَذَا أَن أَفضَلِيَّة يَوْم الْجُمُعَة مَحل وفَاق وَعَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا خير يَوْم طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَعَن أبي أُمَامَة البدري قَالَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ سيد الْأَيَّام يَوْم الْجُمُعَة وَأَعْظَمهَا عِنْد الله وَأعظم عِنْد الله من يَوْم الْفطر وَيَوْم الْأَضْحَى إِسْنَاده جيد وَفِيه عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَحَدِيثه حسن رَوَاهُ أَحْمد وَابْن مَاجَه وَيتَوَجَّهُ فِي الْمَسْأَلَة قَول ثَالِث أَن أفضل الْأَيَّام يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ لم ير يَوْمًا أَكثر عُتَقَاء من النَّار من يَوْم عَرَفَة روى ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَإِسْنَاده حسن عَن جَابر مَرْفُوعا مَا من أَيَّام أفضل عِنْد الله من أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة وَمَا من يَوْم أفضل عِنْد الله من يَوْم عَرَفَة ينزل الله تبَارك وَتَعَالَى إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا فيباهي بِأَهْل الأَرْض أهل السَّمَاء فَيَقُول انْظُرُوا إِلَى عبَادي شعثا غبرا ضاحين جَاءُوا من كل فج عميق

يرجون رَحْمَتي وَلم يرَوا عَذَابي فَلم ير يَوْمًا أَكثر عُتَقَاء من النَّار من يَوْم عَرَفَة وَعَن أَوْس بن أَوْس مَرْفُوعا أفضل أيامكم يَوْم الْجُمُعَة رَوَاهُ جمَاعَة مِنْهُم أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان وَظَاهره أَنه لَيْسَ هُوَ أفضل الْأَيَّام لإتيانه بِلَفْظَة من وَقد ثَبت بِالْحَدِيثِ الْمُتَقَدّم أَنه أفضل من يَوْم النَّحْر فَلم يبْق أفضل مِنْهُ إِلَّا أَن يكون يَوْم عَرَفَة وَأفضل الشُّهُور شهر رَمَضَان على ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب وَغَيرهم لِأَن أفضل الصَّدَقَة عِنْدهم صَدَقَة رَمَضَان للْخَبَر فِيهِ وَلِأَن الْحَسَنَات فِيهِ تضَاعف وَهَذَا يدل على أفضليته على غَيره من الشُّهُور وَيَنْبَنِي على ذَلِك فَوَائِد من الطَّلَاق وَالْعِتْق وَالنّذر وَغير ذَلِك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الْكُسُوف قَوْله وَلَا يصلى بعد تجلي الْكُسُوف وَلَا غروبه وَظَاهره سَوَاء كَانَ الْغَائِب شمسا أَو قمرا لِأَنَّهُ قد ذهب الِانْتِفَاع بنورهما وكما نقُول لَا تشرع صَلَاة الاسْتِسْقَاء عَن الْجبَال والبراري الَّتِي لَا تسكن وَلَا تزرع فَكَذَا هُنَا وَحكى المُصَنّف هَذَا فِي شرح الْهِدَايَة فِي خُسُوف الْقَمَر احْتِمَالا وَحَكَاهُ غَيره وَجها وَالْمَشْهُور فِي الْقَمَر إِذا غَابَ خاسفا لَيْلًا صلى لَهُ وَقطع بِهِ جمَاعَة كَالْقَاضِي وَأبي الْمَعَالِي وَهُوَ ظَاهر كَلَام آخَرين لِأَن سُلْطَان

الْقَمَر اللَّيْل وَهُوَ بَاقٍ فَهُوَ كَمَا لَو حجب الشَّمْس غيم فعلى هَذَا إِن غَابَ خاسفا بعد طُلُوع الْفجْر وَقبل طُلُوع الشَّمْس فَهَل تصلي لِأَن سُلْطَان الْقَمَر بَاقٍ مَا بقيت الظلمَة وَلَا يَنْقَطِع حَتَّى تطلع الشَّمْس أَو لَا يُصَلِّي لِأَنَّهُ ابْتِدَاء نَهَار فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا أَبُو الْمَعَالِي بن المنجا قَوْله فِي صَلَاة الْكُسُوف ثمَّ يرفع ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ ظَاهر كَلَامه أَنه لَا يُطِيل هَذَا الْقيام وَهُوَ الْقيام الَّذِي يَلِيهِ السُّجُود وَهُوَ صَحِيح لظَاهِر أَكثر الْأَحَادِيث وَيحمل مَا يُخَالف هَذَا من الْأَحَادِيث على الْجَوَاز أَو على مُدَّة قَليلَة قدر مَا يَقُول أهل الثَّنَاء وَالْحَمْد إِلَى آخر الدُّعَاء الْمَشْهُور وَنَحْوه وَلَو قَالَ ثمَّ يرفع فَيسْجد كَانَ أولى وَلم أجد فِي هَذَا خلافًا فِي الْمَذْهَب صَرِيحًا وَذكره فِي الرِّعَايَة قولا وَلم يذكر فِيهِ مَا يُخَالف وَظَاهر كَلَامه أَيْضا أَنه لَا يُطِيل الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ لِأَنَّهُ لم يذكر الإطالة فِيهَا كَمَا ذكره فِي غَيرهَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام أَكثر الْأَصْحَاب كظاهر أَكثر الْأَحَادِيث وَلنَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجْهَان أَحدهمَا يُطِيل وَهُوَ قَول الْآمِدِيّ وَقطع بِهِ فِي التَّلْخِيص وَزَاد كالركوع وَقد ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إطالة الجلسة بَين السَّجْدَتَيْنِ فِي حَدِيث إِن صَحَّ فَهُوَ مَحْمُود على الْجَوَاز وَظَاهر كَلَامه فِي قَوْله ثمَّ يُصَلِّي الثَّانِيَة كَذَلِك ويقصرها عَن الأولى فِي الْقِرَاءَة وَالتَّسْبِيح أَنه إِن شَاءَ جعل الْقيام الأول مِنْهَا كالقيام الثَّانِي من الرَّكْعَة الأولى أَو أطول أَو أقصر وَهُوَ ظَاهر مَا قدمه فِي الرِّعَايَة وَغَيرهَا

وَذكر القَاضِي وَابْن عقيل وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيرهم أَن تكون أقصر وَأَن الْقِرَاءَة فِي كل قيام أقصر من الَّتِي قبلهَا وَكَذَا التَّسْبِيح وَذكر أَبُو الْخطاب وَغَيره أَنه يقْرَأ فِي الْقيام الأول من الرَّكْعَة الأولى بالبقرة أَو نَحْوهَا وَفِي الْقيام الثَّانِي مِنْهَا بآل عمرَان أَو نَحْوهَا وَفِي الثَّالِث من الرَّكْعَة الثَّانِيَة بِالنسَاء أَو نَحْوهَا وَفِي الرَّابِع مِنْهَا بالمائدة أَو نَحْوهَا وَذكر القَاضِي إِن قَرَأَ هَكَذَا فَحسن قَالَ وَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِير عَن الإِمَام أَحْمد لكنه أَوْمَأ إِلَى تَطْوِيل الأولى على الثَّانِيَة وَالثَّانيَِة على الثَّالِثَة وَالثَّالِثَة على الرَّابِعَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال وَدَعوى ظُهُور شَيْء من الْأَحَادِيث لهَذَا القَوْل أَو الَّذِي قبله فِيهِ نظر يبْقى القَوْل الأول بالتخيير وَظَاهر كَلَامه أَن صَلَاة الْكُسُوف تصلى فِي أَي وَقت حدث فِيهِ الْكُسُوف وَأَن ذَلِك لَا يتَقَيَّد بِوَقْت وَأَنه لَا يلْتَفت إِلَى قَول المنجمين فِي ذَلِك وَهُوَ صَحِيح قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة لَا يلْتَفت إِلَى قَول المنجمين أَن الْكُسُوف لَا يَقع فِي يَوْم الْعِيد وَأَنه لَا يكون إِلَّا فِي الثَّامِن وَالْعِشْرين أَو التَّاسِع وَالْعِشْرين من الشَّهْر ذكره القَاضِي وَغَيره وَقد قدمنَا عَن الشَّافِعِي اخْتِلَاف قَوْله فِي تَقْدِيم الْعِيد على الْكُسُوف إِذْ قد ثَبت بِالنَّقْلِ الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا أَن الشَّمْس انكسفت يَوْم توفّي إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد اتّفق أهل السّير أَنه توفّي فِي الْيَوْم الْعَاشِر من الشَّهْر كَذَا حَكَاهُ القَاضِي وَقَالَ نقل الْوَاقِدِيّ أَنه مَاتَ يَوْم الْعَاشِر من ربيع الأول وَكَذَلِكَ نقل الزبير بن بكار انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل فَإِن انكسفت الشَّمْس قبل النّصْف من الشَّهْر صلينَا

صَلَاة الْكُسُوف ولانعول على قَول المنجمين أَن ذَلِك يخْتَص بِالنِّصْفِ الْأَخير من الشَّهْر وَلَا نقُول ذَلِك عَارض وَلَيْسَ بخسوف فَإِن الْفُقَهَاء فرعوا وَقَالُوا إِذا اتّفق عيد وكسوف وبنوا ذَلِك على مَا رُوِيَ أَن الشَّمْس كسفت عقب موت ابراهيم فِي الْيَوْم الْعشْر من الشَّهْر وَلَا يخْتَلف النَّقْل فِي ذَلِك وَأَنه مَاتَ يَوْم الْعَاشِر من ربيع نَقله الْوَاقِدِيّ والزبيري وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا فِي شرح الْهِدَايَة فَإِن قيل مَا فرضتموه من اجْتِمَاع الصَّلَوَات لَا يتَصَوَّر لِأَن الْعِيد فِي أول شَوَّال أَو عشر ذِي الْحجَّة والخسوف فِي مطرد الْعَادة فِي الرَّابِع عشر عِنْد إبدار الْقَمَر وكسوف الشَّمْس عِنْد الِاجْتِمَاع بالقمر فِي التَّاسِع وَالْعِشْرين أَو الثَّامِن وَالْعِشْرين قُلْنَا قد أجَاب الْعلمَاء عَن هَذَا من وُجُوه أَحدهَا أَن الْغَرَض بَيَان معنى الْأَحْكَام وتصويرها كَمَا قَالُوا مائَة جدة فقد يقدر الْفَقِيه أمرا لَا يتَوَقَّع وُقُوع مثله لتشحيذ الخاطر وتنبيه القريحة والتدرب فِي مجَال الأقيسة والمعاني الثَّانِي أَن النَّقْل صَحَّ فِي كسوف الشَّمْس يَوْم مَاتَ إِبْرَاهِيم بن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْعَاشِر من شهر ربيع الأول وَقيل فِي الْعَاشِر من شهر رَمَضَان فَهَذَا رَوَاهُ عَلْقَمَة عَن ابْن مَسْعُود وَذكره الزبير فِي كتاب الْأَنْسَاب فِي الْكُسُوف وَأَن الشَّمْس كسفت فِي الْعَاشِر من شهر ربيع الأول وَقيل فِي الثَّالِث عشر وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيّ أَيْضا وَقيل كسفت الشَّمْس فِي يَوْم عَاشُورَاء يَوْم مَاتَ الْحُسَيْن وَإِنَّمَا نقل الْعلمَاء ذَلِك وَرَوَوْهُ لأَنهم رَأَوْا شَيْئا يدعى على خلاف الْمُعْتَاد

صلاة الاستسقاء

الْوَجْه الثَّالِث أَن الْعَادَات تنْتَقض إِذا قربت السَّاعَة فَتَطلع الشَّمْس من مغْرِبهَا وَكَذَلِكَ كسوفها وخسوفها انْتهى كَلَامه قَالَ الشَّيْخ أَبُو شامة الْمَقْدِسِي الشَّافِعِي فِي مذيله فِي سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة قَالَ فِيهَا فِي لَيْلَة السَّادِس عشر من جُمَادَى الْآخِرَة خسف الْقَمَر أول اللَّيْل وَكَانَ شَدِيد الْحمرَة ثمَّ انجلى وكسفت الشَّمْس فِي غده احْمَرَّتْ وَقت طُلُوعهَا وَقَرِيب غُرُوبهَا وَبقيت كَذَلِك أَيَّامًا مغبرة اللَّوْن ضَعِيفَة النُّور وَالله تَعَالَى على كل شئ قدير واتضح بذلك مَا صوره الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ من اجْتِمَاع الْكُسُوف والعيد واستبعده أهل النجامة انْتهى كَلَامه وَمَا يحْكى عَن المنجمين فِي هَذَا هُوَ اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وبحثه فِي غير مَوضِع من كَلَامه صَلَاة الاسْتِسْقَاء قَوْله وَإِذا أجدبت الأَرْض وَاحْتبسَ الْقطر ظَاهره أَنَّهَا لَا تسن لخوف الجدب وَدَلِيله ظَاهر وَقيل تسن وَقَوله وعظ الإِمَام النَّاس إِلَى آخِره اطلاق كَلَامه يدل على أَنَّهَا لَا تخص بِأَهْل الجدب وَقطع بِهِ جمَاعَة كَابْن عقيل وَابْن تَمِيم وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن استسقى مخصب لمجدب جَازَ وَقيل يسْتَحبّ وَلَعَلَّ الظَّاهِر اسْتِحْبَابه بِالدُّعَاءِ لَا بِالصَّلَاةِ

قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَلَا يخْتَص بِأَهْل الجدب بل يسْتَحبّ أَن يستسقى لَهُم أهل الخصب أَيْضا فَإِن دُعَاء الْمُؤمن أقرب إِجَابَة وَيعرف من كَلَامه إِن نذر الإِمَام أَو آحَاد النَّاس الاسْتِسْقَاء لزمَه لِأَنَّهُ قربَة وَطَاعَة ذكره جمَاعَة وَلَا يلْزم عَن النَّاذِر وَلَا يتَعَيَّن زمَان وَلَا مَكَان فَإِن عين صَلَاة أَن خطْبَة لزمَه وَإِن عين بِغَيْر صَلَاة وَلَا خطْبَة لم يلْزمه وَإِن أطلق فَوَجْهَانِ وَيعرف من كَلَام صَاحب الْمُحَرر أَيْضا أَنه لَو نذر فِي زمَان الخصب أَن يُصَلِّي للاستسقاء لم ينْعَقد نَذره وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا ينْعَقد وَالثَّانِي ينْعَقد لِأَنَّهُ قربَة فِي الْجُمْلَة فَيصَلي وَيسْأل الله دوَام النِّعْمَة وَالْخصب عَلَيْهِم وشمول بَقِيَّة الْخلق بِهَذِهِ النِّعْمَة انْتهى كَلَامه وَالْأول أولى وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يسْتَحبّ الاسْتِسْقَاء لغور مَاء عين أَو نهر لقَوْله احْتبسَ الْقطر وَلَو قَالَ وَاحْتبسَ المَاء دخلت الْمَسْأَلَة تَحت كَلَامه وَذكر فِي شرح الْهِدَايَة وَجْهَيْن فِي الِاسْتِحْبَاب وَذكر فِي التَّلْخِيص وَغَيره رِوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَ ابْن عقيل الِاسْتِحْبَاب وَقَالَ إِن الْأَصْحَاب اخْتَارُوا عَدمه وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن الِاسْتِحْبَاب أَقيس وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَقيد جمَاعَة الْمَسْأَلَة بلحوق الضَّرَر بذلك وَهُوَ صَحِيح وَقَالَ فِي الشَّرْح قَالَ القَاضِي وَابْن عقيل إِذا نقصت مياه الْعُيُون أَو غارت وتضرر النَّاس اسْتحبَّ الاسْتِسْقَاء كَمَا يسْتَحبّ لانْقِطَاع الْمَطَر وَقَالَ أَصْحَابنَا لَا يسْتَحبّ لِأَنَّهُ لم ينْقل انْتهى كَلَامه قَوْله وَمَعَهُ الشُّيُوخ والعجائز وَأهل الصّلاح يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَنه يسْتَحبّ خُرُوج هَؤُلَاءِ خَاصَّة وعَلى هَذَا يكون

قَوْله وعظ الإِمَام النَّاس وَوَعدهمْ يَوْمًا لخروجهم يَعْنِي من يسْتَحبّ خُرُوجه مِنْهُم وَيكون الْوَعْد الْمَعْطُوف خَاصّا والوعد الْمَعْطُوف عَلَيْهِ عَاما وَهَذَا ظَاهر كَلَامه فِي شرح الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ أما الْمُسْتَحبّ فخروج الشُّيُوخ وَمن كَانَ من أهل الصّلاح لِأَن دعاءهم أَرْجَى للإجابة وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن يكون خُرُوج هَؤُلَاءِ أَشد اسْتِحْبَابا وَهَذَا أقوى لَكِن يرد عَلَيْهِ الشَّبَاب من النِّسَاء فَإِنَّهُ لم يستثنهن وخروجهن غير مُسْتَحبّ لم أجد فِيهِ خلافًا صَرِيحًا وَفِي اسْتِحْبَاب خُرُوج الْعَجَائِز وَمن لاهيئة لَهَا وَجْهَان الِاسْتِحْبَاب مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ كالشيوخ وَعَدَمه ذكر القَاضِي أَنه ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد وَهُوَ قَول مَالك لِأَن الْمَرْأَة فِي الْجُمْلَة عَورَة وَكَذَا حكى بَعضهم عَن ابْن عقيل أَنه ذكر هَذَا ظَاهر كَلَام أَحْمد وَالَّذِي رَأَيْت فِي فُصُول ابْن عقيل وَلَا يجوز إِخْرَاج الْعَجَائِز على ظَاهر كَلَام أَحْمد وعَلى قَول ابْن حَامِد يسْتَحبّ ذَلِك على مَا قدمنَا فِي صَلَاة الْعِيد وَوجه الْمَنْع أَن النَّص ورد فِي الْمَسَاجِد فَأَما فِي الصَّحرَاء فَلَا وَوجه الْجَوَاز أَن الْفِتْنَة امْتنعت فِي حقهن وَالدُّعَاء مِنْهُنَّ مرجو إجَابَته انْتهى كَلَامه وَكَأَنَّهُ يَقُول فِي تَوْجِيه الْمَنْع إِن الأَصْل عدم خُرُوج الْمَرْأَة لِأَنَّهَا إِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان وَخيف مِنْهَا الافتتان وَالنَّص الْوَارِد فِي الْمَسَاجِد يخْتَص بهَا هَذَا وَجهه إِن كَانَ مَحْفُوظًا وَفِيه نظر لَا يخفى واعتباره الْمَسْأَلَة على قَول ابْن حَامِد بِصَلَاة الْعِيد يدل على أَن حكمهَا حكمهَا وَخُرُوج النِّسَاء فِي صَلَاة الْعِيد فِيهِ أَقْوَال الْإِبَاحَة والاستحباب اخْتَارَهُ ابْن حَامِد وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَقَالَ فِي رِوَايَة اسحق بن ابراهيم وَقيل لَهُ هَل على النِّسَاء صَلَاة الْعِيد قَالَ ماسمعنا فِيهِ شَيْئا وَأرى أَن يفعلنه يصلين وَقَالَ مرّة أُخْرَى مَا سمعنَا أَن على الْمَرْأَة صَلَاة الْعِيدَيْنِ وَإِن صلت فَحسن وَهُوَ

أحب إِلَيّ وَالْكَرَاهَة فَأَنَّهُ روى عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ لَا يُعجبنِي خُرُوج النِّسَاء فِي وقتنا هَذَا لِأَنَّهُ فتْنَة قَالَه فِي رِوَايَة صَالح فِي خروجهن إِلَى الْعِيد وَاخْتَارَ القَاضِي أَنه لَا يسْتَحبّ لِأَنَّهُنَّ فتْنَة وَيخرج من هَذَا قَول رَابِع بِالتَّحْرِيمِ بِنَاء على اخْتِلَاف الْأَصْحَاب فِي قَول الامام لَا يُعجبنِي هَل هُوَ للتَّحْرِيم أَو للكراهة على وَجْهَيْن وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر رُوِيَ عَن الإِمَام أَحْمد يكره للشابة وَلَا بَأْس بِهِ للعجوز وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَأما شواب النِّسَاء وَذَوَات الهيئات فَلَا يسن حضورهن بل يكره عِنْد الْجَمِيع بِخِلَاف الْعِيد لوُرُود الْأَثر بِهِ هُنَاكَ وَلَيْسَ هَذَا مثله لِأَنَّهُ لايخشى بحضورهن مفْسدَة هَكَذَا فِي مجمع الْبَحْرين الْعَكْس مَقْصُود الْحُضُور وَهُوَ إِجَابَة الدُّعَاء ومقصود الْعِيد لَا يخْتل بذلك وَلِأَنَّهُ بِحُضُور الْعِيد يعرفن كثيرا من شَعَائِر الدّين وَأَحْكَامه بِمَا يسمعنه فِي الْخطْبَة وَهنا جلّ الْمَقْصُود الدُّعَاء وَهُوَ مُمكن مِنْهُنَّ فِي بُيُوتهنَّ انْتهى كَلَامه وَلَا يَخْلُو من مناقشة وَنظر قَوْله وَيجوز خُرُوج الصّبيان وَقَالَ ابْن حَامِد يسْتَحبّ ظَاهره سَوَاء كَانُوا مميزين أم لَا وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَقد احْتج الشَّيْخ وجيه الدّين بن المنجا بالاستحباب بِمَا روى من قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَوْلَا شُيُوخ ركع وَأَطْفَال رضع وبهائم رتع لصب عَلَيْكُم الْعَذَاب صبا

وَلم يزدْ على ذَلِك وَهَذَا يُؤَيّد عدم الْفرق وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِنَّمَا يخرج مِنْهُم المميزون قَالَ وَإِن قُلْنَا لَا اسْتِحْبَاب فلعدم التَّكْلِيف كَمَا فِي الطِّفْل وَالْمَجْنُون وَإِن قُلْنَا يسْتَحبّ وَهُوَ أصح فلأنهم من أهل الْعِبَادَة ويمتازون عَن البلغ بِرَفْع الآثام عَنْهُم وكونهم أقرب لِأَن يرحموا ويجابوا وَلَعَلَّ هَذَا أقوى فَإِن من لَيْسَ أَهلا لِلْعِبَادَةِ لَا فرق بَينه فِي هَذَا وَبَين الْبَهِيمَة وَلَا يسْتَحبّ إخْرَاجهَا عندنَا لَكِن يجوز قطع بِهِ جمَاعَة وَحكى غير وَاحِد وَجها بكراهته قَوْله وَإِن خرج أهل الذِّمَّة لم يمنعوا وأفردوا عَن الْمُسلمين ظَاهر هَذَا أَنه يكره إخراجهم وَإِن كُنَّا لَا نمنعهم إِن خَرجُوا وَكَذَا ذكر غير وَاحِد أَنه يكره إخراجهم وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ لبعد إجابتهم لأَنهم أَعدَاء لله وَإِن أغيث الْمُسلمُونَ فَرُبمَا قَالُوا هَذَا حصل بدعائنا وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَن ظَاهر كَلَام أبي بكر أَنه لَا بَأْس بإخراجهم وَأما كَونهم لَا يمْنَعُونَ إِذا خَرجُوا فلأنهم يطْلبُونَ أَرْزَاقهم وَالله قد تكفل برزق الْمُسلم وَالْكَافِر وَقَوله وأفردوا عَن الْمُسلمين يَعْنِي إِذا خَرجُوا يَوْم خُرُوج الْمُسلمين يفردون عَنْهُم لِئَلَّا يحصل عَذَاب فَيعم الْجَمِيع وَلِهَذَا أفردوا عَن مَقَابِر الْمُسلمين وَالْأولَى أَن لَا يفردوا بِيَوْم على ظَاهر ماقطع بِهِ فِي الْمُغنِي وَغَيره وَاخْتَارَهُ المُصَنّف لعدم نَقله فِي الْأَعْصَار السَّابِقَة وَلما فِيهِ من استقلالهم بِهِ وَرُبمَا نزل غيث فَيكون أعظم لفتنتهم وَرُبمَا اغْترَّ بهم غَيرهم وَقَالَ ابْن أبي مُوسَى الأولى إفرادهم بِيَوْم وَقطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص لِئَلَّا يظنون أَن مَا حصل من الْغَيْث بدعائهم

قَوْله وَإِن سقوا قبل الْخُرُوج صلوا شكرا يَعْنِي فِيمَا إِذا عزموا على الْخُرُوج وتأهبوا لَهُ وَإِلَّا فَلَو سقوا قبل الْعَزْم على الْخُرُوج والتأهل لَهُ لم يصلوا على ظَاهر كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالْأَصْحَاب وَذَلِكَ لأَنهم قد شرعوا فِي أَمر الاسْتِسْقَاء فَهُوَ كَمَا لَو خَرجُوا فسقوا قبل أَن يصلوا فَإِنَّهُم يصلونَ وَقد علل بَعضهم بِأَن الصَّلَاة شرعت لإِزَالَة الْعَارِض من الجدب وَذَلِكَ لَا يحصل بِمُجَرَّد النُّزُول وَمُقْتَضى هَذَا أَنهم يصلونَ مُطلقًا فعلى هَذَا هَل يخرجُون فِيهِ وَجْهَان وَالْقَوْل باستحباب الْخُرُوج قَول القَاضِي وَابْن عقيل وَقطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب وَالتَّلْخِيص وَقيل لَا يخرجُون وَلَا يصلونَ اخْتَارَهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لِأَن الصَّلَاة ترَاد لإنزال الْمَطَر وَقد وجد وَلِأَنَّهُ لم يرد فِيهِ أثر وَفِيه كلفة قَالَ المُصَنّف وَيُفَارق مَا لَو خَرجُوا فسقوا قبل الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي التَّكْمِيل كَبِير مشقة بل قد شرعوا وَأتوا بِأَكْثَرَ الْمَقْصُود من الِاجْتِمَاع وَالدُّعَاء وَلذَلِك كَانَ تكميله بِالصَّلَاةِ أولى انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام الْآمِدِيّ أَنهم يخرجُون فَيدعونَ وَلَا يصلونَ وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كتاب الْجَنَائِز قَوْله يُوَجه المحتضر إِلَى آخِره هَذَا الْمَذْهَب وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهم وَخَالف فِيهِ سعيد بن الْمسيب وروى ابْن الْقَاسِم عَن مَالك كَرَاهَته وَقَالَ الْخرقِيّ إِذا تَيَقّن الْمَوْت وَجه إِلَى الْقبْلَة قَالَ فِي الْمُغنِي وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ حُضُور الْمَوْت وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ تَيَقّن وجود الْمَوْت لِأَن سَائِر مَا ذكر إِنَّمَا يفعل بعد الْمَوْت وَهُوَ تغميض الْعين وَغَيره وَكَلَام ابْن عقيل وَغَيره مثل كَلَام الْخرقِيّ وَهَذَا التَّوْجِيه قبل الدّفن مُسْتَحبّ صرح بِهِ جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَلم أجد خِلَافه صَرِيحًا وَهُوَ المحكي عَن مَذَاهِب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقَوله على جنبه الْأَيْمن أَو مُسْتَلْقِيا على ظَهره يَعْنِي يجوز هَذَا وَيجوز هَذَا فَيكون تعرض لجَوَاز الْأَمريْنِ وَلم يتَعَرَّض للأفضلية وَيحْتَمل أَن يكون مُرَاده التَّخْيِير وَأَنه الأولى ومنصوص الإِمَام أَن تَوْجِيهه على جنبه الْأَيْمن أفضل وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْمَشْهُور عَنهُ وَأَنه قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ وَهُوَ أصح وَهَذَا اخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره وَعَن الإِمَام أَحْمد مُسْتَلْقِيا على ظَهره أفضل وَهُوَ الَّذِي فعله عِنْد مَوته وَاخْتَارَهُ أَكثر الْأَصْحَاب وَحَكَاهُ الشَّيْخ وجيه الدّين عَن اخْتِيَار الْأَصْحَاب وَعنهُ التَّسْوِيَة بَينهمَا وَلم أجد أحدا اخْتَارَهَا قَوْله ويبل حلقه إِلَى قَوْله وسورع فِي تَجْهِيزه كل ذَلِك مُسْتَحبّ

قَوْله وَصِيّه إِلَى آخِره أطلق وَلَا بُد من إِسْلَامه فِي الْمَشْهُور بِنَاء على اعْتِبَار النِّيَّة لِأَنَّهَا عبَادَة مفترضة وَلَيْسَ الْكَافِر من أَهلهَا كالتيمم وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه يحْتَمل عِنْده أَن الْمُسلم إِذا حضر وَأمر الْكَافِر بمباشرته وَفعله فِي الْحَال لن يَصح كالحي إِذا نوى رفع الْحَدث وَأمر كَافِرًا بِغسْل أَعْضَائِهِ وكالأضحية إِذا بَاشر ذَبحهَا ذمِّي على الْمَشْهُور اعْتِمَادًا على نِيَّة الْمُسلم وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون مُمَيّزا وَهُوَ أصح الْقَوْلَيْنِ لصِحَّة طَهَارَته وكأذانه وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون فَاسِقًا قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَالْأَفْضَل أَن يكون ثِقَة أَمينا عَارِفًا بِأَحْكَام الْغسْل وَكَذَا قَالَ غَيره وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب لَا يغسل الْمَيِّت إِلَّا عَالم بِالْغسْلِ وَيسْتَحب أَن يكون من أهل الدّين وَالْفضل وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين يجب أَن يكون مَأْمُونا موثوقا بِدِينِهِ ومعرفته للْغسْل ونظافته فَصَارَ فِي اعْتِبَار عَدَالَته ومعرفته بِأَحْكَام الْغسْل ثَلَاثَة أوجه الثَّالِث يعْتَبر علمه بِأَحْكَام الْغسْل فَقَط وَقطع فِي الرِّعَايَة بِأَنَّهُ لَا بُد أَن يكون غير فَاسق وَهَذَا فِيهِ نظر بِخِلَاف شَرْطِيَّة عَدَالَته فِي الصَّلَاة على أصلنَا

وَظَاهر كَلَامه أَنه يجوز أَن يكون جنبا أَو حَائِضًا أَو نفسَاء أَو حَدثا وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد مَعَ أَن الْأَفْضَل تَركه وَعنهُ يكره وكراهته التغميض مِنْهُم لكراهية السّلف لذَلِك قَالَ المُصَنّف وَلَعَلَّ ذَلِك لأجل حُضُور مَلَائِكَة الْقَبْض وَالْمَلَائِكَة لَا تدخل بَيْتا فِيهِ جنب وَلم يثبت حُضُورهَا وَقت الْغسْل وَقطع غير وَاحِد بِأَن الْحر الْبعيد أولى من العَبْد الْقَرِيب لِأَن العَبْد لَا ولَايَة لَهُ فِي المَال وَالنِّكَاح وَقطع المُصَنّف وَغَيره بِأَن سيد الرَّقِيق أولى بِغسْلِهِ وَدَفنه وَالصَّلَاة عَلَيْهِ لِأَن علقَة الْملك أقوى من علقَة النّسَب قَوْله وَيجوز أَن يغسل الرجل زَوجته وَأم وَلَده وَأَن يغسلاه ظَاهره جَوَاز نظر كل وَاحِد مِنْهُمَا إِلَى جَمِيع بدن الآخر حَتَّى الفرجين وَذكره الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة وَالشَّافِعِيَّة وَقَالَ ابْن تَمِيم وَلكُل وَاحِد مِنْهُم النّظر إِلَى الآخر بعد الْمَوْت مَا عدا الْفرج قَالَه أَصْحَابنَا وَسُئِلَ الإِمَام عَن ذَلِك فَقَالَ اخْتلف فِي نظر الرجل إِلَى امْرَأَته انْتهى كَلَامه أَي وَقطع بِهَذَا فِي الرِّعَايَة أَن أَي الزَّوْجَيْنِ مَاتَ فللآخر نظر غير فرجيه إِن جَازَ أَن يغسلهُ وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة أَن الْقَاتِل لَا حق لَهُ فِي غسل الْمَقْتُول عمدا أَو خطأ وَلَا فِي الصَّلَاة والدفن لِأَنَّهُ بَالغ فِي قطيعة الرَّحِم فَلَا يُرَاعى حَقه بعد الْمَوْت كَمَا فِي الْمِيرَاث فَأَما الْقَاتِل قصاصا بِحَق فَفِيهِ وَجْهَان بِنَاء على الْمِيرَاث انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب خِلَافه

قَوْله وَله دَفنه إِن لم يجد من يدفنه ظَاهره أَنه لَا يجب دَفنه فِي هَذِه الْحَال وعَلى هَذَا لَا تجب مواراته مُطلقًا وَقطع بِهِ الشَّيْخ وجيه الدّين وَهُوَ ظَاهر كَلَام غير وَاحِد وَقطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِأَنَّهُ يجب ذِمِّيا كَانَ أَو حَرْبِيّا أَو مُرْتَدا وَقَالَ هَذَا ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا اقْتِدَاء بِفِعْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي حق كفار أهل بدر حَيْثُ واراهم فِي القليب وَلِأَن فِي تَركه سَببا للمثلة بِهِ وَهِي مَمْنُوع مِنْهَا فِي حَقه بِدَلِيل عمومات النَّهْي عَنْهَا وَفِي هَذَا نظر لِأَن فعله هَذَا لَا يدل على الْوُجُوب وَاحْتِمَال وُقُوع الْمَحْذُور لَا ينْهض سَببا لتَحْرِيم شَيْء وَلَا وُجُوبه بِهِ قَوْله وَيمْسَح بِالْمَاءِ بَاطِن شَفَتَيْه وَمنْخرَيْهِ الأولى أَن يكون بِخرقَة نَص عَلَيْهِ وَهِي خرقَة سَائِر الْبدن وَهِي غير خرقَة الِاسْتِنْجَاء ذكره المُصَنّف وَغَيره وَيسْتَحب قبل ذَلِك غسل كفي الْمَيِّت كالحي نَص عَلَيْهِ وَمسح بَاطِن شَفَتَيْه وَمنْخرَيْهِ مُسْتَحبّ عِنْد الإِمَام وَأكْثر الْأَصْحَاب وأوجبه أَبُو خطاب فِي الِانْتِصَار فِي بحث مَسْأَلَة الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق

وَعند أبي حنيفَة لَا يسْتَحبّ ذَلِك وَحكى فِي الْمُغنِي عَن الشَّافِعِي أَنه يمضمضه وينشقه كَمَا يفعل بالحي وَحكى المُصَنّف سُقُوط الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق بِالْإِجْمَاع قَوْله يفعل ذَلِك كُله ثَلَاثًا إِلَّا الْوضُوء فَإِنَّهُ يحصل بِأول مرّة كَذَا ذكر هُوَ وَغَيره أَنه يَكْتَفِي بوضوئه أول مرّة وَنَصّ عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد لِأَنَّهُ وضوء شَرْعِي حصل فِيهِ التّكْرَار الشَّرْعِيّ فِي الْمرة الْوَاحِدَة فَلَا وَجه لإعادته من غير خَارج وَظَاهر كَلَامه أَنه لَا يحصل غسله بِأول مرّة وَمرَاده الْغسْل الْمُسْتَحبّ لِأَنَّهُ يسْتَحبّ غسله ثَلَاثًا مَعَ إِجْزَاء مرّة كَغسْل الْجَنَابَة وَحكى هَذَا عَن مَذَاهِب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على كَرَاهَة غسله مرّة وَاحِدَة قَالَ لَا يُعجبنِي وللأصحاب فِي قَوْله لَا يُعجبنِي كَذَا هَل هُوَ للتَّحْرِيم أَو للكراهة وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَن أم عَطِيَّة قَالَت دخل علينا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين توفيت ابْنَته فَقَالَ اغسلنها ثَلَاثًا أَو خمْسا أَو سبعا أَو أَكثر من ذَلِك إِن رأيتن وَقد قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي ذكر ابْن أبي مُوسَى أَنه إِذا شرع فِي غسله التعبدي وإفاضة المَاء لِأَنَّهُ يعود لإنجائه ثَلَاثًا ولوضوئه وَالَّذِي حَكَاهُ القَاضِي عَن أَحْمد الْوضُوء فِي الْمرة الأولى وَلَا يُعِيدهُ ثَانِيًا انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى مَا ذكره فِي الْمُسْتَوْعب وَقَوله يفعل ذَلِك ثَلَاثًا يَعْنِي لَا يزِيد عَلَيْهَا من غير حَاجَة وعَلى هَذَا الْأَصْحَاب قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين الثَّلَاث أدنى الْكَمَال والمتوسط خمس والأعلى سبع وَهُوَ حد اغلظ النَّجَاسَات من الولوغ وَالزِّيَادَة حِينَئِذٍ سرف

قَوْله فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد حَتَّى ينقى وَيقطع على وتر ظَاهره وَلَو زَاد على سبع لما تقدم من حَدِيث أم عَطِيَّة وَقطع بِهِ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة قَالَ وَإِنَّمَا لم يذكر أَصْحَابنَا ذَلِك لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهِ وَلذَلِك لم يسم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوْقهَا عددا بِعَيْنِه وَقَول الإِمَام أَحْمد وَلَا يُزَاد على سبع مَحْمُول على ذَلِك أَو على مَا غسل غسلا منقيا إِلَى سبع ثمَّ خرجت مِنْهُ نَجَاسَة انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي الْمُغنِي بعد أَن ذكر كَلَام أَحْمد هَذَا وَإِن لم ينق بِسبع فَالْأولى غسله حَتَّى ينقى وَلَا يقطع إِلَّا على وتر قَالَ وَلم يذكر أَصْحَابنَا أَنه يزِيد على سبع وَقدم ابْن تَمِيم مَا هُوَ ظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر ثمَّ قَالَ وَحكى عَن أَحْمد لَا يُزَاد على سبع وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد إِلَى سبع وَلَا يزِيد عَلَيْهَا وَلَا يقطع إِلَّا على وتر وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب فَإِن لم ينق بِالثلَاثِ زَاد إِلَى سبع وَالْأَفْضَل أَن لَا يقطع إِلَّا على وتر وَلَا يجب إِلَّا مرّة وَاحِدَة انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى كَلَام كثير من الْأَصْحَاب أَو أَكْثَرهم وَقد قَالَ ابْن عبد الْبر لَا أعلم أحدا من الْعلمَاء قَالَ يجوز سبع غسلات فِي غسل الْمَيِّت ذكره فِي التَّمْهِيد قَوْله وَالْمَنْصُوص عَنهُ أَنه يُعَاد غسله

يَعْنِي يجب وَظَاهره أَنه يَكْتَفِي بذلك وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ أَنه يغسل مَوضِع النَّجَاسَة ويوضأ فِي إِعَادَة غسله إِلَى سبع مَرَّات وَجْهَان فعلى هَذَا الِاخْتِلَاف فِي غسل مَوضِع النَّجَاسَة وَالْوُضُوء لَكِن الْخلاف فِي الِاكْتِفَاء بِهِ دون الْغسْل وَلَعَلَّ هَذَا ظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر لقَوْله إِلَّا أَن يُجَاوز سبعا فيوضأ وَعنهُ لَا يجب الْوضُوء بعد السَّبع لِأَن فِيهِ مشقة وخوفا على الْمَيِّت وَلَا يُؤمن من عود مثله وَلذَلِك غسل الْغسْل وَالْأول أشهر قَالَ المُصَنّف لِأَنَّهُ حدث يُوجِبهُ تنحية السَّبِيل فَأوجب الْوضُوء انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل لَا يخْتَلف الْمَذْهَب أَنه إِذا غسل الْمَيِّت فَخرج مِنْهُ شَيْء قبل تكفينه أَنه يُعَاد عَلَيْهِ الْغسْل وَلم يجده بِسبع وَحده بهَا فِي مَوضِع آخر وَإِبْطَال غسل الْمَيِّت وإعادة غسله بِخُرُوج النَّجَاسَة مَسْأَلَة معاياة فَيُقَال حدث أَصْغَر يُوجب غسلا وَيبْطل غسلا قَوْله حشى بالقطن أَو الطين الْحر يَعْنِي لَا بَأْس بذلك وَظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح بِهِ طَائِفَة وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَاخْتَارَهُ الْخرقِيّ وَغَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وَعنهُ يكره حشوه حَكَاهُ ابْن أبي مُوسَى وَيجب التلجم بذلك فِي ظَاهر كَلَام جمَاعَة وَصرح بِهِ طَائِفَة كَابْن عقيل قَالُوا لِأَنَّهُ يُرَاد للصَّلَاة فَوَجَبَ أَن يحْتَاط لَهُ بسد مَحل الْحَدث كَمَا قُلْنَا فِي طَهَارَة الْمُسْتَحَاضَة فَإِنَّهَا تتلجم وتحتاط لذَلِك

فَأَما قَوْله لم يعد إِلَى الْغسْل وَحمل يَعْنِي لَا غسله وَلَا غسل النَّجَاسَة وَلَا الْوضُوء لقَوْله وَحمل وَذكر ابْن عقيل رِوَايَة مُطلقَة أَنه يُعَاد غسله وَذكر أَن القَاضِي حملهَا على الْكثير قَوْله وَفِي الْكثير رِوَايَتَانِ يَعْنِي قبل السَّبع وَقطع بِهِ المُصَنّف وَغَيره فَأَما بعْدهَا فَلَا يُعَاد وَذكر بَعضهم رِوَايَة أَنه يُعَاد وَذكر بَعضهم رِوَايَة أَنه يُعَاد غسله ويطهر كَفنه لِأَنَّهُ لَا يُؤمن مثله فِي الثَّانِي وَعلله ابْن عقيل وَغَيره بِأَن ذَلِك فَاحش وَلَا يعفي عَن مثله فِي حق الْحَيّ فَلَا يُعْفَى عَنهُ فِي حق الْمَيِّت كبعض الْأَعْضَاء إِذا نسي غسله وَعنهُ يفعل ذَلِك إِن خرج قبل السَّبع إِلَى سبع فَقَط وَهَذَا فِيهِ نظر وَإِطْلَاق الرِّوَايَتَيْنِ لَيْسَ بمتوجه لِأَن الْمَذْهَب أَنه لَا يُعَاد غسله وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة أَنه الْمَشْهُور عَن الإِمَام أَحْمد وَأَنه أصح قَالَ هُوَ وَغَيره لِأَن فِي إِعَادَته مشقة تَطْهِيره وتطهير أَكْفَانه وانتظار جفافها أَو إبدالهما وَلَا يُؤمن ذَلِك ثَانِيَة وثالثة وَهَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِيمَا إِذا وضع على أَكْفَانه وَلم يلف فِيهَا وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن حكم هَذِه الْمَسْأَلَة حكم مَا لم يوضع على أَكْفَانه على الْخلاف الْمَذْكُور لقَوْله وَهُوَ فِي أَكْفَانه وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام غَيره وَصرح بِهِ بَعضهم قَالَ ابْن تَمِيم وَإِن وضع على الْكَفَن وَلم يلف فِيهِ ثمَّ خرج مِنْهُ شَيْء أُعِيد غسله يَعْنِي على الْمَنْصُوص

قَوْله وَلَا يغسل شَهِيد المعركة إِلَى آخِره لم يُصَرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْغسْل لكنه احْتج بأَمْره عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بدفنهم بدمائهم وَظَاهره يدل على تَحْرِيم غسله وَكَذَا الشَّيْخ موفق الدّين فِي أثْنَاء كَلَامه وَكَلَام غَيره عدم وجوب الْغسْل وَالْعَفو عَنهُ وَظَاهره أَنه لَا يحرم وَأَن قَوْلهم لَا يغسل أَي لَا يجب غسله كَمَا يجب غسل غَيره وَقطع الشَّيْخ وجيه الدّين بِأَنَّهُ لَا يجوز غسله بل يجب تَركه لِأَنَّهُ أثر الشَّهَادَة وَالْعِبَادَة وَأما الصَّلَاة عَلَيْهِ فبعض الْأَصْحَاب يذكر فِي وجوب الصَّلَاة عَلَيْهِ رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من لم يذكر الرِّوَايَتَيْنِ فِي اسْتِحْبَاب الصَّلَاة وَذكر المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يصلى عَلَيْهِ وَالثَّانيَِة لَا قَالَ وَرِوَايَة يُخَيّر وَالْفِعْل أفضل وَرِوَايَة وَالتّرْك أفضل وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين إِلَّا أَنه لم يذكر الرِّوَايَة الثَّالِثَة وَقَالَ وروى عَنهُ أَنه إِن صلى فَلَا بَأْس وَاحْتج غير وَاحِد بِأَنَّهُ حَيّ والحي لَا يغسل وَلَا يصلى عَلَيْهِ وَحكى الشَّيْخ محيي الدّين النَّوَوِيّ الشَّافِعِي فِي شرح الْمُهَذّب أَن مَذْهَب الشَّافِعِيَّة تَحْرِيم غسله وَالصَّلَاة عَلَيْهِ وَحَكَاهُ عَن جمَاعَة مِنْهُم الإِمَام أَحْمد وَأَن أَبَا حنيفَة وافقهم على تَحْرِيم غسله وَمَا تقدم من كَلَام أَصْحَابنَا يُعْطي ثَلَاثَة أوجه الثَّالِث يحرم غسله فَقَط وَقَالَ ابْن عبد الْقوي لم أقع بتصريح لِأَصْحَابِنَا هَل غسل الشَّهِيد حرَام أَو مَكْرُوه فَيحْتَمل الْحُرْمَة لمُخَالفَته الْأَمر انْتهى كَلَامه

قَوْله وعَلى الْغَاسِل إِن رأى سوءا ستره ظَاهره الْوُجُوب وَقد أضَاف المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِلَى أبي الْخطاب اخْتِيَار الْوُجُوب لقَوْله وعَلى الْغَاسِل وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقطع بِهِ ابْن الْجَوْزِيّ وَغَيره وَقدمه فِي الرِّعَايَة قَالَ المُصَنّف وَعَن الشَّافِعِيَّة كالوجهين وَكَلَام الإِمَام أَحْمد يحتملهما فَإِنَّهُ قَالَ يَنْبَغِي للغاسل أَن يستر مَا يرَاهُ من الْمَيِّت وَلَا يحدث بِهِ أحد قَالَ وَالصَّحِيح أَنه وَاجِب وَأَن التحدث بِهِ حرَام لِأَنَّهُ نوع من الْغَيْبَة وإشاعة الْفَاحِشَة وَقد روى أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ قيل مَا الْغَيْبَة قَالَ ذكرك أَخَاك بِمَا يكره الحَدِيث قَالَ وَهَذَا يَشْمَل الْحَيّ وَالْمَيِّت قَالَ جمَاعَة كَابْن عقيل وَالْمُصَنّف وَأبي الْمَعَالِي وَلِأَن الطَّبِيب والجراح وَالْجَار يحرم عَلَيْهِم التحدث بِمَا اطلعوا عَلَيْهِ مِمَّا يكره الْإِنْسَان تحدثهم بِهِ فَلذَلِك قَالَ هُنَا قَالَ ابْن عقيل وَلِهَذَا يمْنَع من جَمِيع مَا يُؤْذِي الْحَيّ أَن ينَال بِهِ الْمَيِّت كتفريق الْأَجْزَاء وتقرب النَّجَاسَة مِنْهُ وَسَوَاء فِي ذَلِك عيب جِسْمه وَمَا يحدث فِيهِ من تغير أَو عَلامَة سوء صرح بِهِ جمَاعَة وَيسْتَحب إِظْهَار الْخَيْر وَلَا يجب وَإِن وَجب كتم الشَّرّ فِي أشهر الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يجب وَقد روى أَبُو دَاوُد عَن ابْن عمر مَرْفُوعا اذْكروا محَاسِن مَوْتَاكُم وَكفوا عَن مساوئهم قَوْله إِلَّا على مَشْهُور ببدعة أَو فجور أَكثر الْأَصْحَاب لم يذكر هَذَا الِاسْتِثْنَاء وَذكره ابْن عقيل وَالشَّيْخ فِي الْكَافِي وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَالْمُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَابْن تَمِيم

قاطعين بِهِ كَمَا قطع بِهِ فِي الْمُحَرر ثمَّ هَل هُوَ مُسْتَحبّ أَو مُبَاح فِيهِ خلاف قَالَ ابْن عقيل لَا بَأْس عِنْدِي بِإِظْهَار الشَّرّ عَلَيْهِ ليحذر النَّاس طَرِيقه وَكَلَام ابْن عقيل هَذَا يدل على أَنه لم يجد أحدا من الْأَصْحَاب سبقه إِلَى هَذَا وَتَبعهُ على هَذِه الْعبارَة فِي الْكَافِي وَكَذَلِكَ المُصَنّف ثمَّ قَالَ وَنَظِيره الْفَاسِق الْمُعْلن فَإِنَّهُ لَا غيبَة لَهُ فِيمَا أعلن بِهِ بل ذكره لقصد التحذير مِنْهُ مُسْتَحبّ فَكَذَلِك هَذَا وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين أَنه مُسْتَحبّ وَقَالَ ذكره ابْن عقيل ثمَّ على هَذَا الِاسْتِثْنَاء هَل يسْتَحبّ كتم مَا يرَاهُ عَلَيْهِ من الْخَيْر أم لَا ظَاهر كَلَام ابْن عقيل وَمن اتبعهُ أَن الحكم يخْتَص بِإِظْهَار الشَّرّ عَلَيْهِ وَأَن الْخَيْر يسْتَحبّ إِظْهَاره مُطلقًا وَقطع ابْن تَمِيم بِأَنَّهُ يسْتَحبّ كتمه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بَاب الْكَفَن قَوْله وَيجب تكفين الْمَيِّت إِلَى آخِره ظَاهر كَلَامه وَكَلَام غَيره أَنه يقدم على دين الرَّهْن وَأرش الْجِنَايَة وَهُوَ مُتَوَجّه وَقيل يقدم دين الرَّهْن وَأرش الْجِنَايَة سَوَاء قُلْنَا الْوَاجِب ثوب يستره أَو أَكثر وَكَذَلِكَ مُؤنَة دَفنه وَمَا لَا بُد مِنْهُ

قَوْله وَإِن لم يكن لَهُ تَرِكَة فعلى من تلْزمهُ مُؤْنَته فَإِن لم يكن فَفِي بَيت المَال فَإِن تعذر فعلى الْمُسلمين الْعَالمين بِحَالهِ إِلَّا أَن الْمُرْتَد وَالْحَرْبِيّ لَا يجب تكفينه بِالْإِجْمَاع وَكَذَلِكَ الذِّمِّيّ عندنَا لَا تجب نَفَقَته فِي حَيَاته من بَيت المَال عندنَا لَكِن يجوز للْإِمَام أَن يُعْطِيهِ مَا ينْفق عَلَيْهِ وَزَاد فِي الرِّعَايَة لمصْلحَة الْمُسلمين لِأَن الذِّمَّة تعصمهم وَلَا تؤذيهم هَذَا معنى كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَذكر فِي الرِّعَايَة فِي زَوْجَة الذِّمِّيّ أَنَّهَا فِي بَيت المَال عِنْد الْعَجز وَعَلِيهِ نَفَقَتهَا حَال الْحَيَاة عِنْد الْعَجز وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فِي شرح الْهِدَايَة إِذا مَاتَ الذِّمِّيّ وَلَا مَال لَهُ وَلَا قرَابَة تلْزمهُ نَفَقَته فَهَل يُكفن من بَيت المَال فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يُكفن كَمَا يطعم إِذا جَاع للمخمصة وَالثَّانِي يدْفن من غير كفن لِأَن حرمته بِالْعقدِ وَقد ارْتَفع بِالْمَوْتِ قَالَ وَالْملك فِي الْكَفَن بَاقٍ على ملك الْمَيِّت لِحَاجَتِهِ وَقيل الْملك للْوَرَثَة لعدم أَهْلِيَّة الْمَيِّت للْملك ابْتِدَاء فَكَذَلِك دواما لكنه يقدم عَلَيْهِم لِحَاجَتِهِ إِلَيْهِ وَقيل لما لم يكن الْمَيِّت أَهلا للْملك وَالْوَارِث لَا ينفذ تصرفه فِيهِ والإبدال لَهُ تعين أَن يكون حَقًا لله تَعَالَى انْتهى كَلَامه قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة فَلَو جمعت لَهُ دَرَاهِم ليكفنه ففضلت مِنْهَا

فضلَة ردَّتْ على أَصْحَابهَا إِن عرفُوا وَإِن اخْتلطت أَو لم يعرف معطيها بِحَال صرفت فِي كفن آخر نَص عَلَيْهِ فَإِن تعذر ذَلِك تصدق بهَا انْتهى كَلَامه وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَذكر ابْن تَمِيم مثله إِلَّا أَنه لم يذكر اختلاطها وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَمن جِيءَ لَهُ بكفن ففضل عَنهُ بعضه أَو كَفنه أَهله بِغَيْرِهِ يصرف ذَلِك أَو مَا فضل مِنْهُ فِي كفن ميت آخر نَص عَلَيْهِ فَإِن تعذر تصدق بِهِ وَقيل إِن علم ربه أَخذه وَإِن دَفعه لَهُ جمَاعَة أَخَذُوهُ بِقدر مَا دفعوه وَإِن جهلوا صرف فِي ثمن كفن آخر نَص عَلَيْهِ وَلَا تَأْخُذهُ ورثته وَقيل بلَى وَهُوَ بعيد بل يتَصَدَّق بِهِ انْتهى كَلَامه وَذكر ابْن عبد الْقوي مَا ذكره فِي شرح الْهِدَايَة ثمَّ قَالَ أما إِذا لم يعرف معطوها فَظَاهر لأَنهم خَرجُوا عَنْهَا لله وَالظَّاهِر أَنهم لَا يعودون فِيهَا ولاضمان على من تصدق بهَا بِخِلَاف الودائع والغصوبات المجهولة الأرباب لأَنهم لم يخرجُوا عَنْهَا هُنَاكَ وَالْقِيَاس دفع الْجَمِيع إِلَى ولي الْأَمر لِأَنَّهُ وَكيل الغياب وَمَوْضِع أمانات الْمُسلمين وَأما إِذا اخْتلطت هُنَا مَعَ معرفَة قوم لَا تعدوهم فَهُوَ كَمَا لَو انهارت أَمْوَالهم بَعْضهَا على بعض أَو اخْتلطت ثَمَرَة المُشْتَرِي وَرب الأَصْل يصطلحون عَلَيْهَا أَو تقسم هُنَا بِالْحِصَصِ إِن عرف مِقْدَار مَا بذل كل وَاحِد لَا سِيمَا إِذا قُلْنَا إِن النَّقْدَيْنِ لَا يتعينان بِالتَّعْيِينِ هَذَا كَلَامه

قَالَ فِي الرِّعَايَة وَإِن أكله سبع أَو أَخذه سيل فَكَفنهُ تَرِكَة وَقيل إِن تبرع بكفنه أَجْنَبِي فَأكل الْمَيِّت سبع أَو نَحوه وَبَقِي كَفنه فَهِيَ إِبَاحَة لَا تمْلِيك بِخِلَاف مَا لَو وهبه أَو ثمنه لوَرثَته أَولا وكفنوه بِهِ ثمَّ وجدوه فَإِنَّهُ يكون لَهُم وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي فِي شرح الْهِدَايَة إِذا افترسه سبع بعد التَّكْفِين فَإِن كَانَ الْكَفَن من مَاله فَهُوَ للْوَرَثَة وَإِن كَانَ من بَيت المَال فَوَجْهَانِ أظهرهمَا أَنه لوَرثَته لِأَن الْمَيِّت صَار أَحَق بِهِ فَإِذا عدمت الْحَاجة فَهُوَ لوَرثَته كَمَا لَو كَانَ من مَاله انْتهى كَلَامه وَالْأولَى أَن يُقَال هَل يَزُول ملك الدَّافِع عَن الْمَدْفُوع نظرا إِلَى ظَاهر الْحَال أم لَا يَزُول لتردد الدّفع بَين الْإِبَاحَة وَالْخُرُوج عَنهُ وَالْأَصْل أَن لَا يخرج من ملكه إِلَّا مَا اعْترف بِخُرُوجِهِ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن قُلْنَا يَزُول ملكه عَنهُ صرف ذَلِك أَو الْفَاضِل مِنْهُ فِي كفن ميت آخر قَالَ ابْن عقيل وَغَيره لأَنهم عينوه للأكفان وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَنه يجوز دفع فَاضل مغل وقف مَسْجِد وَغَيره إِلَى ذَلِك النَّوْع وَغَيره وَإِن كَانَ يَنْبَغِي أَن يُقَال الأولى ذَلِك النَّوْع وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ إِن أكل الْمَيِّت السَّبع وَنَحْوه لِأَن الْمَيِّت لم يملكهُ وَإِنَّمَا صَار أَحَق بِهِ مَعَ حَاجته فَإِذا زَالَت فَهُوَ كَمَا لَو كفن بِغَيْرِهِ وَإِن قُلْنَا لَا يَزُول ملكه عَنهُ رد إِلَى صَاحبه فَإِن لم يكن فلورثته كإباحة غَيره فَإِن جهل فَحكمه حكم اللّقطَة والوديعة الْمَجْهُول رَبهَا لَكِن هَذَا إِذا تصرف فِيهِ دفع فِي كفن آخر على الْمَنْصُوص واختلاطه وَنَحْوهمَا على هَذَا لَا أثر لَهُ فيفرد بِحكم هَذَا ظَاهر كَلَام ابْن تَمِيم وَابْن حمدَان وَاخْتَارَهُ ابْن عبد الْقوي

الصلاة على الميت

الصَّلَاة على الْمَيِّت قَوْله وَإِن كَانَ صَغِيرا قَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لِوَلَدَيْهِ فرطا إِلَى آخر الدُّعَاء يحْتَمل أَن يكون مُرَاده أَن يَأْتِي بِهَذَا الدُّعَاء فَقَط وَيحْتَمل أَن مُرَاده أَن الدُّعَاء لحَال الصَّغِير وَأَن الدُّعَاء الْمُشْتَرك السَّابِق يَأْتِي بِهِ وَكَلَام الْأَصْحَاب ظَاهره مُخْتَلف وَالثَّانِي ذكره السامري قَالَ إِلَّا قَوْله إِن كَانَ محسنا أَو مسيئا لعدم ذَلِك فِيهِ وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَإِن كَانَ الْمَيِّت طفْلا جعل مَكَان الاسْتِغْفَار لَهُ وَذكر الدُّعَاء قَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين فَإِن كَانَ الصَّغِير مَمْلُوكا دَعَا لمواليه إِذا لم يعرف إِسْلَام أَبَوَيْهِ لأَنهم أولياؤه وَقَالَ هُوَ وَابْن عقيل وَغَيرهمَا وَإِن كَانَ خُنْثَى سَمَّاهُ بِالِاسْمِ الْعَام فَيَقُول هَذَا الْمَيِّت أَو الشَّخْص قَوْله وَالْغَرَض من ذَلِك الْقيام والتكبيرات تبع أَكثر الْأَصْحَاب وَذكر ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب وَصَاحب التَّلْخِيص فِيهِ الْأَركان وَلم يذكرُوا فِيهَا الْقيام وَقَالَ الْحَنَفِيَّة وَالْقِيَاس جَوَازهَا بِدُونِهِ

كسجود التِّلَاوَة وَإِنَّمَا يمْنَع مِنْهُ اسْتِحْسَانًا ولأصحابنا على وُجُوبه قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعمران بن حُصَيْن صل قَائِما فَإِن لم تستطع فقاعدا وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن أَخَاكُم النَّجَاشِيّ مَاتَ فَقومُوا فصلوا عَلَيْهِ وَالْقِيَاس على الْمَكْتُوبَة والمنذورة وَفِي ذَلِك نظر وَذكر صَاحب التَّلْخِيص وَجَمَاعَة أَنه يشْتَرط حُضُور الْمَيِّت بَين يَدي الْمُصَلِّي وَذكره أَيْضا الشَّيْخ وجيه الدّين فَقَالَ لَو صلى على الْجِنَازَة وَهِي مَحْمُولَة على أَعْنَاق الرِّجَال أَو على دَابَّة أَو صَغِير على رجل لم يجز لِأَن الْجِنَازَة يمنزلة الإِمَام وَلِهَذَا لَا تجوز الصَّلَاة بِدُونِ الْمَيِّت وَيجب تَقْدِيمه إِلَى الْمُصَلِّين عَلَيْهِ وَمَتى كَانَ الإِمَام على الدَّابَّة وَالْقَوْم على الأَرْض لم يجز فَكَذَلِك هُنَا وَلم يذكر فِي الْمُحَرر هَذَا الشَّرْط وَكَذَا لم يذكرهُ جمَاعَة مِنْهُم ابْن الْجَوْزِيّ وَالشَّيْخ موفق الدّين قَوْله وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا ذكره الْأَصْحَاب مَعَ اخْتلَافهمْ هَل هِيَ وَاجِبَة فِي الصَّلَاة أوركن أَو سنة وَهَذَا يدل على توقف صَلَاة الْجِنَازَة عَلَيْهَا وَإِن لم تتَوَقَّف سَائِر الصَّلَاة عَلَيْهَا وَقد جعل فِي الْمُغنِي رِوَايَة الْوُجُوب وسقوطها بالسهو فِي سَائِر الصَّلَاة اخْتِيَار الْخرقِيّ فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلم يحك فِي صَلَاة الْجِنَازَة خلافًا فِي توقف صِحَّتهَا عَلَيْهَا كالنية وَالتَّكْبِير وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بافتراض الصَّلَاة عَلَيْهِ قَالَ الشَّافِعِي وأصل ذَلِك وُجُوبهَا فِي سَائِر الصَّلَوَات وَإِذا قُلْنَا لَا تجب هُنَاكَ لم تجب هُنَا وَقَالَ أَيْضا أَجمعُوا أَنه إِذا خَافَ رفع الْجِنَازَة سقط الدُّعَاء وَالصَّلَاة على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَجَاز قَضَاء التَّكْبِير مُتَتَابِعًا كَذَا قَالَ وَفِيه نظر يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا

قَالَ ابْن عبد الْقوي جعلهَا الشَّيْخ هُنَا ركنا وَقِيَاس مَا ذكر فِي صفة الصَّلَاة أَن تكون وَاجِبَة أَو سنة قَالَ وَلقَائِل أَن يَقُول لَا يلْزم من قَوْلنَا هِيَ هُنَاكَ سنة أَو وَاجِبَة على الْمُخْتَار أَن تكون هُنَا كَذَلِك لِأَن تِلْكَ الصَّلَاة فِيهَا من غَيرهَا لمتلوها مَا هُوَ ركن وَهُوَ التَّشَهُّد بِخِلَاف هَذِه فَمَا الْمَانِع أَن تجْعَل الصَّلَاة عَلَيْهِ ركنا لِأَنَّهَا سَبَب الْإِجَابَة انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر قَوْله لِأَن تِلْكَ الصَّلَاة فِيهَا من غَيره لمتلوها مَا هُوَ ركن وَهُوَ التَّشَهُّد قُلْنَا وَإِذا كَانَ فَأَي شَيْء يلْزمه وماذا يكون وَقَوله بِخِلَاف هَذِه قُلْنَا وَهَذِه الصَّلَاة كَذَلِك وَهُوَ أدنى دُعَاء للْمَيت وَقَوله فَمَا الْمَانِع أَن تجْعَل الصَّلَاة عَلَيْهِ هُنَا ركنا قُلْنَا وَمَا الْمُقْتَضِي وَالشَّيْء لَا يثبت بِعَدَمِ الْمَانِع بل لوُجُود الْمُقْتَضى قَوْله لِأَنَّهَا سَبَب للإجابة قُلْنَا وَفِي سَائِر الصَّلَوَات كَذَلِك وَلَو كبر على جَنَازَة فجيء بثانية فَكبر الثَّانِيَة ونواها لَهما جَازَ نَص عَلَيْهِ وَعلله الإِمَام أَحْمد بِجَوَاز التَّكْبِير إِلَى سبع وَكَذَلِكَ الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة فَإِن جِيءَ بِجنَازَة بعد التَّكْبِيرَة الرَّابِعَة لم يجز إدخالها فِي الصَّلَاة وَهل يُعِيد الْقِرَاءَة وَالصَّلَاة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للَّتِي حضرت بعدهمَا يحْتَمل وَجْهَيْن ذكرهمَا ابْن عقيل أَحدهمَا يُعِيد اخْتَارَهَا الشَّيْخ موفق الدّين ليكمل أَنْوَاع الْأَذْكَار لكل جَنَازَة وَالثَّانِي لَا يُعِيد بل يَدْعُو عقب كل تَكْبِيرَة قَالَ المُصَنّف وَهُوَ أصح وَاخْتَارَهُ القَاضِي فِي الْخلاف لِأَن هَذَا مَحل للدُّعَاء للسابقة وَمحل غَيره للمسبوقة فغلب حكم من امتاز بِالسَّبقِ وَيُمكن أَن يسْقط عِنْد الِاجْتِمَاع تبعا مَا لَا يسْقط مُنْفَردا كَمَا تسْقط أَفعَال الْعمرَة أَو بَعْضهَا فِي

الْقرَان تبعا لِلْحَجِّ وكما يسْقط ترك الْإِحْرَام بِالْحَجِّ من الْمِيقَات إِذا أدخلهُ على الْعمرَة فَكَذَلِك هُنَا وَالَّذِي وجدت ابْن عقيل ذكره الْوَجْه الثَّانِي أَنه يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ مُتَتَابِعًا نسقا كَمَا يفعل الْمَسْبُوق إِذا رفع الْمَيِّت وَكَذَا نَقله الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ وجيه الدّين وَقَالَ اخْتَارَهُ ابْن عقيل قَوْله وَمن فَاتَهُ التَّكْبِير قَضَاهُ مُتَتَابِعًا وَقيل يَقْضِيه على صفته مالم ترفع الْجِنَازَة ظَاهره أَنه يَقْضِيه مُتَتَابِعًا مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَحَكَاهُ غير وَاحِد عَن الْخرقِيّ وَقَالَ بَعضهم إِنَّه روى عَن أَحْمد لِأَن ابْن عمر قَالَ لَا يقْضِي فَإِن كبر مُتَتَابِعًا فَلَا بَأْس احْتج بِهِ وَلم يعرف لَهُ مُخَالف من الصَّحَابَة وَقدم غير وَاحِد أَنه يَقْضِيه على صفته من غير تَفْصِيل لِأَن الْقَضَاء على صفة الْإِدْرَاك كَسَائِر الصَّلَوَات وَلِأَن الصَّلَاة على الْمَيِّت تجوز مَعَ غيبته للْعُذْر وَهُوَ الصَّلَاة على الْغَائِب فيقضيها للْعُذْر أولى وَقَالَ القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَقطع بِهِ فِي الْمَذْهَب وَالتَّلْخِيص إِن رفعت الْجِنَازَة قبل إتْمَام التَّكْبِير قَضَاهُ مُتَتَابِعًا لِأَنَّهَا إِذا رفعت زَالَ شَرط الصَّلَاة فَيَقْتَضِي ذَلِك قطعهَا لَكِن التَّكْبِير فِي نَفسه يسير فَأتى بِهِ مُقْتَصرا عَلَيْهِ وَمَا لم ترفع فَالشَّرْط مُسْتَمر وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن جُمْهُور الْعلمَاء وَقَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِذا خشِي رفع الْجِنَازَة قَضَاهُ مُتَتَابِعًا رفعت الْجِنَازَة أَو لم ترفع على مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَحَكَاهُ عَن مَالك وَأحد قولي الشَّافِعِي لِئَلَّا ترفع الْجِنَازَة من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ شَرط للصَّلَاة فَكَانَ التَّتَابُع أحوط

وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي فِيمَا حَكَاهُ الْحسن بن زِيَاد عَنْهُم يَقْضِيه مُتَتَابِعًا مالم ترفع فَإِن رفعت قطع التَّكْبِير وَهُوَ قَول ابْن الْمُنْذر وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب لِأَن مَا كَانَ شرطا فِي الِابْتِدَاء فهر شَرط فِي الدَّوَام كَسَائِر الشُّرُوط ثمَّ حكى المُصَنّف القَوْل الثَّانِي عَن الشَّافِعِي أَنه يَقْضِيه على صفته وَحَكَاهُ ابْن عبد الْبر عَن أبي حنيفَة وَوَجهه ثمَّ كَمَا تقدم ثمَّ حكى قَول القَاضِي وَأبي الْخطاب وَقَالَ فِي آخر تَوْجِيهه فَالشَّرْط مُسْتَمر فَكَانَ بذكرها أولى قَالَ فَأَما إِذا علم بعادة أَو قرينَة أَنَّهَا تتْرك حَتَّى يقْضِي فَلَا تردد أَنه يقْضِي التَّكْبِيرَات بذكرها هَذَا مُقْتَضى تَعْلِيل أَصْحَابنَا وَغَيرهم من الْقَائِلين بالتتابع وَقد صرح بِهِ الْمَالِكِيَّة انْتهى كَلَامه قَوْله وَيصلى على الْغَائِب بِالنِّيَّةِ إِلَى شهر هَذَا هُوَ الْمَذْهَب كَقَوْل الشَّافِعِيَّة عملا بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِأَصْحَابِهِ على النَّجَاشِيّ وَعَن الإِمَام أَحْمد لَا يجوز كَقَوْل أبي حنيفَة وَمَالك لِأَن من شَرط جَوَاز الصَّلَاة حُضُور الْمَيِّت بِدَلِيل مَا لَو كَانَ مَوْجُودا وَظَاهر هَذَا عدم جَوَاز الصَّلَاة وَلَو لم يكن عِنْده من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَقَالَهُ الْمَالِكِيَّة وَالْحَنَفِيَّة وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالشَّيْخ شمس الدّين بن عبد القوى أَنه إِن لم يحضر الْغَائِب من يُصَلِّي عَلَيْهِ وَجَبت الصَّلَاة عَلَيْهِ وَأطلق الْغَيْبَة وَظَاهره أَنه من كَانَ خَارج الْبَلَد سَوَاء كَانَ مَسَافَة قصر أَو دونهَا نَص عَلَيْهِ وَصرح بِهِ جمَاعَة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُقْتَضى اللَّفْظ أَن من كَانَ خَارج السُّور أَو خَارج مَا يقدر سورا يصلى عَلَيْهِ بِخِلَاف من كَانَ دَاخله لَكِن هَذَا لَا أصل لَهُ فِي

الشَّرِيعَة فِي المذهبين إِذْ الْحُدُود الشَّرْعِيَّة فِي مثل هَذَا إِمَّا أَن تكون الْعِبَادَات الَّتِي تجوز فِي السّفر الطَّوِيل والقصير كالتطوع على الرَّاحِلَة وَالتَّيَمُّم وَالْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ على قَول فَلَا بُد أَن يكون مُنْفَصِلا عَن الْبَلَد بِمَا يعد الذّهاب إِلَيْهِ نوع سفر وَقد قَالَ طَائِفَة كَالْقَاضِي أبي يعلى إِنَّه يَكْفِي خَمْسُونَ خطْوَة وَإِمَّا أَن يكون الْحَد مَا تجب فِيهِ الْجُمُعَة وَهُوَ مَسَافَة فَرسَخ وَمَا سمع مِنْهُ النداء وَهَذَا أقرب الْحُدُود فَإِنَّهُ إِذا كَانَ دون فَرسَخ حَيْثُ يسمع النداء وَيجب عَلَيْهِ حُضُور الْجُمُعَة كَانَ من أهل الصَّلَاة فِي الْبَلَد فَلَا يعد غَائِبا عَنْهَا بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ فَوق ذَلِك فَإِنَّهُ بالغائب أشبه وَإِمَّا أَن يكون الْحَد مَا لَا يُمكن الذَّاهِب إِلَيْهِ الْعود فِي يَوْمه وَهَذَا يُنَاسب قَول من جعل الْغَائِب عَن الْبَلَد كالغائب عَن مجْلِس الحكم وإلحاق الصَّلَاة بِالصَّلَاةِ أولى من إِلْحَاق الصَّلَاة بالحكم فَهَذِهِ هِيَ المآخذ الَّتِي تبنى عَلَيْهَا هَذِه الْمَسْأَلَة وَإِطْلَاق كَلَامه فِي الْمُحَرر وَكَلَام غَيره يَقْتَضِي الصَّلَاة على كل غَائِب مُسلم وَفِيه نظر وَيُوَافِقهُ قَول صَاحب الْبَحْر من الشَّافِعِيَّة لَو صلى على الْأَمْوَات الَّذين مَاتُوا فِي يَوْمه وغسلوا فِي الْبَلَد الْفُلَانِيّ وَلَا يعرف عَددهمْ جَازَ قَالَ الشَّيْخ مُحي الدّين النَّوَوِيّ لَا حَاجَة إِلَى التَّخْصِيص بِبَلَد يعرف بل لَو صلى على أموات الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض الَّذين مَاتُوا فِي يَوْمه مِمَّن يجوز الصَّلَاة عَلَيْهِم جَازَ وَكَانَ حسنا مستحسنا لِأَن الصَّلَاة على الْغَائِب صَحِيحَة عندنَا وَمَعْرِفَة بِلَاد الْمَوْتَى وأعدادهم لَيست شرطا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية مَا يَفْعَله بعض النَّاس أَنه كل لَيْلَة يصلى على جَمِيع من مَاتَ من الْمُسلمين فَلَا ريب أَنه بِدعَة لم يَفْعَله أحد من السّلف قَوْله جَانِبي الْبَلَد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقَائِلُونَ بِالْجَوَازِ من الشَّافِعِيَّة والحنابلة قيد محققوهم الْبَلَد بالكبير وَمِنْهُم من أطلق وَلم يُقيد

قَوْله وَلَا يُصَلِّي الإِمَام على من قتل نَفسه أَو غل من غنيمَة كَذَا أطلق أَبُو الْخطاب قَاتل نَفسه قَالَ المُصَنّف يَعْنِي مُتَعَمدا وَهل ذَلِك وَاجِب أَو مُسْتَحبّ كَلَام الإِمَام أَحْمد مُحْتَمل وَظَاهر نَهْيه التَّحْرِيم وَهُوَ ظَاهر كَلَام ابْن عقيل وَصرح المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بالاستحباب وَصرح أَيْضا أَنه يجب التأسي بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي تَركه الصَّلَاة عَلَيْهِمَا وَظَاهر كَلَام الشَّيْخ وجيه الدّين الِاسْتِحْبَاب وَقَالَ ابْن تَمِيم امْتنَاع الإِمَام من الصَّلَاة على من تقدم مُسْتَحبّ فَلَو صلى جَازَ وَفِيه وَجه يجب ذَلِك وَحكى فِي الرِّعَايَة رِوَايَتَيْنِ قَوْله من السّنة الْإِسْرَاع بالجنازة

قَالَ المُصَنّف وَصفَة الْإِسْرَاع بالجنازة الخبب بِأَن يمشي بهَا أَعلَى دَرَجَات الْمَشْي الْمُعْتَاد وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخب ويرمل وَكَذَا قَالَ القَاضِي يسْتَحبّ إسراع لَا يخرج عَن الْمَشْي الْمُعْتَاد وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الْمَذْهَب يسْرع فَوق السَّعْي وَدون الخبب فَإِن خيف على الْمَيِّت من ذَلِك تأنى وَإِن خيف عَلَيْهِ التَّغْيِير أسْرع وَقَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يفرط فِي الْإِسْرَاع فيمخضها ويؤذي متبعيها وَقَالَ فِي الرِّعَايَة يسن الْإِسْرَاع بهَا يَسِيرا وَذكر الشَّيْخ وجيه الدّين قَول القَاضِي الْمَذْكُور وَقَالَ فَإِن خيف انفجارها أَو كَانَ فِي التَّابِعين ضعف رفق بِهِ وبهم قَوْله وَالسّنة أَن يتَوَلَّى دفن الْمَيِّت غاسله كَذَا قَالَ غير وَاحِد قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِنَّه مَتى كَانَ الأحق بِالْغسْلِ كَانَ هُوَ الأحق بالدفن فَالْأولى أَن يتولاهما جَمِيعًا بِنَفسِهِ أَو يَسْتَنِيب فيهمَا وَاحِدًا لِأَنَّهُ أقرب إِلَى ستر أَحْوَاله وَقلة الِاطِّلَاع عَلَيْهِ فَأَما الأحق بالدفن فَهُوَ من أوصى إِلَيْهِ الْمَيِّت بذلك كَمَا قُلْنَا لَو أوصى إِلَيْهِ بِغسْلِهِ ثمَّ الْأَقَارِب الْأَقْرَب فَالْأَقْرَب كَمَا فِي غسله فَأَما الْمَرْأَة فمحارمها الرِّجَال أَحَق بدفنها من النِّسَاء وَهل يقدم الزَّوْج على سَائِر الْمَحَارِم كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ أَو الْعَكْس كَقَوْل أبي حنيفَة فِيهِ رِوَايَتَانِ فَإِن لم يكن محرم فَهَل النِّسَاء أولى بدفنها أم الرِّجَال فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا الرِّجَال أَحَق فعلى هَذَا لَا مدْخل النِّسَاء فِي الدّفن

إِلَّا عِنْد الضَّرُورَة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَالثَّانيَِة النِّسَاء أولى اخْتَارَهُ الْخرقِيّ قَالَ المُصَنّف وَهَذِه الرِّوَايَة مَحْمُولَة عِنْدِي على مَا إِذا لم يكن فِي دفنهن مَحْذُور من اتِّبَاع الْجِنَازَة أَو الْكَشْف بِحَضْرَة الْأَجَانِب أَو غَيره لِأَنَّهُ الْمَنْصُوص عَن الإِمَام أَحْمد فِي مثل ذَلِك وَهَذَا معنى كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لكِنهمْ لم يذكرُوا حمل الرِّوَايَة على هَذَا وَاخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره كاختيار الْخرقِيّ وَكَذَلِكَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَزَاد وَإِن كَانَ لَهَا زوج فَهُوَ أولى بدفنها كَمَا هُوَ أولى بغسلها فَإِن لم يكن فأمهاتهم يلينها على التَّرْتِيب الْمَذْكُور فِي الْغسْل وَلَعَلَّ مُرَاده أَن الزَّوْج يقدم بعد محارمها من الرِّجَال ثمَّ بعده محارمها من النِّسَاء قَوْله ويعمق قَبره قامة وبسطة يَعْنِي أَن هَذَا هُوَ الْمُسْتَحبّ وَفِي الْمَسْأَلَة خلاف مَشْهُور قَالَ فِي التَّلْخِيص وَغَيره وَأَدْنَاهُ حُفْرَة تستر رَائِحَته وتمنع جثته من السبَاع وَنَحْوهَا زَاد فِي الرِّعَايَة نَص عَلَيْهِ قَوْله ويضعه فِي اللَّحْد على جنبه الْأَيْمن مُتَوَجها كَذَا ذكر جمَاعَة وَلم يبينوا حكم ذَلِك وَقَالَ ابْن عقيل فِيمَا إِذا دفن إِلَى غير الْقبْلَة قَالَ أَصْحَابنَا أينبش لِأَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة مَشْرُوع يُمكن فعله فَلَا يتْرك كَمَا ذكر الْمَسْأَلَة وَمثله الدّفن من قبل الْغسْل أَنه ينبش وَيغسل وَيُوجه إِلَّا أَن يخَاف عَلَيْهِ أَن يتفسخ فَيتْرك وَنصب الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة وَاسْتدلَّ بِأَنَّهُ

وَاجِب فَلَا يسْقطهُ بذلك كإخراج مَاله قيمَة وَقَوْلهمْ إِن النبش مثلَة قُلْنَا إِنَّمَا هُوَ فِي حق من تغير وَهُوَ لَا ينبش وَنصب المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الدّفن قبل الْغسْل لِأَنَّهُ وَاجِب مَقْدُور عَلَيْهِ من غير مَانع وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الدّفن إِلَى غير الْقبْلَة عَن قَول أبي حنيفَة قَوْله هَهُنَا أوجه لِأَن تَوْجِيهه سنة وَلَيْسَ بِفَرْض فَلَا يلْزم لتحصيله مَنْهِيّ عَنهُ وَلنَا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه قد نبشوا لما هُوَ دون هَذَا فَهَذَا أولى والنبش الْمنْهِي عَنهُ هُوَ الَّذِي لَيْسَ لغَرَض صَحِيح ثمَّ يبطل تَعْلِيلهم بالختان عِنْدهم فَإِنَّهُ سنة يلْزم لَهُ كشف الْعَوْرَة الْمحرم فِي الأَصْل انْتهى كَلَامه وَعلل الشَّيْخ وجيه الدّين مَسْأَلَة الدّفن إِلَى غير الْقبْلَة بِأَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة سنة مَشْرُوعَة وشعار من شعار الْمُسلمين أمكن فعله فَلَا يتْرك كَمَا لَو ذكر قبل تَسْوِيَة اللَّبن قَالَ وَذكر الْمَاوَرْدِيّ صَاحب الْحَاوِي فِي كِتَابه أَن أول من وَجه إِلَى الْقبْلَة الْبَراء فَإِنَّهُ أوصى بذلك فَصَارَت سنة انْتهى كَلَامه وَقطع الْآمِدِيّ والشريف أَبُو جَعْفَر وَغَيرهمَا بِوُجُوب التَّوْجِيه إِلَى الْقبْلَة وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي مَجْمُوعه إِذا دفن من غير غسل نبش وَغسل سَوَاء أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب أَو لم يهل عَلَيْهِ هَذَا ظَاهر الْمَذْهَب وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَهَكَذَا الحكم إِذا دفن غير موجه هَذَا كُله إِذا لم يتَغَيَّر الْمَيِّت وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا أهيل عَلَيْهِ التُّرَاب لم ينبش دليلنا أَنه فَرِيضَة مَقْدُور عَلَيْهِ فَوَجَبَ فعله كَمَا لَو لم يهل عَلَيْهِ التُّرَاب

فَظهر من هَذَا أَن فِي وجوب التَّوْجِيه إِلَى الْقبْلَة وَجْهَيْن فَأن قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَجب نبشه لأَجله فِي الْأَظْهر وَإِلَّا فَالْأَظْهر أَنه لَا يجب لِأَنَّهُ لَا يجب التَّوَصُّل إِلَى فعل مُسْتَحبّ وَلَو دفن موجها على يسَاره أَو مُسْتَلْقِيا على ظَهره هَل ينبش على وَجْهَيْن وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين وَإِن حفر الْقَبْر ممتدا من الْقبْلَة إِلَى الشمَال فَإِن دعت الْحَاجة إِلَى ذَلِك لضيق الْمَكَان لم يكره وَإِن كَانَ مَعَ السعَة وَالْقُدْرَة كره وَلم ينبش بعد دَفنه ليدفن على الصّفة المستحبة وَكَانَ دَفنه على الْحَالة الَّتِي يوضع عَلَيْهَا على المغتسل وَعند الْمَوْت وَقَالَ فَإِن خَالف وأضجعه على جنبه الْأَيْسَر واستقبل الْقبْلَة بِوَجْهِهِ جَازَ وَكَانَ تَارِكًا للأفضل وَإِن علمُوا بذلك بعد الدّفن وَإِن كَانَ قبل أَن يهال عَلَيْهِ التُّرَاب وَجه وَوضع على جنبه الْأَيْمن ليحصل شعار السّنة انْتهى كَلَامه وَفِي وجوب نبشه فِيمَا إِذا دفن قبل الْغسْل وَجه أَنه لَا يجب وَقدم ابْن تَمِيم أَنه يسْتَحبّ نبشه فِيمَا إِذا دفن لغير الْقبْلَة فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقطع المُصَنّف فِي مَسْأَلَة الْغسْل لَا ينبش إِذا خيف تفسخه وَلم يَتَبَعَّض هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مَسْأَلَة التَّوْجِيه وَيصلى عَلَيْهِ كَمَسْأَلَة من لم يجد مَاء وَلَا تُرَابا وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه ينبش فيهمَا وَلَو خيف تفسخه بِخِلَاف نبشه للصَّلَاة عَلَيْهِ وَقَالَ غير وَاحِد لَا ينبش إِذا خيف تفسخه فِي الْمسَائِل الثَّلَاث وَظَاهر كَلَام غير وَاحِد عَكسه قَوْله وَلَا يدْفن فِيهِ اثْنَان إِلَّا لضَرُورَة قد يُقَال اسْتثِْنَاء حَالَة الضَّرُورَة تدل على التَّحْرِيم عِنْد انتفائها لِأَنَّهُ

لَا يحسن اسْتثِْنَاء الضَّرُورَة مَعَ الْكَرَاهَة وَظَاهر كَلَام جمَاعَة من الْأَصْحَاب يحْتَمل التَّحْرِيم وَالْكَرَاهَة وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي دَاوُد أما فِي الْمصر فَلَا وَلَا دَلِيل على التَّحْرِيم وَفِي الْكَرَاهَة نظر لِأَنَّهُ أَكثر مَا قيل إِن إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر هُوَ الدّفن الْمُعْتَاد حَالَة الِاعْتِبَار وَهَذَا يدل على أَن هَذَا هُوَ الْمُسْتَحبّ وَالْأولَى وَقَالَ المُصَنّف فِي أثْنَاء بحث الْمَسْأَلَة من غير تَصْرِيح بِتَحْرِيم وَلَا كَرَاهَة قَالَ وَنقل أَبُو طَالب عَن أَحْمد إِذا مَاتَت الْمَرْأَة وَقد ولدت ولدا مَيتا فَدفن مَعهَا جعل بَينهمَا حاجز من تُرَاب أَو يحْفر لَهُ فِي نَاحيَة مِنْهَا وَإِن دفن مَعهَا فَلَا بَأْس وَظَاهر هَذَا أَن دفن الِاثْنَيْنِ فِي الْقَبْر من غير ضَرُورَة جَائِز لَا يكره وَيحْتَمل ذَلِك أَن يخْتَص ذَلِك بِمَا إِذا كَانَا أَو أَحدهمَا مِمَّن لَا حكم لعورته لصغره وَقَالَ فِي أثْنَاء بحث مَسْأَلَة ينبش الْمَيِّت إِذا دفن قبل الْغسْل ونبشت الصَّحَابَة موتاهم للافراد فِي الْقَبْر ولإحسان الْكَفَن والتحويل إِلَى خير من الْبقْعَة الأولى وَنَحْو ذَلِك من الْمَقَاصِد الصَّحِيحَة الَّتِي لَيْسَ فِيهَا فعل فرض وَلَا سنة مُؤَكدَة فَلِأَن يجوز ذَلِك للْغسْل الْوَاجِب أولى انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين الْجمع بَين الِاثْنَيْنِ فِي الْقَبْر وَالثَّلَاثَة لغير ضَرُورَة وحاجة غير جَائِز لِأَن السّنة أَن يفرد كل وَاحِد بِقَبْر وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَأَما مَعَ الضَّرُورَة أَو الْحَاجة فَإِنَّهُ جَائِز فِي الْمصر وَغَيره وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَرُوِيَ عَن إمامنا أَنه لَا بَأْس أَن يدْفن الإثنان وَالثَّلَاثَة فِي الْقَبْر الْوَاحِد قَالَ ابْن عقيل إِفْرَاد كل ميت بِقَبْر مُسْتَحبّ انْتهى كَلَامه وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ ابْن عقيل فِي الْفُصُول وَالَّذِي وجدت فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقطع بِالْكَرَاهَةِ وَحكى بَعضهم احْتِمَالا أَنه يخْتَص الْجَوَاز بالمحارم وَقطع فِي الرِّعَايَة بِالْخِلَافِ فِي الْجَوَاز وَعَدَمه

قَوْله من مَاتَت وَفِي بَطنهَا ولد يَتَحَرَّك أخرجته القوابل فَإِن عجزن تركنه قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح فِي الْمَرْأَة تَمُوت وَفِي بَطنهَا صبي حَيّ يشق عَنْهَا قَالَ لَا يشق عَنْهَا إِذا أَرَادَ أَن يُخرجهُ أخرجه وَقيل يشق بَطنهَا إِذا ظن خُرُوجه حَيا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَعَن مَالك رِوَايَتَانِ فعلى الأول يدْخل النِّسَاء أَيْدِيهنَّ فيخرجنه إِذا طمعن فِي حَيَاته فَإِن عجزن أَو عدمن فَاخْتَارَ ابْن هُبَيْرَة أَنه يشق بَطنهَا وَيخرج الْوَلَد وَقَالَ صَالح فِي مسَائِله وَسَأَلته عَن الْمَرْأَة تَمُوت وَفِي بَطنهَا ولد قَالَ إِذا لم يقدر النِّسَاء فليسنوا عَلَيْهَا رجلا يُخرجهُ وَقَالَ بَعضهم هَل يفعل الرِّجَال ذَلِك على رِوَايَتَيْنِ قَالَ ابْن تَمِيم وَيَنْبَغِي وَظَاهر كَلَام غَيره أَنه يجب أَن يكون من ذَوي أرحامها فَإِن لم يخرج لم يدْفن مَا دَامَ حَيا وَلَو خرج بعض الْوَلَد وَمَات أخرج إِن أمكن وَغسل وَإِلَّا غسل على حَاله وَلَا يحْتَاج إِلَى تيَمّم لما بَقِي لِأَنَّهُ فِي حكم الْبَاطِن قطع بِهِ بَعضهم وَفِيه احْتِمَال قَوْله وَتسن التَّعْزِيَة قبل الدّفن وَبعده أطلق الِاسْتِحْبَاب بعده وَلَيْسَ هُوَ على ظَاهره وَإِنَّمَا أَرَادَ الْإِشَارَة إِلَى مَذْهَب أبي حنيفَة فَإِن عِنْده لايسن بعد الدّفن لِأَنَّهُ خَاتِمَة أمره قَالَ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَإِلَى مَتى يَمْتَد وَقت التَّعْزِيَة لم أجد فِيهِ كلَاما لِأَصْحَابِنَا وَذكر أَصْحَاب الشَّافِعِي أَن وَقتهَا يَمْتَد إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا تَعْزِيَة بعْدهَا لِأَنَّهَا فِي حد الْقلَّة وَقد أذن الشَّارِع فِي الْإِحْدَاد فِيهَا ثمَّ ذكر

أَحَادِيث ذَلِك ثمَّ قَالَ وَهَذَا يدل على أَن مَا يهجره الْمُصَاب من حسن الثِّيَاب والزينة لابأس بِهِ مُدَّة الثَّلَاث وَقَالَ فِي مَسْأَلَة كَرَاهَة الْجُلُوس للتعزية وَعِنْدِي أَن جُلُوس أهل الْمُصِيبَة من الرِّجَال وَالنِّسَاء بِالنَّهَارِ فِي مَكَان مَعْلُوم ليأتيهم من يعزيهم مُدَّة الثَّلَاث لَا بَأْس بِهِ انْتهى كَلَامه وَقد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة جمَاعَة مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب أَنه تسْتَحب التَّعْزِيَة إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام وَقَالَ أَبُو الْفرج الشِّيرَازِيّ الْمَقْدِسِي وَيكرهُ فِيمَا زَاد عَلَيْهَا لِأَنَّهُ تَجْدِيد للمصيبة وَقطع بِهِ الْآمِدِيّ وَابْن شهَاب العكبرى وَابْن تَمِيم وَغَيرهم وَقَول المُصَنّف أهل الْمُصِيبَة أَعم من أهل الْمَيِّت فيعزى الْإِنْسَان فِي رَفِيقه وَصديقه وَنَحْوهمَا كَمَا يعزى فِي قَرِيبه وَهَذَا مُتَوَجّه وَقطع بِهِ ابْن عبد الْقوي فِي كِتَابَة مجمع الْبَحْرين مذهبا لِأَحْمَد لاتفقها من عِنْده وَقَول الْأَصْحَاب أهل الْمَيِّت خرج مخرج الْغَالِب وَلَعَلَّ مُرَادهم أهل الْمُصِيبَة وَلم يحد جمَاعَة من الْأَصْحَاب مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين اسْتِحْبَاب التَّعْزِيَة بِثَلَاث وَإِطْلَاق كَلَامهم يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَاب بعد الثَّلَاث وَهُوَ ظَاهر الْأَخْبَار وَلِأَن الْقَصْد تَسْلِيَة أهل الْمُصِيبَة وَالدُّعَاء لَهُم ولميتهم وَهَذَا الْمَعْنى تستوي فِيهِ الثَّلَاث وَغَيرهَا وَالتَّعْلِيل بتحديد الْمُصِيبَة مُنَاسبَة مُرْسلَة لَيْسَ لَهَا أصل فَلَا تقبل على أَن هَذَا الْمَعْنى مَوْجُود فِي الثَّلَاث وَقد حَده بعض الْأَصْحَاب بِيَوْم الدّفن وَفِيه أَيْضا ضعف وَقَالَ ابْن عبد الْقوي فَإِن كَانَ المعزى غَائِبا فَلَا بَأْس بهَا وَلَو بعد الثَّلَاث مالم تنس الْمُصِيبَة لِأَن فِيهِ جبر قلب الْأَخ الْمُسلم وتسليته عَمَّا لم ينسه من مَعْذُور فِي تَأَخره وَلَا بَأْس بالتعزية بالمكاتبة للبعيد لذَلِك انْتهى كَلَامه

قَوْله وَمن تطوع بقربة وَأهْدى ثَوَابهَا للْمَيت الْمُسلم نَفعه ذَلِك ظَاهره أَنه لَو أهْدى ثَوَاب فرض أَو أهْدى إِلَى حَيّ لَا يَنْفَعهُ ذَلِك وَذكر القَاضِي وَغَيره فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ خلافًا وَتَبعهُ المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة وَغَيره وَلَو نوى بالقربة الْمَيِّت ابْتِدَاء فَهَل يَكْفِي ذَلِك فِي حُصُول ثَوَابهَا أم لَا بُد من إهدائه فِي كَلَام المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة إِشْعَار بالأمرين وَيُؤْخَذ ذَلِك من كَلَام غَيره أَيْضا وَالْأَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب ظَاهرهَا مُخْتَلف أَيْضا وَقد قَالَ ابْن عقيل فِيمَا يَفْعَله النَّائِب عَن المستنيب فِي الْحَج وَاجِبا كَانَ أَو تَطَوّعا مِمَّا لم يُؤمر بِهِ مثل أَن يُؤمر بِحَجّ فَيَعْتَمِر أَو بِعُمْرَة فيحج يَقع عَن الْمَيِّت لِأَنَّهُ يَصح عَنهُ من غير إِذْنه قَالَ وَذَلِكَ أَن الْمَيِّت عزى إِلَيْهِ الْعِبَادَة عِنْدَمَا وَقعت عَنهُ وَلَا يحْتَاج إِلَى إِذن والحي بِخِلَافِهِ وَذَلِكَ لِأَن الْحَيّ قَادر على الِاكْتِسَاب وَالْمَيِّت بِخِلَافِهِ وَيصير كَأَنَّهُ مهدى إِلَى الْمَيِّت ثَوَابهَا انْتهى كَلَامه وَفِي كَلَام القَاضِي إِذا جَازَ أَن تقع أَفعاله الَّتِي فعلهَا بِنَفسِهِ عَن غَيره وَهُوَ الْحَج وَالصَّدَََقَة جَازَ أَن يَقع الثَّوَاب لغيره لِأَن الثَّوَاب تبع للْفِعْل فَإِذا جَازَ أَن يَقع الْمَتْبُوع لغيره جَازَ أَن يَقع التبع قَالَ وَاحْتج بَعضهم بِأَن الصَّلَاة وَالصِّيَام وَقِرَاءَة الْقُرْآن مِمَّا لَا مدْخل لِلْمَالِ فِيهِ فَلَا يَصح أَن يَفْعَله عَن غَيره كَصَلَاة الْفَرْض وَصَوْم الْفَرْض قَالَ وَالْجَوَاب أَنا نقُول بِمُوجبِه وَأَنه لَا يَفْعَله عَن غَيره وَإِنَّمَا يَقع ثَوَابه عَن غَيره وَهَذَا ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي إِذا دَخَلْتُم الْمَقَابِر فاقرءوا آيَة الْكُرْسِيّ وَقل هُوَ الله أحد ثمَّ قُولُوا اللَّهُمَّ إِن فَضله لأهل الْمَقَابِر يَعْنِي ثَوَابه

وَإِذا ثَبت هَذَا لم يكن فرق بَين الأَصْل وَالْفَرْض بل نقُول لَو صلى صَلَاة مَفْرُوضَة وَأهْدى ثَوَابهَا لِأَبَوَيْهِ صحت الْهَدِيَّة فَإِن قيل هَذَا خلاف الْأُصُول لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى أَن يعرى عمله عَن ثَوَاب وَأَنه يحصل لمن لم يعْمل ثَوَاب عمل لم يعمله قيل قَوْلك إِنَّه يُفْضِي إِلَى أَن يعرى عمله عَن ثَوَاب غير مُمْتَنع كَمَا قُلْتُمْ إِذا صلى فِي دَار غصب أَو امْتنع من أَدَاء الزَّكَاة وَأَخذهَا الإِمَام قهرا وقولك إِنَّه يحصل للْغَيْر ثَوَاب مَا لم يعْمل فَغير مُمْتَنع كثواب الاسْتِغْفَار فَإِنَّهُ يحصل للمستغفر لَهُ وَإِن لم يُوجد مِنْهُ عمل وَإِنَّمَا وجد الْعَمَل من المستغفر وَمَعْلُوم أَن المستغفر يسْتَحق الثَّوَاب على ذَلِك لِأَنَّهُ مَنْدُوب إِلَيْهِ بقوله تَعَالَى {وَالَّذين جاؤوا من بعدهمْ يَقُولُونَ رَبنَا اغْفِر لنا وَلِإِخْوَانِنَا} وَقد قيل فِيهِ جَوَاب آخر وَهُوَ أَن الثَّوَاب يحصل لَهما لِلْعَامِلِ وللمهدى إِلَيْهِ فيضاعف الله لِلْعَامِلِ الثَّوَاب عِنْد وجود الْهَدِيَّة كَمَا يُضَاعف ثَوَاب من يُصَلِّي فِي جمَاعَة على من يُصَلِّي فُرَادَى فينقسم بَينهمَا ويؤكده قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فطر صَائِما فَلهُ مثل أجره فَجعل الْأجر لَهما انْتهى كَلَامه وَالْأولَى أَن يُقَال الْمهْدي ينْقل ثَوَاب عمله إِلَى الْمهْدي اليه وللمهدي الْأجر على هَذَا الْإِحْسَان وَالصَّدَََقَة والهدية وَلَا يلْزم أَن يكون مثل ثَوَاب عمله إِلَّا أَن يَصح مَا رَوَاهُ حَرْب فِي مسَائِله بِإِسْنَادِهِ عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن عَمْرو بن شُعَيْب

عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ مَا على أحدكُم إِذا أَرَادَ أَن يتَصَدَّق بِصَدقَة تَطَوّعا أَن يَجْعَلهَا عَن وَالِديهِ إِذا كَانَا مُسلمين فَيكون لوَالِديهِ أجرهَا وَله مثل أجورهما من غير أَن ينقص من أجورهما شَيْئا وَقَوله فِي الْمُحَرر وَأهْدى ثَوَابهَا وَكَذَا لَو أهْدى بعضه كنصفه وَثلثه وَنَحْو ذَلِك وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد يعايى بهَا فَيُقَال ايْنَ لنا مَوضِع تصح فِيهِ الْهَدِيَّة مَعَ جَهَالَة الْمهْدي قَالَ القَاضِي أما دَعْوَى جهالته فلاتتم إِذا كَانَت مَعْلُومَة عِنْد الله تَعَالَى كمن وكل رجلا فِي أَن يهدي شَيْئا من مَاله لَا يعرفهُ الْمهْدي ويعرفه الْوَكِيل صَحَّ وَهل يسْتَحبّ إهداء الْقرب أم لَا قَالَ القَاضِي فَإِن قيل فَإِذا كَانَ الثَّوَاب يصل وَالْإِحْسَان مَنْدُوب إِلَيْهِ فَلم كره أَحْمد أَن يخرج من الصَّفّ الأول ليؤثر أَبَاهُ بِهِ وَهِي فَضِيلَة آثر أَبَاهُ بهَا وَقد نقل أَبُو الْفرج بن الصَّباح البرزاطي قَالَ قلت لِأَحْمَد يخرج الرجل من الصَّفّ الأول وَيقدم أَبَاهُ فِي مَوْضِعه فَقَالَ مَا يُعجبنِي هُوَ يقدر أَن يبر أَبَاهُ بِغَيْر هَذَا قيل وَقد نقل عَن أَحْمد مَا يدل على نفي الْكَرَاهَة فَقَالَ أَبُو بكر بن حَمَّاد الْمقري إِن الرجل يَأْمُرهُ وَالِده بِأَن يُؤَخر الصَّلَاة ليُصَلِّي بِهِ قَالَ يؤخرها فقد أمره بِطَاعَة أَبِيه بِتَأْخِير الصَّلَاة وَترك فَضِيلَة أول الْوَقْت الْوَجْه فِيهِ أَنه قد ندب إِلَى طَاعَة أَبِيه فِي ترك صَوْم النَّفْل وَصلَاته وَإِن كَانَ ذَلِك قربَة وَطَاعَة وَقد قَالَ فِي رِوَايَة هَارُون بن عبد الله فِي غُلَام يَصُوم إِذا نهياه وَقَالَ الشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي بن المنجي فِي بحث الْمَسْأَلَة فَإِن قيل الإيثار بالفضائل وَالدّين غير جَائِز عنْدكُمْ كالإيثار بِالْقيامِ فِي الصَّفّ الأول ثمَّ ذكر نَحْو كَلَام القَاضِي وَهَذَا مِنْهُمَا تَسْوِيَة بَين نقل الثَّوَاب بعد ثُبُوته واستحقاقه وَبَين نقل سَبَب الثَّوَاب قبل فعله وَلَا يَخْلُو من نظر

وَالْمَشْهُور كَرَاهَة إِيثَار الْإِنْسَان بِالْمَكَانِ الْفَاضِل إِذا لم ينْتَقل إِلَى مثل ثَوَابه مَكَانَهُ بالسواء لِأَنَّهُ يُؤثر على نَفسه فِي الدّين وَذكر ابْن عقيل فِي الْفُصُول أَنه لَا يجوز وَقيل لَا يكره وَإِلَّا كره وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي فَتَاوِيهِ أَنه لم يكن من عادات السّلف إهداء ثَوَاب ذَلِك إِلَى موتى الْمُسلمين بل كَانَ عَادَتهم أَنهم كَانُوا يعْبدُونَ الله بأنواع الْعِبَادَات الْمَشْرُوعَة فَرضهَا ونفلها وَكَانُوا يدعونَ للْمُؤْمِنين وَالْمُؤْمِنَات كَمَا أَمر الله بذلك يدعونَ لأحيائهم وأمواتهم فَلَا يَنْبَغِي للنَّاس أَن يعدلُوا عَن طَرِيق السّلف فَإِنَّهُ أفضل وأكمل انْتهى قَوْله وَيكرهُ الْمَشْي فِي الْمقْبرَة بنعلين إِلَّا من عذر نَص على ذَلِك وَعنهُ لَا يكره وَلَا يسْتَحبّ الْخلْع كَقَوْلِه الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَظَاهر كَلَامه بالتمشك وَنَحْوه وَفِيه وَجْهَان أَحدهمَا يكره كالنعل لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَلَا يشق خلعه بِخِلَاف الْخُف وَالثَّانِي لَا يكره اخْتَارَهُ القَاضِي وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب قصرا للْحكم على مورد النَّص وَهُوَ حَدِيث بشير بن الخصاصية ورد فِي النِّعَال السبتية وَهُوَ عُمْدَة الْمَسْأَلَة وَعَلِيهِ اعْتمد الْأَصْحَاب وَالْإِمَام وَقطع ابْن تَمِيم وَابْن حمدَان بِأَنَّهُ لَا يكره بالنعال وَهَذَا غَرِيب ضَعِيف وَهُوَ مُخَالف للخير وَالْمذهب قَوْله وَيكرهُ الْجُلُوس والاتكاء على الْقُبُور قطع المُصَنّف فِي شرح الْهِدَايَة بِالتَّحْرِيمِ إِن كَانَ لقَضَاء حَاجَة وَظَاهر كَلَامه هُنَا أَنه لَا فرق وَترْجم القَاضِي فِي الْخلاف الْمَسْأَلَة

بِالْكَرَاهَةِ كَمَا ذكر غَيره وَقَالَ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل فَقَالَ الْقعُود على الْقُبُور والْحَدِيث عِنْدهَا والتغوط بَين الْقُبُور كل ذَلِك مَكْرُوه قَالَ وَكَذَلِكَ نقل أَبُو طَالب وَقَالَ فِي بحث الْمَسْأَلَة وَلِأَن فِي الْجُلُوس عَلَيْهِ اسْتِخْفَافًا بِحقِّهِ واستهانة بِهِ وَهَذَا لَا يجوز وَقد عرف أَن لِأَصْحَابِنَا وَجْهَيْن فِي الْكَرَاهَة فِي كَلَام الإِمَام أَحْمد التَّحْرِيم وَكَرَاهَة التَّنْزِيه وَقَالَ الشريف فِي بحث الْمَسْأَلَة بعد أَن ذكر الْكَرَاهَة لِأَن فِي ذَلِك اسْتِخْفَافًا بِصَاحِبِهِ واستهانة بِهِ أشبه مَا إِذا قعد عَلَيْهِ للبول قَوْله وتستحب زِيَارَة الْقُبُور للرِّجَال ذكره بَعضهم إِجْمَاعًا وَهُوَ أَبُو زَكَرِيَّا النَّوَوِيّ وَحكى بَعضهم عَن طَائِفَة كَرَاهَته قَالَ المُصَنّف وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ أَنَّهَا جَائِزَة لَا اسْتِحْبَاب فِيهَا لِأَنَّهُ قَالَ وَلَا بَأْس أَن يزور الرِّجَال الْمَقَابِر وَكَذَا حكى أَبُو الْمَعَالِي عَن الْخرقِيّ أَنه مُبَاح لَا بَأْس بِهِ وَكَذَا عبارَة الْحلْوانِي وَفِي الْعُمْدَة لِأَن الْأَمر بهَا أَمر بعد حظر وَالْمَشْهُور عندنَا أَنه للاباحة وَمن حمله على النّدب فلقرينة تذكر الْمَوْت أَو الْأَمر فِيهِ وَحكى أَبُو الْمَعَالِي عَن مَالك أَنه يكره وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَا يكره الْإِكْثَار من زِيَارَة الْمَوْتَى وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَيكرهُ الْإِكْثَار من زِيَارَة قُبُور الْمَوْتَى والاجتماع عِنْدهَا وَالسّفر إِلَيْهَا وَحُضُور الْقَاص لَهَا

- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كتاب الْبيُوع قَوْله ينْعَقد البيع بِالْإِيجَابِ وَالْقَبُول فَيَقُول البَائِع بِعْتُك أَو مَلكتك وَنَحْوهمَا وَيَقُول المُشْتَرِي ابتعت أَو قبلت وَنَحْوهمَا وَذكر القَاضِي فِي التَّعْلِيق رِوَايَة أَنه عبارَة عَن بِعْت واشتريت وحكاها فَخر الدّين وللشافعية وَجْهَان فَإِن كَانَ الْقبُول بِلَفْظ الْمُضَارع مثل أَن يَقُول بِعْتُك فَيَقُول أَنا آخذه بذلك لم يَصح نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنى فِي رجل قَالَ لرجل قد بِعْتُك هَذَا العَبْد بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ لَهُ الآخر أَنا آخذه قَالَ لَا يكون بيعا حَتَّى يَقُول قد أَخَذته وسيأتى ذَلِك فِي قَوْله وَلَو تقدم عَلَيْهِ فِي النِّكَاح مَا يتَعَلَّق بِهَذَا وَنَصّ فِي رِوَايَة أَحْمد بن الْقَاسِم فِيمَن قيل لَهُ بكم هَذَا الثَّوْب قَالَ بِعشْرَة دَرَاهِم فَيَقُول المُشْتَرِي قد قبلت أَنه يَكْفِي وَلَا يحْتَاج بعد هَذَا إِلَى كَلَام آخر قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد نَص على أَن قَوْله هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة دَرَاهِم

إِيجَاب وَإِن لم يلفظ بِمَا اشتق من الْمَبِيع وَلَا بِصِيغَة انْتِقَال إِلَى المُشْتَرِي وَقَوله هَذَا بِعشْرَة دَرَاهِم جملَة اسمية لَا فعلية مَعَ احْتِمَاله لِمَعْنى السّوم وَقد نَص على أَن الْقبُول بِصِيغَة الْمُضَارع لَا يَصح انْتهى كَلَامه وَقد ذكر الْجوزجَاني إِذا قَالَ بكم قَالَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ الآخر قد أَخَذته فَهُوَ بيع تَامّ لحَدِيث بكر بن عَمْرو قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفرج فَإِن قَالَ لَهُ بكم تبيع هَذَا فَقَالَ بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ شل يدك واتزن الثّمن لم يكن ذَلِك إِيجَابا وَلَا قبولا وَقَالَ مَالك يكون إِيجَابا وقبولا وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يكون ذَلِك إِيجَابا وقبولا فِيمَا قرب من البضائع كالشيء الْيَسِير وَيسْقط اعْتِبَار الْإِيجَاب وَالْقَبُول فِي هَذِه الْأَشْيَاء للْمَشَقَّة انْتهى كَلَامه وَقَالَ حَرْب سَأَلت أَحْمد عَن بيع عيدَان الْمَعَادِن قَالَ إِذا كَانَ شَيْئا ظَاهرا يرى يَقُول أبيعك هَذَا فَلَا بَأْس قيل لَهُ إِنَّمَا هُوَ جَوْهَر غَائِب فِي الأَرْض فَلم يرخص فِيهِ وَظَاهر هَذَا أَنه إِيجَاب بِلَفْظ الْمُضَارع وَنَصّ أَحْمد فِي مسَائِل مثل هَذَا فَإِن عقد البيع بلغته صَحَّ إِذا عرف مقتضاها ذكره ابْن الْجَوْزِيّ وَظَاهره أَنه لَا يَصح إِذا لم يعرف مقتضاها وبنبغي أَن تكون كنظيرتها فِي الطَّلَاق إِن لم ينْو مقتضاها لم يَصح وَإِن نوى خرج على الْوَجْهَيْنِ قَوْله وَإِن تقدم عَلَيْهِ فعلى رِوَايَتَيْنِ يَعْنِي إِن تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه أَنه لَا يَصح قَالَ وَهِي الرِّوَايَة الْمَشْهُورَة وَاخْتَارَهُ أَبُو بكر وَغَيره وَذكر ابْن هيبرة أَنَّهَا أشهرهما عَن الإِمَام أَحْمد وَمِمَّا احْتج بِهِ أَبُو الْحُسَيْن

بِأَن الْقبُول تقدم الْإِيجَاب فِي عقد يلْحقهُ الْفَسْخ لم يَصح دَلِيله لَو تَأَخّر الْإِيجَاب عَن الْقبُول سَاعَة وهما فِي الْمجْلس وَهُوَ معنى كَلَام أبي الْفرج وَقطع فِي المغنى وَالْكَافِي بِالصِّحَّةِ فِيمَا إِذا تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي كَقَوْل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَقدم الصِّحَّة فِيمَا إِذا تقدم بِلَفْظ الْأَمر خلافًا لأبي حنيفَة وَاخْتَارَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصِّحَّة وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه لَو قَالَ بِعني عَبدك على أَن على ألفا أَن فِيهِ الْخلاف وَذكر القَاضِي فِي الْجَامِع أَنه لَا يَصح وَقَالَ ابْن عقيل إِذا قَالَ يَعْنِي عَبدك هَذَا وَلَك ألف فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله يَعْنِي عَبدك بِأَلف فَإِذا قَالَ بِعْتُك صَحَّ فيهمَا وَلزِمَ الْعِوَض إِذا قُلْنَا بِتَقْدِيم الْقبُول على الْإِيجَاب وَذكر القَاضِي فِي ضمن جعل الدّين صَدَاقا فِي قَوْله بِعْتُك بِكَذَا أَو على كَذَا وزوجتك بِكَذَا أَو على كَذَا قَالَ القَاضِي على بعض الْبَدَل كَمَا إِذا قَالَ أجرتك على عشرَة دَرَاهِم اقْتضى أَن يكون بَدَلا ذكره مَحل وفَاق فَأَما إِن كَانَ بِلَفْظ الِاسْتِفْهَام كَقَوْلِه أبعتني هَذَا بِكَذَا أَو أتبيعني هَذَا بِكَذَا أَو أتبيعني هَذَا بِهِ لم يَصح نَص عَلَيْهِ حَتَّى يَقُول بعده اشْتريت أَو شبهه وَهَذَا قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلم أجد فِيهِ خلافًا فَإِن قَالَ البَائِع للْمُشْتَرِي اشتره بِكَذَا أَو ابتعه بِكَذَا فَقَالَ هُوَ اشْتَرَيْته أَو أبتعته لم يَصح حَتَّى يَقُول البَائِع بعده بِعْتُك أَو نَحوه قطع بِهِ فِي الرِّعَايَة لِأَن طلب المُشْتَرِي قد يقوم مقَام قبُوله لدلالته على رِضَاهُ وَأمر البَائِع بِالشِّرَاءِ لم يوضع للْإِيجَاب وَلَا للبدل وَهَذَا فِيهِ نظر ظَاهر وَالْأولَى أَن يكون كتقدم الطّلب على المُشْتَرِي لِأَنَّهُ دَال على الْإِيجَاب وَالْبدل وللشافعية وَجْهَان وَلَو تَأَخّر الطّلب من المُشْتَرِي لم يَصح قولا وَاحِدًا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا كَانَ الْمَبِيع عينا من الطَّرفَيْنِ فكلاهما مُوجب

قَابل فَيَنْبَغِي أَن يقدم أَحدهمَا على الآخر كالعكس لَكِن لَو قَالَ أَحدهمَا ابتعت هَذَا العَبْد بِهَذَا أَو قَالَ بِعني كَانَ تقدما على ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا مَعَ أَن الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا عَن أَحْمد لَيْسَ فِيهَا إِلَّا إِذا تقدم بِلَفْظ الطّلب والاستدعاء وَلَا يلْزم من الْمَنْع هُنَا الْمَنْع إِذا كَانَ بِلَفْظ الْخَبَر مثل قَوْله اشْتريت وابتعت قَالَ وَأما إِذا كَانَ دينا بِعَين وَهُوَ السّلم فَهُنَا الْمَعْرُوف أَن يَقُول أسلمت إِلَيْك هَذِه الْمِائَة فِي وسق حِنْطَة أَو أسلمت إِلَيْك مائَة فِي وسق حِنْطَة فَيَقُول قبلت فيقدمون لفظ المسلف ويجعلونه بِمَنْزِلَة الْمُوجب والمستسلف بِمَنْزِلَة الْقَابِل لِأَن المسلف هُوَ الَّذِي يقدم الْعين فَصَارَ بِمَنْزِلَة البَائِع وَإِن كَانَ فِي الْمَعْنى المستسلف هُوَ البَائِع فَلَو تقدم قَول المستسلف بِصِيغَة البيع مثل أَن يَقُول بِعْتُك وسق حِنْطَة بِعشْرَة دَرَاهِم فَهَذَا جَار على التَّرْتِيب لكنه بِلَفْظ البيع وَلَو قَالَ الْمُسلم اشْتريت مِنْك وسق حِنْطَة بِعشْرَة دَرَاهِم فَقَالَ بِعْت فقد اسْتَويَا من جِهَة أَن السّلف تقدم قبُوله لَكِن هُنَاكَ جَاءَ بِلَفْظ الْقبُول وَهُوَ اشْتريت وَهنا جَاءَ بِلَفْظ إِيجَاب وَهُوَ أسلمت فَهُنَا يَجِيء أَربع مسَائِل لِأَن التَّرْتِيب بِلَفْظ السّلم غير التَّرْتِيب بِلَفْظ البيع وَيجوز أَن يقارن الْقبُول الْإِيجَاب إِذا تولاهما وَاحِد فِي مثل قَوْله جعلت عتقك صداقك وَقَول الْوَلِيّ تزوجت فُلَانَة وَنَحْو ذَلِك ذكره غير وَاحِد من الْأَصْحَاب لِأَن الْجُمْلَة الْوَاحِدَة تَضَمَّنت جملتي الْقبُول والإيجاب فَيكون اشْتِرَاط تقدم الْإِيجَاب على الْقبُول حَيْثُ افْتقر إِلَى جملتين وَلَو قَالَ إِن بعتني عَبدك هَذَا فلك عَليّ ألف فَقَالَ بِعْتُك لم يَصح البيع بِخِلَاف الْخلْع لِأَن البيع يفْتَقر إِلَى استدعاء تمْلِيك وَالْخلْع لَا يفْتَقر إِلَى استدعاء تمْلِيك لِأَن ملكه يَزُول عَنْهَا بِغَيْر رِضَاهَا ذكره القَاضِي فِي الْجَامِع والمجرد

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ومضمونه أَن تقدم الْقبُول بِصِيغَة الشَّرْط لَا يَصح الْبَتَّةَ قَوْله وَلَو تقدم عَلَيْهِ فِي النِّكَاح لم يَصح رِوَايَة وَاحِدَة سَوَاء كَانَ بِلَفْظ الْمَاضِي مثل تزوجت ابْنَتك فَيَقُول زوجتكها وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي وَغَيره وَنَصّ أَحْمد فِي رِوَايَة عَليّ بن سعيد على التَّفْرِقَة بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَبَين البيع فَقَالَ النِّكَاح أَشد وَحكى الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه احْتِمَالا أَنه يَصح سَوَاء تقدم بِلَفْظ الْمَاضِي أَو الطّلب وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَاحْتج لعدم الصِّحَّة هُوَ وَغَيره بِأَنَّهُ لَو أَتَى بالصيغة الْمَشْرُوعَة مُتَقَدّمَة فَقَالَ قبلت هَذَا النِّكَاح فَقَالَ الْوَلِيّ زَوجتك ابْنَتي لم يَصح فَلِأَن لَا يَصح إِذا أَتَى بغَيْرهَا أولى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَذكر أَبُو الْخطاب أَن تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب لَا يضر فِي النِّكَاح مثل أَن يَقُول تزوجت فَيَقُول زَوجتك صرح بِهِ فِي مَسْأَلَة النِّكَاح الْمَوْقُوف قَالَ وَكَذَا ذكر أَبُو حَفْص العكبري يَعْنِي فِي كتاب الْخلاف لَهُ بَين مَالك وَأحمد وَقَالَ أَيْضا وَاشْترط تقدم الْإِيجَاب على الْقبُول فِيمَا إِذا كَانَ أحد الْمُتَعَاقدين مُوجبا وَالْآخر قَابلا سَوَاء أوجب فِي امْرَأَة أَو امْرَأتَيْنِ فَأَما إِن كَانَ كل مِنْهُمَا مُوجبا قَابلا مثل مَسْأَلَة الشّغَار إِذا صححناه إِذا قَالَ أَحدهمَا زَوجتك ابْنَتي على أَن تزَوجنِي ابْنَتك فقد أَتَى بِالْقبُولِ بِصِيغَة الْمُضَارع المقترن بِأَن وَقد ذكر هَذَا القَاضِي وَغَيره وَإِن تقدم لفظ الْقبُول فيهمَا بِأَن يَقُول زَوجنِي ابْنَتك على أَن أزَوجك ابْنَتي أَو زَوجنِي بنتك

وأزوجك بِنْتي فَهَذَا قد ذكره الإِمَام أَحْمد لَكِن كَلَامه مُحْتَمل للخطبة وَالْعقد فَقِيَاس قَوْلنَا أَن لَا يَصح هُنَا حَتَّى يَقُول ذَلِك قد زَوجتك ثمَّ يَقُول الأول قبلت لِأَنَّهُ جعل الْقبُول أصلا والإيجاب تبعا وَجعل الْإِيجَاب بِلَفْظَة المضارعة الْمُسْتَقْبلَة وَمن جوز تقدم الْقبُول على الْإِيجَاب صَححهُ قَوْله وَإِن ترَاخى عَنهُ صَحَّ مَا داما فِي الْمجْلس وَلم يتشاغلا بِمَا يقطعهُ وَإِلَّا فَلَا يَصح قَالَ فِي الرِّعَايَة مِمَّا يقطعهُ عرفا يَعْنِي وَالله أعلم بِكَلَام أَجْنَبِي أَو سكُوت طَوِيل عرفا وَنَحْو ذَلِك قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لِأَن العقد إِذا تمّ بِالْقبُولِ فَلم يتم مَعَ تباعده عَنهُ كالاستثناء وَالشّرط وَخبر الْمُبْتَدَأ الَّذِي لَا يتم الْكَلَام إِلَّا بِهِ وقاسه القَاضِي على خِيَار الْمُجبرَة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي أثْنَاء كَلَامه فِي اشْتِرَاط الِاتِّصَال قَالَ وَأما فِي الْمُوَالَاة وَهُوَ الِاتِّصَال فإمَّا فِي كَلَام وَاحِد كالأيمان وَالنُّذُور وَالطَّلَاق وَالْعِتْق وفيهَا الرِّوَايَتَانِ فِي الْأَيْمَان وَالطَّلَاق وهما فِي الْعُقُود أولى هَذَا كَلَامه وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع آخر وَالظَّاهِر أَنه من كَلَام أبي حَفْص العكبري لِأَنَّهُ يعلم لَهُ ك وَفِي الْموضع علم لَهُ ك إِذا قَالَ بِعْت أَو زوجت وَنَحْوهمَا وَطَالَ الْفَصْل قبل الْقبُول ثمَّ قَالَ البَائِع أَلا تقبل مني هَذَا البيع اقبله مني فَقَالَ قبلت فأفتيت بانعقاد البيع وَكَذَلِكَ لَو قَالَ إِن أبرأتني هَذِه السَّاعَة من صداقك فَأَنت طَالِق فَقَالَت مَا أبريك ثمَّ سكتوا زَمَانا ثمَّ قَالَ بل ابريني فَقَالَت أَبْرَأتك أَفْتيت بِوُقُوع الطَّلَاق لِأَن هَذِه الصِّيَغ متضمنة

الطّلب لِأَن كل وَاحِد من الْمُتَعَاقدين طَالب من الآخر مَقْصُوده فَمَتَى تكلم بِصِيغَة العقد وَطَالَ الْفَصْل ثمَّ طلب مَقْصُوده الَّذِي طلبه أَولا طلبا ثَانِيًا كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَة ابْتِدَائه الطّلب حِينَئِذٍ وَكَانَ ترك ذكره للعوض الآخر من بَاب الْمَحْذُوف الْمَدْلُول عَلَيْهِ وَيُمكن أَن تبنى هَذِه الْمَسْأَلَة على الشَّرْط الْمُتَقَدّم على العقد هَل هُوَ بِمَنْزِلَة الْمُقَارن وَهَذَا بِنَاء صَحِيح قَوْله وَعنهُ يَصح فِي النِّكَاح وَلَو بعد الْمجْلس قَالَ القَاضِي قد علق القَوْل فِي رِوَايَة أبي طَالب فِي رجل مَشى إِلَيْهِ قوم فَقَالُوا زوج فلَانا فَقَالَ قد زَوجته على ألف فَرَجَعُوا إِلَى الزَّوْج فأخبروه فَقَالَ قد قبلت هَل يكون هَذَا نِكَاحا قَالَ نعم قَالَ وَظَاهر هَذَا أَنه حكم بِصِحَّتِهِ بعد التَّفَرُّق عَن مجْلِس العقد قَالَ وَهَذَا مَحْمُول على أَنه قد كَانَ وكل من قبل العقد عَنهُ ثمَّ أخبر بذلك فأمضاه وَقَالَ أَبُو بكر فِي كتاب الْمقنع مَسْأَلَة أبي طَالب متوجهة على قَوْلَيْنِ أَحدهمَا لَا يجوز بِاتِّفَاق الْوَلِيّ وَالزَّوْج وَالشُّهُود فِي مجْلِس وَاحِد قَالَ وعَلى ظَاهر مَسْأَلَة أبي طَالب يجوز وبالأول أَقُول وَقَالَ ابْن عقيل وَهَذَا يعْطى أَن النِّكَاح الْمَوْقُوف صَحِيح وَشَيخنَا حمل الْمَسْأَلَة على أَنه وكل ذَلِك فِي قبُوله وَلَا وَجه لترك ظَاهر كَلَام الرجل وَالرِّوَايَة ظَاهِرَة وَلَا يتْرك ظَاهرهَا بِغَيْر دلَالَة من كَلَامه فِيهَا لَا فِي غَيرهَا لأَنا لَو صرفنَا رِوَايَة عَن ظَاهرهَا بِرِوَايَة لم يبْق لنا فِي الْمَذْهَب رِوَايَتَانِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد أحسن ابْن عقيل وَهُوَ طَريقَة أبي بكر فَإِن هَذَا لَيْسَ تراخيا للقبول عَن الْمجْلس وَإِنَّمَا هُوَ تراخ للاجازة وَالْعقد انْعَقَد بقوله زوجت فلَانا فَيكون قد تولى وَاحِد طرفِي العقد وَإِن كَانَ فِي أَحدهمَا

فضوليا لَا سِيمَا إِن جعل قَول أُولَئِكَ لَهُ زوج فلَانا قبولا مِنْهُم مُتَقَدما هم فِيهِ فضوليون قَالَ وَيجوز أَن يُقَال إِن الْعَاقِد الآخر إِن كَانَ حَاضرا اعْتبر قبُوله وَإِن كَانَ غَائِبا جَازَ تراخي الْقبُول عَن الْمجْلس كَمَا قُلْنَا فِي ولَايَة الْقَضَاء مَعَ أَن أَصْحَابنَا قد قَالُوا فِي الْوكَالَة إِنَّه يجوز قبُولهَا على الْفَوْر والتراخي وَفِي ولَايَة الْقَضَاء فرقوا بَين حُضُور الْمولى وغيبته وَإِنَّمَا الْولَايَة نوع من جنس الْوكَالَة وَقَالَ أَيْضا مَسْأَلَة أبي طَالب وَكَلَام أبي بكر فِيمَا إِذا لم يكن الزَّوْج حَاضرا فِي مجْلِس الْإِيجَاب وَهَذَا أحسن أما إِذا تفَرقا عَن مجْلِس الْإِيجَاب فَلَيْسَ فِي كَلَام أَحْمد وَأبي بكر مَا يدل على ذَلِك وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمُجَرّد انْتهى كَلَامه وَهَذَا مُوَافق لما ذكره الشريف أَبُو جَعْفَر فَإِنَّهُ قَالَ إِذا قَالَ الْوَلِيّ اشْهَدُوا أَنِّي قد زوجت ابْنَتي من فلَان فَبلغ ذَلِك فلَانا لم يَصح وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف يَصح وَعَن أَحْمد مثله دليلنا أَن الْقبُول وجد فِي غير مجْلِس الْإِيجَاب فَلَا يَصح كَمَا لَو كَانَ فِي مجْلِس فَلم يقبل حَتَّى تفَرقا وَوجه الشَّيْخ زين الدّين بن المنجا فِي شَرحه رِوَايَة عدم بطلَان الْإِيجَاب إِذا تفَرقا عَن مجْلِس العقد بِأَنَّهُ قد وَجه مِنْهُ الْقبُول أشبه مَا لَو وجد فِي الْمجْلس وَذكر القَاضِي فِي الْمُجَرّد وَابْن عقيل فِي الْفُصُول فِي تَتِمَّة رِوَايَة أبي طَالب الْمَذْكُورَة فَقَالَ قد قبلت صَحَّ إِذا حَضَره شَاهِدَانِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ يَقْتَضِي أَن إجَازَة العقد الْمَوْقُوف إِذا قُلْنَا بانعقاده يفْتَقر إِلَى شَاهِدين كَأَصْلِهِ وَهُوَ مُسْتَقِيم حسن لِأَن العقد إِنَّمَا يتم بهما بِخِلَاف الْإِذْن للْوَلِيّ فَإِنَّهُ شَرط العقد لإتمام العقد وَالشَّهَادَة مُعْتَبرَة فِي نفس النِّكَاح لَا فِي شُرُوطه

قَوْله وَيصِح بيع المعاطاة إِلَى آخِره طَريقَة الْأَصْحَاب أَن الشَّرْع قد ورد بِالْبيعِ وَالشِّرَاء فِي الْجُمْلَة وَمَا ورد بِهِ الشَّرْع مُطلقًا رَجَعَ فِيهِ إِلَى الْعرف وَالْعَادَة أَن النَّاس يتبايعون بِغَيْر إِيجَاب وَلَا قبُول وعَلى هَذَا قد يعرى بيع المعاطاة عَن لفظ إِذا كَانَ هُنَاكَ عرف بِوَضْع الثّمن وَأخذ الثّمن كَقطع الْحَلَاوَة وجزر البقل أَو بمناولة بِالْيَدِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وأصوله تَقْتَضِي ثُبُوت الْعُقُود والشروط بِالْعرْفِ فِي مَسْأَلَة الْحمام وَالْغسْل وَقد نَص أَحْمد على أَن العقد وَالْفَسْخ لَا يكون إِلَّا بِكَلَام فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سعيد قَالَ سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل قلت أَرَأَيْت لَو أعتق المُشْتَرِي العَبْد الَّذِي اشْتَرَاهُ وهما فِي الْمجْلس فَأنْكر البَائِع عتقه وَأَرَادَ أَن يرد بَيْعه هَل لَهُ ذَلِك قَالَ عتق المُشْتَرِي فِيهِ جَائِز بِمَنْزِلَة الْمَوْت مالم يرجع البَائِع فِيهِ قبل عتقه وَلَا يكون الرُّجُوع للْبَائِع فِيهِ إِلَّا بِكَلَام مثل البيع الَّذِي مَا يكون إِلَّا بِكَلَام انْتهى كَلَام الشَّيْخ وَلَعَلَّ هَذَا من أَحْمد على الرِّوَايَة الَّتِي تمنع بيع المعاطاة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عبارَة أَصْحَابنَا وَغَيرهم تَقْتَضِي أَن المعاطاة وَنَحْوهَا لَيست من الْإِيجَاب وَالْقَبُول وَهَذَا تَخْصِيص عرفي فَالصَّوَاب الِاصْطِلَاح الْمُوَافق للغة وَكَلَام الْمُتَقَدِّمين أَن لفظ الْإِيجَاب وَالْقَبُول يشْتَمل على صور العقد قولية أَو فعلية قَالَ وَلِهَذَا قَيده القَاضِي فِي آخر كَلَامه حَيْثُ قَالَ لم يُوجد الْإِيجَاب وَالْقَبُول الْمُعْتَاد يَعْنِي الْمُعْتَاد تَسْمِيَته بذلك

قَوْله إِلَى أَن يَتَفَرَّقَا قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن الْمَسْأَلَة وَلَا يتَعَلَّق لُزُوم العقد بالتفرق وَحده حَتَّى يَنْضَم إِلَيْهِ اخْتِيَار الْعَاقِد فَلَو هرب أَحدهمَا من صَاحبه أَو فسخ فِي الْمجْلس ثمَّ تفَرقا لم يلْزم العقد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلم يزدْ عَلَيْهِ وَهُوَ خلاف كَلَام الْأَصْحَاب قَوْله فَإِن أسقطاه فِي الْمجْلس أَو فِي العقد سقط وَعنهُ لَا يسْقط أَكثر الْأَصْحَاب حكى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مِنْهُم أَبُو الْخطاب فِي الْهِدَايَة وَذكره فِي الِانْتِصَار فِي ضمن مَسْأَلَة الْأَعْيَان الغائبة وَلم أجد فِي شَيْء من كَلَام الإِمَام أَحْمد إِسْقَاط الْخِيَار فِي الْعُقُود وَإِنَّمَا فِيهِ التَّخْيِير بعد العقد وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق نقل الْمَيْمُونِيّ عَنهُ إِذا تخايرا حَال العقد انْعَقَد الْخِيَار قَالَ أَبُو بكر وَتَابعه حَرْب قَالَ القَاضِي وَهَذَا تَنْبِيه على مَا بعد العقد لِأَن حَالَة العقد أَضْعَف وَقد قطع الْخِيَار بَينهمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كتبت لفظ رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ وَحرب وَلَيْسَ فيهمَا أَكثر مِمَّا فِي حَدِيث ابْن عمر وَلَفظ رِوَايَة الْأَثْرَم نَص فِيمَن ذهب إِلَى حَدِيث ابْن عمر يَقُول إِذا خَيره بعد البيع وَجب البيع قَالَ وَهَذَا مِنْهُ دَلِيل على أَن إِسْقَاطه فِي العقد لَا يسْقط بِهِ قولا وَاحِدًا

قَالَ القَاضِي إِذا أسقطاه فِي العقد وَقُلْنَا لَا يسْقط فَفِي بطلَان العقد الرِّوَايَتَانِ فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه ابْنه أَبُو الْحُسَيْن وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم وَقدمه غير وَاحِد أَنه لَا يسْقط مُطلقًا وَاخْتَارَ ابْن أبي مُوسَى وَالشَّيْخ موفق الدّين أَنه يسْقط وَقدمه المُصَنّف هُنَا وَالْقَوْل بالتفرقة إِلَيْهِ ميل أبي الْخطاب وَالشَّيْخ تَقِيّ الدّين هُنَا وَهُوَ مُتَوَجّه على الْمَذْهَب قَوْله وَيجوز خِيَار الشَّرْط فَوق ثَلَاث لَو بَاعَ مَالا يبْقى إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام كطعام رطب بِشَرْط الْخِيَار ثَلَاثًا فَقَالَ القَاضِي يَصح الْخِيَار وَيُبَاع ويحفظ ثمنه إِلَى الْمدَّة وَحكى عَن أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يَصح كَقَوْلِهِم فِي الْإِجَارَة وَعَلِيهِ قاسوها وَكَذَلِكَ يتَوَجَّه على وَجْهي الْإِجَارَة وعَلى قَوْلنَا إِن تلف بِالْعِتْقِ وَغَيره يبطل الْخِيَار فَإنَّا نمْنَع الشَّرْط لاسترجاع الْقيمَة لَكِنَّهَا هُنَا أَمَانَة وَهُنَاكَ فِي الذِّمَّة قَوْله وَيتَخَرَّج أَن لَا يَنْفَسِخ إِذا لم يبلغهُ فِي الْمدَّة هَذَا التَّخْرِيج ذكره أَبُو الْخطاب قَالَ كالموكل هَل يملك عزل وَكيله من غير حُضُوره وَعلمه على رِوَايَتَيْنِ أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس أَن الْوكَالَة إِذا قُلْنَا لَا تَنْفَسِخ قبل الْعلم أَن نقُول هُنَا لَا يَنْفَسِخ قبل الْعلم فَإِذا انْقَضتْ الْمدَّة فَلم يتَصَرَّف الآخر حَتَّى بلغه الْخَبَر

انْفَسَخ وَإِن تصرف قبل بُلُوغ الْخَبَر لم يَصح كَمَا قُلْنَا مثل ذَلِك فِي الرّجْعَة على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ أَنَّهَا إِذا تزوجت قبل أَن يبلغهَا خير الرّجْعَة أنعقد النِّكَاح وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ إِذا كَانَ الْخِيَار لأَحَدهمَا كَانَ لَهُ الْفَسْخ من أَنه لَا يفْسخ إِلَّا بِحُضُورِهِ وَظَاهر كَلَامه وَكَلَام غَيره من الْأَصْحَاب أَنه يملك الْفَسْخ من غير إِحْضَار الثّمن وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلَا يملك الْفَسْخ إِلَّا برد الثّمن نَص عَلَيْهِ قَالَ أَبُو طَالب لِأَحْمَد يَقُولُونَ إِذا كَانَ لَهُ الْخِيَار فَمَتَى قَالَ اخْتَرْت دَاري أَو أرضي فَالْخِيَار لَهُ وَيُطَالب بِالثّمن قَالَ كَيفَ لَهُ الْخِيَار وَلم يُعْطه مَاله لَيْسَ هَذَا بِشَيْء إِن أعطَاهُ فَلهُ الْخِيَار وَإِن لم يُعْطه مَاله فَلَيْسَ لَهُ خِيَار قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد نَص على أَن البَائِع لَا يملك إِعَادَتهَا إِلَى ملكه إِلَّا بإحضار الثّمن كَمَا أَن الشَّفِيع لَا يملك أَخذ الشّقص قَوْله وَإِذا شرطا الْخِيَار وَلم يؤقتاه الْمَذْهَب عدم الصِّحَّة قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي الرجل يَبِيع البيع بِشَرْط وَلَا يُسمى أَََجَلًا فَلَا يُعجبنِي حَتَّى يُسَمِّي يَوْمًا أَو يَوْمَيْنِ وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي رجل اشْترى شَيْئا وَهُوَ فِيهِ بِالْخِيَارِ وَلم يسم إِلَى مَتى فَلهُ الْخِيَار أبدا أَو يَأْخُذهُ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَنه إِذا أطلق الْخِيَار ثَبت ثَلَاثًا لخَبر حبَان

قَوْله وَإِن قَالَ لزيد دوني لم يَصح وَكَذَا قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي الْمُغنِي وَالْكَافِي أَنه يَصح وَنصب الْخلاف فِيهِ مَعَ القَاضِي لِأَنَّهُ أمكن تَصْحِيحه على هَذَا الْوَجْه فَتعين وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن إِذا ابْتَاعَ شَيْئا وَشرط الْخِيَار لغيره صَحَّ سَوَاء شَرط الْخِيَار لنَفسِهِ أَو جعله وَكيلا لَهُ فِي الْإِمْضَاء وَالرَّدّ أَو شَرطه للْوَكِيل دونه إِلَّا أَنه إِن شَرطه لنَفسِهِ وَجعله وَكيلا كَانَ لَهُ دون الْوَكِيل وَإِن شَرطه للْوَكِيل كَانَ الْخِيَار لَهما على ظَاهر كَلَامه وَقَالَ أَصْحَاب أبي حنيفَة يَصح وَيكون لَهما ثمَّ ذكر مَذْهَب الشَّافِعِي وَاسْتدلَّ على صِحَّته بِأَنَّهُ خِيَار مُسْتَفَاد بِالشّرطِ فَكَانَ لمن شَرطه لَهُ دَلِيله لَو شرطاه لأحد الْمُتَبَايعين وَإِذا ثَبت أَن يكون لمن شَرطه لَهُ وَجب أَن يكون للْوَكِيل أَيْضا لِأَن هَذَا فَرعه وَعنهُ ملك وَاسْتحق أَن يكون لَهُ كَسبه ونماؤه وَإِن فسخ العقد قطع بِهَذَا مَعَ ذكره الْخلاف فِي نَمَاء الْمَبِيع الْمَعِيب وَقد قطع فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره بِأَن حكمه حكم نَمَاء الْمَعِيب الْمَرْدُود وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما النَّمَاء فَإِن كَانَ الْمُشْتَرى هُوَ الفاسخ فَهُوَ كَمَا لَو فسخ بِالْعَيْبِ وَفِي رد النَّمَاء رِوَايَتَانِ وَإِن كَانَ البَائِع هُوَ الفاسخ فَهُوَ كفسخ البَائِع لإفلاس المُشْتَرِي بِالثّمن وَفِيه أَيْضا خلاف أقوى من الرَّد بِالْعَيْبِ فَإِن الْمَنْصُوص أَنه يرجع بالنماء الْمُنْفَصِل فَلَا يكون الْخِيَار دون هَذَا انْتهى كَلَامه وَقد صرح الشَّيْخ موفق بِأَن ظَاهر الْمَذْهَب أَن الزِّيَادَة للْمُفلس وَقَالَ لَا يَنْبَغِي أَن يكون فِي هَذَا خلاف لظُهُوره وقاسه على مَسْأَلَة الْعَيْب وَالْخيَار وَهَذَا قَوْله جمَاعَة كَابْن حَامِد وَالْقَاضِي

وَعكس هَذَا وَأَن الزِّيَادَة للْبَائِع لَا للْمُفلس نَقله حَنْبَل وتأوله غير وَاحِد وَهُوَ قَول أبي بكر وَنَصره جمَاعَة كَأبي الْخطاب والشريف وَقدمه جمَاعَة كصاحب الْمُحَرر وَالْخُلَاصَة كَمَا فِي الزِّيَادَة الْمُتَّصِلَة وَالْفرق ظَاهر فَأَما على رِوَايَة أَن الْملك للْبَائِع وَلم ينْتَقل عَنهُ فالكسب والنماء لَهُ قَوْله وَمَتى تصرف البَائِع بِعِتْق أَو غَيره لم ينفذ تصرفه كَذَا ذكره جمَاعَة وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن قُلْنَا الْملك لَهُ وَكَانَ الْخِيَار لَهُ وَحده صَحَّ تصرفه كَمَا ذكره المُصَنّف فِي المُشْتَرِي وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي بعض كَلَامه أَنا إِذا قُلْنَا الْملك لَهُ وَكَانَ الْخِيَار لَهما أَو للْبَائِع وَحده أَن تصرفه صَحِيح نَافِذ وَله إبِْطَال خِيَاره فَأَما تصرفه بِالْعِتْقِ فَينفذ إِن قُلْنَا الْملك لَهُ وَقد علل الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم عدم جَوَاز عتق البَائِع بِأَنَّهُ غير مَالك لَهُ فِي ذَلِك الْوَقْت إِنَّمَا لَهُ فِيهِ خِيَار قَوْله وَلم يكن فسخا تبع القَاضِي وَأَصْحَابه وَمن الْأَصْحَاب من ذكر فِي الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن وَمِنْهُم من ذكر رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل تصرف البَائِع فِي الْمَبِيع فسخ على الْأَصَح فَلَا يَصح قَوْله وَأما المُشْتَرِي فَلَا ينفذ تصرفه إِلَّا بِالْعِتْقِ إِلَّا أَن يتَصَرَّف مَعَ البَائِع أَو يكون الْخِيَار لَهُ وَحده أما تصرفه بِالْعِتْقِ فَينفذ إِن قُلْنَا الْملك لَهُ

وَعند الْجوزجَاني لَا ينفذ عتقه لَكِن إِذا لم يناكره حَتَّى انْقَضى الْخِيَار مضى كَأَنَّهُ يُشبههُ بِالتَّصَرُّفِ فِي الشّقص الْمَشْفُوع وَيتَخَرَّج مثله فِي الرَّهْن ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَذكر القَاضِي فِي ضمن خِيَار الْمجْلس أَنه إِذا اشْترى أَبَاهُ أَو من يعْتق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا يعْتق بِنَفس الشِّرَاء بل بعد التَّفَرُّق وَعَلِيهِ حمل ظَاهر قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يَجْزِي ولد وَالِده شَيْئا إِلَّا أَن يجده مَمْلُوكا فيشتريه فيعتقه وَذكر فِي مَسْأَلَة انْتِقَال الْملك أَن من فَوَائِد الْخلاف إِذا اشْترى أَبَاهُ أَو ابْنه على أَنه بِالْخِيَارِ عتق عَلَيْهِ عندنَا وَعِنْده لَا يعْتق وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره إِن اشْترى من يعْتق عَلَيْهِ يجْرِي مجْرى إِعْتَاقه بِصَرِيح قَوْله وَأما تصرفه بِغَيْر الْعتْق فَلَا ينفذ قطع بِهِ جمَاعَة وَاسْتثنى الشَّيْخ موفق الدّين فِي بعض كَلَامه إِذا كَانَ الْخِيَار لَهُ وَحده لِأَنَّهُ لَا حق لغيره فِيهِ وَكَانَ يَنْبَغِي على قِيَاس كَلَامه السَّابِق تَصْحِيحه وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما كَمَا صَحَّ تصرف البَائِع وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما وَعَن أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ قَالَ مُحَمَّد بن أبي حَرْب قيل لِأَحْمَد رجل اشْترِي سلْعَة بِشَرْط فَبَاعَهُ وَربح الرِّبْح لمن قَالَ الرِّبْح لَهُ لِأَنَّهُ قد وَجب عَلَيْهِ حِين عرضه وَكَذَا نقل يَعْقُوب وَاسْتثنى فِي الْمُحَرر تصرف المُشْتَرِي مَعَ البَائِع وَهُوَ مَبْنِيّ على أَن التَّصَرُّف يدل على الرضى وَفِيه الْخلاف الْمَشْهُور وَتَصْحِيح هَذَا التَّصَرُّف مَعَ عدم تَصْحِيح تصرف البَائِع مُطلقًا فِيهِ نظر وَلَيْسَ بِمذهب للْإِمَام أَحْمد

وَظَاهر كَلَام القَاضِي فِي مَوضِع أَن تصرف المُشْتَرِي صَحِيح سَوَاء كَانَ الْخِيَار لَهما أَو لأَحَدهمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأما المُشْتَرِي فقد أطلق القَاضِي أَن تصرفه ينفذ وَكَأَنَّهُ وَالله أعلم يُرِيد إِذا لم يفْسخ البَائِع العقد كَمَا بَينه أَبُو بكر فِي التَّنْبِيه فَإِنَّهُ اسْتشْهد بقول أبي بكر وكما أَوْمَأ إِلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِيمَن بَاعَ الثَّوْب فَقَالَ يردهُ إِلَى صَاحبه الأول إِن طلبه فمفهومه أَنه إِذا لم يَطْلُبهُ مضى البيع وَهَذَا هُوَ الَّذِي دلّ عَلَيْهِ كَلَام الإِمَام أَحْمد وَهُوَ قَول الْجوزجَاني وَعَلِيهِ يدل حَدِيث ابْن عمر ثمَّ صرح بذلك فِي مَسْأَلَة عتق المُشْتَرِي فَقَالَ وَاحْتج بِأَنَّهُ لَو بَاعه أَو وهبه أَو وَقفه وقف جَمِيع ذَلِك على إِمْضَاء البَائِع كَذَلِك الْعتْق وَالْجَوَاب أَنه لَا يمْنَع أَن لَا ينفذ بَيْعه وهبته وَينفذ عتقه لما فِيهِ من التغليب والسراية كَمَا فِي العَبْد الْمُشْتَرك وَقد ذكر فِي مَسْأَلَة انْتِقَال الْملك أَن تصرفه بِغَيْر الْعتْق ينفذ انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل تصرف المُشْتَرِي فِيهِ رضى فِي الْأَصَح فَيصح إِن ملكه بِالْعقدِ وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ نَحْو سِتَّة أَقْوَال فِي صِحَة تصرف المُشْتَرِي بِغَيْر الْعتْق قَوْله وَبِكُل حَال يكون تصرفه وسومه ووطؤه إِمْضَاء قَالَ إِسْمَاعِيل بن سعيد لِأَحْمَد أَرَأَيْت إِن أعتق المُشْتَرِي العَبْد الَّذِي اشْترى

وهما فِي الْمجْلس فَأنْكر البَائِع عتقه وَأَرَادَ أَن يرد بَيْعه هَل لَهُ ذَلِك قَالَ عتق المُشْتَرِي فِيهِ جَائِز بِمَنْزِلَة الْمَوْت مَا لم يرجع البَائِع فِيهِ قبل عتقه وَلَا يكون للْبَائِع الرُّجُوع فِيهِ إِلَّا بِكَلَام مثل البيع الَّذِي لَا يكون إِلَّا بالْكلَام قَالَ القَاضِي وَهَذَا يدل على أَن بَيْعه لَا ينفذ وَلَا يكون فسخا وَيخرج على هَذَا جَمِيع تَصَرُّفَاته بِالْعِتْقِ وَالْوَطْء لَا تنفذ وَلَا تكون دَالَّة على الْفَسْخ وَلَا يثبت الْفَسْخ من جِهَته إِلَّا بِلَفْظ الْفَسْخ لِأَن ملكه قد زَالَ وتصرفاته بَاطِلَة فَلم تكن دَالَّة على ملكه وتصرفه ينفذ فَلهَذَا كَانَ دَالا على الرِّضَا وَقد قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن ماهان إِذا ابْتَاعَ ثوبا وَشرط الْخِيَار لنَفسِهِ ثَلَاثًا فعرضه على البيع قبل الثَّلَاث لزمَه وَفِي رِوَايَة الْعَبَّاس بن مُحَمَّد إِذا سكن الدَّار وَلبس الثَّوْب لزمَه انْتهى كَلَامه فَمن الْأَصْحَاب من يَقُول تصرف البَائِع فسخ وَتصرف المُشْتَرِي إِمْضَاء وَمِنْهُم من يَقُول لَا وَمِنْهُم من يَحْكِي فِي ذَلِك رِوَايَتَيْنِ وَمِنْهُم من يَجْعَل تصرف المُشْتَرِي إِمْضَاء وَلَا يَجْعَل تصرف البَائِع فسخا كَمَا فِي الْمُحَرر وَصَاحب هَذَا القَوْل فرق بانتقاله لملك وَعَدَمه كَمَا ذكره القَاضِي وَقد يُعلل ذَلِك بِأَن تصرف المُشْتَرِي يدل على الرِّضَا وَقد ينتهض الْفِعْل الدَّال على الرضى ملزما للْعقد كَمَا فِي وَطْء الْمُعتقَة تَحت عبد وَوَطْء الْكَافِر الْمُسلم أحد زَوْجَاته وَوَطْء المُشْتَرِي الْجَارِيَة المعيبة بِخِلَاف تصرف البَائِع فَإِنَّهُ رَافع للْعقد قَوْله وَفِي استخدامه رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يبطل خِيَاره لِأَن تصرف مِنْهُ أشبه الرّكُوب للدابة وَالثَّانيَِة

لَا لِأَنَّهُ لَا يخْتَص الْملك أشبه النّظر وَقيل إِن قصد تجربته واختياره لم يبطل كركوب الدَّابَّة ليعلم سَيرهَا وَإِلَّا بَطل كركوبها لِحَاجَتِهِ وَقيل إِن قصد تجربه الْمَبِيع لم يبطل وَإِلَّا فروايتان وَهُوَ الَّذِي فِي الْكَافِي قَوْله وَلَو قبلته الْمَبِيعَة فَلم يمْنَعهَا فخياره بَاقٍ نَص عَلَيْهِ كَمَا لَو قبلت البَائِع وَيحْتَمل أَن يبطل إِذا لم يمْنَعهَا كَمَا لَو قبلهَا وَشرط القَاضِي وَجَمَاعَة حُصُول الشَّهْوَة مِنْهَا وَجَمَاعَة لم يشرطوا فَهَذَا قَول ثَالِث قَالَ القَاضِي إِن أَحْمد نَص على أَن مَسهَا إِيَّاه لتغيمز رَأسه وَرجلَيْهِ لَا يبطل خِيَاره وأبطل ذَلِك بمسه إِيَّاهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين غسل رَأسه وتغيمز رجلَيْهِ هُنَا كَانَ بأَمْره وَلَو قَالَ لَهَا قبليني أَو باشريني فَفعلت بَطل خِيَاره وَإِنَّمَا الْعلَّة أَن ذَلِك فعل مُبَاح مَعَ الْأَجْنَبِيّ بِدَلِيل أَن أَبَا مُوسَى غسل رَأسه امْرَأَة من قومه وتغميز الرجل لعِلَّة من وَرَاء حَائِل ومناط أَحْمد أَنه مَتى نَالَ مَا يحرم على الْأَجْنَبِيّ بَطل خِيَاره فَيُؤْخَذ من هَذَا أَن قبلتها لَهُ لم يبلغ هُوَ مِنْهَا مَالا يحل لغيره انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَيْضا فَلَعَلَّهُ يفرق بَين أَن ينْتَفع هُوَ بِالْمَبِيعِ وَبَين أَن يَنْفَعهُ الْمَبِيع بِنَفسِهِ قَوْله وَلَو أعْتقهَا أَو تلفت عِنْده بَطل خِيَاره وَللْبَائِع الثّمن وَعنهُ لَهُ الْفَسْخ وَأخذ الْقيمَة هَاتَانِ رِوَايَتَانِ منصوصتان

وَجه الأولى وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأبي بكر وَالْقَاضِي فِي رُءُوس مسَائِله ورجحها أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره أَنه خِيَار فسخ فَبَطل تلف الْمَبِيع كَخِيَار الرَّد بِالْعَيْبِ إِذا تلف الْمَبِيع وَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِذا اخْتلفَا فِي الثّمن بعد تلف السّلْعَة وتحالفا وفسخا لِأَن الْفَسْخ حصل بِالْيَمِينِ لَا بِالْخِيَارِ وَلَا معنى لقَولهم إِنَّه يسْتَدرك النَّقْص وَيَأْخُذ الْأَرْش فَلهَذَا لم يملك الْفَسْخ وَهنا لَا يسْتَدرك لِأَنَّهُ يبطل بِخِيَار الرُّجُوع فِي الْهِبَة فانه يسْقط بِهَلَاك الْعين وَأَن يسْتَدرك الْمَقْصُود وَهَذَا فِيهِ نظر وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة أَن بَعضهم خرج فِي خِيَار الْعَيْب أَنه ملك الْفَسْخ وَيغرم ثمنه وَيَأْخُذ قِيمَته الَّذِي وَزنه وقاس أَبُو الْخطاب وَغَيره على الْإِقَالَة وَعِنْدنَا تصح الْإِقَالَة مَعَ تلف الثّمن وَأما الْمُثمن فَإِن قُلْنَا هِيَ فسخ فَوَجْهَانِ وَإِن قُلْنَا بيع لم يصلح وَيصِح مَعَ تلف بعضه فِيمَا بَقِي وَوجه الثَّانِيَة عُمُوم قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام البيعان بِالْخِيَارِ مالم يَتَفَرَّقَا وَلِأَنَّهَا مُدَّة مُلْحقَة بِالْعقدِ فَلم تبطل بِتَلف الْمَبِيع كَمَا لَو اشْترى ثوبا بِثَوْب فَتلف أَحدهمَا وَوجد الآخر بِالثَّوْبِ عَيْبا فَإِنَّهُ يردهُ وَيرجع بِقِيمَة ثَوْبه كَذَا هَهُنَا وَفرق أَبُو الْحُسَيْن بِأَنَّهُ فِي مَسْأَلَة الأَصْل تلف بعض الْمَبِيع وَفِي مَسْأَلَة الْفَرْع تلف كُله وَفِي نظر وَهَذَا اخْتِيَار ابْن عقيل وَغَيره وقدمها فِي الْكَافِي وَالْخُلَاصَة وَالرِّعَايَة وَغَيرهم وَذكر القَاضِي فِي الْخلاف أَنَّهَا أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَذكر ابْنه أَبُو الْحُسَيْن أَن القَاضِي اخْتَارَهَا فِي الْخلاف قَدِيما وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن أَحْمد صرح فِي رِوَايَة أبي طَالب بِأَنَّهُ إِذا أعتق العَبْد أَو مَاتَ لم يكن عَلَيْهِ إِلَّا بِالثّمن وَإِذا بَاعه وَلم يُمكنهُ رده ضمنه بِالْقيمَةِ وَإِن كَانَت أَكثر من الثّمن فَفرق بَين مَا هُوَ تلف حسيا أَو حكميا وَبَين

مَا لَيْسَ بِتَلف وَإِنَّمَا هُوَ جِنَايَة فَوت بهَا يَد المُشْتَرِي فَيضمنهُ ضَمَان الْحَيْلُولَة فَحَيْثُمَا كَانَ العَبْد بَاقِيا فَعَلَيهِ الْقيمَة وحيثما كَانَ تَالِفا فعلى الرِّوَايَتَيْنِ وَفقه ذَلِك ظَاهر فَإِنَّهُ إِذا كَانَ بَاقِيا أمكن فسخ العقد لبَقَاء الْمَعْقُود عَلَيْهِ وَإِمْكَان رُجُوعه وعَلى هَذَا فَجَمِيع الفسوخ من الْفَسْخ بِالْعَيْبِ وَاخْتِلَاف الْمُتَبَايعين وَنَحْو ذَلِك مِمَّا اخْتلف فِي جَوَاز فَسخهَا بعد تلف الْمَبِيع قد سووا بَين الْفَوْت والتلف لِأَن التفويت هُنَاكَ كَانَ بِغَيْر تَفْرِيط من الَّذِي هُوَ فِي يَده بِخِلَاف التفويت هُنَا فإمَّا أَن تكون هَذِه رِوَايَة ثَالِثَة أَو يكون الْفرق قولا وَاحِدًا يُوضح الْفرق أَن هُنَاكَ لم تسْتَحقّ الْفَسْخ إِلَّا بعد الْفَوْت وَهنا كَانَ يملك الْفَسْخ قبل الْفَوْت هَذَا كَلَامه وَهل تعْتَبر الْقيمَة بِيَوْم العقد أَو بِيَوْم التّلف والاتلاف فِيهِ وَجْهَان أَصلهمَا انْتِقَال الْملك ذكره فِي التَّلْخِيص وَقدم فِي الرِّعَايَة يَوْم التّلف والإتلاف وَإِن كَانَ الْإِتْلَاف عِنْد البَائِع فِيمَا هُوَ من ضَمَانه بَطل خِيَاره وَأما الْمُشْتَرى فعلى الرِّوَايَة الأولى يبطل خِيَاره وَيلْزمهُ الْمُسَمّى وعَلى الثَّانِيَة يُخَيّر المُشْتَرِي فَإِن أمضى لزمَه الْمُسَمّى وَإِن فَسخه فَمثله أَو قِيمَته وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن الْأَب إِذا أتلف الْعين الْمَوْهُوبَة فَإِنَّهُ مُخَيّر بَين أَن يضمنهَا إبْقَاء لملك الابْن أَو لَا يضمنهَا لتمكنه من استرجاعها وَكَذَلِكَ مَا أتْلفه الْأَب من مَال ابْنه ذكره أَبُو الْخطاب قَالَ وَلَو جنى المُشْتَرِي عَلَيْهَا أَو جنت هِيَ على نَفسهَا عِنْده مثل شج الرَّأْس فَهَل يمْنَع الرَّد على الرِّوَايَتَيْنِ فِي التّلف ذكره القَاضِي وَضعف رِوَايَة مَنعه الرَّد وَهِي مَذْهَب الْحَنَفِيَّة على مَا اقْتَضَاهُ كَلَامه ومضمون كَلَامه أَن فَوَات جُزْء مِنْهَا كفوات جَمِيعهَا وعَلى هَذَا فَكل

نقص فِي الْعين أَو فِي الصّفة يمْنَع الْفَسْخ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَفِي الْأُخْرَى لَهُ الْفَسْخ واسترجاع الْأَرْش لَكِن الرِّوَايَة بِالرَّدِّ هُنَا مأخذها غير مَأْخَذ الْعَيْب انْتهى كَلَامه قَوْله وَلَا يثبت خِيَار الشَّرْط فِي بيع شَرط الْقَبْض لصِحَّته قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يَعْنِي من الطَّرفَيْنِ أَو أَحدهمَا وَيفْسد العقد باشتراطه ذكره القَاضِي فِي ضمن مَسْأَلَة خِيَار الشَّرْط فِي النِّكَاح انْتهى كَلَامه وَفَسَاد العقد يخرج على الرِّوَايَتَيْنِ فِي الشُّرُوط الْفَاسِدَة كَمَا لَو شرطا خِيَار الْمجْلس فِي ذَلِك على رِوَايَة لِأَنَّهُ لَا يثبت قَوْله إِلَّا خِيَار الشَّرْط على إِجَارَة تلِي مدَّتهَا العقد فَفِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى فَوَات بعض الْمَنَافِع الْمَعْقُود عَلَيْهَا أَو أستيفائها فِي مُدَّة الْخِيَار وَكِلَاهُمَا لَا يجوز وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَله فِي الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة قَولَانِ وَالثَّانِي يثبت وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك لِأَنَّهُ عقد معاونة يَصح فَسخه بالإقالة لم يشْتَرط فِيهِ الْقَبْض فِي الْمجْلس فَهُوَ كَالْبيع قَالَه القَاضِي وَاحْترز بِالْأولِ عَن النِّكَاح وَبِالثَّانِي عَن الصّرْف وَالسّلم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما النِّكَاح فقد جعل بعض أَصْحَابنَا الْخلْع فِيهِ كالإقالة وَأما الْقَبْض فِي الْمجْلس فَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي أَن الْإِجَارَة فِي الذِّمَّة كالسلم فِي الْقَبْض فيمنعون هَذَا الْوَصْف وَالْقَاضِي قد سلمه انْتهى كَلَامه وَلنَا وَجْهَان فِيمَا إِذا شرطا تَأْجِيل الْأُجْرَة إِذا كَانَ العقد على مَنْفَعَة فِي الذِّمَّة

أَحدهمَا يجوز لِأَنَّهُ عوض فِي الْإِجَارَة فَجَاز تَأْجِيله كَمَا لَو كَانَ على عين وَالثَّانِي لَا يجوز أَنه عقد على مَا فِي الذِّمَّة فَلم يجز تَأْجِيل عوضه كالسلم وَقطع فِي الْكَافِي بِأَنَّهُ إِذا آجره مُدَّة تلِي العقد لم يجز شَرط الْخِيَار وَفِي خِيَار الْمجْلس وَجْهَان أَحدهمَا لَا يثبت لما تقدم وَالثَّانِي يثبت لِأَنَّهُ يسير قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد الرجل يسْتَأْجر الْبَيْت إِذا شَاءَ أخرجه وَإِذا شَاءَ خرج قَالَ قد وَجب بَينهمَا إِلَى أَجله إِلَى أَن ينهدم الْبَيْت أَو يَمُوت الْبَعِير فَلَا ينْتَفع الْمُسْتَأْجر بِمَا اسْتَأْجر فَيكون عَلَيْهِ بِحِسَاب مَا سكن قَالَ القَاضِي ظَاهر هَذَا أَن الشَّرْط الْفَاسِد لَا يبطل الْإِجَازَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا اشْتِرَاط للخيار لكنه اشْتِرَاط لَهُ فِي جَمِيع الْمدَّة مَعَ الْإِذْن فِي الِانْتِفَاع وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن مَسْأَلَة الْإِجَارَة احْتج الْمُخَالف بِأَن بعضه تلف إِلَى مُضِيّ ثَلَاثَة أَيَّام فَلَا يُمكن رده سليما فَقَالَ القَاضِي ينْتَقض بِخِيَار الْعَيْب فَقَالَ الْمُخَالف إِذا رد الْمَنْفَعَة بِالْعَيْبِ ضمن مَنْفَعَة مَا مضى من الْمدَّة وَلَيْسَ كَذَلِك خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ لَا يضمن شَيْئا قَالَ القَاضِي فَكَانَ يجب أَن يَجْعَل لَهُ وَالضَّمان لقيمة الْمَنْفَعَة لما مضى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين حَيْثُ جَازَ للْمُسْتَأْجر الِانْتِفَاع فَيَنْبَغِي أَن يكون ضَمَان النَّفَقَة عَلَيْهِ وَحَيْثُ لم يجز لم يضمنهَا مَعَ الرَّد لَكِن إِذا مضى العقد تكون عَلَيْهِ جَمِيع الْأُجْرَة أَو تقسط على مَا بعد مُدَّة الْخِيَار وَهنا يتَوَجَّه أَن يكون للْمُسْتَأْجر الِانْتِفَاع وَإِن كَانَ الْخِيَار لَهما أَو للْبَائِع إِذا لَا ضَرَر عَلَيْهِ فِيهِ بِخِلَاف البيع وَلِئَلَّا تتعطل الْمَنْفَعَة وَلَو قيل أَيْضا فِي الْمَبِيع إِن المُشْتَرِي يَسْتَوْفِي منفعَته وَلَا يتَصَرَّف فِي عينه لتوجه أَيْضا وَأَظنهُ مَكْتُوبًا فِي مَوضِع آخر انْتهى كَلَامه

قَوْله وَلَا يثبتان فِي بَاقِي الْعُقُود وَذكر القَاضِي أَن العَبْد الْمكَاتب والموهوب لَهما الْخِيَار على التأييد بِخِلَاف سيد الْمكَاتب والواهب قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا فِيهِ نظر وَقَالَ ابْن عقيل لَا خِيَار للسَّيِّد لِأَنَّهُ دخل على أَنه بَاعَ مَاله بآلته وَأما العَبْد فَلهُ الْخِيَار أبدا مَعَ الْقُدْرَة على الْوَفَاء وَالْعجز فَإِذا امْتنع كَانَ الْخِيَار للسَّيِّد هَذَا ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَقَالَ أَبُو بكر إِن كَانَ قَادِرًا على الْوَفَاء فَلَا خِيَار لَهُ وَإِن عجز عَنهُ فَلهُ الْخِيَار قَالَ ابْن عقيل والواهب بِالْخِيَارِ إِن شَاءَ قبض وَإِن شَاءَ منع وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر أَن الْقِسْمَة إِذا دَخلهَا رد فَفِيهَا الخياران لِأَنَّهَا بيع وَإِلَّا فَلَا وَقطع القَاضِي فِي الْخلاف وَغَيره بِثُبُوت الخيارين مُطلقًا وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة قَالَ لِأَن وَضعهَا للارتياء وَالنَّظَر وَهَذَا يحْتَاج إِلَيْهِ هُنَا وَقَالَ ابْن عقيل إِن كَانَ فِيهَا رد فَهِيَ كَالْبيع يدخلهَا الخياران وَإِن لم يكن فِيهَا رد وتعدلت السِّهَام وَوَقعت الْقرعَة فَلَا خِيَار لِأَنَّهُ حكم وَإِن كَانَ الْقَاسِم المشتركين فَلَا يدخلهَا خِيَار الْمجْلس أَيْضا لِأَنَّهَا إِفْرَاز حق وَلَيْسَت بيعا انْتهى كَلَامه وَذكر ابْن الزَّاغُونِيّ كَمَا ذكر القَاضِي وَقَالَ الْأَزجيّ فِي نهايته الْقِسْمَة إِفْرَاز حق على الصَّحِيح فَلَا يدخلهَا خِيَار الْمجْلس وَإِن كَانَ فِيهَا رد احْتمل أَن يدخلهَا خِيَار الْمجْلس قَوْله إِلَّا خِيَار الْمجْلس فِي الْمُسَاقَاة والمزارعة وَالْحوالَة والسبق وَالشُّفْعَة إِذا أَخذ بهَا فَإِنَّهَا على وَجْهَيْن

الْوَجْهَانِ فِي الْمُسَاقَاة والمزارعة والسبق قيل هما بِنَاء على الْخلاف فِي جَوَاز ذَلِك ولزومه وَقيل هما على لُزُومه وَالْحوالَة وَالشُّفْعَة لَا خِيَار فيهمَا فِي وَجه لِأَن من لَا رضى لَهُ لَا خِيَار لَهُ وَإِن لم يثبت فِي أحد طَرفَيْهِ لَا يثبت فِي الآخر كسائرالعقود وَالْوَجْه الثَّانِي يثبت الْخِيَار للْمُحِيل وَالشَّفِيع لِأَن الْعِوَض مَقْصُود فَأشبه سَائِر عُقُود الْمُعَارضَة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين خِيَار الشَّرْط فِي هَذِه الْأَشْيَاء أقوى من خِيَار الْمجْلس بِدَلِيل أَن النِّكَاح وَالصَّدَاق وَالضَّمان لنا فِيهَا خلاف فِي خِيَار الشَّرْط دون خِيَار الْمجْلس وَلِأَن خِيَار الْمجْلس ثَابت بِالشَّرْعِ فَلَا يُمكن أَن يلْحق بالمنصوص مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ بِخِلَاف خيارالشرط فَإِنَّهُ تَابع لرضاهما وَالْأَصْل عندنَا أَن الشَّرْط تبع رضَا المتشارطين وَالْأَصْل صِحَّتهَا فِي الْعُقُود وَإِنَّمَا يُنَاسب الْبطلَان من يَقُول إِن خِيَار الشَّرْط ثَابت على خلاف الْقيَاس وَلَيْسَ ذَلِك قَوْلنَا وَقَوْلهمْ يُنَافِي مُقْتَضى العقد إِنَّمَا يُنَافِي مُقْتَضى العقد الْمُطلق وَكَذَلِكَ جَمِيع الشُّرُوط وَقد أبطل الإِمَام أَحْمد حجَّة من اسْتدلَّ بنهيه عَن بيع وَشرط وَلِأَن خِيَار الشَّرْط يجوز بِغَيْر تَوْقِيت وَلَو كَانَ منافيا لتقدر بِقدر الضَّرُورَة أَو تقدر بِالشَّرْعِ كَمَا ادَّعَاهُ غَيرنَا وَلَا يجوز فِي عُقُود الْعِبَادَات من الْإِحْرَام وَالِاعْتِكَاف مَا يُخَالف مُقْتَضى العقد الْمُطلق فِي الْمُعَامَلَات وعَلى هَذَا فَلَو اشْترط فِي الْعُقُود اللَّازِمَة الْجَوَاز على وَجه لَا يمْنَع التَّصَرُّف فِي الْمَعْقُود عَلَيْهِ مثل أَن يشْتَرط فِي الرَّهْن أَنِّي مَتى شِئْت فسخته أَو فِي الْكِتَابَة إِذا شِئْت فسختها أَو فِي الْإِجَارَة فَهَذَا اشْتِرَاط خِيَار مؤبد وَهُوَ أبعد عَن الْجَوَاز وللجواز وَجه كَمَا لَو اشْترط فِي الْعُقُود الْجَائِزَة من الْمُضَاربَة وَنَحْوهَا اللُّزُوم

وَالضَّابِط أَن حَقِيقَة الْخِيَار هُوَ الْقُدْرَة على فسخ العقد فَتَارَة يشْتَرط ثُبُوته فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مؤقتا أَو مُطلقًا وَتارَة يشْتَرط نَفْيه فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مؤقتا أَو مُطلقًا إِلَّا أَن اشْتِرَاط نَفْيه مُطلقًا بَاطِل قطعا مثل أَن يشْتَرط أَنِّي مضاربك على أَنه لَا خِيَار لي فِي الْفَسْخ فَهَذَا بَاطِل لما فِيهِ من الْفساد قَوْله وَخيَار الشَّرْط إِلَى آخِره لِأَنَّهُ حق فسخ لَا يجوز الِاعْتِيَاض عَنهُ فَلم يُورث كَخِيَار رُجُوع الْوَلَد فِيمَا وهبه لوَلَده وَقَالَ القَاضِي فِي الْخلاف وَهَذِه الطَّرِيقَة أَجود الطّرق والاعتماد عَلَيْهَا انْتهى كَلَامه وفيهَا نظر لِأَن ذَلِك لِمَعْنى فِي الْأَب يخْتَص بِهِ وَلِهَذَا لَا يجوز لواهب حَيّ سواهُ الرُّجُوع فَلهَذَا لم يُورث الرُّجُوع فِيهَا وَقَول الْأَصْحَاب إِن هَذَا ينْتَقض بِمَا لَو وهب الْجد ابْن ابْنه شَيْئا ثمَّ مَاتَ لَا يجوز لِابْنِهِ الرُّجُوع فِيهِ نظر لِأَن الْجد لَا رُجُوع لَهُ ليرثه عَنهُ ابْنه وَأَنه لَيْسَ بواهب فَلَا وَجه لرجوعه والتخريج بِالْإِرْثِ ذكره أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة وصرحوا بِأَنَّهُ من مَسْأَلَة من مَاتَ وَعَلِيهِ دين مُؤَجل هَل يحل بِمَوْتِهِ وَفِيه خلاف مَشْهُور عَن الإِمَام أَحْمد والمنصور فِي كتب الْخلاف أَنه لَا يحل وَمذهب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة أَنه يحل وَذكر غير وَاحِد كَابْن الْجَوْزِيّ هَذَا التَّخْرِيج وَجها فِي مَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ أَن الْخِيَار يُورث ووافقنا أَبُو حنيفَة وَقد جعل الْأَصْحَاب مَسْأَلَة الأَصْل حجَّة فِي مَسْأَلَة الْخِيَار فَقَالُوا مُدَّة مُلْحقَة بِالْعقدِ فَلم تورث كالأجل وَهَذَا لَا يَخْلُو من نظر

وَقد قَالَ الْخرقِيّ يُورث خِيَار الْوَصِيَّة وَهُوَ مَا إِذا مَاتَ الْمُوصى لَهُ قبل الرَّد وَالْقَبُول بعد موت الْمُوصي قَالَ القَاضِي وَلم يتَحَصَّل لي الْفرق بَينهمَا وَبَين خِيَار الشَّرْط قَالَ ابْن عقيل وَيجوز أَن يكون الْفرق على مَا وَقع لي أَن الْوَصِيَّة فِيهَا معنى المَال فَهِيَ كَخِيَار الْعَيْب وَالصّفة وَخيَار الشَّرْط لَيْسَ فِيهِ معنى المَال وَأَن الْوَصِيَّة لما كَانَ لُزُومهَا يقف على الْمَوْت لم تبطل بِالْمَوْتِ وَخيَار الشَّرْط بِخِلَافِهِ وَتَخْصِيص صَاحب الْمُحَرر مَسْأَلَة خِيَار الشَّرْط بِالذكر وَكَذَا غَيره من الْأَصْحَاب يدل على أَن خِيَار الْمجْلس لَيْسَ كَذَلِك تَخْصِيصًا لثُبُوته بِمن ثَبت لَهُ فِي الْمجْلس وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَإِن مَاتَ فِي خِيَار الْمجْلس بَطل خِيَاره وَفِي خِيَار صَاحبه وَجْهَان أَحدهمَا يبطل لِأَن الْمَوْت أعظم من الْفرْقَة وَالثَّانِي لَا يبطل لِأَن فرقه الْأَبدَان لم تُوجد وَقطع فِي الرِّعَايَة بِأَن حكم خِيَار الْمجْلس حكم خِيَار الشَّرْط فِي الْإِرْث وَعَدَمه لِأَن الْفرْقَة الْمُعْتَبرَة لم تُوجد وَلِهَذَا لم يبطل خِيَار الآخر فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وَلِأَن الْخِيَار قد ثَبت لغير من هُوَ فِي الْمجْلس كَمَا لَو طَرَأَ جُنُون أَو نَحوه فَإِن الْوَلِيّ يقوم مقَامه كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا لَكِن فِي مَسْأَلَة الأَصْل لم يزل الْملك وَنَصّ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم على أَن خِيَار الْمجْلس لَا يُورث وَلم يفرق بَين الطّلب وَغَيره وَلَعَلَّ مُرَاده إِذا لم يطْلب كَقَوْلِه فِي خِيَار الشَّرْط فَإِنَّهُ قَالَ فِي الثَّلَاثَة الْمَذْكُورَة فِي غير مَوضِع إِنَّهَا لَا تورث فَإِذا كَانَ قد طلب فللورثة أَو يطلبوا فِي الْحَد وَالشُّفْعَة وَالْخيَار وَجعل فِي الرِّعَايَة خِيَار الْعَيْب والتحالف كَخِيَار الشَّرْط وَفِيه نظر وَهُوَ خلاف الْمَعْرُوف من مَذْهَبنَا ومذاهب الْعلمَاء قَوْله وَمن علق عتق عَبده بِبيعِهِ فَبَاعَهُ عتق وانفسخ نَص عَلَيْهِ

وَقيل لَا يعْتق إِلَّا إِذا قُلْنَا لم ينْتَقل الْملك مَعَ الْخِيَار وَقيل يعْتق إِلَّا إِذا نفيا الْخِيَار فِي العقد وصححنا نَفْيه هَذَا القَوْل وَالَّذِي قبله قطع بِكُل وَاحِد مِنْهُمَا ابْن عقيل فِي موضِعين من هَذَا الْبَاب وعللهما بِالْملكِ وَعَدَمه فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ لمدخول بهَا أَنْت طَالِق ثمَّ طَالِق إِن دخلت الدَّار فَدخلت وَقعت طَلْقَة بعد أُخْرَى بِخِلَاف غير الْمَدْخُول بهَا لِأَنَّهُ لم تبْق لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة فقد عرف أَن القَوْل عَلَيْهِمَا وَاحِدَة وَإِن كَانَ الْبناء مُخْتَلفا وَلَو قَالَ وَقيل يعْتق فِي مَوضِع يحكم لَهُ بِالْملكِ فَقَط حصل الْمَقْصُود وَقد ذكر ابْن عقيل فِي الْفُصُول فِي غير هَذَا الْبَاب الْمَنْصُوص فَذكر قَول الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة البَائِع قيل لَهُ كَيفَ يعْتق وَقد زَالَ ملكه فَقَالَ كَمَا يملك الْوَصِيَّة بعد الْمَوْت قَالَ ابْن عقيل وَهَذَا صَحِيح لِأَن الْوَصِيَّة تستند أَن يلفظ بهَا فِي حَال ملكه وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن الإِمَام أَحْمد نَص على هَذَا فِي رِوَايَة الْأَثْرَم ومثنى وَقد ذكر القَاضِي قَول الامام أَحْمد فِي رجلَيْنِ قَالَ أَحدهمَا إِن بِعْت مِنْك غلامي فَهُوَ حر وَقَالَ الآخر إِن اشْتَرَيْته فَهُوَ حر فَبَاعَهُ مِنْهُ عتق من مَال البَائِع فَقيل لَهُ كَيفَ وَإِنَّمَا وَجب الْعتْق بعد البيع فَقَالَ لَو وصّى لرجل بِمِائَة دِرْهَم وَمَات يعطاها وَإِن كَانَت وَجَبت بعد الْمَوْت وَلَا ملك لَهُ فَهَذَا مثله قَالَ القَاضِي فقد صرح أَن الْعتْق يَقع بعد زَوَال ملكه وَشبهه بِالْوَصِيَّةِ وَقد نَص على أَن الْعتْق الْمُبَاشر لَا يَقع لِأَن الْعتْق الْمُعَلق قد وجد أحد طَرفَيْهِ فِي ملك

وَقد ذكر بَعضهم فِي مَسْأَلَة الْأَثْرَم هَذِه الَّتِي نقلهَا القَاضِي رِوَايَة أَنه يعْتق على المُشْتَرِي وَلم يذكر على هَذِه الرِّوَايَة القَوْل بِصِحَّة تَعْلِيق الْعتْق بِالْملكِ وَفِيه رِوَايَتَانِ مشهورتان فَإِن قُلْنَا لَا يَصح عتق على البَائِع وَإِن قُلْنَا يَصح فَهَل يعْتق على البَائِع أَو على المُشْتَرِي فِيهِ رِوَايَتَانِ وَوجه الْمَنْصُوص الَّذِي قدمه فِي الْمُحَرر مَا ذكره غير وَاحِد من أَن زمن انْتِقَال الْملك زمن للحرية لِأَن البيع سَبَب لنقل الْملك وَشرط الْحُرِّيَّة فَيجب تَغْلِيب الْحُرِّيَّة كَمَا لَو قَالَ لعَبْدِهِ إِن مت فَأَنت حر وَاحْتج بَعضهم وَذكره فِي الْمُغنِي بِأَنَّهُ علق حُرِّيَّته على فعله للْبيع والصادر مِنْهُ فِي البيع إِنَّمَا هُوَ الْإِيجَاب فَمَتَى قَالَ للمشترى بِعْتُك فقد وجد شَرط الْحُرِّيَّة فَيعتق قبل قبُول المُشْتَرِي وَكَذَا صرح بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب فِي كتاب الْعتْق أَنه مَتى أوجب البيع عتق وَصرح ابْن عقيل وَالشَّيْخ موفق الدّين فِي الْأَيْمَان أَنه لَا يعْتق بِمُجَرَّد الْإِيجَاب بل بِالْقبُولِ وَكَذَا ذكره القَاضِي وَقد ذكرُوا فِيمَا إِذا حلف لَا يَبِيع أَنه لَا يَحْنَث بِمُجَرَّد الْإِيجَاب وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لَا نعلم فِيهِ خلافًا وَهَذَا هُوَ الصَّوَاب قَالَ الشَّيْخ وَعلله القَاضِي بِأَن الْخِيَار ثَابت فِي كل بيع فَلَا يَنْقَطِع تصرفه فِيهِ فعلى هَذَا لَو تخايرا ثمَّ بَاعه لم يعْتق وَلَا يَصح هَذَا التَّعْلِيل على مَذْهَبنَا لأننا قد ذكرنَا أَن البَائِع لَو أعتق فِي مُدَّة الْخِيَار لم ينفذ إِعْتَاقه انْتهى كَلَامه وَلم أجد أحدا صرح بانفساخ البيع قبل صَاحب الْمُحَرر وَهُوَ حسن لِأَنَّهُ عقد صَحِيح امْتنع استمراره ودوامه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَول الْجد انْفَسَخ البيع فِيهِ نظر أَو تجوز فَإِن كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يدل على أَن هَذَا عِنْده مثل الْوَصِيَّة وَالتَّدْبِير

وَأَنه كَمَا جَازَ لَهُ أَن يملك وَيعتق بعد انْعِقَاد السَّبَب الْمخْرج لملكه وَهُوَ الْمَوْت فَكَذَلِك لَهُ أَن يعْتق بعد انْعِقَاد السَّبَب الْمخْرج لملكه وَهُوَ البيع وَهُنَاكَ لَا نقُول إِن الْمُدبر ملكه الْوَرَثَة ثمَّ عتق بل نقُول التَّدْبِير منع الْمَوْت أَن يُوجب ملك الْوَرَثَة وَكَذَلِكَ هُنَا التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم منع البيع أَن ينْقل الْملك إِلَى المُشْتَرِي وَكَأن البيع هُنَا لَهُ موجبان عتق وَملك فَقدم الْعتْق لانعقاد سَببه قبل البيع وَعلمنَا بقوله إِذا بِعْتُك أَي إِذا عقدت عَلَيْك عقد بيع من شَأْنه أَن ينْقل الْملك لَوْلَا هَذَا التَّعْلِيق فَأَنت حر وَإِن قُلْنَا إِن الْملك انْتقل إِلَى المُشْتَرِي لم يخرج عَن ملكه لَكِن يُقَال الِانْفِسَاخ إِنَّمَا يستدعى انعقادا سَوَاء اقْتضى انْعِقَاد الْملك أَو لم يقتضه وَلَا نقُول إِن البيع هُنَا نقل الْملك لِأَنَّهُ لَو نَقله وَعتق العَبْد خرج عَن أَن يكون نَاقِلا وَلزِمَ الدّور فَكَانَ لَا يَصح بَيْعه وَلَا عتقه لِأَنَّهُ إِذا كَانَ التَّقْدِير إِذا بِعْتُك بيعا ينْتَقل بِهِ الْملك فَأَنت حر فاذا انْتقل الْملك عتق وَإِذا عتق لم يكن البيع نَاقِلا للْملك إِلَّا أَن يُقَال إِن الْملك زَالَ بعد ثُبُوته وَهَذَا غير جَائِز وعَلى هَذَا فَلَو قَالَ إِذا مَلكتك فَأَنت حر عتق البيع وَنَحْوه وَلَو قَالَ إِذا خرجت عَن ملكي فَأَنت حر أَو إِذا صرت ملكا لغيري فَأَنت حر فَهُنَا يَنْبَغِي أَن لَا يعْتق لِأَنَّهُ أوقع الْعتْق فِي حَال عدم ملكه وَفِي الأولى أوقعه عقب سَبَب زَوَال ملكه إِلَّا أَن يُقَال يَقع هُنَا وَيكون قَوْله خرجت عَن ملكي أَي انْعَقَد سَبَب حريتك أَو يَقُول فِي الْجَمِيع خرج عَن ملكه ثمَّ خرج عَن ملك ذَلِك الْمَالِك وَيكون التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم منع الْملك من الدَّوَام كَمَا منع سَبَب الْملك من الْملك وعَلى قِيَاس هَذِه الْمَسْأَلَة مَتى علق الطَّلَاق أَو الْعتاق بِسَبَب يزِيل ملكه عَن العَبْد أَو الزَّوْجَة وَقع الطَّلَاق وَالْعتاق وَلم يَتَرَتَّب على ذَلِك السَّبَب حكمه

مثل أَن يُقَال إِذا وَهبتك أَو يَقُول إِذا أصدقتك أَو صالحت بك عَن قصاص وَكَذَلِكَ لَو علقه بِسَبَب يمنعهُ التَّصَرُّف مثل أَن يَقُول إِذا رهنتك إِن قُلْنَا لَا يجوز عتق الرَّاهِن بِخِلَاف مَا لَو قَالَ إِذا أجرتك فَإِن الْإِجَارَة لَا تمنع صحه الْعتْق وَأما فِي الطَّلَاق فَلَو قَالَ إِن خلعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا فَإِنَّهُ على قِيَاس هَذَا يَقع بهَا الثَّلَاث وَلَا يُوجب الْخلْع حكمه لِأَنَّهَا عقب الْخلْع إِن أوقعنا الثَّلَاث لم يَقع بينونة وَإِن أوقعنا بينونة لم تقع الثَّلَاث لَكِن قد يُقَال إِن الْخلْع لَا يقبل الْفَسْخ وَلَا يَصح وجوده منفكا عَن حكمه وَلَو قَالَ إِن خلعتك فَأَنت طَالِق فَهُنَا الْخلْع يَصح لِأَن التَّعْلِيق الْمُتَقَدّم لَا يمْنَع نُفُوذ حكمه لَكِن فِي وُقُوع الطَّلَاق هُنَا تردد فَإِنَّهُ يَقع مَعَ الْبَيْنُونَة وَهَذَا مَبْنِيّ على أصلين أَحدهمَا هُوَ أَن شَرط الحكم إِذا زَالَ قبل حُصُول سَببه لم يثبت الحكم وَإِن زَالَ بعد ثُبُوت الحكم لم يقْدَح فِيهِ مِثَال الأول إِذا قَالَ إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق فَدخلت بعد الْبَيْنُونَة وَمِثَال الثَّانِي إِن تبين بعد الدُّخُول وَإِن مَا زَالَ مَعَ السَّبَب أَو عقب السَّبَب فَالْمَشْهُور عِنْد أَصْحَابنَا أَن الحكم لَا يثبت كَمَا لَو قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ موتِي أَو عقب موتِي وكما لَو قَالَ لزوجته الْأمة إِذا مَلكتك فَأَنت طَالِق فَشرط الطَّلَاق يَزُول عقب السَّبَب قَالُوا لَا تطلق الثَّانِي أَن السَّبَب إِذا كَانَ من فعله أمكنه أَن يبطل حكمه مثل أَن يَقُول إِذا بِعْتُك فَأَنت حر أَو إِذا خلعتك فَأَنت طَالِق ثَلَاثًا أما إِذا كَانَ السَّبَب من فعل غَيره أَو كَانَ يرتب عَلَيْهِ حكما شَرْعِيًّا مثل انْفِسَاخ النِّكَاح عقب الْملك فَهُنَا لَيْسَ مثل الأول انْتهى كَلَامه وَلَو قَالَ إِن أكلت لَك ثمنا فَأَنت حر فَبَاعَهُ بمكيل أَو مَوْزُون أَو غَيرهمَا أَو بِنَقْد لم يعْتق قَالَه فِي الرِّعَايَة

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس الْمَذْهَب أَن يكون الْأكل عبارَة عَن الِاسْتِحْقَاق فَيكون كَقَوْلِه إِن بِعْتُك أَو يكون عبارَة عَن الْأَخْذ فَلَو أَبْرَأ من الثّمن لم يعْتق وَإِن قَبضه عتق وَلَا يضر تَأَخّر الصّفة عَن الْمَبِيع قَوْله وَلَا يحل لأحد إِلَى آخِره وَكَذَا عبارَة غير وَاحِد وَعبارَة بَعضهم بشرَاء الْمُسلم على الْمُسلم وَبيع الْمُسلم على الْمُسلم وَالْمَنْقُول عَن إمامنا الْمَعْرُوف فِي مذْهبه أَنه لَا يحرم على مُسلم أَن يخْطب على خطْبَة كَافِر وَهُوَ يُؤَيّد الْعبارَة الثَّانِيَة وَهُوَ ظَاهر الْأَحَادِيث فِي ذَلِك قَوْله مثل السّلْعَة بِدُونِ الثّمن أَو بِهِ أَو أَجود من السّلْعَة أَو أَكثر قطع بِهِ غير وَاحِد وَهُوَ صَحِيح وعَلى هَذَا لَو بذل للْمُشْتَرِي أَجْنَبِي من الْمَبِيع سلْعَة بِأَكْثَرَ من ثمن الَّتِي اشْتَرَاهَا كمن اشْترى سلْعَة بِعشْرَة فبذل لَهُ فِي زمن الْخِيَار سلْعَة بِخَمْسَة عشر جَازَ ذَلِك وَذكر الْأَزجيّ فِي النِّهَايَة فِي جَوَازه احْتِمَالَيْنِ وَإِن رَضِي البَائِع أَن يَبِيع على بتيعه وَأذن لَهُ فِي ذَلِك فإطلاق كَلَام الْأَصْحَاب يَقْتَضِي الْمَنْع وَالتَّعْلِيل يَقْتَضِي الْجَوَاز وَهُوَ أولى لِأَن صُورَة الْإِذْن مُسْتَثْنَاة فِي الصَّحِيحَيْنِ أَو فِي أَحدهمَا من عُمُوم النَّهْي وَقَالَ فِي النِّهَايَة الصَّحِيح من الْمَذْهَب أَنه لَا يجوز قَوْله فَإِن فعلا ذَلِك فَهَل يَصح البيع الثَّانِي على وَجْهَيْن

وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فَالْبيع بَاطِل فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَقدمه الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لظَاهِر النَّهْي وَحَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعب عَن أبي بكر وَحكى عَن القَاضِي وَأبي الْخطاب أَنه يَصح لِأَن الْمحرم سَابق على عقد البيع وَلِأَن الْفَسْخ الَّذِي حصل بِهِ الضَّرَر صَحِيح فَالْبيع المحصل للْمصْلحَة أولى وَلِأَن النهى لحق آدَمِيّ فَأشبه بيع النجش وَقطع بِالْخِلَافِ فِي الْهِدَايَة وَالْخُلَاصَة وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَفِي صِحَة العقد الثَّانِي رِوَايَتَانِ أشهرهما بُطْلَانه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا القَوْل يعم مَا إِذا كَانَ أحد الْمُتَبَايعين وَكيلا أَو وليا ليتيم أَو غَيره وَيكون بيع المزايدة جَائِزا فِي الْوَقْت الَّذِي يجوز فِيهِ الاستيام لِأَن الرجل الزَّائِد سائم دون مَا بعد ذَلِك وَهَذَا هُوَ التَّوْفِيق بَين حَدِيث المزايدة وَحَدِيث النَّهْي عَن السّوم وَيكون ثُبُوت الْخِيَار لَا يُبِيح الْفَسْخ فِي هَذِه الصُّورَة لما فِيهِ من الضَّرَر كَمَا أَنه لَا يجوز التَّفْرِيق خشيَة أَن يستقيله على الرايتين عَنهُ وَإِن كَانَ يملك التَّفَرُّق إِلَّا بِهَذِهِ النِّيَّة وَلَو قيل إِنَّه فِي بُيُوع المزايدة لَيْسَ لأَحَدهمَا أَن يفْسخ لما فِيهِ من الضَّرَر بِالْآخرِ كَانَ مُتَوَجها لِأَنَّهُ لَو لم يقبل أمكنه أَن يَبِيع الَّذِي قبله فَإِذا قبل ثمَّ فسخ كَانَ قد غر البَائِع بل يتَوَجَّه كَقَوْل مَالك إِنَّه فِي بيع المزايدة إِذا زَاد أَحدهمَا شَيْئا لزمَه وَإِن كَانَ المستام الْمُطلق لَا يلْزمه فَإِنَّهُ بِزِيَادَتِهِ فَوت عَلَيْهِ الطَّالِب الأول أَلا ترى أَنه فِي النجش إِذا زَاد قد غر المُشْتَرِي فَكَذَلِك هُنَا إِذا زَاد فقد غر البَائِع وَالْفرق بَين المساومة الَّتِي كَانَت غالبة على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَبيع المزايدة ظَاهر وَإِخْرَاج الصُّور القليلة من الْعُمُوم لمعارض أَمر مُسْتَمر فِي الْأَدِلَّة الشَّرْعِيَّة وَقد نهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن أَنْوَاع من الْعُقُود لما فِيهَا من الضَّرَر بِالْغَيْر فعلى قِيَاسه ينْهَى عَن الفسوخ الَّتِي فِيهَا إِضْرَار بِالْغَيْر انْتهى كَلَامه

وَيحرم سومه على سوم أَخِيه وَقيل يكره وَهَذَا فِيمَا إِذا وجد من البَائِع تَصْرِيح بالرضى فَإِن ظهر مَا يدل على عدم الرضى لم يحرم وَكَذَا إِن لم يُوجد مَا يدل على الرضى وَلَا عَدمه قطع بِهِ الشَّيْخ وَغَيره وَقيل يحرم وَإِن ظهر مَا يدل على الرضى من غير تَصْرِيح لم يحرم قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَهُوَ قَول القَاضِي وَإِلَيْهِ ميل الشَّيْخ قَالَ وَالْحكم فِي الْفساد كَالْحكمِ فِي البيع على بيع أَخِيه فِي الْموضع الَّذِي حكمنَا بِالتَّحْرِيمِ فِيهِ وَقطع فِي الرِّعَايَة بِالصِّحَّةِ وَالْقَوْل بِالصِّحَّةِ أشبه بِالْمذهبِ كصحة العقد مَعَ تَحْرِيم الْخطْبَة فِي الْأَصَح وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَأما استيامه على سوم أَخِيه فكخطبته على خطْبَة أَخِيه يفرق فِيهِ بَين الركون وَعَدَمه وَلِهَذَا جَازَ بيع المزايدة لِأَن البَائِع طلب المزايدة فَلم يركن بل رده وَلَو لم يجب برد وَلَا قبُول فَفِيهِ وَجْهَان لَكِن بيع المزايدة ظَاهر فِيمَا اذا كَانَت السّلْعَة أَو الْمَنْفَعَة بَين البَائِع أَو الْمُؤَجّر فَأَما الْمُسْتَأْجر لحانوت وَفِي رَأس الْحول إِن لم يزدْ عَلَيْهِ أحد وَإِلَّا أجره الْمَالِك فَهَذَا لَيْسَ مثل بيع المزايدة فَإِن الْمَالِك لم يطْلب وَلم يزدْ وَإِنَّمَا تشبه مَسْأَلَة الْوَجْهَيْنِ وَقَالَ استئجاره على اسْتِئْجَار أَخِيه واقتراضه على اقتراض أَخِيه واتهابه على اتهاب أَخِيه مثل شِرَائِهِ على شِرَاء أَخِيه وَكَذَا اقتراضه فِي الدِّيوَان وَطَلَبه الْعَمَل فِي الولايات وَنَحْو ذَلِك قَوْله فِي الْكَلْب لَا يجوز بَيْعه

ظَاهره مُطلقًا وَهُوَ صَحِيح وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على التَّسْوِيَة بَين كلب الصَّيْد وَغَيره فِي رِوَايَة جمَاعَة مِنْهُم الْمَيْمُونِيّ وَأَبُو طَالب وَحرب والأثرم وَلم تصح زِيَادَة اسْتثِْنَاء كلب الصَّيْد من عُمُوم النَّهْي وَكَذَا ضعف هَذِه الرِّوَايَة جمَاعَة كالدارقطني وَالْبَيْهَقِيّ مَعَ أَن لَهَا طرقا فَإِن أهْدى رجل لرجل كَلْبا فأثابه مِنْهُ فَلَا بَأْس بِهِ ذكره الْخلال قَالَ حَنْبَل قَالَ عمي ثمن الْكَلْب حرمه رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسؤره نجس يغسل مِنْهُ الْإِنَاء قيل لَهُ فِي رجل أهْدى إِلَى رجل كَلْبا يصطاد ترى لَهُ أَن يثيبه عَلَيْهِ قَالَ هَذَا خلاف الثّمن وَهَذَا عوض من شَيْء فَأَما الثّمن فَلَا أرَاهُ لَا يُبَاع الْكَلْب وَلَا يشترى وَلَا يُؤْكَل ثمنه وَإِنَّمَا أحل صَيْده وَيصِح على قَول أَكثر الْعلمَاء قَوْله وَكَذَا إِجَارَته

تَخْصِيص البيع وَالْإِجَارَة يدل على إِبَاحَة غَيرهمَا وَهُوَ صَحِيح إِلَّا فِي رهن الْمُصحف فَإِنَّهُ كَبَيْعِهِ وَقد ذكره فِي مَوْضِعه قَالَ غير وَاحِد كَالْقَاضِي أَبُو الْحُسَيْن تصح هِبته وَوَقفه رِوَايَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ لَيْسَ من هَذِه الْأَشْيَاء مَا يعود بنقصه وَكَذَا ذكر القَاضِي أَبُو يعلى قَوْله وَيجوز شِرَاؤُهُ وإبداله وَعنهُ يكره ذكره أَكْثَرهم وَقد علل الشَّيْخ موفق الدّين رِوَايَة كَرَاهَة شِرَائِهِ بِأَن الْمَقْصُود مِنْهُ كَلَام الله فَيجب صيانته عَن الابتذال وَفِي جَوَاز شِرَائِهِ التَّسَبُّب إِلَى ذَلِك والمعونة عَلَيْهِ وَذكر القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي جَوَاز شِرَاء الْمُصحف وإبداله رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا الْجَوَاز وَالثَّانيَِة لَا يجوز وَكَذَا ذكر القَاضِي أَبُو يعلى قَالَ إِذا قُلْنَا يَصح بَيْعه فَأولى أَن يجوز شِرَاؤُهُ وَإِن قُلْنَا لَا يجوز بَيْعه فَهَل يجوز شِرَاؤُهُ على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا لَا يجوز أَيْضا نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَحرب فَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل أكره بيع الْمَصَاحِف وشراؤها فَإِذا أَرَادَ الرجل مُصحفا استكتب وَأعْطى الْأُجْرَة وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب وَقد سُئِلَ عَن بيع الْمَصَاحِف وشرائها قَالَ لَا وَكَرِهَهُ وَالثَّانيَِة يجوز قَالَ فِي رِوَايَة الْمروزِي لَا بَأْس بشرَاء الْمُصحف وَيكرهُ بَيْعه وَقَالَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم وَإِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الشِّرَاء أسهل وَلم نر بِهِ بَأْسا وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي بيع الْمَصَاحِف لَا أعلم فِيهِ رخصَة وَالشِّرَاء أَهْون وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث بيع الْمَصَاحِف لَا يُعجبنِي وشراؤها أسهل

وروى ابْن أبي دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَن عبَادَة بن نسى أَن عمر كَانَ يَقُول لَا تَبِيعُوا الْمَصَاحِف وَلَا تشتروها وبإسناده عَن ابْن مَسْعُود كره بيعهَا وشراءها وَعَن أبي هُرَيْرَة وَعَن جَابر كره بيعهَا وشراءها وبإسناده عَن ابْن عَبَّاس وَجَابِر ابتعها ولاتبعها وروى الْأَثْرَم بِإِسْنَادِهِ عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس اشْتَرِ الْمُصحف وَلَا تبعه ثمَّ ذكر القَاضِي رِوَايَتَيْنِ فِي جَوَاز استبداله بِمثلِهِ وتخصيصه الْمُصحف يدل على إِبَاحَة ذَلِك كُله فِي كتب الْعلم وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب وَسَأَلَهُ عَن بيع كتب الْعلم قَالَ لَا يُبَاع الْعلم وَلَكِن يَدعه لوَلَده ينْتَفع بِهِ أَو لغير وَلَده ينْتَفع بِهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد أَن ذكر الْكَلَام فِي الْمُصحف وَكَذَلِكَ فِي الْمُعَاوضَة على الْمَنَافِع الدِّينِيَّة من الْعلم وَنَحْوه وَكَذَلِكَ الِاسْتِئْجَار هُنَاكَ مثل الابتياع هُنَا وإبدال مَنْفَعَة دينية بِمَنْفَعَة دينية كَمَا هُنَا إِذْ لَا فرق بَين الْأَعْيَان الدِّينِيَّة وَالْمَنَافِع وَيتَوَجَّهُ فِي هَذَا وَأَمْثَاله أَنه يجوز للْحَاجة كالرواية الْمَذْكُورَة فِي التَّعْلِيم فَيَنْبَغِي أَن يفرق فِي الْأَعْيَان بَين الْمُحْتَاج وَغَيره كَمَا فرق فِي الْمَنَافِع وَمَا لم يجز بَيْعه فَيَنْبَغِي أَن لَا يجوز أَن يُوهب هبة يتبغي بهَا الثَّوَاب لحَدِيث المكارمة بِالْخمرِ وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن لَا يجوز استنقاذ آدَمِيّ أَو مصحف وَنَحْو ذَلِك بهَا مثل أَن نعطى لكَافِر خمرًا أَو ميتَة أَو دهنا نجسا ليعطينا مُسلما بدله أَو مُصحفا انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشَّيْخ موفق الدّين فِي الدّهن النَّجس يجوز أَن يدْفع إِلَى الْكَافِر

فِي فكاك مُسلم وَيعلم الْكَافِر بِنَجَاسَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِبيع فِي الْحَقِيقَة إِنَّمَا هُوَ استنقاذ مُسلم انْتهى كَلَامه وعَلى قِيَاسه مالم يجز بَيْعه كَالْخمرِ وَلحم الْميتَة وَنَحْو ذَلِك قَوْله وَيجوز بيع النَّحْل فِي كواراته مَعهَا وبدونها إِذا شوهد دَاخِلا إِلَيْهَا اشْتِرَاط كَونه فِي الكوارات ليَكُون مَقْدُورًا عَلَيْهِ وَاشْتِرَاط مشاهدته دَاخِلا إِلَيْهَا ليحصل الْعلم بِهِ لِأَن رُؤْيَته فِي الكوارة لَا يأتى على جَمِيعه وَقَالَ فِي الْمُغنِي وَيجوز بيع النَّحْل إِذا شَاهدهَا محبوسة بِحَيْثُ لَا يُمكنهَا أَن تمْتَنع قَالَ وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي كواراتها فَقَالَ القَاضِي لَا يجوز لِأَنَّهُ لَا يُمكن مشاهدتها جَمِيعهَا وَلِأَنَّهُ لَا يَخْلُو من عسل يكون مَبِيعًا مَعهَا وَهُوَ مَجْهُول وَقَالَ أَبُو الْخطاب يجوز بيعهَا فِي كواراتها ومنفردة عَنْهَا فَإِنَّهُ يُمكن مشاهدتها من كوراتها إِذا فتح رَأسهَا وتعرف كثرته من قلته وخفاء بعضه لَا يمْنَع صِحَة بَيْعه كالصبرة وكما لَو كَانَ فِي وعائها فَإِنَّهُ يكون على بعض فَلَا يُشَاهد إِلَّا ظَاهره وَالْعَسَل حكمه فِي البيع تبعا فَلَا تضر جهالته كأساسات الْحِيطَان فَإِن لم تمكن مشاهدته لكَونه مَسْتُورا بأقراصه وَلم يعرف لم يجز بَيْعه لجهالته انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي الْكَافِي وَيجوز بيع النَّحْل فِي كواراته ومنفردا عَنْهَا إِذا رؤى وَعلم قدره وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَامه فِي الْكَافِي ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَنه اشْتِرَاط الْعلم فَقَط وَأَنه يَصح بَيْعه طائرا كَالْعَبْدِ الْخَارِج من الْمنزل وَهُوَ أصح انْتهى كَلَامه

وعَلى قِيَاسه الَّذِي لَهُ منزل يرجع إِلَيْهِ فِي الْعَادة وَيَنْبَغِي أَن تكون الدَّابَّة الْخَارِجَة عَن الْمنزل كَالْعَبْدِ لِأَنَّهُ قَادر على استحضارها وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَيجوز بيع النَّحْل مَعَ الكوارات ومنفردا عَنْهَا وَكَذَا قَالَ فِي الْمَذْهَب وَغَيره وَلَعَلَّ مُرَادهم وَلَا يُمكنهُ أَن يمْتَنع لاشتراطهم الْقُدْرَة على التَّسْلِيم فقد ظهر أَن بيع النَّحْل وَحده فِي غير كوارته يَصح إِن لم يُمكنهُ الِامْتِنَاع وَإِن أمكنه وَالْعَادَة أَخذه فَقَوْلَانِ وَفِي كواراته وَحده أَو مَعهَا وَمَعَ الْعَسَل هَل يَصح أَولا وَإِن شَاهده دَاخِلا صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ولاتباع كوارة بِمَا فِيهَا من عسل وَنحل فَيصير هَذَا قولا رَابِعا وَقَالَ ابْن حمدَان بلَى بِشَرْطِهِ الْمَذْكُور وَهَذَا كَلَام غير وَاحِد قَوْله وَيجوز بيع الْعين الْمُؤجرَة نَص عَلَيْهِ فِي غير مَوضِع قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَأحمد بن سعيد وجعفر بن مُحَمَّد وَهُوَ قَول مَالك وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَيْسَ لَهُ أَن يَبِيعهَا قبل انْقِضَاء الْمدَّة إِلَّا برضى الْمُسْتَأْجر أَو يكون عَلَيْهِ دين فَيحْبس بِهِ فيبيعه فِي دينه وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا مثل قَوْلنَا وَالثَّانِي قَول أبي حنيفَة وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن بعض الْأَصْحَاب خرج مِنْهُ البيع وَقد نقل الْمَيْمُونِيّ عَن الإِمَام أَحْمد مَسْأَلَة رجل اكتريت دَارا أَرْبَعَة أشهر فَخرج بعد شهر فَسَمعته يَقُول مَذْهَبنَا أَنه يلْزمه الْكِرَاء ثمَّ قَالَ أَبُو عبد الله لَيْسَ لَهُ أَن يُخرجهُ من منزله قلت وَلَا لَهُ أَن يَبِيعهُ قَالَ وَلَا لَهُ أَن يَبِيعهُ إِلَّا أَن يبين شَرطه هَذَا الَّذِي لَهُ فِيهِ

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ ظَاهرهَا أَنه من بَاعَ الْعين الْمُؤجرَة وَلم يبين للْمُشْتَرِي أَنَّهَا مستأجرة لم يَصح وَوَجهه أَنه بَاعَ ملكه وَملك الْغَيْر فَهُوَ يشبه مَسْأَلَة تَفْرِيق الصَّفْقَة وَوجه الأول أَنه عقد على الْمَنْفَعَة فَلم يمْنَع نقل الْملك كَالنِّكَاحِ وَلِأَن للْحَاكِم البيع فَكَذَلِك الْمَالِك ذكره أَبُو الْخطاب وَغَيره فعلى هَذَا إِن علم مُشْتَرِيه الْأَجْنَبِيّ وَلم يرض بِهِ فَلهُ الْخِيَار بَين الرَّد والإمساك ذكره جمَاعَة كَابْن الْجَوْزِيّ وَالشَّيْخ وَقَالَ لِأَن ذَلِك عيب وَنقص وَهَذَا يدل على أَن لَهُ مَعَ الْإِمْسَاك الْأَرْش وَقطع بِهِ فِي الرِّعَايَة وَقد نقل جَعْفَر بن مُحَمَّد سَمِعت أَبَا عبد الله سُئِلَ عَن رجل آجر من رجل دَارا سنة ثمَّ بَاعهَا وَلم يعلم المُشْتَرِي قَالَ إِن شَاءَ ردهَا بعيبها وَإِن شَاءَ أمْسكهَا وَله كراؤها حَتَّى تتمّ سنة وَلَيْسَ لَهُ أَن يخرج السَّاكِن ظَاهر هَذَا أَن الْأُجْرَة للْمُشْتَرِي كَمَا نقُول فِي الشَّفِيع وَمن انْتقل إِلَيْهِ الْوَقْف قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين سَائِر نقل الْملك فِي الْعين الْمُؤجرَة كَالْبيع فَلَو وَهبهَا أَو أعتق العَبْد الْمُؤَجّر أَو وَقفهَا فَيَنْبَغِي أَن يكون كَالْبيع لَا يسْقط حق الْمُسْتَأْجر وَكَذَلِكَ لَو زوج الْحرَّة أَو الْأمة الْمُؤجرَة فَيَنْبَغِي أَن يقدم حق الْمُسْتَأْجر على حق الزَّوْج فَإِن الزَّوْج لَا يكون أقوى من المُشْتَرِي لَا سِيمَا عِنْد من يَقُول إِن السَّيِّد لَا يجب عَلَيْهِ تَسْلِيم الْأمة نَهَارا لِأَن السَّيِّد يسْتَحق الِاسْتِخْدَام فَإِذا قدم حق السَّيِّد فَحق الْمُسْتَأْجر أولى لِأَن الْعُقُود الْوَارِدَة إِذا أوردهَا الْمُسْتَحق قطعت

حَقه بِخِلَاف مَا إِذا أوردهَا غير الْمُسْتَحق وَقَالَ إِذا بِيعَتْ الْعين الْمُؤجرَة أَو الْمَرْهُونَة وَنَحْوهَا مِمَّا قد يتَعَلَّق بِهِ حق غير البَائِع وَهُوَ عَالم بِالْبيعِ فَلم يتَكَلَّم فَيَنْبَغِي أَن يُقَال لَا يملك الْمُطَالبَة بِفساد البيع بعد هَذَا لِأَن إخْبَاره بِالْعَيْبِ وَاجِب عَلَيْهِ بِالسنةِ بقوله وَلَا يحل لمن علم ذَلِك إِلَّا أَن يُبينهُ فكتمانه تغرير والغار ضَامِن وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي أَن يُقَال فِيمَا إِذا رأى عَبده يَبِيع فَلم يَنْهَهُ وَفِي جَمِيع الْمَوَاضِع فَالْمَذْهَب أَن السُّكُوت لَا يكون إِذْنا فَلَا يَصح التَّصَرُّف لَكِن إِذا لم يَصح يكون تغريرا فَيكون ضَامِنا فَإِن ترك الْوَاجِب عندنَا يُوجب الضَّمَان بِفعل الْمحرم كَمَا نقُول فِي مَسْأَلَة المستضيف وَمن قدر على إنجاء شخص من الهلكة بل الضَّمَان هُنَا أقوى انْتهى كَلَامه وَقد قَالَ بَعضهم فِيمَا إِذا عتق العَبْد الْمُؤَجّر إِنَّه لَا يرجع على مُعْتقه بِحَق مَا بَقِي فِي الْأَصَح قَوْله أَو بِصفة تَكْفِي فِي السّلم تَارَة يصفه بقوله وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوف وَتارَة يَقُول هُوَ مثل هَذَا فَيجْعَل لَهُ مِثَالا يرد إِلَيْهِ فَإِن هَذَا كَمَا لَو وصف وَأولى قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقد نَص الإِمَام أَحْمد على ذَلِك فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد وَغَيره فَإِن ذَلِك الْقيَاس لَيْسَ مَبِيعًا بل يَقُول أبيعك ثوبا مثل هَذَا فَالَّذِي يَنْبَغِي أَنه لَا فرق لِأَن معرفَة الْغَائِب بِرُؤْيَة مثله لَا تخْتَلف يكون ذَلِك الْمثل مَبِيعًا أَو غير مَبِيع وَمَعْرِفَة الشَّيْء بِرُؤْيَة مثله أتم من مَعْرفَته بوصفه بالْقَوْل

لَكِن إِذا قُلْنَا إِنَّه لَا بُد من رُؤْيَة الْمَبِيع كمذهب الشَّافِعِي فرؤية الْبَعْض تكفى فِي المتماثلات وَنَحْوهَا وَلَو أرَاهُ فِي المتماثلات مَا لَيْسَ من الْمَبِيع وَقَالَ الْمَبِيع مثل هَذَا لم يكف وَهَذَا قِيَاس هَذَا القَوْل انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب أَنه يجوز تَقْدِيم الْوَصْف على العقد وَذكره القَاضِي مَحل وفَاق وَكَذَلِكَ إِن كَانَ مِمَّا يجوز السّلم فِيهِ ذكر بَعضهم هَذَا الْقَيْد وَبَعْضهمْ لم يذكرهُ وَلما احْتج الْحَنَفِيَّة لمذهبهم فِي صِحَة بيع الْغَائِب من غير رُؤْيَة وَلَا صفة بِمَا رُوِيَ عَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم من بيع الْعقار حمل القَاضِي وَالشَّيْخ موفق الدّين ذَلِك على أَنه يحْتَمل أَن يكون وصف لَهُ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن بيع الْعقار بِالصّفةِ جَائِز وَالْعَقار لَا يجوز فِيهِ السّلم فَعلم أَن هَذَا أوسع من بَاب السّلم وَقد عرف من هَذِه الْمَسْأَلَة صِحَة بيع الْأَعْمَى وشرائه قَالَ القَاضِي وَغَيره شِرَاء الْأَعْمَى وَبيعه جَائِز على قِيَاس الْمَذْهَب وَأَن الرُّؤْيَة لَيست بِشَرْط فِي عقد البيع وَإِنَّمَا الِاعْتِبَار بِالصّفةِ وَهَذَا يُمكن فِي حق الْأَعْمَى فقد بنى الْمَسْأَلَة على صِحَة بيع الصّفة وَفِيه رِوَايَتَانِ منصوصتان وَظَاهر الْمَذْهَب صِحَّته وَذكر فِي الرِّعَايَة أَن الإِمَام أَحْمد نَص على صِحَة بيع الْأَعْمَى فَإِن عدمت الصّفة فَعرف الْمَبِيع بذوق أَو لمس أَو شم صَحَّ وَإِلَّا فَلَا وَإِن بَاعَ شَيْئا بِثمن معِين احْتمل وَجْهَيْن وَوَافَقَ على صِحَة بَيْعه أَبُو حنيفَة وَمَالك وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يَصح بِنَاء على الأَصْل الْمَذْكُور قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وعَلى الرِّوَايَة الَّتِي توافقه يُمكن أَن نقُول يَصح

هُنَا للْحَاجة وَلَا يشْتَرط مَعَ الرُّؤْيَة ذوق وَلَا لمس وَلَا شم ذكره القَاضِي بِمَا يَقْتَضِي أَنه مَحل وفَاق وَأَنه لَا يثبت الْخِيَار بِعَدَمِهِ عِنْد أبي حنيفَة وَذكر أَبُو الْخطاب أَنه يشْتَرط أَيْضا الْمعرفَة فَلَا يجوز أَن يَشْتَرِي غير الْجَوْهَرِي جَوْهَرَة وَلَا غير الْكَاتِب كتابا مثمنا أَو يَشْتَرِي الدّباغ عودا كَبِيرا قَالَ على مَا نَقله أَبُو طَالب عَن الإِمَام أَحْمد إِذا لم يعرف صفته فَهُوَ بيع فَاسد وَكَذَلِكَ الْمَيْمُونِيّ فَلَا يَبِيعهُ حَتَّى يرَاهُ ويعرفه قَالَ فَشرط الْمعرفَة لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُود عين الْمعرفَة وَإِنَّمَا الْمَقْصُود الْمعرفَة بهَا ثمَّ ذكر وَجها ثَانِيًا أَنه لَا يشْتَرط وَفرق بَينه وَبَين الرِّوَايَة وَذكر فِي مَوضِع آخر فِي الْمَسْأَلَة أَن الْوَجْه الثَّانِي أصح وَأَنه يَكْفِي مُجَرّد الرُّؤْيَة أَو الصّفة فِي جَمِيع المبيعات وَهَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي مَحل وفَاق مَعَ الشَّافِعِيَّة أَن من اشْترى فصا فَرَآهُ وَهُوَ لَا يعلم أجوهر هُوَ أم زجاج جَازَ العقد وَإِن كَانَت الْجَهَالَة بَاقِيَة مَعَ الرُّؤْيَة وَذكر بعض الْأَصْحَاب الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ وَأطلق فِي الْمُحَرر وَغَيره صِحَة البيع بِالصّفةِ وَهُوَ يصدق على مَا إِذا كَانَ الْمَبِيع عينا مُعينَة مثل بِعْتُك عَبدِي وَيذكر صِفَاته وَيصدق على مَا إِذا كَانَ غير معِين مثل بِعْتُك عبدا تركيا وَيذكر صِفَات الْمُسلم فَالْأول صَحِيح وَكَذَا الثَّانِي على مَا قطع بِهِ جمَاعَة كصاحب الْمُسْتَوْعب وَالشَّيْخ اعْتِبَارا بِاللَّفْظِ دون الْمَعْنى وَظَاهر مَا ذكره فِي التَّلْخِيص أَنه لَا يَصح لِأَنَّهُ اقْتصر على الأول وَذكره فِي الرِّعَايَة قولا فَقَالَ صَحَّ البيع فِي الأقيس وَلَعَلَّ هَذَا مَا ذكره فِي الْمُحَرر وَغَيره لِأَنَّهُ سلم حَال وَلِحَدِيث حَكِيم بن حزَام لَا تبع مَا لَيْسَ عنْدك وَحمله فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره على أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَرَادَ بيع معِين لَيْسَ فِي ملكه فعلى الصِّحَّة قيل يجوز التَّفَرُّق قبل الْقَبْض كَبيع الْعين

فعلى هَذَا يَنْبَغِي أَن يشْتَرط التَّعْيِين وَهُوَ ظَاهر مَا فِي الْمُسْتَوْعب لِأَنَّهُ قَالَ كَقَوْلِه اشْتريت مِنْك ثوبا من صفته كَذَا وَكَذَا بِهَذِهِ الدَّرَاهِم وَلَا يكون الْمَبِيع مَوْجُودا وَلَا معينا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ بِالتَّعْيِينِ يخرج عَن أَن يكون بيع دين بدين وَهُوَ عِلّة الْمَنْع صرح بهَا فِي الْكَافِي وَغَيره وَقد قطعُوا بِأَنَّهُ لَا يجوز بيع الدّين المستقر لمن هُوَ فِي ذمَّته بدين وَقيل لَا يجوز التَّفَرُّق عَن مجْلِس العقد قبل قبض الْمَبِيع أَو قبض ثمنه لِأَنَّهُ بيع فِي الذِّمَّة كالسلم وللشافعية خلاف نَحْو هَذَا قَوْله فَإِن اخْتلفَا فِي التَّعْيِين أَو الصّفة فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي مَعَ يَمِينه وَكَذَا ذكره الْأَصْحَاب لِأَن الأَصْل بَرَاءَة ذمَّته فَلَا يلْزمه مالم يلْتَزم بِهِ وَلم تُوجد بَيِّنَة وَلَا اعْتِرَاف وَاسْتشْكل ابْن حمدَان هَذَا فَقَالَ فِيهِ نظر وَهَذِه الْمَسْأَلَة يتَوَجَّه فِيهَا قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا أَن القَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل عدم التَّعْيِين وَعدم اشْتِرَاط الصّفة المدعاة وَالْقَوْل الآخر أَنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ لظُهُور التَّعَارُض كَمَا لَو اخْتلفَا فِي قدر الثّمن أَو صفته وَجعل الْأَصْحَاب الْمَذْهَب هُنَا قَول الْمُشْتَرى مَعَ أَن الْمَذْهَب عِنْدهم فِيمَا إِذا قَالَ بعتني هذَيْن بِمِائَة قَالَ بل أَحدهمَا بِخَمْسِينَ أَو بِمِائَة أَن القَوْل قَول البَائِع لِأَن الأَصْل عدم بيع الآخر مَعَ أَن الأَصْل السَّابِق مَوْجُود هُنَا مُشكل قَوْله وَإِذا بَاعَ عبدا مُبْهما فِي أعبد لم يَصح قَالَ القَاضِي إِذا ابْتَاعَ ثوبا من أحد هذَيْن أَو من أحد ثَلَاثَة أَو من أحد أَرْبَعَة فَالْعقد فَاسد وَلم يذكر عَن أَحْمد وَلَا غَيره نصا وَذكر فِي أثْنَاء

الْمَسْأَلَة أَنه يَصح مثل ذَلِك فِي الْإِجَارَة فِيمَا يتقارب نَفعه وَهَذَا مثل مَذْهَب مَالك فِي البيع قَالَ الشَّافِعِي تَقِيّ الدّين وَالْفرق بَين البيع وَالْإِجَارَة عسر انْتهى كَلَامه وَمَا قَالَه صَحِيح وَظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب التَّسْوِيَة بَين البيع وَالْإِجَارَة وَهُوَ أولى وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا مَا يتَعَلَّق بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة وَكَذَا مَسْأَلَة بِعْتُك بِعشْرَة نَقْدا وبعشرين نَسِيئَة فَإِن بَاعَ من الْمَعْدُود الْمُنْفَصِل المتقارب كالبيض مثل أَن يَبِيع مائَة بَيْضَة من ألف بَيْضَة فَيَنْبَغِي أَن يخرج على السّلم فِيهِ عددا فَإِن صَحَّ وَهُوَ الرَّاجِح صَحَّ ذَلِك وَإِلَّا فَلَا وَذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْمَبِيع الْمُتَعَيّن أَنه يَصح قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ مُقْتَضى قَول الْخرقِيّ إِلَّا أَن جعل قَول الْخرقِيّ معدودا يعم المزروع أَيْضا قَوْله وَإِن بَاعه ذِرَاعا غير معِين من أَرض أَو ثوب لم يَصح إِلَّا أَن يعلمَا ذرع الْكل فَيصح فِي قدره مشَاعا قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد قَالَ سُفْيَان فِي خمس نفر بَينهم خَمْسَة أَبْيَات فِي دَار فَبَاعَ أحدهم نصِيبه فِي بَيت لَا أجيزه وَإِن باعوا جَمِيعًا جَازَ هُوَ ضَرَر يضر بِأَصْحَابِهِ هُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ نصِيبه من ذَلِك الْبَيْت فَإِن قَالَ أبيعك بَيْتا من الدَّار لَا يجوز بيع مَا لَيْسَ لَهُ قيل لَهُ فان قَالَ أبيعك خمس الدَّار فَقَالَ إِذا قَالَ نَصِيبي قَالَ أَحْمد جيد قيل للْإِمَام أَحْمد قَالَ سُفْيَان إِذا كَانَ دَار بَين اثْنَيْنِ فَقَالَ أَحدهمَا أبيعك نصف هَذِه الدَّار

قَالَ لَا يجوز إِنَّمَا لَهُ الرّبع من النّصْف حَتَّى يَقُول نَصِيبي قَالَ أَحْمد هُوَ كَمَا قَالَ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا الْكَلَام فِيهِ مَسْأَلَتَانِ إِحْدَاهمَا إِذا قَالَ الشَّرِيك بِعْتُك ثلث الدَّار أَو ربعهَا أَو قيراطا مِنْهَا لم يجز حَتَّى يَقُول نَصِيبي لِأَن قَوْله الثُّلُث أَو النّصْف يعم النّصْف من نصِيبه وَنصِيب شَرِيكه وَكَذَلِكَ الْهِبَة وَالْوَقْف وَالرَّهْن الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة إِذا بَاعَ نصِيبه من بَيت من دَار لَهُ فِيهَا بيُوت لم يجز بِخِلَاف مَا لَو بَاعَ نصِيبه من الْبيُوت كلهَا وَلِهَذَا إِذا بَاعَ الْبَيْت جَمِيعه لم يجز بَيْعه فِي نصِيبه أَنه لَا يملك بَيْعه مُفردا لِأَن فِي ذَلِك ضَرَرا بالشركاء لِأَن المُشْتَرِي لَا يُمكنهُ الِانْتِفَاع بِبَعْض الْبَيْت إِلَّا بِالِانْتِفَاعِ بِغَيْرِهِ من الارض الْمُشْتَركَة وَإِنَّمَا يملك الِانْتِفَاع من كَانَ شَرِيكا فِي الْبيُوت كلهَا وَهَذَا معنى قَوْله هُوَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْخُذ نصِيبه من ذَلِك يَعْنِي أَن الِانْتِفَاع بِنَصِيبِهِ من ذَلِك الْبَيْت دون غَيره لَا يجوز فَكيف يجوز للْمُشْتَرِي مِنْهُ وَقَالَ بعد أَن ذكر كَلَام صَاحب الْمُحَرر تقدم كَلَام على بيع الْمشَاع وَكَلَام الإِمَام أَحْمد يُخَالف هَذَا وَإِذا علمنَا عدد العبيد وأوجنبا الْقِسْمَة أعيانا فَالْفرق بَين الْمُتَّصِل والمنفصل بَين ذِرَاع من أَرض وَعبد من أعبد لَيْسَ بِذَاكَ وَقد ذكرُوا احْتِمَالا فِي صِحَة بيع ذِرَاع مُبْهَم وَيكون مشَاعا فَكَذَلِك بيع عبد مُبْهَم انْتهى كَلَامه قَوْله فَإِنِّي أَبى الْمُشْتَرى أَن يذبح لم يجْبر وَلَزِمَه قيمَة الْمُسْتَثْنى

نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا وَرَوَاهُ عَن عَليّ بِإِسْنَاد جيد وَقَالَ حَنْبَل قَالَ عمى لَهُ مثل مَا شَرط لَهُ وَرَوَاهُ بِإِسْنَادِهِ من رِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ عَن الشّعبِيّ قَالَ قضى زيد بن ثَابت وَأَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَرَضي الله عَنْهُم بذلك وَيحْتَمل أَن يلْزمه الذّبْح وَتَسْلِيم الْمُسْتَثْنى لِأَنَّهُ مَال الْغَيْر الْتزم بِأَدَائِهِ فَلَزِمَهُ كَمَا لَو أفْضى تَسْلِيمه إِلَى ذهَاب بعض عين الْمَبِيع بل هَذَا أولى لِأَنَّهُ دخل على هَذَا الضَّرَر وَيحْتَمل أَن يبطل بيع الْحَيَوَان كَمَا لَو قَالَ إِلَّا فخده أَو شحمه وَقد يَجِيء هَذَا الِاحْتِمَال فِي صُورَة الِامْتِنَاع خَاصَّة لتعذر الْأَمريْنِ أما الأول فَلِأَنَّهَا معاوضه لم يرض بهَا وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ ذبح الْحَيَوَان لغير مأكله لتخصيص حَتَّى الْغَيْر قَوْله أَو الْأمة إِلَّا حملهَا نقل ابْن الْقَاسِم وسندى وَغَيرهمَا أَنه يَصح وَنقل حَنْبَل والمروزي أَنه لَا يَصح وَهُوَ قَول الثَّلَاثَة وَهُوَ أشهر وَكَلَامه فِي الْمُحَرر يصدق على استثنائه بِاللَّفْظِ أَو بِالشَّرْعِ وَذكر القَاضِي أَنه إِذا كَانَ الْحمل حرا أَو كَانَ لغيره لم يَصح بيعهَا كَمَا لَا يَصح لَو اسْتَثْنَاهُ ذكره فِي مَسْأَلَة الحربية الْحَامِل بِولد مُسلم وَهُوَ قَول الشَّافِعِي قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَالْأولَى صِحَّته لِأَن الْمَبِيع مَعْلُوم وجهالة الْحمل لَا تضر لِأَنَّهُ لَيْسَ بمبيع وَلَا مُسْتَثْنى بِاللَّفْظِ وَقد يسْتَثْنى بِالشَّرْعِ مَالا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ بِاللَّفْظِ صَحَّ وَوَقعت مَنْفَعَة الْبضْع مُسْتَثْنَاة بِالشَّرْعِ وَلَو اسْتَثْنَاهُ بِلَفْظِهِ لم يجز

وَلَو بَاعَ أَرضًا فِيهَا زرع للْبَائِع أَو نَخْلَة مؤبرة وَقعت مَنْفَعَتهَا مُدَّة بَقَاء الزَّرْع وَالثَّمَرَة مُسْتَثْنَاة بِالشَّرْعِ وَلَو استثناها بقوله لم يجز وَلَو بَاعَ الْحَامِل مُطلقًا دخل الْحمل فِي البيع قَالَ مَالك الْأَمر الَّذِي لَا اخْتِلَاف فِيهِ عندنَا أَن من بَاعَ وليدة أَو شَيْئا من الْحَيَوَان وَفِي بَطنهَا جَنِين أَن ذَلِك الْجَنِين للْمُشْتَرِي اشْتَرَطَهُ أَو لم يَشْتَرِطه قَالَ حَنْبَل قَالَ عمي إِذا اشْتَرَطَهُ كَانَ ذَلِك لَهُ قَوْله وَإِن بَاعه شَيْئا برقمه قَالَ الْخلال ذكر البيع بِغَيْر ثمن مُسَمّى ثمَّ ذكر عَن حَرْب سَأَلت الإِمَام أَحْمد قلت الرجل يَقُول لرجل ابْعَثْ لي جريبا من بر واحسبه على بِسعْر مَا تبيع قَالَ لَا يجوز هَذَا حَتَّى يبين لَهُ السّعر وَعَن إِسْحَق بن مَنْصُور قلت للامام أَحْمد الرجل يَأْخُذ من الرجل سلْعَة فَيَقُول أَخَذتهَا مِنْك على مَا تبيع الْبَاقِي قَالَ لَا يجوز وَعَن حَنْبَل قَالَ عمي أَنا أكرهه لِأَنَّهُ بيع مَجْهُول والسعر يخْتَلف يزِيد وَينْقص وروى حَنْبَل عَن أبي عُبَيْدَة أَنه كره ذَلِك وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي مسَائِله بَاب فِي الشِّرَاء وَلَا يُسمى الثّمن سَمِعت أَحْمد سُئِلَ عَن الرجل يبْعَث إِلَى الْبَقَّال فَيَأْخُذ مِنْهُ الشئ بعد الشئ ثمَّ يحاسبه بعد ذَلِك قَالَ أَرْجُو أَن لَا يكون بذلك بَأْس قَالَ أَبُو دَاوُد قيل لِأَحْمَد يكون البيع ساعتئذ قَالَ لَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَظَاهر هَذَا أَنَّهُمَا اتفقَا على الثّمن بعد قبض الْمَبِيع

وَالتَّصَرُّف فِيهِ وَأَن البيع لم يكن وَقت الْقَبْض وَإِنَّمَا كَانَ وَقت التحاسب وَأَن مَعْنَاهُ صِحَة البيع بالسعر وَقَوله أَيكُون البيع ساعتئذ يَعْنِي وَقت التحاسب وَهَذَا هُوَ الظَّاهِر وأصرح من ذَلِك مَا ذكره فِي مَسْأَلَة المعاطاة عَن مثنى بن جَامع عَن أَحْمد فِي الرجل يبْعَث إِلَى معامل لَهُ ليَبْعَث إِلَيْهِ بِثَوْب فيمر بِهِ فيسأله عَن ثمن الثَّوْب فيخبره فَيَقُول لَهُ اكتبه وَالرجل يَأْخُذ التَّمْر فَلَا يقطع ثمنه ثمَّ يمر بِصَاحِب التَّمْر فَيَقُول لَهُ اكْتُبْ ثمنه فَأَجَازَهُ إِذا ثمنه بِسعْر يَوْم أَخذه وَهَذَا صَرِيح فِي جَوَاز الشِّرَاء بِثمن الْمثل وَقت الْقَبْض لَا وَقت المحاسبة سَوَاء ذكر ذَلِك فِي العقد أَو أطلق لفظ الْأَخْذ زمن البيع وَقد احْتج القَاضِي فِي مَسْأَلَة المعاطاة بِحَدِيث أبي بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا وهما دَلِيل على ذَلِك وَهَذَا يشبه الْإِذْن فِي الْإِتْلَاف بعوض كَمَا إِذا قَالَ ألقه فِي الْبَحْر وعَلى قِيمَته أَو أعتق عَبدك عني وَعلي قِيمَته وعَلى هَذَا فَلَو اخْتلفَا وَالْعين قَائِمَة ردَّتْ وَإِن فَاتَت فَالْقيمَة وَسَيَجِيءُ فِي أول السّلم هَذِه الْمَسْأَلَة عَن الْأَوْزَاعِيّ إِذا اتفقَا على تَقْدِير الثّمن ثمَّ أَخذ مِنْهُ بعد ذَلِك ثمَّ حَاسبه فَلَعَلَّ كَلَام الإِمَام أَحْمد على ذَلِك هَذَا وَيتَوَجَّهُ أَن يكون الثّمن بعد العقد والإتلاف كتقدير الصَدَاق بعد العقد أَو بعد الدُّخُول هَذَا كُله كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي وَقد أطلق الإِمَام أَحْمد القَوْل فِي جَوَاز البيع بِالرَّقْمِ فَقَالَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد وَقد سُئِلَ عَن بيع الرقم فَكَأَنَّهُ لم ير بِهِ بَأْسا وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة أبي طَالب لَا بَأْس بِبيع الرقم يَقُول أبيعك برقم كَذَا وَكَذَا وَزِيَادَة على الرقم كَذَا وَكَذَا كل ذَلِك جَائِز ومتاع فَارس إِنَّمَا

هُوَ بيع بِالرَّقْمِ قَالَ وَهَذَا مَحْمُول على أَنَّهُمَا عرفا مبلغ الرقم فأوقعا العقد عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الرقم رَأس المَال وَمَا اشْترى بِهِ فلَان أَحَالهُ على فعل وَاحِد والسعر إِحَالَة فعل الْعَامَّة مَعَ أَنه مُحْتَمل فَإِنَّهُ شبه التَّوْكِيل وَلَو أذن لرجل أَن يَشْتَرِي لَهُ هَذِه السّلْعَة بِمَا رأى جَازَ لَكِن قد يُقَال هُوَ مُقَيّد بِأَن لَا يكون فِيهِ غير خَارج عَن الْعَادة وَهَذَا مُتَوَجّه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَول الإِمَام أَحْمد كل ذَلِك جَائِز دَلِيل على أَنه ذكر صُورَتَيْنِ إِحْدَاهمَا أَن يعين الرقم فَيَقُول برقم كَذَا وَكَذَا وَالثَّانيَِة أَن يَقُول بِزِيَادَة على الرقم كَذَا وَكَذَا وَلَا يُعينهُ فَقَالَ كل ذَلِك جَائِز وَلَوْلَا أَن الرقم غير معِين لم يكن لسؤالهم لَهُ وَجه وَلَا يَقُول أَبُو دَاوُد كَأَنَّهُ لم بر بِهِ بَأْسا وَهَذَا كالتوليه وَالْأَخْذ بِالشُّفْعَة وَنَحْو ذَلِك ثمَّ قَالَ بيع الشئ بالسعر أَو بِالْقيمَةِ وَهِي معنى السّعر لَهَا صور إِحْدَاهَا أَن يَقُول بعنى كَذَا بالسعر وَقد عرفا السّعر فَهَذَا لَا ريب فِيهِ الثَّانِيَة أَن يكون عرف عَام أَو خَاص أَو قرينَة تَقْتَضِي البيع بالسعر وهما عالمان فَهَذَا قِيَاس ظَاهر الْمَذْهَب صِحَّته هُنَا كَبيع المعاطاة مثل أَن يَقُول زن لي من الْخبز أَو اللَّحْم أَو الْفَاكِهَة كَذَا وَكَذَا وَعرف هَذَا البَائِع أَنه يَبِيع النَّاس كلهم بِثمن وَاحِد وَكَذَا عرف أهل الْبَلَد فَإِن الرُّجُوع إِلَى الْعرف فِي قدر الثّمن كالرجوع فِي وَصفه الثَّالِثَة أَن يتبايعا بالسعر لفظا أَو عرفا وهما أَو أَحدهمَا لَا يعلم فَكَلَام الإِمَام أَحْمد يَقْتَضِي رِوَايَتَيْنِ وَوجه الصِّحَّة إِلْحَاق ذَلِك بِقِيمَة الْمثل فِي الْإِجَارَة إِذا دخل الْحمام أَو قصر الثَّوْب ثمَّ إِن قيل البيع فَاسد وَكَانَت الْعين تالفة فَالْوَاجِب أَن لَا يضمن إِلَّا بِالْقيمَةِ لِأَنَّهُمَا تَرَاضيا بذلك

وَنَظِيره أعتق عَبدك عني وَعلي ثمنه أَو ألق متاعك فِي الْبَحْر وَعلي ثمنه انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَيْضا بعد أَن حكى مَا تقدم من الرِّوَايَات قد يُقَال فِي الْمَسْأَلَة رِوَايَتَانِ لِأَنَّهُ جوزه هُنَاكَ بالسعر كَمَا تقدم وَمنعه هُنَا وَقد يُقَال هُنَاكَ كَانَ السّعر مَعْلُوما للْبَائِع مُسْتَقرًّا وَهنا لم يكن السّعر مَعْلُوما للْبَائِع لِأَنَّهُ لم يدر بعد مَا يَبِيع بِهِ فَصَارَ البيع بالسعر المستقر الَّذِي يُعلمهُ البَائِع كَالْبيع بِالثّمن الَّذِي اشْتَرَاهُ فِي بيع التَّوْلِيَة والمرابحة وَأخذ الشَّفِيع الشّقص الْمَشْفُوع بِالثّمن الَّذِي اشْترى بِهِ قبل علمه بِقدر الثّمن وَذكر فِي مَوضِع آخر أَن هَذَا أظهر قَالَ كل من ألزمهُ الشَّارِع بِالْبيعِ فَإِنَّمَا يلْزمه البيع بِثمن الْمثل وَبِذَلِك حكم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كمن أعتق شركا لَهُ فِي عبد قَالَ وَلَيْسَ هَذَا من بَاب ضَمَان التّلف بِالْبَدَلِ كَمَا توهم ذَلِك طَائِفَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم بل هُوَ من بَاب البيع بِقِيمَة الْمثل لِأَن نصيب الشَّرِيك يدْخل فِي ملك الْمُعْتق ثمَّ يعْتق وَيكون وَلَاء العَبْد كُله لَهُ لَيْسَ من قبيل العَبْد الْمُشْتَرك بَينه وَبَين شَرِيكه بل هُوَ كمن ابْتَاعَ نصيب شَرِيكه لَكِن ألزمهما بالتبايع لتكميل حريَّة العَبْد قَوْله أَو بِأَلف ذَهَبا وَفِضة قَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن وَغَيره إِذا اشْترى جَارِيَة بِأَلف مِثْقَال ذَهَبا وَفِضة لم يجز البيع هَذَا قِيَاس الْمَذْهَب لِأَن الْخرقِيّ قَالَ وَإِذا أسلم فِي شَيْئَيْنِ ثمنا وَاحِدًا لم يجز حَتَّى يبين ثمن كل جنس فالثمن الْوَاحِد هُنَاكَ بِمَثَابَة الْجَارِيَة هُنَا وَالذَّهَب وَالْفِضَّة هُنَا يمثابة الشَّيْئَيْنِ هُنَاكَ

فقد اعتبروا هَذِه الْمَسْأَلَة بِمَسْأَلَة السّلم وَفِي مَسْأَلَة السّلم خلاف فَالْقَوْل بِهِ هُنَا أولى لِأَن مثل مَسْأَلَة يجوز فِي بيع الْأَعْيَان قولا وَاحِدًا ومسألتنا من بُيُوع الْأَعْيَان فَالْقَوْل بِجَوَاز مَسْأَلَة السّلم أولى أَن يُقَال بِهِ هُنَا وَقد قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي أحد قوليه بِصِحَّة مثله فِي السّلم وَوجه الْبطلَان جَهَالَة الثّمن كَمَا لَو بَاعَ ألفا بَعْضهَا ذَهَبا وَبَعضهَا فضَّة وَفِيه نظر وَقَوله أَو بِدِينَار إِلَّا درهما قَالَ حَرْب سَأَلت الإِمَام أَحْمد قلت الرجل يَقُول أبيعك هَذَا بِدِينَار إِلَّا درهما قَالَ لَا يجوز وَلَكِن بِدِينَار إِلَّا قيراطا وَنَحْو ذَلِك لِأَن الِاسْتِثْنَاء يكون فِي شَيْء يعرف وَالدِّرْهَم لَيْسَ يعرف كم هُوَ من الدِّينَار وَيجوز أَن يَقُول أبيعك بِدِينَار وَدِرْهَم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد يُؤْخَذ من هَذَا جَوَاز الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِقْرَار وَنَحْوه لِأَنَّهُ علل بالجهالة وَذَلِكَ لَا يضر فِي الْإِقْرَار وَلِأَنَّهُ لَو كَانَ الِاسْتِثْنَاء بَاطِلا لصَحَّ بالدينار ولغا قَوْله إِلَّا درهما على قَول من يبطل هَذَا الِاسْتِثْنَاء انْتهى كَلَامه وَوجه الْبطلَان أَنه قصد اسْتثِْنَاء قيمَة الدِّينَار وَهِي غير مَعْلُومَة واستثناء الْمَجْهُول من الْمَعْلُوم يصيره مَجْهُولا كَمَا لَو قَالَ بِمِائَة إِلَّا قَفِيزا وَقيل يَصح لِأَنَّهُ أمكن تَصْحِيح كَلَام الْمُكَلف بِتَقْدِير قيمَة الدِّينَار وَالذَّهَب وَالْفِضَّة كالجنس الْوَاحِد بِخِلَاف غَيرهمَا وَقَالَ ابْن عقيل فَإِن قَالَ بِعْتُك هَذَا الثَّوْب بِعشْرَة دَنَانِير إِلَّا قَفِيزا من الْحِنْطَة فَهَذَا اسْتثِْنَاء لَا يَصح فَيحْتَمل أَن يَصح البيع لِأَن الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس فِيمَا عدا الذَّهَب وَالْفِضَّة مُنْقَطع عَن الْجُمْلَة الْمُسْتَثْنى مِنْهَا فَيلْغُو وَيكون الثّمن مَعْلُوم أَلا ترى أَنه فِي الْإِقْرَار لَو اسْتثْنى دَرَاهِم من دَنَانِير أَو دَنَانِير من دَرَاهِم

حذف من الْجُمْلَة بِالْقيمَةِ وَلَو اسْتثْنى حِنْطَة من ذهب أَو فضَّة لَغَا الِاسْتِثْنَاء وَكَانَ الْإِقْرَار بِالْجُمْلَةِ من الثّمن الْمَذْكُور فَلذَلِك كَانَ الثّمن مَعْلُوما وَيحْتَمل أَن لَا يَصح البيع لِأَن الِاسْتِثْنَاء قصد بِهِ رفع شَيْء من الثّمن فَرفع قيمَة ذَلِك وَقِيمَة ذَلِك مَجْهُولَة فِي حَالَة التَّسْمِيَة فَتَصِير الْجُمْلَة مَجْهُولَة وَالِاحْتِمَال الأول أصح انْتهى كَلَامه قَوْله أَو بِدِينَار مُطلق وَلَيْسَ للبلد نقد غَالب وَذكره أَجود لِأَن الْجَهَالَة تَزُول بِظُهُور الْمُعَامَلَة بغالب نقد الْبَلَد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الَّذِي يَقْتَضِيهِ كَلَامه فِي رِوَايَة الْأَثْرَم والانطاكي وسندي وَابْن الْقَاسِم إِذا بَاعه أَو أكراه بِكَذَا وَكَذَا درهما صَحَّ وَله نقد النَّاس وَإِن كَانَت النُّقُود مُخْتَلفَة فَلهُ أوسطها فِي رِوَايَة وأقلها فِي رِوَايَة وَكَلَامه نَص لمن تَأمله أَن البيع بِالنَّقْدِ الْمُطلق يَصح بِكُل حَال وَإِلَّا لأخبر بِفساد العقد وَهَذَا شَبيه بتصحيح الْمُطلق من الْحَيَوَان فِي الصَدَاق وَغَيره لَكِن الْمُطلق فِي النُّقُود أوسع فَلهَذَا صَححهُ فِي البيع انْتهى كَلَامه قَالَ الْأَثْرَم قلت لأبي عبد الله رجل لَهُ على رجل دَرَاهِم أَي نقد لَهُ قَالَ بَاعه شَيْئا فَقلت بَاعه ثوبا بِكَذَا وَكَذَا درهما أَو اكترى مِنْهُ دَارا بِكَذَا وَكَذَا درهما فاختلفا فِي النَّقْد فَقَالَ إِنَّمَا يكون لَهُ نقد النَّاس الْمُتَعَارف بَينهم قلت نقد النَّاس بَينهم مُخْتَلف فَقَالَ لَهُ أقل ذَلِك قَالَ ابْن عقيل فَظَاهره جَوَاز البيع بِثمن مُطلق مَعَ كَون الْعُقُود مُخْتَلفَة وَيكون لَهُ أدناها انْتهى كَلَامه قَالَ ابْن عقيل وَالْمَشْهُور عِنْد الْأَصْحَاب عدم الصِّحَّة

قَوْله أَو قَالَ بِعْتُك بِعشْرَة نَقْدا أَو بِعشْرين نَسِيئَة فَإِنَّهُ لَا يَصح يَعْنِي إِن افْتَرقَا قبل تعْيين أحد الثمنين لِأَن هَذَا بيعان فِي بيعَة وَقد نهى عَنهُ الشَّارِع فسره بذلك جمَاعَة مِنْهُم مَالك وَالثَّوْري وَإِسْحَاق وَأحمد فِي رِوَايَة أبي الْحَرْث وَهُوَ قَول أَكثر الْعلمَاء وَقَالَ مِنْهَا سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن رجل بَاعَ بيعا بدرهم وَاشْترط عَلَيْهِ الدِّينَار بِكَذَا وَكَذَا فَقَالَ هَذَا لَا يحل هَذِه بيعتان فِي بيعَة وَكَذَا فسره فِي رِوَايَة حَرْب وَمُحَمّد بن مُوسَى بن مشيش وَهَارُون الْحمال وَأبي الْحَرْث أَيْضا وَقَالَ مهنا سَأَلت أَبَا عبد الله عَن الرجل يَقُول للرجل هَذَا الثَّوْب بِثَلَاثِينَ درهما بالمكسرة وبخمسة وَعشْرين بالصحاح قَالَ لَا يَصح هَذَانِ شَرْطَانِ فِي بيع فَقلت يتْرك لَهُ هَذَا الثَّوْب بِثَلَاثِينَ درهما نَسِيئَة وَعشْرين بِالنَّقْدِ قَالَ لَا يَصح هَذِه بيعتان فِي بيعَة وَقيل للْإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم إِذا قَالَ بِعشْرَة دَرَاهِم بالصحاح وباثني عشر بالغلة هُوَ شَرْطَانِ فِي بيع قَالَ لَا بيعتان فِي بيعَة وَقيل للْإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مُحَمَّد بن أبي حَرْب إِن قَالَ إِن أتيتني بِالدَّرَاهِمِ إِلَى مشهر فَهُوَ بِكَذَا وَإِن أتيتني إِلَى شَهْرَيْن فَهُوَ بِكَذَا أَكثر من ذَلِك قَالَ لَا يجوز هَذَا وَقَالَ فِي رِوَايَة صَالح هَذَا مَكْرُوه إِلَّا أَن يُفَارِقهُ على أحد الْبيُوع وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَيحْتَمل أَن يَصح قِيَاسا على قَول الإِمَام أَحْمد فِي الْإِجَازَة إِن خطته الْيَوْم فلك دِرْهَم وَإِن خطته غَدا فلك نصف دِرْهَم وَفرق غَيره من جِهَة أَن العقد ثمَّ يُمكن أَن يَصح جعَالَة بِخِلَاف البيع وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس مَسْأَلَة الْإِجَارَة أَن يكون فِي هَذِه رِوَايَتَانِ

لَكِن الرِّوَايَة الْمَذْكُورَة فِي الْإِجَازَة فِيهَا نظر وَهَذِه تشبه شَاة من قطيع وعبدا من أعبد ونظيرها من كل وَجه أحد الْعَبْدَيْنِ أَو الثَّوْبَيْنِ انْتهى كَلَامه وَيخرج عَلَيْهِ إِذا قيل بِالصِّحَّةِ هُنَا قيل بِالصِّحَّةِ هُنَاكَ قَوْله لَا يَصح وَهُوَ الَّذِي ذكره أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار فِي مَسْأَلَة بيع الْأَعْيَان الغائبة وَهُوَ قَول أَكثر الشَّافِعِيَّة لِأَنَّهُ لَيْسَ صبرَة وَلَا يعرف قدره فَهُوَ مَجْهُول كالسلم وَالثَّانِي يَصح وَلَعَلَّه قَول أَكثر الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ مشَاهد مَعْلُوم فَهُوَ كالصبرة وَيُؤْخَذ من كَلَامه فِي الْمُحَرر أَنه يجوز أَن تكون الصُّبْرَة عوضا فِي البيع ثمنا ومثمنا وَهُوَ صَحِيح لِأَنَّهُ مَعْلُوم بِالرُّؤْيَةِ فَصَارَ كالثياب وَالْحَيَوَان وَلَا يضر عدم مُشَاهدَة الْبَعْض لسده الْبَعْض وَقد صَحَّ قَول ابْن عمر كُنَّا نشتري الطَّعَام جزَافا وَقدم ابْن عقيل فِي صبرَة فَقَالَ الرِّوَايَة عدم الصِّحَّة لكَونهَا مُخْتَلفَة الْأَجْزَاء وَحكى الشَّيْخ وَغَيره عَن مَالك أَنه لَا يَصح أَن يكون الثّمن صبرَة وَهُوَ وَجه لنا لِأَن لَهَا خطرا وَلَا مشقة فِي وَزنهَا وعدها والتسوية أشهر وَأَصَح قَوْله إِذا بَاعه عَبده وَعبد غَيره إِلَى آخِره هَذِه الْمَسْأَلَة فِيهَا رِوَايَتَانِ منصوصتان وَرِوَايَة الصِّحَّة نصرها القَاضِي وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ معلومان لَو أفرد كل وَاحِد مِنْهُمَا بِالْبيعِ صَحَّ فِي أَحدهمَا وَبَطل فِي الآخر فَإِذا جَمعهمَا صَحَّ فِيمَا صَحَّ حَال الِانْفِرَاد كَمَا لَو أفرده وكما لَو بَاعَ عَبده وَعبد غَيره أَو عَبده وَأم وَلَده عِنْد

أبي حنيفَة وَمَالك بِخِلَاف مَسْأَلَة الْحر وَالْعَبْد والخل وَالْخمر عِنْدهمَا وَرِوَايَة الْبطلَان قدمهَا فِي الِانْتِصَار وَذكره الشَّيْخ أَنَّهَا أَولهمَا وَذكر فِي الْخُلَاصَة أَنَّهَا أصَحهمَا وَاخْتلف فِي تَعْلِيل ذَلِك فَقيل جَهَالَة الثّمن وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِقسْطِهِ من الثّمن لم يَصح فَكَذَا إِذا لم يُصَرح وَقيل لِأَن الصَّفْقَة جمعت حَلَالا وحراما فغلب التَّحْرِيم وَلِأَن الصَّفْقَة إِذا لم يُمكن تصحيحها فِي جَمِيع الْمَعْقُود عَلَيْهِ بطلت فِي الْكل كالجمع بَين الْأُخْتَيْنِ وَبيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ وَعَلَيْهِمَا يخرج مَا إِذا عين لكل وَاحِد ثمنا وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة أَنه إِذا جمع فِي عقد مَعْلُوما ومجهولا وَقَالَ كل وَاحِد كَذَا فَوَجْهَانِ وَقيل إِن قُلْنَا تبطل الصَّفْقَة كلهَا لاتحادها وَتعذر تجزئها لم يَصح قَوْله هُنَا وَإِن قُلْنَا تبطل بِجَهَالَة ثمن مَا يَصح بَيْعه صَحَّ هُنَا وَقَالَ فِي الرِّعَايَة أَيْضا وَقيل الْخلاف فِيمَن جهل أَنه خل وخمر كَذَا فِي النُّسْخَة وَلَعَلَّه وَللْمُشْتَرِي الْخِيَار وَقيل الْخِيَار فِيمَن جهل أَنه حر وخمر وَقَوله بِحِصَّتِهِ من الثّمن قَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع إِذا صححنا البيع فِيمَا يملكهُ فَلِلْمُشْتَرِي الْخِيَار إِن كَانَ جَاهِلا بِالْحَال فَإِن أجَاز فَالْوَاجِب عَلَيْهِ حِصَّته من الثّمن فِي أظهر الْقَوْلَيْنِ وَيكون التَّوْزِيع عَلَيْهِمَا بِاعْتِبَار قيمتهمَا وجميعه فِي الثَّانِي وَلَا خِيَار للْبَائِع هَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَكَذَا قَالَ وبيض بعده بَيَاضًا وَبعده وَقَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة مهنا إِذا تزوج امْرَأَة على عبد بِعَيْنِه فَاسْتحقَّ نصف العَبْد فَهِيَ بِالْخِيَارِ فِي النّصْف الْبَاقِي وَالنِّكَاح جَائِز فَإِن تزَوجهَا على عشرَة

دَرَاهِم وعَلى عبد قِيمَته عشرَة آلَاف فَإِذا هُوَ حر لَهَا قيمَة العَبْد فَإِن تزَوجهَا على عَبْدَيْنِ فَقَالَ تَزَوَّجتك على هذَيْن الْعَبْدَيْنِ فَخرج أَحدهمَا حرا فلهَا قيمَة العَبْد الَّذِي خرج حرا فقد فرق الصَّفْقَة وَأثبت الْخِيَار فِي الْمشَاع دون المفرز وَكَذَلِكَ فرق القَاضِي بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ وَقرر النَّص قَالَ القَاضِي لِأَن الْمُسْتَحق لِلنِّصْفِ قد صَار شَرِيكا لَهَا فِي نصفه وَالشَّرِكَة نقص فِي الْعَادة فَجرى مجْرى عيب ظهر بِالنِّصْفِ فلهَا الْخِيَار فِي الْفَسْخ والإمضاء كَذَلِك هُنَا وَأما فِي مَسْأَلَة الْعَبْدَيْنِ فَلم يَجْعَل مَعَ تَفْرِيق الصَّفْقَة إِلَّا قيمَة الْحر وإمساك العَبْد وَوجدت بِخَط القَاضِي تَقِيّ الدّين الزريراني الْبَغْدَادِيّ وَالظَّاهِر أَنه من نِهَايَة الْأَزجيّ إِجَازَته للْمَبِيع يكون بِقسْطِهِ من الثّمن وَقيل يُخبرهُ بِجَمِيعِهِ لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى جَهَالَة الثّمن قَوْله وَإِذا جمع بعوض وَاحِد بَين بيع وَصرف أَو بيع وإجازة صَحَّ فيهمَا نَص عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَذكر لَهُ قَول الثَّوْريّ إِذا صرف دِينَارا بِأَرْبَع عشرَة درهما ومدين قَالَ لَا بَأْس بِهِ قَالَ أَحْمد جَائِز وَأما مَسْأَلَة البيع وَالْإِجَارَة فَأَخذهَا القَاضِي من نَصه على جَوَاز أَن يَشْتَرِي ثوبا على أَن يخيطه وَوجه ذَلِك أَن اخْتِلَاف حكم الْعقْدَيْنِ لَا يمْنَع الصِّحَّة كَمَا لَو جمع بَين مَا فِيهِ شُفْعَة وَمَا لَيْسَ فِيهِ شُفْعَة وَقيل لَا يَصح لِأَن حكمهمَا مُخْتَلف وَلَيْسَ أَحدهمَا أولى من الآخر فَبَطل فيهمَا فَإِن الْمَبِيع فِيهِ خِيَار وَلَا يشْتَرط فِيهِ التَّقَابُض فِي الْمجْلس وَلَا يَنْفَسِخ العقد بِتَلف الْمَبِيع وَالصرْف فَشرط

لَهُ التَّقَابُض وينفسخ العقد بِتَلف الْعين فِي الْإِجَارَة وَلَا بُد أَن يكون الثّمن من غير جنس مَا مَعَ الْمَبِيع مثل أَن يَبِيعهُ ثوبا ودراهم بِذَهَب فَإِن كَانَ من جنسه فَهِيَ مَسْأَلَة مد عَجْوَة ذكره القَاضِي فِي الْجَامِع ويقسط الْعِوَض على الْمَبِيع وَالْمَنْفَعَة بِالْقيمَةِ قَالَ القَاضِي فَإِن قَالَ بِعْتُك دَاري هَذِه وأجرتكها شهرا بِأَلف فَالْكل بَاطِل لِأَن ملك الرَّقَبَة ملك الْمَنَافِع فَلَا يَصح أَن يؤاجره مَنْفَعَة ملكهَا عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وللصحة وَجه بِأَن تكون مُسْتَثْنَاة قَوْله وَإِن كَانَ الْجمع بَين بيع وَنِكَاح مثل أَن زوج وَبَاعَ عَبده بِأَلف أَو أصدقهَا عبدا على أَن ترد عَلَيْهِ ألفا صَحَّ النِّكَاح لِأَنَّهُ لَا يفْسد بِفساد الْعِوَض وَفِي البيع وَجْهَان أَحدهمَا يَصح قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي فِي كِتَابيه وَابْن عقيل فِي الصَدَاق فتقسط الْألف على مهر الْمثل وَقِيمَة العَبْد وَكَذَلِكَ يقسط العَبْد على مهر الْمثل وَالْألف لِأَن جملَة الْعِوَض مَعْلُومَة وَالثَّانِي لَا يَصح فيهمَا فَإِنَّهُ إِذا انْفَسَخ البيع لزم توزيع الصَّفْقَة قَالَ وَلَو قَالَ زَوجتك بِنْتي وَلَك هَذِه الْألف بعبدك هَذَا فَالْعَبْد بعضه مَبِيع وَبَعضه مهر فيقسط العَبْد على مهر الْمثل وَالْألف وَلَو كَانَ لبنته مَال فَقَالَ زَوجتك هَذِه وَلَك هَذِه الْألف مَعهَا بِهَذِهِ الْأَلفَيْنِ من عنْدك بَطل البيع وَالْمهْر جَمِيعًا لِأَنَّهُ من بَاب مد عَجْوَة وردهم هَذَا الَّذِي ذكره القَاضِي وَابْن عقيل وَأَبُو مُحَمَّد من خلاف انْتهى كَلَامه

قَوْله وَإِن كَانَ بَين كِتَابَة وَبيع مثل قَوْله لعَبْدِهِ بِعْتُك عَبدِي هَذَا وكاتبتك بِمِائَة كل شهر عشرَة بَطل البيع قَالَ الشَّيْخ وَجها وَاحِدًا لِأَنَّهُ بَاعَ عبد لعَبْدِهِ فَلم يَصح كَبَيْعِهِ إِيَّاه من غير كِتَابَة وَفِي الْكِتَابَة وَجْهَان بِنَاء على تَفْرِيق الصَّفْقَة وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع العقد صَحِيح فيهمَا على قِيَاس الْإِجَارَة وَهُوَ إِذا ابْتَاعَ ثوبا بِشَرْط الْخياطَة وَقَالَ فِي الْمُجَرّد فَإِن قَالَت طَلقنِي طَلْقَة بِأَلف على أَن تُعْطِينِي عَبدك هَذَا فقد جمعت بَين شِرَاء وخلع وَجمع الزَّوْج بَين بيع وخلع جَمِيعًا بِأَلف فَيصح فيهمَا وأصل ذَلِك فِي الْبيُوع إِذا جمعت الصَّفْقَة عقدين أَحْكَامهَا مُخْتَلفَة مثل بيع وَإِجَارَة وَبيع وَنِكَاح وَبيع وَصرف وَبيع وَكِتَابَة فَإِنَّهُمَا يصحان جَمِيعًا كَذَلِك الْخلْع وَالْبيع ويقسط الْمُسَمّى على قيمَة العَبْد والمسمى حَال العقد فَمَتَى أَصَابَت بِالْعَبدِ عَيْبا ردته وَرجعت عَلَيْهِ بِقِيمَتِه وَإِن ردته بِالْعَيْبِ انْفَسَخ العقد فِيهِ وَأما حكم الْبَدَل فِي الْخلْع فَهُوَ مَبْنِيّ على تَفْرِيق الصَّفْقَة فَإِن قُلْنَا بتفريق الصَّفْقَة بَطل البيع فِي العَبْد بِبَدَلِهِ وَصَحَّ الْخلْع بِبَدَلِهِ وَإِن قُلْنَا لَا تفرق بَطل فِي البيع وَبَطل الْبَدَل فِي الْخلْع فَكَانَ لَهُ عَلَيْهَا قِيمَته وَكَذَلِكَ قَالَ ابْن عقيل إِلَّا أَنه قَالَ يقسط الْعِوَض على قيمَة العَبْد وَمهر الْمثل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فروع تتَعَلَّق بتفريق الصَّفْقَة قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن الْمَسْأَلَة وَإِذا أوجب فِي عَبْدَيْنِ لم يكن للْمُشْتَرِي أَن يقبل فِي أحداهما ذكره القَاضِي مَحل وفَاق مُسلما لَهُ وَذكر فِي

حجَّة الْمُخَالف أَن امْرَأتَيْنِ لَو قَالَتَا لرجل زَوَّجْنَاك أَنْفُسنَا لَكَانَ لَهُ أَن يقبل إِحْدَاهمَا دون الْأُخْرَى وَسلمهُ القَاضِي وبناه الْمُخَالف على أَنه إِذا جمع بَين محللة ومحرمة فِي النِّكَاح فَإِن نِكَاح الْمُحرمَة لَا يصير شرطا فِي نِكَاح المحللة فَإِن تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي النِّكَاح جَائِز وَفِي البيع يصير شرطا وَقَالَ القَاضِي قبُول البيع فِي أَحدهمَا لَيْسَ شرطا فِي قبُوله فِي الآخر عندنَا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ وَأجَاب عَن الحكم جَوَابا فِيهِ نظر وَالتَّحْقِيق أَنه شَرط لَكِن الْمَشْرُوط وجود الْقبُول لَا صِحَة الْقبُول كَمَا لم يشْتَرط لُزُوم الْقبُول فِي أَحدهمَا وَلَو كَانَ الْمَشْرُوط شرطا فَاسِدا لم نسلم أَنه يبطل البيع وَعلله القَاضِي بِأَنَّهُ إِنَّمَا لم يَصح أَن يقبل البيع فِي أحد الْعَبْدَيْنِ لِأَن نصف الثّمن لَا يُقَابل أَحدهمَا لِأَنَّهُ يَنْقَسِم على قدر قيمتهَا فَإِن قبل أَحدهمَا بِنصْف الثّمن لم يكن الْقبُول مُوَافقا للايجاب فَلهَذَا لم يَصح وَهَذَا التَّعْلِيل يَقْتَضِي الْقبُول كَمَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء وَفِيمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلف وَهَذَا بِخَمْسِمِائَة وَهَذَا فِيهِ نظر وَقِيَاس الْمَذْهَب أَن ذَلِك لَيْسَ بِلَازِم لِأَن لمن تَفَرَّقت عَلَيْهِ الصَّفْقَة الْخِيَار والصفقة تتفرق هُنَا عَلَيْهِ كَمَا فِيمَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء قَالَ وَإِذا جمع بَين

عقدين مُخْتَلفين بعوضين متميزين مثل بِعْتُك عَبدِي بِأَلف وزوجتك بِنْتي بِخَمْسِمِائَة فَهَذَا أولى بِالْجَوَازِ من ذَاك إِذا قُلْنَا بِهِ هُنَاكَ وَإِن قُلْنَا بِالْمَنْعِ وبيض فعلى هَذَا هَل للخاطب أَن يقبل فِي أحد الْعقْدَيْنِ قِيَاس الْمَذْهَب أَنه لَيْسَ لَهُ ذَلِك لِأَن غَايَة هَذَا أَن يكون كَأَنَّهُ جمع بعوض بَين مَا يَنْقَسِم الثّمن عَلَيْهِ بالأجزاء وَمَعْلُوم أَنه لَو قَالَ بِعْتُك هَذِه الصُّبْرَة بِأَلف لم يكن لَهُ أَن يقبل نصفهَا بِنصْف الْألف وَإِن كَانَ نصِيبهَا من الثّمن مَعْلُوما فَكَذَلِك إِذا أوجب فِي عينين مختلفي الحكم أَو متفقين إِذْ لَا فرق فِي الْحَقِيقَة بَين الْأَعْيَان الَّتِي تتفق أَحْكَامهَا أَو تخْتَلف إِلَّا أَن الْعَطف فِي الْمُخْتَلف كالجمع فِي المؤتلف فَقَوله بِعْتُك هَذِه وزوجتك هَذِه كَقَوْلِه بِعْتُك هذَيْن أَو زوجتكهما انْتهى كَلَامه قَالَ الشَّيْخ فِي الْمُحَرر فِي مَسْأَلَة تَعْلِيق الطَّلَاق بِالْولادَةِ فَإِن قَالَ أَنْت طَالِق طَلْقَة إِن ولدت ذكرا وطلقتين إِن ولدت أُنْثَى فولدتهما مَعًا طلقت ثَلَاثًا

وَإِن سبق أَحدهمَا بِدُونِ سِتَّة أشهر وَقع مَا علق بِهِ انْقَضتْ الْعدة بِالثَّانِي وَلم يَقع بِهِ شَيْء وَقَالَ ابْن حَامِد يَقع الْمُعَلق بِهِ أَيْضا فعلى الأول إِن أشكل السَّابِق طلقت طَلْقَة لتيقنها ولغا مَا زَاد وَقَالَ القَاضِي قِيَاس الْمَذْهَب تَعْيِينه بِالْقُرْعَةِ وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر فَالْحكم كَمَا فصلنا إِن قُلْنَا الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق وَإِن قُلْنَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وألحقناه بِهِ كملت بِهِ الثَّلَاث انْتهى كَلَامه الْكَلَام عَلَيْهِ على سَبِيل الِاخْتِصَار أما وُقُوع الثَّلَاث فِيمَا اذا ولدتهما مَعًا لِأَن الصفتين شَرطهمَا وَقد وجدتا وَأما إِذا سبق أَحدهمَا بِدُونِ سِتَّة أشهر قيد بهَا لِأَنَّهَا أقل مُدَّة الْحمل فَيعلم أَنَّهُمَا حمل وَاحِد وَقد صرح بِهَذَا الْقَيْد جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَأَشَارَ إِلَيْهِ الشَّيْخ فِي المغنى وَالْكَافِي فَيَقَع بالسابق مَا علق بِهِ لوُجُود شَرطه وَأما الثَّانِي فَهَل تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يَقع بِهِ شَيْء أم يَقع مَا علق عَلَيْهِ فِيهِ الْوَجْهَانِ الْمَذْكُورَان هُنَا وهما مشهوران أَحدهمَا تَنْقَضِي بِهِ الْعد وَلَا يَقع بِهِ شَيْء اخْتَارَهُ أَبُو بكر وَأكْثر الْأَصْحَاب

وَنَصره فِي المغنى وَصَححهُ فِي الْكَافِي وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا وَقدمه غير وَاحِد وَجه هَذَا أَن الْعدة انْقَضتْ بِوَضْعِهِ فصادفها الطَّلَاق بَائِنا فَلم يَقع كَمَا لَو قَالَ لغير مَدْخُول بهَا إِذا طَلقتك فَأَنت طَالِق ثمَّ قَالَ لَهَا أَنْت طَالِق وَكَذَا إِذا مت فَأَنت طَالِق لَا وُقُوع مَعَ عدم الزَّوْجِيَّة لِأَنَّهَا شَرطه وَلَا صِحَة للمشروط مَعَ عدم شَرطه وَهَذَا من الجليات وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ أَنْت طَالِق مَعَ موتى لم تطلق فَهُنَا كَذَلِك بل أولى لِأَن هُنَاكَ صادفها الطَّلَاق بَائِنا وَهنا حصل التَّصَرُّف فِي ملك لِأَنَّهُ تمّ مَعَ تَمَامه وَالْفرق بَين هَذَا ونظائره يطول مَعَ أَنه لَيْسَ الْغَرَض وَالْوَجْه الثَّانِي يَقع مَا علق عَلَيْهِ اخْتَارَهُ ابْن حَامِد لِأَن زمن الْبَيْنُونَة زمن الْوُقُوع وَلَا تنَافِي بَينهمَا بِهَذَا علل وَقد بَان فَسَاده مِمَّا سبق

وَظَاهر هَذَا أَنه لَا عدَّة عَلَيْهَا بعد وضع الثَّانِي وَكَلَام صَاحب الْمُحَرر صَرِيح فِي ذَلِك أَو ظَاهر وَصرح الشَّيْخ شمس الدّين بن عبد الْقوي فِي نظمه فِي حِكَايَة قَول ابْن حَامِد وَأَنَّهَا بِوَضْع الثَّانِي تطلق وتنقضي بِهِ الْعدة وَهُوَ يدل على ضعفه لِأَن كل طَلَاق لَا بُد لَهُ من عدَّة متعقبة وعَلى هَذَا يعايى بِهَذَا فَيُقَال على أصلنَا أَن الطَّلَاق بعد الدُّخُول وَلَا مَانع والزوجان مكلفان لَا عدَّة فِيهِ وَيُقَال طَلَاق بِلَا عوض دون الثَّلَاث بعد الدُّخُول فِي نِكَاح صَحِيح لَا رَجْعَة فِيهِ وَقد يُقَال على بعد الطَّلَاق يسْبق الْبَيْنُونَة فَلم يخل من عدَّة المتعقبة إِمَّا حَقِيقَة أَو حكما وَبِهَذَا قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي حِكَايَة قَول ابْن حَامِد تطلق الثَّانِيَة لقرب زمَان

الْبَيْنُونَة والوقوع فَلم يَجْعَل زمانها زمانها فعلى الأول إِن أشكل طلقت طَلْقَة لِأَنَّهَا الْيَقِين وَالزَّائِد مَشْكُوك فِيهِ وَالْأَصْل عَدمه وَلَا يشبه هَذَا مَا إِذا طلق فَلم يدر طلق وَاحِد أَو ثَلَاثًا على قَول الْخرقِيّ لِأَنَّهُ هُنَاكَ شَاك فِي إباحتها بالرجعة بِخِلَاف هَذَا وَيُفَارق مالو أعتق أحد عبديه واشتبه حَيْثُ نقُول بِالْقُرْعَةِ لِأَنَّهَا تعيّنت طَرِيقا إِلَى تعْيين الْعتْق فِي أَحدهمَا لتساويهما وَهنا لم تتَعَيَّن عملا بِالْأَصْلِ فِي نفي الزَّائِد وَلِهَذَا لم تشرع الْقرعَة فِيمَا إِذا شكّ فِي عدد الطلقات والمطلقات وإلحاق الشَّيْء بِجِنْسِهِ وَنَظِيره أولى وَنَظِير مَسْأَلَة الْعتْق مالو طلق إِحْدَى امرأتيه لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ شَاك فِي الْمَحْكُوم فيعين وَفِي مَسْأَلَتنَا الْمَحْكُوم بِهِ معِين وَهُوَ المتيقين وَهُوَ مَعْلُوم فَلم يحْتَج إِلَى تعْيين بل تعْيين الْمعِين محَال وَهُوَ وَاضح إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ القَاضِي قِيَاس الْمَذْهَب أَن يقرع بَينهمَا فَمن خرجت قرعته فَإِنَّهُ الأول يحكم بِأَنَّهُ الأول لِأَنَّهُ لَا يُمكن الحكم بِوُقُوع طَلْقَة مُطلقَة لِأَن الْكَلَام معِين وَلَا بِوُقُوع الطَّلقَة المفردة لِأَنَّهُ تعْيين لأحد المشروطين مَعَ مُسَاوَاة احْتِمَال

وجود شَرطهمَا وَهُوَ غير جَائِز لما فِيهِ من التحكم وَالتَّرْجِيح من غير مُرَجّح وَلَا يُمكن الحكم بِوُقُوع طَلْقَة من الطلقتين لما تقدم وَلما فِيهِ من وُقُوع بعض الْمَشْرُوط وَهُوَ غير جَائِز وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَيجب أَن تتَعَيَّن الْقرعَة طَرِيقا وبيانا للمحكوم بِهِ كَمَا تعيّنت طَرِيقا وبيانا للمحكوم عَلَيْهِ فِيمَا إِذا أعتق أحد عبديه معينا ثمَّ نَسيَه أَو قَالَ إِن جَاءَ زيد فعبد من عَبِيدِي حر وَإِن جَاءَ عَمْرو فعبدان من عَبِيدِي أَحْرَار وَإِن جَاءَ زيد فسالم حر وَإِن جَاءَ عَمْرو فغانم وَبكر حران فجَاء أَحدهمَا وَلم يعلم من هُوَ وَكَذَلِكَ نظيرتها فِي الطَّلَاق كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يكون الحكم فِيمَا إِذا طَار طَائِر وَقَالَ إِن كَانَ غرابا فَأَنت طَالِق وَاحِدَة وَإِن لم يكن غرابا فَأَنت طَالِق اثْنَتَيْنِ فطار وَلم يعلم حَاله وعَلى هَذَا إِن رَاجع قبل وضع الثَّانِي وَقع مَا علق بِهِ وَتعْتَد بعد وَضعه وَأما قَوْله وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر إِلَى آخِره لِأَنَّهُ لَا يُمكن أَن يكون حملا وَاحِدًا وَبَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر بل الثَّانِي حمل آخر مُسْتَقل وَبنى رَحمَه الله الْمَسْأَلَة على أصلين

أَحدهمَا أَن هَذَا الْحمل هَل يلْحق بالمطلق أم لَا وَالثَّانِي هَل تَنْقَضِي عدتهَا بِهِ على تَقْدِير أَن لَا يحلق بِهِ أم لَا أما كَون هَذَا الْحمل هَل يلْحق بالمطلق فمأخوذ من قَوْله فِيمَا يلْحق من النّسَب وَإِذا ولدت الرَّجْعِيَّة بعد أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طَلقهَا ولدون سِتَّة أشهر مُنْذُ أخْبرت بِانْقِضَاء عدتهَا أَو لم تخبر بانقضائها أصلا فَهَل يلْحقهُ نسبه على رِوَايَتَيْنِ وَحل هَذَا أَن الرَّجْعِيَّة إِذا ولدت بعد أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طَلقهَا فلهَا حالان أَحدهمَا أَن تخبر بِانْقِضَاء عدتهَا وتلد لدوّنَ سِتَّة أشهر مُنْذُ إخبارها فَيعلم بطلَان الْخَبَر وَأَن الْحمل كَانَ مَوْجُودا فِي مُدَّة الْعدة وَالثَّانِي أَن لَا تخبر وَلم يحكم بانقضائها وَهَذِه الْعبارَة أَشد وأكمل لِأَن عبارَة بَعضهم وَإِن طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا فَولدت لأكْثر من أَربع سِنِين مُنْذُ طَلقهَا وَأَقل من أَربع مُنْذُ انْقَضتْ عدتهَا وَعبارَة بَعضهم وَإِن وطىء زَوجته ثمَّ طَلقهَا طَلَاقا رَجْعِيًا ثمَّ

أَتَت بِولد بعد أَكثر مُدَّة الْحمل وَقبل انْقِضَاء عدتهَا لِأَن الْعبارَة الأولى هِيَ للحالة الأولى ذكرهَا المُصَنّف وحررها لِأَنَّهَا تصدق على مَا لَو أقرَّت بِانْقِضَاء عدتهَا بالقرء ثمَّ أَتَت بِولد بعد سِتَّة أشهر وَقد صرح قَائِلهَا بِهَذِهِ الصُّورَة وَأَنه لَا يلْحق بِهِ وَكَذَا صرح غَيره ولسنا ننكر الْخلاف فِيهَا فَإِن فِي المغنى ذكر أَن كَلَام الْخرقِيّ يحْتَمل أَن يلْحق بِهِ وَذكره بعض الْمُتَأَخِّرين قولا والعبارة الثَّانِيَة هِيَ للحالة الثَّانِيَة وَيدخل فِيهَا الأولى لَكِن هَذِه أَجود وأصرح فَتَأمل ذَلِك ثمَّ إِن الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ذكره بَعضهم وَجْهَيْن وَذكره بَعضهم رِوَايَتَيْنِ وَاخْتلف كَلَام الشَّيْخ فِي ذَلِك وَجه لُحُوق النّسَب وَهُوَ الصَّحِيح وَالرَّاجِح عِنْد جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَن حكمهَا حكم الزَّوْجَات فِي أَكثر الاحكام بِلَا إِشْكَال فَكَذَا فِي مَسْأَلَتنَا لِأَنَّهُ الأَصْل كثبوته بالأكثرية وَالنَّقْل عَنهُ يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه

لَا سِيمَا وَالنّسب يحْتَاط لَهُ فتحقيقه وإثباته أولى من غَيره من الْأَحْكَام وَقِيَاسًا على مَا قبل الطَّلَاق وَوجه عدم لُحُوقه أَنَّهَا مُطلقَة علقت بِهِ بعد الطَّلَاق يَقِينا لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون مَوْجُودا قبل الطَّلَاق مَعَ بَقَائِهِ أَكثر من مُدَّة الْحمل فَأَشْبَهت الْبَائِن وَالْأولَى أولى وَالْفرق ظَاهر إِذا تقرر هَذَا فمسألتنا الْمَقْصُودَة مُطلقَة رَجْعِيَّة تحقق حملهَا بعد طَلاقهَا بِوَضْع الأول وَلم يحكم بِانْقِضَاء عدتهَا فَعلم بذلك أَن التعليلين السَّابِقين يجريان هُنَا وَأَن مَا ذكره فِي لُحُوق النّسَب أصل لما ذكره فِي الطَّلَاق وَقد يُقَال يحمل قَوْله وَإِن كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر على الصُّورَة الْمَذْكُورَة فِي لُحُوق النّسَب لِأَنَّهَا إِذا وضعت بعد أَكثر مُدَّة الْحمل وَقبل الحكم بِانْقِضَاء الْعدة صدق أَنَّهَا وضعت وَبَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر وَدلّ على هَذَا الْحمل تَقْيِيد كَلَامه فِي لُحُوق النّسَب

وَصرح بِسِتَّة أشهر فَأكْثر للْفرق بَين الْحمل الْوَاحِد والحملين وَالْأول هُوَ الصَّوَاب لما فِيهِ من التَّقْيِيد بِغَيْر دَلِيل والتفريق بَين المتماثلين وَالْمَسْأَلَة الْأُخْرَى وَهِي أَن من أَتَت امْرَأَته بِولد لَا يلْحقهُ نسبه هَل تَنْقَضِي عدتهَا بِهِ أم لَا مَشْهُورَة وَقد صرح بهَا المُصَنّف وَغَيره وَالْكَلَام عَلَيْهَا يطول وَالرَّاجِح فِيهَا وَاضح فَلَا حَاجَة إِلَى بحثها إِذا تقرر هَذَا فَقَوله فَالْحكم كَمَا فصلنا إِن قُلْنَا الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق أَي الْخلاف السَّابِق جَازَ هُنَا وَالدَّلِيل كَمَا تقدم وَإِن قُلْنَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة كملت بِهِ الثَّلَاث لِأَنَّهَا وجدت صفتهَا كَمَا لَو وجدت دفْعَة وَاحِدَة وَانْتِفَاء عدم الْوُقُوع لانْتِفَاء سَببه لآن هَذَا الْحمل الثَّانِي لَا أثر لَهُ فِي انْقِضَاء الْعدة فوجوده كَعَدَمِهِ كَمَا لَو خرج مِنْهَا نُطْفَة أَو دم وَلِهَذَا لَو كَانَ

قَالَ كلما ولدت ولدا فَأَنت طَالِق فَولدت ثَلَاثَة وَاحِد بعد وَاحِد لدوّنَ سِتَّة أشهر طلقت بِالثَّانِي أَيْضا لانْتِفَاء انْقِضَاء الْعدة بِهِ وَلَا تطلق بالثالث على الرَّاجِح كَمَا تقدم وَإِن قُلْنَا بِأَنَّهُ يلْحق بِهِ كملت بِهِ الثَّلَاث أَيْضا لِأَن الحكم بلحوقه حكم بِثُبُوت وَطْء الزَّوْج وَالْحكم بِثُبُوت وَطئه حكم بِحُصُول الرّجْعَة لِأَن الرّجْعَة تحصل بِالْوَطْءِ فِي ظَاهر الْمَذْهَب وَلَو رَاجعهَا وَقع مَا علق بِالثَّانِي بِلَا إِشْكَال لانْتِفَاء الْعدة وعَلى رِوَايَة عدم حُصُول الرّجْعَة بِالْوَطْءِ وَأَنَّهَا لَيست مُبَاحَة لَا يلْحقهُ النّسَب على ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب وَقد قَالَ فِي المغنى فِي النَّفَقَات فِي الْفَصْل قبل مَسْأَلَة وَيجْبر الرجل على

نَفَقَة وَالِديهِ وَولده فِي الْمَرْأَة الرَّجْعِيَّة قَالَ وَإِن وَطئهَا زَوجهَا فِي الْعدة للرجعة حصلت الرّجْعَة وَإِن قُلْنَا لَا تحصل فالنسب لَاحق بِهِ وَعَلِيهِ النَّفَقَة لمُدَّة حملهَا انْتهى كَلَامه فَيَنْبَغِي أَن يكون قَوْلنَا لَا تحصل الرّجْعَة بِالْوَطْءِ إِن اعْتقد تَحْرِيمه لم يلْحق وَإِلَّا لحق فَإِن قيل مَا تقدم من الْبناء غير صَحِيح لَا سِيمَا على قَول المُصَنّف إِنَّه لَا يلْزم من الحكم بلحوق النّسَب الحكم بِثُبُوت وَطْء الزَّوْج لكَون ذَلِك مستلزما للرجعة بل قد يحكم بلحوق النّسَب وَإِن لم يحكم بِثُبُوت الْوَطْء وَلَا تترتب عَلَيْهِ ثمراته كَمَا ترتبت على الْوَطْء الْحَقِيقِيّ ومظنته فَيحكم بلحوق النّسَب وَإِن لم يحكم بِالْبُلُوغِ وَلَا باستقرار مهر عَن الْمَدْخُول بهَا وَلَا بِثُبُوت الْعدة عَلَيْهَا وَلَا بِثُبُوت الرّجْعَة عَلَيْهَا فِيمَا اذا طلق كَمَا ذكره المُصَنّف فِي بَاب مَا يلْحق من النّسَب

وَيُؤْخَذ ذَلِك من كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين بعضه صَرِيحًا وَبَعضه إِيمَاء لِأَنَّهُ ذكر فِي مَسْأَلَة قذف الصَّغِيرَة من كتاب اللّعان أَن الزَّوْج إِذا كَانَ ابْن عشر فَأكْثر يلْحقهُ نسبه خلافًا لأبي بكر قَالَ وَلَيْسَ لَهُ نَفْيه فِي الْحَال حَتَّى يتَحَقَّق بُلُوغه بِأحد أَسبَاب فَلهُ نفى الْوَلَد واستلحاقه فَإِن قيل إِذا ألحقتم الْوَلَد فقد حكم بِبُلُوغِهِ فَهَلا منعتم نَفْيه ولعانه قُلْنَا إِلْحَاق الْوَلَد يَكْفِي فِيهِ الْإِمْكَان وَالْبُلُوغ لَا يثبت إِلَّا بِسَبَب ظَاهر وَلِأَن إِلْحَاق الْوَلَد بِهِ حق عَلَيْهِ وَاللّعان حق لَهُ فَلم يثبت مَعَ الشَّك انْتهى كَلَامه

وَكَذَلِكَ احتطنا للنسب فاكتفينا فِيهِ بالإمكان لوُجُود مقتضية وَهُوَ الْفراش الثَّابِت بِالْعقدِ كَمَا هُوَ مَذْكُور مَوْضِعه ونفينا غَيره من الْأَحْكَام على أَصله وَقد تقرر أَنه لَا ينْتَقل عَن الأَصْل بِالِاحْتِمَالِ وَالوهم وَهَذَا كَمَا نحكم بِدُخُول وَقت الْعِبَادَة فيحتاط لَهَا بِإِيجَاب فعلهَا وَإِن لم تترتب بَاقِي الْأَحْكَام كوجوب صَوْم لَيْلَة النَّعيم مَعَ أَنه لَا يَقع طَلَاق وَلَا عتاق وَلَا يحل دين لَهُ وَلَا عَلَيْهِ على ظَاهر الْمَذْهَب وَإِذا انْتَفَت الرّجْعَة انْتَفَى وُقُوع الثَّلَاث فِي مَسْأَلَتنَا لِأَنَّهُ مَبْنِيّ عَلَيْهَا قيل يلْزم من ذَلِك حُصُول الرّجْعَة فِي مَسْأَلَتنَا كَمَا صرح بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب ولظن وَغَيره وَالظَّاهِر أَن المُصَنّف تبع غَيره من الْأَصْحَاب على ذَلِك لِأَن لُحُوق النّسَب شرعا اعْتِرَاف أَو كاعتراف الزَّوْج بِالْوَطْءِ لِأَنَّهُ دَلِيل عَلَيْهِ ووقوف ثُبُوته على الْبَيِّنَة مُتَعَذر وَلَا يُمكن القَوْل بوقوفه على الِاعْتِرَاف وَلَو اخْتلف فِي الْوَطْء هُنَا كَانَ القَوْل قَول من يَدعِيهِ لِأَنَّهُ اخْتِلَاف بعد الدُّخُول والتمكين وَهَذَا الْخلاف مَا ذكره المُصَنّف فِي لُحُوق النّسَب لِأَن كَلَامه فِيهِ قبل الدُّخُول

وَلَو اخْتلفَا قبل الدُّخُول فِي الْإِصَابَة كَانَ القَوْل قَول من ينفيها لِأَن الأَصْل مَعَه وَلَا معَارض فَإِن قيل يلْزم على هَذَا مَا لَو طلق مَدْخُولا بهَا ثمَّ أَتَت بِولد يلْحقهُ نسبه كَمَا لَو أَتَت بِهِ قبل مُجَاوزَة أَكثر مُدَّة الْحمل مُنْذُ طلق فَإِن الرّجْعَة لَا تثبت وَإِن لحقه نسبه مَعَ أَنَّهَا مَدْخُول بهَا قبل الطَّلَاق قُلْنَا لَا يلْزم لِأَن الْوَطْء فِي هَذِه الْمَسْأَلَة يحْتَمل أَن يكون وجد قبل الطَّلَاق وَيحْتَمل أَن يكون وجد بعده مصادفا زمن الْعدة فَلَا تحصل الرّجْعَة مَعَ الشَّك بِخِلَاف مَا تقدم لأَنا نتحقق مصادفة الْوَطْء زمن الْعدة لِأَنَّهُ لَا يجوز أَن يكون سَبَب الْوَضع الثَّانِي وجد قبل الطَّلَاق مَعَ كَونهمَا حملين كَمَا سبق

وَإِذا كَانَ كَذَلِك لزم حُصُول الرّجْعَة وَمن زعم أَن لفظ المُصَنّف وَإِن قُلْنَا لَا تنقضى بِهِ وألحقناه بِحَذْف الْألف فَلَيْسَ كَمَا زعم بل النّسخ الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة الْمُعْتَمدَة بِإِثْبَات الْألف وَلم أجد حذفهَا فِي نُسْخَة صَحِيحَة وَقد صَحَّ كَمَا سبق أَن عدم انْقِضَاء الْعدة سَبَب مُسْتَقل فِي وُقُوع الثَّلَاث وعَلى تَقْدِير حذف الْألف يكون عدم انْقِضَاء الْعدة جُزْء السَّبَب فَتعين أَن يثبت الْألف حَتَّى يكون عدم انْقِضَاء الْعدة سَببا كَامِلا لوُقُوع الثَّلَاث فَإِن وجدت الْألف فِي نُسْخَة صَحِيحَة محذوفة تعين أَن تكون مقدرَة وَتَكون الْوَاو بِمَعْنى أَو وَهُوَ سَائِغ وَلَا يَنْبَغِي أَن يَجْعَل مَا إِذا أَبَانهَا فَولدت آخر بعد سِتَّة أشهر أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة لِأَنَّهُ إِن جعل أصلا للحوق النّسَب لم يستقم لِأَن فِي لُحُوق النّسَب فِي الْفَرْع تعددا وَلَا خلاف فِي الْمَذْهَب فِي عدم لُحُوق النّسَب فِي الأَصْل وَإِن

جعل أصلا لانقضاء الْعدة فَهُوَ فرع محَال على أصل فَذكر الأَصْل الْمحَال عَلَيْهِ أولى مَعَ أَن فِيهِ تَخْصِيص بعض النَّظَائِر بِالذكر وَذكر القَاضِي رَحمَه الله الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا دون سِتَّة أشهر وَذكر أَنه إِن كَانَ بَينهمَا سِتَّة أشهر فَصَاعِدا أَنَّهَا تبين بِالثَّانِي وَلَا تطلق بِهِ وَقَالَ فَهَذَا حمل عَادَتْ بعد الْبَيْنُونَة فَلَا يلْحق بِهِ وَلَا يتَعَلَّق بِهِ طَلَاق وَقَوله بعد الْبَيْنُونَة أَي بعد سَببهَا لِأَنَّهُ حدث بعد الْحمل الأول الَّذِي وَقع بِهِ الطَّلَاق وَإِلَّا فمحال بينونتها بِالْحملِ الثَّانِي مَعَ بينونتها بِالْأولِ فقد قطع بِأَن الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق وَمَعَ هَذَا قطع بِعَدَمِ وُقُوع الطَّلَاق بِهِ وَفِيه إِشْعَار بِأَنا لَو قُلْنَا لَا تَنْقَضِي بِهِ الْعدة أَو ألحقناه بالمطلق طلقت بِهِ فَيكون كَمَا ذكره صَاحب الْمُحَرر وَقطع القَاضِي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَن لَا يلْحق بِهِ وَقطع فِي مَسْأَلَة لُحُوق النّسَب الْمَذْكُورَة بلحوقه وَهَذَا أَمر قريب لَا سِيمَا فِي اصْطِلَاح الْمُتَقَدِّمين فَإِن الْفَقِيه قد يذكر فِي مَوضِع أحد الْقَوْلَيْنِ وَيذكر فِي مَوضِع آخر القَوْل الآخر وَذكر أَبُو الْخطاب الْخلاف فِيمَا إِذا كَانَ بَينهمَا دون سِتَّة أشهر وَقَالَ فان كَانَ بَينهمَا فَوق سِتَّة أشهر

فَهُوَ على مَا تقدم من الْوَجْهَيْنِ وَظَاهر هَذَا ثُبُوت الْوَجْهَيْنِ فِي جَمِيع الصُّور وَكَأن الشَّيْخ فِي كتاب الْمقنع لما رأى أَبَا الْخطاب حَال الْوَجْهَيْنِ فِيمَا اذا كَانَ فَوق سِتَّة أشهر على الْوَجْهَيْنِ فِيمَا اذا كَانَ بَينهمَا دونهَا لم يتَعَرَّض للتفصيل لعدم فَائِدَته وَكَذَلِكَ قَول الشَّيْخ فِي كتاب زَوَائِد الْهِدَايَة على الْخرقِيّ وَالشَّيْخ وجيه الدّين أَبُو الْمَعَالِي فِي كتاب الْخُلَاصَة تبع أَبَا الْخطاب فِي التَّفْضِيل من غير زِيَادَة وَلَا نُقْصَان إِلَّا أَنه صحّح عدم وُقُوع الطَّلَاق فِي الْحَالين وَكَذَلِكَ فعل غَيرهمَا وَذَلِكَ من إقرارهم وَعدم تغييرهم ظَاهر فِي فهمهم ظَاهره فَإِن قيل كَلَام أبي الْخطاب مَحْمُول على القَوْل بِأَن الثَّانِي تَنْقَضِي بِهِ الْعدة وَلَا يلْحق بالمطلق كَمَا قَيده صَاحب الْمُحَرر

قيل كَلَام شخص لَا يُقيد كَلَام شخص آخر بل يحمل من أطلق على عُمُومه اللَّهُمَّ إِلَّا أَن ينْدَرج تَحت الْإِطْلَاق صُورَة لَا يكون لِلْقَوْلِ بهَا مساغ فَحِينَئِذٍ تخرج تِلْكَ الصُّورَة من الْإِلْحَاق لتعذر حمل الْمُطلق عَلَيْهَا لَا سِيمَا هُنَا لِأَن أَبَا الْخطاب ذكر انْقِضَاء الْعدة بِمَا لَا يلْحق بالمطلق احْتِمَالا فَجعل كَلَامه تَفْرِيعا مِنْهُ على احْتِمَال بعيد من غير إِشَارَة مِنْهُ إِلَى ذَلِك بعيد بل قد يُقَال فِيهِ إِشَارَة إِلَى الْخلَافَة لِأَنَّهُ أحَال هَذِه الْمَسْأَلَة على الَّتِي قبلهَا فَدلَّ على اشتراكهما فِي الْمدْرك وَالْحكم يُؤَيّد هَذَا أَن صَاحب الْوَجِيز من متأخري الْأَصْحَاب ذكر فِيهِ أَنَّهَا تطلق بِالْأولِ وَتبين بِالثَّانِي وَلَا تطلق بِالثَّانِي وَقطع بِهَذَا وَلم يفصل بَين سِتَّة أشهر وَغَيرهَا وَقطع فِي مَسْأَلَة لُحُوق النّسَب بِأَنَّهُ يلْحقهُ وَقطع فِي الْعدة بِأَن مَالا يلْحقهُ نسبه لَا تنقضى بِهِ الْعدة وَهُوَ كتاب حسن وَقد اطلع عَلَيْهِ القَاضِي تَقِيّ الدّين الزريراني الْبَغْدَادِيّ وَأَجَازَ الْفتيا بِهِ وَأَنه الْمَذْهَب فقد ظهر من هَذَا أَن الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى فِي الْحَال الرَّابِع وَهُوَ فِيمَا إِذا ألحقناه بِهِ هَل تكمل بِهِ الثَّلَاث على وَجْهَيْن وَقِيَاس القَوْل

بالتسوية بَين الْأَحْكَام فِي مَسْأَلَة الْغَيْم أَنه يلْزم من الحكم بلحوق النّسَب الحكم بِجَمِيعِ الْأَحْكَام لِأَنَّهُ مَحْكُوم بِوَطْئِهِ شرعا بِالنِّسْبَةِ إِلَى بعض الْأَحْكَام فَكَذَلِك إِلَى الْبَعْض الآخر تَسْوِيَة بَين جَمِيعهَا وَقد قَالَ صَالح قَالَ أبي إِذا أغلق الْبَاب وأرخى السّتْر لزمَه الصَدَاق قلت وَإِن لم يطَأ قَالَ وَإِن لم يطَأ أَرَأَيْت لَو جَاءَت بِولد أَلَيْسَ تلْزمهُ إِيَّاه الْعَجز جاءمن قبله قلت فَإِنَّهُ قَالَ لم أَطَأ وَقَالَت لم يطأني قَالَ هَذَا فار من الصَدَاق وَهَذِه فارة من الْعدة

فقد احْتج الإِمَام أَحْمد على لُزُوم الصَدَاق بِلُزُوم الْوَلَد لَو جَاءَت بِهِ فَدلَّ على تلازمهما عِنْده ظَاهرا وَشرعا وَالْمَشْهُور من قَول الْأَصْحَاب أَنه لَا فرق فِي الْوَصِيَّة للْحَمْل بَين أَن تكون الْمَرْأَة فراشا لزوج أَو سيد يَطَؤُهَا أَو لَا يَطَؤُهَا لأَنهم لم يفرقُوا فِي لُحُوق النّسَب بِالزَّوْجِ وَالسَّيِّد فِي حكم من يَطَؤُهَا فقد جعلُوا الْحَالين سَوَاء فِي الْوَصِيَّة لِاسْتِوَائِهِمَا فِي لُحُوق النّسَب وَلَو كَانَ لرجل ولد من امْرَأَة فَقَالَ مَا وطئتها لم يثبت إحْصَانه وَلَا

يرْجم إِذا زنا عندنَا وَعند الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِيمَا حَكَاهُ أَصْحَابنَا عَنهُ يرْجم لِأَن الْوَلَد لَا يكون إِلَّا من وَطْء فقد حكم بِالْوَطْءِ ضَرُورَة الحكم بِالْوَلَدِ وأصحابنا يَقُولُونَ الْوَلَد يلْحق بالإمكان والإحصان لَا يثبت بالإمكان وَلَا يكون أَحدهمَا دَالا على الآخر وَبَيَانه أَنَّهَا يجوز أَن تعلق من وَطْء دون الْفرج أَو تستدخل مَاء الرجل فَتعلق وَبِهَذَا لَا يجوز أَن يثبت الْإِحْصَان وَالْمَقْصُود أَن مَسْأَلَتنَا على أصُول أبي حنيفَة أولى لِأَن الْإِحْصَان لَا يثبت إِلَّا بِحَقِيقَة الْوَطْء وَلَا يثبت بالخلوة بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَإِذا تقرر هَذَا فَلَا يستبعد مَا أُشير إِلَيْهِ من جري الْخلاف فِي مَسْأَلَتنَا وَالله أعلم

قَوْله وَإِن غلظها بِزَمَان أَو مَكَان أَو لفظ جَازَ وَلم يسْتَحبّ وَهَذَا اخْتِيَار القَاضِي وَغَيره وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَاخْتَارَ أَبُو الْخطاب الِاسْتِحْبَاب كمذهب الشَّافِعِي وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن أحد الْأَقْسَام معنى الْأَقْوَال أَنه يسْتَحبّ إِذا رَآهُ الإِمَام مصلحَة وَقَالَ بن هُبَيْرَة وَاخْتلفُوا فِي تَغْلِيظ الزَّمَان وَالْمَكَان فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ تغلظ وَعند أبي حنيفَة لَا تغلظ وَعَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالمذهبين

وَاخْتَارَ الشَّيْخ موفق الدّين أَن تَركه أولى إِلَّا فِي مَوضِع ورد الشَّرْع بِهِ وَصَحَّ وَقدم فِي الرِّعَايَة الْكَرَاهَة وَاخْتَارَ أَبُو بكر التَّغْلِيظ فِي حق أهل الذِّمَّة فَقَط وَاخْتَارَ الْخرقِيّ التَّغْلِيظ فِي حق الْكَافِر فِي الْمَكَان وَاللَّفْظ فَهَذِهِ نَحْو ثَمَانِيَة أَقْوَال فِي الْمَسْأَلَة وَلم أجد فِي وُجُوبه خلافًا فِي الْمَذْهَب فَأَما الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا تكون بِموضع الدَّعْوَى وَلَا تغلظ بمَكَان وَلَا زمَان وَلَا لفظ ذكره القَاضِي مَحل وفَاق قَاس عَلَيْهِ وَسلم لَهُ قَوْله وَبَيت الْمُقَدّس عِنْد الصَّخْرَة كَذَا ذكر غَيره وَكَأن ذَلِك إِمَّا لوُرُود آثَار لَا يحْتَج بِمِثْلِهَا تدل على فضيلتها وَبَعضهَا مَذْكُور فِي فَضَائِل الشَّام وَإِمَّا لِأَن الْعَامَّة يَعْتَقِدُونَ فِيهَا ويعظمونها وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ فيهمَا نظر أما الأول فَظَاهر وَأما الثَّانِي فَلِأَن الْيَمين لَا تغلظ باعتقاد الْعَامَّة كَمَا لَا تغلظ عِنْد قبر بعض الْمَشَايِخ أَو بعض الشّجر وَنَحْو ذَلِك بِأَن لَهُ عِنْد الْعَامَّة عَظمَة واعتقاد وحظ وافر على أَن كَانَ يلْزم تَخْصِيص الْمَسْأَلَة بالعامة لِئَلَّا يلْزم أَن يكون الدَّلِيل أخص وَهَذَا يدل على إرادتهم الْمَعْنى الأول وَهُوَ غير صَالح للحجة لضعف تِلْكَ الْآثَار وَعدم وجوب الرُّجُوع إِلَى قَائِلهَا وَهُوَ وهب وَكَعب وَنَحْوهمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي اقْتِضَاء الصِّرَاط الْمُسْتَقيم بعد ذكره هَذِه الْمَسْأَلَة لَيْسَ لَهَا أصل فِي كَلَام الإِمَام أَحْمد وَنَحْوه من الْأَئِمَّة بل السّنة أَن تغلظ الْيَمين

فِيهَا كَمَا تغلظ فِي سَائِر الْمَسَاجِد عِنْد الْمِنْبَر وَلَا تغلظ الْيَمين بالتحليف عِنْد مَا لم يشرع للْمُسلمين تَعْظِيمه كَمَا لَا تغلظ بالتحليف عِنْد الْمشَاهد وَنَحْو ذَلِك قَوْله وَيَقُول النَّصْرَانِي إِلَى آخِره قَالَ بعض الْأَصْحَاب تَغْلِيظ الْيَمين بذلك فِي حَقهم فِيهِ نظر لِأَن أَكْثَرهم إِنَّمَا يعْتَقد أَن عِيسَى ابْنا لله قَوْله وَيحلف الْمَجُوسِيّ إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يعظم خالقه ورازقه وَذكر ابْن أبي مُوسَى أَنه يحلف مَعَ ذَلِك بِمَا يعظمه من الْأَنْوَار وَغَيرهَا وَفِي تَعْلِيق أبي إِسْحَاق بن شاقلا عَن أبي بكر بن جَعْفَر أَنه قَالَ وَيحلف الْمَجُوسِيّ فَيُقَال لَهُ قل والنور والظلمة قَالَ القَاضِي هَذَا غير مُمْتَنع أَن يحلفوا بهَا وَإِن كَانَت مخلوقة كَمَا يحلفُونَ فِي الْمَوَاضِع الَّتِي يعظمونها وَإِن كَانَت مَوَاضِع يعْصى الله فِيهَا كَالْبيع وَالْكَنَائِس وَبَيت النَّار قَوْله وَإِن بذل الْحَالِف الْيَمين بِاللَّه وَأبي التَّعْظِيم لم يكن ناكلا لِأَنَّهُ قد بذل الْوَاجِب عَلَيْهِ فَيجب الِاكْتِفَاء بِهِ وَيحرم التَّعَرُّض لَهُ وَفِيه نظر لجَوَاز أَن يُقَال يجب التغليط إِذا رَآهُ الْحَاكِم وَطَلَبه وَقد ذكر

القَاضِي فِي الْجَواب عَن تَغْلِيظ الصَّحَابَة أَنه روى عَن زيد خلاف ذَلِك لِأَنَّهُ خَاصم إِلَى مَرْوَان فتوجهت عَلَيْهِ الْيَمين فَقَالَ لَهُ زيد تحلف عِنْد الْمِنْبَر فَقَالَ زيد أَحْلف هَهُنَا قَالَ مَرْوَان لَا بل عِنْد الْمِنْبَر فوزن المَال قَالَ القَاضِي وَلَو كَانَ التَّغْلِيظ وَاجِبا أَو مَنْسُوبا لم يجز أَن يمْتَنع من الْإِجَابَة بعد أَن دَعَا إِلَيْهِ انْتهى كَلَامه وَهَذَا يدل على أَنه لَا يجوز الِامْتِنَاع مِنْهُ إِذا رَآهُ الْحَاكِم وعَلى هَذَا يكون بامتناعه مِنْهُ ناكلا عَمَّا يجب عَلَيْهِ فَيكون كالنكول عَن الْيَمين قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قصَّة مَرْوَان تدل على أَن القَاضِي إِذا رأى التَّغْلِيظ فَامْتنعَ من الْإِجَابَة أدّى مَا ادّعى بِهِ عَلَيْهِ وَلَو لم يكن كَذَلِك مَا كَانَ فِي التَّغْلِيظ زجر قطّ وَهَذَا الَّذِي قَالَه صَحِيح والردع والزجر عِلّة التَّغْلِيظ كَمَا ذكره جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَغَيرهم فَلَو لم يجب بِرَأْي الإِمَام لتمكن كل أحد من الِامْتِنَاع مِنْهُ لعدم الضَّرَر عَلَيْهِ فِي ذَلِك وانتفت فَائِدَته وَقَالَ أَيْضا مَتى قُلْنَا هُوَ مُسْتَحبّ للامام فَيَنْبَغِي أَنه إِذا امْتنع مِنْهُ الْخصم صَار ناكلا قَوْله وَلَا يسْتَحْلف فِي الْعِبَادَات وَلَا فِي حُدُود الله تَعَالَى وَعند الشَّافِعِي وَأبي يُوسُف يسْتَحْلف فِي الزَّكَاة وَنَحْوهَا لِأَنَّهَا دَعْوَى مسموعة يتَعَلَّق بهَا حق آدَمِيّ أشبه حق الْآدَمِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن حمدَان فِي الزَّكَاة وَوجه قَوْلنَا أَنه حق لَهُ أشبه الصَّلَاة وَالْحَد وَلَو ادّعى عَلَيْهِ أَن عَلَيْهِ كَفَّارَة أَو نذرا أَو صَدَقَة أَو غَيرهَا فَكَذَلِك قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين لَا تسمع الدَّعْوَى فِي هَذَا وَلَا فِي حد لله تَعَالَى

لِأَنَّهُ حق للْمُدَّعى فِيهِ وَلَا ولَايَة لَهُ عَلَيْهِ وَلَا تسمع مِنْهُ دَعْوَاهُ كَمَا لَو ادّعى حَقًا لغيره من غير إِذْنه وَلَا ولَايَة وَكَذَا ذكره ابْن الزَّاغُونِيّ وَغَيره وَذكر القَاضِي الْحُدُود مَحل وفَاق وَأَنه لَا يَصح دَعْوَاهَا وَلَا يجب سماعهَا وَلَا يسْأَل الْمُدعى عَلَيْهِ عَن الْجَواب عَنْهَا لَكِن قَالَ شَهَادَة الشُّهُود دَعْوَى مِنْهُم وَذكر أَيْضا فِي مَوضِع آخر أَن الزِّنَا وَالشرب وَنَحْوه لَا يسمع الاستعداء فِيهِ والإعداء فِيهِ وَتسمع الشَّهَادَة بِهِ وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي مَوضِع آخر أَن مَا كَانَ حَقًا لله كالحدود وَالزَّكَاة وَالْكَفَّارَة لَا تفْتَقر الشَّهَادَة بِهِ إِلَى تقدم دَعْوَى قَالَ وَكَذَلِكَ مَالا يتَعَلَّق بِهِ حق أحد كتحريم الزَّوْجَة أَو إِعْتَاق الرَّقِيق يجوز الْحِسْبَة بِهِ وَلَا يعْتَبر بِهِ دَعْوَى قَالَ فَإِن تَضَمَّنت دَعْوَاهُ حَقًا مثل أَن يدعى سَرقَة مَاله لتضمين السَّارِق أَو ليَأْخُذ مِنْهُ مَا سَرقه أَو يَدعِي عَلَيْهِ الزِّنَا بِجَارِيَتِهِ ليَأْخُذ مهرهَا مِنْهُ سَمِعت دَعْوَاهُ ويستحلف الْمُدعى عَلَيْهِ لحق الْآدَمِيّ دون حق الله وَكَذَا ذكره ابْن عقيل فَإِن حلف برىء وَإِن نكل قضى عَلَيْهِ بِالْمَالِ دون الْقطع وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَأَما حُقُوق الله تَعَالَى إِذا تعلق بهَا حق آدَمِيّ معِين أَو غير معِين على الْفرق بَين الزَّكَاة وَغَيرهَا مثل أَن يدعى على من يطْلب ولَايَة المَال أَو النِّكَاح أَو الْحَضَانَة أَنه فَاسق فينكر ذَلِك فَيحلف فَإِن مَضْمُون الْيَمين الْحلف على اسْتِحْقَاق الْولَايَة أَو على نفي مَا يَدْفَعهَا وَهُوَ بِمَنْزِلَة أَن يدعى على الحاضنة أَنَّهَا تزوجت فتنكر أَو تدعى على الْوَلِيّ أَن ثمَّ وليا أقرب مِنْهُ وَكَذَا لَو ادّعى الْقَرِيب الْإِرْث فَقيل إِنَّه رَقِيق فَهَل يحلف على نفي الرّقّ كَمَا يحلف لَو ادَّعَاهُ مُدع وَكَذَلِكَ لَو تعلق بِصَلَاتِهِ وصيامه حق الْغَيْر مثل تَعْلِيق طَلَاق أَو عتق بِهِ وَنَحْو ذَلِك فَهَل يحلف على فعل ذَلِك لَكِن

هَذَا الْحق الْمُتَعَلّق بِهِ لَيْسَ لَهُ وَلَاء عَلَيْهِ فَهُوَ أَمِين مَحْض بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْحق لَهُ أَو عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ فسق الشَّاهِد مُفَسرًا أَو مُطلقًا فَهَل لَهُ أَن يحلفهُ على نفي ذَلِك السَّبَب أَو على نفي الْفسق وَكَذَلِكَ إِذا ادّعى فِي الشَّاهِد مَا يُوجب رد الشَّهَادَة من قرَابَة أَو عَدَاوَة أَو تبرع أَو صداقة ملاطفة على القَوْل بهَا وَأنكر الشَّاهِد ذَلِك فَهَل لَهُ أَن يحلف الشَّاهِد على نفي ذَلِك وَسَوَاء كَانَ الشَّاهِد مزكيا أَو جارحا لشاهد أَو وَال فَادّعى عَلَيْهِ تُهْمَة توجب رد التَّزْكِيَة وَالْجرْح أَو شَاهد بِغَيْر صفة الشَّاهِد والوالي وَلَا يُقَال الشَّاهِد لَا يحلف فَإِنَّمَا ذَلِك إِذا ثَبت مَا يُوجب قبُول شَهَادَته لَكِن يُقَال لَا بُد أَن يعلم الْحَاكِم مَا يقبل مَعَه فِي الظَّاهِر ثمَّ الشَّأْن فِي وجود الْمعَارض فِي الْبَاطِن أَو فَوَات بعض الشُّرُوط فِي الْبَاطِن وَإِن لم يحلف الشَّاهِد فَهَل يحلف الْمَشْهُود لَهُ بِأَنَّهُ لَا يعلم هَذَا القادح وَهَذَا مُتَوَجّه إِذا استحلفناه على مَا شهد بِهِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الَّتِي قضى بهَا عَليّ رَضِي الله عَنهُ وَابْن أبي ليلى وَالْيَمِين على حق الله الْمُتَعَلّق بهَا حق آدَمِيّ لَهَا أصل فِي الشَّرِيعَة وَهُوَ اللّعان فَإِن دَعْوَى الزِّنَا دَعْوَى مَا يُوجب الْحَد وَالْقِيَاس أَن لَا يَمِين فِيهَا لَكِن شرعت إِذا ادَّعَاهُ الزَّوْج لِأَن لَهُ حَقًا فِي ذَلِك وَهُوَ إِفْسَاد فرَاشه وإفساد الْعَارِية كَمَا أُقِيمَت يَمِينه مقَام شَهَادَة غَيره فِي دَرْء الْحَد عَنهُ وَهَكَذَا دَعْوَى السّرقَة لَا يحلفهُ على مَا يَنْفِي الْقطع لَكِن على مَا يَنْفِي اسْتِحْقَاق

فصل

المَال فَيَنْبَغِي أَن يحلف أَنه مَا أَخذ المَال لَا أَنه مَا سرق بِخِلَاف الْقصاص وحد الْقَذْف وَأما الْيَمين فِي الْمُحَاربَة فصل وَمِمَّا يَنْبَغِي أَن يُلَاحظ الْفرق بَين الْيَمين فِي نفس كَونه شَهَادَة وَفِي صفته مثل أَن يدعى الْمَشْهُود عَلَيْهِ أَن المَال للشَّاهِد أَو أَنه شريك وَأَنه جَار بِهَذِهِ الشَّهَادَة أَو دَافع بهَا فَإِن حَقِيقَة الْأَمر أَن يَقُول لَهُ لست بِشَاهِد بل خصم مُدع أَو مدعى عَلَيْهِ فَهُنَا يقوى تَحْلِيفه بِخِلَاف الدَّعْوَى فِي صفته وحاله بعد تَسْلِيم أَنه شَاهد مَحْض قَوْله ويستحلف الْمُنكر فِي كل حق لآدَمِيّ للْأَخْبَار الْمَشْهُورَة فِي ذَلِك وَكَلَامه يصدق على مَا إِذا علم صَاحب الْحق كذب الْحَالِف قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة إِسْحَاق بن مَنْصُور إِذا كَانَ يعلم أَن عِنْده مَالا لَا يُؤدى إِلَيْهِ حَقه فَإِن أحلفه أَرْجُو أَن لَا يَأْثَم قَالَ القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَن لَهُ أَن يحلفهُ مَعَ علمه بكذبه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يدل على أَن تَحْلِيف البريء حرَام دون الظَّالِم وَقَالَ أَيْضا إِن هَذِه الرِّوَايَة تدل على الْجَوَاز

فصل

وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب الْكَرَاهَة وَهِي مَكْتُوبَة فِي الْفَصْل عقب مَسْأَلَة أَن أَدَاء الشَّهَادَة فرض عين وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ فِي الْمُعسر يتْركهُ حَتَّى يوسر وَلَا يجوز أَن يحلف الْمُعسر أَن لَا حق لَهُ عَلَيْهِ وَهُوَ يَنْوِي فِي الْحَال لأجل أَنه مُعسر نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة وَقَالَ عَن قَوْله تَعَالَى 2 280 {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} قَالَ إِنَّمَا نزلت هَذِه الْآيَة فِي الْأَنْصَار فصل قَالَ فِي المغنى وَإِن ادّعى على شَاهِدين أَنَّهُمَا شَهدا عَلَيْهِ بزور أحضرهما فَإِن اعترفا أغرمهما وَإِن أنكرا وللمدعي بَيِّنَة على إقرارهما بذلك فأقامها لزمهما ذَلِك وَإِن أنكرا لم يستحلفا لِأَن إحلافهما بطرق عَلَيْهِمَا الدَّعَاوَى

فصل

وَالشَّهَادَة والامتهان وَرُبمَا منع ذَلِك إِقَامَة الشَّهَادَة وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَلَا أعلم فِيهِ مُخَالفا انْتهى وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر وَغَيره من الْأَصْحَاب أَنه يسْتَحْلف فِي هَذَا وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ لظَاهِر الْأَخْبَار وكسائر حُقُوق الْآدَمِيّ وإحلافهما لَيْسَ سَببا لتطرق الدَّعَاوَى عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ فَلَيْسَ هُوَ مَانِعا من الِاسْتِحْلَاف كَمَا أَنه لَيْسَ مَانِعا من إحضارهما مَعَ أَن فِيهِ امتهانا وَنَحْوه وَهُوَ سَبَب فِي تطرق الدَّعَاوَى وَسَيَأْتِي بعد قَوْله إِنَّه لَا يحل كتمان الشَّهَادَة أَنه هَل تصح الدَّعْوَى بِالشَّهَادَةِ فصل فَإِن كَانَ الْحق لآدَمِيّ معِين لم تسمع الشَّهَادَة فِيهِ إِلَّا بعد الدَّعْوَى ذكره فِي المغنى وَغَيره لِأَن الشَّهَادَة فِيهِ حق لآدَمِيّ فَلَا تستوفى إِلَّا بمطالبته وإذنه وَلِأَنَّهُ حجَّة على الدَّعْوَى وَدَلِيل لَهَا فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهَا انْتهى كَلَامه

وَقد قَالَ مهنا سَأَلت أَبَا عبد الله عَن رجل ادّعى على رجل ألف دِرْهَم فَأَقَامَ شَاهدا بِأَلف ثمَّ جَاءَ آخر فَشهد لَهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة فَقَالَ تجوز شَهَادَتهم على الْألف وَذكره عَن شُرَيْح وَظَاهره أَنه لَا تسمع شَهَادَته فِي الزَّائِد لعدم دَعْوَاهُ وَقد ذكر الْأَصْحَاب أَن من كَانَت عِنْده شَهَادَة لآدَمِيّ لَا يعلمهَا لَهُ إِقَامَتهَا قبل إِعْلَامه بهَا لقَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَلا أنبئكم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا رَوَاهُ مُسلم وَلَا يسْتَلْزم هَذَا جَوَاز الشَّهَادَة قبل الدَّعْوَى وَذكر القَاضِي فِي التَّعْلِيق أَن الشُّهُود لَو شهدُوا بِحَق قبل دَعْوَى الْمُدعى قبلت شَهَادَتهم إِن شهدُوا بِمَا لَا يُعلمهُ صَاحب الْحق وَإِن شهدُوا بِمَا يُعلمهُ قبل أَن يَدعِيهِ لم تقبل وَفرق بَينه وَبَين الْيَمين أَنه لَو لم تسمع الشَّهَادَة أدّى إِلَى ضيَاع حَقه لِأَنَّهُ غير عَالم بِهِ فَيُطَالب بِهِ بِخِلَاف الْيَمين فَإِن الِامْتِنَاع من سماعهَا بعد حُضُوره لَا يُؤدى إِلَى إِسْقَاطهَا لِأَنَّهُ حق لَهُ وَهُوَ عَالم بِهِ وَلِأَن الشُّهُود إِذا علمُوا بِالْحَقِّ لَزِمَهُم إِقَامَة الشَّهَادَة لِأَن فِي الِامْتِنَاع كتمانها وَلَا يجوز أَن يلْزمهُم إِقَامَتهَا وَلَا تسميعها للْحَاكِم

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكر كَلَام القَاضِي هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَه القَاضِي من صِحَة الشَّهَادَة قبل الدَّعْوَى غَرِيب انْتهى كَلَامه وَذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة أَن الشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا لفظ الشَّهَادَة وَتقدم الدَّعْوَى بِخِلَاف الرِّوَايَة مِمَّا يدل على أَنه مَحل وفَاق وَذكر أَيْضا فِي مَسْأَلَة الشَّاهِد وَالْيَمِين إِذا رَجَعَ الشَّاهِد أَن الْيَمين لَا تصح حَتَّى يطْلب الْمُدعى إحلافه وَتَصِح الشَّهَادَة من غير سُؤال جعله مَحل وفَاق مَعَ الشَّافِعِيَّة قَالَ وَإِنَّمَا افْتَرقَا من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْيَمين حق للْمُدَّعى فَلَا تستوفى من غير مُطَالبَة وَالشَّهَادَة وَإِن كَانَت حَقًا لَهُ فقد لَا يعلم بهَا الْمُدعى فَيلْزم الشَّاهِد إِقَامَتهَا وعَلى هَذَا الْمَعْنى حَدِيث زيد بن ثَابت أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ أَو يخبر بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وروى يخبر بِشَهَادَتِهِ وَلَا يعلم

بهَا الَّتِي هِيَ لَهُ وَذكر أَن الْيَمين لَا تصح حَتَّى يعرضهَا الْحَاكِم وَيَأْذَن فِيهَا وَتَصِح الشَّهَادَة من غير عرض الْحَاكِم وإذنه ذكره مَحل وفَاق قَالَ وَإِنَّمَا افْتَرقَا من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْحَاكِم يستحلفه على نِيَّته ليمنعه من التَّأْوِيل فَإِذا حلف قبل أَن يستحلفه عدم هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا مَعْدُوم فِي الشُّهُود فَلهَذَا لم يعْتَبر عرض الْحَاكِم عَلَيْهِم وَلِأَن فِي ترك الِاعْتِدَاد بِيَمِينِهِ قبل عرض الْحَاكِم ضربا من التَّغْلِيظ انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي المغنى فِي الشَّهَادَات فِي فصل إِذا شهد رجلَانِ على رجلَيْنِ أَنَّهُمَا قتلا رجلا ثمَّ شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على الْأَوَّلين أَنَّهُمَا اللَّذَان قتلا قَالَ فَإِن قيل فَكيف يتَصَوَّر فرض تصديقهم وتكذيبهم قُلْنَا يتَصَوَّر أَن يشهدَا قبل الدَّعْوَى إِذا لم يعلم الْوَلِيّ من قَتله وَلِهَذَا روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ خير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وَهَذَا معنى ذَلِك انْتهى كَلَامه

وَذكر أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار مثل هَذ فِي قبُول شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَقَالَ فِي الْكَافِي فِي أول بَاب اخْتِلَاف الشُّهُود إِذا ادّعى أَلفَيْنِ على رجل فَشهد شَاهد بهَا وَشهد لَهُ آخر بِأَلف ثَبت الْألف بِشَهَادَتِهِمَا لاتِّفَاقهمَا وَيحلف مَعَ شَاهده على الْألف الْأُخْرَى لِأَن لَهُ بِهِ شَاهدا وَسَوَاء شهِدت الْبَيِّنَة بِإِقْرَار الْخصم أَو بِثُبُوت الْحق عَلَيْهِ وَسَوَاء ادّعى ألفا أَو أقل مِنْهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لَهُ الْحق فيدعى بعضه وَيجوز أَن لَا يعلم أَن لَهُ من يشْهد بِجَمِيعِهِ انْتهى كَلَامه

فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع إِلَّا بعد الدَّعْوَى وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذا لم يعلم صَاحبه وَيَنْبَغِي على هَذَا أَن يصدق صَاحبه فِي عدم الْعلم إِذا لم تخَالفه قرينَة وَالثَّالِث يجوز ضمنا وتبعا لَا اسْتِقْلَالا كَمَا فِي الدَّعْوَى للْغَيْر وَعَلِيهِ تبعا وَسَتَأْتِي هَذِه الْمَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة وَإِذا قَالَ من لَهُ بَيِّنَة بِأَلف أُرِيد أَن تشهد لي بِخَمْسِمِائَة ثمَّ هَل يعْتَبر أَن يكون ثمَّ عَلَيْهِ وَقد ذكر الْأَصْحَاب أَن الْحَاكِم يسمع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة من غير حُضُور خصم وَكَذَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَظَاهره أَنه لَو ادّعى على شخص أَنه وَكله سمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ وبينته وَأثبت ذَلِك من غير نصب خصم لِأَن الْمَقْصُود هُنَا الْفَصْل وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَإِذا كَانَ الْحق مُؤَبَّدًا كالوقف وَغَيره وَيخَاف إِن لم يحفظ بِالْبَيِّنَاتِ أَن ينسى شَرطه أَو يجْحَد وَلَا بَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك فَهُنَا فِي سَماع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة من غير خصم حفظ الْحق الْمَوْجُود عَن خصم مُقَدّر وَهَذَا أحد مقصودي الْقَضَاء فَلذَلِك يسمع طوائف من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة

فَعنده لَيْسَ للْقَضَاء فَائِدَة إِلَّا فصل الْخُصُومَة وَلَا خُصُومَة فَلَا قَضَاء فَلذَلِك لَا تسمع الْبَيِّنَة إِلَّا فِي وَجه مدعى عَلَيْهِ لتظهر الْخُصُومَة وَمن قَالَ بالخصم المسخر فَإِنَّهُ ينصب الشَّرّ ثمَّ يقطعهُ وَمن قَالَ يسمع فَإِنَّهُ يحفظ الْحق الْمَوْجُود ويذر الشَّرّ الْمَفْقُود وَقَالَ أَيْضا وَتارَة تكون الدَّعْوَى خَبرا لَيْسَ مَعهَا طلب أجل كالادعاء بدين مُؤَجل انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَيْضا وَمن الدَّعَاوَى مَا يكون على غير مدعى عَلَيْهِ مَوْجُود مثل رجل ابْتَاعَ شَيْئا وتسلمه فيدعى أَنه ابْتَاعَ وتسلم أَو يَدعِي أَن الْمَكَان الَّذِي بِيَدِهِ وقف على كَذَا وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا ضمونه دَعْوَى تثبت لَا دَعْوَى حكم فَإِن الطَّالِب إِمَّا أَن يطْلب إِقْرَارا أَو إِعْطَاء وَطلب الْإِقْرَار مَقْصُوده هُوَ الإعطا فَإِذا طلب إِقْرَارا من معِين لأ طلب مَعَه فَطلب من الْحَاكِم تثبتا بِأَن يسمع الشَّهَادَة

أَو الْإِقْرَار فَهَذَا نوع وَاسع لما احْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاس أَحْدَثُوا الْخصم المسخر وَالدَّعْوَى المسخرة وَهُوَ بَاطِل وتلاعب بالشريعة وَهُوَ مَوْقُوف على سَماع الدَّعْوَى الْمُقْتَضِيَة للثبوت فَقَط لَا الحكم فَائِدَته بَقَاء الْحجَّة إِن حدث مُنَازع وَكَأَنَّهُ دَعْوَى على خصم مظنون الْوُجُود أَو خصم مُقَدّر وَهَذَا قد يدْخل فِي كتاب القَاضِي وَفَائِدَته كفائدة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَهُوَ مثل كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي إِذا كَانَ فِيهِ ثُبُوت مَحْض فَإِنَّهُ هُنَاكَ يكون مُدع فَقَط من غير مدعى عَلَيْهِ حَاضر لَكِن هُنَا لَا مدعي عَلَيْهِ حَاضر وَلَا غَائِب لَكِن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مخوف فَإِنَّمَا الْمُدعى يطْلب من القَاضِي سَماع الْبَيِّنَة أَو الْإِقْرَار كَمَا يسمع ذَلِك شُهُود الْفَرْع فَيَقُول القَاضِي ثَبت ذَلِك عِنْدِي بِلَا مدعى عَلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيد وَقد ذكره قوم من الْفُقَهَاء وَفعله طَائِفَة من الْقُضَاة انْتهى كَلَامه وَبنى القَاضِي وَالْأَصْحَاب سَماع الْبَيِّنَة بِالْوكَالَةِ على الْقَضَاء على الْغَائِب وَهُوَ جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَرِوَايَة لنا

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة على الْقَضَاء على الْغَائِب فِيهِ نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَنه يخرج فِيهَا رِوَايَتَانِ الثَّانِي أَن الْخصم الْحَاضِر فِي الْبَلَد لَا يجوز الْقَضَاء عَلَيْهِ إِذا لم يمْتَنع وَهنا يثبتون الْوكَالَة وَإِن كَانَ الْخصم حَاضرا فِي الْبَلَد فَلَيْسَ هَذَا من هَذَا بل الأجود أَن يُقَال الْوكَالَة لَا تثبت حَقًا وَإِنَّمَا تثبت اسْتِيفَاء حق وإبقاءه وَذَلِكَ مِمَّا لَا حق للْمُدَّعى عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ سيان عَلَيْهِ دفع الْحق إِلَى هَذَا الْوَكِيل أَو إِلَى غَيره وَلِهَذَا لم يشْتَرط فِيهَا رِضَاهُ وَأَبُو حنيفَة يَجْعَل للْمُوكل عَلَيْهِ فِيهَا حَقًا وَلِهَذَا لَا يجوز الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ إِلَّا برضى الْخصم لَكِن طرد هَذِه الْعلَّة أَن الْحِوَالَة بِالْحَقِّ أَيْضا تثبت من غير حُضُور الْمحَال عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر رِضَاهُ وَكَذَلِكَ الْوَفَاة وَعدد الْوَرَثَة يثبت من غير حُضُور الْمَدِين وَالْمُودع وَكَذَلِكَ لَو ادّعى أَنه ابْتَاعَ دَار

زيد الْغَائِب فَلهُ أَن يثبت ذَلِك من غير حُضُور من الدَّار فِي يَده وَحَاصِله أَن كل من عَلَيْهِ دين لَو عِنْده عين إِذا لم نعتبر رِضَاهُ فِي إقباضها أَو إخْرَاجهَا عَن ملكه لَا يعْتَبر حُضُوره فِي ثُبُوتهَا وعَلى هَذَا فَيجوز أَن تثبت الْوكَالَة بِعلم القَاضِي كَمَا تثبت الشَّهَادَة وتوكيل عَليّ بن أبي طَالب لعبد الله بن جَعْفَر كالدليل على ذَلِك فَإِنَّهُ أعلم الْخُلَفَاء أَنه وَكله وَلم يشْهد على ذَلِك وَلَا أثبتها فِي وَجه خصم وَهَذَا كُله فِي غيبَة الْمُوكل عَلَيْهِ فَأَما الْمُوكل إِذا كَانَ حَاضرا فِي الْبَلَد فَلَا ريب أَن رِضَاهُ مُعْتَبر فِي الْوكَالَة وَقد يكون عَلَيْهِ ضَرَر فِي ثُبُوتهَا فَإِن اشْترط حُضُوره تعذر إِثْبَاتهَا بِالْبَيِّنَةِ لِأَن جحوده عزل فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَهُنَا قد يُقَال لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاء عَلَيْهِ بل هُوَ لَهُ من وَجه آخر فَإِن التَّوْكِيل مثل الْولَايَة بِالشَّهَادَةِ على الْمولى مَعَ حُضُوره فِي الْبَلَد وَمن هَذَا كتاب الْحَاكِم إِلَى الْحَاكِم فِيمَا حكم بِهِ انْتهى كَلَامه

وَقَالَ ابْن حمدَان تسمع الدَّعْوَى بدين مُؤَجل لإثباته إِذا خَافَ سفر الشُّهُود أَو الْمَدْيُون مُدَّة تغير أَجله وَقيل لَا تسمع حَتَّى يبين بَاقِيهَا وَذكر أَيْضا أَنه تسمع دَعْوَى التَّدْبِير ثمَّ قَالَ من عِنْده إِن قُلْنَا إِنَّه عتق بِصفة قَالَ غَيره تسمع الدَّعْوَى لِأَنَّهُ يَدعِي اسْتِحْقَاق الْعتْق وَيحْتَمل أَن تصح الدَّعْوَى لِأَن السَّيِّد إِذا أنكر كَانَ بِمَنْزِلَة إِنْكَار الْوَصِيَّة وإنكار الْوَصِيَّة رُجُوع عَنْهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَيكون إِنْكَار التَّدْبِير رُجُوعا عَنهُ وَالرُّجُوع عَنهُ يُبطلهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيح أَن الدَّعْوَى صَحِيحَة لِأَن الرُّجُوع عَن التَّدْبِير لَا يُبطلهُ فِي الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَو أبْطلهُ فَمَا ثَبت كَون الْإِنْكَار رُجُوعا وَلَو ثَبت ذَلِك فَلَا يتَعَيَّن الْإِنْكَار جَوَابا للدعوى فَإِنَّهُ يجوز أَن يقر وَقد عرف من هَذِه الْمَسْأَلَة إِثْبَات الْوكَالَة فِي وَجه الْمُوكل وَيُشبه هَذَا إِثْبَات الْوَصِيَّة

قَالَ الْخلال بَاب الرجل يزْعم أَنه وكل وَالْمُوكل غَائِب قَالَ مهنا سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن رجل أَقَامَ بَيِّنَة أَنه وَكيل لرجل وَالَّذِي يدعى وكَالَته فِي بَلْدَة أُخْرَى قَالَ تثبت عِنْد الْحَاكِم فَقلت لَهُ لَا بُد أَن يثبت وكَالَته عِنْد الْحَاكِم قَالَ نعم حَتَّى يسْأَل الْحَاكِم عَن بَينته إِن كَانُوا عُدُولًا وَقَالَ الْجوزجَاني سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن رجل ادّعى وكَالَة رجل غَائِب قَالَ إِذا ثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم فَهُوَ جَائِز قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثُبُوت الْوكَالَة وَسَمَاع الْبَيِّنَة بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمُدعى للوكالة من غير حُضُور مدعى عَلَيْهِ فَكَذَلِك الْوَصِيَّة لِأَن الْحَاضِرين الَّذِي تقبض الْأَمْوَال مِنْهُم وتخاصمهم لَيْسُوا خصوما لذَلِك فِي وَصيته وَإِنَّمَا هم خصوم فِي الْمُوكل بِهِ وَالْمُوكل الَّذِي يَسْتَوْفِي هَذَا على مَاله غَائِب وَالْوكَالَة لَيست قَضَاء عَلَيْهِ بل قَضَاء لَهُ وَعَلِيهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة لَيست قَضَاء على الْغَائِب بل قَضَاء عَلَيْهِ وَله انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل فِي الشَّهَادَات وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على الْمَيِّت لَيست مَالا

لَكِن أسبابا تؤول إِلَى إِيجَاب المَال مثل أَن ادّعى مُدع أَن أَبَاكُم ضرب عَبدِي هَذَا بِغَيْر حق وَهُوَ على ضَرُورَة من ضربه أَخَاف مَوته أَو أجج نَارا فِي ملكه مَعَ هَذِه الرّيح وَفِي زرع بِقرب ضيعته وأخاف تعدى النَّار إِلَى ضيعتي احْتمل أَن لَا يلْزمهُم الْجَواب لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق دَعوَاهُم حَتَّى يُوجب غَرَامَة مَال وَلَهَب فِي خَاص الْملك لَا يُوجب غَرَامَة فَإِن مَاتَ العَبْد وَاحْتَرَقَ الزَّرْع سَمِعت الدَّعْوَى وَوَجَب الْجَواب لتحَقّق دَعْوَى مَا يُوجب الضَّمَان وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا فِي تَعْلِيق آخر الدَّعَاوَى قَالَ لما امْتنع أَصْحَاب أبي حنيفَة من سَماع الْبَيِّنَة من غير الْمُدعى عَلَيْهِ رتبوا نصب خصم لَا يسْتَغْنى بِهِ عَن حُضُور الْمُدعى عَلَيْهِ من تَوْكِيل الْمَدِين وَالْوَصِيَّة إِلَيْهِ وَمَا يصنعه الْوَكِيل وَالْحَاكِم لاشتراطهم مجْلِس الحكم مَعَ الْحَاكِم إِيَّاه فَأَما وصف مَا رتبوه فَإِنَّهُم كتبُوا تَوْكِيل الْمقر للْمَدِين وَرُبمَا جعلُوا التَّوْكِيل لَهُ ولابنه أَو لَهُ وَلآخر

فصل

مَعَه وَالْوَصِيَّة إِلَيْهِمَا استظهارا ليَكُون إِن مَاتَ أَحدهمَا قبل أَن يثبت الْكسْب يكون الآخر بَاقِيا وَإِذا أشهد الْمقر على نَفسه فِي كتاب الْإِقْرَار سفها فصل أطلق فِي الْمُحَرر وَغَيره أَنه لَا تقبل شَهَادَة من فعل شَيْئا من ذَلِك وَقيد جمَاعَة ذَلِك بَعضهم صَرِيحًا وَبَعْضهمْ ظَاهرا بِتَكَرُّر ذَلِك والإكثار مِنْهُ وإدمانه لِأَن صَغِير الْمعاصِي لَا يمْنَع الشَّهَادَة إِذا قل فَهَذَا أولى وَلِأَن الْمُرُوءَة

لَا تختل بِقَلِيل هَذَا مَا لم يكن عَادَة وَزَاد فِي المغنى فَقَالَ وَمن فعل شَيْئا من هَذَا مختفيا بِهِ لم يمْنَع من قبُول شَهَادَته لِأَن مروءته لَا تسْقط بِهِ وَفِي كَلَام غَيره إِذا تساتر بِهَذَا وَظَاهر كَلَام جمَاعَة خِلَافه أَو صَرِيحَة قَالَ بَعضهم وَمن غشيه المغنون أَو غشي بيُوت الْغناء للسماع متظاهرا بِهِ وَكثر ذَلِك مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته وَإِن استتر بِهِ وَأكْثر مِنْهُ ردهَا من حرمه أَو كرهه وَقيل أَو أَبَاحَهُ لِأَنَّهُ سفه ودناءة تسْقط الْمُرُوءَة وَقَالَ فِي المغنى من اتخذ الْغناء صَنْعَة يُؤْتى إِلَيْهِ وَيَأْتِي لَهُ أَو اتخذ غُلَاما أَو جَارِيَة مغنيين يجمع عَلَيْهِمَا النَّاس فَلَا شَهَادَة لَهُ لِأَن هَذَا عِنْد من لم يحرمه سفه ودناءة وَسُقُوط مُرُوءَة وَمن حرمه فَهُوَ مَعَ سفهه عَاص مصر متظاهر بِفِسْقِهِ وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي وَأَصْحَاب الرَّأْي وَإِن كَانَ لَا ينْسب نَفسه إِلَى الْغناء وَإِنَّمَا يترنم لنَفسِهِ وَلَا يُغني للنَّاس أَو كَانَ غُلَامه وجاريته إِنَّمَا يغنيان لَهُ انبني هَذَا على الْخلاف فِيهِ فَمن أَبَاحَهُ أَو

كرهه لم ترد شَهَادَته وَمن حرمه قَالَ إِن دوَام عَلَيْهِ ردَّتْ شَهَادَته كَسَائِر الصَّغَائِر وَإِن لم يداوم عَلَيْهِ لم ترد شَهَادَته وَإِن فعله من يعْتَقد حلّه فَقِيَاس الْمَذْهَب أَن لَا ترد شَهَادَته بِمَا لَا يشْتَهر بِهِ مِنْهُ كَسَائِر الْمُخْتَلف فِيهِ من الْفُرُوع وَمن كَانَ يغشى بيُوت الْغناء أَو يَغْشَاهُ المغنون للسماع متظاهرا بذلك وَكثر مِنْهُ ردَّتْ شَهَادَته فِي قَوْلهم جَمِيعًا لِأَنَّهُ سفه ودناءة قَالَ ابْن عقيل فَإِن قُلْنَا إِنَّه يحرم على الرِّوَايَة الْأُخْرَى ردَّتْ شَهَادَته وَلَو بدفعة وَاحِدَة قَالَ فِي المغنى وَإِن كَانَ مستترا بِهِ فَهُوَ كالمغنى لنَفسِهِ على مَا ذكر من التَّفْصِيل انْتهى كَلَامه فَظهر أَن الْمُسْتَتر بِأحد هَذِه الْأَشْيَاء هَل ترد شَهَادَته فِيهِ خلاف فِي الْمَذْهَب فِي الْمُسْتَتر بِالْغنَاءِ إِن قُلْنَا بِتَحْرِيمِهِ لم ترد شَهَادَته مرّة وَاحِدَة فِي الْمَشْهُور

فصل

وَإِن قُلْنَا بِعَدَمِ تَحْرِيمه فَهَل ترد أم لَا أم إِن قُلْنَا بكراهته ردَّتْ وَإِن قُلْنَا بإباحته لم ترد فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال وَالْقَوْل الْمُفْتى بِهِ فصل إِذا قصد تَعْلِيم الْحمام حمل الْكتب مِمَّا تَدْعُو الْحَاجة إِلَيْهِ أَو استفراخها أَو الْأنس بأصواتها من غير أَذَى جَازَ وَقد روى عَن عبَادَة أَن رجلا أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشكى اليه الوحشة فَقَالَ اتخذ زوجا من حمام وَإِن قصد الْمُرَاهنَة أَو أَخذ حمام غَيره وَنَحْوه حرم وَإِن كَانَ عَبَثا وَلَعِبًا فَهُوَ دناءة وسفه

فصل

قَالَ الإِمَام أَحْمد من لعب بالحمام الطيارة يراهن عَلَيْهَا أَو يسرحها من الْمَوَاضِع لعبا وَفِي لفظ أَو يسيرها فِي الْمزَارِع فَلَا يكون هَذَا عدلا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يسرح حَماما ثمَّ أتبعه بَصَره فَقَالَ شَيْطَان يتبع شَيْطَانَة وَهَذَا الحَدِيث فِي السّنَن فصل قد تقدم أَن اللّعب إِذا لم يتَضَمَّن ضَرَرا وَلَا شغلا عَن فرض وَلَيْسَ فِيهِ دناءة لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كل لَهو يلهو بِهِ فَهُوَ بَاطِل إِلَّا رمية بقوس وتأديب فرسه وملاعبته امْرَأَته فَإِنَّهُنَّ من الْحق يدل فِي معني الثَّلَاثَة مَا كَانَ من جنسهن فَإِن ملاعبة السّريَّة كملاعبة الْمَرْأَة سَوَاء وَأما تَأْدِيب الْفرس فقريب مِنْهُ تَأْدِيب الْبَعِير لِأَن كِلَاهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الإيجاف والسباق وَلِهَذَا أسْهم للبعير فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا كَانَ لِلْقِتَالِ لَا للحمولة فَقَط كَمَا كَانَت زمن بدر فَأَما تَأْدِيب الحمولة من البغال وَالْحمير وَالْإِبِل فَهَل لَهَا نصيب من تَأْدِيب الموجفة فِي الْقِتَال وَكَذَلِكَ رميه بقوسه فِي مَعْنَاهُ عمله برمحه وسيفه فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

أقرّ الْحَبَشَة فِي الْمَسْجِد يَوْم الْعِيد على اللّعب بالحراب وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْعَمَل بِالرُّمْحِ والقوس إِنَّه أفضل من الصَّلَاة فِي الثغر وَأما فِي غير الثغر فسوى بَينهمَا وَلِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ 8 60 {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} يتَنَاوَل كلما يُسْتَطَاع من الْقُوَّة فَيدْخل فِيهِ مَا يرْمى بِهِ وَمَا يضْرب بِهِ وَمَا يطعن بِهِ سَوَاء كَانَ المرمى بِهِ سَهْما أَو حَرْبَة وَسَوَاء كَانَ السهْم مُنْفَردا أَو جَارِيا فِي مجري وَسَوَاء كَانَ يُؤثر بِالْيَدِ أَو بِالرجلِ الَّذِي يُسمى الجرخ وَكَذَلِكَ الْمَضْرُوب بِهِ يدْخل فِيهِ مَا يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وَمَا يقتل بثقله كاللت وَمَا يقتل بهما كالدبوس فَأَما قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي فقد أَرَادَ بِهِ الْقُوَّة الْكَامِلَة وَهَذَا كثيرا مَا يكون لحصر الْكَمَال لَا لحصر أصل الأسم كَقَوْلِه تَعَالَى 30 15 {قل إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة أَلا ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين} وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يجد غناء يُغْنِيه وَنَحْو ذَلِك وَذَلِكَ لِأَن الرمى يُصِيب الْعَدو الْبعيد مَعَ الْحَائِل من نهر وَنَحْوه وَيدْفَع الْعَدو عَن الْإِقْدَام فَفِيهِ ثَلَاثَة فَوَائِد لَا تُوجد فِي غَيره من السِّلَاح انْتهى كَلَامه

قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الْقَاذِف حَتَّى يَتُوب سَوَاء حد أَو لم يحد أطلق جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَن شَهَادَة الْقَاذِف لَا تقبل مِنْهُم الشَّيْخ فِي الْكَافِي وقاسه على الزِّنَا وَقَالَ فِي المغنى وَعِنْدنَا تسْقط شَهَادَته بِالْقَذْفِ إِذا لم يحققه وَعند أبي حنيفَة وَمَالك لَا تسْقط إِلَّا بِالْجلدِ ثمَّ احْتج بِالْآيَةِ وَقَالَ رتب على رمي الْمُحْصنَات ثَلَاثَة أَشْيَاء إِيجَاب الْجلد ورد الشَّهَادَة وَالْفِسْق فَيجب أَن يثبت رد الشَّهَادَة بِوُجُود الرَّمْي الَّذِي لَا يُمكنهُ تَحْقِيقه بِالْجلدِ وَلِأَن الرَّمْي هُوَ الْمعْصِيَة والذنب الَّذِي يسْتَحق بِهِ الْعقُوبَة وَتثبت بِهِ الْمعْصِيَة الْمُوجبَة لرد شَهَادَته وَالْحَد كَفَّارَة وتطهير فَلَا يجوز تَعْلِيق رد الشَّهَادَة بِهِ وَإِنَّمَا الْجلد ورد الشَّهَادَة حكمان للقذف فيثبتان جَمِيعًا بِهِ وتخلف اسْتِيفَاء أَحدهمَا لَا يمْنَع ثُبُوت الآخر وَقَوْلهمْ إِنَّمَا يتَحَقَّق بِالْجلدِ لَا يَصح لِأَن الْجلد حكم الْقَذْف الَّذِي تعذر تَحْقِيقه فَلَا يسْتَوْفى قبل تحقق الْقَذْف وَكَيف يجوز أَن يسْتَوْفى قبل تحقق الْقَذْف وَكَيف يجوز أَن يسْتَوْفى حَتَّى قبل تحقق سَببه وَيصير مُسْتَحقّا بعده هَذَا بَاطِل انْتهى كَلَامه وَقَالَت الْحَنَفِيَّة الزَّانِي وَنَحْوه يفسق بِنَفس الْفِعْل الْمُوجب للحد والقاذف لَا يفسق بِنَفس الْقَذْف لجَوَاز أَن يكون صَادِقا

وَقَالَ القَاضِي إِذا عجز عَن تَصْدِيق نَفسه بِإِقَامَة الْبَيِّنَة صَار فَاسِقًا وَسَقَطت شَهَادَته وَقَوْلهمْ يجوز أَن يكون صَادِقا فِي قذفه غير صَحِيح لِأَنَّهُ إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة حكمنَا بكذبه أَلا ترى أَنه يُوجب الْحَد عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن نوجب الْحَد عَلَيْهِ وَلم نحكم بكذبه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن كَلَام القَاضِي هَذَا وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَنه يفسق حِين يجب عَلَيْهِ الْحَد وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مُطَالبَة الْمَقْذُوف وَقَالَت الْحَنَفِيَّة الْحَاكِم لَو شَاهد رجلا يَزْنِي أَو يسرق يحكم بِفِسْقِهِ وَلم يقبل شَهَادَته وَلَو رَآهُ يقذف لم يحكم بِفِسْقِهِ لجَوَاز كَونه صَادِقا قَالَ القَاضِي إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة حكم بِفِسْقِهِ وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار وَلَا فرق بَينهمَا وَلِأَنَّهُ لم يذكر شَهَادَته بِصُورَة الزِّنَا وَالسَّرِقَة لجَوَاز الشُّبْهَة فَإِن انْكَشَفَ لَهُ الْحَال بِأَنَّهُ زنى بِانْتِفَاء الشُّبْهَة رد حِينَئِذٍ كالقذف سَوَاء إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على صدقه وشهادته وَحكم بِفِسْقِهِ وَحده وَلَا فرق بَينهمَا وَقَالَ القَاضِي بعد ذَلِك لَا يحكم بكذبه بِنَفس الْقَذْف وَإِنَّمَا يحكم بِالْقَذْفِ وَالْعجز عَن تَصْدِيقه بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ مُتَأَخّر عَن حَال الْقَذْف بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى 24 13 {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} فَحكم بكذبهم بِالْعَجزِ عَن الإيتاء بِالشَّهَادَةِ ثمَّ قَالَ فَإِن قيل فَيجب أَن تقبل شَهَادَته قبل عَجزه عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ لم يحكم بكذبه قيل إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَته قبل ذَلِك لِأَن الْقَذْف سَبَب فِي الْقدح فِي الْعَدَالَة فأكسب ذَلِك شُبْهَة فِي قبُولهَا كطعن الْخصم فِي الشُّهُود

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يدل على أَنه يتَوَقَّف عَن الْقبُول بعد الْقَذْف وَقبل الْعَجز ثمَّ قَالَ وَاحْتج بِأَنَّهُ يجوز أَن يأتى بِالْبَيِّنَةِ قبل وُقُوع الْحَد عَلَيْهِ فَلَا يتَبَيَّن عَجزه عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة قبل وُقُوع الْحَد عَلَيْهِ فَيجب أَن تقبل شَهَادَته وَالْجَوَاب أَن هَذَا التجويز لم يمْنَع من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ كَذَلِك لَا يمْنَع من رد الشَّهَادَة لِأَن الْحَد لَا يجوز اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا بعد ثُبُوت سَببه كَسَائِر الْحُدُود فَلَمَّا جَازَ اسْتِيفَاؤهُ فِي هَذَا الْحَال وَجب الحكم بِفِسْقِهِ ورد شَهَادَته قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد تحرر أَن الْقَاذِف لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن لَا تطلب مِنْهُ الْبَيِّنَة الثَّانِي أَن تطلب مِنْهُ فيعجز الثَّالِث أَن تطلب مِنْهُ فَيذْهب ليَأْتِي بهَا وَهنا يتَوَجَّه أَن ينظر ثَلَاثَة أَيَّام فَمن عجز فَهُوَ فَاسق وَمَتى ذهب ليَأْتِي بهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَة المطعون فِيهِ وَإِن لم يُطَالب بِالْحَدِّ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ فَهُنَا على مُقْتَضى كَلَام القَاضِي لم تزل عَدَالَته وَهُوَ ظَاهر الْقُرْآن وَيحْتَمل كَلَامه الثَّانِي أَن يكون مطعونا فِيهِ وعَلى عُمُوم كَلَامهم فِي أَن الْقَذْف يُوجب الْفسق لَا تقبل شَهَادَته انْتهى كَلَامه وَكَلَام أبي الْخطاب الْمَذْكُور يقتضى أَن الحكم بِالْفِسْقِ ورد الشَّهَادَة وَالْحَد يتَعَلَّق بِالْعَجزِ عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَأَن مَا كَانَ ثَابتا من قبُول الشَّهَادَة وَغَيره يستصحب إِلَى حِين الْعَجز وَلم أَجِدهُ ذكر فِي بحث الْمَسْأَلَة مَا يُنَافِيهِ بِخِلَاف القَاضِي فَصَارَ فِيمَا إِذا طلبت مِنْهُ الْبَيِّنَة فَذهب ليَأْتِي بهَا أَو لم تطلب مِنْهُ ثَلَاثَة أَقْوَال الثَّالِث تقبل إِذا لم يُطَالب بهَا وَفِي الْمَسْأَلَة أَيْضا قَول غَرِيب قَالَ القَاضِي فِي الْعدة فَأَما أَبُو بكرَة وَمن جلد مَعَه فَلَا يرد خبرهم لأَنهم جَاءُوا مَجِيء الشَّهَادَة وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقَذْف وَقد اخْتلفُوا فِي وجوب الْحَد فِيمَا

فصل

يسوغ فِي الِاجْتِهَاد وَلَا ترد الشَّهَادَة بِمَا يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد وَلِأَن نُقْصَان الْعدَد من معنى وجهة غَيره فَلَا يكون سَببا فِي رد شَهَادَته انْتهى كَلَامه وَيُوجه بِأَنَّهُ أحد نَوْعي الْقَذْف فاستوت فِيهِ الشَّهَادَة وَالرِّوَايَة فِي الْقبُول كالنوع الآخر فَإِن الْقَاذِف فِي الشتم لَا تقبل شَهَادَته وَلَا رِوَايَته حَتَّى يَتُوب وَحكي هَذَا عَن الشَّافِعِي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عقيب كَلَام القَاضِي الْمَذْكُور مَضْمُون هَذَا الْكَلَام أَنه يقبل خَبره وشهادته وَهُوَ خلاف الْمَشْهُور وَالْمَحْفُوظ عَن عمر فِي قَوْله لأبي بكرَة بن أقبل شهادتك وَلَكِن النَّاس قبلوا رِوَايَة أبي بكرَة فَيجوز أَن ترد شَهَادَته كَمَا لَو جلد وَيقبل خَبره كالمتأول فِي شرب النَّبِيذ وَنَحْو ذَلِك وَلِأَن الْخَبَر لَا يرد بالتهمة الَّتِي ترد بهَا الشَّهَادَة من قرَابَة أَو صداقة أَو عَدَاوَة أَو نَحْو ذَلِك أَو لاشتراك الْمخبر والمخبر فِيهِ بِخِلَاف الشَّهَادَة انْتهى فصل وَقَوله حَتَّى يَتُوب يَعْنِي إِذا تَابَ قبلت شَهَادَته جلد أَو لم يجلد وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة عبد الله حَدثنَا عبد الصَّمد حَدثنَا سُلَيْمَان يَعْنِي ابْن كثير حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب أَن عمر حِين ضرب أَبَا بكرَة ونافعا وشبلا استتابهم وَقَالَ من تَابَ مِنْكُم قبلت شَهَادَته

وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي المحدودين إِذا تَابُوا جَازَت شَهَادَتهم وَقَالَ حَرْب قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْقَاذِف إِذا تَابَ قبلت شَهَادَته وَكَذَا نقل عَنهُ جمَاعَة مِنْهُم صَالح وَزَاد أذهب إِلَى قَول عمر بن الْخطاب وَقَالَ لَهُ بكر بن مُحَمَّد تعتمد على حَدِيث عمر فِي قَوْله لأبي بكرَة إِن تبت قبلت شهادتك قَالَ نعم وَقَول الله تَعَالَى 24 5 إِلَّا {الَّذين تَابُوا} وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل إِذا تَابَ وَرجع جَازَت شَهَادَته على فعل عمر وَإِلَّا لم تقبل كَذَا قَالَ الله تَعَالَى 24 4 {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا} ثمَّ قَالَ {إِلَّا الَّذين تَابُوا} فَإِذا تَابَ قبلت شَهَادَته وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب شَهَادَة الْقَاذِف إِذا تَابَ قبلت شَهَادَته حد أَو لم يحد وَكَذَلِكَ كل مَحْدُود تقبل شَهَادَته إِذا كَانَ عدلا قيل للْإِمَام أَحْمد جلد أَو لم يجلد قَالَ نعم فَذهب إِلَى قَول عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقبل وَتقبل فِي رُؤْيَة الْهلَال على مَا ذكره القَاضِي عَنهُ وَتقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ إِذا حد بِالْقَذْفِ ثمَّ أسلم وَاعْتذر عَن رُؤْيَة الْهلَال بِأَنَّهُ خبر وَلَيْسَ بِشَهَادَة فَقَالَ القَاضِي لَو لم تكن شَهَادَة لم يعْتَبر فِيهَا الْعدَد وَقد قَالَ أَبُو حنيفَة إِذا لم تكن فِي السَّمَاء عِلّة اعْتبر فِيهِ عدد كثير وَكَذَلِكَ يعْتَبر فِيهَا مجْلِس الحكم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا من القَاضِي يَقْتَضِي أَن شَهَادَة الْوَاحِد عِنْد غير الْحَاكِم لَا تُؤثر وَقد ذكرت اعْتِبَار اللَّفْظ فِي مَوْضِعه انْتهى كَلَامه وَاعْتذر الْحَنَفِيّ عَن الذِّمِّيّ بِأَنَّهُ اجتلب باسلامه عَدَالَة لم يُبْطِلهَا حد الْقَذْف بِخِلَاف الْمُسلم فَإِنَّهُ أبطل عَدَالَته بحده فِي الْقَذْف فَلم يستفد بتوبته عَدَالَة لم تكن فَلهَذَا لم تقبل شَهَادَته فَقَالَ أَبُو الْخطاب لَا فرق بَينهمَا فَإِن الذِّمِّيّ كَانَ عدلا

فِي دينه لَا سِيمَا عِنْدهم وعَلى رِوَايَة لنا بِأَن شَهَادَة بَعضهم على بعض مَقْبُولَة وولايته على بنيه ثابته فَأبْطل عَدَالَته بِالْقَذْفِ وَالْحَد ثمَّ استحدث عَدَالَة بِالْإِسْلَامِ وَمثله الْمُسلم أبطل عَدَالَته ثمَّ بِالتَّوْبَةِ استحدث عَدَالَة أُخْرَى ثمَّ تبطل فِي الْمُسلم إِذا زنى وسرق وَشرب وحد فَإِنَّهُ قد أبطل عَدَالَته وَإِذا تَابَ قبلت شَهَادَته وَإِن لم تتجدد عَدَالَة بِإِسْلَامِهِ على زعمهم ثمَّ يجب أَن يُعلل بِهَذَا فِي رد شَهَادَته فِي رُؤْيَة الْهلَال وأخبار الديانَات وولايته على أَوْلَاده فِي أَمْوَالهم وَقد قَالَ يَصح مِنْهُ جَمِيع ذَلِك انْتهى كَلَامه قَوْله وتوبته إكذابه نَفسه قَالَ القَاضِي فَيَقُول كذبت فِيمَا قلت وَهَذَا ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد تَوْبَة الْقَاذِف أَن يكذب نَفسه وَإِن كَانَ صَادِقا وَرجحه بَعضهم قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي وَحرب وَابْن مَنْصُور وَيَعْقُوب وَصَالح تَوْبَة الْقَاذِف أَن يكذب نَفسه وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ تَوْبَته عِنْدِي أَن ينْزع عَن الْقَذْف ويكذب نَفسه وَحَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ يدل على هَذَا وَقَالَ فِي رِوَايَة الْحَارِث وَقد قيل لَهُ عَن الْقَاذِف ماتوبته قَالَ يكذب نَفسه يَقُول إِنِّي قد قذفت فلَانا وَإِنِّي قد تبت من قذفي إِيَّاه قلت وَإِن كَانَ قد شهد وَقد رَآهُ يَزْنِي يَتُوب من حق قد شهد بِهِ قَالَ ماأدري هَذِه تَوْبَة الْقَاذِف قَالَ وَإِنَّمَا أذهب إِلَى حَدِيث أبي بكرَة وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل لَا تقبل شَهَادَته حَتَّى يَقُول إِنِّي تائب لِأَن أَبَا بكرَة قَالَ لَهُ عمر إِن تبت قبلت شهادتك وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل أَيْضا يكذب نَفسه وَيرجع عَن قَوْله وَيَتُوب

لَيْسَ بِالتَّوْبَةِ خَفَاء وَقَالَ أَبُو طَالب سَمِعت أَحْمد قَالَ وتوبة الْقَاذِف أَن يقوم فيكذب نَفسه وَيَقُول إِنِّي تائب مِمَّا قلت وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة أبي طَالب وَقد سَأَلَهُ عَن تَوْبَة الْقَاذِف قَالَ تَوْبَته إِذا رَجَعَ فَقَالَ قد رجعت وَتَابَ وأعلن مثل قَول عمر لأبي بكرَة إِن تبت قبلت شهادتك وَقَالَ مهنا قَالَ أَحْمد تجوز شَهَادَة الْمَحْدُود فِي الْقَذْف إِذا عرفت تَوْبَته يَقُول إِنِّي قد رجعت عَمَّا كنت قلت فِي فلَان لَا بُد من هَذَا وَقَالَ لَهُ مهنا فِي مَوضِع آخر لَا بُد من أَن يتَكَلَّم بِهِ قَالَ لَا بُد أَن يتَكَلَّم بِهِ وَإِلَّا من أَيْن تعلم بتوبته فقد روى عَن ابْن الْمسيب عَن عمر مَرْفُوعا تَوْبَته إكذاب نَفسه وَلِأَن إكذاب نَفسه يزِيل تلوث عرض الْمَقْذُوف الْحَاصِل بقذفه فَتكون التَّوْبَة بِهِ وَبِه قَالَ مَالك وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي وَقيل إِن علم صدق نَفسه فتوبته أَن يَقُول قد نَدِمت على مَا قلت وَلَا أَعُود إِلَى مثله وَأَنا تائب إِلَى الله تَعَالَى مِنْهُ لِأَن الْمَقْصُود يحصل بذلك وَلِأَن النَّدَم تَوْبَة وَإِنَّمَا اعْتبر القَوْل ليعلم تحقق النَّدَم وتتمة هَذَا القَوْل وَإِن لم يعلم صدق نَفسه فتوبته إكذاب نَفسه سَوَاء كَانَ الْقَذْف بِشَهَادَة أَو سبّ لِأَن قد يكون كَاذِبًا فِي الشَّهَادَة صَادِقا فِي السب وَهَذَا معنى مَا اخْتَارَهُ فِي المغنى وَقطع بِهِ فِي الْكَافِي وَقيل إِن كَانَ سبا فالتوبة إكذاب نَفسه وَإِن كَانَ شَهَادَة فبأن يَقُول الْقَذْف حرَام بَاطِل وَلست أَعُود إِلَى مَا قلت قَالَ القَاضِي وَهُوَ الْمَذْهَب لِأَنَّهُ قد يكون صَادِقا فَلَا يُؤمر بالذنب وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب إِلَّا أَنه قَالَ يَقُول نَدِمت على مَا

فرع

كَانَ مني وَلَا أَعُود إِلَى مَا أتهم فِيهِ وَلَا يَقُول وَلَا أَعُود إِلَى مثل مَا كَانَ مني لِأَن فِي ذَلِك أَن لَا يشْهد وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَيتَوَجَّهُ أَن يحمل قَوْله إِذا أكذب نَفسه على الشَّهَادَة بِالْقَذْفِ كقضية أبي بكرَة فرع وَتقبل شَهَادَة الْقَاذِف بِمُجَرَّد التَّوْبَة فِي ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَقدمه فِي الْكَافِي وَهُوَ الْمَشْهُور وَقطع بِهِ ابْن هُبَيْرَة عَن الإِمَام أَحْمد وَيحْتَمل أَن يعْتَبر مُضِيّ مُدَّة يعلم تَوْبَته فِيهَا وَذكر فِي الرِّعَايَة أَنه إِن كَانَ شَهَادَة قبل بِمُجَرَّد التَّوْبَة وَإِن كَانَ شتما وقذفا فيعد إصْلَاح الْعَمَل سنة وَذكر ابْن هُبَيْرَة عَن مَالك أَنه يعْتَبر ظُهُور أَفعَال الْخَيْر من غير حد وَعَن الشَّافِعِي أَنه قدره بِسنة وَقَالَ القَاضِي فِي بحث الْمَسْأَلَة على أَن فِي الْآيَة مَا يمْنَع رُجُوعه إِلَى مايليه وَهُوَ زَوَال تَتِمَّة الْفسق من وُجُوه أَحدهَا أَنه لَو عَاد إِلَى زَوَال تَتِمَّة الْفسق لم يشْتَرط فِيهِ صَلَاح الْعَمَل ولكان يقْتَصر على قَوْله تَعَالَى {إِلَّا الَّذين تَابُوا} لِأَن الْفسق يرْتَفع بِمُجَرَّد التَّوْبَة وَإِنَّمَا قبُول الشَّهَادَة يشْتَرط فِيهِ صَلَاح الْعَمَل فَثَبت أَن الِاسْتِثْنَاء عَاد إِلَيْهِ وَاحْتَجُّوا للمسألة بِمَا رَوَاهُ ابْن الْمُنْذر وَغَيره عَن ابْن عَبَّاس فِي قَوْله تَعَالَى 24 4 5 {وَلَا تقبلُوا لَهُم شَهَادَة أبدا وَأُولَئِكَ هم الْفَاسِقُونَ إِلَّا الَّذين تَابُوا} فَمن تَابَ وَأصْلح فشهادته فِي كتاب الله تقبل وَعَن أبي الدَّرْدَاء رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِذا قَالَ بعد ضربه أسْتَغْفر الله وَأَتُوب إِلَيْهِ من قذف الْمُحْصنَات حِين يفرغ من ضربه وَلم يعلم مِنْهُ بعد إِلَّا خيرا قبلت شَهَادَته

ثمَّ إِن القَاضِي ذكر بعد ذَلِك الْمَسْأَلَة بِخِلَاف ذَلِك وَقَالَ إِن شَهَادَته تقبل بِمُجَرَّد التَّوْبَة لأَنا قد حكمنَا بِصِحَّة التَّوْبَة فِي الْبَاطِن فَلم نعتبر فِي قبُول الشَّهَادَة إصْلَاح الْعَمَل كالتوبة عَن الرِّدَّة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عِنْد قَوْله إِن الْقَاذِف تقبل شَهَادَته إِذا تَابَ مَعْنَاهُ التَّوْبَة الصَّحِيحَة الَّتِي يعلم صِحَّتهَا وَذَلِكَ لَا يكون إِلَّا بعد سنة وَصَلَاح الْعَمَل الْمَذْكُور فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هُوَ لتصحيح التَّوْبَة وَسُقُوط الْعقُوبَة لَا يسْتَلْزم قبُول الشَّهَادَة فَإِن الْعقُوبَة تسْقط بالشهادات وبالدخول فِي أَوَائِل الْخَيْر وعَلى هَذَا فَلَا فرق بَين التَّوْبَة من الرِّدَّة وَغَيرهَا وَقَوله يَعْنِي القَاضِي قد حكمت بِصِحَّة التَّوْبَة فِي الْبَاطِن فِيهِ نظر ونصوص أَحْمد تخَالف ذَلِك فَإِنَّهُ إِن أَرَادَ أَنه هُوَ الَّذِي حكم بذلك فقد يصدق وَأما نَحن فَلم نحكم بِصِحَّتِهَا فِي الْبَاطِن قَالَ القَاضِي وَلِأَن الْقَذْف على ضَرْبَيْنِ قذف بِلَفْظ الشتم كَقَوْلِه زَيْنَب وَأَنت زَان وَقذف بِلَفْظ الشَّهَادَة الْمَرْدُودَة ثمَّ إِذا كَانَ بِلَفْظ الشَّهَادَة الْمَرْدُودَة قبلت شَهَادَته بِمُجَرَّد التَّوْبَة كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث عمر فَكَذَلِك إِذا كَانَ بِلَفْظ الشتم قَالَ وَلِأَنَّهُ يقبل خَبره بِمُجَرَّد التَّوْبَة وَلَا يعْتَبر فِيهِ صَلَاح الْعَمَل كَذَلِك فِي بَاب الشَّهَادَة وَاسْتشْهدَ بِآيَة الْفرْقَان وَالْبَقَرَة وَفِي كِلَاهُمَا نظر قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي وَلِأَن التَّوْبَة الْبَاطِنَة بِحكم بِصِحَّتِهَا فِي الْحَال وَهُوَ إِذا وجد التركي والندم والعزم على الْخُرُوج من الْمظْلمَة أَو يكون فِيمَا بَينه وَبَين الله تَائِبًا وَلَا يشْتَرط فِيهَا صَلَاح الْعَمَل كَذَلِك التَّوْبَة الْحكمِيَّة بعلة أَنَّهَا إِحْدَى التوبتين فقد ظهر من ذَلِك أَن لنا فِي قبُول شَهَادَة الْقَاذِف بِمُجَرَّد التَّوْبَة خَمْسَة أَقْوَال وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب أَن التَّوْبَة من الرِّدَّة لَيست كَغَيْرِهَا كَمَا أَن الْمَعْرُوف الحكم بِصِحَّة التَّوْبَة فِي الْبَاطِن

فرع

وَظَاهر كَلَام بَعضهم التَّسْوِيَة بَين قبُول الْخَبَر وَالشَّهَادَة بِمُجَرَّد التَّوْبَة وَعَدَمه خلاف مَا صرح بِهِ القَاضِي فَتكون الْمَسْأَلَة على وَجْهَيْن فرع رجل حلف بِالطَّلَاق أَنه رأى شخصا يَزْنِي فَهَل تطلق امْرَأَته يَنْبَغِي أَن يُقَال إِن علم كذب نَفسه طلقت بَاطِنا وظاهرا وَإِن علم صدق نَفسه طلقت فِي الحكم قَوْله وَإِذا تَابَ الْفَاسِق قبلت شَهَادَته بِمُجَرَّد تَوْبَته هَذَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب لما تقدم وَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام التَّوْبَة تجب مَا قبلهَا رَوَاهُ مُسلم وَعَن أبي عُبَيْدَة بن عبد الله بن مَسْعُود عَن أَبِيه وَلم يسمع مِنْهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم التائب من الذَّنب كمن لَا ذَنْب لَهُ إِسْنَاده ثِقَات رَوَاهُ ابْن ماجة وَغَيره قَوْله وَعنهُ يعْتَبر مَعهَا فِي غير الْقَاذِف إصْلَاح الْعَمَل سنة لما تقدم لِأَن فِيهَا يتَبَيَّن صَلَاحه لاخْتِلَاف الأهوية وَتغَير الطباع وَعَن الشَّافِعِي كالروايتين وَقيل إِن فسخ بِفعل وَإِلَّا فَلَا يعْتَبر فِيهِ إصْلَاح ذَلِك وَقيل يعْتَبر مضى مُدَّة يعلم فِيهَا حَالَة بذلك وَذكر القَاضِي فِي مَوضِع أَن التائب من الْبِدْعَة يعْتَبر لَهُ مضى سنة لحَدِيث صبيغ أَن عمر رَضِي الله عَنهُ لما ضربه أَمر بهجرانه حَتَّى بلغته تَوْبَته فَأمر أَن لَا يكلم إِلَّا بعد سنة رَوَاهُ الإِمَام أَحْمد رَضِي الله عَنهُ وروى الْمروزِي عَن أَحْمد أَنه قَالَ لَا يكلم التائب عَن الْبِدْعَة إِلَّا بعد أَن

يَأْتِي عَلَيْهِ سنة كَمَا أَمر عمر بن الْخطاب أَن لَا نُكَلِّم صبيغ إِلَّا بعد سنة وَقَالَ من عَلامَة تَوْبَته فِي هَذِه السّنة أَن ينظر إِلَيْهِ فان كَانَ يوالي من عَادَاهُ على بدعته ويعادي من وَالَاهُ فَهَذِهِ تَوْبَة صَحِيحَة وَاخْتَارَ القَاضِي فِي مَوضِع أَن التائب من الْبِدْعَة كَغَيْرِهِ فِي أَنه لَا يعْتَبر إصْلَاح الْعَمَل وَقَالَ عَن هَذَا النَّص مَحْمُول على طَرِيق الِاخْتِيَار الإحتياط وَقَالَ وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة يَعْقُوب فِي رجل من الشكاك أظهر التَّوْبَة فَقَالَ يَتُوب فِيمَا بَينه وَبَين الله وبجانب أهل مقَالَته حَتَّى يعرف النَّاس أَنه تائب قَالَ وَظَاهر هَذَا أَنه لم يَجْعَل مجانبته شرطا فِي صِحَة تَوْبَته وَإِنَّمَا جعلهَا ليَكُون ذَلِك دلَالَة على تَوْبَته عِنْد من عرف ذَلِك مِنْهُ وَلم يشْتَرط معنى زَائِدا على ذَلِك وَهَذَا اخْتِيَاره فِي المغنى قَالَ وَالصَّحِيح أَن التَّوْبَة من الْبِدْعَة كَغَيْرِهَا إِلَّا أَن تكون التَّوْبَة بِفعل يشبه الْإِكْرَاه كتوبة صبيغ فَتعْتَبر لَهُ مُدَّة تظهر أَن تَوْبَته عَن إخلاص لَا عَن إِكْرَاه وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من تَأمل كَلَام أَحْمد وجده إِنَّمَا يعْتَبر فِي جَمِيع الْمَوَاضِع التَّوْبَة لَكِن نَحن لَا نعلم صدقه فِي تَوْبَته بِمُجَرَّد قَوْله قد تبت فَلَا بُد من انكفافه عَن ذَلِك الذَّنب وعلاماته سنة ليَكُون هَذَا دَلِيلا لنا على صدق تَوْبَته فِيمَا بَينه وَبَين الله وبجانب أهل مقَالَته حَتَّى يعرف النَّاس أَنه تائب فَجعل التَّوْبَة فِيمَا بَينه وَبَين الله صَحِيحه فِي الْحَال وَأما عِنْد النَّاس فَيتْرك مَوَاضِع الذَّنب وَهُوَ مجانبة أَصْحَاب الذَّنب وَقَول القَاضِي إِنَّمَا أَمر بذلك ليَكُون دَلِيلا على تَوْبَته عِنْد من عرف ذَلِك مِنْهُ ضَعِيف لِأَن المجانبة لأهل الْمقَالة المبتدعة وَاجِبَة وَإِنَّمَا أَمر بِهِ لِأَن ملازمته دَلِيل على الْقيام بِمُوجب التَّوْبَة وَلِأَنَّهُ قَالَ حَتَّى يعرف النَّاس مِنْهُ ذَلِك وَهَذَا يَقْتَضِي معرفَة من عرف أَنه قد تَابَ وَمن لم يعرف أَنه تَابَ أَلا ترى أَن الْمَسْأَلَة أَنه أظهر التَّوْبَة فحقيقة

التَّوْبَة عَن إِظْهَار وَكَذَلِكَ قَوْله من عَلامَة تَوْبَته مُوالَاة من عَادَاهُ على الْبِدْعَة ومعاداة من وَالَاهُ عَلَيْهَا وَقَالَ فَهَذِهِ تَوْبَة صَحِيحَة فَعلمت أَنه لَا بُد من عَلامَة تدلنا على صِحَة التَّوْبَة وَإِلَّا فَلَو كَانَ مجردالتكلم بِالتَّوْبَةِ مُوجبا لصحتها لم يحْتَج إِلَى عَلامَة ثمَّ ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَامه الْمَكْتُوب فِي الْقَاذِف وَذكر ابْن عقيل أَن المبتدع إِذا تَابَ هَل تقبل شَهَادَته أَو يعْتَبر بِهِ صَلَاح الْعَمَل قَالَ وَالْقِيَاس قبُول شَهَادَته لصِحَّة تَوْبَته كَمَا قدمْنَاهُ فِي الرِّدَّة وَالْقَذْف لَكِن طرحنا الْقيَاس هَهُنَا لأجل الْإِثْم والأثر ثمَّ ذكر رِوَايَة الْمروزِي الْمَذْكُورَة لقَوْل عمر لأبي بكرَة إِن تبت قبلت شهادتك وَقَالَ مَالك لَا أعرف هَذَا قَالَ الشَّافِعِي وَكَيف لَا يعرفهُ وَقد أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالتَّوْبَةِ وَقَالَهُ عمر لأبي بكرَة قَوْله وَمن أَتَى شَيْئا من الْفُرُوع الْمُخْتَلف فِيهَا كمن تزوج بِلَا ولى أَو شرب من النَّبِيذ مَالا يسكره أَو أخر زَكَاة أَو حجا مَعَ إمكانهما وَنَحْوه متأولا لم ترد شَهَادَته نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة صَالح وَغَيره وَأَنه يحد شَارِب النَّبِيذ وَيصلى خَلفه وَتقبل شَهَادَته وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور من الْمَذْهَب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَن الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفُرُوع فَلم يكن بَعضهم يعيب من خَالفه وَلَا يفسقه وَنقل عَنهُ عَليّ بن الْمُوفق فِي الصَّلَاة خلف من يشرب النَّبِيذ لَا يصلى خلف من يشرب هَذَا وَلَا خلف من يجلس إِلَى من يشرب هَذَا قَالَ القَاضِي وَهَذَا مَحْمُول على مَا يسكر وَيجوز أَن يحمل على ظَاهره

فَيخرج رِوَايَتَانِ وَيشْهد لذَلِك مَا قَالَه فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث فِي إِمَام يَبِيع كرمه مِمَّن يَتَّخِذهُ خمرًا لَا يصلونَ خَلفه وَقَالَ فِي رِوَايَة عبد الله وَإِبْرَاهِيم من اسْتَطَاعَ الْحَج وَلم يحجّ لَا تجوز شَهَادَته انْتهى كَلَام القَاضِي وَكَذَا نقل أَبُو الْحَارِث قَالَ القَاضِي فِي مَوضِع آخر وَهَذَا مُبَالغَة فِي الْفَوْر لِأَنَّهُ قد أسقط عَدَالَته فِي الْموضع الَّذِي يسوغ فِيهِ الِاجْتِهَاد وَقَالَ أَيْضا وَظَاهر هَذَا أَنه لم يسوغ الِاجْتِهَاد فِي تَأْخِيره أَي تَأْخِير الْحَج وَذكره فِي المغنى قولا وَاحْتج لَهُ فِي المغنى يَقُول عمر مَا هم بمسلمين وَقَالَ بن أبي مُوسَى الْأَظْهر من قَول الإِمَام أَحْمد أَنه لَا تقبل شَهَادَة من شرب النَّبِيذ متأولا وَلم يسكر قَالَ فِي الرِّعَايَة لفسقه إِذا وَهَذَا قَول مَالك وَاخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقَالَ ترد شَهَادَته لاستحقاقه الهجر والعقوبة كالمبتدع وَالْعلَّة أَنه مُوجب للحد وَهَذَا لَا يتعداه وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْعَبَّاس بن مُحَمَّد فِي شَارِب النَّبِيذ أَنا أُجِيز شَهَادَته وَلَا أُصَلِّي خَلفه إِن وجدته فِي الْجَامِع وَلَعَلَّ لَا زَائِدَة وَنقل غير وَاحِد عَن الإِمَام أَحْمد فِيمَن ترك الْوتر مُتَعَمدا سَاقِط الْعَدَالَة وَقَالَ فِي رِوَايَة سندى قيل لَهُ فترى أَن يكْتب عَمَّن يَبِيع هَذِه الْعينَة قَالَ لَا يُعجبنِي أَن يكْتب عَن معِين وَفِي اللاعب بالشطرنج خلاف سَيَأْتِي وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي المصرين على ترك الْجَمَاعَة ترد شَهَادَتهم بل يُقَاتلُون فِي أحد الْقَوْلَيْنِ وَهَذَا عِنْد من لَا يَقُول بِوُجُوبِهَا فَأَما من قَالَ بِوُجُوبِهَا فَإِنَّهُ يُقَاتل تاركها ويفسق المصرين على تَركهَا إِذا قَامَت عَلَيْهِم الْحجَّة الَّتِي تبيح الْقِتَال والتفسيق كَمَا يُقَاتل أهل الْبَغي بعد إِزَالَة الشُّبْهَة وَرفع الْمظْلمَة قَوْله فِي الْمُحَرر متأولا

فصل

وَكَذَا من قلد متأولا وَيدخل فِي كَلَامه وَكَلَام غَيره من قَالَ يَقُول عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام المَاء من المَاء أَو أجَاز بيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدا وَظَاهر كَلَامه فِي الرِّعَايَة أَنه يفسق فِي هَاتين الصُّورَتَيْنِ اتِّفَاقًا وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب الْمَسْأَلَة كَمَا ذكر غَيره وَقَالَ وَذكر ابْن أبي مُوسَى أَنه لَا تقبل شَهَادَة من يَقُول المَاء من المَاء وَلَا من يجوز بيع دِرْهَم بِدِرْهَمَيْنِ نَقْدا وتعليل هَذَا أَنه لضعف الْخلاف فيهمَا وَفِي هَذَا نظر وَأما لاعتقاد أَن فيهمَا إِجْمَاعًا بعد اخْتِلَاف وَأَن هَذَا إِجْمَاع صَحِيح فَفِيهِ نظر يضا فصل قَالَ القَاضِي على ظهر أَجزَاء الْعدة نقلت من الْمَجْمُوع لأبي حَفْص الْبَرْمَكِي من خطّ وَلَده أبي إِسْحَاق عبد الله سَمِعت أبي يَقُول لَو أَن رجلا عمل بِكُل رخصَة بقول أهل الْكُوفَة فِي النَّبِيذ وَأهل الْمَدِينَة فِي الْمشَاع وَأهل مَكَّة فِي الْمُتْعَة لَكَانَ فَاسِقًا قَالَ القَاضِي هَذَا مَحْمُول على أحد وَجْهَيْن إِمَّا أَن يكون من أهل الِاجْتِهَاد وَلم يؤده اجْتِهَاده إِلَى الرُّخص فَهَذَا فَاسق لِأَنَّهُ ترك مَا هُوَ الْحق عِنْده وَاتبع الْبَاطِل أَو يكون عاميا فأقدم على الرُّخص من غير تَقْلِيد فَهَذَا أَيْضا فَاسق لِأَنَّهُ أخل بفرضه وَهُوَ التَّقْلِيد فَأَما إِن كَانَ عاميا وقلد فِي ذَلِك لم يفسق لِأَنَّهُ قلد من يسوغ اجْتِهَاده قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد فسق العَاصِي الْمُجْتَهد إِذا عمل بِرُخْصَة مُخْتَلف فِيهَا من غير اجْتِهَاد والعامي إِذا عمل بهَا من غير تَقْلِيد وَمَعَ هَذَا فَكَلَام الإِمَام أَحْمد إِنَّمَا هُوَ فِيمَن يتبع الرُّخص مُطلقًا الْمُخْتَلف فِيهَا مَعَ ضعفها وَهَذَا فَاسق لِأَنَّهُ يفعل الْحَرَام قطعا انْتهى كَلَامه

وَلم يقل فِي مَوضِع آخر مَعَ ضعفها انْتهى كَلَامه وَمَا ذكره القَاضِي هُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى وَقد ذكرُوا فِيمَن صلى وَترك شرطا أَو ركنا سَاغَ فِيهِ الْخلاف من غير تَأْوِيل وَلَا تَقْلِيد أَنه لَا تصح صلَاته فِي أصح الرِّوَايَات لِأَن فَرْضه التَّقْلِيد وَقد تَركه وَالثَّانيَِة لَا إِعَادَة إِن طَال الزَّمن وَالثَّالِثَة تصح مُطلقًا لخفاء طرق هَذِه الْمسَائِل وعَلى هَذِه الرِّوَايَة يخرج عدم الْفسق فِي مَسْأَلَتنَا ويوافق كَلَام القَاضِي قَول ابْن عقيل لَو شرب النَّبِيذ عَامي بِغَيْر تَقْلِيد لعالم فسق وَوجدت بِخَط القَاضِي تَقِيّ الدّين الزريراني الْبَغْدَادِيّ الْحَنْبَلِيّ الْآخِذ برخص الْعلمَاء هَل يفسق أم لَا فِيهِ رِوَايَتَانِ مثل الْآخِذ برخص مَالك فِي ترك الشَّهَادَة فِي النِّكَاح وَالْقَوْل بِطَهَارَة الْكَلْب وَالْخِنْزِير فِي حَال الْحَيَاة وكاستباحة النَّبِيذ على قَول النُّعْمَان وتزويج ابْنَته من الزِّنَا على قَول الشَّافِعِي وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لَيْسَ لَهُ شُبْهَة قَوِيَّة فَأَما مَا قويت شبهته كمس الذّكر فِي حق المتوضىء وَخُرُوج الدَّم من بقيه الْبدن وَمَا أشبه ذَلِك فَلَا يفسق وَهَذَا كُله فِي حق الْعَالم فَأَما الْعَاميّ فموسع عَلَيْهِ فِي ذَلِك انْتهى كَلَامه فَظهر من ذَلِك أَن من فعل مُخْتَلفا فِيهِ بِغَيْر تَأْوِيل وَلَا تَقْلِيد أَنه يفسق فِي الْمَشْهُور وَإِن تَأَول أَو قلد إِن لم يترخص فَلَا يفسق وَإِن تتبع الرُّخص فَهَل يفسق أم لَا أم يفرق بَين مَا قوى دَلِيله وَمَا ضعف أم لَا يُقَال بِهَذِهِ التَّفْرِقَة فِي حق الْعَالم فَقَط أم يفرق بَين الْعَاميّ والعالم مُطلقًا فِيهِ أَقْوَال قَوْله وَإِن اعْتقد تَحْرِيمه ردَّتْ نَص عَلَيْهِ وَقد تقدم وَقَالَ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم فِي المحتجم يُصَلِّي وَلَا يتَوَضَّأ فَإِن كَانَ مِمَّن يتدين بِهَذَا

فصل

فَلَا وضوء فِيهِ فَلَا يعيدون وَإِن كَانَ يعلم أَنه لَا يجوز يعيدون كلهم قَالَ القَاضِي فقد أبطل إِمَامَته مَعَ اعْتِقَاده التَّحْرِيم وَإِبْطَال الْإِمَامَة هَهُنَا كإبطال الشَّهَادَة لِأَن الْعَدَالَة شَرط فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ فعل يحرم على فَاعله فَأشبه الْمُتَّفق على تَحْرِيمه وَاعْتبر فِي المغنى على هَذَا أَن يتَكَرَّر وَلم أَجِدهُ فِي غَيره وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب فِي الصَّلَاة أَنه يفسق وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَة فسق على الْأَصَح وَقَوله فِي الْمُحَرر وَقيل لَا ترد أَيْضا وَهُوَ قَول الشَّافِعِيَّة لِأَن لفعله مساغا فِي الْجُمْلَة فَأشبه الْمُتَّفق على حلّه وَنقض على الشَّافِعِيَّة بِنَصّ الشَّافِعِيَّة فِي الْمُعْتَاد مَعَ خلاف إِبْرَاهِيم بن سعيد وَعبيد الله بن الْحسن وبمن طلق ثَلَاثًا وَأمْسك امْرَأَته مَعَ خلاف الْحسن فَأَما اعْتِقَاد اسْتِبَاحَة هَذَا الْمحرم فَلَا يسْقط الشَّهَادَة ذكره القَاضِي وَغَيره من الْأَصْحَاب مَحل وفَاق وَقد قَالَ عبد الله سُئِلَ أبي عَن عبد الصَّمد بن النُّعْمَان قَالَ نَحن لَا نكتب عَن عبد الصَّمد قيل لعبد الله فَلم كرهه قَالَ كَانَ يرى الْعينَة فصل هَل يجوز أَن يشْهد العقد الْفَاسِد الْمُخْتَلف فِيهِ وَيشْهد بِهِ يَنْبَغِي أَن يُقَال يدْخل فِي كَلَام الْأَصْحَاب فَإِن كَانَ متأولا أَو مُقَلدًا لمتأول جَازَ وَفِي بعض الْمَوَاضِع خلاف سبق وَإِلَّا لم يجز وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي هَل يجوز أَن يشْهد العقد الْفَاسِد

وَيشْهد بِهِ فَإِن كَانَ ذَلِك فِي عقد مُتَّفق على فَسَاده كعقد الرِّبَا وَالْعقد الْمَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار الْمَجْهُول أَو شَرط بَاطِل بِإِجْمَاع لم يجز شُهُوده وَلم تجز الشَّهَادَة بِهِ فَأَما إِن كَانَ فَسَاده مِمَّا يسوغ الِاجْتِهَاد فِيهِ فَلَا يمْنَع لِأَنَّهُ لَا يقطع على فَسَاده نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَحْمد بن صَدَقَة وَقد سَأَلَهُ فَإِن كَانُوا يشْهدُونَ على رَبًّا قَالَ لَا يشْهدُونَ على رَبًّا إِذا علمُوا وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب فِي الرجل يدعى إِلَى الشَّهَادَة ويظن أَنه رَبًّا أَو بيع فَاسد قَالَ إِذا علم ذَلِك فَلَا يشْهد وَقَالَ فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي الرجل يفضل بعض وَلَده يشْهد قَالَ لَا يشْهد قيل لَهُ فقد شهد فَقَالَ لَا تشهد للَّذي أشهدك وَلَا لوَلَده وَكَذَلِكَ نقل إِسْمَاعِيل بن سعيد لَا تشهد على عَطِيَّة من لم يعدل فِيهَا وَكَذَلِكَ نقل أَبُو الْحَارِث إِذا علمت أَنه يُرِيد أَن يزوى مِيرَاثه عَن ورثته يصيره لبَعض دون بعض لَا تشهد لَهُ بِشَيْء قَالَ وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَنه لَا يشْهد وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لِأَن تَفْضِيل بَعضهم على بعض مُخْتَلف فِيهِ وَاحْتج بقوله لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يشْهد وَلِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير وَلِحَدِيث لعن شَاهدا الرِّبَا قَالَ وَلِأَن فعل الْفَاسِد مُنكر وَحُضُور الْمُنكر مُنكر فَإِن قيل مَا رويتموه من الْأَخْبَار فِي أَحْكَام يسوغ فِيهَا الِاجْتِهَاد وَهُوَ الشَّهَادَة فِي نِكَاح الْمحرم وَإِذا خص بعض أَوْلَاده قيل فِي هَذَا تَنْبِيه على تَحْرِيم ذَلِك فِيمَا اتّفق على فَسَاده وَإِذا قَامَ الدَّلِيل على الْمُخْتَلف فِيهِ خصصناه وَبَقِي تنبيهه على ظَاهره فان قيل فالشاهد لَا يلْزم بِشَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم قيل وَإِن لم يلْزم فَلَا يجوز لَهُ أَن يحضر الْمُنكر لِأَن حُضُوره مُنكر

فَإِن قيل فَللَّه حكم فِي الْفَاسِد كَمَا لَهُ حكم فِي الصَّحِيح فَهُوَ ينْقل الْفساد فينفذه الْحَاكِم قيل فَيجب أَن يحضر المؤاجر الْمشَاهد بيع الْخمر فَيشْهد بذلك وَكَذَلِكَ دور الْفسق لشاهد الزِّنَا فَيشْهد بذلك لِأَن لله فِيهِ حكما وَهُوَ سُقُوط ثمن الْخمر وَمهر الزَّانِيَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الشَّهَادَة عَلَيْهِ إِعَانَة على حُصُوله والإعانة على الْمحرم مُحرمَة فَأَما إذاغلب على ظَنّه أَنه يشْهد عَلَيْهِ ليبطله فَذَلِك شَيْء آخر انْتهى كَلَامه وَظَاهر قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَمَا تقدم فِي أول الْفَصْل وَعَلِيهِ مَا ذكره القَاضِي فِي نَص الإِمَام أَحْمد وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو النَّصْر الْعجلِيّ أَنه سمع أَبَا عبد الله يكره الْعينَة وَيكرهُ أَن يشْهد الرجل على شَيْء مِنْهَا هَذَا إِن حملت الْكَرَاهَة على التَّحْرِيم وَإِطْلَاق القَاضِي عدم الْمَنْع يقتضى جَوَاز الشَّهَادَة مُطلقًا وَهُوَ خلاف كَلَام الإِمَام أَحْمد وَقد يُقَال مَا ضعف دَلِيله وَكَانَ خلاف خبر وَاحِد لم يشْهد فِيهِ وَإِلَّا شهد كعطية الْأَوْلَاد وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَقَالَ القَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ فِي شَرحه الْعلم بالتفضيل أَو التَّخْصِيص يمْنَع تحمل الشَّهَادَة بِهِ وأداؤها مُطلقًا حَكَاهُ الْأَصْحَاب وَنَصّ عَلَيْهِ ثمَّ ذكر النُّصُوص السَّابِقَة وَأَن الإِمَام أَحْمد قَالَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن سعيد وَإِن سَأَلَهُ بِمَا اسْتمع عِنْد قَاض يرى ذَلِك جَائِزا لم يشْهد لَهُ بِهِ وَعلله الْحَارِثِيّ بِأَنَّهُ جور فامتنعت الْإِعَانَة عَلَيْهِ وَذكر أَنه قَول إِسْحَاق وَنقل أَبُو طَالب عَن الإِمَام أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن رجل نحل نحلة لِابْنِهِ وَلم يعلم الشُّهُود أَن لَهُ ابْنا غَيره ثمَّ علمُوا بعد أَن لَهُ غَيره فَدَعَاهُمْ إِلَى الشَّهَادَة قَالَ إِن لم يشْهدُوا لَهُ أَرْجُو لَيْسَ عَلَيْهِم شَيْء انْتهى كَلَامه

فَأَما إِن احْتمل عِنْد الشَّاهِد أَن العقد فَاسد فَإِنَّهُ يشْهد وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إِن ظن فَسَاده على مُقْتَضى كَلَام الإِمَام أَحْمد السَّابِق لَكِن هُنَا يَنْبَغِي أَن يُقَال يكره وَقد يُقَال بِتَحْرِيمِهِ كَمَا فِي ظن جعل الْعصير خمرًا وَظن جعل الدَّار الْمُسْتَأْجرَة مَكَانا يُبَاع فِيهِ الْخمر وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَوضِع آخر فصل الشَّهَادَة على الْإِقْرَار الَّذِي يعلم أَنه تلجئه أَو كَاذِب أَو فِيهِ تَأْوِيل وَقد أبطل الإِمَام أَحْمد إِقْرَار التلجئة وَنَصه مَكْتُوب عِنْد مَسْأَلَة الْإِقْرَار للزَّوْجَة إِذا أَبَانهَا ثمَّ تزَوجهَا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِن الْأَمر بِإِقْرَار بَاطِل مثل أَمر الْمَرِيض أَن يقر لوَارث بِمَا لَيْسَ بِحَق ليبطل بِهِ حق بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِن الْأَمر بذلك وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ بَاطِل قَوْله وَأما الْمُرُوءَة فاستعمال مَا يجمله ويزينه وتجنب فِي يدنسه ويشينه إِلَى آخِره الْمُرُوءَة الإنسانية وَقَالَ ابْن فَارس الرجولية وَقيل صَاحب الْمُرُوءَة من يصون نَفسه عَن الأدناس وَلَا يشينها عِنْد النَّاس وَقيل هُوَ الَّذِي يسير بسيرة أَمْثَاله فِي زَمَانه ومكانه قَالَ أَبُو زيد يُقَال مرؤ الرجل أَي صَار ذَا مُرُوءَة فَهُوَ مرى على وزن فعل وتمرأ إِذا تكلّف الْمُرُوءَة والرقاص الَّذِي يعْتَاد الرقص وَيُقَال رقص يرقص وَالشطْرَنْج قَالَ الجواليقي فَارسي مُعرب وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة ومكسورة وَحكى فِيهِ بَعضهم بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب تَحْرِيم اللّعب بالشطرنج قَالَ حَرْب قيل للامام أَحْمد أَتَرَى بلعب الشطرنج بَأْسا قَالَ الْبَأْس

كُله قيل فَإِن أهل الثغر يَلْعَبُونَ بهَا للحرب قَالَ لَا يجوز هَكَذَا وجدت هَذَا النَّص وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من زَاد الْمُسَافِر لأبي بكر عَن حَرْب قَالَ قلت لأبي إِسْحَاق أَتَرَى بلعب الشطرنج بَأْسا قَالَ الْبَأْس كُله قلت فَإِن أهل الثغر يَلْعَبُونَ بهَا للحرب قَالَ هُوَ فجور وَذكرهَا أَبُو حَفْص عَن الإِمَام أَحْمد انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل وَقد قَالَ أَبُو بكر قِيَاس قَول الإِمَام أَحْمد وَمَعْنَاهُ قَول الشَّافِعِي بالشطرنج وَأَنه إِذا لم يَأْخُذ الْعِوَض لم ترد شَهَادَته انْتهى كَلَامه وَظَاهره أَنه لَا ترد شَهَادَة لاعب الشطرنج بهَا إِذا لم يَأْخُذ الْعِوَض وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل يكره فَتقبل شَهَادَة من لم يكثر فَظهر من ذَلِك أَنه لَا يحرم فِي وَجه وَأَن عَلَيْهِ هَل تقبل شَهَادَة من أَكثر مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان وعَلى التَّحْرِيم قَالَ القَاضِي فِي مَوضِع هُوَ كالنرد فِي رد الشَّهَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع اللّعب بالشطرنج وَسَمَاع الْغناء بِغَيْر آلَة نقُول فِيهِ مَا نقُول فِي شرب النَّبِيذ وَأَنه إِذا فعل ذَلِك متأولا لم ترد شَهَادَته وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ أَبُو بكر فِي كتاب الْخلاف من الشَّهَادَات لِأَنَّهُ حكى قَول الشَّافِعِي فِي سَماع المغنى واللعب بالشطرنج وَقَالَ قِيَاس قَول أبي عبد الله على مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن التَّأْوِيل يحتملها وَكَذَا حكى فِي المغنى قَول أبي بكر إِن فعله من يعْتَقد تَحْرِيمه فَهُوَ كالنرد وَإِن فعله من يعْتَقد إِبَاحَته لم ترد شَهَادَته إِلَّا أَن يشْغلهُ عَن الصَّلَاة عِنْد أَوْقَاتهَا أَو يُخرجهُ إِلَى الْحلف الْكَاذِب أَو نَحوه من الْمُحرمَات أَو

يعلب بهَا على الطَّرِيق أَو يفعل فِي لعبة مَا يستخف بِهِ من أَجله وَنَحْو هَذَا مِمَّا يُخرجهُ عَن الْمُرُوءَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي كَسَائِر الْمُخْتَلف فِيهِ انْتهى كَلَامه وَكَذَا مثل غير وَاحِد من الْأَصْحَاب بحكاية مَا يضْحك مِنْهُ النَّاس ونارنجيات وتعزيم وَأكله فِي طَرِيق النَّاس يرونه وبوله فِي شَارِع ومشرعة وكشف رَأسه أَو بَطْنه أَو صَدره أَو ظَهره فِي مَوضِع لم تجر عَادَته بكشفه فِيهِ وخطاب زَوجته أَو أمته حَيْثُ يسمع النَّاس بِلَا عذر واستماع الْغناء وكشف عَوْرَته فِي حمام أَو غَيره وتحريش الْبَهَائِم والجوارح للصَّيْد ودوام اللّعب والمعالجة بشيل الْأَحْجَار الثقال والمقيرات والأخشاب وَمَا عده النَّاس سفها وَإِسْقَاط مُرُوءَة وَمَا فِيهِ المخاطرة بالنفوس والثقاف وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَيسْتَحب تَأْدِيب الْخَيل والثقاف واللعب بالحراب وَسَائِر اللّعب إِذا لم يتَضَمَّن ضَرَرا وَلَا شغلا عَن فرض إِذا لم يكن فِيهِ دناءة وَلَا ترد بِهِ الشَّهَادَة وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْفُنُون مثل الْأكل على الطَّرِيق وَمد الرجلَيْن بَين الجلساء وكشف الرَّأْس بَين الْمَلأ والقهقهة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الأرجوحة والتعلق عَلَيْهَا وَالتَّرْجِيح فِيهَا مَكْرُوه نهى عَنهُ السّلف وَقيل إِنَّهَا لعبة الشَّيْطَان فَلَا تقبل شَهَادَة المدمن لَهَا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَتكره الأراجيح وكل مَا يُسمى لعبا إِلَّا مَا كَانَ إِعَانَة على الْحَرْب كاللعب بالحراب والأسلحة والرماية وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فَأَما حبس المطربات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنهما فِي الأقفاص فقد كرهه أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحَاجَات لكنه من البطر والأشر ورقيق الْعَيْش وحبسها تَعْذِيب فَيحْتَمل أَن ترد باستدامته الشَّهَادَة وَيحْتَمل أَن لَا ترد لِأَن ذَلِك لَيْسَ من الْأُمُور الْبَعِيدَة عَن الْمُبَاح وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع آخر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أفيحسن بعاقل أَن يعذب حَيا

لينوح فيستلذ بنياحته وَقد منع من هَذَا أَصْحَابنَا وسموه سفها فَإِنَّمَا جَازَت شَهَادَته لِأَن الإِمَام أَحْمد قد نَص على أَن القَاضِي إِذا شهد بعد عَزله على قَضِيَّة أَن شَهَادَته تقبل فَأولى أَن تقبل شَهَادَة الْقَاسِم وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف والاصطخري قَالَ القَاضِي دليلنا أَن الْقَاسِم بِغَيْر أجر يتَصَرَّف من جِهَة الحكم فَوَجَبَ أَن يقبل قَوْله فِيهِ دَلِيله الْحَاكِم يقبل قَوْله فِيمَا يحكم بِهِ بِهِ فِي حَال ولَايَته عِنْدهم وَعِنْدنَا يقبل فِي حَالَة الْولَايَة وَبعد الْولَايَة وَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِذا قسم بِأُجْرَة لِأَن تصرفه لَا يكون من جِهَة الحكم لِأَنَّهُ أجِير وَشَهَادَة الْأَجِير لَا تجوز فِيمَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْأُجْرَة لِأَن لَهما فِيهِ مَنْفَعَة وَهُوَ اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة مَتى صحت الْقِسْمَة وَهَذَا معنى كَلَام أَصْحَاب القَاضِي كَأبي الْخطاب والشريف قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالتَّعْلِيل الأول يَقْتَضِي أَن قَول الْقَاسِم خبر لَا شَهَادَة كالحاكم وَالتَّعْلِيل الثَّانِي ضَعِيف لِأَنَّهُ يُوجب أَن لَا تقبل شَهَادَتهمَا بِالْقيمَةِ وَالْقدر لِأَنَّهُمَا يستحقان عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَلِأَن الْأُمَنَاء تقبل أَقْوَالهم فِيمَا يسْتَحقُّونَ عَلَيْهِ أُجْرَة كالوصي فِي الْعَمَل والإنفاق وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا تَرَاضيا بِأَن يكون حكما بَينهمَا يَجْعَل كالحاكم لَو أعطيناه جعلا على مَا ذكره بعض أَصْحَابنَا وشبيه بِهَذَا مَا لَو رَضِي الْخصم بِشَهَادَة عدوه أَو أَبى خَصمه وَمن يتهم عَلَيْهِ أَو رَضِي بِقَضَائِهِ وَكَذَلِكَ شَهَادَة الظِّئْر الْمُسْتَأْجرَة بِالرّضَاعِ وَشَهَادَة الْقَابِلَة بِالْولادَةِ انْتهى كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقَالَ أَيْضا بناها القَاضِي على أَن شَهَادَة الْإِنْسَان على فعل نَفسه تقبل

كالمرضعة ضعف مأخذهما من وَافقه أَنَّهُمَا ليسَا شَهَادَة على فعل نَفسه انْتهى كَلَامه وَقَالَ القَاضِي قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز شَهَادَتهمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي فِي مَسْأَلَة الحكم بِالْعلمِ فِي حكمه بِعِلْمِهِ سَبَب يُوجب التُّهْمَة وَهُوَ أَنه يثبت حكمه بقوله فَهُوَ كقاسمي الْحَاكِم إِذا شَهدا بِالْقِسْمَةِ لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا أثبتا فعلهمَا بِشَهَادَتِهِمَا وَقَوله وَأما أَصْحَاب الصِّنَاعَة الدنيئة عرفا إِلَى آخِره فالنخال الَّذِي يغربل فِي الطَّرِيق على فلوس وَغَيرهَا والقمام الَّذِي يجمع القمامة وَهِي الكناسة ويحملها وَالْفِعْل مِنْهُ قُم يقم وَالْجمع قمام والمقمة المكنسة وقممت الْبَيْت كنسته قَوْله فَتقبل شَهَادَتهم إِذا عرف حسن طريقتهم فِي دينهم لِأَن للنَّاس حَاجَة إِلَى ذَلِك فَرد شَهَادَة فَاعله تمنع من تعاطيه وَمن الْأَصْحَاب من ذكر الْمَسْأَلَة على الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهُم من ذكر فِيهَا رِوَايَتَيْنِ وَوجه عدم الْقبُول أَن تعَاطِي ذَلِك يتجنبه أهل المروءات وَقطع فِي الْكَافِي أَن الحائك والدباغ والْحَارث تقبل شَهَادَتهم لغَيرهم وَقطع فِي المغنى بِأَن الكساح والكناس لَا تقبل شَهَادَتهم لغَيرهم وَهُوَ معنى مَا روى عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ فِي الرِّعَايَة بعد حِكَايَة الْخلاف وَكَذَا الْخلاف فِي النخاس والدباب والوقاد والصائغ

قَالَ ابْن حمدَان وَكَذَا الْجَصَّاص والطفيلي والقيم والمصارع والمصور والمكاري والحمال والجزار وَمن لبس من الرِّجَال زِيّ النِّسَاء أَو زِيّ أهل الذِّمَّة أَو غير زِيّ بَلَده الَّذِي يسكنهُ أَو غير الزي الْمُعْتَاد بِلَا عذر أَو أَكثر الضحك والاستهزاء بِالنَّاسِ وَكَلَامهم وإطراحهم ومناكدتهم وَقَالَ فِي الْمُغنِي فَأَما سَائِر الصناعات الَّتِي لَا دناءة فِيهَا فَلَا لَا ترد الشَّهَادَة إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يحلف كَاذِبًا أَو يعد ويخلف وَغلب هَذَا عَلَيْهِ فَلَا شكّ أَن شَهَادَته ترد وَكَذَلِكَ من كَانَ يُؤَخر الصَّلَاة عَن أَوْقَاتهَا أَولا يتنزه عَن النَّجَاسَات فَلَا شَهَادَة لَهُ وَمن كَانَت صناعته مُحرمَة كصانع الزمامير والطنابير فَلَا شَهَادَة لَهُ وَمن كَانَت صناعته يكثر فِيهَا الرِّبَا كالصائغ والصيرفي وَلم يتق ذَلِك ردَّتْ شَهَادَته قَالَ وَلَا تقبل شَهَادَة الطفيلي وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي طَعَام النَّاس من غير دَعْوَى وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا قَالَ لِأَنَّهُ يَأْكُل محرما وَيفْعل مَا فِيهِ سفه ودناءة وَذَهَاب مُرُوءَة فَإِن لم يتَكَرَّر هَذَا مِنْهُ لم ترد شَهَادَته فَإِنَّهُ من الصَّغَائِر وَقَالَ الْأَزجيّ الْحَنْبَلِيّ فِي نِهَايَة الْمطلب لَهُ والصناعات تَنْقَسِم إِلَى مُبَاح وَهِي مَالا دين فِيهِ ككتابة وَبِنَاء وخياطة وَإِلَى حرَام كتصوير وَنَحْوه وَإِلَى مَكْرُوه وَهُوَ مَا يُبَاشر فِيهِ النَّجَاسَة كحجام وجزار قَالَ وَهل يدْخل الفاصد فِي هَذِه الْكَرَاهَة الظَّاهِر أَنه يلْتَحق بذلك وَكَذَلِكَ الْخِتَان بل أولى لكَونه يُبَاشر العورات وعَلى هَذَا يكره كل كسب

دنىء كدباغ وَسماك وقيم وحلاق وَقد قيل إِن الحمامي يلْتَحق بهؤلاء وَالصَّحِيح أَنه لَا يلْتَحق بهم انْتهى كَلَامه وَذكره السماك فِي هَؤُلَاءِ فِيهِ نظر وَصرح ابْن عقيل فِي الْفُنُون أَنه لَا تقبل شَهَادَة الْخياط وَفِي ذكره الْخياط نظر قَوْله إِلَّا بِالْوَصِيَّةِ فِي السّفر مِمَّن حَضَره الْمَوْت من مُسلم أَو كَافِر إِذا لم يُوجد غَيرهم كَذَا ذكره الْأَصْحَاب تَصْرِيحًا وظاهرا قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة عبد الله فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى 2 282 {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَلَيْسَ مِمَّن يرضى وَقَالَ تَعَالَى 5 95 ذَوا عدل وَلَيْسوا بعدول فَظَاهر الْآيَة يدل على أَن لَا شَهَادَة لَهُم فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أجازها أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي السّفر فِي الْوَصِيَّة وَكَذَلِكَ نقل الْمروزِي فَقَالَ الْآيَة تدل على ذَلِك فيقسمان بِاللَّه ثمَّ أقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا فِي سفر لَيْسَ فِيهِ غَيرهم وَهَذِه ضَرُورَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهل تعْتَبر عَدَالَة الْكَافرين فِي الْوَصِيَّة فِي دينهما عُمُوم كَلَام الْأَصْحَاب يَقْتَضِي أَنه لَا يعْتَبر وَإِن كُنَّا إِذا قبلنَا شَهَادَة بَعضهم على بعض اعْتبرنَا عدالتهم فِي دينهم وَصرح القَاضِي بِأَن الْعَدَالَة غير مُعْتَبرَة فِي هَذِه الْحَال والقرائن تدل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْآثَار المرفوعة والموقوفة وَأما الْمُسلمُونَ فَصرحَ القَاضِي أَنه لَا تقبل شَهَادَة فساق الْمُسلمين فِي هَذِه الْحَال جعله مَحل وفَاق وَاعْتذر عَنهُ انْتهى كَلَامه

وَسَيَأْتِي فِي ذكر مَسْأَلَة ومالا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كعيوب النِّسَاء من كَلَامه مَا يُخَالِفهُ وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة لَا تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين بِحَال وَلم أجد بِهَذَا قولا فِي مَذْهَبنَا وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة حَرْب وَغَيره لَا تجوز شَهَادَة أهل الْكتاب بَعضهم على بعض وَلَا على غَيرهم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول 3 282 {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَلَيْسوا مِمَّن نرضى وَظَاهره كَقَوْل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة إِلَّا أَنه صرح بِخِلَافِهِ فِي غير مَوضِع قَوْله وَفِي اعْتِبَار كَونهم من أهل الْكتاب رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يعْتَبر قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَغَيرهمَا لِأَن الأَصْل عدم قبُول خُولِفَ فِي أهل الْكتاب لِأَن الْأَخْبَار المروية فِي ذَلِك إِنَّمَا هِيَ فِي أهل الْكتاب فَيقْتَصر عَلَيْهَا وَالثَّانيَِة لَا يعْتَبر قدمه فِي الرِّعَايَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة فِي ظَاهر قَوْله تَعَالَى 5 106 {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} فعلى الأولى هَل يعتبركونهم من أهل الذِّمَّة ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب وَالْمُغني وَابْن هييرة وَغَيرهم كَلَام أَنه يعْتَبر وَظَاهر كَلَامه فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه لَا يعْتَبر وَقدمه فِي الرِّعَايَة فَهَذَا وَجْهَان على هَذِه الرِّوَايَة وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُ يعْتَبر أَن يَكُونُوا رجَالًا وَلم أجد مَا يُخَالِفهُ صَرِيحًا قَوْله ويحلفهم الْحَاكِم بعدالعصر مَا خانوا وَلَا حرفوا وَإِنَّهَا لوَصِيَّة الرجل لِلْآيَةِ وتصريح خبر أبي مُوسَى قَالَ ابْن قُتَيْبَة لِأَنَّهُ وَقت يعظمه أهل الْأَدْيَان

فصل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يُنَاسب الشَّهَادَة وَالْأَمَانَة على المَال مَا خانوا فِي الْأَمَانَة وَلَا حرفوا الشَّهَادَة انْتهى كَلَامه قَالَ فِي الرِّعَايَة يجب ذَلِك وَقيل يسْتَحبّ قَالَ القَاضِي فِي ضمن مَسْأَلَة تَغْلِيظ الْيَمين فِي الدعاوي يحمل الِاسْتِحْلَاف فِي الْآيَة عَلَيْهِ إِذا رَآهُ الإِمَام أزْجر للْحَالِف يَعْنِي كاستحلاف الْخصم وَقَالَ القَاضِي فِي احكام الْقُرْآن يسْتَحْلف الشُّهُود بعد صَلَاة الْعَصْر إِذا كَانُوا من غير أهل ملتنا إِذا اتهمهم الْوَرَثَة فِي الشَّهَادَة لِأَنَّهُ قَالَ 5 106 {فيقسمان بِاللَّه إِن ارتبتم لَا نشتري بِهِ ثمنا وَلَو كَانَ ذَا قربى} وَلَو كَانَ الْمُوصي الْمَشْهُود لَهُ من ذَوي قربى الشُّهُود {وَلَا نكتم شَهَادَة الله} فِيمَا أوصى بِهِ الْمَيِّت وأشهدهما عَلَيْهِ وَلذَلِك قَالَ فِيمَا بعد 5 108 {أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} يَعْنِي أَيْمَان الشُّهُود عِنْد ارتياب الْوَرَثَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن استحلاف الشُّهُود حق للْمَشْهُود عَلَيْهِ فَإِن شَاءَ حلفهم وَإِن شَاءَ لم يحلفهم لَيست حَقًا لله وَهُوَ ظَاهر الْقُرْآن فصل لَو حكم حَاكم بِخِلَاف قَوْلنَا فِي هَذِه الْمَسْأَلَة فَهَل ينْقض حكمه احْتج بِهِ فِي المغنى بِالْآيَةِ الْكَرِيمَة ثمَّ قَالَ وَهَذَا نَص الْكتاب وَقضى بِهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه انْتهى كَلَامه وَقد عرف من مَذْهَبنَا أَن حكم الْحَاكِم ينْقض إِذا خَالف نَص كتاب أَو سنة وَهَذَا يُوَافق مَا قَالَه فِي الرَّوْضَة أَن النَّص إِذا تطرق إِلَيْهِ الِاحْتِمَال وَلَا دَلِيل عَلَيْهِ لَا يُخرجهُ عَن كَونه نصا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَن ينْقض حكم الْحَاكِم إِذا حكم بِخِلَاف هَذِه الْآيَة فَإِنَّهُ خَالف نَص الْكتاب بتأويلات غير متجهة انْتهى كَلَامه

فصل

وَهَذِه الْمَسْأَلَة قد يعايى بهَا يُقَال أَيْن لنا مُفْردَة لَا يتَحَقَّق فِيهَا خلاف عندنَا لَو حكم حَاكم بِخِلَاف قَوْلنَا فِيهَا نقض حكمه فصل الْمَذْهَب أَنه لَا تقبل شَهَادَة الْكَافِر فِي غير الْوَصِيَّة فِي السّفر وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي شَهَادَة بَعضهم على بعض وَقَالَ أَبُو حَفْص الْبَرْمَكِي تقبل شَهَادَة السَّبي بَعضهم على بعض فِي النّسَب إِذا ادّعى الآخر أَنه أَخُوهُ قَالَ ابْن عقيل وَلَا أعرفهُ التَّعْلِيل يجب أَن يكون تَصْحِيحا لشهادة بَعضهم على بعض فِي الْجُمْلَة وَقَالَ القَاضِي أَبُو الْحُسَيْن فِي التَّمام لَا تخْتَلف الرِّوَايَة إِذا سبى قوم ثمَّ عتقوا فَادعوا أنسابهم لم يقبل إقرارهم حَتَّى يقيموا الْبَيِّنَة وَاخْتلفت الرِّوَايَة هَل من شَرط الْبَيِّنَة أَن يَكُونُوا من الْمُسلمين على رِوَايَتَيْنِ أصَحهمَا لَا تسمع إِلَّا من مُسلم وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَالثَّانيَِة تسمع من الْكَافِر وَجه الأولى اخْتَارَهَا الْخرقِيّ مَا روى الشّعبِيّ أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ كتب إِلَى شُرَيْح أَن لَا تورث حميلا حَتَّى تقوم بَيِّنَة من الْمُسلمين والحميل الْمَجْهُول من النّسَب على غَيره وَقد جَاءَ عَن الْعَرَب حميل بِمَعْنى مَحْمُول وَوجه الثَّانِيَة أَنه يتَعَذَّر إِقَامَة الْمُسلمين فَأشبه الْوَصِيَّة فِي السّفر تقبل فِيهَا شَهَادَة أهل الذِّمَّة لتعذر الْمُسلمين هُنَاكَ انْتهى كَلَامه وَقد ذكر القَاضِي أَبُو يعلى هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي السَّبي إِذا ادعوا نسبا وَأَقَامُوا بَيِّنَة من الْكفَّار قبلت شَهَادَتهم نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة حَنْبَل وَصَالح وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم لِأَنَّهُ قد تتعذر الْبَيِّنَة العادلة وَلم يجز ذَلِك فِي رِوَايَة عبد الله وَأبي طَالب لِأَنَّهُ لَا نَص فِي ذَلِك

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فعلى هَذَا كل مَوضِع ضَرُورَة غير الْمَنْصُوص فِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِن التَّحْلِيف هُنَا لم يتَعَرَّضُوا لَهُ فَيمكن أَن يُقَال لِأَنَّهُ إِنَّمَا يحلف حَيْثُ تكون شَهَادَتهم بَدَلا فِي التحميل بِخِلَاف مَا إِذا كَانُوا أصولا قد علمُوا من غير تحميل وَقَالَ أَيْضا نقل ابْن صَدَقَة عَن الإِمَام أَحْمد سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن الرجل يُوصي بأَشْيَاء لأقاربه وَيعتق وَلَا يحضر إِلَّا النِّسَاء هَل تجوز شَهَادَتهنَّ قَالَ نعم تجوز شَهَادَتهنَّ فِي الْحُقُوق ذكرهَا القَاضِي مستشهدا بِقبُول الشَّهَادَة حَال الضَّرُورَة وَظَاهر هَذِه أَنه تقبل شَهَادَة النِّسَاء منفردات فِي الْوَصِيَّة مُطلقًا كَمَا تقبل شَهَادَة الْكفَّار وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكرته يَعْنِي مَا تقدم من أَنَّهَا تقبل فِي السّفر والحضر إِذا لم يكن ثمَّ مُسلم وَفِي مَوضِع آخر قَالَ يَعْنِي القَاضِي نقلت من خطّ أبي حَفْص عَن سندى الْقَزاز قَالَ وَسُئِلَ عَن الرجل يُوصي بأَشْيَاء لأقاربه وَيعتق وَلَا يحضرهُ إِلَّا النِّسَاء هَل يجوز شَهَادَتهنَّ فِي الْحُقُوق يحْتَمل أَنَّهَا تقبل مَعَ يَمِين الْمُوصى لَهُ كَأحد الزَّوْجَيْنِ وَيتَوَجَّهُ أَن يكون ذَلِك فِيمَا لَيْسَ لَهُ مُنكر فَإِن الشَّهَادَة على الْمَيِّت لَيست كَالشَّهَادَةِ على الْحَيّ فَإِنَّهُ إِمَّا أَن يقر أَو يجْحَد فَإِن جحد كل جَحده مُعَارضا لأَحَدهمَا وَسلم الآخر بِخِلَاف مَالا معَارض لَهُ وَلِهَذَا قُلْنَا إِن الإِمَام لَا يرجع حَتَّى يسبح بِهِ اثْنَان فِي الصَّلَاة وَهَذَا فرق معنوي وَقَالَ أَيْضا قَول الإِمَام أَحْمد أقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا فِي سفر لَيْسَ فِيهِ غَيرهم هَذِه ضَرُورَة فَيَقْتَضِي عُمُومه أَنَّهَا لَا تقبل فِي السّفر على كل شَيْء عِنْد عدم

الْمُسلمين فَتقبل على الْإِقْرَار وعَلى نفس الْمَوْت لأجل انْتِقَال الْإِرْث وَزَوَال النِّكَاح وعَلى الْقِتَال وعَلى غير ذَلِك وَهَذَا هُوَ الْقيَاس الْجَلِيّ فَإِنَّهَا إِذا قبلت على الْوَصِيَّة فَلِأَن تقبل على الْمَوْت أولى وَأَحْرَى وَلَيْسَ فِي الْوَصِيَّة معنى إِلَّا وَقد يُوجد فِي غَيرهَا مثله أَو أقوى أَو قريب وَلذَلِك قُلْنَا شَهَادَتهم فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِالنّسَبِ والولادة فِي مَسْأَلَة الْحميل إِذْ لَيْسَ هُنَاكَ من يعلم النّسَب من الْمُسلمين قَالَ وَقَوله هَذِه ضَرُورَة يقتضى هَذَا التَّعْلِيل قبُولهَا فِي كل ضَرُورَة حضرا وسفرا وعَلى هَذَا فشهادة بَعضهم على بعض ضَرُورَة فَلَو قيل إِنَّهُم يحلفُونَ فِي شَهَادَة بَعضهم على بعض كَمَا يحلفُونَ فِي شَهَادَتهم على الْمُسلمين وأصحابهم فِي وَصِيَّة السّفر لَكَانَ مُتَوَجها وَلَو قيل بِقبُول شَهَادَتهم مَعَ أَيْمَانهم فِي كل شَيْء عدم فِيهِ الْمُسلمُونَ لَكَانَ لَهُ وَجه وَتَكون شَهَادَتهم بَدَلا مُطلقًا يُؤَيّد مَا ذكرته مَا ذكره القَاضِي وَغَيره محتجا بِهِ وَهُوَ فِي النَّاسِخ والمنسوخ لأبي عبيد أَن رجلا من الْمُسلمين خرج فَمر بقرية فَمَرض وَمَعَهُ رجلَانِ من الْمُسلمين فَدفع إِلَيْهِمَا مَاله ثمَّ قَالَ ادعوا لي من أشهده على مَا قبضتماه فَلم يَجدوا أحدا من الْمُسلمين فِي تِلْكَ الْقرْيَة فدعوا أُنَاسًا من الْيَهُود وَالنَّصَارَى فأشهدهم على مَا دفع إِلَيْهِمَا وَذكر الْقِصَّة فَانْطَلقُوا إِلَى ابْن مَسْعُود فَأمر الْيَهُود أَن يحلفوا بِاللَّه لقد ترك من المَال كَذَا ولشهادتنا أَحَق من شَهَادَة هذَيْن الْمُسلمين ثمَّ أَمر أهل الْمُتَوفَّى أَن يحلفوا أَن شَهَادَة الْيَهُود وَالنَّصَارَى حق فَحَلَفُوا فَأَمرهمْ ابْن مَسْعُود أَن يَأْخُذُوا من الْمُسلمين مَا شهِدت بِهِ الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَكَانَ ذَلِك فِي خلَافَة عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ قَالَ أَبُو الْعَبَّاس فَهَذِهِ شَهَادَة الْمَيِّت على وَصيته قد قضى بهَا ابْن مَسْعُود مَعَ يَمِين الْوَرَثَة لأَنهم المدعون وَالشَّهَادَة على الْمَيِّت لَا تفْتَقر إِلَى يَمِين الْوَرَثَة

فصل

وَلَعَلَّ ابْن مَسْعُود أَخذ هَذَا من جِهَة أَن الْوَرَثَة يسْتَحقُّونَ بأيمانهم على الشَّاهِدين إِذا استحقا إِثْمًا فَلذَلِك يسْتَحقُّونَ على الْوَصِيّين بِشَهَادَة الذميين بطرِيق الأولى وَهَذَا يُؤَيّد مَا ذكرته بَاطِنهَا انْتهى كَلَامه يَعْنِي بَاطِن الورقة وَسَيَأْتِي ذَلِك فَظهر من مَجْمُوع ذَلِك أَنه هَل تقبل شَهَادَة الْكفَّار فِي غير الْوَصِيَّة فِي السّفر فِي كل شَيْء عِنْد عدم الْمُسلمين حضرا وسفرا أَو لَا تقبل فِي غير الْوَصِيَّة فِي السّفر أَو تقبل ضَرُورَة فِي السّفر خَاصَّة أَو تقبل فِي مَسْأَلَة الْحميل خَاصَّة أَربع رِوَايَات وَإِذا قبلت شَهَادَتهم فَهَل يحلفُونَ فِيهِ تَفْصِيل سبق وَقد قَالَ ابْن حزم اتَّفقُوا على أَنه لَا يقبل مُشْرك على مُسلم فِي غير الْوَصِيَّة فِي السّفر فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين سنح لي فِي الْآيَة 5 106 118 أَن وَرَثَة السَّهْمِي لما ادعوا الْجَام المفضض والمخوص فَأنْكر الوصيان الشَّاهِدَانِ أَنه كَانَ هُنَاكَ جَام على ظهر الْجَام الْمُدعى وَذكر مُشْتَرِيه أَنه كَانَ اشْتَرَاهُ من الْوَصِيّين صَار هَذَا لوثا يُقَوي دَعْوَى المدعيين فَإِذا حلف الأوليان أَن الْجَام كَانَ لصَاحِبِهِمْ صدقا فِي ذَلِك وَهَذَا لوث فِي الْأَمْوَال نَظِير اللوث فِي الدِّمَاء لَكِن هُنَاكَ ردَّتْ الْيَمين على الْمُدعى بعد أَن حلف الْمُدعى عَلَيْهِ فَصَارَت يَمِين الْمَطْلُوب وجودهَا كَعَدَمِهِ كَمَا أَنه فِي الدَّم لَا يسْتَحْلف ابْتِدَاء وَفِي كلا الْمَوْضِعَيْنِ يعْطى الْمُدعى بِدَعْوَاهُ مَعَ يَمِينه وَإِن كَانَ الْمَطْلُوب حَالفا أَو باذلا للْحَالِف وَفِي استحلاف الله للأوليين دَلِيل على مثل ذَلِك فِي الدَّم حَتَّى تصير يَمِين الْأَوليين مُقَابلَة ليمين المطلوبين فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا حلفا أَن الْجَام لصَاحِبِهِمْ وَفِي حَدِيث عِكْرِمَة ادّعَيَا أَنَّهُمَا اشترياه مِنْهُ فَحلف الأوليان على

أَنَّهُمَا مَا كتما وَلَا غيبا وَهِي أَشْيَاء فَكَانَ فِي هَذِه الرِّوَايَة أَنه لما كذبهما بِأَنَّهُ لم يكن لَهُ جَام ردَّتْ الْأَيْمَان على المدعيين فِي جَمِيع مَا ادعوهُ فجنس هَذَا الْبَاب أَن الْمَطْلُوب إِذا حلف ثمَّ ظهر كذبه هَل يقْضِي للْمُدَّعى بِيَمِينِهِ فِيمَا يَدعِيهِ لِأَن الْيَمين مَشْرُوعَة فِي جَانب الْأَقْوَى فَإِذا ظهر صدق الْمُدعى فِي الْبَعْض وَكذب الْمَطْلُوب قوى جَانب الْمُدَّعِي فَحلف كَمَا يحلف مَعَ شَاهد وَاحِد وكما يحلف صَاحب الْيَد الْعُرْفِيَّة مقدما على الْيَد الحسية قَالَ وَقَالَ القَاضِي فِي أَحْكَام الْقُرْآن قَوْله تَعَالَى 5 107 {فَإِن عثر على أَنَّهُمَا استحقا إِثْمًا} يَعْنِي ظُهُور شَيْء من مَال الْمَيِّت فِي يَد الْوَصِيّ لم يشهدَا بِهِ {فآخران يقومان مقامهما} يَعْنِي فِي الْيَمين لِأَن الْوَصِيّ يحصل مُدعيًا وَالْوَرَثَة ينكرونه فَصَارَت الْيَمين عَلَيْهِم وعسي أَنه لَو لم يكن للْمَيت إِلَّا وارثان فَكَانَا يدعيا عَلَيْهَا لِأَن هَذِه الْآيَة وَردت على سَبَب معِين فَيحْتَمل أَن يكون الْوَرَثَة اثْنَان وَقَالَ فِي مَسْأَلَة الْقَضَاء بِالنّكُولِ هَذِه الْآيَة وَردت فِي شَهَادَة أهل الذِّمَّة فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر إِذا شهدُوا على الْمَيِّت وَحلف الشُّهُود إِذا كَانُوا من أهل الذِّمَّة ثمَّ ظهر فِي يَد الْوَصِيّ شَيْء من مَال الْمَيِّت لم يشْهد بِهِ الشُّهُود فَإِن للْوَرَثَة أَن يحلفوا أَنه لم يوص بِهِ لأَنهم منكرون لدعوى الْوَصِيّ أَنه موصى لَهُ فَيكون قَوْله تَعَالَى 5 108 {أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم} يَعْنِي أَيْمَان الْوَرَثَة فِيمَا ظهر أَنه لم يكن موصى بِهِ بعد أَيْمَان الشُّهُود أَنه كَانَ موصى بِهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَيفَ بعد أَيْمَان الشُّهُود أَنه كَانَ موصى بِهِ وَقد قَالَ لم يشْهد بِهِ الشُّهُود لَكِن كَأَنَّهُ قصد بعد أَيْمَان الشُّهُود فِيمَا شهدُوا أَنه موصى بِهِ وَهَذَا الْمَعْنى ضَعِيف لِأَن رد الْيَمين بِهَذَا الِاعْتِبَار لأوصيتم على

بِهِ حَتَّى يحلفوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال هَذَا يحملهم على أَن يشْهدُوا بِجَمِيعِ مَا قَبضه الْوَصِيّ وَلَا يكتموا الشَّهَادَة بِبَعْض مَا قَبضه لِئَلَّا ترد لَكِن الشَّهَادَة عَلَيْهِ بِالْقَبْضِ لَيست شَهَادَة على الْمَيِّت وَهل حكمهَا حكمهَا قد بَينته فِي غير هَذَا الْموضع وَقَالَ يَعْنِي القَاضِي من يَقُول يرد الْيَمين على الْمُدعى إِذا نكل الْمَطْلُوب يَقُول معنى الْآيَة أقرّ برد أَيْمَان عِنْد عدم أَيْمَانهم وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقد ذكر الْمَالِكِيَّة مَسْأَلَة يحكم فِيهَا بِيَمِين المدعيين على أحد الْقَوْلَيْنِ وَهُوَ مَا إِذا غَار قوم على بَيت رجل فَأخذُوا مَا فِيهِ وَالنَّاس ينظرُونَ إِلَيْهِم وَلم يشْهدُوا على مُعَاينَة مَا أَخَذُوهُ وَلَكِن على أَنهم أَغَارُوا وانتبهوا فَقَالَ ابْن الْقَاسِم وَابْن الْمَاجشون القَوْل قَول المنتهب مَعَ يَمِينه لِأَن مَالِكًا قَالَ فِي منتهب الصرة يَخْتَلِفَانِ فِي عَددهَا القَوْل قَول المنتهب مَعَ يَمِينه وَقَالَ مطرف وَابْن كنَانَة وَابْن حبيب القَوْل قَول المنتهب مِنْهُ مَعَ يَمِينه فِيمَا يشبه وَيحمل على الظَّالِم قَالَ مطرف وَمن أَخذ من المغيرين ضمن مَا أَخذه رفاقه لِأَن بَعضهم عون لبَعض كالسراق الْمُحَاربين وَلَو أخذُوا جَمِيعًا وهم أملياء كل وَاحِد مِنْهُم مَا ينوبه وَقَالَ ابْن الْمَاجشون وَأصبغ فِي الضَّمَان قَالُوا والمغيرون كالمحاربين إِذا شهروا السِّلَاح على وَجه المكابرة كَانَ ذَلِك على أصل مَا مره بَينهم أَو على وَجه الْفساد وَكَذَلِكَ والى الْبَلَد يُغير على أهل ولَايَته وينهب ظلما مثل ذَلِك فِي المغيرين قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين المحاربون قصدهم المَال مُطلقًا والمغيرون قصدهم من قوم بأعيانهم قَالَ ابْن الْقَاسِم وَلَو ثَبت أَن رجلَيْنِ غصبا عبدا ففات فَلهُ بِهِ أَخذ قِيمَته من الملىء وَيتبع الملىء ذمَّة رَفِيقه المعدم بِمَا ينوبه انْتهى كَلَامه

فصل

فصل قَالَ القَاضِي لَا يحلف الشَّاهِد على أصلنَا إِلَّا فِي موضِعين هُنَا وَفِي شَهَادَة الْمَرْأَة بِالرّضَاعِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَانِ الموضعان قبل فيهمَا الْكَافِر وَالْمَرْأَة وَحدهَا للضَّرُورَة فقياسه أَن كل من قبلت شَهَادَته للضَّرُورَة اسْتحْلف قَوْله وَعنهُ تقبل شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض نقل الْجَمَاعَة الْمَرْوذِيّ وَأَبُو دَاوُد وَحرب والميموني لَا تجوز شَهَادَة بَعضهم على بعض وَلَا على غَيرهم لِأَن الله تَعَالَى قَالَ 2 282 {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَلَيْسَ الذِّمِّيّ مِمَّن نرضى وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ قَالَ القَاضِي وَنقل حَنْبَل عَنهُ تجوز شَهَادَة بَعضهم على بعض وَاخْتلف أَصْحَابنَا فِي ذَلِك فَقَالَ أَبُو بكر الْخلال وَصَاحبه غلط حَنْبَل فِيمَا نقل وَالْمذهب أَنه لَا تقبل وَكَانَ شَيخنَا يحمل الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا تجوز شَهَادَة بَعضهم على بعض على ظَاهر مَا رَوَاهُ حَنْبَل وَالثَّانيَِة لَا تجوز وَهُوَ الصَّحِيح انْتهى كَلَامه قَالَ أَبُو الْخطاب وَقَالَ ابْن حَامِد وَشَيخنَا الْمَسْأَلَة على رِوَايَتَيْنِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيح فَإِن حنبلا ثِقَة ضَابِط وَرِوَايَته أقوى فِي بَاب الْقيَاس ويعضد هَذَا أَن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى أجَاز شَهَادَتهم على الْمُسلمين فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر فلولا كَونهم أَهلا للشَّهَادَة لما جَازَت وَنصر أَبُو الْخطاب هَذِه الرِّوَايَة وَهِي قَول أبي حنيفَة وَجَمَاعَة

فصل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهِي إِن شَاءَ الله أصح انْتهى كَلَامه وَقد روى جَابر رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاز شَهَادَة بَعضهم على بعض رَوَاهُ ابْن ماجة وَغَيره من رِوَايَة مجَالد وَهُوَ ضَعِيف عِنْد الْأَكْثَر وَيحْتَمل أَنه أَرَادَ الْيَمين فَإِنَّهَا تسمى شَهَادَة قَالَ الله تَعَالَى 24 6 {فشهادة أحدهم} وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا الْخلاف على أصلنَا إِنَّمَا هُوَ حَيْثُ لَا نجيز شَهَادَتهم على الْمُسلمين فَأَما إِذا أجزنا شَهَادَتهم على الْمُسلمين فعلى أنفسهم أولى كَمَا ذكره الْجد فِي الْوَصِيَّة فِي السّفر وَقد ذكر فِي قبُول شَهَادَتهم فِي كل ضَرُورَة غير الْوَصِيَّة رِوَايَتَيْنِ كَالشَّهَادَةِ على الْأَنْسَاب الَّتِي بَينهم فِي دَار الْحَرْب فعلى هَذِه الرِّوَايَة تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض فِي كل مَوضِع ضَرُورَة كَمَا تقبل على الْمُسلمين وَأولى بِنَفْي التَّحْلِيف وضرورة شَهَادَة بَعضهم على بعض أَكثر من ضَرُورَة الْمُسلمين فَيقرب الْأَمر انْتهى كَلَامه وَقد تقدّمت هَذِه الرِّوَايَة الَّتِي ذكرهَا وَأما على الرِّوَايَة الَّتِي تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض فَتقبل مُطلقًا بَعضهم تَصْرِيحًا وَبَعْضهمْ ظَاهرا لما فِي تكليفهم إِشْهَاد الْمُسلمين من الْحَرج وَالْمَشَقَّة وعَلى هَذِه الرِّوَايَة لَا يخْتَلف وَتقدم كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَتَارَة مَال إِلَيْهِ مُطلقًا وَتارَة فصل وعَلى هَذِه الرِّوَايَة تعْتَبر عَدَالَته فِي دينه صرح بِهِ القَاضِي وَأَبُو الْخطاب وَغَيرهمَا وَلم أجد مَا يُخَالِفهُ صَرِيحًا فصل ترْجم القَاضِي وَغَيره الْمَسْأَلَة بِقبُول شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض وَترْجم أَبُو الْخطاب وَغَيره الْمَسْأَلَة بِقبُول شَهَادَة أهل الْكتاب بَعضهم على بعض وَقَالَ فِي أثْنَاء بحث الْمَسْأَلَة فَأَما الْحَرْبِيّ فَلَا تقبل شَهَادَته على أهل ذمتنا

لعلوه على ذمَّة الْإِسْلَام ولانقطاع الْولَايَة بَينه وَبَين أهل الذِّمَّة فَأَما شَهَادَته على حَرْبِيّ مثله فَتقبل فَظهر من ذَلِك أَنه هَل تقبل شَهَادَة الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ أَولا أَو تقبل على مثله خَاصَّة فِيهِ ثَلَاثَة أَقْوَال وَأَنه هَل تقبل شَهَادَة الذِّمِّيّ على الْمُسْتَأْمن وَالْحَرْبِيّ فِيهِ قَولَانِ قَوْله وَفِي اعْتِبَار اتِّحَاد الْملَّة وَجْهَان ذكر أَبُو الْخطاب وَغَيره مَا مَعْنَاهُ أَنه إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين لأَنهم يعادونهم بِالْبَاطِلِ وَشَهَادَة الْعَدو لَا تقبل وَلَا يلْزمنَا شَهَادَة الْيَهُود على النَّصَارَى فَإنَّا لَا نقبلها إِذا قُلْنَا الْكفْر ملل وَهُوَ رِوَايَة لنا وَبِه قَالَ قَتَادَة وَالزهْرِيّ وَابْن أبي ليلى وَأَبُو عُبَيْدَة وَإِسْحَاق وَإِذا قُلْنَا الْكفْر مِلَّة وَاحِدَة وَهِي رِوَايَة لنا قبلناها وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَبينهمْ عَدَاوَة ظَاهِرَة وَهِي عَدَاوَة بباطل وَيجوز أَن يُقَال بل وعدواتهم بِحَق لِأَن الْيَهُود تنكر على النَّصَارَى قَوْلهم الْمَسِيح ابْن الله وَهُوَ إِنْكَار بِحَق وَالنَّصَارَى تنكر على الْيَهُود جحد نبوة عِيسَى وَقَوْلهمْ عَزِيز ابْن الله وَهُوَ إِنْكَار بِحَق فَقبلت شَهَادَتهم كَشَهَادَة الْمُسلمين عَلَيْهِم قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الصّبيان بِحَال هَذَا هُوَ الْمَذْهَب وَذكر جمَاعَة أَنه أصح الرِّوَايَات مِنْهُم القَاضِي وَقَالَ نقل ذَلِك الْمَيْمُونِيّ وَحرب وَابْن مَنْصُور فَقَالَ لَا تجوز شَهَادَة الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم أَو يتم لَهُ خَمْسَة عشر سنة وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأبي بكر انْتهى كَلَامه وَاخْتَارَهُ غَيرهمَا من الْأَصْحَاب وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالشَّافِعِيّ

قَوْله وَعنهُ تقبل من المميزين إِذا وجدت فيهم بَقِيَّة الشُّرُوط قَالَ القَاضِي وَفِي رِوَايَة أُخْرَى تجوز شَهَادَته فِي الْجُمْلَة إِذا كَانَ مُمَيّزا وَهُوَ ظَاهر مَا رَوَاهُ ابْن ابراهيم وَسُئِلَ هَل تجوز شَهَادَة الْغُلَام قَالَ إِذا كَانَ ابْن عشر سِنِين أَو اثنى عشرَة سنة وَأقَام شَهَادَته جَازَت شَهَادَته انْتهى كَلَامه وَهَذَا النَّص إِنَّمَا يدل لما ذكره بعض الْأَصْحَاب من أَنه تقبل شَهَادَة ابْن عشر لِأَنَّهُ يضْرب على الصَّلَاة أشبه الْبَالِغ وَلم أجد مَا ذكره المُصَنّف نصا عَن الإِمَام أَحْمد وَوَجهه أَنه مَأْمُور بِالصَّلَاةِ أشبه الْبَالِغ وَقد يُقَال إِذا وجدت فِيهِ بَقِيَّة الشُّرُوط يدخول فِي قَوْله تَعَالَى {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} قَالَ ابْن حَامِد تقبل على هَذِه الرِّوَايَة فِي غير الْحُدُود وَالْقصاص كَالْعَبْدِ قَوْله وَعنهُ لَا تقبل إِلَّا فِي الْجراح إِذا أدوها قبل تفريقهم عَن الْحَال الَّتِي تجارحوا عَلَيْهَا لِأَن الظَّاهِر صدقهم وضبطهم وَإِذا تفَرقُوا احْتمل أَن تلغو قَالَ القَاضِي وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى تجوز شَهَادَتهم فِي الْجراح وَالْقَتْل إِذا جَاءُوا مُجْتَمعين على الْحَال الَّتِي تجارحوا عَلَيْهَا أَو يشْهد على شَهَادَتهم قبل أَن يتفرقوا وَلَا يلْتَفت بعد ذَلِك إِلَى رجوعهم فَأَما إِن تفَرقُوا ثمَّ شهدُوا بهَا لم تقبل وَهَذَا ظَاهر مَا نَقله حَنْبَل عَنهُ تجوز شَهَادَة الصّبيان فِيمَا بَينهم فِي الْجراح فَإِذا كَانُوا فِي المَال سا بِأَنَّهُم عقلوا

فصل

قَالَ القَاضِي فقد أطلق القَوْل بجوازها فِي الْجراح لكنه مَحْمُول على التَّفْصِيل الَّذِي ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ صَار فِي ذَلِك إِلَى قَول على وَهُوَ على ذَلِك الْوَجْه وَذكر القَاضِي أَن هَذَا قَول مَالك وَمن الْأَصْحَاب من جمع ذَلِك وَذكر رِوَايَتَيْنِ قَالَ القَاضِي بعد كَلَامه الْمَذْكُور وَقد ذكر أَبُو بكر هَذِه الرِّوَايَة على التَّفْصِيل الَّذِي ذكرنَا فِي تعاليق أبي إِسْحَاق فَقَالَ روى عَن عَليّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ شَهَادَة الصّبيان بَعضهم على بعض تجوز مَا كَانُوا فِي الْموضع فَإِذا تفَرقُوا لم تقبل قَالَ أَحْمد ابْن حَنْبَل كَذَلِك وَزَاد فَإِذا تفَرقُوا لم تقبل لِأَنَّهُ يُمكن أَن يجيبوا انْتهى كَلَامه وَلَيْسَ مَا ذكره مُوَافق لما ذكره القَاضِي وَإِنَّمَا هُوَ رِوَايَة أُخْرَى بِقبُول شَهَادَتهم بَعضهم على بعض فِي كل شَيْء مَا كَانُوا فِي الْموضع فَإِذا تفَرقُوا لم تقبل قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمروزِي حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا سعيد عَن قَتَادَة عَن خلاس أَن عليا قَالَ شَهَادَة الصّبيان على الصّبيان جَائِزَة وَذكره فِي المغنى عَن عَليّ وَعَن جمَاعَة وَهُوَ قَول فِي الرِّعَايَة فَقَالَ وَقيل تقبل على مثله وَعَن أَحْمد مَا يدل عَلَيْهِ قَالَ عبد الله سَأَلت أبي عَن شَهَادَة الصّبيان فَقَالَ عَليّ أجَاز شَهَادَة الصّبيان الَّذين عرفُوا بَعضهم على بعض وروى سعيد حَدثنَا هَاشم عَن مُغيرَة عَن إِبْرَاهِيم قَالَ كَانُوا يجيزون شَهَادَة الصّبيان بَعضهم على بعض فِيمَا كَانَ بَينهم فَهَذِهِ ثَمَانِيَة أَقْوَال فِي الْمَذْهَب إِن لم يكن رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد وَسَيَأْتِي فِي الْفَصْل بعد هَذَا حِكَايَة القَاضِي أَن شَهَادَتهم بِالْمَالِ لَا تقبل فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَذكر القَاضِي أَنه لَا يقبل إِقْرَاره وفَاقا قَالَ وَهَذَا عِنْدِي عَجِيب وَاعْتَذَرُوا عَنهُ بِأَن إِقْرَاره لَا يكون إِلَّا بِالْمَالِ إِمَّا عَلَيْهِ وَإِمَّا

على غَيره قَالَ وَذكر عَنْهُم أَن الْخلاف فِي الشَّهَادَة على الْجراح الْمُوجب للْقصَاص فَأَما الشَّهَادَة بِالْمَالِ فَلَا تقبل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا أَيْضا عَجِيب فَإِن الصّبيان لَا قَود بَينهم وَإِنَّمَا الشَّهَادَة بِمَا يُوجب المَال وَمَا أَظن إِلَّا أَنهم أسقطوا الْإِقْرَار لِأَن الْعَاقِلَة لَا تحمل الِاعْتِرَاف بِخِلَاف الْمَشْهُود بِهِ وَلَا تقبل فِي إِتْلَاف بَعضهم ثِيَاب بعض وَهل تقبل شَهَادَة الصّبيان على الْمعلم ذكرابن الْقصار فِيهِ خلافًا بَين أَصْحَابه انْتهى كَلَامه وَذكر فِي الْمُغنِي أَن إِقْرَار الصَّبِي لَا يَصح بِغَيْر خلاف نعلمهُ وَاحْتج بقوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رفع الْقَلَم عَن ثَلَاث فَذكر مِنْهُم الصَّبِي حَتَّى يبلغ وَلِأَنَّهُ الْتِزَام حق بالْقَوْل فَلم يَصح مِنْهُم كالبلغ وَمَا ذكره القَاضِي من أَن الْخلاف عَنْهُم فِي الشَّهَادَة على الْجراح الْمُوجب للْقصَاص فَأَما الشَّهَادَة بِالْمَالِ فَلَا تقبل تقدم أَنا قبلنَا شَهَادَتهم وَقَالَ ابْن حَامِد فِي غير الْحُدُود وَالْقصاص كَالْعَبْدِ وَمَا ذكره من أَنَّهَا لَا تقبل فِي إِتْلَاف بَعضهم ثِيَاب بعض هَذَا يَنْبَغِي أَن يكون على رِوَايَة حَنْبَل لَا تقبل إِلَّا فِي الْجراح أما على غَيرهَا من رِوَايَات الْقبُول فَتقبل وحكاية ابْن الْقصار الْخلاف فِي قبُول شَهَادَتهم على الْمعلم يدْخل فِي الْأَقْوَال السَّابِقَة الْقبُول وَعَدَمه وَالْمذهب عدم الْقبُول مطقا كَمَا تقدم قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الْأَخْرَس بِالْإِشَارَةِ نَص عَلَيْهِ فَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب من كَانَ أخرس فَهُوَ أَصمّ لَا تجوز شَهَادَته وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب الْمَنْصُور وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَحَكَاهُ القَاضِي وَغَيره عَن الشَّافِعِي لِأَنَّهَا مُحْتَملَة وَالشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا الْيَقِين فَلم تقبل كإشارة النَّاطِق وَإِنَّمَا قبلت فِي أَحْكَامه المختصة بِهِ كَالطَّلَاقِ وَالْعِتْق وَالنِّكَاح وَالْبيع وَاللّعان وَالْيَمِين للضَّرُورَة

وَهِي هُنَا مَعْدُومَة وَهِي أَن تِلْكَ الْأَشْيَاء لَا تستفاد إِلَّا من جِهَته بِخِلَاف الشَّهَادَة وَقَالَ القَاضِي وَقد قيل إِن تِلْكَ الْأَشْيَاء ينبنى أمرهَا على غَالب الظَّن دون الشَّهَادَة قَوْله وَتوقف فِيمَا إِذا أَدَّاهَا بِخَطِّهِ وَاخْتَارَ أَبُو بكر أَن لَا تقبل وَعِنْدِي أَنَّهَا تقبل قيل للْإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة حَرْب فَإِن كتبهَا فَقَالَ لم يبلغنِي فِيهِ شَيْء قَالَ أَبُو بكر عبد الْعَزِيز لَا يعْمل على الْكتاب وَالشَّهَادَة لَا تجوز على من لَا يعرف وَكَأن وَجه قَول أبي بكر وَصَاحب الْمُحَرر الِاخْتِلَاف فِي الْكِتَابَة هَل هِيَ صَرِيحَة حَتَّى لَو كتب طَلَاق امْرَأَته وَلم ينْو فِيهِ قَولَانِ قَوْله وَقيل تقبل بِالْإِشَارَةِ الخ هَذَا قَول مَالك لِأَنَّهَا أُقِيمَت مقَام نطقه فِي أَحْكَامه فَكَذَا فِي شَهَادَته وَحَكَاهُ فِي المغنى عَن الشَّافِعِي وَهَذَا أحد الْوَجْهَيْنِ فِي مذْهبه وَالأَصَح فِيهِ عدم الْقبُول قَوْله وَتجوز شَهَادَة الْأَصَم فِي المرئيات وَفِيمَا سَمعه قبل صَححهُ لِأَنَّهُ فِي ذَلِك كمن لَا صمم بِهِ وَلِأَنَّهُ فِيمَا رَآهُ كَغَيْرِهِ من النَّاس وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي فِي مَسْأَلَة الْأَعْمَى الْعَمى فقد حاسة لَا تمنع النّظر

والسمع فَلم تمنع من تحمل الشَّهَادَة كفقد الشم والذوق وَلَا يلْزم عَلَيْهِ الخرس لِأَنَّهُ يمْنَع النُّطْق وَلَا يلْزم عَلَيْهِ الصمم لِأَنَّهُ يمْنَع السّمع وَلذَلِك قَالَ بعد ذَلِك لَا ينْتَقض بالأخرس وبالأطرش ثمَّ قَالَ الْأَصَم لَا يجوز قَضَاؤُهُ وَيصِح أَدَاء الشَّهَادَة مِنْهُ ذكره مَحل وفَاق قَوْله وَتجوز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي المسموعات يجوز للأعمى تحمل الشَّهَادَة فِيمَا طَرِيقه الصَّوْت كالنسب وَالْمَوْت وَالْملك الْمُطلق وَالْوَقْف وَالْعِتْق وَالْوَلَاء وَسَائِر الْعُقُود كَالنِّكَاحِ وَالْبيع وَالصُّلْح وَالْإِجَارَة وَالْإِقْرَار نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا فَقَالَ تجوز شَهَادَة الْأَعْمَى فِي نسب الرجل إِذا عرف أَنه فلَان وَتجوز فِي النِّكَاح شَهَادَة مكفوفين وَلَا تجوز شَهَادَة أعمى فِي الزِّنَا وَلذَلِك نقل الْأَثْرَم عَنهُ قَالَ إِذا كَانَ شَيْئا يضبطه مثله فِي النّسَب وَمَا أشبهه وَدَار قد عرف حُدُودهَا قبل عماه فَإِن كَانَ أعمى لم يزل فعلى مَا يشبه أَن يقوم بِهِ مثله ذكره القَاضِي وَهُوَ معنى كَلَام غَيره وَهُوَ قَول مَالك وَابْن الْمُنْذر وروى عَن عَليّ وَابْن عَبَّاس قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة مهنا قد أجَاز على شَهَادَة أعمى يرْوى من حَدِيث أبي عوَانَة عَن الْأسود بن قيس أَن عليا أجَاز شَهَادَة أعمى وَاحْتج فِي الرِّوَايَة مُحَمَّد بن الحكم بالذين سمعُوا من عوانه مثل الْأسود وَغَيره وَهَذَا أعظم لِأَنَّهُ يُؤْخَذ بِهِ وَيعْمل بِهِ وَيحكم لِأَنَّهُ يحصل لَهُ الْعلم بذلك وَتجوز رِوَايَته بِالسَّمَاعِ واستماعه لزوجته فجازت شَهَادَته كالبصير وَهَذَا بِخِلَاف مَا طَرِيقه الرُّؤْيَة لِأَنَّهُ لَا رُؤْيَة لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تقبل فِي شئ أصلا مَعَ تَسْلِيمه أَن النِّكَاح ينْعَقد بِشَهَادَة أعميين قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مهنا شهد قَتَادَة عِنْد إِيَاس بن مُعَاوِيَة وَهُوَ أعمى فَرد شَهَادَته وَقَالَ الشَّافِعِي تقبل فِي ثَلَاث مَوَاضِع أَحدهَا مَا طَرِيقه الاستفاضة كالنسب

فصل

وَالْمَوْت وَالنِّكَاح وَنَحْوه وَالثَّانِي الضَّبْط وَهُوَ أَن يتَعَلَّق بِإِنْسَان فَيسمع إِقْرَاره فَيجوز أَن يشْهد عَلَيْهِ الثَّالِث فِي التَّرْجَمَة قَوْله وَبِمَا رَآهُ قبل عماه إِذا عرف الْفَاعِل باسمه وَنسبه وَبِه قَالَ الشَّافِعِي لما تقدم ولحدوث الصمم وروى الْخلال عَن إِسْمَاعِيل بن سعيد سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن شَهَادَة الْأَعْمَى فِيمَا قد عرفه قبل أَن يعمى فَقَالَ جَائِز فِي كل مَا ظَنّه مثل النّسَب وَلَا تجوز فِي الْحُدُود وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا تجوز أصلا وَذكر أَحْمد عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة الْجَوَاز فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَوْله فَإِن لم يعرفهُ إِلَّا بِعَيْنِه فوصفه فَوَجْهَانِ من الْأَصْحَاب من يُعِيد هَذَا إِلَى الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة قَالَ القَاضِي فَإِن تحمل الشَّهَادَة على الآفعال ثمَّ آداها وَهُوَ أعمى جَازَ سَوَاء كَانَ على الِاسْم وَالنّسب أَو على الْأَعْيَان دون الِاسْم وَالنّسب على ظَاهر مَا رَوَاهُ الْأَثْرَم عَنهُ وَقَوله إِذا كَانَ شَيْئا يضبطه وَقد عرفه قبل عماه قَالَ وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي إِن كَانَ قد تحملهَا على الِاسْم وَالنّسب جَازَ وَجها وَاحِدًا وَإِن كَانَ على الْأَعْيَان فعلى وَجْهَيْن وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا بعد أَن ذكر هذَيْن الْوَجْهَيْنِ وَكَذَا قيل إِن عرفه بِصَوْتِهِ فوصفه للْحَاكِم بِمَا يميزه فِيهِ الْوَجْهَانِ وَوجه الْجَوَاز عُمُوم مَا تقدم وَوجه عَدمه أَن هَذَا مِمَّا لَا يَنْضَبِط غَالِبا فصل فَأَما الشَّهَادَة على الْأَفْعَال فَلَا تجوز ذكره القَاضِي مَحل وفَاق وَاعْتذر

فصل

بِأَن الْأَفْعَال طريقها الْمُشَاهدَة وَذَلِكَ لَا يُمكن حُصُوله من الآعمى وَكَذَلِكَ ذكره غير القَاضِي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَا علمه بالاستفاضة كالولادة شهد بِهِ على قَول الْخرقِيّ انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى كَلَام القَاضِي وَالشَّيْخ موفق الدّين وَغَيرهمَا لِأَنَّهُ فِيمَا علم بالاستفاضة كالبصير فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد مَسْأَلَة شَهَادَة الْأَعْمَى كَذَلِك إِذا تعذر وجود الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِمَوْت أَو غيبَة أَو حبس فَشهد الْبَصِير على حليته إِذْ فِي الْمَوْضِعَيْنِ تَعَذَّرَتْ الرُّؤْيَة من الشَّاهِد فَأَما الشَّاهِد نَفسه هَل لَهُ أَن يعين من رَآهُ وَكتب صفته أَو ضَبطهَا ثمَّ رأى شخصا بِتِلْكَ الصّفة هَذَا أبعد فَإِن ذَاك تَعْرِيف من الْحَاكِم وَهَذَا تَعْرِيف من الشَّاهِد وَهُوَ شَبيه بِخَطِّهِ إِذا رَآهُ وَلم يذكر الشَّهَادَة انْتهى كَلَامه فصل فَإِن قَالَ الْأَعْمَى أشهد أَن لفُلَان عَليّ هَذَا شَيْئا وَلم يذكر اسْمه وَنسبه أَو شهد الْبَصِير على رجل من وَرَاء حَائِل وَلم يذكر اسْمه وَنسبه لم يَصح ذكره القَاضِي مَحل وفَاق أصلا للمخالف وَفرق بِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ مَجْهُول قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس الْمَذْهَب أَنه إِذا سمع صَوته صحت الشَّهَادَة عَلَيْهِ أَدَاء كَمَا تصح الشَّهَادَة عَلَيْهِ تحملا فَإنَّا لَا نشترط رُؤْيَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ حِين التَّحَمُّل وَلَو كَانَ الشَّاهِد بَصيرًا فَكَذَلِك لَا نشترطها عِنْد الْأَدَاء وَهَذَا نَظِير إِشَارَة الْبَصِير إِلَى الْحَاضِر إِذا سَمَّاهُ وَنسبه وَهُوَ لَا يشْتَرط فِي أصح الْوَجْهَيْنِ فَكَذَلِك

فصل

إِذا أَشَارَ إِلَيْهِ لَا تشْتَرط رُؤْيَته قَالَ وعَلى هَذَا فَتجوز شَهَادَة الْأَعْمَى على من عرف صَوته وَإِن لم يعرف اسْمه وَنسبه ويؤديها عَلَيْهِ إِذا سمع صَوته فصل قَالَ القَاضِي ضمن الْمَسْأَلَة وَأَيْضًا فَإِن حُدُوث الْعَمى بعد تحمل الشَّهَادَة لم يتَعَذَّر مَعَه إِلَّا مُعَاينَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ وَهَذَا لَا يمْنَع من سَماع شَهَادَته وقبولها لِأَن الْمَقْصُود بمعاينته وَالْإِشَارَة إِلَيْهِ هُوَ تَعْيِينه وتمييزه عَن غَيره ليصير مَعْلُوما عِنْد الْحَاكِم فيتمكن بذلك من إِنْفَاذ الحكم عَلَيْهِ وَهَذَا يحصل مَعَ حُدُوث الْعَمى بِمَا يصفه بِلِسَانِهِ من اسْمه وَنسبه وَصِفَاته الَّتِي تميزه وتعينه فَإِن قيل لَو كَانَ التَّعْيِين بِاللِّسَانِ يقوم مقَام الْإِشَارَة لوَجَبَ أَن يَصح فِي الْبَصَر إِذا شهد قيل يَصح ذَلِك من الْبَصِير من غير حُضُور الْخصم وَيكون التَّعْيِين بِاللِّسَانِ بِنَاء على قَوْلنَا فِي الْقَضَاء على الْغَائِب وَسَمَاع الْبَيِّنَة عَلَيْهِ فَإِن حضر الْخصم احْتمل أَن تقبل الشَّهَادَة عَلَيْهِ من غير إِشَارَة إِلَيْهِ إِذا ذكر اسْمه وَنسبه وَهُوَ الصَّحِيح وَاحْتمل أَن تجب الْإِشَارَة إِلَيْهِ مَعَ الْحُضُور لِأَنَّهُ أقرب إِلَى علم الْحَاكِم بِهِ وَفصل الحكم بَينه وَبَين خَصمه بِخِلَاف الْأَعْمَى فَإِن فصل الحكم يحصل بِسَمَاع كَلَامه لتعذر الْإِشَارَة من جِهَته بِدَلِيل جَوَاز الشَّهَادَة على الْغَائِب عِنْد الْمُخَالف بِلَا إِشَارَة وَإِذا حضر وَجَبت الْإِشَارَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْأَعْمَى تمكن مِنْهُ الْإِشَارَة إِذا عرف الصَّوْت قَالَ القَاضِي وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ من شَرط صِحَة الشَّهَادَة مُعَاينَة الْمَشْهُود عَلَيْهِ بِدَلِيل اتِّفَاقهم على جَوَاز الشَّهَادَة على الْمَيِّت وَالْمُوكل الْغَائِب وَقَالَ أَيْضا تعْيين الشُّهُود عَلَيْهِ للْحَاكِم يحصل بِالتَّسْمِيَةِ وَالنِّسْبَة وَالصّفة

فصل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد سووا بَين شَهَادَة الْأَعْمَى وَبَين شَهَادَة الْبَصِير على الْغَائِب وَالْمَيِّت وَفِي شَهَادَة الْأَعْمَى بِالصّفةِ دون الِاسْم وَالنّسب وَجْهَان فَكَذَلِك الشَّهَادَة على الْغَائِب وَالْمَيِّت وَالضَّابِط أَن كل شَهَادَة على غير معاين فَإِنَّهُ يشْهد فِيهِ بِالِاسْمِ وَالنّسب إِن عرفه وَإِن لم يعرفهُ فَفِي الشَّهَادَة بالجلية وَجْهَان فصل وَقد تقدم بعض ذَلِك عِنْد قَوْله فِي الْمُحَرر وَالسَّمَاع على ضَرْبَيْنِ فصل وَلَا يمْتَنع أَن تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى قِيَاسا على شَهَادَة غَيره على ظَاهر كَلَامه وإطلاقه قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة من يجر إِلَى نَفسه بهَا نفعا للتُّهمَةِ وَقد تقدم الحَدِيث فِي ذَلِك قَالَ صَالح قَالَ أبي كل من شهد بِشَهَادَة يجر بهَا إِلَى نَفسه شَيْئا شَهَادَته وَكَذَا نقل عَنهُ أَبُو الْحَارِث وَنَصّ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي الصَّقْر أَن كل من جر إِلَى نَفسه مَنْفَعَة لَا تجوز شَهَادَته وَيدخل فِي كَلَامه وَكَلَام غَيره مَا صرح بِهِ ابْن عقيل وَغَيره من أَنه لَو لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى مَاتَ الْمَشْهُود لَهُ فورثاه لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَو حكم حكم بِشَهَادَة الشَّاهِدين لأنفسهما وَمرَاده فِي الْمُحَرر من يجر إِلَى نَفسه بهَا نفعا حَال الشَّهَادَة بِدَلِيل مَا يَأْتِي وَهُوَ معنى كَلَام الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى فَلَو شهد غير وَارِث فَصَارَ عِنْد الْمَوْت وَارِثا سَمِعت دون الْعَكْس كَذَا ذكر بَعضهم هَذِه الْمَسْأَلَة

وتحريرها على مَا ذكره بَعضهم أَن طرآن الْإِرْث بعد الحكم بِالشَّهَادَةِ لَا يضر كطرآن الْفسق وَإِن كَانَ طَرَأَ قبل الحكم بِالشَّهَادَةِ لم يحكم بهَا لِأَنَّهُمَا صَارا مستحقين كَمَا لَو طَرَأَ الْفسق قبل الحكم قَوْله كَشَهَادَة السَّيِّد لمكاتبه وَالْمكَاتب لسَيِّده وَذكر القَاضِي شَهَادَة الْمَرْء لنَفسِهِ أَو لعَبْدِهِ لَا تجوز جعله مَحل وفَاق فِي مَسْأَلَة مَجْهُول النّسَب قَوْله وَالْوَصِيّ للْمَيت لِأَنَّهُ يَأْكُل مِنْهُ عِنْد الْحَاجة وَلِأَنَّهُ يثبت لَهُ فِيهِ حق التَّصَرُّف قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد سُئِلَ سُفْيَان عَن شَهَادَة الْوَصِيّ قَالَ إِذا شهد على الْوَرَثَة جَازَ وَإِذا شهد لَهُم لم يجز وَقَالَ حَرْب سَمِعت الإِمَام أَحْمد يَقُول شَهَادَة الْوَصِيّ إِذا كَانَ لَا يجر إِلَى نَفسه شَيْئا جَائِزَة وَهَذَا مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة قَالَ فِي المغنى وَالْحكم فِي أَمِين الْحَاكِم يشْهد للأيتام الَّذين هم تَحت ولَايَته كَالْحكمِ فِي الْوَصِيّ قِيَاسا عَلَيْهِ فَأَما شَهَادَته عَلَيْهِ فمقبولة كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب قَالَ فِي الْمُغنِي لَا نعلم فِيهِ خلافًا وَقَالَ القَاضِي وَيخرج على ذَلِك مَا قَالَه فِي الْأَب من الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي فِي شَهَادَته على وَلَده وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنَّهَا تجوز قَالَ إِلَّا أَن يُقَال قد يَسْتَفِيد بِهَذِهِ الشَّهَادَة نوع ولَايَة فِي تَسْلِيم وَمثله شَهَادَة الْمُودع وَفِي مثله أودعنيها فلَان وملكها فلَان قَوْله والغرماء للْمُفلس بِالْمَالِ بِشَرْط الْحجر لتَعلق حُقُوقهم بِهِ

وَقيل الْحجر إِنَّمَا يتَعَلَّق حُقُوقهم بِذِمَّتِهِ وَثُبُوت الْمُطَالبَة لَهُم لم تثبت بِشَهَادَتِهِم بل بيساره وَإِقْرَاره لدعواه الْحق الَّذِي شهدُوا بِهِ وَذكر القَاضِي أَنه إِذا شهد لغريمه الْمُعسر بِمَال قبلت شَهَادَته وَإِن كَانَ يَسْتَفِيد الْقَضَاء جعله مَحل وفَاق لِأَن دينه ثَابت فِي ذمَّة غَرِيمه سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا وَحقّ الْمُطَالبَة ثَابت أَيْضا وَلَيْسَ يثبت بِشَهَادَتِهِ لَهُ حَقًا لنَفسِهِ لم يكن ثَابتا قبل ذَلِك وإختار ابْن حمدَان أَنه لَا تقبل شَهَادَته قبل الْحجر مَعَ إِعْسَاره وَذكر القَاضِي أَيْضا وَغَيره أَنه إِذا شهد الْأَخ الْمُعسر لِأَخِيهِ الْمُعسر بِمَال قبلت شَهَادَته وَله النَّفَقَة جعله مَحل وفَاق كَمَا تقبل الشَّهَادَة على رجل أَنه أَخذ من بَيت المَال وَإِن جَازَ أَن يثبت لَهُ حق فِي بَيت المَال قَوْله وَأحد الشفيعين بِعَفْو الآخر عَن شفعته لِأَنَّهُ مُتَّهم لتوفرها عَلَيْهِ وَتقبل بعد إِسْقَاطه شعفته لعدم التُّهْمَة قَوْله وَالْوَكِيل لمُوكلِه وَالشَّرِيك لشَرِيكه بِمَا هُوَ وَكيل أَو شريك فِيهِ نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي الشَّرِيك لشَرِيكه فِي رِوَايَة ابنيه وَغَيرهمَا وَعلل بجر الْمَنْفَعَة وَقَالَ فِي المغنى بعد أَن ذكر أَنه قَول جمَاعَة مِنْهُم الشَّافِعِي وَأَصْحَاب الرَّأْي وَلَا نعلم فِيهِ مُخَالفا فَإِن شهد الْوَكِيل لمُوكلِه بعد الْعَزْل فَوَجْهَانِ وَإِن كَانَ

قد خَاصم فِيهِ ردَّتْ وَكَذَلِكَ شَهَادَة الْوَصِيّ ليتيم فِي حجره فَإِن شهد على مُوكله قبلت وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِيهِ كَلَامه الْمَكْتُوب فِي شَهَادَة الْوَصِيّ على الْمَيِّت قَوْله وَالْوَارِث يجرح موروثه قبل اندماله وَنَحْوهم لِأَنَّهُ قد يسرى إِلَى النَّفس فَتجب الدِّيَة للشَّاهِد ابْتِدَاء قَوْله وَفِي شَهَادَة الْوَارِث لموروثه فِي مَرضه بدين وَجْهَان أَحدهمَا لَا تقبل لِأَنَّهُ قد انْعَقَد سَبَب اسْتِحْقَاقه بِدَلِيل أَن عطيته للْوَارِث وَفِي الزَّائِد على الثُّلُث يقف على الْإِجَازَة وكالمسألة قبلهَا وَالثَّانِي تقبل ذكر فِي الْمُغنِي أَنه الْأَظْهر كَمَا لَو شَهدا لَهُ وَهُوَ صَحِيح وَالْحق الْمَشْهُود بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا يحب للْمَشْهُود لَهُ ثمَّ احْتِمَال انْتِقَاله إِلَى الشَّاهِد لَا يمْنَع الشَّهَادَة لَهُ كَالشَّهَادَةِ لغريمه قَوْله فَإِن قُلْنَا تقبل فَحكم بهَا لم يتَغَيَّر الحكم بِالْمَوْتِ بعده وَكَذَا ذكر الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لما تقدم من أَن طرآن الْمَانِع بعد الحكم بِالشَّهَادَةِ لَا يُؤثر فِيهَا كالفسق قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة من يدْفع بهَا عَن نَفسه ضَرَرا كَشَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته لإِنْسَان يجرح الشَّاهِد عَلَيْهِ قَالَ حَرْب سَمِعت الإِمَام أَحْمد يَقُول لَا تجوز شَهَادَة دَافع الْغرم لِأَنَّهُ يدْفع عَن نَفسه وَقد تقدم الحَدِيث فِي ذَلِك وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَن لَا تجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين والظنين الْمُتَّهم وروى سعيد

حَدثنَا عبد العزيز بن مُحَمَّد أَخْبرنِي مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر عَن طَلْحَة بن عبد الله ابْن عَوْف قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا شَهَادَة لخصم وَلَا ظنين مُرْسل جيد قَوْله كَشَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته لَيْسَ مِثَالا وَمرَاده وَالله أعلم شَهَادَة من يدْفع عَن نَفسه بهَا ضَرَرا لَا تقبل وَلَو كَانَ قَالَ وَلَا شَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته كَانَ حسنا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن كَلَامه فِي الْمُحَرر هَذَا مَا دفع الضَّرَر عَن نَفسه وَإِنَّمَا دَفعه عَمَّن لَا يشْهد لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة من جر بِشَهَادَتِهِ إِلَى من لَا يشْهد لَا يشْهد لَهُ فَلَو قيل لَا تقبل شَهَادَة من يجر إِلَى نَفسه أَو إِلَى من يتهم لَهُ أَو يدْفع عَن نَفسه أَو من يتهم لَهُ لعم نعم لَو جرح الشَّاهِد على نَفسه انْتهى كَلَامه وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى فِي شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَالْعَكْس أَن مكَاتب وَالِديهِ وَولده كهما فِي ذَلِك وَذكر ابْن عقيل أَنه لَا تقبل شَهَادَة العَبْد لمكاتب سَيّده قَالَ وَيحْتَمل على قِيَاس مَا ذَكرْنَاهُ أَن لَا تصح شَهَادَته لزوج مولاته بالحقوق لِأَن فِي ذَلِك جر نفع لسيدته وَبَعضهَا يعود بنفعه انْتهى كَلَامه وَكَلَام أَكْثَرهم يدل على الْقبُول وَيدخل فِي كَلَامه فِي الْمُحَرر شَهَادَة الْعَاقِلَة بِجرح شُهُود قتل الْخَطَأ لدفعهم الدِّيَة عَنْهُم وَظَاهره قبُول شَهَادَته إِذا كَانَ لَا يحمل من الدِّيَة شَيْئا لفقره أَو لبعده وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره وَذكر غير وَاحِد احْتِمَالَيْنِ أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي لَا تقبل لجَوَاز أَن يؤسر أَو يَمُوت قبل الْحُلُول فَيحمل فَظهر أَن احْتِمَال تجدّد الْحق لَهُ لَا يمْنَع قبُول الشَّهَادَة إِلَّا أَن يجب لَهُ ابْتِدَاء

كَشَهَادَة الْوَارِث لموروثه بِالْجرْحِ قبل الِانْدِمَال وَإِلَّا لمن يعْتَقد سَبَب اسْتِحْقَاقه كَشَهَادَة الْوَارِث لمورثه فِي الْمَرَض فَإِن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن كَمَا تقدم وَاحْتِمَال تجدّد الْحق عَلَيْهِ لَا يمْنَع إِلَّا بعد وجود السَّبَب كَمَسْأَلَة الْعَاقِلَة قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أَو قطع الطَّرِيق عَلَيْهِ أطلق الْعَدَاوَة وَلَيْسَ كَذَلِك وَلَعَلَّ الْمِثَال يُؤْخَذ مِنْهُ تَقْيِيد الْمُطلق وَهُوَ مُرَاده قَالَ القَاضِي شَهَادَة الْعَدو على عدوه غير مقبوله ذكره الْخرقِيّ فَقَالَ لَا تقبل شَهَادَة خصم وَإِنَّمَا يكون هَذَا فِي عَدَاوَة لَا تخرجه عَن الْعَدَالَة مثل الزَّوْج يقذف زَوجته وَلَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ من قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق لَا تقبل شَهَادَته على الْقَاطِع وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي رجل خَاصم مرّة ثمَّ ترك ثمَّ شهد لم تقبل وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقبل وَهَذَا فِي عَدَاوَة لَا تخرج إِلَى الْفسق فَإِذا أخرجت فَلَا خلاف فِيهَا وَاحْتج القَاضِي وَغَيره بالأحاديث السَّابِقَة قَالَ القَاضِي وَلِأَنَّهُ مُتَّهم فِي شَهَادَته بِسَبَب منهى عَنهُ فَوَجَبَ أَن لَا تقبل شَهَادَته كالفاسق قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا جيد والمقطوع والمقذوف لَيْسَ فِي حَقه سَبَب منهى عَنهُ فَهَذَا يُخَالف مَا ذكره أَولا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ عادي قَاذفه وقاطعه فَإِن هجره الْمنْهِي عَنْهَا فَهَذَا أقرب لَكِن يُخَالف مَا ذكر أَولا فِي الظَّاهِر وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي فِي الْفرق بَين عَدَاوَة الْمُسلم للذِّمِّيّ وعداوته للْمُسلمِ مَعَ أَن عَدَاوَة الْمُسلم للذِّمِّيّ مَأْمُور بهَا وعداوة الْمُسلم للْمُسلمِ مَنْهِيّ عَنْهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لَا تباعضوا وَلَا تدابروا وَكُونُوا عبادا لله إخْوَانًا

فَلم يكن اعْتِبَار إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لِأَن الْمُسلم يعادي الذِّمِّيّ من طَرِيق الدّين وَهُوَ لَا يَدعُوهُ إِلَى مَا يخَاف من ذَنبه وَمن الْكَذِب عَلَيْهِ وعداوة الْمُسلم للْمُسلمِ عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وَهَذَا يحمل من طَرِيق الْعَادة والجبلة على مُخَالفَة الدّين والإضرار بِهِ بِالْكَذِبِ والمين قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن عدواة المتدين بذلك متأولا لَا تمنع قبُول الشَّهَادَة فَصَارَ على الظَّاهِر فِيهَا ثَلَاثَة أوجه انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَيْضا لَيْسَ فِي كَلَام أَحْمد وَلَا الْخرقِيّ تعرض لِلْعَدو وَإِنَّمَا هُوَ الْخصم والتفريق بَين الْخصم فِي الحَدِيث مُوَافق لما قلت وَقد يُخَاصم من لَيْسَ بعدو وَقد يعادي من لَيْسَ بخصم وَإِنَّمَا الْخصم هُوَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ فشهادته شَهَادَة مُدع أَو مدعى عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ أَن كل من خَاصم شخصا فِي شئ مرّة لم تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي غير ذَلِك إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُجَرّد المحاكمة فَإِن محاكمته فِي ذَلِك الشئ بِمَنْزِلَة مناظرته فِي علم وَقد يكون المتاحكمان عارفين للحق لَا يَدعِي أَحدهمَا ظلم الآخر بِمَنْزِلَة المحاكمة فِي الْمَوَارِيث وموجبات الْعُقُود وَهُوَ أحد نَوْعي الْقَضَاء الَّذِي هُوَ إنْشَاء من غير إِنْكَار وَلَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين وَلَا يحمل كَلَام أَحْمد على هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ وَالله أعلم أَن من خَاصم فِي شئ مرّة ثمَّ شهد بِهِ لم تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من ردَّتْ شَهَادَته لتهمة ثمَّ أَعَادَهَا بعد زَوَال التُّهْمَة وَهنا المخاصم طَالب فَإِذا شهد بعد ذَلِك فَهُوَ مُتَضَمّن تَصْدِيق نَفسه فِيمَا خَاصم فِيهِ أَولا وَهَذَا يدحخل فِيهِ صور مِنْهَا أَن يُخَاصم فِي حُقُوق عين هِيَ ملكه ثمَّ تنْتَقل الْعين إِلَى غَيره فَيشْهد وَمِنْهَا أَن يكون وليا ليتيم أَو وقف وَنَحْوهمَا ويخاصم فِي شئ من أُمُوره ثمَّ يخرج عَن الْولَايَة وَيشْهد بِهِ وَمِنْهَا أَن يكون وَكيلا فيخاصم ثمَّ تَزُول وكَالَته فَيشْهد فِيمَا خَاصم فِيهِ

فَإِذا قيل شَهَادَة الْعَدو غير مَقْبُولَة فَإِنَّمَا هُوَ من عادى أما الْمَقْطُوع عَلَيْهِ الطَّرِيق إِذا شهد على قاطعه فَهَذَا لَا معنى لَهُ إِذْ يُوجب أَن لَا يشْهد مظلوم على ظالمه مَعَ أَنه لم يصدر مِنْهُ مَا يُوجب التُّهْمَة فِي حَقه وَالتَّحْقِيق أَن الْعَدَاوَة الْمُحرمَة تمنع قبُول الشَّهَادَة وَإِن لم تكن فسقا لكَونهَا صَغِيرَة أَو صَاحبهَا متأولا مخطئا وَفِيه نظر كعداوة الْبَاغِي للعادل وكما كَانَ بَين بعض السّلف وَكَذَلِكَ مداعاة القَاضِي كَذَلِك وَقد كتبته قبل فَأَما الْمُبَاحَة فَفِيهِ نظر انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَيْضا الْوَاجِب فِي الْعَدو وَالصديق وَنَحْوهمَا أَنه إِن علم مِنْهُمَا الْعَدَالَة الْحَقِيقِيَّة قبلت شَهَادَتهمَا وَأما إِن كَانَت عدالتهما ظَاهِرَة مَعَ إِمْكَان أَن يكون الْبَاطِن بِخِلَافِهَا لم تقبل وَيتَوَجَّهُ مثل هَذَا فِي الْأَب وَسَائِر هَؤُلَاءِ انْتهى كَلَامه وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا أَن شَهَادَة الْعَدو لَا تقبل على عدوه وَجعلُوا من ذَلِك الْخصم على خَصمه وَقيد جمَاعَة الْعَدَاوَة بِكَوْنِهَا لغير الله قَالَ فِي المغنى المُرَاد بالعداوة هُنَا الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة وَمثل كَمَا فِي الْمُحَرر وَغَيره أما الْعَدَاوَة فِي الدّين كَالْمُسلمِ يشْهد على الْكَافِر أَو المحق من أهل السّنة يشْهد على المبتدع فَلَا ترد شَهَادَته لِأَن الْعَدَاوَة فِي الدّين وَالدّين يمنعهُ من ارْتِكَاب مَحْظُور فِي دينه وَزَاد فِي الرِّعَايَة على قيد كَونهَا لغير الله ظَاهِرَة وَقد قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى 4 135 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} الْآيَة فِي هَذَا دَلِيل على نُفُوذ حكم الْعَدو على عدوه فِي الله ونفوذ شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أمره بِالْعَدْلِ

وَإِن أبغضه وَلَو كَانَ حكمه عَلَيْهِ وشهادته لَا تجوز مَعَ البغض لَهُ لما كَانَ لأَمره بِالْعَدْلِ فِيهِ وَجه وَقَالَ ابْن عقيل التهم إِنَّمَا تقدح إِذا كَانَت تُهْمَة قادحة لفرط الإشفاق فِي الْأُبُوَّة والعداوة بَين المتعادين وَالْفِسْق الَّذِي يزِيل الْعَدَالَة وتزول مَعَه الثِّقَة فَأَما مَا بعد التُّهْمَة الَّتِي إِذا علق الرَّد عَلَيْهَا انسد بَاب الشَّهَادَة فَلَا بِدَلِيل أَن الْأخْتَان والأصهار يتضاغنون وَأهل الصِّنَاعَة الْوَاحِدَة يتحاسدون والمختلفون فِي الْمذَاهب يتخارصون وَلَكِن لما بعد ذَلِك وَلم يخل مِنْهُ أحد سقط اعْتِبَاره وَلم يمْنَع قبُولهَا لِئَلَّا ينسد بَاب الشَّهَادَة وَكَذَلِكَ الْقَرَابَة كلهَا تُعْطى إشفاقا وعصبية حَتَّى الْقَبِيلَة انْتهى كَلَامه وَاحْتج الْخصم أَن هَذِه الْعَدَاوَة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة كالصداقة كشهادته لَهُ وَأجَاب القَاضِي وَغَيره بِأَن الشَّرْع ورد بالتفرقة بَين الْعَدَاوَة والصداقة فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل شَهَادَته خُزَيْمَة بن ثَابت لنَفسِهِ وَنحن نعلم أَن صداقة الصَّحَابِيّ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تزيد على كل صداقه ورد شَهَادَة الْعَدو بقوله لَا تقبل شَهَادَة خصم وَلَا ظنين وَلَا تقبل شَهَادَة ذِي طعن وَلِأَن الصداقة لَا تحمل على الْكَذِب للصديق والعداوة تحمل على الْكَذِب وَلَا تمنع الْعَدَالَة مِنْهُ وَهَذَا مَعْلُوم بِالْعَادَةِ من طباع النَّاس وخلقهم وجبلتهم وَأما شَهَادَة الْعَدو لعَدوه فَتقبل ذكره القَاضِي مَحل وفَاق غير مرّة لِأَنَّهُ مُتَّهم عَلَيْهِ غير مُتَّهم لَهُ فَهُوَ على مَا قُلْنَا فِي شَهَادَة الْأَب تقبل على وَلَده وَلَا تقبل لَهُ وَقَالَ أَيْضا وَقَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله فِيهِ وَجه آخر لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم أَيْضا فِي ذَلِك بِأَن يقْصد الصُّلْح والصداقة فَيشْهد لَهُ بذلك

فصل

وَقد أَوْمَأ أَحْمد إِلَى هَذَا فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَقيل لَهُ رجل خَاصم فِي خُصُومَة مرّة فَردَّتْ ثمَّ شهد بعدالة الشَّاهِد قَالَ لَا تقبل انْتهى كَلَامه فصل وَمن سره إساءة أحد وغمه فرحه فعدو وَقَالَ ابْن حمدَان أَو حَاسِد قَالَ ابْن عقيل وَلَا تقبل شَهَادَة من عرف بالعصبية كعصبية أهل الْبَادِيَة على أهل الْقرى فَإِن البدوي يمِيل إِلَى الْبَادِيَة وَلَا يمِيل إِلَى أهل الْقرى وَكَذَلِكَ قَبيلَة على قَبيلَة تعرف بَينهم مساوات ومباينة فَتكون فِي حيّز الْعَدَاوَة وَكَذَلِكَ شَهَادَة أهل الْمحَال المتباين أَهلهَا بالعصبيات وَهَذَا يدْخل تَحت قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلَا ظنين وَهُوَ الْمُتَّهم والعصبية توجب التُّهْمَة فصل قَوْله وَفِي شَهَادَة البدوي على الْقَرَوِي وَجْهَان أَحدهمَا تقبل وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب وَصَححهُ فِي الْمُسْتَوْعب وَهُوَ قَول ابْن سِيرِين وَأبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ للعمومات وَلِأَن من قبلت شَهَادَته على أهل الْبَلَد قبلت شَهَادَته على أهل الْقرى قَالَ ابْن عقيل الْعَدَالَة تجمع والمساكن لَا تقدح فِي الْعَدَالَة وَلَا توجب التُّهْمَة وَلَو جَازَ أَن توجب تُهْمَة لما قبلت شَهَادَة عَرَبِيّ على عجمي وَلَا الْعَكْس لِأَن المنافرة والمباينة بَين الْعَجم وَالْعرب أَكثر من تبَاين البدو والحضر مَعَ التَّسَاوِي فِي الْعَرَبيَّة

وَقَالَ أَيْضا بعد أَن حكى عَن بعض أَصْحَابنَا أَنه قَالَ البدوي يعادي الْقَرَوِي فِي الْعَادة قَالَ وَهَذَا بعيد لِأَن الْقَبَائِل من البدو يتعادون أَكثر عَدَاوَة ويصول بَعضهم على بعض فِي مطرد الْعَادة وَالثَّانِي لَا تقبل قطع بِهِ ابْن هُبَيْرَة وَغَيره عَن أَحْمد قَالَ فِي المغنى وَهُوَ قَول جمَاعَة من أَصْحَابنَا وَمذهب أبي عبيد وَرَوَاهُ الْخلال عَن عمر بن عبد الْعَزِيز وَقطع بِهِ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَاحْتج بقول أَحْمد فِي رِوَايَة حَرْب تجوز شَهَادَة الْأَعْرَاب على الْأَعْرَاب وعَلى الْقَرَوِي أخْشَى أَلا تجوز لما روى أَبُو هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ لَا تجوز شَهَادَة بدوي على صَاحب قَرْيَة إِسْنَاده جيد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن ماجة وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيرهم قَالَ فِي المغنى وَيحمل الحَدِيث على من لم تعرف عَدَالَته وَخَصه بِهَذَا لِأَن الْغَالِب أَنه لَا يكون لَهُ من يسْأَله الْحَاكِم عَنهُ قَالَ أَبُو عبيد وَلَا أرى شَهَادَتهم إِلَّا لما فيهم من الْجفَاء لحقوق الله تَعَالَى والجفاء فِي الدّين قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وبناه القَاضِي على أَن الْعَادة أَن الْقَرَوِي إِنَّمَا يشْهد أهل الْقرْيَة دون أهل البدو فَإِذا كَانَ البدوي قاطنا مَعَ المدعين فِي الْقرْيَة قبلت شَهَادَته لزوَال هَذَا الْمَعْنى انْتهى كَلَامه وَقد ذكر غير وَاحِد من الْأَصْحَاب هَذَا التَّعْلِيل فَيكون هَذَا قولا ثَالِثا وَقيل للْقَاضِي التُّهْمَة هُنَا مِمَّن اشْهَدْ لَا من الشَّاهِد فَقَالَ التُّهْمَة هُنَا وَاقعَة بهما لِأَن صَاحب الْحق لَا يعدل عَن أهل بَلَده إِلَّا لعِلَّة فِي الْملك وَالشَّاهِد أَيْضا فِي الْعَادة إِنَّمَا يشْهد على أهل بَلَده وَلَا يخرج إِلَى بلد آخر فَيشْهد فِيهِ على غَيره وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين البدوي على الْوَصِيَّة فِي السّفر يَنْبَغِي أَن يقبل لِأَنَّهُ ضَرُورَة وَهُوَ أولى من الذميين انْتهى كَلَامه وَهُوَ حسن لكنه قَول

فصل

رَابِع قَالَ مَالك لَا تجوز شَهَادَة البدوي على الْقَرَوِي إِلَّا فِي الْجراح والقود احْتِيَاطًا للدماء فصل تقبل شَهَادَة البدوي بِرُؤْيَة الْهلَال اتِّفَاقًا وَتقبل شَهَادَة الْقَرَوِي عَلَيْهِ اتِّفَاقًا قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة عمودي النّسَب بَعضهم لبَعض فنص أَحْمد أَنه لَا تجوز شَهَادَة الْوَلَد لوالده وَلَا الْوَالِد لوَلَده انْتهى كَلَامه وَهُوَ كَالصَّرِيحِ إِن لم يكن صَرِيحًا فِي أَنه لَا فرق بَين الداعية وَغَيره وَبَين من يكفر أَو يفسق وَصرح بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين على هَذَا التَّخْرِيج وَهَذَا التَّخْرِيج قد يُقَال هُوَ خلاف الْمَذْهَب وَإِن قُلْنَا بِرِوَايَة حَنْبَل فِي قبُول شَهَادَة أهل الذِّمَّة بَعضهم على بعض كَمَا هُوَ ظَاهر قَول جمَاعَة من الْأَصْحَاب وَقد يُقَال الْمَذْهَب التَّسْوِيَة على رِوَايَة حَنْبَل كَمَا هُوَ قَول أبي الْخطاب وَظَاهر كَلَام غَيره مِمَّن بعده وَمن لم يذكر التَّخْرِيج فإمَّا أَنه لم يثبت رِوَايَة حَنْبَل هُنَا وَإِمَّا لِأَنَّهَا خلاف الْمَذْهَب فَلم يشْتَغل بالتفريع عَلَيْهَا

وَالْأول اخْتِيَار الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فانه قَالَ وَالْفرق بَينهمَا أَن الذِّمِّيّ يقر على كفره والداعية إِلَى الْبِدْعَة لَا يقر على بدعته كَذَا قَالَ والبدعة إِن كَانَت مفسقة أقرّ عَلَيْهَا الداعية وَغَيره وَإِن كَانَت مكفرة لم يقر عَلَيْهَا الداعية وَلَا غَيره لَكِن قد يفرق بَينهمَا بِأَن أهل الذِّمَّة إِنَّمَا قبلت شَهَادَة بَعضهم على بعض لمظنة الْحَاجة إِلَى ذَلِك لانفرادهم وَعدم اختلاطهم بِالْمُسْلِمين وَلِأَنَّهُ لَا يلْزم من قبُول شَهَادَة كَافِر على كَافِر قبُول شَهَادَة كَافِر أَو فَاسق على مُسلم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالْوَاجِب أَن رِوَايَته وشهادته وَاحِدَة وَفِي رِوَايَته الْخلاف المسطور فِي أصُول الْفِقْه ومأخذ رد شَهَادَته إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْقَاقه الهجران وعَلى هَذَا فَيَنْبَغِي قبُول شَهَادَته حَيْثُ لَا يهجر إِمَّا للغلبة وَإِمَّا للتألف وَتقبل عِنْد الضَّرُورَة كَمَا قبلنَا شَهَادَة الْكِتَابِيّ على الْمُسلم عِنْد الضَّرُورَة وَأولى فَإِن من كَانَ من أَصله قبُول شَهَادَة الْكَافِر على الْمُسلم للْحَاجة فقبول شَهَادَة المبتدع للْحَاجة أولى وَكَذَلِكَ شَهَادَة النِّسَاء وَكَذَلِكَ شَهَادَة بعض الْفُسَّاق كَمَا كتبته فِي مَوضِع آخر وَهَذَا هُوَ الاقتصاد فِي هَذَا الْبَاب فَإِنَّهُ إِذا كثر أهل الْبِدْعَة فِي مَكَان بِحَيْثُ يلْزم من رد شَهَادَتهم فتْنَة وتعطيل الْحُقُوق لم يهجروا بل يتألفوا وَأما إِذا كَانُوا مقهورين بِحَيْثُ يهجرون لم تقبل شَهَادَتهم وَلَو قيل فِي الامامة أَيْضا مثل ذَلِك لتوجه كَمَا فِي علم الحَدِيث وَالْفرق بَين الِاضْطِرَار وَالِاخْتِيَار بَين الْقُدْرَة وَالْعجز أصل عَظِيم

فصل

فصل قد عرف مِمَّا تقدم أَنه هَل تقبل شَهَادَة من كفر أَو فسق ببدعة أم لَا تقبل أَو تقبل مَعَ الْفسق خَاصَّة أَو تقبل إِذا لم يكن دَاعِيَة أَو تقبل مَعَ الْحَاجة والمصلحة خَاصَّة فِيهِ أَقْوَال قَوْله وَتقبل شَهَادَة العَبْد وَالْأمة فِيمَا تقبل فِيهِ شَهَادَة الْحر والحرة قَالَ الْخلال عَن الْمَيْمُونِيّ سَأَلَ أَحْمد رجل بن حَنْبَل عَن شَهَادَة العَبْد تجور قَالَ لَا أعرف إِلَّا ذَلِك قلت من احْتج بِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاز شَهَادَة أمة فِي الرَّضَاع على شَهَادَة العَبْد هَل يكون ذَا حجَّة لَهُ قَالَ نعم وَرَأَيْت أَبَا عبد الله يستحسنه ثمَّ قَالَ وَأي شَيْء أَكثر من هَذَا يفرق بَينهمَا بقولِهَا وَقَالَ حمدَان بن عَليّ الْوراق سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن شَهَادَة العَبْد فَقَالَ كَانَ أنس يُجِيز شَهَادَة العَبْد وَحَدِيث عقبَة بن الْحَارِث تزوجت أم يحيى بنت أبي إهَاب فَجَاءَت أمة سَوْدَاء فَقَالَت إِنِّي قد أرضعتكما وَقَالَ الْخلال أخبرنَا الْمَرْوذِيّ حَدثنَا أَبُو عبد الله حَدثنَا مُحَمَّد بن فُضَيْل حَدثنَا مُخْتَار بن فلفل قَالَ سَأَلت أنس بن مَالك عَن شَهَادَة العَبْد قَالَ فِيهِ اخْتِلَاف قلت حَدِيث حَفْص عَن الْمُخْتَار بن فلفل عَن أنس قَالَ لَيْسَ شئ يَدْفَعهُ وَقد أجَاز شَهَادَته وَقَالَ الله {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} فَإِذا كَانَ عدلا يَنْبَغِي أَن تجوز شَهَادَته وَقَالَ الْخلال حَدثنَا الْمَرْوذِيّ عَن أبي عبد الله حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن إِبْرَاهِيم عَن سعيد عَن قَتَادَة عَن الْحسن قَالَ قَالَ عَليّ شَهَادَة العَبْد جَائِزَة وَقَالَ أَيْضا عَن الْمروزِي شَهَادَة العَبْد جَائِزَة

وَقَالَ أَيْضا عَن الْمَرْوذِيّ حَدثنَا أَبُو إِسْحَق بن يُوسُف حَدثنَا عَوْف بن مُحَمَّد ابْن سِيرِين قَالَ لَا أعلم شَهَادَة الْحر تفضل على شَهَادَة العَبْد إِذا كَانَ مرضيا وَقدم هَذَا فِي الرِّعَايَة تبعا للمحرر وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار فَقَالَ وَالْأولَى الْمَنْع فَإِنَّهُ لَا فرق حَتَّى الْعدْل بَين شَهَادَة وَشَهَادَة وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور العَبْد إِذا كَانَ عدلا جَازَت شَهَادَته وَالْمكَاتب أَحْرَى أَن تجوز شَهَادَته قَالَ وَهَذَا يدل على أَنَّهَا تقبل فِي جَمِيع الْأَشْيَاء وَكَذَا قَالَ فِي رِوَايَة مهنا إِذا تزوج بِشَهَادَة عَبْدَيْنِ جَازَ إِذا كَانَا عَدْلَيْنِ وَالنِّكَاح عِنْده جَار مجْرى الْقصاص وَلِهَذَا لَا يُجِيز فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء انْتهى كَلَامه وَوجه هَذِه الرِّوَايَة تقدم وَلِأَنَّهُ ذكر مُكَلّف يقبل إخْبَاره فَقبلت شَهَادَته كَالْحرِّ أَو نقُول ذكر مُكَلّف تقبل شَهَادَته فِي رُؤْيَة هِلَال رَمَضَان وَهِي شَهَادَة يعْتَبر لَهَا مجْلِس الحكم وتحتاج إِلَى الْعدَد ويخص أَمَانه وولايته فِي الصَّلَاة وعَلى أَقَاربه وَتَصِح تَوليته أَسبَاب السَّرَايَا وولايته فِيمَا يوصى إِلَيْهِ ويوكل فِيهِ فَقبلت شَهَادَته كَالْحرِّ هَذَا معنى كَلَام أبي الْخطاب وَالْقَاضِي إِلَّا أَنه قَالَ الشَّهَادَة بِرُؤْيَة الْهلَال شَهَادَة عِنْد أبي حنيفَة يعْتَبر لَهَا الْعدَد وَقد قيل يعْتَبر فِيهَا مجْلِس الْحَاكِم قَوْله وَعنهُ لَا تقبل شَهَادَة الرَّقِيق فِي الْقود وَالْحَد خَاصَّة قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ لَا تجوز شَهَادَتهم يَعْنِي العبيد فِي الْحُدُود

وَلم يقيموا الْحُدُود مقَام الْحُقُوق فِي الْحُقُوق شَاهد وَيَمِين وَالْحَد لَيْسَ كَذَلِك قلت قَول أنس لم يفرق فِي حد وَلَا حق وَذكره أَحْمد عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ جَوَازهَا فِي الشَّيْء الْيَسِير قَالَ أَحْمد وَالنَّاس الْيَوْم على ردهَا فَلَيْسَ نرى أحدا يقبلهَا قلت وَمَا يستوحش من هَذَا قَالَ فِي الْحُدُود كَأَنَّهَا أشنع وَإِنَّمَا ذَاك عِنْده لتهيب النَّاس لردها وَقطع بِهِ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَتَبعهُ جمَاعَة وَذكر فِي المغنى أَنه ظَاهر الْمَذْهَب وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَنه الْمَشْهُور من مَذْهَب الإِمَام أَحْمد وَعلل بَعضهم بِأَنَّهُ نَاقص فَلم تقبل شَهَادَته فِيهَا كَالْمَرْأَةِ قَالَ الْخرقِيّ تجوز شَهَادَة العَبْد فِي كل شَيْء إِلَّا فِي الْحُدُود وَتَبعهُ بَعضهم على هَذِه الْعبارَة وَهُوَ أحد احْتِمَالَيْنِ فِي المغنى وَالْكَافِي قَالَ ابْن الْقَاسِم سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن أَرْبَعَة شهدُوا على رجل بِالزِّنَا أحدهم عبد قَالَ تمت الشَّهَادَة هم أَرْبَعَة العَبْد مِنْهُم يدْرَأ عَنْهُم الْحَد قَالَ مُحَمَّد بن مُوسَى سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن أَرْبَعَة أعبد شهدُوا على الزِّنَا قَالَ قد أحرزوا ظُهُورهمْ وَإِن كَانُوا عبيدا لِأَن الْحُدُود مبناها على الدرء والإسقاط يغلظ فِي طَرِيق ثُبُوتهَا وَلِهَذَا لَا تقبل شَهَادَة النِّسَاء وَلَا شَاهد وَيَمِين وَلَا يقْضِي فِيهَا بِالنّكُولِ وَلَا يسْتَحْلف فِيهَا وَتسقط بِالشُّبْهَةِ بِخِلَاف غَيرهَا فَجَاز أَن لَا تسمع فِيهَا شَهَادَة العَبْد وَعَن أَحْمد التَّوَقُّف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ أَبُو الْحَارِث قلت للامام أَحْمد شَهَادَة العَبْد قَالَ قد اخْتلف النَّاس فِي ذَلِك وأبى أَن يُجيب فِيهَا وَقَالَ أَيْضا أحب الْعَافِيَة من ذَلِك وأبى أَن يُجيب قَالَ وَكَذَلِكَ الْمكَاتب وَالْمُدبر وَعَن أَحْمد رِوَايَة خَامِسَة لَا تقبل بِحَال قَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب العَبْد فِي جَمِيع أمره نَاقص لَيْسَ مثل الْحر وَلَا تقبل لَهُ شَهَادَة فِي الطَّلَاق وَالْأَحْكَام

وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّة على الْمُرُوءَة والكمال قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد يُؤْخَذ عَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة كَذَلِك وَسَيَأْتِي فِي الْمَسْأَلَة بعْدهَا قَوْله وَمن شهد عِنْد الْحَاكِم فَردَّتْ شَهَادَته لكفره أَو رقّه أَو صغره أَو جُنُونه أَو خرسه ثمَّ أَعَادَهَا بعد زَوَال الْمَانِع قبلت فِي الْأَصَح عَنهُ نقل عَنهُ حَنْبَل فِي الصَّبِي إِذا بلغ جَازَت شَهَادَته وَكَذَلِكَ إِذا شهد وَهُوَ عبد لم تجز فَإِذا أعتق جَازَت إِذا كَانَ عدلا وَاحْتج القَاضِي أَيْضا مَعَ أَنه ذكر أَن أَحْمد نَص عَلَيْهِ بقول الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب فِي الصَّبِي إِذا حفظ الشَّهَادَة ثمَّ كبر فَشهد جَازَت شَهَادَته وَكَذَلِكَ العَبْد إِذا عتق وَكَذَلِكَ الْيَهُودِيّ وَالنَّصْرَانِيّ إِذا كَانَ عدلا جَازَت شَهَادَته إِذا أسلم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي رِوَايَة أبي طَالب الظَّاهِر أَنَّهَا فِيمَا إِذا لم ترد فِي زمَان الْمَنْع انْتهى كَلَامه وَهُوَ الَّذِي نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه وَغَيرهم وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب أَنه أصح الْوَجْهَيْنِ وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَن هَذَا الْمَانِع زَالَ قطعا وَلَا تُهْمَة فِيهِ فَهُوَ كَمَا لَو ابْتَدَأَ بهَا فِي هَذِه الْحَال بِخِلَاف الْفسق

قَوْله وَعنهُ لَا تقبل أبدا قَالَ فِي رِوَايَة يَعْقُوب بن بختان فِي الصَّبِي إِذا ردَّتْ شَهَادَته ثمَّ أدْرك لم تجز شَهَادَته لِأَن الحكم قد مضى وَنقل ابْن بختان أَيْضا فِي مَوضِع آخر إِذا ردَّتْ شَهَادَة العَبْد أَو الذِّمِّيّ أَو الصَّبِي ثمَّ أسلم الذِّمِّيّ وَعتق العَبْد وَأدْركَ الصَّبِي لم تجز شَهَادَتهم لِأَن الحكم قد مضى وَهَذِه اخْتِيَار أبي بكر وَابْن أبي مُوسَى وَهِي قَول مَالك لِأَنَّهَا ردَّتْ بمانع أشبه الْفسق قَوْله وَإِن ردَّتْ بتهمة رحم أَو زوجية أَو عَدَاوَة أَو جلب نفع أَو دفع ضَرَر ثمَّ زَالَ الْمَانِع فَأَعَادَهَا لم تقبل على الْأَصَح وَذكر فِي الْكَافِي أَنه الأولى وَقدمه فِي الرِّعَايَة لِأَن ردهَا بِاجْتِهَادِهِ فَلَا ينْقض ذَلِك بِاجْتِهَادِهِ وَلِأَنَّهَا ردَّتْ للتُّهمَةِ كالمردودة بِالْفِسْقِ وَالثَّانِي تقبل صَححهُ فِي المغنى لِأَن الأَصْل قبُول شَهَادَة الْعدْل وَقِيَاسه على الْفسق لَا يَصح لِأَن هَذِه ردَّتْ بِسَبَب لَا عَار فِيهِ فَلَا يتهم فِي قصد نفي الْعَار بإعادتها بِخِلَاف الْفسق وَقبُول الشَّهَادَة هُنَا من نقض الِاجْتِهَاد فِي الْمُسْتَقْبل وَهُوَ جَائِز وَهَذَا معنى قَوْله تقبل قَوْله كَمَا لَو ردَّتْ لفسق نَص عَلَيْهِ قَالَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن سعيد فِي شَهَادَة الْفَاسِق إِذا ردَّتْ مرّة ثمَّ تَابَ وَأصْلح فأقامها بعد ذَلِك لم تجز لِأَنَّهُ حكم قد مضى وَلم أجد فِيهِ خلافًا إِلَّا قَوْله فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى لم تقبل على الْأَصَح وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة

فرع

الثَّلَاثَة وَرِوَايَة الْقبُول قَالَ بهَا أَبُو ثَوْر والمزني وَدَاوُد قَالَ ابْن الْمُنْذر وَالنَّظَر يدل على هَذَا لغير هَذِه الشَّهَادَة كالمسائل الْمُتَقَدّمَة وَقد تقدم دَلِيل الْمَنْع وَالْفرق قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وتعليلهم الْفرق بَين الْكفْر وَالْفِسْق بِأَن الْكفْر يتدين بِهِ يقتضى أَن يلْحق بِهِ الْفسق بالاعتقاد أَو بِعَمَل يسْتَند إِلَى اعْتِقَاد كشرب النَّبِيذ إِن قيل بِهِ انْتهى كَلَامه وَقَوله وَقيل لَا تقبل فِي كل مَانع زَالَ بِاخْتِيَار الشَّاهِد كإعتاق الْقِنّ وتطليق الزَّوْجَة وَتقبل فِيمَا سواهُ يحْتَمل أَن يكون هَذَا القَوْل فِي هَذِه الْمَسْأَلَة خَاصَّة وَيحْتَمل أَن يكون فِيهَا وَفِي الَّتِي قبلهَا وَهَذَا الْأَمر قريب وَوَجهه أَن زَوَال الْمَانِع بِاخْتِيَار الشَّاهِد يُورث تُهْمَة تشبه الْفسق فرع لَو عزل من وَظِيفَة للفسق مثلا ثمَّ تَابَ وَأظْهر الْعَدَالَة فَهَل يعود يتَوَجَّه أَن يُقَال فِيهَا مَا قيل فِي مَسْأَلَة الشَّهَادَة أَو أولى لِأَن تُهْمَة الْإِنْسَان فِي حق نَفسه ومصلحته أبلغ من حق الْغَيْر أما لَو رأى الْحَاكِم رده إِلَيْهَا بِتَأْوِيل أَو تَقْلِيد كَانَ لَهُ ذَلِك كَسَائِر مسَائِل الْخلاف وكما لَو رَأْي قبُول الشَّهَادَة فِي مَسْأَلَتنَا قَوْله وَمن شهد عِنْد الْحَاكِم ثمَّ عمى أَو خرس أَو صم أَو جن أَو مَاتَ لم يمْنَع الحكم بِشَهَادَتِهِ

فصل

قَالَ القَاضِي على قِيَاس حُدُوث الْعَمى بعد التَّحَمُّل وَقبل الْأَدَاء وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد لعدم التُّهْمَة فِي حَال أَدَاء الشَّهَادَة فَهُوَ كالموت فَإِنَّهُ مَحل وفَاق وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يحكم بهَا كَمَا لَو طَرَأَ الْفسق قَوْله وَإِن حدث مَانع من فسق أَو تُهْمَة منع الحكم بهَا لم أجد فِيهِ خلافًا كَمَا تقدم وَذكره القَاضِي مَحل وفَاق أَن الشُّهُود إِذا ارْتَدُّوا أَو فسقوا أَو رجعُوا قبل الحكم أَنه لَا يحكم بهَا قَالَ لِأَنَّهُ يُورث تُهْمَة فِي حَال الْأَدَاء قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِدْخَال الرِّدَّة فِي هَذَا مُشكل قَالَ وَقد علل بِأَن الْفسق وَالرِّدَّة مِمَّا يستسر بِهِ فَيدل على نَظَائِره مِمَّا قبله انْتهى كَلَامه فصل فَإِن حدث مَا يمْنَع الحكم بهَا بعد الحكم والاستيفاء لم ينْقض الحكم وَإِن كَانَ ذَلِك قبل الِاسْتِيفَاء لم يسْتَوْف إِن كَانَ حدا الله تَعَالَى لِأَنَّهُ يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ وَإِن كَانَ مَالا استوفي وَإِن كَانَ قودا أَو حد قذف فَوَجْهَانِ قَوْله وَلَا يَصح أَدَاء الشَّهَادَة إِلَّا بلفظها فَإِن قَالَ أعلم أَو أَحَق وَنَحْوه لم يحكم بهَا ذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِي مَوَاضِع مِنْهَا شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَذكر أَنه يعْتَبر فِيهِ لفظ الشَّهَادَة جعله مَحل وفَاق ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلم يحك فِيهِ خلافًا وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار فِي بحث شَهَادَة امْرَأَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال

لخصمه أَيْن أَنْت من الْقيَاس على خبر الديانَات ورؤية الْهلَال لرمضان لما قبل فِيهِ شَهَادَة النِّسَاء منفردات لم يلْتَفت إِلَى الْعدَد وعَلى هَذَا يجب أَن لَا يلْتَفت إِلَى لفظ الشَّهَادَة وَلَا مجْلِس الحكم كالخبر سَوَاء وَهُوَ قَول بعض الْحَنَفِيَّة وَلَا أعرف عَن إمامنا مَا يرد هَذَا الْمَنْع انْتهى كَلَامه وَلم يذكر الْأَصْحَاب هَذِه الْمَسْأَلَة فِي مسَائِل الْخلاف فَدلَّ على أَنَّهَا مَحل وفَاق وَذكر أَبُو الْخطاب فِي التَّمْهِيد فِي بحث مَسْأَلَة رِوَايَة الحَدِيث بِالْمَعْنَى أَن الْفُقَهَاء يسلمُونَ هَذَا ثمَّ قَالَ ويقوى عِنْدِي أَن الشَّاهِد إِذا قَالَ أعلم أَو أعرف أَو أتحقق أَو أتيقن أَن لفُلَان عِنْد فلَان كَذَا أَن الْحَاكِم يقبل ذَلِك لِأَن ظَنّه يقوى بذلك كَمَا يقوى بقوله أشهد انْتهى كَلَامه وَذكره القَاضِي احْتِمَالا وَذكره فِي الرِّعَايَة قولا وَذكر فِي المغنى أَن عدم الحكم مَذْهَب الشَّافِعِي قَالَ وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا لِأَن الشَّهَادَة مصدر فَلَا بُد من الْإِتْيَان بِفِعْلِهَا الْمُشْتَقّ مِنْهَا وَهَذِه دَعْوَى مُجَرّدَة قَالَ وَلِأَن فِيهَا معنى لَا يحصل فِي غَيرهَا بِدَلِيل أَنَّهَا تسْتَعْمل فِي اللّعان وَلَا يحصل ذَلِك فِي غَيرهَا وَمرَاده من هَذِه الْأَلْفَاظ لِأَن لنا فِي اللّعان فِي إِبْدَال أشهد بأقسم أَو أَحْلف وَجْهَيْن وَهَذَا معنى حسن إِن شَاءَ الله تَعَالَى

وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَوضِع آخر الحكم بذلك عَن أَحْمد وَأَخذه من مناظرته لعَلي بن الْمَدِينِيّ وَأَن أَحْمد شهد بِالْجنَّةِ لكل من جعله الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من أَهلهَا فَقَالَ ابْن الْمَدِينِيّ أَقُول وَلَا أشهد فَقَالَ لَهُ أَحْمد إِذا قلت فقد شهِدت قَوْله وَرجل وَيَمِين الْمُدعى بِمَا ادَّعَاهُ وَإِن كَانَ كَافِرًا أَو امْرَأَة قَالَ حَنْبَل سَمِعت أَبَا عبد الله يَقُول فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين جَازَ الحكم بِهِ قيل لأبي عبد الله إيش معنى الْيَمين قَالَ قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِشَاهِد وَيَمِين شَهَادَة الشَّاهِد مَعَ الْيَمين

قَالَ أَبُو عبد الله وهم لَعَلَّهُم يقضون فِي مَوَاضِع بِغَيْر شَهَادَة شَاهد وَكَذَلِكَ نقل الْمروزِي وَأَبُو طَالب وَقَالَ هَارُون بن عبد الله سَمِعت أَبَا عبد الله يذهب إِلَى الْيَمين وَالشَّاهِد قيل لأبي عبد الله فِي المَال قَالَ فِي المَال وَقَالَ عَليّ بن زَكَرِيَّا قيل لأبي عبد الله شَهَادَة شَاهد وَيَمِين قَالَ فِي الْحُقُوق قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا اللَّفْظ يعم جَمِيع الْحُقُوق وَكَذَلِكَ قَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ نَحن نَذْهَب إِلَى شَهَادَة وَاحِد فِي الْحُقُوق وَيَمِينه انْتهى كَلَامه وَقَالَ عَليّ بن سعيد سَأَلت أَحْمد عَن الشَّاهِد الْوَاحِد مَعَ الْيَمين قَالَ فِي الْحُقُوق جَائِز وَقَالَ الْأَثْرَم سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن رجل ادّعى وَجَاء بِشَاهِد وَلَيْسَ الْمُدَّعِي بِعدْل أيحلف مَعَ شَاهده قَالَ نعم قلت لأبي عبد الله إِنَّمَا هَذَا فِي الْأَمْوَال خَاصَّة فَقَالَ نعم فِي الْأَمْوَال خَاصَّة وَقَالَ مُوسَى بن سعيد وَقد روى عَن أَحْمد قَول عَمْرو بن دِينَار فِي الْأَمْوَال قَالَ أَحْمد بن حَنْبَل وَهَكَذَا أَقُول فِي الْأَمْوَال والحقوق وَقَالَ لَهُ أَبُو طَالب تذْهب إِلَى الشَّاهِد وَالْيَمِين قَالَ نعم فِي الْحُقُوق وَقَالَ لَهُ أَبُو الْحَارِث فَإِن كَانَ الشَّاهِد عدلا وَالْمُدَّعى غير عدل قَالَ فَإِن كَانَ غير عدل أَو كَانَت امْرَأَة أَو رجل من أهل الذِّمَّة يَهُودِيّ أَو نَصْرَانِيّ أَو مَجُوسِيّ إِذا ثَبت لَهُ شَاهد وَاحِد حلف وَأعْطى مَا ادّعى وَإِنَّمَا الحكم فِيهِ هَكَذَا وَلَيْسَ يقوم الْيَمين مقَام الشَّاهِد هَذَا حكمه وَقَالَ لَهُ أَحْمد بن الْقَاسِم أَنْت لَا تقبل شَهَادَته فَكيف تقبل يَمِينه قَالَ وَلم شهد هُوَ لنَفسِهِ إِنَّمَا الحَدِيث شَاهد مَعَ يَمِين الطَّالِب فَنحْن نعمل بِهِ وَكَذَا نقل غَيره وَهَذَا قَول أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم مَالك وَالشَّافِعِيّ لما روى

ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قضى بِيَمِين وَشَاهد رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَهُوَ فِي السّنَن من وُجُوه قَالَ ابْن عبد الْبر عَن حَدِيث ابْن عَبَّاس لَا مطْعن لأحد فِي إِسْنَاده وَلَا خلاف بَين أهل الْمعرفَة فِي صِحَّته قَالَ وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَغَيرهمَا حسان وروى الْخلال من رِوَايَة عبد الرَّحْمَن بن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن جده أَن عمر كَانَ يقْضِي بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِد الْعدْل وَيَقُول قضى بذلك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَاللَّيْث والأندلسيون من أَصْحَاب مَالك وَغَيرهم لَا تقبل وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قصَّة خُزَيْمَة وقصة أبي قَتَادَة وقصة ابْن مَسْعُود فِي قَوْله رَأَيْته يذكر الْإِسْلَام تَنْبِيها بِلَا يَمِين وَقد قَالَ الْيَمين حق للمستحلف وَللْإِمَام فَلهُ أَن يُسْقِطهَا وَهَذَا أحسن انْتهى كَلَامه وَيُوَافِقهُ مَا ذكره القَاضِي فِي بحث الْمَسْأَلَة قَالَ فَإِن قيل مَا ذهبتم إِلَيْهِ يُؤدى إِلَى أَن يثبت الْحق بِشَاهِد وَاحِد قيل هَذَا غير مُمْتَنع كَمَا قَالَه الْمُخَالف فِي الْهلَال فِي الْغَيْم وَفِي الْقَابِلَة وَهُوَ ضَرُورَة أَيْضا لِأَن الْمُعَامَلَات تكْثر وتتكرر فَلَا يتَّفق فِي كل وَقت شَاهِدَانِ انْتهى كَلَامه وَهُوَ يدل على أَن الْيَمين لَيست كشاهد آخر وَهُوَ مخرج على مَا إِذا رَجَعَ الشَّاهِد هَل يضمن الْجَمِيع أَو النّصْف وَلِهَذَا قَالَ القَاضِي فِي بحث الْمَسْأَلَة وَاحْتج يَعْنِي الْخصم بِأَنَّهُ لَو كَانَ يَمِين الْمُدعى كشاهد آخر لجَاز لَهُ أَن يقدمهُ على الشَّاهِد الَّذِي عِنْده كَمَا لَو كَانَ عِنْده شَاهِدَانِ جَازَ أَن يقدم أَيهمَا شَاءَ وَالْجَوَاب أَنا لَا نقُول إِنَّهَا بِمَنْزِلَة شَاهد آخر وَلِهَذَا يتَعَلَّق الضَّمَان بِالشَّاهِدِ وَإِنَّمَا اعتبرناها احْتِيَاطًا وقاسها على احْتِيَاط الْحَنَفِيَّة بِالْحَبْسِ مَعَ شَاهد الْإِعْسَار وَيَمِين الْمُدعى مَعَ الْبَيِّنَة على الْغَائِب

وَالصَّبِيّ وَالْمَجْنُون وَقَالَ أَيْضا إِنَّمَا يحلفهُ الْحَاكِم بعد أَن تثبت عَدَالَة الشَّاهِد عِنْده وَذكر القَاضِي أَيْضا أَن لَا تقدم الْيَمين على الشَّاهِد جعله مَحل وفَاق كَمَا لَا يقدم فِي الْبَيِّنَة على الْغَائِب قَوْله وَلَا يشْتَرط أَن يَقُول فِيهَا وَأَن شَاهِدي هَذَا صَادِق فِي شَهَادَته وَقطع بِهِ القَاضِي ضمن الْمَسْأَلَة وَعَلِيهِ يدل كَلَام الْأَصْحَاب لظَاهِر مَا تقدم وكسائر من أحلفناه فَإِنَّهُ لَا يشْتَرط أَن يَقُول فِي يَمِينه ذَلِك قَوْله وَقيل يشْتَرط لِأَن الشَّاهِد هُنَا حجَّة ضَعِيفَة وَلِهَذَا لم نكتف بِهِ فاشتراط أَن يَقُول فِي يَمِينه ذَلِك تَقْوِيَة لَهُ واحتياطا كَمَا اشْترطت الْيَمين مَعَه قَوْله وَلَا يقبل امْرَأَتَانِ وَيَمِين مَكَان رجل وَيَمِين وَكَذَا قطع بِهِ القَاضِي وَلم يُخرجهُ من الْمَذْهَب قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقطع بِهِ أَيْضا أَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهمَا فِي كتب الْخلاف وَنَصره فِي الْمُغنِي وَغَيره لِأَنَّهُ انْضَمَّ ضَعِيف إِلَى ضَعِيف فَلَا يحكم بِهِ كَمَا لَو شهد أَربع نسْوَة أَو حلف الْمُدعى يمينين فَإِنَّهُ مَحل وفَاق مَعَ مَالك وَغَيره ذكره القَاضِي وَغَيره فِي الْمُغنِي بِالْإِجْمَاع قَوْله وَقيل يقبل لِأَن الْمَرْأَتَيْنِ فِي المَال مقَام رجل وَهُوَ مَذْهَب مَالك قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يَقْتَضِيهِ كَلَام أَحْمد يَعْنِي مَا نَقله ابْن صَدَقَة

سُئِلَ أَحْمد عَن الرجل يُوصي بأَشْيَاء لأقاربه وَيعتق وَلَا يحضر إِلَّا النِّسَاء هَل تجوز شَهَادَتهنَّ قَالَ نعم تجوز شَهَادَتهنَّ فِي الْحُقُوق وَذكر ابْن حزم أَنهم اخْتلفُوا فِي شَهَادَة امْرَأَة مَعَ يَمِين الطَّالِب وَدون يَمِينه قَوْله وَهل يقبل الرجل والمرأتان أَو الشَّاهِد وَالْيَمِين فِي الْعتْق قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق يثبت الْعتْق بِشَاهِد وَيَمِين فِي أصح الرِّوَايَتَيْنِ وعَلى قِيَاسه الْكِتَابَة وَالْوَلَاء نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا وَقَالَ أَيْضا نَص على الشَّاهِد وَالْيَمِين فِي قدر الْعِوَض الَّذِي وَقع الْعتْق عَلَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَار الْخرقِيّ وَأبي بكر انْتهى كَلَامه لِأَن الشَّارِع متشوف إِلَيْهِ وَذكر فِي المغنى أَن القَاضِي قَالَ الْمَعْمُول عَلَيْهِ فِي الْمَذْهَب أَن هَذَا لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين ذكرين وَذكر ابْن عقيل أَنه ظَاهر وَنَصره فِي المغنى وَنَصره جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب غير الرِّوَايَة الأولى وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد مِنْهُ ويطلع عَلَيْهِ الرِّجَال أشبه الْعُقُوبَات وَعَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَة ثَالِثَة تقبل فِيهِ شَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ قَول جمَاعَة مِنْهُم أَصْحَاب الرَّأْي لِأَن ذَلِك لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ أشبه المَال قَوْله وَالْوكَالَة فِي المَال والإيصاء إِلَيْهِ تبع فِيهِ القَاضِي وَغَيره قَالَ القَاضِي لِأَنَّهَا إِن لم تكن مَالا فَإِنَّهَا تَتَضَمَّن التَّصَرُّف فِي المَال وَالدَّلِيل كَمَا تقدم وَقد نقل عَنهُ البرزاطي فِي الرجل يُوكل وَكيلا وَيشْهد على نَفسه رجلا وَامْرَأَتَيْنِ إِن كَانَت الْوكَالَة بمطالبة بدين فَأَما غير ذَلِك فَلَا وَقَالَ فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد عَنهُ لَا يقبل قَوْله إِن وصّى حَتَّى يشْهد الْمُوصى رجلَانِ عَدْلَانِ أَو رجل عدل

قَالَ القَاضِي فَظَاهر هَذَا قبُول الشَّاهِد وَالْيَمِين فِي الْوَصِيَّة وَالْوكَالَة وَكَلَام جمَاعَة يقتضى أَنه لَا فرق بَين الْوكَالَة فِي المَال وَغَيره والإيصاء إِلَيْهِ فِيهِ وَغَيره بل صَرِيح كَلَام بَعضهم وَأَنه هَل يقبل فِي ذَلِك وَامْرَأَتَانِ أَو شَاهد وَيَمِين أَو لَا يقبل إِلَّا رجلَانِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين نَصه فِي الْوكَالَة فرق فِيهِ بَين الْوكَالَة بِمَال وَبَين الْوكَالَة بِغَيْرِهِ وَأما الْوَصِيَّة فقد أطلق فِيهَا رجل عدل وَتقدم نَصه أَيْضا أَنه يقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء منفردات فقد يُقَال لَا يفْتَقر فِي هَذَا إِلَى يَمِين لِأَنَّهُ لَا خصم جَاحد فِيهِ لَا فِي الْحَال وَلَا فِي الِاسْتِقْبَال وَهُوَ يشبه الْقَتْل لاسْتِحْقَاق السَّلب وتحليف الْوَصِيّ فِيهِ نظر لِأَنَّهُ لَا يجر بِهَذَا إِلَى نَفسه مَنْفَعَة بِخِلَاف الْمُوصى لَهُ وَقد قبل النَّاس شَهَادَة رَجَاء بن حَيْوَة بالعهد إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز وَهُوَ وَحده وَمَا زَالَ الْوُلَاة يرسلون الْوَاحِد فِي الْولَايَة والعزل وَقَالَ أَيْضا وعَلى طَريقَة أَصْحَابنَا فِي الْبَيِّنَة هُوَ الشَّاهِد الْوَاحِد وَإِنَّمَا الْيَمين احْتِيَاط فَهَذَا يقتضى شَيْئَيْنِ أَحدهمَا أَنه لَا يحْتَاج إِلَيْهَا إِلَّا إِذا كَانَ ثمَّ معَارض وَفِي دَعْوَى السَّلب لَا معَارض وعَلى هَذَا يخرج حَدِيث أبي قَتَادَة وَالثَّانِي أَنه لَو كَانَ الْحق لصبي أَو مَجْنُون لم يحْتَج إِلَى يَمِين وَفِي هَذَا نظر إِلَّا إِذا كَانَ على ميت أَو صبي أَو مَجْنُون وَلَعَلَّ حَدِيث خُزَيْمَة بن ثَابت يخرج على هَذَا وَنَصّ أَحْمد فِي الْوَصِيَّة أَو رجل عدل ظَاهر هَذَا أَنه يقبل فِي الْوَصِيَّة شَهَادَة رجل وَاحِد وَقَالَ عقيب رِوَايَة ابْن صَدَقَة فِي شَهَادَة النِّسَاء فِي الْوَصِيَّة ظَاهر هَذَا أَنه أثبت الْوَصِيَّة بِشَهَادَة النِّسَاء على الِانْفِرَاد إِن لم يحضرهُ الرِّجَال قَالَ القَاضِي الْمَذْهَب فِي هَذَا كُله أَنه لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين انْتهى كَلَامه وَقَالَ ابْن عقيل عقيب رِوَايَة ابْن صَدَقَة وَهَذَا يشْهد لَهُ من أَصله قَوْله تقبل شَهَادَة أهل

الذِّمَّة على الْوَصِيَّة فِي السّفر انْتهى كَلَامه وَوجه رِوَايَة الْقبُول بِأَنَّهُ عقد لَا يفْتَقر فِي صِحَّته إِلَى الشَّهَادَة فَهُوَ كعقد البيع قَالَ القَاضِي فِي بحث الْمَسْأَلَة وَلَا يلْزم الْقَضَاء لِأَنَّهُ قد يجوز أَن يثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ إِذا كَانَت ولَايَته خَاصَّة فِي المَال فَادّعى أَنه قَاض فَأنكرهُ أهل ذَلِك الْبَلَد وَأقَام شَاهدا وَامْرَأَتَيْنِ قبل ذَلِك وَالْخلاف فِيمَا إِذا كَانَت الْوكَالَة بعوض وَبِغير عوض سَوَاء ونسلم أَن الْأَجَل وَخيَار الشَّرْط يثبت بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ جعله مَحل وفَاق وَلِأَنَّهُ يُوكل فِي اسْتِيفَاء حق فَتثبت الْوكَالَة لَهُ بِمَا يثبت بِهِ ذَلِك الْحق كَالْوكَالَةِ بِعقد النِّكَاح وَالْحَد وَالْقصاص وَاحْتج بِهِ القَاضِي وَسلم لَهُم أَن الْوكَالَة بِالنِّكَاحِ وَالطَّلَاق وَالْقصاص وَالْحُدُود لَا تثبت إِلَّا بذكرين قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي وَاحْتج بَعضهم بِأَنَّهَا ولَايَة فَلم تثبت إِلَّا بِشَاهِدين كولاية الْقَضَاء قَالَ الفاضي الْوكَالَة لَيست ولَايَة بل استنابة وَأما الْقَضَاء فَهُوَ يتَضَمَّن مَا يثبت بِشَاهِد وَامْرَأَتَيْنِ وَهُوَ المَال وَمَا يثبت بِشَاهِدين وَهُوَ الْحُقُوق وَعقد النِّكَاح وَالْوكَالَة الْمُخْتَلف فِيهَا هِيَ المتضمنة لِلْمَالِ حسب قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقَضَاء وَإِن كَانَ فِي المَال فَقَط فَهُوَ مُتَضَمّن الْإِلْزَام والعقوبة بِالْحَبْسِ وَنَحْوه وَالْوكَالَة لَا تَتَضَمَّن إِلَّا مُجَرّد الْقَبْض وَمَعْلُوم أَن الْمُدعى لَو ادعِي الْملك ليثبت هُوَ ولوازمه فوكالة الْمَالِك أخف من دَعْوَى الْملك لِأَن أَحَق الْوَكِيل دون حق الْمَالِك فَإِذا ثَبت الْكل فجزؤه أولى بِخِلَاف القَاضِي فَإِنَّهُ يثبت لَهُ مَالا يثبت للْمَالِك قَوْله وَدَعوى قتل الْكَافِر لاسْتِحْقَاق سلبه

ذكر القَاضِي فِي هَذِه الرِّوَايَتَيْنِ نقل حَنْبَل عَن أَحْمد فِيمَن قتل قَتِيلا فَأَقَامَ شَاهدا ويمينا لم يجز وَقَالَ القَاضِي ظَاهر كَلَامه فِيمَا روينَا عَنهُ قبُول ذَلِك فِي السَّلب لِأَنَّهُ يتَضَمَّن إِثْبَات مَال فَهُوَ كَمَا لَو شهد رجل وَامْرَأَتَانِ بِسَرِقَة ثَبت الْغرم دون الْقطع وَقد ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة الشَّيْخ موفق الدّين فِي الْجِهَاد فَقَالَ قَالَ أَحْمد لَا يقبل إِلَّا شَاهِدَانِ وَقَالَت طَائِفَة من أهل الحَدِيث يقبل شَاهد وَيَمِين لِأَنَّهَا دَعْوَى فِي المَال وَيحْتَمل أَن يقبل شَاهد بِغَيْر يَمِين لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبل قَول الَّذِي شهد لأبي قَتَادَة من غير يَمِين وَوجه الأول أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اعْتبر الْبَيِّنَة وإطلاقها ينْصَرف إِلَى شَاهِدين وَلِأَنَّهَا دَعْوَى للْقَتْل فَاعْتبر شَاهِدَانِ لدعوى قتل الْعمد انْتهى كَلَامه قَوْله وَدَعوى الْأَسير إسلاما سَابِقًا لمنع رقّه قَالَ القَاضِي إِذا ثَبت أَن إِسْلَام الْأَسير لَا يمْنَع الرّقّ فَادّعى إسلاما سَابِقًا وأظهره لم تقبل دَعْوَاهُ إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ يَدعِي إِسْقَاط الرّقّ وَالْأَصْل بَقَاؤُهُ وَإِن أَقَامَ شَاهدا وَاحِدًا وَخلف مَعَه فالمنصوص عَنهُ أَنه يقبل ذَلِك وَلَا يسترق فَقَالَ فِي رِوَايَة أبي الْحَارِث فِيمَن أَخذ علجا فَقَالَ كنت أسلمت قبل أَن تأخذوني أَسِيرًا لم يقبل مِنْهُ وَإِن شهد لَهُ من أسره من الْمُسلمين أَنه قد كَانَ أسلم قبل أَن يُؤْخَذ قبلت شَهَادَته مَعَ يَمِين الْمُدعى فَلَا تقبل وَكَذَلِكَ إِن شهد عبد وَحلف مَعَه أَو شهِدت امْرَأَة وَحلف مَعهَا نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أبي طَالب إِذا قَالَ إِنَّمَا كنت مُسلما لم يصدق فَإِن شهد لَهُ رجل قبل مَعَ يَمِينه وَإِن شهِدت

امْرَأَة أَيْضا قبلت شهادتها وَإِن شهد صبي لم تقبل شَهَادَته وَكَذَلِكَ نقل يَعْقُوب بن بختان وَإِذا قَالَ قد أسلمت وَشهد رجل من الأسرى جَازَت شَهَادَته مَعَ يَمِين الْمُدعى وَكَذَلِكَ إِن شهِدت لَهُ امْرَأَة وَعبد مُسلم وَاسْتدلَّ القَاضِي بِحَدِيث عبد الله بن مَسْعُود أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ يَوْم بدر لَا يبْقى مِنْهُم أحد إِلَّا أَن يفدى أَو تضرب عُنُقه فَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود إِلَّا سُهَيْل بن بَيْضَاء فَإِنِّي سمعته يذكر الْإِسْلَام فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا سُهَيْل رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَقَالَ القَاضِي يجوز أَن يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم استحلفه وَلم يَنْقُلهُ الرَّاوِي وَكَذَلِكَ ذكر أَن عمر دَرأ الْقَتْل عَن الهرمزان بِشَهَادَة رجل لَهُ بِالصَّلَاةِ وَلَيْسَ فِيهِ استحلاف وَعلله القَاضِي بِأَنَّهُ قد يتَعَذَّر إِقَامَة الْبَيِّنَة الْكَامِلَة فِي دَار الْحَرْب على إِسْلَامه فَجَاز أَن يقبل فِيهِ شَهَادَة رجل وَشَهَادَة امْرَأَة كَمَا أجَاز الإِمَام أَحْمد شَهَادَة أهل الذِّمَّة على وَصِيَّة الْمُسلمين فِي السّفر إِذا لم يُوجد مُسلم وَكَذَلِكَ قَالَ فِي السَّبي إِذا ادعوا نسبا وَأَقَامُوا الْبَيِّنَة من الْكفَّار قبلت فِي رِوَايَة حَنْبَل وَصَالح وَإِبْرَاهِيم وَلم تقبل فِي رِوَايَة عبد الله وَأبي طَالب وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْأَسير إِذا ادّعى إسلاما سَابِقًا يرجع إِلَى شَاهد الْحَال فَإِنَّهُ لم يكن مَعَه سلَاح قبل مِنْهُ وَلم يقتل وَإِن كَانَ مَعَه سلَاح قتل نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة إِبْرَاهِيم لِأَن الدَّعْوَى قد ترجح بِالظَّاهِرِ وكما قُلْنَا فِي تداعي الزَّوْجَيْنِ قَالَ وَبنى الْمُخَالف هَذَا على أَن الْحُرِّيَّة لَا تثبت بِشَاهِد وَيَمِين لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَا الْمَقْصُود مِنْهُ المَال وَهَذِه الدَّعْوَى تَتَضَمَّن الْحُرِّيَّة قَالَ وَنحن نبنيها على ذَلِك الأَصْل وَأَن الْحُرِّيَّة تثبت بِشَاهِد وَيَمِين على الصَّحِيح من الرِّوَايَتَيْنِ وَهِي اخْتِيَار الْخرقِيّ وَفِيه رِوَايَة أُخْرَى لَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين فعلى هَذَا وبيض فِي التَّعْلِيق

الْجَدِيد وَكَانَ قبل هَذَا قد قَالَ وَإِن قُلْنَا لَا تثبت الْحُرِّيَّة إِلَّا بِشَاهِدين فَإِنَّهَا هُنَا تثبت من طَرِيق الحكم كَمَا تثبت الْولادَة بِشَهَادَة النِّسَاء وتتضمن ثُبُوت النّسَب وَإِن لم يثبت النّسَب بِشَهَادَة النِّسَاء ثمَّ قَالَ وَإِذا قُلْنَا لَا تثبت إِلَّا بِشَاهِدين لم يثبت الْإِسْلَام هُنَا إِلَّا بِشَاهِدين انْتهى كَلَامه وَرِوَايَة الشَّاهِدين فِي الْمَسْأَلَة قَول الشَّافِعِيَّة وَقطع الشَّيْخ موفق الدّين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجَمَاعَة فِي رُءُوس الْمسَائِل بِشَاهِد وَيَمِين مِنْهُم الشريف وَأَبُو الْخطاب وَقَالَ هَذِه الْمَسْأَلَة مَبْنِيَّة على أَن الْحُرِّيَّة تثبت بِشَاهِد وَيَمِين قَالَ غير وَاحِد عقب الْمَرْأَة وَحدهَا فنص على قبُول شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فِي الْإِسْلَام وَقَالَ ابْن عقيل فَهَذِهِ الرِّوَايَة إِن لم يَقع لنا فِيهَا حَدِيث يكون الإِمَام أَحْمد ذهب إِلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهَا قَوْله وَجِنَايَة الْعمد وَالْخَطَأ الَّتِي لَا قَود فِيهَا بِحَال أم لَا على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا تقبل ذكر فِي الْكَافِي أَنه ظَاهر الْمَذْهَب وَقَول الْخرقِيّ وَقطع بِهِ القَاضِي فِي غير مَوضِع وَقدمه غير وَاحِد لِأَنَّهَا لَا توجب إِلَّا المَال أشبهت البيع وَالثَّانيَِة لَا يقبل إِلَّا رجلَانِ وَهُوَ قَول أبي بكر وَابْن أبي مُوسَى لِأَنَّهَا جِنَايَة فَأَشْبَهت مَا يُوجب الْقصاص وَالْفرق ظَاهر وَكَلَام بَعضهم يَقْتَضِي الْفرق بَين جِنَايَة الْخَطَأ وَجِنَايَة الْعمد وَإِن كَانَ مُوجبهَا المَال قَوْله فَإِن قُلْنَا بِالْقبُولِ فِي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة فَفِيمَا إِذا كَانَ الْقود فِي بَعْضهَا كالمأمومة والهاشمة رِوَايَتَانِ

إِحْدَاهمَا يقبل وَيثبت المَال قطع بِهِ غير وَاحِد لِأَن هَذِه الشَّهَادَة وَالْجِنَايَة توجب المَال والقود فَإِذا قصرت عَن أَحدهمَا ثَبت الآخر وَالثَّانيَِة لَا تقبل وَلَا يثبت المَال لِأَنَّهَا لما بطلت فِي الْبَعْض بطلت فِي الْجَمِيع وَهَذِه الْمَسْأَلَة تشبه مَسْأَلَة من أَقَامَ بَيِّنَة بِسَرِقَة لَا تثبت بهَا هَل يثبت المَال وفيهَا قَولَانِ كهذه الْمَسْأَلَة وَسوى أَبُو الْخطاب بَينهمَا قَاطعا بِثُبُوت المَال وَكَذَا غَيره وَقد فرق المُصَنّف بَينهمَا فَأطلق فِي هَذِه الْخلاف وَقطع بِثُبُوت المَال هُنَاكَ وَقَالَ ابْن عبد الْقوي فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَا يجْتَمع فِيهِ قصاص ودية كشجة مَا فَوق الْمُوَضّحَة كالهاشمة لَا تقبل فِي الأولى كمردودة فِي جَمِيع مَا شهد بِهِ فِي بعضه وَقَالَ فِي مَسْأَلَة إِذا شهد بقتل الْعمد رجل وَامْرَأَتَانِ لقَائِل أَن يَقُول لم لَا يجب الْقصاص أَولا يجب المَال وَلَا يجب الْقصاص كالوجهين فِيمَا إِذا شهد اثْنَان أَو رجل وَامْرَأَتَانِ بالهاشمة أَو المأمومة وَنَحْوه فِيمَا فِيهِ مَال بقود وموضحة كَذَا قَالَ قَوْله وَمَا عدا ذَلِك إِلَى قَوْله خَاصَّة تَوْجِيه ذَلِك يعرف مِمَّا تقدم وَتقدم الْكَلَام فِي الْإِيصَاء وَالتَّوْكِيل فِي غير مَال وَقد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي فِي تَعْلِيقه فِي ضمن مَسْأَلَة تَعْدِيل الْمَرْأَة هَذَا مَبْنِيّ على أَن شَهَادَة النِّسَاء هَل تقبل فِيمَا لَا يقْصد بِهِ المَال ويطلع

عَلَيْهِ الرِّجَال كَالنِّكَاحِ وَفِيه رِوَايَتَانِ فَجعل الرِّوَايَتَيْنِ عامتين فِي هَذَا الصِّنْف حَتَّى أدرج فِيهِ التَّزْكِيَة إِذا قُلْنَا هِيَ شَهَادَة انْتهى كَلَامه وَقَالَ القَاضِي فِي الْمُجَرّد عَن نَص الإِمَام أَحْمد على قبُول شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فِي الْإِسْلَام يخرج من هَذَا أَن كل تعقد لَيْسَ من شَرط صِحَّته الشَّهَادَة كَالْوَصِيَّةِ سَوَاء كَانَت فِي المَال أَو بِالنّظرِ وَالْوكَالَة وَالْكِتَابَة فَإِنَّهُ يثبت بِشَهَادَة رجل وَامْرَأَتَيْنِ وبشاهد وَيَمِين لِأَنَّهُ لَا يفْتَقر إِلَى الشَّهَادَة فَجَاز أَن يثبت بذلك كَالْبيع وَذكر أَبُو الْخطاب فِي الْمَسْأَلَة شَهَادَة الْقَابِلَة أَنه إِذا شهد أَرْبَعَة على رجل بِالزِّنَا فَادّعى أَنه غير مُحصن فَشهد رجل وَامْرَأَتَانِ بإحصانه فانه يرْجم وَإِن لم يكن للنِّسَاء مدْخل فِي الشَّهَادَة بِالْحَدِّ قَوْله وَقبل فِي معرفَة الْمُوَضّحَة وداء الدَّابَّة وَغَيرهمَا طَبِيب وبيطار وَاحِد إِذا لم يُوجد غَيره نَص عَلَيْهِ كَذَا قطع بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة جمَاعَة من الْأَصْحَاب مِنْهُم صَاحب الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي لِأَنَّهُ مِمَّا يعسر عَلَيْهِ إِشْهَاد اثْنَيْنِ فَقبل فِيهِ قَول الْوَاحِد كالرضاع وَنَحْوه وَلِأَنَّهُ إِذا أمكن إِشْهَاد اثْنَيْنِ اعْتبر لِأَنَّهُ الأَصْل قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أَحْمد بن مَنْصُور كل مَوضِع يضْطَر النَّاس إِلَيْهِ مثل الْقَابِلَة تجوز فِيهِ شَهَادَة الطَّبِيب وَحده وَقَالَ أَيْضا إِذا كَانَ فِي مَوضِع يضْطَر إِلَيْهِ إِذا لم يكن إِلَّا طَبِيب وَاحِد وبيطار جَازَ إِذا كَانَ ثِقَة وَقَالَ أَيْضا يجوز

قَول بيطار وَاحِد وَلم يُقَيِّدهُ بضرورة وَلَا حَاجَة قَوْله وَمن أَتَى بِرَجُل وَامْرَأَتَيْنِ أَو شَاهد وَيَمِين فِيمَا يُوجب الْقود لم يثبت بِهِ قَود وَلَا مَال قطع بِهِ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَجَمَاعَة من الْأَصْحَاب وعللوا ذَلِك بِأَن الْقَتْل يُوجب الْقصاص وَالْمَال بدل مِنْهُ فَإِذا لم يثبت الأَصْل لم يجب بدله وَإِن قُلْنَا مُوجبَة أحد شَيْئَيْنِ لم يتَعَيَّن أَحدهمَا إِلَّا بِالِاخْتِيَارِ فَلَو أَوجَبْنَا الدِّيَة وَحدهَا أَوجَبْنَا معينا وَقد تقدم كَلَام ابْن عبد الْقوي فِي قَوْله فَإِن قُلْنَا بِالْقبُولِ فِي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة وَقد علل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ غير معِين قَالَ وَهَذَا التَّعْلِيل أَنما يجِئ فِي بعض الصُّور إِذا كَانَ على الْعَاقِلَة قَوْله وَعنهُ يثبت المَال إِن كَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا نقلهَا ابْن مَنْصُور قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لاخْتِلَاف الْمُسْتَحق فِي العَبْد كَمَا فِي الْحُدُود والحقوق لَكِن فِي الْوَاجِب أَحدهمَا وَهُنَاكَ جميعهما كَمَا أَن فِي الْقود شَيْئَيْنِ لَو أَخذ فَهِيَ أَرْبَعَة أَقسَام لِأَنَّهُ إِمَّا الِاثْنَان أَو أَحدهمَا على الْبَدَل لوَاحِد أَو لاثْنَيْنِ لَكِن إِن كَانَ الحقان لاثْنَيْنِ متلازمين كالخلع لم يقبل وَإِن كَانَا غير متلازمين كالقطع والتعزيز قبلت فَصَارَت خَمْسَة انْتهى كَلَامه وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا الْمَوْجُودين فِي هَذَا الزَّمَان إِن تَعْلِيل الرِّوَايَة بإختلاف الْمُسْتَحق فِيهِ نظر قَالَ وَإِنَّمَا وَجههَا أَن العبيد أَمْوَال هَذَا هُوَ الأَصْل وَالْمَقْصُود بهم وَإِن قُلْنَا بالقود بِخِلَاف الْأَحْرَار انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر أَيْضا وَذكر ابْن عبد الْقوي هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ وَعنهُ يثبت المَال إِن كَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ رَقِيقا للْمُدَّعِي لأوليائه نقلهَا ابْن مَنْصُور وَلم يعللها وَقَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى

وَعنهُ إِن كَانَ الْمَجْنِي عَلَيْهِ عبدا أَو حرا أَولا قَود فِيهِ ثَبت المَال قَوْله وَمن أَتَى بذلك فِي سَرقَة ثَبت لَهُ المَال دون الْقطع تقدّمت فِي قَوْله فَإِن قُلْنَا بالقود فِي الْجِنَايَة الْمَذْكُورَة وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَلقَائِل أَن يَقُول وَلم لَا يثبت الْقطع تبعا لثُبُوت السّرقَة كمايثبت رجم الْمُحصن تبعا لثُبُوت الاحصان بِاثْنَيْنِ انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا يلْزم من ثُبُوت الْأَدْنَى وَهُوَ المَال بشاهده ثُبُوت الْحَد وَهُوَ الْأَعْلَى مَعَ عدم شَاهده وَهُوَ انتفاؤه بِالشُّبْهَةِ وَالرَّجم لم يثبت تبعا وَإِنَّمَا ثَبت بِشُهُود الزِّنَا وشاهدى الْإِحْصَان وَالسَّرِقَة لم تثبت وَلِهَذَا قَالَ أَبُو الْخطاب فِي هَذِه الْمَسْأَلَة تثبت شَهَادَتهنَّ فِي أَخذ مَال مُطلق لَا أَخذ يُوجب الْحَد قَوْله وَإِن أَتَى بذلك رجل فِي خلع ثَبت لَهُ الْعِوَض لِأَنَّهُ يَدعِي مَالا كَمَا يثبت مِقْدَار عوضه وَالْمهْر بهَا إِذا اخْتلفَا فِيهَا قَوْله فَأَما الْبَيْنُونَة فَتثبت بِمُجَرَّد دَعْوَاهُ لإِقْرَاره بهَا قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَقيل بل بذلك قَوْله وَإِن أَتَت بذلك امْرَأَة ادَّعَت الْخلْع لم يثبت بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد مِنْهُ بِخِلَاف دَعْوَى الزَّوْج فَإِن قَصده عوضه لقدرته على مفارقتها بِالطَّلَاق

قَوْله وَإِن أَتَى بذلك رجل ادّعى على آخر بِيَدِهِ أمة لَهَا ولد أَنَّهَا أم وَلَده وَأَن وَلَدهَا وَلَده حكم لَهُ بالأمة لِأَنَّهُ يَدعِي ملكهَا لِأَن أم الْوَلَد مَمْلُوكَة لَهُ وَقد أَقَامَ بَيِّنَة كَافِيَة فِي الْملك قَوْله وَأَنَّهَا أم وَلَده أما حكم ثُبُوت الِاسْتِدْلَال فواضع لَكِن هَل حصل بقول الْبَيِّنَة أَو بِإِقْرَارِهِ ظَاهر كَلَام غير وَاحِد أَنه حصل بقول الْبَيِّنَة وَصرح بَعضهم بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرَاد وَأَنه إِنَّمَا حصل بِإِقْرَارِهِ وَقطع بِهِ فِي الْمُغنِي لِأَن الْمُدَّعِي مقرّ بِأَن وَطأهَا كَانَ فِي ملكه وَإِقْرَاره يثبت فِي ملكه قَوْله وَفِي ثُبُوت حريَّة الْوَلَد وَنسبه مِنْهُ رِوَايَتَانِ أَي من مدعيه وَللشَّافِعِيّ أَيْضا قَولَانِ أَحدهمَا يثبت لِأَن الْوَلَد نَمَاء الْجَارِيَة وَقد ثبتَتْ لَهُ وَمن ثَبت لَهُ الْعين لَهُ نماؤها زَاد بَعضهم فِي تعليلها ثمَّ يثبت نِسْبَة وحريته بِإِقْرَارِهِ وَالثَّانيَِة لَا يثبت نَصره فِي الْمُغنِي بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَدعِي حُرِّيَّته وَنسبه وَهَذِه الْبَيِّنَة لَا تصلح لإِثْبَات ذَلِك فعلى هَذَا يبْقى الْوَلَد فِي يَد الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مَمْلُوكا لَهُ قَوْله وَقيل يثبت نسبه بِدَعْوَاهُ وَإِن بقيناه للْمُدَّعى عَلَيْهِ احْتِيَاطًا للنسب مَعَ أَنه لَا ضَرَر على أحد فِيهِ وَهُوَ مَنْفَعَة للْوَلَد قَوْله ومالا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كعيوب النِّسَاء تَحت الثِّيَاب والبكارة والثيوبة والولادة وَالْحيض وَالرّضَاع وَنَحْوه تقبل فِيهِ امْرَأَة

لَا بُد من عَادَة أَو غَالِبا قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره وَهُوَ صَحِيح وَهَذَا هُوَ الْمَنْصُوص فِي الْمَذْهَب وَذكر القَاضِي أَنه أصح الرِّوَايَتَيْنِ وَأَن الإِمَام أَحْمد نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور تجوز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الاستهلال وَالْحيض وَالْعدة وَفِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء وَكَذَلِكَ نقل أَبُو طَالب عَنهُ تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة بالاستهلال هَذَا ضَرُورَة وَيقبل فِي الرَّضَاع امْرَأَة وَاحِدَة وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ هُوَ مَوضِع ضَرُورَة لَا يحضرهُ الرِّجَال وَنَصّ فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن سعيد على قبُول شَهَادَة امْرَأَة فِي الاستهلال وَقَالَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن سعيد وَغَيره الشَّهَادَة شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الرَّضَاع قَوْله وَعنهُ يفْتَقر إِلَى امْرَأتَيْنِ قَالَ حَنْبَل قَالَ عمي يجوز فِي الاستهلال شَهَادَة امْرَأتَيْنِ صالحتين وَقَالَ الْفضل بن عبد الصَّمد سَمِعت أَبَا عبد الله وَسُئِلَ عَن شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِي الرَّضَاع وَهل تُرِيدُ الْإِضْرَار قَالَ لَا تقبل شهادتها وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي شَهَادَة السَّوْدَاء كَيفَ وَقد قيل وَقَالَ مهنا سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا فِي استهلال الصَّبِي فَقَالَ لَا تجوز شهادتها وَحدهَا وَقَالَ لي أَحْمد بن حَنْبَل قَالَ أَبُو حنيفَة تجوز شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا وَإِن كَانَت يَهُودِيَّة أَو نَصْرَانِيَّة وَسَأَلت أَحْمد هُوَ كَمَا قَالَ أَبُو حنيفَة فَقَالَ أَنا لَا أَقُول لَا تجوز شَهَادَة وَاحِدَة عَلَيْهِ فَكيف أَقُول بيهودية وَهَذِه الرِّوَايَة قَول مَالك لِأَن كل جنس يثبت بِهِ الْحق يَكْفِي فِيهِ اثْنَان كالرجال قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَعَن أَحْمد مَا يَقْتَضِي أَن قبُول الْوَاحِدَة إِنَّمَا هُوَ إِذا

لم يكن غَيرهَا وَقَوله فِي رِوَايَة أبي طَالب تقبل شَهَادَة الْقَابِلَة بالإستهلال هَذِه ضَرُورَة يدل عَلَيْهِ وَذكر القَاضِي عِنْد مَسْأَلَة تَعْدِيل الْوَاحِد أَنه تجوز شَهَادَة الطَّبِيب فِي الْجراحَة وكل مَوضِع يضْطَر إِلَيْهِ فِيهِ مثل الْقَابِلَة إِذا لم يكن إِلَّا طَبِيب وَاحِد أَو بيطار وَاحِد وَمُقْتَضى هَذَا أَنه فِي الْعُيُوب الَّتِي تَحت الثِّيَاب إِن وجد امْرَأَتَانِ وَإِلَّا اكْتفى بِوَاحِدَة كَمَا فِي البيطار انْتهى كَلَامه وَذكر أَيْضا أَن القَاضِي جعل الشَّرْط فِي ذَلِك دون الْقَابِلَة وَقد تقدم وَجه هَذَا وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْفُنُون وَهُوَ قَول فِي الرِّعَايَة لَا تقبل فِي الْولادَة شَهَادَة امْرَأَة حَاضِرَة بَدَلا من الْقَابِلَة بل يخْتَص ذَلِك بالقابلة لِأَنَّهَا تتولى ذَلِك بِنَفسِهَا وتعمله بِيَدِهَا وَأَن الطِّفْل خرج من هَذِه الْمَرْأَة وَعَن الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله التَّوَقُّف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ صَالح قلت لأبي تجوز شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال قَالَ فِيهَا اخْتِلَاف كثير قلت إِلَى أَي شئ تذْهب قَالَ دعها وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يقبل فِي ذَلِك إِلَّا رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَوَافَقَ على الْولادَة وروى ذَلِك عَن عمر رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور بِإِسْنَاد فِيهِ ضعف وَانْقِطَاع وَقَالَ تَعَالَى 2 282 {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} الْآيَة وَقَالَ الشَّافِعِي لَا يقبل من النِّسَاء أقل من أَربع لِأَن كل امْرَأتَيْنِ كَرجل وَلنَا مَا تقدم من قبُول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شَهَادَة أمة فِي الرَّضَاع وَعَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْبَيْلَمَانِي عَن أَبِيه عَن ابْن عمر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ مَا يجوز من الشُّهُود فِي الرَّضَاع قَالَ رجل أَو امْرَأَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ إِسْنَاد ضَعِيف وَقد اخْتلف فِي مَتنه وروى المدايني عَن الْأَعْمَش عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أجَاز شَهَادَة الْقَابِلَة وَعَن على أَنه أجَاز شَهَادَة الْقَابِلَة وَحدهَا فِي الاستهلال رَوَاهُ أَحْمد وَسَعِيد

من رِوَايَة جَابر الْجعْفِيّ وَلِأَن هَذِه شَهَادَة على عَورَة فَقبل فِيهَا شَهَادَة النِّسَاء منفردات فَقبل فِيهِ شَهَادَة امْرَأَة كالخبر قَالَ أَبُو الْخطاب وَاحْتج يَعْنِي الْخصم بِأَنَّهَا شَهَادَة على الْولادَة فَلم يقبل فِيهَا امْرَأَة كَمَا لَو ادَّعَت الْمُطلقَة الْبَائِن أَنَّهَا ولدت وَجحد الْمُطلق فَشَهِدت امْرَأَة بولادتها فَإِنَّهُ لَا يقبل ذَلِك وَلَا يلْحق النّسَب بالمطلق كَذَلِك هُنَا فِي مَسْأَلَتنَا قَالُوا وَكَذَلِكَ لَو علق طَلاقهَا بِالْولادَةِ فَشَهِدت امْرَأَة بِالْولادَةِ وَكَذَلِكَ إِذا شهِدت باستهلال الْوَلَد لَا يقبل مِنْهَا فِي الْإِرْث قُلْنَا لَا نسلم جَمِيع ذَلِك ونقول يثبت النّسَب وَيَقَع الطَّلَاق وَيسْتَحق الْمِيرَاث ذكره شَيخنَا وَقَالَ هُوَ ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَأبي طَالب وَهُوَ مَذْهَب أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَإِنَّمَا سلمه أَبُو حنيفَة وَقَالَ إِنَّمَا يثبت قَول الْقَابِلَة فِي الْولادَة وَيثبت الْوَلَد بالفراش فَإِذا زَالَ الْفراش بالبينونة لم يثبت النّسَب وَفِي الطَّلَاق وَالْمِيرَاث لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين أَو شَاهد وَامْرَأَتَيْنِ يَشْهَدَانِ بِالْولادَةِ ثمَّ أفرد أَبُو الْخطاب مَسْأَلَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبت النّسَب إِلَّا أَن يكون النِّكَاح قَائِما أَو يكون الْحمل ظَاهرا ويقر بالحبل وَلَا يقبل فِي الاستهلال وَالطَّلَاق إِلَّا شَهَادَة رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَكَذَا ذكر القَاضِي الْمَسْأَلَة وَالْخلاف مَعَ أبي حنيفَة وَقَالَ فَلَا يجوز أَن يُقَال ثَبت هُنَاكَ بِإِقْرَارِهِ وبظهور الْحمل لِأَن هَذَا الْإِقْرَار والظهور لَا عِبْرَة بِهِ بِدَلِيل أَنه لَا يَصح اللّعان عَلَيْهِ وَلَا الْإِقْرَار بِهِ لِأَنَّهُ يصير تعلقا بِشَرْط وَمن الْحجَّة قَول عَليّ السَّابِق لِأَن هَذِه حجَّة تَامَّة فِي ثُبُوت الْولادَة فَيثبت بهَا ذَلِك كَرجل وَامْرَأَتَيْنِ وَهَذَا لِأَن ثُبُوت النّسَب يَتَرَتَّب على ثُبُوت الْولادَة فِي حَال قيام النِّكَاح بِلَا خلاف فرتب على ثُبُوتهَا مَعَ بَقَاء حكم النِّكَاح وَهُوَ الْعدة كَمَا لَو كَانَ ثُبُوت الْولادَة برجلَيْن

فصل

فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ أَصْحَابنَا والاثنتان أحوط وَلَيْسَ الرجل أحوط من الْمَرْأَة جعله القَاضِي مَحل وفَاق انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَبُو الْخطاب فَإِن قيل فَلم قُلْتُمْ إِن الِاثْنَيْنِ أحوط فَأجَاب لِلْخُرُوجِ من الْخلاف قَالَ فَأَما الْحجَّة فالواحدة وَالْجَمَاعَة فِيهِ سَوَاء فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين حَدِيث أبي مسروعة فِي الْأمة الشاهدة بِالرّضَاعِ يسْتَدلّ بِهِ على شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة وعَلى شَهَادَة الْأمة وعَلى أَن الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وعَلى أَن الشَّهَادَة بِالرّضَاعِ الْمُطلق تُؤثر حملا للفظ الْمُطلق على مَاله قدر انْتهى كَلَامه فصل روى الْخلال عَن الإِمَام أَحْمد أَنه قَالَ وَسُئِلَ هَل تجوز شَهَادَة امْرَأَة فِي الاستهلال وَالْحيض وَالْعدة والسقط وَالْحمام كل مَالا يطلع عَلَيْهِ إِلَّا النِّسَاء تجوز شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة إِذا كَانَت ثِقَة وَنَصّ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه على قبُول شَهَادَة الْمَرْأَة فِي الْحمام يدْخلهُ النِّسَاء بَينهُنَّ جراحات وَقَالَ حَنْبَل قَالَ عمي وَلَا تجوز إِلَّا فِيمَا لَا يرَاهُ الرِّجَال وَوجه ابْن عقيل عدم قبُول شَهَادَة الصّبيان فِي الْجراح فِي الصَّحرَاء بِأَن قَالَ لِأَنَّهُ لَو قبل لأجل الْعذر لقبل شَهَادَة النِّسَاء بَعضهنَّ على بعض فِي الْجراح فِي الحمامات بل حمام النِّسَاء لَا يدْخلهُ رجل قطّ والصحراء قد لَا تَخْلُو من رجل فَلَو جَازَ هُنَا لعذر لجَاز فِي شَهَادَة النِّسَاء فِي تجارحهن فِي الحمامات

وَقَالَت الْمَالِكِيَّة وَإِحْدَى الرِّوَايَات عَن أَحْمد إِن الْجراحَة تَدْعُو إِلَى قبُول شَهَادَتهم فِي هَذَا الْموضع كَمَا دعت الْحَاجة إِلَى قبُول شَهَادَة النِّسَاء منفردات فِي الْولادَة لِأَنَّهُنَّ يخلون بهَا قَالُوا وَلِهَذَا قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي الْمَرْأَة تشهد على مَالا يحضرهُ الرِّجَال من إِثْبَات إهلال الصَّبِي وَفِي الْحمام يدْخلهُ النِّسَاء فَيكون بَينهُنَّ الْجِرَاحَات قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن مَسْأَلَة شَهَادَة الصّبيان الْجَواب أَنه لَيْسَ الْعَادة أَن الصّبيان يخلون فِي الأهداف أَن يكون مَعَهم رجل بل لَا بُد أَن يكون مَعَهم من يعلمهُمْ أَو ينظر إِلَيْهِم فَلَا حَاجَة تَدْعُو إِلَى قبُول شَهَادَتهم على الِانْفِرَاد ثمَّ نقُول إِذا كَانَ الشَّخْص على صفة لَا تقبل شَهَادَته لم يجز قبُولهَا وَإِن لم يكن هُنَاكَ غَيره أَلا ترى أَن النِّسَاء يَخْلُو بَعضهنَّ بِبَعْض فِي المواسم والحمامات وَرُبمَا يجني بَعضهنَّ على بعض وَلَا تقبل شَهَادَة بَعضهنَّ على بعض على الإنفراد وَكَذَلِكَ قطاع الطَّرِيق والمحبسون بهَا لَا تقبل شَهَادَة بَعضهم على بعض وَإِن لم يكن مَعَهم غَيرهم قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصُّورَة الَّتِي اسْتشْهد بهَا قد نَص الإِمَام أَحْمد على خلاف مَا قَالَه لكنه مُلْحق وعَلى الْمَنْصُوص هُنَا أَن كل مجمع للنِّسَاء لَا يحضرهُ الرِّجَال لَا تقبل شَهَادَتهنَّ فِيهِ كَالشَّهَادَةِ على الْولادَة وَلَيْسَ بَين هَذَا وَبَين ماسلمه القَاضِي وَغَيره فرق إِلَّا أَن الْمَشْهُود بِهِ فِي الْحمام وَنَحْوهَا لَا يَقع غَالِبا بِخِلَاف الاستهلال وَنَحْوه فَإِنَّهُ يَقع غَالِبا وَلَا يشهده إِلَّا النِّسَاء وَلِهَذَا فرق الْمَالِكِيَّة بَين الصّبيان وَالنِّسَاء بِأَن الصّبيان اجْتِمَاعهم مَظَنَّة الْقِتَال بِخِلَاف النِّسَاء وَأَيْضًا فان الاستهلال وَنَحْوه هُوَ جنس لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وجراح الْحمام وَنَحْوهَا جنس يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال وَإِنَّمَا كَونه فِي الْحمام هُوَ الَّذِي منع الِاطِّلَاع وَهَذَا نَظِير نَص أَحْمد على قبُول شَهَادَة البيطار والطبيب وَنَحْوه للضَّرُورَة فَصَارَت الضَّرُورَة

مُؤثر فِي الْجِنْس وَفِي الْعدَد فَيتَوَجَّه على هَذَا أَن تقبل شَهَادَة المعروفين بِالصّدقِ وَإِن لم يَكُونُوا ملتزمين للحدود عِنْد الضَّرُورَة مثل الْحَبْس وحوادث الْبر وَأهل الْقرْيَة الَّذين لَا يُوجد فيهم عدل وَله أصُول أَحدهَا شَهَادَة أهل الذِّمَّة فِي الْوَصِيَّة إِذا لم يكن مُسلم وشهادتهم على بَعضهم فِي قَول الثَّانِي شَهَادَة النِّسَاء فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال الثَّالِث شَهَادَة الصّبيان فِيمَا لَا يشهده الرِّجَال وَيظْهر ذَلِك بمحتضر فِي السّفر إِذا حضر إثنان كَافِرَانِ وَاثْنَانِ مسلمان مصدقان ليسَا بملازمين للحدود وَاثْنَانِ مبتدعان فهذان خير من الْكَافرين والشروط الَّتِي فِي الْقُرْآن إِنَّمَا هِيَ شُرُوط التَّحَمُّل لَا الْأَدَاء وَقد ذكر القَاضِي هَذَا الْمَعْنى فِي مَسْأَلَة شَهَادَة أهل الْكتاب على الْوَصِيَّة فَقَالَ لما قَاس على شَهَادَة النِّسَاء منفردات فَقَالَ الضَّرُورَة قد تُؤثر فِي الشَّهَادَات بِدَلِيل شَهَادَة النِّسَاء على الإنفراد فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال فَإِن قيل الْأُنُوثَة لَا تُؤثر فِي الدّين وَفِي الْعَدَالَة وَهَذَا يُؤثر فِي الْعَدَالَة فِيمَا قد اعْتبرت فِيهِ قيل لَا يمْنَع أَن يسْقط اعْتِبَارهَا لأجل الضَّرُورَة كَمَا قَالُوا الْعَدَالَة مُعْتَبرَة فِي ولَايَة النِّكَاح فَسقط اعْتِبَارهَا بِالضَّرُورَةِ وَهُوَ إِذا كَانَ الْأَب كَافِرًا وَالْبِنْت مسلمة جَازَ أَن يُزَوّجهَا لِأَنَّهَا حَال ضَرُورَة وفقد الْعَدَالَة لَيْسَ بِأَكْثَرَ من فقد الصّفة فِي الشَّهَادَة وَهَذَا يجوز مَعَ الضَّرُورَة كالذكورية هِيَ شَرط فِي الشَّهَادَة وَتسقط عِنْد الضَّرُورَة وَهِي فِي الْحَال الَّتِي لَا يطلع عَلَيْهَا الرِّجَال قَوْله وَالرجل فِيهِ كَالْمَرْأَةِ وَفِي عبارَة جمَاعَة كَأبي الْخطاب وَالشَّيْخ موفق الدّين أَنه أولى لكماله وَلِأَن مَا قبل فِيهِ قَول الرِّجَال كالرواية

باب الشهادة على الشهادة والرجوع عن الشهادة

بَاب الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَالرُّجُوع عَن الشَّهَادَة قَوْله لَا تجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة إِلَّا فِي حق يقبل فِيهِ كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي أما جَوَاز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَذكره فِي الْمُغنِي بِالْإِجْمَاع وَقَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة أبي طَالب إِنَّهَا لَا تجوز فِي الْحُدُود وَتجوز فِي الْحُقُوق قَالَ لَيْسَ تخْتَلف النَّاس فِي هَذَا وَذَلِكَ لِأَن الْحَاجة دَاعِيَة إِلَيْهَا فانها لَو لم تقبل لبطلت الشَّهَادَة على الْوُقُوف وَمَا يتَأَخَّر ثُبُوته عِنْد الْحَاكِم ثمَّ يَمُوت أَو يَمُوت شُهُوده وَفِي ذَلِك ضَرَر ومشقة فَوَجَبَ الْقبُول كشهود الأَصْل وَنصب القَاضِي وَأَصْحَابه الْخلاف فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ دَاوُد فَإِنَّهُ قَالَ لَا تجوز الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَتقبل فِي المَال وَمَا يقْصد مِنْهُ المَال عِنْد الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَهل يخْتَص القَوْل فِي ذَلِك كَقَوْل أبي بكر وَابْن حَامِد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فِي قَول لِأَنَّهُ لَا يثبت إِلَّا بِشَاهِدين أَو لَا يخْتَص فَيقبل فِي الْجَمِيع كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَول وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد أَصْحَابه لعُمُوم الدَّلِيل فِي ذَلِك أَولا يقبل فِي حد الله وَيقبل فِيمَا سواهُ قدمه غير وَاحِد وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ لِأَن حد الله مَبْنِيّ على السّتْر والدرء بِالشُّبُهَاتِ بِخِلَاف غَيره أَولا يقبل فِي النّسَب وَالْحَد وَيقبل فِيمَا عدا ذَلِك فِيهِ رِوَايَتَانِ وَذكر فِي الْمُغنِي أَن الدَّم كالحد وَنصر أَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهمَا أَن الدَّم كالأموال وَذكر القَاضِي وَغَيره أَن الْحَد رِوَايَة وَاحِدَة فِي عدم الْقبُول وَرِوَايَة الْقبُول ذكرهَا فِي الافصاح وَالرِّعَايَة وَغَيرهَا وَقد قَالَ جَعْفَر بن مُحَمَّد سَمِعت أَبَا عبد الله يسْأَل عَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فَقَالَ جَائِزَة

قَوْله وَلَا يحكم بهَا إِلَّا إِن تعذر شَهَادَة شُهُود الأَصْل بِمَوْت أَو مرض أَو غيبَة زَاد فِي المغنى وَغَيره أَو خوف من السُّلْطَان أَو غَيره وَهَذَا قَول الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة لِأَن الْأَدْنَى لَا يقبل مَعَ الْقُدْرَة على الْأَقْوَى وكسائر الْإِبْدَال وَقَالَ ابْن عبد الْقوي مَعَ ذَلِك أحبس وَفِي مَعْنَاهُ الْجَهْل بمكانهم وَلَو فِي الْمصر انْتهى كَلَامه وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد تقبل شَهَادَة حَاضر فِي الْمصر وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مُتَوَجّه على قَوْلنَا إِن شَهَادَة الْفَرْع خبر وَلَو كَانَ الأَصْل فِي الْمجْلس لم تقبل الْفُرُوع ذكره يَعْنِي القَاضِي مَحل وفَاق وَقد علل يَعْنِي القَاضِي بالمشقة على شُهُود الأَصْل فِي الْحُضُور وَهَذَا تَتَعَدَّد أَسبَابه قَالَ يَعْنِي القَاضِي وَيحْتَمل أَن نعتبر سفرا تقصر فِيهِ الصَّلَاة وَيحْتَمل أَن لَا يعْتَبر ذَلِك وَتجوز مَعَ الْغَيْبَة القصيرة لِأَن مشقة السّفر الْقصير أَكثر من مشقة الْمَرِيض الْمُقِيم فِي الْبَلَد انْتهى كَلَامه قَوْله إِلَى مَسَافَة الْقصر قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَرجحه غير وَاحِد وَهُوَ قَول الثَّلَاثَة لِأَن مادونه فِي الْحَاضِر قَوْله وَقيل إِلَى مَسَافَة لَا تتسع للذهاب وَالْعود فِي الْيَوْم الْوَاحِد ذكره القَاضِي فِي مَوضِع وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَأَبُو حَامِد وَالشَّافِعِيّ للْمَشَقَّة فِي ذَلِك بِخِلَاف مادون الْيَوْم وَفِي الْمَسْأَلَة قَول آخر تقدم

فصل

قَوْله وَعنهُ لَا يحكم بهَا حَتَّى يَمُوت الْأُصُول نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد وَغَيره إِذا كَانَ حَيا وَهُوَ غَائِب لم يشْهد على شَهَادَته إِلَّا أَن يكون موتا لِأَنَّهُ لَا يُؤمن أَن يتَغَيَّر عَن حَاله لما يحدث من الْحَوَادِث انْتهى كَلَامه وروى عَن الشّعبِيّ قَوْله فعلى الأولى إِن شهد الْفُرُوع فَلم يحكم حَتَّى حضر الْأُصُول أَو صحوا وقف حكم الْحَاكِم على سَمَاعه مِنْهُم لِأَنَّهُ قدر على الأَصْل قبل الْعَمَل بِالْبَدَلِ فَأشبه الْمُتَيَمم يقدر على المَاء قَوْله وَإِن حدث فيهم مالو حدث فِيمَن أَقَامَ الشَّهَادَة منع الحكم بهَا مَنعه هَهُنَا هَذَا قَول الحنيفة وَهُوَ ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة جَعْفَر بن مُحَمَّد الْمَذْكُورَة قَالَه القَاضِي لإن الحكم مَبْنِيّ عَلَيْهَا كشهود الْفَرْع وَغَيرهم فصل وإنكار شُهُود الأَصْل يمْنَع قبُول شَهَادَة شُهُود الْفَرْع ذكره القَاضِي وَغَيره مَحل وفَاق وَكَذَلِكَ احْتج الْمُخَالف فِي الرِّوَايَة لِأَنَّهُ لَو شهد شَاهِدَانِ على شَهَادَة شَاهِدين فَقَالَ شَاهدا الأَصْل لَا نذْكر ذَلِك وَلَا نَحْفَظهُ لم يجز للْحَاكِم أَن يحكم بِشَهَادَتِهِمَا كَذَلِك الْخَبَر وَكَذَلِكَ الْحَاكِم إِذا ادّعى رجل أَنه قضى لَهُ بِحَق على فلَان وَلم يذكر القَاضِي فأحضر الْمُدَّعِي بَيِّنَة على حكمه لم يرجع إِلَيْهَا كَذَلِك هَهُنَا

قَالَ القَاضِي وَالْجَوَاب أَنا لَا نسلم هَذَا فِي القَاضِي بل نقُول يرجع وَأما شُهُود الْفَرْع فإننا لم نسْمع شَهَادَتهم لِأَن الشَّهَادَة أغْلظ حكما وأشق طَرِيقا من الْخَبَر قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين القَوْل فِي الشُّهُود كالقول فِي الْحُكَّام والمحدثين مُتَوَجّه قَوْله وَلَا يجوز لشاهد الْفَرْع أَن يشْهد إِلَّا أَن يسترعيه شَاهد الأَصْل نَقله مُحَمَّد بن الحكم وَغَيره وَقَالَ فِي رِوَايَة الْمَيْمُونِيّ لَا تجوز شَهَادَة على شَهَادَة إِلَّا أَن يشهدك فَأَما إِذا سَمعه يتحدث فَإِنَّمَا هُوَ حَدِيث وَنقل ابْن مَنْصُور قلت للآمام أَحْمد قَالَ ابْن أبي ليلى السّمع سمْعَان إِذا قَالَ سَمِعت فلَانا أجزته وَإِذا قَالَ سَمِعت فلَانا يَقُول سَمِعت فلَانا لم يجزه كَانَ هَذَا شَهَادَة على شَهَادَته لم يشْهد عَلَيْهِ قَالَ مَا أحْسنه وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا لِأَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهَا معنى النِّيَابَة والنيابة بِغَيْر إِذن لَا تجوز وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَن يكون لَهُ فِي تحمله عذر فَلم يشْهد مَعَ الِاحْتِمَال بِخِلَاف الاسترعاء فانه لَا يكون إِلَّا على وَاجِب وَخرج ابْن عقيل هَذِه الْمَسْأَلَة على شَهَادَة المستخفي قِيَاسا فَقَالَ فِي الْفُصُول وَهَذَا يخرج على مَا قدمنَا فِي شَهَادَة المستخفي وَوَجهه أَن هَذَا ينْقل شَهَادَته وَلَا يَنُوب عَنهُ لِأَنَّهُ لَا يشْهد مثل شَهَادَته وَإِنَّمَا ينْقل شَهَادَته وَقَالَ ابْن حمدَان وَإِن شهد عدل عِنْد حَاكم فعزل فَهَل الْحَاكِم الْمَعْزُول يصير فرعا على الشَّاهِد يحْتَمل وَجْهَيْن قَالَ الْمُغنِي فَإِن قيل فَلَو سمع رجلا يَقُول لفُلَان على ألف دِرْهَم جَازَ أَن يشْهد بذلك فَكَذَا هَذَا قُلْنَا الْفرق بَينهمَا من وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن الشَّهَادَة تحْتَمل الْعلم وَلَا يحْتَمل الْإِقْرَار ذَلِك

الثَّانِي أَن الْإِقْرَار أوسع فِي لُزُومه من الشَّهَادَة بِدَلِيل صِحَّته فِي الْمَجْهُول وَأَنه لَا يُرَاعى فِيهِ الْعدَد بِخِلَاف الشَّهَادَة وَلِأَن الْإِقْرَار قَول الْإِنْسَان على نَفسه وَهُوَ غير مُتَّهم عَلَيْهَا فَيكون أقوى مِنْهَا وَلِهَذَا لَا تسمع الشَّهَادَة فِي حق الْمقر وَلَا يحكم بهَا قَوْله فَيَقُول أشهده على شهادتي بِكَذَا قَالَ فِي الْمُغنِي فَأَما إِن قَالَ أشهد أَنِّي أشهد على فلَان بِكَذَا فالأشبه أَنه يجوز أَن يشْهد على شَهَادَته وَهُوَ قَول أبي يُوسُف لِأَن معنى ذَلِك اشْهَدْ على شهادتي أَنِّي أشهد لِأَنَّهُ إِذا قَالَ أشهد فقد أمره بِالشَّهَادَةِ وَلم يسترعه وَمَا عدا هَذِه الْمَوَاضِع لَا يجوز أَن يشْهد فِيهَا على الشَّهَادَة انْتهى كَلَامه وَفِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أشهد على أَنِّي أشهد وَقَالَ فِي الرِّعَايَة فَيَقُول أشهدك أَو أشهد على شهادتي أَنِّي أشهد لزيد على عَمْرو بِكَذَا أَو أَنِّي أشهد لَهُ عَلَيْهِ بِكَذَا أَو أَنه عِنْدِي طَوْعًا بِكَذَا أَو أشهد بِهِ عَلَيْهِ إِلَى أَن قَالَ فان سَمعه فَرعه يَقُول أشهد لَهُ عَلَيْهِ بِكَذَا لم يشْهد على شَهَادَته بِهِ أَو قَالَ أشهدني فلَان بِكَذَا أَو عِنْدِي شَهَادَته عَلَيْهِ بِكَذَا أَو لفُلَان على فلَان كَذَا أَو شهِدت عَلَيْهِ بِهِ أَو أقرّ عِنْدِي بِهِ فَوَجْهَانِ أقواهما مَنعه قَالَ وَإِن سَمعه خَارج مجْلِس الحكم يَقُول عِنْدِي شَهَادَة لزيد أَو أشهد بِكَذَا لم يصر فرعا قَالَ فِي الْمُغنِي وَلَو قَالَ شَاهد الأَصْل أَنا أشهد أَن لفُلَان على فلَان ألفا فاشهد بِهِ أَنْت عَلَيْهِ لم يجز أَن يشْهد على شَهَادَته لِأَنَّهُ مَا استرعاه بِشَهَادَة فَيشْهد عَلَيْهَا وَلَا هُوَ شَاهد بِالْحَقِّ لِأَنَّهُ ماسمع الِاعْتِرَاف بِهِ مِمَّن هُوَ عَلَيْهِ وَلَا شَاهد بِسَبَبِهِ

فصل

فصل قَالَ فِي الْكَافِي وَيُؤَدِّي الشَّهَادَة على الصّفة الَّتِي تحملهَا فَيَقُول أشهد أَن فلَانا يشْهد أَن لفُلَان على فلَان كَذَا وأشهدني على شَهَادَته وَإِن سَمعه يشْهد عِنْد الْحَاكِم أَو يَعْزُو الْحق إِلَى سَببه ذكره قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَيَقُول أشهد على شَهَادَة فلَان عِنْد الْحَاكِم بِكَذَا أَو يَقُول أشهد على شَهَادَته بِكَذَا وَأَنه عزاهُ إِلَى وَاجِب فيؤدى على حسب مَا تحمل فَإِن لم يؤدها على ذَلِك لم يحكم بهَا الْحَاكِم وَقَالَ فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَيشْتَرط أَن يُؤَدِّي شَاهد الْفَرْع إِلَى الْحَاكِم مَا تحمله على صفته وكيفيته وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْفَرْع يَقُول أشهد على فلَان أَنه يشْهد لَهُ أَو أشهد على شَهَادَة فلَان بِكَذَا فَإِن ذكر لفظ المسترعي فَقَالَ أشهد على فلَان أَنه قَالَ أشهد أَنِّي أشهد فَهُوَ أوضح فَالْحَاصِل أَن الشَّاهِد بِمَا يسمع تَارَة يُؤَدِّي اللَّفْظ وَتارَة يُؤَدِّي الْمَعْنى وَقَالَ أَيْضا وَالْفرع يَقُول أشهد أَن فلَانا يشْهد أَو بِأَن فلَانا يشْهد فَهُوَ أول رُتْبَة وَالثَّانيَِة أشهد عَلَيْهِ أَنه يشْهد أَو بِأَنَّهُ يشْهد وَالثَّالِثَة أشهد على شَهَادَته وَقَالَ فِي الرِّعَايَة ويحكي الْفَرْع صُورَة تحمله وَيَكْفِي الْعَارِف أشهد على شَهَادَة فلَان بِكَذَا وَالْأولَى أَن يَحْكِي مَا سَمعه أَو يَقُول شهد فلَان عِنْد الْحَاكِم بِكَذَا أَو أشهد أَن فلَانا أشهد على شَهَادَته بِكَذَا فرع فَإِن سمع شَاهدا يشْهد عِنْد حَاكم فَقَالَ آخر أشهد بِمثل مَا شهد بِهِ أَو قَالَ وَبِذَلِك أشهد أَو قَالَ وَكَذَلِكَ أشهد أَو قَالَ أشهد بِمَا وضعت بِهِ خطي وَلم يذكر وَقت الْأَدَاء مَا تحمله وَكتب بِهِ خطه فَقَالَ ابْن حمدَان يحْتَمل

أوجها الثَّالِث أَنه يَصح فِي كَذَلِك وَبِذَلِك فَقَط وَالْقَوْل بِالصِّحَّةِ فِي الْجَمِيع أولى قَوْله أَو يسمعهُ يشْهد بهَا عِنْد الْحَاكِم أَو يعزوها إِلَى سَبَب وُجُوبه من قرض أَو بيع وَنَحْوه فَيجوز وَعنهُ لَا يجوز بِدُونِ الاستبرعاء بِحَال مِنْهُم من يَحْكِي وَجْهَيْن وَمِنْهُم من يَحْكِي رِوَايَتَيْنِ وَرِوَايَة الْجَوَاز ذكر فِي الرِّعَايَة أَنَّهَا أشهر وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَنَّهُ يَزُول الِاحْتِمَال بذلك فَهُوَ كَمَا لَو استرعاه وَرِوَايَة الْمَنْع قطع بِهِ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة لما تقدم قَوْله سَوَاء شَهدا على كل وَاحِد مِنْهُمَا أَو شَهدا على كل شَاهد شَاهد نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْمروزِي وجعفر بن مُحَمَّد وَحرب وَحَكَاهُ أَيْضا إِجْمَاعًا قَالَ إِلَّا أَن أَبَا حنيفَة أنكرهُ لِأَن شَهَادَة شَاهِدي الأَصْل تجْرِي مجْرى الْإِقْرَار الْوَاحِد لِأَنَّهُمَا لَو كَانَا مجْرى الإقرارين من رجلَيْنِ لجَاز شَهَادَة أحد شَاهِدي الأَصْل مَعَ أَجْنَبِي على شَهَادَة الآخر وَإِذا ثَبت هَذَا فالإقرار الْوَاحِد اذا شهد عَلَيْهِ نفسان صَحَّ وَجَاز الحكم بِهِ وكما لَو شَهدا بِنَفس الْحق وَلِأَنَّهُم بدل فَاكْتفى بِمثل عدد الأَصْل قَوْله وَقَالَ ابْن بطة لَا تثبت إِلَّا بإربعة على كل أصل فرعان ذكره أَبُو حَفْص فِي تَعْلِيقه وَكَذَا حَكَاهُ غير وَاحِد وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَذكره فِي الْخُلَاصَة رِوَايَة عَن الإِمَام أَحْمد كَمَا لَا يثبت إِقْرَار مقرين بِشَهَادَة اثْنَيْنِ

يشْهد كل وَاحِد مِنْهُمَا على شَاهد وَاحِد وَلَا من ثَبت بِهِ أحد طرفِي الشَّهَادَة لَا يثبت بِهِ الطّرف الآخر كَمَا لَا يجوز أَن يكون شَاهد أصل فرعا مَعَ آخر على شَاهد أصل وَالْفرق ظَاهر قَوْله وَيتَخَرَّج أَن تكفى شَهَادَة فرعين بِشَرْط أَن يشهدَا على كل وَاحِد من الْأَصْلَيْنِ وَقطع بِهِ ابْن هُبَيْرَة عَن الإِمَام أَحْمد وَهُوَ ظَاهر مَا ذكره فِي الْمُغنِي وَالْكَافِي عَن ابْن بطة وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي القَوْل الآخر لِأَنَّهُ إِثْبَات حق آدَمِيّ بقول عَدْلَيْنِ فَهُوَ كَالشَّهَادَةِ على إِقْرَار نفسين وَقد قَالَ فِي رِوَايَة حَرْب لَا تجوز شَهَادَة رجل على شَهَادَة امْرَأَة قَالَ القَاضِي فقد منع أَن يكون شُهُود الأَصْل نسَاء فَأولى أَن يمْنَع أَن يكون شُهُود الْفَرْع نسَاء وَحملهَا أَبُو الْخطاب على أَنَّهَا لَا تقبل شَهَادَة الرجل حَتَّى يَنْضَم إِلَيْهِ غَيره قَالَ فَيخرج من هَذِه الرِّوَايَة أَنه لَا يَكْفِي شَاهد وَاحِد وَذكر القَاضِي رِوَايَة أُخْرَى أَنه تقبل شَهَادَة شَاهد من شُهُود الْفَرْع على شَاهِدي الأَصْل قَالَ فِي رِوَايَة حَرْب تقبل شَهَادَة رجل على شَهَادَة رجلَيْنِ وَذكر أَبُو الْحُسَيْن أَن القَوْل الأول الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَاحْتج لَهُ بِالْقِيَاسِ على أَخْبَار الديانَات ثمَّ قَالَ فَإِن قيل لَو كَانَ جَارِيا مجْرى الْخَبَر لجَاز أَن تقبل شَهَادَة شَاهد وَاحِد من شُهُود الْفَرْع على شَهَادَة شَاهِدي الأَصْل كَمَا يقبل خبر الْوَاحِد على اثْنَيْنِ قيل فِي ذَلِك رِوَايَتَانِ قَوْله وَلَا مدْخل للنِّسَاء فِي شُهُود الْفَرْع وَلَا فِي أصولهم

نَصره القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَنَصره أَصْحَابه أَيْضا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَلَا يقْصد مِنْهُ ويطلع عَلَيْهِ الرِّجَال أشبه الْقود وَالنِّكَاح وَلِأَن فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة ضعفا فَاعْتبر تقويتها بِاعْتِبَار الذكورية فِيهَا قَوْله وَعنهُ يدخلن فيهمَا نَصره فِي المغنى وَقدمه فِي الرِّعَايَة وَقيد جمَاعَة هَذِه الرِّوَايَة فِيمَا تقبل فِيهِ شَهَادَتهنَّ مَعَ النِّسَاء أَو منفردات وَحَكَاهُ فِي الرِّعَايَة قولا وَلَيْسَ كَذَلِك قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق إِن حَربًا نقل عَن الإِمَام أَحْمد مَا يَقْتَضِي هَذِه الرِّوَايَة فَقَالَ شَهَادَة امْرَأتَيْنِ على شَهَادَة امْرَأتَيْنِ تجوز قَالَ وَرَأَيْت فِي جَامع الْخلال أَن هَذَا قَول إِسْحَاق قَالَ شَهَادَة رجل على شَهَادَة امْرَأتَيْنِ جَائِز يحكم بِهِ فَلَا يُضَاف هَذَا إِلَى أَحْمد وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة لِأَن الْقَصْد من شَهَادَتهنَّ إِثْبَات الْحق فَكَانَ لَهُنَّ مدْخل كَالْبيع قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا قِيَاس الْمَذْهَب فِي الَّتِي قبلهَا بِنَاء على أَن الشَّهَادَة على الشَّهَادَة تجْرِي مجْرى الْخَبَر وَإِن ألحقناها بِثُبُوت حكم الْحَاكِم قوى الْمَذْهَب وَهَذَا مُتَوَجّه جدا فَإِن شَاهد الْفَرْع مسترعى كالحاكم انْتهى كَلَامه قَوْله وَعنهُ يدخلن فِي الْأُصُول دون الْفُرُوع وَهُوَ الْأَصَح هَذِه طَرِيقَته فِي الْكَافِي وَغَيره لأَنهم قدمُوا الدُّخُول فِي الْأُصُول وأطلقوا رِوَايَتَيْنِ فِي الْفُرُوع وَبِه قَالَ الشَّافِعِي لِأَنَّهَا شَهَادَة بِمَال بِخِلَاف شَهَادَتهنَّ فِي الْفُرُوع قَوْله فَإِذا شهد رجل وَامْرَأَتَانِ إِلَى آخِره

فرع

تَفْرِيع وَاضح على الرِّوَايَات فرع قَالَ القَاضِي وَلَو شهد على شَاهِدين بِأَن هَذِه الدَّار لزيد وعَلى آخَرين بِأَنَّهَا لعَمْرو صَحَّ ذكره مَحل وفَاق قَوْله وَلَا يجوز أَن يحكم بالفروع حَتَّى تثبت عدالتهم وعدالة أصولهم لِأَن الْحَاكِم يبْنى على شَهَادَتهمَا وَمُقْتَضى كَلَامه الِاكْتِفَاء بتعديل شُهُود الْفَرْع كغيرهم وَهُوَ صَحِيح وَذكر فِي الْمُغنِي أَنه لَا يعلم فِيهِ خلافًا وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَفِيه نظر وَوَجهه أَن فِيهِ تُهْمَة كَمَا لَا يزكّى فَفِيهِ فِي الشَّهَادَة قَوْله وَإِذا حكم ثمَّ رَجَعَ شَاهدا الْفَرْع ضمنا لِأَنَّهُمَا تسببا إِلَى إِتْلَافه بِشَهَادَة الزُّور فَأشبه مالو أتلفوه بِأَيْدِيهِم قَوْله وَلَو قَالَا لقد بَان لنا كذب الْأُصُول أَو غلطهم لم يضمنا شَيْئا وَفِي كَلَام بَعضهم إِشَارَة إِلَى هَذَا لِأَنَّهُمَا لم يفرطا وَلم يتسببا فِي إِتْلَافه وَلِأَنَّهُمَا لَو ضمنا فِي هَذِه الْحَال أفْضى إِلَى عدم الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَظَاهر كَلَام جمَاعَة الضَّمَان لِأَن إِتْلَافه حصل بِشَهَادَتِهِم كَالَّتِي قبلهَا والافتراق فِي الْكَذِب لَا يمْنَع الضَّمَان وَيعرف من كَلَامه أَنَّهُمَا لَو قَالَا لَا نعلم أَنهم كذبة أَو غالطون ضمنا وَصرح بِهِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ لِأَنَّهُ من حدث بِحَدِيث يرى أَنه كذب فَهُوَ أحد الْكَذَّابين وَكَذَلِكَ كل من شهد على أقرار أَو حكم يعلم أَنه بَاطِل وَإِن شهدُوا على عقد يعلمُونَ تَحْرِيمه انْتهى كَلَامه

قَوْله وَإِن رَجَعَ الْأُصُول فَقَالُوا كذبنَا أَو غلطنا ضمنُوا وَقدمه فِي الرِّعَايَة لِأَن الحكم مبْنى على شَهَادَتهم وَكَذَلِكَ تعْتَبر عدالتهم وَلِأَنَّهُم سَبَب فضمنوا كالمزكين قَوْله وَقيل لَا يضمنُون قدمه الشَّيْخ وَغَيره وَتبع أَبَا الْخطاب فِي ذكره احْتِمَالا بِالضَّمَانِ وَقطع بِهِ القَاضِي وَنصب الْخلاف مَعَ مُحَمَّد بن الْحسن بِحُصُول الْإِتْلَاف عقيب شَهَادَة الْفُرُوع كالمباشر مَعَ المتسبب قَوْله وَلَو قَالُوا مَا أشهدناهم بِشَيْء لم يضمن الْفَرِيقَانِ شَيْئا أما الْأُصُول فلعدم ثُبُوت ذَلِك عَلَيْهِم وَأما الْفُرُوع فَإِنَّهُ لَا تَفْرِيط مِنْهُم وَالْأَصْل صدقهم فَلَا ضَمَان قَوْله وَإِذا رَجَعَ شُهُود المَال بعد الحكم لم ينْقض سَوَاء قبض المَال أَو لم يقبض تَالِفا كَانَ أَو بَاقِيا قد أطلق فِي مَوَاضِع أَن الشَّاهِد يضمن وَلم يفرق بَين مَا قبل التّلف وَبعده قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَسَيَأْتِي فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين وَذكره القَاضِي مَحل وفَاق وَذكر فِي المغنى أَنه قَول أهل الْفتيا من عُلَمَاء الْأَمْصَار لِأَن حق الْمَشْهُود لَهُ قد وَجب فَلَا يَزُول إِلَّا بِبَيِّنَة أَو إِقْرَار وَلم يُوجد وَاحِد مِنْهُمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي كَلَام أَحْمد مَا ظَاهره أَنه ينْقض الحكم إِذا رجعا بعد الحكم ثمَّ إِن كَانَ المَال بَاقِيا أُعِيد وَإِن كَانَ تَالِفا ضمناه وَلَفظ رِوَايَة ابْن

مَنْصُور يَقْتَضِي ذَلِك فَإِنَّهُ قَالَ إِذا شهد شَهَادَة ثمَّ رَجَعَ عَنْهَا وَقد أتلف مَالا فَهُوَ ضَامِن لحصته فَإِنَّمَا أوجب الضَّمَان إِذا تلف المَال وَقَالَ الْأَثْرَم سَمِعت أَبَا عبد الله سُئِلَ عَن رجل قضى عَلَيْهِ بِشَهَادَة شَاهِدين فَرجع أحد الشَّاهِدين قَالَ يلْزمه وَيرد الحكم قيل لأبي عبد الله وَإِذا قضى لَهُ بِحَق بِشَهَادَة شَاهد وَيَمِين الْمُدَّعِي ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِد فَقَالَ إِذا تلف الشَّيْء كَانَ على الشَّاهِد لِأَنَّهُ إِنَّمَا ثَبت هَهُنَا بِشَهَادَتِهِ لَيْسَ الْيَمين من الشَّهَادَة فِي شَيْء فقد نَص على أَن يرد الحكم قَالَ إِذا تلف الشَّيْء كَانَ على الشَّاهِد وَقَالَ أَحْمد بن الْقَاسِم قلت لأبي عبد الله فَإِن رَجَعَ الشَّاهِد عَن الشَّهَادَة كم يغرم قَالَ المَال كُله لِأَنَّهُ شَاهد وحدة قضى بِشَهَادَتِهِ ثمَّ قَالَ لي كَيفَ قَول مَالك فِيهَا قلت لَا أحفظه قلت لَهُ بعد هَذَا الْمجْلس إِن مَالِكًا كَانَ يَقُول إِن رَجَعَ الشَّاهِد فَعَلَيهِ نصف الْحق لِأَنِّي إِنَّمَا حكمت بشيئين بِشَهَادَة وَيَمِين الطَّالِب فَلم أره رَجَعَ عَن قَوْله وَسَأَلته عَن رُجُوع الشُّهُود قبل الحكم وَبعده سَوَاء قَالَ لَا كَيفَ يكون سَوَاء وَقبل الحكم لم يَقع شَيْء وَلم يُؤْخَذ من الرجل شَيْء كَيفَ يكون هَذَا وَذَاكَ سَوَاء هَذَا قَائِم بعد بِحَالهِ فَعلم أَن الْمُوجب للضَّمَان بعد هَذَا فعل تلف المَال لَا مُجَرّد الحكم وَلَكِن جَوَابه بِأَن الضَّمَان جَمِيعه على الشَّاهِد دون المَال قد يظنّ أَنه لَا ضَمَان مَعَه على الطَّالِب فَلَا ينْقض الحكم لَكِن مَقْصُود أَحْمد أَن الشَّاهِد هُنَا يُطَالب بِجَمِيعِ الْمَشْهُود بِهِ بِخِلَاف مَا لَو كَانَا شَاهِدين فَإِنَّهُ إِذا رَجَعَ أَحدهمَا لم يُطَالب إِلَّا بِنصفِهِ وروى الْأَثْرَم عَن ابْن أبي شيبَة عَن وَكِيع قَالَ قَالَ سُفْيَان إِذا مضى الحكم جَازَت الشَّهَادَة وَيغرم الشَّاهِد إِذا رَجَعَ وَعَن ابْن أبي شيبَة عَن ابْن مهْدي وغندر عَن شُعْبَة عَن حَمَّاد قَالَ يرد الحكم ثمَّ ذكر نَص أَحْمد قَالَ يلْزمه وَيرد الحكم انْتهى كَلَامه

فرع

وَعَن ابْن الْمسيب وَالْأَوْزَاعِيّ ينْقض الحكم وَإِن استوفى الْحق كَمَا لَو تبين أَنَّهُمَا كَانَا كَافِرين قُلْنَا فِي الأَصْل لم يُوجد شَرط الحكم وَفِي الْفَرْع وجد ظَاهرا وَكَذَا بَاقِي الرُّجُوع قَوْله ويلزمهم الضَّمَان نَص عَلَيْهِ ذكره القَاضِي وَغَيره كَمَا تقدم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَذْهَب الْقَدِيم وَقَالَ فِي الْجَدِيد لَا ضَمَان عَلَيْهِمَا وَوَافَقَ فِي الْعتْق وَالطَّلَاق وَوجه قَوْلنَا أَن شَهَادَتهمَا صَارَت سَببا فِي الْإِتْلَاف وهما متعديان فِي السَّبَب فضمنا لمحل الْوِفَاق فرع ذكر القَاضِي أَنه لَو أقرّ الْمَشْهُود لَهُ بِالْعينِ للْمَشْهُود عَلَيْهِ بعد مَا حكم لَهُ بهَا الْحَاكِم فَإِنَّهَا تعود إِلَيْهِ على حكم ملك مُسْتَقْبل قَوْله وَلَا يلْزم من زكاهم شَيْء ذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِي مَسْأَلَة رُجُوع الْأُصُول لِأَن من زَكَّاهُ صَدَقَة مُحْتَمل وَإِنَّمَا كذبه فِي رُجُوعه فَلَا يلْزمهُم شَيْء مَعَ الشَّك قَوْله وَإِن رَجَعَ شُهُود الْعتْق غرموا الْقيمَة وَكَذَا لَو صدق العَبْد الشُّهُود فِي بطلَان الشَّهَادَة لم يرجع إِلَى الرّقّ لِأَن فِي الْحُرِّيَّة حَقًا لله تَعَالَى ذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِيهِ وَفِي الطَّلَاق

قَوْله وَإِن رَجَعَ شُهُود بِطَلَاق قبل الدُّخُول غرموا نصف الْمُسَمّى وفَاقا لأبي حنيفَة وَمَالك لَا مهر الْمثل وَلَا نصفه خلافًا لقولي الشَّافِعِي لِأَن خُرُوج الْبضْع من ملك الزَّوْج غير مُتَقَوّم بِدَلِيل مالو أخرجته من ملكه بردة أَو رضَاع وَقد ألزم الزَّوْج نصف الْمُسَمّى بِشَهَادَتِهِمَا فَرجع كَمَا يرجع بِهِ على من فسخ نِكَاحه قَوْله وَإِن كَانَ بعده لم يعزموا شَيْئا هَذَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب وفَاقا لأبي حنيفَة وَمَالك خلافًا للشَّافِعِيّ فِي ضَمَان مهر الْمثل لِأَنَّهُمَا لم يقررا على الزَّوْج شَيْئا وَلم يخرجَا من ملكه مُتَقَوّما كَمَا لَو أَخْرجَاهُ أَو غَيرهمَا برضاع أَو غَيره قَوْله وَعنهُ يغرمون الْمُسَمّى كُله فَإِن عدم فَمَا يلْزم الزَّوْج من مهر الْمثل لِأَنَّهُمَا فوتا عَلَيْهِ نِكَاحهَا كَمَا قبل الدُّخُول وَهَذِه الرِّوَايَة تدل على أَن الْمُسَمّى لَا يَتَقَرَّر بِالدُّخُولِ فَيرجع الزَّوْج على من فَوت عَلَيْهِ نِكَاحهَا برضاع أَو غَيره قَوْله وَإِن رَجَعَ شُهُود الْقود أَو الْحَد قبل الِاسْتِيفَاء لم يسْتَوْف هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَقطع بِهِ غير وَاحِد لِأَنَّهُ يدْرَأ بِالشُّبْهَةِ وَالْمَال يُمكن جبره والقود شرع للتشفى لَا للجبر فعلى هَذَا ذكره ابْن الزَّاغُونِيّ فِي الْوَاضِح أَن الْمَشْهُود عَلَيْهِ لَهُ الدِّيَة إِلَّا أَن نقُول الْوَاجِب الْقصاص حسب فَلَا يجب شَيْء قَوْله وَقيل يسْتَوْفى إِذا كَانَ لآدَمِيّ كَمَا فِي الْفسق الطارىء

على خلاف فِيهِ وَفرق بِأَن الشَّاهِد هُنَا يقر بِأَن شَهَادَته زور حِين شَهَادَته وَحين الحكم بهَا فَهُوَ أقوى فِي الشُّبْهَة لِأَن من طَرَأَ فسقه لَا يقر بِشَيْء من ذَلِك وَلَو أقرّ لم يتَحَقَّق صدقه فِي فسقه وَلَو بعد الِاسْتِيفَاء لم يضمن شَيْئا بِخِلَاف الرَّاجِع قَوْله وَإِن كَانَ بعده وَقَالُوا أَخْطَأنَا لَزِمَهُم دِيَة مَا تلف مُخَفّفَة لَا تحمله الْعَاقِلَة ويعزران قَوْله ويتقسط الْغرم على عَددهمْ بِحَيْثُ لَو رَجَعَ شَاهد من عشرَة غرم الْعشْر وَإِن رَجَعَ مِنْهُم خَمْسَة غرموا النّصْف قطع بِهِ جمَاعَة وَنَصّ عَلَيْهِ أَحْمد لِأَنَّهُ حصل بقول الْجَمِيع كَمَا لَو رجعُوا جَمِيعًا وَيحْتَمل أَن يجب على الرَّاجِع الْجَمِيع لِأَن الْحق إِنَّمَا ثَبت بِهِ ذكره ابْن الزَّاغُونِيّ وعَلى الأول إِذا شهد بِالْقَتْلِ ثَلَاثَة وبالزنا خَمْسَة فَرجع أحدهم فِي الْقَتْل فَالثُّلُث وَفِي الزِّنَا فالخمس قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَقيل لَا يلْزمهُمَا شَيْء لبَقَاء من يَكْفِي فيهمَا وَهُوَ أَقيس وَهُوَ قَول أبي حنيفَة ومنصوص الشَّافِعِي وَإِن رَجَعَ من ثَلَاثَة الْقَتْل اثْنَان فَهَل يغرمان النّصْف أَو الثُّلثَيْنِ على الْوَجْهَيْنِ وَإِن رَجَعَ من خَمْسَة الزِّنَا اثْنَان فَهَل عَلَيْهِمَا الخمسان أَو الرّبع على الْوَجْهَيْنِ قَوْله وَإِن شهد بِالْمَالِ رجل وثمان نسْوَة ثمَّ رجعُوا لزم الرجل الْخمس وكل امْرَأَة الْعشْر

قطع بِهِ غير وَاحِد وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لما تقدم وَلِأَن كل امْرَأتَيْنِ كَرجل قَوْله وَقيل يلْزمه النّصْف وكل امْرَأَة نصف الثّمن ذكره القَاضِي فِي الْجَامِع الصَّغِير وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد لِأَن الرجل نصف الْبَيِّنَة بِدَلِيل رُجُوعه وَحده قبل الحكم وَقيل الرجل كأنثى وَفِيه وَعَن أبي حنيفَة وَأَصْحَابه مَتى رَجَعَ من النسْوَة مَا زَاد على اثْنَتَيْنِ فَلَيْسَ على الراجعات شَيْء وَيكون قولا لنا كَمَا تقدم فِي الَّتِي قبلهَا وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة قَوْله وَإِذا شهدُوا أَرْبَعَة بِالزِّنَا وَاثْنَانِ بالإحصان فرجم ثمَّ رَجَعَ السِّتَّة لزمتهم الدِّيَة أسداسا لِأَن الْقَتْل حصل بقول جَمِيعهم كَمَا لَو شهدُوا جَمِيعًا على الزِّنَا قَوْله وَقيل يلْزم شُهُود الزِّنَا النّصْف وشاهدي الْإِحْصَان النّصْف لِأَنَّهُ قتل بنوعين فتقسم الدِّيَة عَلَيْهِمَا وَذكر ابْن هُبَيْرَة عَن الإِمَام أَحْمد رِوَايَتَيْنِ كالوجهين وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالْأَظْهَر عَن مَالك وَأحد الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيَّة لَا ضَمَان على شُهُود الْإِحْصَان لأَنهم شهدُوا بِالشّرطِ لِأَن السَّبَب الْمُوجب للْقَتْل ثَبت بِشَهَادَة الزِّنَا وَذكر ابْن عقيل مثل هَذَا فِي تَعْلِيل مَسْأَلَة الحكم بِشَاهِد وَيَمِين وتشبه هَذِه الْمَسْأَلَة مَا لَو شهد اثْنَان بتعليق عتق أَو طَلَاق وَاثْنَانِ بِوُجُود شَرطه ثمَّ رجعُوا قَالَ فِي الرِّعَايَة فالعزم على كل جِهَة نصفه وَقيل يغرم كُله شُهُود التَّعْلِيق

قَوْله وَلَو رَجَعَ شُهُود الزِّنَا دون الْإِحْصَان أَو بِالْعَكْسِ لَزِمَهُم كَمَال الضَّمَان أَي كل دِيَته قَالَ ابْن عبد الْقوي لِأَنَّهُمَا يقران أَن قَتله حصل بكذبهما وَهَذَا فِيهِ نظر ظَاهر وَقَالَ ابْن حمدَان بل نصفهَا وَيَنْبَغِي أَن يخرج هَذَا على الْوَجْه الْأَوْسَط الَّتِي قبلهَا وَأما على الَّذِي قبله فَيلْزم شُهُود الزِّنَا الثُّلُثَانِ وشهود الْإِحْصَان الثُّلُث قَوْله وَإِن شهد أَرْبَعَة بِالزِّنَا وَاثْنَانِ مِنْهُم بالإحصان صَحَّ كَمَا لَو شهد بِهِ غَيرهم قَوْله فَإِن رجم ثمَّ رجعُوا ألزمنا شَاهِدي الْإِحْصَان ثُلثي الدِّيَة على الأول وَثَلَاثَة أرباعها على الثَّانِي وَالْبَاقِي على الآخرين أما على الأول فَالثُّلُث بِشَهَادَتِهِمَا بالإحصان وَأما على الثَّانِي فالنصف بالإحصان وَالرّبع بِشَهَادَتِهِمَا بِالزِّنَا قَالَ فِي المغنى وَغَيره وَيحْتَمل أَن لَا يجب على شَاهِدي الْإِحْصَان إِلَّا النّصْف لأَنهم كأربعة أنفس حَتَّى اثْنَان جنايتين وجنى الْآخرَانِ أَربع جنايات قَوْله وَلَو شهد بتعليق الْعتْق شُهُود وبشرطه شُهُود إِلَى آخِره تقدّمت فِيمَا إِذا شهد شُهُود بِالزِّنَا وشهود بالإحصان وَالتَّعْلِيل وَاحِد

قَوْله وَإِذا حكم فِي مَال بِشَاهِد وَيَمِين ثمَّ رَجَعَ الشَّاهِد عَن الشَّهَادَة غرم المَال كُله نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْأَثْرَم وَإِبْرَاهِيم بن الْحَارِث وَأبي الْحَارِث يضمن الشَّاهِد جَمِيع المَال وَلَا يرجع بِنصفِهِ على الْمَشْهُود لَهُ وَقَالَ إِنَّمَا ثَبت الْحق بِشَهَادَتِهِ وَكَذَلِكَ نقل ابْن مشيش وَابْن بختان وَهَذَا قَول مَالك قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بنى القَاضِي الْمَسْأَلَة على أَن الحكم إِنَّمَا وَقع بِالشَّهَادَةِ وَإِنَّمَا الْيَمين للِاحْتِيَاط كاليمين مَعَ الشَّاهِدين على الْغَائِب وَأَن الْيَمين قَول الْمُدعى فَلَا يحكم لَهُ بهَا وَهَذِه بحوث تشبه بحوث الْحَنَفِيَّة فَإِنَّهُم لَا يجْعَلُونَ الْيَمين فِي جنبة الْمُدعى قطّ وَيتَوَجَّهُ للمسألة مَأْخَذ آخر وَهُوَ أَن الْيَمين هُنَا قَول آخر فَأَشْبَهت دَعْوَاهُ وَقَبضه فَإِن الشَّاهِد هُوَ الَّذِي مكنه من أَن يحلف وَيَأْخُذ كَمَا أَن الشَّاهِدين هما اللَّذَان مكناه من أَن يَأْخُذ أَلا ترى أَنه لَا يحلف إِلَّا بعد الشَّهَادَة بِخِلَاف أحد الشَّاهِدين مَعَ الآخر وَحَقِيقَته أَن الشَّاهِد متسبب فِي الْإِتْلَاف والحالف مبَاشر وَلم يُمكن إِحَالَة الحكم عَلَيْهِ فيحال على السَّبَب وكل وَاحِد من الشَّاهِدين متسبب وَهَذَا فقه جيد يبين بِهِ حسن فقه أبي عبد الله وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن مَسْأَلَة الشَّاهِد إِذا ادّعى على ميت أَو صبي أَو مَجْنُون واستحلفه الْحَاكِم مَعَ بَينته فَإِن الحكم بِالْبَيِّنَةِ لَا بِالْيَمِينِ ذكره مَحل وفَاق فَلَو رَجَعَ الشَّاهِدَانِ هُنَا ضمنا جَمِيع المَال قَالَ وَهُوَ يسْتَحْلف عندنَا إِذا ألزمهُ الْحَاكِم وفيهَا رِوَايَتَانِ مُطلقًا فَاعْتَذر الْمُخَالف بِأَن الْيَمين هُنَاكَ على وَجه الِاسْتِظْهَار لِأَن الْمُدعى عَلَيْهِ لَا يعبر عَن نَفسه وَالْيَمِين هُنَا لإِثْبَات الْحق فَقَالَ لَا نسلم أَنَّهَا لإِثْبَات الْحق وَإِنَّمَا هِيَ للِاحْتِيَاط وَإِنَّمَا يثبت الْحق بِالشَّاهِدِ

فصل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يُؤَيّد أَن الرِّوَايَتَيْنِ فِي مَسْأَلَة الْغَائِب أَن يحلف على ثُبُوت الْحق الْمَشْهُود بِهِ لَا على بَقَائِهِ كَمَا فِي الشَّاهِد وَالْيَمِين إِذْ لَوْلَا ذَلِك لَكَانَ عذر الْمُخَالف عَن تِلْكَ الْمَسْأَلَة ظَاهرا لِأَن الْمَحْلُوف عَلَيْهِ الْمَشْهُود بِهِ قَوْله وَقيل يغرم النّصْف خرجه أَبُو الْخطاب من رد الْيَمين على الْمُدعى وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَحَكَاهُ بَعضهم عَن مَالك وَرِوَايَة عَن الشَّافِعِي يرجع بِنصفِهِ على الْمَشْهُود لَهُ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذِه الْعبارَة لَيست بجيدة إِلَّا فِيمَا إِذا رجعا مَعًا وَفِي هَذِه الصُّورَة قَرَار الْجَمِيع على الْمَشْهُود لَهُ وَأما الشَّاهِد فَيضمن إِمَّا الْجَمِيع وَإِمَّا النّصْف وَيرجع بِهِ قَوْله وَيضمن شُهُود التَّزْكِيَة إِذا رجعُوا عَنْهَا مَا يضمنهُ من زكوهم لَو رجعُوا وَكَذَا ذكره الشَّيْخ موفق الدّين مَحل وفَاق قَاس عَلَيْهِ رُجُوع شُهُود الأَصْل لِأَن الحكم ينبنى على شَهَادَتهم كشهود الْفَرْع فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَإِذا تبين خطأ الشُّهُود أَو كذبهمْ أَو خطأ المزكين فَهُنَا الحكم بَاطِل لَكِن يَنْبَغِي أَن تكون الشَّهَادَة أَو التَّزْكِيَة سَببا للضَّمَان والقرار على الْمُتْلف بِخِلَاف الرُّجُوع فَإِنَّهُ لَا ضَمَان إِلَّا على الرَّاجِع انْتهى كَلَامه وَلَعَلَّ هَذِه الْمَعْنى يُؤْخَذ من كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقَالَ القَاضِي لَو شَهدا عَلَيْهِ بالقرض فَحكم الْحَاكِم عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَسلمهُ إِلَى الْمقْرض ثمَّ أَقَامَ الْمَشْهُود عَلَيْهِ الْبَيِّنَة بعد ذَلِك أَنه كَانَ قَضَاهُ لم يضمن شُهُود

الْقَرْض لِأَنَّهُ لم يكن فِي شَهَادَتهم إِثْبَات المَال فِي الْحَال وَلَو كَانُوا شهدُوا بِأَن لفُلَان عَلَيْهِ ألف دِرْهَم فَحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِم ثمَّ أَقَامَ الْمقْضِي عَلَيْهِ الْبَيِّنَة أَنه كَانَ قَضَاهُ قبل ذَلِك ضمن الشُّهُود الَّذين شهدُوا بِالْمَالِ ذكره مَحل وفَاق مَعَ الْحَنَفِيَّة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يقتضى أَن خطأ الْمَشْهُود مُوجب للضَّمَان كرجوعهم وَإِن ظهر ذَلِك بِبَيِّنَة كَمَا قيل فِي شَاهد الزُّور قد يظْهر كذبة بِإِقْرَار أَو تَبْيِين لَكِن هُنَا قَالُوا بِبَيِّنَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَذَا يجب فَإِن الشَّهَادَة إِذا كَانَت بَاطِلَة فَسَوَاء علم بُطْلَانهَا برجوعهم أَو بطرِيق آخر وَكَذَلِكَ التَّزْكِيَة لَو ظهر فسق الشُّهُود ضمن المزكون وَكَذَلِكَ يجب أَن يكون فِي الْولَايَة لَو أَرَادَ الإِمَام أَن يولي قَاضِيا أَو واليا لَا يعرفهُ فَسَأَلَ عَنهُ فزكاه أَقوام ووصفوه بِمَا يصلح مَعَه للولاية ثمَّ رجعُوا أَو ظهر بطلَان تزكيتهم فَيَنْبَغِي أَن يضمنوا مَا أفْسدهُ الْوَالِي وَالْقَاضِي وَكَذَلِكَ لَو أشاروا عَلَيْهِ أَو أَمرُوهُ بولايته فَإِن الْآمِر بِالْأَمر بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة بِالشَّهَادَةِ لَكِن الَّذِي لَا ريب فِي ضَمَانه من تعمد الْمعْصِيَة مثل أَن يعلم مِنْهُ الْخِيَانَة أَو الْعَجز ويخبر عَنهُ بِخِلَاف ذَلِك أَو يَأْمر بولايته أَو يكون لَا يعلم بِحَالهِ ويزكيه أَو يُشِير بِهِ فَأَما إِذا اعْتقد صَلَاحه وَأَخْطَأ فَهَذَا مَعْذُور وَالسَّبَب هُنَا لَيْسَ محرما وعَلى هَذَا فالمزكى لِلْعَامِلِ من الْمقْرض وَالْمُشْتَرِي وَالْوَكِيل كَذَلِك فالتزكية أبدا جنس وَاحِد وَأما الْأَمر فَهُوَ نَظِير التَّزْكِيَة الَّتِي هِيَ خبر انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا رَجَعَ شُهُود الْحق قبل الحكم لغت شَهَادَتهم وَلم يضمنوا وَهَذَا قَول عَامَّة الْعلمَاء لِأَنَّهَا شَرط الحكم فَيشْتَرط استدامتها إِلَى انقضائه كعدالتها وَلِأَن رُجُوعهَا يظْهر كذبهَا وَلِأَنَّهُ يَزُول ظَنّه فِي أَن مَا شهد بِهِ حق

كَمَا لَو تغير اجْتِهَاده وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة الْأَثْرَم فِي شَاهِدين شَهدا على رجل بِأَلف دِرْهَم فَقَالَ أَحدهمَا بعد إِقَامَة الشَّهَادَة قد قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسمِائَة دِرْهَم قد أفسد مَا شهد بِهِ إِذا كَانَ بِحَضْرَة ذَلِك وَلَو جَاءَ بعد هَذَا الْمجْلس فَقَالَ أشهد أَن قَضَاهُ مِنْهَا خَمْسمِائَة لم يقبل لِأَنَّهُ قد أمضى الشَّهَادَة قَالَ ابْن عقيل وَظَاهر هَذَا من كَلَامه أَنه لم يعْتَبر حكم الْحَاكِم وَإِنَّمَا اعْتبر انْقِضَاء الْمجْلس وَهُوَ مَحْمُول على أَن الإِمَام أَحْمد أبطل شَهَادَته فِي قدر المرجوع فِيهِ قبل أَن يحكم الْحَاكِم بِشَهَادَتِهِمَا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عقيب هَذَا النَّص وشهادته بِالْقضَاءِ رُجُوع أَو بِمَنْزِلَة الرُّجُوع وَقد قَالَ إِذا كَانَ فِي غير ذَلِك الْمجْلس لم يقبل لِأَن الشَّهَادَة عِنْد الْحَاكِم قد تعلق بهَا حق الْمَشْهُود لَهُ وَثبتت عِنْده فرجوعه حِينَئِذٍ كرجوعه بعد الحكم لَكِن لم يذكر ضَمَانه للْمَشْهُود عَلَيْهِ إِمَّا لعدم الْحَاجة أَو كمذهب الشَّافِعِي انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا زَاد الْعدْل فِي شَهَادَته أَو نقص قبل الحكم قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للامام أَحْمد الرجل يُغير شَهَادَته وَيزِيد وَينْقص قَالَ من الرجل الْعدْل لَيْسَ بِهِ بَأْس وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَغَيرهمَا وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري وَإِسْحَاق أَنَّهَا شَهَادَة من عدل كَغَيْرِهَا وَالشَّهَادَة شَرط الحكم فَيجب استمراره على شَهَادَته إِلَى تَمَامه لِأَن مَا ذكره مُحْتَمل لاحْتِمَال سبق اللِّسَان وَقيل يُؤْخَذ بقوله الأول وَهُوَ قَول مَالك لِأَنَّهُ أَدَّاهَا غير مُتَّهم كَمَا لَو اتَّصل بهَا الحكم وَقيل ترد شَهَادَته فِي ذَلِك مُطلقًا وَهُوَ قَول الزُّهْرِيّ لِأَنَّهُ مقرّ بغلط فِي الأولى وَلَا يُؤمن مثله فِي الثَّانِيَة

قَوْله أَو أَدَّاهَا بعد إنكارها قبلت نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور إِذا قيل لَهُ عنْدك شَهَادَة قَالَ لَا ثمَّ شهد بهَا شَهَادَته جَائِزَة وَكَذَلِكَ ذكره القَاضِي مَحل وفَاق إِذا أنكر الشَّاهِد شَهَادَته ثمَّ شهد بهَا قبلت وَكَذَلِكَ قطع بِهِ جمَاعَة كالمستوعب وَالْكَافِي لِأَن مَا ذكره مُحْتَمل لاحْتِمَال النسْيَان وَقد أَشَارَ أَحْمد إِلَى هَذَا فَقَالَ ذكر مَا لم يقبل ذَلِك وَقيل لَا تقبل كالمدعى إِذا أنكر أَن تكون لَهُ بَيِّنَة فان بَينته لَا تقبل فِي الْمَشْهُور والتفريق بَينهمَا فِيهِ إِشْكَال وَفرق القَاضِي بَين مَسْأَلَة الْكتاب وَبَين الْمُدعى إِذا أنكر الشَّهَادَة لَهُ بِأَن الْبَيِّنَة غير متهمة وَصَاحب الْحق مُتَّهم قَوْله وَإِذا علم الْحَاكِم بِشَاهِد الزُّور بِإِقْرَارِهِ أَو تبين كذبه يَقِينا عزره وَطَاف بِهِ حَتَّى يشْتَهر أمره وَيُقَال إِنَّا وَجَدْنَاهُ شَاهد زور فَاجْتَنبُوهُ قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة عبد الله وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم فِي شَاهد الزُّور يُطَاف بِهِ فِي حيه ويشهر أمره ويؤدب أَيْضا مَا بِهِ بَأْس وَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور ويقام للنَّاس وَيعرف ويؤدب وَهَكَذَا فِي رِوَايَة يَعْقُوب يشهر أمره وَبِهَذَا قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ قَول محرم يضر بِهِ النَّاس لَا كَفَّارَة فِيهِ أشبه السب وَالْقَذْف وَلِأَن فِيهِ زجرا وَذكر القَاضِي فِي تَعْزِير الإِمَام على الظِّهَار وَجْهَيْن وَفرق غَيره بِأَن فِيهِ كَفَّارَة وَبِأَنَّهُ يخْتَص بِنَفسِهِ وَلَو سبّ نَفسه أَو شتمها لم يُعَزّر وَلَو سبّ غَيره وَشَتمه عزّر قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا مَعَ قَوْله إِن كل مَعْصِيّة لَا حد فِيهَا وَلَا كَفَّارَة يجب فِيهَا التَّأْدِيب وَالتَّعْزِير انْتهى كَلَامه

وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يُعَزّر ثمَّ حكى أَنه يُوقف فِي قومه وَيُقَال إِنَّه شَاهد زور وَحكى عَنهُ عَدمه وَوَافَقَ أَنه إِذا كَانَ مصرا فعل بِهِ ذَلِك لَكِن إِذا ظهر مِنْهُ النَّدَم وَالتَّوْبَة لم يُعَزّر وَقد روى عَن عمر رَضِي الله عَنهُ أَنه كتب فِيهِ أَن يجلد ظَهره وَفِي رِوَايَة أَرْبَعِينَ ويسخم وَجهه ويطال حَبسه وَيُطَاف بِهِ وَفِي رِوَايَة يحلق رَأسه والأسانيد فِيهَا ضعف فتأولت الْحَنَفِيَّة ذَلِك على أَنه كَانَ مصرا وَلِهَذَا جمع بَين التَّعْزِير وَالْحَبْس والتسخيم قَالُوا وعندكم يفعل التسخيم وَالْحَبْس وَالتَّعْزِير فَقَالَ القَاضِي الظَّاهِر يَقْتَضِي الْجمع بَينهمَا لَكِن قَامَ دَلِيل الْإِجْمَاع على إِسْقَاط الْحَبْس قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ الإِمَام أَحْمد يُؤَدب والأثران عَن عمر هُوَ رَوَاهُمَا فَلَعَلَّ الْأَدَب عِنْده هُوَ مَا رَوَاهُ عَن عمر انْتهى كَلَامه وَنقل عَنهُ حَنْبَل يحكم فِيهِ السُّلْطَان بِمَا يرى وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا يبْعَث بِهِ إِلَى مَجْلِسه ثمَّ يَقُولُونَ هَذَا فلَان شهد بالزور اعرفوه فَقلت لَهُ ثمَّ يضْرب قَالَ نعم قلت كم قَالَ يُعَزّر كم قَالَ نصف الْحَد لَا أقل قلت ويسود وَجهه قَالَ قد روى عَن عمر أَنه سود وَجه شَاهد الزُّور قلت ترى أَنْت أَن يسود وَجهه قَالَ لَا أرى فَرَأَيْت أَنه كره تسويد الْوَجْه وَنقل عَنهُ حَنْبَل أَيْضا قَالَ يبين أمره قلت لَهُ فَعَلَيهِ عُقُوبَة فِي نَفسه قَالَ يبين للنَّاس أمره ويشهر لِئَلَّا يغر غَيره وَلَا يغتر بِهِ وَذَاكَ إِلَى السُّلْطَان إِن شَاءَ عاقب وَقَالَ القَاضِي وَغَيره لَا يزِيد فِي التَّعْزِير على عشر جلدات وَالله أعلم بِمَعْنى قَول الإِمَام أَحْمد نصف الْحَد قَالَ ابْن عقيل وَلَا أَدْرِي من أَيْن لَهُ هَذَا التَّقْدِير يَعْنِي القَاضِي وَقَالَ ابْن عقيل أَيْضا قَالَ أَصْحَابنَا وَلَا يركب وَلَا يحلق رَأسه وَلَا يمثل بِهِ وَهَذَا

إِنَّمَا يكون بِحَسب حَاله فعندي أَنه لَا يفعل ذَلِك بِمن ندرت مِنْهُ نادرة وَهُوَ من أهل البيوتات وَذَوي الهيئات فَأَما إِن كَانَ مَعْرُوفا بذلك يتَكَرَّر مِنْهُ أشباه ذَلِك فردعه بِمَا يرَاهُ الْحَاكِم رادعا لمثله وَإِن أفْضى إِلَى إشهاره رَاكِبًا وَالْأَصْل فِي ذَلِك أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مثل بالعرنيين لما رأى ذَلِك حَدهمْ وعقوبتهم وَالصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم بعده مثلت لما رَأَتْ ذَلِك فَأَبُو بكر أحرق فِي اللواط وَعلي أحرق الزَّنَادِقَة فِي الأخاديد وَلما شاور أَبُو بكر فِي حد اللواط وَفِي الَّذِي يلاط بِهِ اخْتلف الصَّحَابَة فِي أَنْوَاع الْمثلَة فَقيل يحرق وَقيل يرْجم وَقيل يرْمى من شَاهِق أَعلَى بَيت فِي الْقرْيَة وَقيل يحبس إِلَى أَن يَمُوت انْتهى كَلَامه وَكَلَام الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة حَنْبَل السَّابِق يشْهد لَهُ وَاحْتج الْحَنَفِيَّة فَقَالُوا الرُّجُوع عَن القَوْل الْمُوجب وَهُوَ الْإِقْرَار بِالزِّنَا أسقط عَنهُ الْحَد فالرجوع عَن القَوْل الَّذِي يُوجب التَّعْزِير وَهُوَ التزوير على الْمَشْهُود عَلَيْهِ أولى أَن يسْقط عَنهُ فَقَالَ القَاضِي وَالْجَوَاب أَنه لَيْسَ الْخلاف فِيمَن تَابَ وَإِنَّمَا الْخلاف فِيمَن ثَبت عَلَيْهِ أَنه شهد بالزور إِمَّا بِقِيَام الْبَيِّنَة على إِقْرَاره بذلك أَو بِعلم الْحَاكِم بِهِ قطعا بِأَن شهد بقتل رجل وَالْحَاكِم يعلم أَنه لم يقتل وَهُوَ أَن يكون الرجل عِنْده وَقت الْقَتْل أَو يكون الَّذِي يَدعِي أَنه مقتول حَيّ لم يقتل فَأَما إِذا تَابَ فَإنَّا لَا نعزره وَقيل لَا يسْقط التَّعْزِير بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّهُ قد تعلق بِحَق آدَمِيّ وَهُوَ شَهَادَته عَلَيْهِ وَحُقُوق الْآدَمِيّين لَا تُؤثر فِيهَا التَّوْبَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما إِذا تَابَ بعد الحكم فِيمَا لَا يبطل بِرُجُوعِهِ فَهُنَا قد تعلق بِهِ حق آدَمِيّ ثمَّ تاره يَجِيء إِلَى الإِمَام تَائِبًا فَهَذَا بِمَنْزِلَة قَاطع الطَّرِيق إِذا تَابَ قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ وَتارَة يَتُوب بعد ظُهُور تزويره فَهُنَا لَا يَنْبَغِي أَن يسْقط

فصل

عَنهُ التَّعْزِير وَقد احْتج الْحَنَفِيَّة بِأَنَّهُ ساع فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ فَهُوَ كقاطع الطَّرِيق وَذَلِكَ لَو جَاءَنَا تَائِبًا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم نعزره كَذَلِك شَاهد الزُّور إِذا جَاءَ تَائِبًا فَقَالَ القَاضِي وَالْجَوَاب عَنهُ مَا تقدم فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ هَل يكون بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهِ حَدِيث الْأمة السَّوْدَاء فِي الرَّضَاع فَإِن عقبَة بن الْحَارِث أخبر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن الْمَرْأَة أخْبرته أَنَّهَا أرضعتهما فَنَهَاهُ عَنْهَا من غير سَماع من الْمَرْأَة وَقد احْتج بِهِ الْأَصْحَاب من قبُول شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فِي الرَّضَاع فلولا أَن الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة مَا صحت الْحجَّة وَهُوَ ظَاهر يُؤَيّدهُ أَن الْإِقْرَار كَحكم الْحَاكِم بِالْعقدِ الْفَاسِد مسوغ للْحَاكِم الثَّانِي أَن ينفذهُ مَعَ مُخَالفَته لمذهبه وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِمَنْزِلَة كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فَإِذا كَانَ الْإِقْرَار بالحكم يجوز الْعَمَل بِهِ كَالشَّهَادَةِ فَكَذَلِك الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ إِلَّا أَنه إِنَّمَا لم يجب الْعَمَل بِالْإِقْرَارِ بِالْكتاب إِذا خَالف رَأْي القَاضِي الثَّانِي لِأَن إقرارهم لَا يقبل عَلَيْهِ فَلَو كَانَ الْإِقْرَار بِكِتَاب لَا يرى مُخَالفَته وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ وعَلى هَذَا فَمَتَى أقرّ أهل الْوَقْف بِكِتَاب يتَضَمَّن شَرط الْوَاقِف أَو غَيره وَجب الْعَمَل بِهِ فِي حَقهم وضابطه أَن الْإِقْرَار ثَلَاثَة أَنْوَاع إِقْرَار بِنَفس الحكم كإقراره بِأَن لَهُ عَليّ ألفا أَو بِأَن هَذَا الْعين ملكه أَو بِأَنِّي عَبده أَو أَنه أَخُوهُ أَو أَنِّي زوجه وَنَحْو ذَلِك وَإِقْرَار بِسَبَبِهِ كَالْإِقْرَارِ بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَالْإِرْث وَنَحْو ذَلِك وَإِقْرَار بِحجَّة الحكم كَالْإِقْرَارِ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار بالحكم وكل هَذِه شَهَادَات على نَفسه فَأَما الْإِقْرَار بِالسَّبَبِ فمعروف وَأما الْإِقْرَار بالحكم فمقبول إِلَّا أَن يكون فِيهِ حق لله تَعَالَى وَهُوَ مِمَّا يجهل الْمقر ثُبُوته مثل إِقْرَاره بِأَنَّهُ يجب رجمه أَو يجب قطع يَده أَو يجب حد قذفه

أَو يجب قَتله قودا أَو أَن هَؤُلَاءِ يسْتَحقُّونَ دَمه فالأشبه فِي مثل هَذَا أَن يستفسر عَن صفة الْإِقْرَار كَمَا استفسر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ماعزا أَو يفرق بَين الْحق الْمَحْض لله تَعَالَى وَبَين الْقود وحد الْقَذْف وَأما الأقرار بِالْحجَّةِ فمقبول أَيْضا لَكِن لَو قَالَ أَقرَرت بِهَذَا المَال وَكنت غالطا فَهُنَا يتَوَجَّه أَن لَا يحكم بِهَذَا الْإِقْرَار كَمَا لَو قَالَ كَانَ لَهُ عَليّ وَقَضيته لِأَن الْإِقْرَار الأول لم يثبت وَالثَّانِي إِنَّمَا أثْبته على صفة لَا يحكم بهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ شهد على شَاهد وَهُوَ كَاذِب وَالشَّاهِد لم تعلم عَدَالَته وَفِيه نظر يُوضح هَذَا أَن أَصْحَابنَا شبهوا الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِالشَّهَادَةِ على الْإِقْرَار وقبلوا على كل شَاهد شَاهدا وَالرجل هُنَا أَعنِي عقبَة بن الْحَارِث مقرّ شَاهد على الشَّهَادَة والاحتجاج بِحَدِيث الْأمة السَّوْدَاء على أَن الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهِ نظر لِأَنَّهُ فتيا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعدم شُرُوط الحكم من الدَّعْوَى وَغَيرهَا واقتصار الْأَصْحَاب فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة على مُجَرّد الْمَعْنى يدل على أَنه لَا أثر فِي الْمَسْأَلَة عِنْدهم = كتاب الْإِقْرَار قَالَ بعض الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى الْإِقْرَار الِاعْتِرَاف وَهُوَ إِظْهَار الْحق لفظا وَقيل تَصْدِيق الْمُدعى حقيقه أَو تَقْديرا وَقيل هُوَ صِيغَة صادرة من مُكَلّف مُخْتَار رشيد لمن هُوَ أهل لاسْتِحْقَاق مَا أقرّ بِهِ مكذب للْمقر وَمَا أقرّ بِهِ تَحت حكمه غير مَمْلُوك لَهُ وَقت الْإِقْرَار بِهِ وَقَالَ ابْن حمدَان هُوَ إِظْهَار الْمُكَلف الرشيد الْمُخْتَار مَا عَلَيْهِ لفظا أَو كِتَابَة فِي الأقيس أَو إِشَارَة أَو على مُوكله أَو موروثه أَو موليه بِمَا يُمكن صدقه فِيهِ

قَوْله أَو كِتَابه فِي الأقيس وَذكر فِي كِنَايَة الطَّلَاق أَن الْكِتَابَة للحق لَيست إِقْرَارا شَرْعِيًّا فِي الْأَصَح وَقَوله أَو إِشَارَة بعد مُرَاده من الْأَخْرَس وَنَحْوه أما من غَيره فَلَا أجد فِيهِ خلافًا وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَأَجْمعُوا على صِحَة الْإِقْرَار قَالَ فِي المغنى لِأَنَّهُ إِخْبَار على وَجه يَنْفِي عَنهُ التُّهْمَة والريبة وَلِهَذَا كَانَ آكِد من الشَّهَادَة فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا اعْترف لَا تسمع عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَإِن أكذب الْمُدعى بِبَيِّنَتِهِ ثمَّ أكذب الْمقر ثمَّ صدقه سمع وَيجب الْإِقْرَار بِحَق الْآدَمِيّ وَحقّ الله تَعَالَى الَّذِي لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَزَكَاة وَكَفَّارَة وَلَا يَصح إِقْرَار وَاحِد بِمَا لَيْسَ بِيَدِهِ وتصرفه شرعا واختصاصه قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَا بِمَا هُوَ ملكه حِين الْإِقْرَار على الْأَشْهر فِيهِ واطلق غَيره الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصّ القَاضِي فِي الْخلاف على صِحَة الإقرارمع أَنه إِضَافَة الْملك إِلَيْهِ قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَا بِمَا يَسْتَحِيل مِنْهُ وَلَا لمن لَا يَصح أَن يثبت ذَلِك لَهُ بِحَال وَإِقْرَاره بِمَا فِي يَد غَيره وتصرفه شرعا وحسا دَعْوَى أَو شَهَادَة فَإِذا صَار بِيَدِهِ وتصرفه شرعا لزمَه حكم إِقْرَاره قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِن الْإِقْرَار يَنْقَسِم إِلَى مَا يعلم كذبه كإقراره لمن هُوَ أكبر مِنْهُ أَنه ابْنه وَمن هَذَا الْجِنْس كل إِقْرَار بِحَق أسْندهُ إِلَى سَبَب وَذَلِكَ السَّبَب بَاطِل مثل أَن يقر أَن لَهُ فِي تَرِكَة أَبِيه ثلثهَا بِجِهَة الْإِرْث وَلَيْسَ بوارث أَو أَن لفُلَان عَليّ كَذَا من ثمن كَذَا أقْرض كَذَا أَو نِكَاح كَذَا إِذا كَانَ السَّبَب لَا يثبت بِهِ ذَلِك الْحق فَحَيْثُمَا أضَاف الْحق إِلَى سَبَب بَاطِل فَهُوَ بَاطِل وَإِن أَضَافَهُ إِلَى سَبَب يصلح أَن يكون حَقًا لَكِن قد علم ارتفاعه مثل أَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف من ثمن هَذِه الدَّار وَيكون المُشْتَرِي قد أَبرَأَهُ قبل ذَلِك أَولهَا عَليّ

صَدَاقهَا وَتَكون قد أَبرَأته مِنْهُ قبل ذَلِك أَوله عَليّ حَقه من إِرْث أبي ويكونان قد اصطلحا قبل ذَلِك وتبارآ فَهَذَا أَيْضا كَذَلِك لِأَن الْإِقْرَار إِخْبَار فَإِذا كَانَ الْخَبَر قد علم كذبه وبطلانه كَانَ بَاطِلا قَالَ وَإِلَى مَا يعلم صدقه كإقراره بِأَن هَذَا المَال الَّذِي خَلفه أَبوهُ هُوَ بَينه وَبَين أَخِيه ابْن الْمَيِّت نِصْفَيْنِ وَإِلَى مَا يحْتَمل الْأَمريْنِ فَالْأَصْل فِيهِ التَّصْدِيق إِلَّا أَن يثبت مَا يُعَارضهُ مِمَّا يقفه أَو يرفعهُ فَالْأول مثل تَكْذِيب الْمقر لَهُ فَإِنَّهُ أَيْضا خبر فَلَيْسَ تَصْدِيق أَحدهمَا أولى من الآخر فَيَعُود الْأَمر كَمَا كَانَ وَأما الثَّانِي فالبينات فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ كَانَ مكْرها على إِقْرَاره فإقرار الْمُكْره لَا يَصح أَيْضا وَإِن أمكن أَن يكون مطابقا كَانَ إِقْرَار تلجئة وَهُوَ أَن يتَّفق الْمقر وَالْمقر لَهُ على الْإِقْرَار ظَاهرا مثل بَقَاء الْمقر بِهِ للْمقر فَهُوَ بَاطِل فَإِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُمَا اتفقَا قبل الْإِقْرَار كَانَ ذَلِك مُبْطلًا لهَذَا الْإِقْرَار وَإِذا كَانَ الْإِقْرَار إنْشَاء فِي الْبَاطِن مثل إِقْرَار الْمَرِيض لمن يقْصد التَّبَرُّع لَهُ إِمَّا بعطية وَإِمَّا بإبراء فَيجْعَل الْإِنْشَاء إِقْرَارا لينفذ قَالَ فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمَا اتفقَا على الْإِقْرَار على ذَلِك مثل أَن يشْهد الشَّاهِد أَنه قيل للْمَرِيض أعْط فلَانا ألف دِرْهَم أَو أوص لَهُ بهَا فَقيل لَهُ بل أجعَل ذَلِك إِقْرَارا أَو أَنه قَالَ الْمَرِيض كَيفَ أصنع حَتَّى أعطي فلَانا ألفا من أصل المَال فَقيل لَهُ أقرّ لَهُ بهَا أَو أَن اثْنَيْنِ تَرَاضيا على ذَلِك ثمَّ أمرا بِهِ

فصل

الْمَرِيض فَإِنَّهُ يجب الْعَمَل بِهَذِهِ الْبَيِّنَة أَو يَقُول مَا لَهُ عِنْدِي شَيْء أَو مَا لأحد عِنْدِي شَيْء لَكِن أَنا مقرّ أَو أقرّ لَهُ يألف أَو اشْهَدُوا عَليّ أَن لَهُ عِنْدِي ألفا أَو يَقُول بعد ذَلِك لَهُ عِنْدِي ألف فَيكون قد تقدم الْإِقْرَار مَا يُبطلهُ وَمَا يُنَافِيهِ وَإِن شهِدت بَيِّنَة بِأَن هَذَا الْمقر بِهِ لم يكن ملكا للْمقر لَهُ بل كَانَ ملكا للْمقر إِلَى حِين الْإِقْرَار إِن كَانَ عينا أَو كَانَت ذمَّته بريئة مِنْهُ إِن كَانَ دينا فَهَل تقبل هَذِه الْبَيِّنَة فَإِنَّهَا تَضَمَّنت نفيا فَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِن كَانَ نفيا يحاط بِهِ قبل ذَلِك وَإِلَّا لم يقبل وَهل يستفصل الْمقر لَهُ من أَيْن لَك هَذَا الْملك نعم قَالَ وَكَذَلِكَ يستفصل الْمُدَّعِي عِنْده التُّهْمَة وَالْمُدَّعى عَلَيْهِ فصل من ملك شَيْئا ملك الْإِقْرَار بِهِ وَمن لَا فَلَا وَهَذَا الْمَشْهُور فِي كَلَام الْأَصْحَاب وَثمّ صور مُسْتَثْنَاة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَا يملك إنشاءه يملك الْإِقْرَار بِهِ وَمَا لَا يملكهُ فَإِن كَانَ مِمَّا لَا يُمكنهُ إنشاؤه بِحَال ملك الْإِقْرَار بِهِ أَيْضا كالنسب وَالْوَلَاء وَمَا يُوجب الْقود عَلَيْهِ إِذا لَا طَرِيق إِلَى ثُبُوته إِلَّا بِالْإِقْرَارِ بِهِ فَصَارَ كَالشَّهَادَةِ بالاستفاضة فِيمَا يتَعَذَّر علمه غَالِبا بِدُونِهَا لَكِن يسْتَثْنى النِّكَاح وَالْولد على مَا فِيهِ من الْخلاف وَإِن كَانَ مِمَّا يُمكنهُ إنْشَاء سَببه فِي الْجُمْلَة كالأفعال الْمُوجبَة للعقوبة قبل إِذا لم يكن مُتَّهمًا فِيهِ وَأحسن من هَذَا أَن مَا لَا يَصح أَو مَالا يحل إنشاؤه مِنْهُ إِن كَانَ مُتَّهمًا فِي إِقْرَاره بِهِ لم يقبل وَإِلَّا قبل وَهنا يتَبَيَّن أَن الْمقر شَاهد على نَفسه بمالا يُمكنهُ إنشاؤه وَمن هَذَا إِقْرَاره بالبينونة فَإِنَّهُ لَا يملك إنشاءها لكنه لَا يتهم على إِسْقَاط حَقه من الرّجْعَة وَسُقُوط حَقّهَا من النَّفَقَة ضمنا وتبعا

فصل

وَقد ذكر القَاضِي فِي إِخْبَار الْحَاكِم بعد الْعَزْل لما قاسه على الْإِخْبَار قبل الْعَزْل فَقيل لَهُ الْمَعْنى فِي الأَصْل أَنه يملك الحكم فَلهَذَا ملك الْإِقْرَار بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِك هَهُنَا لِأَنَّهُ لَا يملكهُ فَلم يملك الْإِقْرَار بِهِ كمن بَاعَ عبدا ثمَّ أقرّ أَنه أعْتقهُ أَو بَاعه بعد أَن بَاعه لم يقبل مِنْهُ فَقَالَ هَذَا غير مُمْتَنع كالوصي إِذا ادّعى دفع المَال إِلَى الصَّبِي بعد بُلُوغه أَو ادّعى الْإِنْفَاق عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يقبل وَإِن كَانَ فِي حَال لَا يملك التَّصَرُّف عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ العَبْد الْمَأْذُون إِذا حجر عَلَيْهِ فَأقر بِثمن مَبِيع فِي حَال الْإِذْن وَكَذَلِكَ الْمكَاتب إِذا أقرّ بعد الْعَجز بِثمن مَبِيع فِي حَال الْكِتَابَة يقبل ذَلِك وَإِن لم يملك ذَلِك فِي حَال الْإِقْرَار كَذَلِك هَهُنَا وَكَذَلِكَ الْمُوصى وَكَذَلِكَ الْمُودع إِذا ادّعى رد الْوَدِيعَة أَو تلفهَا بعد عزل الْمُودع لَهُ وَكَذَلِكَ العَبْد إِذا أقرّ بِجِنَايَة عمدا فَإِنَّهُ يقبل إِقْرَاره وَإِن لم يكن مَالِكًا لما أقرّ بِهِ قَالَ وَلَا معنى لقَولهم إِن دَعْوَى النَّفَقَة لَا يُمكن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهَا فَإِنَّهُ منقوض برد الْوَدِيعَة يُمكن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ يقبل قَوْله فِيهَا وَيقبل والإنفاق على الزَّوْجَة لَا يُمكن إِقَامَة الْبَيِّنَة عَلَيْهِ وَمَعَ هَذَا لَا يقبل قَوْله فِيهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين تَسْمِيَة هَذِه الْأَشْيَاء إِقْرَارا يجوز وَقد ذكر الْجد وَغَيره تَسْمِيَة بعض هَذَا إِقْرَار وَالتَّحْقِيق أَن يُقَال الْمخبر أَن أخبر بِمَا على نَفسه فَهُوَ مقرّ وَإِن أخبر بِمَا على غَيره لنَفسِهِ فَهُوَ مدعى وَإِن أخبر بِمَا على غَيره لغيره فَإِن كَانَ مؤتمنا عَلَيْهِ فَهُوَ مخبر وَإِلَّا فَهُوَ شَاهد فَالْقَاضِي وَالْوَكِيل والمأذون لَهُ وَالْوَصِيّ كل هَؤُلَاءِ مَأْذُون لَهُم مؤتمنون فإخبارهم بعد الْعَزْل لَيْسَ إِقْرَارا وَإِنَّمَا هُوَ خبر مَحْض انْتهى كَلَامه فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَأَما مَا يملك الْإِنْسَان إنشاءه فَهَل يجوز إِقْرَاره بِهِ

فصل

وَيجْعَل الْإِنْشَاء فِي ضمن الْإِقْرَار قَاصِدا بِالْإِقْرَارِ الْإِنْشَاء مثل أَن يقر أَنه ملك ابْنه الشَّيْء الْفُلَانِيّ أَو أَنه قد وقف الْمَكَان الْفُلَانِيّ أَو أَنه وقف عَلَيْهِ من وَاقِف جَائِز الْأَمر يَعْنِي نَفسه انْتهى كَلَامه وَالْجَوَاز مُتَوَجّه فصل قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق ضمن مَسْأَلَة النّكُول الْإِنْسَان لَا يكون مُخَيّرا بَين أَن يقر وَبَين أَن لَا يقر لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون الْحق عَلَيْهِ فَلَا يَسعهُ أَن لَا يقر أَولا يكون عَلَيْهِ فَلَا يَسعهُ أَن يقر لِأَنَّهُ كَاذِب قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَأَما إِذا كَانَ الْإِنْسَان بِبَلَد سُلْطَان ظَالِم أَو قطاع طَرِيق وَنَحْوهم من الظلمَة فخاف أَو يُؤْخَذ مَاله أَو المَال الَّذِي يتْركهُ لوَارِثه أَو المَال الَّذِي بِيَدِهِ للنَّاس إِمَّا بِحجَّة أَنه ميت لَا وَارِث لَهُ أَو بِحجَّة أَنه مَال غَائِب أَو بِلَا حجَّة أصلا فَهَل للْإنْسَان أَن يقر إِقْرَارا يدْفع بِهِ ذَلِك الظُّلم ويحتفظ المَال لصَاحبه مثل أَن يَقُول لحاضر إِنَّه ابْنه أَو يقر أَن لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا أَو يقْرَأ أَن المَال الَّذِي بِيَدِهِ لفُلَان فَإِن ظَاهر هَذَا الْإِقْرَار يتَضَمَّن مفسدتين إِحْدَاهمَا الْكَذِب وَالثَّانيَِة صرف المَال إِلَى من لَا يسْتَحقّهُ عَمَّن يسْتَحقّهُ وَهَذَا إِقْرَار تلجئه أما الأول فَيَنْبَغِي أَن يكون كالتعريض فِي الْيَمين فَيجوز لَهُ أَن يتَأَوَّل فِي إِقْرَاره بِأَن يَعْنِي بقوله ابْني كَونه صَغِيرا وَبِقَوْلِهِ أخي أخوة الْإِسْلَام وَأَن المَال الَّذِي بيَدي لَهُ أَي لَهُ ولَايَة قَبضه لكوني قد وكلته فِي إيصاله إِلَى مُسْتَحقّه وَإِن لَهُ فِي ذِمَّتِي عشرَة آلَاف دِرْهَم أَي لَهُ فِي عهدتي أَي يسْتَحق فِيمَا عهِدت إِلَيْهِ قبض ذَلِك وَنَحْو ذَلِك فَإِن النَّبِي كَانَ مَعَ أبي بكر وَأقر أَنه أَخُوهُ وَحلف على ذَلِك وَكَذَلِكَ إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ السَّلَام أقرّ على زَوجته أَنَّهَا أُخْته وَكَذَلِكَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أقرّ أَنهم من مَاء

وَأما الثَّانِيَة فَلَا يجوز ذَلِك إِلَّا إِذا أَزَال هَذِه الْمفْسدَة بِأَن يكون الْمقر أَمينا حَقًا وَالِاحْتِيَاط أَن يشْهد على الْمقر لَهُ أَن هَذَا إِقْرَار تلجئة تَفْسِيره كَذَا وَكَذَا وَيَنْبَغِي أَن يكون التَّعْرِيض فِي الشَّهَادَة إِذا خَافَ الشَّاهِد من إِظْهَار الْبَاطِن ظلم الْمَشْهُود عَلَيْهِ كَذَلِك بِأَن يستنطق الشَّهَادَة وَلَا يُمكن كتمانها وَكَذَلِكَ التَّعْرِيض فِي الحكم إِذا خَافَ الْحَاكِم من إِظْهَار الْأَمر وُقُوع الظُّلم وَكَذَلِكَ التَّعْرِيض فِي الْفَتْوَى وَالرِّوَايَة وَالْإِقْرَار وَالشَّهَادَة وَالْحكم وَالْفَتْوَى وَالرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يكون كاليمين بل الْيَمين خبر وَزِيَادَة قَوْله وَلَا يَصح الْإِقْرَار من غير مُكَلّف مُخْتَار لِأَن الْقَلَم مَرْفُوع عَنهُ بِنَصّ الحَدِيث الْمَشْهُور وكبيعه وَغَيره وَقَوله مُخْتَار لما تقدم وَلِأَنَّهُ عفى عَن الْمُكْره بِنَصّ الْخَبَر الْمَشْهُور وَقَالَ الْخلال من تقدم إِلَى الْحَاكِم فدهش فَأقر ثمَّ أنكر قَالَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن الرجل يقدم إِلَى السُّلْطَان بِحَق لرجل عَلَيْهِ فيمدده السُّلْطَان فيدهش فَيقر لَهُ ثمَّ يرجع بعد مَا أقرّ بِهِ فَيَقُول هددني ودهشت للسُّلْطَان أَن يَأْخُذهُ بِمَا أقرّ بِهِ أَو يستثبت وَهُوَ رُبمَا علم أَنه أقرّ بتهديده إِيَّاه قَالَ أَبُو عبد الله يُؤْخَذ بِإِقْرَارِهِ الأول قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين السُّلْطَان هُوَ الْحَاكِم كَمَا ترْجم الْخلال والتهديد من الْحَاكِم إِنَّمَا يكون على أَن يَقُول الْحق لَا على أَن يقر مثل أَن يَقُول اعْترف بِالْحَقِّ أَو أَن كذبت عزرتك أَو إِن تبين لي كَذبك أدبتك فيهدده على الْكَذِب

والكتمان ويأمره بِالصّدقِ وَالْبَيَان فَإِن هَذَا حسن فَأَما أَن كَانَ التهديد على نفس الْإِقْرَار فَهَذَا أَمر بِمَا يجوز أَن يكون حَقًا وباطلا ومحرما فَالْأَمْر بِهِ حرَام والتهديد عَلَيْهِ أحرم وَهُوَ مَسْأَلَة الْإِكْرَاه على الْإِقْرَار فَفرق بَين أَن يكرههُ على قَول الْحق مُطلقًا أَو على الْإِقْرَار انْتهى كَلَامه قَوْله إِلَّا من الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ فَيصح فِي قدر مَا أذن لَهُ فِيهِ إِذا صححنا تصرفه بِالْإِذْنِ أما قَوْله إِذا صححنا تصرفه بِالْإِذْنِ فقيد وَاضح لِأَنَّهُ إِذا لم يَصح تصرفه بِالْإِذْنِ فوجود الْإِذْن كَعَدَمِهِ لعدم فَائِدَته وَكَذَا مَا زَاده فِي الرِّعَايَة مَعَ اتِّفَاق الدّين واختلافه وَأما صِحَة إِقْرَاره فِيمَا أذن لَهُ فِيهِ فَهُوَ الْمَذْهَب كَمَا قطع بِهِ هُنَا وَقطع بِهِ غَيره وَلَو كَانَ فِي الْمُحَرر زَاد نَص عَلَيْهِ كَانَ أولى وَهُوَ نَص مَشْهُور قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة مهنا فِي إِقْرَار الْيَتِيم يجوز إِقْرَاره بِقدر مَا أذن لَهُ الْوَصِيّ فِي التِّجَارَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة كَالْبَالِغِ وَالْفرق بالتكليف لَا أثر لَهُ وَقَالَ أَبُو بكر وَابْن أبي مُوسَى إِنَّمَا يَصح إِقْرَاره فِيمَا أذن لَهُ فِي التِّجَارَة فِيهِ فِي الشَّيْء الْيَسِير يتَسَامَح بِهِ كَمَا صَحَّ تصرفه فِيهِ بِدُونِ إِذْنه أَن نقُول لَا يَصح إِقْرَاره مُطلقًا كَقَوْل مَالك وَالشَّافِعِيّ وَظَاهر مَا رَوَاهُ الْأَثْرَم عَن الإِمَام أَحْمد فِي ابْن أَربع عشرَة سنة كَانَ أَجِيرا مَعَ رجل فقد أستاذه شَيْئا فَأقر الْغُلَام أَنه أَخذه ثمَّ انكره فَقَالَ لَا يجب عَلَيْهِ إِقْرَاره حَتَّى يَأْتِي أحد الْحُدُود الانبات أَو الِاحْتِلَام أَو خَمْسَة عشر سنة وَقَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَهَذَا مَحْمُول على أَنه غير مَأْذُون لَهُ فِي التِّجَارَة

فرع

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد أَنه إِذا أَتَى عَلَيْهِ الْحُدُود صَحَّ إِقْرَاره بِمثل هَذَا وَإِن لم يكن رشيدا وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْجد لَكِن قد يُقَال يقبل فِي الْحُدُود لَا فِي الْأَمْوَال فتقطع يَده وَلَا يغرم كَالْعَبْدِ انْتهى كَلَامه وَالْمَشْهُور صِحَة إِقْرَار السَّفِيه بِمَال وَيتبع بِهِ بعد فك الْحجر فرع لَو أقرّ الْأَب على ابْنه الْمَأْذُون لَهُ لم ينفذ وَذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِي حجَّة الْمُخَالف وَسلمهُ وَاعْتذر بِأَنَّهُ لَا يملك بِإِذْنِهِ الْإِقْرَار وَإِنَّمَا يرْتَفع عَنهُ الْحجر بِإِذْنِهِ فِي التِّجَارَة فَيجوز إِقْرَاره لنَفسِهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يشبه مَذْهَب أبي حنيفَة وَأما على أصلنَا فَإِنَّمَا اسْتَفَادَ الْإِقْرَار بِإِذْنِهِ بِدَلِيل أَنه يتَقَدَّر فِي قدر مَا أذن فِيهِ وعَلى أصل أبي حنيفَة لَا يتَقَدَّر وَلَو أقرّ الْأَب بِصَدقَة فِي مَال ابْنه فَإِنَّهُ يقبل لِأَن الْأَب يملك التَّصَرُّف قَوْله وَإِذا أقرّ من يشك فِي بُلُوغه وَذكر أَنه لم يبلغ فَالْقَوْل قَوْله بِلَا يَمِين وَكَذَا قطع بِهِ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره أما كَون القَوْل قَوْله فَلِأَن الأَصْل مَعَه وَهُوَ الصغر وَسَيَأْتِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْفَصْل بعده وَأما كَونه بِلَا يَمِين فكحكمنا بِعَدَمِ بُلُوغه وَغير الْمُكَلف لَا يجوز تَكْلِيفه بِوُجُوب الْيَمين عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَن يجب عَلَيْهِ الْيَمين لِأَنَّهُ إِن كَانَ لم يبلغ لم يضرّهُ وَإِن كَانَ قد بلغ حجزته فَأقر بِالْحَقِّ انْتهى كَلَامه فَأَما إِن كَانَ اخْتِلَافهمَا بعد ثُبُوت بُلُوغه وَادّعى أَنه حِين الْإِقْرَار لم يبلغ

فصل

فَهَل يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه عملا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الصغر قطع بِهِ فِي المغنى أَولا يقبل لتعليق الْحق بِذِمَّتِهِ ظَاهرا فِيهِ وَجْهَان ذكرهمَا فِي الْكَافِي وَهَذَا بِخِلَاف دَعْوَى زَوَال الْعقل حِين الْإِقْرَار لِأَن الأَصْل السَّلامَة ذكره الشَّيْخ موفق الدّين وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِلَّا أَن يكون يَعْتَرِيه ذَلِك فِي بعض الأحيان فَتكون كَمَسْأَلَة الصَّغِير على الْخلاف كَمَا سوى بَينهمَا فِي دَعْوَى البَائِع الصغر أَو زَوَال الْعقل حِين البيع قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين فَإِن ادّعى أَن كَانَ مكْرها لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة فَإِن ثَبت أَنه كَانَ مُقَيّدا أَو مَحْبُوسًا أَو موكلا بِهِ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَن هَذِه دلَالَة الْإِكْرَاه انْتهى كَلَامه وعَلى هَذَا تحرم الشَّهَادَة عَلَيْهِ وَكِتَابَة حجَّة عَلَيْهِ وَمَا أشبه ذَلِك فِي هَذِه الْحَال فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد نَص أَحْمد على أَنَّهُمَا إِذا اخْتلفَا فَقَالَ بِعْتُك قبل أَن أبلغ وَقَالَ المُشْتَرِي بل بعد بلوغك فَالْقَوْل قَول المُشْتَرِي وَهَذَا يتَّجه فِي الْإِقْرَار وَسَائِر التَّصَرُّفَات لِأَن الأَصْل فِي الْعُقُود الصِّحَّة فإمَّا أَن يُقَال هَذَا عَام وَإِمَّا أَن يفرق بَين أَن يتَيَقَّن أَنه وَقت التَّصَرُّف كَانَ مشكوكا فِيهِ غير مَحْكُوم بِبُلُوغِهِ أَولا يتَيَقَّن فَإنَّا هُنَا تَيَقنا صُدُور التَّصَرُّف مِمَّن لم نثبت أَهْلِيَّته وَالْأَصْل عدمهَا فقد شككنا فِي الشَّرْط وَهُنَاكَ يجوز صدوره فِي حَال الْأَهْلِيَّة وَحَال عدمهَا وَالظَّاهِر صَدره وَقت الْأَهْلِيَّة وَالْأَصْل عَدمه قبل وَقت الْأَهْلِيَّة والأهلية هُنَا مُتَيَقن وجودهَا

فصل

فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين سُئِلت عَن مَسْأَلَة وَهِي من أسلم أَبوهُ فَادّعى أَنه بَالغ فَأفْتى بَعضهم بِأَن القَوْل قَوْله فِي ذَلِك وَقلت إِذا لم يقر بِالْبُلُوغِ إِلَى حِين الْإِسْلَام فقد حكم بِإِسْلَامِهِ قبل الْإِقْرَار بِالْبُلُوغِ بِمَنْزِلَة مَا إِذا ادَّعَت انْقِضَاء الْعدة بعد أَن ارتجعها وَهَكَذَا يَجِيء فِي كل من أقرّ بِالْبُلُوغِ بعد حق ثَبت فِي حق الصَّبِي مثل الْإِسْلَام وَثُبُوت الذِّمَّة للْوَلَد تبعا لِأَبِيهِ وَلَو ادّعى الْبلُوغ بعد تصرف الْوَلِيّ وَكَانَ رشيدا أَو بعد تَزْوِيج ولي أبعد مِنْهُ إِلَّا أَن يُقَال لَا يحكم بِإِسْلَام الْوَلَد وذمته حَتَّى يسْأَل هَل بلغ أَو لم يبلغ بِخِلَاف تصرف الْوَلِيّ لَهُ أَو لموليته فَإِن الْولَايَة كَانَت ثَابِتَة وَالْأَصْل بَقَاؤُهَا وَهنا الأَصْل عدم إِسْلَام الْوَلَد وذمته فَيُقَال فِي الرّجْعَة كَذَلِك يَنْبَغِي أَن لَا تصح الرّجْعَة حَتَّى تسْأَل الْمَرْأَة وَمَعَ أَن فِي مَسْأَلَة الرّجْعَة وَجْهَيْن على قَول الْخرقِيّ يَنْبَغِي أَن يكون القَوْل قَوْله هُنَا مُطلقًا كَمَا فِي الرّجْعَة وَمَا ذكرته على الْوَجْه الْمُقدم وَلم أجد فرقا بَين كَون الْمَرْأَة مؤتمنة على فرجهَا فِي انْقِضَاء الْعدة أَو فِي بُلُوغهَا وَهَكَذَا فِي كل مَوضِع كَانَ الْإِنْسَان مؤتمنا فِيهِ إِذا ادّعى ذَلِك بعد تعلق الْحق بِهِ وَنَظِيره اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ فِيمَا إِذا ادّعى الْمَجْهُول الرّقّ بعد التَّصَرُّف فَفِيهِ رِوَايَتَانِ لَكِن هُنَاكَ إِذا قبلناه فَلِأَن الرّقّ حق آدَمِيّ فالمقر بِهِ حق آدَمِيّ بِخِلَاف الْحيض أَو الْبلُوغ فَإِنَّهُ سَبَب يثبت لَهُ وَعَلِيهِ بِهِ حُقُوق وَقد يُقَال فِي الرّجْعَة لم يقبل قَوْله لِأَن فِيهِ إبِْطَال حق آدَمِيّ بِخِلَاف الْإِسْلَام والذمة فَيُقَال بل إبِْطَال الْإِسْلَام والعصمة أعظم وَنَظِيره فِي الْمَجْهُول الْمَحْكُوم بِإِسْلَامِهِ كاللقيط فاللقيط إِذا ادّعى الْكفْر بعد الْبلُوغ انْتهى كَلَامه

فصل

قَوْله وَمن أكره على أَن يقر لزيد فَأقر لعَمْرو أَو أَن يقر بِدَرَاهِم فَأقر بِدَنَانِير صَحَّ إِقْرَاره لِأَنَّهُ أقرّ بِمَا لم يكره عَلَيْهِ فَهُوَ كَمَا لَو أقرّ بِهِ ابْتِدَاء قَوْله وَمن أقرّ فِي مَرضه بِشَيْء فَهُوَ كإقراره فِي صِحَّته لِأَن لاأصل التَّسَاوِي وَدَعوى مُخَالفَة حَال الْمَرَض وَحَال الصِّحَّة فِي ذَلِك تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه وَقد يُعلل بِعَدَمِ التُّهْمَة فصل وَلَا تفْتَقر الشَّهَادَة إِلَى أَن يَقُولُوا طَوْعًا فِي صِحَة عقله لِأَن الظَّاهِر السَّلامَة وَصِحَّة الشَّهَادَة دكره فِي المغنى قَوْله إِلَّا فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء أَحدهَا إِقْرَاره بِالْمَالِ لوَارث فَإِنَّهُ لَا يقبل هَذَا الْمَذْهَب قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة الْجَمَاعَة فَقَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور إِقْرَار الْمَرِيض فِي مَرضه للْوَارِث لَا يجوز وَقَالَ فِي رِوَايَة أبي طَالب فِي الرجل يقر عِنْد مَوته أَن لامْرَأَته عَلَيْهِ صدَاق ألف دِرْهَم تقيم الْبَيِّنَة على الْألف فَإِن لم تكن بَيِّنَة فصداق نسائها وَقَالَ فِي رِوَايَة مهنا فِي امْرَأَة أقرَّت فِي مَرضهَا أَنه لَيْسَ لَهَا على زَوجهَا مهر لم يجز إِقْرَارهَا إِلَّا أَن يُقيم شُهُودًا أَنَّهَا أَخَذته وَلَا يصدق قَوْلهَا وَهَذَا قَول أبي حنيفَة كهبته وَلِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ فَأشبه إِقْرَار الصَّبِي فعلى هَذَا لَو أجَازه

بَقِيَّة الْوَرَثَة صَحَّ ذكره جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين وَاحْتج لَهُ وَقَالَ مَالك يقبل ذَلِك إِذا كَانَ لَا يتهم لَهُ وَلَا يقبل إِذا كَانَ يتهم لَهُ كمن لَهُ بنت وَابْن عَم فَأقر لبنته لم يَصح وَلَو أقرّ لإبن عَمه صَحَّ وَلَو كَانَت لَهُ زَوْجَة وَابْن عَم صَحَّ إِقْرَاره لِابْنِ الْعم دون الزَّوْجَة وَلَو كَانَت لَهُ زَوْجَة وَولد صَحَّ إِقْرَاره للزَّوْجَة دون الْوَلَد لِأَن عِلّة الْمَنْع التُّهْمَة واختص الحكم بهَا وَجَوَابه أَن التُّهْمَة لَا يُمكن اعْتِبَارهَا بِنَفسِهَا فاعتبرت مظنتها وَهُوَ الْإِرْث وَللشَّافِعِيّ قَولَانِ أَحدهمَا كَقَوْلِنَا وَالثَّانِي يقبل وَهُوَ قَول جمَاعَة مِنْهُم إِسْحَاق كَالْأَجْنَبِيِّ وَالْفرق وَاضح وَسلم الشَّافِعِي على مَا ذكره القَاضِي لَو قَالَ كنت وهبت لفُلَان الْوَارِث كَذَا ثمَّ أتْلفه لَا يجوز بِخِلَاف مَا لَو قَالَ كنت وهبت لفُلَان الْأَجْنَبِيّ كَذَا ثمَّ أتْلفه عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يجوز وَذكر ابْن الْبَنَّا من أَصْحَابنَا أَنه يَصح إِقْرَار الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء دين الصِّحَّة وَالْمَرَض جَمِيعًا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَهُوَ مَحْمُول على مَا إِذا كَانَ الْغُرَمَاء غير الْوَارِثين وَقَالَ ابْن هُبَيْرَة إِذا أقرّ الْمَرِيض بِاسْتِيفَاء دُيُونه قَالَ أَبُو حنيفَة يقبل قَوْله فِي دُيُون الصِّحَّة دون دُيُون الْمَرَض وَقَالَ مَالك إِن كَانَ مِمَّن لَا يتهم قبل إِقْرَاره سَوَاء كَانَ إِقْرَاره فِي الْمَرَض أَو فِي الصِّحَّة وَقَالَ الإِمَام أَحْمد يقبل فِي دُيُون الْمَرَض وَالصِّحَّة جَمِيعًا كَذَا ذكر وَهُوَ صَحِيح لِأَن مُرَاده من أَجْنَبِي وَكَذَا ذكره أَصْحَابنَا فِي كتب الْخلاف قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَا يَصح إِقْرَار رجل مَرِيض بِقَبض صدَاق وَلَا عوض خلع بِلَا بَيِّنَة وَيصِح بِقَبض حِوَالَة ومبيع وقرض وَنَحْو ذَلِك وَإِن أطلق احْتمل وَجْهَيْن وَقَالَ الْأَزجيّ فِي نهايته فَإِن أقرّ مَرِيض بِهِبَة أَنَّهَا صدرت مِنْهُ فِي صِحَّته

فصل

لأَجْنَبِيّ صَحَّ وَإِن كَانَ لوَارث فَوَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْإِقْرَار للْوَارِث هُنَا احتمالات أَحدهَا أَن يَجْعَل إِقْرَاره للْوَارِث كَالشَّهَادَةِ فَترد فِي حق من ترد شَهَادَته لَهُ كَالْأَبِ بِخِلَاف من لَا ترد ثمَّ على هَذَا هَل يحلف الْمقر لَهُ مَعَه كالشاهد وَهل تعْتَبر عَدَالَة الْمقر ثَلَاث احتمالات وَيحْتَمل أَن يفرق مُطلقًا بَين الْعدْل وَغَيره فَإِن الْعدْل مَعَه من الدّين مَا يمنعهُ من الْكَذِب ويخرجه إِلَى بَرَاءَة ذمَّته بِخِلَاف الْفَاجِر وَإِنَّمَا حلف الْمقر لَهُ مَعَ هَذَا للتَّأْكِيد فَإِن فِي قبُول الْإِقْرَار مُطلقًا فَسَادًا عَظِيما وَكَذَا فِي رده مُطلقًا فَسَاد وَإِن كَانَ أقل فَإِن المبطلين فِي هَذَا الْإِقْرَار أَكثر من المحقين وَهَذِه الْحجَّة لمن رده كَالشَّهَادَةِ مَعَ التُّهْمَة وكطلاق الفار انْتهى كَلَامه فصل وَإِن كَانَ على الْمَرِيض دين للْوَارِث فَقَالَ القَاضِي هُوَ مَأْمُور بإيصال الْحق إِلَى وَارثه وَيقدر أَن يَقْضِيه دينه بَاطِنا ويوصله إِلَيْهِ فيتخلص بذلك من ظلمه وَإِن كَانَ لَو أقرّ لم يقبل إِقْرَاره كَمَا أَن الْوَصِيّ إِذا كَانَ شَاهدا على الْمَيِّت بدين وَلَيْسَ مَعَه شَاهد غَيره فَهُوَ مَأْمُور بِقَضَاء الدّين سرا وإيصاله إِلَى مُسْتَحقّه ليخلص الْمَيِّت وَإِن أظهر ذَلِك أَو أقرّ بِهِ لم يقبل قَوْله فِيهِ وَلم يثبت بِهِ الدّين وَإِن كَانَ مَأْمُورا بِالْقضَاءِ فصل وَيجوز عندنَا للْمَيت الْإِقْرَار لجَمِيع الْوَرَثَة ويخيرون بَين أَخذ المَال وَالْإِقْرَار بِالْإِرْثِ هَذَا لفظ القَاضِي وَأَظنهُ مُوَافقَة للحنفية قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَوْله وَلَو أقرّ لامْرَأَته بِالصَّدَاقِ فلهَا قدر مهر الْمثل بِالزَّوْجِيَّةِ لَا بِإِقْرَارِهِ وَالَّذِي قطع بِهِ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره أَنه يَصح الْإِقْرَار لِأَنَّهُ

إِقْرَار بِمَا تحقق سَببه وَلم يعلم الْبَرَاءَة مِنْهُ أشبه مَا لَو اشْترى عبدا من وَارثه فَأقر للْبَائِع بِثمن مثله وَقيل لَا يَصح ذكره فِي الرِّعَايَة ثمَّ ذكر مَا فِي الْمُحَرر قولا فَيكون وَجه عدم الصِّحَّة أَنه أقرّ لوَارث وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَصَاحب الْمُحَرر تبع القَاضِي وَهُوَ معنى كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب قَالَ القَاضِي وَأما إِذا أقرّ لزوجته بِالصَّدَاقِ فَنقل أَبُو طَالب عَنهُ إِذا أقرّ عِنْد مَوته أَن لامْرَأَته عَلَيْهِ صدَاق ألف دِرْهَم تقيم الْبَيِّنَة أَن لَهَا صدَاق ألف دِرْهَم لَا يجوز إِقْرَاره لَهَا لَعَلَّ صَدَاقهَا أقل فَإِن لم يكن لَهَا بَيِّنَة فصداق نسائها إِذا كَانَ ذَلِك يعرف فَإِن لم يعرف ذَلِك يكون ذَلِك من ثلثه قَالَ فقد نَص على أَنه لَا يقبل إِقْرَاره بِالصَّدَاقِ على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا يقبل مَا صَادف مهر الْمثل لِأَن ثُبُوته بِالْعقدِ لَا بِإِقْرَارِهِ فَإِن تعذر مهر الْمثل اعْتبر من ثلثه وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي قدر الصَدَاق فَنقل أَبُو الْحَارِث مهر الْمثل لِأَنَّهَا مُعَاوضَة فِي مرض الْمَوْت أشبه ثمن الْمَبِيع وَلَا يعْتَبر من الثُّلُث لِأَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث وَنقل أَبُو طَالب من الثُّلُث لِأَن الزِّيَادَة على مهر الْمثل مُحَابَاة لَا يقابلها عوض فَهِيَ كالمحاباة والمحاباة هُنَاكَ من الثُّلُث فَكَذَلِك هُنَا هَكَذَا نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام القَاضِي ثمَّ قَالَ من عِنْده كَلَامه فِي رِوَايَة أبي طَالب يَقْتَضِي أَنه اذا لم يعرف مهر الْمثل اعْتبر مَا أقرّ بِهِ من الثُّلُث لأَنا قد تَيَقنا أَن لَهَا صَدَاقا فَلم نبطل الْإِقْرَار وَلم نعلم أَن هَذَا كُله وَاجِب فَكَأَنَّهُ ملك أَن يوصى بِهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَته من غَيره ووصيته من الثُّلُث لِأَنَّهُ غير مُصدق للْوَارِث انْتهى كَلَامه قَوْله وَلَو أقرّ أَنه كَانَ أَبَانهَا فِي صِحَّته لم يسْقط إرثها كَذَا ذكره غَيره وَذكر فِي الْمُغنِي أَنه قَول أبي حنيفَة وَمَالك لِأَنَّهُ غير

أَمِين أقرّ بِمَا يسْقط حق غَيره فَهُوَ كإقراره بِمَال غَيره وَعند الشَّافِعِي يقبل قَوْله وَلَو أقرّ بهَا بدين ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ تزَوجهَا لم يَصح إِقْرَاره قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْفرق بَين هَذِه وَبَين أَن يتَبَرَّع فِي مَرضه ظَاهر بِمَنْزِلَة أَن يقر ثمَّ يَصح ثمَّ يمرض ونظيرها أَن يتَبَرَّع لِأَخِيهِ ثمَّ ينحجب بِولد يُولد لَهُ ثمَّ يَمُوت الْوَلَد انْتهى كَلَامه وَوجه الْمَسْأَلَة أَنه أقرّ لوَارث فِي مرض الْمَوْت أشبه مالو لم يبنهما قَالَ القَاضِي أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِيمَن أقرّ فِي مَرضه لَا مرأة بدين ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ مَاتَ وَهِي وارثة يجوز هَذَا أقرّ لَهَا وَلَيْسَت لَهُ بِامْرَأَة إِلَّا أَن يكون تلجئة فقد أجَاز الْإِقْرَار فَاقْتضى أَنَّهَا لَو كَانَت وارثة لم يَصح وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِقْرَاره جَائِز فَإِن برأَ من ذَلِك الْمَرَض ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ مَاتَ صَحَّ الْإِقْرَار وفَاقا على مَا ذكره القَاضِي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَخذ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد من عكس علته وَقد يكون الحكم ثَابتا فِي هَذِه الصُّورَة لعِلَّة أُخْرَى عِنْده ثمَّ قَوْله أقرّ لَهَا وَلَيْسَت لَهَا بأمرأة قد يُرَاد بِهِ لَيست امْرَأَة فِي بعض زمَان الْإِقْرَار ثمَّ الْأَخْذ بتعليله يَقْتَضِي أَنه إِذا صَحَّ ثمَّ تزَوجهَا يكون الْإِقْرَار أَيْضا بَاطِلا وَإِن كَانَ الْبُرْء لَيْسَ من فعله وَقد فرق القَاضِي بالتهمة فِي الطَّلَاق بِأَن يَكُونَا قد تواطآ على ذَلِك وَهَذِه الْعلَّة منتفية فِيمَا إِذا انْفَسَخ النِّكَاح بِغَيْر فعله وَفِيمَا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا وَفِيمَا إِذا كَانَ الزَّوْج الْمُطلق سَفِيها فَيخرج فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَة أوجه انْتهى كَلَامه

وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَاب اعتبروا المظنة وعللوا بِجَوَاز أَن يكون على وَجه الْحِيلَة فقد اكْتسب تُهْمَة فَيخرج وَجه فِي مَسْأَلَة الْمُحَرر فِيهِ بعد والتخريج فِيمَا إِذا برىء من ذَلِك الْمَرَض فِيهِ بعد أَيْضا لِأَن كل مرض مُعْتَبر بِنَفسِهِ بِدَلِيل مَا لَو تبرع فِي الْمَرَض الأول أَو طلق فَارًّا أَو غير ذَلِك قَوْله وَلَو أقرّ لوَارث ثمَّ صَار عِنْد الْمَوْت أَجْنَبِيّا أَو بِالْعَكْسِ فَهَل يعْتَبر بِحَالَة الْإِقْرَار أَو الْمَوْت على رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يعْتَبر بِحَالَة الْإِقْرَار قطع بِهِ القَاضِي وَغَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وَنَصره فِي الْمُغنِي لوُجُود التُّهْمَة فِي هَذِه الْحَال بِخِلَاف الْعَكْس كَالشَّهَادَةِ وَالثَّانيَِة بِحَالَة الْمَوْت وَهِي مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَنَّهُ معنى يعْتَبر فِيهِ عدم الْمِيرَاث فَأشبه الْوَصِيَّة وَالْفرق أَن الْوَصِيَّة عَطِيَّة بعد الْمَوْت فَاعْتبر فِيهَا حَالَة الْمَوْت بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا قَوْله وَإِذا أقرّ بدين لوَارث وأجنبي لزمَه فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ هَذَا هُوَ الْمَنْصُور فِي الْمَذْهَب كَمَا لَو كَانَ الْإِقْرَار بلفظين قَالَ القَاضِي وَهَذَا بِنَاء على أصلنَا فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي البيع مَعَ انْتِفَاء الْجَهَالَة فِيهِ فَأولى أَن يفرق فِي الْإِقْرَار مَعَ دُخُول الْجَهَالَة فِيهِ وَذكر أَبُو الْخطاب وَالْأَصْحَاب قولا بِعَدَمِ اللُّزُوم وَالصِّحَّة أخذا من تَفْرِيق الصَّفْقَة وقاس القَاضِي الصِّحَّة على الْوَصِيَّة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَكَانَ التَّفْرِيق بَينهمَا مَحل وفَاق وَلَو أقرّ لأَجْنَبِيّ ولعبده بدين فَإِنَّهُ يَصح فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ ذكره مَحل وفَاق وَلَو أقرّ برق خمر

وبزق خل وبملكه وبملك غَيره ذكره مَحل وفَاق وقاس فِي المغنى عدم الصِّحَّة على شَهَادَته لِابْنِهِ وأجنبي وَفرق بِأَن الْإِقْرَار أقوى وَلذَلِك لَا تعْتَبر فِيهِ الْعَدَالَة وَلَو أقرّ بِشَيْء لَهُ فِيهِ نفع كَالْإِقْرَارِ بِنسَب مُوسر قبل وَهَذَا الْفرق على مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَهُوَ عدم صِحَة الشَّهَادَة لَهما وَلنَا قَول تصح شَهَادَته للْأَجْنَبِيّ وَكَأن صَاحب الْمُحَرر رأى أَن الْإِقْرَار لقُوته ودخوله الْجَهَالَة فِيهِ لَا يتَخَرَّج فِيهِ عدم الصِّحَّة مُطلقًا قَالَ وَيتَخَرَّج أَن لَا يلْزم إِذا عزاهُ إِلَى سَبَب وَاحِد أَو أقرّ لأَجْنَبِيّ بذلك وَلم أجد هَذَا التَّخْرِيج لغيره وَهَذَا قَول أبي حنيفَة قَوْله الثَّانِي إِقْرَاره بِالْمَالِ لغير وَارِث فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أصَحهمَا قبُوله هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص وَذكر فِي الْكَافِي أَنه ظَاهر الْمَذْهَب لعدم التُّهْمَة فِي حَقه بِخِلَاف الْوَارِث وَذكر فِي الْمُغنِي أَن الْأَصْحَاب حكوا رِوَايَة لَا يقبل مُطلقًا تَسْوِيَة بَين الْوَارِث وَغَيره لِأَن حق الْوَرَثَة تعلق بِمَالِه أشبه الْمُفلس وَالْفرق ظَاهر قَوْله لَكِن هَل يحاص بِهِ دين الصِّحَّة على وَجْهَيْن وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب رِوَايَتَيْنِ وَأَن أصَحهمَا عدم المحاصة وَذكر القَاضِي فِي مَوضِع أَنه قِيَاس الْمَذْهَب أخذا من مَسْأَلَة الْمُفلس لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أقرّ بعد تعلق الْحق بِمَا لَهُ وَصَححهُ فِي الْخُلَاصَة وَقدمه غير وَاحِد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَصه أَن إِقْرَار لَا يبطل التَّبَرُّعَات السَّابِقَة على الْإِقْرَار يُقَوي أَنهم لَا يزاحمون وَالْقَوْل بالمحاصة ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن أبي مُوسَى وَأَبُو الْحسن التَّمِيمِي وَقَالَ القَاضِي فِي مَوضِع وَقطع بِهِ أَبُو الْخطاب

والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُمَا حقان يجب قضاؤهما من رَأس المَال فتساويا كديني الصِّحَّة وكما لَو ثبتا بِبَيِّنَة وكالمهر وكما لَو أقرّ لَهما جَمِيعًا فِي الْمَرَض ذكره القَاضِي وَغَيره مَحل وفَاق وَاعْترض الْمُخَالف بِأَن مهر الْمثل ثَبت بِالْعقدِ لَا بِالْإِقْرَارِ فَقَالَ القَاضِي النِّكَاح ثَبت بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهَا قد تكون مُطلقَة مِنْهُ فتستحق نصف الْمهْر فَإِذا أقرّ بِالدُّخُولِ اسْتحقَّت كَمَال الصَدَاق بِإِقْرَارِهِ فَيكون نصف الصَدَاق مُسْتَحقّا بِإِقْرَارِهِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا أقرّ فِي مَرضه بدين ثمَّ أقرّ لآخر أَو أقرّ فِي صِحَّته بدين ثمَّ أقرّ فِي مَرضه بوديعة أَو غصب أَو عَارِية فَتخرج على الْوَجْهَيْنِ وعَلى هَذَا لَو أقرّ بدين ثمَّ بوديعة لم يبعدالخلاف انْتهى كَلَامه وَيَنْبَغِي أَن يكون إِن أقرّ لَهُ بِعَين أَن يكون الْمقر لَهُ أولى بهَا على الثَّانِي دون الأول وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَو أقرّ بِعَين لزمَه فِي حَقه وَلم ينْفَرد بهَا الْمقر لَهُ حَتَّى يسْتَوْفى الْغُرَمَاء وَقيل بلَى وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب بعد حِكَايَة الرِّوَايَتَيْنِ فِي المحاصة قَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ بِعَين مَاله لزمَه الْإِقْرَار فِي حَقه وَلم ينْفَرد بِهِ الْمقر لَهُ حَتَّى يسْتَوْفى الْغُرَمَاء قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَهَذَا على الرِّوَايَة الأولة يَعْنِي عدم المحاصة قَوْله وَالْأُخْرَى لَا يقبل فِيمَا زَاد على الثُّلُث فَلَا يحاص دين الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَمْنُوع من عَطِيَّة الزَّائِد على الثُّلُث لأَجْنَبِيّ كالوارث فِيمَا دونه وَعدم

المحاصة عَليّ هَذِه الرِّوَايَة وَاضح ذكره غير وَاحِد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَيُؤْخَذ من معنى كَلَام غَيره فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون الْإِقْرَار بِمَا زَاد على الثُّلُث وَصِيَّة قَالَ وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار بِالثُّلثِ كَذَا قَالَ فَلَو وصّى لآخر بِالثُّلثِ فعلى هَذِه الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يتزاحما فِي الثُّلُث لِأَن رده فِيمَا زَاد على الثُّلُث إِجْرَاء لَهُ مجْرى الْوَصِيَّة وَلَو جَعَلْنَاهُ خَبرا مَحْضا لقبلناه وَلَا فرق اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال للْمقر أَن يبطل حق الْمُوصى لَهُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يملك ذَلِك فِي حق الْوَرَثَة فاذا أقرّ كَانَ كَأَنَّهُ أبطل كل وَصِيَّة زاحمت هَذَا الْإِقْرَار لَكِن على هَذَا تبطل الْوَصَايَا الْمُزَاحمَة لَهُ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل انْتهى كَلَامه قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَالْأُخْرَى لَا يَصح إِلَّا فِي مِقْدَار الثُّلُث إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة بعد وَفَاة الْمقر كَمَا لَو كَانَ الْإِقْرَار لوَارث قَوْله وَإِذا قَالَ هَذِه الْألف لقطَة فتصدقوا بِهِ وَلَا مَال لَهُ غَيره فَهَل يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالْكُلِّ أَو بِالثُّلثِ على رِوَايَتَيْنِ سَوَاء صدقوه أَو كذبوه ظَاهره أَن على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ مُطلقًا وَالْأُخْرَى بِالْجَمِيعِ مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام أبي الْخطاب فِي الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ لزم الْوَرَثَة أَن يتصدقوا بثلثها سَوَاء صدقوه أَو كذبوه وَقَالَ شَيخنَا يلْزمهُم أَن يتصدقوا بجميعها وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب مَا قدمه أَبُو الْخطاب ثمَّ قَالَ هَذَا على رِوَايَة الْجَمَاعَة أَن اللّقطَة تملك بعد الْحول وَعلي رِوَايَة حَنْبَل وَالْبَغوِيّ أَنَّهَا لَا تملك بعد الْحول دَرَاهِم كَانَت أَو غَيرهَا يلْزمهُم أَن يتصدقوا بجميعها انْتهى كَلَامه

وَفِيه نظر فَإِن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ على الْمَذْهَب وَلم يذكر أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة هَذِه الرِّوَايَة الغريبة فِي عدم ملك اللّقطَة وحكوا الْخلاف هُنَا وَلِهَذَا قطع أَبُو الْخطاب والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل بِوُجُوب التَّصَدُّق بِالْجَمِيعِ ونصبا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي الِاكْتِفَاء بِهِ بِالثُّلثِ وَعلل بِأَنَّهُ إِقْرَار لغير وَارِث فمعلوم أَنَّهُمَا لم يريدا بِهَذَا التَّفْرِيع على الرِّوَايَة الغريبة وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة مَا قدمه أَبُو الْخطاب ثمَّ قَالَ وَقيل تكون الْألف صدقه إِذا صدقوه انْتهى كَلَامه وَكَلَام أبي الْخطاب وَغَيره يُخَالِفهُ وَذكر ابْن عبد القوى لُزُوم الصَّدَقَة بِالْجَمِيعِ أشهر الرِّوَايَتَيْنِ وَعلل بِأَنَّهُ إِقْرَار لأَجْنَبِيّ قَالَ وَسَوَاء صدقوه أَو كذبوه وَعنهُ يلْزمهُم الثُّلُث إِن كذبوه بِنَاء على الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي الْإِقْرَار للْأَجْنَبِيّ انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر وَهُوَ خلاف كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ مجد الدّين وَغَيرهمَا لِأَن بَعضهم هُنَا أطلق الْخلاف وَبَعْضهمْ قدم لُزُوم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ مَعَ اتِّفَاقهم على أَن الصَّحِيح صِحَة الْإِقْرَار لأَجْنَبِيّ وَعلل الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لُزُوم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ بِأَن الْأَمر بِالصَّدَقَةِ بِهِ وَصِيغَة بِجَمِيعِ المَال فَيلْزمهُ الثُّلُث وَعلل القَوْل الآخر بِأَن أمره بِالصَّدَقَةِ بِهِ يدل على تعديه فِيهِ على وَجه يلْزمه الصَّدَقَة بِجَمِيعِهِ فَيكون ذَلِك إِقْرَارا مِنْهُ لغير وَارِث فَيجب امتثاله فقد ظهر من ذَلِك أَن الأولى أَن يُقَال نقلا ودليلا أَن على الْمَذْهَب وَهُوَ ملك اللّقطَة وَصِحَّة الْوَصِيَّة هَل يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ أَو بِالْجَمِيعِ على قَوْلَيْنِ قَوْله وَإِذا أعتق عبدا أَو وهبه وَلَا يملك غَيره ثمَّ أقرّ بدين نفذ الْعتْق وَالْهِبَة وَلم يقبل الْإِقْرَار فِي نقضهَا نَص عَلَيْهِ

وَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره عَن نَص الإِمَام أَحْمد قاطعين بِهِ لِأَن الْحق ثَبت فِي التَّبَرُّع فِي الظَّاهِر فَلم يقبل إِقْرَاره فِيمَا يبطل بِهِ حق غَيره قَوْله وَقيل يقبل لثُبُوته عَلَيْهِ باعترافه كَمَا لَو ثَبت بِبَيِّنَة كَمَا سَاوَى دين الْمَرِيض الثَّابِت باعترافه دين الصِّحَّة وَتكلم بَعضهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِكَلَام عَجِيب قَوْله وَإِذا أقرّ الْمَرِيض بدين ثمَّ بوديعة بِعَينهَا أَو بِالْعَكْسِ فَرب الْوَدِيعَة أَحَق بهَا لِأَن صَاحب الدّين لَا يفوت حَقه بِفَوَات الْعين غَالِبا لثُبُوت حَقه فِي الذِّمَّة قَوْله الثَّالِث إِقْرَاره بوارث فَعَنْهُ لَا يقبل وَعنهُ يقبل وَهُوَ الْأَصَح وَصَححهُ أَيْضا القَاضِي وَالشَّيْخ موفق الدّين وَغَيرهمَا وَقدمه جمَاعَة لِأَنَّهُ عِنْد الْإِقْرَار غير وَارِث وَوجه الآخر أَنه عِنْد الْمَوْت وَارِث وَلِأَنَّهُ إِقْرَار لوَارث أشبه مَا لَو أقرّ لَهُ بِمَال قُلْنَا هَذَا إِقْرَار بِمَال من طَرِيق الحكم وَهُنَاكَ من طَرِيق الصَّرِيح وَالْأُصُول تفرق بَين الإقرارين أَلا ترى أَنه لَو اشْترى دَارا من زيد فاستحقت وَعَاد على زيد بِالثّمن ثمَّ ملكهَا الْمُشْتَرى لم يلْزمه تَسْلِيمهَا إِلَى زيد وَإِن كَانَ دُخُوله مَعَه فِي عقد الشِّرَاء إِقْرَارا مِنْهُ بِأَن الدَّار ملك لزيد وَلَو أقرّ صَرِيحًا بِأَن الدَّار ملك لزيد ثمَّ ملكهَا بِوَجْه من الْوُجُوه لزمَه تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو اشْترى إِنْسَان دَارا فاستحقت كَانَ لَهُ الرُّجُوع على البَائِع بالدرك وَلَو أقرّ بِأَن الدَّار للْبَائِع

ثمَّ اشْتَرَاهَا وَقَبضهَا مِنْهُ ثمَّ اسْتحقَّت لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء ذكر هَذَا الْكَلَام القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَذكره أَيْضا فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَيُمكن بِنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة على مَا إِذا أقرّ لغير وَارِث ثمَّ صَار وَارِثا فَمن صحّح الْإِقْرَار ثمَّ صَححهُ هَهُنَا وَمن أبْطلهُ أبْطلهُ وَمَا قَالَه صَحِيح وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام القَاضِي الَّذِي أَخذه من كَلَام الإِمَام أَحْمد إِنَّمَا يَقْتَضِي الْمَنْع إِذا كَانَ لَهُ وَارِث فَأَما من لَا وَارِث لَهُ إِذا أقرّ بوارث فقد نَص الإِمَام أَحْمد فِي الرِّوَايَتَيْنِ على قبُول قَوْله وَمن قَالَ بِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فقد يخرج هَذَا على رِوَايَتَيْنِ انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا أقرّ العَبْد بِحَدّ أَو قَود أَو طَلَاق وَنَحْوه صَحَّ وَأخذ بِهِ فِي الْحَال إِلَّا قَود النَّفس فَإِنَّهُ يتبع بِهِ بعد الْعتْق نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا فَقَالَ إِذا أقرّ أَنه قتل عمدا وَأنكر مَوْلَاهُ فَلم يقم بَيِّنَة لم يجز إِقْرَاره قيل لَهُ يذهب دم هَذَا قَالَ يكون عَلَيْهِ إِذا عتق وَكَذَلِكَ نقل ابْن مَنْصُور عَنهُ إِذا اعْترف بِالسَّرقَةِ أَو بِجرح فَهُوَ جَائِز وَلَا يجوز فِي الْقَتْل وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب والمنصور فِي كتب الْخلاف وَبِه قَالَ زفر والمزنى وَدَاوُد لِأَنَّهُ يسْقط حق السَّيِّد بِهِ أشبه الْإِقْرَار بقتل الْخَطَأ فَإِنَّهُ لَا يلْزمه فِي حَال رقّه ذكره القَاضِي وَغَيره مَحل وفَاق وَلِأَن من لَا يَصح

إِقْرَاره بقتل الْخَطَأ لَا يَصح إِقْرَاره بقتل الْعمد كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَقيل لَا يَصح إِقْرَاره بقود فِي النَّفس فَمَا دونهَا فَلَا يَصح إِقْرَاره بِمَال وَقيل فِي إِقْرَار العَبْد رِوَايَتَانِ بِالْقَتْلِ وَالتَّجْرِيح قَوْله وَقَالَ ابْن عقيل وَأَبُو الْخطاب يُؤْخَذ بِهِ فِي الْحَال أَيْضا وَلَيْسَ للْمقر لَهُ الْعَفو على رَقَبَة العَبْد لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى إِيجَاب مَال فِي حق غَيره وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ أَنه يُؤْخَذ بِهِ فِي الْحَال أَيْضا وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد حِكَايَة قَول ابْن عقيل وَأبي الْخطاب أَن القَاضِي قَالَه فِي ضمن مَسْأَلَة إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ واحتجا بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلِأَنَّهُ مَال فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ مَال لأحد نَوْعي الْقصاص فصح إِقْرَاره بِهِ كَمَا دون النَّفس قَالَ وَبِهَذَا ينْتَقض الدَّلِيل الأول وَلِأَن إِقْرَار مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَصح فَلَو لم يقبل إِقْرَاره لتعطل وعفو الْمقر لَهُ بالقود على رَقَبَة العَبْد أَو على مَال لَيْسَ لَهُ من الْأَصْحَاب من ذكره وَمِنْهُم من لم يذكرهُ وَالشَّيْخ موفق الدّين تفقه فِيهِ فَقَالَ وَيَنْبَغِي وَقد عللوا القَوْل الأول بِأَنَّهُ مُتَّهم فِي أَن يقر لمن يعْفُو على مَال فَيسْتَحق رقبته ليخلص من سَيّده قَوْله وَإِذا أقرّ لعبد بِجِنَايَة خطأ أَو غصب أَو سَرقَة أَو للْعَبد غير الْمَأْذُون لَهُ بِمَال عَن مُعَامَلَته أَو مُطلقًا لم يقبل على السَّيِّد لِأَنَّهُ إِيجَاب حق فِي رَقَبَة مَمْلُوكه لمَوْلَاهُ فَلم يقبل إِقْرَاره على أحد سواهُ

وَقَوله غير الْمَأْذُون لَهُ يَعْنِي يقبل إِقْرَار الْمَأْذُون لَهُ فِي قدر مَا أذن لَهُ فِيهِ كَالصَّبِيِّ الْمَأْذُون لَهُ ذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِي مَسْأَلَة الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ أَن إِقْرَار العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ لَا يلْزمه فِي الْحَال وَلَو كَانَ مَأْذُونا لَهُ لزمَه قَوْله بل يتبع بِهِ بعد الْعتْق عملا بِإِقْرَارِهِ على نَفسه وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ذكرهمَا الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَالْأُخْرَى يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ كجنايته قَوْله وَيقطع للسرقة فِي الْحَال نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا لما تقدم قَالَ فِي المغنى وَيحْتَمل أَن لَا يجب الْقطع لِأَن ذَلِك شُبْهَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة لِأَن هَذِه الْعين لم يثبت حكم السّرقَة فِيهَا فَلم يثبت الْقطع وَقَالَ القَاضِي إِذا أقرّ العَبْد الْمَأْذُون لَهُ بِحَق لزمَه مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِأَمْر التِّجَارَة كالقرض وَأرش الْجِنَايَة وَقتل الْخَطَأ وَالْغَصْب فَحكمه حكم العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره لم يَصح قبل الْإِذْن قَالَ وَلَا يلْزم إِذا أقرّ بدين من جِهَة التِّجَارَة لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ ونصبوا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي قَوْله مُعَلّق بِرَقَبَتِهِ وَقَالَ القَاضِي فَحكمه حكم العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق وَالثَّانيَِة بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق ذَلِك بِذِمَّة السَّيِّد رِوَايَة وَاحِدَة وَاسْتدلَّ القَاضِي بِأَنَّهُ أقرّ بِحَق يتَعَلَّق بِإِتْلَاف يثبت فِي ذمَّته كَمَا لَو أقرّ أَنه أفْضى امْرَأَة بكرا بإصبعه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا الَّذِي قَالَه فِيهِ نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا جعله الْقَرْض من دُيُون غير التِّجَارَة وَهُوَ خلاف مَا فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره الثَّانِي

فصل

أَنه جعله فِيمَا لم يُؤذن لَهُ كالمحجور وَجعل فِي الْمَحْجُور رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَالرِّوَايَتَانِ فِيمَا ثَبت من مُعَاملَة الْمَحْجُور عَلَيْهِ فَأَما مَا أقرّ بِهِ هُوَ وَلم يصدقهُ السَّيِّد وَلَا قَامَت بِهِ بَيِّنَة فَإِنَّهُ لَا يثبت فِي رقبته وجنايته على النُّفُوس وَالْأَمْوَال تتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ وَالرِّوَايَة الْأُخْرَى فِيهَا غَرِيبَة وَمَا قصد القَاضِي إِلَّا دُيُون الْمُعَامَلَة كَمَا فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره إِلَّا أَن يُرِيد القَاضِي بالقرض مَالا تعلق لَهُ بِالتِّجَارَة وَمَا زَاد على قدر الْإِذْن انْتهى كَلَامه وبناه أَبُو حنيفَة على أَن ضَمَان الْغَاصِب يجْرِي مجْرى البيع الْفَاسِد بِدَلِيل أَنه يتَعَلَّق بِهِ تمْلِيك وَلَو أقرّ بشرَاء فَاسد لزمَه كَذَلِك إِذا أقرّ بِالْغَصْبِ فَقَالَ القَاضِي لَا نسلم أَن الْملك يتَعَلَّق بِالْغَصْبِ وَلَا بِالْبيعِ الْفَاسِد وَلَو أقرّ أَنه أفْضى آمرأة بكرا لم يُؤْخَذ فِي الْحَال عِنْده قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَبُو حنيفَة بناه على أَصله فِي أَن الْإِذْن فك الْحجر مُطلقًا فَيبقى فِي الْأَمْوَال كَالْحرِّ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا يتَوَجَّه فِيمَن أقرّ بِحَق الْغَيْر وَهُوَ غير مُتَّهم كإقرار العَبْد بِجِنَايَتِهِ الْخَطَأ وَإِقْرَار الْقَاتِل بِجِنَايَتِهِ الْخَطَأ أَن يَجْعَل الْمقر كشاهد وَيحلف مَعَه الْمُدعى فِيمَا يثبت بِشَاهِد وَيَمِين أَو يُقيم شَاهدا آخر كَمَا قُلْنَا فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِالنّسَبِ هَذَا هُوَ الْقيَاس وَالِاسْتِحْسَان انْتهى كَلَامه فصل قَالَ القَاضِي فَإِن حجر الْوَلِيّ عَلَيْهِ فَأقر بدين بعد الْحجر لم يصدق وَقَالَ فِي رِوَايَة حَنْبَل إِذا حجر الْوَلِيّ على العَبْد فَبَايعهُ رجل بعد مَا علم أَن مَوْلَاهُ حجر عَلَيْهِ لم يكن لَهُ شَيْء لِأَنَّهُ هُوَ أتلف مَاله وَاحْتج القَاضِي بِأَن الْحجر لَا يَتَبَعَّض فَإِذا صَار مَحْجُورا عَلَيْهِ فِي البيع وَالشِّرَاء وَجب أَن يصير مَحْجُورا عَلَيْهِ فِي إِيجَاب الدّين

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَذَلِكَ ذكر أَبُو مُحَمَّد فصلوا بَين أَن يَأْذَن لَهُ مرّة ثَانِيَة أَو لَا يَأْذَن لَهُ وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَ عَلَيْهِ دين يُحِيط بِمَا فِي يَده فَإِقْرَاره بَاطِل وَإِن لم يكن عَلَيْهِ دين وَكَانَ فِي يَده مَال لزمَه فِي المَال وَلَا يلْزم فِي رقبته وَاحْتج بِأَن يَده ثَابِتَة على المَال بعد الْحجر بِدَلِيل أَنه لَو حجر عَلَيْهِ وَله ودائع عِنْد أَقوام كَانَ هُوَ الَّذِي يتقاضاها وَلَا يبطل الْحجر مَا ثَبت لَهُ من الْحق وَلم يمْنَع القَاضِي هَذَا الْوَصْف قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَاحْتج أَبُو الْخطاب وَغَيره بِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ بِالرّقِّ فَلم يَصح إِقْرَاره كَمَا لَو كَانَ عَلَيْهِ دين يُحِيط بِمَا فِي يَده وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس الْمَذْهَب صِحَة إِقْرَاره مُطلقًا كالحاكم وَالْوَكِيل وَالْوَصِيّ بعد الْعَزْل وَلِأَن الْحجر عندنَا يَتَبَعَّض ثبوتا فيتبعض زوالا انْتهى كَلَامه وَاحْتج الشريف وَغَيره بِأَن الْحجر لَا يَتَبَعَّض فَإِذا كَانَ مَحْجُورا عَلَيْهِ فِي البيع والابتياع لم يَصح بِالْإِقْرَارِ فِي الدّين وَلنَا أَن نقُول حجر يمْنَع بعض التَّصَرُّف فِي أَعْيَان المَال لحق الْغَيْر فَمنع التَّصَرُّف مُطلقًا لحقه أَيْضا تَسْوِيَة بَين تَصَرُّفَاته وَلِأَنَّهُ مَحْجُور عَلَيْهِ لحق الْغَيْر فَلم يقبل إِقْرَاره كالمحجور عَلَيْهِ لفلس أَو سفه يقر بدين وَعَلِيهِ دين قبل الْحجر قَوْله وَلَو أقرّ بِالْجِنَايَةِ مكَاتب تعلّقت بِرَقَبَتِهِ وذمته ذكره القَاضِي وَذكره أَيْضا أَصْحَابه كَأبي الْخطاب والشريف فَإِنَّهُم قَالُوا لزمَه فَإِن عجز بيع فِيهَا إِن لم يفده الْمولى وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب لَزِمته فَإِن عجز تعلّقت بِرَقَبَتِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يستسعى فِيهَا فِي الْكِتَابَة وَإِن عجز بَطل إِقْرَاره بهَا وَسَوَاء قَضَاهَا أَو لم يقضها

وَعَن الشَّافِعِي كَقَوْلِنَا وَعنهُ أَنه مَوْقُوف إِن أدّى الْكِتَابَة لَزِمته وَإِن عجز بَطل فَمن أَصْحَابنَا من اقْتصر فِي حِكَايَة هَذَا القَوْل وَمِنْهُم من زَاد حَتَّى يعْتق وَاحْتج الْأَصْحَاب بِأَن إِقْرَار لزمَه فِي حَال الْكِتَابَة فَلَا يبطل بعجزه كَالْإِقْرَارِ بِالدّينِ وَعَن الشَّافِعِي أَن الْمكَاتب فِي يَد نَفسه فصح إِقْرَاره بِالْجِنَايَةِ كَالْحرِّ قَالُوا وَلَا يلْزم الْمَأْذُون لَهُ لِأَنَّهُ فِي يَد الْمولى قَوْله وَيتَخَرَّج أَن لَا يتَعَلَّق إِلَّا بِذِمَّتِهِ كالمأذون بِجَامِع الرّقّ وَقد تقدم الْفرق قَوْله وَلَو أقرّ السَّيِّد على العَبْد بِشَيْء مِمَّا ذكرنَا لم يقبل عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يملك من العَبْد إِلَّا المَال قَوْله وَلم يلْزم السَّيِّد مِنْهُ إِلَّا فدَاء مَا يتَعَلَّق بِالرَّقَبَةِ لَو ثَبت بِالْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ إِيجَاب حق فِي مَاله وكجناية الْخَطَأ وَقطع بِهَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي المغنى وَيحْتَمل أَن يَصح إِقْرَار الْمولى عَلَيْهِ بِمَا يُوجب الْقصاص وَيجب المَال دون الْقصاص قَوْله وَإِذا أقرّ عبد غير مكَاتب أَو أقرّ لَهُ سَيّده بِمَال لم يَصح أما الْمَسْأَلَة الأولى فَلِأَن مَال العَبْد لسَيِّده وَلَو قُلْنَا بِأَنَّهُ يملك فقد أقرّ لَهُ بِمَالِه فَلم يفد إِقْرَاره شَيْئا وَكَانَ هَذَا على الْمَشْهُور وَهُوَ عدم ثُبُوت مَال لسَيِّد عبد فِي ذمَّته وَهُوَ الَّذِي قطع بِهِ غير وَاحِد

وَقَالَ بعض الْأَصْحَاب وَيحْتَمل أَن يَصح إقرارهما بِمَا يكذبهما إِن قُلْنَا العَبْد يملك وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِقْرَاره لسَيِّده ينبنى على ثُبُوت مَال السَّيِّد فِي ذمَّة العَبْد ابْتِدَاء ودواما وفيهَا ثَلَاثَة أوجه فِي الصَدَاق وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَلَمَّا تقدم من أَن مَال العَبْد لسَيِّده فَلَا يَصح إِقْرَاره لنَفسِهِ وَفِيه الإحتمال فِي الَّتِي قبلهَا وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَإِقْرَار سَيّده لَهُ يَنْبَنِي على أَن العَبْد إِذا قيل يملك هَل يثبت لَهُ دين على سَيّده انْتهى كَلَامه وَالْمَشْهُور لَا يثبت قَوْله وَمن أقرّ أَنه بَاعَ عَبده نَفسه بِأَلف فَصدقهُ لزمَه الْألف وَإِن كذبه حلف وَلم يلْزمه شَيْء وَيعتق فيهمَا أما لُزُوم الْألف فِي حَالَة التَّصْدِيق فلاتفاقهما عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَيكون كالكتابة قَالَ ابْن عبد الْقوي وَهُوَ كالكتابة فِي ذمَّة العَبْد لَكِنَّهَا حَالَة وَيعتق فِي الْحَال وَهَذَا معنى كَلَام غَيره وَأما عتقه فِي حَالَة التَّكْذِيب فلإقراره بذلك وَهُوَ يدعى عَلَيْهِ شَيْئا الأَصْل عَدمه فَلهَذَا لم يلْزمه شَيْء وَيحلف على نَفْيه وَقيل لَا يحلف وَهَذَا غَرِيب قَوْله من أقرّ لعبد غَيره بِمَال صَحَّ وَكَانَ لسَيِّده وَبَطل برده وَمُقْتَضى هَذَا أَنه يلْزمه بتصديقه وَصرح بِهِ غَيره لِأَن يَد العَبْد كيد سَيّده وَالْحق للسَّيِّد فِيهِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا قُلْنَا يَصح قبُول الْهِبَة وَالْوَصِيَّة بِلَا إِذن السَّيِّد

فرع

لم يفْتَقر الْإِقْرَار إِلَى تَصْدِيق السَّيِّد وَقد يُقَال بل وَإِن لم نقل بذلك نَحْو أَن يكون قد تملك مُبَاحا فَأقر بِعَيْنِه أَو أتْلفه وَضمن قِيمَته انْتهى كَلَامه وَهُوَ مُتَوَجّه فرع وَإِن أقرّ لعبد بِنِكَاح أَو قصاص أَو تعزيز أَو حد قذف صَحَّ وَإِن كذبه السَّيِّد ذكره الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لِأَن الْحق لَهُ دون سَيّده وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا فِي النِّكَاح فِيهِ نظر انْتهى فَجعل النّظر فِي النِّكَاح خَاصَّة فَإِن العَبْد لَا يَصح نِكَاحه إِلَّا بِإِذن سَيّده فَإِن فِي ثُبُوت نِكَاح العَبْد ضَرَرا عَلَيْهِ فَلَا يقبل إِلَّا بِتَصْدِيق السَّيِّد كإقرار الْقَاتِل بِجِنَايَة الْخَطَأ انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشَّيْخ شمس الدّين بن عبد الْقوي إِذا قُلْنَا الْوَاجِب أحد شَيْئَيْنِ الْقصاص أَو الدِّيَة يحْتَمل أَن للسَّيِّد الْمُطَالبَة بِالدِّيَةِ مالم يعف العَبْد انْتهى كَلَامه وَالْقَوْل بِأَن للسَّيِّد الْمُطَالبَة بِالدِّيَةِ فِيهِ إِسْقَاط حق العَبْد مِمَّا جعله الشَّارِع مُخَيّرا فِيهِ فَيكون منفيا قَوْله وَإِن أقرّ ببهيمة لم يَصح هَذَا الَّذِي قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَغَيرهمَا لِأَنَّهَا لَا تملك وَلَا لَهَا أَهْلِيَّة الْملك قَوْله وَقيل يَصح وَيكون لمَالِكهَا فَيعْتَبر تَصْدِيقه كَالْإِقْرَارِ للْعَبد قَالَ فِي الرِّعَايَة كَمَا لَو أقرّ بِسَبَبِهَا أَو بِسَبَب دَار

وَقَالَ فِي المغنى وَإِن قَالَ على بِسَبَب هَذِه الْبَهِيمَة لم يكن إِقْرَارا لِأَنَّهُ لم يذكر لمن هِيَ وَمن شَرط صِحَة الْإِقْرَار ذكر الْمقر لَهُ وَإِن قَالَ لمَالِكهَا أَو لزيد على بِسَبَبِهَا ألف صَحَّ الْإِقْرَار وَإِن قَالَ بِسَبَب حمل هَذِه الْبَهِيمَة لم يَصح إِذا لم يُمكن إِيجَاب شَيْء بِسَبَب الْحمل وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن هَذَا القَوْل هَذَا هُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي فِي ضمن مَسْأَلَة الْحمل فَإِنَّهُ قَالَ من صَحَّ الْإِقْرَار لَهُ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِرْث صَحَّ الْإِقْرَار الْمُطلق لَهُ كالطفل والبالغ فَقيل لَهُ هَذَا يبطل بِالْإِقْرَارِ للبهيمة فَإِنَّهُ لَا يَصح وَتَصِح الْوَصِيَّة لَهَا لِأَنَّهُ لَو أوصى بِمِائَة دِرْهَم علق بهَا دَابَّة فلَان لم يَسْتَحِقهَا صَاحبهَا وَوَجَب صرفهَا إِلَى عَلفهَا وَمَعَ هَذَا إِن أبهم الْإِقْرَار لَهَا لم يَصح فَقَالَ هَذَا لَا يبطل لِأَن الأقرار هُنَاكَ صَحِيح لِأَنَّهُ لصَاحب الْبَهِيمَة وَلَيْسَ للبهيمة وَالَّذِي يدل على ذَلِك أَنه إِذا رد الْوَصِيَّة لم تصح وَإِذا قبلهَا صحت ثمَّ ذكر فِي نفس الْمَسْأَلَة أَنه يَصح لما قاسه الْمُخَالف وَقَالَ لَا خلاف أَنه لَو قَالَ لهَذِهِ الْبَهِيمَة على ألف دِرْهَم لم يَصح إِقْرَاره كَذَلِك الْحمل فَقَالَ القَاضِي وعَلى أَن الْبَهِيمَة لَا يَصح الْإِقْرَار لَهَا إِذا كَانَ مُضَافا إِلَى الْوَصِيَّة وَالْحمل يَصح الْإِقْرَار لَهُ إِذا كَانَ مُضَافا إِلَى الْوَصِيَّة انْتهى كَلَامه وَلَا يخفى أَن فِيهِ نظر قَوْله وَمن أقرّ لحمل امْرَأَة بِمَال صَحَّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَنَصره القَاضِي وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم وَذكر الشَّيْخ زين بن المنجا أَنه الْمَذْهَب لِأَنَّهُ يجوز أَن يملك بِوَجْه صَحِيح وَهُوَ الْوَصِيَّة وَالْإِرْث فَيحمل عَلَيْهِ الْمُطلق حملا لكَلَام الْمُكَلف على الصِّحَّة كَالْإِقْرَارِ لطفل وَهَذَا أصح قولى الشَّافِعِي قَوْله إِلَّا أَن تلقيه مَيتا أَو يتَبَيَّن أَن لَا حمل فَيبْطل

كَذَا قطع بِهِ غير وَاحِد لفَوَات شَرطه وَذكر فِي المغنى وَالْكَافِي أَنه إِذا خرج مَيتا وَقد كَانَ عزى الاقرار إِلَى إِرْث أَو وَصِيَّة عَادَتْ إِلَى وَرَثَة الْمُوصى وموروث الطِّفْل وَإِن أطلق الاقرار كلف ذكر السَّبَب فَيعْمل بقوله فَإِن تعذر التَّفْسِير بِمَوْتِهِ أَو غَيره بَطل إِقْرَاره كمن أقرّ لرجل لَا يعرف من أَرَادَ بِإِقْرَارِهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين ظَاهر مَا فِي الْكتاب يبطل مُطلقًا وَقَالَ أَيْضا قد ثَبت أَن المَال للْحَمْل إِمَّا ارثا أَو وَصِيَّة وَأَنه بالقائه مَيتا يكون لوَرَثَة مَا فَإِذا لم يعرفوا ذَلِك يكون بِمَنْزِلَة أَن يَقُول هَذَا المَال الَّذِي فِي يَدي وَدِيعَة أَو غصب وَلَا يذكر الْمَالِك أَو يَقُول لَا أعرف عينه قَوْله وَإِن ولدت حَيا وَمَيتًا فَالْمَال للحي لِأَن الشَّرْط فِيهِ مُحَقّق قَوْله وَإِن ولدت ذكرا وَأُنْثَى حيين فَهُوَ لَهما بِالسَّوِيَّةِ لعدم المزية لأَحَدهمَا على الآخر قَوْله إِلَّا أَن يعزوه إِلَى مَا يُوجب التَّفَاضُل من إِرْث أَو وَصِيَّة تَقْتَضِيه فَيعْمل بِهِ وَهَذَا قَول ابْن حَامِد وَكَذَا ذكر فِي المغنى وَغَيره وَذكر فِي الرِّعَايَة هَذَا قولا وَقدم التَّسْوِيَة وَلَيْسَ بجيد وَذكر فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه بَينهمَا نِصْفَيْنِ من غير تَفْضِيل وَمرَاده مَا تقدم

فصل

قَوْله وَقَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي لَا يَصح الْإِقْرَار للْحَمْل إِلَّا أَن يعزوه إِلَى إِرْث أَو وَصِيَّة فَيصح وَيكون بَين الِاثْنَيْنِ على حسب ذَلِك وَهَذَا قَول أبي حنيفَة لِأَنَّهُ لَا يملك بِغَيْر الارث وَالْوَصِيَّة وَالِاسْتِدْلَال بهَا على ذكر السَّبَب فِيهِ نظر وَقد وَقع الِاتِّفَاق على صِحَة الْإِقْرَار للطفل مَعَ انحصار السَّبَب فِيهِ كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا وَقد ذكر بعض الْأَصْحَاب قولا بِعَدَمِ صِحَّته مُطلقًا وَلَا أَحْسبهُ قولا فِي الْمَذْهَب وَيُقَال عزوته إِلَى كَذَا أَو عزيته وأعزوه وعزواه وعزياه لُغَتَانِ وَالْوَاو أفْصح فصل وَإِن قَالَ لهَذَا الْحمل على ألف دِرْهَم أقرضنيها فَذكر الشَّيْخ موفق الدّين تَفْرِيعا على قَول ابْن حَامِد أَنه يَصح إِقْرَاره فِي قِيَاس الْمَذْهَب لِأَنَّهُ وَصله بِمَا يسْقطهُ فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ ألف لَا تلزمني فَإِن قَالَ أَقْرضنِي ألفا لم يَصح لِأَن الْقَرْض إِذا سقط لم يبْق شَيْء يَصح بِهِ الْإِقْرَار قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصِّلَة المناقضة لفظا ظَاهرا فَأَما الصِّلَة المناقضة شرعا كَقَوْلِه من ثمن خمر أَو خِنْزِير فَوَجْهَانِ وَهَذِه الصِّلَة مناقضة عقلا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ ألف من ثمن مَبِيع من ألف سنة وَمن أُجْرَة من مائَة عَام وَنَحْو ذَلِك فصل وَإِن أقرّ لمَسْجِد أَو مَقْبرَة أَو طَرِيق وَعَزاهُ إِلَى سَبَب صَحِيح مثل أَن يَقُول

من غلَّة وَقفه صَحَّ وَإِن أطلق خرج على الْوَجْهَيْنِ قبلهَا فَإِن صَحَّ نزل على مَا يُمكن من ذَلِك وَغَيره وَإِن أقرّ لدار أَو دكان لم يَصح قَوْله وَمن أقرّ بِمَال فِي يَده لغيره فكذبه بَطل إِقْرَاره لِأَنَّهُ لَا يقبل قَول الْغَيْر على غَيره فِي ثُبُوت حق لَهُ يُنكره قَوْله وَأقر بِيَدِهِ وَقدمه أَيْضا غَيره جعلا لإِقْرَاره كَالْعدمِ فِي الْبطلَان قَوْله وَقيل ينتزع مِنْهُ لبيت المَال لِأَنَّهُ ضائع لِخُرُوجِهِ من ملك الْمقر وَعدم دُخُوله فِي ملك الْمقر لَهُ وَذكر ابْن عبد الْقوي على هَذَا يعطاه من قَامَت لَهُ بَيِّنَة بِهِ أَو وَصفه كَسَائِر الْأَمْوَال الضائعة قَوْله فعلى هَذَا أَيهمَا غير قَوْله لم يقبل مِنْهُ لِأَنَّهُ تعلق الْحق بِبَيْت المَال فَصَارَ كزائد قَوْله وعَلى الأول وَهُوَ الْمَذْهَب إِن عَاد الْمقر فَادَّعَاهُ لنَفسِهِ أَو لثالث قبل مِنْهُ وَقطع بِهِ الشَّيْخ موفق الدّين فِي مسَائِل اللَّقِيط لما تقدم من جعل إِقْرَاره كَالْعَبْدِ يقر سَيّده وَمن ادّعى عينا فِي يَده أَو أقرّ بهَا قبل مِنْهُ وَذكر فِي الرِّعَايَة أَنه يقبل مِنْهُ فِي الْأَشْهر كَمَا لَو قَالَ غَلطت وَعدم الْقبُول مُطلقًا حَتَّى مَعَ الْغَلَط عَلَيْهِ يدل كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين فِي الْأَقْضِيَة والدعاوي لاعْتِرَافه أَنَّهَا لغيره فَلَا يسمع مِنْهُ الرُّجُوع عَن إِقْرَاره وَصُورَة الْغَلَط

تشبه صُورَة الْجَهْل وَهِي أَن من أنكر المَال الْمقر بِهِ لَهُ فيصدقه الْمقر ثمَّ بَان أَنه للْمقر لَهُ فَهَل يسْقط حق الْمقر لَهُ بإنكاره جهلا أم لَا يسْقط ويغرمه الْمقر كَمَا فِي الرِّعَايَة أَنه لَا يسْقط ويغرمه الْمقر وَفِيه احْتِمَال قَوْله وَلم يقبل بعْدهَا عود الْمقر لَهُ أَولا إِلَى دَعْوَاهُ لتَعلق حق غَيره بذلك وَلَا يملك إِسْقَاطه قَوْله وَلَو كَانَ عوده إِلَى دَعْوَاهُ قبل ذَلِك فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يقبل لدعواه شَيْئا لَا مُنَازع لَهُ فِيهِ وَالثَّانِي لَا يقبل لِأَنَّهُ لم يثبت اسْتِحْقَاقه بتكذيبه وَلَيْسَ هُوَ بِصَاحِب يَد فَيقبل مِنْهُ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَذَلِك يَجِيء الْوَجْهَانِ فِي كل مالم يتَعَلَّق بِهِ حق غَيره إِذا أنكر اسْتِحْقَاقه وَالنّسب فِيهِ حق الْوَلَد وَسَتَأْتِي الزَّوْجِيَّة فِيهَا قَولَانِ قَوْله وَلَو كَانَ الْمقر لَهُ عبدا أَو نفس الْمقر بِأَن يقر بِرَقَبَتِهِ للْغَيْر فَهُوَ كَغَيْرِهِ من الْأَمْوَال على الأول يَعْنِي على قَوْلنَا يقر بِيَدِهِ لِأَنَّهُ مَال فَأشبه غَيره من الْأَمْوَال وَلَا حريَّة مَعَ ثُبُوت الْيَد عَلَيْهِ قَوْله وعَلى الثَّانِي يحكم بحريتهما يَعْنِي على قَوْلنَا ينْزع لبيت المَال لِأَنَّهُ لَا يَد لأحد عَلَيْهِ وَالْأَصْل فِي بني آدم الْحُرِّيَّة فَعمل بهَا وَلَا ناقل عَنهُ وَقد ذكر الشَّيْخ موفق الدّين فِي اللَّقِيط إِذا أقرّ إِذا بِالرّقِّ ابْتِدَاء لإِنْسَان فَصدقهُ فَهُوَ كَمَا لَو أقرّ بِهِ جَوَابا وَإِن كذبه بَطل إِقْرَاره فَإِن بِهِ بعد ذَلِك لرجل آخر جَازَ

وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا يتَوَجَّه أَن لَا يسمع إِقْرَاره الثَّانِي لِأَن إِقْرَاره الأول يتَضَمَّن الِاعْتِرَاف بِنَفْي مَالك لَهُ سوى الْمقر لَهُ فَإِذا بَطل إِقْرَاره برد الْمقر لَهُ بَقِي الِاعْتِرَاف بِنَفْي مَالك لَهُ غَيره فَلم يقبل إِقْرَاره بِمَا نَفَاهُ كَمَا لَو أقرّ بِالْحُرِّيَّةِ ثمَّ أقرّ بعد ذَلِك بِالرّقِّ وَلنَا أَنه إِقْرَار لم يقبله المقرله فَلم يمْنَع إِقْرَاره ثَانِيًا كَمَا لَو أقرّ بِثَوْب ثمَّ أقرّ بِهِ لآخر بعد رد الأول وَفَارق الْإِقْرَار بِالْحُرِّيَّةِ فَإِن إِقْرَاره بهَا يبطل وَلَو لم يرد انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا أقرَّت الْمَرْأَة على نَفسهَا بِالنِّكَاحِ فَعَنْهُ لَا يقبل لِأَن النِّكَاح يفْتَقر إِلَى شَرَائِط لَا يعلم حُصُولهَا بِالْإِقْرَارِ وَلِأَنَّهَا تَدعِي حَقًا لَهَا وَهِي النَّفَقَة وَالْكِسْوَة وَالسُّكْنَى قَوْله وَعنهُ يقبل وَهُوَ الْأَصَح وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ حق عَلَيْهَا فَقبل كَمَا لَو أقرَّت بِمَال وَقد قَالَ الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى إِذا ادّعى اثْنَان عبدا فَأقر أَنه لأَحَدهمَا فَهُوَ للْمقر لَهُ ومرادهم وَلَيْسَ هُوَ فِي يَد أحد كَمَا لَو صَرَّحُوا بِهِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يلْتَفت إِلَى إِقْرَاره وَهُوَ بَينهمَا وَاحْتَجُّوا بِأَن من صَحَّ إِقْرَاره للْمُدَّعِي إِذا كَانَ مُنْفَردا صَحَّ إِذا كَانَ لأحد المتداعيين كَالَّذي فِي يَده مَال وَأقر بِهِ لغيره وَهَذَا التَّعْلِيل جَار فِي مَسْأَلَتنَا وَلَا خَفَاء أَن المُرَاد غير الْمُجبرَة أما الْمُجبرَة فَلَا يقبل إِقْرَارهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْمُجبرَة لَا معنى لقبُول قَوْلهَا وَقَالَ أَيْضا وَكَلَام القَاضِي وَالْجد وَإِن تضمن أَن إِقْرَار الْمُجبرَة بِالنِّكَاحِ

كإقرار غَيرهَا فَهُوَ فِي غَايَة الضعْف فَإِن الْمُجبرَة فِي النِّكَاح بِمَنْزِلَة السَّفِيه فِي المَال إِذا أقرّ بِعقد بيع لَا يَصح وَإِن صدق فِي إِقْرَاره لِأَنَّهُ إِقْرَار على الْغَيْر قَوْله وَعنهُ إِن ادّعى زوجيتها وَاحِد قبل وَإِن ادَّعَاهَا اثْنَان لم يقبل نقلهَا الْمَيْمُونِيّ قطع فِي الْمُغنِي أَنه لَا يقبل مِنْهَا إِذا ادَّعَاهَا اثْنَان وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن القَاضِي نصر ذَلِك لِأَنَّهَا متهمة فِي إِقْرَارهَا فِي أَنَّهَا مَالَتْ لأَحَدهمَا لجماله وَمَاله وَلِهَذَا منعناها أَن تلِي عقد النِّكَاح فَصَارَ كإقرار العَبْد بقتل الْخَطَأ لَا يقبل وَلَو أقرّ بقتل الْعمد قبل لِأَنَّهُ غير مُتَّهم فِي ذَلِك بِخِلَاف مَا إِذا كَانَ الْمُدعى وَاحِدًا لِأَنَّهُ لَا تُهْمَة تلْحق لإمكانها عقد النِّكَاح عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا تعترف بِأَن بضعهَا ملك عَلَيْهَا فَصَارَ إِقْرَارا بِحَق غَيرهَا وَلَو أَرَادَت ابْتِدَاء تَزْوِيج أَحدهمَا قبل انفصالها من دَعْوَى الآخر لم يكن لَهما وَهَذَا بِخِلَاف دعواهما عينا فِي يَد ثَالِث فَأقر لأَحَدهمَا فَإِنَّهُ يقبل لِأَنَّهَا لَا تثبت بِإِقْرَارِهِ إِنَّمَا يَجْعَل الْمقر لَهُ كصاحب الْيَد فَيحلف وَالنِّكَاح لَا يسْتَحق بِالْيَمِينِ فَلم ينفع الْإِقْرَار بِهِ هُنَا قَالَ القَاضِي وَهَذَا بِخِلَاف من ادّعى عَلَيْهِ اثْنَان عقد بيع فَإِن إِقْرَاره لأَحَدهمَا لَا تُهْمَة فِيهِ فَإِن الْغَرَض المَال وَهَذَا يحصل مِنْهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كِلَاهُمَا سَوَاء فِي الْعرف وَالشَّرْع فَإِنَّهُ إِذا ادَّعَاهَا اثْنَان تقدر أَن تتَزَوَّج بِأَحَدِهِمَا أَيْضا إِذا حَلَفت للْآخر كَمَا فِي البيعين وَإِن كَانَ الْمَانِع الدّين فَلَا فرق بَين أَن تحلف للْآخر أَو تنكره وَهُوَ زَوجهَا وَفِي الْبَاطِن لَا يُمكنهَا إِنْكَاره وَلَا الْحلف وَفِي الظَّاهِر يُمكن كِلَاهُمَا وَإِن لم يُوجب

عَلَيْهَا يَمِينا فَهِيَ يَكْفِي مُجَرّد إنكارها فَالْحَاصِل أَن مُجَرّد الدَّعْوَى لَا تمنعها من شَيْء انْتهى كَلَامه قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق إدا ادعِي نفسان زوجية امْرَأَة فأقرت لأَحَدهمَا فَهَل يقبل إِقْرَارهَا أم لَا نقل الْمَيْمُونِيّ عَن الإِمَام أَحْمد إِذا ادّعَيَا امْرَأَة وأقرت لوَاحِد مِنْهُمَا وجاءا بِشَاهِدين وَلم يَجِيء ولي فرق بَينهمَا فَإِن أنكرتهما وَقَامَت لكل وَاحِد مِنْهُمَا بَيِّنَة أَنَّهَا امْرَأَته فَهُوَ على مَا يَقُول الْوَلِيّ لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا مكذب بَيته صَاحبه فَإِن لم يكن ولي فسخت النِّكَاح قَالَ وَظَاهر هَذَا أَنه لَا يقبل إِقْرَارهَا وَإِذا أقرّ الْوَلِيّ لأَحَدهمَا قبل إِقْرَاره وَحكم بهَا لمن أقرّ لَهُ الْوَلِيّ وَحكم الْبَيِّنَتَيْنِ إِذا تعارضتها فِي النِّكَاح أَن تسقطا ويكونان كمن لَا بَيِّنَة لَهما فَيجْرِي الْإِقْرَار مَعَ الْبَيِّنَة مجْرَاه مَعَ عدمهَا وَإِنَّمَا قبل إِقْرَار الْوَلِيّ لِأَنَّهُ يملك العقد عَلَيْهَا أَن لِأَن الْمَسْأَلَة مَحْمُولَة على أَن الْوَلِيّ يملك الْإِجْبَار على النِّكَاح وَمن ملك العقد ملك الْإِقْرَار بِهِ فَأَما الْمَرْأَة فَلم يقبل إِقْرَارهَا فِي هَذَا الْموضع لما نذكرهُ فَإِن كَانَ الْمُدعى وَاحِدًا فأقرت لَهُ فَهَل يقبل إِقْرَارهَا أم لَا يتَخَرَّج على رِوَايَتَيْنِ نَص عَلَيْهِمَا فِي الرّقّ إِذا ادّعى رجل رق امْرَأَة فأقرت لَهُ قَالَ وَحكم الْعتْق وَالنِّكَاح سَوَاء لِأَن المزيل لَهما مبْنى على التغليب والسراية وَهُوَ الْعتْق وَالطَّلَاق قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَوْله إِذا ادّعَيَا نِكَاح امْرَأَة وأقرت لوَاحِد مِنْهُمَا وَجَاء بِشَاهِدين وَلم يَجِيء بولِي فرق بَينهمَا مضمونها أَنه يفرق بَينهمَا مَعَ قيام الْبَيِّنَة بِالنِّكَاحِ وَهَذَا يبين أَنه لم يكن لرد الْإِقْرَار لِأَن الْبَيِّنَة قد شهِدت بِمَا أقرَّت بِهِ لِأَن قَوْله وَجَاء فِيهِ ضمير مُفْرد لَا مثنى هَذَا ظَاهره لِأَنَّهُ قَالَ وأقرت لوَاحِد مِنْهُمَا وجاءا بِشَاهِدين فرق بَينهمَا فَهَذِهِ ضمائر الْوحدَة وَهَذَا يبين لَك أَن الرَّد لم يكن لكَونه ادَّعَاهَا اثْنَان فأقرت لأَحَدهمَا وَإِنَّمَا النِّكَاح

عِنْده ثَابت فأبطله لعدم الْوَلِيّ أَلا ترَاهُ يَقُول فرق بَينهمَا وَهَذَا إِنَّمَا يُقَال فِي النِّكَاح المنعقد لَا فِيمَا لم يثبت وَلَيْسَ فِي الرِّوَايَة أَنَّهَا اجْتمعت بِمن أقرَّت لَهُ فَعلم أَن قَوْله فرق بَينهمَا للثبوت وَحِينَئِذٍ فَيحْتَمل أَن يكون الْإِبْطَال لِأَن الْبَيِّنَة شهِدت على عقد مُجَرّد لم يتَضَمَّن مُبَاشرَة الْوَلِيّ وَهَذِه الشَّهَادَة لَا تصح كَمَا ذكره القَاضِي أخذا من مَفْهُوم كَلَامه أَو شهِدت على عقد بِغَيْر ولي فَتكون قد صرحت الْبَيِّنَة بِعَدَمِ الْوَلِيّ فَلَا ريب أَنه بَاطِل عِنْده وَيحْتَمل أَن الدَّعْوَى بِالنِّكَاحِ عَن امْرَأَة لَا تصح وَإِنَّمَا تصح على وَليهَا مَعهَا لِأَن الْمَرْأَة وَحدهَا لَا يَصح مِنْهَا بذل النِّكَاح وَلَا الْإِقْرَار بِهِ كَمَا دلّ عَلَيْهِ كَلَامه كَمَا لَو ادّعى عَلَيْهَا الرّقّ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بِنَاء على أَن الْمَرْأَة لَا تعقد النِّكَاح وَإِنَّمَا يعقده وَليهَا فالدعوى عَلَيْهَا كالدعوى على السَّفِيه بِعقد بيع أَو الدَّعْوَى على أحد الْوَصِيّين بِعقد بيع وَإِذا لم يَصح وَالشَّهَادَة الْقَائِمَة شَهَادَة على غير خصم فَفِيهِ حكم على ولي غَائِب عَن الْمجْلس يُمكن حُضُوره فَلَا يَصح أَو لِأَن الشَّهَادَة لم تكن عَلَيْهِ فَإِنَّهَا لَا تصح إِلَّا بِحُضُورِهِ فَيُفَرق بَينهمَا حَتَّى يثبت النِّكَاح أَو لأجل ثُبُوت فَسَاده أَلا ترَاهُ قَالَ فِي الصُّورَة الثَّانِيَة فسخت النِّكَاح وَقَالَ فِي الأولى فرق بَينهمَا فَعلمنَا أَنه تَفْرِيق بدن لَا إبِْطَال نِكَاح وَيحْتَمل أَن الْمَرْأَة كَانَت مجبرة وَإِذا كَانَت مجبرة لم يَصح إِقْرَارهَا وَلَا الدَّعْوَى عَلَيْهَا كَمَا قَالَه القَاضِي فِي إِقْرَار الْوَلِيّ عَلَيْهَا وَهَذَا الِاحْتِمَال أظهر فِي الْقيَاس فَلَا تكلّف فِي تَخْرِيجه على الْقَوَاعِد المذهبية وَقَوله إِذا أنكرتهما وَأقَام كل وَاحِد بَيِّنَة فَهُوَ على مَا يَقُول الْوَلِيّ فَإِن لم يكن ولي فسخت النِّكَاح

فرع

يقتضى أَن الْعبْرَة بِإِقْرَار الْوَلِيّ إِمَّا لِأَنَّهُ مجبر كَمَا تَأَوَّلَه القَاضِي أَو لِأَنَّهُ مَأْذُون لَهُ فَالْعِبْرَة بتصديقه وتكذيبه لِأَنَّهُ هُوَ الْمُبَاشر للْعقد الَّذِي يَصح مِنْهُ ذَلِك دونهَا كَمَا أَن الْعبْرَة بِهِ إِذا ادّعى على سَفِيه بِعقد بيع فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَتَانِ إِمَّا أَن يُقَال سقطتا للتهاتر كَمَا قَالَه القَاضِي أَو يُقَال ثَبت العقدان فالمرجع إِلَى الْوَلِيّ فِي تعْيين أَيهمَا هُوَ الصَّحِيح لكَونه بِإِذْنِهِ أَو لكَونه الْمُقدم كَمَا قلته فِيمَا إِذا ثَبت بيعان فالمرجع إِلَى البَائِع فِي تعْيين الْمُقدم وَيحلف للْآخر وَقَوله فَإِن لم يكن ولي فسخت النِّكَاح يُؤَيّد هَذَا الِاحْتِمَال لِأَنَّهُ لَو لم يثبت عقد لم يحْتَج إِلَى فسخ بل يثبت عقدان لم يتَعَيَّن صَحِيحهمَا أَو لم يكن فيهمَا صَحِيح لعدم إِذن الْوَلِيّ فينفسخ النكاحان وَإِذا نزلت الْمَسْأَلَة على الْوَلِيّ الْمُجبر كَمَا فسروا بِهِ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الأيم أَحَق بِنَفسِهَا من وَليهَا ظهر مَا ذكرته جيدا وَبِكُل حَال قد تبين أَن لَيْسَ فِي كَلَام الإِمَام أَحْمد مَا يقتضى أَنه أبطل الْإِقْرَار لادعاء نفسين لَهَا وَلَا تَأْثِير للمدعيين بل عِنْده أَن إِقْرَار الْمَرْأَة لم يَصح إِمَّا مُطلقًا وَإِمَّا إِذا كَانَت مجبرة وَهَذَا هُوَ الْحق فَإِنَّهُ لَا أثر لهَذَا من جِهَة الْفِقْه انْتهى كَلَامه وَقَول القَاضِي فِي سُقُوط الْبَيِّنَتَيْنِ هُوَ معنى كَلَام غير وَاحِد قَالَ فِي الْمُغنِي وَإِذا أَقَامَا بينتين تَعَارَضَتَا وسقطتا وحيل بَينهمَا وَبَينهَا وَالَّذِي قَالَه فِي الرِّعَايَة تَعَارَضَتَا وسقطتا وَلَا نِكَاح وَقَالَ غير وَاحِد وَإِن جهل سبق التَّارِيخ عمل بقول الْوَلِيّ نَص عَلَيْهِ قَالَ ابْن حمدَان الْمُجبر فَإِن جهل فسخا فَأَما إِن اخْتلف تاريخهما فَهِيَ للأسبق تَارِيخا فرع ظَاهر كَلَام القَاضِي هُنَا أَنه لَا يرجح أَحدهمَا بِكَوْن الْمَرْأَة فِي يَده وبيته

فرع

وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره أَيْضا وَقطع بِهِ فِي المغنى لعدم ثُبُوت الْيَد على حرَّة وَقَالَ القَاضِي فِي مَوضِع آخر إِذا ادّعَيَا نِكَاح امْرَأَة وَأَقَامَا الْبَيِّنَة وَلَيْسَت فِي يَد وَاحِد مِنْهُمَا فَإِنَّهُمَا يتعارضان ويسقطان ذكره مَحل وفَاق قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَمُقْتَضى هَذَا أَنَّهَا لَو كَانَت فِي يَد أَحدهمَا كَانَت من مسَائِل الدَّاخِل وَالْخَارِج فرع فَلَو أقرّ الرجل بِالنِّكَاحِ فَهَل يقبل إِقْرَاره يخرج على الرِّوَايَتَيْنِ فِي قبُول قَول الْمَرْأَة وَالْأولَى فِي الْعبارَة أَن يُقَال إِذا ادّعى النِّكَاح وصدقته فَهَل تقبل دَعْوَاهُ لِأَن الْحق لَهُ وَالْحق فِيهِ تبع بِخِلَافِهَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عقب رِوَايَة عدم قبُول إِقْرَارهَا وَيلْزم من هَذَا أَيْضا أَنه لَا يَصح إِقْرَار الرجل بِالنِّكَاحِ فَإِنَّهَا إِذا أقرَّت ابْتِدَاء فَلَا بُد من تَصْدِيقه فَلَا يَصح وَإِن أقرّ هُوَ ابْتِدَاء فَتَصْدِيقُهَا إِقْرَارهَا فَلَا يَصح انْتهى كَلَامه قَالَ فِي الْكَافِي من ادّعى نِكَاح صَغِيرَة فِي يَد فرق بَينهمَا وفسخه الْحَاكِم إِلَّا أَن يكون لَهُ بَيِّنَة لِأَن النِّكَاح لَا يثبت إِلَّا بِعقد وَشَهَادَة وَمُقْتَضى هَذَا أَنَّهَا لَو صدقته فِيهِ لم يقبل لَكِن قَالَ وَإِن صدقته إِذا بلغت قبل وَلم يزدْ على ذَلِك وَقَالَ فِي الرِّعَايَة قبل على الْأَظْهر وَقد قَالَ فِي آخر بَاب فِي الْمُسْتَوْعب وَمن أقرّ بأب أَو مولى عَلَيْهِ أعْتقهُ أَو بزوجية وَصدقه الْمقر لَهُ ثَبت إِقْرَاره بذلك سَوَاء كَانَ الْمقر رجلا أَو امْرَأَة انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِن أقرّ وَليهَا عَلَيْهَا بِالنِّكَاحِ قبل إِن كَانَت مجبرة

لعدم اعْتِبَار قَوْلهَا قَوْله أَو مقرة لَهُ بالأذن وَإِلَّا فَلَا نَص عَلَيْهِ وَقيل لَا يقبل إِقْرَاره إِلَّا على الْمُجبرَة لما تقدم من أَن من ملك شَيْئا ملك الْإِقْرَار بِهِ وَقَالَ ابْن عبد القوى لِأَنَّهَا كالمقرة بِأَصْل العقد معنى قَوْله وَقيل لَا يقبل إِقْرَاره إِلَّا على الْمُجبرَة لَعَلَّ هَذَا فِي الْمَوْجُود فِي كَلَامهم قَالَ ابْن عبد الْقوي لِأَن الْفروج يحْتَاط لاستباحتها فَلَا تُبَاح مَعَ لفظ مُحْتَمل وَلِهَذَا لَا ينْعَقد بِالْكِنَايَةِ وَهَذَا فِيهِ نظر وَالْأول أولى وَلَعَلَّ صُورَة الْإِذْن من أَهلهَا لم يتفطن لَهَا فَلَا يكون مُخَالفا فِيهَا وَإِن تنَاولهَا إِطْلَاق كَلَامه فَأَما إِن لم تكن مجبرة وَلَا مقرة بِالْإِذْنِ لم يقبل قَوْله عَلَيْهَا كإقرار أَجْنَبِي على غَيره بِمَال قَوْله وَإِذا أقرّ الرجل أَو الْمَرْأَة بزوجية الآخر وَلم يصدقهُ الآخر إِلَّا بعد مَوته صَحَّ وَورثه هَذَا ينبنى على صِحَة إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ صَحِيح وَإِنَّمَا ذكرهَا الْأَصْحَاب لخلاف أبي حنيفَة فِيهَا قَالَ القَاضِي هَذَا قِيَاس قَول أَصْحَابنَا وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن أقرَّت الْمَرْأَة وَمَاتَتْ فصدقها لم يَرِثهَا وَإِن أقرّ هُوَ وَمَات فصدقته ورثته وَلنَا أَنه أحد الزَّوْجَيْنِ فورث كالآخر وكما لَو وجد التَّصْدِيق فِي الْحَيَاة

قَالَ الشَّيْخ شمال فِي شَرحه وَقد ذكرنَا فِيمَا إِذا أقرّ بِنسَب كَبِير عَاقل بعد مَوته هَل يَرِثهُ على وَجْهَيْن بِنَاء على ثُبُوت نسبه فَيخرج هُنَا مثله انْتهى كَلَامه كَذَا قَالَ ومأخذ الْخلاف فِي الْملك لَا يَجِيء فِي هَذِه لَكِن فِيمَا إِذا أقرّ بِنسَب صَغِير ميت قَول بِعَدَمِ الإث مُعَللا بالتهمة فِي ذَلِك كَذَلِك يخرج هُنَا قَوْله إِلَّا أَن يكون قد كذبه فِي حَيَاته فَوَجْهَانِ وَالصِّحَّة وَالْإِرْث قطع بِهِ أَبُو الْخطاب والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل ونصبا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة كَمَا تقدم وَذكر ابْن عبد الْقوي أَن عكس هَذَا أقوى الْوَجْهَيْنِ فِي نظيرهما فِي ثُبُوت النّسَب وَهُوَ غَرِيب وَقطع غير بِثُبُوت النّسَب احْتِيَاطًا لَهُ وَهَذِه الْمَسْأَلَة نَظِير من أقرّ لَهُ بِمَال فكذبه ثمَّ صدقه وفيهَا وَجْهَان وَكَذَلِكَ يَجِيء هُنَا لَو كذبه فِي الْحَيَاة ثمَّ صدقه فِيهَا وَقد تقدم كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين رَحمَه الله تَعَالَى قَوْله وَمن أقرّ بِولد أَو أَب أَو زوج أَو مولى أعْتقهُ قبل إِقْرَاره وَإِن أسقط بِهِ وَارِثا مَعْرُوفا كَذَا ذكر غَيره نصا وظاهرا لِأَنَّهُ إِقْرَار من مُكَلّف لَيْسَ فِيهِ مُنَازع فَثَبت كَمَا لَو أقرّ بِمَال وَلِأَن الظَّاهِر احْتِيَاط الْإِنْسَان فَلَا يلْحق بِهِ من لَيْسَ مِنْهُ فَيقبل ذَلِك قَوْله إِذا أمكن صدقه

فصل

لِأَنَّهُ لَا يلْتَفت إِلَى قَول من لَا يُمكن صدقه قَوْله وَلم يدْفع بِهِ نسبا لغيره لما فِيهِ من قطع النّسَب الثَّابِت من غَيره وَقد لعن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من انتسب إِلَى غير أَبِيه أَو تولى غير موَالِيه قَوْله وَصدقه الْمقر بِهِ لِأَن لَهُ قولا صَحِيحا فَاعْتبر تَصْدِيقه فِي ذَلِك كَمَا لَو أقرّ لَهُ بِمَال فَإِن صدقه ثَبت وَإِن كَانَ بعد موت الْمقر لوُجُود الْإِقْرَار والتصديق وَذكر ابْن عبد الْقوي أَنه لَو خرج فِيهِ قَول كَمَا سَيَأْتِي لم يكن بَعيدا للتُّهمَةِ فِيهِ وَلَا بُد من عدم اشْتِرَاط المنازع فِيهِ لِأَنَّهُ لَا تَرْجِيح يسْقط بِهِ حق الآخر قَوْله إِلَّا فِي الْوَلَد الصَّغِير أَو الْمَجْنُون فَلَا يشْتَرط تَصْدِيق كَمَا سبق فِي بَاب مَا يلْحق من النّسَب لِأَنَّهُ لَا قَول لَهُ وَإِن بلغ أَو عقل فَأنْكر لم يقبل مِنْهُ للْحكم بِثُبُوت نسبه كَمَا لَو قَامَت بِهِ بَيِّنَة وكما لَو ادّعى ملك عبد صَغِير فِي يَده وَثَبت ملكه بذلك فَلَمَّا كبر جحد قَوْله وَسبق فِيهِ رِوَايَة بِأَن إِقْرَار الْمُزَوجَة لَا يقبل بِالْوَلَدِ تقدم ذَلِك فصل وَظَاهر كَلَامه أَنه لَو استلحق كَبِيرا عَاقِلا مَيتا لم يثبت نسبه وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مُكَلّف لم يُوجد مِنْهُ تَصْدِيق وَالثَّانِي يثبت قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ قَول القَاضِي وَغَيره وَهُوَ ظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَنَّهُ غير مُكَلّف كالصغير وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَو الأول أصح وَأَن فِي الْإِقْرَار بِالْمَيتِ الصَّغِير نظرا وَذكر غَيره احْتِمَالا فِي ثُبُوت نسبه دون مِيرَاثه للتُّهمَةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يثبتان لذَلِك قُلْنَا

فصل

يبطل بِمَا إِذا كَانَ الْمقر بِهِ حَيا مُوسِرًا وَالْمقر فَقِيرا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب لَا عِبْرَة بِمن قَالَ لَا يثبت نسبه فصل وَمَتى ثَبت نسب الْمقر بِهِ وَرجع الْمقر عَن الْإِقْرَار لم يقبل رُجُوعه وَإِن صدقه الْمقر لَهُ فِي الرُّجُوع فَكَذَلِك فِي أصح الْوَجْهَيْنِ كَالثَّابِتِ بالفراش وَالثَّانِي لَا يثبت كَالْمَالِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِن جعل النّسَب فِيهِ حق الله فَهُوَ كالحرية وَإِن جعل حق آدَمِيّ فَهُوَ كَالْمَالِ وَالْأَشْبَه أَنه حق لآدَمِيّ كالولاء ثمَّ إِذا قبل التراجع عَنهُ فَحق الْأَقَارِب الثَّابِت من الْمَحْرَمِيَّة وَنَحْوهَا هَل يَزُول وَكَذَلِكَ إِذا رَجَعَ عَن التصادق على النِّكَاح فالمصاهرة الثَّابِتَة هَل تَزُول أَو تكون كَالْإِقْرَارِ بِالرّقِّ بعد التَّصَرُّف انْتهى كَلَامه فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَأَما إِن ادّعى نسبا فَلم يثبت لعدم تَصْدِيق الْمقر بِهِ أَو قَالَ لَا أَب لي أَو أَنا فلَان بن فلَان وانتسب إِلَى غير مَعْرُوف أَو قَالَ لَا أَب لي أَو لَا نسب لي ثمَّ ادعِي بعد هَذَا نسبا آخر أَو ادّعى أَن لَهُ أَبَا فقد ذكرُوا فِيمَا يلْحق من النّسَب أَن الْأَب إِذا اعْترف بالابن بعد نَفْيه قبل مِنْهُ فَكَذَلِك غَيره لِأَن هَذَا النَّفْي أَو الْإِقْرَار لمجهول أَو لمنكر لم يثبت بِهِ نسب

فَيكون إِقْرَاره بعد ذَلِك مَجْهُولا كَمَا قُلْنَا فِيمَا إِذا أقرّ بِمَال المكذب إِذا لم نجعله لبيت المَال فَإِنَّهُ إِذا ادّعى الْمقر بعد هَذَا أَنه ملكه قبل مِنْهُ وَلَو كَانَ الْمقر بِهِ رق نَفسه فَهُوَ كَغَيْرِهِ بِنَاء على أَن الْإِقْرَار للمكذب وجوده كَعَدَمِهِ وَهُنَاكَ على الْوَجْه الآخر نجعله بمنزله المَال الضائع أَو الْمَجْهُول الْحَال فَيحكم بِالْحُرِّيَّةِ وبالمال لبيت المَال وَهنا يكون بِمَنْزِلَة الْمَجْهُول النّسَب فَيقبل مِنْهُ الْإِقْرَار بِهِ ثَانِيًا وسر الْمَسْأَلَة أَن الرُّجُوع عَن الدَّعْوَى مَقْبُول وَالرُّجُوع عَن الْإِقْرَار غير مَقْبُول وَالْإِقْرَار الَّذِي لم يتَعَلَّق بِهِ حق لله وَلَا لآدَمِيّ هُوَ من بَاب الدعاوي فَيصح الرُّجُوع عَنهُ انْتهى كَلَامه وَقد تقدّمت الاشارة إِلَى الْمَسْأَلَة فِي غير مَوضِع قَوْله وَيَكْفِي فِي تَصْدِيق الْوَلَد بالوالد وَفِي عَكسه سُكُوته إِذا أقرّ بِهِ نَص عَلَيْهِ وللشاهد أَن يشْهد بنسبهما بِنَاء على ذَلِك هَذَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَن النّسَب يحْتَاط لَهُ فَاكْتفى بِالسُّكُوتِ كَمَا لَو بشر بِولد فَسكت بِخِلَاف سَائِر الْأَشْيَاء قَوْله وَقيل لَا يَكْفِي حَتَّى يتَكَرَّر ذَلِك لِأَن السُّكُوت مُحْتَمل فَاعْتبر التّكْرَار لزوَال الِاحْتِمَال قَوْله وَمن أقرّ بطفل لَهُ أم فَجَاءَت بعد موت الْمقر تدعى زوجيته لم تثبت بذلك

كَذَا ذكره الْأَصْحَاب وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن كَانَت حرَّة مَعْرُوفَة الأَصْل فَهِيَ زَوْجَة اسْتِحْسَانًا وَقَالَ القَاضِي فَإِن قيل أَلَيْسَ قد قَالَ أَبُو بكر فِي النِّكَاح من الْمقنع وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الامام أَحْمد فِي رجل بَاعَ أمة لَهُ من رجل فَولدت عِنْد الْمُشْتَرى ولدا فأدعاه البَائِع أَنه وَلَده وَصدقه الْمُشْتَرى أَنَّهَا تصير أم ولد للْبَائِع فَحمل إِقْرَاره بِالْوَلَدِ على أَنه كَانَ فِي ملكه وَلم يحملهُ على وَطْء شُبْهَة لذَلِك يجب أَن يحمل إِقْرَاره بِالْوَلَدِ على أَنه كَانَ فِي زوجية قيل لَهُ كَلَام أبي بكر مَحْمُول فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَة على أَن البَائِع ادّعى أَنه وَلَده وَأَنَّهَا علقت بِهِ فِي ملكه فمثاله هُنَا أَن يقر بنسبه فِي زوجية وَسلم القَاضِي أَن إِقْرَاره بِالْوَلَدِ لَا يكون إِقْرَارا بِنسَب أَخِيه قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَمُرَاد القَاضِي وَالله أعلم غير التوأم وَظَاهر كَلَام أبي بكر خلاف مَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَسْأَلَة أبي بكر قد تقدم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجْهَان فِي الِاسْتِيلَاد مَعَ أَن الْوَجْهَيْنِ ذكرهمَا فِي الْكَافِي على قَوْلنَا ان الِاسْتِيلَاد لَا يثبت إِلَّا إِذا علقت بِهِ فِي ملكه فَأَما إِذا قُلْنَا إِنَّه إِذا اسْتَوْلدهَا بِنِكَاح أَو وَطْء شُبْهَة ثمَّ ملكهَا صَارَت أم ولد فَهَذَا الْأَشْبَه فِيهِ وَقَالَ وَنَظِير هَذَا اللّقطَة فَلذَلِك يجب أَن يكون فِي هَذِه الْمَسْأَلَة مَعَ أَن الْأَشْبَه بِكَلَام الامام أَحْمد ثُبُوت الِاسْتِيلَاد هُنَاكَ والزوجية هُنَا حملا على الصِّحَّة انْتهى كَلَامه وَالْوَجْه بصيرورتها أم ولد وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي لِأَنَّهُ الظَّاهِر بِإِقْرَارِهِ بِوَلَدِهَا وَهِي فِي ملكه بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَوجه الأول أَن ذَلِك لَيْسَ حَقِيقَة لَفظه وَلَا مضمونه وَالنّسب يحْتَاط لَهُ

فَيلْحق بِشُبْهَة أَو نِكَاح فَاسد فَلَا يلْزمه مالم يتضمنه لَفظه وكما لَو كَانَت غير مَعْرُوفَة بِالْحُرِّيَّةِ عِنْد أبي حنيفَة قَوْله وَلَا يَصح إِقْرَار من لَا نسب لَهُ مَعْرُوف بِغَيْر هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَة من جد وَابْن ابْن وَأَخ وَعم وَغَيرهم لِأَن إِقْرَار الانسان على غَيره مَقْبُول وَفِيه عَار وضرر وَقَالَ بَعضهم من لَهُ نسب مَعْرُوف لَا يَصح إِقْرَاره وَلَعَلَّ مُرَاده من لَيْسَ لَهُ فَسَقَطت لَفْظَة لَيْسَ قَوْله إِلَّا وَرَثَة أقرُّوا بِمن لَو أقرّ بِهِ موروثهم ثَبت نسبه وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأبي يُوسُف وَحَكَاهُ عَن أبي حنيفَة قَالَ فِي المغنى وَالْمَشْهُور عَن أبي حنيفَة لَا يثبت إِلَّا بِإِقْرَار رجلَيْنِ أَو رجل وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ مَالك لَا يثبت بِإِقْرَار اثْنَيْنِ وَهَذَا الَّذِي حَكَاهُ عَن مَالك حَكَاهُ الْأَصْحَاب عَن أبي حنيفَة كَالشَّهَادَةِ وَلنَا قصَّة سعد بن أبي وَقاص وَعبد بن زَمعَة وَهِي مَشْهُورَة مُتَّفق عَلَيْهَا وَقد أثبت فِيهَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول عبد بن زَمعَة وَحده فَلِأَن الْوَارِث يقوم مقَام الْمَوْرُوث فِي حُقُوقه وَلَو أَنه وَاحِد كَذَا النّسَب لِأَنَّهُ مِنْهَا وَلِأَنَّهُ حق يثبت بِإِقْرَار فَلم يعْتَبر فِيهِ الْعدَد كَالدّين بِخِلَاف الشَّهَادَة وَلِهَذَا لَا نعتبر لَفظهَا وَلَا الْعَدَالَة وَيعرف من قَوْله وَرَثَة أقرار غير الْوَارِث لَا يقبل لعدم قبُوله فِي المَال فَكَذَا النّسَب وَمُقْتَضى كَلَامه أَنه لَو أقرّ الْوَارِث بِمن نَفَاهُ الْمَوْرُوث ثَبت نسبه وَالظَّاهِر أَنه لم يردهُ لِأَنَّهُ قد حكى فِي مَوضِع آخر أَن نَص الامام أَحْمد لَا يثبت خلافًا للْقَاضِي وَقطع الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره بالمنصوص لما فِيهِ من الضَّرَر

فرع

على الْمَوْرُوث والعار عَلَيْهِ قَوْله فَإِن كَانَ الْمقر بعض الْوَرَثَة لم يثبت النّسَب ذكره غير وَاحِد بِالْإِجْمَاع إذالم يكن الْمقر اثْنَيْنِ لِأَن النّسَب لَا يَتَبَعَّض وَلَا يُمكن إثْبَاته فِي حق الْمقر دون الْمُنكر قَالَ فِي الرِّعَايَة فَإِن أقرّ بَعضهم وَلم يشْهد مِنْهُم أَو من غَيرهم عَدْلَانِ أَنه وَلَده أَو ولد على فرَاشه أَو أَنه أقرّ بِهِ لم يثبت نسبه على الْمَذْهَب فَهَذَا رِوَايَة فِي ثُبُوت النّسَب بقول الْبَعْض وَلَعَلَّ مُرَاده إِذا كَانَ الْبَعْض ابْنَيْنِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَعْرُوف فِي كَلَام القَاضِي وَغَيره قَالَ ابْنه أَبُو الْحُسَيْن إِذا أقرّ اثْنَان من الْوَرَثَة على أَبِيهِمَا بدين أَو نسب فَهَل يثبت ذَلِك فِي حق البَاقِينَ بِغَيْر لفظ الشَّهَادَة على رِوَايَتَيْنِ إحدهما يعْتَبر لفظ الشَّهَادَة لِأَنَّهُ إِثْبَات حق على الْغَيْر أشبه مَا إِذا شهد اثْنَان على نسب الْغَيْر أَو بدين على الْغَيْر وَالثَّانيَِة لَا يعْتَبر لِأَنَّهُ يشبه الشَّهَادَة لِأَنَّهُ إِثْبَات حق على الْغَيْر وَيُشبه الْإِقْرَار من حَيْثُ تثبت الْمُشَاركَة لَهُ فِيمَا فِي يَده من المَال الْمَقْصُود فأعطيناه حكم الْأَصْلَيْنِ فاشترطنا الْعدَد اعْتِبَارا بِالشَّهَادَةِ وَلم تشْتَرط لفظ الشَّهَادَة اعْتِبَارا بِالْإِقْرَارِ قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَيتَخَرَّج على هَذَا الِاخْتِلَاف هَل يشْتَرط فيهمَا الْعَدَالَة على رِوَايَتَيْنِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يثبت إِذا كَانَا عَدْلَيْنِ فرع وَإِذا لم يثبت النّسَب من الْمَوْرُوث لعدم إِقْرَار كل الْوَرَثَة فَهَل يثبت من الْمقر حَتَّى لَو مَاتَ الْمقر وَلَا وَارِث لَهُ غير الْمقر بِهِ يَرِثهُ الَّذِي قطع بَعضهم أَنه لَا يثبت وَذكر غير وَاحِد وَجْهَيْن أَحدهمَا يثبت لِأَن النّسَب يحْتَاط لَهُ وَالْمعْنَى

الَّذِي لأَجله لم يثبت النّسَب من الْمَوْرُوث يخْتَص بِهِ وَلَا يتعداه وَالثَّانِي لَا يثبت لِأَن النّسَب لَا يَتَبَعَّض قَوْله لَكِن يعْطى للْمقر لَهُ مَا فضل فِي يَده عَن حَقه أَو كُله إِن كَانَ يسْقطهُ كَمَا ذكر فِي الْفَرَائِض تقدم ذَلِك قَوْله وَلَو مَاتَ الْمُنكر وَالْمقر وَارثه ثَبت نسب الْمقر بِهِ مِنْهُمَا وَقدمه أَيْضا فِي المغنى لِأَنَّهُ صَار جَمِيع الْوَرَثَة كَمَا أقرّ بِهِ ابْتِدَاء وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَقَالَ ذكره القَاضِي فِي الْمُجَرّد قَوْله وَقيل لَا يثبت لَكِن يُعْطِيهِ الْفَاضِل فِي يَده عَن إِرْثه كَمَا لَو لم يمت وكما لَو أنكر الْأَب نسبه فِي حَيَاته فَأقر بِهِ الْوَارِث وَكَذَا الْخلاف لَو كَانَ وَارثه ابْنا فَأقر بِالَّذِي أنكرهُ أَبوهُ ذكره فِي الْمُغنِي وَغَيره فَأَما إِن كَانَ الْمقر غير مُكَلّف لم يثبت النّسَب فَإِن مَاتَ فوارثه يقوم مقَامه وَإِن صَار مُكَلّفا ثَبت نسبه وَإِن أقرّ لَهُ وَإِلَّا فَلَا وَإِن لم يخلف وَارِثا إِلَّا أَخَاهُ الْمقر قَامَ مقَامه فِي الْإِقْرَار لِأَنَّهُ صَار جَمِيع الْوَرَثَة قَوْله فَلَو مَاتَ الْمقر بعد ذَلِك عَن بني عَم وَكَانَ الْمقر بِهِ أَخا وَرثهُ دونهم على الأول وعَلى الثَّانِي يرثونه دون الْمقر بِهِ

هَذَا تَفْرِيع وَاضح لَا حَاجَة للمختصر إِلَيْهِ لِأَنَّهُ ثبتَتْ أخوته على الأول بِخِلَاف الثَّانِي وَالْأَخ يسْقط بني الْعم قَوْله وَلَو مَاتَ الْمقر بِنسَب مُمكن وَلم يثبت وَلم يخلف وَارِثا من ذِي سهم وَلَا رحم وَلَا مولى سوى الْمقر بِهِ جعل الْإِقْرَار كَالْوَصِيَّةِ فَيعْطى ثلث المَال فِي أحد الْوَجْهَيْنِ وجميعه فِي الآخر لِأَن إِقْرَاره تضمن جعل المَال لَهُ فَأشبه جعل المَال وَصِيَّة وَهل تصح وَصِيَّة من لَا وَارِث لَهُ بِجَمِيعِ مَاله فِيهِ رِوَايَتَانِ وَعَلَيْهِمَا يخرج الْوَجْهَانِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة قَوْله وَقيل لَا يَجْعَل كَالْوَصِيَّةِ وَيكون الْإِرْث لبيت المَال لِأَن ثُبُوت المَال من ثُبُوت الْأُخوة فَإِذا انْتَفَى انْتَفَى تَابعه وَقطع فِي المغنى بِعَدَمِ ثُبُوت النّسَب لعدم إِقْرَار كل الورثه ثمَّ قَالَ وَهل يتوارثان فِيهِ وَجْهَان أَحدهمَا يتوارثان لِأَن كل وَاحِد مِنْهُمَا يقر أَنه لَا وَارِث لَهُ سوى صَاحبه وَلَا مُنَازع لَهما وَالثَّانِي لَا يتوارثان لِأَن النّسَب بَينهمَا لم يثبت فَإِن كَانَ لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَارِث غير صَاحبه لم يَرِثهُ لِأَنَّهُ مُنَازع فِي الْمِيرَاث وَلم يثبت نسبه انْتهى كَلَامه فقد جعل الْخلاف فِي توارثهما مَعَ انْتِفَاء النّسَب وَهَذَا غَرِيب وَكَيف يثبت التَّوَارُث مَعَ انْتِفَاء سَببه وَقد تقدم قَرِيبا ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة فِي فرع وَأَن فِيهَا خلافًا فِي ثُبُوت النّسَب وَأَن فِيهَا معنى الْإِرْث ذكره فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَقَالَ عبد الله بن الإِمَام أَحْمد فِي كتاب الْفَرَائِض فِي زياداته على كتاب

أَبِيه حَدثنَا عبد الله بن عَوْف وَكَانَ ثِقَة حَدثنَا شريك من جَابر عَن الشّعبِيّ عَن عَليّ فِي رجل ادّعى أَخَاهُ وَأنْكرهُ إخْوَته قَالَ يتوارثان بَينهمَا دونهم جَابر هُوَ الْجعْفِيّ ضَعِيف وَإِن صَحَّ فقد يُقَال توارثهما يدل على تواضع النّسَب وثبوته بَينهمَا لما بَينهمَا من اللَّازِم وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يَقْتَضِي أَن الْمقر بِهِ يَرث الْمقر مُطلقًا كَمَا عَلَيْهِ أَن يدْفع فِي حَيَاته فضل مَا فِي يَده لَهُ كَأَنَّهُ أقرّ بِأَن المَال الَّذِي فِي يَده يتسحقه هَكَذَا قَالَ قَوْله وَإِذا أقرّ الْمَجْهُول النّسَب الَّذِي عَلَيْهِ وَلَاء بِنسَب وإرث لم يقبل حَتَّى يصدقهُ مَوْلَاهُ نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَحْمد بن الْقَاسِم وَذكر لَهُ أَن قوما يَقُولُونَ فِي الْحميل إِنَّه إِنَّمَا منعُوهُ الْمِيرَاث إِلَّا بِبَيِّنَة من أجل الْمِيرَاث فَأَما قوم يسبون جَاءُوا مُسلمين أَو أَسْلمُوا فِي مواضعهم فَإِنَّهُم خلاف هَذَا قَالَ أجل هَذَا غير ذَاك قَالَ القَاضِي فقد نَص على أَنه لَا يقبل قبُول السَّبي وَبَين أَن الْعلَّة فِيهِ إِسْقَاط الْمِيرَاث بِالْمِيرَاثِ وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة حَرْب من مِيرَاث الْحميل إِذا قَامَت الْبَيِّنَة أَنه أَخُوهُ أَو ابْنه أَو وَارِث لَهُ ورثتاه وَإِلَّا فَلَا قَالَ القَاضِي فقد نَص على اعْتِبَار الْبَيِّنَة فِي ذَلِك وَأَنه لَا يقبل مُجَرّد إقرارهم وَهَذَا هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَصْحَاب لِأَن الْوَلَاء لحْمَة كلحمة النّسَب وَالْحق لمَوْلَاهُ فَلَا يقبل إِقْرَاره بِمَا يسْقطهُ كَمَا لَو دفع بِإِقْرَارِهِ نسبا لغيره قَوْله يتَخَرَّج أَن يقبل بِدُونِهِ

قَالَ ابْن عبد القوى لِأَنَّهُ لم يسْقط بِهِ نسبا وَالْإِرْث يسْقط تبعا لَا قصدا فَلَا نَص لحد الأَصْل انْتهى كَلَامه وَلَعَلَّ هَذَا التَّخْرِيج من قبُول إِقْرَاره بِالنّسَبِ وَهُوَ أسقط بِهِ وَارِثا مَعْرُوفا إِذا لم يدْفع بِهِ نسبا لغيره وَهنا لم يسْقط بِهِ نسبا وَالنّسب يحْتَاط لإثباته وَهَذَا قَول أبي حنيفَة وَأَنَّهُمْ يصدقون فِي كل مَا يصدق فِيهِ أهل الذِّمَّة قَوْله وَإِن لم يكن عَلَيْهِ وَلَاء قبل إِقْرَاره بِهِ وَإِن كَانَ أَخا أَو عَمَّا بِشَرْط التَّصْدِيق والإمكان قَالَ فِي الرِّعَايَة وتصديقه إِن كَانَ مُكَلّفا لِأَنَّهُ لَا ضَرَر على أحد بِإِقْرَارِهِ فَيقبل قَوْله وَإِذا أقرّ وَرثهُ ميت بدين عَلَيْهِ لَزِمَهُم قَضَاؤُهُ من التَّرِكَة كإقرار الْمَيِّت بِهِ فِي حَيَاته لِأَن الْوَارِث يقوم مقَام الْمَوْرُوث وَالْإِقْرَار أبلغ من الْبَيِّنَة وَيلْزم الْوَارِث أقل الْأَمريْنِ من قيمتهَا أَو قدر الدّين بِمَنْزِلَة الْجَانِي قَوْله وَإِن أقرّ بَعضهم لَزِمَهُم مِنْهُ بِقدر إِرْثه فَلَو كَانَ ابْنَيْنِ فَأقر أَحدهمَا وَجب عَلَيْهِ فِي حِصَّته نصف الدّين وَإِن كَانُوا ثَلَاثَة وَجب عَلَيْهِ ثلث الدّين قَالَ القَاضِي فِي رِوَايَة الْأَثْرَم فِيمَن علم على أَبِيه دينا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ وَإِن لم يرد الْآخرُونَ وَكَذَلِكَ نقل إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَنهُ فِي الْوَرَثَة يقر اثْنَان مِنْهُم بدين على أَبِيهِم وينكر الْبَاقُونَ أعْطى كل وَاحِد مِنْهُمَا بِحِصَّتِهِ من الدّين الَّذِي على أَبِيهِمَا وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَأبي ثَوْر لِأَنَّهُ لَا يسْتَحق أَكثر من ذَلِك كَمَا لَو أقرّ الْوَرَثَة كلهم وَلِأَنَّهُ أقرّ بدين تعلق بِمَال

مُشْتَرك فَلَزِمَهُ بِقدر حِصَّته كالشريك وَلِأَنَّهُ حق يتَعَلَّق بِالتَّرِكَةِ فَلم يُؤْخَذ مِنْهُ إِلَّا مَا يَخُصُّهُ كَالْوَصِيَّةِ وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه جَمِيع الدّين أَو جَمِيع مِيرَاثه لِأَن الدّين يتَعَلَّق بِالتَّرِكَةِ فَلَا يسْتَحق الْوَارِث مِنْهَا إِلَّا مَا فضل وَلِأَنَّهُ يَدعِي أَن مَا يَأْخُذهُ الْمُنكر غصبا فَأشبه مَا لَو غصبه أَجْنَبِي وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَيخرج لنا مثله على قَوْلنَا إِنَّه إِذا اخْتَار السَّيِّد فدَاء العَبْد الْجَانِي يلْزمه جَمِيع الْأَرْش انْتهى كَلَامه وَفِيه نظر وَقد تقدم لنا فِي إِقْرَار بعض الْوَرَثَة بِالنّسَبِ أَنه إِذا أقرّ اثْنَان من الْوَرَثَة بدين هَل يلْزم البَاقِينَ على رِوَايَتَيْنِ قَوْله إِلَّا أَن يقْرَأ عَدْلَانِ فيشهدا للْغَرِيم أَو عدل يحلف مَعَ شَهَادَته فَإِنَّهُ يسْقط حَقه يَعْنِي من التَّرِكَة لثُبُوت الْحق كَمَا لَو كَانَت الْبَيِّنَة أَجْنَبِيَّة قَوْله وَيقدم مَا ثَبت بِالْبَيِّنَةِ أَو إِقْرَار الْمَيِّت على مَا ثَبت بِمُجَرَّد إِقْرَار الْوَرَثَة أما كَون إِقْرَار الْمَيِّت يقدم على إِقْرَار الْوَارِث فتؤكده بِالسَّبقِ وَاحْتِمَال المواطأة فِي الثَّانِي وَمن عَلَيْهِ الْحق أعلم بِهِ فَيقدم قَوْله وَقيل يقدم مَا أقرّ بِهِ الْوَرَثَة لثُبُوته بإقرارهم كشهادتهم وَيحْتَمل التَّسْوِيَة بَين الإقرارين وَيقدم مَا ثَبت بِبَيِّنَة على مُجَرّد الإقرارين لقوتهما وَلما فِي التَّسَاوِي من تسليط على إبِْطَال حق غَيره الثَّابِت بِالْبَيِّنَةِ بِمُجَرَّد قَوْله

قَوْله وَإِذا أقرّ الْوَارِث لرجل بدين يسْتَغْرق التَّرِكَة ثمَّ أقرّ بِمثلِهِ لآخر فِي مجْلِس ثَان لم يُشَارك الثَّانِي الأول قطع بِهِ الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يشبه إِذا أقرّ فِي مَرضه مرَّتَيْنِ أَو أقرّ فِي صِحَّته ثمَّ فِي مَرضه من وَجه انْتهى كَلَامه وَقَالَ الشَّافِعِي يقبل إِقْرَاره الثَّانِي فيتشاركان لِأَن من قبل إِقْرَاره أَولا قيل ثَانِيًا إِذا لم يتَغَيَّر حَاله كالموروث وَوجه قَوْلنَا أَن الأول تعلق حَقه بِالتَّرِكَةِ فَلَا يقبل إِقْرَار غَيره بِمَا يسْقط حَقه كإقرار الرَّاهِن بِجِنَايَة الرَّهْن أَو الْجَانِي فَأَما الْمَوْرُوث فَإِن أقرّ فِي صِحَّته صَحَّ لعدم تعلق الدّين بِمَالِه وَإِن أقرّ فِي مَرضه لم يحاص الْمقر لَهُ غُرَمَاء الصِّحَّة لذَلِك قَالَ فِي المغنى وَهَذَا يدل على استوائهما فِي الحكم لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْمَعْنى وَأَنه إِذا قيل بالمحاصة قيل بالمشاركة هُنَا لعدم الْفَارِق فَيكون لنا قَولَانِ كَقَوْل الشَّافِعِي قَالَ فِي المغنى وَأَن أقرّ يَعْنِي الْمَوْرُوث فِي مَرضه لغريم يسْتَغْرق تركته دينه ثمَّ أقرّ لآخر فِي مجْلِس آخر وَالْفرق بَينهمَا أَن إِقْرَاره الأول لم يمنعهُ من التَّصَرُّف فِي مَاله وَلَا أَن يعلق بِهِ دينا آخر بِأَن يستدين دينا آخر بِفِعْلِهِ فَلَا يملكهُ بقوله وَلَا يملك التَّصَرُّف فِي التَّرِكَة مَا لم يلْتَزم قَضَاء الدّين انْتهى كَلَامه وَلَعَلَّ الْفرق من هَذِه الْجِهَة فِيهِ نظر فَتَأَمّله قَوْله وَإِن كَانَا فِي مجْلِس وَاحِد تشاركا عِنْد الْخرقِيّ كَمَا لَو أقرّ لَهما مَعًا قطع بِهِ جمَاعَة مِنْهُم الشَّيْخ موفق الدّين وَصَاحب الْمُسْتَوْعب لِأَن حكم

الْمجْلس حكم الْحَال الْوَاحِد فِيمَا يعين قَبضه ولحوق الزِّيَادَة وَإِمْكَان الْفَسْخ وَغير ذَلِك كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهُوَ الَّذِي فِي التَّعْلِيق ذكره وفَاقا مَعَ أبي حنيفَة فِي ضمن مَسْأَلَة الْإِقْرَار مرَّتَيْنِ لَكِن قَالَ إِذا ادّعى رجل أَن لَهُ على أَبِيه ألف دِرْهَم فَأقر لَهُ بذلك فقيدها بِالْإِقْرَارِ بعد الدَّعْوَى فَيمكن الْفرق انْتهى كَلَامه قَوْله وَقيل يقدم الأول لما تقدم لِأَن الْغَيْر لَا يملك إِسْقَاط حق غَيره كَمَا نقُول فِي إِقْرَار الرَّاهِن بِجِنَايَة الرَّهْن أَو الْجَانِي وَدَعوى ثَانِي الْمجْلس مَمْنُوعَة وَإِنَّمَا حصل الثَّانِي فِي مَوَاضِع لمصْلحَة الْمُكَلّفين لاحْتِمَال حُصُول اتِّحَاد غَرَض أَو غَيره أَو دهشة وَنَحْو ذَلِك فَجعل الشَّارِع الْمجْلس فِيهِ ظَاهرا نظرا إِلَى مصلحَة مَخْصُوصَة قَوْله وَظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد يتشاركان إِن تواصل الْكَلَام بالإقرارين وَإِلَّا قدم الأول لِأَن مَعَ تواصل الْكَلَام هُوَ كَالْإِقْرَارِ الْوَاحِد بِدَلِيل أَنه يملك تَغْيِيره وَتَقْرِيره بِشَرْط اسْتثِْنَاء وَنَحْو ذَلِك فَيكون كَالْكَلَامِ الْوَاحِد وَإِلَّا قدم الأول لما تقدم قَوْله وَلَو أقرّ لرجل بِعَين التَّرِكَة ثمَّ أقرّ بهَا لآخر فَهِيَ للْأولِ وَيغرم قيمتهَا الثَّانِي لِأَنَّهُ حصل للْأولِ بِالْإِقْرَارِ السَّابِق وَلم يقبل رُجُوعه بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي لِأَنَّهُ حق آدَمِيّ وَيغرم قيمتهَا للثَّانِي لِأَنَّهُ بِإِقْرَارِهِ لغيره حَال بَينه وَبَين ملكه

فصل

فغرمه كَمَا لَو شهد على غَيره بِإِعْتَاق عَبده ثمَّ رَجَعَ عَن الشَّهَادَة وكما لَو أتْلفه ثمَّ أقرّ بِهِ وَقَالَ الشَّافِعِي فِي أحد الْقَوْلَيْنِ لَا يغرم للثَّانِي شَيْئا وَلنَا فِيمَا إِذا قَالَ غصبت هَذَا العَبْد من زيد لَا بل من عَمْرو وَجه لَا شَيْء لعَمْرو فَيلْزم هُنَا مثله وَأولى لِأَن أَبَا حنيفَة وَافق فِي صُورَة الْغَصْب وَقَالَ هُنَا إِن سلم الْغَيْر إِلَى الأول بِحكم حَاكم فَهِيَ لَهُ وَلَا شَيْء للثَّانِي لِأَن الْوَاجِب الْإِقْرَار وَقد أقرّ وَإِنَّمَا مَنعه الحكم من القَوْل وَهُوَ غير مُوجب الضَّمَان فصل قد عرفت من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بِغَيْر حد خَالص لله لَا يقبل وَهَذَا صَحِيح وَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَقَالَ فِي الْمُغنِي لَا نعلم فِيهِ خلافًا لِأَنَّهُ حق ثَبت لغيره وَقدم هَذَا فِي الْمُسْتَوْعب وَالرِّعَايَة وَقدم أَبُو بكر فِي التَّنْبِيه أَن من أقرّ بِمَال أَو حد أَنه يقبل رُجُوعه تَسْوِيَة بَين الْحَقَّيْنِ قَالَ السامري لما حكى فِي قبُول الرُّجُوع عَن الْإِقْرَار بالأموال وَجها لَا يجوز أَن يكون هَذَا مذهبا قَوْله وَإِذا ادّعى رجل على رجل مائَة فَقَالَ نعم أَو أجل أَو صدقت أَو أَنا مقرّ بهَا أَو بدعواك فقد أقرّ بالمدعي وَهُوَ وَاضح قَالَ تَعَالَى 7 44 {فَهَل وجدْتُم مَا وعد ربكُم حَقًا قَالُوا نعم} وَقيل لسلمان قد علمكُم نَبِيكُم كل شَيْء حَتَّى الخراءة قَالَ أجل وَكَذَا إِن قَالَ زَاد بَعضهم لعمري أَو لَا أنكر أَنا بِحَق فِي دعواك

وَقَوله إِذا ادّعى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَا بُد أَن يكون بِصِيغَة الْخَبَر وَهُوَ إِنِّي أستحق عِنْده أَو لي عِنْده وَإِمَّا بِصِيغَة الطّلب وَهُوَ أَن يَقُول أَعْطِنِي انْتهى كَلَامه وَهُوَ ظَاهر فَإِنَّهُ إِذا قَالَ أَعْطِنِي مائَة قَالَ نعم لَا يلْزم أَن يكون مُسْتَحقّا عَلَيْهِ وَهُوَ مُحْتَمل لذَلِك وللوديعة وَالْقَرْض وَغير ذَلِك فَإِذا قَالَ أَعْطِنِي عَبدِي هَذَا أَو أَعْطِنِي الْألف الَّذِي عَلَيْك قَالَ نعم كَانَ مقرا قطع بِهِ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لِأَنَّهُ تَصْدِيق لما ادَّعَاهُ لِأَن نعم مقررة لما سبقها وَهَذَا بِخِلَاف مَا لَو قَالَ خُذْهَا أَو خُذ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِصِيغَة التَّصْدِيق وَإِنَّمَا هُوَ بذل مُجَرّد وَلَا يلْزم من بذل الْمُدعى بِهِ وُجُوبه وَلَا إِشْكَال وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة عقيب كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين فِيهِ نظر فَإِن نعم هُنَا جَوَابا لطلب وَجَوَاب الطّلب الطَّاعَة والبذل وَفِي كَونه إِقْرَارا وَجْهَان فَإِن قَوْله هُنَا نعم لَا يزِيد على قَوْله خُذْهَا بل هُوَ إِلَى الْأَخْذ أقرب ومثاله الساعه أُعْطِيك أَو نعم أَنا أُعْطِيك أَو وكرامة وعزازة وَأما كَون الطَّالِب وصفهَا بِأَنَّهَا عِنْده فَهَذَا لَهُ نَظَائِر فِي الطّلب استفهاما وأمرا مثل أَلِهَذَا الْعدْل عنْدك ألف أَو لهَذِهِ الْمَرْأَة الَّتِي طَلقتهَا عنْدك ألف وَقد أَبْرَأتك هَذِه الْمَرْأَة الَّتِي طَلقتهَا من جَمِيع الدَّعَاوَى أَو تَقول هَذِه الْمُطلقَة قد أَبْرَأتك أتصدقها فَيَقُول نعم انْتهى كَلَامه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين والنحويون يَقُولُونَ نعم جَوَاب الِاسْتِفْهَام وَلَكِن قد صَارَت فِي الْعرف بِمَنْزِلَة أجل كَمَا قد اسْتعْمل أجل جَوَاب الِاسْتِفْهَام انْتهى كَلَامه وَهُوَ يَقْتَضِي أَن الْعرف يعْمل دون الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة وَلَعَلَّ مُرَاده فِي الْعَاميّ دون اللّغَوِيّ كَمَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب فِي نَظَائِره وَقد ذكر ابْن الْحَاجِب وَغَيره أَن نعم مقررة لما سبقها من الْكَلَام شَيْئا مثبتا

كَانَ أَو منفيا استفهاما كَانَ أَو خَبرا تَقول لمن قَالَ قَامَ زيد أَو مَا قَامَ زيد أَو لم يقم زيد نعم تَصْدِيقه لما قبله هَذَا بِحَسب اللُّغَة دون الْعرف أَلا ترى أَنه لَو قيل لَك أَلَيْسَ لي عنْدك كَذَا مَالا فَقلت نعم لألزمك القَاضِي بِهِ تَغْلِيبًا للْعُرْف على اللُّغَة وَظَاهر هَذَا تَقْدِيم الْعرف مُطلقًا كَمَا هُوَ ظَاهر قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقَالَ فِي المغنى وَإِن قَالَ أَلَيْسَ لي عنْدك ألف قَالَ بلَى كَانَ إِقْرَارا صَحِيحا لِأَن بلَى جَوَاب للسؤال بِحرف النَّفْي قَالَ الله تَعَالَى 7 182 {أَلَسْت بربكم قَالُوا بلَى} وَسَتَأْتِي هَذِه الْمَسْأَلَة فِي كَلَام المُصَنّف وَظَاهر هَذَا أَنه لَو قَالَ نعم لم يكن إِقْرَارا صَحِيحا لِخُرُوجِهِ عَن اللُّغَة وَقد ذكرُوا فِي قَوْله أَن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق بِفَتْح أَن هَل يكون شرطا أم لَا أم يفرق بَين الْمعاصِي وَغَيره كَمَا هُوَ الرَّاجِح وَكَذَا الْخلاف فِي غير هَذِه الْمَسْأَلَة فَظهر من هَذَا أَن الْإِتْيَان بِحرف الْجَواب فِي غير مَحَله كنعم فِي الْجَواب الْمَنْفِيّ كَقَوْلِه أَلَيْسَ عنْدك كَذَا فَيَقُول نعم فِيهِ ثَلَاثَة أَقُول قَوْله وَإِن قَالَ يجوز أَن يكون محقا أَو عَسى أَو لَعَلَّ أَو أَحسب أَو أَظن أَو أقدر لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تسْتَعْمل للاستهزاء وَلَعَلَّ وَعَسَى للترجي وللمستقبل وأظن وأحسب وأقدر وضعت للشَّكّ وَالْأَصْل بَقَاء بَرَاءَة الذِّمَّة وَقَالَ القَاضِي فِي ضمن مَسْأَلَة فِيمَا أعلم فِيمَا أعلم لَا يمْتَنع أَن نقُول إِذا قَالَ لَهُ على ألف فِيمَا أَحسب وَفِيمَا أَظن أَنه يلْزمه

قَوْله أَو قَالَ خُذ أَو اتزن أَو احرز أَو فتح كمك لم يكن مقرا قطع بِهِ الْأَصْحَاب لِأَن هَذِه الْأَشْيَاء تسْتَعْمل على سَبِيل الْبسط والمزح مَعَ احتمالها خُذ الْجَواب واتزن أَو احرز أَو افْتَحْ كمك لشَيْء آخر والذمة لَا تشتغل بِالِاحْتِمَالِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الصَّوَاب أَن المفصول الْمَحْذُوف هُنَا هُوَ الدِّرْهَم على قِيَاس أصح الْوَجْهَيْنِ إِذا قَالَ أَنا مقرّ فَتكون كَالَّتِي بعْدهَا أَعنِي خُذْهَا يبْقى أَن مُجَرّد الْبَذْل هَل هُوَ إِقْرَار كَمَا لَو قَالَ أَعْطِنِي الْألف الَّتِي لَك الَّتِي لي عنْدك فَقَالَ نعم ففيهما إِذا ثَلَاثَة أوجه قَوْله وَإِن قَالَ أَنا مقرّ أَو أَنا أقرّ أَو لَا أنكر إِلَى أَن قَالَ فَوَجْهَانِ أَحدهمَا يكون مقرا لِأَن الظَّاهِر انْصِرَافه إِلَى الْمُدعى لوروده عقب الدَّعْوَى وَكَذَا الْخلاف إِن قَالَ أَقرَرت لِأَنَّهُ تَعَالَى اجتزأ مِنْهُم فِي كَونهم مقرين فِي الْآيَة بقَوْلهمْ {أقررنا} جَوَابا لقَوْله تَعَالَى {قَالَ أأقررتم} ثمَّ قَالُوا {أقررنا} وَلم يَقُولُوا أقررنا بذلك وَالثَّانِي لَا يكون مقرا لاحْتِمَال مقرّ بِبُطْلَان دعواك أَو بِالْعقدِ أَو الشَّهَادَة وَنَحْوه لِأَن قَوْله أقرّ وعد بِالْإِقْرَارِ فِي الْمُسْتَقْبل فَهُوَ كَقَوْلِه سأقر بدعواك وَنَحْوه وَلم أجد فِي هَذَا الأَصْل خلافًا وَلَا يلْزم من عدم إِنْكَاره إِقْرَاره لوُجُود وَاسِطَة وَهِي السُّكُوت عَنْهُمَا مَعَ احْتِمَال لَا أنكر بطلَان دعواك وَقيل يكون مقرا فِي أَنا مقرّ فَقَط قواه بَعضهم

فصل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قِيَاس الْمَذْهَب فِيمَا إِذا قَالَ أَنا مقرّ أَن يكون مقرا بهَا لِأَن الْمَفْعُول مَا فِي الدَّعْوَى كَمَا قُلْنَا فِي قَوْله قبلت أَن الْقبُول ينْصَرف إِلَى الْإِيجَاب لَا إِلَى قبُول شَيْء آخر فالإقرار أولى وَقَالَ المتوجه إِن مُجَرّد نفي الْإِنْكَار إِن لم يَنْضَم إِلَيْهِ قرينَة بِأَن يكون الْمُدعى مِمَّا يُعلمهُ الْمَطْلُوب أَو قد ادّعى عَلَيْهِ علمه وَإِلَّا لم يكن إِقْرَار وَإِن قَالَ لَا أنكر أَن تكون محقا فَوَجْهَانِ لاحْتِمَال محقا فِي اعْتِقَاده وَنَحْوه قَوْله أَو أَخذهَا أَو اتزنها أَو احرزها أَو اقبضها أَو هِيَ صِحَاح فَوَجْهَانِ ووجهما مَا تقدم ولاحتمال خُذْهَا وَإِن لم تكن وَاجِبَة عَليّ فصل وَإِن قَالَ لي عَلَيْك ألف فَقَالَ قضيتك مِنْهَا مائَة فَقَالَ القَاضِي لَيْسَ هَذَا إِقْرَارا بِشَيْء لِأَن الْمِائَة قد رَفعهَا بقوله وَالْبَاقِي لم يقر بِهِ وَقَوله مِنْهَا يحْتَمل مِمَّا يَدعِيهِ وَكَذَا قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره وَذكر فِي المغنى أَنه يَجِيء على الرِّوَايَة الْأُخْرَى يَعْنِي قَوْله إِذا قَالَ كَانَ لَهُ على كَذَا وقضيت مِنْهُ كَذَا أَنه يلْزمه مَا ادّعى قَضَاءَهُ لِأَن فِي ضمن دَعْوَى الْقَضَاء إِقْرَارا بِأَنَّهَا كَانَت عَلَيْهِ فَلَا يقبل دَعْوَى الْقَضَاء بِغَيْر بَيِّنَة وَقَالَ ابْن حمدَان فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَيحْتَمل أَن يلْزمه الْبَاقِي يَعْنِي تقبل دَعْوَى الْقَضَاء وَهِي تَتَضَمَّن الْإِقْرَار بِالْبَاقِي فَيلْزمهُ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يخرج على أحد الْوَجْهَيْنِ فِي اتزنها وخذها واقبضها أَنه مقرّ ياقي الْألف لِأَن الْهَاء ترجع إِلَى الْمَذْكُور وَيتَخَرَّج أَن يكون مقرا بِالْمِائَةِ على رِوَايَة فِي قَوْله كَانَ لَهُ على وَقَضيته ثمَّ هَل هُوَ مقرّ بهَا وَحدهَا أَو بِالْجَمِيعِ على مَا تقدم انْتهى كَلَامه

فصل

فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذِه الْأَلْفَاظ يَعْنِي الْإِقْرَار تَارَة تكون مُبتَدأَة وَهُوَ ظَاهر وَتارَة تكون جَوَاب طلب وَتارَة جَوَاب خبر وَتارَة جَوَاب اسْتِفْهَام من الْمقر لَهُ أَو من الشُّهُود أَو من غَيرهمَا ثمَّ تَارَة يكون بِحَضْرَة الْحَاكِم وَتارَة بِحَضْرَة من يعلم أَنهم يشْهدُونَ عَلَيْهِ وَتارَة مُطلقًا وَقد تقدم هَذَا الْقسم فِي الشَّهَادَات ثمَّ هَذِه الْأَلْفَاظ قد تظهر على وَجه التهكم والاستهزاء فَهَذِهِ أَقسَام لَا بُد من اعْتِبَارهَا قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على مائَة إِن شَاءَ الله قَالَ أَبُو طَالب سَمِعت الإِمَام أَحْمد قَالَ إِذا قَالَ الرجل على ألف دِرْهَم إِن شَاءَ الله فقد أقرّ لَيْسَ اسْتِثْنَاؤُهُ بشئ وعَلى هَذَا الْأَصْحَاب لِأَنَّهُ وصل بِإِقْرَارِهِ مَا يرفعهُ وَاللَّفْظ لَا يحْتَملهُ فصح الْإِقْرَار وَبَطل مَا يرفعهُ كاستثناء الْكل قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره وَلَا يلْزم إِذا قَالَ لَهُ على ألف قبضهَا لِأَن ذَلِك يحْتَملهُ اللَّفْظ وَكَذَا ذكره القَاضِي وَالْأولَى الْمَنْع كَمَا قطع بِهِ غير وَاحِد وَلِأَنَّهُ عقب الْإِقْرَار بِمَا لَا يُفِيد حكما آخر وَلَا يَقْتَضِي رفع الحكم أشبه مَا لَو قَالَ لَهُ عَليّ ألف فِي مَشِيئَة الله وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك فِي الْمَشْهُور عَنهُ وَالشَّافِعِيّ لَا يَصح الْإِقْرَار وَهُوَ احْتِمَال فِي الرِّعَايَة لِأَنَّهُ علق إِقْرَاره بِشَرْط فَلم يَصح كتعليقه على مَشِيئَة زيد وَلنَا فِي هَذَا الأَصْل وَجْهَان أَحدهمَا الصِّحَّة كتعليقه بمشئة الله تَعَالَى وَالثَّانِي لَا يَصح لإن الْإِقْرَار إِخْبَار بِحَق سَابق فَلَا يعلق على شَرط مُسْتَقْبل فعلى هَذَا الْفرق أَن مَشِيئَة الله تَعَالَى تذكر فِي الْكَلَام تفويضا إِلَيْهِ وتبركا

فصل

بِخِلَاف مَشِيئَة الْآدَمِيّ وَلِأَن مَشِيئَة الله لَا تعلم إِلَّا بِوُقُوع الْأَمر فَلَا يُمكن وقُوف الْأَمر على وجودهَا ومشيئة الْآدَمِيّ يُمكن الْعلم بهَا فَيمكن جعلهَا شرطا فَيُوقف الْأَمر على وجودهَا والماضي لَا يُمكن وَقفه فِي تعْيين الْأَمر هُنَا على الْمُسْتَقْبل فَيكون وَعدا فصل وَلَو قَالَ بِعْتُك إِن شَاءَ الله أَو زَوجتك إِن شَاءَ الله فَقَالَ أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا لَا أعلم خلافًا عَنهُ فِي أَنه إِذا قيل لَهُ قبلت هَذَا النِّكَاح فَقَالَ نعم إِن شَاءَ الله أَن النِّكَاح وَاقع وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة ذكره فِي الْمُغنِي وَقَالَ القَاضِي وَظَاهر هَذَا أَن الِاسْتِثْنَاء فِي العقد لَا يُبطلهُ وَيحْتَمل أَن يفرق بَين الِاسْتِثْنَاء فِي الْإِقْرَار وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْعُقُود فَلَا يحكم بِصِحَّة الْعُقُود وَإِن صححنا الْإِقْرَار لِأَنَّهُ إِذا وَجب البيع وَالنِّكَاح كَانَ لَهُ الرُّجُوع فِي ذَلِك قبل الْقبُول بِخِلَاف الْإِقْرَار فَإِنَّهُ لَا يُمكنهُ الرُّجُوع فِيهِ وَيحْتَمل أَن يلْزم على مَا قَالَ أَبُو إِسْحَاق بن شاقلا وَيكون تَقْدِيره إِن شَاءَ الله أَن أتلفظ بِالْبيعِ أَو إِن شَاءَ الله أَن أبيعك وَقد علمنَا مشيئتنا بِهِ بِوُجُود الْإِيجَاب من جِهَته وَقَالَ القَاضِي أَيْضا فِي الْخلاف وعَلى قِيَاس الْإِقْرَار بِالْبيعِ وَالنِّكَاح وَذكر أَبُو الْخطاب والشريف مَسْأَلَة تَعْلِيق الْإِقْرَار بِمَشِيئَة الله ثمَّ قَالَ وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ قبلت النِّكَاح إِن شَاءَ الله ذكره أَبُو إِسْحَاق ثمَّ اسْتدلَّ للمسألة كَمَا تقدم وَقَالَ وَلِأَن هَذَا مِمَّا يَصح فِي الْمَجْهُول وَلَيْسَ فِيهِ تمْلِيك فتعليقه بِالشّرطِ لَا يُبطلهُ كالعتاق وَالطَّلَاق وَالضَّمان وَلَا يلْزم البيع لِأَنَّهُ لَا يَصح فِي مَجْهُول وَلَا يلْزم النِّكَاح لِأَنَّهُ يبطل إِذا علقه بِشَرْط وَإِن كَانَ يَصح فِي الْمَجْهُول لأننا قُلْنَا وَلَيْسَ فِيهِ تمْلِيك وَفِي ذَلِك تمْلِيك وَمُقْتَضى هَذَا أَن تَعْلِيق الْإِقْرَار بِشَرْط مُطلقًا لَا يُبطلهُ بِخِلَاف البيع وَالنِّكَاح

قَوْله أَو فِيمَا أعلم أَو فِي علمي وَبِه قَالَ مَالك وَأَبُو يُوسُف وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ لما أَضَافَهُ إِلَى علمه كَانَ يَقِينا لِأَن مَا فِي علمه لايحتمل إِلَّا الْوُجُوب قَالَ أَبُو الْخطاب والشريف دَلِيله إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف أعلمها وَقَالَ أَبُو حنيفَة الْإِقْرَار بَاطِل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَسلم مَا إِذا قَالَ لفُلَان على ألف دِرْهَم وَقد علمت وَسلم لَهُ القَاضِي وَغَيره أَن الشَّاهِد لَو قَالَ أشهد أَن لفُلَان على فلَان ألف دِرْهَم فِيمَا أعلم لم تقبل شَهَادَته وَفرق بِأَن الْإِقْرَار يَصح بِالْمَجْهُولِ والمبهم وَلَا تصح الشَّهَادَة بذلك قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَفِيه نظر انْتهى كَلَامه وَمَا قَالَه صَحِيح وَالْأولَى قبُول الشَّهَادَة وَهَذَا الْفرق لَا أثر لَهُ هُنَا وَقد عرف من هَذِه الْمَسْأَلَة أَنه لَو قَالَ فِيمَا أَظن لم يلْزمه شَيْء وَهُوَ كَذَلِك وَنَقله ابْن هُبَيْرَة عَن اتِّفَاق الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة قَوْله أَو إِلَّا أَن يَشَاء زيد أَو إِلَّا أَن يَشَاء الله كَانَ الحكم كَذَلِك وَفِيه الأحتمال السَّابِق فِي قَوْله إِن شَاءَ الله وَفِيه نظر هُنَا قَوْله أَو قَالَ الْمُدعى اعطني فرسي هَذِه أَو ثوبي هَذَا أَو الْمِائَة الَّتِي لي عَلَيْك فَقَالَ نعم أَو قَالَ الْمُدعى أَلَيْسَ لي عَلَيْك مائَة فَقَالَ بلَى فقد أقرّ بذلك وَلَزِمَه تقدم ذَلِك فِي قَوْله إدا ادّعى على رجل مائَة وَالْأولَى بِأَن يكون مقرا وَقد تقدم ذَلِك

قَوْله وَإِذا علق على الْإِقْرَار بِشَرْط تقدمه كَقَوْلِه إِن قدم فلَان أَو إِن شَاءَ أَو إِن دخل الدَّار فَلهُ عَليّ مائَة أَو إِن شهد فلَان عَليّ بِكَذَا صدقته وَنَحْو ذَلِك لم يَصح أما الْمَسْأَلَة الأولى فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بمقر فِي الْحَال لِأَن الْمَشْرُوط عدم عِنْد عدم شَرطه وَالشّرط لَا يقتضى إِيجَاب ذَلِك بل إِشْكَال فَيُقَال يجب عِنْد وجود الشَّرْط وَأما فِي الثَّانِيَة فَلَا يصدق الْكَاذِب وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالتَّحْقِيق أَنه إِن كَانَ الشَّرْط بِمَا يجب بِهِ الْحق صَحَّ تَعْلِيق الْإِقْرَار بِهِ كَقَوْل الْمَرْأَة إِن كَانَ قد طَلقنِي فَلهُ عَليّ ألف أَو إِن طَلقنِي أَو إِن كَانَ عمل لي وَنَحْو ذَلِك انْتهى كَلَامه وَلَيْسَ هَذَا إِقْرَارا وَإِنَّمَا هُوَ الْتِزَام فَهُوَ كقولها اخلعني أَو طَلقنِي وَلَك ألف أَو على ألف أَو بِأَلف وَنَحْو ذَلِك قَوْله إِلَّا فِي قَوْله إِذا جَاءَ وَقت كَذَا فعلى لزيد كَذَا أَو قَالَ إِن شهد عَليّ فلَان بِكَذَا فَهُوَ صَادِق فَإِنَّهُ على وَجْهَيْن أما عدم صِحَة إِقْرَاره فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَذكر فِي المغنى أَنه قَول الْأَصْحَاب وَقطع بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالشّرطِ وَقَوله فعلي كَذَا يصلح إِقْرَارا ووعدا فَلَا يثبت الْإِقْرَار مَعَ الِاحْتِمَال

وَوجه الصِّحَّة أَنه ظَاهر فِي الْإِقْرَار لِأَن لَفظه على ظَاهِرَة فِي الثَّابِت وَاللَّازِم ومجىء الْوَقْت يصلح أَََجَلًا لحلول الْحق بِخِلَاف غَيره وَحمل كَلَام الْمُكَلف على الصِّحَّة أولى وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَوجه عدم الصِّحَّة فِيهَا أَنه علقه على شَرط وَوجه الصِّحَّة أَنه لَا يتَصَوَّر صدقه إِلَّا أَن يكون ثَابتا فِي الْحَال وَقد أقرّ بصدقه قَوْله وَلَو أخر الشَّرْط كَقَوْلِه لَهُ على ألف إِن شفى زيد أَو إِن قدم أَو إِذا جَاءَ الْمَطَر أَو إِن شهد بهَا فلَان وَنَحْوه فعلى وَجْهَيْن أَحدهمَا لَا يكون مقرّ لما تقدم وكما لَو قدم الشَّرْط وَالثَّانِي يكون مقرا فَإِن قدم الْإِقْرَار فَلم يثبت حكمه وَالشّرط لَا يصلح أَََجَلًا فَبَطل وَلِأَن الْحق ثَابت فِي الْحَال لَا يقف على الشَّرْط فَسقط الِاسْتِثْنَاء وَلِأَن الْمقر لَا يكون عَلَيْهِ علم الشَّرْط إِلَّا وَهُوَ عَلَيْهِ فِي الْحَال لِأَن الشَّرْط لَا يُوجد قَوْله إِلَّا فِي قَوْله لَهُ عَليّ كَذَا إِذا جَاءَ وَقت كَذَا فَإِنَّهُ يَصح وَجها وَاحِدًا وَكَذَا قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره وَنَقله فِي المغنى عَن الْأَصْحَاب وَهُوَ مَنْصُوص الشَّافِعِي لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالْإِقْرَارِ وَقَوله إِذا جَاءَ وَقت كَذَا يحْتَمل أَنه أَرَادَ الْمحل فَلَا يبطل بِالِاحْتِمَالِ قَالَ فِي الْمُغنِي وَيحْتَمل أَن لَا فرق بَينهمَا يَعْنِي هَذِه الْمَسْأَلَة وعكسها الْمُتَقَدّمَة قَالَ لِأَن تَقْدِيم الشَّرْط وتأخيره سَوَاء فَيكون فيهمَا جَمِيعًا وَجْهَان انْتهى كَلَامه

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَضْمُون هَذِه الْمسَائِل أَن الْإِقْرَار لَا يتَعَلَّق بِشَرْط بل إِذا تَأَخّر الشَّرْط هَل يبطل وَحده أَو الْإِقْرَار كُله على وَجْهَيْن قَالَ وَالصَّوَاب أَن نفس الْإِقْرَار لَا يتَعَلَّق وَإِنَّمَا يتَعَلَّق الْمقر بِهِ لِأَن الْمقر بِهِ قد يكون مُعَلّقا بِسَبَب يُوجِبهُ أَو يُوجب أداءه أَو دَلِيل يظهره فَالْأول كَمَا لَو قَالَ إِن قدم فلَان فعلي لزيد ألف دِرْهَم فَإِذا قَالَ مقرا إِذا قدم زيد فلفلان عَليّ ألف دِرْهَم صَحَّ وَكَذَا لَو قَالَ إِن رد عَبدِي الْآبِق فَلهُ ألف دِرْهَم ثمَّ أقرّ بهَا فَقَالَ إِن رد عَبدِي فَلهُ عِنْدِي صَحَّ وَكَذَا الْإِقْرَار بعوض الْخلْع لَو قَالَت إِن طَلقنِي أَو إِن عَفا عني قَالَ وَأما التَّعْلِيق بِالشَّهَادَةِ فقد يشبه التَّحْكِيم وَلَو قَالَ إِن حكمت عَليّ بِكَذَا التزمته لزمَه عندنَا فَكَذَلِك قد يُرْضِي بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة الْتِزَام وتزكية للشَّاهِد ورضى بِشَهَادَة وَاحِد فَهُوَ بِمَنْزِلَة أَن يَقُول للْحَاكِم إِن شهد على فلَان فَاقْض بِحكمِهِ وَمَا هُوَ بِبَعِيد لِأَن تَعْدِيل الشَّخْص للشَّاهِد قد يَكْفِي وَإِذا حكم بِشَاهِد فابرأ الْمَطْلُوب من الْيَمين فَهُوَ بِمَنْزِلَة إِن شهد فلَان فَهُوَ صَادِق انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِن أقرّ بدين مُؤَجل فَالْقَوْل قَوْله فِي التَّأْجِيل نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن الحكم سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَمَّن أقرّ فَقَالَ لفُلَان عَليّ كَذَا وَكَذَا إِلَى أجل فَقَالَ أَبُو عبد الله إِذا قَالَ لي فِي مرّة وَاحِدَة قبل مِنْهُ يَعْنِي إِلَى أجل وَفِي رِوَايَة أبي طَالب فِي مَسْأَلته الطَّوِيلَة فِي مناظرة أبي ثَوْر وَهِي فِي الْفلس وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب لِأَن الْأَجَل صفة فِي الدّين فَرجع فِيهِ إِلَى الْمقر كالسواد وَالْبَيَاض والحلول وَلِأَنَّهُ هَكَذَا أقرّ كَمَا لَو قَالَ نَاقِصَة وَلَا بُد من اتِّصَاله وَفِي

مَعْنَاهُ سكُوت لَا يُمكنهُ الْكَلَام فِيهِ قَوْله وَيحْتَمل أَن يكون قَول خَصمه فِي حُلُوله ذكره أَبُو الْخطاب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين لِأَن التَّأْجِيل يمْنَع اسْتِيفَاء الْحق فِي الْحَال كَمَا لَو قَالَ قَضيته إِيَّاهَا وَالْفرق ظَاهر قَوْله فعلى الأول لَو عزاهُ إِلَى سَبَب يقبل الْأَمريْنِ فَالْقَوْل قَول فِي الضَّمَان وَفِي غَيره وَجْهَان أما كَون القَوْل قَول الْمقر فِي الضَّمَان فَلِأَنَّهُ فسر كَلَامه بِمَا يحْتَملهُ من غير مُخَالفَة لأصل وَلَا ظَاهر فَقبل لِأَن الضَّمَان مُقْتَضَاهُ ثُبُوت الْحق فِي الذِّمَّة فَقَط وَمن أصلنَا صِحَة ضَمَان الْحَال مُؤَجّلا وَأما إِذا كَانَ السَّبَب غير ضَمَان كَبيع وَغَيره فَوجه قبُول قَول الْمقر فِي التَّأْجِيل أَنه سَبَب يقبل الْحُلُول والتأجيل فَقبل قَوْله فِيهِ كالضمان وَلِأَن الأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة وَإِنَّمَا ثَبت شغلها بِالْحَقِّ وَصفَة الْحُلُول أَمر زَائِد مُحْتَمل فَلَا ينْتَقل عَن الأَصْل بِالِاحْتِمَالِ وَوجه عدم قبُول قَوْله أَن سَبَب متقضاه الْحُلُول فَوَجَبَ الْعَمَل بِمُقْتَضَاهُ وَأَصله كَمَا لَو صرح بِهِ أَو فَلم يقبل تَفْسِيره بِخِلَافِهِ كَمَا لَو صرح بِهِ وَبِهَذَا فَارق الضَّمَان هَذَا مَا ظهر لي من حل كَلَامه وَقَالَ ابْن عبد الْقوي بعد نظمه كَلَام الْمُحَرر الَّذِي يُقَوي عِنْدِي أَن مُرَاده يقبل فِي الضَّمَان أَي يضمن مَا أقرّ بِهِ لِأَن إِقْرَار عَلَيْهِ فَإِن ادّعى أَنه ثمن مَبِيع أَو أُجْرَة ليَكُون بصدد أَن لَا يلْزمه هُوَ أَو بعضه إِن تعذر قبض مَا ادَّعَاهُ أَو بعضه أحد الْوَجْهَيْنِ يقبل لِأَنَّهُ إِنَّمَا أقرّ بِهِ كَذَلِك فَأشبه مَا إِذا أقرّ بِمِائَة

صَكَّة مَعِيبَة أَو نَاقِصَة قَالَ وَقيل بل مُرَاده نفس الضَّمَان أَن يقبل قَوْله إِنَّه ضَامِن مَا أقرّ بِهِ عَن شخص حَتَّى إِن برىء مِنْهُ برىء الْمقر وَيُرِيد بِغَيْرِهِ سَائِر الْحُقُوق انْتهى كَلَامه وَلَا يخفى حكمه وَقد ذكر فِي الْمُسْتَوْعب بعد مَسْأَلَة الْإِقْرَار بدين مُؤَجل وَإِن أقرّ أَنه كفل بِأَلف إِلَى أجل كَانَت مُؤَجّلَة إِلَّا أَن تقوم بِبَيِّنَة بالحلول وَهَذَا يُؤَيّدهُ مَا تقدم وتخصيصه هَذِه الْمَسْأَلَة يَقْتَضِي عدم الْقبُول فِي غَيرهَا فَيكون تضمن الْقبُول فِي الضَّمَان وَعدم الْقبُول فِي غَيره قَوْله وَإِذا أقرّ الْعَرَبِيّ بالعجمية أَو بِالْعَكْسِ وَقَالَ لم أدر مَا قلت حلف وخلى سَبيله لِأَنَّهُ مُنكر وَالظَّاهِر صدقه وَالْأَصْل بَرَاءَة ذمَّته وَكَذَا إِن أقرّ بِغَيْر لِسَانه وَلَو قَالَ وَإِن أقرّ بِغَيْر لِسَانه لعربي بعجمية كَانَ أولى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا أقرّ الْعَاميّ بمضمون محْضر وَادّعى عدم الْعلم بِدلَالَة اللَّفْظ وَمثله يجهله فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ فِي الطَّلَاق إِن دخلت أَو قَالَ أَنْت طَالِق وَاحِدَة فِي ثِنْتَيْنِ انْتهى كَلَامه وَهُوَ مُتَوَجّه قَوْله وَإِذا قَالَ لفُلَان مائَة دِرْهَم وَإِلَّا فلفلان عَليّ مائَة دِينَار أَو قَالَ لفُلَان عَليّ مائَة دِرْهَم وَإِلَّا فلفلان لَزِمته الْمِائَة الأولى وَلَا شَيْء للثَّانِي قطع بِهِ جمَاعَة فِي كتب الْخلاف مِنْهُم أَبُو الْخطاب والشريف لِأَن

مَقَاصِد النَّاس ومرادهم ترجع إِلَى أَن للْأولِ فَإِن لم يكن فَالثَّانِي كَمَا يَقُول بِعْ هَذَا الثَّوْب من فلَان وَإِلَّا فَمن فلَان وَإِلَّا كَمَا يَقُول الْحَاكِم للقاذف أئت بأَرْبعَة يشْهدُونَ لَك وَإِلَّا جلدتك واقض دينك وَإِلَّا حبستك وَيُرَاد بذلك عِنْد تعذر الأول كَذَا فِي مَسْأَلَتنَا وَقد ثَبت للْأولِ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يملك رَفعه قَوْله وَقَالَ القَاضِي فِي الْجَامِع قِيَاس الْمَذْهَب أَن يلْزمه المقداران لَهما لِأَنَّهُ أقرّ للْأولِ فَثَبت لَهُ وأضرب عَنهُ بِالْإِقْرَارِ الثَّانِي فَيلْزمهُ أَيْضا كَمَا لَو قَالَ لزيد لَا بل لعَمْرو وَاقْتصر فِي الْمُسْتَوْعب على حِكَايَة قَول القَاضِي هَذَا وقاسه على هَذَا الأَصْل وَالْأول أولى وَقَالَ أَبُو حنيفَة لايلزمه هَذَا الْإِقْرَار فِي حَقّهمَا جَمِيعًا قَوْله وَلَو قَالَ لأَحَدهمَا على مائَة لَزِمته وطولب بِالتَّعْيِينِ كَالْإِقْرَارِ بِالْعينِ وَكَذَا ذكره غَيره الحكم وَالدَّلِيل قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على مائَة لَا تلزمني أَو مائَة إِلَّا مائَة لَزِمته الْمِائَة أما فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَلِأَنَّهُ اسْتثْنى الْكل فَلَا يَصح بِغَيْر خلاف وَأما فِي الْمَسْأَلَة الأولى فَلِأَن هَذَا يُنَاقض مَا أقرّ بِهِ أَو نقُول رفع جَمِيع مَا أقرّ بِهِ فَلم يقبل كاستثناء الْكل وَفِي هَذِه الْمَسْأَلَة احْتِمَال بعيد ذكره فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على من ثمن خمر مائَة لم تلْزمهُ لِأَنَّهُ لما قدم الصّفة على الْمقر بِهِ لم يلْتَزم شَيْئا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ على خمر

قبلهَا ألف بِخِلَاف مالو أَخّرهَا لِأَن إِقْرَاره بِهِ مُطلقًا اقتضي لُزُومه فَلَا يقبل رَفعه لِأَنَّهُ رُجُوع عَن إِقْرَاره بِحَق آدَمِيّ كاستثناء الْكل قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على مائَة من ثمن خمر أَو سلفا بِشَرْط الْخِيَار أَو ثمن مَبِيع لم أقبضهُ أَو هلك قبل قَبضه فَوَجْهَانِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ بِشَرْط أجل مَجْهُول ذكره القَاضِي وَغَيره أَحدهمَا يلْزمه مَا أقرّ بِهِ وَلَا يقبل قَوْله لم يذكر ابْن هُبَيْرَة عَن الإِمَام أَحْمد غَيره وَاحْتج فِي ذَلِك بِمذهب ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وَأَنه قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَأظْهر قولي الشَّافِعِي عِنْد أَصْحَابه لما تقدم وَالثَّانِي يقبل قَوْله وَهُوَ الَّذِي ذكره القَاضِي قِيَاس الْمَذْهَب وَقِيَاس قَول الإِمَام أَحْمد فِي مَسْأَلَة كَانَ لَهُ على وَقَضيته لِأَنَّهُ عزا إِقْرَاره إِلَى سَببه فَقبل كَمَا لَو عزا إِلَى سَبَب صَحِيح وَقيل يقبل قَوْله فِي ثمن مَبِيع لم أقبضهُ وَفِي مَعْنَاهُ هلك قبل قَبضه ذكره القَاضِي وَغَيره وصرحوا وَمن شَرط ضَمَانه الْقَبْض وَهُوَ وَاضح وَهُوَ ظَاهر اخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لِأَنَّهُ إِقْرَار بِحَق فِي مُقَابلَة حق لَا يمِيل أَحدهمَا عَن الآخر فَإِذا لم يسلم مَا لَهُ مَا عَلَيْهِ كَمَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِأَلف قَالَ بل ملكتنيه بِغَيْر شئ وَلِأَنَّهُ فسر الْإِقْرَار بِمَا يحْتَملهُ فَقبل كاستثناء الْبَعْض وَحكى القَاضِي وَأَصْحَابه عَن أبي حنيفَة إِن عين الْمَبِيع قبل قَوْله وَإِن كَانَ أَضْعَاف الثّمن وَإِن لم يعين لم يقبل قَوْله قَالَ القَاضِي إِذا لم يكن معينا فَإِنَّمَا يكون مَوْصُوفا فَإِذا أحضر لَهُ ماتتناوله الصّفة لزمَه قبُوله وَلم يجز لَهُ الِامْتِنَاع فَلَا فرق بَين الْمعِين وَغَيره

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَنه إِذا لم تكف الصّفة لم يلْتَفت إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو ادّعى أَن الْمحْضر غير الْمَوْصُوف قَوْله ألف من ثمن مَبِيع ثمَّ سكت ثمَّ قَالَ لم أقبضهُ قبل كالمتصل ذكره فِي الْمَعْنى وَيُؤْخَذ من كَلَام غَيره لِأَن الْإِقْرَار تعلق بِالْبيعِ وَالْأَصْل عدم الْقَبْض وَلَو قَالَ على ألف ثمَّ سكت ثمَّ قَالَ من ثمن مَبِيع لم أقبضهُ لم يقبل قَوْله وَإِذا قَالَ كَانَ لَهُ على كَذَا وَقَضيته فَهُوَ مُنكر وَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور وَغَيره وَأبي الْخطاب وَابْن ماهان وَهُوَ الَّذِي نَصره القَاضِي وَغَيره وَذكر القَاضِي أَنه الْمَذْهَب وَأَنه لم يجد عَن أَحْمد رِوَايَة بِغَيْر هَذَا وَقطع بِهِ ابْن هُبَيْرَة عَن أَحْمد وَاحْتج فِي ذَلِك بِمذهب ابْن مَسْعُود وَاخْتَارَهُ الْخرقِيّ وَغَيره لِأَنَّهُ قَول يُمكن صِحَّته وَلَا تنَاقض فِيهِ من جِهَة اللَّفْظ فَوَجَبَ قبُول قَوْله وَلَا يلْزمه شئ كاستثناء الْبَعْض بِخِلَاف الْمُنْفَصِل فَإِنَّهُ قد اسْتَقر بسكوته عَلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يرفعهُ اسْتثِْنَاء وَلَا غَيره وَاحْتج القَاضِي بِأَنَّهُ يَصح أَن يرفع جَمِيع مَا أقرّ بِهِ كَمَا يَصح أَن يرفع الْبَعْض إِذا لم يتناقض اللَّفْظ كَمَا فِي قَول صَاحب الشَّرِيعَة وَقَالَ لِأَنَّهُ رفع مَا ثَبت بقوله على وَجه لَا يُفْضِي إِلَى التَّنَاقُض فَأشبه دَعْوَى الِاسْتِبْرَاء بعد الِاعْتِرَاف بِالْوَطْءِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا الضَّابِط يعم صورا كَثِيرَة لَكِن قد يُنَازع فِي قَوْله لَهُ على وَقَالَ لَو قَالَ إِلَى سنة أَو ألف طرية فَذكره القَاضِي مَحل وفَاق محتجا بِهِ وَكَذَلِكَ لَو قَالَ ألف من ثمن مَبِيع شَرط فِيهِ الْخِيَار

فصل

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَأن الضَّابِط أَن الصَّلَاة الْمُغِيرَهْ قدرا أَو وَصفا تقبل بِلَا تردد فَأَما الصَّلَاة المسقطة فَهِيَ مَحل وفَاق قَوْله وَعنهُ أَنه مقرّ بِالْحَقِّ مُدع لقضائه فَيحلف خَصمه أَو يَأْتِي بِبَيِّنَة بِهِ اخْتَارَهَا أَبُو الْخطاب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي وَهُوَ الْأَظْهر عِنْد أَصْحَابه لِأَنَّهُ أقرّ وَادّعى الْقَضَاء فَلَا يسمع إِلَّا بِبَيِّنَة أَو يحلف خَصمه كَمَا لَو ادّعى ذَلِك بِكَلَام مُنْفَصِل وَلِأَنَّهُ وصل كَلَامه بِمَا يرفعهُ فَلم يقبل كاستثناء الْكل قَوْله وَعنهُ أَن هَذَا لَيْسَ بِجَوَاب صَحِيح فَيُطَالب برد الْجَواب لِأَنَّهُ كَلَام ظَاهره التَّنَاقُض لِأَنَّهُ نفي مَا أثبت فَكَانَ وجوده كَعَدَمِهِ فَيُطَالب بِجَوَاب صَحِيح قَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَهِي أصح وَأشْهد كَذَا قَالَ فصل وَكَذَا الْخلاف فِيمَن قَالَ وقضيت مِنْهُ كَذَا وَكَذَا الْخلاف أَيْضا إِن قَالَ وبرئت مِنْهُ أَو من بعضه وَقيل تقبل دَعْوَى الْوَفَاء لَا الْإِبْرَاء لِأَنَّهُ فعل الْغَيْر فَلم يقبل قَوْله فِيهِ بِخِلَاف الْوَفَاء وَإِن قَالَ جَوَابا للدعوى أبرأني مِنْهَا أَو بَرِئت إِلَيْهِ مِنْهَا فَهُوَ كَقَوْلِه كَانَ لَهُ على ألف وَقَضيته قدمه فِي الرِّعَايَة وَذكر ابْن أبي مُوسَى أَنه إِقْرَار فَإِن عجز عَن إِثْبَات الْبَرَاءَة فَلهُ الْيَمين فصل وَلَو قَالَ كَانَ لي عِنْده ألف دِرْهَم قبضت مِنْهَا خَمْسمِائَة وأطالبه بِخَمْسِمِائَة أُخْرَى فَهَذَا لَا يكون إِقْرَارا بالخمسمائة المقبوضة على الرِّوَايَة الأولى وَهُوَ ظَاهر

فصل

وَأما على الرِّوَايَة الثَّانِيَة فقد يُقَال كَذَلِك أَيْضا لِأَنَّهُ بَدَأَ بِالدَّعْوَى قبل الْقَبْض وَلم يقر إِلَّا بِأَنَّهُ قبض مَا هُوَ حَقه وَهَذَا اللَّفْظ لَيْسَ بِإِقْرَار بِحَال بِخِلَاف قَوْله كَانَ لي عَليّ فَإِن هَذَا اللَّفْظ لَو تجرد كَانَ إِقْرَارا وَمِثَال ذَلِك أَن يَقُول ابتعت مِنْهُ بَعِيرًا وقبضته وَكَذَلِكَ كل قبض مَسْبُوق بِدَعْوَى الِاسْتِحْقَاق بِخِلَاف مَا لَو قَالَ قبضت مِنْهُ ألفا كَانَت لي عَلَيْهِ أَو كَانَت لي عِنْده فَإِن هَذَا بِمَنْزِلَة قَوْله كَانَ لَهُ عَليّ ألف وَقَضيته إِيَّاه أَو كَانَ لَهُ عِنْدِي غصب وأعطيته إِيَّاه لَكِن ذَاك إِقْرَار بِقَبض وَهَذَا إِقْرَار بِحَق وَنَظِير هَذَا أَن يَقُول اقترضت مِنْهُ ووفيته أَو ابتعت مِنْهُ ووفيته فَإِن الْإِقْرَار بِأَسْبَاب الْحُقُوق من الْعُقُود وَالْفَرْض وَسَائِر الْأَفْعَال كَالْإِقْرَارِ بالحقوق فَقَوله كَانَ لَهُ على أَو عِنْدِي كَذَا أَو غصب أَو ثمن مَبِيع أَو قرض أَو أَعْطيته ذَلِك منزله قَوْله اقترضت مِنْهُ ووفيته أَو استعرت مِنْهُ وأعدت إِلَيْهِ وبمنزلة قَوْله قبضت مِنْهُ دين حق كَانَ لي عِنْده فَإِن الدّين يسْقط بِالْقضَاءِ وَالْإِبْرَاء وجماع هَذَا كل إِقْرَار بِقَبض غير مُوجب للضَّمَان أَو غير مُوجب للرَّدّ هَل يَجْعَل إِقْرَارا بِقَبض مُجَرّد وَتسمع دَعْوَى المقبض بِاسْتِحْقَاق الرَّد أَو الضَّمَان لَكِن فرق بَين أَن يقر بِقَبض حَقه وَبَين أَن يقر بِقَبض مَال الْمُعْطى ويدعى قبضا غير مَضْمُون فَالْأول قَبضته الدّين الَّذِي كَانَ لي عَلَيْهِ أَو الْوَدِيعَة الَّتِي كَانَت لي عِنْده أَو الْعَارِية أَو الْغَصْب وَالثَّانِي أودعني أَو رهنني وَنَحْو ذَلِك فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن تَيْمِية إِذا قُلْنَا بِظَاهِر الْمَذْهَب وَأَنه لَيْسَ بمقر بل مُنكر فَهَل يحلف على بَقَاء الِاسْتِحْقَاق أَو يحلف على لفط الْجَواب إِن اتفقَا على نفي الِاسْتِحْقَاق فَلَا ريب وَإِلَّا فَيَنْبَغِي أَن تطابق الْيَمين جَوَاب الدَّعْوَى فَيحلف لقد رددت عَلَيْهِ هَذِه الْألف الَّذِي يدعى بِهِ أَو لقد وفيته إِيَّاهَا وَإِن لم

فصل

يقر بهَا فِي الْحَال لكَون الْإِنْكَار مُقَيّدا بردهَا فِي الزَّمن الْمَاضِي كَمَا لَو أنكر المؤتمنون الِاسْتِحْقَاق بِنَاء على رد أَو تلف فَكَمَا أَن جَوَاب الدَّعْوَى مُجمل ومفسر فَكَذَا الْيَمين على الْجَواب مُجمل ومفسر انْتهى كَلَامه وَهَذِه الْمَسْأَلَة وَهِي هَل نكلف الْمُدعى عَلَيْهِ الْيَمين على حسب الدَّعْوَى أَو تَكْفِي يَمِينه على نفي الِاسْتِحْقَاق مُطلقًا أَو إِن كَانَ الْجَواب مطابقا للدعوى كلف الْيَمين على حَسبه وَإِلَّا حلف على نفي الِاسْتِحْقَاق فِيهِ ثَلَاثَة أوجه قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على كَذَا وَقَضيته إِيَّاه فَفِيهِ الرِّوَايَتَانِ الأوليان إِحْدَاهمَا يلْزمه فَيحلف الْمُدعى أَنه بَاقٍ عَلَيْهِ وَيَأْخُذهُ نَصره فِي المنغني وَاخْتَارَهُ أَبُو الْخطاب وَقدمه بَعضهم لما تقدم وَلِأَنَّهُ قَول متناقض وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالثَّانيَِة لَا يلْزمه مَعَ يَمِينه وَهِي الَّتِي ذكرهَا القَاضِي وَأَبُو الْخطاب فِي رُءُوس الْمسَائِل واختارها الْخرقِيّ وَعَن الشَّافِعِي كالمذهبين لِأَنَّهُ فسر كَلَامه بِمَا يحْتَملهُ فَقبل كاستثناء الْبَعْض لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه كَانَ لَهُ وقضاه قَوْله وَعنهُ ثَالِثَة أَنه قد أقرّ بِالْحَقِّ وَكذب نَفسه فِي الْوَفَاء فَلَا يسمع مِنْهُ وَلَو أَتَى بِبَيِّنَة لِأَن قَوْله لَهُ على إِقْرَار يلْزم مِنْهُ عدم الْقَضَاء فدعوى الْوَفَاء بعد ذَلِك يكذبها الْإِقْرَار السَّابِق فَلَا تقبل وَلَا بَيِّنَة لِأَنَّهُ مكذب لَهَا وَقيل مَا أَجَابَهُ بِشَيْء فصل وَكَذَا إِن قَالَ وَقَضيته مِنْهُ كَذَا أَبُو بَرِئت مِنْهُ أَو من بعضه لِأَن عدم

الصِّحَّة لتناقض كَلَامه كَذَا فِي الْبَعْض لِاسْتِحَالَة بَقَاء الْمقر بِهِ عَلَيْهِ مَعَ بَقَاء بعضه وَقَالَ ابْن أبي مُوسَى إِن قَالَ قضيت بعضه قبل مِنْهُ فِي رِوَايَة كاستثناء الْبَعْض وَإِن قَالَ قضيت جَمِيعه لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة كاستثناء الْكل قَوْله وَإِذا قَالَ كَانَ لَهُ عَليّ كَذَا وَسكت فَهُوَ إِقْرَار قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره وَذكره فِي المغنى ظَاهر كَلَام أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ أقرّ بِالْوُجُوب وَلم يذكر مَا يرفعهُ فَيجب استدامته حَتَّى يعلم زَوَاله قَالَ وَلِهَذَا لَو تنَازعا دَارا فَأقر أَحدهمَا للْآخر أَنَّهَا كَانَت ملكه حكم لَهُ بهَا ذكر هَذَا فِي الْإِقْرَار وَذكر فِي الدعاوي أَن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا أقرّ أَنَّهَا كَانَت للْمُدَّعى أمس أَو فِيمَا مضى سمع إِقْرَاره فِي الصَّحِيح وَحكم بِهِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يحْتَاج إِلَى سَبَب انتقالها إِلَيْهِ فَيصير هُوَ الْمُدعى فَيحْتَاج إِلَى بَينه انْتهى كَلَامه فالمستشهد بِهِ هُوَ نَظِير لَهُ المستشهد لَهُ لَا فرق بَينهمَا وَفِيهِمَا جَمِيعًا الْخلاف فعلى هَذَا إِن عَاد فَادّعى الْقَضَاء أَو الْإِبْرَاء سَمِعت دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ لَا تنافى بَين الْإِقْرَار وَبَين مَا يَدعِيهِ ذكره فِي المغنى وَالشَّرْح وَزَاد هَذَا على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَإِنَّمَا زَاد هَذَا لظَنّه أَن معنى سَماع دَعْوَى لَهُ هُوَ قبُول قَوْله مُنْفَصِلا كَمَا لَو أَتَى بِهِ مُتَّصِلا على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهَا وَلَيْسَ كَذَلِك فسماع الدَّعْوَى لعدم التَّنَافِي بَين الدَّعْوَى وَالْإِقْرَار فَتسمع بَينته لِأَنَّهُ غير مكذب لَهَا وَلَا يقبل قَوْله بِمُجَرَّدِهِ كَمَسْأَلَة الِاتِّصَال قطع بِهِ الشَّيْخ فِيهَا وَفِي الشَّرْح تبعا لَهُ وَلم أجد فِيهِ خلافًا وَهُوَ وَاضح وَجَاء بن عبد الْقوي فتتبع الشَّرْح على مَا ذكره وَزَاد فَقَالَ كَمَا لَو وَصله بِإِقْرَارِهِ مَعَ أَنه ذكر مَسْأَلَة الِانْفِصَال فِي مَسْأَلَة الِاتِّصَال وَقطع بِمَا قطع بِهِ غَيره

فرع

قَوْله وَيتَخَرَّج أَنه لَيْسَ بِإِقْرَار هَذَا التَّخْرِيج من نظيرها فِي مَسْأَلَة الشَّهَادَة فَإِن فِيهَا رِوَايَتَيْنِ على مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَذكر غير وَاحِد وَجْهَيْن وَقَالَ القَاضِي فِي شرح الْخرقِيّ لَا يكون إِقْرَارا وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي لِأَنَّهُ أخبر بِهِ فِي زمن مَاض فَلَا يثبت فِي الْحَال وَكَذَلِكَ لَو شهِدت الْبَيِّنَة بِهِ لم يثبت وَأجِيب بِأَن الْإِقْرَار أقوى لِأَنَّهُ شَهَادَة الْإِنْسَان على نَفسه وَيَزُول بِهِ النزاع وَلِأَن الدَّعْوَى يجب أَن تكون معلقَة بِالْحَال وَالْإِقْرَار يسمع ابْتِدَاء قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي مائَة وَدِيعَة قبضهَا أَو هَلَكت قبل ذَلِك فَالْقَوْل قَوْله نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور إِذا قَالَ لَك عِنْدِي وَدِيعَة دفعتها إِلَيْك صدق وَهَذَا قَول القَاضِي وَغَيره كَمَا لَو ادّعى ذَلِك بِكَلَام مُنْفَصِل قَالَه فِي المغنى وَغَيره قَوْله وَيتَخَرَّج أَن تلْزمهُ لظُهُور مناقضته الظَّاهِر أَن هَذَا التَّخْرِيج من مَسْأَلَة لَهُ على وَقَضيته وَهَذَا اخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين وَقَول الشَّافِعِي وَقَالَ ابْن حمدَان إِن قَالَه مُنْفَصِلا وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا خلاف مَا ذكره فِي المغنى وَفِيه نظر لِأَنَّهُ لَا مناقضة مَعَ الِانْفِصَال فرع وَإِن قَالَ كَانَت عِنْدِي وظننت أَنَّهَا بَاقِيَة ثمَّ عرفت أَنَّهَا قد تلفت

فصل

قَالَ فِي المغنى فَالْحكم فِيهَا كَالَّتِي قبلهَا وَذكر غَيره وَجْهَيْن فعلى هَذِه الطَّرِيقَة يقبل هُنَا وَإِن قُلْنَا لَا يقبل فِي الَّتِي قبلهَا فصل ذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هُنَا مسَائِل الْمَعْرُوف فِي أَكْثَرهَا خلاف مَا ذكره قَالَ وَإِذا أقرّ بِأَنَّهُ وَوَصله بِأَنِّي أَقرَرت قبل الْقَبْض أَو أَقرَرت أَن مَالِي عِنْده شَيْء لِئَلَّا يتهم أَو أَنِّي قبضت مَالِي عَلَيْهِ لِئَلَّا يُؤْذِي وَنَحْو ذَلِك لم يبعد إِلَّا أَن يكون هَذَا الْإِقْرَار بِالْإِقْرَارِ إِقْرَارا وَلَو قَالَ لَهُ عِنْدِي هَذَا المَال رهن لم يبعد إِلْحَاقه بِهَذَا وَأما لَو قَالَ أودعني مَالا وَأذن لي فِي الصَّدَقَة بِهِ فَهَذَا ظَاهر وَلَو قَالَ أَبَاحَ لي أكله إِذا شِئْت وَقد أَكلته فَكَذَلِك وَلَو قَالَ الْوَارِث لمورثي عنْدك ألف وَدِيعَة فَقَالَ أودعني ألف دِرْهَم وَأَمرَنِي أَن أَتصدق بهَا أَو أدفعها إِلَى فلَان فَيَنْبَغِي أَن يكون كَذَلِك وَلَو كَانَ الْوَرَثَة صغَارًا فَقَالَ أَمرنِي أَن أدفعها إِلَى فلَان جعله وَصِيّا فَكَذَلِك وَحَاصِله أَن من أقرّ بأمانة وَوصل كَلَامه بِمَا يَصح فَهُوَ بِمَنْزِلَة من أقرّ بدين وَوصل كَلَامه بِمَا يَصح بِخِلَاف لَو ثبتَتْ الْأَمَانَة بِإِقْرَار أَو غَيره فَادّعى فِيهَا آخر فَإِن هَذَا يقبل فِي بعض الْأَشْيَاء دون بعض انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم ثمَّ سكت سكُوتًا يُمكنهُ الْكَلَام فِيهِ ثمَّ قَالَ زيوف أَو صغَار أَو مُؤَجّلَة لزمَه مائَة جَيِّدَة حَالَة لِأَن الْإِطْلَاق يَقْتَضِي ذَلِك كَمَا لَو أطلقهُ فِي عقد بيع أَو غَيره وَلِأَنَّهُ إِذا سكت

فرع

سكُوتًا يُمكنهُ الْكَلَام فِيهِ اسْتَقر حكم مَا أقرّ بِهِ فَلم يرْتَفع كالاستثناء الْمُنْفَصِل ذكره الْأَصْحَاب رَضِي الله عَنْهُم وعللوا الِاسْتِثْنَاء الْمُنْفَصِل باستقرار حكمه وَلم يذكرُوا لَهُ أصلا وقاس فِي الْمُغنِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين بإلا فَدلَّ على أَن هَذَا عِنْده مَحل وفَاق وَلِهَذَا لم يحك فِيهِ خلافًا كَمَا حَكَاهُ فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب أَن الِاسْتِثْنَاء هُنَا لَا يَصح إِلَّا مُتَّصِلا قَالَ على مَا ذكرنَا فِي الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين ويوافق هَذَا مَا قَالَ ابْن الزَّاغُونِيّ فِي الْوَاضِح فَإِن كَانَ مُنْفَصِلا وَهُوَ أَن يسكت سكُوتًا يُمكنهُ الْكَلَام ثمَّ اسْتثْنى فَهَل يَصح فِيهِ رِوَايَتَانِ أصَحهمَا لَا وَالثَّانيَِة يَصح كَمَا لَو تقَارب مَا بَينهمَا أَو مَنعه مَانع من تَمام الْكَلَام انْتهى كَلَامه وَهُوَ يَقْتَضِي أَنه إِذا تقَارب مَا بَينهمَا يَصح قولا وَاحِدًا وَفِيه نظر ظَاهر ويوافق هَذَا أَيْضا مَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَن يعْتَبر فِي اتِّصَال الصِّفَات وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْإِقْرَار مَا اعْتبر فِي ذَلِك الإنشاءات وَقد فرق الْأَصْحَاب بَينهمَا فَإِن هُنَاكَ لَو سكت سكُوتًا يُمكنهُ الْكَلَام فِيهِ وَوصل بِهِ بعض الصلات نَفعه إِذا عد اتِّصَالًا مُعْتَادا فَينْظر انْتهى كَلَامه وَوجه هَذَا أَنه كَلَام مُتَّصِل بعضه بِبَعْض فَأشبه الِاسْتِثْنَاء فِي الْيَمين وَوجه القَوْل الآخر أَن الأَصْل اعْتِبَار الأتصال فِي الْجَمِيع خُولِفَ فِي الِاسْتِثْنَاء فِي رِوَايَة للْخَبَر فِيهِ فَيقْتَصر عَلَيْهِ وَلِأَن الْكَفَّارَة حق الله تَعَالَى ومبناه على الْمُسَامحَة بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَفِيه نظر والزيوف الرَّديئَة وَالصغَار دَرَاهِم طبرية كل دِرْهَم ثلثا دِرْهَم أَربع دوانق فرع وَلَا فرق بَين الْإِقْرَار بهَا من غصب أَو وَدِيعَة أَو قرض أَو غَيره ذكره غير وَاحِد

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أما إِذا كَانَ مودعا فَقَالَ لَهُ عِنْدِي دَرَاهِم أَو أودعني دَرَاهِم ثمَّ قَالَ بعد هِيَ زيوف أَو نَاقِصَة وَنَحْو ذَلِك فَيجب أَن يقبل قَوْله مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ لَو ادّعى ردهَا أَو تلفهَا بعد ذَلِك قبل قَوْله مَعَ يَمِينه فَلَا يكون دَعْوَى تغيرها بِأَكْثَرَ من دَعْوَى ردهَا أَكثر مَا فِيهِ أَن يُقَال دَعْوَى الرَّد والتلف لَا تنَافِي مُوجب الاقرار الأول بِخِلَاف دَعْوَى الصّفة النَّاقِصَة لَكِن هُوَ مؤتمن فِي الْمَوْضِعَيْنِ أَكثر مَا فِيهِ أَنه ادّعى مَا يُخَالف الأَصْل وَذَلِكَ مَقْبُول مِنْهُ انْتهى كَلَامه قَوْله وَقيل إِن كَانَ بِبَلَد أوزانهم نَاقِصَة أَو دراهمهم مغشوشة لزمَه مِنْهَا كَثمن البيع بهَا هَذَا الْوَجْه ذكر فِي المغنى أَنه أولى وَقدمه فِي الْكَافِي لِأَن مُطلق كَلَامهم يحمل على عرف بلدهم كَمَا فِي البيع وَالصَّدَاق وكما لَو كَانَت معاملتهم بهَا ظَاهِرَة فِي الْأَصَح ذكر هَذَا الأَصْل فِي الرِّعَايَة لِأَن إِطْلَاق الدِّرْهَم ينْصَرف إِلَى دِرْهَم الاسلام وَهُوَ مَا كَانَ مِنْهَا كل عشرَة وزن سَبْعَة مَثَاقِيل وَتَكون فضَّة خَالِصَة بِدَلِيل تَقْدِير الشَّرْع بهَا نصب الزكوات والديات والجزية وَالْقطع فِي السّرقَة وَيُخَالف الاقرار البيع من حَيْثُ إِنَّه إِقْرَار بِحَق سَابق فَانْصَرف إِلَى دَرَاهِم الاسلام وَالْبيع إِيجَاب فِي الْحَال فاختص بِدَرَاهِم الْبَلَد

قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على مائدة دِرْهَم زيوف قبل تَفْسِيره بمغشوشة وَلم يقبل بِمَا لَا فضَّة فِيهِ لِأَنَّهُ صَادِق لِأَنَّهَا دَرَاهِم وَلِأَن الْإِطْلَاق ينْصَرف إِلَى مَا فِيهِ فضَّة وَكَذَا سبق إِلَى الْفَهم وَإِن كَانَ كَذَلِك كَانَ تَفْسِيره بِهِ رُجُوعا عَمَّا أقرّ بِهِ فَلَا يقبل

كاستثناء الْكل وَقَالَ فِي الْكَافِي إِن فسر الزُّيُوف بِمَا لَا قيمَة لَهُ لم يقبل لِأَنَّهُ أثبت فِي ذمَّته شَيْئا وَمَا لَا قيمَة لَهُ لَا يثبت فِي الذِّمَّة وَظَاهر هَذَا أَنه لَو فسره بِمَا لَا فضَّة فِيهِ وَله قيمَة قبل لِأَنَّهُ فسر كَلَامه بِمَا يحْتَملهُ وَقيل إِن قَالَ لَهُ على قرض أَو ثمن مَبِيع ألف دِرْهَم زيوف أَو بهرجة لزمَه ألف جِيَاد وَهَذَا هُوَ الَّذِي صَححهُ ابْن أبي مُوسَى وَابْن حمدَان فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي رهن فَقَالَ الْمَالِك وَدِيعَة فَالْقَوْل قَول الْمَالِك مَعَ يَمِينه لِأَن الْعين تثبت لَهُ بالاقرار وَادّعى الْمقر دينا فَكَانَ القَوْل قَول من يُنكره مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ مُدع على غَيره حَقًا فَلَا يقبل قَوْله إِلَّا بِبَيِّنَة وَكَذَلِكَ لَو أقرّ بدار وَقَالَ قد استأجرتها أَو بِثَوْب وَادّعى أَنه قصره أَو خاطه بِأُجْرَة أَو أقرّ بِعَبْد وَادّعى اسْتِحْقَاق خدمته أَو أقرّ بسكنى دَار وَادّعى أَنه سكنها بِإِذْنِهِ فَالْقَوْل قَول الْمَالِك مَعَ يَمِينه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَضْمُون هَذَا أَنه إِذا أقرّ بِعَين لَهُ فِيهَا حق لَا يثبت إِلَّا برضى الْمَالِك لم يقبل مِنْهُ وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ بِفعل فعله وَادّعى إِذن الْمَالِك ثمَّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه على الْمَذْهَب أَن يكون القَوْل قَوْله لِأَن الْإِقْرَار تضمن عدم وجوب تَسْلِيم الْعين أَو الْمَنْفَعَة الْمَذْكُورَة فَمَا أقرّ بِمَا يُوجب التَّسْلِيم كَمَا فِي قَوْله كَانَ لَهُ على وَقَضيته ولأنا نجوز مثل هَذَا الِاسْتِثْنَاء فِي الإنشاءات فِي البيع وَنَحْوه فَكَذَلِك فِي الإقرارات وَالْقُرْآن يدل على ذَلِك فِي آيَة الدّين وَقد تقدم نَحْو هَذِه الْمَسْأَلَة فِي الرَّهْن وَفِي الْعَارِية وَهَذَا بِخِلَاف مَسْأَلَة الْعتْق وَالْخلْع فَإِن هُنَاكَ حَقًا لله وَهُوَ يعلم من نَفسه أَنه لَا يحل لَهُ الاستعباد

والاستمتاع وَلِأَن يَده كَانَت على الْجَمِيع فَلَا يخرج من يَده إِلَّا مَا أقرّ بِاسْتِحْقَاق خُرُوجه من وَجه انْتهى كَلَامه وَقد تقدم كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قبل قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم ثمَّ سكت سكُوتًا يُمكنهُ الْكَلَام فِيهِ قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي ألف ثمَّ فسره بدين أَو وَدِيعَة قبل قَالَ فِي المغنى لَا نعلم فِيهِ خلافًا وَسَوَاء فسره مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا وَكَلَامه فِي الْمُحَرر يعْطى هَذَا أَيْضا لِأَنَّهُ فسر لَفظه بِمَا يُعْطِيهِ فَقبل كَمَا لَو قَالَ لَهُ على وَفَسرهُ بدين فَعِنْدَ ذَلِك تثبت أَحْكَام الْوَدِيعَة بِحَيْثُ لَو ادّعى تلفهَا أَو ردهَا قبل وَإِن قَالَ هِيَ زيوف أَو نَاقِصَة فقد تقدم وَلِأَنَّهُ إِذا فسره بدين فقد أقرّ على نَفسه بِمَا هُوَ أغْلظ مِنْهُ فَيقبل قَوْله وَإِن قَالَ عَليّ لم يقبل تَفْسِيره بوديعة وَكَذَا قطع بِهِ جمَاعَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَظَاهر مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن عَليّ للْإِيجَاب وَهُوَ يَقْتَضِي كَونهَا فِي ذمَّته والوديعة إِنَّمَا هِيَ عِنْده وَالْإِقْرَار يُؤْخَذ فِيهِ بِظَاهِر اللَّفْظ وَمُقْتَضَاهُ بِدَلِيل أَنه لَو أقرّ بِدَرَاهِم لَزِمته ثَلَاثَة مَعَ جَوَاز التَّعْبِير بهَا عَن اثْنَيْنِ وَلَو أقرّ بدرهم وَقَالَ أردْت نصف دِرْهَم فأقمت الْمُضَاف إِلَيْهِ مقَامه لم يقبل مِنْهُ وَلَو قبل مُطلق الِاحْتِمَال لقبل تَفْسِير الدَّرَاهِم بالناقصة والزائفة والمؤجلة وَقيل يقبل لاحْتِمَال صدقه كَمَا لَو وَصله بِكَلَامِهِ فَقَالَ لَك على مائَة وَدِيعَة قبل لِأَنَّهُ فسر كَلَامه بِمَا يحْتَملهُ مُتَّصِلا كَمَا لَو قَالَ دَرَاهِم نَاقِصَة

فرع

فرع وَإِن قَالَ أودعني مائَة فَلم أقبضها أَو أَقْرضنِي مائَة فَلم آخذها قبل قَوْله مُتَّصِلا فَقَط وَكَذَلِكَ إِن قَالَ نقدني مائَة فَلم أقبضها وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فصل وَإِن قَالَ لَهُ على عشرَة دَرَاهِم عددا لزمَه عشرَة مَعْدُودَة وازنة لِأَن إِطْلَاق الدِّرْهَم يَقْتَضِي الْوَزْن وَذكر الْعدَد لَا يُنَافِي فَوَجَبَ الْجمع بَينهمَا ذكره الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَدَعوى أَن ذكر الْعدَد لَا يُنَافِي قد يمْنَع فَإِنَّهُ يُقَال دِرْهَم وازن وَدِرْهَم عدد وَعشرَة وازنه وَعشرَة عدد وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين مَتى قَالَ عددا وَجَاء بِمَا يُسمى درهما قبل مِنْهُ لِأَن هَذَا هُوَ مَفْهُوم هَذَا القَوْل فَإِن التَّقْيِيد بِالْعدَدِ يَنْفِي اعْتِبَار الْوَزْن انْتهى كَلَامه وَقَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى وَإِن أعطَاهُ خمسين وَزنهَا مائَة صَحَّ فِي الْأَصَح وَقيل بل فِي الأضعف فعلى الأول إِن كَانَ فِي بلد يتعاملون بهَا عددا من غير وزن فَحكمه حكم مَا لَو أقرّ فِي بلد أوزانهم نَاقِصَة أَو دراهمهم مغشوشة وَإِن فسر الدَّرَاهِم بسكة الْبَلَد أَو بسكة تزيد عَلَيْهَا قبل وَإِن فَسرهَا بسكة تنقص عَنْهَا فَقيل لَا يقبل لِأَن الْإِطْلَاق يحمل على دَرَاهِم الْبَلَد كَمَا فِي البيع وَقيل يقبل لِأَنَّهُ فَسرهَا بِدَرَاهِم الْإِسْلَام قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ فِي هَذَا المَال ألف أَو فِي هَذِه الدَّار نصفهَا فَهُوَ إِقْرَار وَلَا يقبل تَفْسِيره بإنشاء الْهِبَة لِأَن مُقْتَضى ذَلِك وَحَقِيقَته الْإِقْرَار لَهُ بِالْملكِ فَلَا يقبل تَفْسِيره بِمَا يرفعهُ

قَوْله وَكَذَا إِن قَالَ فِي مِيرَاث أبي ألف فَهُوَ دين على التَّرِكَة لِأَن مُقْتَضَاهُ مَا خَلفه أَبوهُ لِإِضَافَتِهِ الْمِيرَاث إِلَيْهِ فَاقْتضى وجوب مَا أقرّ بِهِ قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ من مَالِي ألف أَو نصف مَالِي وَفَسرهُ بابتداء التَّمْلِيك وَأَنه قد رَجَعَ عَنهُ أَو مَاتَ وَلم يفسره لم يلْزمه شَيْء لِأَن لَفظه يحْتَمل تَفْسِيره وَيحْتَمل غَيره فَلَا ننتقل عَن الأَصْل بِالِاحْتِمَالِ أَو بِاحْتِمَال ظَاهر لَفظه خِلَافه وَلِهَذَا قَالَ لَو مَاتَ وَلم يفسره لم يلْزمه شَيْء فعلى هَذَا لَا يكون لَفظه مُحْتملا بِحَيْثُ يُؤَاخذ بتفسيره وَهُوَ معنى كَلَام غَيرهم وَإِن فسره بدين أَو وَدِيعَة أَو وَصِيَّة قبل لِأَنَّهُ يجوز أَن يضيف إِلَيْهِ مَالا بعضه لغيره وَمَال غَيره أَيْضا لَا اخْتِصَاص لَهُ بِدَلِيل أَو ولَايَة وَكَلَام بَعضهم يَقْتَضِي قبُول تَفْسِيره بِالْهبةِ وَغَيرهَا فعلى مُقْتَضَاهُ يكون مُحْتملا غير طَاهِر فِي شَيْء فيؤاخذ بتفسيره قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ دَاري هَذِه أَو نصف دَاري أَو فِي مَالِي ألف أَو فِي ميراثي من أبي ألف فعلى رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يكون إِقْرَارا قَالَ القَاضِي فِي التَّعْلِيق فَإِن قَالَ لَهُ فِي مَالِي ألف دِرْهَم أَو فِي عَبدِي هَذَا نصفه أَو قَالَ لَهُ عَبدِي هَذَا أَو دَاري هَذِه كَانَ إِقْرَارا صَحِيحا

قَالَ فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور إِذا قَالَ الرجل فرسي هَذَا لفُلَان فَإِذا أقرّ لَهُ وَهُوَ صَحِيح فَنعم فَأَما إِن أقرّ وَهُوَ مَرِيض فَلَا فقد حكم بِصِحَّة هَذَا الْإِقْرَار مَعَ إِضَافَته إِلَيْهِ وَقَالَ أَيْضا فِي رِوَايَة مهنا إِذا قَالَ نصف عَبدِي هَذَا لفُلَان لَا يجوز إِلَّا أَن يكون وَهبة أَو أقرّ لَهُ بِهِ فقد حكم بِصِحَّة الْإِقْرَار مَعَ الْإِضَافَة إِذا أَتَى بِلَفْظ الْإِقْرَار كَذَا قَالَ وَحكى مثل هَذَا عَن أَصْحَاب أبي حنيفَة وَقَالَ أَصْحَاب الشَّافِعِي لَا يكون إِقْرَارا وَيرجع إِلَيْهِ فَإِن قَالَ هبة لم أقبضهُ إِيَّاهَا كَانَ القَوْل قَوْله وَإِن كَانَ دينا كَانَ القَوْل قَوْله وَلَزِمَه قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام الإِمَام أَحْمد نَص فِي أَن الْإِضَافَة لَا تمنع أَن يكون إِقْرَارا لَكِن لَيْسَ صَرِيحًا فِي أَن هَذَا اللَّفْظ بِمُجَرَّدِهِ إِقْرَار وَهَذَا مَحل الْخلاف كَذَا قَالَ وَوجه هَذِه الرِّوَايَة أَنه أقرّ لَهُ بِجُزْء من مَاله فَأشبه مالو قَالَ لَهُ عَليّ ألف أَو لفظ يفهم مِنْهُ الْإِقْرَار فَأشبه مَا ذَكرْنَاهُ فعلى هَذَا إِذا فسر هَذَا اللَّفْظ بِمَا لَا يَقْتَضِي الْملك لم يقبل قَالَه القَاضِي وَيُؤْخَذ من كَلَام غَيره كَمَا لَو قَالَ لَهُ فِي مَال أبي أَو فِي تَرِكَة أبي ألف وَأَبوهُ ميت فَإِنَّهُ يكون لَهُ مقرا بِأَلف تستوفى من تَرِكَة أَبِيه بِلَا خلاف عِنْده وقاسه القَاضِي على مَا لَو قَالَ لَهُ على دِرْهَم ثمَّ قَالَ أردْت دِرْهَم زعفران فَإِنَّهُ لَا يقبل وَإِن كَانَ الزَّعْفَرَان يُوزن وكما لَو قَالَ العَبْد الَّذِي فِي يَدي وَالثَّانيَِة لَا يكون إِقْرَارا لِأَنَّهُ أضَاف الْمقر بِهِ إِلَيْهِ وَالْإِقْرَار إِخْبَار بِحَق عَلَيْهِ فَالظَّاهِر أَنه جعله لَهُ وَهُوَ الْهِبَة وَالظَّاهِر على هَذِه الرِّوَايَة يكون الحكم كالمسألة قبلهَا فقد فرق فِي الْمُحَرر بَين مَالِي وَفِي مَالِي وَبَين نصف مَالِي وَنصف

فرع

دَاري وَكَلَام غَيره يدل على التَّسْوِيَة بَين الصُّور كلهَا وَأَنَّهَا على رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب فَإِن قَالَ لَهُ فِي مَالِي أَو من مَالِي أَو قَالَ لَهُ عَبدِي هَذَا أَو دَاري هَذِه أَو فرسي هَذِه أَوله فِي عَبدِي هَذَا نصفه وَفَسرهُ بِالْهبةِ قبل مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يلْزمه شَيْء وَلَا فرق فِي جَمِيع ذَلِك بَين من وَفِي وَأَنه مَتى أضَاف الْملك إِلَى نَفسه ثمَّ أخبر بِشَيْء مِنْهُ لغيره لم يكن إِقْرَارا وَقد نقل ابْن مَنْصُور عَن الامام أَحْمد إِذا قَالَ الرجل فرسي هَذَا لفُلَان فَإِقْرَاره جَائِز إِذا كَانَ صَحِيحا وَهَذَا يَقْتَضِي صِحَة الْإِقْرَار مَعَ إِضَافَة الْملك إِلَيْهِ وَهُوَ الَّذِي نَصره القَاضِي فِي الْخلاف انْتهى كَلَامه وَهُوَ معنى كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَغَيره وَأَنه قد نقل عَن أَحْمد مَا يدل على رِوَايَتَيْنِ قَالَ فِي رِوَايَة مهنا فِيمَن قَالَ نصف عَبدِي هَذَا لفُلَان لم يجز حَتَّى يَقُول وهبته وَإِن قَالَ نصف مَالِي لفُلَان لَا أعرف هَذَا وَنقل ابْن مَنْصُور إِذا قَالَ فرسي هَذَا لفُلَان بِإِقْرَارِهِ جَائِز وَظَاهر هَذِه صِحَة الْإِقْرَار وَأما حكايته فِي الْمُحَرر الرِّوَايَتَيْنِ فِي ميراثي من أبي ألف فَهُوَ معنى كَلَام غَيره لِأَنَّهَا فِي معنى الصُّور الْبَوَاقِي ولغير وَاحِد من الْأَصْحَاب كَلَام هُنَا فِيهِ نظر فرع فَإِن قَالَ لَهُ فِي دَاري نصفهَا بِحَق لزمني أَو بِحَق لَهُ قبلي فَهُوَ إِقْرَار على كلا الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ القَاضِي لِأَنَّهُ إِذا قَالَ بِحَق فقد اعْترف أَن الْمقر لَهُ يسْتَحق ذَلِك بِحَق وَاجِب عرفه لَهُ وَلَزِمَه الْإِقْرَار بِهِ وَقَالَ فِي الرِّعَايَة صَحَّ على الْأَصَح فَحكى فِيهَا الرِّوَايَتَيْنِ

قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ هَذِه الدَّار عَارِية ثَبت بِهِ حكم الْعَارِية لَا ملك الرَّقَبَة وَإِن قَالَ سُكْنى فَكَمَا لَو قَالَ عَارِية وَإِن قَالَ لَهُ هَذِه الدَّار هبة اعْتبرت شُرُوطهَا قطع بهَا فِي هَذِه الْمسَائِل جمَاعَة لِأَنَّهُ رفع بآخر كَلَامه بعض مَا دخل فِي أَوله فصح وَذكر القَاضِي وَجها أَنه لَا يَصح ذَلِك لِأَنَّهُ اسْتثِْنَاء من غير الْجِنْس فعلى هَذَا تثبت لَهُ الدَّار ملكا وَالْأولَى وَلَيْسَ هُنَا من أدوات الِاسْتِثْنَاء شَيْء وَإِنَّمَا هَذَا بدل اشْتِمَال وَهُوَ أَن يُبدل من الشَّيْء بعض مَا يشْتَمل عَلَيْهِ ذَلِك الشَّيْء وَهُوَ شَائِع فِي اللُّغَة وَهُوَ فِي الْقُرْآن كثير كَقَوْلِه تَعَالَى {يَسْأَلُونَك عَن الشَّهْر الْحَرَام قتال فِيهِ} فقتال بدل من الشَّهْر وَكَقَوْلِه تَعَالَى {وَمَا أنسانيه إِلَّا الشَّيْطَان أَن أذكرهُ} أَي نسياني ذكره وَكَقَوْلِه تَعَالَى {لقد كَانَ لكم فِي رَسُول الله أُسْوَة حَسَنَة لمن كَانَ يَرْجُو الله} وَكَقَوْلِه تَعَالَى {قتل أَصْحَاب الْأُخْدُود النَّار} وَكَقَوْلِه تَعَالَى {اهدنا الصِّرَاط الْمُسْتَقيم صِرَاط الَّذين} وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ هَذِه الدَّار ثلثهَا ربعهَا صَحَّ وَكَانَ مقرّ بالجزء الَّذِي أبدله وَقد أبدل الله سُبْحَانَهُ المستطيع لِلْحَجِّ من النَّاس وَهُوَ أقل من نصفهم وأبدل الْقِتَال من الشَّهْر وَهُوَ غَيره فيفارق الْبَدَل الِاسْتِثْنَاء فِي هَذَا وَيُوَافِقهُ فِي كَونه يخرج من الْكَلَام بعض مَا يدْخل فِيهِ لولاه قَوْله وَإِذا قَالَ هَذَا العَبْد لزيد لَا بل لعَمْرو أَو غصبته من زيد وغصبه زيد من عَمْرو لزمَه دَفعه إِلَى زيد وَدفع قِيمَته إِلَى عَمْرو

فصل

قطع بِهَذَا أَكثر الْأَصْحَاب وَسَوَاء كَانَ مُتَّصِلا أَو مُنْفَصِلا لِأَنَّهُ ثَبت ملك زيد فِيهِ باقراره لَهُ أَولا وَإِقْرَاره ثَانِيًا رُجُوع عَن حق آدَمِيّ ثَابت فَلَا يقبل على مَا تقدم لَكِن يقبل فِي حق نَفسه فَيغرم قِيمَته لَهُ لاعْتِرَافه بإحالته بِالْإِقْرَارِ الأول بَينه وَبَين مَاله فغرمه كَمَا لَو أتْلفه وَللشَّافِعِيّ قَول لَا يغرم للثَّانِي شَيْئا وَهُوَ وَجه لنا لِأَنَّهُ لَا يُمكن جمعه لكل وَاحِد مِنْهُمَا وَإِنَّمَا جَاءَ التَّنَاقُض من الْإِقْرَار الثَّانِي فَيخْتَص الْبطلَان بِهِ وَلِأَن الْإِقْرَار الثَّانِي إِقْرَار بِملك غَيره فَلَا يقبل كَمَا لَو قَالَ العَبْد الَّذِي فِي يَد زيد لعَمْرو وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه إِذا كَانَ الِاسْتِثْنَاء مُتَّصِلا أَن لَا يثبت حكم الْإِقْرَار الأول كَمَا لَو قَالَ كَانَ على وَقَضيته لِأَنَّهُ كَلَام مُنْتَظم وَلِهَذَا لَا يثبت بِهِ كفر وَلَا نَحوه وَلَو قَالَ فِي الطَّلَاق إِنَّه سبق لِسَانه لَكَانَ كَذَلِك انْتهى كَلَامه وَقَوله على وَقَضيته أقرب إِلَى هَذِه الْمَسْأَلَة من كَانَ لَهُ على وقضتيه وَعدم ثُبُوت الْكفْر لكَونه حَقًا لله فرجوعه عَنهُ مَقْبُول وَأما لَو قَالَ هَذِه الْمُطلقَة لَا بل هَذِه فَإِنَّهُمَا يطلقان فَإِن ادّعى سبق لِسَانه بِالْأولَى فَهَل يقبل مِنْهُ وَلَا تطلق لم أجد هَذَا الْفَرْع وَلَا بِبَعِيد أَن يخرج فِيهَا الْخلاف فِيمَا إِذا أَتَى بِلَفْظ الطَّلَاق وَادّعى سبق لِسَانه إِلَيْهِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِلَفْظِهِ غَيره وعَلى قِيَاسه مَسْأَلَتنَا هَذَا فِي الإقرارر ونظيرهما فِي الْعتْق وَفِي هَذَا الْقيَاس نظر لأفضائه فِي الإفرار إِلَى سُقُوطه وسد بَابه لتمكن الْمقر من رَفعه بعد لُزُومه ظَاهرا وَالطَّلَاق مبغوض إِلَى الله تَعَالَى وَالْعِتْق مَحْبُوب إِلَيْهِ فَافْتَرقَا فصل وَكَذَلِكَ لَو قَالَ أودعنيه زيد لَا بل عَمْرو وَلَو قَالَ هَذَا العَبْد الَّذِي هُوَ فِي يَدي حر ثمَّ قَالَ هُوَ لفُلَان عتق العَبْد وَضمن قِيمَته للْمقر لَهُ كَمَا يغرم الشَّاهِد

وَلَو قَالَ هَذَا الثَّوْب لفُلَان فَهَلَك فِي يَده قبل أَن يُسلمهُ لفُلَان لزمَه الضَّمَان ذكر ذَلِك القَاضِي فِي ضمن الرُّجُوع عَن الشَّهَادَة وَقَالَ الْإِقْرَار يتَعَلَّق بِهِ الضَّمَان كَمَا يتَعَلَّق بالشادة فِي الْمَوَاضِع الَّتِي ذَكرنَاهَا انْتهى كَلَامه وَقد قَالَ أَحْمد فِي رجل قَالَ لرجل استودعتك هَذَا الثَّوْب قَالَ صدقت ثمَّ قَالَ استودعنيه رجل آخر فالثوب للْأولِ وَيغرم قِيمَته للْآخر قَوْله وَإِن قَالَ غصبته من زيد وَملكه لعَمْرو لم يضمن لعَمْرو شَيْئا وَالْعَبْد لزيد وَكَذَا قطع بِهِ فِي المغنى وَغَيرهمَا فِي الرِّعَايَة أَنه الْأَشْهر لغيره لإِقْرَاره لزيد بِالْيَدِ وَقَوله وَملكه لعَمْرو إِقْرَار على غَيره فَلَا يقبل وَلَا يغرم لَهُ شَيْئا لعدم تفريطه لجَوَاز أَن يكون ملكهَا لعَمْرو وَهِي فِي يَد زيد إِعَارَة أَو وَصِيَّة أَو غَيرهمَا وَقدم فِي الْمُسْتَوْعب أَنه يغرم لعَمْرو كالمسألة بعْدهَا وَهُوَ معنى كَلَام الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه لَكِن الظَّاهِر وَالله أعلم أَنه إِنَّمَا قصد ذكر مَا فِي المغنى فَينْظر فِيهِ قَوْله وَإِن قَالَ ملكه لعَمْرو وغصبته من زيد فَقَالَ القَاضِي وَابْن عقيل العَبْد لزيد وَلَا يضمن الْمقر لعَمْرو شَيْئا كالمسألة قبلهَا قَوْله وَقيل العَبْد لعَمْرو وَيضمن الْمقر قِيمَته لزيد وَهُوَ الْأَصَح

فرع

وَقَالَ فِي الْمُغنِي هَذَا وَجه حسن لِأَنَّهُ ثَبت لعَمْرو بِإِقْرَارِهِ السَّابِق فَلَا يقبل بعد إِقْرَاره بِالْيَدِ لزيد وللشافعية وَجْهَان كهذين وَقطع أَبُو الْخطاب فِي الْهِدَايَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِأَن الْعين للْمَغْصُوب مِنْهُ وَيضمن الْمقر لمن اعْترف لَهُ بِالْملكِ الْقيمَة وَتَبعهُ فِي الْمقنع وَالْخُلَاصَة وَذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى أَنه الْأَشْهر وَقدمه فِي الْمُسْتَوْعب وَلم أدر مَا يُوَجه بِهِ هَذَا الْوَجْه وَمن الْعجب أَن ابْن عبد الْقوي لم يذكرهُ فِي كِتَابه مَعَ أَنه ينظم الْمقنع وَيزِيد عَلَيْهِ وَإِنَّمَا نظم مَا فِي الْمُحَرر فرع وَلَا فرق فِي ذَلِك بَين الْمُتَّصِل والمنفصل وَلَو قَالَ هَذَا الْألف دَفعه إِلَى زيد وَهُوَ لعَمْرو أَو قَالَ لعَمْرو وَدفعه إِلَى زيد فعلى مَا تقدم ذكره فِي الْمُغنِي وَهُوَ وَاضح قَوْله وَمن بَاعَ عبدا ثمَّ أقرّ أَن الْمَبِيع لغيره لم يقبل قَوْله على المُشْتَرِي وَلَزِمَه قِيمَته للْمقر لَهُ لِأَن إِقْرَار الْإِنْسَان على غَيره لَا يقبل وَلِأَنَّهُ فَوته عَلَيْهِ بِالْبيعِ فغرمه كتفويته بِإِتْلَاف وَغَيره وَيعرف من هَذِه الْمَسْأَلَة أَن الحكم كَذَلِك لَو نقل الْملك فِيهِ بِهِبَة أَو غَيرهَا أَو أعْتقهُ ثمَّ أقرّ بِهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَمن بَاعَ شَيْئا ثمَّ ادّعى أَنه ملك لغيره وَهُوَ وَكيل الْمُسْتَحق أَو وليه فَهَذَا بِمَنْزِلَة ادعائه لنَفسِهِ لِأَن البيع وَالشِّرَاء لَيْسَ إِقْرَارا بِالْملكِ فَإِن كَانَ البَائِع قد أقرّ أَنه بَاعَ ملكه فَهَل لَهُ بعد هَذَا أَن يدعيها لغيره بوكالة أَو ولَايَة وَيُقِيم بَيِّنَة أم يكون تَكْذِيبه لبينة نَفسه بِمَنْزِلَة تَكْذِيبه لبينه

فرع

مُوكله وموليه الثَّانِي هُوَ الْأَظْهر لِأَن الْإِنْسَان لَا يَدعِي مَا أقرّ فَإِن دَعْوَاهُ بِهِ بَاطِل لَا لنَفسِهِ وَلَا لغيره انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِن قَالَ لم يكن ملكي وَقد ملكته الْآن بِإِرْث أَو عقد لم يقبل إِلَّا بِبَيِّنَة لِأَنَّهُ الأَصْل وَالظَّاهِر أَن مَا يتَصَرَّف فِيهِ الْإِنْسَان لَهُ التَّصَرُّف فِيهِ وَلما فِيهِ من التُّهْمَة وَتقبل الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ لَا معَارض لَهَا وَلَا مَانع فَعمل بهَا قَوْله إِلَّا أَن يكون قد أقرّ أَنه ملكه أَو قَالَ قبضت ثمن ملكي وَنَحْوه فَلَا تسمع بَينته لِأَنَّهُ مكذب لَهَا لشهادتها بِخِلَاف مَا أقرّ بِهِ فرع قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَإِن ادّعى بعد البيع أَنه كَانَ وَقفا عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَة أَن يَدعِي أَنه قد ملكه الْآن انْتهى كَلَامه وَفِي معنى دَعْوَى عدم الْملك كل دَعْوَى تَقْتَضِي تقتض منع نقل الْملك فِيهِ كدعواه أَنه رهن وَغير ذَلِك وَمَا تقدم من التَّعْلِيل يدل عَلَيْهِ قَوْله وَإِن أقرّ أَنه وهب وأقبض أَو رهن ثمن مَبِيع ثمَّ أنكر الْقَبْض غير جَاحد لإِقْرَاره بِهِ وَأَرَادَ تَحْلِيف خَصمه ملك تَحْلِيفه

فرع

قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَصَححهُ أَيْضا فِي الرِّعَايَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِالْقَبْضِ فبله فَيحْتَمل صِحَة مَا قَالَه فَيحلف لنفي الِاحْتِمَال وَهَذَا خلاف الشَّهَادَة على الْقَبْض قبله لِأَنَّهَا تكون شَهَادَة زور لِأَن إِنْكَاره مَعَ الشَّهَادَة تَكْذِيب لَهَا وَطعن فِيهَا بِخِلَاف الْإِقْرَار وَلِأَنَّهُ يُمكن إِقْرَاره بِنَاء على وَكيله وظنه وَالشَّهَادَة لَا تجوز إِلَّا على يَقِين قَوْله وَعنهُ لَا يملكهُ ذكر أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ وَذكر غير وَاحِد وَجْهَيْن وَالشَّيْخ موفق الدّين ذكر الطَّرِيقَيْنِ فِي كَلَامه وَهَذِه الرِّوَايَة نصرها جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد والمحكى عَن الشَّافِعِي كالقول الأول فَمن أَصْحَابه من حمله على ظَاهره وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه وَلم يُوجب الْيَمين قَالَ بَعضهم وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن الْإِقْرَار يمْنَع الِاسْتِحْلَاف فِي حق الْمقر لَهُ بِدَلِيل أَنه لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ استحلفوه لي أَنه لَهُ على هَذِه الْألف لم يكن لَهُ ذَلِك كَذَا هُنَا قَالَ جمَاعَة وَلَا يشبه هَذَا إِذا أقرّ بِالْبيعِ وَادّعى أَنه تلجئة إِن قُلْنَا إِن ذَلِك يقبل لِأَنَّهُ لم يَنْفَعهُ مَا أقرّ بِهِ وَلِأَن دَعْوَاهُ تَكْذِيب لإِقْرَاره فَلَا تسمع كَمَا لوأقر الْمضَارب أَنه ربح ألفا ثمَّ قَالَ غَلطت وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ أحلفوه مَعَ يَمِينه لم يسْتَحْلف لَهُ كَذَا هُنَا فرع وَكَذَلِكَ الحكم لَو أقرّ أَنه اقْترض مِنْهُ ألفا وَقَبضهَا وَقَالَ لَهُ عَليّ ألف أَو قَالَ لَهُ ألف ثمَّ قَالَ مَا كنت قبضتها وَإِنَّمَا أَقرَرت لأقبضها ذكره فِي المغنى

قَوْله وَإِذا ادّعى اثْنَان دَارا فِي يَد ثَالِث أَنَّهَا شركَة بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَأقر لأَحَدهمَا بِنِصْفِهَا فالمقر بِهِ بَينهمَا عِنْد أبي الْخطاب لم أجد فِي كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين خلاف هَذَا وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَذَلِكَ لاعترافهما بإشاعة الدَّار وَالْمقر بِهِ بَينهمَا كالباقي قَوْله وَقَالَ القَاضِي إِن أضافا الشّركَة إِلَى سَبَب رَجَعَ فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ من إِرْث أَو غنيمَة أَو شِرَاء وَنَحْوه وَلم يَكُونَا قبضاها بعد الْملك لَهَا فَكَذَلِك وَإِلَّا اخْتصَّ الْمقر لَهُ بالمقر بِهِ لِأَنَّهُمَا إِذا لم يضيفا الشّركَة إِلَى سَبَب وَاحِد يحْتَمل أَن كل جُزْء من الدَّار مُشْتَرك بَينهمَا وَيحْتَمل أَن تكون لَهما نِصْفَيْنِ وَهِي شركَة بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وَمَعَ الِاحْتِمَال لم يحصل اعترافهما بالاشتراك فِي كل جُزْء فَيخْتَص الْمقر لَهُ بالمقر بِهِ كَمَا لَو ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفهَا وَلَا يحْتَاج أَن يَقُول معينا كَمَا زَاده بَعضهم وَإِن أضَاف الشّركَة إِلَى سَبَب وَاحِد وقبضاها بعد الْملك لَهَا فقد حصلت يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا على نصفهَا فَيخْتَص بِهِ وَحكى فِي الرِّعَايَة قولا كَقَوْل القَاضِي وَلم يذكر كقبضهما بعد الْملك بِالشِّرَاءِ فيترتب عَلَيْهِ حكم ولبعضهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام عَجِيب قَوْله وَمن أقرّ لرجل بِأَلف فِي وَقْتَيْنِ لزمَه ألف وَاحِد وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ يحْتَمل التَّأْكِيد وَغَيره وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة اقْتصر كثير من الْأَصْحَاب على هَذَا الدَّلِيل وَفِيه نظر لِأَن الْكَلَام يحمل على حقيقتة واصله وَمَا تشتغل بِهِ الذِّمَّة وَحَقِيقَته وَأَصله التأسيس فيتعدد

كَمَا لَو قَالَ ألف وَألف عملا بِأَصْلِهِ وَهُوَ التغاير مَعَ احْتِمَاله التَّأْكِيد وَاسْتدلَّ بَعضهم بِأَن الْعرف يشْهد بذلك وَلذَلِك لَو قَالَ شخص رَأَيْت زيدا ثمَّ قَالَ رَأَيْت زيدا كَانَ زيد الثَّانِي زيدا الأول والرؤية الثَّانِيَة هِيَ الأولة وَهَذِه دَعْوَى حَقِيقَة عرفية تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عدمهَا وَبَقَاء الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة وَاسْتدلَّ بَعضهم بِأَن الله تَعَالَى كرر الْخَبَر عَن جمَاعَة من الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن الْمَذْكُور فِي قصَّة غير الْمَذْكُور فِي أُخْرَى كَذَا هَهُنَا وَفِيه نظر لأَنا لَا نمْنَع من اسْتِعْمَال الْمجَاز وَالظَّاهِر يَزُول بالقاطع وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة كَهَذا القَوْل مَعَ اتِّحَاد الْمجْلس فَقَط وَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه يلْزمه أَلفَانِ وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَصْحَابه وَسَوَاء كَانَ الْإِقْرَار بِمَا فِي الذِّمَّة أَو بِمَا فِي الْيَد وَإِن عرفه فقد وَافق أَبُو حنيفَة أَنه الأول وَهُوَ وَاضح لِأَن اللَّام للْعهد كَقَوْلِه تَعَالَى 73 16 {فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول} وَكَذَلِكَ لَو شهد لَهُ بِأَلف ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِأَلف عِنْد القَاضِي فَأقر بِأَلف فَقَالَ الطَّالِب لي عَلَيْهِ ألف أُخْرَى وَأَنا أقيم الْبَيِّنَة فَالْقَوْل قَول الْمَطْلُوب فِي أَن الْمَشْهُود بِهِ هُوَ الْمقر بِهِ بِخِلَاف الإقرارين وَكَذَلِكَ لَو سلم أَنه لَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم دِرْهَم أَنه لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد بِخِلَاف الاقرارين فِي دفعتين وَلَو قَالَ لَهُ على ألف من ثمن هَذَا الْمَتَاع بِعَيْنِه ثمَّ أقرّ بِهِ فِي مجْلِس آخر فَهُوَ إِقْرَار بِشَيْء وَاحِد وفَاقا كَمَا أَنه لَو عزا الأولى إِلَى بيع وَالثَّانِي إِلَى آخر لزم الألفان وفَاقا قَوْله إِلَّا أَن يذكر مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّد كأجلين أَو شَيْئَيْنِ أَو سكتين وَنَحْوه فَيلْزمهُ أَلفَانِ وَقد تقدم لِأَن تغاير الصِّفَات دَلِيل على تغاير الموصوفات كمن قَالَ قبضت ألفا يَوْم السبت وألفا يَوْم الْأَحَد بِخِلَاف تعدد الْإِشْهَاد وَإِن قيد أحد الإقرارين بِسَبَب وَأطلق الآخر حمل الْمُطلق على الْمُقَيد فَيكون ألفا وَاحِدًا مَعَ الْيَمين

وَلَو شهد بِكُل إِقْرَار شَاهد جمع قَوْلهمَا لِاتِّحَاد الْمخبر عَنهُ وَلَا جمع فِي الْأَفْعَال قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام أَصْحَابنَا فِي الْمَسْأَلَة يَقْتَضِي أَن يكون الْإِخْبَار كُله من الشَّهَادَة وَنَحْوهَا كَالْإِقْرَارِ بِخِلَاف الإنشاءات كتقرير الطَّلَاق وَكَذَلِكَ صرح القَاضِي بِالْفرقِ بَين الْإِخْبَار والإيقاع فان مَا وَقع مرّة لَا يَقع ثَانِيَة بِخِلَاف مَا أخبر بِهِ مرّة فَإِنَّهُ يخبر بِهِ ثَانِيَة قَوْله قد ذكرنَا صِحَة اسْتثِْنَاء الْأَقَل دون الْأَكْثَر نَص أَحْمد على ذَلِك وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين أَنه لَا يعلم فِي ذَلِك خلافًا وَحكى غَيره الْإِجْمَاع وَحَكَاهُ أَيْضا هُوَ فِي اسْتثِْنَاء الْكل لِأَن اسْتثِْنَاء الْأَقَل لُغَة الْعَرَب وَهُوَ فِي الْكتاب وَالسّنة كثير وَعَكسه اسْتثِْنَاء الْكل وَقد قَالَ ابْن طَلْحَة الْمَالِكِي فِي كتاب الْمدْخل فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا فِي لُزُوم الطَّلَاق لَهُ قَولَانِ بِنَاء على أَنه اسْتثِْنَاء أَو أَنه نَدم قَالَ الْقَرَافِيّ فَعدم اللُّزُوم يَقْتَضِي جَوَاز اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا على قَول مَالك يمشي هَذَا وَقد تقدم أَصله قَالَ وَذَهَبت طَائِفَة من أهل الْعَرَبيَّة إِلَى أَنه يجوز أَن يسْتَثْنى عقد صَحِيح مثل الْعشْرَة وَالْعِشْرين من الْمِائَة الْوَاحِدَة والاثنين من الْعشْرَة بل بعض عقد كالخمسة من الْمِائَة وَالنّصف من الْعشْرَة انْتهى كَلَامه وَحكى بَعضهم هَذَا عَن ابْن عُصْفُور وَلم أَجِدهُ فِي كَلَامه وَكَلَام الْأَئِمَّة ولغة الْعَرَب يَقْتَضِي عدم الْفرق وَهُوَ أولى وَقَوله وَدون الْأَكْثَر على الْأَصَح نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي الطَّلَاق فِي رِوَايَة إِسْحَاق فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ هِيَ ثَلَاث وَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب حَتَّى قَالَ فِي المغنى لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْملك بن الْمَاجشون

وَذكر القَاضِي بن معتب فِي وثائقه أَنه مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه قَول نحاة الْبَصْرَة وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَن قَول أهل اللُّغَة يُوَافق هَذَا القَوْل وَحَكَاهُ ابْن عقيل عَن القَاضِي أبي بكر بن الباقلاني وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن درسْتوَيْه والزجاج وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وَابْن قُتَيْبَة وَابْن جنى وَابْن عُصْفُور وَغَيرهم وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَكَذَا أَكثر أهل اللُّغَة من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين وَإِذا مَنعه أهل اللُّغَة لم يكن صَحِيحا وَلِأَن الِاسْتِثْنَاء وضع لِمَعْنى وَهُوَ الِاسْتِدْرَاك أَو الِاخْتِصَار وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَة وجود ذَلِك فِي الْأَكْثَر ولأنا نمْنَع وجود ذَلِك فِي شرع أَو لُغَة أَو عَادَة فثبوته يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه فعلى هَذَا لَا فرق عِنْد الْأَصْحَاب بَين اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر من عدد مُصَرح بِهِ إِلَّا تسعين وَنَحْوه أَولا وَفِي كَلَام بَعضهم الْجَوَاز إِذا لم يكن كَذَلِك نَحْو قَوْلك خُذ مَا فِي الْكيس من الدَّرَاهِم إِلَّا السُّلْطَانِيَّة أَو قدم بَنو فلَان أَو الْحَاج إِلَّا المشاة وَإِن كَانَ الْمُسْتَثْنى أَكثر من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَالْقَوْل الآخر عندنَا يَصح اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَقد ذكر القَاضِي وَجها وَاخْتَارَهُ فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ثَلَاثَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَنه يلْزمه دِرْهَمَانِ وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيء على القَوْل بِصِحَّة اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهما وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك نَقله صَاحب الْجَوَاهِر وَغَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} والغاوون أَكثر بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى 12 103 {وَمَا أَكثر النَّاس وَلَو حرصت بمؤمنين} وَأجِيب بِأَن الغاوين أقل لِأَن الْمَلَائِكَة من الْعِبَادَة قَالَ الله تَعَالَى 21 26 {بل عباد مكرمون} وَكَون السِّيَاق فِي بني آدم لَا يمْنَع الْعُمُوم وَبِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ غير عدد صَرِيح أجَاب بِهِ القَاضِي وَأَصْحَابه وَبِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة من غير الْجِنْس إِمَّا المُرَاد

فصل

بعبادي الموحدون ومتبع الشَّيْطَان غير موحد وَفِي هَذَا نظر وَإِمَّا لِأَن الْعباد لَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهِم سُلْطَان أَي حجَّة فَهُوَ على عُمُومه وَمن اتبعهُ لَا يضله بِالْحجَّةِ بل بتزينه يدل على هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم لي} فاستدل ابْن عبد الْقوي على أَنه من غير الْجِنْس بِأَن من وصلتها فِي مَوضِع نصب فِي اخْتِيَار الْمُحَقِّقين من النُّحَاة وَلَو كَانَ مُتَّصِلا لَكَانَ فِي مَوضِع رفع فِي اختيارهم لِأَنَّهُ من منفى بعد تَمام الْكَلَام قَوْله وَإِن فِي النصفين وَجْهَيْن أَحدهمَا يَصح وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَنه ظَاهر مَذْهَب أَحْمد لِأَن ابْن مَنْصُور روى عَن الإِمَام أَحْمد إِذا قَالَ لَك عِنْدِي مائَة دِينَار قضيتك مِنْهَا خمسين وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل قَوْله قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا لَيْسَ من الِاسْتِثْنَاء الْمُخْتَلف فِيهِ فَإِن قَوْله قضيتك سِتِّينَ مثل خمسين وَمَا قَالَه صَحِيح وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن عُصْفُور لِأَن الْمَمْنُوع مِنْهُ اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَهَذَا لَيْسَ بِأَكْثَرَ وَالثَّانِي لَا يَصح وَاخْتَارَهُ أَبُو بكر وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين وَالشَّيْخ زين الدّين أَنه أولى بِنَاء على أَنه لم يَأْتِ فِي لسانهم قَالَ الزّجاج فِي الْمعَانِي فِي العنكبوت فِي قصَّة لوط لم يَأْتِ الِاسْتِثْنَاء فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا الْقَلِيل من الْكثير وَقَالَ أَيْضا فَأَما اسْتثِْنَاء نصف الشَّيْء فقبيح جدا لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي الْكَافِي وَأعلم أَنه لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب أَن يسْتَثْنى من الشَّيْء نصفه فقبيح أَن يَقُول لزيد عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة فصل قَالَ النُّحَاة وَمِنْهُم ابْن السراج فِي الأول إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي مائَة دِرْهَم

إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ اسْتثِْنَاء فَيكون مقرا بِثمَانِيَة وَتِسْعين وَإِذا قَالَ مائَة إِلَّا دِرْهَمَانِ فَهُوَ صفة وَيكون مقرا بِمِائَة لِأَن التَّقْدِير مائَة مُغَايرَة لدرهمين وَكَذَلِكَ لَو قَالَ مائَة غير الْألف لِأَن الصّفة تقضي على الْمَوْصُوف وَلَو قَالَ ألف مثل مائَة أَو ألف مثل دِرْهَمَيْنِ كَانَ مقرا بِمِائَة ودرهمين لِأَن أَجزَاء الْمِائَة قد تماثل دِرْهَمَيْنِ وَكَذَلِكَ قَالَه غير وَاحِد من النُّحَاة إِذا قَالَ دِرْهَم إِلَّا دانقا فَهُوَ مقرّ بدرهم إِلَّا دانق وَإِذا قَالَ دِرْهَم إِلَّا دانق بِالرَّفْع فَهُوَ مقرّ بدرهم كَامِل وَكَذَلِكَ ذكر القَاضِي أَبُو يعلى فِي مَسْأَلَة تَوْبَة الْقَاذِف مستشهدا بِهِ قَالَ وعَلى أَن النُّحَاة قَالُوا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا خَمْسَة دَرَاهِم إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَنه يلْزمه سَبْعَة وَيرجع الْأَخير إِلَى الْعشْرَة وَالِاسْتِثْنَاء الأول لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة باستثناء وَإِنَّمَا هُوَ وصف للعشرة لِأَن الِاسْتِثْنَاء مِنْهَا يجب أَن يكون مَنْصُوبًا فَإِذا كَانَ مَرْفُوعا كَانَ وَصفا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَليّ عشرَة غير خَمْسَة لَا أذكرها فالخمسة مُبْهمَة غير مفسرة فَلَا تلْزمهُ وَقَوله إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهَا اسْتثِْنَاء صَحِيح فَيرجع إِلَى عشرَة قَالَ وَهَذَا يدل على بطلَان السُّؤَال الَّذِي ذَكرُوهُ يَعْنِي الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم لَيْسَ بِصَحِيح هَذَا كَلَام من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلم يفرقُوا بَين النَّحْوِيّ وَغَيره وَيتَوَجَّهُ أَن يُقَال فِي غير النَّحْوِيّ إِذا قَالَ إِلَّا دِرْهَمَانِ أَنه يكون اسْتثِْنَاء لِأَن الظَّاهِر إِرَادَته وَإِنَّمَا رفع جهلا كَمَا قَالَه الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره فِي عشرَة غير دِرْهَم بِرَفْع الرَّاء إِنَّه يلْزمه تِسْعَة كَذَلِك قَوْله وَيصِح الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِه عَليّ سَبْعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما فَيلْزمهُ خَمْسَة

لِأَنَّهُ أخرج مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ثَلَاثَة وَعَاد بِالِاسْتِثْنَاءِ من الِاسْتِثْنَاء دِرْهَم فَإِذا ضممته إِلَى الْأَرْبَعَة صَار خَمْسَة وَإِذا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فصحة الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء أولى لِأَن الِاسْتِثْنَاء إبِْطَال وَالِاسْتِثْنَاء مِنْهُ رُجُوع إِلَى مُوجب الْإِقْرَار وَيكون اسْتِثْنَاؤُهُ من الْإِثْبَات نفيا وَمن النَّفْي إِثْبَات وَقد قَالَ تَعَالَى 15 58 60 {قَالُوا إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم مجرمين إِلَّا آل لوط إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين} قَوْله وَإِذا كَانَ الْكل أَو الْأَكْثَر الْمُسْتَثْنى مُسْتَثْنى مِنْهُ فَهَل يبطل وَمَا بعده أَو يرجع مَا بعده إِلَى مَا قبله أَو ينظر إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ جملَة الاستثناءات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه كَذَلِك وَجه الأول أَن الِاسْتِثْنَاء أصل وَالثَّانِي فَرعه وَالْفرع يبطل بِبُطْلَان أَصله وَوجه الثَّانِي أَنه يحافظ على تَصْحِيح كَلَام الْمُكَلف حسب الْإِمْكَان وَهُوَ مُمكن بِأَن يَجْعَل الِاسْتِثْنَاء الأول كَالْعدمِ لبطلانه فَيكون الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي من الَّذِي قبله لبُطْلَان مَا بَينهمَا وَوجه الثَّالِث أَن الْكَلَام بِآخِرهِ والمستثنى والمستثنى مِنْهُ كجملة وَاحِدَة وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي وجدته فِي كَلَام النُّحَاة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين مأخذهما هَل الِاسْتِثْنَاء يمْنَع دُخُول الْمُسْتَثْنى فِي اللَّفْظ أَو يُخرجهُ بعد مَا دخل الأول أصح انْتهى كَلَامه وَالْخلاف فِي الأَصْل الْمَذْكُور فِي كَلَام أبي الْخطاب وَالشَّيْخ موفق الدّين وَغَيرهمَا وَلم أجد أحدا ذكره أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة بل مَا ذكر من التَّعْلِيل يُخَالِفهُ وَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي ثَلَاثَة أوجه كهذه الْوُجُوه قَوْله فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا درهما فَهَل يلْزمه إِذا صححنا اسْتثِْنَاء النّصْف خَمْسَة أَو سِتَّة على وَجْهَيْن

أَحدهمَا يلْزمه خَمْسَة لِأَن التَّقْدِير أَن اسْتثِْنَاء النّصْف صَحِيح وَثَلَاثَة من خَمْسَة بَاطِل فَيبْطل مَا بعده وَالثَّانِي يلْزمه سِتَّة لِأَن اسْتثِْنَاء النّصْف صَحِيح واستثناء ثَلَاثَة من خَمْسَة بَاطِل ووجوده كَعَدَمِهِ واستثناء اثْنَيْنِ من خَمْسَة صَحِيح فَصَارَ الْمقر بِهِ سَبْعَة ثمَّ اسْتثْنى من الِاثْنَيْنِ وَاحِد يبقي سِتَّة وعَلى الْوَجْه الثَّالِث أَن الْكَلَام بِآخِرهِ وَتَصِح الاستثناءات كلهَا وَيلْزمهُ سَبْعَة وَهُوَ وَاضح وألزمه بَعضهم على هَذَا الْوَجْه سِتَّة بِنَاء على أَن الدِّرْهَم مسكوت عَلَيْهِ فَلَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ وَفِيه نظر قَوْله وَإِذا لم نصححه فَهَل يلْزمه ثَمَانِيَة أَو عشرَة على وَجْهَيْن أَحدهمَا يلْزمه ثَمَانِيَة لِأَن اسْتثِْنَاء الْخَمْسَة بَاطِل واستثناء ثَلَاثَة من عشرَة صَحِيح يبْقى سَبْعَة واستثناء الْإِثْنَيْنِ بَاطِل واستثناء وَاحِد من ثَلَاثَة صَحِيح تزيده على سَبْعَة وَقَالَ بَعضهم على هَذَا الْوَجْه أَن اسْتثِْنَاء خَمْسَة وَثَلَاثَة بَاطِل واستثناء اثْنَيْنِ من ثَمَانِيَة صَحِيح واستثناء وَاحِد من اثْنَيْنِ بَاطِل وَفِيه نظر وَالثَّانِي يلْزمه عشرَة لإبطال الأول وَمَا بعده قَوْله وَقيل يلْزمه سَبْعَة عَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَي سَوَاء قُلْنَا يَصح اسْتثِْنَاء النّصْف أَولا وَهَذَا بِنَاء على الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ تَصْحِيح الاستثناءات كلهَا كَمَا تقدم وحكاية المُصَنّف هَذَا الْوَجْه بِهَذِهِ الْعبارَة فِيهَا شَيْء وَأَحْسبهُ لَو قَالَ وعَلى الْوَجْه الثَّالِث يلْزمه سَبْعَة كَانَ أولى وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن هَذَا قَول الْمَالِكِيَّة قَالَ وَلَك طَرِيقَانِ إِن شِئْت أَن تنقص الآخر مِمَّا قبله ثمَّ تنقص الثَّانِي مِمَّا قبله إِلَى الآخر وَإِن شِئْت أَن تنقص الآخر مِمَّا قبله ثمَّ تنقص الثَّانِي ثمَّ تنقص الثَّالِث ثمَّ أَن تنقص الأول من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ثمَّ تزيد عَلَيْهِ الثَّانِي ثمَّ تنقص الثَّالِث ثمَّ تزيد عَلَيْهِ الرّبع إِلَى آخِره وَهَذَا الثَّانِي فِي الْكَافِي انْتهى كَلَامه

فصل

وَالثَّانِي هُوَ الَّذِي فِي كَلَام غير وَاحِد فصل وَإِن كَانَ الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي بِحرف عطف كَانَ مُضَافا إِلَى الِاسْتِثْنَاء الأول فَإِذا قَالَ لَهُ على عشرَة إِلَّا ثَلَاثَة وَإِلَّا دِرْهَمَيْنِ كَانَ مستثنيا لخمسة مقرا بِخَمْسَة وَذكر ابْن عبد الْقوي إِن هَذَا الْأَقْوَى قَالَ لِأَن الْوَاو تجْعَل الِاسْتِثْنَاء كشيء وَاحِد كَمَا يَأْتِي فِي ترفيع الْمسَائِل وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن الأول قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ فَإِن استغرقت إِلَّا سقط الِاسْتِثْنَاء وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد يسْقط الْأَخير الْمُقْتَضى للاستغراق وَيصِح مَا عداهُ وَكَلَام هَؤُلَاءِ إِنَّمَا هُوَ إِذا كَانَت مستغرقة فَأَما إِذا كَانَت مذهبَة للْأَكْثَر فَيجوز عِنْدهم والوجهان لِأَصْحَابِنَا انْتهى كَلَامه وَلم أجد الْوَجْهَيْنِ صَرِيحًا إِلَّا مَعَ حذف إِلَّا قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَمَانِ وَثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَو لَهُ عَليّ دِرْهَم وَدِرْهَم وَدِرْهَم إِلَّا درهما فَفِي صِحَة استثنائه وَجْهَان أَحدهمَا يَصح ذكره القَاضِي مَحل وفَاق مَعَ الْحَنَفِيَّة وَغَيرهم اسْتدلَّ فِي الِاسْتِثْنَاء المتعقب جملا إِذا قَالَ لَهُ على خَمْسَة وَخَمْسَة وَخَمْسَة إِلَّا سَبْعَة فَإِن الِاسْتِثْنَاء يعود إِلَى الْجَمِيع وَكَذَلِكَ أَبُو الْخطاب وَقَالَ أَجمعُوا على أَنه يلْزمه ثَمَانِيَة وَأجَاب ابْن الْحَاجِب بِأَنَّهَا منفردات وَأَيْضًا فللاستقامة وَأجَاب الْآمِدِيّ بِمَنْع صِحَة الِاسْتِثْنَاء فِيهَا وَهُوَ قَول الْمَالِكِيَّة وَذكره بعض متأخريهم وَحَكَاهُ بَعضهم أحد الْوَجْهَيْنِ للشَّافِعِيَّة وَقدمه فِي الرِّعَايَة وَذكر ابْن عبد الْقوي أَنه أصح الْوَجْهَيْنِ لِأَن الْعَطف جعل الجملتين كجملة وَاحِدَة فَعَاد الِاسْتِثْنَاء إِلَيْهِمَا

فصل

كَقَوْلِه تَعَالَى فِي آيَة الْقَذْف 24 5 {إِلَّا الَّذين تَابُوا} وَكَقَوْلِه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يُؤمن الرجل الرجل فِي سُلْطَانه وَلَا يجلس على تكرمته إِلَّا بِإِذْنِهِ فعلى هَذَا يلْزمه فِي الْمَسْأَلَة الأولى ثَلَاثَة وَفِي الثَّانِيَة دِرْهَمَانِ وَالثَّانِي لَا يَصح ذكر الشَّيْخ موفق الدّين أَنه أولى وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْوَاو لم تخرج الْكَلَام عَن أَن يكون جملتين وَالِاسْتِثْنَاء يرفع الْجُمْلَة الْأَخِيرَة أَو أَكْثَرهَا فَيصير لَغوا وكل اسْتثِْنَاء أفْضى تَصْحِيحه إِلَى إلغائه وإلغاء الْمُسْتَثْنى مِنْهُ اخْتصَّ الْبطلَان بِهِ وَالِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة وَالْخَبَر لم يرفع أحد الجملتين إِنَّمَا أخرج مِنْهُمَا مَعًا من اتّصف بِصفتِهِ فنظيره من اسْتَأْذن فائذن لَهُ وأعطه درهما وَإِلَّا فَلَا وَنَظِير مَسْأَلَتنَا الزم زيدا وعمرا إِلَّا عمرا وَقطع أَبُو الْخطاب فِي الْهِدَايَة بِهَذَا القَوْل فِي الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة وَتَبعهُ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْخُلَاصَة وَأطلق فِي الْهِدَايَة وَالْمُسْتَوْعب الْخلاف فِي الأولى وَقدم فِي الْخُلَاصَة عدم الصِّحَّة فَهَذَا قَول ثَالِث وَذكر فِي الْمُغنِي خَمْسَة وَتسْعُونَ إِلَّا خَمْسَة من صور الْخلاف وفيهَا نظر وَقطع بِهِ فِي الْمُغنِي فِي مائَة وَعشْرين إِلَّا خمسين بِصِحَّة الِاسْتِثْنَاء جعله أصلا لنظيرها فِي الطَّلَاق وَرَأَيْت بَعضهم يمِيل إِلَى هَذَا فَيصير قولا رَابِعا فصل قَالَ فِي الْكَافِي فَإِن وجدت قرينَة صارفة إِلَى أحد الِاحْتِمَالَيْنِ انْصَرف إِلَيْهِ قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ خَمْسَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ ودرهما لزمَه خَمْسَة جمعا للمستثنى وَقيل ثَلَاثَة لما تقدم فِي الَّتِي قبلهَا لِأَن الْوَاو وَإِن قيل تجْعَل الْجمل كجملة وَاحِدَة فَسَوَاء كَونهَا مُسْتَثْنَاة أَو مُسْتَثْنَاة مِنْهَا وَهَذَا معنى كَلَام غير وَاحِد وَصَاحب الْمُحَرر وَقد قدم جعل الْجمل المستثناة كجملة وَأطلق الْخلاف فِي الَّتِي

فصل

قبلهَا وَقد حكى الشَّيْخ موفق الدّين فِي نظيرها فِي الطَّلَاق وَجْهَيْن للشَّافِعِيَّة وَأَن جعل الْجمل كجملة وَاحِدَة قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَفِيه شئ فَلْيتَأَمَّل فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا تعقب الِاسْتِثْنَاء اسْما مثل لَهُ هَذَا الذَّهَب وَهَذِه الدَّنَانِير وَهَذَا الْبر إِلَّا مِثْقَالا فالمنقول عَن مَالك وَالشَّافِعِيّ وأصحابنا عودة إِلَى الْجَمِيع وَقَالَ أَبُو حنيفَة يخْتَص بِالْجُمْلَةِ الْأَخِيرَة وَبَعْضهمْ يعبر عَن هَذِه بِأَن الِاسْتِثْنَاء تعقب جملا وَهِي الْمَسْأَلَة الْأُصُولِيَّة ويجعلون الْأَسْمَاء المفردة دَاخِلَة فِي مُسَمّى الْجمل وهم لَا يُرِيدُونَ بِالْجُمْلَةِ الْكَلَام التَّام كَمَا هُوَ عِنْد النُّحَاة وَإِنَّمَا يعنون بهَا الْعدَد الْمُجْتَمع سَوَاء كَانَ أَسمَاء مجتمعة مفيدة أَو أَسمَاء دَالَّة على معَان وفيهَا لِأَصْحَابِنَا وَجْهَان انْتهى كَلَامه فصل الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي وَمن النَّفْي إِثْبَات عندنَا وَعند الْجُمْهُور وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الِاسْتِثْنَاء من الْإِثْبَات نفي أَو فِي حكم النَّفْي فَإِنَّهُ إِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فإمَّا أَن يكون مُنْكرا للدرهمين أَو ساكتا عَن الْإِقْرَار بهما فَلَا يلْزمه بالِاتِّفَاقِ فَأَما الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي فِي الْعدَد فَقَالَ أَبُو بكر بن السراج النَّحْوِيّ فِي الْأُصُول إِذا قلت مَاله عِنْدِي مائَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَإِن أردْت الْإِقْرَار بِمَا بعد إِلَّا رفعته على الْبَدَل كَأَنَّك قلت مَاله عِنْدِي إِلَّا دِرْهَمَانِ وَإِذا نصبت فَقلت مَا لَهُ عِنْدِي مائَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَمَا أَقرَرت بِشَيْء لِأَن عِنْدِي لم ترفع شَيْئا حَتَّى يثبت عنْدك وكأنك قلت مَاله عِنْدِي ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ وَكَذَلِكَ إِذا قلت مَاله على عشرَة إِلَّا درهما لم يكن مقرا بِشَيْء فاذا قلت إِلَّا دِرْهَم فَأَنت مقرّ بدرهم

فصل

قَالَ ابْن الرُّومِي فِي تَوْجِيه ذَلِك فِي شرح الْأُصُول إِن النَّفْي دخل على الْإِيجَاب فانه إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي مائَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ اعْترف بِثمَانِيَة وَتِسْعين فَإِذا أدخلت النَّفْي على هَذَا فكأنك قلت مَاله عِنْدِي ثَمَانِيَة وَتسْعُونَ فَأتيت بِالِاسْتِثْنَاءِ تحكى صُورَة الْإِيجَاب إِلَّا أَنه اسْتثِْنَاء من نفي قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وعَلى هَذَا فَمن نصب فِي الِاسْتِثْنَاء من النَّفْي لَا يكون مثبتا للمستثنى وَمن لافع يكون مثبتا وَكَأن الناصب جَاءَ بِكَلَامِهِ النَّافِي ردا على من أثبت والرافع ابْتِدَاء وعَلى هَذَا فَيكون قَوْله تَعَالَى (466) مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلا مِنْهُم على هَذِه الْقِرَاءَة فِي قُوَّة مَا فعله أَكْثَرهم وَقَالَ بَعضهم هَذَا الَّذِي قَالَه ابْن السراج إِنَّمَا هُوَ على لُغَة من يرفع المستثني من النَّفْي فَإِذا نصب فَيكون قد نطق بِكَلَام غير عَرَبِيّ فَيلْغُو وَأما على لُغَة من يجوز النصب فَيكون مقرا وَهُوَ حسن انْتهى كَلَامه وَهُوَ وَاضح فَلَو قَالَ نحوى مَاله عِنْدِي عشرَة إِلَّا درهما وَرفع إِلَى حَاكم حكم عَلَيْهِ إِن رَآهُ إِقْرَارا وَإِلَّا كَسَائِر مسَائِل الْخلاف فَلَو كَانَ الْمقر لَهُ يعْتَقد أَن هَذَا لَيْسَ إِقْرَارا فَهَل ينفذ الحكم ويسوغ الْأَخْذ يَنْبَغِي أَن يخرج على مَا إِذا حكم حَنَفِيّ بشفعة الْجوَار لمن يعْتَقد خِلَافه وفيهَا وَجْهَان لنا وللشافعية مَعَ أَن هَذَا يدْخل فِيمَا حَكَاهُ صَاحب الْمُحَرر من الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا تقدم فَلَو ادّعى الْمقر أَنه قصد أَن يحْكى صُورَة الْإِيجَاب لَا الْإِقْرَار فَهَل يقبل مِنْهُ مَحل تردد لتردد النّظر فِي مُخَالفَته للظَّاهِر أما الْجَاهِل بِالْعَرَبِيَّةِ فَيتَوَجَّه فِيهِ القَوْل الْمُتَقَدّم وَهُوَ مؤاخذته بلغته وعرفه فصل إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف إِلَّا شَيْء قبل تَفْسِيره بِأَكْثَرَ من خَمْسمِائَة لَكِن لَا يجوز اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر فَيتَعَيَّن حمله على مَا دون النّصْف قَالَه فِي الْمُغنِي

وَيَنْبَغِي أَن يُقَال إِلَّا أَن نقُول بِصِحَّة اسْتثِْنَاء النّصْف فَيقبل قَالَ وَكَذَلِكَ إِن قَالَ إِلَّا قَلِيلا وَيَنْبَغِي أَن يُقَال فِي هَذِه مَا قَالَه فِي الَّتِي بعْدهَا قَالَ وَإِن قَالَ لَهُ على مُعظم أَو أجل ألف أَو قريب من ألف لزمَه أَكثر من نصف الْألف وَيحلف على الزِّيَادَة إِذا ادعيت عَلَيْهِ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقَالَ فِي الْجَوَاهِر يَعْنِي الْمَالِكِيَّة إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي قريب الْمِائَة أَو مائَة إِلَّا شَيْئا قَالَ سَحْنُون قَالَ أَكثر أَصْحَابنَا يلْزمه ثلثا الْمِائَة بِقدر مَا يرى الْحَاكِم وَقيل ثلث مائَة وَقيل وَاحِد وَخَمْسُونَ ليزِيد على النّصْف وَقَالَ فِي الْجَوَاهِر فِي مَوضِع آخر إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا شَيْئا يلْزمه وَاحِد وَتسْعُونَ وَإِن قَالَ لَهُ على عشرَة آلَاف إِلَّا شَيْئا يلْزمه تِسْعَة آلَاف وَمِائَة وَله دِرْهَم إِلَّا شَيْئا يلْزمه أَرْبَعَة أَخْمَاس دِرْهَم وَلَو قَالَ لَهُ مائَة وَشَيْء يقْتَصر على الْمِائَة لِأَن الشَّيْء لَا يُمكن رده إِلَى تَقْدِير كرد الشَّيْء الْمُسْتَثْنى فَيبْطل لِأَنَّهُ شكّ لَا مخرج لَهُ قَالَ عبد الْملك وَالْمُعْتَبر فِي جَمِيع ذَلِك مَا يحسن اسْتِعْمَال الِاسْتِثْنَاء فِيهِ وَمَا شكّ فِيهِ لَا يثبت انْتهى كَلَامه وَقَوْلنَا أولى لما تقدم وَالتَّقْدِير يتَوَقَّف على تَوْقِيف وَلَا تَوْقِيف وتعارض الْأَقْوَال الْمَذْكُورَة يدل على فَسَادهَا وَلِأَن الشَّيْء إِذا كَانَ لَهُ مَوْضُوع فَلَا فرق بَين أَن يكون مقرا بِهِ أَو مُسْتَثْنى وَالْأولَى فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ مائَة وَشَيْء مَا قُلْنَا وَهُوَ أَنه يلْزمه مائَة وَيرجع فِي تَفْسِير الشَّيْء إِلَيْهِ كَمَا لَو انْفَرد قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَقَالَ ابْن معتب فِي وثائقه إِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا شَيْئا أَو إِلَّا كثيرا صدق فِي تَفْسِيره مَعَ يَمِينه يَعْنِي لِأَن الِاسْتِثْنَاء يَصح فِي التِّسْعَة إِلَى الْعشْرَة فَكل مَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ صَحَّ أَن يقر بِهِ الِاسْتِثْنَاء الْمَجْهُول وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَعند أَصْحَابنَا لَا يَصح تَفْسِيره بِأَكْثَرَ من

النّصْف وَفِي النّصْف وَجْهَان وَيصِح تَفْسِيره بِمَا دون النّصْف وَوَافَقَ أَبُو حنيفَة هُنَا فَقَالَ إِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا قَلِيلا أَو إِلَّا بَعْضهَا لَا بُد أَن يزِيد الْبَاقِي على النّصْف قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على هَؤُلَاءِ العبيد الْعشْرَة إِلَّا وَاحِدًا لزمَه تَسْلِيم تِسْعَة لِأَنَّهَا مقرّ بهَا وَالْوَاحد مُسْتَثْنى وَهُوَ قَلِيل فَلم يلْزمه وَيرجع إِلَيْهِ فِي التَّعْيِين لِأَنَّهُ أعلم بمراده قَوْله فَإِن مَاتُوا إِلَّا وَاحِدًا فَقَالَ هُوَ الْمُسْتَثْنى قبل وَقيل لَا يقبل وللشافعية أَيْضا وَجْهَان أَحدهمَا يقبل وَهُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب كحالة الْحَيَاة وكما لَو مَاتَ بعد تَعْيِينه وَمن قَالَ بِهَذَا تعذر تَسْلِيم الْمقر بِهِ لتلفه لَا لِمَعْنى يرجع إِلَى تَفْسِيره بِخِلَاف اسْتثِْنَاء الْجَمِيع وَالثَّانِي لَا يقبل لرفعه جَمِيع مَا أقرّ بِهِ كاستثنائه فَإِن قتلوا إِلَّا وَاحِدًا أَو غصبوا إِلَّا وَاحِدًا أَو قَالَ غصبتك هَؤُلَاءِ العبيد إِلَّا وَاحِدًا فماتوا إِلَّا وَاحِدًا قبل تَعْيِينه فِي هَذِه الصُّور بِالْبَاقِي وَجها وَاحِدًا لعدم التُّهْمَة لوُجُوب الْقيمَة بِخِلَاف الْإِقْرَار قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ هَذِه الدَّار إِلَّا هَذَا الْبَيْت أَوله هَذِه الدَّار ولى هَذَا الْبَيْت مِنْهَا صَحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ مِنْهَا وَإِن كَانَ معظمها بِخِلَاف قَوْله إِلَّا ثلثيها أَو ثَلَاثَة أرباعها وَنَحْوه لِأَن الأول اسْتثِْنَاء وَالثَّانِي فِي مَعْنَاهُ وَقَوله وَإِن كَانَ معظمها وَكَذَلِكَ ذكر غير وَوَجهه لِأَن لَيْسَ الْعدَد صَرِيحًا وَلم يذكرهُ بَعضهم وَقد تقدم ذَلِك

وَقَوله بِخِلَاف قَوْله إِلَّا ثلثيها وَهُوَ معنى كَلَام غَيره يَعْنِي فَإِنَّهُ اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَهُوَ بَاطِل فِي الْأَشْهر وَكَذَا ذكره فِي الرِّعَايَة وَيعرف من ذَلِك أَنه لَو قَالَ هَذِه الدَّار ولى نصفهَا أَنه معنى اسْتثِْنَاء النّصْف وَفِي صِحَّته خلاف وَذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى هَذِه الْمَسْأَلَة وَقَالَ صَحَّ فِي الأقيس وَذكر فِي الصُّغْرَى أَنَّهَا كَقَوْلِه إِلَّا ثلثيها قَوْله لَا يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس قَالَ الْخلال بَاب الرجل يقر للرجل بِدَنَانِير ثمَّ يسْتَثْنى مِنْهَا غَيرهَا ذكر هَذَا بعد بَاب لَهُ عَليّ مائَة دِينَار ولي عَلَيْهِ دِينَار أَنه مقرّ مُدع قَالَ ابْن مَنْصُور قلت لِأَحْمَد قَالَ سُفْيَان وَإِذا قَالَ لَك عِنْدِي مائَة دِينَار إِلَّا فرسا إِلَّا ثوبا هَذَا محَال يُؤْخَذ بِالْمِائَةِ قَالَ الإِمَام أَحْمد كَمَا قَالَ وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن مُرَاد الْخلال بِالْبَابِ قلَّة تَشْبِيه الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس يدعى تَقْدِيره لَكِن لي عَلَيْهِ فرس أَو قيمَة فرس وَذكر أَيْضا أَن رِوَايَة ابْن مَنْصُور لَيْسَ فِيهَا تَصْرِيح بِخِلَاف مَذْهَب أبي حنيفَة بل مُوَافقَة لفتيا سُفْيَان انْتهى كَلَامه وَقد ذكر فِي المغنى أَنه يكون مقرا بِشَيْء مُدعيًا لشَيْء سواهُ فَيقبل إِقْرَاره وَتبطل دَعْوَاهُ كَمَا لَو صرح بذلك بِغَيْر لفظ الِاسْتِثْنَاء وَالْمذهب أَنه لَا يَصح اسْتثِْنَاء غير أحد النَّقْدَيْنِ من الآخر لِأَن الِاسْتِثْنَاء إِمَّا صرف للفظ عَمَّا يَقْتَضِيهِ لولاه أَو إِخْرَاج بعض مَا تنَاوله الْمُسْتَثْنى مِنْهُ أَو منع أَن يدْخل فِي اللَّفْظ مَا لولاه لدخل وَهَذِه التعريفات فِي كَلَام أَصْحَابنَا وَغَيرهم وَأما مَا كَانَ من غير الْجِنْس فَلَا يكون اسْتثِْنَاء إِلَّا تجوزا وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة اسْتِدْرَاك وَإِلَّا فِيهِ بِمَعْنى لَكِن قَالَه أهل الْعَرَبيَّة مِنْهُم ابْن السراج وَابْن

قُتَيْبَة وَحَكَاهُ عَن سِيبَوَيْهٍ وَلذَلِك لم يَأْتِ الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس فِي الْقُرْآن وَغَيره إِلَّا بعد الْجحْد لِأَن الِاسْتِدْرَاك لَا يَأْتِي إِلَّا بَين متنافيين وَقِيَاسًا على التَّخْصِيص فَإِنَّهُ لَا بُد من كَونه من الْجِنْس وَالِاسْتِثْنَاء من جملَة المخصصات عِنْد الْمُخَالفين أَو أَكْثَرهم وَلِأَنَّهُ لَو صَحَّ لاطرد فِي جَمِيع الْمَوَاضِع وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنهم ساعدوا أَنه لَا يَصح فِي البيع وَبِهَذَا قَالَ زفر وَبَعض الْمَالِكِيَّة وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ يجوز الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس مُطلقًا لوروده وَنحن نمْنَع ذَلِك ثمَّ نحمله على الْمجَاز دفعا للاشتراك وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد إِن اسْتثْنى مَا يثبت فِي الذِّمَّة صَحَّ وَإِن كَانَ من غير الْجِنْس وَإِن اسْتثْنى مَالا يثبت فِي الذِّمَّة كَالثَّوْبِ وَالْعَبْد وَنَحْوه لم يَصح الِاسْتِثْنَاء وَفسّر أَصْحَابنَا مَا يثبت فِي الذِّمَّة بالمكيل وَالْمَوْزُون وَقَالَ قَالُوهُ فِيمَا يتقارب من الْمكيل وَالْمَوْزُون كالجوز وَالْبيض قَوْله وَعنهُ يَصح اسْتثِْنَاء أحد النَّقْدَيْنِ من الآخر خَاصَّة هَذِه الْمَسْأَلَة من الْأَصْحَاب من يحْكى فِيهَا وَجْهَيْن وَحكى ابْن أبي مُوسَى وَغَيره رِوَايَتَيْنِ إِحْدَاهمَا يَصح قطع بِهِ الْخرقِيّ وَقدمه فِي الْخُلَاصَة لِأَنَّهُمَا كالجنس الْوَاحِد لاجتماعها فِي أَنَّهُمَا قيم الْمُتْلفَات وَأرش الْجِنَايَات ويعبر بِأَحَدِهِمَا عَن الآخر وَيعلم قِيمَته مِنْهُ فأشبها النَّوْع الْوَاحِد بِخِلَاف غَيرهمَا وَمَتى أمكن حمل الْكَلَام على وَجه صَحِيح لم يجز إلغاؤه وَاقْتصر أَكثر الْأَصْحَاب عَليّ هَذَا حَتَّى إِن صَاحب الْخُلَاصَة مَعَ أَنه لَا يخل بفوائد الْهِدَايَة على قَوْله اقْتصر عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو الْخطاب مَتى ثَبت هَذَا مذهبا لِأَحْمَد كَانَ اسْتثِْنَاء الثَّوْب من الدَّرَاهِم جَائِزا إِذْ لَا فرق بَينهمَا قَالَ فِي المغنى وَهُوَ فِي قُوَّة كَلَام غَيره وَقد ذكرنَا الْفرق

قَالَ فِي الْمُغنِي وَيُمكن الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ بِحمْل رِوَايَة الصِّحَّة على مَا إِذا كَانَ أَحدهمَا يعبر بِهِ عَن الآخر أَو يعلم قدره مِنْهُ وَرِوَايَة الْبطلَان على مَا إِذا انْتَفَى ذَلِك انْتهى كَلَامه فَصَارَ هَذَا قولا آخر وَقَالَ أَيْضا إِنَّه إِذا ذكر نوعا من جنس وَذكر نوعا آخر من غير ذَلِك الْجِنْس مثل عشرَة آصَع تَمرا برنيا إِلَّا ثَلَاثَة تَمرا معقليا أَنه يحْتَمل جَوَازه على قَول الْخرقِيّ لتقارب الْمَقَاصِد من النَّوْعَيْنِ كَالْعَيْنِ وَالْوَرق وَأَن الصَّحِيح خِلَافه لِأَن الْعلَّة الصَّحِيحَة فِي الْعين وَالْوَرق غير ذَلِك انْتهى كَلَامه وَظَاهر كَلَامهم أَنه لَا يَصح اسْتثِْنَاء الْفُلُوس من أحد النَّقْدَيْنِ وَيَنْبَغِي أَن يخرج فِيهَا قَولَانِ آخرَانِ أَحدهمَا الْجَوَاز وَالثَّالِث جَوَازهَا مَعَ نفاقها خَاصَّة لما تقدم من التَّعْلِيل وَالثَّانِي لَا يَصح ذكر القَاضِي أَنه ظَاهر كَلَام الإِمَام أَحْمد وَأَنه الصَّحِيح وَهُوَ قَول أبي بكر وَقدمه أَبُو الْخطاب وَغَيره وَهُوَ ظَاهر مَا نَصره جمَاعَة وَصَححهُ ابْن عقيل وَغَيره لما تقدم فَظهر من مَجْمُوع الْمَسْأَلَة أَنه هَل يَصح الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس أم لَا فِيهِ خَمْسَة أَقْوَال غير مَسْأَلَة اسْتثِْنَاء الْفُلُوس من أحد النَّقْدَيْنِ قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مائَة دِرْهَم إِلَّا دِينَارا وصححناه رَجَعَ فِي تَفْسِير قيمَة الدِّينَار إِلَيْهِ عِنْد أبي الْخطاب وَقَالَ غَيره يرجع إِلَى سعر الدِّينَار بِالْبَلَدِ إِن كَانَ وَإِلَّا فَإلَى التَّفْسِير وَوجه الأول وَعَلِيهِ اقْتصر فِي الْمُسْتَوْعب وَالْخُلَاصَة وَقدمه فِي الرِّعَايَة أَن الدِّينَار مَجْهُول فَرجع إِلَيْهِ فِي قِيمَته لِأَن أعلم بمراده كَغَيْرِهِ من الْمَجْهُول فعلى هَذَا إِن فسره بِأَكْثَرَ من النّصْف لم يقبل وَإِن فسره بِدُونِهِ قبل وَفِي النّصْف وَجْهَان هَذَا معنى مَا ذكره أَصْحَاب هَذَا الْوَجْه

وَوجه الثَّانِي أَن الدِّينَار إِذا كَانَ لَهُ سعر فَإِنَّهُ مَعْلُوم وَالظَّاهِر إِرَادَته فَيرجع إِلَيْهِ فَإِن لم يكن فَإلَى تَفْسِيره قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِالْأولِ قَالَت الْمَالِكِيَّة وَالشَّافِعِيَّة قَالُوا يُقَال لَهُ اذكر قيمَة العَبْد وَالثَّوْب الْمُسْتَثْنى وَيكون مقرا بِمَا يقر فَإِن استغرقت قِيمَته الْألف لزمَه الْألف كاستثناء الْألف من الْألف وَإِلَّا صَحَّ قَالَت الشَّافِعِيَّة وَيَنْبَغِي أَن تكون الْقيمَة مُنَاسبَة للثوب لِئَلَّا يعد نَادِما قَالُوا وَهَذَا إِذا اسْتثْنى مَجْهُولا من مَعْلُوم فَإِن قيمَة الثَّوْب مَجْهُولَة وَالْألف مَعْلُومَة وَعَكسه لَهُ الْألف إِلَّا دِرْهَمَانِ فيفسر الْألف وَيعود الحكم إِمَّا إِلَى الِاسْتِغْرَاق فَلَا يقبل أَو إِلَى عدم الِاسْتِغْرَاق فَيقبل وَإِن اسْتثْنى مَجْهُولا من مَجْهُول نَحْو لَهُ مائَة إِلَّا عشرَة أَو إِلَّا ثوبا فعلى مَا تقدم قَالَ بعض الْمَالِكِيَّة وَلَا يَنْبَغِي أَن ينازعهم أَصْحَابنَا فِي هَذَا لِأَنَّهُ مُقْتَضى الْقَوَاعِد انْتهى كَلَامه وَنحن نوافقهم فِي الْمَسْأَلَة الْأَخِيرَة ونخالفهم فِي الْألف إِلَّا درهما على الرَّاجِح قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ شَيْء أَو كَذَا قيل لَهُ فسره ليصير مَعْلُوما فتلزم بِهِ وَيصِح إِقْرَاره بِغَيْر خلاف قَالَه فِي المغنى وَيُفَارق الدَّعْوَى حَيْثُ لَا تصح بِالْمَجْهُولِ لكَون الدَّعْوَى لَهُ فاحتيط لَهَا وَالْإِقْرَار عَلَيْهِ فَيلْزمهُ مَا عَلَيْهِ مَعَ الْجَهَالَة دون مَاله وَلِأَن الْمُدعى إِذا لم يصحح دَعْوَاهُ فَلهُ دَاع إِلَى تَحْرِير دَعْوَاهُ لكَون الْحق لَهُ بِخِلَاف الْإِقْرَار وَلِأَن الْمقر لَا يُؤمن رُجُوعه عَن إِقْرَاره إِذا شدد عَلَيْهِ فَيفوت حق الْمقر لَهُ رَأْسا فقبلناه مَعَ الْجَهَالَة وألزمناه تَفْسِيره فَإِن قَالَ لَهُ عَلَيْهِ كَذَا وَكَذَا رَجَعَ إِلَى الْمقر فِي تَفْسِيره ذَلِك ذكره القَاضِي فِي الْوَصَايَا وَجعله أصلا للْوَصِيَّة بِكَذَا وَكَذَا أَنه يرجع إِلَى تَفْسِير الْوَرَثَة قَوْله فَإِن أَبى حبس حَتَّى يُفَسر

فصل

قطع بِهِ جمَاعَة لِأَنَّهُ امْتنع من حق توجه عَلَيْهِ كحق معِين امْتنع من أَدَائِهِ وَقَالَ القَاضِي يَجْعَل ناكلا وَيُؤمر الْمقر لَهُ بِالْبَيَانِ فَإِن بَين شَيْئا فَصدقهُ الْمقر ثَبت وَإِن كذبه وَامْتنع من الْبَيَان قيل لَهُ إِن بيّنت وَإِلَّا جعلناك ناكلا وقضينا عَلَيْك وَهَذَا قَول الشَّافِعِيَّة إِلَّا أَنهم قَالُوا إِن بيّنت وَإِلَّا أحلفنا الْمقر لَهُ على مَا يَدعِيهِ وأوجبناه على الْمقر قَالَ فِي الْمُغنِي وَمَعَ ذَلِك فَمَتَى عينه الْمُدعى وادعا فنكل الْمقر فَهُوَ على مَا ذَكرُوهُ فصل قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا أصر فِي الْحَبْس على الِامْتِنَاع فعلى الْمَذْهَب أَنه يضْرب حَتَّى يقر قَالَ أَصْحَابنَا القَاضِي فِي كِتَابه الْمُجَرّد وَالْجَامِع وَابْن عقيل وَغَيرهمَا فِيمَن أسلم وَتَحْته أَكثر من أَربع نسْوَة أَنه يجْبر حَتَّى يخْتَار مِنْهُنَّ أَرْبعا قَالُوا فَإِن لم يخْتَر بعد الْإِجْبَار حَبسه الْحَاكِم وَيكون الْحَبْس ضربا من التعزيز فَإِن لم يخْتَر ضربه وعزره يفعل ذَلِك ثَانِيًا وثالثا حَتَّى يخْتَار لِأَن هَذَا هُوَ حق قد تعين عَلَيْهِ وَلَا يقوم غَيره مقَامه فَوَجَبَ حَبسه وتعزيزه حَتَّى يَفْعَله وَأَيْضًا لم يذكرُوا الضَّرْب إِلَّا بعد الْحَبْس وَهل يجوز ضربه ابْتِدَاء يتَوَجَّه فِيهِ مَا ذَكرُوهُ فِي الناشز هَل تضرب من أول مرّة على وَجْهَيْن وَهَكَذَا إِذا كَانَ على رجل دين وَله مَال ناض لَا يعرف مَكَانَهُ وَامْتنع من قَضَاء دينه فَإِن الْحَاكِم يحْبسهُ ويضربه وَيَأْمُر بِقَضَاء الدّين لِأَن غَيره لَا يقوم مقَامه فِي ذَلِك وَكَذَلِكَ مَذْهَب الشَّافِعِي مَنْصُوصا وَكَذَلِكَ مَذْهَب مَالك فِيمَا يغلب على ظَنِّي وَهُوَ قِيَاس قَول أبي بكر وَلم يزدْ وَمرَاده أَبُو حنيفَة قَالَ قد أَبَاحَ أَصْحَابنَا ضربه ثَلَاث مَرَّات وسكتوا عَمَّا بعد الثَّالِثَة وَقد نَص

الإِمَام أَحْمد على نَظِيره فِي الْمصر على شتم الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم وَالْأَصْل فِيهِ قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لي الْوَاحِد يحل ضربه وعقوبته وَأَيْضًا فَحَدِيث ابْن عمر فِي صَحِيح البُخَارِيّ لما صَالح يهود خَيْبَر على إِزَالَة الصَّفْرَاء والحمراء فكتم بَعضهم مَال حييّ بن أَخطب وَزعم أَن النَّفَقَات أذهبته فَقَالَ للزبير دُونك هَذَا فعاقبه حَتَّى يحضر المَال فعاقبه حَتَّى أحضر المَال وَلم يقر بِأَن المَال فِي يَده لَكِن علم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المَال فِي يَده وَأَنه كَاذِب فِي دَعْوَى خُرُوجه وَأَيْضًا فَإِن الله تَعَالَى أَبَاحَ للزَّوْج ضرب امْرَأَته إِذا نشزت فامتنعت عَن أَدَاء حَقه الْوَاجِب من تَمْكِينه من الْوَطْء فعلى قِيَاسه كل من امْتنع من أَدَاء حق وَاجِب ثمَّ هَل يُبَاح ضربهَا بِأول مرّة أَو بعد الثَّلَاث على وَجْهَيْن وَأَيْضًا فَإِن التَّعْزِير مَشْرُوع فِي حبس الْمعْصِيَة الَّتِي لَا حد فِيهَا والمعاصي نَوْعَانِ ترك وَاجِبَات وَفعل مُحرمَات هَذَا إِذا كَانَ التَّعْزِير لما مضى وَأما إِذا كَانَ لما مضى من الْمعْصِيَة وليرجع إِلَى الطَّاعَة بأَدَاء الْوَاجِب والكف عَن الْمحرم أولى وَأَحْرَى وَجَمِيع الْعُقُوبَات لَا تخرج عَن هَذَا فَمن الأول قتل الْقَاتِل وَمن الثَّانِي قتل الْمُرْتَد وَدفع الصَّائِل وَقد يَجْتَمِعَانِ فَيصير ثَلَاثَة أَقسَام وَلِهَذَا من لَا يقتل بالامتناع من الْوَاجِبَات الشَّرْعِيَّة فَإِنَّهُ يضْرب وفَاقا سَوَاء كَانَت حَقًا لله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ فتارك الصَّوْم وَالْحج إِذا لم نَقْتُلهُ نَحن كتارك الصَّلَاة عِنْد من لَا يقْتله وهم الْحَنَفِيَّة إِذا تقررت قَاعِدَة الْمَذْهَب

أَن كل حق تعين على إِنْسَان لَا يقوم غَيره فِيهِ مقَامه فَإِنَّهُ يُوجب حَبسه وتعزيره حَتَّى يَفْعَله فالممتنع من تَفْسِير إِقْرَاره نوع من ذَلِك فَإِن تَفْسِير الْإِقْرَار حق وَاجِب عَلَيْهِ لاثباته فِيهِ فَوَجَبَ ضربه عَلَيْهِ حَتَّى يَفْعَله وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَوضِع آخر أَنه إِن أصر على التّرْك عُوقِبَ بِالضَّرْبِ حَتَّى يُؤدى الْوَاجِب وَقد نَص على ذَلِك الْفُقَهَاء من أَصْحَاب الشَّافِعِي وَأحمد وَغَيرهم وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا انْتهى كَلَامه وَهَذَا ظَاهر كَلَام الشَّافِعِي فِي الْأُم عِنْد ذكره مَسْأَلَة الْمُرْتَد وَقد ذكر الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره أَنه إِذا حل الدّين وَامْتنع الرَّاهِن من الْوَفَاء أَن الْحَاكِم يفعل مَا يرى من حَبسه أَو تعزيره ليَبِيعهُ أَو بيعَة الْحَاكِم بِنَفسِهِ أَو نَائِبه وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب وَالْمُغني وَغَيرهمَا أَن من أسلم تَحْتَهُ أَكثر من أَربع يجب عَلَيْهِ اخْتِيَار أَربع فَإِن أبي أجبر بِالْحَبْسِ وَالتَّعْزِير إِلَى أَن يخْتَار قَالَ فِي المغنى إِن هَذَا حق عَلَيْهِ يُمكن إيفاؤه وَهُوَ مُمْتَنع مِنْهُ فأجبر عَلَيْهِ كإيفاء الدّين وَهَذَا يُوَافق مَا ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي كل مُمْتَنع من وَاجِب عَلَيْهِ وَأَن لَهُ أَن يعزره بِالضَّرْبِ ابْتِدَاء وَأَنه لَا يُقيد بثلاثه ثمَّ قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا ثَبت تَعْزِير الْمُمْتَنع من تَفْسِير إِقْرَاره فَإِنَّمَا الْمَأْخُوذ بِهِ أَنه وَجب بِإِقْرَارِهِ حق مَجْهُول وَلَا يعلم قدره إِلَّا من جِهَته فعزره على بَيَان مَا يُعلمهُ من حق الْغَيْر وَلَا تَأْثِير لكَون أصل الْحق عرف بِإِقْرَارِهِ وَلِهَذَا قُلْنَا إِن وَارثه يُؤْخَذ بالتفسير وَإِنَّمَا وَقع تردد على الرِّوَايَة الْأُخْرَى لِأَن الْوَارِث قد لَا يعلم مَا وَجب على الْمَيِّت وَلِهَذَا فرق الْجد بَين أَن يُنكر الْوَارِث عَلَيْهِ أَولا يُنكر فَأَما مَعَ علم من عَلَيْهِ الْحق فَلَا فعلى قِيَاس هَذَا كل من امْتنع من إِظْهَار حق عَلَيْهِ يجب إِظْهَاره وَلَا يعلم

من غَيره كَمَا لَو قلت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ انتهب من هَذَا شَيْئا وَلم يعلمُوا قدره أَو نَوعه أَو بِأَنَّهُ سرق من دَار هَذَا كارة لَا يعلمُونَ مَا فِيهَا أَو بِأَنَّهُ غل كيسا من أَمَانَته لَا يعلمُونَ مَا فِيهِ وَنَحْو ذَلِك مِمَّا يشْهد فِيهِ على الْمُحَارب وَالسَّارِق والغال والخائن بِحَق عاينوه وَلَا يعلمُونَ قدره إِذْ لَا فرق بَين ثُبُوت ذَلِك بِإِقْرَارِهِ أَو بَيِّنَة وَكَذَلِكَ لَو شهِدت الْبَيِّنَة أَيْضا بِأَنا رَأَيْنَاهُ اقْترض مِنْهُ مَالا أَو ابْتَاعَ مِنْهُ سلْعَة وَقَبضهَا وَلَا نعلم قدر الْمُقْتَرض أَو قدر الثّمن أَو علماه ونسياه فَإِن قيل قد يجوز أَن يكون هُوَ نسي ذَلِك الْحق أَو نسي قدره ابْتِدَاء قيل وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ بِمَجْهُول قد يكون نَسيَه أَو جهل قدره ابْتِدَاء وَلَو امْتنع فَهَل يحكم للْمُدَّعِي مَعَ يَمِينه لكَون امْتِنَاعه لوثا هَذَا مَذْكُور فِي غير هَذَا الْموضع وَهِي مُتَعَلقَة بِمَسْأَلَة النّكُول وَالرَّدّ وَلَو أقرّ بِالْقَبْضِ الْمحرم أَو غير الْمحرم كالغصب وَسَائِر أَنْوَاعه من النهب وَالسَّرِقَة والخيانة وَامْتنع من تعْيين مَحَله فَإِنَّهُ يضْرب كَمَا تقدم فِي ضرب من عَلَيْهِ دين وَله مَال ناض لَا يعرف مَكَانَهُ يضْرب ليبينه فَإِنَّهُ بَيَان الْوَاجِب كَمَا أَن أصل تَفْسِير الْحق بَيَان وَاجِب وَلِهَذَا ضرب الزبير بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ابْنا لعم حيى بن أَخطب حَتَّى يعين مَوضِع المَال وَلَو كَانَ المَال بيد وَكيله أَو غَيره وَامْتنع من تَبْيِين مَحَله لعزر بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب حَتَّى يُبينهُ كالمالك لِأَنَّهُ حق تعين عَلَيْهِ فَلَو علم بِالْمَالِ من لَيْسَ بولِي وَلَا وَكيل بِأَن يقر بعض النَّاس بِأَنِّي أعرف من المَال عِنْده أَو تقوم الْبَيِّنَة بِأَن فلَانا كَانَ حَاضرا إقباض المَال وَنَحْو ذَلِك فَإِن هَذَا يجب عَلَيْهِ بَيَان مَوضِع المَال لِأَن ذَلِك فِيهِ حق للطَّالِب إِمَّا أَن يكون مُسْتَحقّا للاستيفاء مِنْهُ وَلقَوْله تَعَالَى 5 2 {وتعاونوا على الْبر وَالتَّقوى} وَلَا يُمكن إيصاله إِلَيْهِ إِلَّا بِبَيَان هَذَا ودلالته ومالا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب فَهُوَ كالشاهد الَّذِي يجب عَلَيْهِ أَدَاء الشَّهَادَة وَلِأَن إِعَانَة الْمُسلم على حقن دَمه وَمَاله

وَاجِب فَإِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الْمُسلم أَخ الْمُسلم لَا يُسلمهُ وَلَا يَظْلمه وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أنْصر أَخَاك ظَالِما أَو مَظْلُوما وَنصر الظَّالِم دَفعه وَفِي الدّلَالَة نصر الِاثْنَيْنِ وَلِأَن هَذَا بذل مَنْفَعَة لَا ضَرَر فِيهَا فِي حفظ مَال الْمُسلم وَهَذَا من أوجب الْأَشْيَاء كالقضاء وَالشَّهَادَة لَا سِيمَا على أصلنَا فِي إِيجَاب بذل الْمَنَافِع مجَّانا على أحد الْوَجْهَيْنِ وكما يجب للْجَار مَنْفَعَة الْجِدَار وَمَنْفَعَة إمرار المَاء على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ بل قد توجب دفع الْغَيْر عَن دَمه وَمَاله إِذا رأى نَفسه أَو مَاله يتْلف وَهُوَ قَادر على تخليصه وَقد أوجب القَاضِي وَأَبُو الْخطاب ضَمَان النَّفس على من قدر على تَخْلِيصهَا من هلكه فَلم يفعل كَمَا يضمن من لم يؤد الْوَاجِب من إطعامها وسقيها وَفرق بعض الْأَصْحَاب أَن سَبَب الْهَلَاك هُنَاكَ فعل الْغَيْر وَهنا منع الطَّعَام وَأما تضمين من ترك تَخْلِيص المَال فَفِيهِ نظر وَأَيْضًا فَإِن ذَلِك من بَاب الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر لِأَن خُرُوج الْحُقُوق عَن أَصْحَابهَا مُنكر وَإِزَالَة الْمُنكر وَاجِبَة بِحَسب الطَّاقَة فَكيف إِذا كَانَ يَزُول بِمُجَرَّد الْبَيَان وَالدّلَالَة وَاجِبا عُوقِبَ على تَركه بِالْحَبْسِ وَالضَّرْب وَكَذَلِكَ لَو كَانَ يعلم مَوضِع من عَلَيْهِ حق لله أَو لآدَمِيّ وَهُوَ يُرِيد استيفاءه من غير ظلم فَإِن الدّلَالَة على النُّفُوس الظالمة للمظلوم كالدلالة على المَال لصَاحبه فَأَما من آوى مُحدثا وكتمه فَإِن هَذَا يُعَاقب بِالضَّرْبِ وَالْحَبْس بِمَنْزِلَة كاتم المَال وَأولى فَإِن كتمان النَّفس ككتمان المَال وَالدّلَالَة عَلَيْهَا من غير الكاتم كالدلالة على المَال وَهَذَا كُله إِذا ظهر معرفَة المسؤول عَن النَّفس الْمُسْتَحقَّة وَالْمَال الْمُسْتَحق إِمَّا بِإِقْرَارِهِ وَإِمَّا بِبَيِّنَة فَأَما إِذا اتهمَ بذلك فَهُنَا يحبس كَمَا يحبس فِي التُّهْمَة بِنَفس الْحق وَأما ضربه فَهُوَ كالمتهم وأصل هَذَا أَن الْحق كَمَا يكون عينا من الْأَمْوَال فقد يكون مَنْفَعَة على

الْبدن كالمنافع الْمُسْتَحقَّة بِعقد الْإِجَارَة والحقوق الْوَاجِبَة عينا أَو مَنْفَعَة إِمَّا أَن تجب بِالشّرطِ وَإِمَّا أَن تجب بِالشَّرْعِ فَكَأَنَّمَا أَنا نعاقب من امْتنع عَن النَّفَقَة الْوَاجِبَة شرعا كَذَلِك نعاقب من امْتنع عَن الْمَنْفَعَة الْوَاجِبَة شرعا وَمن أعظم الْمَنَافِع بَيَان الْحُقُوق ومواضعها من النُّفُوس وَالْأَمْوَال والممتنع عَن الْبَيَان مُمْتَنع عَن مَنْفَعَة وَاجِبَة عَلَيْهِ شرعا متعينة عَلَيْهِ فيعاقب عَلَيْهَا وَلَو لم تتَعَيَّن عَلَيْهِ بِأَن كَانَ الْعَالمُونَ عددا فَهُنَا إِذا امْتَنعُوا كلهم عوقبوا أَو بَعضهم لَكِن عُقُوبَة بَعضهم ابْتِدَاء عِنْد اقناعه يخرج على الْبَيَان هَل هُوَ وَاجِب على الْكِفَايَة أَو لأعيان كَالشَّهَادَةِ وَالْمَنْصُوص أَنه وَاجِب بِالشَّرْعِ على الْأَعْيَان وكما يُعَاقب الرجل على شَهَادَة الزُّور يُعَاقب على كتمان الشَّهَادَة انْتهى كَلَامه وَهُوَ حسن وَاضح لم أجد فِي الْمَذْهَب مَا يُخَالِفهُ صَرِيحًا قَوْله فَإِن فسره بِحَق شُفْعَة أَو أقل مَال قبل لِأَنَّهُ صَحِيح لإِطْلَاق شَيْء عَلَيْهِ حَقِيقَة وَعرفا فَقبل كتفسيره بِمَال كثير وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الشُّفْعَة نظر فَإِنَّهَا لَيست مَالا بِدَلِيل أَنَّهَا لَا تورث وَلَا يُصَالح عَلَيْهَا بِمَال فَهِيَ كَحَد الْقَذْف انْتهى كَلَامه وَهُوَ مُتَوَجّه لَو كَانَ الْمقر قَالَ لَهُ على مَال بِخِلَاف لَهُ على شئ أَو كَذَا قَوْله وَإِن فسره بميته أَو خمر أَو مَالا يتمول كقشرة جوزة لم يقبل لِأَن إِقْرَاره اعْتِرَاف بِحَق عَلَيْهِ وَهَذَا لَا يثبت فِي الذِّمَّة مُرَاده وَالله أعلم قشر جوزة غير الْهِنْد لِأَن قشرة تِلْكَ يعد مَالا بمفرده قَالَ ابْن عبد الْقوي لَو قيل إِنَّه يقبل فِي إِقْرَار الذِّمِّيّ تَفْسِيره بِخَمْر وَنَحْوه مِمَّا يعدونه عِنْدهم مَالا لم يكن بَعيدا كَمَا يقبل تَفْسِيره من مُسلم بجلد ميته لم يدبغ يعْنى فِي أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَنَّهُ مِمَّا يؤول إِلَى التمول فَهُنَا عِنْدهم أولى لِأَنَّهَا عِنْدهم مَال فِي الْحَال يجب ردهَا من غاصبها عَلَيْهِم انْتهى كَلَامه وَهُوَ مُتَوَجّه

وَقد عرف مِمَّا تقدم أَنه لَو فسره بِحَبَّة حِنْطَة وَنَحْوهَا لم يقبل لعدم تمول ذَلِك على انْفِرَاده عَادَة قطع بِهِ غير وَاحِد وَذكر فِي الرِّعَايَة وَجْهَيْن قَوْله وَإِن فسره بكلب يُبَاح نَفعه أَو حد قذف فَوَجْهَانِ وَجه الْقبُول فِي تَفْسِيره بكلب لِأَنَّهُ شَيْء يجب رده فيتناوله الْإِيجَاب وَوجه عدم الْقبُول أَو الْإِقْرَار إِخْبَار عَمَّا يجب ضَمَانه وَالْكَلب لَا يجب ضَمَانه وَلم يفرق فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره بَين مَا يجوز اقتناؤه ومالا يجوز ومرادهم مَا يجوز كَمَا صرح بِهِ جمَاعَة وَجَاء فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى فَجعله طَريقَة وقدمها وَلَيْسَ كَذَلِك وَأما حد الْقَذْف فَيَنْبَغِي أَن يكون الْخلاف فِيهِ مَبْنِيا على الْخلاف فِي كَونه حَقًا لله تَعَالَى أَو لآدَمِيّ فَإِن قُلْنَا هُوَ حق لآدَمِيّ قبل وَإِلَّا فَلَا وَقطع بَعضهم بِالْقبُولِ وَوَجهه بِأَنَّهُ حق عَلَيْهِ فِي ذمَّته فالايجاب يتَنَاوَلهُ وَوجه بَعضهم عدم الْقبُول بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَال وَوَجهه فِي الْمُغنِي مَعَ أَنه صحّح الأول بِأَنَّهُ لَا يؤول إِلَى مَال وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله وَإِن مَاتَ قبل أَن يُفَسر أَخذ وَارثه بِمثل ذَلِك إِن ترك تَركه وَقُلْنَا لَا يقبل تَفْسِيره بِحَدّ الْقَذْف وَإِلَّا فَلَا وَجه ذَلِك لِأَنَّهُ حق على مُورثهم تعلق بِتركَتِهِ فَلَزِمَ الْقيام مقَامه كَمَا لَو كَانَ الْحق معينا وَلَا فرق وَلِأَن الْقَرِيب لَا يلْزمه وَفَاء دين قَرِيبه الْحَيّ فَكَذَلِك الْمَيِّت إِذا لم يخلف تَرِكَة وَأما قَوْله وَقُلْنَا لَا يقبل تَفْسِيره بِحَدّ قذف كَانَ يَنْبَغِي أَن يزِيد وَنَحْوه لِأَن الحكم عَام فِيمَا لَيْسَ بِمَال لعدم تحقق حق عَليّ الْمَوْرُوث يتَعَلَّق بِعَين التَّرِكَة فَلَا يلْزم الْوَارِث شئ قَوْله وَعنهُ إِن صدق الْوَارِث مُوَرِثه فِي إِقْرَاره أَخذ بِهِ وَإِلَّا فَلَا

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قد يصدقهُ فِي أصل الْإِقْرَار وينكر الْعلم وَقد تقدم فِي الْفَصْل الطَّوِيل تَعْلِيل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لهَذِهِ الرِّوَايَة لإن الْوَارِث قد لَا يعلم مَا وَجب على الْمَيِّت وعللها ابْن عبد الْقوي بِأَن الْمقر لَهُ لم يدع عَلَيْهِم وَلَا يخفى ضعف ذَلِك قَوْله وَعِنْدِي إِن أبي الْوَارِث أَن يُفَسر وَقَالَ لَا علم لي بذلك حلف وَلَزِمَه من التَّرِكَة مَا يَقع عَلَيْهِ الِاسْم كَمَا فِي الْوَصِيَّة لفُلَان بِشَيْء لِأَن مَا قَالَه مُحْتَمل فَقيل قَوْله مَعَ الْيَمين وَهَذَا يَنْبَغِي أَن يكون على الْمَذْهَب لَا قولا ثَالِثا لِأَنَّهُ يبعد جدا على الْمَذْهَب إِذا ادّعى عدم الْعلم وَحلف أَن لَا يقبل قَوْله وَلَو كَانَ صَاحب الْمُحَرر قَالَ فعلى الْمَذْهَب أَو فعلى الأول وَذكر مَا ذكره إِلَى آخِره كَانَ أولى وَلَو ادّعى الْمَوْرُوث عدم الْعلم وَحلف فَلم أَجدهَا فِي كَلَام الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى إِلَّا مَا ذكره الشَّيْخ شمس الدّين فِي شَرحه بعد أَن ذكر قَول صَاحب الْمُحَرر وَيحْتَمل أَن يكون الْمقر كَذَلِك إِذا حلف أَنه لَا يعلم كالوارث وَهَذَا الَّذِي قَالَه مُتَعَيّن لَيْسَ فِي كَلَام الْأَصْحَاب مَا يُخَالِفهُ قَوْله وَإِذا قَالَ غصبت مِنْهُ شَيْئا ثمَّ فسره بِنَفسِهِ لم يقبل وَإِن فسره بِخَمْر أَو كلب أَو جلد ميتَة قبل أما الْمَسْأَلَة الأولى فلاقتضاء لَفظه الْمُغَايرَة لاقْتِضَائه مَغْصُوبًا ومغصوبا مِنْهُ وَأَحَدهمَا غير دَاخل فِي الآخر وَلِأَن الْغَصْب لَا يثبت عَلَيْهِ وَأما الثَّانِيَة فَلِأَن مَا قَالَه مُحْتَمل لِأَنَّهُ قد يرى بِالْغَصْبِ قهر صَاحب الْيَد على مَا بِيَدِهِ فَيَأْخذهُ وَإِن لم يكن مَالا فَيقبل تَفْسِيره بذلك وَذكر فِي الْكَافِي أَنه يلْزمه حق يُؤْخَذ بتفسيره كَمَا تقدم فِي قَوْله لَهُ عَليّ شَيْء

وَذكر فِي المغنى أَنه إِن فسره بِمَا ينْتَفع بِهِ نفعا مُبَاحا قبل لاشتمال الْغَصْب عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا فَهَذِهِ ثَلَاثَة أوجه قَوْله وَإِن فسره بولده فَوَجْهَانِ أَحدهمَا لَا يقبل قطع بِهِ غير وَاحِد وَالثَّانِي يقبل ووجهما مَا تقدم قَوْله وَإِن قَالَ غصبتك ثمَّ فسره أَنِّي حبستك وسجنتك قبل لصدقه عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا وَيجب تَفْسِيره وَذكر فِي الْكَافِي أَنه لَا يلْزمه شَيْء قد يغصبه نَفسه فَلَا يتَوَجَّه عَلَيْهِ مُطَالبَة بِالِاحْتِمَالِ قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ مَال عَظِيم أَو خطير أَو جليل فَهُوَ كَقَوْلِه مَال يقبل تَفْسِيره بِأَقَلّ مُتَمَوّل وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي وَبَعض الْمَالِكِيَّة لِأَنَّهُ لَا حد لذَلِك فِي شرع وَلَا لُغَة وَلَا عرف وَالنَّاس يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِك لِأَنَّهُ مَا من مَال إِلَّا وَهُوَ عَظِيم بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا دونه وَيحْتَمل أَنه إِن أَرَادَ عظمه عِنْده لقله مَاله أَو خسة نَفسه قبل تَفْسِيره بِالْقَلِيلِ وَإِلَّا فَلَا وَهَذَا وَالله أعلم معنى قَول ابْن عبد الْقوي وَلَو قيل يعْتَبر بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ فِي نَفسه لم يبعد قَالَ فِي الرِّعَايَة وَيحْتَمل أَن يلْزمه ذكر وَجه الْعظم أَو يزِيد على أقل مَا يتمول شَيْئا لتظهر فَائِدَته وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يتَوَجَّه أَن يرجع فِي هَذَا إِلَى الْعرف فِي حق الْقَائِل فَإِنَّهُ هَذَا يخْتَلف باخْتلَاف الْقَائِلين وَكَذَلِكَ فِي الْأَيْمَان وَالنُّذُور وَلَيْسَ لهَذَا اللَّفْظ حد فِي اللُّغَة وَلَا فِي الشَّرْع فَيرجع فِيهِ إِلَى الْعرف فَإِذا مَا يجوز أَن يُسمى

عَظِيما فِي عرفه قبل مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا وَمَعْلُوم أَن الْمَالِك وَنَحْوه لَو قَالَ لَهُ عِنْدِي مَال عَظِيم لَعَلَّه سقط من لَفظه أَو كثير وأحضر مِائَتي دِرْهَم كَانَ خلاف عرفه انْتهى كَلَامه وَلم يوجز عَن أبي حنيفَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة نَص وَقَالَ صَاحِبَاه يلْزمه مِائَتَا دِرْهَم وَمن أَصْحَابه من قَالَ إِن قَوْله كَقَوْلِنَا وَمِنْهُم من قَالَ عَلَيْهِ عشرَة دَرَاهِم وَمِنْهُم من قَالَ يعْتَبر فِيهِ حَال الْمقر وَمَا يستعظمه مثله فِي الْعَادة وَقَالَ بعض الْمَالِكِيَّة يلْزمه مِقْدَار الدِّيَة وَمِنْهُم من قَالَ مَا يستباح بِهِ الْبضْع أَو الْقطع وَوَافَقَ الْحَنَفِيَّة الْأَصْحَاب فِي المَال الْمُطلق وَأَن قَوْله لَهُ عَليّ مَال كَقَوْلِه لَهُ عَليّ شَيْء حَكَاهُ القَاضِي وَغَيره عَنْهُم وَحكى بَعضهم عَنْهُم التَّسْوِيَة كَمَا هُوَ قَول الْمَالِكِيَّة وَكَذَا حكى القَاضِي عَن الْمَالِكِيَّة التَّسْلِيم فِيمَا إِذا قَالَ مَعْلُوم أَو صَالح أَو نَافِع أَو مَوْزُون قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَسلم أَصْحَابنَا أَنه لَو قَالَ مَال جيد أَنه يعد معنى زَائِدا على مُسَمّى المَال قَالَ القَاضِي لِأَن الْجَوْدَة تدل على مِقْدَار وَلِهَذَا تسْتَعْمل فِي عقد السّلم ليصير الْمُسلم فِيهِ مَعْلُوما انْتهى كَلَامه وَفِي هَذَا التَّسْلِيم نظر وَالْأولَى التَّسْوِيَة وَالله أعلم قَوْله وَكَذَا قَوْله دَرَاهِم أَو دَرَاهِم كَثِيرَة يقبل تَفْسِيرهَا بِثَلَاثَة وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِي فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا وَاخْتلف الْمَالِكِيَّة فَمنهمْ من قَالَ يلْزمه مِائَتَان وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَمِنْهُم من قَالَ تِسْعَة وَمِنْهُم من قَالَ مَا زَاد على ثَلَاثَة وَهُوَ احْتِمَال فِي الرِّعَايَة فَإِنَّهُ مَال وَيحْتَمل أَن الْكَثِيرَة أَكثر فيفسر الزِّيَادَة وَقَالَ أَبُو حنيفَة لَا يصدق فِي أقل من عشرَة وَكَذَلِكَ لَو قَالَ لفُلَان عَليّ أَكثر مَا يَقع عَلَيْهِ اسْم الدِّرْهَم قَالَ القَاضِي وَنحن لَا نسلم هَذَا بل نقُول يقبل تَفْسِيره فِيمَا زَاد على أقل

الْجمع وَإِن قل فَلَو فسره بِثَلَاثَة دَرَاهِم ودانق قبل مِنْهُ وَهَذَا الْخلاف كُله فِي دَرَاهِم كَثِيرَة فَأَما إِن قَالَ لَهُ عَليّ دَرَاهِم لزمَه ثَلَاثَة لِأَنَّهَا أقل الْجمع قَالَ ابْن عبد القوى وَقَوله وأفرة وعظيمة وَنَحْوهَا ككثيرة فِي الحكم قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على كَذَا درهما لزمَه دِرْهَم لِأَن الدِّرْهَم يَقع مُمَيّزا لما قبله والمميز يقبل وكما لَو قَالَ كَذَا وَفَسرهُ بدرهم وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه عشرُون لِأَنَّهُ أقل كلمة مُفْردَة مُمَيزَة تَمْيِيز مُفْرد مَنْصُوب وَهَذَا مُتَوَجّه وَهَذَا أقرب إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَوْله أَو كَذَا كَذَا درهما لزمَه دِرْهَم كَأَنَّهُ قَالَ شَيْء شَيْء ودرهما تَمْيِيز لبَيَان الشَّيْء الْمُبْهم قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره تكراره يَقْتَضِي التَّأْكِيد فَإِذا فسره بدرهم فقد فسره بِمَا يحْتَملهُ فَيقبل وَكَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي هُنَا وَفِي الَّتِي قبلهَا وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه أحد عشر لِأَن ذَلِك أقل مُمَيّز مَنْصُوب مُفْرد كمميز متكرر بِغَيْر عطف وَهَذَا مُتَوَجّه وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن أقرب إِن شَاءَ الله تَعَالَى قَالَ فَإِن أَصْحَابنَا بنوه على أَن كَذَا كَذَا تَأْكِيدًا وَهُوَ خلاف الظَّاهِر الْمَعْرُوف وَأَن الدَّرَاهِم مثل التَّرْجَمَة لَهما وَهَذَا يَقْتَضِي الرّفْع لَا النصب ثمَّ هُوَ خلاف لُغَة الْعَرَب قَوْله أَو فيهمَا دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم لِأَن تَقْدِيره مَعَ عدم التكرير شَيْء هُوَ دِرْهَم فِي لَهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي ذَلِك لَهُ ذَلِك دِرْهَم وَفِي التكرير كَأَنَّهُ قَالَ لَهُ على شَيْء شَيْء دِرْهَم خبر أَي هُوَ دِرْهَم قَوْله وَإِذا قَالَ كَذَا وَكَذَا درهما أَو دِرْهَم بِالرَّفْع لزمَه دِرْهَم عِنْد ابْن حَامِد ودرهمان عِنْد التَّمِيمِي

وَجه الأول مَا تقدم كَأَنَّهُ قَالَ كَذَا دِرْهَم لِأَن كَذَا يحْتَمل بعض الدِّرْهَم فَإِذا عطف عَلَيْهِ مثله ثمَّ فسرهما بدرهم وَاحِد جَازَ وَكَانَ كلَاما صَحِيحا وَوجه الثَّانِي أَن التَّفْسِير يعود إِلَى كل وَاحِد من المعطوفين بمفرده لدلَالَة الْعَطف على التغاير قَوْله وَقيل دِرْهَم وَبَعض آخر أعَاد التَّفْسِير إِلَى الثَّانِي وَالْأول مُبْهَم فَيرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ قَوْله وَقيل دِرْهَم مَعَ الرّفْع ودرهمان مَعَ النصب لما تقدم وَلِأَنَّهُ إِذا نصب فَهُوَ تَمْيِيز لكل وَاحِد فَيلْزم التَّعَدُّد وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَأَبُو الْخطاب والشريف وَغَيرهم قَول ابْن حَامِد وَقَالَ أَبُو حنيفَة فِي كَذَا وَكَذَا درهما يلْزمه أحد وَعِشْرُونَ لما تقدم وَهُوَ مُتَوَجّه وَكَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يَقْتَضِي أَنه اخْتِيَاره وَعَن الشَّافِعِي كَقَوْل ابْن حَامِد والتميمي مَعَ النصب قَوْله وَإِن قَالَ ذَلِك كُله بالخفض قبل تَفْسِيره بِدُونِ الدِّرْهَم وَكَذَا قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَغَيره تَقْدِيره بعض دِرْهَم لاحْتِمَال لَفظه ذَلِك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي وَقَالَ القَاضِي فِي الْمُجَرّد يلْزمه دِرْهَم نَقله بَعضهم فِي كَذَا كَذَا دِرْهَم وَلَا يحضرني لَهُ وَجه وَقيل يلْزمه دِرْهَم وَبَعض آخر مَعَ التّكْرَار بِالْوَاو وَقَالَ أَبُو حنيفَة يلْزمه دِرْهَم لِأَنَّهَا أقل عدد الْمُفَسّر بِوَاحِد مخفوض وَإِن شِئْت قلت لِأَنَّهَا أقل عدد يُضَاف إِلَى الْوَاحِد وَهَذَا مُتَوَجّه وَهُوَ مُقْتَضى مَا اخْتَارَهُ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْمسَائِل قبلهَا وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين ابْن عبد الْقوي أَن هَذَا القَوْل وَقَول أبي حنيفَة فِي الْمسَائِل قبلهَا ذكر ابْن جنى ذَلِك كُله فِي بعض كتبه النحوية وَابْن معطى فِي فصوله وَغَيرهمَا وَهُوَ مَذْهَب جمَاعَة من الْفُقَهَاء مِنْهُم مُحَمَّد بن الْحسن قَالَ وَهُوَ الأقيس ردا لما أشكل

فرع

قَوْله وَهَذَا كُله عِنْدِي إِذا كَانَ يعرف الْعَرَبيَّة فَإِن لم يعرفهَا لزمَه بذلك دِرْهَم فِي الْجَمِيع وَجه قَول الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى مَا تقدم تَسْوِيَة بَين الْجَمِيع وَصَاحب الْمُحَرر يوافقهم فِي الْعَالم بِالْعَرَبِيَّةِ وَيلْزم الْجَاهِل بهَا دِرْهَم فِي الْجَمِيع لِأَنَّهُ لَا فرق عِنْده فِي ذَلِك وَيَقْتَضِي عرفه ولغته دِرْهَم فَلَزِمَهُ وَمَا زَاد عَلَيْهِ مَشْكُوك فِيهِ أَو يُقَال الأَصْل وَالظَّاهِر عَدمه فَلم يلْزمه وَإِذا كَانَ لَا بُد لصَاحب الْمُحَرر من مُخَالفَة الْأَصْحَاب فِي ذَلِك فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يمشي على مُقْتَضى الْعَرَبيَّة كَمَا تقدم لَا كَمَا ذ كره الْأَصْحَاب وَلَعَلَّ هَذَا مُتَوَجّه وَلَعَلَّ الْعَاميّ يلْزمه دِرْهَم فِي الْجَمِيع والعربي يلْزمه مُقْتَضى لِسَانه كَمَا تقدم فَصَارَ هَذَا قولا آخر فرع وَإِن قَالَ لَهُ عِنْدِي كَذَا دِرْهَم بِالْوَقْفِ قبل تَفْسِيره بِبَعْض دِرْهَم فِي اخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لجَوَاز إِسْقَاط حَرَكَة الْخَفْض للْوَقْف فَلَا يلْزمه زِيَادَة مَعَ الشَّك وَقَالَ القَاضِي يلْزمه دِرْهَم وَيتَوَجَّهُ مُوَافقَة الأول فِي الْعَالم بِالْعَرَبِيَّةِ وموافقة الثَّانِي فِي الْجَاهِل بهَا قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ ألف رَجَعَ فِي تَفْسِير جنسه إِلَيْهِ فَإِن فسره بِجِنْس أَو أَجنَاس قبل مِنْهُ لِأَن ذَلِك مُحْتَمل من غير مُخَالفَة لظَاهِر فَقبل قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على ألف وَدِرْهَم أَو ألف ودينار أَو ألف وثوب أَو لَهُ دِينَار وَألف أَو ألف وَخَمْسُونَ درهما أَو ألف وَخَمْسمِائة دِينَار فالألف من جنس مَا ذكر مَعَه نَصره القَاضِي وَأَصْحَابه فِي كتب الْخلاف

وَنَصره فِي الْمُغنِي وَقطع بِهِ ابْن هُبَيْرَة عَن أَحْمد فِي الْعَطف لِأَن الْعَرَب تكتفي بتفسير أحد الشَّيْئَيْنِ عَن الآخر قَالَ الله تَعَالَى وَلَبِثُوا فِي كهفهم ثَلَاث مائَة سِنِين وازدادو تسعا وَقَالَ تَعَالَى (1750) 18 25 {عَن الْيَمين وَعَن الشمَال قعيد} قَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره لِأَن حرف الْعَطف يَقْتَضِي التَّسَاوِي بَين الشَّيْئَيْنِ كَمَا تَقْتَضِي الْبَيِّنَة ذَلِك فِي ظَاهر الْكَلَام فَوَجَبَ حمله عَلَيْهِ وَلِأَن الْمُفَسّر يُفَسر جَمِيع مَا قبله كَقَوْلِه تَعَالَى {تسع وَتسْعُونَ نعجة} وَقَالَ {أحد عشر كوكبا} مَعَ مُفَسّر لم يقم دَلِيل على أَنه من غير جنسه فَكَانَ الْمُبْهم جنس الْمُفَسّر قَالَ الْأَصْحَاب كَمَا لَو قَالَ مائَة وَخَمْسُونَ درهما وَلَعَلَّ مُرَادهم الْحجَّة على قَول التَّمِيمِي لِأَن هَذَا الأَصْل مُتَّفق عَلَيْهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي المغنى فَإِن قَالَ لَهُ على تِسْعَة وَتسْعُونَ درهما فالجميع دَرَاهِم لَا أعلم فِيهِ خلافًا وَإِن قَالَ مائَة وَخَمْسُونَ درهما فَكَذَلِك وَخرج بعض أَصْحَابنَا وَجها أَنه لَا يكون تَفْسِيرا إِلَّا لما يَلِيهِ وَهُوَ قَول بعض الشَّافِعِيَّة وَكَذَلِكَ إِن قَالَ ألف وَثَلَاثَة دَرَاهِم أَو خَمْسُونَ وَألف دِرْهَم أَو ألف وَمِائَة دِرْهَم أَو مائَة وَألف دِرْهَم وَالصَّحِيح مَا ذكرنَا انْتهى كَلَامه وَذكر فِي الْكَافِي هَذَا الأَصْل مَعَ حكايته احْتِمَالا فِي ألف وَخمسين درهما أَو ألف وَثَلَاثَة دَرَاهِم وَمرَاده وَالله أعلم مَا تقدم وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكر كَلَامه فِي الْكَافِي كَأَنَّهُ فرق بَين الْعدَد الَّذِي يَلِي الْمَعْطُوف عَلَيْهِ وَبَين الَّذِي لَا يَلِيهِ قَوْله وَقيل يرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ لِأَن الْعَطف لَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَين المعطوفين فِي الْجِنْس بِدَلِيل جَوَاز قَوْله رَأَيْت رجلا وَحِمَارًا وَلِأَن الْألف مُبْهَم فَرجع فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ كَمَا لَو لم يكن عطف صَححهُ فِي الْمُسْتَوْعب

فصل

قَوْله وَقَالَ التَّمِيمِي يرجع إِلَى تَفْسِيره مَعَ الْعَطف دون التَّمْيِيز وَالْإِضَافَة لما تقدم وَالْفرق مَا ذكره أَبُو الْخطاب وَغير وَاحِد أَن الدِّرْهَم هُنَا ذكر تَفْسِيرا وَلِهَذَا لَا تجب بِهِ زِيَادَة على الْألف وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِن عطف عَلَيْهِ مَا يثبت فِي الذِّمَّة كَانَ من جنسه وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ كَقَوْل التَّمِيمِي فِي الْمَعْطُوف وَأما فِي الْمُمَيز والمضاف فالاصطخرى وَابْن خيران كالوجه الثَّانِي وَخَالَفَهُمَا غَيرهمَا قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِخِلَاف قَوْله ألف وكر حِنْطَة فَإِن القَاضِي كَأَنَّهُ نفي الْخلاف فِيهِ عَن جَمِيعهم فالتميمي قد يَقُول هُنَا وَقَالَ أَيْضا قد يتَوَجَّه أَن الْمقر إِذا مَاتَ وَلم يظْهر شَيْئا جعل الْجَمِيع جِنْسا وَاحِدًا وَإِن ادّعى أَن الْألف من غير جنس مَا مَعَه قبل مِنْهُ مَعَ يَمِينه لِأَنَّهُ إِذا لم يدع خلاف ذَلِك فَالظَّاهِر أَنه لم يفْتَقر إِلَيْهِمَا إِلَّا وهما جنس وَاحِد بِخِلَاف مَا إِذا فسره بعد ذَلِك انْتهى كَلَامه وَهُوَ خلاف كَلَام الْأَصْحَاب فصل قَالَ فِي الْمُغنِي وَغَيره فَأَما إِن كَانَ لم يفسره بِهِ مثل أَن يعْطف عدد الْمُذكر على عدد الْمُؤَنَّث أَو بِالْعَكْسِ وَنَحْو ذَلِك وَلَا يكون أَحدهمَا من جنس الآخر وَيبقى الْمُبْهم على إبهامه كَمَا لَو قَالَ على أَرْبَعَة دَرَاهِم وَعشر فصل قَالَ فِي المغنى فعلى قَول من لَا يَجْعَل الْمُجْمل من جنس الْمُفَسّر لَو قَالَ بِعْتُك هَذَا بِمِائَة وَخمسين درهما أَو خَمْسَة وَعشْرين درهما لَا يَصح وَهُوَ قَول شَاذ ضَعِيف لَا يعول عَلَيْهِ انْتهى كَلَامه وَهُوَ يُؤَيّد مَا تقدم

فصل

فصل وَإِن قَالَ لَهُ على ألف إِلَّا درهما أَو ألف دِرْهَم سوى مائَة فالجميع دَرَاهِم بِنَاء على تلازم الْمُسْتَثْنى والمستثنى مِنْهُ فَمَا ثَبت فِي أَحدهمَا ثَبت فِي الآخر وَمَتى علم أحد الطَّرفَيْنِ علم أَن الآخر من جنسه كَمَا لَو علم الْمُسْتَثْنى مِنْهُ قَالَ فِي المغنى وَقد سلموه وَقَالَ التَّمِيمِي وَأَبُو الْخطاب يرجع فِي تَفْسِير الْألف إِلَيْهِ وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَن الْألف مُبْهَم وَالدِّرْهَم لم يذكر تَفْسِيرا لَهُ وَلِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه أَرَادَ الِاسْتِثْنَاء من غير الْجِنْس وَكَلَام بَعضهم يَقْتَضِي أَن الْخلاف عندنَا أَنه هَل يرجع إِلَيْهِ فِي تَفْسِير الْمُطلق سَوَاء كَانَ مُسْتَثْنى أَو مُسْتَثْنى مِنْهُ وَالتَّعْلِيل يَقْتَضِيهِ فعلى هَذَا القَوْل إِن فسره بِغَيْر الْجِنْس بَطل الِاسْتِثْنَاء على الرَّاجِح عندنَا وعَلى قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا يبطل وَقد تقدم ذَلِك وَلَعَلَّ صاحبالمحرر اختصر ذكر هَذِه الْمَسْأَلَة لِأَنَّهَا تعرف من مَسْأَلَة الِاسْتِثْنَاء قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ فِي هَذَا العَبْد شرك أَو هُوَ شَرِيكي فِيهِ أَو هُوَ شركَة بَيْننَا رَجَعَ فِي تَفْسِير سهم الشَّرِيك إِلَيْهِ وَقد يكون بَينهمَا سَوَاء نَقله ابْن عبد الْقوي وَعَزاهُ إِلَى الرِّعَايَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف لِأَن الشّركَة تَقْتَضِي التَّسْوِيَة البيع وبدليل الْوَصِيَّة وَالْوَقْف وَالْمُضَاربَة وبدليل قَوْله تَعَالَى 4 12 {فهم شُرَكَاء فِي الثُّلُث} وَلنَا أَن أَي جُزْء كَانَ لَهُ مِنْهُ فَلهُ فِيهِ شركَة فَقبل تَفْسِيره بِمَا شَاءَ كالمساوى وَلَيْسَ إِطْلَاق لفظ الشّركَة على مَا دون النّصْف مجَازًا وَلَا مُخَالفَة للظَّاهِر وَأما مَسْأَلَة البيع فلنا وَجه بِعَدَمِ الصِّحَّة للْجَهَالَة وَالْمذهب الصِّحَّة حملا

لكَلَام الْمُكَلف على الصِّحَّة لِأَن معرفَة قدر الْمَبِيع شَرط بِخِلَاف الْإِقْرَار فانه يَصح بِالْمَجْهُولِ وَأما الْمُضَاربَة وَنَحْوهَا فَالْفرق أَنه جعل المَال لَهما فِيهَا على حد وَاحِد وَلَا مزية لأَحَدهمَا على الآخر فتساويا فِيهِ بِخِلَاف الْإِقْرَار وَبِهَذَا يُجَاب عَن الْآيَة أَو نقُول استفيدت التَّسْوِيَة فِيهَا من دَلِيل آخر وأحسب أَن هَذَا قَوْلنَا وَقَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ فِيهِ سهم فَكَذَلِك وَقَالَ القَاضِي يحمل على السُّدس كَالْوَصِيَّةِ وَجه الأول مَا تقدم وَلِأَنَّهُ الْعرف الْمُعْتَاد فَحمل الْإِطْلَاق عَلَيْهِ وَوجه الثَّانِي أَن السهْم عرف شَرْعِي بِدَلِيل الْوَصِيَّة بِهِ فَحمل الْإِطْلَاق عَلَيْهِ كَمَا نقُول فِي نذر رَقَبَة مُطلقَة تحمل على الرَّقَبَة الشَّرْعِيَّة وَغير ذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يُؤْخَذ من هَذَا أَنه إِذا تعَارض فِي الْإِقْرَار حَقِيقَة عرفية وَحَقِيقَة شَرْعِيَّة فَأَيّهمَا يقدم فِيهِ وَجْهَان قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ عَليّ أَكثر من مَال فلَان وَفَسرهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ قدرا أَو بِدُونِهِ وَقَالَ أردْت كَثْرَة نَفعه وَنَحْوه قبل مَعَ يَمِينه لِأَن ذَلِك مُحْتَمل وَيمْنَع أَن الظَّاهِر بِخِلَاف ذَلِك هَذَا قَول أَصْحَابنَا وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ فِي الْكَافِي وَالْأولَى أَنه يلْزمه أَكثر مِنْهُ قدرا لِأَنَّهُ ظَاهر اللَّفْظ السَّابِق إِلَى الْفَهم فَلَزِمَهُ كَمَا لَو أقرّ بِدَرَاهِم لَزِمته ثَلَاثَة وَلم يقبل تَفْسِيره بِدُونِهَا مَعَ احْتِمَاله

وَاخْتَارَ فِي الْمُغنِي أَنه إِن فسره بِدُونِهِ مَعَ علمه بِمَالِه لَا يقبل وَإِلَّا قبل وَلَو قَالَ مَا علمت لفُلَان أَكثر من كَذَا وَقَامَت الْبَيِّنَة بِأَكْثَرَ مِنْهُ لم يلْزمه أَكثر مِمَّا اعْترف بِهِ لِأَن مبلغ المَال حَقِيقَة لَا يعرف فِي الْأَكْثَر انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِن قَالَ لمن ادّعى عَلَيْهِ مبلغا لفُلَان على أَكثر مِمَّا لَك عَليّ وَقَالَ أردْت الِاسْتِهْزَاء فَقيل يقبل وَقيل لَا يقبل وَيلْزم بتفسير حَقّهمَا وَجه الأول احْتِمَال إِرَادَة حَقك عَليّ أَكثر من حَقه وَالْحق لَا يخْتَص المَال وَوجه الثَّانِي أَن ظَاهر اللَّفْظ يدل على إِقْرَاره لَهما بِشَيْء من المَال وَأَحَدهمَا أَكثر فَيلْزم بتفسيره لجهالته وَهَذَا الرَّاجِح عِنْد جمَاعَة وَهُوَ أولي فَلَو ادّعى عَلَيْهِ مبلغا فَقَالَ لَك على أَكثر من ذَلِك لم يلْزمه أَكثر مِنْهُ وَرجع إِلَى تَفْسِيره عِنْد القَاضِي لما تقدم ولاحتمال أَنه أَرَادَ أَكثر مِنْهُ فُلُوسًا أَو حب حِنْطَة وأفعل التَّفْضِيل إِذا اسْتعْمل بِمن فَإِنَّهُ يتَّصل بِجِنْسِهِ وَغير جنسه كزيد أَشْجَع من إخْوَته وَزيد أَشْجَع من الْأسد بِخِلَاف اسْتِعْمَاله مُضَافا فَإِن حَقه أَن لَا يُضَاف إِلَّا إِلَى مَا هُوَ بعض وَعند الشَّيْخ موفق الدّين لَا يقبل مِنْهُ إِلَّا الْأَكْثَر مِنْهُ قدرا لِأَن لَفظه أَكثر إِنَّمَا تسْتَعْمل حَقِيقَة فِي الْعدَد أَو فِي الْقدر وينصرف إِلَى جنس مَا أضيف إِلَيْهِ أَكثر قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة لزمَه ثَمَانِيَة لِأَن ذَلِك هُوَ مَا بَينهمَا وَكَذَا إِن عرفهما بِالْألف وَاللَّام قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ عَليّ مَا بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة لزمَه تِسْعَة وَقيل عشرَة وَقيل ثَمَانِيَة

أما الْمَسْأَلَة الأولى فَوجه الْخلاف فِيهَا أَنَّهَا فِي معنى الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة عرفا فتعطى حكمهَا وَالْأولَى أَن يُقَال فِيهَا مَا قطع بِهِ فِي الْكَافِي وَهُوَ ثَمَانِيَة لِأَنَّهُ الْمَفْهُوم من هَذَا اللَّفْظ وَلَيْسَ هُنَا ابْتِدَاء غَايَة وانتهاء الْغَايَة فرع على ثُبُوت ابتدائها فَكَأَنَّهُ قَالَ مَا بَين كَذَا وَبَين كَذَا وَلَو كَانَت إِلَى هُنَا لانْتِهَاء الْغَايَة فَمَا بعْدهَا لَا يدْخل فِيمَا قبلهَا على الْمَذْهَب قَالَ أَبُو الْخطاب وَهُوَ الْأَشْبَه عِنْدِي وَهُوَ قَول زفر وَبَعض الشَّافِعِيَّة وَالَّذِي نَصره القَاضِي وَغَيره أَنه يلْزمه تِسْعَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد ابْن الْحسن يلْزمه عشرَة قَالَ القَاضِي وَغَيره وَالْقَوْلَان جَمِيعًا يَقْتَضِي أَن يَكُونَا مذهبا لنا لِأَنَّهُ قد نَص فِيمَن حلف لَا كلمتك إِلَى الْعِيد هَل يدْخل يَوْم الْعِيد فِي يَمِينه أم يكون بدؤه على رِوَايَتَيْنِ وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَوجه القَوْل الأول فِيهَا وَهُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب وَذكر بَعضهم أَنه الْمَذْهَب أَن من لابتداء الْغَايَة وَهُوَ عدد وَالْعدَد لَا بُد لَهُ من أول يَبْنِي عَلَيْهِ وَإِلَّا لم يَصح وَإِلَى لانْتِهَاء الْغَايَة وَمَا بعْدهَا لَا يدْخل فِيمَا قبلهَا فِي أَكثر الِاسْتِعْمَال وَلَو كَانَ دُخُولا مكتملا فَالْأَصْل عدم الزَّائِد فَلَا يثبت مَعَ الشَّك وَوجه الثَّانِي أَنه أحد الطَّرفَيْنِ فَدخل كالآخر وَلِهَذَا يُقَال قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن قِيَاس هَذَا الْوَجْه أحد عشر لِأَنَّهُ وَاحِد وَعشرَة والعطف يَقْتَضِي التغاير وَوجه الثَّالِث أَنَّهُمَا حدان فَلَا يدْخل مَا بَينهمَا كَقَوْلِه مَا بَين دِرْهَم وَعشرَة وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الَّذِي يَنْبَغِي فِي هَذِه الْمسَائِل أَن يجمع مَا بَين الطَّرفَيْنِ من الْأَعْدَاد فَإِذا قَالَ من وَاحِد إِلَى عشرَة لزمَه خَمْسَة وَخَمْسُونَ إِن أدخلنا الطَّرفَيْنِ وَخَمْسَة وَأَرْبَعُونَ إِن أدخلنا الْمُبْتَدَأ فَقَط وَأَرْبَعَة وَأَرْبَعُونَ إِن

فصل

أخرجناهما وَقَوله مَا بَين دِرْهَم إِلَى عشرَة لَيْسَ بعرفي انْتهى كَلَامه هَذَا الْمَعْنى ذكره الْأَصْحَاب فِي إِن طلقت وَاحِدَة مِنْكُن فعبد من عَبِيدِي حر بِصِيغَة إِن وَكَذَا بِصِيغَة كلما فِي وَجه وَالْمَسْأَلَة مَشْهُورَة وَأما هُنَا فَيلْزمهُ ذَلِك مَعَ إِرَادَته وَطَرِيق حسابه أَن تزيد أول الْعدَد وَهُوَ أحد على عشرَة فَيصير أحد عشرَة ثمَّ أضربهما فِي نصف الْعشْرَة فَمَا بلغ فَهُوَ الْجَواب فصل لَو قَالَ لَهُ مَا بَين هَذَا الْحَائِط إِلَى هَذَا الْحَائِط فكلامهم يَقْتَضِي أَنَّهَا على الْخلاف فِي الَّتِي قبلهَا وَذكر القَاضِي أَن الحائطين لَا يدخلَانِ فِي الاقرار وَجعله مَحل وفَاق فِي حجَّة زفر وَفرق بِأَن الْعدَد لَا بُد لَهُ من ابْتِدَاء يبْنى عَلَيْهِ وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام القَاضِي وَلم يزدْ قَوْله فَإِن قَالَ مَا بَين عشرَة إِلَى عشْرين أَو من عشرَة إِلَى عشْرين لزمَه تِسْعَة عشر على الأول وَعِشْرُونَ على الثَّانِي وَقِيَاس الثَّالِث تِسْعَة هَذَا تَقْرِير وَاضح على الْأَوْجه الثَّلَاثَة وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن قِيَاس الثَّانِي ثَلَاثُونَ وَهَذَا مِنْهُ بِنَاء على أَنه يلْزمه فِي الَّتِي قبلهَا أحد عشر فصل فَإِن قَالَ لَهُ على مَا بَين كرّ شعير إِلَى كرّ حِنْطَة لزمَه كرّ شعير وكر حِنْطَة إِلَّا قفيز حِنْطَة على قِيَاس الْمَسْأَلَة قبلهَا ذكره القَاضِي وَأَصْحَابه وَكَذَا صَاحب الْمُسْتَوْعب قَالَ فان قُلْنَا يلْزمه تِسْعَة فَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَالَ أَبُو يُوسُف

وَمُحَمّد يلْزمه كرّ شعير وكر حِنْطَة وَقدمه فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هُوَ قِيَاس الثَّانِي فِي الأول وَكَذَلِكَ هُوَ عِنْد القَاضِي ثمَّ قَالَ هَذَا اللَّفْظ لَيْسَ بمعهود فَإِن قَالَ لَهُ عَليّ مَا بَين كرّ حِنْطَة وكر شعير فَالْوَاجِب تفَاوت مَا بَين قيمتهمَا وَهُوَ قِيَاس الْوَجْه الثَّالِث اخْتِيَار أبي مُحَمَّد انْتهى كَلَامه قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ على دِرْهَم فَوق دِرْهَم أَو تَحت دِرْهَم أَو مَعَ دِرْهَم أَو فَوْقه أَو تَحْتَهُ دِرْهَم أَو مَعَ دِرْهَم قطع بِهِ غير وَاحِد لِأَن اللَّفْظ فِي هَذِه الصُّورَة يجْرِي مجْرى الْعَطف لاقْتِضَائه ضم دِرْهَم آخر إِلَى الْمقر بِهِ فلزماه كالعطف والسياق وَاحِد وَهُوَ فِي الْإِقْرَار فَلَا يقبل احْتِمَال يُخَالِفهُ لِأَنَّهُ خلاف الظَّاهِر وَقيل يلْزمه دِرْهَم وَهُوَ قَول القَاضِي لاحْتِمَال إِرَادَته فَوق دِرْهَم فِي الْجَوْدَة وَكَذَا فِي بَاقِي الصُّور فَلَا يجب الزَّائِد مَعَ الشَّك فِي دُخُوله فِي إِقْرَاره وَللشَّافِعِيّ كالوجهين وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه إِذا قَالَ فَوق دِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ وَإِن قَالَ تَحت دِرْهَم لزمَه دِرْهَم لِأَن فَوق تَقْتَضِي الزِّيَادَة بِخِلَاف تَحت قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِنَاء على أَصله فِي الظروف أَو لِأَن الفوق الزِّيَادَة بِخِلَاف تَحت ثمَّ قَالَ هَذَا فِي الظَّاهِر قِيَاس مَسْأَلَة الظروف لَكِن فرق القَاضِي أَن الْمقر بِهِ معِين وَهنا ادَّعَاهُ أَنه مُطلق وَقطع فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه يلْزمه فِي مَعَ دِرْهَمَانِ وَحكى الْوَجْهَيْنِ فِي فَوق وَتَحْت وَفِيه نظر قَوْله أَوله دِرْهَم بل دِرْهَم أَو دِرْهَم لَكِن دِرْهَم أَو دِرْهَم فدرهم لزمَه دِرْهَمَانِ

وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح فِي الْمَذْهَب وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَقَول الشَّافِعِي حملا لكَلَام الْمُكَلف على فَائِدَة وَلِأَن الْعَطف يَقْتَضِي الْمُغَايرَة وإضرابه عَن الأول لَا يسْقطهُ فلزماه كدرهم وَدِرْهَم قَوْله وَقيل دِرْهَم قَالَ أَحْمد إِذا قَالَ أَنْت طَالِق لَا بل أَنْت طَالِق لَا تطلق إِلَّا وَاحِدَة وَهَذَا فِي مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ لم يقر بِأَكْثَرَ من دِرْهَم وَالْأَصْل عدم وجوب الزِّيَادَة فَلَا يلْزمه وَذكر القَاضِي أَنه يلْزمه دِرْهَمَانِ ثمَّ ذكر وَجها فِي بل أَنه يلْزمه دِرْهَم قَالَ لِأَنَّهُ للاستدراك وَهَذَا يَقْتَضِي التَّسْوِيَة بَين بل وَلَكِن بِخِلَاف دِرْهَم فدرهم وَهُوَ معنى مَا فِي الْكَافِي وَغَيره لِأَنَّهُ ذكر فِي ألف فألف أَنه يلْزمه أَلفَانِ وَقدم فِي دِرْهَم بل دِرْهَم أَنه يلْزمه دِرْهَم وَسلم الشَّافِعِي فِي طَالِق فطالق أَو طَلْقَة فطلقة أَنه يَقع طَلْقَتَانِ وخرجها ابْن حربان على قَوْلَيْنِ كَالْإِقْرَارِ وَلَو قَالَ دِرْهَم وَدِرْهَم أَو ثمَّ دِرْهَم فدرهمان وَدِرْهَم أَو دِرْهَم لزمَه وَاحِد وَذَلِكَ مَحل وفَاق ذكره القَاضِي وَغَيره فَإِن كرر الدِّرْهَم ثَلَاث مَرَّات مَعَ عطف مُتَّفق أَو بِدُونِ عطف لزمَه ثَلَاثَة وَقيل دِرْهَمَانِ وَقيل مَعَ إِرَادَة التَّأْكِيد وَقيل الْخلاف دون حرف عطف وَمَعَهُ إِن أَرَادَ تَأْكِيدًا صدق وَإِلَّا فَلَا وَمَعَ مُغَايرَة الْعَطف يلْزمه ثَلَاثَة قَوْله وَإِن قَالَ دِرْهَم قبله دِرْهَم أَو بعده دِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ لِأَن قبل وَبعد تسْتَعْمل للتقديم وَالتَّأْخِير فِي الْوُجُوب فَحمل عَلَيْهِ وَلِأَن هَذَا مُقْتَضى الْعرف وَالْعَادَة وَلَا معَارض لَهُ فَلَزِمَهُ وَقد عرف من هَذَا أَنه لَو قَالَ دِرْهَم قبله دِرْهَم أَو بعده دِرْهَم أَنه يلْزمه ثَلَاثَة دَرَاهِم لِأَنَّهُ فرق بَين قبله

دِرْهَم وَبعده دِرْهَم وَبَين قبل دِرْهَم وَبعد دِرْهَم وَذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى فِي دِرْهَم قبل دِرْهَم أَو بعد دِرْهَم احْتِمَالَيْنِ كَذَا ذكرُوا قَالَ ابْن عبد الْقوي إِنَّه لَا يدْرِي مَا الْفرق بَين دِرْهَم قبله دِرْهَم بعده دِرْهَم فِي لُزُومه دِرْهَمَيْنِ وَجها وَاحِدًا وَبَين دِرْهَم فَوق دِرْهَم وَنَحْوه فِي لُزُومه درهما فِي أحد الْوَجْهَيْنِ لِأَن نِسْبَة الزَّمَان وَالْمَكَان إِلَى مظروفيهما نِسْبَة وَاحِدَة انْتهى كَلَامه والمغايرة بَين الْأَجْنَاس كاتحادها ذكره فِي الْمُغنِي وَغَيره قَوْله أَو دِرْهَم بل دِرْهَمَانِ أَو دِرْهَمَانِ بل دِرْهَم لزمَه دِرْهَمَانِ أما الْمَسْأَلَة الأولى فَقطع بِهِ أَكْثَرهم لِأَنَّهُ إِنَّمَا نفى الِاقْتِصَار على وَاحِد وَأثبت الزِّيَادَة عَلَيْهِ فَأشبه دِرْهَم بل أَكثر فَإِنَّهُ لَا يلْزمه أَكثر من اثْنَيْنِ وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَغَيره وَذكر فِي الرِّعَايَة قولا أَنه يجب ثَلَاثَة وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَهُوَ مُقْتَضى دِرْهَم بل دِرْهَم وَهُوَ قَول زفر وَدَاوُد وَفِي كَلَام الْأَصْحَاب إِشَارَة إِلَى الْفرق بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَدِرْهَم بل دِرْهَم أَن هَذَا عطف على وَجه الْخَبَر والاستدراك وَذَاكَ بِخِلَافِهِ فَلْيتَأَمَّل وَأما الْمَسْأَلَة الثَّانِيَة فَلم أجد فِيهَا خلافًا وَوَجهه أَنه أقرّ بِشَيْء وإضرابه عَن بعضه رُجُوع عَن حق الْغَيْر فَلَا يقبل وَفرق فِي الْمُغنِي بَين هَذِه الْمَسْأَلَة وَالِاسْتِثْنَاء أَن الِاسْتِثْنَاء لَا يَنْفِي شَيْئا أقرّ بِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عبارَة عَن الْبَاقِي بعد الِاسْتِثْنَاء فَإِذا قَالَ عشرَة إِلَّا درهما كَانَ مَعْنَاهُ تِسْعَة بِخِلَاف الإضراب وَهَذَا الْفرق إِنَّمَا يتَّجه على قَول تكَرر فِي عِبَارَته وَهُوَ أَن الِاسْتِثْنَاء لَيْسَ بِإِخْرَاج وَأَن الْمُسْتَثْنى مَعَ الْمُسْتَثْنى مِنْهُ كمفرد كَقَوْل بَعضهم فَمَا على قَول فِي كَلَامه وَكَلَام

غَيره وَقد تقدم أَنه إِخْرَاج فَلَا يتَّجه وَلم أجد فرقا فَيخرج على هَذَا أَنه لَا فرق بَين الْإِخْرَاج بإلا أَو بل وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين يحْتَمل أَن يقبل مِنْهُ الاضراب لِأَنَّهُ دَعْوَى عطف يَقع كثيرا فَقبل مِنْهُ كدعوى الْعَطف فِي الْإِقْرَار بِرَأْس المَال فِي الْمُرَابَحَة وبالربح فِي الْمُضَاربَة يَعْنِي على رِوَايَة وَمُقْتَضى كَلَامه قبُول دَعْوَى الْعَطف مُطلقًا كالأصلين وَالْفرق بَين الْأَصْلَيْنِ فِي رِوَايَة وَبَين الْإِقْرَار أَن الْمقر لَيْسَ بأمين للْمقر لَهُ وَلَا دخل مَعَه فِي شَيْء يَقْتَضِي أَنه أَمِين ليقبل قَوْله عَلَيْهِ بِخِلَاف الْأَصْلَيْنِ قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ هَذَا الدِّرْهَم بل هَذَانِ الدرهمان لَزِمته الثَّلَاثَة وَإِن قَالَ قفيز حِنْطَة بل قفيز شعير أَو دِرْهَم بل دِينَار لزماه مَعًا قطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب وَتقدم وَجهه فِي الْمَسْأَلَة قبلهَا وَالْفرق بَين هَذِه وَبَين دِرْهَم بل دِرْهَم أَو دِرْهَمَانِ أَن الأول يحْتَمل أَن يكون هُوَ الثَّانِي أَو بعضه بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا وَتقدم كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ بعد كَلَامه الأول أسقط مَا أقرّ بِهِ وَأثبت أَكثر مِنْهُ بِكَلَام مُنْتَظم فَكَانَ أولى بِالْقبُولِ من قَوْله على ألف قضيتها انْتهى كَلَامه وَمُقْتَضَاهُ قبُول دَعْوَاهُ مَعَ الِاتِّصَال فَقَط كَمَسْأَلَة الأَصْل فقد ظهر من هَذَا أَو مِمَّا قبله أَنه هَل يُقَال لَا يقبل الإضراب مُطلقًا وَهُوَ الْمَذْهَب أَو يقبل مُطلقًا أَو يقبل مَعَ الِاتِّصَال فَقَط أَو يقبل مَعَ الِاتِّصَال إضرابه عَن الْبَعْض فِيهِ أَقْوَال وَقَول خَامِس وَهُوَ مَا حَكَاهُ فِي الْمُسْتَوْعب أَنه يقبل مَعَ تغاير الْجِنْس لَا مَعَ اتحاده لِأَن انْتِقَاله إِلَى جنس آخر قرينَة فِي صدقه وَأَنه هُوَ الَّذِي عَلَيْهِ

فعلى هَذَا يلْزمه الدَّرَاهِم الثَّلَاثَة فِي الْمَسْأَلَة الأولى وَيلْزم فِي الثَّانِيَة قفيز شعير أَو دِينَار وَلم يذكر صَاحب الْمُسْتَوْعب هَذَا القَوْل إِلَّا فِي مثل القفيز وَقطع بِهِ فِي دِرْهَم بل دِينَار ويلزمهما وَلَا فرق بَينهمَا فِي الْقطع والإلحاق وَإِنَّمَا صَاحب الْمُسْتَوْعب اقْتصر قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ على دِرْهَم أَو دِينَار لزمَه أَحدهمَا وألزم بتعيينه لِأَن أَو فِي الْخَبَر للشَّكّ فِي نِسْبَة الحكم إِلَى أحد الْمَذْكُورين فَيلْزمهُ حدهما ويعينه لإيهامه كَمَا لَو قَالَ لَهُ عَليّ شَيْء وَلَو قَالَ دِرْهَم أَو دِرْهَمَانِ فقد تقدم أَنه يلْزمه دِرْهَم وَيَنْبَغِي أَن يُقَال وَالْبَاقِي مَشْكُوك فِيهِ فَيسْأَل عَنهُ وَيُؤْخَذ بِهِ وَإِمَّا بِكَسْر الْهمزَة مثل أَو وَقد قَالَ ابْن عبد الْقوي فِي إِمَّا وَقد قيل بل ألزمهُ حتما بِمَا ابْتَدَأَ وَأَرَادَ مَا ذكره الشَّيْخ موفق الدّين فِي لَهُ على إِمَّا دِرْهَم وَإِمَّا دِرْهَمَانِ كَانَ مقرا بدرهم وَالثَّانِي مَشْكُوك فِيهِ فَلَا يلْزمه بِالشَّكِّ وَأَخذه من هَذَا القَوْل الَّذِي ذكره فِيهِ نظر ظَاهر وَكَلَام الشَّيْخ موفق الدّين لَا يُنَافِي مَا ذكره غَيره وَالله تَعَالَى أعلم قَوْله وَإِن قَالَ دِرْهَم فِي دِينَار لزمَه دِرْهَم لِأَنَّهُ أقرّ بدرهم دون دِينَار وَلَا يحْتَمل الْحساب فَإِن قَالَ أردْت الْعَطف أومعنى مَعَ لزمَه الدِّرْهَم وَالدِّينَار ذكره فِي الْمُغنِي وَغَيره وَهُوَ وَاضح فِي إِرَادَته معنى مَعَ لاستعمال فِي بمعناها وَفِيه نظر فِي الزِّيَادَة والعطف وَجعل ابْن حَامِد الزِّيَادَة بِمَعْنى مَعَ كإرادة مَعْنَاهَا فِي دِرْهَم فِي عشرَة على مَا يَأْتِي قَالُوا وَإِن قَالَ أسلمته درهما فِي دِينَار فَصدقهُ الْمقر لَهُ بَطل الْإِقْرَار فَإِن سلم

أحد النَّقْدَيْنِ فِي الآخر لَا يَصح وَإِن كذبه فَالْقَوْل قَول الْمقر لَهُ لِأَن الْمقر وصل إِقْرَاره بِمَا يسْقطهُ فَلَزِمَهُ دِرْهَم وَبَطل قَوْله فِي دِينَار وَكَذَلِكَ إِن قَالَ دِرْهَم فِي ثوب وَفَسرهُ بالسلم أَو قَالَ فِي ثوب اشْتَرَيْته مِنْهُ إِلَى سنة فَصدقهُ بَطل إِقْرَاره لِأَنَّهُ إِن كَانَ بعد التَّفَرُّق بَطل السّلم وَسقط الثّمن وَإِن كَانَ قبل التَّفَرُّق فالمقر بِالْخِيَارِ بَين الْفَسْخ والإمضاء وَإِن كذبه الْمقر لَهُ فَالْقَوْل قَوْله مَعَ يَمِينه وَله الدِّرْهَم قَوْله وَإِن قَالَ دِرْهَم فِي عشرَة لزمَه دِرْهَم لاحْتِمَال الزِّيَادَة فِي عشرَة لي كَمَا لَو قَالَ فِي عشرَة لي وَظَاهره أَنه يلْزمه دِرْهَم وَلَو خَالف مُقْتَضى عرفه وَهُوَ أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يلْزمه مُقْتَضى الْعرف قَوْله إِلَّا أَن يُرِيد الْحساب أَو الْجمع فَيلْزمهُ ذَلِك إِمَّا إِذا أَرَادَ الْحساب فَإِن كَانَ من أَهله لزمَه عشرَة وَإِن لم يكن من أَهله فَظَاهر كَلَامه أَنه كَذَلِك وَيَنْبَغِي أَن يُقَال هَذَا على أحد الْوَجْهَيْنِ وَالثَّانِي يلْزمه مُقْتَضى عرف الْعَوام واصطلاحهم وَأما إِذا أَرَادَ مَعَ عشرَة فَإِن كَانَ عاميا لزمَه أحد عشر وَإِن كَانَ حاسبا فَمن الْأَصْحَاب من ذكر احْتِمَالَيْنِ وَمِنْهُم من ذكر وَجْهَيْن أَحدهمَا يلْزمه أحد عشر لِأَنَّهُ لَا يمْتَنع اسْتِعْمَاله لاصطلاح الْعَامَّة وَلِأَنَّهُ نوى مَا يحْتَملهُ فِي حق عَلَيْهِ فَيقبل وَالثَّانِي عشرَة عملا بِالظَّاهِرِ وَهُوَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ بِمَعْنَاهُ فِي اصطلاحهم قَوْله وَإِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي تمر فِي جراب أَو سيف فِي قرَاب أَو ثوب فِي منديل أَو جراب فِيهِ تمر أَو قرَاب فِيهِ سيف أَو منديل فِيهَا ثوب

أَو عبد عَلَيْهِ عِمَامَة أَو دَابَّة عَلَيْهَا سرج فَهَل هُوَ مقرّ بِالثَّانِي على وَجْهَيْن وَكَذَا دِرْهَم فِي كيس أَو صندوق أَو كيس أَو صندوق فِيهِ دَرَاهِم وزيت فِي زق وفص فِي خَاتم أحد الْوَجْهَيْنِ لَا يكون مقرا بِالثَّانِي وَهُوَ مَذْهَب مَالك لِأَن إِقْرَاره لم يتَنَاوَل الظّرْف وَيحْتَمل أَن يكون فِي ظرف الْمقر فَلَا يلْزمه مَعَ الشَّك الثَّانِي يكون مقرا بِالْجَمِيعِ لِأَنَّهُ ذكره فِي سِيَاق الْإِقْرَار أشبه المظروف وَاخْتِيَار الشَّيْخ موفق الدّين لُزُوم الْعِمَامَة والسرج لِأَن يَد العَبْد على عمَامَته وَيَده ليد سَيّده وَالظَّاهِر أَن سرج الدَّابَّة لصَاحِبهَا وَلِهَذَا لَو تنَازع رجلَانِ سرجا على دَابَّة أَحدهمَا كَانَ لصَاحِبهَا فَهُوَ كعمامة العَبْد وَمذهب الشَّافِعِي لَا يكون مقرا بِالثَّانِي وَيلْزمهُ عِمَامَة العَبْد لَا سرج الدَّابَّة لِأَنَّهُ لَا يَد للدابة وَحَكَاهُ بعض أَصْحَابنَا قولا لنا وَقيل فِي الْكل خلاف الظّرْف والمظروف وَهَذَا غَرِيب وَقيل إِن قدم المظروف فَهُوَ مقربه وَحده وَإِن أَخّرهُ فَهُوَ مقرّ بظرفه وَحده وَاخْتَارَ ابْن حَامِد الْوَجْه الأول وَنَصره القَاضِي وَتَبعهُ أَصْحَابه ونصبوا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة وَاحْتج القَاضِي بِأَنَّهُ أقرّ بِشَيْء فِي مَحَله فَوَجَبَ أَن يكون إِقْرَارا بالشَّيْء دون الْمحل كَمَا لَو قَالَ غصبتك دَابَّة فِي اصطبل أَو نَخْلَة فِي بُسْتَان وَاحْتج أَبُو حنيفَة بِأَن المنديل فِي الثَّوْب فِي الْعَادة فَقَالَ القَاضِي لَيْسَ يتبع الثَّوْب أَلا ترَاهُ لَو بَاعَ الثَّوْب لم تدخل المنديل تبعا لَهُ وَاحْتج أَبُو حنيفَة بِمَا لَو قَالَ غصبته دَابَّة بسرجها فَإِنَّهُ يلْزمه السرج وَكَذَلِكَ إِذا قَالَ ثوب بلفافة فَقَالَ القَاضِي لَا نسلم لَك هَذَا بل يكون إِقْرَارا بالدابة دون السرج

فصل

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْوَاجِب أَن يفرق بَين مَا يتَّصل أَحدهمَا بِالْآخرِ عَادَة كالقراب فِي السَّيْف والخاتم فِي الفص فانه إِقْرَار بهما وَكَذَلِكَ الزَّيْت فِي الزق وَالتَّمْر فِي الجراب فَإِن ذَلِك لَا يتَنَاوَل نفس الظّرْف إِلَّا نوعا هَذَا كَلَامه فصل وَمن صور الْخلاف إِذا قَالَ غصبته ثوبا فِي منديل أَو زيتا فِي زق وَنَحْو ذَلِك وَمن الْعجب حِكَايَة بعض الْمُتَأَخِّرين أَنَّهُمَا يلزمانه وَأَنه مَحل وفَاق وَدَلِيل ذَلِك مَا تقدم وَاخْتَارَ التَّفْرِقَة بَين الْمَسْأَلَتَيْنِ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَإِنَّهُ قَالَ فرق بَين أَن يَقُول غصبته أَو أخذت مَه ثوبا فِي منديل أَو يَقُول لَهُ عِنْدِي ثوب فِي منديل فَإِن الأول يَقْتَضِي أَن يكون مَوْصُوفا بِكَوْنِهِ فِي المنديل وَقت الْأَخْذ وَهَذَا لَا يكون إِلَّا وَكِلَاهُمَا مَغْصُوب بِخِلَاف قَوْله لَهُ عِنْدِي فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَن يكون فِيهِ وَقت الْإِقْرَار وَهَذَا لَا يُوجب كَونه لَهُ انْتهى كَلَامه وَهَذَا الْمَعْنى ذكره الشَّيْخ موفق الدّين أَنه قَول أبي حنيفَة فصل وَإِن قَالَ لَهُ عِنْدِي عبد بعمامة أَو بعمامته أَو دَابَّة بسرج أَو سرجها أَو سيف بقراب أَو قرَابَة أَو دَار بفرشها أَو سفرة بطعامها أَو سرج مفضض أَو ثوب مطرز لزمَه مَا ذكره قطع بِهِ غير وَاحِد وَقَالَ فِي الْمُغنِي فِي بعض ذَلِك بِغَيْر خلاف لِأَن الْبَاء تعلق الثَّانِي بِالْأولِ لِأَنَّهُمَا فِي مَوضِع الْحَال من الْمعرفَة وَالصّفة من النكرَة وهما مفيدان لمتبوعهما فِي الحكم وَلِهَذَا لَو قَالَ إِن خرج زيد بعشيرته فأعطه درهما فَخرج وَحده لم يسْتَحق شَيْئا وَلِأَن اسْم السرج وَالثَّوْب يجمعهما وَهَذَا بِخِلَاف لَهُ عِنْدِي دَار

مفروشة أَو دَابَّة مسرجة فَإِن فِيهِ الْوَجْهَيْنِ ذكره بَعضهم وَأَظنهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى أَنه إِذا قَالَ لَهُ فِي يَدي دَار مفروشة أَنه لَا يكون مقرا بالفرش وَقد تقدم كَلَام القَاضِي فِي دَابَّة بسرجها وَنَحْو ذَلِك مَعَ أَن فِي الْمُغنِي قَالَ فِيهِ بِغَيْر خلاف قَوْله وَإِن قَالَ لَهُ عِنْدِي خَاتم فِيهِ فص فَهُوَ مقرّ بهما لِأَن الفص جُزْء من الْخَاتم لَا يَنْفَكّ عَنهُ غَالِبا فَهُوَ كَقَوْلِه لَهُ على ثوب فِيهِ علم وَذكر فِي الْكَافِي فِيهِ الْوَجْهَيْنِ وَفِي غَيره وَيحْتَمل أَن يخرج على الْوَجْهَيْنِ قَالَ بَعضهم وَهُوَ بعيد وَإِن قَالَ لَهُ خَاتم وَأطلق لزمَه الْخَاتم بفصه لِأَن اسْم الْخَاتم يجمعهما ذكره الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَقَالَ فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى إِن جَاءَهُ بِخَاتم بفص وَقَالَ مَا أردْت الفص احْتمل وَجْهَيْن مَكْتُوب فِي الأَصْل الْمَنْقُول مِنْهُ بِخَط الشَّيْخ الإِمَام الْعَلامَة تَقِيّ الدّين الجراعي أيده الله تَعَالَى وَأبقى حَيَاته هَذَا آخر مَا وجد من هَذِه النُّسْخَة لَكِن فِيهَا غلط كثير وَزِيَادَة وَنقص وَلَقَد اجتهدت فِي تحريرها حسب الْإِمْكَان وَالْحَمْد لله وَحده وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وَآله وَصَحبه وَسلم

وَوَافَقَ الْفَرَاغ من كِتَابَة هَذِه النُّسْخَة فِي يَوْم تَاسِع عشْرين من شعْبَان المكرم من سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَثَمَانمِائَة على يَد أفقر عباد الله وأحوجهم إِلَى مغفرته أَحْمد بن أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن الشهير بِابْن زُرَيْق الْمَقْدِسِي الْحَنْبَلِيّ غفر الله تَعَالَى لَهُ ولوالديه وَلمن دَعَا لَهُ بِالتَّوْبَةِ وَالْمَغْفِرَة وَالْعِتْق من النَّار آمين وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم الرُّسُل وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وحسبنا الله وَنعم الْوَكِيل مَا وجد فِي هَذِه النُّسْخَة مُخَالفا للمنقول مِنْهَا الَّتِي هِيَ بِخَط الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْمَذْكُور أَعْلَاهُ أبقاه الله تَعَالَى فَإِن كَانَ فِي كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَهُوَ إِمَّا من شرح الْمُحَرر لَهُ وَإِمَّا من نكت ابْن شيخ السلامية على الْمُحَرر وَإِن كَانَ فِي التَّعْلِيل فَهُوَ من المغنى أَو من مجمع الْبَحْرين لِابْنِ عبد الْقوي أَو من الرِّعَايَة فليعم ذَلِك وَالْحَمْد لله وَحده وَكَانَ الْفَرَاغ من طبعه بمطبعة السّنة المحمدية فِي غرَّة شهر ذِي الْحجَّة من شهور سنة تسع وَسِتِّينَ وثلاثمائة وَألف من هِجْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد بذلنا فِي تَصْحِيحه أقْصَى المستطاع مَعَ الإستعانة بكتب الْمُغنِي وكشاف القناع ومنتهى الإرادات وفتاوي شيخ الْإِسْلَام ابْن تَيْمِية وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَالْحَمْد لَهُ وَحده وَصلى الله وَسلم وَبَارك على عبد الله وَرَسُوله مُحَمَّد وعَلى إخوانه الْمُرْسلين وآلهم أَجْمَعِينَ

§1/1