النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر
ابن حجر العسقلاني
مقدمة
المجلد الأول مقدمة إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله - صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم -. أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، وليخرج الناس من الظلمات إلى النور. من ظلمات الشرك والجهل والكفر والظلم إلى نور التوحيد والإيمان والعلم والعدل. جاء بأعظم رسالة وأعلاها مكانة، وأشملها لمصالح البشر، وأحقها بالبقاء والخلود. ولهذا تعهد الله تعالى فقال: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. وتنفيذا وتحقيقا لهذا الوعد الصادق الأكيد كان كل ما قامت به الأمة الإسلامية من جهود عظيمة واهتمام بالغ - لا يعرف الأقل منه لأمة من الأمم ولا
عنه: "وكان أول من احتاط في قبول الأخبار، فروى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر رضي الله عنه تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئا، ثم سأل الناس فقام المغيرة بن شعبة فقال: "حضرت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعطيها السدس فقال: هل معك أحد، فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر"1 وإذا فنشوء هذا العلم بدأ من عهد الصحابة ولا يزال ينمو وتتسع دائرته في أذهان أهل هذا العلم. ثالثا: حتى جاء عصر التدوين فبدأ يساير تدوين الحديث، ويواكبه جنبا إلى جنب وإن كان في دائرة ضيقة، وموزعا هنا وهناك. قال الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة - رحمه الله -2: "هذا وقد كتب العلماء فيه من عصر التدوين إلى يومنا هذا نفائس ما يكتب، من ذلك ما تجده في أثناء مباحث (الرسالة) للإمام الشافعي وفي ثنايا (الأم) له، وما نقله تلاميذ الإمام أحمد في أسئلتهم له ومحاورته معهم وما كتبه الإمام مسلم بن الحجاج في مقدمة صحيحه، ورسالة الإمام أبي داود السجستاني إلى أهل مكة في بيان طريقته في سننه الشهيرة، وما كتبه الحافظ أبو عيسى الترمذي في كتابه (العلل المفرد) في آخر جامعه وما بثه في الكلام على أحاديث جامعه في طيات الكتاب من تصحيح وتضعيف وتقوية وتعليل، وللإمام البخاري التواريخ الثلاثة ولغيره من علماء الجرح والتعديل من معاصريه ومن بعدهم: بيانات وافية لقواعد هذا الفن تجيء منتشرة في تضاعيف كلامهم حتى جاء من بعدهم فجرد هذه القواعد في كتب مستقلة ومصنفات عدة أشار إلى أشهرها الحافظ ابن حجر العسقلاني في فاتحة شرحه لنخبة الفكر3 فقال:
"فمن أول من صنف في ذلك القاضي أبو محمد الرامهرمزي (الحسن بن عبد الرحمن الذي عاش إلى قريب سنة (360) في كتابه (المحدث الفاصل) لكنه لم يستوعب". والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، لكنه لم يهذب ولم يرتب، وتلاه أبو نعيم الأصبهاني فعمل على كتابه مستخرجا وأبقى أشياء للمتعقب. ثم جاء بعدهم الخطيب أبو بكر البغدادي فصنف في قوانين الرواية كتابا سماه (الكفاية) وفي آدابها كتابا سماه (الجامع لآداب الشيخ والسامع) وقل فن من فنون الحديث إلا وقد صنف فيه كتابا مفردا، فكان كما قال الحافظ أبو بكر بن نقطة: كل من أنصف علم أن المحدثين بعد الخطيب عيال على كتبه، ثم جاء بعدهم بعض من تأخر عن الخطيب فأخذ من هذا العلم بنصيب، فجمع القاضي عياض كتابا لطيفا سماه (الإلماع) وأبو حفص الميانجي جزءا سماه (ما لا يسع المحدث جهله) وأمثال ذلك من التصانيف التي اشتهرت وبسطت ليتوفر علمها، واختصرت ليتيسر فهمها، إلى أن جاء الحافظ الفقيه أبو عمرو عثمان بن صلاح عبد الرحمن الشهرزوري نزيل دمشق فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية كتابه المشهور، فهذب فنونه وأملاه شيئا بعد شيء فلهذا لم يحصل ترتيبه على الوضع المناسب واعتنى بتصانيف الخطيب المفرقة، فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره، فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر. فنحن نرى أن التأليف لم يقف عند كتاب ابن الصلاح وإن كان على صغر حجمه قد جمع شتات ما قبله، بل كان هذا الكتاب حافزا للعلماء على السير قدما في مضمار التأليف في هذا الفن ما بين مختصر ومطول فمما أُلف في هذا الفن بعده:
1- الإرشاد للنووي (ت 676) اختصر فيه مقدمة ابن الصلاح. 2- التقريب للإمام النووي لخص فيه كتاب الإرشاد. 3- اختصار علوم الحديث للحافظ إسماعيل بن عمر الشهير بابن كثير (ت 884) . 4- الخلاصة للطيبي (ت 743) لخص فيه مقدمة ابن الصلاح. 5- المنهل الروي لبدر الدين بن جماعة (ت 733) لخص فيه مقدمة ابن الصلاح (مخطوط) . 6- محاسن الإصلاح وتضمين كتاب ابن الصلاح لشيخ الإسلام البلقيني (ت 805) مطبوع. 7- النكت للزركشي (ت 794) على مقدمة ابن الصلاح. مخطوط. 8- التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح للحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين العراقي (ت 806) مطبوع. 9- المقنع لابن الملقن (ت 802) وهو تلخيص لمقدمة ابن الصلاح. 10- ألفية الحديث للحافظ عبد الرحيم العراقي وشرحاه وهما مطبوعان. 11- النكت لابن حجر على مقدمة ابن الصلاح، والتقييد والإيضاح للعراقي، وهو الكتاب الذي نحن بصدد خدمته وتحقيقه. 12- النكت الوفية في شرح الألفية للبقاعي (ت 885) مخطوط. 13- فتح المغيث للحافظ السخاوي (ت 903) وهو شرح لألفية العراقي مطبوع. 14- فتح الباقي شرح ألفية العراقي للشيخ زكريا الأنصاري (ت 928) مطبوع.
لدين من الأديان - بحفظ القرآن العظيم في الصدور والمصاحف والعناية الفائقة بتلاوته آناء الليل وأطراف النهار في البيوت والمساجد والمعاهد والاهتمام بدراسته وتفسيره واستنباط أحكامه والاعتبار بقصصه وأمثاله وعظاته والتأليف في شتى العلوم التي تخدمه وتبين بلاغته وإعجازه من لغوية وبلاغية وتاريخية وغيرها. فما من سورة من سوره ولا آية من آياته ولا كلمة من كلماته إلا وقد دار حولها بحث وكان لها شأن ونبأ. وقد شرف الله محمدا خاتم النبيين وأكرم الرسل صلوات الله وسلامه عليه وأعلا مكانته وأنزله المنزلة الكريمة التي يستحقها فأسند إليه مهمة بيان ما في القرآن من إجمال وشرح ما يحتاج إلى شرح وتفصيل. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِم} 1 الآية. فقام - بما أسند إليه من واجب أكمل قيام بأقواله وأفعاله وأحواله وجهاده العظيم وسيرته العطرة حتى ترك الناس على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزغ عنها إلا هالك. وأسند تلك الرسالة العظيمة إلى خير أمة أخرجت للناس فقال - صلى الله عليه وسلم -: "بلغوا عني ولو آية" 2. "فليبلغ الشاهد منكم الغائب" 3. فقام الصحابة الكرام بتبليغ تلك الرسالة وأداء تلك الأمانة عل أحسن الوجوه وأقومها وتلقت ذلك الأمة الإسلامية جيلا عن جيل حتى وصلت إلينا تلك الرسالة الغراء غضة طرية، ولن تزال كذلك حتى يأذن الله لهذا العالم بالزوال ولشمس حياة البشرية بالأفول.
ولقد حظيت السنة المطهرة ببيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - وشرحه للقرآن بحظها الوافر من وعد الله لتنزيله وذكره بالحفظ، فإنها والقرآن الكريم من مشكاة واحدة. وضياع شيء منها – وهي بيانه وشرحه – ينافي ما وعد الله به من حفظ للقرآن الكريم. وإذن فالسنة المطهرة داخلة في ذلك الوعد الصادق بالحفظ والضمان الأكيد. فكان من مظاهر تنفيذ ذلك ما نراه ونلمسه من جهود بذلت لحفظها وصيانتها والذود عن حياضها والتأليف في العلوم التي تخدمها، سرح طرفك في ذلك التراث العظيم، وقلب صفحاته تر العجب العجاب وما يدهش الألباب وخذ ما شئت من نصوص هذه السنة المطهرة، وتابعه في عشرات الكتب فستجد أنه ما من نص إلا وله شأن وأي شأن ودراسة وتحليل واستنباط وتمحيص وتحقيق وأخذ وإعطاء. ولقد أعد الله لحفظ هذه السنة المطهرة وصيانتها رجالا صنعهم على عينه وأمدهم بشتى المواهب النفسية والعقلية والذكاء المتوقد والحفظ المستوعب والقدرة الهائلة على الإطلاع ما يبهر العقل ويستنفد العجب ويجعل في المطلع على أخبارهم وأحوالهم ما يملأ قلبه يقينا بأن هؤلاء العباقرة ما أعدوا هذا الإعداد العجيب إلا لغاية سامية هي إنفاذ وعد الله الكريم: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 1. فكان من آثار هؤلاء العظماء ما تزخر به المكتبات الإسلامية اليوم وقبل اليوم من مؤلفات قيمة مختلفة المناهج والمواضيع، متحدة الغاية وهي خدمة السنة المطهرة. فمؤلفات وضعت على المسانيد وجوامع وسنن على الأبواب العقائدية والتاريخية والفقهية، ومستخرجات، وأجزاء وتخريجات، وشروح وتأليف وأنواع علوم الحديث، وفي الموضوعات والناسخ والمنسوخ، وفي تواريخ الرجال وجرحهم
وتعديلهم، وأخرى في غريب الحديث، وفي علل الأسانيد من حيث الإرسال والوصل والرفع والوقف. وكان من هؤلاء الأئمة الأفذاذ أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العلامة ابن حجر العسقلاني الذي ساهم في خدمة السنة وعلومها بحظ وافر وله الباع الطويل في العلوم الإسلامية وعلوم السنة المطهرة بالأخص وكان من آثاره العظيمة في ميدان علوم السنة (كتاب النكت على ابن الصلاح والعراقي) الذي نحن بصدد خدمته وتحقيقه وإخراجه لطلاب علوم السنة لينهلوا من نميره. ولما كان الكتاب في علوم الحديث ومصطلحه فلابد من إعطاء القارئ لمحة عن تاريخه ونشئه. نشأة علوم الحديث وتطورها: كان الصحابة رضوان الله عليهم أول من احتاط لحفظ السنة وصيانتها من أن يشوبها شائبة من غيرها أو يتطرق إليها خطأ أو خلل فاتخذوا للرواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منهجا يضمن عدم تسرب أي خلل إليها من طريق السهو أو العمد. فمن ذلك: أولا: تقليل الرواية عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خوفا من الوقوع في الخطأ والنسيان مما يؤدي إلى شبهة الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من حيث لا يشعرون. فكان أبو بكر وعمر وعلي وابن مسعود والزبير بن العوام وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم يقلون من الرواية ويحذرون الناس من الإكثار منها1. ثانيا: التثبت من الرواية عند أخذها وأدائها. قال الإمام الذهبي رحمه الله في ترجمة أبي بكر رضي الله تعالى
15- الاقتراح لابن دقيق العيد (ت 702) مطبوع. 16- تدريب الراوي للحافظ السيوطي (ت 911) وهو شرح التقريب للنووي مطبوع. 17- نخبة الفكر للحافظ ابن حجر وشرحها نزهة النظر طبعا بمصر والهند. 18- شرح النخبة لملا علي قاري (المتوفى سنة 1014) طبع في تركيا. 19- اليواقيت والدرر للمناوي (المتوفى سنة 1031) وهو شرح على نخبة الفكر، مخطوط توجد منه نسخة في دار الكتب المصرية برقم 6663. 20- حاشية نزهة النظر لابن قطلوبغا (ت 879) خطوط. 21- تنقيح الأنظار لابن الوزير (ت840) وشرحه توضيح الأفكار لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني (ت 1182) وقد طبعا في مصر. وغير هذه من المؤلفات الكثيرة في هذا الفن. أسباب اختياري للعمل في كتاب النكت لابن حجر: 1- قيمة الكتاب العلمية. إذ الكتاب غزير في مادته، أضاف جديدا إلى ما سبقه من مؤلفات في علوم الحديث. 2- حبي لعلم الحديث وما يتصل به من علوم خصوصا مصطلح الحديث؛ إذ بقواعده يعرف الصحيح من الحديث السقيم، ويتميز به المقبول من المردود. 3- مكانة مؤلفه الحافظ ابن حجر بين علماء السنة ودوره العظيم في خدمة علوم السنة وسعة اطلاعه ومنهجه الفذ في البحث. فدراسة مؤلف من
مؤلفاته يفتح آفاقا رحبة للدارس في ميادين المعرفة خصوصا علم الحديث ومؤلفاته ورجال الحديث. 4- الرغبة في المشاركة في إحياء التراث الإسلامي ونفض الغبار عن كنوزه الثمينة التي خلفها لنا علماء الإسلام. 5- الرغبة في اكتساب الخبرة والحنكة في مجال تحقيق المخطوطات لعلي أن أقوم مستقبلا ببعض الواجب من تحقيق المخطوطات الإسلامية ونشرها. 6- وأول هذه الأسباب وآخرها أنني كنت في أثناء دراستي في السنوات المنهجية وقبلها وبعدها أقرأ في تدريب الراوي للسيوطي، وفتح المغيث للسخاوي وتوضيح الأفكار للصنعاني، وكنت أقف في الكتب المذكورة على نصوص منقولة عن الحافظ ابن حجر خصوصا توضيح الأفكار الذي يحافظ على حرفية تلك النصوص ويفصح بعزوها إلى الحافظ ابن حجر وأحيانا إلى كتابه النكت. وكانت تلك النصوص تتسم بعمق الفكرة ونضجها فكانت تلك النصوص في الكتب المذكورة كالدرر اللامعة تشد القارئ إليها شدا وتجذبه جذبا قويا. ولم يكن لدي أي نسخة من نسخ الكتاب فكانت الأماني تداعب مخيلتي والأشواق تحدوني إلى رؤية هذا الكتاب للاستفادة منه والقيام بتحقيقه. ولما قدمت رسالة الماجستير إلى جامعة الملك عبد العزيز تحققت أمنيتي برؤية نسخة من الكتاب، فشرعت في مطالعته وازددت إعجابا به غير أن نفسي كانت تنازعني إلى البحث عن مواضيع أخرى ما بين موضوع مبتكر ومخطوط ثمين لم ينشر، فكنت أبحث في فهارس المخطوطات وأقلب الفكر في عدد من الموضوعات وأستشير أساتذة فضلاء وأصدقاء نبلاء أحيانا في هذا اللون وأخرى في ذلك، ما بين مشجع على بعضها وما بين صارف عنها، وموضوعي الأول النكت يلاحقني ويداعب فكري كلما عرض لي هذا الموضوع أو ذاك. وأخيرا لم
أجد بدا من الاستسلام إلى تلك الرغبة الملحة، فقوي العزم وصممت الإرادة على العمل في ذلك الكتاب الذي فرض عليّ العمل فيه فرضاً فاستشرت فيه أستاذي الكبير الدكتور محمد محمد أبا شهبة، فأعجبه ذلك فوافق عليه متقبلا الإشراف عليه جزاه الله عني خير الجزاء. فحينئذ شرعت في العمل فيه، فكان موضوع رسالتي للدكتوراه هو كتاب النكت لبن حجر على ابن الصلاح. تحقيق ودراسة. واستلزم العمل فيه أن أجعله على قسمين: قسم الدراسة، وقسم للتحقيق ... قسم الدراسة: ويشتمل: على مقدمة وبابين. المقدمة: فيما حظيت به السنة من عناية وخدمة وحفظ في نشأة علوم الحديث وتطورها والمؤلفات فيها ثم ذكرت فيها أسباب اختياري للعمل في كتاب النكت. أما البابان: فالأول يشتمل على ثلاثة فصول: الفصل الأول: في التعريف بالحافظ ابن الصلاح. الفصل الثاني: في التعريف بالحافظ العراقي. الفصل الثالث: في التعريف بالحافظ ابن حجر. والباب الثاني: في دراسة الكتاب ويشتمل على أربعة فصول: الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح. الفصل الثاني: في تنكيت الحافظ ابن حجر على العراقي. الفصل الثالث: في مناهج الأئمة الثلاثة. الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ.
قسم التحقيق: ويشتمل على بابين: الباب الأول: وفيه ثلاثة فصول. الفصل الأول: وفيه تحقيق اسم الكتاب. الفصل الثاني: وفيه إثبات نسبة الكتاب إلى المؤلف. الفصل الثالث: وفيه وصف مخطوطات الكتاب وبيان أماكن كل منها. الباب الثاني: وفيه تحقيق نصوص الكتاب، وعملي فيه كالآتي: 1- حققت نصوص الكتاب بالاعتماد على خمس نسخ بعضها منقول عن نسخة المصنف وبعضها عن نسخ منقولة عن أصل المصنف، وقد حاولت قدر المستطاع أن يخرج نص الكتاب على أقرب صورة وضعها عليه المؤلف. ثم أشرت إلى بدء الصفحات لكل نسخة بوضع خط مائل بعد الكلمة الأولى من أول كل صفحة، ثم أكتب في محاذاتها في الهامش رمز تلك النسخة وذلك ليسهل الرجوع إلى الأصول لمن أراد ذلك. 2- ميزت بين تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح والعراقي – بالإضافة إلى رمزيهما اللذين وضعهما الحافظ ابن حجر (ص) لابن الصلح، (ع) للعراقي – بأن وضعت لكل منهما أرقاما متسلسلة فلما يخص ابن الصلاح أرقامه ولما يخص العراقي أرقامه. 3- عرفت بالأعلام المذكورين في الكتاب تعريفا موجزا يتناول درجة الشخص المعرف به واسمه ونسبه ووفاته إلا من عجزت على الوقوف على ترجمته. 4- خرجت الأحاديث الواردة في الكتاب إلا ما لم أجده، وتكلمت عليها
تصحيحا وتضعيفا موافقا تارة للحافظ، وتارة مخالفا له إذا ظهر لي أن الصواب في خلاف ما قاله. 5- خرجت الآثار الواردة في الكتاب. 6- أرجعت النصوص والأقوال التي استقاها الحافظ عن غيره من العلماء إلى أصولها مبينا مواضعها من الأجزاء والصفحات إلا ما لم أجده. 7- أشرت إلى كثير من النصوص التي استفادها منه من بعده من العلماء خصوصا الصنعاني في توضيح الأفكار. 8- شرحت المفردات اللغوية والاصطلاحية. 9- ناقشت المؤلف في بعض آرائه وأيدت ما ظهر لي أنه الصواب. وختمت الكتاب بالفهارس العلمية الضرورية وهي: أ- فهرس مصادر الكتاب ومراجع التحقيق. ب- فهرس الأعلام المترجم لهم. ج- فهرس الأحاديث. د- فهرس الآثار. هـ- فهرس المواضيع.
الباب الأول: في دراسة كتاب النكت للحافظ ابن حجر، على ابن الصلاح
الباب الأول: في دراسة كتاب النكت للحافظ ابن حجر، على ابن الصلاح الفصل الأول: في التعريف بالحافظ ابن الصلاح التعريف بالإمام ابن الصلاح1: هو الإمام الحافظ المفتي شيخ الإسلام تقي الدين أبو عمرو عثمان بن المفتي عبد الرحمن صلاح الدين بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري الشافعي أحد أئمة المسلمين علما ودينا. ولد سنة (557) في شرخان قرية قريبة من شهرزور2 التابع لإربل شمالي العراق فنسب إليها لكن اشتهرت نسبته إلى شهرزور. وكان والده عبد الرحمن يلقب صلاح الدين فنسب إليه وعرف بابن الصلاح. ونشأ في بيت علم ورئاسة فكان أبوه صلاح الدين من العلماء الأجلاء فقيها متبحرا في فقه الإمام الشافعي تولى الإفتاء وعرف بالعلم والنبل والفضل.
في عهد الملوك الأيوبيين عاش ابن الصلاح، وهو عهد لقي من الملوك والأمراء تشجيعا على العلم بإنشاء المدارس والمكتبات ورصد الأوقاف على المؤسسات العلمية وعلى طلاب العلم والعلماء كما أنها تهيئ للعلماء الجو وتفسح أمامهم المجال ليتبوؤوا أرقى المناصب فتنافس العلماء في تحصيل العلوم، في هذا الوسط عاش ابن الصلاح فشمر عن ساعد الجد لا يألوا جهدا في تحصيل العلوم. ولقي عناية فائقة وتشجيعا من أبيه الفاضل العالم يعلمه ويربيه ويوجهه ويدفعه لأن يرتحل في طلب العلم بعد أن درس عليه المهذب مرتين. أرسله في ريعان شبابه إلى الموصل فحصل العلوم بأنواعها الفقه والحديث والتفسير والأصول. ثم واصل رحلته العلمية إلى بلدان العالم الإسلامي فارتحل إلى بغداد فسمع من أبي أحمد بن سكينة وعمر بن طبرزد، وإلى همذان ونيسابور ومرو فتلقى من العلوم الكثير خاصة علوم الحديث على أيدي كثير من العلماء ثم رجع أدراجه إلى البلاد العربية حلب وحران ودمشق فأخذ عن علمائها ما يروي ظمأه ويصل به إلى مرحلة التكامل والنضج وما يبلغ درجة الأستاذ العالم الموجه. وانتهى به المطاف إلى أن استقر في بلاد الشام مع أبيه وأسرته ويستقبل عهدا جديدا؛ عهد المسؤولية ونشر العلم فتولى التدريس بالمدرسة الأسدية بحلب (نسبة إلى أسد الدين شيركوه) ودرس بالمدرسة الناصرية بالقدس (نسبة إلى الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب) وأقام بها مدة. واشتغل عليه الناس وانتفعوا به. ثم انتقل إلى دمشق وتولى التدريس بالمدرسة الرواحية التي أنشأها أبو القاسم هبة الله بن عبد الواحد بن رواحة الحموي. ولما بنى الملك الأشرف ابن الملك العادل بن أيوب دار الحديث بدمشق فوض تدريسها إليه.
ثم تولى التدريس بمدرسة ست الشام زمرد خاتون بنت أيوب فكان يقوم بوظائفه في هذه المدارس من غير إخلال أو تقصير1. شيوخه: رأينا أن الإمام ابن الصلاح قام برحلات واسعة ولم تنص المصادر التي وقفت عليها إلا على عدد يسير من شيوخه فمنهم: 1- والده صلاح الدين عبد الرحمن بن عثمان بن موسى الكردي الشهرزوري أخذ عليه المهذب مرتين. توفي صلاح الدين سنة 618. 2- ومنهم عماد الدين أبو حامد ابن يونس2 الفقيه الأصولي (ت 608) . 3- ومنهم عبيد الله السمين. 4- ونصر الله بن سلامة. 5- ومحمد بن علي الموصلي. 6- وعبد المحسن بن الطوسي. 7- وأبو أحمد عبد الوهاب بن عبد الله البغدادي3 كان حجة علما فقيها محدثا (ت607) . 8- وأبو المظفر عبد الرحيم بن عبد الكريم السمعاني4 (ت 618) . 9- ومنهم أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة (ت 620) .
تلاميذه1: منهم: 1- فخر الدين عمر الكرخي. 2- ومجد الدين ابن المهتار. 3- والشيخ تاج الدين عبد الرحمن. 4- وزين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان الفارقي (ت 703) . 5- والقاضي شهاب الدين الجوري. 6- والخطيب شرف الدين الفراوي. 7- والشهاب محمد بن شرف الدين. 8- والصدر محمد بن حسن الأرموي. مزاياه وثناء العلماء عليه: قال الذهبي: "كان سلفيا حسن الاعتقاد كافا عن تأويل المتكلمين مؤمنا بما ثبت من النصوص غير خائض ولا متعمق. وكان وافر الجلالة حسن البزة كثير الهيبة موقرا عند السلطان والأمراء تفقه به الأئمة"2. وقال ابن خلكان: "وكان من العلم والدين على قدم حسن. ولم يزل أمره جاريا على سداد وصلاح حال واجتهاد في الاشتغال والنفع"3.
وقال السخاوي: "وكان إماما بارعا حجة متبحرا العلوم الدينية بصيرا بالمذهب ووجوهه خبيرا بأصوله عارفا بالمذاهب جيد المادة في اللغة العربية حافظا للحديث متفننا حسن الضبط وافر الحرمة عديم النظير في زمانه مع الدين والعبادة والنسك والصيانة والورع والتقوى. انتفع به خلق وعولوا على تصانيفه". وفاته: توفي رحمه الله في الخامس والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ثلاث وأربعين وستمائة بدمشق وكثر التأسف لفقده وحمل نعشه على الرؤوس وكان على جنازته هيبة وخشوع ودفن بمقابر الصوفية رحمه الله وغفر له1. مؤلفاته: له رحمه الله مؤلفات كثيرة في مختلف العلوم استفاد منها العلماء بعده فكانت من أهم مراجعهم ومصادرهم التي يعتمدون عليها. فمنها: 1- أدب المفتي والمستفتي2. 2- الأمالي3. مخطوط. 3- شرح الوسيط4 في الفقه الشافعي، أبدى فيه انتقادات علمية واجتهادات فقهية دقيقة. 4- صلة الناسك في صفة المناسك5. جمع فيه جملة من المسائل النافعة التي يحتاج إليها الناس في مناسك الحج. مخطوط.
5- طبقات الشافعية1. 6- علوم الحديث. أجمع الكتب في هذا الفن2، ولقي حظا كبيرا من العلماء. 7- الفتاوى3. جمعه بعض أصحابه وطبع في مجلد فيه له اجتهادات. 8- فوائد الرحلة4. كتاب ممتع جمع فيه فوائد في علوم متنوعة قيدها في رحلته إلى خراسان. مخطوط. 9- مشكل الوسيط5. في مجلد كبير. 10- المؤتلف والمختلف في أسماء الرجال6. 11- النكت على المهذب7. هذا من آثاره النافعة تغمده الله برحمته.
الفصل الثاني: تعريف بالحافظ العراقي
الفصل الثاني: تعريف بالحافظ العراقي 1 هو الحافظ الإمام الكبير الشهير أبو الفضل زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن ابي بكر بن إبراهيم العراقي الكردي حافظ عصره. ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة بمصر. وكان أصل أبيه من بلدة يقال لها رازيان من أعمال إربل ثم قدم القاهرة وهو صغير فنشأ بها وتزوج وأنجب المترجم له2. توفي والده وعمره ثلاث سنين فنشأ يتيما وكان كثير التردد على صديق والده الشيخ تقي الدين العناني فيحنو ويعطف عليه ويكرمه واتجهت همته لحفظ القرآن وهو ابن ثمان سنين واشتغل بعلم القراءات والعربية فأخذ ذلك عن جماعة منهم: ـ 1 له ترجمة في: - لحظ الألحاظ ص220- 239. - الضوء اللامع 4/171- 178. - ذيل الطبقات للسيوطي ص 370- 372. - شذرات الذهب 7/55- 57. - حسن المحاضرة 1/204. - الأعلام للزركلي 4/119. 2 لحظ الألحاظ ص220- 221. الضوء اللامع 4/171.
الشيخ ناصر الدين محمود بن شمعون1 وانهمك انهماكا بينا في القراءات فنهاه عن ذلك القاضي عز الدين ابن جماعة قائلا له إنه علم كثير التعب قليل الجدوى، وأشار عليه بالاشتغال بعلم الحديث لما رأى من قوة ذكائه وتوقد ذهنه2. وأقدم سماع وجد له سنة (737) وكان عمره إذا ذاك اثنتي عشرة سنة وأقبل بهمة عالية وجد ونشاط على طلب الحديث فأخذ عن علاء الدين ابن التركماني الحنفي وبه تخرج وانتفع به فسمع عليه وعلى ابن شاهد الجيش صحيح البخاري وسمع على ابن عبد الهادي صحيح مسلم وأخذ عن جماعة من مشايخ مصر والقاهرة منهم: محمد بن علي القطرواني، ومحمد بن إسماعيل بن الملوك، ومحمد بن عبد الله بن أبي البركات النعماني وغيرهم3. رحلاته: ثم اتجهت همته إلى أن يرتحل تأسيا بمن سلفه من أئمة الحديث وعلمائه فقام برحلة إلى دمشق وسمع من عدة من علمائها منهم تقي الدين السبكي ومحمد بن إسماعيل الحموي. وإلى حلب فسمع عن جماعة من علمائها. وإلى حماة فسمع عن جماعة من علمائها. وإلى طرابلس وبعلبك وبيت المقدس وغزة ومكة والمدينة شرفهما الله وسمع عن عدد كبير من علماء هذه البلدان التي جال فيها ومن وقت أن ارتحل إلى الشام في سنة أربع وخمسين وسبعمائة مكث مدة لا تخلو له سنة في
الغالب1 من الرحلة في الحج أو طلب الحديث وفي مدة إقامته في وطنه لو يكن له هم سوى السماع والتصنيف والإفادة فتوغل في ذلك حتى أن غالب أوقاته أو جميعها لا يصرفها في غير الاشتغال في العلوم وكان له ذكاء مفرط وسرعة حافظة، حفظ من الإلمام أربعمائة سطر في يوم واحد2. شيوخه: للحافظ العراقي كثرة كاثرة من الشيوخ في بلده، والبلدان التي كان يرتحل إليها، منهم غير من ذكرنا سابقا: عماد الدين ابن كثير، ومحمد بن موسى الشقراوي، وعبد الله بن محمد بن المهندس، وابن قيم الضيائية عبد الله بن إبراهيم المقدسي، وأبو بكر بن عبد العزيز بن أحمد بن رمضان، ومحمد بن محمد بن عبد الغني الحراني3. تلاميذه: انفرد الحافظ العراقي في عصره بالإملاء فقصده لأجل ذلك ولغيره الناس من أقطار العالم الإسلامي للسماع عليه والأخذ عنه الجم الغفير والعدد الكثير حتى أن بعض شيوخه كان يأخذ عنه. ونكتفي بذكر بعضهم فمنهم: ولده القاضي أبو زرعة ولي الدين العراقي4.
ومنهم الحافظ الإمام علي بن أحمد بن حجر لازمه عشر سنين1. ومنهم الحافظ نور الدين أبو بكر الهيثمي لازمه أكثر حياته2. صفاته وثناء العلماء عليه: قال ابن فهد المكي: "وكان رحمه الله صالحا دينا ورعا عفيفا صينا متواضعا حسن النادرة، والفاكهة منجمعا ذا أخلاق حسنة منور الشيبة جميل الصورة كثير الوقار قليل الكلام إلا في محل الضرورة فإنه يكثر الانتصار، تاركا لما لا يعنيه طارحا للتكلف شديد الاحتراز في الطهارة ولم يكن ذلك يخرجه إلى الوسوسة. وكان - رحمه الله - شديد التواضع لا يرى له على أحد فضلا، كثير الحياء، ليس بينه وبين أحد شحناء حليما واسع الصدر لا يغضب إلا لأمر عظيم ويزول في الحال. ليس عنده حقد ولا غش ولا حسد لأحد، لا يواجه أحدا بما يكره ولو آذاه وعاداه مع صدعه بالحق وقوة نفسه فيه لا يأخذه في الله لومة لائم، لا يهاب أميرا ولا سلطانا في قول الحق، وكان - رحمه الله - كثير التلاوة وافر الحرمة والمهابة، نقي العرض ماشيا على طريقة السلف الصالح من المواظبة على قيام الليل وصيام الأيام البيض من كل شهر والست من شوال والجلوس في محله بعد صلاة الصبح مع الصمت إلى أن ترتفع الشمس فيصلي الضحى، وعلى الاستماع والإقراء والتدريس والتصنيف وكان - رحمه الله - ذا فضائل جمة من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم والآداب"3. وكان الإمام جمال الدين الأسنوي وهو من شيوخه يستحسن كلامه ويصغي إليه ويقول: إن ذهنه صحيح لا يقبل الخطأ، وكان يثني على فهمه
ويمدحه بذلك. وكان يحث الناس على الاشتغال عليه وعلى كتابة مؤلفاته وينقل عنه في مصنفاته1. وقال التقي الفاسي في ذيل التقييد: "كان حافظا متقنا عارفا بفنون الحديث والفقه والعربية وغير ذلك كثير الفضائل والمحاسن متواضعا ظريفا ومسموعاته وشيوخه في غاية الكثرة وأخذ عنه علماء الديار المصرية وغيرهم وأثنوا عليه خيرا"2. وفاته: توفي - رحمه الله - في ليلة أو يوم الأربعاء ثامن شعبان سنة ست وثمانمائة بالقاهرة وله إحدى وثمانون سنة ورثاه جماعة من تلاميذه منهم الحافظ ابن حجر في قصيدة أطال فيها النفس منها: مصاب لم ينفس للخناق ... أصاد الدمع جار للمآقي فيا أهل الشام ومصر فابكوا ... على عبد الرحيم بن العراقي على الحبر الذي شهدت قروم ... له بالانفراد على اتفاق ومن فتحت له قدما علوم ... غدت عن غيره ذات انفلاق3 مؤلفاته: للحافظ العراقي مؤلفات كثيرة أذكر منها ما يتسع له المقام منها: 1- الأحاديث المخرجة في الصحيحين التي تكلم فيها بضعف أو انقطاع4.
2- الأربعون تساعية1. 3- أربعون عشارية2 ومنها نسخة بالخزانة الكتانية3. 4- أربعون بلدانية4. 5- الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد5. 6- ألفية مصطلح الحديث6 طبعت مجردة بالرباط وبالهند ومع تعليق من شرح المصنف. 7- ألفية غريب القرآن7. 8- تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد8. 9- التقييد والإيضاح في مصطلح الحديث. ويسمى النكت على ابن الصلاح9. 10- الدرر السنية في نظم السيرة الزكية طبعت برباط المغرب10.
11- الذيل على ذيل العبر للذهبي1. 12- شرح ألفية الحديث له2 طبع بالمطبعة الجديدة بطالعة فاس سنة (1354) ?. 13- المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإحياء من الأخبار3 (يعني إحياء علوم الدين للغزالي) .
الفصل الثالث: تعريف بالحافظ ابن حجر
الفصل الثالث: تعريف بالحافظ ابن حجر 1 عصر الحافظ ابن حجر: كانت الفترة التي عاش فيها الحافظ ابن حجر العسقلاني - في أخريات القرن الثامن والنصف الأول من القرن التاسع - من أحفل الفترات التاريخية بالعلماء وأزخرها بالمدارس ودور الكتب وحلقات الدروس ورغم ما في هذا العصر من اضطراب سياسي واجتماعي فإن الحكام والأمراء قد عنوا بتشييد المدارس والمكتبات وتشجيع العلماء وإغرائهم بالمال والمناصب مما سبب تنافسا عظيما بين العلماء في نشر العلم بالتعليم والتأليف في مختلف ميادين المعرفة. اسمه ونسبه: هو شيخ الإسلام الأستاذ إمام الأئمة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن
علي بن محمد بن على بن أحمد الكناني1 العسقلاني2 المصري القاهري الشافعي يعرف بابن حجر وهو لقب لبعض آبائه. مولده: كان مولده في شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة على شاطئ النيل بمصر القديمة. ونشأ الحافظ ابن حجر يتيما؛ إذ مات أبوه في رجب سنة سبع وسبعين وسبعمائة. وماتت أمه قبل ذلك وهو طفل. وكان أبوه قد أوصى به إلى رجلين ممن كانت بينه وبينهم مودة هما: زكي الدين أبو بكر ابن نور الدين علي الخروبي (ت 787) وكان تاجرا كبيرا بمصر. وثانيهما: العلامة شمس الدين ابن القطان (ت 813) الذي كان له بوالده اختصاص. فنشأ في كنف الوصاية في غاية العفة والصيانة، ولم يأل زكي الدين الخروبي جهدا في رعايته والعناية به وبتعليمه، فكان يستصحبه معه عند مجاورته في مكة، وظل يرعاه إلى أن مات سنة (787) . وكان الحافظ قد راهق ولم تعرف له صبوة ولم تضبط له زلة. حفظ القرآن وهو ابن تسع سنين، وصلى بالناس التراويح إماما في المسجد الحرام وهو ابن اثنتي عشرة سنة إبان مجاورته مع وصيه الخروبي بمكة المكرمة سنة (785) .
وحفظ بعد رجوعه إلى مصر سنة (786) عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي والحاوي الصغير للقزويني، ومختصر ابن الحاجب الأصلي، والملحة وغيرها. وكان قد أعطي حافظة قوية، فكان يحفظ كل يوم نصف حزب من القرآن، وكان في غالب أيامه يصحح الصحيفة من الحاوي الصغير، ثم يقرأها مرة أخرى ثم يعرضها في الثالثة حفظا، ثم لازم كثيرا من الشيوخ من المحدثين والفقهاء والقراء واللغويين والأدباء، واستفاد من علومهم. وحبب إليه الحديث النبوي، فأقبل بكليته عليه وأخذ عن مشايخ عصره وقد بقي منهم بقايا وواصل الغدو بالرواح إليهم. ولازم الحافظ العراقي عشر سنين وتخرج به، وانتفع بملازمته كما لازم شيوخا آخرين في الحديث وفي فنون أخرى. وجد في طلب العلوم منقولها ومعقولها حتى بلغ الغاية. وصار كلامه مقبولا لا يعدو الناس مقالته لشدة ذكائه وطول باعه في العلوم. رحلاته في طلب العلم: كانت الرحلة في طلب العلم سنة متبعة منذ فجر الإسلام، فكان الصحابة يرحلون إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليتلقوا عنه مبادئ الإسلام وتوجيهاته. ورحل الصحابة والتابعون بعضهم إلى بعض، ثم تتابعت الأجيال الإسلامية على هذا النهج لا سيما أهل الحديث، فقد كانوا يرحلون زرافات ووحدانا يضربون في جنبات العالم الإسلامي شرقا وغربا ارتيادا للحديث وأهله، واستمروا على هذه الحال إلى عهد الحافظ ابن حجر - رحمه الله - فكان واحدا من هؤلاء الأفاضل الشغوفين بالعلم والتضلع منه، فأخذ بحظ وافر في هذا المجال فجال في مصر والشام والحجاز واليمن والتقى بعدد كبير من العلماء في هذه البلدان وحمل عنهم شيئا كثيرا من العلم واستفاد منهم وأفاد.
شيوخ الحافظ: اهتم الحافظ ابن حجر بذكر شيوخه وردد أسماءهم في كثير من كتبه وأعطى عنهم معلومات قيمة إلى جانب ذلك، فقد أفرد ذكرهم في كتابين عظيمين مازالا مخطوطين1 هما: الأول: المجمع المؤسس للمعجم المفهرس ترجم فيه لشيوخه وذكر مروياتهم بالسماع أو الإجازة أو الإفادة عنهم. والثاني: المعجم المفهرس وهو فهرس لمرويات الحافظ ذكر فيه شيوخه خلال ذكره لأسانيده في الكتب والأجزاء والمسانيد. وقسم السخاوي2 شيوخ الحافظ إلى ثلاثة أقسام: الأول: من سمع منه الحديث ولو حديثا واحدا. الثاني: من أجازوا ولو في استدعاءات بنيه. الثالث: من أخذ عنه مذاكرة أو إنشادا أو سمع خطبته أو تصنيفه أو شهد له ميعادا، وربما يكون من كل من القسمين تتلمذ له وعنه واستفاد على جاري عادة الحفاظ. وبلغ مجموع شيوخه ستمائة وزيادة على أربعين شيخا، وقسمهم ابن خليل الدمشقي في جمان الدرر3 إلى ثلاثة أقسام أيضا وأوصل عددهم إلى ستمائة وتسعة وثلاثين شيخا. ونكتفي هنا بذكر بعض شيوخه وهم الذين كان لهم أثر في حياته نظرا أولا لكثرتهم، وثانيا أنه تكفل بذكرهم في كتابيه سالفي الذكر.
كما تكفل بذكرهم تلميذه السخاوي في كتابه الجواهر والدرر، ثم ابن خليل الدمشقي في جمان الدرر. فمن شيوخه الذين لازمهم وكان لهم أثر واضح في نبوغه وحياته: 1- إبراهيم1 بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن علوان التنوخي البعلي الأصل، الدمشقي المنشأ، الشيخ برهان الدين الشامي، بلغ عدد شيوخه ستمائة بالسماع والإجازة يجمعهم معجمه الذي خرجه له الحافظ ابن حجر. نزل أهل مصر بموته درجة قرأ عليه الحافظ شيئا من القرآن ثم قرأ عليه الشاطبية وصحيح البخاري وبعض المسانيد والكتب والأجزاء وخرج له المائة العشارية ثم الأربعين التالية لها ووأذن له بالإقراء سنة (796) - توفي التنوخي سنة (800) . 2- عمر بن رسلان بن نصير بن صالح الكناني العسقلاني الأصل، ثم البلقيني2 المصري الشافعي أبو حفص سراج الدين، مجتهد حافظ للحديث من أكابر العلماء أفتى ودرس وهو شاب وناظر الأكابر وظهرت فضائله وبهرت فوائده وطار في الآفاق صيته. سمع الحديث من جماعة من مشايخ عصره، وأجاز له الذهبي والمزي وغيرهما وكان معظما عند الأكابر عظيم السمعة عند العوام، وقد لازمه الحافظ ابن حجر وقرأ عليه الكثير من الروضة ومن كلامه على حواشيها، وكتب له بخطه بالإذن بالإعادة وهو أول من أذن له في
التدريس والإفتاء وتبعه غيره. له مؤلفات منها: محاسن الاصطلاح في المصطلح، وحواشي على الروضة، مات سنة (805) . 3- عمر بن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي ثم المصري المعروف بابن الملقن1 كان أكثر أهل عصره تصنيفا. فشرح المنهاج عدة شروح وخرج أحاديث الرافعي في ست مجلدات وشرح صحيح البخاري في عشرين مجلدة. توفي سنة 804. 4- محمد بن أبي بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الكناني الحموي الأصل المصري الشافعي، ويعرف بابن جماعة2 عز الدين، فقيه أصولي محدث متكلم أديب نحوي لغوي مشارك في غير ذلك وكان يقول: "أعرف خمسة عشر علما لا يعرف علماء عصري أسماءها". وصنف التصانيف الكثيرة التي جمع أسماؤها في جزء مفرد. قال السخاوي: "ضاع أكثرها منها: النصف الأول من حاشية العضد وشرح جمع الجوامع وشرح علوم الحديث لابن الصلاح". أخذ عنه الحافظ ابن حجر ولازمه في غالب العلوم التي كان يقرؤها من سنة 790 إلى أن مات سنة 819. تلاميذ الحافظ ابن حجر: إن المكانة الرفيعة التي تبوأها الحافظ ابن حجر بعلمه الواسع وأخلاقه الكريمة وبعد صيته وطريقته المثلى في التدريس والتربية قد لفتت أنظار الناس من
علماء وطلاب فتنافسوا في الرحلة إليه والأخذ عنه لينهلوا من علومه الغزيرة وليفيدوا من آدابه وأخلاقه الرفيعة فكثر عددهم وأصبح رؤساء العلماء من كل مذهب وفي كل قطر إسلامي من تلاميذه. ولقد سرد السخاوي في الجواهر والدرر1 أسماء جماعة من الذين أخذوا عنه رواية ودراية فبلغ عددهم خمسمائة شخص. وفي جمان الدرر2 أورد ابن خليل الدمشقي حوالي ثلاثمائة وخمسين نفسا من تلاميذه والآخذين عنه. والمجال هنا لا يتسع إلا لذكر قليل منهم.. فمنهم: 1- إبراهيم بن علي بن الشيخ بن برهان الدين بن ظهيرة3 المكي الشافعي قرأ على الحافظ النصف الأول من شرح النخبة وقطعة من الحاوي الصغير، ولي قضاء مكة نحو ثلاثين سنة، وإليه انتهت رياسة العلم في الحجاز توفي سنة (891) . 2-أحمد بن عثمان بن محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكرماني الأصل القاهري الحنفي ويعرف بالكلوتاني4 (شهاب الدين أبو الفتح) محدث. قرا على الحافظ تغليق التعليق بكماله وغيره من تآليفه والاقتراح لابن دقيق العيد. من تصانيفه: مختصر الناسخ والمنسوخ للحازمي، ومختصر في علوم الحديث. توفي سنة (835) . 3- أحمد بن محمد بن علي بن حسن الأنصاري الخزرجي شهاب الدين5
المعروف بالحجازي من شيوخ الأدب في مصر، نظم الشعر وقرأ الحديث والفقه واللغة وتصدر للتدريس، أخذ عن الحافظ ابن حجر وغيره من علماء عصره. من مؤلفاته "قلائد النحور من جواهر البحور" والكنس الجواري. توفي سنة (875) . 4- زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري1 عالم مشارك في الفقه والأصول والفرائض والتفسير والقراءات والتجويد والحديث. أخذ عن الحافظ ابن حجر وغيره من أعيان عصره. من مصنفاته الكثيرة: "شرح صحيح مسلم" و"شرح مختصر المزني في الفقه الشافعي" و"شرح ألفية العراقي" في علوم الحديث. مات سنة (926) . 5- محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان السخاوي2 الأصل القاهري الشافعي (شمس الدين أبو الخير) فقيه مقرئ محدث مؤرخ مشارك في الفرائض والحساب والتفسير والأصول. أخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس وأذن له غير واحد بالإفتاء والتدريس والإملاء، وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر ولزمه أشد الملازمة وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره. من مؤلفاته الكثيرة: "الضوء اللامع لأهل القرن التاسع" في التراجم، و"الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر" و"فتح المغيث في ألفية الحديث" مات سنة (902) .
6- محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن فهد1 الهاشمي العلوي المكي الشافعي، أخذ عن كثير من العلماء منهم الحافظ ابن حجر وكتب عمن دب ودرج وبرع في الحديث، وفاق أقرانه وصار المعول عليه في هذا الشأن. له مؤلفات منها: "لحظ الألحاظ ذيل تذكرة الحفاظ" و"الإشراف على جمع النكت الظراف وتحفة الأشراف". توفي سنة871. صفاته وأخلاقه: قال ابن تغري بردى في بيان صفاته: "شيخ الإسلام حافظ المشرق والمغرب أمير المؤمنين في الحديث، علامة الدهر شيخ مشايخ الإسلام حامل لواء سنة سيد الأنام، قاضي القضاة أوحد الحفاظ والرواة شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن حجر المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة العسقلاني الأصل الشافعي، قاضي قضاة الديار المصرية وعالمها وحافظها وشاعرها ... لم يخلف بعده مثله شرقا ولا غربا، ولا نظر هو في مثل نفسه في علم الحديث. وكان - رحمه الله تعالى - إماما عالما حافظا شاعرا أديبا مصنفا مليح الشكل منور الشيبة حلو المحاضرة إلى الغاية والنهاية، عذب المذاكرة مع وقار وأبهة وعقل وسكون وحلم وسياسة ودربة بالأحكام ومداراة للناس، قل أن كان يخاطب الرجل بما يكره بل كان يحسن إلى من يسيء إليه ويتجاوز عن من قدر
عليه هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة والبر والصدقات، وبالجملة فإنه أحد من أدركنا من الأفراد"1. "وكان ورعا شديد التحري والتحرز في مأكله ومشربه وملبسه فلا يأكل إلا من الحلال الطيب، فلقد قدم إليه مرة طعام من جهة لا يحب أن يأكل منها لما سأل عنه وعرف مصدره استدعى بطست وقال: أفعل ما فعله أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - ثم استقاء ما في بطنه"2. وكان يمتاز بالتواضع والبعد عن التباهي بما منحه الله من مواهب وطاقات عقلية وعلمية. فلقد سئل مرة هل رأيت مثل نفسك؟ فأجاب3 قال تعالى: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُم} 4. قال ابن فهد: " ... لم تر العيون مثله ولا رأى مثل نفسه"5. وكان ضابطا للسانه واسع الصدر واسع الحلم، يغض عمن يؤذيه مع قدرته على الانتقام منه. بل يحسن إلى من أساء إليه ويتجاوز على من قدر عليه بطيء الغضب ما لم يكن في حق الله تعالى. وكان في غاية السماحة والسخاء والبذل مع قصده إخفاء ذلك. وكان بارا بشيوخه وأبنائهم بل بطلبته وأصحابه وخدمه"6. وكان شديد الحرص والمحافظة على الوقت.
فكانت همته المطالعة والقراءة والسماع والعبادة والتصنيف والإفادة بحيث لم يخل لحظة من أوقاته عن شيء من ذلك حتى في أكله"1. "وكان متبعا للسنة شديد التمسك بها جميع أحواله، ويدعو إليها بلسانه وقلمه ويحذر من مخالفتها شديد الإنكار للبدع. وكان يجهر بالإنكار على ابن عربي ومن نحى نحوه، وينكر مذهبه القبيح في تفضيل الولي على النبي إذ يقول: مقام النبوة في برزخ ... فويق الرسول ودون الولي وسأله شيخه البلقيني عن ابن عربي فكفره. ثم سأله عن ابن الفارض فتردد في تكفيره فأنشده قصيدته التائية أبياتا فقال: هذا كفر هذا كفر"2. ثناء العلماء على الحافظ ابن حجر مكانته بينهم: إن مكانة ابن حجر العلمية وسمو آدابه وأخلاقه جعلت العلماء من شيوخه وأقرانه وتلاميذه ومن بعدهم تفيض ثناء عليه وتشيد بمكانته ورسوخ قدمه في العلم والفضل، سجل من ذلك تلميذه السخاوي الشيء الكثير لشيوخه وأقرانه وتلاميذه وسجل ذلك المؤرخون وغيرهم وسوف أجتزئ من ذلك بما يسمح به المقام هنا. فمن ذلك الثناء ما كتبه شيخه الإمام سراج الدين البلقيني تقريظا لكتاب الحافظ "تغليق التعليق" قال:
"جمع الشيخ الحافظ المحدث المتقن المحقق شهاب الدين أبي الفضل أحمد ابن الفقير إلى الله نور الدين الشهير بابن حجر"1. وكتب العلامة برهان الدين الأبناسي في تقريظة للمائة العشارية تأليف الحافظ: "وكان ممن لاحظته عيون السعادة وسبقت له في الأزل الإرادة الشيخ الإمام العالم المحدث المتقن شهاب الدين أحمد بن الشيخ الإمام العالم صدر المدرسين مغني المسلمين أبي الحسن علي الشهير بابن حجر نور الدين الشافعي، لما عنيت به عناية التوفيق ورعاية التحقيق، نظر في العلوم الشرعية وأتقن جلها وحل مشكلها وكشف قناع معضلها وصرف همته العالية إلى أشرفها علم الحديث وهو أفضلها فاجتمع عليه المشايخ الجلة وكل مسند ورحلة فاستفاد منهم وأفاد فانتقى الأسانيد الجياد"2. وكتب شيخه العلامة عبد الرحيم بن الحسين العراقي: "ولما كان الشيخ العالم الكامل الفاضل الإمام المحدث المفيد المجيد الحافظ المتقن الضابط الثقة المأمون شهاب الدين أبو الفضل ابن الشيخ الإمام العالم الأوحد نور الدين علي العسقلاني المصري الشهير بابن حجر نفع الله به وبلغه غاية أربه ممن وفقه الله لطلبه ... إلى أن قال: فجمع الرواة والشيوخ وبين الناسخ والمنسوخ وجمع الموافقات والأبدال، وميز بين الثقات والضعفاء من الرجال وأفرط بجده الحثيث حتى انخرط في مسلك أهل الحديث، وحصل في الزمن اليسير على علم غزير"3. قال السخاوي: "وبلغني عن شيخنا أبي العباس الحناوي قال: "كنت أكتب الإملاء عن شيخنا العراقي فإذا جاء ابن حجر ارتج له المجلس، وعند عرض الإملاء قل أن يخلو من إصلاح يفيده ابن حجر"4.
وكتب تلميذه السخاوي سفرا ضخما في حياته، وترجم له في عدد من مؤلفاته ومن قوله فيه إضافة إلى ما أسلفناه عنه بعد أن ذكر وظائفه وأعماله الجليلة التي قام بها: "وأملى ما ينيف عن ألف مجلس من حفظه، واشتهر ذكره وبعد صيته، وارتحل الأئمة إليه، وتبجح الأعيان بالوفود عليه، وكثرت طلبته حتى كان رؤوس العلماء من كل مذهب تلامذته، وأخذ الناس عنه طبقة أخرى وألحق الأبناء بالآباء والأحفاد بل وأبناءهم بالأجداد، ولم يجتمع عند أحد مجموعهم وقهرهم بذكائه وتفوق تصوره وسرعة إدراكه واتساع نظره ووفور آدابه وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته، وطارت فتواه التي لا يمكن دخولها تحت العصر في الآفاق ... مع شدة تواضعه وحلمه وبهائه وتحريه في مأكله ومشربه وملبسه وصيامه وقيامه وبذله وحسن عشرته ورضى أخلاقه وميله إلى الفضائل وإنصافه في البحث ورجوعه إلى الحق وخصاله التي لم تجتمع لأحد من أهل عصره، فقد شهد له القدماء بالحفظ والثقة والأمانة والمعرفة التامة والذهن الوقاد والذكاء المفرط وسعة العلم في فنون شتى"1. وفاته: بعد تلك الحياة الحافلة بالنشاط الواسع في خدمة العلم ورفع مناره والجهاد في نشره وإشاعته بمختلف السبل من تدريس وإملاء وتأليف وفتاوى وغيرها ذلك النشاط الذي استغرق ما يقرب من ستين عاما فأنجب جيلا من أفذاذ العلماء وسد فراغا كبيرا في المكتبة الإسلامية بالمؤلفات الكثيرة الواسعة الناضجة مما لاغني للمكتبة الإسلامية ولا لرواد العلم عنها. بعد كل هذا وافاه الأجل المحتوم - سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلا - على إثر مرض بدأ به من ذي القعدة من سنة (852) فكان - رحمه الله - يكتم ذلك المرض ويؤدي واجبه من تدريس وإملاء، ولكن المرض ازداد به فتردد إليه الأطباء، وهرع إليه الناس من أمراء وقضاة لعيادته، دام به ذلك المرض أكثر
من شهر ثم أصيب بإسهال شديد مع رمي الدم1. قال السخاوي "ولا أستبعد أنه أكرمه الله بالشهادة فقد كان الطاعون ظهر"2 ثم أسلم الروح إلى باريها في أواخر شهر ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة يوم السبت الموافق للثامن عشر من الشهر المذكور3. وحضر جنازته الشيوخ وأرباب الدولة وجمع غفير من الناس وازدحموا في الصلاة عليه حتى حزر أحد الأذكياء من مشى في جنازته بأنهم نحو الخمسين ألف إنسان وواروا جثمانه بتربة بني الخروبي بالقرب من الإمام الشافعي4. كان يوم موته عظيما على المسلمين وحتى على أهل الذمة، ورثاه عدد من الشعراء منهم الشهاب الحجازي بقصيدة تضم أكثر من خمسين بيتا مطلعها: كل البرية للمنية صائرة ... وقفولها شيئا فشيئا سائرة والنفس إن رضيت بذا ربحت وإن ... لم ترض كانت عند ذلك خاسرة5 ورثاه تلميذه البقاعي بقصيدة مطلعها: رزء ألم فقلت الدهر في وهج ... وأعقل الناس منسوب إلى الهوج6 ورثاه أغلب شعراء عصره بأمهات القصائد7. ولا يتسع المجال لذكرها - رحمه الله - وأكرم مثواه.
مؤلفات الحافظ ابن حجر: لقد جال الحافظ ابن حجر بقلمه في كل مجال من مجالات العلوم الإسلامية والعربية، وزاحم بفكره ونشاطه وعبقريته أئمة الحديث والتفسير واللغة والأدب والشعر. وقدم خدمة جلى للأمة الإسلامية لا سيما في الحديث الشريف وعلومه فألف - رحمه الله -: في علوم القرآن وعلوم الحديث وشرحه وعلل الحديث ونقده وطرقه وتخريجه والعشاريات والأربعينيات وكتب الأطراف والزوائد والأبدال والموافقات والفقه وأصوله والعقائد والمعاجم والمشيخات والفهارس وكتب الرجال والتراجم والمناقب والتاريخ والأدب واللغة ودواوين الشعر. وما من نوع من هذه الأنواع إلا وله فيه مؤلف أو مؤلفات. وأصبح من العسير أن يحيط أحد بنشاطه أو يحصي مؤلفاته. لذا نرى بعضا ممن ترجموا له يكتفي أن يقول في عدد مؤلفاته أنها تزيد عن مائة وخمسين مؤلفا1. ومنهم من يقول أنها تزيد على المائة. قال صاحب اليواقيت والدرر وصاحب بدائع الزهور: "أنها بلغت نحوا من مائة كتاب". وذكر السخاوي في الضوء اللامع أن مصنفاته زادت على مائة وخمسين، وفي الجواهر والدرر2 ذكر ما يقرب من الواقع فأبلغها ما يزيد على 270 عنوانا، وقال أن الحافظ جمعها في كراسة وأوصلها الدكتور شاكر محمود في رسالته "الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته" 282 كتابا وأضاف ثمانية وثلاثين مؤلفا نسبت للحافظ.
هذا وليس من الممكن هنا استيفاؤها لكثرتها، ولأن مؤلفين ومترجمين للحافظ قد قاموا بهذا الواجب كالسخاوي في الجواهر والدرر وابن خليل الدمشقي في جمان الدرر والدكتور شاكر محمود عبد المنعم في رسالته "الحافظ ابن حجر ودراسة مصنفاته" التي نال بها شهادة الدكتوراه. وقد بذل جهدا مشكورا في هذه الرسالة لاسيما في إحصاء مؤلفاته، فقد أطال النفس فيذكرها وبيان المصادر التي تذكرها ودراسة بعضها دراسة وافية وبيان أهميتها ثم ترتيبها على حسب المواضيع وقد بلغت ما يقرب من ثلاثمائة مؤلف واستغرقت في رسالته اثنتين وثلاثين وأربعمائة صفحة من ص 252- 687 لأجل هذا سأكتفي بالإشارة إلى بعضها فمنها: 1- إتحاف المهرة بأطراف العشرة. والمقصود بالعشرة: الموطأ ومسند الشافعي ومسند أحمد وجامع الدارمي وصحيح ابن خزيمة والمنتقى لابن جارود وصحيح ابن حبان ومستخرج أبي عوانة ومستدرك الحاكم وشرح معاني الآثار للطحاوي وسنن الدارقطني، وهو مخطوط ومنه نسخة مصورة بمكتبة الجامعة الإسلامية وأخرى في مكتبة لصديق بمنى. 2- الإصابة في تمييز الصحابة. وهو من أشهر مصنفات الحافظ وأعظمها بعد فتح الباري، مطبوع ويقع في أربعة مجلدات. 3- إنباء الغمر بأبناء العمر. رتبه على السنين، أورد في كل سنة أحوال الدول وأحداثها ووفيات الأعيان مستوعبا لرواة الحديث. مطبوع. 3- بلوغ المرام من أدلة الأحكام في مجلد لطيف وهو مطبوع ومشهور. 5- تبصير المنتبه وتحرير المشتبه، حرر فيه كتاب المشتبه للذهبي فضبط فيه الأسماء بالحروف واستدرك فيه ما فات الذهبي من أسماء. مطبوع. 6- تجريد الأسانيد للكتب المشهورة والأجزاء المنثورة المسمى بالمعجم المفهرس، مخطوط منه نسخة بدار الكتب المصرية برقم 331.
7- تعجيل المنفعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة. يعني رجال الموطأ ومسند أبي حنيفة ومسند الشافعي ومسند أحمد مطبوع. 8- تغليق التعليق يقع في مجلد ضخم يشتمل على وصل الأحاديث المعلقة المرفوعة والآثار الموقوفة والمقطوعة الواقعة في صحيح البخاري. مخطوطة ومنه صورة في مكتبة الحرم المكي. 9- تقريب التهذيب مختصر تهذيب التهذيب له يشتمل على تراجم رجال الكتب الستة مطبوع في مجلدين. 10-التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير. وهو تلخيص للبدر المنير لابن الملقن. وأضاف إليه زوائد وفوائد مهمة. مطبوع في مجلدين. 11- تهذيب التهذيب لخص فيه تهذيب الكمال في الرجال للمزي مع زيادات كثيرة أضافها إليه. مطبوع في اثني عشر جزءا. 12- الحواشي على تلخيص المستدرك. 13- الدراية في تلخيص تخريج أحاديث الهداية. لخص فيه الحافظ نصب الراية في تخريج أحاديث الهداية للزيلعي مطبوع في مجلد. 14- الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة. وهو من كتب التراجم جمع فيه أعيان القرن الثامن مرتبين على حروف المعجم. مطبوع في خمس مجلدات. 15- فتح الباري بشرح صحيح البخاري وهو أجل شروح البخاري ومن أجل تصانيف الحافظ وأشهرها وأكثرها نفعا. مطبوع في ثلاثة عشر جزءا. 16- لسان الميزان. يشتمل على تراجم من ليس في تهذيب الكمال من
الميزان مع زيادات كثيرة جدا في أحوالهم من ناحية الجرح والتعديل، وأضاف أسماء رجال فاتت صاحب الميزان. مطبوع. 17- المطالب العلية بزوائد المسانيد الثمانية. وهي ومسند ابن منيع ومسند ابن أبي شيبة ومسند عبد ابن حميد ومسند أبي أسامة ومسند، الطيالسي ومسند الحميدي ومسند ابن أبي عمر ومسند مسدد ثم أضاف إليها مسند إسحاق ابن راهويه. مطبوع. 18- نخبة الفكر وشرحها نزهة النظر. حوى على صغر حجمه كل أنواع علوم الحديث. طبع مرارا. 19- نزهة الألباب في الألقاب. مخطوط توجد منه نسخ كثيرة مخطوطة منها بدار الكتب نسختان تحت رقم 166، 336 مصطلح. ومنها نسخة بمكتبة الحرم المكي. 20- هدي الساري مقدمة فتح الباري تقع في مجلد ضخم وتشتمل على جميع مقاصد الشرح (فتح الباري) سوى الاستنباط. مطبوع.
الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت للحافظ ابن حجر على ابن الصلاح
الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت للحافظ ابن حجر على ابن الصلاح الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح المراحل التي تكونت فيها نكت ابن حجر على مقدمة ابن الصلاح ونكت العراقي: 1- قرأ الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي الفوائد التي جمعها على مصنف ابن الصلاح (المقدمة) وكان في أثناء قراءته على شيخه وبعد ذلك إذا وقعت له النكتة الغريبة والنادرة العجيبة والاعتراض قويا كان أو ضعيفا ربما علق ذلك على هامش الأصل وربما أغفله. 2- ثم رأى - فيما بعد - أن الصواب الاجتهاد في جمع ذلك لإكمال التنكيت على كتاب ابن الصلاح فشرع في تنفيذ رأيه بتأليف كتابه هذا "النكت على ابن الصلاح والعراقي". 3- وقد بين الحافظ غرضه من هذا العمل فقال: وغرضي بذلك جمع ما تفرق من الفوائد واقتناص ما لاح من الشوارد. هذا وقد بلغت نكته على ابن الصلاح مائة وتسعا وعشرين نكتة اتخذ منها منطلقا لإبراز كثير من القواعد والفوائد والعلوم الغزيرة في ثنايا هذا الكتاب المبارك.
ويتلخص عمله في: أ- الدفاع عن ابن الصلاح. ب- الاعتراض عليه ومناقشته. ج- شرح بعض الأمور اللغوية والاصطلاحية. د- إضافة أشياء هامة وغزيرة من الفوائد والبحوث القيمة واستطرادات واسعة ومفيدة. وفي الصفحات التالية دراسة وعرض ملخص لعمله العظيم في هذا الكتاب القيم الذي بلغ فيه جهده الجبار الذي دل على طول باعه وسعة اطلاعه وأنه باحث ناقد من الدرجة الأولى بل لا يلحق في هذا المضمار. كلامه على خطبة ابن الصلاح وفيها ثلاثة عشرة نكتة: (1) النكتة الأولى (ص223) : كانت شرحا لكلمة (الواقي) بين أنها مشتقة من قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ} ثم بين أن هنالك مذهبين في أسماء الله الحسنى. الأول: أنها مشتقة. والثاني: أنها توقيفية. وقال: "وهو الأصح عند المحققين". (2) النكتة الثانية (ص223) : كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه في قوله (حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه) بأن هذه دعوى لا تصح، لأن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما يستحقه تعالى من الحمد فضلا عن تمامه.
أجاب الحافظ بأن الحافظ لم يدّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك وإنما أخبر أن الحمد الذي يجب لله هذه صفته. (3) النكتة الثالثة (ص224) : كانت ردا على اعتراض على قول ابن الصلاح (على نبينا) بأن النبي أعم من الرسول البشري فلم عدل عن الوصف بالرسالة؟ أجاب الحافظ بجوابين: أحدهما أن المقام مقام تعريف يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة كانت. (4) النكتة الرابعة (ص225) : عبارة عن اعتذار وتوجيه لقول ابن الصلاح (وآل كل) قال الحافظ: "إضافة إلى الظاهر خروجا من الخلاف، لأن بعضهم لا يجيز إضافته إلى المضمر". (5) النكتة الخامسة (ص225) : إجابة عن سؤل صوره الحافظ نفسه لِمَ لم يأت ابن الصلاح في خطبته الأولى بقول: "أما بعد) مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي في خطبه؟ ثم أجاب الحافظ: بأنه لا حجر في ذلك بل هو من التفنن. ثم إن ابن الصلاح تعرض هنا لفضل علم الحديث فعرفه الحافظ بأنه معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الرواي والمروي. (6) النكتة السادسة (ص226) : كانت شرحا وضبطا (رذالة) الواردة في كلام ابن الصلاح. قال الحافظ: هي بضم الراء وبعدها ذال معجمة. والرذالة ما انتفى جيده ... الخ. (7) النكتة السابعة (ص226) : كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح) وسفلتهم". قال: هو بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام وزن فرح جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء. (8) النكتة الثامنة (ص227) : كانت شرحا لقول ابن الصلاح في مزايا علم الحديث: "وهو من أكثر العلوم تولجا) أي دخولا.
قال الحافظ: "والمراد من العلوم هنا الشرعية وهي التفسير والحديث والفقه"، ثم بين الحافظ حاجة كل علم من هذه إلى علم الحديث. (9) ، (10) النكتة التاسعة والعاشرة (ص227) : كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "وأفنان فنونه - يعني علم الحديث - غضة) قال الحافظ: "الأفنان جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن. والفنون جمع فن وهو ضرب من الشيء أي النوع. وقوله: غضة: هي استعارة مناسبة للفنن وفيه الجناس بين أفنان وفنون". (11) النكتة الحادية عشرة (ص228) : كانت شرحا لقول ابن الصلاح: "ومغانيه بأهله آهلة". قال الحافظ: "المغاني - بالغين - جمع مغنى: مقصور: وهو المكان الذي كان مسكونا ثم انتقل أهله عنه". (12) النكتة الثانية عشرة (ص228) : كانت ضبطا لغويا لقول ابن الصلاح في بقايا من أهل الحديث: "إنما هم شرذمة، قال الحافظ: "بالذال المعجمة - ثم انتقادا لابن دحية حيث جوز إهمالها قال الحافظ: وشذ بذلك". (13) النكتة الثالثة عشرة (ص228) : كانت شرحا وضبطا لقول ابن الصلاح: "من سماعه غفلا ... وعطلا". قال الحافظ - بضم الغين المعجمة وسكون الفاء - استعارة يقال أرض غفل لا علم بها. فكأنه شبه الكتاب بالأرض والتقييد بالنقط والشكل والضبط بالعمران. وقوله: "عطلا": العاطل ضد الحالي.
النوع الأول: الصحيح وفيه ست عشرة نكتة. (14) النكتة الأولى (ص234) : كانت جوابا على اعتراض على تعريف ابن الصلاح للحديث الصحيح بأنه الحديث المسند الذي يتصل إسناده ... الخ. اعترض عليه بأنه لو قال: المسند المتصل لاستغنى عن تكرار لفظ الإسناد. فأجاب الحافظ بأنه إنما أراد الحديث المرفوع لأنه الأصل الذي يتكلم عليه. (15) النكتة الثانية (ص235) : كانت جوابا على اعتراض على ابن الصلاح في اشتراطه في حد الصحيح بأنه لا يكون شاذا ولا معللا. بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد القدح بأن يقول: ولا معللا بقادح. أجاب الحافظ بأنه لم يخل باحتراز ذلك بل قوله: "ولا يكون معللا إنما يظهر من تعريفه المعلل وقد عرفه فيما بعد بأنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره السلامة على علة قادحة فلهذا قال فيه احتراز عما فيه علة قادحة ... " ثم عقب الحافظ هذه النكتة بأربعة تنبيهات تدور كلها حول تعريف الصحيح وشروطه.
(16) النكتة الثالثة: (ص247) : كانت تعقبا على قول ابن الصلاح: "ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق" ثم ذكر ابن الصلاح خمس تراجم مما قيل فيه أصح الأسانيد. قال الحافظ: "أما الإسناد فهو كما قال قد صرح جماعة من أئمة الحديث بأن إسناد كذا أصح الأسانيد. وأما الحديث فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال: حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق ... " ثم بين الحافظ أسباب اختلاف الأئمة في أصح الأسانيد ومنها: أن كثيرا ممن نقل عنه الكلام في ذلك إنما يرجّح إسناد أهل بلده وذلك لشدة اعتنائه بذلك. ثم ذكر فائدة ذلك فقال: "ولكن يفيد مجموع ما نقل عنهم في ذلك ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية على ما لم يقع له حكم من أحد منهم". ثم أضاف الحافظ سبعا وعشرين ترجمة مما قيل فيه أصح الأسانيد ونقل عن الحاكم بعضها وتعقبه في بعض التراجم. ثم نبه الحافظ إلى أن ابن الصلاح لم يذكر أوهى الأسانيد وقال: أظنه حذفه لقلة جدواه ووعد بأنه سيشير إلى ذلك في الكلام على الموضوع. (17) النكتة الرابعة (ص262) : كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وبنى الإمام أبو منصور التميمي على ذلك - يعني على قولهم أصح الأسانيد كذا - أن أجل الأسانيد رواية الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -.
فاعترض عليه مغلطاي برواية أبي حنيفة عن مالك، وبأن ابن وهب والقعنبي عند المحدثين أتقن من جميع من روى عن مالك. أجاب الحافظ بأن اعتراضه بأبي حنيفة لا يحسن لأن روايته عن مالك لم تثبت وعلى فرض ثبوتها فلا تحسن المفاضلة بين من روى رجل حديثا أو حديثين على سبيل المذاكرة وبين من روى عنه ألوفا. وبالنسبة لابن وهب القعنبي قال: فما أدري من أين له هذا النقل ... " (18) النكتة الخامسة (ص66) : فيها اعتراضات على رأي ابن الصلاح حيث ذهب إلى سد باب التصحيح والتحسين للأحاديث في الأعصار المتأخرة بمجرد اعتبار الأسانيد. ناقشه الحافظ في ذلك وذهب إلى جواز في ذلك. (19) النكتة السادسة (ص276) : فيها دفاع عن ابن صلاح حيث حكى أن أول من صنف في الصحيح البخاري. فاعترض عليه مغلطاي بأن مالكا هو أول من صنف في الصحيح وتلاه آخرون كالإمام أحمد والدارمي. فذكر الحافظ لشيخه العراقي جوابا لم يرضه. ثم قال: الصواب في الجواب أن يقال: ما الذي أراده المصنف بقوله: "أول من صنف الصحيح؟ " هل أراد الصحيح من حيث هو، أو أراد الصحيح المعهود ورجح أنه لم يرد إلا المعهود قال: حينئذ لا يرد عليه ما ذكره من الموطأ وغيره. ثم ذهب يفرق بينما يوجد في الموطأ والبخاري من المقطوع والمنقطع والمرسل وقصد البخاري من إيرادها.
ثم قال: "والحاصل أن أول من صنف الصحيح يصدق على مالك بالنظر إلى المصنفين في عصره، أما الصحيح المعتبر عند المحدثين الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف فأول من جمعه البخاري ثم مسلم". أما مسند أحمد فقال: "إن أحمد لم يشترط فيه الصحة ووجود الضعيف فيه محقق. وأما مسند الدارمي ففيه الضعيف والمنقطع ثم ناقش مغلطاي في إطلاق الصحة على مسند الدارمي وفي أسبقيته لصحيح البخاري". (20) النكتة السابعة (ص281) : فيها تكميل وتأكيد لكلام ابن الصلاح حيث نقل قول الشافعي: "ما أعلم في الأرض كتابا أكثر صوابا من كتاب مالك" ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ. فنقل الحافظ قول الشافعي: "ما بعد كتاب الله أصح من موطأ مالك" ونقل عنه أيضا معناه بلفظ آخر. (21) النكتة الثامنة (ص281) : كانت بمثابة شرح وتوضيح لقول ابن الصلاح: "ثم إن كتاب البخاري أصح صحيحا" ثم ردود على من فضل صحيح مسلم على صحيح البخاري مع ذكر مزايا كل من الكتابين بصفة إجمالية. ثم تفضيل صحيح البخاري على صحيح مسلم بصورة تفصيلية تدور حول اتصال الإسناد وعدالة الرواة. (22) النكتة التاسعة (ص289) : تتضمن تعقبا على قول ابن الصلاح: "ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين - يعني الصحيحين - يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح كابن خزيمة وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين ككتاب أبي عوانة.
قال الحافظ ما ملخصه: "إن في هذا الكلام نظرا، لأن ابن خزيمة وابن حبان لم يلتزما أن يخرجا الحديث الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف ولأنهما لم يفرقا بين الصحيح والحسن ثم ذكر شرط ابن خزيمة وابن حبان وأنهما لم يشترطا نفي الشذوذ والعلة". وأما المستخرجات فبالنسبة لكتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على صحيح مسلم فإن فيه أحاديث كثيرة مستقلة يوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف والموقوف. وأما مستخرج الإسماعيلي فليس فيه أحاديث مستقلة وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها فقد يكون في رواتها من تكلم فيه، وكذا الحكم في باقي المستخرجات. (23) النكتة العاشرة (ص310) : تعتبر شرحا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "فليس لك أن تنقل حديثا منها (يعني المستخرجات) وتقول هو على هذا الوجه في كتاب البخاري ومسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال أخرجه البخاري ... ". قال الحافظ: "قلت: محصل هذا أن مخرِّج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح بالمرادفة أو المساواة أو لا يصرح، إن صرح فذاك، وإن لم يصرح كان على الاحتمال فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل منها ويقول: هو على هذا الوجه فيهما، ولكن هل له أن ينقل ويطلق كما أطلق؟ هذا محل بحث وتأمل. ثم نقل عن ابن دقيق العيد استنكاره عزو المصنفين على الأبواب الأحاديث إلى تخريج الشيخين مع تفاوت المعنى. لأن في هذا العمل مفسدتين:
إحداهما: أنه يوهم الناظر فيه أنه عند صاحب الصحيح كذلك، والواقع بخلافه. الثانية: أن يكون في إسناد صاحب المستخرج من لا يحتج به ... ". (24) النكتة الحادية عشرة (ص312) : كانت شرحا وبيانا لقول ابن الصلاح: "بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما". قال الحافظ: "محصله أن اللفظ إذا كان متفقا فذاك، وإن كان مختلفا فتارة يحكيه على وجهه وتارة يقتصر على لفظ أحدهما". ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقا واحدا وينبه إليها ويطلق ذلك، أو عليه أن يبين؟ هذا محل تأمل، ولا يخفى الجواز، وقد فعله غير واحد. (25) النكتة الثانية عشرة (ص312) : فيها تفصيل وتوضيح لقول ابن الصلاح - فيما يتعلق بمستدرك الحاكم: "وهو واسع الخطو في شرح الصحيح متساهل في القضاء به فالأولى أن يتوسط في أمره ... الخ". ذكر الحافظ هنا آراء العلماء في المستدرك. فمنهم: أبو سعد الماليني فإنه ادعى أنه ليس في المستدرك حديث واحد على شرط الشيخين. ومنهم: عبد الواحد المقدسي فإنه ذهب إلى أنه ليس في المستدرك إلا ثلاثة أحاديث فقط على شرط الشيخين. ومنهم الحافظ الذهبي فإنه يرى أن في المستدرك:
أ- جملة وافرة على شرط الشيخين. ب- وجملة كثيرة على شرط أحدهما - وهو قدر النصف. ج- وفيه الربع مما صح أو حسن. ويرى الذهبي أن في قول الماليني غلوا وإسرافا. ويتعقب الحافظ كلام الذهبي بأنه كلام مجمل يحتاج إلى إيضاح، ويتبين من الإيضاح أنه ليس جميعه كما قال الذهبي. ثم قسم الحافظ المستدرك إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول: أن يكون الإسناد الذي يخرجه محتجا برواته في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالما من العلل، ثم شرح هذا الكلام وبين محترزات القيود فيه. ثم انتهى إلى القول بأنه لا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرا أو أصلا. ثم استدرك بأنه يوجد في المستدرك جملة مستكثرة بهذه الشروط ولكنها مما أخرجه الشيخان أو أحدهما استدركه الحاكم واهما ظانا أنهما لم يخرجاها. القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره. ثم انتهى إلى القول بأن هذا القسم هو عمدة الكتاب. القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات، وهذا قد أكثر منه الحاكم فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم، وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلا، ومن هنا دخلت
الآفة كثيرا فيما صححه. وقل أن تجد في هذا القسم حديثا يلتحق بدرجة الصحيح. (26) النكتة الثالثة عشرة (ص321) : تعتبر إضافة وتكميلا لما يستفاد من المستخرجات فإن ابن الصلاح ذكر لها فائدتين: إحداهما: علو الإسناد. ثانيهما: الزيادة في قدر الصحيح. فأضاف الحافظ إليهما ثمان فوائد: منها الحكم بعدالة الرواة ممن أخرج له في المستخرج لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده. (27) النكتة الرابعة عشرة (ص323) : عبارة عن تعقب على ابن الصلاح ثم توضيح وتكميل لكلامه في تعليقات البخاري ما كان منها بصيغة الجزم أو بصيغة التمريض، قسم الحافظ كلا منهما وبين ما يصح من أنواعهما وما لا يصح ومثل لذلك بعدد من الأمثلة. ثم قرر النتيجة الآتية: في ضوء هذه الأمثلة وهي: أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده. هذا فيما يتعلق بالأحاديث المرفوعة. ثم تكلم أيضا عن التعليقات الموقوفة فإنه يجزم بما صح عنده ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع.
(28) النكتة الخامسة عشرة (ص344) : تتضمن شرحا لقول ابن الصلاح: "وأما الذي حذف من مبدأ إسناده واحد أو أكثر ... ففي بعضه نظر". قال الحافظ: "إنما خص النظر على بعضه لأنه - كما أوضحته - على قسمين: أحدهما: ما أورده موصولا ومعلقا سواء كان ذلك في موضع واحد أو موضعين فهذا لا نظر فيه، فإن الاعتماد على الموصول ويكون المعلق شاهدا. وثانيهما: ما لا يوجد في كتابه إلا معلقا فهذا هو موضع النظر". (29) النكتة السادسة عشرة (ص363) : فيها رد على اعتراض على قول ابن الصلاح - عند ذكر أقسام الصحيح -: "أولها: صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا" قال المعترض: "الأولى أن يكون القسم الأول ما بلغ مبلغ التواتر". فأجاب الحافظ: "إنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس له أصل في الصحيحين أو أحدهما. ثم قسم الحافظ ما اتفق عليه الشيخان إلى خمسة أنواع منها: ما كان متواترا، ويليه ما كان مشهورا. وذكر أن ما انفرد به واحد منهما يتفرع على هذا الترتيب. ثم أتبع ذلك بتنبيهين وفائدتين تتعلق بالمتفق عليه ما هو؟ وعن القوة التي يفيدها الحديث المتفق عليه. ثم ذكر تقسيم الحاكم للصحيح إلى عشرة أقسام؛ خمسة متفق عليها، وخمسة مختلف فيها، ثم سردها الحافظ". وتعقب الحاكم بقوله: "وكل من هذه الأقسام التي ذكرها الحاكم في المدخل مدخولا". ثم فندها واحدا بعد الآخر.
النوع الثاني: الحسن وفيه ثلاث عشرة نكتة: (30) النكتة الأولى (ص385) : تشتمل على اعتراض على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطابي أنه قال: "إن الحديث ينقسم عند أهله إلى ثلاثة أقسام" وذكر الحسن. فقال الحافظ: "نازعه الشيخ تقي الدين ابن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح للترمذي وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا الصحيح والضعيف. والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح". ثم نقل الحافظ عن البيهقي ما يؤيد كلام ابن تيمية. (31) النكتة الثانية (ص386) : هي اعتراض على قول ابن الصلاح (وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل ... ". فبين الحافظ أن هناك فرقا بين مقصود الترمذي والخطابي؛ إذ إن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف. وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة بل المعرف به عنده هو حديث المستور على ما فهمه المصنف.
ثم ذكر الحافظ أنواعا أخرى يشملها تعريف الترمذي منها: حديث الضعيف بسبب سوء الحفظ. والموصوف بالغلط والخطأ. ثم ذكر شروط الترمذي للحسن ثم أمثلة لكل الأنواع التي ذكرها. ولي عليه ملاحظات ذكرتها في محلها. (32) النكتة الثالثة (ص408) : فيها توضيح ثم تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "وإذا استبعد ذلك (يعني قبول الحسن مع قصوره عن درجة الصحيح) مستبعد من فقهاء الشافعية ذكرنا له نص الشافعي في مراسيل التابعين أنه يقبل منها المرسل الذي جاء نحوه مسندا ... ". بين الحافظ السبب في تخصيص الشافعية دون غيرهم لأنهم هم الذين يردون المرسل دون غيرهم من الفقهاء ومع ذلك فالشافعي لا يرده مطلقا. ثم تعقبه بقوله: "لكن الاقتصار على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب؛ فإن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم إنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي فلا معنى لتخصيص ذلك بالفقهاء" (33) النكتة الرابعة (ص 408) : تضمنت توضيحا لكلام ابن الصلاح الآتي ثم تعقبا عليه حيث قال: "ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا" قال الحافظ: "لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا.
والتحرير أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر. وأما إذا رجح جانب القبول فليس من هذا بل ذلك في الحسن الذاتي. وكان ابن الصلاح قد مثل للذي ضعفه لا ينجبر بحديث (الأذنان من الرأس) ". فتعقبه الحافظ بأن ابن القطان قد حكم له بالصحة. وبأن ابن دقيق العيد قال: "إن رجال رواية ابن ماجه لهذا الحديث ثقات. وأن العلائي قال في التمثيل بهذا الحديث نظر لأنه ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن". ثم ذكر الحافظ: "أنه قد جمع طرق هذا الحديث فيما كتبه على جامع الترمذي فرأى أمثلها: 1- حديث عبد الله بن زيد. 2- وحديث ابن عباس. 3- وحديث ابن عمر. 4- وحديث أبي أمامة. وقال: "وفي كل واحد منها مع ذلك مقال". ثم ذكرها حديثا حديثا بأسانيدها وبين ما في كل حديث من مقال. ثم قال الحافظ في نهاية الكلام: "وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا وأنه ليس مما يطرح وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه والله أعلم".
(34) النكتة الخامسة (ص 416) : ضمت تعقبا على ابن الصلاح: "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي حديثه من غير وجه فقد اجتمعت له القوة من جهتين وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح". ومثّل لذلك بحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعا: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة. تعقبه الحافظ من وجوه: أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا، قال وقد بينا ما فيه فيما سبق. الثاني: أن وصف الحديث بالصح إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان على شرط الحسن إذا روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح فإما أن يزيد في حد الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا وإما أن، لا يسمي هذا صحيحا ثم رجح أنه يسمى صحيحا ثم أتى بتعريف جامع يشمل الصحيح بنوعيه فقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل ذي الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه، ولا يكون شاذا ولا معللا (. ثم قال: "وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة إلا بذلك". ثم مثل لذلك بحديثين من صحيح البخاري وبين أنه إنما حكم لهما بالصحة باعتبار الصورة المجموعية. ثم ذكر أن هناك أمثلة كثيرة من البخاري ويوجد في مسلم أكثر.
والثالث: حكى الحافظ اعتراضا على ابن الصلاح في تمثيله بالحديث السابق بأنه غير صالح للتمثيل. فدفع الحافظ هذا الاعتراض وبين صلاحيته للتمثيل. (35) النكتة السادسة (ص431) : شرح فيها كلمة (مظان) من قول ابن الصلاح: "ومن مظانه (أي الحسن) قال: والمظان جمع مظنة وهي مفعلة من الظن. ونقل عن الطرزي أن المظنة العلم من ظن بمعنى علم". (37) النكتة السابعة (ص445) : أورد فيها تعقبا للتبريزي على ابن الصلاح والنووي حيث انتقدا صاحب المصابيح في تقسيم الحديث إلى نوعين: الصحاح والحسان وقالا: إن هذا الاصطلاح غير معروف. فتعقبهما التبريزي بأنه ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح مع نص الجمهور على أن من اصطلح في أول الكتاب فليس بعيد عن الصواب. والبغوي قد قال: وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان. وبالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة، وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه. وقد أيد الحافظ كلام التبريزي بقوله: قلت: "ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله: الحسان اصطلاحا خاصا له أنه يقول: في مواضع من قسم الحسان هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك ولو أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوعه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة". (37) النكتة الثامنة (ص446) : أوردها الحافظ استدراكا على قول ابن الصلاح:
"كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلي ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره ... فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا". قال الحافظ: "هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين ... لكن جماعة من المصنفين في كل خالف أصل موضوعه فانحط أو ارتفع فإن بعض من صنف على الأبواب أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة. وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه، ثم ذكر من هؤلاء إسحاق بن راهويه وبقي بن مخلد والبزار وأن أحمد انتقى مسنده ولا يشك منصف أنه أنقى أحاديث وأتقن رجالا من غيره وهذا يدل أنه انتخبه". ثم قال: "فظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في كتب الخمسة يحتج بها جميعا وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به، بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به من حديث المتروكين) قال: "ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا ولو اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب لكنه قال مع ذلك: "وما جرى مجراها) فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه". (38) النكتة التاسعة (ص474) : حوت تعقبا على قول ابن الصلاح: "قولهم هذا حديث صحيح الإسناد، دون قولهم حديث صحيح لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح المتن لكونه، أي الإسناد، شاذا أو معللا.. غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح، لأن عدم العلة والقادح هو الأصل".
قال الحافظ قلت: "لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل؛ إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرح الصحيح، وإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة فكيف يحكم له بالصحة". (39) النكتة العاشرة: بيان لما أبهم ابن الصلاح في قوله: "في قول الترمذي وغيرهك حسن صحيح إشكال" قال الحافظ: عنى بما لغير البخاري. (40) النكتة العاشرة (ص479) : تعتبر ربطا بين قولين سابق ولاحق من كلام ابن الصلاح حيث قيد إطلاق أحدهما بالثاني وهذان القولان حكاهما ابن الصلاح عن أهل الحديث: أحدهما: قوله: الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف. وثانيهما: قوله: "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن ويجعله مندرجا في أنواع الصحيح". قال الحافظ: "هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح - يعني القول الأول –". (41) النكتة الثانية عشرة (ص479) : تعد توجيها وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وهو (أي إدراج الحسن في الصحيح) الظاهر من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي (بالجامع الصحيح". قال الحافظ: "إنما جعله يومئ إليه لأن ذلك مقتضاه وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه - وهو الصحيح والحسن - أكثر من المردود فحكم للجميع بمقتضى الغلبة فلو كان ممن يرى التفرقة بين الصحيح والحسن
لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع، لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن والضعيف، فلا يعتذر عنه، بأنه أراد الغالب فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن ليصح ما ادعاه من تسمية". ثم ذكر أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، وذكر تعريفا للحميدي والذهلي يشمل كلا من الحسن والصحيح. (42) النكتة الثالثة عشرة (ص481) : تضمنت إضافة وتكميلا لقول ابن الصلاح: "أطلق الخطيب والسلفي الصحة على كتاب النسائي". قال الحافظ: "وقد أطلق عليه - أيضا - الصحة أبو علي النيسابوري وأبو أحمد بن عدي وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي وغيرهم". وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتاب أبي داود والترمذي. ثم تكلم عما يروى عن النسائي أنه يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه أن النسائي إنما أراد إجماعا خاصا. وذلك أن كل من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط. فمن الأولى: شعبة وسفيان، وشعبة أشد منه؟ ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد منه. ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد منه. ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري. وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه فإذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان مثلا فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد".
قال: "وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن أن مذهب النسائي في الرجال متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه، بل تجنب النسائي إخراج أحاديث جماعة من رجال الصحيحين وقال سعد بن علي الزنجاني: إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم". وفي الجملة كتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين حديثا ضعيفا ورجلا مجروحا.
النوع الثالث: الضعيف وفيه خمس نكت: (43) النكتة الأولى: "ص491) : جاءت دفعا لاعتراض أورد على ابن الصلاح، في تعريف الحديث الضعيف: "كلما لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح أو الحسن - فهو ضعيف". قال الحافظ: "اعترض عليه بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان أخص؛ لأن نفي صفات الحسن مستلزم لنفي صفات الصحيح وزيادة". قال الحافظ: "وأجاب بعض من عاصرناه بأن مقام التعريف يقتضي ذلك؛ إذ لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وصف الصحيح؛ إذ الصحيح بوصفه السابق لا يسمى حسنا فالترديد متعين. فلم يرض الحافظ هذا الجواب وقال: "والحق أن كلام المصنف معترض وذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا وليس كذلك؛ لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع، ويسمى ذلك الحديث الذي اجتمعت فيه الصفات سواه حسنا لا ضعيفا، وما من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا، ولو عبر بقوله: كل حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان أسلم من الاعتراض وأخص". (44) النكتة الثانية: "ص492) : تعتبر تخطئة لمن عين مصدر ابن الصلاح للكلام الآتي: "وأطنب أبو حاتم ابن حبان في تقسيمه (أي الضعيف".
قال الحافظ: "وتجاسر بعض من عاصرناه فقال: هو في أول كتابه الضعفاء ولم يصب في ذلك، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة كتاب الضعفاء إنما هو تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم أنه أبلغ الأسباب المذكورة عشرين قسما لا تسعة وأربعين. والحاصل أن الموضع الذي ذكر فيه ابن حبان ذلك ما عرفنا مظنته". (45) النكتة الثالثة (ص494) : تعد شرحا وتوضيحا ثم إضافة وذلك أن ابن الصلاح أشار إلى طريقة بسط الضعيف وتصوير إعداده بأن يعمد من يريد ذلك إلى صفة معينة فيجعل ما عدمت فيه قسما ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسما ثانيا وهكذا. فزاد الحافظ هذا شرحا وتوضيحا. ثم أضاف الحافظ تنبيهات: الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف. الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا (يعني العراقي) أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث فإنه يقبل ويجب العمل به. قال: وقد صرح بذلك جماعة من أئمة الأصول ومثل لذلك بمثالين: أحدهما: حديث "لا وصية لوارث". وثانيهما: حديث "الماء إذا تغير لونه أو طعمه أو ريحه". يصير نجسا لم يثبت إسناداهما إلا أن العلماء لم يختلفوا في قبولهما. وقال: الثالث: لم يتعرض المصنف (يعني ابن الصلاح) للكلام على أوهى الأسانيد كما تكلم على أصح الأسانيد مع أن جماعة منهم الحاكم قد ذكروهما معا. ثم نبه على الفائدة من ذلك فقال:
"ويستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا يصلح". ثم نقل عن الحاكم مجموعة مما قيل فيه: أوهى الأسانيد. (46) النكتة الرابعة (ص503) : تضمنت شرحا وإعرابا لقول ابن الصلاح (وهلم جرا". (47) النكتة الخامسة (ص504) : جواب عن سؤال قد يوجه إلى تصرف ابن الصلاح حيث قال في أول كتابه: "إن الحديث ينقسم على ثلاثة أقسام) ثم سمى الأقسام الثلاثة أنواعا ثم ذكر بعد ذلك أشياء أخرى سماها أنواعا. فكأن سائلا قال: أين دعوى الحصر في الثلاثة. قال الحافظ: "والجواب أن هذه الأنواع التي يذكرها بعد الثلاثة المراد بها أنواع علم الحديث لا أنواع أقسام الحديث". وحاصله: أن هذه الأنواع في الحقيقة ترجع على تلك الثلاثة، منها ما يرجع إلى أحدها ومنها ما يرجع إلى المجموع.
النوع الربع: المسند لم ينكت فيه الحافظ على ابن الصلاح.
النوع الخامس: المتصل وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح: (48) وهذه النكتة فيها بيان اللغات في كلمة (متصل) الواردة في كلام ابن الصلاح (ص510) : قال الحافظ: "قلت: ويقال له الموتصل وهي عبارة الشافعي ثم قال: وهو عبارة عما سمعه كل راو من شيخه في سياق الإسناد من أوله إلى منتهاه". فهو أعم من المرفوع. ثم قال: "اعلم أن الشيخ أول ما ذكر ما ينظر فبه إلى الإسناد والمتن معا وهو المسند، ثم تلاه بما ينظر فيه إلى الإسناد فقط وهو الاتصال، فكان ينبغي أن يتلوه بما ينظر فيه إلى الإسناد وهو الانقطاع؟ ولكنه كما قلنا غير مرة إنه لم يراع فيه تحسين الترتيب".
النوع السادس: المرفوع وفيه نكتتان فقط: (49) النكتة الأولى (ص511) : وفيها بيان ثم تعقب على قول ابن الصلاح في المرفوع: "وهو والمسند عند قوم سواء". قال الحافظ: "ويعني ابن عبد البر، فكان ينبغي أن يذكر نظير هذا في (المتصل) ولا فرق. (50) النكتة الثانية (ص511) : اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب: أن المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - وفعله، ثم قال: فخصه بالصحابة - رضي الله عنهم -، فخرج عنه مرسل التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال الحافظ: "يجوز أن يكون الخطيب أورد ذلك على سبيل المثال لا على سبيل التقييد، فلا يخرج عنه بشيء، وعلى تقدير أن يكون أراد جعل ذلك قيدا، فالذي يخرج عنه أعم من مرسل التابعي، بل يكون كل ما أضيف إلى النبي صلى الله علي وسلم لا يسمى مرفوعا إلا إذا ذكر فيه الصحابي. والحق خلاف ذلك. بل الرفع - كما قررنا - إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد.
النوع السابع: الموقوف وفيه نكتتان فقط: (51) النكتة الأولى (ص512) : فيها توضيح وتكميل لقول ابن الصلاح في الموقوف: "هو ما يروى عن الصحابة - رضي الله عنهم - من أقوالهم وأفعالهم". قال الحافظ: "المراد بالأقوال والأفعال ما خلت به عن قرينة تدل على أن حكم ذلك الرفع". وأما الأفعال المجردة فهل تكون أحكاما عند من يحتج بقول الصحابي أم لا؟ ثم إنه سكت عما يقال أو يعمل بحضرتهم فلا ينكرونه. (52) النكتة الثانية (ص513) : تضمنت شرحا لغويا وتوضيحا وتكميلا لقول ابن الصلاح: (وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر". قال الحافظ: "هذا قد وجد في عبارة الشافعي في مواضع، والأثر في الأصل العلامة والبقية والرواية". ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا.
النوع الثامن: المقطوع وفيه ثمان نكت: (53) النكتة الأولى (ص514) : فيها ضبط لغوي لكلمتي مقاطع ومقاطيع الواردتين في قول ابن الصلاح ثم إضافة فائدة كتابة المقاطيع. قال الحافظ: "والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن الكوفيين جواز إسقاطها". وذكر الخطيب أن فائدة كتابة المقاطيع ليتخير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم. (54) النكتة الثانية (ص514) : فيها بيان لمن أبهمهم ابن الصلاح في قوله: "وقد وجد التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول وفي كلام الإمام الطبراني والشافعي وغيرهما". قال الحافظ: "عنى بغيرهما الدارقطني والحميدي، فقد وجد التعبير في كلامهما بالمقطوع في مقام المنقطع". (55) النكتة الثالثة (ص515) : فيها استدراك على قول ابن الصلاح: "قول الصحابي: كنا نفعل هذا" وذكر ابن الصلاح في اعتباره موقوفا أو مرفوعا مذهبين. قال الحافظ: "وقد أهمل مذاهب) ثم ذكر ثلاثة مذاهب: أولها أنه مرفوع مطلقا. والثاني والثالث فيهما تفصيل.
ثم أعقب ذلك بثلاثة تنبيهات كلها تدور حول مواقف الصحابة وتصرفاتهم من أقوال وأفعال وأحكام ذلك. (56) النكتة الرابعة (ص 518) : دفع لاعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح: "وذكر الخطيب نحو ذلك (يقصد حديث المغيرة كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرعون بابه بالأظافير) قال مغلطاي: "إنما رواه الخطيب من حديث أنس". قال الحافظ: "هو اعتراض ساقط؛ لأن المصنف قصد أن الحاكم والخطيب ذكرا ذلك من قبيل الموقوف، وأن ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيه وقد حقق المناط فيه بما حاصله أن له جهتين: أ- جهة الفعل وهو صادر من الصحابة فيكون موقوفا. ب- جهة التقرير وهي مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون مرفوعا. (57) النكتة الخامسة (ص520) : اشتملت على بيان ثم تكميل لقول ابن الصلاح: "وخالف في ذلك (يعني قول الصحابي أمرنا بكذا ونحوه يكون مرفوعا) فريق منهم الإسماعيلي". قال الحافظ: "من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي من الحنفية ثم ذكر الحافظ شبهته وردها". ثم أتبع الحافظ ذلك بأربعة تنبيهات تدور حول هذه الصيغ وأحكامها. (58) النكتة السادسة (ص523) : تضمنت بيانا لمذاهب العلماء في قول الصحابي: من السنة كذا. حيث قال ابن الصلاح: "الأصح أنه مرفوع".
نقل الحافظ أنه مذهب الشافعي وغيره. قال: "ومقابل الأصح خلاف الصيرفي والكرخي والرازي وابن حزم وجماعة من العلماء وعزاه إمام الحرمين إلى المحققين، ومستندهم: أن اسم السنة متردد بين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسنة غيره". قال الحافظ: "وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر لوجهين" فذكرهما. ثم أضاف الحافظ ثلاثة تنبيهات اثنان منها حول إضافة الصحابي السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأن الجمهور يرون ذلك مرفوعا قطعا. وحكى الحاكم الإجماع على ذلك ونفى البيهقي الخلاف فيه. والثالث: حول حكم ما نسب الصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان. قال فهذا ظاهره أن له حكم الرفع ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز حوالة الإثم على ما ظهر له من القواعد. (59) النكتة السابعة (ص530) : فيها تفصيل لقول ابن الصلاح: "ما قيل إن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول الآية أو نحو ذلك". ذكر الحافظ أن ابن الصلاح تبع في ذلك الخطيب. أما الحاكم فأطلق النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي الذي شهد الوحي حديث مسند. قال الحافظ: "والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي إن كان مما لا مجال للاجتهاد فيه ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا فلا. كالإخبار عن الأمور الماضية ... وعن الأمور الآتية، والإخبار عن عمل له ثواب مخصوص أو عقاب
(60) النكتة الثامنة (ص535) : تضمنت إضافة إلى قول ابن الصلاح (من قبيل المرفوع ما قيل عند ذكر الصحابي: يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية". أضاف: قوله: يرويه أو يرفعه أو مرفوعاً أو يسنده. وكذا قوله رواه ... وضرب مثالاً للأخير. ثم أتبع ذلك بتنبيهين: أحدهما: سؤال وهو ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحوه. ثانيهما: قوله: سكت ابن الصلاح عن قول الصحابي: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في حكم قوله عن الله عز وجل. وضرب لذلك مثلا.
النوع التاسع: المرسل وفيه ثمان نكت: (61) النكتة الأولى (ص540) : فيها توجيه ونوع نعقب ثم إضافة حول قول ابن الصلاح - في تعريف المرسل – "وصورته التي لا خلاف فيها حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم ابن المسيب وأمثالهما". قال الحافظ: "ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة كان داخلا فيه. وإنما خص القول لكونه أكثر. والأولى تعبير بالإضافة لكونها أشمل". (62) النكتة الثانية (ص542) : فيها استدراك وإضافات على قول ابن الصلاح بعد أن عرف المرسل مخصصا إياه في هذا التعريف بكبار التابعين: "والمشهور التسوية بين التابعين) قال الحافظ: "لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده والتفريع عليه وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم يحتاج إليها المحدث وغيره". ثم ذكر الحافظ: أن أصل المرسل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع، وذكر قولين آخرين في مأخذه. ثم قال: "وأما حده فاختلفت عباراتهم فيه على أربعة أوجه".
فذكرها ومنها: "هو ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تقييد بالكبير. قال وهو مذهب الجمهور". ثم تعرض لذكر المرسل هل يحتج به أو لا؟ أبلغ الأقوال فيه إلى ثلاثة عشر قولا. منها: أنه يقبل مطلقا. ومنها: أنه يرد مطلقا. وبقيتها فيها شروط وتقييدات للقبول. ثم تعرض لبعض الأسباب التي تحمل المرسلين على الإرسال عن الثقة. ثم تساءل هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع؟ فأجاب بأنه إذا كان شيخ المرسل عدلا جاز بلا خلاف. وإذا كان غير عدل منع بلا خلاف ثم ذكر صورتين أخريين محتملتين للجواز والمنع. (63) النكتة الثالثة (ص559) : تضمنت رداً على اعتراض وجهه مغلطاي والبلقيني على ابن الصلاح حيث عد أبا حازم من صغار التابعين. فاعترضا عليه بأن أبا حازم ليس من صغار التابعين، فقد سمع من الحسن بن علي وأبي هريرة وغيرهما. قال الحافظ: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ابن الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن دينار المدني وهو لم يلق من الصحابة غير سهل بن سعد وأبي أمامة - رضي الله عنهما - فقط. وأما الذي سمع من الحسن بن علي - رضي الله عنهما - فهو أبو حازم الأشجعي وهو من مشايخ الزهري.
(64) النكتة الرابعة (ص560) : فيها اعتذار عن ابن الصلاح حيث اعترض عليه البلقيني في قوله: "وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع مرسلا". بأن هذا أصل يتفرع عليه ما ذكر أنه يتفرع منه. قال الحافظ: "ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين من المحدثين بأن المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل عندهم يختص بما ظن منه سقوط الصحابي فقط جعل قول من قال منهم ان رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا عنه". (65) النكتة الخامسة (ص561) : فيها تعقب على ابن الصلاح حيث قال: "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا". تعقبه الحافظ قائلا: فيه أمران: أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو: إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة فلا تسمى منقطعة لمكان المفسرة. ثم نقل عن الحاكم مثالا لذلك في نفس الموضوع. الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي ثم فصل فيه الحافظ تفصيلا لا يتسع المقام لذكره.
(66) النكتة السادسة (ص565) : ضمّنها الحافظ جوابا على اعتراض على قول ابن الصلاح: "حكم المرسل حكم الحديث الضعيف". كيف يقول هذا فيما يرسله أئمة التابعين وقد قرر في تعليقات البخاري الجازمة بأنها صحيحة على من علقها عنهم؟ أجاب الحافظ عن ابن الصلاح: بأن البخاري اختص بذلك لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا بذلك. ثم اتبع الجواب بشيء كمن التعليل والتفصيل. (67) النكتة السابعة (ص566) : أوردها الحافظ دفاعا عن مذهب الشافعي في عدم الاحتجاج بالمرسل إلا أن يصح بمجيئه من وجه آخر. ذكر ذلك ابن الصلاح في كتابه. فحكى الحافظ اعتراضا على هذا المذهب نسبه لجماعة من الحنفية وغيرهم وقال حجتهم أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيفا انضم إلى ضعيف فيزداد ضعفا. ثم أجاب: أن هذا ظاهر على قواعد المحدثين، وحاصله أن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده ولا المنضم وحده؛ فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل ضعيفين اجتمعا، ونظَّر ذلك بخبر الواحد إذا احتفت به القرائن فإنه يفيد العلم مع أنه لا يفيد العلم بمجرده ولا القرائن بمجردها. ثم أضاف تفاصيل ترتبط بهذه النكتة. (68) النكتة الثامنة (ص567) : حوت ردا على اعتراض أورده مغلطاي على قول ابن الصلاح:
"إن سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه جماهير حفاظ الحديث". الاعتراض بأن ابن جرير الطبري ذكر أن التابعين بأسرهم أجمعوا على قبول المرسل حتى جاء الشافعي فأنكره. قال الحافظ: "لكنه مردود على مدعيه (يعني الإجماع) ثم نقل عن جماعة من أئمة التابعين وأتباعهم كابن المسيب وابن سيرين وشعبة وأقرانه التصريح بعدم الاحتجاج بالمرسل وكلهم قبل الشافعي. قال ونقله الترمذي عن أكثر أهل الحديث، ثم ذكر الحافظ تفاصيل أخرى تدور حول قبول المرسل مطلقا ورده مطلقا وقبول بعضهم له بشروط".
النوع العاشر: المنقطع وفيه نكتتان فقط: (69) النكتة الأولى (ص572) : أودعها الحافظ انتقادا لابن الصلاح من جهة ثم دفاعا عنه من جهة أخرى وذلك أن ابن الصلاح ذكر في أمثلة المنقطع رواية عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن حذيفة حديث: "إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين ... " الحديث. ثم قال: "فهذا الإسناد إذا تأمله الحديثي ظنه متصلا". فتعقبه الحافظ بأن هذا المثال إنما يصلح للحديث المدلس؛ لأن كل راو من رواته قد لقي شيخه فيه وسمعه منه وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس. ثم ذكر الحافظ أن بعضهم ظن أن ابن الصلاح أراد بقوله: "حديثي) المحدث، فكان ينبغي أن يقول غير الحديثي لأن المحدث إذا نظر في إسناد فيه مدلس قد عنعنه لم يحمله على الاتصال. قال الحافظ: "إنما أراد بقوله: الحديثي المبتدئ وهذا هو اللائق بأن يحمل كلامه عليه". (70) النكتة الثانية (ص573) : عبارة عن استدراك على قول ابن الصلاح: "ومنها ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه".
قال الحافظ: "فات المصنف من حكاية الخلاف في المنقطع ما قاله الكيا الهراسي: "إن مصطلح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير إسناد أصلا والمرسل ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل". ثم قال الحافظ: قال ابن الصلاح في فوائد رحلته: "وهذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم وإنما هو من كيسه". أقول: "الظاهر أن هذا هو السبب في إهمال ابن الصلاح لنقل قول الكيا الهراسي هذا. ثم إن الحافظ لاحظ على ابن الصلاح أنه لم يتعرض لحكم المنقطع والخلاف في قبوله ورده وأشار إلى بعض الأقوال فيه".
النوع الحادي عشر: المعضل وفيه سبع عشرة نكتة: (71) النكتة الأولى (ص575) : تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر تعريف المعضل فقال: "هو عبارة عن الإسناد الذي سقط منه اثنان فصاعدا". فنقل الحافظ عن جماعة من أئمة الحديث إطلاق المعضل على ما ليس فيه سقط البتة. ثم عقب تلك النقول بقوله: "فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين أو يكون المعضل الذي عرَّف به المصنف وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والذي نقلناه من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد ويعنون به المستغلق الشديد، وبالجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا". (72) النكتة الثانية (ص580) : تضمنت ردا لاعتراض أورده مغلطاي على ابن الصلاح حينما تكلم عن كلمة معضل - بفتح الضاد - واستشكل مأخذها من حيث اللغة ثم فرق بينها وبين كلمة معضل - بكسر الضاد - فقال: "ولا التفات في ذلك إلى معضل - بكسر الضاد - وإن كان مثل عضل في المعنى". قال الحافظ: "اعترض عليه مغلطاي فقال: "كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس عربيا".
فتعقبه الحافظ بقوله: "ولم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا وإنما أراد أنه لا يؤخذ منه معضل بفتح الضاد لأن معضل - بكسر الضاد - من رباعي قاصر والكلام إنما هو في رباعي متعد". (73) النكتة الثالثة (ص581) : كانت توضيحا لقول ابن الصلاح: "وإذا روى تابع تابعي حديثا موقوفا وهو حديث متصل الإسناد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد جعله الحاكم نوعا من المعضل". قال الحافظ: "مراده بذلك تخصيص القسم الثاني من قسمي المعضل بما اختلف الرواة فيه على التابعي بأن يكون بعضهم وصله مرفوعا وبعضهم وقفه على التابعي بخلاف القسم الأول فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصل أم لا". (74) النكتة الرابعة (ص583) : فيها توجيه لقول ابن الصلاح فيما يتعلق بالإسناد المعنعن: "وكاد ابن عبد البر أن يدعي إجماع أئمة النقل على ذلك". يعني على أنه متصل كما هو ظاهر سياقه. قال الحافظ: "إنما عبر ابن الصلاح بقوله: "كاد) ؛ لأن ابن عبد البر إنما جزم بإجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل". (75) النكتة الخامسة (ص583) : كانت انتقادا على ابن الصلاح حيث نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على قبول الإسناد المعنعن. قال الحافظ: "إنما أخذه الداني من كلام الحاكم ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني".
وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر. وهذا يدل على أن أسلافنا من علماء المسلمين ما كانوا يقتصرون على العلو في الإسناد من الأشخاص فحسب بل حتى من الكتب، فينبغي في نظرهم أن يكون استقاء المعلومات من مصادرها الأصلية ولا سيما كتب أهل الاختصاص بالفن الذي تؤخذ منه تلك المعلومات. ثم لخص الحافظ كلام ابن الصلاح فيما يتعلق بالعنعنة في ثلاث حالات ثم أضاف حالة رابعة خفية جدا قال: لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي أنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال أو انقطاع بل يكون المراد بها سياق قصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون هناك شيء محذوف مقدر تقديره عن قصة فلان أو شأن فلان ثم ضرب لذلك أربعة أمثلة. (76) النكتة السادسة (ص590) : فيها تقييد ثم إيضاح لما نقله ابن الصلاح عن مالك أنه يسوي بين (عن) و (أن) وأن أحمد يفرق بينهما. قال الحافظ: "ليس كلام كل منهما على إطلاقه وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن ذلك". ثم ذكر صيغة السؤال الموجه إلى كل واحد منهما، ثم ذكر للفظة (أن) حالتين تتفق إحداهما مع (عن) وتنفرد عنها في الحالة الثانية ثم ضرب لذلك أمثلة. (77) النكتة السابعة (ص594) : كانت ضبطا لغويا للفظة (البرديجي) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان أصل نسبتها وأنها إلى قرية برديج نقل ضبطها عن حاشية للمصنف وعن
(العباب) للصاغاني، وبين أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء. (78) النكتة الثامنة (ص594) : تضمنت ملاحظة على ابن الصلاح حيث نقل عن ابن عبد البر كلاما يتعلق بالإسناد المتصل عن الصحابي إذا رواه الصحابي بأي لفظ: "سمعت) أو غيرها فكلها عند العلماء سواء. قال الحافظ: "إن ابن الصلاح حذف فيه كلام ابن عبد البر لكني رجعت إلى التمهيد مقارنا بينه وبين ما نقله ابن الصلاح فوجدت أنه حذف جملة واحدة من آخر الكلام كله". والذي يبدو لي أن الحافظ قال: "حذف فيه من كلام ابن عبد البر فحصل تصرف من النساخ يخل بكلام الحافظ" - والله أعلم. (79) النكتة التاسعة (ص595) : تضمنت ردا على اعتراض أورد على قول ابن الصلاح: "وقد قيل: أن القول الذي رده مسلم هو الذي عليه أئمة هذا العلم علي ابن المديني والبخاري وغيرهما (يعني اشتراط اللقاء وعدم الاكتفاء بالمعاصرة بين الراوي وشيخه". قال الحافظ: "ادعى بعضهم أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة، وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة فقد أكثر تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي، ثم نقل من الرسالة للشافعي من كلامه ومن نقله عن العلماء ما يؤيد مذهب البخاري ومن معه ويرجحه على مذهب مسلم". (80) النكتة العاشرة (ص598) : فيها توضيح لقول ابن الصلاح: "وهذا الحكم لا أراه يستمر - بعد
المتقدمين فيما وجد من المصنفين مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ذكر فلان قال فلان ونحو ذلك". قال الحافظ: "يعني بالمصنفين غير المحدثين فتبين أن ما وجد في عبارات المتقدمين من هذه الصيغ فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح حادث فلا". (81) النكتة الحادية عشرة (ص599) : فيها رد لاعتراض على ابن الصلاح ثم إضافة وتفصيل لقول ابن الصلاح فيما يتعلق بتعليقات البخاري: "والبخاري قد يفعل ذلك لكون الحديث معروفا من جهة الثقات". قال الحافظ: "فاعترض عليه مغلطاي بأن هذا الكلام يحتاج إلى تثبت، فإني لم أجده لغيره". قال الحافظ: "قد سبقه إلى ذلك الإسماعيلي ومنه نقل ابن الصلاح كلامه". ونقل الحافظ من كتاب المدخل إلى المستخرج للإسماعيلي ثلاثة أوجه لتعليقات البخاري منها: أن لا يكون قد سمعه عاليا وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه فيقول: قال فلان مقتصرا على صحته عنه وشهرته من جهته". قال الحافظ: "من تأمل تعليقات البخاري حيث لم تتصل لم يجدها تكاد أن تخرج عن هذه الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي" ثم ذكر الحافظ بعد ذلك الأسباب التي حملت البخاري على التعليق منها: أن يكون أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد، وأحال على كتابه (تغليق التعليق) في تفاصيل ذلك. (82) النكتة الثانية عشرة (ص601) : تضمنت تأييدا لانتقاد ابن الصلاح لأحد علماء المغرب وذلك أن ابن الصلاح حكى عن هذا العالم أنه سوى بين قول البخاري (قال فلان) و (قال لي فلان) في أن كلا منهما ظاهر في التعليق ثم رد عليه.
فأضاف الحافظ إلى قول ابن الصلاح قوله: "ولم يصب هذا المغربي في التسوية بين قوله (قال فلان) وقوله (قال لي فلان) ، لأن قال لي مثل التصريح بالسماع و (قال) المجردة ليست صريحة أصلا". (83) النكتة الثالثة عشرة (ص386) : حوت دفاعا عن قول ابن الصلاح: "وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق فتعقبه البلقيني بأن أخذه من تعليق الجدار ظاهر أما تعليق الطلاق ونحوه فليس من هذا الباب بل لتعليق أمر على أمر" ثم قال: "لا أن يريد به قطع اتصال حكم التنجيز باللفظ لو كان منجزا". قال الحافظ: "وهذا هو الذي يتعين مرادا للمصنف". (84) النكتة الرابعة عشرة (ص388) : فيها تعقب عن ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب مذاهب العلماء في تعارض الوصل والإرسال وأن المحدثين يرون أن الحكم للإرسال، وعن بعض العلماء أن الحكم للأكثر، وعن بعضهم أن الحكم للأحفظ. فتعقبه الحافظ بنقول عن جماعة من العلماء منهم ابن دقيق العيد والعلائي بأنه ليس لأئمة الحديث في هذا قانون مطرد، بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح. قال الحافظ: "وعلى هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد". (85) النكتة الخامسة عشرة (ص605) : تضمنت استشكالا من الحافظ على ابن الصلاح حيث أورد البحث في تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف في تفاريع المعضل مع أنه قسم مستقل قال: ولو أنه ذكره في تفاريع المعلل لكان حسنا وإلا فمحله زيادة الثقات. ثم اعتذر عن ابن الصلاح بكلام له شيء من الوجاهة. (86) النكتة السادسة عشرة (ص605) : قام الحافظ بدفع اعتراض من جهة وتعقب من جهة أخرى على ابن الصلاح
حيث مثّل لما تعارض فيه الوصل والإرسال بحديث: "لا نكاح إلا بولي". حيث وصله جماعة عن أبي إسحاق السبيعي وأرسله شعبة وسفيان الثوري. فاعترض عليه بعض العلماء بأن التمثيل بهذا الحديث لا يصح؛ لأن الرواة لم تتفق على إرساله عن شعبة وسفيان عن أبي إسحاق بل رواه النعمان بن عبد السلام عن شعبة وسفيان موصولا. قال الحافظ: "والجواب أن حديث النعمان هذا شاذ مخالف للحفاظ الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان، والمحفوظ عنهما أنهما أرسلاه". ثم حكى ابن الصلاح أن البخاري رجح فيه الوصل على الإرسال، لأنه زيادة من ثقة. فتعقبه الحافظ بأن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل معه زيادة ثقة ليست مع المرسل بل بما ظهر له من قرائن الترجيح وذكر الحافظ بعض تلك القرائن. (87) النكتة السابعة عشرة (ص391) : اشتملت على تعقب على ابن الصلاح حيث حكى عن الخطيب أنه رجح الوصل على الإرسال عند التعارض إذا كان الراوي عدلا ضابطا ... ثم قال وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله. فتعقبه الحافظ بأن الذي رجحه الخطيب شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا، وأما الفقهاء والأصوليون، فيقبلون ذلك من العدل مطلقا وبين الأمرين فرق كبير. ثم انتقد من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا وفسر الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أحفظ منه أو أكثر عددا منه ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا في المتن أوالإسناد. قال الحافظ: "وفي هذا تناقض واضح". ثم وضّح أن زيادة الثقة لا تقبل دائما. ومن أطلق ذلك من الأصوليين والفقهاء فلم يصب.
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس وفيه سبع نكت: (88) النكتة الأولى (ص614) : كانت شرحا لكلمة (التدليس) الواردة في كلام ابن الصلاح وبيان لاشتقاقها، وأنها من الدلس وهو الظلام ثم بيان لوجه تسميته بالتدليس: (89) النكتة الثانية (ص614) : فيها اعتراض على تعريف ابن الصلاح لتدليس الإسناد بقوله: "أن يروي الراوي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه أو عمن عاصره ولم يلقه موهما أنه قد لقيه وسمع منه". اعترض الحافظ على قوله: "أو عمن عاصره) بأنه ليس من التدليس في شيء، وإنما هو المرسل الخفي. ثم نقل عن ابن القطان صاحب الوهم والإيهام بأنه فرق بين التدليس والإرسال الخفي بأن التدليس مختص بالرواية عمن له منه سماع بخلاف الإرسال الخفي، وقد سبق القطان إلى التفرقة بينهما البزار. ثم إن العراقي حكى كلم البزار وابن قطان وصوب تعريف ابن الصلاح وقال: "إنه هو المشهور عن أهل الحديث". فتعقبه الحافظ وصوب تعرفهما وتفرقتهما بين المرسل الخفي والتدليس، وأنكر ما ادعاه العراقي بأن التدليس الذي ذكره ابن الصلاح هو المشهور عند المحدثين، ونقل عن الخطيب ما يؤيد كلام ابن قطان ومن معه.
(90) النكتة الثالثة (ص615) : فيها لفت نظر إلى ما يوهم التقييد في تعريف ابن الصلاح لتدليس الشيوخ حيث قال: "وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه، أو ينسبه، أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف". قال الحافظ: "ليس قوله بما لا يعرف به قيدا فيه بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا، ثم ضرب مثالا لذلك من تصرف الخطيب. (91) النكتة الرابعة (ص624) : ضمت تعقبا على قول ابن الصلاح فيما يتعلق بتدليس الإسناد: "ومن شأنه أن لا يقول في ذلك: أخبرنا فلان وحدثنا فلان وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان ونحو ذلك". فتعقبه الحافظ بقوله: "وقد يقع التدليس بحذف الصيغ كلها كما في المثال الذي ذكره المصنف وإنما نبهت عليه لأنه ليس داخل في عبارته". والمثال الذي ذكره المصنف هو أن ابن عيينة قال عند أصحابه (الزهري) فقيل له: حدثكم الزهري؟ فأعاد فأعيد السؤال فقال: "م أسمعه من الزهري ولا ممن سمعه من الزهري. حدثني عبد الرزاق عن معمر عن الزهري. (92) النكتة الخامسة (ص624) : اشتملت على تأييد لاعتراض أورد على ابن الصلاح حيث قال: "أن ما رواه المدلس بلفظ محتمل حكمه حكم المرسل". قال المعترض: "إن البزار قال: إن من كان لا يدلس إلا عن الثقات كان تدليسه عند أهل العلم مقبولا، وأيد الحافظ قول هذا المعترض بأن أبا الفتح
الأزدي وابن حبان وابن عبد البر قد صرحوا بمثل ما نقل عن البزار خصوصا في تدليس ابن عيينة" ثم اتبع الحافظ ذلك بتنبيه حول اختلاف العلماء في تصريح المدلس بالتحديث وعدم عدم تصريحه، نقل ذلك عن ابن القطان. وتعقبه في إطلاقه القبول عند التصريح بالسماع بأن المدلس قد يدلس الصيغة فيرتكب المجاز كما يقول مثلا: حدثنا وينوي حدث قومنا أو أهل قريتنا، ثم ذكر لذلك أمثلة. (93) النكتة السادسة (628) : كانت ردا على المعافى النهرواني حيث اتهم شعبة بالتدليس. وذلك عندما ذكر ابن الصلاح أن شعبة كان من أشد الناس ذما للتدليس، فذكر الحافظ: أن المعافى النهرواني اتهم شعبة بالتدليس رغم تشدده وذمه له، فرد ذلك عليه الحافظ وأقام الأدلة على وهم المعافى وخطئه في حق شعبة - رحمه الله -. (94) النكتة السابعة (ص634) : تضمنت تعقبا على ابن الصلاح حيث ذكر حكم ما رواه المدلس وأن حكمه القبول إذا رواه بلفظ مبين للاتصال نحو (سمعت) و (حدثنا". وذكر جماعة من المحدثين الثقات الذين خرج لهم في الصحيحين وغيرهما. قال الحافظ: "أورد المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين مصرح في جميعه وليس كذلك، بل في الصحيحين وغيرهما جملة كثير من أحاديث المدلسين بالعنعنة". ثم قال: "قد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه النووي وغيره بان
ما كان في الصحيحين وغيرهما من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول عل ثبوت سماعه من جهة أخرى" وذكر أنه توقف في ذلك بعض المتأخرين، صدر الدين بن المرحل وابن دقيق العيد وساق كلامهما بهذا الصدد. ونقل عن المزي بأنه ليس لمن يدعي ذلك حجة إلا حسن الظن بالشيخين. ثم قال: "وليس الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط، وأما ما كان في المتابعات فيحتمل أنه حصل التسامح في تخريجها" ثم ذكر بعد ذلك مراتب المدلسين الذين روى لهم البخاري ومسلم وجعلهم في ثلاث مراتب، ثم ألحق بها قسمين لمن دلس في خارج الصحيحين وسرد أسماء الجميع. وفي نهاية ذلك نبه على أنه يلحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلدان، كما إذا قال المصري: "حدثني فلان بالأندلس، وأراد موضعا بالقرافة وحكم هذا النوع عنده الكراهة؛ لأنه يدخل في التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث"
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ وفيه أربعة نكت: (95) النكتة الأولى (ص652) : فيها اعتراض على ابن الصلاح ثم اعتذار عنه حيث ذكر ابن الصلاح تعريفات الشافعي والخليلي والحاكم للشاذ. فبين الحافظ وجوه التفاوت بين تعريفاتهم من حيث العموم والخصوص، كما بين امتياز تعريف الشافعي على الأخيرين، ثم قال ابن الصلاح: "أما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال فيه". قال الحافظ: "فيه نظر وعلى المصنف إشكال أشد منه؛ وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا ويقول: إنه لو تعارض الوصل والإرسال قدم الوصل مطلقا وإن كان رواة الإرسال أكثر أو أقل أحفظ أم لا" ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف راويه من هو أرجح منه، وإذا كان راوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل مع اشتراكهما في الثقة فقد ثبت كون الوصل شاذا فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟ قال: "هذا غاية في الإشكال ثم قال: يمكن أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل والإرسال. والمصنف يأخذ بقول الفقهاء والأصوليين وذلك أنهم لا يشترطون نفي الشذوذ في شرط الصحيح وبهذا يرتفع الإشكال".
(96) النكتة الثانية (ص654) : وافق فيها شيخه العراقي في اعتراض أورده على دعوى ابن الصلاح أن مالكا تفرد عن الزهري بحديث دخول النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة وعلى رأسه مغفر. فتعقبه العراقي بأنه روى الحديث غير مالك عن الزهري كمعمر وابن أخي الزهري وذكر آخرين، ثم حكى عن ابن العربي أنه قال: رويته من ثلاث عشرة طريقا غير طريق مالك. فأقره الحافظ على هذا التعقب. ثم أورده من خمس عشرة طريقا ذاكرا مراتبها وما فيها من العلل، ثم أردف ذلك بقوله: "وقول ابن العربي أنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح فلا اعتراض عليه". (97) النكتة الثالثة (ص672) : كانت دلالة على موضع كلام لمسلم نقله ابن الصلاح حيث قال: (قال مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". قال الحافظ: "هو في الصحيح في كتاب الأيمان والنذور". (98) النكتة الرابعة (ص673) : تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على رأي ابن الصلاح حيث قال: في الكلام على رواية الشخص إذا انفرد برواية: "وإن كان بعيدا عن ذلك (يعني من درجة الحافظ الضابط) رددنا ما تفرد به وكان من قبيل الشاذ والمنكر". قال الحافظ: "هذا يعطي أن الشاذ والمنكر عنده مترادفان، والتحقيق خلاف ذلك".
النوع الرابع عشر: المنكر وفيه نكتة واحدة على ابن الصلاح (ص674) : "99) وفي هذه النكتة توضيح لكلام ابن الصلاح ثم عقب عليه في قوله: "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ". قال الحافظ: "وهذا ما ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد ولكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده. وأما قول المصنف والصواب التفصيل ... الخ، فليس في عبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر، نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين، ثم ذكر القسمين وفصل فيهما".
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار وفيه نكتتان فقط: (100) النكتة الأولى (ص681) : فيها اعتراض أورده على ابن الصلاح حيث قال: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد". قال الحافظ: "هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد وليس كذلك، بل الاعتبار هو الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد، فكان حق العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد". (101) النكتة الثانية (ص681) : تضمنت اعتراضا أورده الحافظ على ابن الصلاح إذ ذكر مثالا للمتابع وهو حديث سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس: (لو أخذوا إهابها) وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة عن ابن عباس: "أيما إهاب دبغ فقد طهر". قال الحافظ: "فيه أمران: أحدهما: أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ من شرطها أن يتابع نفس الراوي لا شيخه.
الثاني: أنه ليس بمطابق لما عرف من أن المتابعة لمن دون الصحابي، وأن الشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه من حديث صحابي آخر. ثم ذكر مثالا للمتابع والشاهد سالما من الاعتراض، وهو حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الشهر تسع وعشرون ... على قوله فأكملوا العدة ثلاثين) ومتابعاته وشواهده".
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات وفيه أربع نكت: (102) النكتة الأولى (ص686) : تضمنت شرحا ودفاعا عن ابن الصلاح حيث قال: "وكان أبو بكر النيسابوري وذكر غيره مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث ... ". قال الحافظ: "مراده بذلك الألفاظ التي يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما زاده الفقهاء ... وإنما نبهت على هذا، لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على المصنف ودل على أنه ما فهم مغزاه فيه". ثم أضاف الحافظ ما قاله ابن حبان: "لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة الحديث ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة حتى كأن السنن بين عينيه إلا ابن خزيمة". (103) النكتة الثانية (ص687) : تضمنت تفصيلا وتعقبا على تقسيم ابن الصلاح لزيادة الثقة إلى ثلاثة أقسام: وقد ذكر كثيرا من أقوال العلماء في هذه النكتة. (104) النكتة الثالثة (ص696) : تعد تأييدا للنووي ثم ردا على التبريزي الذي دافع عن ابن الصلاح. وذلك أن ابن الصلاح نقل عن الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات
بزيادة قوله: "من المسلمين) في حديث ابن عمر في صدقة الفطر فاعترض عليه النووي بقوله: "لا يصح التمثيل بهذا الحديث لأنه لم ينفرد به وذكر من تابع مالكا". قال التبريزي رادا على النووي: "إنما مثل به حكاية عن الترمذي فلا يرد عليه شيء". قال الحافظ: "وهذا التعقب غير مرض؛ لأن الإيراد على المصنف من جهة عدم مطابقة المثال للمسألة المفروضة، ولو كان حاكيا؛ لأنه أقر فرضيته، ثم بين سبب الخلل في كلام ابن الصلاح ثم تكلم الحافظ على هذه الزيادة ونقل أقوال العلماء فيها وفيمن زادها من أصحاب نافع ومن لم يذكرها". (105) النكتة الرابعة (ص700) : تعتبر اعتراضا على ابن الصلاح ثم مدافعة عنه حيث قال: "ومن أمثلة ذلك حديث: "جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا" فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك". قال الحافظ: "وهذا التمثيل ليس بمستقيم، لأن أبا مالك قد تفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش، وتفرد ربعي بجملته عن حذيفة". ثم حكى الحافظ اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح في تمثيله بهذه الزيادة، وهو بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض فلا يبقى زيادة". قال الحافظ: "فقد أجاب شيخنا شيخ الإسلام فقال: "حمل التربة على التراب وهو المتبادر إلى الفهم، ولأنه لو أراد بالتربة الأرض لم يحتج لذكرها هنا لسبق ذكر الأرض، وهو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "جعلت الأرض لنا مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا". قال الحافظ: "وهذا يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه، لأن التقدير حينئذ يكون وجعلت أرض الأرض طهورا".
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد وفيه على ابن الصلاح نكتة واحدة فقط (ص703) : (106) وهذه النكتة اشتملت على مدافعة عن ابن الصلاح ثم إضافة أشياء مهمة. فالمدافعة كانت على اعتراض وجهه مغلطاي على قول ابن الصلاح: "الأفراد منقسمة إلى ما هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة". حيث قال مغلطاي: "بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكر هذا النوع فكان ينبغي له أن يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام". قال الحافظ: "وهو اعتراض عجيب فإن الأقسام التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث". ثم قسم الحافظ - إضافة إلى ما سبق - الفرد المطلق إلى نوعين وضرب لهما مثالين. وقسم الفرد النسبي إلى أربعة أقسام وضرب لها أمثلة. ثم ذكر مظان الأفراد من الكتب، كالتفرد لأبي داود ومسند البزار والأفراد للدارقطني.
النوع الثامن عشر: معرفة المعلل وفيه خمس نكت: (107) النكتة الأولى (ص710) : تضمنت شرحا وتوضيحا وإضافة فوائد مهمة. أما الشرح فهو لتعريف ابن الصلاح للحديث المعلل حيث قال: "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن الظاهر السلامة منه". وضح الحافظ هذا التعريف وبين أنه تحرير لتعريف الحاكم. وأما الإضافات فهي متمثلة فيما يأتي: أ- ذكر الحافظ أن الحديث المنقطع رواية والمجهول والمضعف لا يسمى واحدا منها معللا إلا إذا آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك. ب- ثم بين السبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة وهو: أن تجتمع طرقه، فإن اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته، وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف. ج- ثم بين أهمية هذا الفن وأنه لا يقوم به إلا النقاد الأفذاذ، وأن إليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك. فإذا وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله فالأولى اتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا حيث لم يختلفوا فإذا اختلفوا فلا بد من الترجيح.
د- ثم نقل عن العلائي أن مذهب غالب المحدثين عند تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف في روايات الثقات هو التعليل بالإرسال والوقف. أما الفقهاء والأصوليون فإنهم يجعلون الوصل والرفع من قبيل زيادة الثقة، قال: "ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ". ?- ثم ذكر مثالا للمعلل الذي تخفى علته على كثير من المحدثين، وهو حديث ابن عمر (من باع عبدا له مال ... (الحديث حيث اختلف فيه نافع وسالم ابن عبد الله فوقفه نافع على عمر ورفعه سالم. فرجح النسائي وابن أبي حاتم وغيرهما الوقف، ثم بين سبب الخطأ في إسناد هذا الحديث. (108) النكتة الثانية (ص745) : تضمنت اعتراضا على قول ابن الصلاح: "إن المحدثين كثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل والمنقطع". قال الحافظ: "هذا ليس من قبيل المعلول على اصطلاحه وإن كانت علة في الجملة؛ إذ المعلول على اصطلاحه مقيد بالخفاء والانقطاع والإرسال ليست علتهما بخفية". (109) النكتة الثالثة (ص746) : تعتبر شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر، وقد تقع في المتن ... ". قال الحافظ: "قلت: إذا وقعت العلة في الإسناد قد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن، وكذا القول في الإسناد فالأقسام على هذا ستة. ثم مثل لكل هذه الأقسام الستة". (110) النكتة الرابعة (ص766) : كانت تعقبا على ابن الصلاح حيث قال:
"فعلل قوم رواية اللفظ المذكور - يعني نفي قراءة البسملة - لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه: "كانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين". قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى مع إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي رواتها عن قتادة مثل شعبة". ثم ذكر رواية شعبة وغيره عن قتادة بأسانيدها. ثم قال: "ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه النسائي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال: "صليت خلف أبي هريرة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم ثم قرأ بأم القرآن فذكر الحديث وفي آخره فلما سلم قال: "والذي نفسي بيده لأنا أشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم –". وهو حديث صحيح لا علة له. ففي هذا رد على من نفاها البتة، وتأييد لتأويل الشافعي لكنه غير صريح في ثبوت الجهر لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله عنه - حال مخافتته لقربه منه فبهذا تتفق الروايات كلها. (111) النكتة الخامسة (ص771) : وقعت شرحا لقول ابن الصلاح: "ثم اعلم أنهم قد يطلقون العلة على غير ما ذكرنا". قال الحافظ: "مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول قد يقع في كلامهم ما يخالفه،
وطريق التوفيق بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا أطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولا اصطلاحا؛ إذ المعلول ما علته خفية قادحة"، ولهذا قال الحاكم: "إنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل".
النوع التاسع عشر: المضطرب وفيه نكتتان فقط وفوائد: (112) النكتة الأولى (ص772) : تضمنت تعقبا على ابن الصلاح والعراقي حيث مثل ابن الصلاح للمضرب بحديث الخط للمصلي إذا لم يجد سترة، وذكر بعض وجوه الاضطراب فيه. فأقره العراقي وأضاف وجوها أخر. قال الحافظ: "وبقيت وجوه أخرى لم أر الإطالة بذكرها، ولكن بقي أمر يجب التيقظ له، ذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر فيه لم يكن فيه حقيقة الاضطراب، لأن الاضطراب هو الاختلاف الذي يؤثر قدحا، واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك؛ لأنه إن كان الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك، ومع ذلك فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض، والراجحة منها يمكن التوفيق بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا". ثم الاضطراب نقله عن العلل للدارقطني وهو حديث أبي بكر (شيبتني هود". ذكر الحافظ الاختلاف فيه على أبي إسحاق من اثني عشر وجها.
(113) النكتة الثانية (ص777) : تضمنت تعقبا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد. أما التعقب فعلى قول ابن الصلاح: "إن الاضطراب قد يقع في الإسناد وقد يقع في المتن، وقد يقع من راو وقد يقع من رواة". قال الحافظ: "قسم المصنف المضطرب إلى أربعة أقسام ولم يمثل إلا لقسم واحد". وأما الإضافة: أ- فذكر أن العلائي تكلم كلاما مفيدا في الحديث المعلّ فنقله الحافظ هنا لأن المضطرب قسم من أقسام المعل، ومن كلام العلائي أن الاختلاف في الإسناد ينقسم إلى ستة أقسام، فذكرها ثم ضرب الحافظ أمثلة لكل الأقسام الستة. ب- ثم قال: وأما الاختلاف في المتن فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث، وأشار إلى أمثلة سبقت في المعلل والمنكر. جـ- ثم قال: وأمثلة ذلك كثيرة وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها فنقول: 1- إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان الحديث في سياق واقعة وظهر تعددها فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين ثم مثل لذلك بحديث أبي هريرة في قصة السهو يوم ذي اليدين، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين". وحديث عمران بن حصين: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم العصر فسلم من ثلاث".
وحديث معاوية بن خديج: "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المغرب فسلم من ركعتين ثم انصرف". ثم قال: فهذه الأحاديث الثلاثة ليس الواقعة فيها واحدة بل سياقها يشعر بتعددها. 2- ثم مثل للقسم الثاني وهو: ما كان في حكاية واقعة وظهر تعددها بحديث فضالة بن عبيد في (القلادة) ساقه من وجوه، ثم عن البيهقي وغيرهأن هذه الروايات عن فضالة محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة فأداها كلها وحنش أداها متفرقة، وحنش هو الراوي عن فضالة. ثم رجح الحافظ أنهما حديثان فقط رواهما حنش بألفاظ مختلفة، ثم ذكر الحافظ وجهة نظره في هذا الترجيح. د- ثم قال: فإذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحد فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة، ثم أشار إلى محاولات بعضهم أن يجعل حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين قصصا متعددة. ثم مثل بحديث أبي هريرة في القصة المذكورة وقال: وأدل دليل على ذلك - أي على أنها قصة واحدة - الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر؟ فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما، ثم ذكر اختلاف الرواة في سياق الحديث، ثم قال: "فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب. ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة". هـ- ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال تعدد القصة الواقعة، ويمكن الجمع فيه بين الروايات وقسمه إلى أقسام منه ما يكون الحمل فيه على المجاز. ومنه ما يكون فيه بتقييد الإطلاق.
ومنه ما يكون بتخصيص العام. ومنه ما يكون بتفسير المبهم وتبيين المجمل. ومثل لكل من ذلك بمثال. و ثم ذكر ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد فيه أيضا الجمع بين الروايات ومثل له بعدد من الأمثلة.
النوع العشرون: المدرج وفيه نكتة واحدة: (114) وهذه النكتة تضم استدراكا ثم إضافة فوائد (ص811) : "أما الاستدراك فإن ابن الصلاح كان قد اقتصر على ذكر أربعة من أقسام المدرج". فتعقبه الحافظ بأن الخطيب الذي ألف فيه قد قسمه إلى سبعة أقسام قال: "وقد لخصته ثم رتبته على مسانيد الأبواب والمسانيد". أما الإضافة: أ- فذكر أنه أضاف إلى عمل الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره. ب- ثم قسم المدرج إلى مدرج المتن وإلى مدرج الإسناد. وذكر أن مدرج المتن على ثلاث مراتب: 1- في أول المتن. 2- وفي وسطه. 3- وفي آخره وهو الأكثر. ج- ثم قال: "والطريق إلى معرفة ذلك (يعني الإدراج) من وجوه". فذكر ثلاثة أوجه مع أمثلتها وأطال النفس في ذلك. د- ثم قال: "وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام. وأشار إلى أن ثلاثة منها ذكرها ابن الصلاح مع أمثلتها.
وذكر القسمين الآخرين ومثل لهما". ?- وأشار إلى طريق معرفة مدرج الإسناد. وذلك بأن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة. وضرب لذلك أمثلة.
النوع الحادي والعشرون: الموضوع وفيه تسع نكت: (115) النكتة الأولى ص (838) : كانت شرحا لغويا لتعريف ابن الصلاح للموضوع حيث قال: "وهو المختلق المصنوع". قال الحافظ: "وهذا تفسير بحسب الاصطلاح، وأما من حيث اللغة فقد قال أبو الخطاب ابن دحية: "الموضوع الملصق، وضع فلان على فلان كذا أي ألصقه به". (116) النكتة الثانية (ص839) : تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "اعلم أن الموضوع شر الأحاديث الضعيفة". قال المعترض: "الموضوع ليس من الحديث النبوي إذ أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه". أجاب الحافظ بقوله: "ويمكن الجوب بأنه أراد بالحديث القدر المشترك، وهو ما يحدث به". (117) النكتة الثالثة (ص839) : تضمنت استدلالا لقول ابن الصلاح: "ولا تحل روايته (يعني الموضوع". لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه".
استدل الحافظ على ذلك بحديث سمرة مرفوعا: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". ثم شرح الحديث ونفل عن مسلم ما يؤيد شرحه. (118) النكتة الرابعة (ص842) : تعد تفصيلا وتوضيحا لقول ابن الصلاح: "وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي". قال الحافظ: "قلت: هذا الثاني هو الغالب وأما الأول فنادر، ثم نقل عن ابن دقيق العيد ما يؤيد ما ذهب إليه". ثم ذكر بعض القرائن الدالة على الوضع. (119) النكت الخامسة (ص844) : تضمنت ردا لاعتراض على قول ابن الصلاح: "وقد وضعت أحاديث يشهد لوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها". حيث قال المعترض: "إن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى". قال الحافظ: "والذي يظهر أن المؤلف لم يقصد أن ركاكة اللفظ وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين". ثم إن الحافظ استدرك على ابن الصلاح أشياء أخل بها فلم يذكرها في علامات الوضع. منها: أن يخالف الحديث العقل ولا يقبل تأويلا. ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحجاج عن البيت ثم لا ينقله منهم إلا واحد.
ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا. ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. وذكر أشياء أخر. (120) النكتة السادسة (ص847) : تعتبر تأكيدا لقول ابن الصلاح في نقد ابن الجوزي: "ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين فأودع فيهما كثيرا مما لا دليل على وضعه". قال الحافظ (يعني ابن الجوزي) ، ثم نقل عن العلائي قوله: "دخلت الآفة على ابن الجوزي من التوسع في الحكم بالوضع؛ لأن مستنده في غالب ذلك ضعف راويه". قال الحافظ: "قلت: ويعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمول على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة التصنيف، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها". فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي يحتمل فيه الترغيب والترهيب وقليلا من الأحاديث الحسان، كحديث صلاة التسبيح وكحديث قراءة آية الكرسي دبر الصلاة فهو صحيح. وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جداً وأما مطلق الضعف ففيه أحاديث كثيرة.
نعم أكثر الكتاب موضوع". ثم ذكر (كتاب العلل المتناهية) لابن الجوزي وقال: "أورد فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة كما أورد في (الموضوعات) كثيرا من الأحاديث الواهية". (121) النكتة السابعة (ص850) : تضمنت استدراكا وتكميلا لقول ابن الصلاح: "والواضعون للحديث أصناف". قال الحافظ: "قلت: لم يبين ذلك وسائقهم إلى ذلك، والهاجم عليه منهم فذكر: 1- الزنادقة. 2- أصحاب الأهواء، كالخوارج والروافض. 3- من حمله محبة الظهور ممن رقّ دينه من أهل الحديث. 4- من حملة التدين الناشئ عن الجهل. ثم ذكر لهذا الصنف أربعة شبه تعلقوا بها، ثم رد على كل هذه الشبه. 5- والصنف الخامس: أصحاب الأغراض الدنيوية كالقصاص، والسؤال في الطرق وأصحاب الأمراء. 6- من لم يتعمد الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام بعض الصحابة أو غيرهم. وكمن ابتلي بمن يدس عليه الحديث. ثم ذكر أن أشد هذه الأصناف ضررا أهل الزهد. وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.
ثم ذكر محمد بن كرام زعيم الكرامية ومذهبه الرديء، ومن كان يضع له الحديث وضبط كلمة (كرام) وفيها قولان التشديد والتخفيف. (122) النكتة الثامنة (ص861) : تضمنت توضيحا لمن أبهمه ابن الصلاح في قوله: "بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه - يعني حديث أبي بن كعب في فضائل القرآن سورة سورة –". قال الحافظ: "أبهم المصنف الباحث المذكور اختصارا، ثم نقل عن الخطيب أن المؤمل بن إسماعيل هو الذي قام برحلة واسعة في البحث عن مصدر الحديث المذكور". (123) النكتة التاسعة (ص862) : تضمنت استدراكا على قول ابن الصلاح: "ولقد أخطأ الواحدي المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم". فنقل الحافظ عن شيخه العراقي قوله: "لكن من أبرز إسناده من المفسرين أعذر ممن حذف إسناده". قال الحافظ: "قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة معروفة لكثير من المحدثين، وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحا، وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان".
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب وفيه أربعة نكت: (142) النكتة الأولى (ص864) : تضمنت استدراكا على ابن الصلاح ثم إضافة فوائد. أما الاستدراك فعلى تعريف ابن الصلاح للمقلوب حيث قال: "وهو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع". قال الحافظ: "هذا تعريف بالمثال، وحقيقته إبدال من يعرف برواية غيره فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر حتى الإسناد كله". وأما الفوائد فقوله: وقد يقع ذلك عمدا إما لقصد الإغراب أو لقصد الامتحان. وقد يقع وهما. فأقسامه ثلاثة. ويقع في الإسناد والمتن، ثم مثل لمن كان يفعل ذلك عمدا على سبيل الكذب بحماد بن عمرو النصيبي. ثم مثل للقلب في المتن بمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا أو متونا ليست منها. ومثل لمن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان بشعبة فإنه كان يفعل ذلك كثيرا لقصد الامتحان واختبار حفظ الراوي. وذكر قصة اختبار يحي بن معين لأبي نعيم. وقصة امتحان أهل بغداد للبخاري، وساقها بإسناده إلى الخطيب ثم إلى
ابن عدي. وذكر امتحان العقيلي إذ امتحن تلاميذه. وقصة امتحان جماعة لابن عجلان. ثم قال: وأما من حدث منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في الكتب المصنفة في العلل. (125) النكتة الثانية (ص874) : تعتبر تكميلا وإضافة إلى قول ابن الصلاح في حديث جرير بن حازم عن ثابت بن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني". وهذا يصلح مثالا للمعل. ثم بين وجه علته. فقال الحافظ: "لا يختص هذا بهذا المثال بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض، ومن معرفة من يوافق ومن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ". ثم ذكر مثالين لمقلوب الإسناد. ثم ذكر قصة يحيى بن معين مع نعيم بن حماد حين قلب نعيم أسانيد بعض الأحاديث فرد عليه ابن معين، ثم رجوع نعيم عن أخطائه في النهاية. وقصة البخاري مع شيخه الداخلي حيث نبهه البخاري على وهم وقع فيه في إسناد حديث إلى غير راويه، فرجع الداخلي عنه بعد أن تبين خطأه. ونقل عن الحاكم مثالا آخر لمقلوب الإسناد أيضا. ثم تعرض لمقلوب المتن فذكر له أمثلة كثيرة. منها حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال" والصحيح أن بلالا يؤذن بليل ... ".
(126) النكتة الثالثة (ص886) : فيها إشارة إلى اعتراض وُجِّه إلى ابن الصلاح ثم رد هذا الاعتراض. وذلك أن ابن ابصلاح قال: "وقد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة". فبين الحافظ مقصود ابن الصلاح ثم قال: "وإذا كان كذلك فلا يعترض عليه بأن بعض الأنواع التي أوردها من بعد نوع الضعيف وهلم جرا فيها ما لا يستلزم الضعف، لأنا نقول: "إنما قال المصنف إنه يشرح أنواع الضعيف، وهو قد فعل ولم يقل إنه لا يشرح إلا الأنواع الضعيفة حتى يعترض عليه بمثل المسند والمتصل وما أشبه مما لا يستلزم الضعف". (127) النكتة الرابعة (ص887) : فيها تعقب على قول ابن الصلاح: "إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف فلك أن تقول هذا ضعيف وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تعني به ضعيف المتن بناء على مجرد ضعف الإسناد". قال الحافظ: "إذا بلغ المتأهل المجتهد، وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه فلم يجدله إلا تلك الطريق الضعيفة فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه". ثم إن ابن الصلاح قال: ويجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع. ونسب ذلك إلى أمثال عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهما.
فنقل الحافظ قصة عن أحمد ذكر فيها أنه يجوز التساهل في المغازي ونحوها وأنه يجب التشدد والتثبت في الحلال والحرام. وإلى هنا انتهى المطاف بالحافظ ابن حجر - رحمه الله - مع ابن الصلاح وانتهت نكته الغراء وفوائده العزيزة، ووقفت سفينته التي خاض بها غمار بحار هذا العلم، فأخرج لنا من درره الثمينة ما لا يستطيع إبرازها إلا أمثاله من أفذاذ العلماء النقاد. وليته واصل السير حتى النهاية ولو تم له ذاك لكان كتابه هذا فتحا آخر في مجال علوم الحديث يضاهي كتابه العظيم فتح الباري في شروح البخاري، بل في شروح كتب السنة كلها. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ...
الفصل الثاني: في تنكيت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي
الفصل الثاني في تنكيت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي بلغت نكت الحافظ ابن حجر على شيخه العراقي سبعا وخمسين نكتة كلها تعقبات على شيخه ما خلا سبعا منها، فإن من هذه السبع خمسا فيها تأييد لرأيه ومنها ما فيه دفاع عنه وهي واحدة، ومنها ما فيه شرح لبعض ألفاظه وهي واحدة أيضا. وسوف أسوق الجميع فيما يلي: النوع الأول: الصحيح وفيه خمس عشرة نكتة: (1) النكتة الأولى (ص238) : تضمنت تعقبا على شيخه العراقي حيث قال: فيما يتعلق باشتراط العدد في الحديث المقبول: "وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني فنبه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث". قال الحافظ: "وهذا إن كان الشيخ أراد بأنه لا يعرف التصريح به من أحد من أهل الحديث وإلا فذاك موجود في كلام الحاكم أبي عبد الله الحافظ في المدخل. ثم ناقش الحافظ القائلين باشتراط العدد في الحديث الصحيح من المعتزلة والجهمية ورد على شبههم التي تعلقوا بها.
(2) 2- النكتة الثانية (ص273) : فيها اعتراض على قول العراقي: "صحح المنذري حديثا في غفران ما تقدم وتأخر، والدمياطي حديثا في ماء زمزم". قال الحافظ: "فيه نظر؛ وذلك أن المنذري أورد في الجزء المذكور عدة أحاديث بين ضعفها وأورد في أثنائه حديثا من طريق بحر بن نصر عن ابن وهب ... وقال بعده: بحر بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقهم محتج بهم في الصحيحين". قال الحافظ: قلت: "ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحا لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة وقد وجد هذا الاحتمال هنا فإنها رواية شاذة". (3) النكتة الثالثة (ص276) : تضمنت تنبيها على وهم وقع فيه الحافظ العراقي في قوله: "إن المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن محمد بن المنكدر كما رواه ابن ماجة" (يعني حديث ماء زمزم) . قال الحافظ: "وقع منه سبق قلم، وإنما هو عند ابن ماجة وغيره من طريق المؤمل عن أبي الزبير". والأمر كما قال الحافظ. (4) النكتة الرابعة (ص277) : أبدى الحافظ فيها عدم قناعته بجواب شيخه على اعتراض وجهه مغلطاي على ابن الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح قال: "أول من صنف في الصحيح البخاري" فاعترض عليه مغلطاي بأن مالكا أول من صنف الصحيح وتلاه أحمد بن حنبل وتلاه الدارمي" ثم قال: "فإن قيل إن في الموطأ المرسل والمنقطع قلنا وفي البخاري كذلك فأجابه العراقي بأن مالكا لم يفرد الصحيح بل أدخل في كتابه المرسل والمنقطع".
وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي وإلا فظاهر قوله مقبول بالنسبة إلى ما ذكره البخاري من الأحاديث المعلقة وبعضها ليس على شرطه. ثم أجاب الحافظ على دعوى مغلطاي في أولية الموطأ على الصحاح بما يرى أنه الصواب. (5) النكتة الخامسة (ص295) : فيها تعقب على العراقي ودفاع عن ابن الصلاح، وذلك أن ابن الصلاح ذكر أن عدة أحاديث البخاري سبعة آلاف حديث. فتعقبه العراقي بقوله: "هكذا أطلق ابن الصلاح عدة أحاديثه والمراد بهذا العدد الرواية المشهورة وهي رواية محمد بن يوسف الفربري أما رواية حماد بن شاكر فهي دونها بمائتي حديث. وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل، فإنها تنقص عن رواية الفربري بثلاثمائة". فتعقب الحافظ شيخه العراقي: بأن كلامه يفيد أن هذا النقص واقع في أصل التصنيف، لكن الأمر بخلاف ذلك، فكتاب البخاري في جميع الروايات الثلاث سواء في العدد ثم بين الحافظ أن التفاوت إنما حصل في أصل السماع إذ أن الفربري سمع جميع الصحيح من البخاري، والآخران سمعا معظم الكتاب والباقي أخذاه بالإجازة من البخاري، فلا اعتراض على ابن الصلاح فيما أطلقه. (6) النكتة السادسة (ص296) : تضمنت دفاعا عن ابن الصلاح حيث انتقده العراقي في إهمال عدة كتاب مسلم ثم ذكر أن عدته اثنا عشر ألف حديث بالمكرر. فأجاب الحافظ: عن ابن الصلاح بأنه لم يقصد ذكر عدة البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذكره لعدة ما في البخاري
أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول ابن الأخرم. ثم استطرد الحافظ البحث حول قول البخاري: "أحفظ مائة ألف حديث)) ، فذكر عن الجوزقي أنه استخرج في كتابه ((المتفق)) على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا". قال الحافظ: "فإذا كان الشيخان مع ضيق شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر هذا القدر فما لم يخرجا من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – ويزيد، وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء عن الصحابة والتابعين تمت العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها، بل ربما زادت على ذلك". (7) النكتة السابعة (ص300) : كانت تعقبا على العراقي حيث ادعى أن الحميدي زاد زيادات في كتابه: الجمع بين الصحيحين، ولم يميز هذه الزيادات ولم يصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في ذلك. تعقبه الحافظ بقوله: "إن شيخنا قلد في هذا غيره، وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ما ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها، ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات". ثم ذكر أن شيخه البلقيني وقع فيما وقع فيه العراقي كما تبع سراج الدين ابن النحوي في كتابه ((المقنع)) العراقي في هذا الزعم، ثم نقل الحافظ نص كلام الحميدي الذي أبدى فيه اصطلاحه فيما يتعلق بهذه الزيادات.
ثم ساق الحميدي تسعة أمثلة بين الحميدي فيها الزيادات. (8) النكتة الثامنة (ص318) : فيها تأييد من الحافظ لشيخه العراقي في انتقاده لكل من ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي، وذلك بأنهم يعترضون على الحاكم في تصحيحه على شرط الشيخين أو أحدهما بأن البخاري مثلا ما أخرج لفلان. قال العراقي: "وكلام الحاكم مخالف لما فهموه". قال الحافظ: "وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه". ثم ذكر الحافظ أن الحديث إذا كان الشيخان قد أخرجا لرواته أو أحدهما قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما. وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد فحسب ثم وضح ذلك بمثال من النوع الثاني قال الحاكم عقبه صحيح الإسناد. قال الحافظ: "فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما". (9) النكتة التاسعة (344) : انتقد الحافظ فيها شيخه العراقي حيث قال في معرض الكلام على صحيح مسلم: "وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا)) ثم عقبه بقوله: "ورواه فلان، وقد جمعها الرشيد العطار في ((الغرر المجموعة)) . قال الحافظ متعقبا عليه: وفيه أمور وناقشه من وجوه ... منها: قوله: "فيه بقية أربعة عشر" بين الحافظ أنه أخطأ في هذا العدد مقلدا غيره في هذا الخطأ، وصوّب الحافظ أنها اثنا عشر.
ولكن الحافظ نفسه لم يسلم من الخطأ في عد هذه الأحاديث. (10) النكتة العاشرة (ص354) : كانت اعتراضا من الحافظ على العراقي وبيانا للصواب في خطأ وقع فيه وذلك أن العراقي قال في خلال مدافعته عن ابن الصلاح ورده على اعتراض لمغلطاي. قال: "الظاهر أن البخاري لم يرد برد الصدقة حديث جابر المذكور في بيع المدبر، وإنما أراد – والله أعلم – حديث جابر في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم بالصدقة عليه ... وهو حديث ضعيف. فتعقبه الحافظ من وجوه منها: أن الدارقطني لم يرو هذا الحديث من جابر وإنما رواه من حديث أبي سعيد ومع كون هذا الحديث ليس من حديث جابر عند الدارقطني فهو صحيح وليس بضعيف. (11) النكتة الحادية عشرة (ص361) : كان العراقي قد رد اعتراضا لمغلطاي على ابن الصلاح فيما يتعلق بتعليقات البخاري واستبعد أن يكون البخاري يأتي بصيغة الجزم في الأحاديث الضعيفة فلم يستصوب الحافظ هذا الرد وأتى برد آخر يرى أنه الصواب. (12) النكتة الثانية عشرة (ص371) : تضمنت ردا على العراقي حيث اعترض على ابن الصلاح في قوله: "إن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته". فنقل العراقي عن ابن عبد السلام أن هذا قول بعض المعتزلة إذ يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته ونقل عن النووي أنه لا يفيد إلا الظن.
فأجاب الحافظ: "عن ابن الصلاح بأنه لم يقل إن الأمة أجمعت على العمل بما فيهما وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما فيهما إلا من حيث الجملة لا من حيث التفصيل ... وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة". ثم نقل الحافظ عن جماعة من العلماء كإمام الحرمين وابن فورك وعبد الوهاب المالكي والبلقيني وعن جمع من علماء المذاهب ما يؤيد مذهب ابن الصلاح. بل نقل عن ابن تيمية أن الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه فذكر جماعة منهم من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ثم قال: وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم ... ومذهب أهل الحديث قاطبة. ثم نقض قول النووي: إن الخبر لا يفيد العلم إلا أن يتواتر بأدلة، منها: الخبر المحتف بالقرائن فإنه يفيد العلم النظري، والخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها وما تلقته الأمة بالقبول. (13) النكتة الثالثة عشرة: (ص379) . تضمنت استدراكا على العراقي حيث قال معلقا على قول ابن الصلاح: "إن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته". "قد سبقه إلى ذلك أبو الفضل ابن طاهر وأبو نصر ابن يوسف". قال الحافظ: "أقول: أراد بذكر هذين الرجلين كونهما من أهل الحديث، وإلا فقد قدمنا كلام جماعة من أئمة الأصول موافقته على ذلك وهم قبل ابن الصلاح.
نعم، وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كالجوزقي والحميدي بل نقله ابن تيمية عن أهل الحديث قاطبة". (14) النكتة الرابعة عشرة (ص380) : تضمنت ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح في قوله: "إن أخبار الصحيح قد تلقيت بالقبول إلا أحرفا يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد". فقال العراقي: "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب عليها العلماء ومع ذلك ليست يسيرة بل هي كثيرة ... ". أجاب الحافظ: "بأن كونها ليست يسيرة فهذا أمر نسبي أو هي بالنسبة إلى ما لا مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا، وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع استثناءها؛ لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي فالمواضع المذكورة مختلفة عن التلقي فيتعين استثناؤها. ثم ذكر الحافظ النقاد الذي تتبعوا الأحاديث المعللة في الصحيحين وهم الدارقطني وأبو مسعود الدمشقي والجياني ثم قال: "والكلام على هذه الانتقادات من وجوه: منها: ما هو مندفع بالكلية. ومنها: ما قد يندفع. ثم ذكر منها أربعة أوجه وانتهى إلى القول بأن هذه الأمور إذا اعتبرت في جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ثم أحال القارئ على الجواب عنها في مقدمة فتح الباري وأنه قد بين ذلك فيها بيانا شافيا. (15) النكتة الخامسة عشرة (ص384) : كانت دفاعا عن ابن الصلاح حيث ادعى العراقي التناقض في كلام البن الصلاح وذلك أن ابن الصلاح اشترط المقابلة بأصول متعددة لمن أراد العمل أو الاحتجاج بالحديث في موضع، وفي موضع آخر من كتابه لم يشترط ذلك في المقابلة.
فأجاب الحافظ على هذا الاعتراض بأنه ليس بين كلامي ابن الصلاح مناقضة بل كلام ابن الصلاح الذي فيه الاشتراط مبني على مذهبه، وهو عدم الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه علّل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدها بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة، ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد. وأما قوله في الموضع الآخر ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول فلا ينافي قوله المتقدم؛ لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا.
النوع الثاني: الحسن وفيه اثنتا عشرة نكتة: (16) النكتة الأولى (ص385) : وفيه تعقب على العراقي والعلائي وذلك أن العراقي نقل انتقاد ابن دقيق العيد تعريف الخطابي للحسن "بأنه ما عرف مخرجه واشتهر رجاله". قال ابن دقيق العيد: "ليس فيه كبير تلخيص، والصحيح - أيضا – قد عرف مخرجه واشتهر رجاله". ونقل الحافظ دفاع العلائي عن الخطابي بأنه عرف الصحيح أولا ثم عرف بالحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله ما عرف مخرجه ... الخ على الحسن. ثم تعقب الحافظ كلام العلائي هذا "بأن هذا القدر غير منضبط، فيصح كلام ابن دقيق العيد أنه على غير صناعة الحدود. (17) النكتة الثانية (ص405) : كانت ردا لتعقب التبريزي على ابن دقيق العيد، وذلك أن ابن دقيق العيد في انتقاده لتعريف الخطابي السابق الذي نقله العراقي قال: "إن الصحيح أخص من الحسن". فألزمه التبريزي بأن دخول الخاص في العام ضروري، لكنّ الحافظ تعقب التبريزي بأن بين الحسن والصحيح عموم وخصوص وجهي، فلا يلزم من كون
الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في حد الحسن". إلا أنه قد سبق للحافظ كلام في هذا الكتاب يفيد أن بين الحسن والصحيح عموم مطلق حيث قال: فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح، فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة كذا يلزم من انتفاء الشذوذ انتفاء النكارة، فعلى هذا يكون اعتراض التبريزي وما قرره صحيحا. (18) النكتة الثالثة (ص406) : تضمنت ردا لاعتراض نقله العراقي عن ابن جماعة حيث قال: "يرد على ابن الصلاح في القسم الأول (يعني الذي نزل كلام الترمذي عليه في تعريف الحسن) المنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور، ورُوي مثله أو نحوه من وجه آخر". فأجاب الحافظ: "بأن كلامه غير وارد؛ لأن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه آخر بالحسن". ثم نقل الحافظ تعريف ابن جماعة الحسن بقوله: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو ما في إسناده المتصل مستور له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان وخلا عن العلة والشذوذ". قال الحافظ متعقبا له: "هذا لا يحسن في حد الحسن فضلا عن أن يكون أحسن". ثم ردّه من أربعة أوجه بين فيها عدم استقامة هذا التعريف وهي في نظري غير واردة وتعريف ابن جماعة مستقيم ويشمل الحسن لذاته والحسن لغيره. وقد ألزم الحافظ ابن الصلاح بأن تعريفه للصحيح غير شامل للصحيح لغيره ثم أتى بتعريف يشمل النوعين.
(19) النكتة الرابعة (ص204) : تضمنت استدراكا على قول العراقي: "وقد وجدت التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي". قال الحافظ: "أقول وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي" وذكر إبراهيم النخعي وشعبة ثم قال: "ووجد هذا من أحسن الأحاديث إسنادا في كلام ابن المديني وأبي زرعة وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة وجماعة، ولكن منهم من يريد المعنى الاصطلاحي ومنهم من لا يريده". ثم ذكر مثالين عن الشافعي وأحمد أطلقا فيهما لفظ الحسن ولكنهما لا يريدان المعنى الاصطلاحي. وذكر مثالا لأبي حاتم يحتمل المعنى الاصطلاحي والمعنى اللغوي ثم قال: "وأما علي بن المديني، فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وعلله، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي وكأمه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد". ثم ذكر مثالين من جامع الترمذي والعلل الكبير له حكم البخاري عليهما بالحسن أحدهما لذاته والآخر لغيره. ثم قال: "فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر من غيره". (20) النكتة الخامسة (ص220) : اشتملت على تعقب على العراقي حيث قال: "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي". قال الحافظ: "فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب فقط؛ فإنه من طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي
.. ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة فكيف يقال: إنه صنف كتابه بعد الترمذي، ظاهر الحال يأبى ذلك". (21) النكتة السادسة (ص432) : فيها تعقب على العراقي حيث قال: "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني الحسن الاصطلاحي) أم لا". قال الحافظ: "أقول حكى ابن كثير في مختصره أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي داود ما نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح من بعض" فهذه النسخة إن كانت معتمدة فهو نص في موضع النزاع، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا". (22) النكتة السابعة (ص432) : حكى فيها الحافظ تعقبين للعراقي والعلائي على ابن سيد الناس، ففضل فيه تعقب العلائي على تعقب العراقي وأضاف فوائد أخرى. وذلك أن ابن سيد الناس زعم أن شرط أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها. فأجابه العراقي: "بأن مسلما شرط الصحيح فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه أنه حسن، وأبو داود إنما قال: "وما سكت عنه فهو صالح والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن". قال الحافظ: "فأجابه العلائي بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله ضعيف وقول ابن الصلاح أقوى، لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت، فلا نعني بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها والدرجة الدنيا لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول. وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد". قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه:
أن الرواة ثلاثة أقسام: أ- المتقنون. ب- أهل الصدق والستر. ج- المتروكون. وهل أخرج مسلم عن القسمين الأولين أو عن الأول فقط ... ؟ فذكر رأي القاضي عياض ومن تبعه بأنه أخرج عنهما، ورأى الحاكم والبيهقي بأنه لم يخرج إلا عن القسم الأول. ثم رجح ما ذهب إليه الحاكم والبيهقي وبين سبب الاشتباه على القاضي عياض ومن تبعه ووضح ذلك توضيحا شافيا. ثم تكلم على شرط أبي داود وأنه دون شرط مسلم وأنه يخرج لأهل القسم الثاني محتجا بهم. ثم تكلم على ما سكت عليه أبو داود فبين أن منه الصحيح ومنه الحسن لذاته والحسن لغيره ومنه الضعيف الذي لم يجمع على تركه. ثم ذكر أن كلا من أبي داود وأحمد يقدم الضعيف على رأي الرجال ثم تكلم على شرط الإمام أحمد في مسنده ونقل عن ابن تيمية أنه اعتبر المسند فوجد أن شرطه موافق لشرط أبي داود.. ثم قال: "ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود؛ فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها، مثل ابن لهيعة وصالح مولى توأمة، وذكر آخرين من هذا النوع ثم قال: وقد يخرج لأضعف من هؤلاء وذكر الحارث بن وجيه وصدقة الدقيقي وآخرين من المتروكين ... ". ثم قال: "وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود".
(23) النكتة الثامنة (ص449) : ضمت تعقبا على العراقي حيث قال: "لا نسلم أن أحمد اشترط الصحة في كتابه". قال الحافظ: "إن كان باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها فلا يمكن دعوى ذلك في المسند وإن كان باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها شديدا فهذا يمكن دعواه". قلت: "ولا يخفى أن مقصود العراقي هو الأول. ولعله يرد على أبي موسى المديني حيث ادعى الصحة لمسند أحمد، وأقام ما يراه من أدلة على دعواه". (24) النكتة التاسعة (ص450) : تضمنت تعقبا على قول العراقي ((على أن ثمة أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد. قال الحافظ: "أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها". قال الحافظ: "فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته، سالم من التعليل ليس هو في المسند وإلا فلا". (25) النكتة العاشرة (ص450) : فيها اعتراض على قول العراقي: "بل فيه (يعني المسند) أحاديث موضوعة وقد جمعتها في جزء". أجاب الحافظ بأن الجزء المذكور قد اشتمل على تسعة أحاديث منها: حديثان من زيادة عبد الله، والحكم على هذه التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل ثم إن كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب.
ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك، وفي الجملة لا يأتي الحكم على جميعها بالوضع. ثم ذكر الحافظ هذه الأحاديث وهي: 1- حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في احتكار الطعام. 2- وحديث عمر - رضي الله عنه - ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على هذه الأمة من فرعون لقومه. 3- حديث أني - رضي الله عنه - ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة. 4-حديث ابن عمر - رضي الله عنه - في سد الأبواب إلا باب علي. 5- حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو. 6- حديث أنس في فضل عسقلان. والثلاثة الباقية متداخلة مع بعض هذه الستة. ثم بين الحافظ خلال بحثه ومناقشته بعد أن تكون هذه الأحاديث موضوعة وأنه ليس في العقل ولا في الشرع ما يحيلها. ثم قال: "وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف، يعني حديث: "أنه يدخل الجنة حبوا".والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة أحمد بكونه كذبا فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته. ولعله مما أمر بالضرب عليه، لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة. (26) النكتة الحادية عشرة (ص475) : تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال ابن الصلاح – في سياق توجيه
قول الترمذي وغيره ((حسن صحيح)) -: "على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي – وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب – دون المعنى الاصطلاحي". فحكى العراقي عن ابن دقيق العيد أنه رد هذا الكلام بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم". قال الحافظ: "وهذا الإلزام عجيب، لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل: ((حسن صحيح)) فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا". ثم ذكر توجيهات لبعض العلماء واعتراضات كلها تدور حول قول الترمذي حسن صحيح. منها: قول بعض المتأخرين أنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة على أحوال رواته عند المحدثين، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك. وتعقبه الحافظ بثلاثة أمور: 1- أنه (أي الترمذي) لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بـ ((أو)) التي هي للتخيير أو التردد. فقال: حسن أو صحيح. 2- وثانيهما: أن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غير. فهذا ما ينقدح في هذا الجواب. 3- ثالثها: بأنه يتوقف على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته فيقدم في الجواب أيضا، لكن لو سلم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وأني لأميل إليه وأرتضيه والجواب عما يرد عليه ممكن.
وتعقبت الحافظ بقولي: كيف يرتضيه مع أنه يتوقف على الاعتبار المذكور، فهذه المبادرة إلى ارتضاء هذا الرأي قبل الاعتبار اللازم الذي يتوقف عليه الحكم الفاصل تعتبر غريبة من الحافظ. (27) النكتة الثانية عشرة (ص488) : فيها رد على اعتراض العراقي على تعقب ابن الصلاح للسلفي في قوله: "في شأن الكتب الخمسة ... اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب". قال ابن الصلاح: "وهذا تساهل؛ لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفا أو منكر أو نحو ذلك من أوصاف الضعف". قال العراقي: "وإنما قال السلفي: والحكم بصحة أصولها. ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون صحيحا". قال الحافظ: قلت: "وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله كلام السلفي، وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجديد، إذ العبارتان جميعا موجودتان جميعا في كلام السلفي لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق، ثم عاد السلفي وقال ما نقله ابن الصلاح بزيادة ولفظه: "وأما السنن فكتاب له صدر في الآفاق. ولا نرى مثله على الإطلاق، وهو أخد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب، والمخالفون لهم كالمتخلفين بدار الحرب)) وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم يعني أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به ... لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ والمرجوح عند المعارضة". النوع الثالث: معرفة الضعيف لم ينكت فيه الحافظ على العراقي.
النوع الرابع: المسند وفيه نكتة واحدة (ص55) : (28) وهذه النكتة تعتبر ردا على اعتراض أورد على ما نقله ابن الصلاح عن الخطيب أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم. فقال العراقي: "اعترض عليه بأنه ليس في كلام الخطيب دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم لا في الكفاية ولا في الجامع". ثم أجاب العراقي: "بأنه ليس في كلام ابن الصلاح التصريح بنقله عنه، وإنما حكى كلام الخطيب ثم قال: "وأكثر ما يستعمل ذلك ... " إلى آخر كلامه. فلم يقتنع الحافظ بجواب شيخه وقال: "مقتضاه أن يكون في سياق إدراج، وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك، لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطي بلفظها، وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فذكر ابن الصلاح كلامه بالمعنى، ثم استطرد الحافظ في الكلام فبين ما هو المسند والمتصل والمرفوع عند العلماء، وذكر اختلاف أقوالهم فيها ثم اختار الحافظ أن المسند هو ما أضافه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - بسند ظاهره الاتصال.
النوع الخامس: معرفة المتصل النوع السادس: معرفة المرفوع النوع السابع: معرفة الموقوف النوع الثامن: معرفة المقطوع هذه الأنواع الأربعة لم ينكت فيها الحافظ ابن حجر على العرقي.. النوع التاسع: معرفة المرسل وفيه ست نكت: (29) النكتة الأولى (ص540) : كانت اعتراضا على ابن الصلاح والعراقي وتأييدا لرأي مغلطاي. حيث عد ابن الصلاح عبيد الله بن عدي بن الخيار في كبار التابعين الذين يعد قولهم عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مرسلا، فاعترض عليه مغلطاي بأن عبيد الله قد عد في الصحابة، فرجح العراقي عدم صحبته. فتعقبه الحافظ ورجح إثبات صحبته بناء على أنه وجد في منقولات كثيرة أن الصحابة كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتبركون بذلك، وعبيد الله منهم، لكن هل هذا النوع من الصحبة تعد روايته من مراسيل الصحابة المقبولة، رجح الحافظ أنها ليست من النوع المقبول. وبين أن قولهم مراسيل الصحابة مقبولة إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع. وأما من لم يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
(30) النكتة الثانية (ص558) : تعتبر ردا لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث عد الزهري في صغار التابعين الذين لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد أو الاثنين. فقال العراقي: "هذا ليس بصحيح بالنسبة للزهري، فتعقبه الحافظ بأن تمثيل ابن الصلاح بالزهري صحيح؛ لأنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين؛ لأن جميع من سموه من مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغارهم أو ممن لم يلقهم الزهري وإن روى عنهم أو ممن لم يثبت له صحبة". (31) النكتة الثالثة (ص563) : تضمنت تقوية لانتقاد العراقي للبيهقي في جعله ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة مرسلا. قال العراقي: "وليس هذا بجيد اللهم إلا أن يسميه مرسلا ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب". قال الحافظ: "يريد شيخنا ألا يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وقد صرح البيهقي بذلك في "كتاب المعرفة في الكلام على القراءة خلف الإمام". لكنه خالف ذلك في كتاب السنن فقال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري: "حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الوضوء بفضل المرأة" هذا حديث مرسل، أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك، وقد بالغ صاحب الجوهر النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك وهو إنكار متجه". (32) النكتة الرابعة (ص569) : فيها موافقة لتعقب العراقي على ابن الصلاح حيث ذكر ابن الصلاح أنه
لم يعد مراسيل الصحابة في جملة المراسيل التي يحكم عليها بالضعف. لأن الصحابة لا يروون إلا عن الصحابة، وهم كلهم عدول. فتعقبه العراقي بقوله: "بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم (يعني الصحابة) إذ قد سمع جماعة من الصحابة عن بعض التابعين". قال الحافظ: "وهو تعقب صحيح". ثم أتبع الحافظ هذا الكلام بأن بعض الحنفية ألزم من يرد المرسل أنه يرد على أصله مراسيل الصحابة لاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف. ثم رد الحافظ هذه الشبهة بأن هذا الاحتمال ضعيف لندرة أخذ الصحابة عن التابعي الضعيف. (33) النكتة الخامسة (ص570) : كانت تعقبا على العراقي حيث قال: "فإن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة فإنهم لم يختلفوا في الاحتجاج بها". قال الحافظ: "في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر؛ فإن أبا الحسن ابن القطان صاحب بيان الوهم والإيهام منهم، وقد رد أحاديث من مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - ليست لها علة إلا ذلك، ثم ضرب الحافظ لذلك مثالا". (34) النكتة السادسة (ص571) : تضمنت مدافعة عن قول العراقي: "وفي بعض شروح المنار في الأصول الحنفية دعوى الاتفاق على الاحتجاج (يعني بمراسيل الصحابة) ، ونقل الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق". قال الحافظ: "وقد صرح غيره بأن الاتفاق كان حاصلا قبل الأستاذ فجعل الإسناد محجوجا بذلك، وفي ذلك نظر، فإن جماعة من أهل الأصول يوافقون الأستاذ في رأيه، وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة".
النوع العاشر: المنقطع لم ينكت فيه الحافظ على العراقي. النوع الحادي عشر: المعضل وفيه ثلاث نكت: (35) النكتة الأولى (ص572) : تضمنت تعقبا على العراقي حيث أجاب عن إشكال أورد على نقل ابن الصلاح عن أبي نصر السجزي: "أن نحو قول مالك بلغني عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "للمملوك طعامه وكسوته ... " الحديث يسميه المحدثون معضلا". قال العراقي: "وقد استشكل أن يكون هذا الحديث معضلا لجواز أن يكون الساقط بين مالك وأبي هريرة واحدا ... " والجواب: أن مالكا قد وصل هذا الحديث خارج الموطأ، فرواه عن محمد بن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة فقد عرفنا سقوط اثنين منه فلذلك سموه معضلا". فتعقب ابن حجر شيخه العراقي بقوله: "أقول: بل السياق يشعر بعدم السقوط؛ لأن معنى قوله بلغني يقتضي ثبوت مبلغ، فعلى هذا فهو متصل في إسناده مبهم لا أنه منقطع".
وقول الشيخ في الجواب أنا عرفنا منه سقوط اثنين فيه نظر على اختياره، لأنه يرى أن الإسناد الذي فيه مبهم لا يسمى منقطعا، فعلى هذا لم يسقط من الإسناد بعد التبين سوى واحد". (36) النكتة الثانية (ص601) : تضمنت تأكيدا لمدافعة العراقي عن البخاري حيث اتهم بالتدليس. فقال العراقي: "حول ما يقول البخاري في صحيحه ((وقال فلان)) وهل يكون تدليسا أو لا؟ وساق مثالين من هذا النوع قد صرح البخاري فيهما بالسماع في موضعين آخرين: "وعلى هذا فلا يسمى ما وقع من البخاري على هذا التقدير تدليسا". قال الحافظ: "لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا ومن هذا الذي صرح بأن استعمال قال إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا، لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة. ثم أضاف الحافظ أن هناك فرقا بين عن وقال، ونقل عن الخطيب أن كثيرا من المحدثين لا يسوون بين قال وعن في الحكم، فمن أين يلزم أن يكون قال وعن حكمهما عند البخاري سواء. وفيما قاله الحافظ نظر من أن قال إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد مشايخه مستعملا لها فيما لم يسمعه منه لا يكون تدليسا. فهذا شيخه العراقي يقول في ألفيته تدليس الإسناد بأن يسقط من حدثه ويرتقي بعن وأن. وقال يوهم اتصالا ... فقد سوى بين عن وأن وقال؛ لأنها كلها من الصيغ المحتملة للسماع وعدمه وليست صريحة فيه ... أقول هذا مع اعتقادي بأن البخاري يتصرف تصرفا يخرجه عن وصمة التدليس حيث إذا جاء بقال أو عن في موضع من كتابه في إسناد ما فإنه يصرح بسماعه في موضع آخر تبعا لمقاصد كتابه كما أشار إليه الحافظ والعراقي، لكن غيره إذا عبر بقال عما لم يسمعه من شيخه ولم يلتزم مثل منهج البخاري فإنه حتما يكون مدلسا".
(37) النكتة الثالثة (ص609) : فيها تعقب على العراقي حيث حكى عن الأصوليين فيما يتعلق بتعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف أن الاعتبار يكون بالكثرة، فإذا كانت الكثرة في جانب الرفع أو الوصل رجح جانبهما، وإذا كانت في جانب الإرسال والوقف رجح جانبهما. فتعقب الحافظ هذا التعميم وقال: "هذا قول بعض الأصوليين كالرازي وأن البيضاوي مال إلى القبول مطلقا". ثم نقل عن الماوردي وابن الجوزي وأبي الحسن ابن القطان مذهب الشافعي في مسألة الرفع والوقف أن الوقف يحمل على أنه رأي الراوي والمسند على أنه روايته. وزاد ابن القطان أن الرفع يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قصر في حفظه أو شك في رفعه. ورد عليه الحافظ بأن هذا يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة وضرب لذلك مثلا بين فيه رجحان الوقف على الرفع.
النوع الثاني عشر: المدلس وفيه أربع نكت على العراقي: (28) النكتة الأولى (ص614) : تضمنت ردا على شيخه العراقي حيث استدرك على ابن الصلاح بأنه ترك من أقسام التدليس قسما ثالثا وهو تدليس التسوية وهو شر الأقسام ... الخ. قال الحافظ: "فيه مشاحة، وذلك أن ابن الصلاح قسم التدلي إلى تدليس الإسناد وتدليس الشيوخ، والتسوية على تقدير تسميتها تدليسا من قبيل القسم الأول، فعلى هذا لم يترك قسما ثالثا. وإنما ترك تفريع القسم الأول أو أخل بتعريفه". قال الحافظ: "ومشى العلائي على ذلك فقال تدليس السماع نوعان، فذكره، ثم نبه الحافظ إلى أنهم فاتهم جميعا من تدليس الإسناد تدليس العطف وتدليس القطع، ثم استطرد في بحث التسوية وما يسمى منها تدليسا، وضرب لذلك أمثلة". وذكر الحاكم أنه قسم التدليس إلى ستة أقسام وتبعه أبو نعيم في ذلك. ثم ذكر الحافظ أن حاصل هذه الأقسام يرجع إلى القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح.
(39) النكتة الثانية (ص622) : فيها تعقب على ابن الصلاح والعراقي في تعريف التدليس حيث قال ابن الصلاح: "أن يروي الراوي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه سواء لقيه أو لم يلقه" فأيده العراقي وقال: أنه المشهور بين أهل الحديث ... فتعقبهما الحافظ: "بأن الذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقى، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس. ونقل الخطيب ما يؤيد هذا الرأي". (40) النكتة الثالثة (ص626) : فيها تعقب على العراقي حيث نقل عن ابن الصباغ حكم تدليس الشيوخ ومنه: "وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول لا يجب قبول خبره حتى يعرف". قال الحافظ: "وفيه نظر، لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم وبلدانهم وحرفهم وألقابهم وكناهم، فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا، فمن أحاط بذلك علما لا يكون الرجل المدلس عنده مجهولا، وتلك أنزل مراتب المحدث". ثم أردف ذلك بذكر مصلحة التدليس ومفسدته وامتحان المحدثين طلبتهم به؛ ليتبين حفظهم وفهمهم أو عدم ذلك. (41) 4- النكتة الرابعة (ص632) : كانت شرحا وتوضيحا لما نقله العراقي عن الخطيب من ثبوت الخلاف في رواية المدلس الثقة إذا صرح بالسماع.
قال الحافظ: "حكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص فقال التدليس جرح، وأن من ثبت أنه كان يدلس لا يقبل حديثه مطلقا". قال: "وهو الظاهر من أصول مالك". ونقل نحو ذلك عن يحيى بن معين.
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ وفيه على العراقي نكتتان: (42) النكتة الأولى (ص654) : تضمنت اعتراضا على العراقي إذ قال: "ولكن الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذا صحيحا". فتعقبه الحافظ بقوله: "فيه نظر فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة بل صرح بأنه يتوقف فيه ولا يحتج به". (43) النكتة الثانية (ص671) : اشتملت على تعقب على العراقي حيث ذكر عن حديث ابن عمر في النهي عن بيع الولاء وهبته، أنه رواه غير يحيى بن سليم (يعني عن عبيد الله بن عمر) . فتعقبه الحافظ بقوله: "ليس هذا متابعا ليحيى بن سليم عن عبيد الله، وقد وجدت له متابعا، فذكر سعيد بن يحيى الأموي عن أبيه عن عبيد الله، وقبيصة عن سفيان الثوري عن عبيد الله، ثم بين أن قبيصة قد وهم، لأن الشيخين قد خرجاه من حديث الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر".
النوع الرابع عشر: المنكر وفيه نكتتان: (44) النكتة الأولى (ص676) : تضمنت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن جماعة من أصحاب الزهري خالفوا مالكا في قوله في إسناد حديث أسامة بن زيد: "لا يرث المسلم الكافر ... " عمر بن عثمان بدل عمرو بن عثمان. فتعقبه الحافظ بقوله: "في رواية هشيم مخالفة في المتن أشد من مخالفة مالك في اسم أحد رواة الإسناد، فكان التمثيل به أولى (يعني للمنكر) ". ثم بين الحافظ مخالفة هشيم في المتن وأشار إلى سبب الخطأ. (45) النكتة الثانية (ص676) : فيها تعقبا على العراقي في تمثيله للمنكر بحديث أنس في وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - الخاتم عند دخول الخلاء من طريق ابن جريج عن الزهري عن أنس، ونقل عن أبي داود حكمه عليه بالنكارة، ثم بين علة ذلك. فأورد الحافظ احتمالا يبعد هذا الحديث أن يكون منكرا. وأورد مثالا رأى أنه هو الصالح للتمثيل به. النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات النوع السابع عشر: معرفة الأفراد وهذه الثلاثة الأنواع لم ينكت فيها الحافظ على العراقي. النوع الثامن عشر: معرفة الحديث المعلل وفيه عشرة نكت: (46) النكتة الأولى (ص715) : كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر حديث ((كفارة المجلس)) وسؤال مسلم للبخاري عن هذا الحديث من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعا، فأجاب البخاري هذا حديث مليح، ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد إلا أنه معلول. قال العراقي: "هكذا أعل الحاكم في علومه هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها، وأنا أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم، فقد تكلم فيه، وهذا الحديث صححه الترمذي وابن حبان والحاكم". فتعقبه الحافظ بقوله: "قلت: الحكاية صحيحة قد رواها الحاكم على الصحة من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب، لأن المنكر إنما هو قوله: إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول، والواقع أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري".
والحق أن البخاري لم يعبر بهذه العبارة. قال الحافظ: "وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية هذه من الطرق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشييخ". ثم أسوقها من الطرق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن فيها ولا نكارة، ثم أبين حال الحديث ومن أعله أو صححه لتتم الفائدة. ثم وفى الحافظ بما وعد وأطال النفس في ذلك. هذا وقد ذكر العراقي أن الحديث ورد من حديث جماعة من الصحابة، فذكر منهم ثمانية وهم: 1- أبو برزة. 2- رافع بن خديج. 3- الزبير بن العوام. 4- عبد الله بن مسعود. 5- عبد الله بن عمرو. 6- السائب بن يزيد. 7- أنس بن مالك. 8- عائشة. وأنه بيّن أحاديثهم في تخريج الإحياء. فقال الحافظ: "إنما بينها في التخريج الكبير فقد لا يصل إلى الفائدة منه كل أحد، فرأيت عزوها إلى من خرجها على طريق الاختصار بزيادة كبيرة جدا في العزو إلى المخرجين". ثم ذكر الحافظ ما وعد به، وتوسع في تخريجها وعزوها إلى مصادر كثيرة، وبين اختلاف الطرق عندما يوجد اختلاف على بعض الرواة.
ثم زاد على أحاديث الصحابة السابق ذكرهم حديث: 1- أبي بن كعب. 2- حديث معاوية. 3- حديث ابن عمر. 4- حديث أبي أمامة. 5- حديث أبي سعيد الخدري. 6- حديث علي. 7- حديث رجل من الصحابة. 8- حديث أبي أيوب. ثم عزا الحافظ هذه الأحاديث كلها إلى مصادرها وبين عللها وخرج بعض الآثار في الموضوع. ثم ترجم لأحمد بن حمدون القصار، وذكر من جرحه ومن عدله، ونفى عنه التهم وقرر أنه لا يدفع عن الصدق ولا ينبغي اتهامه، ورحج أن الخطأ في احكاية من الحاكم وهو قوله: "لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث". وأن الثابت إنما هو "لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث" وهو كلام مستقيم. (47) النكتة الثانية (ص749) : فيها تكميل واستدراك على العراقي وذلك أن الحافظ: مثل لما وقعت العلة فيه في المتن دون الإسناد بحديث أنس: "لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها"، ثم قال: وقد تكلم شيخنا على هذا الموضع بما لا مزيد عليه في الحسن، إلا أن فيه مواضع تحتاج إلى تنبيه عليها فمنها قوله: "إن ترك قراءة البسملة في حديث أنس ورد من ثلاث طرق وهي:
أ- رواية حميد. ب- رواية قتادة. ج- رواية إسحاق بن أبي طلحة. قال الحافظ: "قد يتوهم منه أن باقي الروايات عن أنس ليس فيها تعرض لتركها، وليس كذلك بل قد جاء ترك الجهر بها أيضا أ- من رواية ثابت. ب- والحسن ابن أبي الحسن ج- ومنصور بن زاذان. د- وأني نعامة قيس بن عباية. ?- وأبي قلابة. و وثمامة بن عبد الله بن أنس. ثم ذكر الحافظ طرقها والكتب التي أخرجتها. ثم قال: "فهذه الروايات متضافرة على عدم الجهر". (48) 3- النكتة الثالثة (ص752) : اشتملت على تعقب على العراقي وابن عبد البر، حيث نقل العراقي ادعاء ابن عبد البر الاضطراب في حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة، وأقرن على هذا الادعاء. قال الحافظ: "وليس بجيد؛ لأن الاضطراب شرطه تساوي وجوهه ولم يتهيأ الجمع بين مختلفها أما مع إمكان الجمع بين ما اختلف من الروايات ولو تساوت وجوهها، فلا يستلزم اضطرابا، وهذا في الحديث موجود وأشار إلى كيفية الجمع بينها؟ " (49) النكتة الرابعة (ص533) : فيها اعتراض على العراقي حيث ذكر أن رواية الوليد بن مسلم عن
الأوزاعي التي أخرج بها مسلم حديث أنس في نفي الجهر بالبسملة معلولة بتدليس الوليد تدليس التسوية. قال الحافظ: "لا يتجه تعليله بتدليس الوليد؛ لأنه صرح بسماعه وصرح بأن الأوزاعي ما سمعه من قتادة وإنما كتب به إليه، وقتادة سمعه من أنس". ثم ساق الإسناد الذي صرح فيه قتادة بسماعه من أنس وبين أنه كان الأولى بالعراقي أن يعلل هذا الإسناد بجهالة كاتب قتادة. (50) النكتة الخامسة (ص756) : تضمنت تعقبا على العراقي حيث رجح رواية ابن عبد البر لحديث أنس: "كانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين" من طريق محمد بن كثير على رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي التي فيها نفي البسملة. قال الحافظ: "أقول: الوليد بن مسلم أحفظ من محمد بن كثير بكثير، ومع ذلك فقد صرح الوليد بسماعه فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من طريق دحيم وهشام بن عمار عنه، وكذا أخرجه الدارقطني من طريق هشام ثنا الوليد ثنا الأوزاعي ... ثم الحافظ تنبيها تعقب فيه العراقي حيث عزا رواية محمد بن كثير إلى ابن عبد البر في حين أنه رواها أبو عوانة في صحيحه، والطحاوي في شرح معاني الآثار والجوزقي في المتفق. قال الحافظ: "فعزوها إلى أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمنه". (51) النكتة السادسة (ص758) : كانت تعقبا على العراقي حيث ذكر أن حميدا صرح بذكر قتادة في روايته لحديث نفي الجهر بالبسملة فيما رواه ابن أبي عدي. قال الحافظ: "هذا يوهم أن حميدا لم يسمعه من أنس أصلا، وإنما دلسه
عنه كذلك، فإن حميدا كان قد سمعه من أنس، لكن موقوفا وهذا في رواية مالك كما في الموطآت، ورواه عنه حفاظ أصحابه موقوفا". (52) النكتة السابعة (ص760) : فيها تعقب على العراقي وأبي شامة وذلك أن كلا من قتادة وأبي سلمة سألا أنسا عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فأجابهما بجوابين مختلفين، فنقل العراقي عن أبي شامة أنهما سؤالان. فسؤال فتادة عن الاستفتاح بأي سورة، وفي صحيح مسلم أن قتادة قال: نحن سألناه عنه، وسؤال أبي سلمة عن البسملة وتركها. قال الحافظ: "وفيه نظر؛ لأنه يوهم أن اللفظ المذكور في صحيح مسلم – يعني الاستفتاح – وليس كذلك بل الذي فيه ((فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم". فهذا لفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة لا عن الاستفتاح بأي سورة. ثم نقل سؤال قتادة من عدد من المصادر ثم عقبه بقوله فوضح بذلك أن سؤال قتادة ليس مخالفا لسؤال أبي سلمة.. ثم جمع بين بين الإجابتين عن هذا السؤال بأن سؤال أبي سلمة كان متقدما وفي حال نسيان أنس، وسؤال قتادة كان متأخرا، وفي حال كان فيها متذكرا فأجابه بأنه لم يسمع قراءة بسم الله الرحمن الرحيم من النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا منأحد من الخلفاء في حال الصلاة. (53) النكتة الثامنة (762) : تضمنت اعتراضا على دعوى العراقي أن جواب أنس حين سئل عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - قال مدا ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم أن ذلك يشمل حال الصلاة وخارجها ...
قال الحافظ: "فيه نظر؛ لأن الأعم لا دلالة له على الأخص والمراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يمد بسم الله ويمد الرحمن ويمد الرحيم فأين له من هذه الأحاديث أنه كان يجهر بها في الصلاة". (54) 9- النكتة التاسعة (ص764) : فيها تعقب على العراقي حيث ساق حديث قتادة عن أنس "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين" ثم حكى عن الشافعي أنه أوله بمعنى يبدأون بقراءة أم القرآن قبل ما يقرأ بعدها، ولا يعني أنهم يتركون بسم الله الرحمن الرحيم. قال العراقي: "ما أوله به الشافعي مصرح به في رواية الدارقطني ... " فتعقبه الحافظ بقوله: "لم يبين الشيخ رواية الدارقطني كيف هي؟ "وظاهر السياق يشعر بأنها من رواية قتادة عن أنس - رضي الله عنه - وليس كذلك، فإنها عنده من رواية الوليد عن الأوزاعي عن إسحاق بن أبي طلحة عن أنس - رضي الله عنه -، وقد رواها راويها بالمعنى بلا شك، فإن رواية الوليد بلفظ يفتتحون بالحمد لله رب العالمين، فرواها بعض الرواة بلفظ بدأ بأم القرآن بدل الحمد لله رب العالمين فلا تنتهض الحجة بذلك. (55) النكتة العاشرة (ص765) : تضمنت تعقبا على العراقي حيث قال بعد سياقه لحديث قتادة عن أنس: "فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم" قال: "ولا يلزم من نفي السماع نفي الوقوع". قال الحافظ: "وللمخالف أن يقول: لكن التوفيق بين الروايتين أن يحمل نفيه للقراءة على عدم سماعه لها، فتلتئم الروايتين في عدم الجهر".
النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب النوع العشرون: معرفة المدرج هذان النوعان لم ينكت فيهما الحافظ على العراقي. النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع وفيه نكتتان على العراقي: (56) النكتة الأولى (ص840) : تضمنت تعقبا على قول العراقي: "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار واضعه لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع فقال – في الاقتراح -: "هذا كاف برده ليس بقاطع ... الخ". قال الحافظ متعقبا لشيخه ومبينا لمقصود ابن دقيق العيد من كلامه هذا: "كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لم يستشكل الحكم لأن الأحكام لا يشترط فيها القطعيات، ولم يقل أحد إنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، وإنما نفى ابن دقيق العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه ... وثبوت فسقه لا يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل مثلا إذا اعترف بالقتل عمدا من دون تأويل، فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك
فنقتله عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار بعينه". (57) 2- النكتة الثانية (ص860) : ضمنت ردا على اعتراض أورده على قول العراقي في شأن حديث ثابت بن موسى: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار". قال ابن عدي: "لا يعرف إلا بثابت بن موسى، وسرقه جماعة منه من الضعفاء عبد الحميد بن بجر وعبد الله بن شبرمة الشريكي". فادعى المعترض على العراقي بأن عبد الله بن شبرمة الكوفي الفقيه رواه عن شريك أيضا فيما رواه أبو نعيم في تاريخه، وعبد اله بن شبرمة هو الفقيه الكوفي أحد الأعلام احتج به مسلم". قال الحافظ: "وأخطأ هذا المتأخر خطأ فاحشا لا مستند له ولا عذر؛ لأن عبد الله بن شبرمة المذكور هو الشريكي وهو كوفي أيضا وأما الفقيه فإنه قديم على هذه الطبقة، ثم ساق كلاما يدعم به ما يقول. وهنا انتهت تعقبات الحافظ على شيخه العراقي ... وهناك انتقادات للحافظ على علماء آخرين يوردها خلال بحوثه واستطراداته في هذا الكتاب.
الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر وابن الصلاح والعراقي
الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر وابن الصلاح والعراقي أ- منهج الحافظ ابن حجر: 1- لقد سلك الحافظ ابن حجر في نكته على كل من الإمام ابن الصلاح والحافظ العراقي وغيرهما مسلك الناقد البصير الشجاع الصريح في آرائه وتعقباته مع الأدب والإجلال والتقدير، غير أن الحق أكبر في نظره من الأشخاص، فهو يقول ما يعتقده أنه الحق حينما ينتقد ويقيم الأدلة على صواب رأيه، وحينما يدافع يقول ما يرى أنه الحق مع إقامة حججه على ما يرى. 2- ويمتاز الحافظ على كثير من الباحثين والناقدين بتقصي الأقوال في المسائل المختلف فيها والتوسع في ذلك وإطالة النفس فيه وعرض الأدلة لكل جانب بأسلوب علمي رصين يروي ظمأ المتعطش للاطلاع. فمثلا إذا ذكر ابن الصلاح أو العراقي أو غيرهما رأيا أو مثالا لأي نوع من أنواع الحديث كالمرسل أو الشاذ أو المعل أو المعضل أو المضطرب أو غيرها من أنواع علوم الحديث، وكان هناك مجال للأخذ والرد والتصحيح والتعليل فإن الحافظ يورد كل الطرق لذلك الحديث الممثل به ويناقش أسانيده ناقلا أقوال العلماء ومبديا رأيه في كل طريق وينفذ في الأخير إما إلى الجمع بين تلك الطرق التي استعصى فيها الجمع على غيره
وإما إلى الترجيح وأحيانا يصل إلى دفع الاضطراب أو نفي الشذوذ والنكارة أو الضعف إذا حكم غيره على حديث من الأحاديث بشيء من ذلك. ويسوق ما يرى أنه يصلح للتمثيل. 3- ويمتاز بالإنصاف في ملاحظاته وتعقباته سواء كان ناقدا أو مدافعا، فهناك علماء تعقبوا ابن الصلاح، وآخرون دافعوا عنه، فينقل الحافظ أقوال المدافعين أو المتعقبين ويناقشها ثم لا يتردد في إعلان رأيه بالصواب سواء في هذا الجانب أو ذاك. 4- يمتاز الحافظ بالاستقراء التام والتتبع الوافر للمسائل والقضايا التي يريد أن يعطي فيها أحكاما، فيصل فيها بتوفيق الله إلى نتائج حاسمة، ربما خاض غيره في تلك القضايا ولم يحالفه التوفيق، فمن تلكم القضايا الأحاديث المعلقة في صحيح البخاري وشرط مسلم في صحيحه، وهل استوفى روايات الطبقات الثلاث التي ذكرها في مقدمته. وشرط أبي داود في سننه، وما يسكت عنه في سننه، هل يصلح للاحتجاج أو الاستشهاد، وأقسام هذا النوع الذي يسكت عنه. وما يحسنه الترمذي فقط أو يقول فيه حسن صحيح، وشرط النسائي، وهل هو متشدد أو متساهل؟ ومتى يترك وكيف يترك الرواية عن الرجل؟ وشرط ابن ماجة ومكانته، وشرط الحاكم في المستدرك، وهل فيه أحاديث على شرط الشيخين؟ وتقييم أحاديثه وتقسيمها والمستخرجات وأحكامها وفوائدها، والمسانيد ودرجاتها، كل هذه الأمور خاض فيها العلماء وأبدوا فيها آراءهم، فمنهم من يبعد النجعة، ومنهم منن يقارب الحقيقة ويحوم حولها ولا يبديها واضحة، فيأتي الحافظ ويكشف عن الحقيقة كشفا كاملا، ويعطي كل موضوع حقه من التوضيح والتفصيل القائمين على الدراسة المستوعبة والاستقراء الكامل، مما يجعل القارئ يرى الصواب أمام عينيه ويلمس الحقيقة بيديه.
5- ومن منهجه الرجوع إلى المصادر الأصلية والأخذ منها مباشرة والعزو إليها غالبا والتنصيص على الأبواب أحيانا، في تلك الكتب التي ينقل عنها، ولا ينقل النص من كتاب تأخر زمانه إذا كان في كتاب متقدم. ويحاسب غيره إذا خرج عن هذا السنن، حاسب على ذلك الحافظ ابن الصلاح حينما نقل عن أبي عمرو الداني إجماع أئمة النقل على قبول الإسناد المعنعن فقال الحافظ ناقدا له: "إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عن الحاكم أولى، لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه، وابن الصلاح كثير النقل من كتابه"، فكيف نزل عنه إلى النقل عن الداني. وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية التي هي معول المصنف في هذا المختصر. وحاسب على ذلك شيخه العراقي حيث عزا إحدى الروايات المتعلقة بالبسملة إلى ابن عبد البر فتعقبه الحافظ قائلا: "رواها أبو عوانة في صحيحه وأبو جعفر الطحاوي في شرح معاني الآثار، وأبو بكر الجوزقي في المتفق، فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمانه". والحق يقال: "إن هذا المنهج وهو منهج عزو الأقوال إلى قائليها والنصوص إلى مصادرها خصوصا الأصلية منها وتقديم أهل الاختصاص على غيرهم هو منهج علماء الأمة الإسلامية، وهم أساتذة الدنيا في هذا الميدان، خصوصا علماء الحديث وعليهم تتلمذ وتتطفل أهل الغرب والشرق من الكتاب والمؤلفين من غير المسلمين، فإذا اعتقد أحد أن هذا ما أسدته إلينا الحضارة الغربية، وأن المستشرقين المبشرين هم الذين علمونا هذا الأسلوب في دقة النقل فإنما أتي من جهله بالتراث الإسلامي وتأريخ أسلافه العظماء. ولو وجدت المطابع في عهدهم لكانوا أسبق الناس إلى الإشارة إلى الأجزاء والصفحات من الكتب التي ينقلون منها النصوص".
والحاصل أن الحافظ لم ينتقد هذين الشيخين في هذا التصرف إلا لأنهما خرجا عن المألوف وعن منهج معروف أخذه اللاحق من علماء المسلمين عن السابق، وهذه مؤلفاتهم أكبر شاهد على ذلك وإن كانوا يتفاوتون في دقة الالتزام في ذلك، والحافظ من أكثرهم التزاما به، وقد يكون في علماء المسلمين من يفوق الحافظ في ذلك كأبي الحجاج المزي في أطرافه. 6- يمتاز الحافظ بضبطه للتعاريف وتحريرها تحريرا دقيقا بحيث يطمئن إلى سلامتها من الإيرادات والانتقادات التي اعتاد العلماء توجيهها إلى التعاريف والحدود. 7- الدقة في التعبير عن المعاني؛ فإذا كان في عبارة غير غموض أو قصور قال الحافظ: إذا كان يريد كذا فحق التعبير أن يكون كذا وكذا. 8- ومن عادة الحافظ الاستفادة من مصنفاته، فينقل من مصنف إلى مصنف عند المناسبة ما يرى أن المقام يتطلبه وما يرى أنه يفيد القارئ، فنقل في كتابه هذا كثيرا من مؤلفاته كفتح الباري وتغليق التعليق وتهذيب التهذيب. وإذا كان البحث طويلا لخصه، وإذا كان الكتاب صغيرا ذكر خلاصته ككتاب ترتيب المدرج. كما نقل من كتابه هذا وأحال عليه في فتح الباري في عدد من المواضع، وذكره وأحال عليه في كتابه نزهة النظر. وأخيرا فابن حجر باحث عظيم وجولاته الواسعة في هذا الكتاب وفي مؤلفاته الكثيرة الخصبة تشهد له وتدل على سعة أفقه وسعة اطلاعه وعبقريته. ب- منهج ابن الصلاح: أترك المجال هنا للأستاذ نور الدين العتر ليتحدث عن منهج ابن الصلاح حيث يقول: "وامتاز في منهجه - يعني ابن الصلاح - على ما سبقه من التصانيف بمزايا جعلته عمدة هذا الفن نذكر منها:
1- الاستنباط الدقيق لمذاهب العلماء وقواعدهم من النصوص والروايات المنقولة عن أئمة الحديث في مسائل علوم الحديث، والاكتفاء بذكر حاصلها، ولم يذكر من تلك الأخبار غلا القدر المناسب للمقام. 2- ضبط التعاريف التي سبق بها، ووضع تعاريف لم يصرح بها من قبله. 3- تهذيب عبارات السابقين والتنبيه على مواضع الاعتراض فيها. 4- التعقب على أقوال العلماء بتحقيقاته واجتهاده، ويصدر ذلك عادة بـ (قلت) ويشعر القارئ الكتاب أن مصنفه قد رصد مسائل العلم بدقة تحقيقا جعل شخصيته تطغى على كل ما سبق؛ إذ لا يكاد يمر بصفحة إلا ويجد للمؤلف كلاما واجتهادا يبدؤه بعبارة قلت. ويلاحظ أن التواضع والاحتياط غلب عليه رحمه الله، فختم كل فقرة من كتابه بقوله - والله أعلم –"1. ج- أما العراقي فنتركه ليحدثنا عن عمله في نكته على ابن الصلاح: قال رحمه الله: "وبعد فإن أحسن ما صنف أهل الحديث في معرفة الاصطلاح كتاب علوم الحديث لابن الصلاح، جمع فيه غرر الفوائد فأوعى، ودعا له زمر الشوارد فأجابت طوعا، إلا أن فيه غير موضع قد خولف فيه، وأماكن أخر تحتاج على تقييد وتنبيه، فأردت أن أجمع عليه نكتا تقيد مطلقه، وتفتح مغلقه، وقد أورد عليه غير واحد من المتأخرين إيرادات ليست بصحيحة، فأردت أن أذكرها وأبين تصويب كلام الشيخ وترجيحه لئلا يتعلق بها من لا يعرف مصطلحات القوم، وينفق من مزجى البضاعات ما لا يصلح للسوم" فعمله يتمثل في امرين:
1- في شرحه لكثير من كلام ابن الصلاح. 2- في الدفاع عنه وترجيح كلامه، وهذا هو غالب عمله. وغلى جانب هذا له انتقادات وتعقبات على ابن الصلاح وإضافات تكميلية لبعض البحوث التي رأى العراقي أن المقام يقتضيها. رحم الله الجميع وجزاهم عن الإسلام والمسلمين خيرا.
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ
الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ ... الفصل الرابع: في تعقيباتي على الحافظ هناك مناقشات وتعقبات يسيرة على الحافظ ابن حجر لاحظتها خلال عملي ودراستي لكتابه النكت، رأيت أن أقدم بعضها للقارئ، وإن كنت وأمثالي في بادئ الرأي في مستوى لا يؤهل لتعقب أمثاله، ولكن الإسلام الذي يقدس الحق ويعلي شأنه ويرفعه فوق كل الاعتبارات، وتاريخنا الإسلامي حافل بمناقشات الصغار للكبار ولفت أنظارهم إلى الصواب وإذعان الكبار للحق ورجوعهم عما كانوا عليه، ومنهج أهل الحديث في نقد اللاحق للسابق، بل لماذا أذهب بعيدا ولدينا الحافظ ابن حجر وكتبه حافلة بالنقد ومنها كتابه هذا. كل ذلك شجعني أن أقدم للقراء الكرام بعض هذه الملاحظات في حدود إدراكي، ولا أدعي أني على الصواب فيها بل أرجو ممن يقف عليها ويتبين له فيها أو بعضها خطأ أن يبين لي وجه الصواب، فمن تلكم التعقبات: أنه في كثير من المواضع التي ينكت فيها على ابن الصلاح والعراقي يأتي إلى كلام مترابط فيأخذ قطعة منه ويقول: قوله كذا ويكون فهم المراد منها متوقفا على ما قبلها أو على ما بعدها وهذا التصرف من الحافظ لا يصلح إلا إذا كان كتابه هذا هامش على الكتابين لكي يرجع القارئ عند الحاجة والاستشكال إلى الأصل عن كثب. لكن الحافظ - رحمه الله - قد فصل كتابه عن أصليه وجعله كتابا مستقلا ومن هنا نشأت الإشكالات.
لذا اضطررت إلى أن أسوق ما يتوقف عليه فهم الكلام من كلام ابن الصلاح والعراقي، سواء كان ذلك الكلام سابقا أو لاحقا حتى يفهم القارئ كل مواضع النقد، ومواضع الأخذ والرد. وكان عمل العراقي أفضل وأسلم من هذه الناحية، وكتابه يصلح أن يكون مستقلا عن أصله (كتاب ابن الصلاح) وذلك أنه يسوق النص الذي يريده كاملا ثم يبدي ما يراه من تعقب أو دفاع. هذا ما رأيته فيما يتعلق بوضع الكتاب وتأليفه بصفة عامة وهناك تعقبات تتعلق بمسائل الكتاب، فمنها: 1-قال الحافظ - رحمه الله - في خلال كلامه على مفردات مقدمة كتاب ابن الصلاح متعقبا عليه: "ولم أر في جمع رذل رذالة، وإنما ذكروا أرذال ورذول ورذلاء وأرذلون ورذال". ولكني وجدت في لسان العرب 1/ 1158 وفي القاموس المحيط 3/ 384 "وهم رذالة الناس ورذالتهم" فابن الصلاح إذن كان على الصواب. 2- قال الحافظ قوله ص: "وسفلتهم - بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام - وزن فرحة جمع سفلة - بكسر السين وسكون الفاء - وفيه نظر فإن في القاموس 3/396 وفي لسان العرب 2/159 وسفلة الناس وكفرحة أسلافهم وغوغائهم". فأنت ترى أنهما اعتبرا اللفظين بمعنى واحد، وليس أحدهما مفردا والآخر جمعا، واعتبرهما في أساس البلاغة ص299 جمعا لسفيل كعلية جمع لعلي. 3- قال الحافظ في التنبيه الأول التابع للنكتة السابعة عشرة: مراده (يعني ابن الصلاح) بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي، لا مطلق تفرد الثقة كما فسره الخليلي. وفيه أمران: الأول: أن ابن الصلاح ذكر أن الشاذ المردود قسمان:
أحدهما: الحديث الفرد المخالف. الثاني: الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابرا لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف. الثاني: أن الخليلي لم يفسر الشاذ بمطلق تفرد الثقة وإنما هذا تفسير الحاكم للشاذ. أما الخليلي فقال: "الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ثقة كان أو غير ثقة. فما كان غير ثقة فمتروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحتج به" ولعل الحافظ أراد مطلق التفرد. 4- ذكر الحافظ مثالا للتعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرط البخاري لكونه لم يخرج لبعض رجاله. والمثال هو: قال البخاري: ويذكر عن عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: قرأ النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع. (قال الحافظ هو حديث صحيح رواه مسلم وذكر إسناده) . ثم قال الحافظ: "ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم يبلغ شرطه لكونه معللا". ثم إن ما أشار إليه الحافظ هنا من كونه معللا قد بينه في الفتح 2/256 بقوله: "واختلف في إسناده على ابن جريج فقال ابن عيينة عنه عن ابن أبي مليكة عن عبد الله بن السائب أخرجه ابن ماجة. وقال أبو عاصم النبيل عنه - يعني ابن جريج - عن محمد بن عباد عن أبي سلمة ابن سفيان أو سفيان بن أبي سلمة. وكان البخاري علقه بصيغة "ويذكر لهذا الاختلاف مع أن إسناده مما تقوم به الحجة". أقول: "الظاهر أن البخاري ما علق هذا الحديث إلا لأنه ليس
على شرطه لكونه لم يخرج لبعض رجاله كأبي سلمة ابن سفيان، لا من أجل الاختلاف على ابن جريج؛ لأن الاختلاف ليس محصورا بين ابن عيينة وأبي عاصم كما صوره الحافظ إذ قد وافق أبا عاصم ثلاثة من الأئمة الحفاظ" وهم: 1- خالد بن الحارث ثقة ثبت روايته في س. 2- وحجاج بن محمد المصيصي ثقة ثبت وروايته في حم. 3- وعبد الرزاق في مصنفه. فهؤلاء الربعة من الأئمة الحفاظ خلفوا ابن عيينة وإن كان إماما حافظا لكن مخالفته لكثرة من الحفاظ تجعل روايته شاذة كما هو معلوم من علوم الحديث من أن الشاذ هو أن يخلف الثقة من هو أوثق منه أو أكثر، وإذا - والله أعلم - إنه ليس سبب تعليق البخاري لهذا الحديث هو الاختلاف على ابن جريج، وإنما هو قصور بعض رجال الإسناد عن شرطه، إذ لو كان الإسناد كله على شرطه لما صده هذا الاختلاف إخراجه من الجانب الراجح عن أبي عاصم أو حجاج أو غيرهما؛ لأنه قد خرج أحاديث في صحيحه مع وجود الاختلاف في أسانيدها، وقد يكون الاختلاف فيها شديدا كحديث أبي إسحاق السبيعي عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود قال: "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بحجرين وروثة ... " الحديث في خ رقم 156 مع الاختلاف الشديد فيه أخرجه من الطريق الراجحة في نظره وله نظائر. 5- قال الحافظ: "سمى الدمياطي ما علقه البخاري عن شيوخه حوالة، فقال في كلامه على حديث أبي أيوب في الذكر: أخرجه البخاري حوالة فقال: قال موسى بن إسماعيل: ثنا وهيب عن داود عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي أيوب وفيما قاله الحافظ نظر، لأن الدمياطي إنما سماه حوالة لأن البخاري ذكره أولا من حديث
أبي هريرة، ثم عقبه بأسانيد مرجعها أبو أيوب، ولم يذكر متن تلك الأسانيد إلى أبي أيوب ركونا إلى ما سبق ذكره عن أبي هريرة، فهو حوالة حقيقية وعلى هذا الأساس سماه الدمياطي حوالة، لا لأنه جاء معلقا. 6- ذكر العراقي: أن الأحاديث المعلقة في (صحيح مسلم) تبلغ أربعة عشر. فتعقبه الحافظ بأنها لا تبلغ إلا ثلاثة عشر، بل الواقع أنها اثنتا عشر، وأن الذي أوقع العراقي في الوهم في عدد هذه الأحاديث متابعته للجياني والمازري، وذلك أن الجياني ذكر أنها أربعة عشر، ولكن لما سردها أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن عمر: "أرأيتكم ليلتكم هذه" ثم عد الحافظ الأحاديث المذكورة ووقع في وهمين: الأول: أنه أسقط حديث ابن عمر سهوا فلم يعده في هذه الأحاديث. والثاني: أنه كرر واحدا من هذه الأحاديث التي عدها وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ماعز في اعترافه بالزنا، فعلى هذا ما عده الحافظ لا يزيد على أحد عشر موضعا، ولا يبلغ اثني عشر إلا بحديث ابن عمر الذي كرره غيره وأسقطه هو سهوا. 7- ذكر الحافظ أن الأحاديث المنتقدة من الصحيحين يتعين استثناؤها ما تلقته الأمة بالقبول المفيد للعلم النظري. وفيما قاله نظر، والصواب في نظري فيه التفصيل، فإذا كان الحديث المنتقد من الكتابين ليس له إلا إسناد واحد، وتوجه إليه النقد، فإنه والحالة هذه يستثنى مما تلقي بالقبول ولا يفيد العلم النظري، وإن كان له طريق أو طرق أخرى في الصحيحين أو أحدهما وسلمت من الانتقاد فإنه والحالة هذه داخل فيما تلقي بالقبول والعلم النظري حاصل به كسائر أحاديث الصحيحين المتلقاة بقبول سواء بسواء.
8- ذكر الحافظ أمثلة لما يصفه الترمذي بالحسن وهو حديث المستور والضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالغلط والخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف قال: فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي: 1- أن لا يكون فيهم من يتهم بالكذب. 2- وأن لا يكون الإسناد شاذا. 3- وأن يروى ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدا. وقد درست هذه الأمثلة التي مثل بها الحافظ فوجدت فيها مجالا للنظر، ولا يصح أن يؤخذ منها قاعدة في اصطلاح الترمذي في هذا اللفظ، وذلك أن من هذه الأمثلة ما قال فيه الحافظ إن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه فوجدت أن الترمذي وصفه بأنه حسن صحيح واتفقت فيه كل النسخ الموجودة لجامع الترمذي. ومنها: ما قال الحافظ أن الترمذي وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه، فوجدت - أيضا - أن الترمذي قد وصفه بأنه حسن صحيح في معظم النسخ وفي بعضها موجود وصف الحسن فقط، ولكن الأدلة قائمة على أن الحكم الذي يستحقه ذلك الحديث إنما هو حسن صحيح. من تلك الأدلة أن يكون الحديث خرجه مسلم في صحيحه، ويكون الترمذي قد أورده في موضع آخر من جامعه وقال إنه حديث صحيح. ومنها: ما قال الحافظ: "أن الترمذي وصفه بالحسن ثم وجدت أن نسخ الترمذي قد اختلفت فيه ... " فمنها: ما فيه حسن وغريب ومنها: ما فيه غريب فقط، ومع أن كلا من الحكمين مخالف لما قاله الحافظ فإن الذي يترجح إنما هو الحكم عليه بأنه غريب، وذلك بأن يكون الحافظ نفسه قد حكم عليه في موضع آخر بأنه غريب ثم
يشاركه غيره من العلماء في هذا الحكم على الحديث، وللتأكيد واستيفاء البحث في هذا الموضوع يرجع إلى ما علقته على هذه الأمثلة في موضعه من الرسالة. من ص183- 197. 9- ذكر الحافظ مثالا للحسن لذاته وهو حديث أبي بكرة في توقيت المسح على الخفين رواه ابن ماجة من طريق المهاجر أبي مخلد، وقد قال فيه في التقريب: مقبول، وقد قرر في التقريب أن من يصفه بهذا اللفظ فذلك حيث يتابع وإلا فهو لين. ومن هذا حاله فبالمتابعة يكون حديثه حسنا لغيره لا لذاته. 10- دافع الحافظ ابن حجر عن حديث ابن عمر رضي الله عنهما: " ... سدوا الأبواب إلا باب علي" الذي رواه الإمام أحمد في المسند وأورد له شواهد تؤيده في نظره، ورد على ابن الجوزي الذي أوردها في (الموضوعات) ثم قال في النهاية: "وإذا تقرر ذلك فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد لا يبقين في المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين ممنوعة. وبيانه أن الجمع ممكن لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب وقد بينا سببه (يعني أنه ليس له طريق غيره) والأخر فيما يتعلق بالخوخ ولا سبب له إلا الاختصاص المحض، فلا تعارض ولا وضع، ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في كثير من أحاديث الصحيحين البطلان، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون. فتعقبت الحافظ بقولي: "إن نقض هذه الأحاديث ليس قائما على دعوى التعارض فحسب بل هو قائم على مطاعن وقوادح في الرواة الذين جاءت هذه الأحاديث عن طريقهم فهم رواة قد أنهكهم التشيع الغالي ففضحهم، وكشف عوراتهم لا يضر بأحاديث الصحيحين لا من قريب ولا من بعيد وهذا العمل إنما هو من باب النصيحة في الدين والقيام بالواجب وعلي رضي الله عنه قد ثبت له من الفضائل والمناقب ما يغنيه عن مثل هذه الأحاديث الواهية. ثم عن الجمع الذي رآه الحافظ غير سليم لأن الأحاديث التي دار الكلام حولها إنما هي إثبات خصوصية لعلي رضي الله عنه، انظر الحديث المنسوب إلى
ابن عمر رضي الله عنه" حيث يقول فيه: "ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن يكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم ... " وإحداهن سد الأبواب إلا بابه ألا ترى الخصوصية فيها واضحة وقد خرجت في خصائص علي ومناقبه. 11- ذكر الحافظ عن شيخه العراقي أن البيهقي يجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسلا. فأقر الحافظ قول شيخه وضرب لذلك مثالا من تصرف البيهقي حيث قال في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري حدثني رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذا حديث مرسل. قال الحافظ: " ... لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك، ولو كان له علة غير هذه لبينها لأنه في مقام البيان". أقول أن البيهقي قد علله بعلتين أخريين: 1- بمخالفته للأحاديث الثابتة. 2- وبكون داود الأودي أحد رجال إسناد هذا الحديث لم يحتج به الشيخان. 12- حكم الحافظ على رواية النعمان بن عبد السلام لحديث لا نكاح إلا بولي موصولا بالشذوذ لأنه في نظره خالف الثقات الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان وفي حكمه هذا نظر. فإن الحاكم روى هذا الحديث في المستدرك من طريق النعمان وقال عقبه: "قد جمع النعمان بن عبد السلام بين الثوري وشعبة في إسناد هذا الحديث ووصله عنهما. وقد رواه جماعة من الثقات عن الثوري على حدة وعن شعبة على حدة فوصلوه، وكل ذلك مخرج في الباب الذي سمعه مني أصحابي ... " وأقره الذهبي. 13- قال الحافظ: "روينا من طريق يحيى القطان عنه - يعني
شعبة - أنه كان يقول: كنت أنظر إلى فم قتادة فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته، وإذا قال عن فلان تركته، رويناه في المعرفة للبيهقي". فرجعت إلى كتاب المعرفة للبيهقي فإذا بالبيهقي يروي هذا الكلام بدون إسناد، ثم رجعت على الجرح والتعديل لابن أبي حاتم فإذا به يرويه في ثلاثة مواضع من كتابه كلها من طريق عبد الرحمن بن المهدي عن شعبة، ولم أجده من رواية يحيى القطان عن شعبة ولعل ذكر يحيى القطان سبق قلم من الحافظ. 14- رتب الحافظ المدلسين في كتابه النكت على طبقات بناء على قواعد تتفق مع القواعد التي وضعها لكتابه طبقات المدلسين، لكنه عندما وزع أسماءهم وقع في الوهم في نظري في أمرين: أ- وذلك أنه لما ذكر أهل المرتبة الثالثة في كتاب النكت وعددهم خمسة وثلاثون رجلا وقع في شيء من المخالفة لما في كتابه الطبقات حيث أوردهم من طبقات مختلفة فبعضهم من الثالثة، نفسها وبعضهم من الرابعة، وبعضهم من الثانية، وبعضهم من الخامسة. ب- أفرد الحافظ المدلسين من رجال الصحيحين في ثلاث مراتب سواء أخرج لهم الشيخان أو أحدهما أصلا أو استشهادا أو تعليقا، وفاته ثلاثة منهم فلم يذكرهم في هذه المراتب الخاصة بهم بل ذكرهم في غيرها وهم: (أ) شباك الضبي/ م د س ق. (ب) الحسن بن عمارة/ خت ت ق. (ج) يزيد بن أبي زياد/ م. 15- ذكر الحافظ اختلاف العلماء وآراءهم في تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف، ثم اختار أن اختلافهم إنما يجري فيما إذا كان للمتن إسناد واحد أما إذا كان للمتن إسنادان فلا يجري، فيه هذا الخلاف، وضرب لذلك مثلا وهو أن البخاري روى في صحيحه من طريق ابن جريج عن موسى بن
عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير والإشارة بالرأس ... " الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير عن مجاهد موقوفا. وقال: فلم يتعارض الوقف هنا والرفع لاختلاف الإسنادين فتعقبته بأن البخاري لم يرو مسندا إلا حديث ابن عمر. وأما أثر مجاهد فلم يروه البخاري بالإسناد الذي ذكره الحافظ. وقال الحافظ نفسه في الفتح 2/432 في الكلام على حديث ابن عمر: "هكذا أورده البخاري مختصرا، وأحال على قول مجاهد، ولم يذكره هنا ولا في موضع آخر من كتابه فأشكل الأمر فيه ... ". ثم ذكر أن الإسماعيلي قد أخرج أثر مجاهد الموقوف. 16- ذكر الحافظ في النكت حديث الشافعي عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما: "الشهر تسع وعشرون" وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". قال الحافظ: "أشار البيهقي إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك، فنظرنا فإذا البخاري قد روى الحديث في صحيحه فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء، فهذه متابعة تامة للشافعي، والعجب من البيهقي كيف خفيت عليه. أقول إن تعجب الحافظ في غير محله، ولم تخف هذه المتابعة على البيهقي بل عرفها ورواها في سننه الكبرى 4/204- 206. فقال بعد أن روى الحديث المذكور من طرق مدارها على نافع وسالم: "ورواه البخاري في الصحيح عن القعنبي عن مالك إلا أنه قال: "فأكملوا العدة ثلاثين".
ثم رواه من طريق الشافعي عن مالك به، وفيه "فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". ثم قال: "ورواية الجماعة عن مالك على اللفظ الأول - يعني: (فاقدروا له) - ثم قال: "وإن كانت رواية الشافعي والقعنبي من جهة البخاري محفوظة فيحتمل أن يكون مالك رواه على اللفظين جميعا". ومن هنا يظهر لنا أن رواية القعنبي في البخاري لم تخف على البيهقي ولا سيما وقد ساق لروايتي الشافعي والقعنبي متابعات وشواهد من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر وأبي بكر وعائشة. 17- ذكر الحافظ مثالا للحديث الضعيف الذي يتكلم عليه أبو داود خارج السنن ويسكت عليه فيها بحديث نافع عن ابن عمر في الرجل الذي سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يرد عليه حتى تيمم والواقع أن أبا داود تكلم عليه في السنن. قال أبو داود: سمعت أحمد ابن حنبل يقول روى محمد بن ثابت حديثا منكرا في التيمم وقال ابن داسة قال أبو داود لم يتابع محمد بن ثابت في هذه القصة على ضربتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ورووه من فعل ابن عمر انظر د: 1- كتاب الطهارة ... حديث 330. 18- نقل الحافظ عن المنذري اختلاف العلماء في قول الصحابي (كما يقال: كذا) وأن الجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم يكون مرفوعا. ثم قال الحافظ: ومما يؤيد أن حكها الرفع مطلقا ما رواه النسائي من حديث عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال: "كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر" فإن ابن ماجه رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم".
فرجعت إلى الحديث في النسائي وابن ماجه فوجدت أن مداره على الزهري، وقد اختلف عليه ابن أبي ذئب وأسامة بن زيد، أما ابن أبي ذئب فرواه عن الزهري عن أبي سلمة ثم عن حميد بن عبد الرحمن عن أبيهما عبد الرحمن بن عوف موقوفا عليه من قوله. وأما أسامة بن زيد فرواه عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهي رواية ابن ماجه، وأسامة بن زيد متفق على ضعفه وقد خالف ابن أبي ذئب وهو ثقة ضابط، فرواية أسامة على هذا تعتبر منكرة ومنه يتضح أن الرفع في روايته لم يأت بناء على هذه الصيغة (كان يقال كذا) من صيغ الرفع كما فهم الحافظ وإنما سبب ذلك وهم وخطأ أسامة بن زيد حيث رفع رواية المحفوظ فيها عن الزهري الوقف على عبد الرحمن بن عوف ثم إنها بعد هذا لا تصلح لأن يحتج بها ولو سلمت من هذه العلة؛ لأنها رواية منقطعة لأن أبا سلمة بن عبد الرحمن لم يدرك أباه، والعجب كيف غاب كل هذا عن ذهن الحافظ وهو يقرر هذه القاعدة. وهناك مناقشات أخر كتضعيف حديث حسنه أو تحسين حديث صححه وغير ذلك من المناقشات مما يراه القارئ في التعليقات على نص الكتاب.
الباب الثالث: قسم التحقيق
الباب الثالث: قسم التحقيق الفصل الأول: تحقيق اسم الكتاب الذي توفر لي من نسخ كتاب (النكت) هو خمس نسخ ولم تتفق على عنوان الكتاب، إذ على واحدة منها وهي اليمنية: (النكت على كتاب ابن الصلاح) لكاتبه أحمد بن علي بن حجر عفا الله تعالى عنه آمين هكذا مكتوب بخط المؤلف على أصله الذي هو أصل هذا الكتاب وجميعه بخطه - رحمه الله تعالى -. أما النسخ الأربع الباقية وهي النسخة الهندية ونسختا الرياض والنسخة الباكستانية فقد اشتركت كلها على التسمية الآتية: (النكت على كتاب ابن الصلاح وألفية العراقي) فإضافة (وألفية العراقي) خطأ مؤكد لم يقله ابن حجر أبدا، والدليل على أنه خطأ ومن تصرف النساخ مقلدا بعضهم بعضا أن الحافظ لم ينكت في هذا الكتاب على الألفية وإنما نكت على العراقي في كتابه (التقييد والإيضاح) وقد جاوزت نكته على التقييد خمسين نكتة أشرت إلى صفحاتها من التقييد صفحة صفحة في الهوامش التي عملتها على النكت. وليس فيها نكتة واحدة على ألفية العراقي فالواقع إذا يرفض هذه الإضافة.
والظاهر أن الحافظ إنما سمى كتابه هذا بالنكت على ابن الصلاح كما أفاده قول ناسخ اليمنية: (هكذا مكتوب بخط المؤلف على أصله) . وإن كان للحافظ تنكيت على التقييد والإيضاح للعراقي فإنه والله أعلم راعى في التسمية أن كتاب ابن الصلاح هو الأصل، ثم راعى الأغلب؛ فإن معظم التنكيت إنما هو على ابن الصلاح ويؤيده قول الحافظ في نزهة النظر طبعة الحلبي (وقد أوضحت ذلك في النكت على ابن الصلاح) وقوله في عدد من المواضع في الفتح (فيما علقته على ابن الصلاح) واقتصاره في التحويل على ما علقه على ابن الصلاح يؤيد اقتصاره في التسمية على ابن الصلاح ملاحظا بذلك أنه الأصل والأغلب. وقوله في (النكت الظراف على الأطراف للمزي 1/389 في الكلام على حديث المغفر: وقد ذكرت ذلك مبسوطا في زوائد النكت على علوم الحديث لابن الصلاح) فنراه خص الاسم بعلوم الحديث لابن الصلاح. هذا، وقد أطلق عليه السيوطي في نظم العقيان ص47: الإيضاح بنكت ابن الصلاح، والكتاني في الرسالة المستطرفة ص174 (الإفصاح على نكت ابن الصلاح) والصواب من هذا كله ما كتبه المصنف الحافظ ابن حجر بخطه على الكتاب نفسه، وما كتبه في مؤلفاته الأخر. وبناء على هذا فسأجعل عنوان الكتاب (النكت على كتاب ابن الصلاح) كما وضعه المؤلف، كما تقتضيه الأمانة العلمية والله الموفق ...
الفصل الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحافظ ابن حجر
الفصل الثاني: نسبة الكتاب إلى مؤلفه الحافظ ابن حجر هناك عدد وفير من الدلائل لإثبات نسبة كتاب النكت إلى الحافظ ابن حجر: أولا: أن خمس نسخ لهذا الكتاب قد اتفقت على نسبة الكتاب إلى الحافظ ابن حجر وقد يكون هناك نسخ أخرى للكتاب لم نطلع عليها تشارك هذه النسخ في نفس الدلالة. ثانيا: أن الحافظ قد ذكر هذا الكتاب في كتابه العظيم فتح الباري في عدد من المواضع. منها: أنه ذكره في الفتح 1/386 في الكلام على حديث بهز في ستر العورة وفي 13/545 و546 حيث قال فيما يتعلق بحديث كفارة المجلس (وقد تتبعت طرقه ... وقد خرجت طرقه فيما كتبته على علوم الحديث وقال مرة أخرى في الكلام على بعض روايات الحديث المذكور: وقد استوعبت طرقها وبينت اختلاف أسانيدها وألفاظ متونها فيما علقته على علوم الحديث لابن الصلاح في الكلام على الحديث المعلول) . وهذا الذي قاله موجود في النكت في نوع المعلل. ثالثا: ذكر الحافظ بعض مؤلفاته في هذا الكتاب، كأن يحيل على هذا بحث فيها
أو استيفاء ترجمة ونحو ذلك فقد ذكر عددا من كتبه فيه كتغليق التعليق وشرح البخاري وترتيب المدرج وغفران ما تقدم من الذنوب وتهذيب التهذيب. رابعا: أن الذين ترجموا للحافظ ابن حجر قد ذكروا هذا الكتاب في عداد مؤلفاته كالسخاوي في الجواهر والدرر ل 155 والسيوطي في نظم العقيان ص47 وفي ذيل الطبقات ص381 وكذلك الذين ألفوا كتبا في فنون العلم مثل كشف الظنون ذكر النكت في مؤلفات الحافظ وذكر قطعة من مقدمتها على عادته وكذلك ذكرها الكتاني في الرسالة المستطرفة. خامسا: هناك كتب ألفت في علوم الحديث قد عولت كثيرا على هذا الكتاب واستقت منه معلومات كثيرة أعطت هذه الكتب قيمة وفي نفس الوقت حفظت هذه البحوث التي استقتها منه. ومن تلك الكتب فتح المغيث للسخاوي وتدريب الروي للسيوطي وتوضيح الأفكار للصنعاني وقد أشرت في التعليقات على نص النكت إلى كثير من المواضع من هذه الكتب المستفيدة من النكت خصوصا توضيح الأفكار. هل كمل الحافظ تأليف هذا الكتاب؟ والجواب: أن الحافظ لم يكمله. فالنسخ الموجودة تنتهي بالنوع الثاني والعشرين وهو المقلوب بل النسخة اليمنية لم تصل إلا إلى أثناء النوع العشرين وهو المدرج. بل قد نص على عدم إكماله تلميذه العليم بمؤلفاته وهو الحافظ السخاوي قال في الجوهر والدرر ل155/أفي أثناء عدّ مؤلفات الحافظ: (النكت على ابن الصلاح وعلى النكت التي عملها على شيخه العراقي لم يكمل) قال: (وهو في مجلد ضخم مسود زيادة على نكت شيخه العراقي ومباحثه معه وهو نحو حجم الأصل بيض منه إلى المقلوب) ونص السيوطي في نظم العقيان ص47 على أن الحافظ لم يكمل هذا الكتاب.
ويفهم من كلام السخاوي أن تأليف الحافظ قد تجاوز نوع المقلوب وإن كان لم يكمل الكتاب، ولا ندري إلى أي حد وصل وعلى كل حال فمن المؤكد أنه وصل إلى النوع الثاني والعشرين المقلوب وهو الذي تمكن الحافظ من تبييضه. ولعل من أهم أسباب عدم إكمال الكتاب اشتغال الحافظ بالكتابة في عدد من التآليف استغرقت جهوده وهو يكتب في هذا الكتاب وذاك موزّعا أوقاته عليها فلم يتوفر له من الوقت ما يسمح له بإنجاز هذا الكتاب. والله أعلم.
الفصل الثالث: وصف نسخ الكتاب
الفصل الثالث: وصف نسخ الكتاب بحثت عن نسخ النكت لابن حجر على مقدمة ابن الصلاح في فهارس المخطوطات للمكتبات الإسلامية وفي نشرات بعض المكتبات فانتهيت إلى معرفة النسخ الآتية: 1- نسخة في مكتبة جامع صنعاء باليمن. 2، 3- نسختان في مكتبة جامعة الرياض. 4- نسخة المكتبة السعيدية بحيدر آباد في الهند. 5- نسخة مصورة من باكستان. وقد حصلت على صور لكل هذه النسخ وهي إن شاء الله كافية لإخراج النصوص على الصورة التي وضعها عليها المصنف إلا ما لا يخلو منه عمل الإنسان من هنات. وهذا وصف موجز للنسخ المذكورة. النسخة الأولى: مصورة عن مخطوط بمكتبة جامع صنعاء وتقع في 277 صفحة، ومتوسط مسطرتها 19 سطرا. وهي صحيحة بل أصحّ النسخ كلها ومقابلة، ويبدو أن الذي قابلها هو نفس الناسخ، والظاهر أنه من أفاضل العلماء إذ له تعليقات ومناقشات مع الحافظ ابن حجر تدل على علمه وفهمه.
إلا أن هذه النسخة ناقصة عن باقي النسخ حيث انتهت في أثناء النوع العشرين وهو المدرج. بينما النسخ الأخرى تنتهي بنهاية النوع الثاني والعشرين وهو المقلوب والظاهر أن هذا النقص طارئ عليها. وكما قلت أنها أصل النسخ فهي من الناحية التاريخية فيما يظهر لي أنها أقدم النسخ كلها لأنها نسخت من نسخة المؤلف نفسه - رحمه الله – فإنه مكتوب على هوامش عدد من الصفحات هذه العبارة: (بلغ مقابلة بأصله خط المصنف) . كما في ص24، 42، 80، 110، 113، 148، 179, 222، وعلى الورقة الأولى منها: (النكت على كتاب ابن الصلاح لكاتبه أحمد بن علي بن حجر عفا الله تعالى عنه هكذا مكتوب بخط المؤلف - رحمه الله – على أصله الذي هو أصل هذا الكتاب وجميعه بخطه - رحمه الله تعالى –. وعلى هذه الورقة تملُّكان: الأول: ونصه (من كتب الفقير إلى عفو الله تعالى يحيى بن الحسين صار إليَّ باليد الصحيح من قبل مالكه) . والثاني: ونصه (الحمد لله ثم صار ليد محمد بن الولي وفقه الله، وعلى الورقة الثانية: (هذه النسخة نسخت على نسخة بخط المصنف كما أفاده المحشِّي) ، ص 24، 42، والأمر كما ذكر كما في الصفحات التي أشرنا إليها سابقا. ورمزت لهذه النسخة ب (ي) . النسخة الثانية: مصورة على مخطوطة بمكتبة جامعة الرياض تحت رقم 1099 ويرجع نسخها لعام 1157? ومقاسها 22× 15 سم ومتوسط مسطرتها 23 سطرا وخطها نسخ، وتقع في 167 ورقة. وهي نسخة صحيحة مصححة ومقابلة مقابلة دقيقة كما أشار إلى ذلك في عدد من الصفحات بقوله: (بلغ) يعني مقابلة. وعلى الصفحة الأخيرة: (هذا
آخر ما وجد بخطه – رحمه الله – وافق الفراغ من رقم هذه النسخة عصر يوم الخميس لعله خامس وعشرين شهر شعبان أحد شهور سنة 1157 وفي هامش هذه الصفحة: (في الأم ما لفظه: بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب من أصل المصنف انتهى) . وبلغ مقابلة على الأم المذكورة على يد مالكه الفقير إلى الله حامد حسن شاكر1 عفا الله عنهما آمين وعلى هذه الصفحة تملُّك، هذا نصه: "بعناية مالكه الفقير إلى الله الفقيه الفاضل حامد بن حسن شاكر، حماه الله وأفهمه معانيه". وعلى الصفحة الأولى: (استكتبه لنفسه ولمن شاء الله من بعده الفقير إلى عفوه وكرمه حامد حسن شاكر عفا الله عنهما آمين) . ورمز هذه النسخة (ر/ أ) وقد أرمز لها بـ (ر) فقط أحيانا. النسخة الثالثة: عن مخطوطة بجامعة الرياض – أيضا – برقم 1294 وعدد أوراقها 167 ورقة، ومقاسها 10× 15 سم ومسطرتها 23 سطرا وهي نسخة يبدو أنها قديمة ولكن لا يعرف تاريخ نسخها ولا اسم الناسخ وهي صحيحة ومقابلة، وعلى هوامشها تعليقات قيمة. وعلى الصفحة الأخيرة وهي بخط مغاير لخط النسخة (انتهى الموجود من النكات نقلا عن النسخة المنقولة عن الأم – وسبحانه وتعالى أعلم وأحكم) ورمزها (ر/ ب) 2.
النسخة الرابعة: مصورة على مخطوطة بالمكتبة السعيدية بحيدر آباد الهند تحت رقم 5 أصول الحديث وتقع في 176 ورقة. ومقاس الصفحة 22× 18 ومتوسط مسطرتها 23 سطرا بخط جميل ويرجع تاريخ نسخها لعام 1164 وهي صحيحة ومقابلة مقابلة دقيقة على يد الشيخ عبد الرحيم بن شاه واد اللاهوري ثم المدني. إذ على الصفحة الأخيرة: بلغ مقابلة بحمد الله على الأصل، والأصل قال فيه: والأصل قال فيه: بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب المصنف، كتبه عبد الرحيم بن شاه اللاهوري، ثم المدني حامدا مصليا مسلما. وفيها: وافق الفراغ من نقله لآخر يوم الإثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر سنة 1164 بمحروس مدينة صنعاء. وعلى الصفحة الأولى تملكات لعدد من الأشخاص، ففي أعلى الصفحة تملُّك لم يظهر لي، ثم يليه: (من مجاز أقل الورى محمد بن محمد) . ثم يليه: (من كتب المفتقر إلى الله محمد بن عبد الله بن صبغة الله عفا الله عنهما) . وبعده: (ثم نقلت إلى محمد بن سعيد صبغة الله عفا الله عنهما) . ورمز هذه النسخة (?) . النسخة الخامسة: نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية عن نسخة باكستانية، وعدد صفحاتها ثلاثمائة وإحدى وستين صفحة ومسطرها ثمانية عشر سطرا وهي مخطوطة حديثة النسخ إذ كتب ناسخها على الصفحة الأخيرة: (هذا آخر ما وجد بخطه – رحمه الله رحمة واسعة. وقد وقع الفراغ والاختتام عشية يوم الأربعاء بقي اثنان من شهر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين مضت من المائة الرابعة عشرة من الهجرة على صاحبها التحية ألوف ألوف الصلوات والتسليمات) .
ثم كتب عقبه: (وأيضا قد كتب على يد فتح الرسول بن فتح محمد النظامي سترهما الله) وهي نسخة كثيرة الأخطاء وأظنها لم تقابل. ورمز هذه النسخة (ب) . هذا وقد عرفت قيمة النسخ من حيث الصحة، وأن أصحها النسخة اليمنية والراجح أنها أقدم النسخ تاريخا لأنها كتبت عن أصل المصنف. ولأجل اعتقادي هذا كنت حريصا على أن أجعلها هي الأصل، ولكن حال دون ذلك صعوبة الحصول عليها إذ لم تصلني إلا بعد سنتين من بدء عملي في الكتاب رغم محاولاتي المستمرة في الحصول عليها. بل لم تصلني إلا بعد أن بيضت الكتاب مما اضطرني إلى إعادة التبييض لكثير مما كنت قد فرغت منه. كما واجهت صعوبات في الحصول على بعض النسخ الأخرى، فبعضها لم يصلني إلا بعد سنة من بدء العمل وبعضها بعد سنتين مما ألجأني أن أعتبر الأصل هو صحة النص سواء كانت هذه الصحة تستند إلى واحدة من النسخ أو إلى أكثر من ذلك. بل ولو كانت صحته تستند إلى خارج هذه النسخ كلها. هذا وقد بذلت جهدا كبيرا في إخراج نصوص هذا الكتاب على الصورة التي وضعها عليها المؤلف، فقابلتها على النسخ كلها كلمة كلمة. وقد استغرقت هذه المقابلة وقتا طويلا، ولكن ذلك لم يزدني ولله الحمد إلا غبطة وطمأنينة وإلى صحة عملي. والله أسأل أن يجعل ذلك خالصا لوجهه الكريم.
الرموز المستعملة في هوامش الرسالة حيث عولت في كثير من التراجم وتخريج الأحاديث على الكاشف للحافظ الذهبي وتحفة الأشراف والمغني والضعفاء له والتقريب للحافظ ابن حجر وتهذيب التهذيب له والميزان للذهبي واللسان للحافظ ابن حجر والخلاصة للخزرجي. ولهذه الكتب رموز إلى الكتب التي وضعت لتراجم رواتها وغيرهم فقد استخدمت تلك الرموز في الهوامش على كتاب النكت لتراجم الرجال ولتخريج الأحاديث. وأحب أن أوضحها هنا لمن قد تخفى عليه من القراء وهي: خ: إشارة إلى البخاري في صحيحه. خت: إشارة إلى البخاري في صحيحه تعليقا. بخ: إشارة إلى البخاري في الأدب المفرد. عخ: إشارة إلى البخاري في خلق أفعال العباد. ز: إشارة إلى البخاري في جزء القراءة. ي: إشارة إلى البخاري في رفع اليدين. م: إشارة إلى مسلم في صحيحه. د: إشارة إلى أبي داود في سننه. مد: إشارة إلى أبي داود في المراسيل. صد: إشارة إلى أبي داود في فضائل الأنصار. خد: إشارة إلى أبي داود في الناسخ والمنسوخ. قد: إشارة إلى أبي داود في القدر. ف: إشارة إلى أبي داود في التفرد. ل: إشارة إلى أبي داود في المسائل. كد: إشارة إلى أبي داود في مسند مالك.
ت: إشارة إلى الترمذي في جامعه. تم: إشارة إلى الترمذي في الشمائل. س: إشارة إلى النسائي في سننه. عس: إشارة إلى النسائي في مسند علي. كن: إشارة إلى النسائي في مسند مالك. ق: إشارة إلى ابن ماجه في سننه. فق: إشارة إلى ابن ماجه في التفسير. ع: إشارة إلى أصحاب الكتب الستة. 4: إشارة إلى أصحاب السنن الأربعة في سننهم. وهناك رموز أخرى لمخطوطات النكت لابن حجر على ابن الصلاح وذلك أنني أكتب خطا مائلا عند بداية كل صفحة من كل نسخة وأضع في محاذاته إلى اليسار رمز النسخة التي أشرت إلى بداية صفحتها ورقم الصفحة أو اللوحة ... فحرف ي: رمز إلى نسخة اليمن. وحرف ر/أأو ر/ب: رمز إلى نسختي الرياض. وحرف ?: رمز للنسخة الهندية. وحرف ب: رمز للنسخة الباكستانية. وهناك في الهامش يأتي رمز (ل) ويعني لوحة ورمز (ق) ويعني ورقة و (حم) ويعني مسند أحمد و (دي) ويعني مسند الدارمي. والله الموفق.
فهرس قسم الدراسة المقدمة نشأة علوم الحديث أول من صنف في علوم الحديث نبذة من المؤلفات في هذا الفن أسباب اختيار المحقق للعمل في النكت تقسيم العمل إلى قسمين: قسم دراسة، وقسم تحقيق قسم الدراسة الباب الأول الفصل الأول: تعريف بابن الصلاح شيوخ ابن الصلاح تلاميذه مزاياه وثناء العلماء عليه مؤلفاته الفصل الثاني: تعريف بالحافظ العراقي رحلات الحافظ العراقي شيوخه تلاميذه صفاته وثناء العلماء عليه وفاته مؤلفاته
الفصل الثالث: تعريف بالحافظ ابن حجر عصر الحافظ ابن حجر اسمه ونسبه مولده ونشأته رحلاته شيوخه تلاميذه صفاته وأخلاقه ثناء العلماء عليه ومكانته وفاته مؤلفاته الباب الثاني: في دراسة كتاب النكت الفصل الأول: في تنكيت الحافظ ابن حجر على ابن الصلاح المراحل التي تكونت فيها النكت خلاصة عمل الحافظ كلامه على خطبة ابن الصلاح وفيها ثلاث عشرة نكتة النوع الأول: الصحيح وفيه ست عشرة نكتة النوع الثاني: الحسن، وفيه ثلاث عشرة نكتة النوع الثالث: الضعيف، وفيه خمس نكت النوع الرابع: المسند، ولم ينكت فيه الحافظ على ابن الصلاح النوع الخامس: المتصل، وفيه نكتة واحدة النوع السادس: المرفوع، وفيه نكتتان النوع السابع: الموقوف، وفيه نكتتان النوع الثامن: المقطوع، وفيه ثمان نكت النوع التاسع: المرسل، وفيه ثمان نكت النوع العاشر: المنقطع، وفيه نكتتان النوع الحادي عشر: المعضل، وفيه سبع عشرة نكتة النوع الثاني عشر: معرفة التدليس، وفيه سبع نكت
النوع الثالث عشر: في معرفة الشاذ، وفيه أربع نكت النوع الرابع عشر: المنكر، وفيه نكتة واحدة النوع الخامس عشر: في معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد، وفيه نكتتان النوع السادس عشر: في معرفة زيادات الثقات، وفيه أربع نكت النوع السابع عشر: معرفة الأفراد، وفيه نكتة واحدة النوع الثامن عشر: معرفة المعلل، وفيه خمس نكت النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب، وفيه نكتتان النوع العشرون: المدرج، وفيه نكتة واحدة النوع الحادي والعشرون: الموضوع، وفيه تسع نكت النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب، وفيه أربع نكت الفصل الثاني: في تنكيت الحافظ ابن حجر على العراقي النوع الأول: الصحيح، وفيه خمس عشرة نكتة النوع الثاني: الحسن، وفيه اثنتا عشرة نكتة النوع الثالث: لضعيف، لم ينكت فيه الحافظ على العراقي النوع الرابع المسند: وفيه نكتة واحدة النوع الخامس: معرفة المتصل النوع السادس: معرفة المرفوع النوع السابع: معرفة الموقوف النوع الثامن: معرفة المقطوع هذه الأنواع لم ينكت فيها الحافظ على شيخه العراقي النوع التاسع: معرفة المرسل، وفيه ست نكت النوع العاشر: المنقطع، لم ينكت الحافظ فيه على العراقي النوع الحادي عشر: المعضل: وفيه ثلاث نكت النوع الثاني عشر: المدلس، وفيه أربع نكت النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ، وفيه على العراقي نكتتان النوع الرابع عشر: المنكر، وفيه نكتتان النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد، لم ينكت الحافظ في هذه الأنواع الثلاثة على شيخه العراقي النوع الثامن عشر: معرفة المعلل، وفيه عشر نكت النوع التاسع عشر: معرفة المضطرب النوع العشرون: معرفة المدرج، وهذان النوعان لم ينكت فيهما الحافظ على شيخه العراقي النوع الحادي والعشرون: معرفة الموضوع، وفيه نكتتان الفصل الثالث: في مناهج الحفاظ الثلاثة ابن حجر، وابن الصلاح، والعراقي منهج الحافظ ابن حجر منهج ابن الصلاح منهج العراقي الفصل الرابع: في تعقباتي على الحافظ ابن حجر قسم التحقيق الفصل الأول: في تحقيق اسم الكتاب الفصل الثاني: في نسبة الكتاب إلى مؤلفه الفصل الثالث: في وصف نسخ الكتاب الرموز المستعملة في هوامش الرسالة صورة اللوحة الأولى من النسخة اليمنية صورة الصفحة الأخيرة من النسخة اليمنية صورة اللوحة الأولى من نسخة الرياض صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الرياض الأولىصورة اللوحة الأولى من نسخة الرياض الثانية صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الرياض الثانية صورة اللوحة الأولى من نسخة الهند صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الهندصورة اللوحة الأولى من نسخة الباكستانية صورة اللوحة الأخيرة من نسخة الباكستانية
الباب الرابع: النص المحقق
الباب الرابع: النص المحقق النكت على كتاب ابن الصلاح للحافظ ابن حجر العسقلاني 773- 852هـ تحقيق ودراسة الدكتور ربيع بن هادي عمير خطبة الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم1 وبه نستعين الحمد لله الذي لا تنفد مع كثرة الإنفاق خزائنه. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له يؤازره، ولا نظير له2 يعاونه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله إلى الناس كافة، فقد فاز متابعه ومعاونه، وخسر مضاده3 ومباينه صلى الله عليه وعلى آل محمد وصحبه الذين جمعت لهم غرر الدين القويم ومحاسنه. أما بعد: فإن الاشتغال بالعلوم الدينية النافعة أولى ما صرفت فيها فواضل الأوقات، وأحرى بأن يهجر لها الملاذ والشهوات، ولم آل جهدا منذ اشتغلت بطلب الحديث النبوي في تعرف صحيحه من معلوله، ومنقطعه من موصوله، ولم آلو4 عنانا5
عن1 الجري في ميدان نقلته والبحث2 عن أحوال حملته؛ لأن ذلك هو المرقاة إلى معرفة سقيمه من صحيحه وتبيين راجحه من مرجوحه. ولكل مقام مقال. ولكل مجال رجال. وكنت قد بحثت على3 شيخي العلامة حافظ الوقت أبي الفضل ابن الحسين الفوائد التي جمعها على مصنف الشيخ الإمام الأوحد الأستاذ أبي عمرو ابن الصلاح، وكنت في أثناء ذلك وبعده إذا وقعت لي النكتة الغريبة، والنادرة العجيبة، والاعتراض القوي طورا، والضعيف مع الجواب عنه أخرى، ربما4 علقت بعض ذلك على هامش الأصل، وربما أغفلته. فرأيت الآن أن الصواب/ (ب3) الاجتهاد في جمع ذلك، وضم ما يليق به ويلتحق بهذا الغرض وهو تتمة التنكيت على كتاب ابن الصلاح، فجمعت ما وقع لي من ذلك في هذه الأوراق. ورقمت على أول كل مسألة إما (ص) وإما (ع) : الأولى لابن الصلاح أو الأصل. والثانية للعراقي أو الفرع5. وغرضي بذلك جمع ما تفرق من الفوائد واقتناص ما لاح من الشوارد6 والأعمال بالنيات.
1- قوله (ص) في الخطبة: (الواقي) : بالقاف وهو مشتق من قوله تعالى: {فَوَقَاهُ اللَّهُ} 1 عملا/ (ي3) بأحد المذهبين في الأسماء الحسنى. والأصح عند لمحققين أنها توقيفية. وأما قوله سبحانه وتعالى: {وَمَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَاقٍ} 2 فلا توقيف فيه على ذلك، لكن اختار الغزالي3 أن التوقيف مختص بالأسماء دون الصفات. وهو اختيار الإمام فخر الدين4 أيضا. وعلى ذلك يحمل عمل المصنف وغيره من الأئمة. 2- قوله (ص) : (حمدا بالغا أمد التمام ومنتهاه) 5: اعترض عليه بأن هذه دعوى لا تصح وكيف يتخيل شخص أنه يمكنه أن يحمد الله حمدا يبلغ منتهى التمام. والفرض أن الخلق كلهم لو اجتمع حمدهم لم يبلغ بعض ما يستحقه تعالى من الحمد فضلا عن تمامه. والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا أحصي ثناء عليك" 6. مع ما صح عنه في حديث الشفاعة: "أن الله يفتح عليه بمحامد لم يسبق إليها"7.
والجواب: أن المصنف لم يدَّع أن الحمد الصادر منه بلغ ذلك، وإنما أخبر أن الحمد الذي يجب لله هذه صفته، وكأنه أراد أن الله مستحق لتمام الحمد، وهذا بين من سياق كلامه. ومن هذا قول الشيخ محي الدين في خطبة المنهاج وغيره (أحمده أبلغ حمد وأكمله) 1 فمراده بذلك أنسب إلى ذاته المقدسة أبلغ المحامد. وليس مراده أن حمدي أبلغ حمد، وقد قال الأصحاب: "إن أجل المحامد - أن يقول المرء - الحمد لله حمدا يوافي نعمه ويكافئ مزيده". وهو راجع لما قلناه. 3- قوله (ص) : (على نبينا) 2: اعترض عليه بأن النبي أعم مطلقا من الرسول البشري، والرسول البشري أخص (فلم عدل) 3 عن الوصف بالرسالة إلى الوصف بالنبوة. والجواب عنه: أنه اعتمد ذلك لتحصل المناسبة بين المعطوف والمعطوف عليه وهو قوله: والنبيين4، والتعبير5 في النبيين بالصيغة الدالة على التعميم أولى. وأيضا فلو قال: على رسولنا لم يكن لائقا؛ لأن هذه الإضافة تصح على ما إذا كان المرسل هو القائل.
وقد يدفع السؤال من أصله. بأن يقال: المقام مقام تعريف لا وصف. ومقام التعريف يحصل الاكتفاء فيه بأي صفة كانت. 4- قوله/ (ي4) (ص) : (وآل كل) إضافة إلى الظاهر خروجا من الخلاف؛ لأن بعضهم لا يجيز إضافته إلى المضمر. 5- قوله (ص) : (هذا وأن علم الحديث2 ... الخ) : هو فاصل عن الكلام السابق للدخول في غرض آخر. ومثاله في التخلص قوله سبحانه وتعالى: {هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ} 3. فإن قلت: لم لم يأت بقوله: أما بعد مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأتي بها في خطبه4؟ قلت: "لا حجر في ذلك بل هو من التفنن". [تعريف علم الحديث:] وأولى التعاريف لعلم الحديث: معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي5.
6- قوله (ص) : (ولا يكرهه من الناس/ (ب5) إلا رذالتهم) : وهو بضم الراء بعدها ذال معجمة - والرذالة - ما انتفى جيده، فكأنه هنا وصف محذوف1 أي طائفة رذالة. والرذال بغير تاء: الدون الخسيس، والردئ من كل شيء فيحتمل أن تكون التاء في هذه للمبالغة. ولم أر في جمع رذل2 رذالة. وإنما ذكروا أرذال ورذول ورذلاء وأرذلون ورذال3. والله أعلم. 7- قوله (ص) : (وسفلتهم) ، بفتح السين وكسر الفاء وفتح اللام: وزن فرح4 جمع سفلة5 - بكسر السين وسكون الفاء - ويجوز6 أن يقرأ كذلك على إرادة الجنس.
8- قوله (ص) : (وهو من اكثر العلوم تولجا) ، أي دخولا في فنونها: والمراد بالعلوم هنا الشرعية وهي: التفسير، والحديث، والفقه. وإنما صار أكثر1، لاحتياج كل من العلوم الثلاثة إليه. أما الحديث فظاهر. وأما التفسير، فإن أولى ما فسر به كلام الله تعالى - ما ثبت عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - "ويحتاج الناظر في ذلك إلى معرفة ما ثبت مما لم يثبت"2. وأما الفقه فلاحتياج الفقيه إلى الاستدلال بما ثبت من الحديث دون ما لم يثبت، ولا يتبين ذلك إلا بعلم الحديث. 9- قوله/ (ي5) (ص) : (وأفنان فنونه) 3: الأفنان: جمع فنن - بفتحتين - وهو الغصن. والفنون: جمع فن وهو الضرب من الشيء، أي النوع ويجمع أيضا على أفنان. لكن المراد هنا4 بالأفنان: جمع فنن5 كما تقدم. 10- قوله (ص) : (غضة أي طرية) : وهي استعارة مناسبة لفنن6 وفيه الجناس7 بين أفنان وفنون.
11- قوله (ص) : (ومغانيه بأهله آهلة) : المغاني - بالغين المعجمة - جمع مغنى مقصور، وهو المكان الذي كان مسكونا، ثم انتقل أهله عنه، فكأنه أطلق عليه مغنى باعتبار ما آل إليه الأمر، وكان قبل ذلك مسكونا بأهله المستحقين له لا بغيرهم. وفيه جناس خطّي1 في قوله: (بأهله آهلة) . بوزن فاعلة. 12- قوله (ص) : (شرذمة) بالذال المعجمة: وحكى ابن دحية 2 جواز إهمالها، وشذ بذلك. 13- قوله (ص) : (من سماعه غفلا) بضم الغين المعجمة وسكون الفاء: وهي استعارة يقال: أرض غفل لا علم بها ولا أثر عمارة، فكأنه شبه الكتاب بالأرض، والتقييد بالنقط والشكل والضبط بالعمران. وقوله (ص) : (عطلا) العاطلة: ضد الحالي3. [تقسيم أبي شامة علوم الحديث إلى ثلاثة:] وقد ذكر أبو شامة4 - في كتاب المبعث - شيئا ينبغي تحريره
فقال1: يقال علوم الحديث الآن ثلاثة: أشرفها: حفظ متونها2 ومعرفة غريبها وفقهها. والثاني: حفظ أسانيدها3 ومعرفة رجالها وتمييز صحيحها من سقيمها وهذا كان مهمًّا/ (?3ب) وقد كفيه المشتغل بالعلم بما4 صنف وألف من الكتب/ (ر3/ب) فلا فائدة إلى تحصيل ما هو حاصل. والثالث: جمعه وكتابته وسماعه وتطريقه وطلب العلو فيه والرحلة إلى البلدان. والمشتغل بهذا مشتغل عما هو الأهم من علومه النافعة، فضلا/ (ي6) عن العمل الذي هو مطلوب الأول وهو العبادة. إلا أنه لا بأس للبطالين5 لما فيه من بقاء سلسلة الإسناد المتصلة بأشرف البشر ... (إلى آخر كلامه) . [رد الحافظ على أبي شامة:] قلت: وفي كلامه مباحث من أوجه: الأول: قوله: "وهذا كفيه المشتغل بالعلم بما6 صنف فيه". يقال عليه: إن كان التصنيف في الفن يوجب الاتكال على ذلك وعدم الاشتغال به، فالقول كذلك في الفن الأول.
فإن فقه الحديث وغريبه لا يحصى كم صنف في ذلك، بل لو ادعى مدع () / (ب7) أن التصانيف التي1 جمعت في ذلك أجمع من التصانيف التي جمعت في تمييز الرجال وكذا في تمييز الصحيح من السقيم لما أبعد بل ذلك هو الواقع. فإن كان الاشتغال بالأول مهما فالاشتغال بالثاني أهم؛ لأنه المرقاة إلى الأول. فمن أخل به خلط الصحيح بالسقيم والمعدل بالمجروح وهو لا يشعر وكفى بذلك عيبا بالمحدث. فالحق أن كلا منهما في علم الحديث مهم، لا رجحان لأحدهما على الآخر. نعم لو قال: الاشتغال بالفن الأول أهم كان مسلما مع ما فيه. ولا شك أن من جمعهما حاز القدح المعلى. ومن أخل بهما، فلا حظ له في اسم المحدث. "ومن حرر2 الأول، وأخل بالثاني كان بعيدا من اسم المحدث عرفا3". هذا لا ارتياب فيه. بقي الكلام في الفن الثالث: وهو السماع وما ذكر معه، ولا شك أن من جمعه مع الفن الأول كان أوفر قسما وأحظ قسما4، لكن وإن كان من اقتصر عليه كان أنحس5 حظا وأبعد حفظا.
فمن جمع الأمور الثلاثة كان فقيها محدثا كاملا، "ومن انفرد باثنين منها كان دونه. وإن كان ولا بد من الاقتصار على اثنين"1 فليكن الأول والثاني. أما من أخل بالأول واقتصر على الثاني والثالث فهو محدث صرف لا نزاع في ذلك. ومن انفرد بالأول، فلا حظ له في اسم المحدث كما ذكرنا. هذا تحرير المقال في هذا الفصل. والله أعلم. 14- قوله/ (ي7) (ص) : (فهرست أنواعه) 2: الصواب أنها بالتاء المثناة وقوفا وإدماجا، وربما وقف عليها بعضهم بالهاء وهو خطأ. قال صاحب3 تثقيف اللسان: "فهرست بإسكان السين والتاء فيه أصلية"، ومعناها في اللغة: جملة العدد للكتب/ (ب8) لفظة فارسية، قال4: "واستعمل الناس منها فهرس الكتب يفهرسها فهرسة مثل: دحرج، وإنما الفهرست: اسم جملة العدد". والفهرسة5 المصدر: كالفذلكة يقال: فذلكت6 الحساب إذا وقفت7 على جملته.
15 - قوله (ص) : (هذا آخر أنواعه وليس بآخر الممكن، لأنه قابل للتنويع) 1: فيه أمور: أحدها: أنه اعترض عليه بأن كثيرا من هذه الأنواع متداخل، لصدق رجوع بعضها إلى بعض2: كالمتصل بالنسبة إلى الصحيح، وكالمنقطع والمعضل والمعنعن والمرسل والشاذ والمنكر والمضطرب وغيرها من أقسام الضعف. والجواب عن هذا أن المصنف لما كان في مقام تعريف الجزئيات انتفى التداخل لاختلاف حقائقها في أنفسها بالنسبة إلى الاصطلاح، وإن كانت قد ترجع إلى قدر مشترك. وقد أشار هو إلى ذلك في آخر الكلام على نوع الضعيف كما سيأتي. وثانيهما: أنه لم يرتب3 الجميع على نسق واحد في المناسبة، فكان يذكر ما يتعلق بالإسناد خاصة وحده، وما يتعلق بالمتن خاصة وحده، وما يجمعهما وحده. وما يختص بهيئة السماع والأداء وحده/ (?3/ب ر4/ب) ، وما يختص بصفات الرواة وأحوالهم وحده. والجواب عن ذلك: أنه جمع متفرقات هذا4 الفن من كتب مطولة في هذا الحجم اللطيف، ورأى أن تحصيله وإلقاءه على طالبيه أهم من صرف العناية إلى حسن ترتيبه، فإنني رأيت بخط صاحبه المحدث فخر الدين: عمر
بن يحيى الكرجي1 ما يصرح بأن الشيخ كان إذا حرر نوعا من هذه الأنواع/ (ب9) واستوفى2 التعريف به وأورد أمثلته وما يتعلق به3 أملاه، ثم انتقل إلى تحرير نوع آخر، فلأجل4/ (ي8) هذا احتاج إلى سرد أنواعه في خطبة الكتاب، لأنه صنفها بعد فراغه من إملاء الكتاب، ليكون عنوانا للأنواع، ولو كانت محررة الترتيب على الوجه المناسب ما5 كان سرده للأنواع في الخطبة كثير الفائدة. ثالثها: أنه أهمل أنواعا أخر. قال الحازمي6 في كتاب العجالة له7: "اعلم أن علم الحديث يشتمل على أنواع كثيرة تقرب من مائة نوع، وكل نوع منها علم مستقل لو أنفق الطالب فيه8 عمره لما أدرك نهايته" ا?. وقد فتح الله تعالى بتحرير أنواع زائدة على ما حرره المصنف تزيد على خمسة وثلاثين نوعا. فإذا أضيفت إلى الأنواع التي ذكرها المصنف تمت مائة نوع كما أشار إليه الحازمي وزيادة.
وقد ذكر شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني1 منها في محاسن الإصلاح له خمسة أنواع2. وزاد عليه بعض3 تلامذته - ممن أدركناه ومات قديما - ثمانية أنواع. وفتح الله بباقي ذلك من تتبع مصنفات أئمة الفن كما سنسردها إن شاء الله تعالى عند فراغ هذه النكت، ونتكلم على كل نوع منها بما لا يقصر إن شاء الله تعالى عن طريقة المصنف. والله المستعان4.
النوع الأول: الصحيح
النوع الأول: الصحيح [تعريف الحديث الصحيح:] 16- قوله (ص) : (أما الحديث الصحيح فهو الحديث1 المسند الذي يتصل إسناده ... ) 2، إلى آخره: اعترض عليه بأنه لو قال: المسند المتصل لاستغنى عن تكرار لفظ الإسناد. والجواب عن ذلك أنه إنما أراد وصف الحديث المرفوع. لأنه الأصل الذي يتكلم عليه. والمختار في وصف المسند على ما سنذكره أنه3 الحديث الذي يرفعه الصحابي مع ظهور الاتصال (في باقي الإسناد) 4 فعلى هذا لا بد من التعرض لاتصال الإسناد في شرط الصحيح. والله أعلم.
17- قوله (ص) في حد الصحيح: (أن لا يكون شاذا ولا معللا) : اعترض عليه، بأنه كان ينبغي أن يزيد فيه قيد1 القدح بأن يقول: ولا معللا بقادح. وقد ذكره بعد هذا القول في قوله: وفي هذه/ (ي9) الأوصاف احتراز عن ما فيه علة قادحة فكان يتعين أن يذكره في نفس الحد؛ لأن من مسمى العلل ما لا يقدح كما سيأتي. ومن هنا2 اعترض الشيخ تقي الدين ابن دقيق العيد3 عليه4 بأن قال: وفي قوله: "ولا شاذا ولا معللا" نظر على مقتضى مذاهب الفقهاء؛ فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء5. انتهى. فقوله: "إن كثيرا" يدل على أن من العلل ما يجري على أصول الفقهاء، وهي العلل القادحة. وأما العلل التي يعلل بها كثير من المحدثين ولا تكون قادحة فكثيرة. 1- منها: أن يروي العدل الضابط عن تابعي مثلا عن صحابي/ (ب11) حديثا فيرويه عدل ضابط غيره مساو له في عدالته وضبطه وغير ذلك من الصفات العلية عن ذلك التابعي بعينه عن صحابي آخر، فإن مثل هذا يسمى علة عندهم لوجود الاختلاف على ذلك التابعي في شيخه.
2- ولكنها غير قادحة لجواز أن يكون التابعي سمعه من صحابيين معا من هذا جملة كثيرة/ (ر5/ب، ?5/ب) . والجواب عن المصنف: أنه لم يخل باحتراز ذلك، بل قوله: (ولا يكون/ (?5/ب) معللا) إنما يظهر من تعريف المعلل (وقد عرف) 1 فيما بعد أنه الحديث الذي اطلع في إسناده الذي ظاهره السلامة على علة خفية2 قادحة ... فلما اشترط انتفاء المعلل3 دل على أنه اشترط انتفاء ما فيه من علة خفية قادحة. فلهذا قال: "وفيه احتراز عما فيه علة قادحة". ويحتمل أنه إنما لم يقيد العلة بالقدح في نفس الحد ليكون الحد جامعا للحديث الصحيح المتفق على قبوله عند الجميع، لأن بعض المحدثين يرد الحديث بكل علة سواء كانت قادحة أو غير قادحة، ومع ذلك فاختياره أن لا يرد إلا بقادح، بدليل قوله: بعد كلامه (وفيه4 احتراز عما فيه علة قادحة) فوصفه للعلة بالقادح يخرج غير القادح. هكذا أجاب به شيخنا في شرح منظومته5، والأول أوضح. والله أعلم. تنبيهات: الأول: مراده بالشاذ هنا ما يخالف الراوي فيه من هو أحفظ منه أو أكثر كما فسره الشافعي. لا مطلق تفرد الثقة كما فسره به الخليلي.
فافهم ذلك1. وللمخالفة شرط يأتي في نوع زيادة الثقة. الثاني/ (ب12) : سنبينه في/ (ي10) الكلام على الحسن على موضع2 يتبين منه أن هذا التعريف للصحيح غير مستوف لأقسامه عند من خرج الصحيح حتى ولا الشيخين. وذلك عند قوله: "إن الحسن إذا تعددت طرقه ارتقى إلى الصحة"3 - والله الموفق -. الثالث: إنما لم يشترط نفي النكارة، لأن المنكر على قسميه عند من يخرج الشاذ هو أشد ضعفا من الشاذ. فنسبة الشاذ من المنكر نسبة الحسن من الصحيح فكما يلزم من انتفاء الحسن عن الإسناد انتفاء الصحة، كذا يلزم من انتفاء الشذوذ عنه انتفاء النكارة. ولم يتفطن الشيخ تاج الدين التبريزي4 لهذا وزاد في حد الصحيح/ (?6/أ) ، أن لا يكون شاذا ولا منكرا.
الرابع: زاد الحاكم في علوم الحديث في شرط الصحيح أن يكون راويه مشهورا بالطلب، وهذه الشهرة قدر زائد1 على مطلق الشهرة التي تخرجه من الجهالة. واستدل الحاكم على مشروطية الشهرة بالطلب بما أسنده عن عبد الله بن عون قال: "لا يؤخذ العلم إلا ممن شهد له عندنا بالطلب"2. والظاهر من تصرف صاحبي الصحيح اعتبار ذلك. إلا أنهما حيث يحصل للحديث طرق كثيرة يستغنون بذلك عن اعتبار ذلك - والله أعلم -. [اشتراط العدد لقبول الحديث لم يصرح به أحد من المحدثين:] 1- قوله ع: (وكأن البيهقي رآه في كلام أبي محمد الجويني، فنبه على أنه لا يعرف عن أهل الحديث) 3: يعني اشتراط العدد في الحديث المقبول بأن يرويه عدلان عن عدلين حتى يتصل السند مثنى مثنى برسول الله - صلى الله عليه وسلم -. انتهى. وهذا إن4 كان الشيخ أراد بأنه لا يعرف/ (ب13) التصريح به5 من أحد من أهل الحديث فصحيح6، وإلا فذلك موجود في كلام الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله7 الحافظ في المدخل.
وقد نقله عنه الحازمي لما ذكر أن الحديث الصحيح ينقسم أقساما وأعلاها شرط البخاري ومسلم، وهي الدرجة الأولى من الصحيح، وهو أن يرويه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صحابي/ (ي11) زائل عنه اسم الجهالة، بأن يروي عنه تابعيان عدلان ثم يرويه عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابة، وله راويان ثقتان، ثم يرويه عنه من أتباع التابعين حافظ متقن، وله رواة ثقات من الطبقة الرابعة، ثم يكون شيخ البخاري أو مسلم حافظا مشهورا بالعدالة في روايته، وله رواة، ثم يتداوله أهل الحديث بالقبول إلى1 وقتنا كالشهادة على الشهادة"2. وقال في كتاب/ (ر6/ب) علوم الحديث/ (?6/ب) له3 (وصفة الحديث الصحيح أن يرويه) ثم ساق نحو ذلك4 لكن لم يتعرض لعدد معين فيمن بعد التابعين.
وقد فهم الحافظ أبو بكر الحازمي من كلام الحاكم أنه ادعى أن الشيخين لا يخرجان الحديث إذا انفرد به أحد الرواة، فنقض عليه بغرائب الصحيحين. الظاهر أن الحاكم لم يرد ذلك وإنما أراد كل راو في الكتابين من الصحابة فمن بعدهم، يشترط أن يكون له راويان في الجملة، لا أنه يشترط أن يتفقا في رواية ذلك الحديث بعينه عنه، إلا أن قوله في آخر الكلام: "ثم يتداوله أهل الحديث كالشهادة على الشهادة". إن أراد به تشبيه الرواية بالشهادة1 من كل وجه فيقوى اعتراض الحازمي، وإن أراد به تشبيهها2 بها في الاتصال/ (ب14) والمشافهة، فقد ينتقض عليه بالإجازة، والحاكم قائل بصحتها. وأظنه إنما أراد بهذا التشبيه أصل الاتصال (والإجازة عند المحدثين لها حكم الاتصال) 3 - لله أعلم - ولا شك أن الاعتراض عليه بما في علوم الحديث أشد من الاعتراض عليه بما في المدخل، لأنه جعل في المدخل هذا شرطا لأحاديث الصحيحين. وفي العلوم جعله شرطا للصحيح في الجملة. وقد جزم أبو حفص الميانجي4 بزيادة على فهمه الحازمي من كلام الحاكم.
[زعم الميانجي أن الشيخين يشترطان العدد في صحة الحديث في كتابيهما:] فقال في كتاب (ما لا يسع المحدث جهله) 1: "إن شرط الشيخين في صحيحهما - أن لا يدخلا فيه إلا ما صح عندهما، وذلك ما رواه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اثنان فصاعدا، وما نقله عن/ (ي12) كل واحد من الصحابة أربعة من التابعين فأكثر، وأن يكون عن كل واحد من التابعين أكثر من أربعة". فهذا الذي قاله الميانجي مستغن بحكايته عن الرد عليه فإنهما لم يشترطا ذلك ولا/ (ر7/أ) واحد منهما. وكم في الصحيحين من حديث لم يروه إلا صحابي واحد، وكم فيهما من حديث2/ (?7/أ) لم يروه إلا تابعي واحد. وقد صرح مسلم في صحيحه3ببعض ذلك. وإنما حكيت كلام الميانجي هنا لأتعقبه لئلا يغتر به [اشتراط ابن علية وغيره العدد في صحة الحديث:] وأما اشتراط العدد في الحديث الصحيح، فقد قال به قديما إبراهيم بن إسماعيل بن علية4 وغيره. وعقد الشافعي في (الرسالة) 5 بابا محكما لوجوب العمل بخبر الواحد،
وخبر الواحد عندهم هو: ما لم يبلغ درجة المشهور1 سواء رواه شخص واحد أو أكثر. ورأيت في بعض تصانيف الجاحظ2 أحد3 المعتزلة أن الخبر لا يصح عندهم إلا إن رواه أربعة. وعن أبي علي الجبائي4أحد المعتزلة - أيضا - فيما حكاه أبو الحسين البصري5 في المعتمد6 "أن الخبر لا يقبل إذا رواه العدل الواحد إلا إذا انضم إليه خبر عدل آخر. أو عضده7 موافقة ظاهر الكتاب، أو ظاهر خبر آخر. أو يكون منتشرا بين الصحابة، أو عمل به بعضهم". وأطلق الأستاذ أبو منصور التميمي8 عنه أنه يشترط الاثنين عن الاثنين.
والحق عنه التفصيل الذي حكيناه. واحتج على ذلك: 1- بقصة1 ذي اليدين2 وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - توقف في خبره حتى تابعه أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - وغيرهما. 2- وقصة3أبي بكر - رضي الله عنه - حين توقف في حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه - في ميراث الجدة حتى تابعه محمد بن مسلمة.
3- وقصة1 عمر2 - رضي الله عنه - في توقفه في حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - في الاستئذان حتى تابعه أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - وغير ذلك. 4- وقول3 علي بن أبي طالب4 - رضي الله عنه – "كنت إذا حدثني رجل استحلفني فإن حلف لي صدقته".
والجواب عن ذلك كله واضح. أما قصة ذي اليدين: فإن/ (ر7/ب) النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما توقف فيه للريبة/ (ي13) الظاهرة، لأنه أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن فعل نفسه/ (?7/ب) وكان ثمة جماعة من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم، ولم يذكره أحد منهم سواه، فكان موجب التوقف قويا. وقد قبل خبر غيره على انفراده عند انتفاء الريبة في جملة من الوقائع/ (ب16) . وأما قصة المغيرة1 رضي الله عنه فإن أبا بكر الصديق رضي الله عنه إنما توقف فيه، لأنه أمر مشهور فأراد أن يتثبت فيه، وقد قبل أبو بكر رضي تعالى الله عنه حديث عائشة2 رضي الله عنها وحدها في القدر الذي كفن3فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غير ذلك من الأخبار. وأما عمر رضي الله عنه فإن أبا موسى4 - رضي الله عنه - أخبره
بذلك الحديث عقب إنكاره عليه رجوعه، فأراد عمر - رضي الله عنه - الاستثبات في خبره لهذه القرينة. وقد قبل عمر - رضي الله عنه - حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - وحده في أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الجزية من مجوس هجر1. وحديثه وحده - رضي الله عنه - في النهي عن الفرار من الطاعون، وعن دخول البلدة التي وقع بها2. وحديث الضحاك بن سفيان في توريث امرأة أشيم من دية زوجها3. وعدة أخبار من أخبار الآحاد في عدة من الوقائع. وأما صنيع علي - رضي الله عنه - في الاستحلاف4 فقد أنكر البخاري
صحته1 وعلى تقدير ثبوته، فهو مذهب تفرد به، والحامل له على ذلك هو المبالغة في الاحتياط، والله أعلم. 18- قوله (ص) : (ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق. على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك) 2. انتهى. أما الإسناد فهو كما قال قد صرح جماعة من أئمة الحديث بأن إسناد كذا أصح الأسانيد. وأما الحديث/ (ب17) فلا يحفظ عن أحد من أئمة الحديث أنه قال: حديث كذا أصح الأحاديث على الإطلاق، لأنه لا يلزم من كون الإسناد أصح من غيره أن
يكون المتن المروي به أصح من المتن المروي بالإسناد المرجوح1، لاحتمال انتفاء العلة عن الثاني ووجودها في الأول. أو كثرة/ (ي14) المتابعات وتوافرها على الثاني دون الأول. فلأجل هذا ما خاض الأئمة إلا في الحكم على الإسناد خاصة. وليس الخوض فيه يمتنع، لأن الرواة قد ضبطوا، وعرفت أحوالهم وتفاريق2 مراتبهم، فأمكن الاطلاع على الترجيح بينهم. وسبب الاختلاف في ذلك إنما هو من جهة أن كل من رجح إسنادا كانت أوصاف رجال ذلك الإسناد عنده أقوى من غيره بحسب اطلاعه، فاختلفت أقوالهم، لاختلاف اجتهادهم. وتوضيح هذا أن كثيرا ممن نقل عنه الكلام في ذلك إنما يرجح إسناد أهل بلده، وذلك لشدة اعتنائه3. فروينا في الجامع4 للخطيب من طريق أحمد بن سعيد الدارمي 5 قال: "سمعت محمود بن غيلان6 يقول قيل لوكيع ابن جراح7: هشام بن عروة8يحدث عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها
وأفلح بن حميد1 عن القاسم2 عن عائشة - رضي الله عنها -. وسفيان3 عن منصور4 عن إبراهيم5 عن الأسود6 عن عائشة - رضي الله عنها -. أيهم أحب إليك؟ قال: "لا نعدل7 بأهل بلدنا أحدا". قال أحمد بن سعيد الدارمي: "فأما أنا فأقول8: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها - أحب إلي هكذا رأيت أصحابنا يقدمون". ولكن يفيد9 مجموع ما نقل عنهم10في ذلك ترجيح التراجم التي حكموا لها بالأصحية. على ما لم يقع له حكم من أحد منهم.
وللناظر1 المتقن في ذلك ترجيح بعضها على2 بعض/ (ب18) ولو من حيث رجحان (حفظ) 3 الإمام الذي رجح ذلك الإسناد على غيره. وقد ذكر المصنف من ذلك/ (?8/ب) خمسة4تراجم. ومما لم يذكره. 1- قال حجاج/ (ر8/ب) بن الشاعر5 أو غيره6: "أصح الأسانيد شعبة 7عن قتادة8 عن سعيد بن المسيب9 عن شيوخه". 2- وقال يحيى بن معين10: عبد الرحمن بن القاسم11 عن
أبيه1 عن عائشة، ليس إسناد أثبت من هذا. 3- وقال سليمان بن داود الشاذكوني2: "أصح الأسانيد: يحيى بن أبي كثير3 عن أبي سلمة4 عن أبي هريرة5 - رضي الله عنه –"6. 4- وقال النسائي7: "أصح8 الأسانيد التي تروى أربعة منها - غير/ (ي15) ما تقدم - الزهري9 عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة10 عن ابن عباس11 عن عمر12 - رضي الله عنه –".
5- وقال ابن معين أيضا: "عبيد الله بن عمر1 عن القاسم عن عائشة - رضي الله عنها - ترجمة مشبكة بالدر وفي رواية بالذهب"2. 6- وقال أبو حاتم الرازي3: "يحيى بن سعيد القطان4 عن عبيد الله بن عمر بن نافع5 عن ابن عمر6 - رضي الله عنهما - كأنك تسمعها من في رسول الله - صلى الله عليه وسلم - –". 7- وكذا رجح أحمد بن حنبل7 عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - على مالك وأيوب.
8- وقال ابن المبارك1 ووكيع - كما تقدم - والعجلي: "أرجح الأسانيد وأحسنها: سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن علقمة2 عن عبد الله بن مسعود3 - رضي الله عنه –". وروينا في الجامع للخطيب من طريق أبي العباس أحمد بن محمد البرقاني4 قال: "سمعت خلف بن هشام البزار5 يقول: "سألت6 أحمد بن حنبل: أي الأسانيد أثبت؟ "9- قال: "أيوب7 عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فإن كان من حديث حماد بن زيد8 عن أيوب فيالك"9.
قلت: "فعلى هذا فقد اختلف اجتهاد أحمد بن حنبل في هذه الترجمة". وكذا رجحها النسائي/ (19/ب) . 10- نعم، وأخرج الترمذي1 عن محمد بن أبان2 عن وكيع. قال: "الأعمش3 أحفظ لإسناد إبراهيم من4 منصور5. 11- وقال علي بن المديني6: "من أصح الأسانيد حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين7 عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"8. 12- وقال البخاري9 - فيما ذكره الحاكم عنه أيضا – "أصح الأسانيد
أبو الزناد1 عن الأعرج2 عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"3 13- وروى ابن شاهين4 في الثقات عن أحمد بن صالح المصري5 قال: "من أثبت أسانيد أهل المدينة إسماعيل بن أبي حكيم6 عن عبيدة7 بن سفيان - يعني عن أبي هريرة - رضي الله عنه –"8. 14- وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل9 عن أبيه: "ليس بالكوفة أصح من هذا الإسناد: يحيى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن سليمان التيمي10 عن الحارث بن سويد11 عن علي - رضي الله عنه –"12.
وروى عن يحيى بن معين نحوه. 15- وفي الترمذي في الدعوات (عن سليمان بن داود الهاشمي1 أنه قال: في حديث الأعرج عن عبيد الله بن أبي رافع2 عن علي - رضي الله عنه - هذا مثل الزهري/ (ي16) عن سالم عن أبيه) 3، ذكره عقب حديث الافتتاح قبل باب ما يقول في سجود القرآن. وقال الحاكم أبو عبد الله في معرفة علوم الحديث4 له: "أصح أسانيد أهل البيت: جعفر بن محمد5 بن علي بن الحسين بن علي عن أبيه6 عن جده7 عن علي - رضي الله عنه - إذا كان الراوي عن جعفر ثقة"8. وأصح أسانيد الصديق - رضي الله عنه -: إسماعيل بن أبي خالد9 عن
قيس بن أبي حازم1 عن أبي بكر - رضي الله عنه -. وأصح أسانيد الفاروق - رضي الله عنه - الزهري عن سالم2 عن أبيه عن جده3 - رضي الله عنهم -. وأصح أسانيد عائشة/ (ب20) - رضي الله عنها - الزهري عن عروة4 عنها. وأصح أسانيد أنس بن مالك5 - رضي الله عنه - مالك6 عن الزهري عنه. وأصح أسانيد اليمانيين: معمر7 عن همام بن منبه8 عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
وأصح أسانيد/ (ر9/ب) المكيين - سفيان بن عيينة1 عن عمرو بن دينار2 عن جابر3 - رضي الله عنه -. وأثبت أسانيد المصريين - الليث بن سعد4 عن يزيد بن أبي حبيب5 عن أبي الخير6 عن عقبة بن عامر7 - رضي الله عنه -8. وأثبت أسانيد الشاميين - الأوزاعي9 عن حسان بن عطية10 عن الصحابة - رضي الله عنهم -11.
وأثبت أسانيد الخراسانيين - الحسن بن واقد1 عن عبد الله2 بن بريدة عن أبيه3 - رضي الله تعالى عنه -. قلت: "وهذا الذي ذكره الحاكم قد ينازع في بعضه، ولا سيما في أسانيد أنس - رضي الله تعالى عنه -." فإن قتادة وثابتا البناني4 أقعد5 وأسعد بحديثه من الزهري، ولهما من الرواة جماعة، فأثبت أصحاب ثابت البناني حماد بن زيد6، وأثبت أصحاب قتادة شعبة وقيل غيره7. وإنما جزمت بشعبة، لأنه كان لا يأخذ عن أحد ممن وصف بالتدليس إلا ما صرح فيه ذلك المدلس بسماعه من شيخه. وقد تقدم النقل عن أحمد بن سعيد الدارمي8 في ترجيح هشام بن عروة عن أبيه9.
وكذا قوله في أسانيد أهل الشام فيه نظر. فإن جماعة من أئمتهم رجحوا رواية سعيد بن عبد العزيز1 عن ربيعة بن يزيد2 عن أبي إدريس الخولاني3 عن أبي ذر4 - رضي الله عنه -. فهذه/ (ي17) بقية أقوال الأئمة في أصح الأسانيد. وذكر البزار5 في مسنده أن رواية علي بن الحسين بن علي عن6 سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص7 - رضي الله عنه - أصح/ (ب21) إسناد يروى عن سعد - رضي الله عنه -8.
وقال ابن حزم1: "أصح طريق يروى في الدنيا عن عمر - رضي الله عنه - رواية الزهري عن السائب بن يزيد2 - رضي الله عنه -". فإذا أضيفت إلى ما ذكره المصنف أفادت ترجيح ما نص على أصحيته إذا عارضه ما لم ينص فيه على الأصحية3 وإن4 كان صحيحا. فإن عارضه من نص - أيضا على أصحيته نظر إلى المرجحين؛ فأيهما كان أرجح حكم بقوله وإلا فيرجع إلى القرائن التي تحف أحد الحديثين فيقدم بها على غيره5 - والله أعلم. تنبيه: الذي رجح رواية أيوب عن ابن سيرين هو سليمان بن حرب6. تذييل قال البرديجي7: "أجمع أهل النقل على صحة حديث الزهري عن سالم
عن أبيه، وعن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - من مالك وابن عيينة ومعمر والزبيدي1 وعقيل2ما لم (يختلفوا3) ، فإذا اختلفوا توقف فيه. والذي رجح رواية ابن عون عن ابن سيرين هو ابن المديني وعين4 الراوي عن أيوب فقال هو حماد بن زيد. تنبيه: لم يذكر المصنف أوهى الأسانيد، وقد ذكره الحاكم5 وأظنه حذفه لقلة جدواه بالنسبة إلى مقابله، وسأشير وسأشير إليه في الكلام على الحديث الموضوع6 إن شاء الله تعالى. 19- قوله (ص) : (وبنى7 الإمام منصور التميمي8 على ذلك أن أجل الأسانيد رواية الشافعي9 عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله
عنهما -، واحتج بإجماع أصحاب الحديث أنه لم يكن في الرواة عن مالك أجل من الشافعي) 1. انتهى. وقد اعترض الشيخ علاء الدين مغلطاي2على ذلك برواية أبي حنيفة3 (? 10/ب) عن مالك وبأن ابن وهب4 والقعنبي5 عند المحدثين أوثق وأتقن من جميع من روى عن مالك، انتهى. فأما اعتراضه بأبي حنيفة، فلا يحسن، لأن/ (ي 18) أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك وإنما أورده الدارقطني6 والخطيب7 في الرواة عنه، لروايتين وقعت لهما عنه بإسنادين فيهما مقال. وهما لم يلتزما في كتابيهما الصحة، وعلى تقدير الثبوت
فلا يحسن أيضا - الإيراد. لأن من يروي عن1 رجل حديثا أو حديثين على سبيل المذاكرة، لا يفاضل في الرواية عنه بينه/ (ر10/ب) وبين من2 روى عنه ألوفا. وقد قال الإمام أحمد: "أنه سمع الموطأ من الشافعي عن مالك - رضي الله عنه - بعد أن كان سمعه من عبد الرحمن بن مهدي"3. ولا يشك أحد أن ابن مهدي أعلم4 بالحديث من ابن وهب والقعنبي، فما أدري من أين له هذا النقل عن المحدثين أن ابن وهب والقعنبي أثبت أصحاب مالك5. نعم قال بعضهم6: "إن القعنبي أثبت الناس في الموطأ، هكذا أطلقه على ابن المديني7 والنسائي8، وكلاهما محمول على أهل عصره؛ فإنه عاش بعد الشافعي بضع عشرة سنة". ويحتمل أن يكون تقديمه عند من قدمه باعتبار أنه سمع كثيرا من الموطأ من لفظ مالك9، بناء على أن السماع من لفظ الشيخ أتقن من القراءة عليه.
وأما ابن وهب فقد قال غير واحد أنه كان غير جيد التحمل1، فكيف ينقل هذا الرجل أنه أوثق أو أتقن أصحاب مالك، على أنه لا يحسن الإيراد على كلام أبي منصور أصلا، لأنه عبر بأجل. ولا يشكم أحد أن الشافعي أجل من هؤلاء. من أجل ما اجتمع له من الصفات العلية الموجبة لتقديمه، وهذا لا ينازع فيه إلا جاهل أو متغافل. والله الموفق. وعلى تسليم ما ذكره أبو منصور التميمي فبنى العلامة صلاح الدين العلائي2/ (ب23) وغيره3 على ذلك أن أجل الأسانيد رواية أحمد بن حنبل عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -.
وقد جمع الحافظ أبو بكر الحازمي في ذلك جزءا سماه (سلسلة الذهب) لكنه في مطلق رواية/ (ي19) أحمد عن الشافعي، وفيه عدة أحاديث رواها أحمد عن سليمان بن داود الهاشمي عن الشافعي وهو جزء كبير مسموع لنا. وليس في مسند أحمد على كبره1 من روايته عن الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - سوى أربعة أحاديث، جمعها في موضع واحد وساقها سياق الحديث الواحد2. وقد ساقها شيخنا في شرح منظومته3. وجمعتها مع ما يشبهها من رواية أحمد عن الشافعي عن مالك ومع عدم التقييد بنافع في جزء مفرد فما بلغت العشرة. والله الموفق. [تعذر التصحيح في هذه الأعصار بمجرد اعتبار الأسانيد في نظر ابن الصلاح:] 20- قوله (ص) : (فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا وتجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه عريًّا عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان فآل الأمر إذن في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة ... إلى آخر كلامه) 4.
[رد الحافظ على ابن الصلاح:] وفيه أمور: الأمر الأول: قوله: "عما يشترط في الصحيح من الحفظ" فيه نظر، لأن الحفظ لم يعده أحد من أئمة الحديث شرطا للصحيح وإن كان حكي عن بعض المتقدمين من الفقهاء. كما روينا عن يونس بن عبد الأعلى1 قال: سمعت أشهب2 يقول: سئل مالك عن الرجل/ (?12/ب) الغير3 فهم يخرج كتابه ويقول: هذا/ (ب24) سمعته. قال: "لا يؤخذ إلا عمن يحفظ حديثه ويعرف"4. ورواها الحاكم في (علوم الحديث) 5 من طريق ابن عبد الحكم6 عن أشهب بلفظ آخر، قال: "سئل مالك أيؤخذ العلم ممن لا يحفظ حديثه وهو ثقة صحيح؟. قال: (لا) .
قيل فإن أتى بكتب فقال: سمعتها وهو ثقة. قال: لا يؤخذ عنه أخاف أن يزاد في حديثه بالليل. هذا1 وإن كان صريحا في أنه لا يؤخذ عمن لا يحفظ، فإن العمل في القديم والحديث2 على خلافه، لا سيما منذ دونت الكتب، وقد ذكر المؤلف/ (ر11/ب) في (النوع السادس والعشرين) 3 أن ذلك من مذاهب أهل التشديد. هذا4 إن/ (ي20) أراد المصنف بالحفظ حفظ ما يحدث به الراوي بعينه، وإن أراد أن الراوي شرطه أن يعد حافظا، فللحافظ في عرف المحدثين شروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا. [شروط التسمية بالحافظ:] 1- وهو الشهرة بالطلب والأخذ من أفواه الرجال لا من الصحف. 2- والمعرفة بطبقات الرواة ومراتبهم. 3- والمعرفة بالتجريح والتعديل، وتمييز الصحيح من السقيم حتى يكون ما يستحضره من ذلك أكثر مما لا يستحضره مع استحضار الكثير من المتون. فهذه الشروط إذا اجتمعت في الراوي سموه حافظا. ولم يجعله أحد من أئمة الحديث شرطا للحديث الصحيح. نعم والمصنف لما ذكر حد الصحيح5 لم يتعرض للحفظ أصلا، فما باله يشعر هنا بمشروطيته.
ومما يدل على أنه إنما أراد حفظ ما يحدث به بعينه أنه قابل به من اعتمد على ما في كتابه، فدل على أنه يعيب من حدث من كتابه ويصوب من حدث عن ظهر قلبه. والمعروف أن أئمة الحديث كالإمام أحمد وغيره خلاف ذلك1. الأمر الثاني: أن من اعتمد في روايته على ما في كتابه/ (ب 25) لا يعاب، بل هو وصف أكثر رواة الصحيح من بعد الصحابة وكبار التابعين، لأن الرواة الذين للصحيح على قسمين: أ- قسم كانوا يعتمدون على حفظ حديثهم، فكان الواحد منهم يتعاهد حديثه ويكرر عليه فلا يزال مبينا له، وسهل ذلك عليهم قرب الإسناد وقلة ما عند الواحد منهم من المتون حتى كان من يحفظ منهم ألف حديث يشار إليه بالأصابع. ومن هنا دخل الوهم والغلط على بعضهم لما جبل عليه الإنسان من السهو النسيان. ب- وقسم كانوا يكتبون ما يسمعونه ويحافظون عليه ولا يخرجونه من أيديهم ويحدثون منه2. وكان الوهم والغلط في حديثهم أقل من أهل القسم الأول إلا من تساهل منهم. كمن حدث3 من غير كتابه، أو أخرج كتابه من يده إلى غيره فزاد فيه ونقص وخفي عليه. فتكلم الأئمة فيمن وقع له ذلك منهم. وإذا تقرر هذا، فمن كان عدلا, لكنه لا يحفظ حديثه عن ظهر قلب،/ (ي 21)
واعتمد على ما في كتابه فحدث منه، فقد فعل اللازم له وحديثه على هذه الصورة صحيح بلا خلاف1، فكيف يكون هذا سببا لعدم الحكم بالصحة على ما يحدث به. هذا مردود. والله سبحانه وتعالى أعلم. الأمر الثالث: قوله: "فآل الأمر إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشتهرة ... إلى آخره فيه نظر، لأنه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصا على صحته ورد ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين. فيلزم على الأول تصحيح ما ليس بصحيح، لأن كثيرا من الأحاديث التي صححها المتقدمون/ (ب 26) اطلع غيرهم من الأئمة فيها على علل تحطها عن رتبة الصحة، ولا سيما من كان لا يرى التفرقة بين الصحيح/ (? 12/ب) والحسن. فكم في كتاب ابن خزيمة2 من حديث محكوم منه بصحته وهو لا يرتقي عن رتبة الحسن3. وكذا في كتاب ابن حبان4 بل وفيما صححه الترمذي من ذلك جملة مع
أن الترمذي ممن يفرق بين الصحيح والحسن، لكنه قد خفي على الحافظ بعض العلل في الحديث فيحكم (عليه) بالصحة بمقتضى ما ظهر له ويطلع عليها/ (ر12/ب) غيره فيرد بها الخبر. وللحاذق الناقد بعدهما الترجيح بين كلاميهما بميزان العدل والعمل بما يقتضيه الإنصاف، ويعود الحال إلى النظر والتفتيش الذي يحاول المصنف سد بابه، والله تعالى أعلم1. الأمر الرابع: كلامه يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدمين فيما2 حكموا بصحته في كتبهم3 المعتمدة المشتهرة. والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث، بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم. فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم فليفد الصحة بأنهم حدثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو الرجال الذين فوقهم وأكثرهم رجال الصحيح كما سنقرره4. الأمر الخامس: ما استدل به على تعذر التصحيح في هذه الأعصار المتأخرة بما ذكره من كون الأسانيد ما منها إلا وفيه من لم يبلغ درجة الضبط والحفظ والإتقان، ليس بدليل ينهض لصحة ما ادعاه من التعذر، لأن الكتاب [المشهور] 5 الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه: كسنن النسائي مثلا لا يحتاج في صحة نسبته إلى النسائي إلى اعتبار حال رجال الإسناد منا إلى مصنفه.
[مذهب الحافظ جواز التصحيح وغيره في الأعصار المتأخرة:] فإذا روى حديثا ولم يعلله وجمع إسناده شروط الصحة ولم يطلع المحدث المطلع فيه على علة، ما المانع من الحكم بصحته ولو لم ينص على صحته أحد من المتقدمين، ولا سيما وأكثر ما يوجد من هذا القبيل ما رواته رواة الصحيح. هذا لا ينازع فيه من له ذوق في هذا الفن1. وكأن المصنف إنما اختار ما اختاره من ذلك بطريق نظري وهو: أن المستدرك للحاكم كتاب كبير جدا يصفو له منه صحيح كثير زائد على ما في الصحيحين على ما ذكر المصنف بعد، وهو مع حرصه على جمع2 الصحيح الزائد على الصحيحين واسع الحفظ، كثير الاطلاع، غزير3 الرواية، فيبعد كل البعد أن يوجد حديث بشرط الصحة لم يخرجه في مستدركه. وهذا في الطاهر مقبول، إلا أنه لا يحسن التعبير عنه بالتعذر، ثم الاستدلال4 على صحة دعوى5 التعذر بدخول الخلل في رجال الإسناد. فقد بينا أن الخلل - إذا سُلِّم - إنما هو فيما بيننا وبين المصنفين. أما المصنفين فصاعداً فلا. والله الموفق. وأما ما استدل6 به شيخنا على صحة ما ذهب إليه الشيخ محي الدين7
من جواز الحكم بالتصحيح لمن تمكن وقويت معرفته، بأن من عاصر ابن الصلاح قد خالفه فيما ذهب إليه وحكم بالصحة لأحاديث لم يوجد لأحد من المتقدمين الحكم بتصحيحها. (فليس بدليل ناهض) 1 على رد ما اختار ابن الصلاح، لأنه مجتهد وهم مجتهدون، فكيف ينقض الاجتهاد بالاجتهاد. وما أوردناه في نقض دعواه أوضح فيما يظهر2. والله أعلم. 2- قوله/ (ي23) (ع) : "صحح المنذري3حديثا في غفران ما تقدم وتأخر" "والدمياطي4 حديثا في ماء زمزم لما شرب له"5. فيه نظر: وذلك أن المنذري أورد في الجزء6 المذكور عدة أحاديث7 بين ضعفها.
وأورد في أثنائه حديثا من طريق بحر بن نصر1/ (? 13/ب) عن ابن وهب عن مالك ويونس عن الزهري عن سعيد2 وأبي سلمة3 عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. وقال بعده: "بحر بن نصر ثقة، وابن وهب ومن فوقه محتج بهم في الصحيحين". قلت: "ولا يلزم من كون رجال الإسناد من رجال الصحيح أن يكون الحديث الوارد به صحيحا، لاحتمال أن يكون فيه شذوذ أو علة، وقد وجد هذا الاحتمال هنا، فإنها رواية شاذة وقد بينت ذلك بطرقه والكلام عليه في جزء مفرد، ولخصته في كتاب بيان المدرج"4. وأما الدمياطي/ (ر13/ب) فلفظه: "هذا على رسم الصحيح؛ لأن سويدا5 احتج به مسلم، وعبد الرحمن بن أبي الموالي6 احتج به البخاري" هذا لفظه
وليس فيه حكم على الحديث بالصحة لما قدمناه من أنه لا يلزم من كون الإسناد محتجا بروايته في الصحيح أن يكون الحديث الذي يروي به صحيحا؛ لما يطرأ عليه من العلل1. وقد صرح ابن الصلاح بهذا في مقدمة شرح صحيح مسلم فقال: "من حكم لشخص بمجرد رواية مسلم عنه في صحيحه: بأنه من شرط الصحيح عند مسلم فقد غفل وأخطأ، بل ذلك يتوق على النظر في أنه كيف روى عنه وعلى أي وجه روى عنه"2. قلت: وذلك موجود هنا، فإن سويد بن سعيد إنما احتج به مسلم فيما توبع عليه لا فيما تفرد به. وقد اشتد إنكار أبي زرعة الرازي3 على مسلم في تخريجه لحديثه4، فاعتذر إليه من ذلك بما ذكرناه من أنه لم يخرج ما تفرد به، وكان/ (ب29) سويد بن سعيد مستقيم الأمر، ثم طرأ عليه العمى فتغير وحدث في حال تغيره بمناكير كثيرة حتى قال يحي بن معين: "لو كان لي فرس ورمح لغزوته"5.
فليس ما ينفرد به على هذا صحيحا فضلا عن أن يخالف فيه غيره، بل قد اختلف عليه هو في ذلك الإسناد، فروي/ (ي 24) عنه عن ابن المبارك عن عبد الله بن المؤمل على ما هو المشهور1. تنبيه: 3- قول شيخنا: "إن المعروف رواية عبد الله بن المؤمل عن محمد بن المنكدر كما هو رواية ابن ماجه"2. وقع منه سبق قلم، وإنما هو عند ابن ماجه وغيره من طريق ابن المؤمل عن أبي الزبير3. والله المستعان. [ ... وأخرج الطبراني في الأوسط عن علي بن سعيد الرازي، عن إبراهيم البرانسي، عن عبد الرحمن بن المغيرة عنه4] . [أول من صنف الصحيح:] 21- قوله (ص) : أول من صنف الصحيح البخاري5 انتهى. اعترض عليه الشيخ علاء الدين مغلطاي فيما قرأت بخطه بأن مالكا أول من صنف الصحيح، وتلاه أحمد بن حنبل، وتلاه الدارمي6 قال: "وليس لقائل
أن يقول: لعله أراد الصحيح المجرد، فلا يرد كتاب مالك؛ لأن فيه البلاغ والموقوف والمنقطع والفقه وغير ذلك، لوجود مثل ذلك في كتاب البخاري". انتهى. [رد العراقي على مغلطاي:] 4- وقد أجاب1 شيخنا - رضي الله عنه - عما يتعلق بالموطأ بما نصه: "أن مالكا لم يفرد الصحيح وإنما أدخل في كتابه المرسل والمنقطع ... " إلى آخر كلامه2. وكأن شيخنا لم يستوف النظر في كلام مغلطاي. وإلا فظاهر مقبول بالنسبة إلى ما ذكره في البخاري من الأحاديث المعلقة، وبعضها ليس على شرطه، بل وفي بعضها ما لا يصح كما سيأتي التنبيه عليه عند ذكر تقسيم التعليق، فقد مزج الصحيح بما ليس/ (ب30) منه كما فعل ذلك3. [رد الحافظ على مغلطاي:] وكأن مغلطاي خشي أن يجاب عن اعتراضه بما أجاب به شيخنا من التفرقة، فبادر إلى الجواب عنه، لكن الصواب في الجواب عن هذه المسألة أن يقال: ما الذي أراده المؤلف بقوله: "أول/ (? 14/ب) من صنف الصحيح". هل أراد الصحيح من حيث هو؟ أو أراد الصحيح المعهود الذي فرغ من تعريفه؟ الظاهر أنه لم يرد إلا المعهود. وحينئذ فلا يرد عليه ما ذكره في الموطأ
وغيره؛ لأن الموطأ وإن كان عند من يرى الاحتجاج بالمرسل والمنقطع وأقوال الصحابة صحيحا. (فليس/ (ي25) ذلك على شرط الصحة المعتبرة عند أهل الحديث) والفرق بين ما فيه من المقطوع والمنقطع وبين ما في البخاري من ذلك واضح؛ لأن الذي في الموطأ من ذلك هو مسموع لمالك كذلك في الغالب، وهو حجة عنده وعند من تبعه. والذي في البخاري من ذلك قد حذف في البخاري/ (ر14/ب) أسانيدها عمداً ليخرجها عن موضوع الكتاب، وإنما يسوقها في تراجم الأبواب تنبيها واستشهادا واستئناسا وتفسيرا لبعض الآيات. وكأنه أراد أن يكون كتابه جامعا لأبواب الفقه وغير ذلك من المعاني التي قصد (جمعه فيها) 1، وقد بينت في كتاب تغليق التعليق كثيرا من الأحاديث التي يعلقها البخاري في الصحيح فيحذف إسنادها أو بعضها، وتوجد موصولة عنده في موضع آخر من تصانيفه التي هي خارج الصحيح2. (والحاصل من هذا أن أول من صنف في الصحيح) 3 يصدق على مالك باعتبار انتقائه وانتقاده4 للرجال، فكتابه أصح من الكتب المصنفة في هذا الفن من أهل عصره وما قاربه/ (ب 31) كمصنفات سعيد بن أبي عروبة5، وحماد بن
سلمة1، والثوري، وابن إسحاق2، ومعمر وابن جريج3، وابن المبارك وعبد الرزاق4 وغيرهم، ولهذا قال الشافعي: "ما بعد كتاب الله أصح من كتاب مالك"5. فكتابه صحيح عنده وعند من تبعه ممن/ (? 15/أ) يحتج بالمرسل والموقوف. وأما أول من صنف الصحيح المعتبر عند أئمة الحديث الموصوف بالاتصال وغير ذلك من الأوصاف. فأول من جمعه البخاري، ثم مسلم كما جزم به ابن الصلاح. وأما قول القاضي أبي بكر بن العربي في مقدمة شرح الترمذي: "والموطأ هو الأصل الأول والبخاري هو الأصل الثاني. وعليهما بنى جميع من بعدهما كمسلم والترمذي وغيرهما6.
فإن أراد مجرد السبق إلى التصنيف فهو كذلك، ولا يلزم منه مخالفة لما تقدم. وإن أراد الأصل في الصحة فهو كذلك، لكن على التأويل الذي أولناه/ (ر15/أ) . وأما قول مغلطاي: "إن/ (ي 26) أحمد أفرد الصحيح"، فقد أجاب الشيخ1 عنه في التنبيه السادس من الكلام على الحديث الحسن. وأما ما يتعلق بالدارمي فتعقبه الشيخ بأن فيه الضعيف والمنقطع2، لكن بقي مطالبة مغلطاي بصحة دعواه بأن جماعة أطلقوا على مسند الدارمي كونه صحيحا، فإني لم أر ذلك في كلام أحد ممن يعتمد عليه. ثم وجدت بخط مغلطاي أنه رأى بخط الحافظ أبي محمد المنذري ترجمة كتاب الدارمي بالمسند الصحيح الجامع. وليس كما زعم، فلقد وقفت على النسخة التي بخط المنذري، وهي أصل سماعنا للكتاب المذكور، والورقة الأولى منه مع عدة أوراق ليست بخط المنذري، بل هو3 بخط أبي الحسن ابن أبي الحصني4، وخطه قريب من خط المنذري، فاشتبه ذلك على مغلطاي وليس الحصني من أحلاس5 هذا الفن حتى
يحتج بخطه في ذلك، كيف ولو1 أطلق ذلك عليه من/ (ب 32) يعتمد عليه لكان الواقع يخالفه2 لما في الكتاب المذكور من الأحاديث الضعيفة والمنقطعة/ (? 15/ب) والمقطوعة. والموطأ في الجملة أنظف أحاديث وأتقن رجالا منه، ومع ذلك كله فليست أسلم أن الدارمي صنف كتابه قبل تصنيف البخاري الجامع لتعاصرهما3، ومن ادعى ذلك فعليه البيان والله أعلم. تنبيه: 22- قوله (ص) : "ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ"4. أملى المصنف حاشية على الأصل أنه روي عن الشافعي أنه قال: "ما بعد كتاب الله تعالى أصح من موطأ مالك". وروينا في جزء أبي بكر محمد بن إبراهيم الصفار5 من طريق هارون6/ (ر15/ ب) بن سعيد الأيلي قال: سمعت الشافعي يقول: "ما بعد كتاب الله تعالى أنفع من موطأ مالك". [تفضيل بعض المغاربة صحيح مسلم على صحيح البخاري:] 23- قوله (ص) : "ثم إن كتاب البخاري أصح صحيحا ... "7 الخ.
أقول قد وجدت التصريح بما ذكره المصنف من الاحتمال عن بعض المغاربة، فذكر أبو محمد القاسم بن القاسم التجيبي1 في فهرسته عن أبي محمد بن حزم: "أنه كان يفضل كتاب مسلم على كتاب البخاري؛ لأنه/ (ي 27) ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث السرد"2. وقال القاضي عياض3كان أبو مروان الطبني4حكى عن بعض شيوخه أنه كان يفضل صحيح مسلم على صحيح البخاري5. انتهى. قلت: "وما فضله به بعض المغاربة ليس راجعا إلى الأصحية، بل هو لأمور: أحدها: ما تقدم عن ابن حزم. والثاني: أن البخاري كان يرى جواز الرواية بالمعنى، وجواز تقطيع الحديث من غير تنصيص على اختصاره6 بخلاف7 مسلم والسبب في ذلك أمران:
أحدهما: أن البخاري صنف كتابه في طول رحلته، فقد روينا عنه أنه قال: رب حديث سمعته بالشام فكتبته بمصر ورب حديث سمعته بالبصرة فكتبته بخرسان1. فكان لأجل هذا ربما كتب الحديث من حفظه فلا يسوق/ (? 16/أ) ألفاظه برمتها بل بتصرف فيه ويسوقه بمعناه. ومسلم صنف كتابه في بلده بحضور أصوله في حياة كثير من مشايخه، فكان يتحرز في الألفاظ ويتحرى في السياق. الثاني: أن البخاري استنبط فقه كتابه من أحاديثه فاحتاج أن يقطع المتن الواحد إذا اشتمل على عدة أحكام ليورد كل قطعة منه في الباب الذي يستدل به على ذلك الحكم الذي استنبط منه/ (ر 16/أ) ، لأنه لو ساقه في المواضع كلها برمّته لطال الكتاب. ومسلم لم يعتمد ذلك، بل يسوق أحاديث الباب كلها سردا عاطفا بعضها على بعض في موضع واحد2، ولو كان المتن مشتملا على عدة أحكام، فإنه يذكره في أمس3 المواضع وأكثرها دخلا فيه ويسوق المتون تامة محررة، فلهذا ترى كثيرا ممن صنف في الأحكام بحذف الأسانيد (من المغاربة) إنما يعتمدون على كتاب مسلم في نقل المتون، هذا ما يتعلق بالمغاربة ولا يحفظ عن أحد منهم أنه صرح بأن صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري فيما يرجع إلى نفس الصحة.
وأما ما قاله أبو علي النيسابوري1 فلم نجد عنه تصريحا قط بأن كتاب مسلم أصح من صحيح البخاري. وإنما قال: "ما حكاه المؤلف/ (ي 28) من أنه نفى الأصحية على كتاب مسلم، ولا يلزم من ذلك أن يكون كتاب مسلم أصح من كتاب البخاري"؛ لأن قول القائل: "فلان أعلم أهل البلد بفن كذا ليس كقوله: "ما في البلد أعلم من فلان بفن كذا"، لأنه/ (ب 34) في الأول أثبت له الأعلمية، وفي الثاني نفى أن يكون في البلد اعلم منه، فيجوز أن يكون فيها من يساويه فيه، وإذا كان لفظ أبي علي محتملا لكل من الأمرين فلم نجد2 ممن اختصر كلام ابن الصلاح فجزم بأن أبا علي قال: صحيح مسلم أصح من صحيح البخاري/ (? 15/ب) فقد رأيت هذه العبارة في كلام الشيخ محي الدين النووي3 والقاضي بدر الدين بن جماعة4 والشيخ تاج الدين التبريزي وتبعهم جماعة. وفي إطلاق ذلك نظر لما بيناه"5.
على أني رأيت في كلام الحافظ أبي سعيد العلائي1/ (ر15/ب) ما يدل على أن أبا علي النيسابوري ما رأى صحيح البخاري. وفي ذلك بعد عندي. أما اعتبار أبي علي بكتاب مسلم فواضح، لأنه بلديّه وقد خرّج هو على كتابه2، لكن قوله في وصفه3معارض بقول من هو مثله أو أعلم. فقال الحاكم أبو أحمد/ النيسابوري4 وهو عصري أبي علي وأستاذ الحاكم أيضا أبي عبد الله - أيضا – ما رويناه عنه في كتاب الإرشاد5 للخليلي6 بسنده عنه قال: "رحم الله تعالى محمد بن إسماعيل فإنه ألف الأصول وبين للناس، وكل من عمل بعده فإنما أخذه من كتابه كمسلم بن الحجاج فإنه فرق أكثر كتابه في كتابه، وتجلد فيه غاية الجلادة حيث لم ينسبه إليه ... ". إلى أن قال: فإن عاند الحق معاند فليس يخفى صورة ذلك على أولي الألباب. ويؤيد هذا ما رويناه عن الحافظ الفريد أبي الحسن الدارقطني أنه قال في
كلام جرى عنده في ذكر الصحيحين: "وأي شيء صنع مسلم، إنما أخذ كتاب البخاري وعمل عليه مستخرجا وزاد فيه زيادات". وهذا المحكي عن الدارقطني جزم به أبو العباس القرطبي1 في/ (ب 35) أول كتابه"المفهم في شرح صحيح مسلم". وقال أبو عبد الرحمن النسائي وهو/ (ي 29) من مشايخ أبي علي النيسابوري: "ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن إسماعيل"2. ونقل كلام الأئمة في تفضيل كتاب البخاري يكثر. ويكفي من ذلك اتفاقهم على أنه كان أعلم بالفن من مسلم. وأن مسلما كان يتعلم منه، ويشهد له بالتقدم والتفرد بمعرفة ذلك في عصره. فهذا من حيث الجملة. وأما من حيث التفصيل فيترجح كتاب البخاري على كتاب مسلم فإن الإسناد الصحيح مداره على اتصاله وعدالة الرواة كما بيناه غير مرة، وكتاب البخاري/ (ر17/أ) أعدل رواة وأشد اتصالا من كتاب مسلم والدليل على ذلك من أوجه: أحدها: أن الذين انفرد البخاري بالإخراج لهم دون مسلم أربعمائة وخمسة وثلاثون رجلا3. المتكلم فيهم بالضعف (نحو من ثمانين رجلا) 4.
والذين انفرد مسلم بإخراج حديثهم دون البخاري ستمائة وعشرون رجلا. المتكلم فيهم بالضعف منهم مائة وستون رجلا على الضعف من كتاب البخاري. ولا شك أن التخريج عن من لم يتكلم فيه أصلا أولى من التخريج عن من تكلم فيه، ولو كان ذلك غير سديد. الوجه الثاني: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه لم يكن يكثر1 من تخريج أحاديثهم، وليس لواحد منهم نسخة كبيرة أخرجها أو أكثرها إلا نسخة عكرمة2 عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. بخلاف مسلم فإنه يخرج أكثر تلك النسخ التي رواها عمن تكلم فيه كأبي الزبير3 عن جابر - رضي الله تعالى عنه - وسهيل4 عن أبيه5 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -، وحماد بن سلمة عن ثابت عن أنس - رضي
الله تعالى عنه - والعلاء بن عبد الرحمن1 عن أبيه2 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ونحوهم. الوجه الثالث: أن الذين انفرد بهم البخاري ممن تكلم فيه أكثرهم من شيوخه الذين لقيهم وعرف أحوالهم واطلع على أحاديثهم فميز جيدها من رديها بخلاف مسلم، فإن أكثر من تفرد بتخريج حديثه ممن تكلم فيه من المتقدمين، وقد خرج أكثر نسخهم/ (? 17/ب) كما قدمنا ذكره. ولا شك/ (ي 30) أن المرء أشد معرفة بحديث شيوخه وبصحيح حديثهم من ضعيفه ممن تقدم عن عصرهم. الوجه الرابع: أن أكثر هؤلاء الرجال الذين تكلم فيهم من المتقدمين يخرج البخاري أحاديثهم غالبا في الاستشهادات، والمتابعات/ (ر17/ب) والتعليقات3 بخلاف مسلم، فإنه يخرج لهم الكثير في الأصول والاحتجاج، ولا يعرج البخاري في الغالب على من أخرج لهم مسلم في المتابعات (فأكثر من يخرج لهم البخاري في المتابعات يحتج بهم مسلم، وأكثر من يخرج لهم مسلم في المتابعات لا يعرج عليهم البخاري) 4. فهذا وجه من وجوه الترجيح ظاهر. والأوجه الأربعة المتقدمة كلها تتعلق بعدالة الرواة. وبقي ما يتعلق بالاتصال: وهو الوجه الخامس:
وهو أن مسلم كان مذهبه بل نقل الإجماع في أول صحيحه أن الإسناد المعنعن له حكم الاتصال إذا تعاصر المعنعن والمعنعن عنه وإن لم يثبت اجتماعهما1. والبخاري لا يحمله على حتى يثبت اجتماعهما ولو مرة واحدة. وقد أظهر البخاري هذا المذهب في التأريخ، وجرى عليه في الصحيح، وهو مما يرجح كتابه به، لأنا وإن سلمنا ما ذكره مسلم/ (ب 37) من الحكم بالاتصال فلا يخفى أن شرط البخاري أوضح في الاتصال. وبهذا يتبين أن شرطه في كتابه أقوى اتصالا وأشد تحريا2. - والله أعلم -. 24- قوله (ص) 3: "ثم عن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة ... " إلى أن قال:
"ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط الصحيح فيما جمعه/ (? 18/أ) كابن خزيمة، وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين: ككتاب أبي عوانة1، انتهى. ومقتضى هذا أن يؤخذ ما يوجد في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما - ممن اشترط الصحيح - بالتسليم، وكذا ما يوجد في الكتب المخرجة على الصحيحين وفي كل ذلك نظر. أما الأول: فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في/ (ي 31) كتابيهما/ (ر18/أ) أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف، لأنهما ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، بل عندهما أن الحسن قسم من الصحيح لا قسيمه. وقد صرح2 ابن حبان بشرطه. وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلا مشهورا بالطلب غير مدلس سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي. فإن كان يروي من حفظه فليكن عالما بما يحيل3 المعاني4 فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في الصحيح من وجود الضبط ومن عدم الشذوذ والعلة. وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه فهو إن وجده كذلك أخرجه وإلا فهو ماش على ما أصّل، لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه.
وسمى ابن خزيمة كتابه "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير1/ (ب38) قطع في السند ولا جرح في النقلة". وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء، لأن ابن حبان تابع لابن خزيمة مغترف من بحره ناسج على منواله. ومما يعضد ما ذكرنا احتجاج ابن خزيمة وابن حبان بأحاديث أهل الطبقة الثانية الذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات كابن إسحاق وأسامة بن زيد الليثي2 ومحمد بن/ (?18/ب) عجلان3 ومحمد بن عمرو بن علقمة4 وغير هؤلاء. فإذا تقرر ذلك عرفت أن حكم الأحاديث التي5 في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة6. وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط7 المذكورة/ (ر18/ب) في حد الصحيح فلا. - والله أعلم -. وأما الثاني: وهو ما يتعلق بالمستخرجات ففيه نظر – أيضا – لأن كتاب أبي عوانة وإن سماه بعضهم مستخرجا على مسلم فإن له8 فيه أحاديث كثيرة
مستقلة في أثناء الأبواب (نبه1 هو على كثير منها، ويوجد فيها الصحيح والحسن والضعيف – أيضا -/ (ي32) والموقوف) . وأما كتاب الإسماعيلي2 فليس فيه أحاديث مستقلة زائدة وإنما تحصل الزيادة في أثناء بعض المتون، والحكم بصحتها متوقف على أحوال رواتها. فرب حديث أخرجه البخاري من طريق بعض أصحاب الزهري عنه – مثلا – فاستخرجه الإسماعيلي وساقه من طريق آخر من أصحاب الزهري بزيادة فيه وذلك الآخر ممن تكلم فيه فلا يحتج بزيادته. وقد ذكر المؤلف – بعدُ – أن أصحاب المستخرجات لم يلتزموا موافقة الشيخين في ألفاظ الحديث بعينها. والسبب فيه أنهم أخرجوها من غير جهة/ (ب39) البخاري ومسلم فحينئذ يتوقف الحكم بصحة الزيادة على ثبوت الصفات المشترطة3 في الصحيح للرواة الذين بين صاحب المستخرج وبين من اجتمع4 مع صاحب الأصل/ (?19/أ) الذي استخرج عليه، وكلما كثرت الرواة بينه وبين من5 اجتمع مع صاحب الأصل فيه افتقر إلى زيادة التنقير6، وكذا كلما بعد عصر المستخرج من عصر صاحب الأصل كان الإسناد كلما كثرت رجاله احتاج الناقد له إلى كثرة البحث عن أحوالهم. فإذا روى البخاري - مثلا –عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري حديثا، ورواه الإسماعيلي - مثلا – عن بعض مشايخه عن
الحكم بن موسى1 عن الوليد بن مسلم2/ (ر19/أ) عن الأوزاعي عن الزهري واشتمل حديث الأوزاعي على زيادة على حديث ابن عيينة توقف الحكم بصحتها على تصريح الوليد بسماعه من الأوزاعي، وسماع الأوزاعي من الزهري؛ لأن الوليد بن مسلم من المدلسين على شيوخه وعلى شيوخ شيوخه. وكذا يتوقف على ثبوت صفات الصحيح لشيخ الإسماعيلي وقس على هذا جميع ما في المستخرج. وكذا الحكم في باقي المستخرجات. فقد3 رأيت بعضهم حيث يجد أصل الحديث اكتفى بإخراجه ولو لم تجتمع الشروط في رواته. بل رأيت في مستخرج أبي نعيم4 وغيره الرواية عن جماعة من الضعفاء، لأن أصل مقصودهم/ (ي22) بهذه5 المستخرجات أن يعلو إسنادهم ولم يقصدوا إخراج هذه الزيادات وإنما وقعت اتفاقا. والله أعلم. ومن هنا/ (ب40) يتبين أن المذهب الذي اختاره المؤلف من سد باب النظر عن التصحيح غير مرضي، لأنه منع الحكم بتصحيح الأسانيد التي جمعت شروط
الصحة فأداه ذلك إلى الحكم بتصحيح ما ليس بصحيح، فكان الأولى ترك باب النظر والنقد مفتوحا، ليحكم على كل حديث بما يليق به. - والله الموفق -. [ادعاء العراقي تفاوت العدد بين روايات البخاري:] 5- قوله/ (? 19/ب) ع: "والمراد بهذا العدد (يعني عدد أحاديث صحيح البخاري) رواية محمد بن يوسف الفربري1 فأما رواية حماد بن شاكر فهي دونها بمائتي حديث، وأنقص الروايات رواية إبراهيم بن معقل النسفي2، فإنها تنقص عن رواية الفربري ثلاثمائة حديث"3. انتهى. وظاهر هذا أن النقص في هاتين الروايتين وقع من أصل التصنيف أو مفرقا من أثنائه، لأنه اعترض/ (ر ل 19/ب) على ابن الصلاح في إطلاقه هذه العدة من غير تمييز قاعدة4. [رد الحافظ على العراقي ادعاءه:] وليس كذلك بل كتاب البخاري في جميع الروايات الثلاثة في العدد سواء. وإنما حصل الاشتباه من جهة أن حماد بن شاكر5 وإبراهيم بن معقل لما
سمعا الصحيح على البخاري فاتهما1 من أواخر الكتاب شيء، فروياه بالإجازة عنه. وقد نبه على ذلك الحافظ أبو الفضل ابن الطاهر2 وكذا نبه الحافظ أبو علي الجياني3 في كتاب تقييد المهمل، على ما يتعلق بإبراهيم بن معقل فروى بسنده إليه قال: ""وأما من أول كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فأجازه لي البخاري"4. قال أبو علي الجياني: "وكذا فاته من حديث عائشة - رضي الله عنها - في قصة الإفك في باب قوله تبارك وتعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللَّهِ} 5 إلى آخر الباب"6. وأما/ (ب 41) حماد بن شاكر ففاته من أثناء كتاب الأحكام إلى آخر الكتاب فتبين أن النقص في رواية حماد بن شاكر وإبراهيم بن معقل إنما حصل من طريان الفوت لا من أصل التصنيف. فظهر أن/ (ي 34) العدة في الروايات كلها سواء.
وغايته أن الكتاب جميعه عن الفربري بالسماع. وهند هذين بعضه بسماع بعضه بإجازة1. والعدة في أصل التصنيف سواء. فلا اعتراض على ابن الصلاح في شيء مما أطلقه/ (?20/أ) . والله أعلم. 6- قوله ع: "ولم يذكر عدة كتاب مسلم بالمكرر وهو يزيد على عدة كتاب البخاري بكثرة طرقه"2. انتهى. وذكر الشيخ في شرح الألفية عن أحمد بن سلمة أن عدة كتاب مسلم بالمكرر اثنا عشر ألف حديث3. وعن الشيخ محي الدين النووي أن عدته بغير المكرر نحو أربعة آلاف4/ (ر20/أ) قلت: وعندي في هذا نظر. وإنما لم يتعرض المؤلف لذلك، لأنه لم يقصد ذكر عدة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدة ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذلك ذكر المؤلف لعدة ما في البخاري أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلافا لقول ابن الأخرم5.
لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين: إحداهما: أن البخاري قال: "أحفظ مائة ألف حديث صحيح"1. والأخرى: أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثا. فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر مما أخرجه. والجواب عن هذا حاصل عند المؤلف من قوله: "إنهم قد يطلقون هذه العبارة على الموقوفات والمقطوعات والمكررات"2/ (ب42) فباعتبار ذلك يمكن صحة دعوى ابن الأخرم. ويزيد ذلك وضوحا أن الحافظ أبا بكر محمد بن عبد الله الشيباني المعروف بالجوزقي3 ذكر في كتابه المسمى بالمتفق أنه استخرج على جميع ما في الصحيحين حديثا حديثا، فكان مجموع ذلك خمسة وعشرين ألف طريق وأربعمائة وثمانين طريقا فإذا كان الشيخان مع ضيق4 شرطهما بلغ جملة ما في كتابيهما بالمكرر هذا القدر، فما لم يخرجاه من الطرق للمتون التي أخرجاها لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – أو يزيد/ (?20/ب) وما لم يخرجاه من المتون من الصحيح الذي لم يبلغ شرطهما لعله يبلغ هذا القدر - أيضا – أو يقرب منه، فإذا انضاف إلى ذلك ما جاء من الصحابة والتابعين تمت/ (ر20/ب) العدة التي ذكر البخاري أنه يحفظها.
بل/ (ي35) ربما زادت على ذلك فصحت دعوى ابن الأخرم: أن الذي يفوتهما من الحديث الصحيح قليل (يعني مما يبلغ شرطهما) بالنسبة إلى ما خرجاه. - والله أعلم -. وأما قول النووي: "لم يفت الخمسة إلا القليل"1. فمراده من أحاديث الأحكام خاصة أما غير الأحكام فليس بقليل2. ومما يتعلق بالفائدة التي ذكرها الشيخ وهي عدة كتاب مسلم المكرر ما ذكر الجوزقي - أيضا – في المتفق. أن جملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلاثمائة وستة وعشرون حديثا3. فعلى هذا جملة ما في الصحيحين خمسة آلاف حديث وستمائة حديث وخمسون حديثا تقريبا [هذا] 4 على مذهب الجوزقي، لأنه بعد المتن إذا اتفقا على إخراجه ولو من حديث صحابيين حديثا واحدا، كما: إذا خرج البخاري المتن من طريق أبي هريرة - رضي الله عنه - وخرجه مسلم/ (ب43) من طريق أنس - رضي الله عنه - وهذا غير جار5 على اصطلاح جمهور المحدثين، لأنهم لا يطلقون الاتفاق إلا على ما اتفقا على إخراج إسناده ومتنه معا. وعلى هذا فتنقص العدة كما6 ذكر الجوزقي قليلا ويزيد عدد7الصحيحين في الجملة فلعله: يقرب من سبعة آلاف بلا تكرير. - والله اعلم -.
وهذه الجملة تشتمل على الأحكام الشرعية وغيرها من ذكر الأخبار عن الأحوال الماضية من بدء الخلق وصفة المخلوقات/ (?/2/أ) وقصص الأنبياء والأمم وسياق المغازي والمناقب والفضائل والأخبار عن الأحوال الآتية من الفتن والملاحم وأشراط الساعة والبرزخ والبعث وصفة النار وصفة الجنة وغير ذلك، والأخبار عن فضائل الأعمال وذكر الثواب والعقاب/ (ر21/أ) وأسباب النزول. وكثير من هذا قد يدخل في الأحكام، وكثير منه لا يدخل فيها. فأما ما يتعلق بالأحكام خاصة. فقد ذكر أبو جعفر محمد بن الحسين البغدادي1 في كتاب التمييز له عن الثوري وشعبة ويحيى بن سعيد القطان وابن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهم: أن جملة الأحاديث المسندة عن/ (ي36) النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني الصحيحة بلا تكرير - أربعة آلاف وأربعمائة حديث. وعن إسحاق بن راهويه2 أنه سبعة آلاف ونيف. وقال أحمد بن حنبل: وسمعت ابن مهدي يقول: الحلال والحرام من ذلك ثمانمائة حديث. وكذا قال إسحاق بن راهويه عن يحيى بن سعيد.
(وذكر القاضي أبو بكر ابن العربي) 1 أن الذي في الصحيحين من أحاديث الأحكام نحو ألفي حديث. وقال أبو داود السجستاني2 عن ابن المبارك: "تسعمائة، ومرادهم بهذه العدة ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من/ (ب44) أقواله الصريحة في الحلال والحرام. - والله أعلم –". وقال: "كل منهم بحسب ما يصل إليه. ولهذا اختلفوا"3. [زعم العراقي أن الحميدي لم يذكر اصطلاحا في الزيادات:] 7- قوله ع: "والزيادات الموجودة في كتاب الحميدي ليست في واحد من الكتابين، ولم يروها الحميدي بإسناده فيكون حكمها حكم المستخرجات ولا أظهر لنا اصطلاحا أنه يزيد زوائد التزم فيها الصحة فيقلد فيها"4. انتهى. وقد اعتمد شيخنا رحمه الله تعالى هذا منظومته فقال: "وليت إذ زاد الحميدي ميّزا5/ (? 21/ب) ...." وشرح ذلك بمعنى الذي ذكره هنا: أن الحميدي6 لم يميز الزيادات التي
زادها في الجمع1 ولا اصطلح على أنه لا يزيد إلا ما صح فيقلد في ذلك. وكان شيخنا – رضي الله عنه – قلد في هذا غيره وإلا فلو راجع كتاب الجمع بين الصحيحين لرأى في خطبته ما دل على ذكره لاصطلاحه في هذه الزيادات وغيرها. ولو تأمل المواضع الزائدة لرآها معزوة إلى من زادها من أصحاب المستخرجات/ (ر21/ب) وتبعه على ذلك الشيخ سراج الدين النحوي، فألحق في كتابه "المقنع"2 ما صورته: "هذه الزيادات ليس لها حكم الصحيح، لأنه ما رواها بسنده كالمستخرج ولا ذكر أنه يزيد ألفاظا واشترط فيها الصحة حتى يقلد في ذلك". وقال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في "محاسن الاصطلاح" في هذا الموضع ما صورته: وفي "الجمع بين الصحيحين" للحميدي تتمات لا وجود لها في الصحيحين، وهو كما قال ابن الصلاح. إلا أنه كان ينبغي التنبيه على حكم تلك التتمات لتكمل الفائدة. والدليل على ما ذهبنا إليه من أن الحميدي أظهر/ (ي37) اصطلاحه لما يتعلق بهذه الزيادات موجود في خطبة كتابه إذ قال في أثناء المقدمة ما نصه: "وربما اضفنا إلى ذلك نبذا مما نبهنا له من كتب/ (ب45) أبي الحسن الدارقطني، وأبي بكر الإسماعيلي وأبي بكر الخوارزمي3 (يعني البرقاني) وأبي مسعود
الدمشقي1 وغيرهم من الحفاظ الذين عنوا بالصحيح مما يتعلق بالكتابين من تنبيه على غرض أو تتميم لمحذوف أو زيادة من2 شرح أو بيان لاسم ونسب أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم3. فقوله: "تتميم لمحذوف أو زيادة" هو غرضنا هنا/ (?22/أ) وهو يختص بكتابي الإسماعيلي والبرقاني، لأنهما استخرجا على البخاري. واستخرج البرقاني على مسلم. وقوله: "من تنبيه على غرض أو كلام على إسناد أو تتبع لوهم أو بيان لاسم أو نسب"، يختص بكتابي الدارقطني وأبي مسعود، ذاك في "كتاب التتبع" وهذا في "كتاب الأطراف". وقوله: "مما يتعلق بالكتابين"، احترز به عن تصانيفهم التي لا تتعلق بالصحيحين، فإنه لم ينقل منها شيئا هنا. فهذا الحميدي قد أظهر اصطلاحه في خطبة كتابه. ثم إنه فيما تتبعته من كتابه إذا ذكر الزيادة في المتن يعزوها لمن4 زادها من أصحاب المستخرجات وغيرها/ (ر22/أ) فإن عزاها لمن استخرج أقرها وإن عزاها لمن لم يستخرج تعقبها غالبا،
لكنه تارة يسوق الحديث من الكتابين أو من أحدهما ثم يقول: مثلا: زاد فيه فلان كذا. وهذا لا إشكال فيه وتارة يسوق الحديث والزيادة جميعا في نسق واحد ثم يقول في عقبه مثلا: اقتصر منه البخاري على كذا وزاد فيه الإسماعيلي كذا وهذا يشكل على الناظر غير المميز، لأنه إذا نقل منه حديثا برمته وأغفل كلامه بعده وقع في المحذور الذي حذر منه ابن الصلاح، لأنه حينئذ يعزو على أحد الصحيحين ما ليس فيه، فهذا1 الحامل لابن الصلاح على الاستثناء المذكور. حيث قال عن الحميدي/ (ب46) ... إلى آخره2. 1- فمن أمثلة ذلك: أنه قال في مسند العشرة في حديث طارق/ (ي38) بن شهاب عن أبي بكر - رضي الله عنه - في قصة وفد بزاخة3 من أسد وغطفان وأن أبا بكر - رضي الله عنه - خيرهم بين الحرب المجلية4 والسلم المخزية فساق الحديث بطوله وقال في آخره: "اختصره البخاري فأخرج طرفا منه"5. وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني"6.
2- ومن ذلك: قوله في مسند أبي سعيد الخدري/ (?22/ب) - رضي الله عنه - عن أبي صالح عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مثلي ومثل النبيين كمثل رجل بنى دارا وأتمها إلا لبنة قال فجئت أنا فأتممت تلك اللبنة". قال الحميدي: "أحال به مسلم على حديث أبي هريرة1 - رضي الله عنه - في هذا المعنى ولم يسق حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - إلا2 قوله: مثلي ومثل النبيين ثم قال، فذكر نحوه". قال الحميدي: "وحديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - الذي أحال عليه أزيد لفظا وأتم معنى، ومتن حديث أبي سعيد3 - رضي الله عنه - هو الذي أوردناه بينه أبو بكر البرقاني". 3- ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - في/ (ر22/ب) إفراد البخاري عن هزيل4 عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: "إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون"5. قال الحميدي: "اختصره البخاري ولم يزد على هذا". وأخرجه بطوله أبو بكر البرقاني من تلك الطريق عن هزيل قال: "جاء رجل إلى عبد الله
- رضي الله عنه - فقال: إني أعتقت عبدا لي سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا". فقال عبد الله - رضي الله عنه -: "إن أهل الإسلام لا يسيبون كأهل الجاهلية، فإنهم كانوا يسيبون، فأنت ولي نعمته ولك ميراثه، فإن تأثمت1 أو تحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال"2. 4- ومنها ما ذكره في مسند أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: "الحديث الحادي والثلاثون (يعني من أفراد/ (ي39) البخاري) عن أبي سعيد المقبري كيسان3 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من/ (?23/أ) لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه". قال الحميدي4: "أخرجه أبو بكر البرقاني في كتابه من حديث أحمد بن يونس5 عن ابن أبي ذئب6 عن سعيد المقبري عن أبيه وهو الذي أخرجه البخاري7 من طريقه فزاد فيه والجهل بعد قوله والعمل به". انتهى.
فانظر كيف لم يسامح بزيادة لفظة واحدة في المتن حتى بينها وأوضح أنها مخرجة من الطريق التي خرجها البخاري. فمن يفصل هذا التفصيل كيف يظن به أنه لا يميز بين ألفاظ الصحيحين اللذين جمعهما وبين الألفاظ المزيدة في رواية غيرهما. 5- ومنها: ما ذكره في مسند عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - في أفراد البخاري عن أبي السفر سعيد بن يحمد1 قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما - يقول: "يا أيها الناس اسمعوا مني ما أقول لكم، وأسمعوني ما تقولون ولا تذهبوا/ (ر23/أ) فتقولوا قال ابن عباس: "من طاف بالبيت، فليطف من وراء الحجر، ولا تقولوا الحطيم2، فإن الرجل في الجاهلية كان يحلف فيلقي سوطه أو نعله أو قوسه"3 لم يزد (يعني البخاري) 4. وزاد البرقاني في الحديث بالإسناد المخرج به: "وأيما صبي حج به أهله فقد قضت حجته عنه ما دام صغيرا، فإذا بلغ فعليه حجة أخرى. وأيما/ (ب48) عبد حج به أهله، فقد قضت [حجته] 5 عنه ما دام عبدا فإذا أعتق فعليه حجة أخرى.
ومن المواضع التي1 تعقبها على غير أصحاب المستخرجات ما حكاه في مسند جابر عن أبي مسعود الدمشقي أنه قال – في الأطراف -: حديث أبي خثيمة زهير بن معاوية2 عن أبي الزبير عن/ (?23/ب) جابر - رضي الله عنه - قال: جاء سراقة3 فقال: يا رسول الله! بين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. أرأيت عمرتنا هذه لعامنا/ (ي40) أو للأبد؟ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بل للأبد". قالوا يا رسول الله! فبين لنا ديننا كأنا خلقنا الآن. فيم العمل اليوم ... ؟ الحديث. قال أبو مسعود: رواه مسلم عن أحمد (يعني ابن يونس) ويحيى (يعني ابن يحيى) يعني كلاهما عن زهير. قال الحميدي: "كذا قال أبو مسعود. والحديث عند مسلم في القدر4 كما قال عن أحمد ويحيى5، وليس فيه هذه القصة التي في العمرة".
قال الحميدي: "والحديث في الأصل أطول من هذا، وإنما أخرجه مسلم منه ما أراد وحذف الباقي. وقد أورده بطوله أبو بكر البرقاني في كتابه بالإسناد من حديث زهير، ثم ساقه الحميدي1 من عند البرقاني بتمامه. وهذا غاية في التمييز والتبيين والتحري. 6- ونظير هذا سواء. قال أبو مسعود أيضا في ترجمة قرة بن خالد2 عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من لقي الله تعالى لا يشرك به شيئا دخل الجنة ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار"3/ (ر23/ب) . قال: ودعا4 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بصحيفة عند موته، فأراد أن يكتب لهم كتابا لا يضلوا بعده، فكثر اللغط وتكلم عمر - رضي الله عنه - فرفضها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
قال الحميدي: من قوله: "ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" إلى آخره ليس عند مسلم1 وهو في الحديث أخرجه بطوله البرقاني من حديث قرة ولكن/ (ب49) مسلما اقتصر على ما أراد منه2. 7- ومن ذلك: ما ذكره في حديث ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القراءة في الركوع والسجود"3/ (? 24/أ) قال زاد في الأطراف في روية ابن عباس عن علي - رضي الله عنهم - النهي عن خاتم الذهب وليس ذلك عندنا في أصل كتاب مسلم. قال الحميدي: "ولعله وجد في نسخة أخرى"4. 8- وقال في مسند أبي هريرة - رضي الله عنه - في الحديث الثالث: عن أنس بن مالك عن/ (ي 41) عن أبي هريرة - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "قال الله عز وجل: إذا تقرب عبدي مني شبرا تقربت منه ذراعا، وإذا تقرب مني ذراعا تفربت منه باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة" 5. لفظ6 حديث مسلم، زاد ابن مسعود - رضي الله عنه -: "وإن هرول سعيت إليه، والله تعالى أسرع بالمغفرة". قال الحميدي: "لم أر هذه الزيادة في الكتابين"7.
قلت: والزيادة المذكورة تفرد بها محمد بن أبي السري العسقلاني1 ولم يخرجا له. وقد بينت ذلك في تغليق التعليق. فهذه الأمثلة توضح أن الحميدي يميز الزيادات التي يزيدها هو أو غيره خلافا لمن نفى ذلك, - والله أعلم -. وقد قرأت في كتاب (الحافظ أبي سعيد) 2 العلائي في علوم الحديث له3 قال – لما ذكر المستخرجات -: ومنها: المستخرج على البخاري للإسماعيلي. والمستخرج على الصحيحين للبرقاني وهو مشتمل على/ (ر24/أ) زيادات كثيرة في تضاعيف متون الأحاديث، وهي التي ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين منبها عليها. هذا لفظه بحروفه وهو عين المدعى ولله الحمد. 25- قوله (ص) :/ (ب 50) "فليس لك أن تنقل حديثا منها4 وتقول: هو على هذا الوجه في كتاب البخاري ومسلم إلا أن تقابل لفظه أو يكون الذي أخرجه قد قال: أخرجه البخاري"5 بهذا اللفظ. قلت محصل هذا أن مخرج الحديث إذا نسبه إلى تخريج بعض المصنفين فلا يخلو إما أن يصرح6/ (? 24/ب) بالمرادفة أو بالمساواة أو لا يصرح. إن صرح فذاك، وإن لم يصرح كان على الاحتمال.
فإذا كان على الاحتمال فليس لأحد أن ينقل الحديث منها ويقول هو على هذا الوجه فيها، لكن هل له أن ينقل منه ويطلق كما أطلق؟ هذا محل بحث وتأمل. فائدة: استنكر ابن دقيق العيد عزو المصنفين على أبواب الأحكام الأحاديث إلى تخريج البخاري ومسلم مع تفاوت المعنى؛ لأن من1 شأن من هذه حاله أن يستدل على صحة/ (ي42) ما بوب فإذا ساق الحديث بإسناده ثم عزاه لتخريج أحدهما أوهم الناظر فيه أنه عند صاحب الصحيح كذلك، ولو كان ما أخرجه صاحب الصحيح لا يدل على مقصود التبويب فيكون فيه تلبيس غير لائق ثم إن فيه (مفسدة2 أيضا) من جهة أخرى وهو احتمال أن يكون في إسناد صاحب المستخرج من لا يحتج به كما بيناه غير مرة، فإذا ظن الظان أن صاحب الصحيح أخرجه بلفظه قطع نظره عن البحث عن أحوال رواته اعتمادا على صاحب الصحيح، والحال أن صاحب الصحيح لم يخرج ذلك، فيوهم فاعل ذلك ما ليس بصحيح صحيحا، هذا معنى كلامه. ثم قال: "ولا/ (24/ب) ينكر هذا على من صنف على غير الأبواب كأصحاب المعاجم3 والمشيخات4، فإن مقصودهم أصل الإسناد لا الاستدلال بألفاظ المتون" والله أعلم.
26- قوله (ص) : "بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أوأحدهما"1. محصله/ (ب51) أن اللفظ إن كان متفقا فذاك/ (? 25/أ) وإن كان مختلفا فتارة يحكيه على وجهه وتارة يقتصر على لفظ أحدهما. ويبقى ما إذا كان كل منهما أخرج من الحديث جملة لم يخرجها الآخر فهل للمختصر أن يسوق الحديث مساقا واحدا وينسبه إليهما ويطلق ذلك أو عليه أن يبين؟. هذا محل تأمل، ولا يخفى الجواز وقد فعله غير واحد والله أعلم. 27- قوله (ص) : في ذكر المستدرك للحاكم: "وهو واسع الخطو في شرط الصحيح متساهل في القضاء به، فالأولى أن نتوسط في أمره ... " إلى آخر كلامه2. [زعم الماليني أنه ليس في المستدرك حديث على شرط الشيخين:] أقول: حكى الحافظ أبو عبد الله الذهبي3 عن أبي سعد الماليني4 أنه
قال: "طالعت المستدرك على الشيخين الذي صنفه الحاكم من أوله إلى آخره فلم أر فيه حديثا على شرطهما"1. وقرأت بخط بعض/ (ي 43) الأئمة أنه رأى بخط عبد الله بن زيدان المسكي2 قال: أملى علي الحافظ أبو محمد عبد الغني3 بن عبد الواحد بن علي بن سرور المقدسي سنة خمس وتسعين وخمسمائة قال: "نظرت إلى وقت إملائي عليك هذا الكلام فلم أجد حديثا على شرط البخاري ومسلم لم يخرجاه إلا ثلاثة أحاديث: 1- حديث أنس "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة"4. 2- وحديث الحجاج بن علاط لما أسلم5.
3- وحديث علي - رضي الله عنه - "لا يؤمن العبد حتى يؤمن بأربع"1، انتهى. وتعقب الذهبي قول الماليني فقال: هذا غلو وإسراف وإلا ففي المستدرك جملة وافرة/ (ر25/أ) على شرطهما، وجملة كثيرة على شرط أحدهما، وهو قدر النصف، وفيه نحو الربع مما صح سنده أو حسن. وفيه بعض العلل. وباقيه مناكير وواهيات/ (?25) وفي بعضها موضوعات قد أفردتها2 في جزء/ (ب52) . انتهى كلامه. وهو كلام مجمل يحتاج إلى إيضاح وتبيين. من الإيضاح أنه ليس جميعه كما قال، فنقول: أ- ينقسم المستدرك أقساما كل قسم منها يمكن تقسيمه: الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجا برواته3 في الصحيحين أو أحدهما على صورة الاجتماع سالما من العلل، واحترزنا بقولنا على صورة الاجتماع عما احتجا برواته على صورة الانفراد كسفيان بن حسين عن الزهري، فإنهما احتجا بكل منهما، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين4 عن الزهري؛ لأن سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه. فإذا وجد حديث من روايته عن الزهري لا يقال على شرط الشيخين
؛ لأنهما احتجا بكل منهما. بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع، وكذا إذا كان الإسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه، كالحديث الذي يروى عن طريق شعبة مثلا عن سماك بن حرب1 عن عكرمة عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -، فإن مسلما احتج بحديث سماك/ (ي44) إذا كان من رواية الثقات عنه، ولم يحتج بعكرمة واحتج البخاري بعكرمة دون سماك، فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما فلا يجتمع فيه صورة الاجتماع، وقد صرح بذلك الإمام أبو الفتح القشيري وغيره. واحترزت بقولي أن يكون سالما من العلل بما2 إذا احتجا بجميع رواته على صورة الاجتماع إلا/ (ر25/ب) أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره، فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا/ (?26/أ) من رواية المدلسين بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى/ (ب/53) ، وكذا3 لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط. فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه4 مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه، بأنه على شرطهما، وإن كانا5 قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه. إلا إذا صرح المدلس من جهة أخرى بالسماع وصح6 أن الراوي سمع
من شيخه قبل اختلاطه، فهذا القسم يوصف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما. ولا يوجد في المستدرك حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرا أو1 أصلا إلا القليل كما قدمنا. نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما استدركها الحاكم واهما في ذلك ظنا أنهما لم يخرجاها. (ب) القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته لا على سبيل الاحتجاج بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونا بغيره. ويلحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو ما خالف فيه. كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - ما لم يتفرد به. فلا يحسن أن يقال إن باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنه2 ما خرج بعضها إلا بعدما تبين له أن ذلك مما لم ينفرد به. فما كان بهذه المثابة لا يلحق أفراده بشرطهما. وقد عقد/ (ر26/أ) الحاكم في كتاب المدخل بابا مستقلا3/ (ي45) ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات وعدد4 ما أخرجا من ذلك، ثم أنه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في المستدرك/ (? 26أب) زاعما أنها على شرطهما. ولا شك في نزول أحاديثه عن درجة الصحيح بل ربما كان فيها الشاذ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن/ (ب54) .
والحاكم وإن كان ممن لا يفرق بين الصحيح والحسن بل يجعل الجميع صحيحا تبعا لمشايخه كما قدمناه عن ابن خزيمة وابن حبان، فإنما يناقش في دعواه أن الحديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما. وهذا القسم هو عمدة الكتاب. (ج) القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له لا في الاحتجاج ولا في المتابعات. وهذا قد أكثر منه الحاكم، فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها، لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما، وربما ادعى ذلك على سبيل الوهم. وكثير منها يعلق القول بصحتها على سلامتها من بعض رواتها. كالحديث الذي أخرجه من طريق الليث عن إسحاق بن بزرج1 عن الحسن بن علي2 في التزيين للعيد3. قال في أثره: "لولا جهالة إسحاق لحكمت بصحته" وكثير منها لا يتعرض للكلام عليه أصلا. ومن هنا دخلت الآفة كثيرا فيما صححه، وقل أن تجد في هذا القسم حديثا
يلتحق بدرجة الصحيح فضلا عن1 أن يرتفع إلى درجة الشيخين - والله أعلم -. ومن العجيب2 ما وقع للحاكم أنه أخرج لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم3. وقال بعد روايته: "هذا صحيح الإسناد، وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن"4. مع أنه قال في كتابه الذي جمعه في الضعفاء: "عبد الرحمن بن زيد بن أسلم روى/ (ر26/ب) عن أبيه أحاديث موضوعة لا يخفى على5 من تأملها من أهل الصنعة أن الحمل فيها عليه". وقال في آخر هذا الكتاب: "فهؤلاء الذين ذكرتهم قد ظهر عندي جرحهم؛ لأن الجرح/ / (ب55) (?27/أ) لا أستحله تقليدا. انتهى.
فكان هذا من عجائب ما وقع له من التساهل والغفلة. ومن هنا يتبين صحة (قول ابن الأخرم التي قدمناها) 1. وأن قول المؤلف أنه يصفو له منه صحيح كثير غير جيد، بل هو قليل بالنسبة إلى أحاديث الكتابين؛ لأن2 المكرر يقرب من ستة آلاف. والذي يسلم من المستدرك على شرطهما أو شرط أحدهما مع الاعتبار الذي حررناه دون الألف، فهو قليل بالنسبة إلى ما في الكتابين - والله أعلم -. وقد بالغ ابن عبد البر فقال: ما معناه أن البخاري ومسلما إذا اجتمعا على ترك/ (ي46) إخراج أصل من الأصول فإنه لا يكون له طريق صحيحة وإن وجدت فهي معلولة. وقال في موضع آخر: "وهذا الأصل لم يخرج البخاري ومسلم شيئا منه وحسبك3 بذلك ضعفا". هذا وإن كان لا يقبل منه فهو يعضد قول ابن الأخرم والله أعلم4. 8- قوله (ع) : "وكلام الحاكم مخالف لما فهموه"5 (يعني ابن الصلاح وابن دقيق العيد والذهبي) من أنهم يعترضون على تصحيحه على شرط الشيخين أو أحدهما، بأن
البخاري – مثلا - ما أخرج لفلان وكلام الحاكم ظاهر أنه لا يتقيد بذلك حتى يتعقب به عليه. قلت: لكن تصرف الحاكم يقوي أحد الاحتمالين1 اللذين ذكرهما شيخنا - رحمه الله تعالى- فإنه إذا كان عنده الحديث قد2 أخرجا أو أحدهما لرواته قال: "صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب3/ (ر27/أ) . ويوضح ذلك قوله – في باب التوبة – لما أورد حديث أبي عثمان4عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "لا تنزع الرحمة إلا من شقي". قال: هذا حديث صحيح الإسناد "وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي ولو كان هو النهدي لحكمت5 بالحديث على شرط الشيخين"6. فدل هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما وهو عين ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره.
وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض. - والله أعلم -. [فوائد المستخرجات:] 28- قوله/ (ي47) (ص) : "ثم إن التخاريج على الكتابين يستفاد منها فائدتان" فذكرهما1 قال شيخنا في التعقب عليه: "لو قال: إن هاتين الفائدتين من فوائد المستخرجات لكان أولى"2. ثم زاد عليه فائدة ثالثة هي تكثر طرق الحديث ليرجح بها عند المعارضة3. وهذه الفائدة قد ذكرها المصنف في مقدمة شرح مسلم له4. وتلقاها عنه الشيخ محي الدين النووي، فاستدركها عليه في مختصره في علوم الحديث5. وللمستخرجات فوائد أخرى لم يتعرض أحد منهم لذكرها: أحدها6: الحكم بعدالة من أخرج له فيه، لأن المخرج على شرط الصحيح يلزمه أن لا يخرج إلا عن ثقة عنده. فالرجال الذين في المستخرج ينقسمون أقساما منهم: أ- من ثبتت عدالته قبل هذا المخرج, فلا كلام فيهم
ب- ومنهم من طعن فيه غير هذا المخرج فينظر في ذلك الطعن إن كان مقبولا قادحا فيقدم (وإلا فلا) 1. ج- ومنهم من لا يعرف لأحد قبل هذا المخرج فيه توثيق ولا تخرج فتخريج من يشترط/ (ر27/ب) الصحة لهم ينقلهم من درجة من هو مستور إلى درجة من هو موثوق. فيستفاد من ذلك صحة أحاديثهم التي/ (?28/أ) يروونها بهذا الإسناد ولو لم يكن في ذلك المستخرج والله أعلم. الثانية: ما يقع فيها من حديث المدلسين بتصريح السماع وهي في الصحيح بالعنعنة, فقد قدمنا أنا نعلم في الجملة أن الشيخين اطلعا على أنه مما سمعه المدلس من شيخه, لكن ليس اليقين كالاحتمال، فوجود ذلك في المستخرج بالتصريح ينفي أحد الاحتمالات. الثالثة: ما يقع فيها2 من حديث المختلطين عمن سمع منهم قبل الاختلاط (وهو في الصحيح في حديث من سمع منهم قبل ذلك) 3 والحال فيها كالحال في التي قبلها سواء بسواء4. الرابعة: ما يقع فيها من التصريح بالأسماء المبهمة والمهملة في الصحيح في الإسناد أو في المتن. الخامسة: ما يقع فيها من التميز للمتن المحال به على المتن المحال عليه5 وذلك في "كتاب مسلم/ (ي48) كثير جدا, فإنه يخرج الحديث على لفظ بعض
الرواة ويحيل بباقي ألفاظ الرواة على ذلك اللفظ الذي يورده، فتارة يقول: مثله فيحمل على أنه نظير سواء. وتارة يقول: نحوه أو معناه, [فتوجد] 1 بينهما مخالفة بالزيادة والنقص وفي ذلك من الفوائد ما لا يخفى. السادسة: ما يقع فيها من الفصل للكلام المدرج في الحديث مما ليس في الحديث ويكون في الصحيح غير مفصل. السابعة: ما يقع فيها من الأحاديث المصرح برفعها وتكون في أصل الصحيح موقوفة أو كصورة الموقوف، كحديث ابن عون2 عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال: "اللهم بارك لنا في يمننا/ (ر28/أ) ... الحديث أخرجه البخاري3 في أواخر الاستسقاء هكذا موقوفا، ورواه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من هذا الوجه مرفوعا بذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه, في أمثلة كثيرة لذلك. وكملت/ (?28/ب) فوائد المستخرجات بهذه الفوائد السبعة4 التي ذكرناها عشر فوائد - والله الموفق - 29- قوله (ص) - لما ذكر التعليق الممرض -: "وليس5 في شيء منه حكم
منه بصحة ذلك عمن1 ذكره عنه ... ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعارا يؤنس به ويركن إليه"2. وقال - في ذكر التعليق الجازم -: "ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل3 يوجد في كتاب البخاري في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه"4 ... انتهى. أقول: بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري كثير ليس بالقليل إلا أن يريد بالقلة قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب فيتجه، بل جزم أبو الحسن ابن القطان بأن التعاليق التي لم يوصل البخاري إسنادها ليست على شرطه، وإن كان ذلك لا يقبل من ابن القطان على ما سنوضحه. وأما قول ابن الصلاح - في التعليق الممرض -: "ليس في شيء منه حكم بالصحة على من علقه عنه" فغير مسلم لأن جميعه صحيح عنده، وإنما/ (ي49) يعدل عن الجزم لعلة تزحزحه عن شرطه. وهذا بشرط أن يسوقه مساق الاحتجاج به، فأما ما أورده من ذلك على سبيل التعليل له والرد أو صرح بضعفه، فلا. وقد بينت ذلك على وجوهه وأقسامه في كتابي تغليق التعليق5. وأشير هنا إلى طرف من ذلك يكون أنموذجا لما وراءه فأقول:
[تقسيم التعليق في البخاري:] الأحاديث المرفوعة التي لم يوصل البخاري إسنادها في صحيحه. أ- منها: ما يوجد في موضع آخر من كتابه/ (ر28/ب) . ب- ومنها: ما لا يوجد إلا معلقا. فأما الأول: فالسبب في تعليقه أن البخاري من عادته في صحيحه أن لا يكرر شيئا إلا لفائدة، فإذا كان المتن يشتمل على أحكام كرره في الأبواب بحسبها، أو قطعة في الأبواب إذا كانت الجملة/ (ب59) يمكن انفصالها من الجملة الأخرى. ومع ذلك فلا يكرر الإسناد بل يغاير بين رجاله إما شيوخه أو شيوخ شيوخه ونحو ذلك. فإذا ضاق مخرج الحديث ولم يكن له إلا إسناد واحد، واشتمل على أحكام واحتاج إلى تكريرها، فإنه والحالة والحالة هذه أما أن يختصر المتن أو يختصر الإسناد. وهذا أحد الأسباب في تعليقه الحديث الذي وصله في موضع آخر1. وأما الثاني: وهو ما لا يوجد فيه إلا معلقا، فهو على صورتين: إما بصيغة الجزم وإما بصيغة التمريض. فأما الأول: فهو صحيح إلى من علقه عنه، وبقي النظر فيما2 أبرز من رجاله، فبعضه3 يلتحق بشرطه. والسبب في تعليقه له إما كونه4 لم5 يحصل له مسموعا، وإنما أخذه على
طريق المذاكرة أو الإجازة، أو كان قد خرج ما يقوم مقامه، فاستغنى بذلك عن إيراد هذا المعلق مستوفي السياق أو لمعنى غير ذلك، [وبعضه] 1يتقاعد عن شرطه، وإن صححه غيره أو حسنه، وبعضه يكون ضعيفا من جهة الانقطاع خاصة. وأما الثاني: وهو المعلق بصيغة التمريض مما لم يورده في موضع آخر فلا/ (ي50) يوجد فيه ما يلتحق بشرطه إلا مواضع يسيرة، قد أوردها بهذه الصيغة لكونه ذكرها بالمعنى كما نبه عليه شيخنا رضي الله عنه. نعم، فيه ما هو صحيح وإن تقاعد عن شرطه إما لكونه لم يخرج لرجاله أو لوجود علة فيه عنده/ (ر29/أ) ، ومنه2: ما هم حسن، ومنها: ما هو ضعيف وهو على قسمين: أحدهما: ما ينجبر بأمر آخر. وثانيهما: ما لا يرتقي عن رتبة الضعيف/ (?29/ب) وحيث يكون بهذه المثابة، فإنه يبين ضعفه ويصرح به حيث يورده في كتابه3. ولنذكر أمثلة لما ذكرناه: فمثال التعليق الجازم الذي يبلغ شرطه ولم يذكره في موضع آخر: أ- قوله في كتاب الصلاة4: وقال إبراهيم بن طهمان5 عن حسين المعلم6 عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله
تعالى عنهما قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -يجمع بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر مسير ويجمع بين المغرب والعشاء". وهو حديث صحيح1 على شرط البخاري، فقد رويناه من طريق أحمد بن حفص2 النيسابوري عن أبيه3 عن إبراهيم بن طهمان هكذا4. وأحمد وأبوه ومن فوقهما5 قد أخرج لهم البخاري في صحيحه محتجا بهم. ب- وقوله في الوكالة وغيرها: "وقال عثمان بن الهيثم6 ثنا عوف7 ثنا محمد بن سيرين عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: "وكلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -بزكاة رمضان ... الحديث بطوله8 وقد أورده في مواضع مطولا ومختصرا"9.
وعثمان من مشايخه الذين سمع منهم الكثير ولم يصرح بسماعه منه1 لهذا الحديث فالله أعلم هل سمعه أم2 لا. ومن الأحاديث التي علقها بحذف جميع الإسناد وهي على شرطه ولم يخرجها في موضع آخر: ج- قوله/ (ي51) في الصيام3: "وقال أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء". وأخرجه4 النسائي قال: ثنا محمد بن يحيى5 ثنا بشر بن عمر6 ثنا
مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن1/ (ر29/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - بهذا2. وأصل3 هذا الحديث عند البخاري بلفظ آخر من/ (?30/أ) حديث الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم / (ب/61) بتأخير العشاء والسواك عند كل صلاة" 4. د- ومثال التعليق الجازم الذي لا يبلغ شرطه وإن كان صحيحا قوله - في الطهارة - وقال بهز (بن حكيم) 5 عن أبيه عن جده (عن النبي - صلى الله عليه وسلم -) 6 "الله أحق أن يستحيى منه من الناس"7. وهو حديث مشهور أخرجه أصحاب السنن الأربعة8 من حديث بهز،
وبهز1 وأبوه2 وثقهما جماعة. وصحح حديث بهز غير واحد من الأئمة. نعم وتكلم في بهز غير واحد، لكنه لم يتهم ولم يترك. وقد علق البخاري حديثا من نسخة بهز بن حكيم فلم يذكر إلا الصحابي وهو معاوية بن حيدة جد بهز، فأتى بصيغة التمريض3 وقوله في الطهارة4 أيضا وقالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله تعالى على كل أحيانه". وقد اخرج مسلم5 هذا الحديث من طريق خالد بن سلمة6 عن عبد الله البهي7 عن عروة
عن عائشة رضي الله تعالى عنها واستغربه الترمذي1. وخالد تكلم فيه بعض الأئمة وليس هو من شرط البخاري وقد تفرد بهذا الحديث والله أعلم. ?- ومثال التعليق الجازم الذي يضعف بسبب الانقطاع: قوله في كتاب الزكاة2 وقال طاووس3: قال معاذ (يعني ابن جبل رضي الله عنه) لأهل/ (ي52) اليمن: "ائتوني بعرض ثياب خميص4 أو لبيس5 في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -. والإسناد صحيح إلى طاووس، قد رويناه في كتاب الخراج ليحيى بن آدم6 عن/ (ر30/أ) سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار وإبراهيم بن ميسرة7 عن
طاووس، لكنه منقطع؛ لأن طاووسا لم يسمع من معاذ1 رضي/ (?30/ب) الله عنه - والله سبحانه وتعالى أعلم -. فائدة: سمى الدمياطي2 ما يعلقه البخاري عن شيوخه حوالة، فقال في كلامه في حديث أبي أيوب3 في الذكر4: "أخرجه البخاري حوالة فقال: "قال موسى بن إسماعيل5: ثنا وهيب6 عن داود7 عن عبد الرحمن بن
أبي ليلى1 عن أبي أيوب". و ومثال التعليق الممرض الذي يصح إسناده ولا يبلغ شرط البخاري لكونه لم يخرج لبعض رجاله. قوله في الصلاة2: "ويذكر ع عبد الله بن السائب رضي الله عنه قال: "قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم - المؤمنون في صلاة الصبح حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون عليهما السلام أو ذكر عيسى عليه السلام أخذته سعلة فركع". وهو حديث صحيح رواه مسلم3 من طريق محمد بن عباد بن جعفر4 عن أبي سلمة بن سفيان5 وعبد الله بن عمرو القاري6 وعبد الله بن
المسيب1 - ثلاثتهم عن عبد الله بن السائب2 - رضي الله تعالى عنه - به. ولم يخرج البخاري بهذا الإسناد شيئا سوى ما لم3 يبلغ شرطه، لكونه معللا4.
وقوله - في الصيام - "ويذكر عن أبي خالد1 (يعني الأحمر) عن الأعمش عن الحكم2 ومسلم البطين3 وسلمة بن كهيل4 عن سعيد بن جبير5 وعطاء6 ومجاهد7 عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قالت امرأة للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن أختي ماتت ... "8 الحديث.
وهذا الإسناد صحيح1. إلا أنه معلل بالاضطراب لكثرة الاختلاف في إسناده2 ولتفرد أبي خالد بهذه السياقة/ (ي3) وقد خالفه فيها من هو أحفظ وأتقن3 فصار حديثه شاذا/ (ر30) للمخالفة.
وقد أخرجه مع ذلك ابن خزيمة/ (ب63) في صحيحه1 وأصحاب السنن2 وأخرجه مسلم3 في المتابعات ولم يسق لفظه. ز- ومثال التعليق الممرض الذي يكون إسناده حسنا قوله في الزكاة: "ويذكر عن سالم عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين مفرق" 4. وهذا الحديث وصله هكذا5 سفيان بن حسين عن الزهري عن سالم عن أبيه في حديث طويل في الزكاة.
وقد قدمنا1 أن رواية سفيان بن حسين عن الزهري ليست على شرط الصحيح؛ لأنه ضعيف فيه وإن كان كل منهما ثقة. لكن له شاهد من حديث أبي بكر الصديق2 رضي الله تعالى عنه وغيره3 فاعتضد به حديث سفيان بن حسين وصار حسنا. وقوله في كتاب البيوع: "ويذكر عن عثمان رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "إذا بعت فكل وإذا ابتعت فاكتل" وهذا الحديث4 رواه أحمد5 والبزار وابن ماجه6 من طريق ابن لهيعة7 عن موسى بن وردان8 عن سعيد بن المسيب عن عثمان بن عفان9 رضي الله
عنه وابن لهيعة ضعيف، لكنه اعتضد برواية يحيى بن أيوب المصري1 وهو من رجال البخاري عن عبيد الله2 بن المغيرة3 وهو ثقة عن منقد مولى ابن سراقة4 وهو مستور ولم يضعفه أحد عن عثمان رضي الله عنه. كذلك رويناه في فوائد سمويه5 وفي سنن الدارقطني6. فاعتضد هذا الإسناد بهذا الإسناد فصار حسننا. ح- ومثال التعليق الممرض الذي يكون إسناده ضعيفا فردا لكنه انجبر بأمر آخر. قوله/ (ي54) في الوصايا7: "ويذكر أن/ (ر31/أ) النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالدين قبل الوصية".
وهذا الحديث رواه الترمذي1 وغيره2 من رواية أبي إسحاق السبيعي3 عن الحارث4 عن علي - رضي الله تعالى عنه -، والحارث ضعيف/ (? ل 31: ب) جدا وقد استغربه الترمذي5 ثم حكى إجماع أهل العلم على القول بذلك فاعتضد الحديث بالإجماع - والله أعلم -. (ط) ومثال التعليق الممرض الذي لا يرتقي عن درجة الضعيف ولم ينجبر بأمر آخر، وعقبه البخاري بالتضعيف - قوله في الصلاة: "ويذكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - رفعه "لا يتطوع الإمام في مكانه". ولم يصح6. وكأنه أشار بذلك إلى ما أخرجه أبو داود7 من طريق ليث بن أبي سليم
عن الحجاج بن عبيد1 عن إبراهيم بن إسماعيل2 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - نحوه. وليث بن أبي سليم3 ضعيف وقد تفرد به وشيخ شيخه لا يعرف. وقوله - في كتاب الهدية -: "ويذكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - مرفوعا. "إن جلساءه شركاؤه" ولم يصح"4. وهذا الحديث لا يصح رفعه، فقد رويناه في مسند5 عبد6 بن حميد وفي كتاب الحلية7 وغيرها - من طريق مندل بن علي8 عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من أهديت له هدية وعنده قوم فهم شركاؤه فيها".
ومندل بن علي ضعيف. والمحفوظ عن عمرو بن دينار عن ابن عباس - رضي الله عنهما - موقوفا كذلك رويناه في مصنف عبد الرزاق1 وفي فوائد الحسن بن رشيق من طريقه، عن محمد بن مسلم الطائفي2 عن عمرو بن دينار موقوفا. وروي عن عبد الرزاق مرفوعا3 ولم يثبت عنه. ومحمد بن مسلم الطائفي فيه مقال ولكنه أرجح من مندل. وقد صحح كونه موقوفا أبو حاتم الرازي/ (ي 55) فيما ذكره ابنه عنه في العلل4 فقال: إن رفعه منكر. فقد لاح بهذه الأمثلة واتضح/ (ر31/ب) أن الذي يتقاعد عن شرط البخاري من التعليق الجازم جملة كثيرة وأن الذي علقه بصيغة التمريض متى أورده في معرض الاحتجاج والاستشهاد فهو صحيح أو حسن أو ضعيف منجبر وإن أورده في معرض الرد فهو ضعيف عنده، وقد بينا أنه يبين كونه ضعيفا - والله الموفق -5. وجميع ما ذكرناه يتعلق بالأحاديث المرفوعة.
أما الموقوفات فإنه يجزم بما صح منها عنده ولو لم يبلغ شرطه ويمرض ما كان فيه ضعف وانقطاع. وإذا علق عن شخصين وكان لهما (إسنادان مختلفان) 1 مما يصح أحدهما ويضعف الآخر، فإنه يعبر فيما هذا سبيله بصيغة التمريض - والله أعلم -. وهذا كله فيما صرح بإضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -2 وإلى أصحابه. أما ما لم يصرح بإضافته إلى قائل، وهي الأحاديث التي يوردها في تراجم الأبواب من غير أن يصرح بكونها أحاديث. فمنها: ما يكون صحيحا وهو الأكثر. ومنها: ما يكون ضعيفا. كقوله3، في باب اثنان فما فوقهما جماعة، ولكن ليس شيء من ذلك ملتحقا بأقسام التعليق التي قدمناها إذا لم يسقها مساق الأحاديث، وهي قسم مستقل ينبغي الاعتناء بجمعه4 والكلام عليه وبه/ (ب 66) وبالتعليق يظهر كثرة ما اشتمل عليه جامع البخاري من الحديث، ويوضح سعة اطلاعه ومعرفته بأحاديث الأحكام جملة وتفصيلا - رحمه الله تعالى5 -.
تنبيه: 30- قول ابن الصلاح، في هذه المسألة: "وأما1 الذي حذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر ... ففي بعضه نظر"2. إنما خص النظر ببعضه، لأنه كما أوضحته على قسمين: أحدهما/ (?32/ب) : ما أورده موصولا ومعلقا سواء كان ذلك في موضع واحد أو موضعين/ (ر32/ب) ، فهذا لا نظر فيه، لأن الاعتماد على الموصول ويكون المعلق شاهدا له. وثانيهما: ما لا يوجد في كتابه إلا معلقا/ (ي 56) فهذا هو موضع النظر، وقد أفردته بتأليف مستقل لطيف الحجم جم الفوائد3 ولله الحمد. 9- قوله (ع) 4: وفيه بقية أربعة عشر موضعا رواه متصلا ثم عقبه بقوله: "ورواه فلان". وقد جمعها الرشيد العطار5 في الغرر المجموعة وقد بينت ذلك كله في جزء مفرد" انتهى6. وفيه أمور: الأول: فيه بقية أربعة عشر. ليس فيه عند الرشيد إلا ثلاثة
عشرة. والذي أوقع الشيخ في ذلك أن أبا علي الجياني1 - وتبعه المازري -– ذكر أنها أربعة عشر لكنه لما سردها2 أورد منها حديثا مكررا وهو حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - "أرأيتكم ليلتكم هذه"3 هذا الذي كرر، فصارت العدة ثلاثة عشر كما سأذكرها مفصلة. وقد نبه على هذا الموضع ابن الصلاح في مقدمة شرح مسلم4، وتبعه النووي5. والثاني: قوله: إنه يرويه متصلا ثم عقبه بقوله "ورواه فلان". ليس ذلك في جميع الأحاديث المذكورة، وإنما وقع ذلك منه في ستة أحاديث منها.
أحدها: في حديث أبي جهيم1 كما ذكره الشيخ2. الثاني3 والثالث4 في حديثي الليث كما ذكرهما الشيخ وأن مسلما وصلهما/ (ب67) من طريق أخرى5.
والرابع1: في حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - في قصة ماعز قال: ورواه الليث عن عبد الرحمن بن خالد2 بعد أن أورده من طريق غيره. والخامس3: في حديث البراء بن عازب4 - رضي الله تعالى عنهما - في الصلاة/ (?33/أ) الوسطى قال: ورواه الأشجعي5 عن سفيان عن الأسود بن قيس6 بعد أن أورده من طريق أخرى7 عن البراء/ (ر33/أ) بن عازب - رضي الله تعالى عنه -.
والسادس1: في حديث عوف بن مالك2 حديث "خيار أئمتكم الذين تحبونهم" 3. قال: ورواه معاوية بن صالح4. وأما السبعة الثانية: فأحدها: في الجنائز في حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - في خروجه - صلى الله عليه وسلم - إلى البقيع5. قال - فيه - حدثني من سمع حجاجا الأعور6 ثنا ابن/ (ي57) جريج. أورده عقب حديث ابن وهب عن ابن جريج7.
وثانيها1: في صفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حدثت عن أبي أسامة2، وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن سعيد الجوهري3 وهذا وصله الجلودي4 صاحب ابن سفيان قال: ثنا محمد بن المسيب5 ثنا إبراهيم بن سعيد6. وثالثها7: في باب السكوت بين التكبير والقراءة حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -.
قال: حدثت عن يحيى بن حسان1 ويونس بن محمد2 وغيرهما، قالوا: ثنا عبد الواحد3. أورده عقب حديث أبي كامل الجحدري4 عن عبد الواحد. رابعها5: في باب وضع الجوائح من حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت6: "سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - صوت خصوم بالباب ... " الحديث قال فيه حدثني غير واحد من أصحابنا قالوا: ثنا إسماعيل بن أبي أويس7 وهذا لم يورده إلا من طريق عمرة8.
خامسها1: في باب احتكار الطعام في/ (ب 68) حديث معمر العدوي2 قال: حدثني بعض أصحابنا عن عمرو بن عون3 وقد وصله من طريق أخرى عن سعيد بن المسيب4. سادسها5: في آخر كتاب القدر6 في حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - "لتركبن سنن من كان قبلكم". قال: حدثني عدة من/ (?32/ب) أصحابنا عن سعيد بن أبي مريم7 عن أي غسان8 عن9 زيد بن أسلم. وقد وصله من طريق حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم.
سابعها:/ (ر33/ب) في كتاب الصلاة في حديث كعب بن عجرة1 قال فيه: ثنا صاحب لنا: ثنا إسماعيل بن زكريا كذا ذكر الجياني أنه وقع في روايتهم2. وأما الذي في رواية الجلودي3 عند المشارقة فقال مسلم فيه: ثنا محمد بن بكار4 ثنا إسماعيل بن زكريا5. والحديث المذكور عنده من طرق أخرى من غير هذا الوجه6. فعلى هذا فهي اثنا عشر حديثا فقط7.
ستة منها بصيغة التعليق وستة منها بصيغة الاتصال، لكن أبهم في كل منها اسم من حدثه، فإن كان الشيخ يرى أنها منقطعة كما يقول الجياني ومن تبعه/ (ي58) ، فكان حق العبارة أن يقول: "وفيه بقية ثلاثة عشر موضعا منقطعة. لا كما قال: إنه يقول: ورواه فلان". وإن كان يرى أنها متصلة كما هو المعروف عند جمهور أهل الحديث وكما صرح هو به في موضع آخر، فكان حق العبارة أن يقول: وفيه بقية ستة مواضع رواه متصلا ثم عقبه بقوله: ورواه فلان. وفيه مواضع أخرى قيل إنها منقطعة وليست بمنقطعة. الثالث: قوله "إنه ليس في مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يوصله من طريق أخرى إلا حديث أبي الجهيم"1. هذا صحيح بقيد التعليق، لكن قد بينا أن الذي بصيغة التعليق إنهما هو ستة لا أكثر. أما/ (ب69) على رأي الجياني ومن تبعه في تسميتهم المبهم منقطعا فإن فيها حديثين آخرين لم يوصلهما في مكان آخر. أحدهما: حديث عمرة عن عائشة - رضي الله عنها - في الجوائح/ (?34/أ) كما بيناه2 فإنه ما أورده إلا من تلك الطريق. وثانيهما: حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - الذي قال فيه: حدثت عن أبي أسامة - رضي الله عنه - وقد تقدم أن الجلودي/ (ر34/أ) وصله، وعندي أنه ملتحق بما صورته التعليق وهو موصول على رأي ابن الصلاح؛ فإن مسلما قال: "حدثت عن أبي أسامة". فلو اقتصر على هذا لكان متصلا في إسناده مبهم على ما قررناه، منقطع على رأي الجياني. لكن زاد بعد ذلك فقال: وممن روى ذلك عنه إبراهيم بن
سعيد الجوهري"1 وإبراهيم هذا من شيوخ مسلم، قد سمع منه غير هذا وأخرج عنه مما سمعه في صحيحه غير هذا مصرحا به. وقد قرر ابن الصلاح أن المعلق إذا سمى بعض شيوخه وكان غير مدلس حمل على أنه سمعه منه2 كما ذكر ذلك في حديث هشام بن عمار3 الذي أخرجه البخاري4 في تحريم المعازف، ولا فرق بين أن يقول المعلق: قال أو روى أو ذكر أو ما أشبه ذلك من الصيغ التي ليست بصريحة. فهذا منها - والله الموفق -. وقد عثرت في صحيح مسلم على/ (ي59) شيء غير هذا مما يلحق بهذا وبينته فيما كتبته من النكت على شرح مسلم للنووي والله أعلم. 10- قوله (ع) : "بل أزيد على هذا وأقول: الظاهر أن البخاري لم يُرد برد الصدقة حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - المذكور في بيع المُدبَّر/ (ب70) وإنما أراد والله أعلم حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في الرجل الذي دخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه ... " الحديث.
وهو حديث ضعيف رواه الدارقطني وغيره1 انتهى. فيه أمور: أحدها: أن الدارقطني لم يرو قصة الداخل والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب فأمرهم فتصدقوا عليه من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - أصلا، وإنما رواه من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه -. وسبب هذا الاشتباه في هذا أن القصة شبيهة بحديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في قصة/ (ر34/ب) سليك الغطفاني2 التي أخرجها أصحاب الحديث3 الصحيح4 والدارقطني5 وغيرهم من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - لكن ليس فيها قصة المتصدق ورد الصدقة عليه. ثانيها: أن الحديث المذكور عند الدارقطني مع كونه ليس من حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - وإنما هو من حديث أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - ليس ضعيفا، بل هو صحيح6 أخرجه النسائي7
وابن ماجه1 والترمذي2 وصححه ابن حبان في صحيحه والحاكم3 كلهم من حديث محمد بن عجلان عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - قال: جاء رجل يوم الجمعة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يخطب - بهيئة بذة4 فقال له رسو الله - صلى الله عليه وسلم - أصليت؟ قال: لا. قال - صلى الله عليه وسلم -: "صل ركعتين". وحث الناس على الصدقة قال: فألقى أحد ثوبيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: جاء هذا يوم الجمعة (يعني التي قبلها) بهيئة بذة، فأمرت الناس بالصدقة (فألقوا ثياباً فأمرت له منها بثوبين ثم جاء الآن فأمرت الناس بالصدقة5 فألقى/ (ي60) أحدهما فانتهزه وقال: خذ ثوبك) لفظ النسائي. ثالثها: نفيه أن يكون البخاري أراد بحديث جابر - رضي الله تعالى عنه - حديثه في بيع المدبر ليس بجيد. بل الظاهر أنه أراده. وقد سبق مغلطاي إلى ذلك ابن بطال6/ (?35/أ) في شرح البخاري7 وعبد الحق8 في أواخر الجمع بين الصحيحين9 وغيرهما ولا
يلزمه1 به منه ما ألزمه المعترض الذي تعقب الشيخ كلامه على ما سنبينه. وبيان ذلك: أن حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - في بيع المدبر قد2 اتفق الشيخان على تخريجه من طرق عن عطاء بن أبي رباح3 وعمرو بن دينار4 عنه5، وأخرجه البخاري من طريق محمد بن المنكدر6 عن جابر - رضي الله تعالى عنه -.
وليس في رواية واحد منهم زيادة على قصة بيعه وإعطائه الثمن لصاحبه1. ورواه مسلم2 منفردا من طريق أبي الزبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - فزاد فيه زيادة ليست عند البخاري. ولفظه: "أعتق رجل من بني عذرة عبدا له عن دبر، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ألك مال غيره؟ " قال: لا. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من يشتريه مني؟ " فاشتراه نعيم بن عبد الله العدوي - رضي الله عنه - بثمانمائة درهم فجاء بها إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدفعها إليه، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا". فهذه الزيادة من حديث أبي الزبير عن جابر - رضي الله تعالى عنه - في قصة المدبر فيها إشعار بمعنى ما علقه البخاري من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ردّ على المتصدق/ (ب72) صدقته قبل النهي ثم نهاه، لكن ليس في هذا تصريح بالنهي. فإن كان هو الذي أراده البخاري فلا حرج عليه3 في عدم جزمه به لأن راوي الزيادة وهو أبو الزبير ليس ممن يحتج به على شرطه وعلى تقدير/ (ي61) صلاحيته
عنده للحجة/ (?5) فقد تقدم1 أنه ربما علق الحديث بالمعنى أو بالاختصار فلا يجزم به بل يذكره بصيغة التمريض للاختلاف في ذلك كما قرره2 الشيخ، فعلى كل تقدير لا يتم للمعترض اعتراضه. رابعها: ظهر لي مراد البخاري بالتعليق السابق عن جابر - رضي الله تعالى عنه - حديث آخر غير حديث المدبر3. وهو ما اخبرني به إبراهيم بن محمد المؤذن بمكة أن أحمد بن أبي طالب أخبرهم أنا عبد الله بن عمر أنا أبو الوقت أنا أبو الحسن بن داود (أنا عبد الله بن أحمد أنا إبراهيم بن خريم) 4 أنا عبد5 بن حميد، ثنا يعلى بن عبيد6 ثنا محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة7 عن محمود بن لبيد8 عن جابر بن عبد الله - رضي الله تعالى عنهما - قال: "بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل بمثل البيضة من الذهب أصابها في بعض المعادن، فجاء بها إلى رسول الله - صلى
الله عليه وسلم - من ركنه الأيمن فقال لرسول1 الله - صلى الله عليه وسلم -: خذها مني صدقة فوالله ما لي مال غيرها، فأعرض - صلى الله عليه وسلم - عنه ثم جاء من ركنه الأيسر فقال مثل ذلك، فجاءه من بين يديه فقال مثل ذلك فقال - صلى الله عليه وسلم -: هاتها مغضبا فحذفه بها، فلو أصابه بها لعقره أو أوجعه، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: "يأتي أحدكم بماله كله لا يملك غيره فيتصدق به ثم يقعد بعد ذلك يتكفف الناس". "إنما الصدقة عن ظهر غني خذه لا حاجة لنا به" [قال] 2 فأخذ الرجل ماله فذهب". وهذا الحديث رواه أحمد في مسنده والدارمي3 وأبو داود في السنن4 وابن خزيمة وابن حبان5 في صحيحهما والحاكم في مستدركه6 كلهم من طريق محمد بن إسحاق به. يزيد بعضهم على بعض في سياقه ورواة إسناده ثقات ومحمد7 محمد بن إسحاق مشهور8 ولم أره من حديثه إلا معنعنا ثم رأيته في مسند9 أبي يعلى10 مصرحا فيه بالتحديث.
وسياقه أنسب وأشبه بمراد البخاري من الذي قبله. والمتن الذي أورده الشيخ مناسب للمراد إلا أنه ليس من/ (ي62) حديث جابر - رضي الله تعالى عنه - كما بيناه - والله أعلم -. لطيفة: الرجل الذي/ (ر36/أ) جاء بالبيضة هو حجاج بن علاط السهمي - رضي الله تعالى عنه - رواه عبد الغني بن سعيد الأزدي1 من رواية2 بعض أحفاده عن أبيه عن جده إلى أن انتهى إلى الحجاج بن علاط - رضي الله عنه - أنه أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بلبنة من ذهب أصابها من كنز فذكر الحديث. 11- قوله ع: "وأما الإتيان بصيغة الجزم فيما ليس بصحيح فهذا لا يجوز ولا يظن بالبخاري 3 ... " الخ. أقول: هذا يكاد أن يكون مصادرة4 على المطلوب، لأن الخصم ينكر أن يكون البخاري التزم أن لا يأتي باللفظ الجازم إلا في الطرق الصحيحة يستدل على ذلك بالمثال الذي ذكره، لأنه أخرج حديثا باللفظ الجازم وهو معلول كما ذكره أبو مسعود. فكيف يكون جوابه: لا يظن ذلك بالبخاري ولا يأتي البخاري باللفظ الجازم إلا فيما لا علة له.
فالجواب السديد عن/ (ب74) ذلك أن يقول: "ما ادعاه أبو مسعود من كون ذلك الحديث لا يعرف إلا من رواية عبد الله بن الفضل عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - مردود. فإن الحديث المذكور معروف من رواية عبد الله بن الفضل1 - أيضا - عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - كما علقه البخاري2. فقد رواه أبو داود الطيالسي في مسنده3/ (?36/ب) عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون4 عن عبد الله بن الفضل، فبهذا يتضح أن لعبد الله بن الفضل فيه شيخين كما ذكره الشيخ احتمالا. [عادة البخاري في الأسانيد المختلفة:] ومن عادة البخاري أنه إذا كان في بعض الأسانيد التي يحتج بها خلاف
على بعض رواتها ساق الطريق الراجحة عنده مسندة متصلة، وعلق الطريق الأخرى إشعارا بأن هذا الاختلاف لا يضر، لأنه/ (ر36/ب) إما أن يكون للراوي فيه طريقان فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا، فلا يكون ذلك اختلافا يلزم1 منه/ (ي63) اضطراب يوجب الضعف، وإما أن لا يكون له فيه إلا طريق واحدة، والذي أتى عنه بالطريق الأخرى واهم عليه ولا يضر الطريق الصحيحة الراجحة وجود الطريق الضعيفة المرجوحة. والله أعلم. 31- قوله (ص) : عند ذكر أقسام الصحيح - "أولها: صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعا"2: اعترض عليه بأن الأولى أن يكون القسم الأول: ما بلغ مبلغ التواتر أو قاربه في الشهرة والاستقامة. والجواب عن ذلك أنا لا نعرف حديثا وصف بكونه متواترا ليس أصله في الصحيحين أو أحدهما. وقد رد شيخنا3 اعتراض من قال: الأولى أن القسم الأول ما رواه أصحاب الكتب الستة (من له فيه نظر) 4. والحق أن يقال: إن القسم الأول وهو: ما اتفقا عليه يتفرع فروعا: أ- أحدها: ما وصف بكونه متواترا. ب- ويليه: ما كان مشهورا كثير الطرق.
ج- ويليه: ما وافقهما الأئمة الذين التزموا الصحة على تخريجه الذين خرجوا السنن/ (?37/أ) والذين انتقوا المسند. د- ويليه: ما وافقهما عليه بعض من ذكر. ?- ويليه: ما انفردا بتخريجه. فهذه أنواع للقسم الأول وهو ما اتفقا عليه إذ1 يصدق على كل منها2 أنهما اتفقا على تخريجه3. وكذا نقول فيما انفرد به أحدهما أنه يتفرع على هذا الترتيب فيتبين بهذا أن ما اعترض به عليه أولا وآخرا مردود - والله أعلم -. تنبيه: جميع ما قدمنا الكلام عليه من المتفق هو: ما اتفقا على تخريجه من حديث صحابي واحد/ (ر37/أ) . أما إذا كان المتن الواحد عند أحدهما من حديث صحابي/ (ب75) غير الصحابي الذي أخرجه عنه الآخر مع اتفاق لفظ المتن أو معناه. فهل يقال في هذا أنه من المتفق؟ فيه نظر على طريقة4 المحدثين. والظاهر: من تصرفاتهم أنهم لا يعدونه من المتفق، إلا أن الجوزقي منهم استعمل ذلك في "كتاب المتفق" له في عدة أحاديث، وقد قدمنا حكاية ذلك عنه5 وما/ (ي64) يتمشى له ذلك إلا على طريقة الفقهاء ولننظر مأخذ ذلك.
وذلك أن كون ما اتفقا على تخريجه أقوى مما انفرد به واحد منهما له فائدتان: إحداهما: أن اتفاقهما على التخريج عن راو من الرواة يزيده قوة، فحينئذ ما يأتي من رواية ذلك الراوي الذي اتفقا على التخريج عنه أقوى مما يأتي من رواية من انفرد به أحدهما. والثاني1: أن الإسناد الذي اتفقا على تخريجه يكون متنه أقوى من الإسناد الذي انفرد به واحد منهما. ومن هنا يتبين أن فائدة المتفق إنما تظهر فيما/ (?37/ب) إذا أخرجا الحديث من حديث صحابي واحد. نعم، قد يكون في ذلك الجانب2 - أيضا - قوة من جهة أخرى وهو أن المتن الذي تتعدد طرقه أقوى من المتن الذي ليس له إلا طريق واحدة3، فالذي يظهر من هذا أن لا يحكم لأحد الجانبين بحكم كلي. بل قد يكون ما اتفقا عليه من حديث صحابي واحد إذا لم يكن فردا غريبا أقوى مما أخرجه أحدهما من حديث صحابي غير الصحابي الذي أخرجه الآخر، وقد يكون العكس إذا كان ما اتفقا عليه من حديث صحابي واحد فردا غريبا، فيكون ذلك أقوى منه - والله أعلم -. تنبيه آخر: هذه الأقسام التي ذكرها المصنف للصحيح ماشية على قواعد الأئمة
ومحققي النقاد إلا أنها قد لا تطرد، لأن الحديث الذي ينفرد به مسلم/ (ر37/ب) - مثلا - إذا فرض مجيئه من طرق كثيرة حتى تبلغ التواتر أو الشهرة القوية ويوافقه على تخريجه مشترطو الصحة - مثلا - لا يقال فيه: إن ما انفرد البخاري بتخريجه إذا كان فردا ليس له إلا مخرج واحد أقوى من ذلك، فليحمل إطلاق ما تقدم من تقسيمه على الأغلب الأكثر1 - والله أعلم -. أقسام الحديث الصحيح: وأما ما ذكره الحاكم في كتاب المدخل له أن الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام: خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها: فالأول - من المتفق عليها - اختيار البخاري ومسلم فذكر ما نقلناه عنه في أوائل هذه الفوائد2. الثاني: أن لا يكون للصحابي إلا راو واحد. قال: "ولم يخرجا هذا النوع في الصحيح". الثالث: (أن لا يكون للتابعي إلا راو واحد) 3. الرابع/ (?38/أ) : الأحاديث الأفراد الغرائب التي4 يتفرد بها ثقة من الثقات. الخامس/ (ب77) : أحاديث جماعة عن آبائهم عن أجدادهم لم يأت عن آبائهم إلا عنهم. قال: فهذه الخمسة الأقسام5 مخرجة في كتب الأئمة محتج بها ولم يخرج منها في الصحيحين غير القسم الأول.
وأما الأقسام المختلف فيها فهي: 1- المراسيل. 2- وأحاديث المدلسين إذا لم يذكروا السماع. 3- والمختلف في وصله وإرساله بين الثقات. 4- وروايات الثقات غير الحفاظ1. 5- ورواية المبتدعة إذا كانوا صادقين. هذا حاصل ما ذكره الحاكم مبسوطا مطولا في "كتاب المدخل إلى معرفة الإكليل"2. وكل من هذه الأقسام التي ذكرها في هذا المدخل مدخول. ولولا أن جماعة من المصنفين كالمجد بن الأثير في مقدمة جامع الأصول3 تلقوا كلامه فيها بالقبول، لقلة اهتمامهم بمعرفة هذا الشأن واسترواحهم إلى تقليد المتقدم/ (ر38/أ) دون البحث والنظر لأعرضت عن تعقب كلامه في هذا؛ فإن حكايته خاصة تغني اللبيب الحاذق عن التعقب. فأقول: أما القسم [الأول] 4 الذي ادعى أنه شرط الشيخين فمنقوض بأنهما لم يشترطا ذلك ولا يقتضيه تصرفهما وهو ظاهر بين لمن نظر في كتابيهما. وأما زعمه: بأنه ليس في الصحيحين شيء من رواية صحابي ليس له إلا راو واحد فمردود بأن البخاري أخرج حديث مرداس الأسلمي - رضي الله
عنه - وليس له راو إلا قيس بن أبي حازم في أمثلة كثيرة مذكورة في أثناء الكتاب1. وأما قوله: بأنه ليس في الصحيحين من رواية تابعي ليس له إلا راو واحد فمردود - أيضا -[فقد] 2 خرج/ (ي66) البخاري حديث الزهري عن عمر بن محمد بن جبير بن مطعم3 ولم يرو عنه غير/ (?39/أ) الزهري في أمثلة قليلة لذلك. وأما قوله:/ (ب78) "إن الغرائب4 الأفراد ليس في الصحيحين منها شيء فليس كذلك بل فيهما قدر مائتي حديث قد جمعها الحافظ ضياء الدين المقدسي5 في جزء مفرد. وأما قوله: إنه ليس فيهما من روايات من روى عن أبيه عن جده مع تفرد الابن بذلك عن أبيه فمنتقض برواية سعيد بن المسيب عن أبيه عن
جده1 وبرواية عبد الله2 والحسن3 ابني محمد بن علي عن أبيهما عن علي وغير ذلك. وفي ذلك ما تفرد به بعضهم وهو في الصحيحين أو أحدهما. وأما الأقسام الخمسة التي ذكر أنه مختلف فيها وليس في الصحيحين منها شيء فالأول كما قال، نعم، قد يخرجان منه في الشواهد. في الثاني نظر يعرف من كلامنا في التدليس4. وأما ما اختلف في إرساله ووصله بين الثقات، ففي الصحيحين منه جملة/ (ر38/ب) وقد تعقب الدارقطني بعضه في كتاب التتبع5 له وأجبنا عن أكثره6. وأما روايات الثقات غير الحفاظ، ففي الصحيحين منه جملة - أيضا - لكنه7 حيث يقع مثل ذلك عندهما يكونان قد أخرجا له أصلا يقويه. وأما
روايات المبتدعة إذا كانوا صادقين، ففي الصحيحين عن خلق كثير من ذلك، لكنهم من غير الدعاة ولا الغلاة، وأكثر ما يخرجان من هذا القسم من غير الأحكام. نعم، وقد أخرجا لبعض الدعاة الغلاة كعمران بن حطان1 وعباد بن يعقوب2 وغيرهما، إلا أنهما لم يخرجا لأحد منهم إلا ما توبع عليه. وقد فات الحاكم من الأقسام المختلف فيها قسم آخر نبه عليه القاضي عياض3 - رحمه الله تعالى - وهو: رواية المستورين، فإن رواياتهم مما اختلف في قبوله/ (?39/أ) ورده. ولكن يمكن الجواب عن الحاكم في ذلك بأن هذا القسم وإن كان مما اختلف في قبول حديثهم ورده، إلا أنه لم يطلق أحد/ (ب79) على حديثهم اسم الصحة. بل الذين قبلوه جعلوه من جملة الحسن بشرطين: أحدهما: أن لا تكون رواياتهم شاذة. وثانيهما: أن يوافقهم غيرهم/ (ي67) على رواية ما رووه. فقبولها حينئذ إنما هو باعتبار المجموعية - كما قرر في الحسن - والله أعلم -.
[دعوى ابن عبد السلام والنووي أن أخبار الصحيحين لا تفيد إلا الظن:] 12- قوله ع: "وقد عاب ابن عبد السلام1 على ابن الصلاح هذا وذكر أن بعض المعتزلة يرون أن الأمة إذا عملت بحديث اقتضى ذلك القطع بصحته". وقال النووي: "خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون". فقالوا: "يفيد الظن ما لم يتواتر، وقال في شرح مسلم: لايلزم من إجماع الأمة على العمل بما فيهما إجماعهم على أنه مقطوع بأنه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -"2. [رد الحافظ على النووي وابن عبد السلام:] أقول أقر شيخنا هذا من كلام النووي، وفيه نظر/ (ر: ل 39/أ) وذلك أن ابن الصلاح لم يقل: إن الأمة أجمعت على العمل (بما فيهما) 3، وكيف يسوغ له أن يطلق ذلك والأمة لم تجمع على العمل بما4 فيهما لا من حيث الجملة ولا من حيث التفصيل، لأن فيهما أحاديث ترك العمل بما دلت عليه لوجود معارض من ناسخ أو مخصص. وإنما نقل ابن الصلاح أن الأمة أجمعت على تلقيهما بالقبول من حيث الصحة، ويؤيد ذلك أنه قال في شرح مسلم ما صورته:
"ما اتفقا عليه مقطوع بصدقه لتلقي الأمة له بالقبول وذلك يفيد العلم النظري وهو في إفادة العلم كالمتواتر إلا أن المتواتر يفيد العلم الضروري، وتلقي الأمة بالقبول يفيد العلم النظري1. ثم حكى عن إمام الحرمين2 مقالته المشهورة أنه لو حلف إنسان بطلاق امرأته أن ما في/ (?ل39:ب) "كتاب البخاري ومسلم" مما حكم بصحته من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ألزمته الطلاق ولا حنثته لإجماع/ (ب80) علماء3 المسلمين على صحتهما4. فهذا يؤيد ما قلنا أنه ما أراد أنهم اتفقوا على العمل وإنما اتفقوا على الصحة. وحينئذ فلابد لاتفاقهم من مزية، لأن اتفاقهم على تلقي خبر غير ما في الصحيحين بالقبول، ولو كان سنده ضعيفا يوجب العمل بمدلوله. فاتفاقهم على تلقي ما صح سنده ماذا يفيد؟ فأما متى قلنا يوجب/ (ي68) العمل فقط لزم تساوي الضعيف والصحيح، فلابد للصحيح من مزية. وقد وجدت فيما حكاه إمام الحرمين في البرهان عن الأستاذ أبي بكر محمد بن الحسن بن فورك5 ما يصرح بهذا التفصيل الذي أشرت
إليه؛ فإنه قال1 في الخبر الذي تلقته الأمة بالقبول مقطوع بصحته. ثم فصل ذلك فقال: "إن اتفقوا على العمل به لم يقطع بصدقه وحمل الأمر على اعتقادهم وجوب العمل بخبر. وإن تلقوه/ (ر39/ب) بالقبول قولا وفعلا حكم بصدقه قطعا وحكى أبو نصر القشيري2 عن القاضي أبي بكر الباقلاني3 أنه بين في "كتاب التقريب" أن الأمة إذا اجتمعت أو أجمع أقوام لا يجوز عليهم التواطؤ على الكذب من غير أن يظهر منهم ذلك التواطؤ على أن الخبر صدق، كان ذلك دليلا على الصدق". قال أبو نصر وحكى إمام الحرمين عن القاضي أن تلقي الأمة لا يقتضي القطع بالصدق. ولعل هذا فيما إذا تلقته بالقبول، ولكن يحصل إجماع على تصديق الخبر فهذا وجه الجمع بين كلامي القاضي. وجزم القاضي أبو نصر عبد الوهاب المالكي في "كتاب الملخص"/ (?40/أ) بالصحة فيما إذا تلقوه بالقبول. قال: وإنما اختلفوا فيما إذا أجمعت على العمل بخبر المخبر هل يدل ذلك على صحته أم لا؟. على قولين: قال: "وكذلك إذا عمل بموجبه أكثر الصحابة - رضي الله عنهم - وأنكروا على من عدل عنه فهل يدل على صحته وقيام الحجة به؟
ذهب الجمهور إلى أنه لا يكون صحيحا بذلك". وذهب عيسى بن أبان1 إلى أنه يدل على صحته، انتهى. فقول الشيخ محيي الدين النووي: "خالف ابن الصلاح المحققون والأكثرون". غير متجه. بل تعقبه شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح2 فقال: "هذا ممنوع فقد نقل بعض الحفاظ المتأخرين عن جمع من الشافعية والحنفية والمالكية والحنابلة أنهم يقطعون بصحة الحديث الذي تلقته الأمة بالقبول". قلت: وكأنه عني بهذا الشيخ تقي الدين بن تيمية فإني3 رأيت فيما حكاه عن بعض ثقات/ (ي69) أصحابه4 ما ملخصه: الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقا له وعملا بموجبه أفاد/ (ر40/أ) العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف وهو الذي ذكره جمهور المصنفين في أصول الفقه كشمس الأئمة السرخسي5 وغيره من الحنفية والقاضي عبد الوهاب وأمثاله من المالكية،
والشيخ أبي حامد الإسفرائيني1 والقاضي أبي الطيب الطبري2 والشيخ أبي إسحاق الشيرازي3 وسليم الرازي4 وأمثالهم من الشافعية، وأبي عبد الله بن حامد5 والقاضي أبي يعلى6 وأبي الخطاب7 وغيرهم من الحنبلية وهو قول أكثر أهل الكلام من الأشاعرة وغيرهم كأبي إسحاق
الإسفرائيني1 وأبي بكر ابن فورك وأبي منصور التميمي وابن السمعاني2 وأبي هاشم الجبائي3 وأبي عبد الله البصري4 قال/ (?40/ب) : وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث - فذكر ذلك استنباطا وافق فيه هؤلاء الأئمة وخالفه في ذلك من ظن أن الجمهور على خلاف قوله لكونه لم يقف إلا على تصانيف من خالف في ذلك كالقاضي أبي بكر الباقلاني والغزالي5 وابن عقيل6 وغيرهم، لأن هؤلاء يقولون إنه لا يفيد العلم مطلقا. وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده، والأمة إذا عملت بموجبه فالوجوب العمل بالظن عليهم وأنه لا يمكن جزم الأمة بصدقه في الباطن، لأن هذا جزم بلا علم. والجواب: أن إجماع الأمة معصوم عن الخطأ في الباطن.. وإجماعهم على
تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به، والواحد منهم وإن جاز عليه أن يصدّق في نفس الأمر من هو كاذب أو غالط فمجموعهم معصوم عن هذا كالواحد من أهل التواتر يجوز عليه بمجرده الكذب والخطأ، ومع انضمامه إلى/ (ر45/ب) أهل التواتر ينتفي الكذب والخطأ عن مجموعهم ولا فرق، (انتهى كلامه) . وأصرح من رأيت كلامه في ذلك ممن نقل الشيخ تقي الدين عنه ذلك فيما نحن بصدده - الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني فإنه قال: "أهل الصنعة مجمعون على أن الأخبار التي اشتمل عليها الصحيحان مقطوع بها عن/ (ي70) صاحب الشرع وإن حصل الخلاف في بعضها فذلك خلاف في طرقها ورواتها"1. كأنه يشير بذلك إلى ما نقده بعض الحفاظ. وقد احترز ابن الصلاح عنه. وأما قول الشيخ محي الدين: "لا يفيد العلم إلا أن تواتر" فمنقوض بأشياء: أحدها: الخبر المحتف بالقرائن يفيد العلم النظري/ (?41/أ) وممن صرح به إمام الحرمين والغزالي2 والرازي3، والسيف الآمدي4 وابن الحاجب5 ومن تبعهم.
ثانيها: الخبر المستفيض الوارد من وجوه كثيرة لا مطعن فيها يفيد العلم النظري للمتبحر في هذا الشأن. وممن ذهب إلى هذا الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني1 والأستاذ أبو منصور التميمي والأستاذ أبو بكر بن فورك. وقال الأبياري2 - شارح البرهان - بعد أن حكى عن إمام الحرمين أنه ضعف هذه المقالة: "بأن العرف واطراد الاعتبار لا يقتضي الصدق قطعا بل قصاراه غلبة الظن لغلبة الإسناد". أراد أن النظر في أحوال المخبرين من أهل الثقة والتجربة يحصل ذلك، ومال إليه الغزالي. وإذا قلنا أنه يفيد العلم فهو نظري لا ضروري، وبالغ أبو منصور التميمي في الرد على من أبى ذلك، فقال: المستفيض وهو الحديث الذي له طرق كثيرة صحيحة لكنه لم يبلغ مبلغ التواتر، يوجب العلم المكتسب ولا عبرة بمخالفة أهل الأهواء في ذلك. ثالثها: ما قدمنا/ (ر41/أ) نقله عن الأئمة في الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول. ولا شك أن إجماع الأمة على القول بصحة الخبر أقوى من إفادة العلم من القرائن المحتفة ومن مجرد كثرة الطرق. ثم بعد تقرير ذلك كله جميعا لم يقل ابن الصلاح ولا من تقدمه3 أن
هذه الأشياء تفيد العلم القطعي كما يفيده الخبر المتواتر لأن المتواتر يفيد العلم الضروري الذي لا يقبل التشكيك، وما عداه مما ذكر يفيد العلم النظري الذي يقبل التشكيك، ولهذا تخلفت إفادة العلم عن الأحاديث التي عللت في الصحيحين - والله أعلم -/ (?41/ب) . وبعد تقرير هذا فقول ابن الصلاح "والعلم اليقيني النظري حاصل به" (ي71) لو اقتصر على قوله العلم النظري لكان أليق بهذا المقام. أما اليقيني فمعناه القطعي، فلذلك أنكر عليه من أنكر، لأن المقطوع به لا يمكن الترجيح بين آحاده، وإنما/ (ب84) يقع الترجيح في مفهوماته. ونحن نجد علماء هذا الشأن قديما وحديثا يرجحون بعض أحاديث الكتابين على بعض بوجوه من الترجيحات النقلية، فلو كان الجميع مقطوعا به (ما بقي للترجيح مسلك وقد سلم ابن الصلاح هذا القدر فيما مضى) 1 لما رجح بين صحيحي البخاري ومسلم، فالصواب الاقتصار في هذه2 المواضع على أنه يفيد العلم النظري كما قررناه - والله أعلم. 13- قوله ع3: "ما ادعاه من أن ما أخرجه الشيخان مقطوع بصحته قد سبقه إليه أبو الفضل بن طاهر4 وأبو نصر بن يوسف5".
أقول: أراد الشيخ بذكر هذين الرجلين كونهما من أهل الحديث وإلا فقد قدمنا من كلام جماعة من أئمة الأصول موافقته على ذلك وهم قبل ابن الصلاح. نعم، وسبق ابن طاهر إلى القول بذلك جماعة من المحدثين كأبي بكر الجوزقي وأبي عبد الله الحميدي/ (رل41/ب) بل نقله ابن تيمية1 كما تقدم عن أهل الحديث قاطبة. 14- قوله ع2: "إن ما استثناه من المواضع قد أجاب العلماء عنها، ومع ذلك ليست يسيرة بل هي كثيرة جمعتها مع الجواب عنها في تصنيف". أقول: "كأن مسودة هذا التصنيف ضاعت3 وقد طال بحثي عنها وسؤالي من الشيخ أن يخرجها لي فلم أظفر بها، ثم حكى ولده/ (?42/أ) أنه ضاع منها كراسان أولان فكان ذلك سبب إهمالها وعدم انتشارها". قلت: وينبغي الاعتناء بمقاصد ما لعلها اشتملت عليه. فأقول: أولا اعتراض4 الشيخ على ابن الصلاح استثناء المواضع اليسيرة بأنها ليست يسيرة بل كثيرة وبكونه قد جمعها وأجاب عنها لا يمنع استثناءها. أما كونها ليست يسيرة فهذا/ (ي72) أمر نسبي. نعم هي بالنسبة إلى ما لا مطعن فيه من الكتابين يسيرة جدا/ (ب85) . وأما كونها يمكن الجواب عنها فلا يمنع ذلك استثناءها، لأن من تعقبها من جملة من ينسب إليه الإجماع على التلقي.
[تعين استثناء الأحاديث المنتقدة في الصحيحين من تلقيها بالقبول:] فالمواضع المذكورة متخلفة عنده عن التلقي فيتعين استثناؤها 1 وقد اعتنى أبو الحسن الدارقطني بتتبع ما فيهما من الأحاديث المعللة فزادت على المائتين. ولأبي مسعود الدمشقي في أطرافه انتقاد عليهما. ولأبي الفضل بن عمار تصنيف لطيف في ذلك وفي كتاب التقييد لأبي علي الجياني جملة في ذلك. والكلام على هذه الإنتقادات من حيث التفصيل من وجوه: منها: ما هو مندفع بالكلية. ومنها: ما قد يندفع: 1- فمنها: الزيادة التي تقع في بعض الأحاديث إذا انفرد بها ثقة من الثقات ولم يذكرها من هو مثله أو أحفظ منه فاحتمال كون هذا الثقة غلط ظن مجرد وغايتها أنها زيادة ثقة/ (ر42/أ) فليس فيها منافاة لما رواه الأحفظ والأكثر فهي مقبولة. 2- ومنها: الحديث المروي من حديث تابعي مشهور عن صحابي سمع منه. فيعلل بكونه روي عنه بواسطة كالذي يروى عن سعيد المقبري/ (?42/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. ويروى عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة. وأن مثل هذا لا مانع أن يكون التابعي سمعه بواسطة ثم سمعه بدون ذلك الواسطة.
ويلتحق بذلك ما يرويه التابعي عن الصحابي، فيروى من روايته عن صحابي آخر، فإن هذا يكون سمعه منهما فيحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا. كما قال علي بن المديني في حديث رواه عاصم1 عن أبي قلابة2 عن أبي الأشعث3 عن شداد بن أوس4. ورواه/ (ب86) يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة عن أبي أسماء5 عن ثوبان6 - رضي الله تعالى عنه -
قال ما أرى الحديثين إلا صحيحين لإمكان أن يكون أبو قلابة سمعه من كل منهما قلت هذا إنما يطرد حيث يحصل الاستواء في الضبط والاتقان 3 - ومنها ما يشير صاحب الصحيح الى علته كحديث يرويه مسندا ثم يشير الى أنه يروى مرسلا فذلك مصير منه الى ترجيح رواية من أسنده على من أرسله 4 - ومنها ما تكون علته مرجوحة بالنسبة الى صحته كالحديث الذي يرويه ثقات متصلا ويخالفهم ثقة فيرويه منقطعا أو يرويه ثقة متصلا ويرويه ضعيف منقطعا ومسألة التعليل بالإنقطاع وعدم اللحاق قل أن تقع في البخاري بخصوصه لأنه معلوم أن مذهبه عدم الاكتفاء في الإسناد المعنعن بمجرد إمكان اللقاء وإذا اعتبرت هذه الأمور من جملة الأحاديث التي انتقدت عليهما لم يبق بعد ذلك مما انتقد عليهما سوى مواضع يسيرة جدا ومن أراد حقيقة ذلك فليطلع المقدمة التي كتبتها لشرح صحيح البخاري فقد بينت فيها ذلك بيانا شافيا بحمد الله تعالى
15- قوله ع: "وما اشترطه المصنف من المقابلة بأصول متعددة - قد خالفه فيه الشيخ محيي الدين1 - ثم قال: وفي كلام ابن الصلاح في موضع آخر ما يدل على عدم اشتراط ذلك2". أقول: "ليس بين كلاميه مناقضة. بل كلامه هنا مبني على ما ذهب إليه من عدم الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه علل صحة ذلك بأنه ما من إسناد إلا ونجد فيه خللا، فقضية ذلك أن لا يعتمد على أحدهما بل يعتمد على مجموع ما تتفق عليه الأصول المتعددة، ليحصل بذلك جبر الخلل الواقع في أثناء الأسانيد". وأما قوله في الموضع الآخر3 "ينبغي أن تصحح أصلك بعدة أصول" فلا ينافي قوله المتقدم، لأن هذه العبارة تستعمل في اللازم أيضا - والله أعلم -.
النوع الثاني: الحسن
النوع الثاني: الحسن 32- قوله (ص) : "قال الخطابي1 ... الخ". نازعه الشيخ تقي الدين بن تيمية فقال: "إنما هذا اصطلاح/ (ي74) للترمذي، وغير الترمذي من أهل الحديث ليس عندهم إلا صحيح وضعيف، والضعيف عندهم ما انحط عن درجة الصحيح، ثم قد يكون متروكا وهو أن يكون راويه متهما أو كثير الغلط، وقد يكون حسنا بأن لا يتهم بالكذب"، قال: "وهذا معنى قول أحمد العمل بالضعيف أولى من القياس". قال: "وهذا كضعف المريض فقد يكون ضعفه قاطعا فيكون صاحب فراش عطاياه من الثلث، وقد يكون ضعف غير قاطع له فيكون عطاؤه من رأس المال/ (?43/ب) كوجع الضرس والعين. ونحو ذلك2 ... " انتهى.
ويؤيده قول البيهقي1 - في رسالته إلى أبي محمد الجويني2 -: "الأحاديث المروية ثلاثة أنواع: 1- نوع اتفق أهل العلم على صحته. 2- ونوع اتفقوا على ضعفه. 3- ونوع اختلفوا في/ (ر ل43/أ) ثبوته، فبعضهم صححه وبعضهم يضعفه لعلة تظهر له بها إما3 أن يكون خفيت العلة على من صححه، وإما أن يكون لا يراها معتبرة قادحة"4 قلت: وأبو الحسن ابن القطان5 في الوهم والإيهام يقصر نوع الحسن على هذا كما سيأتي/ (ب88) البحث فيه في قول المصنف أن الحسن يحتج به6. 33- قوله (ص) : "وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن وذكر الخطابي النوع الآخر مقتصرا كل واحد منهما على ما رأى أنه يشكل7 ... الخ".
أقول بين الترمذي والخطابي في ذلك فرق، وذلك أن الخطابي قصد تعريف الأنواع الثلاثة عند أهل الحديث، فذكر الصحيح ثم الحسن ثم الضعيف. وأما الذي سكت عنه وهو: حديث المستور إذا أتى من غير وجه فإنما سكت عنه لأنه ليس عنده من قبيل الحسن. فقد صرح بأن رواية المجهول من قسم الضعيف وأطلق ذلك ولم يفصل، والمستور1 قسم من المجهول2. وأما الترمذي فلم يقصد التعريف بالأنواع المذكورة عند أهل الحديث، بدليل أنه لم يعرف بالصحيح ولا بالضعيف بل ولا بالحسن المتفق على كونه حسنا/ (ي75) بل المعرف به عنده وهو حديث المستور - على ما فهمه المصنف - لا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن3 وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصورا على رواية المستور، بل يشترك/ (?44/أ) معه الضعيف بسبب سوء الحفظ والموصوف بالغلط والخطأ وحديث المختلط بعد اختلاطه والمدلس إذا عنعن وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي: 1- أن لا يكون فيهم من يتهم4 بالكذب. 2- ولا يكون الإسناد شاذا. 3- وأن يروى مثل ذلك الحدي أو نحوه من وجه آخر فصاعدا5 وليس كلها في المرتبة على حد السواء بل بعضها أقوى من بعض.
ومما يقوي/ (ر43/ب) هذا ويعضده أنه لم يتعرض لمشروطية اتصال الإسناد أصلا، بل أطلق ذلك فلهذا وصف كثيرا من الأحاديث المنقطعة بكونها حسانا. [أمثلة لما يحسنه الترمذي:] ولنذكر لكل نوع من ذلك مثلا من كلامه، يؤيد ما قلناه. فأما أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية المستور فكثير لا نحتاج إلى الإطالة بها، وإنما نذكر أمثلة لما زدناه على ما عند المصنف - رحمه الله -. 1- فمن أمثلة ما وصف بالحسن وهو من رواية الضعيف السيئ الحفظ ما رواه من طريق شعبة عن عاصم بن عبيد الله1 عن عبد الله بن عامر بن ربيعة2 عن أبيه3 قال: "إن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أرضيت من نفسك ومالك بنعلين؟ " قالت: نعم. قال: فأجازه النبي - صلى الله عليه وسلم -". قال الترمذي: هذا حديث حسن4.
وفي الباب عن عمر1 وأبي هريرة2 وعائشة3 وأبي حدرد4 رضي الله عنهم. وذكر جماعة غيرهم. وعاصم بن عبيد الله ضعفه الجمهور ووصفوه بسوء الحفظ وعاب ابن عيينة على شعبة الرواية عنه. وقد حسن الترمذي/ (ي76) حديثه/ (?44/ب) هذا لمجيئه من غير وجه كما شرط والله أعلم. 2- ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية الضعيف الموصوف بالغلط والخطأ ما أخرجه من طريق عيسى بن يونس5 عن مجالد6 عن أبي
الوداك1, عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: "كان عندنا خمر ليتيم, فلمّا نزلت المائدة سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت: "إنه ليتيم", فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أهريقوه". قال: هذا حديث حسن2. قلت: ومجالد ضعفه جماعة ووصفوه بالغلط والخطأ وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من غير وجه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أنس3 وغيره رضي الله عنهم. وأشد من هذا ما رواه من طريق الأعمش/ (ر/44/أ) عن إسماعيل بن مسلم4 عن الحسن5 عن عبد الله بن المغفل6 رضي الله عنه في الأمر بقتل
الكلاب وغير ذلك. قال: "هذا حديث حسن"1. قلت: "وإسماعيل اتفقوا على تضعيفه ووصفه بالغلط وكثرة الخطأ لكنه عضده بأن قال: "روي هذا الحديث من غير وجه عن الحسن مثله". يعني لمتابعة إسماعيل بن مسلم عن الحسن2. ومثله ما رواه من طريق علي بن مسهر3 عن عبيد بن معتب4 عن إبراهيم عن الأسود5 عن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنا نحيض عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم نطهر فيأمرنا
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقضاء الصيام، ولا يأمرنا بقضاء الصلاة"1. قال "هذا حديث حسن". قلت: "وعبيدة ضعيف جدا قد اتفق أئمة النقل على تضعيفه إلا أنهم لم يتهموه بالكذب"./ (?45/أ) ولحديثه أصل من حديث معاذة، عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - مخرج في الصحيح2، فلهذا وصفه بالحسن. ويؤيد هذا ما رويناه عن أبي زرعة الرازي أنه سئل عن أبي صالح3 كاتب الليث، فقال: "لم يكن ممن يتعمد الكذب، ولكنه كان يغلط وهو عندي حسن الحديث"4.
3- ومن/ (ي77) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية من سمع من مختلط بعد اختلاطه، ما رواه من طريق يزيد بن هارون1 عن المسعودي2 عن زياد بن علاقة3 قل: "صلى بنا المغيرة بن شعبة - رضي الله تعالى عنه - فلما صلى ركعتين قام فلم يجلس فسبح به من خلفه، فأشار إليهم أن قوموا، فلما فرغ من صلاته سلم وسجد سجدتي السهو وسلم". وقال: "هكذا صنع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - –". قال: هذا حديث حسن4. قلت: "والمسعودي اسمه: عبد الرحمن وهو ممن وصف بالاختلاط وكان سماع يزيد منه بعد أن اختلط.
وإنما وصفه بالحسن لمجيئه من أوجه أخر بعضها عند المصنف1 أيضا - رحمة الله تعالى عليه - والله أعلم./ (ر44/ب) ". 4- ومن أمثلة ما وصفه بالحسن وهو من رواية مدلس قد عنعن ما رواه من طريق يحيى بن سعيد عن المثنى بن سعيد2 عن قتادة عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله تعالى عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "المؤمن يموت بعرق الجبين". قال: "هذا حديث حسن"3. وقد قال بعض أهل العلم: "لم يسمع قتادة من عبد الله بن بريدة - رضي الله تعالى عنه - قلت: وهو عصريه وبلديه كلاهما من أهل/ (?45/ب) البصرة ولو صح أنه سمع منه فقتادة مدلس معروف بالتدليس وقد روى هذا بصيغة العنعنة،
وإنما وصفه بالحسن لأن له شواهد من حديث عبد الله بن مسعود1 وغيره - رضي الله عنهم -. ومن ذلك ما رواه من طريق هشيم2 عن يزيد عن أبي زياد3 عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن/ (ب92) البراء بن عازب - رضي الله تعالى عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن حقا على المسلمين أن يغتسلوا يوم الجمعة وليمس أحدهم من طيب أهله فإن لم يجد فالماء له طيب". قال: "هذا حديث حسن"4. قلت: "وهشيم موصوف بالتدليس، لكن تابعه عنده أبو يحيى التيمي"5. وللمتن شواهد من حديث أبي سعيد الخدري6 وغيره - رضي الله تعالى عنهم -.
5- ومن/ (ي78) أمثلة ما وصفه بالحسن وهو منقطع الإسناد - ما رواه من طريق عمرو بن مرة1 عن أبي البختري عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر في العباس - رضي الله تعالى عنه -: "إن عم الرجل صنو أبيه". وكان عمر - رضي الله عنه - تكلم في صدقته. وقال: هذا حديث حسن2. قلت: "أبو البختري: اسمه سعيد بن فيروز3 ولم يسمع من علي - رضي الله تعالى عنه –". فالإسناد منقطع ووصفه بالحسن لأن له شواهد مشهورة من حديث أبي هريرة4 وغيره/ (ر45/أ) وأمثلة ذلك عنده كثيرة. وقد صرح هو ببعضها.
فمن ذلك ما رواه من طريق الليث عن خالد بن يزيد1 عن سعيد بن أبي هلال2 عن إسحاق بن عمر3 عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - قالت: "ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة لوقتها الآخر مرتين4/ (?46/أ) حتى قبضه الله عز وجل". قال: "هذا حديث حسن"5 وليس إسناده بمتصل.
وإنما وصفه بالحسن لما عضده من الشواهد من حديث أبي برزة الأسلمي1 وغيره. وقد حسن عدة أحاديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود2 عن أبيه وهو لم يسمع منه عند الجمهور3. وحديثاً من رواية أبي قلابة الجرمي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - وقال بعده: "لم يسمع أبو قلابة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها –". ورأيت لأبي عبد الرحمن النسائي نحو ذلك، فإنه روى حديثا من رواية أبي عبيدة عن أبيه، ثم قال: أبو عبيدة لم يسمع/ (ب93) من أبيه إلا4 أن هذا الحديث جيد5.
وكذا قال - في حديث رواه من رواية عبد الجبار بن وائل بن حجر1: عبد الجبار لم يسمع من أبيه لكن الحديث في نفسه جيد. إلى غير ذلك من الأمثلة. وذلك مصير منهم إلى أن الصورة الاجتماعية لها تأثير في التقوية. وإذا تقرر ذلك كان من رأيه - أي الترمذي - أن جميع ذلك إذا اعتضد لمجيئه من وجه آخر أو أكثر نزل منزلة الحسن احتمل ألا يوافقه/ (ي79) غيره على هذا الرأي أو يبادر للإنكار عليه إذا وصف حديث الراوي الضعيف أو ما إسناده منقطع بكونه حسنا فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصح عن مقصده2 فيه ولهذا أطلق الحسن لما عرف به فلم يقيده بغرابة ولا غيرها ونسبه إلى نفسه ومن يرى رأيه فقال: "عندنا كل حديث" إلى آخر كلامه الذي ساقه شيخنا/ (ر45/ب) بلفظه3.
وإذا تقرر ذلك بقي وراءه أمر آخر. وذلك أن المصنف وغير واحد نقلوا الاتفاق على/ (?46/ب) أن الحديث الحسن يحتج به كما يحتج بالصحيح وإن كان دونه في المرتبة. فما المراد على هذا بالحديث الحسن الذي اتفقوا فيه على ذلك هل هو القسم الذي حرره المصنف وقال: إن كلام الخطابي ينزل عليه. وهو رواية الصدوق المشهور بالأمانة1 ... إلى آخر كلامه، أو القسم الذي ذكرناه آنفا عن الترمذي مع مجموع أنواعه التي ذكرنا أمثلتها، أو ما هو أعم من ذلك؟ لم أر من تعرض لتحرير هذا، والذي يظهر لي أن دعوى الاتفاق إنما تصح على الأول دون الثاني وعليه أيضا يتنزل قول المصنف أن كثيرا من أهل
الحديث لا يفرق/ (ب94) بين الصحيح والحسن1 كالحاكم كما سيأتي وكذا قول المصنف2: "إن الحسن إذا جاء من طرق ارتقى إلى الصحة" كما سيأتي إن شاء الله تعالى. فأما ما حررناه عن الترمذي أنه يطلق عليه اسم الحسن من الضعيف والمنقطع إذا اعتضد، فلا يتجه إطلاق الاتفاق على الاحتجاج به جميعه ولا دعوى الصحة3 فيه إذا أتى4 من طرق. ويؤيد هذا قول الخطيب5: "أجمع أهل العلم أن الخبر لا يجب قبوله إلا من العاقل الصدوق المأمون على ما يخبر به". وقد صرح أبو الحسن ابن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه "بيان الوهم والإيهام" بأن هذا القسم لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه وعضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح/ (ي80) أو ظاهر القرآن. وهذا حسن قوي رايق ما أظن منصفا/ (?47/أ) يأباه والله الموفق. ويدل/ (ر46/أ) على أن الحديث إذا وصفه الترمذي بالحسن لا يلزم [عنده] 6 أن يحتج به؛ لأنه أخرج حديثا من طريق خثيمة البصري عن الحسن عن عمران بن حصين - رضي
الله تعالى عنه - وقال بعده هذا حديث حسن وليس إسناده بذاك1. وقال في كتاب العلم بعده: بعد أن أخرج حديثا في فضل العلم: "هذا حديث حسن2 قال: وإنما لم نقل لهذا الحديث: صحيح، لأنه يقال: أن الأعمش دلس فيه فرواه بعضهم عنه، قال: "حدثت عن أبي صالح عن أبي هريرة - رضي الله عنه –" انتهى. فحكم له بالحسن للتردد الواقع فيه، وامتنع عن الحكم عليه بالصحة لذلك، لكن في كل المثالين نظر، لاحتمال أن يكون سبب تحسينه لهما كونهما جاءا3 من وجه4 آخر كما تقدم تقريره. لكن محل بحثنا هنا هل يلزم5 من الوصف بالحسن الحكم له بالحجة أم لا؟. (هذا الذي يتوقف فيه والقلب إلى ما حرره ابن قطان أميل) 6 - والله أعلم -.
16- قوله (ع) : حكاية عن أبي الفتح القشيري أنه قال: "ليس في عبارة الخطابي كثير تلخيص، والصحيح - أيضا - قد عرف مخرجه واشتهر رجاله"1. أقول: "أجاب الحافظ أبو سعيد العلائي عن ذلك فقال: "إنما يتوجه الاعتراض على الخطابي أن لو كان عرف بالحسن فقط، أما وقد عرف بالصحيح أولا ثم عرف بالحسن فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله "ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويعرف هذا من مجموع كلامه". قلت: "وعلى تقدير تسليم هذا الجواب فهذا القدر غير منضبط كما/ (?47/أ) أن القرب الذي في كلام ابن الجوزي2 - رحمه الله تعالى - غير منضبط فيصح ما قال القشيري أنه على غير صناعة الحدود والتعريفات. وقد رأيت لبعض المتأخرين في الحسن كلاما يقتضي أنه الحديث الذي في رواته مقال، لكن لم يظهر فيه مقتضى الرد/ (ر46/أ) فيحكم/ (ي81) على حديثه بالضعف ولا يسلم من غوائل الطعن، فيحكم لحديثه بالصحة". وقال ابن دحية: "الحديث الحسن هو: ما دون الصحيح مما فيه ضعف قريب محتمل عن راو لا3 ينتهي إلى درجة العدالة ولا ينحط إلى درجة الفسق". قلت: "وهو جيد بالنسبة إلى النظر في الراوي لكن صحة الحديث وحسنه ليس تابعا لحال الراوي فقط، بل لأمور تنضم إلى ذلك من المتابعات والشواهد وعدم الشذوذ والنكارة، فإذا اعتبر في مثل هذا سلامة راويه الموصوف بذلك من
الشذوذ والإنكار كان من أحسن ما عرف به الحديث الحسن الذاتي لا المجبور على رأي الترمذي - والله أعلم. تنبيه: فسر القاضي أبو بكر بن العربي مخرج الحديث بأن يكون من رواية راو قد اشتهر برواية حديث أهل بلده، كقتادة في البصريين، وأبي إسحاق السبيعي في الكوفيين، وعطاء في المكيين وأمثالهم1. فإن حديث البصريين مثلا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذا - والله أعلم -. 17- قوله (ع) - حكاية عن التاج التبريزي: أنه تعقب على ابن دقيق العيد قوله: "إن الصحيح أخص من الحسن، فإن من لازم ذلك أن يدخل الصحيح في حد2 الحسن/ (ل48/أ) ، لأن دخول الخاص في حد العام ضروري3. أقول: بين الصحيح والحسن خصوص وعموم من وجه، وذلك بين واضح لمن تدبره، فلا يرد اعتراض التبريزي إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجه أن يكون أخص منه مطلقا حتى يدخل الصحيح في الحسن4. وقد سألت شيخنا إمام الأئمة5 عنه - والله الموفق.
18- قوله (ع) : حكاية عن بعض المتأخرين أنه زعم أن قول الترمذي: ولا يكون/ (ر47/أ) شاذا "زيادة لا حاجة إليها، لأن قوله يروي من غير وجه يغني عنه، ثم قال: فكأنه كرره بلفظ/ (ي82) مباين"1. أقول: ليس في كلامه تكرار بل الشاذ عنده ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه أو أكثر سواء انفرد به أو لمن ينفرد، كما صرح به الشافعي - رضي الله عنه -. وقوله: يروى من غير وجه شرط زايد على ذلك. وإنما يتمشى ذلك على رأي من يزعم أن الشاذ ما تفرد به الراوي مطلقا. وحمل/ (ب97) كلام الترمذي على الأول أليق، لأن الحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد، ولا سيما في التعاريف - والله أعلم. 19- قوله (ع) 2: حكاية عن بعض المتأخرين أنه يرد على ابن الصلاح في القسم الأول (بعني الذي نزل كلام الترمذي عليه) المنقطع والمرسل الذي في3 رجاله مستور وروي مثله أو نحوه من وجه آخر. أقول: المتأخر المذكور هو القاضي بدر الدين بن جماعة، كذلك قال في مختصره وأقر شيخنا كلامه، وهو غير وارد لما قدمنا ذكره أن الترمذي يحكم للمنقطع إذا روي من وجه آخر بالحسن. [تعريف ابن جماعة للحسن:] وأما قول/ (?48/ب) ابن جماعة: "الأحسن في حد الحسن أن يقال: هو ما في إسناده المتصل مستور، له به شاهد أو مشهور قاصر عن درجة الإتقان، وخلا من العلة والشذوذ"4
[رد الحافظ على ابن جماعة:] فليس يحسن في حد الحسن فضلا1عن أن يكون أحسن2، لأوجه: أحدها: أن قيد الاتصال إنما يشترط في رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان، وهذا هو الحسن لذاته، وهو الذي لم يتعرض الترمذي لوصفه. بخلاف القسم الثاني الذي وصفه، فلا يشترط الاتصال في جميع أقسامه كما قررناه. ثانيهما: اقتصاره على رواية المستور مشعر بأن رواية الضعيف السيئ الحفظ ومن وذكرنا معه من الأمثلة المتقدمة ليست تعد حسانا إذا/ (ر47/ب) تعددت طرقها، وليس الأمر في تصرف الترمذي كذلك، فلا يكون الحد الذي ذكره جامعا. ثالثها: اشتراط نفي العلة3 لا يصلح هنا؛ لأن الضعف في/ (ي83) الراوي علة في الخبر والانقطاع في الإسناد علة الخبر/ (ب98) ، وعنعنة المدلس علة في الخبر، وجهالة حال4 الراوي علة5 في الخبر، ومع ذلك فالترمذي يحكم على ذلك كله بالحسن إذا جمع الشروط الثلاثة التي ذكرها، فالتقييد بعدم العلة يناقض ذلك والله أعلم.
(رابعها: القصور1 الذي ذكر غير منضبط، فيرد عليه ما يرد على ابن الجوزي) 2 - والله أعلم -. 34- قوله (ص) : "وإذا استبعد ذلك3 من الفقهاء الشافعية مستبعد ذكرنا له نص الشافعي - رضي الله عنه - في قبول مراسيل التابعين" ... إلى آخره4. أقول إنما اقتصر على الشافعية دون غيرهم، لأنهم هم الذين يردون المؤسل دون غيرهم من الفقهاء، ومع ذلك فالشافعي - رضي الله تعالى عنه - لا يرده مطلقا/ (?49/أ) ولكن اقتصاره على الفقهاء في استبعاد ذلك عجيب، فإن جمهور المحدثين لا يقبلون رواية المستور، وهو قسم من المجهول فروايته بمفردها ليست بحجة عندهم وإنما يحتج بها عند بعضهم بالشروط التي ذكرها الترمذي، فلا معنى لتخصيص ذلك بالفقهاء. 35- قوله (ص) : "ومن ذلك ضعف لا يزول بمجيئه من وجه آخر لقوة الضعف وتقاعد الجابر عن جبره ومقاومته، كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهما بالكذب أو كون الحديث شاذا، وهذه جملة يدرك تفاصيلها بالمباشرة"5.
أقول لم يذكر للجابر ضابطا يعلم منه ما يصلح أن يكون جابرا أو لا، والتحرير فيه أن يقال: إنه يرجع إلى الاحتمال في طرفي القبول والرد، فحيث يستوي الاحتمال فيهما فهو الذي يصلح لأن ينجبر وحيث يقوى جانب الرد فهو الذي لا ينجبر. وأما إذا رجح جانب القبول/ (ر48/أ) فليس من هذا، بل ذاك في الحسن الذاتي - والله أعلم -. وقوله قبل ذلك: "إنا نجد أحاديث محكوما/ (ب99) بضعفها مع كونها قد رويت بأسانيد/ (ي48) كثيرة1. ثم مثل ذلك بحديث الأذنان من الرأس"2. وقد تعقب ذلك عليه الإمام تقي الدين ابن دقيق العيد في شرح الإلمام فقال: "هذا الذي ذكره قد لا يوافق عليه، فقد ذكرنا رواية ابن ماجه وأن رواتها ثقات، ورواية الدارقطني وأن ابن القطان حكم لها بالصحة، وعلى الجملة فإن كان الحكم له بالقبول متوقفا على طريق لا علة لها ولا كلام في أحد من رواتها، فقد يتوقف ذلك هنا، لكن اعتبار ذلك صعب ينتقض عليهم في كثير مما صححوه أو حسنوه. ولو شرط ذلك لما/ (?49/ب) كان لهم حاجة إلى الحكم بالحسن فمقتضى3 المتابعة والمجيء من طرق للإسناد الضعيف؛ لأن الضعف علة - والله أعلم. وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: "في التمثيل بذلك نظر، لأن الحديث المشار إليه ربما ينتهي ببعض طرقه إلى درجة الحسن".
وذكر شيخنا - في كلامه على هذا الموضع - أن أبا الفرج ابن الجوزي ذكر طرقه في العلل المتناهية وضعفها كلها1. قلت: وقد راجعت "كتاب العلل المتناهية" لابن الجوزي، فلم أره تعرض لهذا الحديث، بل رأيته في كتاب التحقيق له2 قد احتج به وقواه فينظر في هذا. وقد جمعت طرقه فيما كتبته على جامع الترمذي، فرأيت في الحاشية: أمثلها حديث عبد الله بن زيد وحديث عبد الله بن عباس وحديث عبد الله بن عمر وأبي أمامة - رضي الله تعالى عنهم - وفي كل واحد منها مع ذلك مقال - والله أعلم. أما حديث عبد الله بن زيد3 - رضي الله عنه/ (ب100) - فرواه ابن ماجه4 قال: ثنا سويد بن سعيد. ثنا يحيى بن زكريا5 بن أبي زائدة عن/ (ر48/ب) شعبة عن حبيب بن زيد6 عن عباد بن تميم7 عن عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الأذنان من الرأس".
قال المنذري: "هذا الإسناد متصل ورواته محتج بهم وهو أمثل إسناد في هذا الباب [قلت هذا الإسناد] 1 رجاله رجال مسلم، إلا/ (ي85) أن له علة فإنه من رواية سويد بن سعيد كما ترى، وقد وهم فيه، وذكر الترمذي في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن هذا الحديث فضعف سويدا. قلت: وهو وإن أخرج له مسلم في صحيحه فقد ضعفه الأئمة/ (?50/أ) واعتذر مسلم عن تخريج حديثه، بأنه ما أخرج له إلا ما له أصل من رواية غيره. وقد كان مسلم لقيه وسمع منه قبل أن يعمى ويتلقن ما ليس من حديثه، وإنما كثرت المناكير في روايته بعد عماه. وقد حدث بهذا الحديث في حال صحته فأتى به على الصواب. فرواه البيهقي2 من رواية عمران بن موسى السختياني عن سويد بسنده إلى عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنهما - قال: رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - توضأ بثلثي مد وجعل يدلك. قال: "والأذنان من الرأس"، انتهى. وقوله: قال والأذنان من الرأس هو من قول عبد الله بن زيد - رضي الله تعالى عنه - والمرفوع منه ذكر الوضوء بثلثي مد والدلك. وكذا أخرجه ابن خزيمة3 وابن حبان في صحيحهما، والحاكم4 من حديث أبي كريب عن ابن أبي زائدة دون الموقوف.
وقد أوضحت ذلك بدلائله وطرقه في الكتاب الذي جمعته في المدرج1. وأما حديث/ (ب/101) عبد الله بن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فرواه أبو بكر البزار في مسنده، والحسن بن علي المعمري2 في "اليوم والليلة"، كلاهما عن أبي كامل الجحدري قال: ثنا غندر ثنا ابن جريج/ (ر49/أ) عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الأذنان من الرأس". ومن هذا الوجه رواه الدارقطني3 وهذا رجاله رجال مسلم أيضا - إلا أن له علة، فإن أبا كامل تفرد به عن غندر وتفرد به غندر عن ابن جريج. وخالفه من هو أحفظ منه وأكثر عددا4. فرووه عن ابن جريج عن سليمان بن موسى5 عن النبي - صلى الله عليه وسلم - معضلا - والعلة فيه/ (?50/ب) من جهتين:
إحداهما: أن/ (ي86) سماع غندر عن ابن جريج كان بالبصرة وابن جريج لما حدث بالبصرة حدث بأحاديث وهم فيها1، وسماع من سمع منه بمكة أصح. ثانيهما: أن أبا كامل قال - فيما رواه أحمد بن عدي عنه -: "لم أكتب عن غندر إلا هذا الحديث أفادنيه2 عنه عبد الله بن سلمة الأفطس"3 انتهى. والأفطس ضعيف جدا، فلعله أدخله على أبي كامل4. وقد مال أبو الحسن ابن القطان إلى الحكم بصحته لثقة رجاله واتصاله5 وقال ابن دقيق العيد: لعله أمثل إسناد في هذا الباب. قلت: وليس بجيد، لأن فيه العلة التي وصفناها، والشذوذ، فلا يحكم له بالصحة. كم تقرر - والله أعلم -. وأما حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - فرواه البيهقي في الخلافيات من طريق ضمرة بن ربيعة6 عن إسماعيل بن عياش7 عن
يحيى بن سعيد1 عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -/ (ب102) ورجاله ثقات، إلا أن رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين فيها مقال وهذا منها، والمحفوظ من حديث نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - من قوله. وكذا رواه عبد الرزاق2 وأبو بكر بن أبي شيبة3 من طرق عنه. وكذا رواه ابن أبي شيبة - أيضا - من رواية سعيد بن مرجانة4 وهلال بن أسامة5 كلاهما عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - موقوفا. وأما حديث: أبي أمامة6 - رضي الله تعالى عنه - فقد أشار إليه (ر49/ب) شيخنا7 وقوله: إن ابن حبان أخرجه في صحيحه من رواية شهر عن أبي أمامة - رضي الله عنه - فيه نظر، بل ليس هو في صحيح ابن حبان البتة، لا من
طريق أبي أمامة ولا من طريق غيره، بل/ (?51/أ) لم يخرج ابن حبان في صحيحه لشهر شيئا. وقد ذكرت طرق حديث شهر هذا في "كتاب المدرج"1 بدلائله وكيفية الإدراج فيه بحمد الله تعالى. / (ي87) وإذا نظر المنصف2 إلى مجموع هذه الطرق علم أن للحديث أصلا، وأنه ليس مما يطرح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه - والله أعلم -. تنبيهان: الأول: معنى هذا المتن أن الأذنين حكمهما حكم الرأس في المسح لا أنهما جزء من الرأس، بدليل أنه لا يجزئ المسح على ما عليهما من شعر عند من يجتزئ بمسح بعض الرأس بالاتفاق. وكذلك لا يجزئ المحرم أن يقصر مما عليهما من شعر بالإجماع - والله الموفق -. الثاني: ينبغي أن يمثل في هذا المقام بحديث من حفظ على أمتي أربعين حديثا. فقد نقل النووي اتفاق الحفاظ على ضعفه مع كثرة طرقه3 - والله أعلم -.
36- قوله (ص) : "إذا كان راوي الحديث متأخرا عن درجة/ أهل الحفظ والإتقان غير أنه من المشهورين (بالصدق والستر) 1، وروي حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح. مثاله: حديث (محمد بن عمرو بن علقمة) 2 عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه" ... إلى آخر كلامه3. وفيه أمور: أحدها: أن ظاهر كلامه أن شرط الصحيح أن يكون راويه حافظا متقنا وقد بينا ما فيه فيما سبق4. وثانيها: أن وصف الحديث بالصحة إذا قصر عن رتبة الصحيح وكان
على شرط الحسن إذا روي من وجه آخر لا يدخل في التعريف الذي عرف به الصحيح أولا1. فإما أن يزيد في حد الصحيح ما يعطي أن هذا أيضا يسمى صحيحا، وإما أن لا يسمى/ (?51/ب) هذا صحيحا، والحق أنه من طريق النظر أنه يسمى صحيحا، وينبغي أن يزاد في التعريف بالصحيح فيقال: هو الحديث الذي يتصل إسناده بنقل العدل [التام] 2 الضبط أو القاصر عنه إذا اعتضد عن مثله إلى منتهاه ولا يكون شاذا ولا معللا3. وإنما قلت ذلك لأنني اعتبرت كثيرا من أحاديث الصحيحين فوجدتها لا يتم الحكم عليها بالصحة/ (ي88) إلا بذلك. ومن ذلك حديث أبي بن العباس بن سهل بن سعد4 عن أبيه5 عن
جده1 رضي الله تعالى عنه في ذكر خيل2 النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأبي هذا قد ضعفه لسوء حفظه أحمد بن حنبل ويحي بن معين والنسائي، ولكن تابعه عليه أخوه عبد المهيمن بن العباس3؛ أخرجه ابن ماجه4 من طريقه. وعبد المهيمن أيضا فيه ضعف5، فاعتضد. وانضاف إلى ذلك أنه ليس من أحاديث الأحكام، فلهذه الصورة المجموعية حكم البخاري بصحته6.
وكذا حكم بصحة حديث معاوية بن إسحاق بن طلحة1 عن عمته عائشة بنت طلحة2 عن عائشة رضي الله عنها أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد فقال - صلى الله عليه وسلم -: "جهادكن الحج والعمرة"3. ومعاوية ضعفه أبو زرعة ووثقه أحمد والنسائي. وقد تابعه عليه عنده حبيب ابن أبي عمرة4 فاعتضد. في أمثلة كثيرة قد ذكرت الكثير منها في مقدمة شرح البخاري5. ويوجد في كتاب مسلم منها أضعاف ما في البخاري. والله أعلم [الحسن قسمان:] وقياس ما ذكر ابن الصلاح أن الحسن قسمان: أحدهما ما هو لذاته. والآخر ما هو لغيره. وكون الصحيح كذلك. ويكون القسم الذي هو صحيح أو حسن لذاته أقوى من الآخر، وتظهر فائدة ذلك عند/ (?52/أ) التعارض وكذلك أقول في الضعيف
إذا روي بأسانيد كلها قاصرة عن/ (ر50/ب) درجة الاعتبار حيث لا يجبر بعضها ببعض أنه أمثل من ضعيف روي بإسناد واحد كذلك، وتظهر فائدة ذلك في جواز العمل به أو منعه مطلقا - والله أعلم -. ثالثها: أنه اعترض عليه في المثال الذي مثل به وهو حديث: "لولا أن أشق ... " من طريق محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة1 عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - بأن الحكم بصحته إنما جاء من جهة أنه روي من طريق2 أخرى صحيحة لا مطعن فيها. منها في الصحيحين من طريق الأعرج عن أبي/ (ي89) هريرة - رضي الله تعالى عنه - والمثال اللائق هنا أن يذكر حديث له أسانيد كل منها لا يرتقي عن درجة الحسن قد حكم له بالصحة باعتبار مجموع تلك الطرق. والجواب عن المصنف أن المثال الذي أورده مستقيم والذي طولب به قسم من المسألة. وذلك أن الحديث الذي يروى بإسناد حسن لا يخلو إما أن يكون فردا أو له متابع. الثاني لا يخلو المتابع إما أن يكون دونه أو مثله أو فوقه فإن كان دونه فإنه لا يرقيه عن درجته.
قلت1: "قد يفيده إذا كان عن غير متهم بالكذب قوة ما يرجح بها لو عارضه حسن آخر بإسناد غريب". وإن كان مثله أو فوقه فكل منهما يرقيه إلى درجة الصحة. فذكر المصنف مثالا لما فوقه ولم يذكر مثالا لما هو مثله. وإذا كانت الحاجة ماسة إليه فلنذكره نيابة2 عنه وأمثلة كثيرة قد ذكرنا منها الحديثين اللذين أوردناهما من الصحيح قبل هذا3. ومنها: ما رواه الترمذي من طريق إسرائيل4 عن عامر بن/ (?52/ ب) شقيق5 عن أبي وائل6 عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يخلل لحيته". تفرد به عامر بن شقيق، وقد قواه البخاري والنسائي7/ (ر51/أ) وابن حبان ولينه ابن معين8 وأبو حاتم9 وحكم البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل
بأن حديثه هذا حسن1، وكذا قال أحمد فيما حكاه عنه أبو داود: أحسن شيء في هذا الباب حديث عثمان2 - رضي الله تعالى عنه -. وصححه مطلقا الترمذي3 والدارقطني4 وابن خزيمة5 والحاكم6 وغيرهم7. وذلك لما عضده من الشواهد، كحديث أبي المليح الرقي8 عن الوليد بن زوران9 عن أنس - رضي الله عنه -.
أخرجه أبو داود1 وإسناده حسن، لأن الوليد وثقه ابن حبان ولم يضعفه أحد وتابعه عليه ثابت البناني عن أنس - رضي الله عنه -. أخرجه الطبراني2 في الكبير/ (ب106) من رواية عمر بن إبراهيم العبدي3 عنه، وعمر لا بأس به. ورواه الذهلي في/ (ي90) الزهريات من طريق الزبيدي عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - إلا أن له علة غير قادحة، كما قال ابن القطان. ورواه الترمذي4 والحاكم5 من طريق قتادة عن حسان بن بلال عن عمار بن ياسر وهو معلول وله شواهد أخرى6 دون ما ذكر في المرتبة، وبمجموع
ذلك حكموا على أصل الحديث بالصحة وكل طريق منها بمفردها لا يبلغ درجة الصحيح - والله أعلم -. [إطلاق لفظ الحسن قبل شيوخ الترمذي:] 20- قوله (ع) : "وقد وجد التعبير بالحسن في كلام شيوخ الطبقة التي قبل الترمذي كالشافعي"1. أقول قد وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم من الشافعي. قال إبراهيم النخعي/ (?53/أ) : "كانوا إذا اجتمعوا كره الرجل أن يخرج حسان حديثه"2. وقيل لشعبة كيف تركت أحاديث العرزمي وهي حسان؟ قال: "من حسنها فررت"3. ووجد "هذا من أحسن الأحاديث إسنادا" في كلام علي بن المديني وأبي زرعة الرازي4/ (ر51/ب) وأبي حاتم ويعقوب بن شيبة5 وجماعة. لكن منهم من يريد بإطلاق ذلك المعنى الاصطلاحي. ومنهم من لا يريده. فأما ما وجد في ذلك في عبارة الشافعي ومن قبله بل وفي عبارة أحمد بن حنبل فلم يتبين لي منهم إرادة المعنى الاصطلاحي، بل ظاهر عبارتهم خلاف ذلك.
فإن حكم الشافعي على حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في استقبال بيت المقدس حال قضاء الحاجة بكونه حسنا1 خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته. وكذا قال الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في حديث منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - في السهو. وأما أحمد: فإنه سئل فيما حكاه الخلال عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكر فقال: "أصح ما فيها حديث أم حبيبة2 - رضي الله تعالى عنها –". قال: "وسئل عن حديث بسرة3 - رضي الله عنها –" فقال: "صحيح". قال الخلال4: حدثنا أحمد بن أصرم5 أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة - رضي الله عنها - في مس/ (ي91) الذكر فقال: "هو حديث حسن".
فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي، لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح. وأما أبو حاتم، فذكر ابنه في كتاب الجرح والتعديل1 في باب من اسمه عمرو من حرف العين: "عمرو بن محمد - روى عن سعيد بن جبير وأبي زرعة بن عمرو بن جرير - روى عنه إبراهيم/ (?53/ب) بن طهمان سألت أبي عنه فقال: هو مجهول، والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير حسن". قلت: وكلام أبي حاتم هذا محتمل، فإنه يطلق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على الحديث بالحسن لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلام/ (ر52/أ) الترمذي، ويحتمل أن يكون حكم بالحسن وأراد المعنى اللغوي [أي] 2 أن متنه حسن - والله أعلم -. وأما علي بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده وفي علله3، فظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق لهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري ويعقوب بن شيبة وغير واحد. وعن البخاري أخذ الترمذي. فمن ذلك: ما ذكر الترمذي4 في العلل الكبير أنه سأل البخاري عن
أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: "حديث صفوان بن عسال صحيح، وحديث أبي بكرة - رضي الله عنه - حسن/ (ب108) وحديث صفوان الذي أشار إليه موجود في شرائط الصحة1. وحديث أبي بكرة الذي أشار إليه - رواه ابن ماجة2 من رواية المهاجر3 أبي مخلد4 عن عبد الرحمن بن أبي بكرة5 عن أبيه6 - رضي الله عنه - به والمهاجر قال وهيب7: إنه كان غير حافظ.
وقال ابن معين: "صالح". وقال الساجي1: "صدوق". وقال أبو حاتم: "لين الحديث يكتب حديثه". فهذا على شرط الحسن لذاته2. كما تقرر. وإن كان ابن حبان أخرجه في "صحيحه"3، فذاك جري على قاعدته في عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، فلا يعترض به. وذكر الترمذي - أيضا - في "الجامع"4/ (?54/أ) أنه سأله5 عن حديث شريك بن عبد الله النخعي6، عن أبي إسحاق، عن/ (ي92) عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج7 - رضي الله عنه - قال: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته". وهو من أفراد شريك عن أبي إسحاق، قال البخاري: هو حديث حسن، انتهى. وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحاق (مع كثرة الرواة) 1 عن/ (ر52/ب) أبي إسحاق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد بما رواه الترمذي - أيضا - من طريق عقبة بن الأصم2، عن عطاء بن رافع - رضي الله عنه - فوصفه بالحسن لهذا. وهذا على شرط القسم الثاني فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري ولكن الترمذي أكثر منه وأشاد بذكره وأظهر الاصطلاح فيه فصار أشهر به3 من غيره - والله أعلم -. 21- قوله (ع) : "ويعقوب بن شيبة وأبو علي إنما صنفا كتابيهما بعد الترمذي"4. أقول: فيه نظر بالنسبة إلى يعقوب/ (ب109) بن شيبة (فقط) 5 فإنه من طبقة شيوخ الترمذي وهو أقدم سنا6 وسماعا وأعلى رجالا من البخاري إمام الترمذي وإن تأخرت وفاته بعده ست سنين.
وذكر الخطيب1 أنه أقام في تصنيف مسنده مدة طويلة وأنه لم يكمله مع ذلك ومات قبل الترمذي بنحو عشرين سنة. فكيف يقال إنه صنف كتابه بعد الترمذي؟ ظاهر الحال يأبى ذلك. وأما قوله حكاية عن المعترض على ابن الصلاح بأن أبا علي الطوسي كان شيخا لأبي حاتم الرازي، فقد رأيت ذلك في كتاب العلامة علاء الدين2 مغلطاي في مواضع كثيرة/ (?54/ب) من شرح البخاري وغيره فلا يذكر أبا علي الطوسي إلا ويصفه بأنه3 شيخ أبي حاتم الرازي وليس ذلك بوصف صحيح بل الصواب العكس. وأبو حاتم شيخ أبي علي وإن كان أبو حاتم حكى عن أبي علي شيئا، فذلك من باب رواية الأكابر عن الأصاغر فقد قال الخليلي في الإرشاد4: روى عنه أبو حاتم الرازي أحد شيوخه حكايات. وهذا كرواية البخاري عن الترمذي فإن أبا حاتم والبخاري من طبقة واحدة كما أن الترمذي وأبا علي من طبقة واحدة/ (ر53/أ) وهذا بين من معرفة شيوخهم ووقت وفاتهم، فسماع أبي حاتم قبل أبي علي بنحو من ثلاثين سنة. ومات أبو حاتم5 قبل أبي علي بنحو من هذا القدر. وكانت رحلة أبي علي الطوسي بعد رحلة الترمذي، فلم يلق عوالي شيوخه كقتيبة، ولكنه شاركه في أكثر مشايخه واستخرج على كتابه كما قال شيخنا وسمى كتابه كتاب الأحكام6.
والدليل على صحة كون كتابه مستخرجا/ (ب110) على الترمذي أنه يحكم على كل حديث بنظير1 ما يحكم عليه الترمذي سواء إلا أنه يعبر بقوله: يقال: (هذا حديث حسن) 2 يقال: حديث حسن صحيح لا يجزم بشيء من ذلك. وهذا مما يقوي أنه نقل كلام غيره فيه وهو الترمذي، لأنها عبارته بعينها. وإذا تقرر ذلك، فقول ابن الصلاح: إن "كتاب الترمذي أصل في معرفة الحديث الحسن" لا اعتراض عليه فيه، لأنه نبه مع ذلك على أنه يوجد في متفرقات كلام من تقدمه. وهو كما قال - والله أعلم -. تنبيه: أبو علي الطوسي المذكور: اسمه الحسن بن علي بن نصر الحافظ له تصانيف ورحلة ذكره الحاكم في تاريخ نيسابور/ (?55/أ) وأثنى عليه، وأبو علي الخليلي في الإرشاد وقال: سمعت من عشرة من أصحابه3 وله تصانيف تدل على معرفته. وأبو أحمد الحاكم في الكنى وقال: "إنه سمع منه وغيرهم"4. وكانت وفاته سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة - والله أعلم -. 37- قوله (ص) : "ومن مظانه"5: أي من مظان الحسن والمظان جمع مظنة - بكسر الظاء وهي مفعلة من الظن.
وقال المطرزي1: "المظنة العلم من ظن2 بمعنى علم". 22- قوله (ع) : "ولم ينقل لنا عن أبي داود هل يقول بذلك (يعني الحسن الاصطلاحي) أم لا3"؟. أقول: حكى ابن كثير في مختصره4 أنه رأى في بعض النسخ من رسالة أبي داود ما/ (ي49) نصه: "وما سكت عليه فهو حسن وبعضها أصح/ (ر53/ب) من بعض". فهذه النسخة إن كانت معتمدة فهو نص في موضع النزاع، فيتعين المصير إليه، ولكن نسخة روايتنا والنسخ المعتمدة التي وقفنا عليها ليس فيها هذا. - والله الموفق -. 23- قوله (ع) 5: "في/ (ب111) الجواب من اعتراض أبي الفتح اليعمري؛ إذ زعم أن شرط أبي داود كشرط مسلم إلا في الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها6 - بأن مسلما شرط الصحيح - فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن وأبو داود إنما قال: "ما سكت عنه فهو صالح". والصالح يجوز أن يكون صحيحا وأن يكون حسنا فالاحتياط أن يحكم عليه بالحسن".
أقول: أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله ضعيف، وقول ابن الصلاح أقوى؛ لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت (فلا نعني بالحسن إلا) 1 الدرجة الدنيا منها. والدرجة الدنيا منها لم يخرج مسلم منها شيئا في الأصول وإنما يخرجها في المتابعات والشواهد. [الرواة عند مسلم ثلاثة أقسام:] قلت: وهو تعقب صحيح وهو مبني على أمر اختلف نظر الأئمة فيه وهو قول مسلم ما معناه أن الرواة ثلاثة أقسام: الأول: كمالك وشعبة وأنظارهما. الثاني: مثل عطاء بن السائب ويزيد بن أبي زياد وأمثالهما. وكل من القسمين مقبول، (لما يشمل الكل) 2 من اسم الصدق. والطبقة الثالثة: أحاديث المتروكين. فقال القاضي عياض وتبعه النووي وغيره: "إن مسلما أخرج أحاديث القسمين الأولين ولم يخرج شيئا من أحاديث القسم الثالث"3. وقال الحاكم والبيهقي وغيرهما: "لم يخرج مسلم إلا أحاديث القسم الأول فقط فلما حدث به اخترمته المنية قبل إخراج القسمين الآخرين"4.
ويؤيد هذا/ (ر54/أ) ما رواه البيهقي بسند صحيح عن إبراهيم بن محمد بن سفيان صاحب مسلم1 قال: "صنف مسلم ثلاثة كتب أحدها/ (ي95) هذا الذي قرأه على الناس (يعني الصحيح) والثاني يدخل فيه عكرمة وابن إسحاق وأمثالهما والثالث يدخل فيه الضعفاء. قلت: وإنما اشتبه الأمر على القاضي عياض ومن تبعه بأن الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه لكن فرض2 المسألة هل احتج (بهم كما احتج) 3 بأهل القسم الأول أم لا؟ والحق: أنه لم يخرج شيئا مما انفرد به الواحد منهم وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا؟ ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يرفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول. وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضد بعضها بعضا فإنه قد يخرج ذلك. وهذا ظاهر بين في كتابه ولو/ (?56/أ) كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه. ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب4 في المتابعات وهو من المكثرين، فما له عنده سوى مواضيع يسيرة.
وكذا محمد بن إسحاق وهو من بحور1 الحديث وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة. ولم يخرج لليث بن أبي سليم2 ولا ليزيد بن أبي زياد ولا لمجالد بن سعيد إلا مقرونا. وهذا بخلاف أبي داود، فإنه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة وفي/ (ر54/ب) قول أبي داود: "وما كان فيه وهن شديد بينته" (ما يفهم أن الذي يكون فيه وهن غير شديد) 3 أنه لا يبينه. ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن4 الاصطلاحي. بل هو على أقسام: 1- منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة. 2- ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته. 3- ومنه ما هو من قبيل الحسن إذا اعتضد. وهذان القسمان كثير في كتابه جدا. 4- ومنه ما هو ضعيف، لكنه من رواية من لم يجمع على تركه غالبا. وكل هذه الأقسام عنده/ (ي96) تصلح للاحتجاج بها5.
كما نقل ابن منده1 عنه أنه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره وأنه أقوى من رأي الرجال2. وكذلك قال ابن عبد البر3: "كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده لاسيما إن كان لم يذكر في الباب غيره".ونحو هذا ما روينا عن الإمام أحمد بن حنبل فيما نقله ابن المنذر4 عنه أنه كان يحتج بعمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إذا لم يكن في الباب غيره5.
وأصرح من هذا ما رويناه عنه فيما حكاه أبو العز بن كادش1/ (?56/ب) أنه قال -لابنه-2: "لو أردت أن أقتصر على ما صح عندي لم أرو من هذا المسند إلا الشيء بعد الشيء، لكنك يا بني تعرف طريقتي في الحديث أني لا أخالف ما يضعف إلا إذا كان في الباب شيء يدفعه"3. ومن هذا ما روينا من طريق عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل بالإسناد الصحيح إليه قال: "سمعت أبي يقول: "لا تكاد ترى أحدا ينظر في الرأي إلا وفي قلبه دغل والحديث الضعيف أحب إلي من الرأي"4. [موقف أحمد من الرأي:] قال: "فسألته عن الرجل يكون ببلد لا يجد فيها إلا صاحب حديث لا يدري صحيحه من سقيمه وصاحب رأي فمن يسأل؟ قال: "سأل صاحب الحديث ولا يسأل صاحب الرأي". فهذا نحو مما حكي عن أبي داود. ولا عجب، فإنه كان من تلامذة الأمام أحمد فغير مستنكر أن يقول بقوله.
بل حكى النجم الطوفي1 عن العلامة تقي الدين ابن تيمية أنه قال: "اعتبرت مسند أحمد، فوجدته موافقا لشرط أبي داود"2. وقد أشار شيخنا في النوع الثالث والعشرين إلى شيء من هذا/ (ب114) ومن هنا ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج ويسكت عنها مثل: ابن لهيعة، وصالح مولى التوأمة3، وعبد الله بن محمد بن عقيل4،
وموسى بن وردان، وسلمة بن الفضل1، ودلهم بن صالح2 وغيرهم. فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على/ (ي97) أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به أو غريب فيتوقف فيه؟ ولا سيما إن كان مخالفا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط إلى قبيل المنكر وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير كالحارث بن وجيه3 وصدقه الدقيقي4 وعثمان بن واقد العمري5 ومحمد بن عبد الرحمن البيلماني6 وأبي
جناب الكلبي1 وسليمان بن أرقم2 وإسحاق بن عبد الله بن أبي فروة3 وأمثالهم من المتروكين. وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة وأحاديث المدلسين بالعنعنة والأسانيد التي فيها من أبهمت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك/ (ر55/ب) الراوي في نفس كتابه وتارة يكون لذهول منه. وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي واتفاق الأئمة على طرح روايته4. كأبي الحويرث5 ويحيى بن العلاء6 وغيرهم.
وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه وهو الأكثر. فإن في رواية أبي الحسن ابن العبد1 عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي2 وإن كانت روايته3 أشهر. ومن أمثلة ذلك ما رواه من طريق الحارث بن وجيه4 عن مالك بن دينار5 عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - حديث: "إن تحت كل شعرة جنابة ... " الحديث6. فإنه تكلم عليه في بعض الروايات فقال: "هذا حديث ضعيف والحارث حديثه منكر" وفي بعضها اقتصر على بعض هذا الكلام. وفي بعضها لم يتكلم فيه وقد يتكلم7 على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن ويسكت8 عنه فيها.
ومن أمثلته1: ما رواه في السنن من طريق محمد بن ثابت العبدي2 عن نافع قال: "انطلقت مع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - في حاجة إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -/ (?57/ب) فذكر الحديث في الذي سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم/ (ي98) يرد عليه حتى تيمم، ثم رد السلام وقال: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني لم أكن على طهر"3. لم يتكلم عليه في السنن، ولما ذكره في "كتاب التفرد" قال: "لم يتابع أحد محمد بن ثابت على هذا". ثم حكى عن أحمد بن حنبل أنه قال: "هو حديث منكر"4.
[كثرة الانقطاع والإبهام في سنن أبي داود:] وأما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة. منها: وهو ثالث حديث في كتابه - ما رواه من طريق أبي التياح1 قال: حدثني شيخ قال: لما قدم ابن عباس البصرة كان يُحدث2 عن أبي موسى - رضي الله تعالى عنه - فذكر حديث "إذا أراد أحدكم أن يبول فليرتد لبوله"3. لم يتكلم عليه في جميع الروايات، وفيه هذا الشيخ المبهم. إلى غير ذلك من الأحاديث التي يمنع من الاحتجاج بها ما فيها من العلل. فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته لما/ (ب116) وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة، ويقدمها على القياس إن ثبت ذلك عنه. والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج4 بذلك فكيف يقلده فيه؟
وهذا جميعه إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئل فهو صالح". على أن مراده أنه صالح للحجة. وهو الظاهر. وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك - وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد أو للمتابعة - فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف. ويحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة هل فيها إفراد أم لا؟ إن وجد فيها إفراد تعين الحمل على الأول وإلا حمل على الثاني، وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقا/ (?58/أ) . وقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي - رحمه الله تعالى - فقال/ (ر56/أ) : "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه". ثم قال: "والحق أن ما وجدناه في سننه ما لم يبينه، ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن1، وإن نص على ضعفه من يعتمد أو رأى العارف في سنده ما يقتضي/ (ي99) الضعف ولا جابر له، حكم بضعفه ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود". قلت: "وهذا هو التحقيق، لكنه خالف ذلك في مواضع من شرح المهذب
وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها فلا يغتر بذلك1 - والله أعلم –". 38- قوله (ص) : "ما صار إليه صاحب المصابيح من تقسيم أحاديثه إلى نوعين: الصحاح والحسان/ (ب117) إلى أن قال: فهذا اصطلاح غير معروف"2. وتبعه الشيخ محيي الدين في مختصره فقال: "هذا الكلام من البغوي ليس بصواب"3. وقد تعقب العلامة تاج الدين التبريزي في مختصره هذا الكلام فقال: "ليس من العادة المشاحة في الاصطلاح والتخطئة عليه مع نص الجمهور على أن من اصطلح في أول الكتاب فليس ببعيد عن الصواب. والبغوي4 قد نص في ابتداء المصابيح بهذه العبارة: "وأعني بالصحاح ما أخرجه الشيخان ... إلى آخره".
ثم قال: "وأعني بالحسان ما أورده أبو داود والترمذي وغيرهما من الأئمة ... إلى آخره"1. ثم قال: "وما كان من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عما كان/ (?58/ب) منكرا أو موضوعا". هذه عبارته ولم يذكر قط أن مراد الأئمة بالصحاح كذا وبالحسان كذا. قال: "ومع هذا فلا يعرف لتخطئة الشيخين (يعني ابن الصلاح والنووي) إياه وجه". قلت: ومما يشهد لصحة كونه أراد بقوله الحسان اصطلاحا خاصا له أن يقول في مواضع من قسم الحسان: هذا صحيح تارة، وهذا ضعيف تارة بحسب ما يظهر له من ذلك. ولو كان أراد بالحسان الاصطلاح العام ما نوَّعه في كتابه إلى الأنواع الثلاثة وحتى لو كان عليه في بعض ذلك مناقشة بالنسبة إلى الإطلاق، فذلك يكون لأمر خارجي حتى يرجع إلى الذهول ولا يضر فيما نحن فيه - والله أعلم -. 39- قوله (ص) : "كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة وما جرى مجراها في الاحتجاج/ (ي100) بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقا كمسند أحمد وغيره ... " إلى أن قال: "فهذه عادتهم أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه غير متقيدين بأن يكون حديثا محتجا به أم لا"2. قلت: هذا هو الأصل في وضع هذين الصنفين، فإن ظاهر حال من يصنف على الأبواب أنه3 ادعى/ (ر56/ب) على أن الحكم في المسألة التي بوب عليها
ما بوب به فيحتاج إلى مستدل لصحة دعواه1 والاستدلال إنما ينبغي أن يكون بما يصلح أن يحتج به، وأما من يصنف على المسانيد فإن ظاهر قصده جمع حديث كل صحابي على حدة سواء أكان يصلح للاحتجاج به أم لا. وهذا هو ظاهر من أصل الوضع بلا شك، لكن جماعة من المصنفين في كل من الصنفين خالف أصل موضوعه فانحط وارتفع، فإن/ (?59/أ) بعض من صنف الأبواب قد أخرج فيها الأحاديث الضعيفة بل والباطلة إما لذهول عن ضعفها وإما2 لقلة معرفة بالنقد. وبعض من صنف على المسانيد انتقى أحاديث كل صحابي فأخرج أصح ما وجد من حديثه. كما روينا عن إسحاق بن راهويه أنه انتقى في مسنده أصح ما وجده من حديث كل صحابي إلا أن لا يجد ذلك المتن إلا من تلك الطريق، فإنه يخرجه. ونحى بقي بن مخلد في مسنده نحو ذلك. وكذلك صنع أبو بكر البزار قريبا من ذلك وقد صرح ببعض ذلك في عدة مواضع من مسنده فيخرج الإسناد الذي فيه مقال ويذكر علته، ويعتذر عن تخريجه بأنه لم يعرفه إلا من ذلك الوجه. وأما الإمام أحمد، فقد صنف أبو موسى المديني3/ (ب119) جزءا كبيرا ذكر فيه أدلة كثيرة تقتضي أن أحمد انتقى مسنده وأنه كله صحيح عنده وأن ما أخرجه فيه عن الضعفاء إنما هو في المتابعات، وإن/ (ي101) كان أبو موسى قد ينازع في بعض ذلك، لكنه لا يشك منصف أن مسنده أنقى أحاديثا وأتقن رجالا من غيره. وهذا يدل على أنه انتخبه.
ويؤيد هذا ما يحكيه ابنه عنه أنه كان يضرب على بعض الأحاديث التي يستنكرها1. وروى أبو موسى في هذا الكتاب من طريق حنبل بن إسحاق قال: "جمعنا أحمد أنا وابناه عبد الله وصالح وقال: انتقيته من أكثر من سبعمائة ألف وخمسين ألفا فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارجعوا إليه، فإن وجدتموه، وإلا فليس بحجة"2. فهذا صريح فيما قلناه إنه انتقاه ولو وقعت فيه الأحاديث الضعيفة والمنكرة، فلا يمنع ذلك صحة هذه الدعوى، لأن هذه الأمور نسبية بل هذا كاف فيما3 قلناه أنه لم يكتف بمطلق جمع حديث كل صحابي. وظاهر كلام المصنف أن الأحاديث التي في الكتب الخمسة وغيرها/ (?59/ب) يحتج بها جميعها، وليس كذلك؛ فإن فيها شيئا كثيرا لا يصلح للاحتجاج به بل وفيها ما لا يصلح للاستشهاد به4 من حديث/ (ر57/أ) المتروكين وليست الأحاديث الزايدة في مسند أحمد على ما في الصحيحين بأكثر ضعفا من الأحاديث الزائدة على الصحيحين من سنن أبي داود وجامع الترمذي.
وإذا تقرر هذا فسبيل من أراد أن يحتج بحديث من السنن أو بأحاديث1 من المسانيد واحد؛ إذ جميع ذلك لم يشترط من جمعه الصحة ولا الحسن خاصة، فهذا المحتج إن كان متأهلا لمعرفة الصحيح من غيره، فليس له أن يحتج بحديث من السنن من غير أن ينظر في اتصال إسناده وحال رواته كما أنه ليس له أن يحتج بحديث من المسانيد حتى يحيط علما بذلك. وإن كان غير متأهل لدرك ذلك فسبيله أن ينظر في الحديث إن كان خرج في الصحيحين أو صرح أحد من الأئمة بصحته، فله أن يقلد في ذلك. وإن لم يجد أحدا صححه ولا حسنه فما له أن يقدم على الاحتجاج به فيكون كحاطب ليل فلعله يحتج بالباطل/ (ي102) وهو لا يشعر. ولم أر للمصنف سلفا في أن جميع ما صنف على الأبواب يحتج به مطلقا، ولو كان اقتصر على الكتب الخمسة لكان أقرب من حيث الأغلب، لكنه قال مع ذلك: "وما جرى مجراها". فيدخل في عبارته غيرها من الكتب المصنفة على الأبواب كسنن ابن ماجه بل ومصنف ابن أبي شيبة وعبد الرزاق وغيرهم، فعليه في إطلاق ذلك من التعقب ما أوردناه - والله أعلم -. 24- قوله (ع) : "لا نسلم أن أحمدا اشترط الصحة في كتابه"2. أقول: حرف3 الجواب أن المراد بصحة ماذا؟ إن قيل باعتبار الشرائط التي تقدم ذكرها، فلا يمكن دعوى ذلك في المسند مع ما فيه من الأحاديث المعللة والمضعفة.
وإن قيل باعتبار ما يراه أحمد من التمسك بالأحاديث ولو كانت ضعيفة ما لم يكن ضعفها/ (ب121) شديدا. كما تقدم في الكلام على أبي داود فهذا يمكن دعواه. 25- قوله (ع) : "على أن ثمة1 أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيح وليست في مسند أحمد"2. أقول: أجاب بعضهم عن هذا بأن الأحاديث الصحيحة التي خلا عنها المسند لا بد أن يكون لها فيه أصول أو نظائر أو شواهد أو ما يقوم مقامها3. قلت: فعلى هذا إنما يتم النقض أن لو وجد حديث محكوم بصحته سالم من التعليل ليس هو4 في المسند وإلا فلا - والله أعلم. [أحاديث منتقدة في مسند أحمد:] 26- قوله (ع) : "بل فيه (أي المسند) أحاديث موضوعة، وقد جمعتها في جزء"5. أقول: ذكر الشيخ تقي الدين بن تيمية6 أن أصل هذه القصة أن الحافظين أبا العلاء الهمذاني وأبا الفرج ابن الجوزي سئلا هل في المسند أحاديث موضوعة أم لا؟. فأنكر ذلك أبو العلاء أشد الإنكار.
وأثبت ذلك أبو الفرج وبين ما فيه من ذلك بحسب/ (ي103) ما ظهر له. قلت: ثم انتدب أبو موسى المديني فانتصر لشيخه أبي العلاء الهمذاني1 وصنف الجزء الذي أشار إليه شيخنا. وأما الجزء المذكور فهو مشتمل على تسعة أحاديث وهي الستة التي ساقها الشيخ هنا من المسند2 والحديثان المساقان من زيادات عبد الله والتاسع حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - مثل حديث أنس - رضي الله عنه - فيمن عُمِّر أربعين سنة.
والحكم على الأحاديث التسعة بكونها موضوعة محل نظر وتأمل ثم إنها كلها في الفضائل أو الترغيب والترهيب. ومن عادة المحدثين التساهل في مثل ذلك. وفي الجملة لا يتأتى الحكم على جميعها بالوضع. 1- فمن ذلك: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في احتكار الطعام1 ... الحديث. فقد ذكر شيخنا أن في الحكم بوضعه نظرا وأن الحاكم صححه وهو كما قال شيخنا. فقد رواه الإمام أحمد قال: حدثنا يزيد بن هارون ثنا أصبغ بن زيد2 ثنا أبو بشر3 عن أبي الزاهرية4 عن كثير بن مرة5، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى" 6.
وهكذا رواه أبو يعلى في مسنده1 عن أبي خيثمة زهير بن حرب2 عن يزيد به. ومن طريقهما أخرجه الحافظ الضياء في الأحاديث المختارة مما ليس في الصحيحين. وأما الحاكم3 فإنه أخرجه من طريق عمرو بن الحصين عن أصبغ، وعمرو بن حصين4 أحد المتروكين المتهمين، فالمعتمد عليه فيه هو يزيد بن هارون ولم يعله ابن الجوزي5 إلا بأصبغ بن زيد6، وقد ساق ابن عدي له ثلاثة أحاديث هذا منها. وقال: إنها غير محفوظة وأنه لم يرو عنه غير يزيد بن هارون7.
وقد وهم ابن عدي في ذلك فإنه روى عنه عشرة أنفس ووثقه يحيى بن معين وأبو داود وغيرهما. وقال النسائي: "ليس به بأس". وكذا قال أحمد وزاد "ما أحسن رواية يزيد عنه" وقال الدارقطني: "تكلموا فيه وهو ثقة عندي"1. قلت لم أر للمتقدمين2 فيه كلاما سوى لابن سعد/ (ي104) وهو محجوج بما تقدم. - والله أعلم -. وللمتن شواهد تدل على صحته. فإن قيل: إنما حكم عليه بالوضع نظرا إلى لفظ المتن وكون/ (?61/أ) ظاهره مخالفا للقواعد. قلنا: ليست هذه وظيفة المحدث3، وعلى التنزل، فالجواب عنه أنه من جملة الأحاديث التي سيقت في معنى الزجر الشديد والتغليظ ولفظ البراءة وإن كان مستشكلا فقد صحت بمثله أحاديث أخر. ففي صحيح مسلم من حديث أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "أنا بريء ممن سلق وحلق وخرق" 4. فمهما أجيب عنه فهو جوابنا.
2- ومنها حديث عمر - رضي الله تعالى عنه -: "ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد ... " الحديث. رواه أحمد قال: حدثنا أبو المغيرة1، ثنا إسماعيل بن عياش ثنا الأوزاعي وغيره عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه - قال: ولد لأخي أم سلمة - رضي الله عنها - زوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: "سميتموه بأسماء فراعنتكم؟ ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد لهو شر على2 هذه الأمة من فرعون لقومه"3. ورجال إسناده ثقات، وإسماعيل بن عياش، صدوق؛ إنما تكلموا4 في/ (ر58/أ) حديثه عن غير الشاميين، ولم يعله ابن الجوزي5 إلا بقول ابن حبان: "هذا خبر باطل، ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ولا عمر - رضي الله عنه - ولا سعيد ولا الزهري حدث به ولا هو من حديث الأوزاعي [قال] 6: وكان إسماعيل من الحفاظ المتقنين في حداثته، فلما كبر تغير حفظه
فما حفظه في/ (ب124) صباه حدث به على جهته، وما حفظ به1 على الكبر من حديث الغرباء خلط فيه2. قلت: وليس هذا الحديث مما حفظه إسماعيل من حديث الغرباء بل هو من حديثه عن الشاميين/ (?61/ب) وقد قال جمع من الأئمة: إن حديث إسماعيل عن الشاميين قوي وصحح الترمذي3 وغيره من/ (ي105) ذلك عدة أحاديث. على أنه لم ينفرد بهذا. فقد رواه يعقوب بن سفيان في تاريخه4 عن محمد بن خالد بن العباس السكسكي5 قال: ثنا الوليد بن مسلم. ثنا أبو عمرو الأوزاعي، فذكره إلا أنه لم يذكر عمر في إسناده. وزاد قال الأوزاعي: فكانوا يرون أنه الوليد بن عبد الملك، ثم رأينا أنه الوليد بن يزيد لفتنة الناس به حين خرجوا عليه فقاتلوه، فانفتحت الفتن على الأمة والهرج.
قلت: وتابع الوليد على إرساله بشر بن بكر1، أخرجه البيهقي في الدلائل عن الحاكم وغيره عن أبي العباس (وهو الأصم) 2 عن سعيد بن عثمان التنوخي3 عن (بشر بن بكر) 4 قال حدثني الزهري فذكره وزاد في المتن غيروا اسمه فسموه عبد الله. وزاد - أيضا - أنه ولد لأخي أم سلمة - رضي الله عنها - من أمها. قال البيهقي: "هذا مرسل حسن" وهو كما قال، بل هو على شرط الصحيح لولا إرساله. وكذا أرسله معمر عن الزهري بسنده في الجزء الثاني من أمالي عبد الرزاق عن معمر5.
فبان بهذا أن قول ابن حبان: "إن ابن المسيب ما حدث به قط ولا ابن شهاب ما حدث به - أيضا - ولا الأوزاعي" لا يخلو من مجازفة. وقد صرحت (رواية بشر بن بكر) 1 بسماع الأوزاعي له من الزهري فأمن ما يخشى/ (ب125) من أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية2. على أن الأوزاعي لم ينفرد به، فقد رواه الزبيدي عن الزهري مثله. وفي الباب عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها -. رواه ابن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء3، عن زينب بنت أم سلمة4 عن أمها - رضي الله تعالى عنها - قالت/ (?62/أ) : "دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "من هذا؟ " قلت: "الوليد". قال - صلى الله عليه وسلم -: "قد اتخذتم الوليد حنانا 5 غيروا اسمه، فإنه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد" 6.
ورواه محمد بن سلام الجمحي1 عن حماد بن سلمة فذكر نحوه منقطعا. 3- ومنها: حديث أنس - رضي الله تعالى عنه -: "ما من معمر يعمر في الإسلام/ (ي106) أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء: الجنون والجذام ... " الحديث. قال الإمام أحمد2: ثنا أنس بن عياض3، قال: ثنا يوسف بن أبي ذرة4 عن جعفر بن عمرو بن أمية5 عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: قال/ (ر58/ب) رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عن ثلاثة أنواع
من البلاء: الجنون والجذام والبرص، فإذا بلغ الخمسين لين الله عليه الحساب ... " الحديث1. ورواه أبو يعلى2 وغيره من حديث أبي ضمرة أنس بن عياض به. ورواه أحمد3 - أيضا - عن أبي النضر، عن فرج بن فضالة4 عن محمد بن عامر عن محمد بن عبد الله عن عمرو بن جعفر عن أنس - رضي الله عنه - موقوفا5. وهو معروف بيوسف بن أبي ذرة. ورواه عنه - أيضا - الحارث بن أبي الزبير النوفلي6، ويوسف ضعفه يحيى بن معين7 ولم ينفرد به. فقد رواه محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان8، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري. كما رويناه في مسند أبي يعلى9 رواية ابن المقري/ (ب126) . وفي تفسير ابن مردويه - أيضا - من طريق عبد الرحمن بن أبي الموالي عن
محمد بن موسى بن أبي عبيدة الزمعي عن محمد بن/ (?62/ب) عبد الله بن عمرو بن عثمان به. وما وقع في رواية أحمد الموقوفة عن عمرو بن جعفر وهم من فرج بن فضالة، انقلب اسمه وإنما هو جعفر بن عمرو. ولم ينفرد به جعفر بن عمرو، فقد رويناه من طريق عبد الواحد بن راشد1 وأبي طوالة عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم2 وعبيد الله بن أنس3 وزيد بن أسلم وغيرهم كلهم عن أنس - رضي الله عنه –، وفي الباب عن عثمان بن عفان وعبد الله بن أبي بكر الصديق وأبي هريرة - رضي الله عنهم -4. وأجودها إسنادا طريق زيد بن أسلم5 وقد أوردها البيهقي في كتاب
الزهد له عن الحاكم عن الأصم عن بكر بن سهل عن عبد الله بن محمد بن رمح1 عن عبد الله بن وهب عن حفص بن ميسرة عنه به. وليس في إسناده من ينظر في أمره إلا بكر بن سهل2، فقد ضعفه النسائي وقواه غيره. ولم يتهمه/ (ي107) أحد بالكذب. وقد رويناه من وجه آخر عن حفص بن ميسرة. وفي الجملة فالحكم على هذا الحديث بالوضع مردود، وقد جمعت أسانيده بطرقها وعللها في الجزء3 الذي جمعته فيما ورد في غفران ما تقدم وما تأخر من الذنوب - غفر الله ذنوبنا كلها بمنه وكرمه. 4- ومنها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في سد الأبواب إلا باب علي - رضي الله تعالى عنه - وهو في المسند من رواية الإمام أحمد، عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمرو بن أسيد4 عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - قال:
"كنا نقول في زمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير الناس ثم أبو بكر ثم عمر - رضي الله تعالى عنهما - ولقد أوتي ابن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ثلاث خصال/ (?63/أ) لأن يكون لي واحدة منهن1 أحب إلي من حمر النعم: زوجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابنته/ (ر59/أ) ، وولدت له، وسد الأبواب إلا بابه في المسجد، وأعطاه الراية يوم خيبر"2.
ورواته ثقات إلا أن هشام بن سعد1 قد ضعف من قبل حفظه وأخرج له مسلم فحديثه في رتبة الحسن لاسيما مع ما له من الشواهد وقد تبين أنه من رواية أحمد لا من رواية ابنه2. وله شاهد من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أيضا، أورده النسائي في الخصائص3 بسند صحيح عن أبي إسحاق عن العلاء بن عرار قال: قلت لعبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: أخبرني عن علي وعثمان - رضي الله تعالى عنهما - فقال: "أما علي - رضي الله عنه - فلا تسأل عنه أحدا وانظر إلى منزلته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإنه سد أبوابنا في المسجد وأقر بابه". والعلاء4 وثقه ابن معين.
ورواه ابن أبي عاصم1 من2 طريق عبيد الله بن عمرو3 عن زيد بن أبي أنيسة4 عن أبي إسحاق سألت ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكره. وأما حديث سعد بن مالك في ذلك فهو من رواية أحمد5 أيضا لا من رواية ابنه، وإسناده حسن - أيضا -.
وأما ادعاء ابن الجوزي أنهما من وضع الرافضة1، فكلامه في/ (ي108) ذلك دعوة عرية عن البرهان. وقد أخرج النسائي في خصائص2 علي - رضي الله عنه - حديث سعد - رضي الله عنه -، وأخرج فيه أيضا حديث زيد بن أرقم - رضي الله عنه - بإسناد صحيح3.
قلت وأخرج أيضا من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي - رضي الله عنه - قال: فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره، في حديث طويل وقد أخرج أحمد في مسنده أيضا هذين الحديثين1. وكذا أخرجهما الترمذي2، لكنه قال حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - بعد أن أخرجه عن محمد بن حميد3 عن إبراهيم بن المختار4 عن شعبة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون عنه: غريب لا نعرفه عن شعبة إلا من هذا الوجه.
وتعقبه الحافظ الضياء في المختارة بأن الحاكم1 والطبراني روياه من طريق مسكين بن بكير عن شعبة وهي أصح2 من طريق الترمذي، ورواية أحمد هي من طريق أبي عوانة عن أبي بلج. وأبو بلج3 وثقه يحيى بن معين وأبو حاتم. وقال البخاري فيه نظر. انتهى. والحديث الذي أشار إليه من رواية الحاكم رويناه أيضا ... في المجلس الرابع من أمالي أبي جعفر محمد بن عمرو بن البختري4. قال ثنا أبو الأصبع القرقساني5 ثنا أبو جعفر
النفيلي1، ثنا مسكين2 بن بكير، ثنا شعبة به. ويشهد له حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد جنبا غيري وغيرك". رواه الترمذي3. ذلك / (ر59/أ) أن بيت علي - رضي الله عنه - كان مع بيوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكان يحتج إلى استطراق المسجد. وشاهد ذلك ما أخرجه إسماعيل القاضي في أحكام القرآن4 قال:
ثنا إبراهيم بن حمزة1 ثنا سفيان بن حمزة عن كثير بن زيد عن المطلب أن النبي - صلى الله عليه وسلم -- لم يكن أذن لأحد أن يمر بالمسجد ولا يجلس فيه وهو جنب إلا علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -؛ لأن بيته كان في المسجد وهذا/ (ي109) مرسل قوي. وإذا تقرر ذلك، فهذا هو السبب في استثنائه، ودعوى كون هذا المتن يعارض حديث أبي سعيد: "لا يبقين في/ (ب129) المسجد خوخة إلا سدت إلا خوخة أبي بكر" المخرج في الصحيحين2 ممنوعة. وبيانه أن الجمع ممكن؛ لأن أحدهما فيما يتعلق بالأبواب، وقد بينا سببه، والآخر فيما يتعلق بالخوخ3، ولا سبب له إلا الاختصاص المحض. فلا تعارض ولا وضع. ولو فتح الناس هذا الباب لرد الأحاديث لادعي في [كثير من] 4 أحاديث الصحيحين البطلان5، ولكن يأبى الله تعالى ذلك والمؤمنون.
5- ومنها: حديث بريدة بن الحصيب في فضل مرو1. وهو حديث تفرد به حفيده سهل بن عبد الله بن بريدة2. وتكلم الناس فيه بسببه، ولا يتبين فيه صحة الحكم بالوضع. ثم إنه ليس من أحاديث الأحكام فيطلب المبالغة في التنقيب عنه.
6- وكذا حديث أنس - رضي الله عنه - "في فضل عسقلان"1 مشتمل على ترغيب في المرابطة، وليس فيه ولا [في] 2 الذي قبله ما يحيله الشرع ولا العقل. وما بقي من الجزء كله سوى حديث عائشة في قصة عبد الرحمن بن عوف3 - رضي الله تعالى عنه -، والجواب عنه ممكن، لكن كفانا المؤنة شهادة
أحمد بكونه كذباً فقد أبان علته، فلا حرج عليه في إيراده مع بيان علته ولعله مما أمر بالضرب عليه؛ لأن هذه عادته في الأحاديث التي تكون شديدة النكارة يأمر بالضرب عليها من المسند وغيره. أو يكون مما غفل عنه وذهل؛ لأن الإنسان محل السهو والنسيان والكمال لله تعالى. وإذا انتهى القول إلى هذا المقام ينبغي أن ينشد هذا الإمام/ (?64/ب) شخص الأنام إلى كمالك فاستعذ من شر أعينهم بعيب واحد وقد روينا عن العلامة تقي الدين ابن تيمية قال: "ليس في المسند عن الكذابين المتعمدين شيء/ (ي109) بل ليس فيه من الدعاة إلى البدع شيء، فإن أريد بالموضوع، ما يتعمد صاحبه الكذب، فأحمد لا يعتمد رواية هؤلاء في "المسند" ومتى وقع منه شيء فيه ذهول أمر بالضرب عليه حال القراءة. وإن أريد بالموضوع ما يستدل1 على بطلانه/ (ر60/أ) بدليل منفصل فيجوز2 والله أعلم. قلت ما حررنا من الكلام على الأحاديث المتقدمة يؤيد صحة هذا التفصيل ولله الحمد. وقد تحرر من مجموع [ما ذكر] 3 أن المسند مشتمل على أنواع الحديث لكنه مع مزيد انتقاء وتحرير بالنسبة إلى غيره من الكتب التي لم يلتزم الصحة في جميعها - والله أعلم -.
40- قوله (ص) 1: "السابع: قولهم2: هذا حديث صحيح الإسناد دون قولهم حديث صحيح؛ لأنه قد يقال: صحيح الإسناد ولا يصح [أي] 3 المتن لكونه أي الإسناد شاذا أو معللا ... قال: غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على ذلك ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم بأنه صحيح؛ لأن عدم العلة والقادح هو الأصل". قلت: لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم بالصحة؟ وقوله: إن المصنف المعتمد إذا اقتصر ... الخ يوهم أن التفرقة التي فرقها أولا مختصة4 بغير المعتمد، وهو كلام ينبو5 عنه السمع؛ لأن المعتمد هو قول المعتمد وغير المعتمد لا يعتمد. والذي يظهر لي أن الصواب التفرقة بين/ (?65/أ) من يفرق في وصفه الحديث بالصحة بين التقييد والإطلاق وبين من لا يفرق. فمن عرف من حاله بالاستقراء6 التفرقة يحكم له بمقتضى ذلك ويحمل إطلاقه على الإسناد والمتن معا/ (ي110) وتقييده على الإسناد فقط، ومن عرف من حاله أنه لا يصف الحديث دائما وغالبا إلا بالتقييد فيحتمل أن يقال في حقه ما قال المصنف آخرا. والله أعلم.
41- قوله (ص) : "الثامن في قول الترمذي وغيره"1. عنى بالغير البخاري فقد وقع ذلك في كلامه. 27- قوله (ع) : "ورد ابن دقيق العيد الجواب الثاني". (يعني قوله أنه غير مستنكر أن بعض من قال ذلك أراد معناه اللغوي) بأنه يلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ بأنه حسن. وذلك لا يقوله أحد من المحدثين إذا جروا على اصطلاحهم2 ... إلى آخر الفصل. قلت: وهذا الإلزام3 عجيب؛ لأن ابن الصلاح إنما فرض المسألة حيث يقول القائل حسن صحيح، فحكمه عليه بالصحة يمتنع معه أن يكون موضوعا. وأما قول الشيخ بعد ذلك: "أن بعض المحدثين أطلق الحسن وأراد به معناه اللغوي دون الاصطلاحي". ثم أورد الحديث الذي ذكره/ (ر60/ب) ابن عبد البر ... إلى آخر كلامه4 عليه وهو عجيب، فإن ابن دقيق العيد قد/ (ب132) قيد كلامه بقوله إذا جروا على اصطلاحهم، وهنا لم يجر ابن عبد البر في ذلك الحكم على اصطلاح المحدثين باعترافه بعدم قوة إسناده، فكيف يحسن التعقب5 بذلك على ابن دقيق العيد.
وأما قول ابن المواق1: "إن الترمذي لم يخص الحسن بصفة تميزه عن الصحيح" وما اعترض به أبو الفتح اليعمري2 من/ (?65/ب) أنه اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه ولم يشترط ذلك في الصحيح. قلت: وهو تعقب وارد [ورد] 3 واضح على زاعم التداخل بين النوعين وكأن ابن المواق فهم التداخل من قول الترمذي: "وأن يكون راويه متهما بالكذب". وذلك ليس بلازم للتداخل فإن الصحيح لا يشترط فيه أن لا يكون متهما بالكذب فقط، بل بانضمام أمر آخر وهو/ (ي111) : ثبوت العدالة والضبط بخلاف قسم الحسن الذي عرف به الترمذي. فبان التباين بينهما. وأما جواب الشيخ عماد الدين ابن كثير4 وقول شيخنا أنه تحكم لا دليل عليه. فقد استدل هو عليه فيما وجدته عنه بما حاصله: أن بين الحسن والصحة رتبة متوسطة.
فللقبول ثلاث مراتب: الصحيح أعلاها، والحسن أدناها. والثالثة ما يتشرب من كل منهما، فإن كل ما كان فيه شبه1 من شيئين ولم يتمحض لأحدهما اختص برتبة مفردة2 كقولهم للمز وهو: ما فيه حلاوة وحموضة: هذا حلو حامض. قلت لكن هذا يقتضي إثبات قسم ثالث ولا قائل به. ثم إنه يلزم عليه أن يكون في/ (ب133) كتاب الترمذي حديث صحيح إلا النادر؛ لأنه قل ما يعبر إلا بقوله حسن صحيح. وإذا أردت تحقيق ذلك، فانظر إلى ما حكم به على الأحاديث المخرجة من الصحيحين كيف يقول فيها حسن صحيح غالبا. وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإشكال بأنه باعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث، فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحا عند قوم وحسنا عند قوم يقال فيه ذلك. ويتعقب هذا/ (?66/أ) بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع فيقول: حسن وصحيح أو أتى بأو التي هي للتخيير أو التردد فقال حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى/ (ر61/أ) الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده لا بالنسبة إلى غيره، فهذا يقدح في الجواب، ويتوقف أيضا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين، فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته، فيقدح في الجواب - أيضا - لكن لو سلم هذا
الجواب من التعقيب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لأميل إليه وأرتضيه1. والجواب عما يرد عليه ممكن والله أعلم. وقيل: يجوز أن يكون مراده أن ذلك باعتبار وصفين مختلفين وهما الإسناد والحكم، فيجوز أن يكون قوله حسن أي باعتبار إسناده، صحيح أي باعتبار حكمه2، لأنه قبيل المقبول يجوز أن يطلق عليه اسم الصحة. وهذا يمشي على قول من لا يفرد الحسن من الصحيح، بل يسمي الكل صحيحا، لكن يرد عليه ما أوردناه أولا من أن الترمذي أكثر من الحكم بذلك على الأحاديث الصحيحة الإسناد. واختار بعض من أدركنا أن اللفظين عنده مترادفان، ويكون إتيانه باللفظ الثاني بعد الأول على سبيل التأكيد. كما يقال صحيح ثابت أو جيد قوي أو غير ذلك. وهذا قد يقدح فيه القاعدة بأن الحمل على التأسيس خير من الحمل على التأكيد؛ لأن الأصل عدم التأكيد، لكن قد يندفع القدح بوجود القرينة الدالة على ذلك. وقد وجدنا في عبارة غير واحد كالدارقطني: هذا حديث صحيح ثابت. وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن/ (?66/ب) دقيق العيد3، والله أعلم.
42- قوله (ص) : "من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن"1. هذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح، وهو قوله: "الحديث ينقسم عند أهله إلى صحيح وحسن وضعيف"2. 43- قوله (ص) : "وهو الظاهر من تصرف الحاكم، وإليه يومئ في تسميته كتاب الترمذي بالجامع الصحيح"3. إنما جعله يومئ إليه؛ لأن ذلك مقتضاه، وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيه هو الصحيح والحسن أكثر من المردود، فحكم للجميع بالصحة بمقتضى الغلبة. فلو كان ممن يرى التفرقة بين/ (ي113) الصحيح والحسن لكان في حكمه ذلك مخالفا للواقع؛ لأن الصحيح الذي فيه أقل من مجموع الحسن والضعيف/ (ب135) فلا يعتذر عنه بأنه أراد الغالب، فاقتضى توجيه كلامه أن يقال: إنه لا يرى (ر61/ب) التفرقة بين الصحيح والحسن، ليصح ما ادعاه من التسمية. وقد وجدت في "المستدرك" له إثر حديث أخرجه قال: "أخرجه أبو داود في كتاب السنن الذي هو صحيح على شرطه".
وهذا أيضا محمول على أنه أراد به عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، ولم يعتبر الضعيف1 الذي فيه لقلته بالنسبة إلى النوعين. ومن هنا أجاب بعض المتأخرين عن الإشكال الماضي وهو قول الترمذي "حسن صحيح"، أنه أراد حسن على طريقة من يفرق بين النوعين لقصور رتبة راويه عن درجة الصحة المصطلحة، صحيح على طريقة من لا يفرق. ويرد عليه ما أوردناه فيما سبق2. [أكثر أهل الحديث لا يفرقون بين الحسن والصحيح:] واعلم أن أكثر أهل الحديث لا يفردون الحسن من الصحيح، فمن ذلك ما رويناه عن الحميدي شيخ البخاري قال: "الحديث/ (?67/أ) الذي ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وهو) 3 أن يكون متصلا غير مقطوع معروف الرجال"4. وروينا عن محمد بن يحيى الذهلي قال: "ولا يجوز الاحتجاج إلا بالحديث المتصل غير المنقطع الذي ليس فيه رجل مجهول ولا رجل مجروح"5. فهذا التعريف يشمل الصحيح والحسن معا.
وكذا شرط ابن خزيمة1 وابن حبان2 في صحيحهما لم يتعرضا فيه لمزيد أمر آخر على ما ذكره الذهلي. 44- قوله (ص) 3: "أطلق الخطيب والسلفي4 الصحة على كتاب النسائي". قلت: وقد أطلق عليه - أيضا - اسم الصحة أبو علي النيسابوري/ (ب136) 5. وأبو أحمد بن عدي6 وأبو الحسن الدارقطني وابن منده وعبد الغني بن سعيد وأبو يعلى الخليلي وغيرهم. وأطلق الحاكم اسم الصحة عليه وعلى كتابي أبي داود والترمذي7 كما سبق.
وقال أبو/ (ي114) عبد الله بن مندة: "الذين خرجوا الصحيح أربعة: البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي". وأشار إلى مثل ذلك أبو علي ابن السكن1. وما حكاه ابن الصلاح2 عن الباوردي أن النسائي يخرج أحاديث من لم يجمع على تركه، فإنما أراد بذلك إجماعا خاصا. [طبقات النقاد:] وذلك أن كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط. فمن الأولى: شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه. ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد من عبد الرحمن. ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد، ويحيى أشد من أحمد. ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري، وأبو حاتم أشد من البخاري. وقال النسائي: "لا يترك الرجل عندي حتى يجتمع الجميع على تركه". فأما إذا وثقه ابن مهدي وضعفه يحيى القطان/ (ر62/أ) مثلا/ (?67/ب) فإنه لا يترك لما عرف من تشديد يحيى ومن هو مثله في النقد. وإذا تقرر ذلك ظهر أن الذي يتبادر إلى الذهن من أن مذهب النسائي في الرجال مذهب متسع ليس كذلك، فكم من رجل أخرج له أبو داود والترمذي تجنب النسائي إخراج حديثه. كالرجال الذين ذكرنا قبل أن أبا داود
يخرج أحاديثهم1 وأمثال من ذكرنا، بل تجنب النسائي إخراج حديث جماعة من رجال الصحيحين. وحكى أبو الفضل بن طاهر/ (ب137) قال: "سألت سعد بن علي الزنجاني2 عن رجل فوثقه فقلت له: إن النسائي لم يحتج به فقال: يا بني! إن لأبي عبد الرحمن شرط في الرجال شرط أشد من شرط البخاري ومسلم"3. وقال أبو بكر البرقاني الحافظ في جزء له معروف: "هذه أسماء رجال تكلم فيهم النسائي ممن أخرج له الشيخان في صحيحيهما سألت عنهم أبا الحسن الدارقطني فدون كلامه في ذلك" قال أحمد بن محجوب الرملي: "سمعت النسائي يقول: لما عزمت على جمع السنن استخرت الله تعالى في الرواية عن شيوخ كان في القلب منهم بعض الشيء، فوقعت الخيرة على تركهم فنزلت في جملة من الحديث كنت/ (ي115) أعلو فيها عنهم"4. وقال الحافظ أبو طالب أحمد بن نصر5 شيخ الدارقطني: "من يصبر على ما يصبر عليه النسائي؟ كان عنده حديث ابن لهيعة ترجمة ترجمة فما حدث منها بشيء"6.
قلت وكان عنده عاليا عن قتيبة1 عنه ولم يحدث به لا في السنن ولا في غيرها. وقال محمد بن معاوية الأحمر2 الراوي عن النسائي ما معناه قال النسائي: "كتاب السنن كله صحيح وبعضه معلول" إلا أنه لم يبين علته والمنتخب منه المسمى بالمجتبى صحيح/ (?68/أ) كله. وقال أبو الحسن المعافري3: "إذا نظرت إلى ما يخرجه أهل الحديث فما خرجه النسائي أقرب إلى الصحة مما خرجه غيره". وقال ابن رشيد4: "كتاب النسائي أبدع الكتب المصنفة في السنن تصنيفا وأحسنها ترصيفا5 وكأن كتابه جامع بين طريقتي البخاري ومسلم مع حظ كبير من بيان العلل"6. وفي الجملة فكتاب النسائي أقل الكتب بعد الصحيحين (حديثا) 7 ضعيفا ورجلا مجروحا، ويقاربه كتاب أبي داود وكتاب الترمذي ويقابله في
الطرف الآخر كتاب ابن ماجه فإنه تفرد فيه1 بإخراج أحاديث عن رجال متهمين بالكذب وسرقة الأحاديث وبعض تلك الأحاديث لا تعرف إلا من جهتهم مثل حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك2 والعلاء بن زيدل3 وداود بن المحبر4 وعبد الوهاب بن الضحاك5 وإسماعيل بن زياد السكوني6 وعبد السلام بن أبي الجنوب7 وغيرهم.
وأما ما حكاه ابن طاهر عن أبي زرعة الرازي أنه نظر فيه1 فقال لعل لا يكون فيه تمام ثلاثين حديثا مما فيه ضعف2. فهي حكاية لا تصح لانقطاع إسنادها3، وإن كانت محفوظة فلعله أراد ما فيه من الأحاديث الساقطة إلى الغاية أو كان ما رأى من الكتاب إلا جزءا منه فيه هذا القدر. وقد حكم أبو زرعة على أحاديث كثيرة منه بكونها باطلة أو ساقطة أو منكرة، ذلك محكي في/ (ي116) كتاب العلل لابن أبي حاتم وكان الحافظ صلاح الدين العلائي يقول: "ينبغي أن يعد كتاب الدارمي سادسا للكتب الخمسة بدل كتاب ابن ماجه فإن قليل الرجال الضعفاء نادر الأحاديث المنكرة والشاذة وإن كانت فيه أحاديث مرسلة وموقوفة فهو/ (?68/ب) مع ذلك أولى من كتاب ابن ماجه. قلت: وبعض أهل العلم لا يعد السادس إلا الموطأ؛ كما صنع رزين السرقسطي4 وتبعه المجد ابن الأثير5 في جامع الأصول.
[أول من أضاف ابن ماجه إلى الأصول:] وكذا غيره. وحكى ابن عساكر1 أن أول من أضاف كتاب ابن ماجه إلى الأصول أبو الفضل ابن طاهر، وهو كما قال؛ فإنه عمل أطرافه معها وصنف جزء آخر في شروط الأئمة الستة فعده منهم، ثم عمل الحافظ عبد الغني2 كتاب الكمال في أسماء الرجال الذي هذبه الحافظ أبو الحجاج المزي فذكره فيهم. وإنما عدل ابن طاهر ومن تبعه عن عد الموطأ إلى عد ابن ماجه لكون زيادات الموطأ على الكتب الخمسة من الأحاديث المرفوعة يسيرة جدا بخلاف ابن ماجه، فإن زياداته أضعاف زيادات الموطأ فأرادوا بضمّ كتاب ابن ماجه الخمسة تكثير الأحاديث المرفوعة والله أعلم. ومن هنا يتبين ضعف طريقة من صنف في الأحكام بحذف الأسانيد المذكورة، كأبي البركات ابن تيمية3، فإنهم يخرجون الحديث منها ويعزونه إليها من غير بيان صحته أو ضعفه. وأعجب من ذلك أن الحديث يكون في الترمذي وقد ذكر علته فيخرجونه
منه مقتصرين على قولهم رواه الترمذي، معرضين عما ذكر من علته. وقد تبع أبو الحسن ابن القطان1 الأحاديث التي/ (ر63/أ) سكت عبد الحق2 في أحكامه عن ذكر عللها بما فيه مقنع. وهو وإن كان قد تعنت في كثير منه فهو مع ذلك جم الفائدة والله سبحانه الموفق. 28- قوله (ع) / (ي117) : "وإنما قال السلفي: "والحكم بصحة أصولها ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحا"3. قلت:/ (?69/أ) وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله لكلام السلفي وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه من الإنكار ليس بجيد إذ العبارتان جميعا موجودتان في الكلام السلفي، لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا سابق"4. ثم عاد السلفي وقال: "ما نقله ابن الصلاح عنه بزيادة"، ولفظه "وأما السنن" فكتاب له صدر في الآفاق ولا نرى مثله على الإطلاق وهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب والمخالفين5 لهم كالمتخلفين عنهم بدار الحرب إذ كل من رد ما صح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يتلقه بالقبول قد ضل وغوى إذ كان - صلى الله عليه وسلم - لا ينطق عن الهوى6.
وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم1. وقد سبق إلى نحو ذلك الشيخ محي الدين فقال إثر كلام السلفي: "مراده بهذا أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به أي صالح لأن يحتج به لئلا يرد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة والله أعلم. تنبيه: السلفي بكسر السين نسبة إلى جده وهو لقب له. قال منصور بن سليم الحافظ2: "كانت إحدى شفتيه عريضة مفروقة فكان له ثلاث شفاه، فقيل له بالفارسية "سي لبه" أي ثلاث شفات3، ثم عرب فقيل له: سلفة. ووهم أبو محمد بن حوط الله4 وهما شنيعا فقال في فهرسته: هو منسوب إلى سلفة قرية من قرى أصبهان". وكذا رأيته في فهرست ابن باشكوال5 نقلا عن بعض مشايخه رحمه الله عليهم.
خاتمة: للكلام على الحديث الصحيح والحسن. قد قررنا أنهما في حيز القبول، وقد وجدنا في عبارة جماعة من أهل/ (?69/ب) الحديث ألفاظا يوردونها في مقام القبول ينبغي الكلام عليها وهي: الثابت والجيد والقوي والمقبول والصالح وسنستوفي الكلام على/ (ي118) هذه الأنواع في آخر الكتاب إن شاء الله كما وعدنا في الخطبة -والله أعلم -1.
النوع الثالث: الضعيف
النوع الثالث: الضعيف / (ر63/ب) 45- قوله (ص) : "كل حديث لم تجتمع فيه صفات الحديث الصحيح ولا صفات الحسن فهو الضعيف"1. اعترض عليه بأنه لو اقتصر على نفي صفات الحسن لكان أخصر؛ لأن نفي صفات الحسن مستلزم لنفي2 صفات الصحيح وزيادة، وأجاب بعض من عاصرناه3 بأن مقام التعريف يقتضي ذلك؛ إذ4 لا يلزم من عدم وجود وصف الحسن عدم وجود وصف الصحيح؛ إذ الصحيح بشرطه السابق لا يسمى حسنا، فالترديد متعين، قال: ونظيره قول النحوي إذا عرف الحرف بعد تعريف الاسم والفعل: الحرف ما لا يقبل شيئا من علامات الاسم ولا علامات الفعل. انتهى. وأقول: والتنظير5 غير مطابق؛ لأنه ليس بين الاسم والفعل والحرف عموم ولا خصوص بخلاف الصحيح والحسن، فقد قررنا فيما مضى أن بينهما عموما وخصوصا، وأنه يمكن اجتماعهما وانفراد كل منهما بخلاف الاسم والفعل والحرف.
والحق أن كلام المصنف معترض؛ وذلك أن كلامه يعطي أن الحديث حيث ينعدم فيه صفة من صفات الصحيح يسمى ضعيفا، وليس كذلك؛ لأن تمام الضبط مثلا إذا تخلف صدق أن صفات الصحيح لم تجتمع، ويسمى الحديث الذي اجتمعت فيه الصفات سواه حسنا لا ضعيفا. [تعريف الحافظ للضعيف:] وما/ (?70/أ) من صفة من صفات الحسن إلا وهي إذا انعدمت كان الحديث ضعيفا، ولو عبر بقوله: [كل] 1 حديث لم تجتمع فيه صفات القبول لكان أسلم من الاعتراض وأخصر - والله أعلم -. 46- قوله (ص) : "وأطنب أبو حاتم ابن حبان في تقسيمه ... " إلى آخره2. أقول: لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك. وتجاسر بعض من عاصرناه فقال: هو في أول كتابه في الضعفاء ولم يصب ذلك، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة كتاب الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة/ (ي119) لتضعيف الرواة، لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم أنه أبلغ الأسباب المذكورة عشرين قسما3 لا تسعة وأربعين، والحاصل (أن الموضع) 4 الذي ذكر ابن حبان فيه ذلك ما عرفنا مظنته والله الموفق. 47- قوله (ص) : " وسبيل من أراد البسط أن يعمد إلى صفة/ (ب143) معينة ... " إلى آخره5.
أقول: شرح هذا شيخنا في شرح منظومته1، ولم يعترض له هنا فرأيت الإشارة إلى ذلك هنا. [صفات القبول:] قال - رضي الله عنه -: "صفات القبول ستة: 1- اتصال السند/ (ر67/أ) . 2- وعدالة الرجال. 3- والسلامة من كثرة الخطأ والغفلة. قلت: بل التعبير هنا باشتراط الضبط أولى. انتهى. 4- قال: ومجيء الحديث من وجه آخر حيث كان في الإسناد مستور لم تعرف أهليته وليس متهما كثير الغلط. قلت: وكذا إذا كان فيه ضعيف بسبب سوء الحفظ، أو كان في الإسناد انقطاع خفيف أو خفي، أو كان مرسلا. كما قررنا ذلك في الكلام على الحسن المجبور. انتهى. 5- قال: والسلامة من الشذوذ. 6- والسلامة من العلة القادحة". قلت: وتلخيص التقسيم المطلوب أن فقد الأوصاف راجع/ (?70) إلى ما في راويه طعن أو في سنده سقط، فالسقط إما أن يكون في أوله أو في آخره أو في
أثنائه، ويدخل تحت ذلك المرسل والمعلق والمدلس والمنقطع والمعضل، وكل واحد من هذه إذا انضم إليه وصفا من أوصاف الطعن وهي: تكذيب الراوي أو تهمته بذلك أو فحش غلطه أو مخالفته أو بدعته أو جهالة عينه أو جهالة حاله فباعتبار ذلك يخرج منه أقسام كثيرة مع الاحتراز من التداخل المفضي إلى التكرار، فإذا فقد ثلاثة أوصاف من مجموع ما ذكر حصلت منها أقسام أخرى مع الاحتراز مما ذكر، ثم إذا فقد أربعة أوصاف، فكذلك ثم كذلك إلى آخره، فكل ما عدمت فيه صفة واحدة يكون أخف مما عدمت فيه صفتان بشرط أن لا تكون الصفة المتقدمة/ (ي120) قد جبرتها صفة قوية، وهكذا إلى أن ينتهي الحديث إلى درجة الموضوع المختلق بأن تنعدم فيه شروط القبول، ويوجد فيه ما يشترط انعدامه من جميع أسباب الطعن والسقط. لكن قال شيخنا: إنه لا يلزم من ذلك ثبوت الحكم بالوضع وهو متجه، لكن مدار الحكم في الأنواع على غلبة الظن، وهي موجودة هنا - والله أعلم -. تنبيهات: الأول: قولهم ضعيف الإسناد أسهل من قولهم ضعيف. على ما تقدم في قولهم صحيح الإسناد وصحيح، ولا فرق. الثاني: من جملة صفات القبول التي لم يتعرض لها شيخنا أن يتفق العلماء على العمل بمدلول حديث، فإنه يقبل حتى يجب العمل به. وقد صرح بذلك جماعة من أئمة1 الأصول. ومن أمثلته قول الشافعي - رضي الله عنه -: "وما قلت من أنه إذا غير طعم الماء وريحه ولونه يروى عن النبي
- صلى الله عليه وسلم -من وجه لا يثبت أهل الحديث مثله1، ولكنه قول العامة لا أعلم بينهم فيه خلافا". وقال في حديث: "لا وصية لوارث": "لا يثبته أهل العلم بالحديث، ولكن العامة تلقته بالقبول وعملوا به حتى جعلوه ناسخا لآية الوصية للوارث"2. [أوهى الأسانيد:] الثالث: لم يتعرض المصنف للكلام على أوهى الأسانيد كما تكلم على أصح/ (ر64/ب) الأسانيد، مع أن الحاكم قد ذكر الفصلين معا3، وتبعه/ (ب145) أبو نعيم فيما خرجه على كتابه والأستاذ أبو منصور البغدادي، وأورده تقي الدين القشيري في الاقتراح4 وغير واحد ممن تأخر عنه5، وليس هو عريا عن
الفائدة، بل يستفاد من معرفته ترجيح بعض الأسانيد على بعض وتمييز ما يصلح للاعتبار مما لا يصلح. قال الحاكم: "أوهى أسانيد الصديق - رضي الله عنه -: صدقة الدقيقي1 عن فرقد السبخي2 عن مرة الطيب3 عن أبي بكر - رضي الله عنه -. وأوهى أسانيد العمريين: محمد بن القاسم بن عبد الله بن عمر عن حفص بن عاصم4 بن عمر5 عن أبيه6 عن جده7، فإن محمدا والقاسم وعبد الله لم يحتج بهم.
وأوهى أسانيد أهل البيت: عمرو بن شمر1 عن جابر الجعفي2 عن الحارث الأعور3 عن علي - رضي الله تعالى عنه -. (وأوهى/ (ي121) أسانيد أبي هريرة - رضي الله عنه -: السري بن إسماعيل4 عن داود بن يزيد الأودي5 عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه -) 6. وأوهى أسانيد عائشة - رضي الله تعالى عنها -: الحارث بن شبل7 عن أم النعمان عن عائشة - رضي الله عنها -. وأوهى أسانيد ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -: شريك8 عن
أبي فزارة1 عن أبي زيد2 عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه -. (وأوهى أسانيد أنس - رضي الله عنه -: داود بن المحبر بن قحذم3 عن أبيه4 عن أبان 5 عن أنس - رضي الله عنه -) 6 وأوهى أسانيد المكيين: عبد الله بن ميمون القداح7 عن شهاب بن خراش8 عن إبراهيم بن يزيد الخوزي9 عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. وأوهى أسانيد اليمانيين: حفص بن عمر العدني10 عن الحكم بن أبان11 عن عكرمة عن بن عباس - رضي الله عنهما
وأوهى أسانيد المصريين: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد1 عن أبيه2 عن جده3 عن قرة بن عبد الرحمن4 عن شيوخه. وأوهى أسانيد الشاميين: محمد بن سعيد المصلوب5، عن عبيد الله بن
زحر1 عن علي بن زيد2 عن القاسم3 عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه -. وأوهى أسانيد الخراسانيين: عبد الله بن عبد الرحمن بن مليحة4 وإبراهيم عن نهشل بن سعيد5 عن الضحاك6 عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -. قلت: وهذا7 الذي ذكره الحاكم وتبعه من ذكر عليه غالبه لا تنتهي نسخته إلى الوصف بالوضع، وإنما هو بالنسبة إلى اشتمال8 الترجمة على اثنين فأزيد من الضعفاء.
ووراء هذه التراجم نسخ كثيرة موضوعة هي أولى بإطلاق أوهى الأسانيد كنسخة أبي هدبة إبراهيم بن هدبة1 ونعيم بن سالم بن قنبر2 ودينار أبي مكيس3 وسمعان4 وغير هؤولاء من الشيوخ المتهمين بالوضع كلهم عن أنس - رضي الله تعالى عنه -. ونسخة يرويها بقية5 عن مبشر بن عبيد6 عن حجاج بن أرطاة7 عن الشيوخ ومبشر/ (65/أ) متهم بالكذب والوضع. ونسخة رواها إبراهيم بن عمرو بن بكر السكسكي8 عن أبيه9 عن
عبد العزيز بن أبي رواد1 عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنه - وإبراهيم متهم بالوضع/ (?72/أ) وأبوه/ (ي122) متروك الحديث. ونسخة رواها أبو سعيد2 أبان بن جعفر البصري أوردها كلها من حديث أبي حنيفة وهي نحو ثلاثمائة حديث، ما حدث أبو حنيفة منها بحديث، وفي سردها كثرة. ومن أراد استيفاءها فليطالع كتابي لسان الميزان3 الذي اختصرت فيه كتاب الذهبي في أحوال الرواة المتكلم فيهم وزدت فيه تحريرا وتراجم على شرطه - والله الموفق -.
48- قوله (ص) : "وهلم جرا"1. قرأت بخط أبي يعقوب النجيرمي: أن أصله مأخوذ من سوق الإبل (يعني سيروا على هينتكم لا تجهدوا أنفسكم) أخذا من الجر في السوق وهو أن تترك الإبل ترعى في السير. [إعراب هلم جرا:] أما إعرابها فقال ابن الأنباري2: في نصبه ثلاثة أوجه: الأول: هو مصدر في موضع الحال أي هلم جارين أي متأنين كقولهم: جاء عبد الله مشيا وأقبل ركضا. والثاني: هو مصدر على بابه لأن هلم جرا [بمعنى] 3 جروا جرا. والثالث: أنه منصوب على التمييز. قال: ويقال للرجل: هلم جرا وللرجلين هلما جرا وللجمع هلموا جر. والاختيار الإفراد في الجميع؛ لأن هلم ليست [فعلا] 4 تتصرف، وبه جاء القرآن في قوله تبارك وتعالى: {وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا} 5.
49- قوله (ص) 1: "والملحوظ فيما نورده (أي فيما يأتي) عموم أنواع علوم الحديث لا خصوص2 أنواع التقسيم الذي فرغنا منه الآن". وهذا جواب عن سؤال مقدر وهو أنه ذكر في أول الكتاب أن الحديث ينقسم إلى ثلاثة أقسام، ثم سمى الأقسام الثلاثة أنواعا، ثم ذكر بعد ذلك أشياء أخر سماها أنواعا، فأين صحة دعوى الحصر في الثلاثة3. والجواب: بأن هذه الأنواع التي يذكرها بعد4 الثلاثة المراد/ (?72/ب) بها أنواع علم الحديث لا أنواع أقسام الحديث. وحاصله: أن الأنواع في الحقيقة ترجع/ (ر65/ب) إلى تلك الثلاثة: منها ما يرجع إلى أحدها. ومنها ما يرجع إلى المجموع وذلك واضح - والله أعلم -.
النوع الرابع: المسند
النوع الرابع: المسند ... النوع / (ي123) الرابع: المسند 29- قوله (ع) : "وإنما حكى (يعني ابن الصلاح) كلام الخطيب، ثم قال: وأكثر ما يستعمل في ذلك ... "1 إلى آخر كلامه. أقول: مقتضاه أن يكون في السياق إدراجا، وعند التأمل يتبين أن الأمر بخلاف ذلك؛ لأن ابن الصلاح لم ينقل عبارة الخطيب بلفظها. وبيان ذلك أن الخطيب قال في الكفاية: "وصفهم للحديث بأنه مسند يريدون أن إسناده متصل بين راويه وبين من أسند عنه، إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم -"2. انتهى فذكر [هذا] 3 كله ابن الصلاح بالمعنى. وقوله: "وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -". هو معنى قول الخطيب: "إلا أن أكثر استعمالهم هذه العبارة هو فيما أسند عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة"4.
[المسند عند الخطيب:] فالحاصل أن المسند عند الخطيب ينظر فيه إلى ما يتعلق بالسند فيشترط فيه الاتصال، وإلى ما يتعلق بالمتن فلا يشترط فيه الرفع إلا من حيث الأغلب في الاستعمال، فمن لازم ذلك أن الموقوف إذا اتصل سنده يسمى مسندا، ففي الحقيقة لا فرق عند الخطيب بين المسند والمتصل إلا في غلبة الاستعمال فقط. [المرسل عند ابن عبد البر:] وأما ابن عبد البر فلا فرق عنده بين المسند والمرفوع مطلقا1 فيلزم على قوله أن يتحد المرسل والمسند2. وهو مخالف للمستفيض من عمل أئمة الحديث في مقابلتهم بين المرسل والمسند، فيقولون: "أسنده فلان وأرسله فلان". وأما الحاكم وغيره ففرقوا بين المسند والمتصل والمرفوع، بأن المرفوع ينظر إلى حال المتن مع قطع النظر عن الإسناد، فحيث/ (ب149) صح إضافته إلى النبي- صلى الله عليه وسلم -كان مرفوعا سواء اتصل سنده أم لا. ومقابله المتصل؛ فإنه ينظر إلى حال السند مع قطع النظر عن المتن سواء كان مرفوعا أو موقوفا.
وأما المسند فينظر فيه/ (ي124) إلى الحالين معا، فيجتمع شرطا1 الاتصال والرفع، فيكون بينه وبين كل من الرفع والاتصال عموم وخصوص مطلق، فكل مسند مرفوع وكل مسند متصل ولا عكس فيهما. على هذا رأي الحاكم وبه جزم أبو عمرو الداني2، وأبو الحسن ابن الحصار3 في (المدارك) له والشيخ تقي الدين في الاقتراح والذي يظهر لي بالاستقراء من كلام أئمة الحديث وتصرفهم أن المسند عندهم ما أضافه من سمع النبي- صلى الله عليه وسلم -[إليه] 4 بسند ظاهره الاتصال. [تعريف المسند:] فمن سمع أعم من أن يكون صحابيا أو تحمل كفره وأسلم بعد النبي - صلى الله عليه وسلم -. [لكنه يخرج] 5 من لم يسمع كالمرسل (والمعضل) 6.
وبسند يخرج ما كان بلا سند. كقول القائل من المصنفين قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -فإن هذا من قبيل المعلق، وظهور الاتصال يخرج المنقطع، لكن يدخل منه ما فيه انقطاع خفي كعنعنة المدلس والنوع المسمى بالمرسل الخفي فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يسمى مسندا ومن تأمل مصنفات الأئمة في المسانيد لم يرها تخرج عن اعتبار هذه الأمور. وقد راجعت كلام الحاكم بعد هذا فوجدت/ (?73/ب) عبارته: "والمسند ما رواه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه (لسن يحتمله) 1 وكذا سماع شيخه من شيخه متصلا إلى صحابي [مشهور] 2 إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -3، فلم يشترط حقيقة الاتصال4 بل اكتفى بظهور ذلك. كما قلته تفقها، والحمد لله. وبهذا يتبين الفرق بين الأنواع وتحصل السلامة من تداخلها واتحادها إذ الأصل عدم الترادف والاشتراك، والله أعلم5. وأمثلة هذا في تصرفهم كثيرة من ذلك: قل ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن خالد بن كثير يروي عن النبي صلى
الله عليه وسلم؟ " فقال: "ليست له صحبة". قال: فقلت: "إن أحمد بن سنان أخرج حديثه في المسند". فقال [أبي] 1: "خالد بن كثير من أتباع التابعين، فكيف يخرج حديثه في المسند؟ ". وقال البيهقي عقب حديث رواه من طريق عبد الرزاق عن ابن عن عطاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - – "هذا حديث غير مسند".
النوع الخامس: المتصل
النوع الخامس: المتصل 50- قوله (ص) : "ويقال له: الموصول"1. قلت: ويقال له المؤتصل - بالفك والهمز -. وهي عبارة الشافعي في الأم في مواضع2. وقال ابن الحاجب في التصريف له: "هي لغة الشافعي وهي عبارة عن ما سمعه كل راو من شيخه في سياق الإسناد من أوله إلى منتهاه". فهو أعم من المرفوع، كما قررناه وسيأتي شرح صيغ ذلك إن شاء الله تعالى. تنبيه: اعلم أن الشيخ أول ما ذكر ما ينظر فيه إلى الإسناد والمتن معا وهو المسند، ثم تلاه بما ينظر فيه/ (ر66/ب) إلى الإسناد فقط وهو الاتصال فكان ينبغي أن يتلوه بما ينظر فيه إلى الإسناد فقط أيضا وهو الانقطاع، ولكنه كما قلنا غير مرة إنه لم يراعي فيه تحسين/ (ب151) الترتيب.
النوع السادس: المرفوع
النوع السادس: المرفوع 51- قوله (ص) 1: "هو والمسند عند قوم سواء". يعني ابن عبد البر كما تقدم في الكلام على المسند فكان ينبغي أن يذكر نظير هذا في المتصل ولا فرق. 52- قوله (ص) 2: حكاية عن الخطيب: "المرفوع: ما أخبر في الصحابي عن قول النبي- صلى الله عليه وسلم -وفعله3" فخصه بالصحابة - رضي الله عنهم -، فيخرج عنه مرسل التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قلت: يجوز أن يكون الخطيب أورد ذلك على سبيل المثال لا على سبيل التقييد فلا يخرج عنه شيء، وعلى تقدير أن يكون أراد جعل ذلك قيدا فالذي يخرج عنه أعم من مرسل التابعي، بل يكون كل ما أضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يسمى مرفوعا إلا إذا ذكر فيه الصحابي - رضي الله عنه -. والحق خلاف ذلك بل الرفع كما قررناه إنما ينظر فيه إلى المتن دون الإسناد، - والله أعلم -.
النوع السابع: الموقوف
النوع السابع: الموقوف 53- قوله/ (ي126) (ص) : "وهو ما يروى عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - من أقوالهم وأفعالهم"1. أما أقوالهم فالمراد به هنا ما خلت2 عن قرينة تدل على أن حكم ذلك الرفع كما سيأتي. وأما أفعالهم المجردة فهل تكون أحكاما عند من يحتج بقول الصحابي - رضي الله عنه - أم لا؟ فيه نظر، ثم إنه سكت عما يعمل أو يقال بحضرتهم فلا ينكرونه والحكم فيه أنه إذا نقل في مثل ذلك حضور أهل الإجماع فيكون نقلا للإجماع، وإن لم يكن فإن خلا عن سبب مانع من/ (ب152) السكوت والإنكار فحكمه حكم الموقوف، والله أعلم. تنبيه: شرط الحاكم3 في الموقوف أن يكون إسناده غير منقطع إلى الصحابي - رضي الله عنه -/ (?74/ب) وهو شرط لم يوافقه عليه أحد والله أعلم.
54- قوله (ص) : "وموجود في اصطلاح الفقهاء الخرسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر"1. [ما المراد بالأثر:] هذا قد وجد في عبارة الشافعي - رضي الله عنه - في مواضع2. والأثر في الأصل العلامة والبقية والرواية ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معا3. ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه (تهذيب الآثار) وهو مقصور/ (ر67/أ) على المرفوعات وإنما يورد فيه الموقوفات تبعا. وأما كتاب (شرح معاني الآثار) للطحاوي فمشتمل على المرفوع والموقوف - أيضا - والله تعالى الموفق.
النوع الثامن: المقطوع
المجلد الثاني تابع الباب الرابع (النص المحقق) النوع الثامن: المقطوع ... النوع الثامن: المقطوع 55- قوله (ص) : "يقال- في جمعه -: المقاطيع والمقاطع"1. (يعني كالمسانيد والمساند) . والمنقول عن جمهور البصريين من النحاة إثبات الياء جزما وعن الكوفيين والجرمي من البصريين تجويز إسقاطها واختاره ابن مالك. وذكر الخطيب أن الفائدة في كتابة المقاطيع ليختير المجتهد من أقوالهم ولا يخرج عن جملتهم - والله أعلم -. 56- قوله (ص) : "وغيرهما"2 عنى به الدارقطني والحميدي. فقد وجد التعبير في كلاهما بالمقطوع/ (ي127) في مقام المنقطع3. وأفاد شيخنا في منظومته 4 أنه وجد التعبير بالمنقطع (في كلام البرديجي) 5 في مقام المقطوع على عكس الأول، وسيأتي نقل المصنف لذلك مبها لقائله - والله أعلم -.
57- قوله (ص) : "قول الصحابي - رضي الله عنه -: كنا نفعل"1 إلى آخره. حاصل كلام حكاية قولين: أحدهما: أنه موقفا جزما. وثانيهما: التفصيل بين أن يضيفه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - فيكون/ (?75/أ) مرفوعا. وبه صرح الجمهور 2 ويدل عليه احتجاج أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي فقال: "كنا نعزل والقرآن ينزل لو كان شيء ينهى عنه لنهى عنه القرآن"3. وهو الاستدلال واضح، لأن الزمان كان زمان التشريع. وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف. [مذاهب العلماء في قول الصحابي كنا نفعل كذا:] وأهمل المصنف مذاهب: الأول: أنه مرفوع مطلقا وقد حكاه شيخنا 4 وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما وأكثر منه البخاري.
الثاني: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يخفى غالبا فيكون مرفوعا أو يخفى فيكون موقوفا. وبه 1 قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازي 2. وزاد ابن السمعاني في كتب القواطع 3 فقال: "إذا قال الصحابي: كانوا يفعلون كذا وأضافه إلى عصر النبي - صلى الله عليه وسلم - وكان مما لا يخفى مثله، فيحمل على تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - ويكونا شرعا". وإن كان مثله يخفى فإن تكرر منهم حمل أيضا - على تقريره لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى - والله أعلم -. الثالث: إن أورده الصحابي في معرض الحجة حمل على الرفع وإلا فموقوف حكاه القرطبي 4. قلت: وينقدح أن يقال إن كان قائل "كنا نفعل"/ (ب154) أهل الاجتهاد احتمل أن يكون موقوفا وإلا فهو مرفوعا ولم أر من صرح بنقله. قلت: ومع كونه موقوفا فهل هو من قبيل نقل الإجماع أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول جزم بعضهم بأنه إن كان في اللفظ ما يشعر به مثل: كان الناس يفعلون كذا فمن قبيل نقل الإجماع وإلا فلا.
تنبيهات: الأول: قول الصحابي - رضي الله عنه - كنا/ (ي128) نرى كذا - ينقدح فيها1 من الاحتمال أكثر مما ينقدح في قوله/ (?75/ب) كنا نقول أو نفعل لأنها2 من الرأي ومستنده قد يكون تنصيصا 3 أو استنباطا. الثاني: قوله: كان يقال: كذا. قال الحافظ المنذري: اختلفوا هل يلتحق بالمرفوع أو الموقوف؟ قال: والجمهور على أنه إذا أضافه إلى زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون مرفوعا. قلت: ومما يؤيد أن حكمها الرفع مطلقا ما رواه النسائي 4 من حديث عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال: "كان يقال: صائم رمضان في السفر كالمفطر في الحضر". فإن5 ابن ماجه 6 رواه من الوجه الذي أخرجه منه النسائي بلفظ "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -".
فدل على أنها عندهم من صيغ الرفع - والله أعلم -. الثالث: لا يختص جميع ما تقدم بالإثبات، بل يلتحق به النفي كقولهم: كانوا لا يفعلون كذا. ومنه قول عائشة - رضي الله عنها - "كانوا لا يقطعون اليد في الشيء التافه" - والله أعلم -. 58- قوله (ص) 1: "وذكر الخطيب نحو ذلك في جامعه (يعني حديث المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -) كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - / (ب 155) يقرعون بابه بالأظافير". اعترض عليه مغلطاي، بأن الخطيب، إنما رواه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه. قلت: وهو اعتراض ساقط، لأن المصنف إنما قصد أن الحاكم2 والخطيب 3 ذكرا أن ذلك من قبيل الموقوف، وإن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه/ (ر 68/أ) .
وقد حقق المصنف المناط فيه بما حاصله: أن له جهتين: أ - جهة الفعل وهو صادر من الصحابة - رضي الله عنهم - فيكون موقوفا. ب - وجهة التقرير وهي مضافة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حيث أن فائدة قرع هـ 76/أبابه أنه يعلم أنه قرع. ومن لازم علمه بكونه قرع مع عدم إنكار ذلك على فاعله - التقرير على ذلك الفعل فيكون مرفوعا. لكن يخدش في كلام المصنف أنه/ (ي 129) يلزمه أن يكون جميع قسم التقرير أن يسمى موقوفا، لأن فاعله غير النبي - صلى الله عليه وسلم - قطعا وإلا فما اختصاص حديث القرع بهذا الإطلاق1؟ تنبيه: الظاهر أنهم إنما كانوا يقرعونه بالأظافير تأدبا وإجلالا.
وقيل: إن بابه لم يكن له حلق يطرق بها قاله السهيلي1. والأول أولى - والله أعلم -. 59- قوله (ص) 2: "وخالف في ذلك فريق منهم: الإسماعيلي" (يعني في كون قول الصحابي - رضي الله عنه - أمرنا بكذا ونحوه مرفوعا) . قلت: من الفريق المذكور أبو الحسن الكرخي 3 من الحنفية. وعلل ذلك بأنه متردد بين كونه مضافا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو إلى أمر القرآن أو الأمة أو بعض الأئمة أو القياس أو الاستنباط 4 وسوغ5 إضافته إلى صاحب الشرع بناء على أن القياس مأمور باتباعه/ (ب 156) من الشارع. قال: وهذه الاحتمالات تمنع كونه مرفوعا. وأجيب بأن هذه الاحتمالات بعيدة، لأن أمر الكتاب ظاهر للكل فلا يختص بمعرفته الواحد دون غيره. وعلى التقدير التنزل فهو مرفوع، لأن الصحابي وغيره إنما تلقوه من النبي - صلى الله عليه وسلم -.
وأمر الامة لا يمكن الحمل عليه لأنهم لا يأمرون أنفسهم. وبعض الأئمة إن أراد الصحابة فبعيد، لأن قوله ليس بحجة 1 على غيره منهم2. وإن أراد من الخلفاء فكذلك، لأن الصحابي في مقام تعريف الشرع بهذا الكلام فيجب/ (? 76/ب) حمله على من صدر عنه الشرع. قلت: إلا أن يكون قائل ذلك ليس مجتهدي الصحابة فيحتمل أن يريد بالأمر أحد المجتهدين/ (ر 68/ب) منهم - والله أعلم -. وأما حمله على القياس والاستنباط فبعيد، لأن قوله: أمرنا بكذا يفهم منه حقيقة الأمر (لا خصوص الأمر باتباع القياس) 3. تنبيهات: الأول: قيل: محل الخلاف في هذه المسألة فيما إذا كان قائل ذلك من الصحاية غير/ (ي 130) أبي بكر رضي الله عنه وعنهم. أما إذا قال أبو بكر رضي الله عنه فيكون مرفوعا قطعا. لأن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يأمره ولا ينهاه، لأنه تأمر بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - ووجب على غيره امتثال أمره. حكى هذا المذهب أبو السعادات ابن الأثير في مقدمة جامع الأصول 4. وهو مقبول.
الثاني: لا اختصاص لذلك بقوله: أمرنا أو نهينا. بل يلحق به ما إذا قال: أمر فلان بكذا أو نهى فلان عن 1 كذا أو أمر أو نهي بلا إضافة وكذا ب 157 مثل قول عائشة - رضي الله عنها - "كنا نؤمر بقضاء الصوم ... "2 الحديث. وأما إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - أوجب علينا كذا أو حرم علينا كذا أو أبيح لنا كذا، فهو مرفوع. ويبعد تطرق الاحتمالات المتقدمة إليه بعدا قويا جدا. الثالث: إذا قال: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكذا أو سمعته يأمر بكذا، فهو مرفوع بلا خلاف، لانتفاء الاحتمال المتقدم. لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره عن داود وبعض المتكلمين أنه لا حجة حتى ينقل لفظه لاختلاف الناس في صيغ الأمر والنهي فيحتمل أن يكون صيغة ظنها أمرا أو نهيا وليس كذلك في نفس الأمر 3. وأجيب بأن الظاهر/ (77/أ) من حال الصحابي مع عدالته ومعرفته بأوضاع اللغة أنه لا يطلق ذلك إلا فيما تحقق أنه أمر أو نهي من غير شك نفيا للتلبيس عنه بنقل ما يوجب على سامعه اعتقاد الأمر والنهي فيما ليس هو أمر ولا نهي. الرابع: نفي الخلاف المذكور عن أهل الحديث، فقال البيهقي: "لا خلاف
بين أهل النقل أن الصحابي - رضي الله عنه - إذا قال: أمرنا أو نهينا أو السنة كذا أنه يكون حديثا مسندا - والله أعلم". [قول الصحابي من السنة كذا:] 60- قوله (ص) : "وهكذا قول الصحابي - رضي الله عنه- "من السنة كذا فالأصح أنه مرفوع ... "1 إلى آخره. قال القاضي أبو الطيب: "هو ظاهر مذهب الشافعي - رضي الله عنه- لأنه/ (ي131) اجتمع على قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة بصلاة ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - على جنازة وقراءته بها وجهره". وقال: "إنما فعلت لتعلموا أنها سنة"2. وكذا جزم السمعاني بأنه مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه. وقال ابن عبد البر: "إذا أطلق الصحابي - رضي الله تعالى عنه - السنة فالمراد بها سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يضفها إلى صاحبها كقولهم: سنة العمرين". ومقابل الأصح خلاف الصيرفي 3 من الشافعية والكرخي 4 والرازي من الحنفية وابن حزم الظاهري 5. بل حكاه إمام الحرمين في البرهان عن المحققين.
وجرى عليه ابن القشريري1، وجزم ابن فورك وسليم الرازي وأبو الحسين بن القطان والصيدلاني 2 من الشافعية - بأنه الجديد من مذهب الشافعي - رضي الله عنه-. وكذا حكاه المازري في شرح البرهان. وحكوا كلهم أن الشافعي - رضي الله عنه - كان في القديم يراه مرفوعا وحكوا تردده في ذلك [في] 3 الجديد، لكن نص الشافعي - رضي الله عنه - في الأم 4 وهو من الكتب الجديدة على ذلك. فقال - في باب عدد الكفن بعد ذكر ابن عباس والضحاك بن قيس - رضي الله عنهما-: "رجلان من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم --: لا يقولون السنة إلا لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم --". وروى في الأم عن سفيان عن أي الزناد قال: سئل سعيد بن المسيب عن الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته؟ قال: يفرق بينهما. قال أبو الزناد: "فقلت: سنة؟ ". فقال سعيد: "سنة".
قال الشافعي: "الذي يشبه قول سعيد سنة أن يكون أراد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم --"1. انتهى. وحينئذ فله في الجديد قولان. وبه جزم الرافعي2. ومستندهم أن اسم السنة متردد بين سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -- وسنة غيره. كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "عليكم بسنتي وسنة ب159 الخلفاء الراشدين" 3. وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم -- أظهر لوجهين: 1-أحدهما ي 132: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى. 2-الثاني: أن السنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل. وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته. والظاهر من مقصود الصحابي - رضي الله عنه - إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى/ (ر69/ب) الأصل أولى من إسناده إلى التابع - والله أعلم-. ومما يؤيد مذهب الجمهور: ما رواه البخاري في صحيحه عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما-.
أن الحجاج 1 عام 2 نزل بابن الزبير - رضي الله عنهما - سأل عبد الله (يعني ابن عمر –رضي الله تعالى عنهما) كيف/ (78 /أ) يصنع في الموقف يوم عرفة، فقال سالم - رضي الله تعالى عنه -: "إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة يوم عرفة". فقال ابن عمر - رضي الله عنهما-: "صدق". قال الزهري: فقلت لسالم: أفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: "وهل يتبعون في ذلك (إلا سنته) 3 - صلى الله عليه وسلم -؟ "4. واستدل ابن حزم على أن قول الصحابي - رضي الله عنه -: من السنة كذا ليس بمرفوع بما في البخاري من حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -. قال: أليس حسبكم سنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - إن حبس أحدكم في الحج فطاف بالبيت وبالصفا والمروة، ثم حل من كل شيء حتى يحج قابلا فيهدي أو يصوم إن لم يجد هديا 5. قال ابن حزم: "لا خلاف بين أحد من الأمة أنه - صلى الله عليه وسلم - إذ صد عن البيت لم يطف به ولا بالصفا والمروة، بل حل حيث كان
بالحديبية، وإن هذا الذي ذكره ابن عمر - رضي الله عنه- لم يقع/ (ب 160) منه قط 1. قلت: إن أراد بأنه لم يقع من فعله، مسلم ولا يفيده وإن أراد أنه لم يقع من قوله فممنوع. وما المانع منه؟ بل دائرة أوسع من القول أو الفعل وغيرهما، وبه ينتقض استدلاله ويستمر ما كان على ما كان. تنبيهات: أحدها: إذا أضاف الصحابي - رضي الله عنه - السنة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -- فمقتضى كلام الجمهور أنه/ (ي 133) يكون مرفوعا قطعا. وفيه خلاف ابن حزم المذكور. ونقل أبو الحسين ابن القطان عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه قال: "قد يجوز أن يراد بذلك ما هو الحق من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم -- ومثل ذلك بقول عمر - رضي الله عنه - للصبي2/ (78/ب) بن معبد هديت لسنة نبيك"3 وجزم شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح 4 أنها على مراتب في احتمال الوقف قربا وبعدا.
قال: فأرفعها مثل قول ابن عباس - رضي الله عنهما-: الله أكبر سنة بأبي القاسم - صلى الله عليه وسلم -1. ودونها قول عمرو بن العاص - رضي الله عنه -: "لا تلبسوا علينا نبينا سنة - صلى الله عليه وسلم - عدة أم الولد كذا"2. ودونها قول عمر - رضي الله عنه - لعقبة بن عامر - رضي الله عنه: "أصبت السنة"3. إذ الأول أبعد احتمالا والثاني أقرب احتمالا، والثالث لا إضافة فيه. ثانيها: نفى البيهقي الخلاف، عن أهل النقل في ذلك كما تقدم قبل وسبقه إلى ذلك الحاكم فقال: في الجنائز من المستدرك4 أجمعوا على أن قول الصحابي - رضي الله عنه - سنة كذا حديث مسند.
[حكم ما ينسب الصحابي فاعله إلى الكفر والعصيان] : ثالثها: لم يتعرض ابن الصلاح إلى بيان حكم ما ينسب ر70/أالصحابي فاعله إلى الكفر أو العصيان، كقول ابن مسعود - رضي الله عنه: "من أتى عرافا أو كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول، فقد كفر بما انزل على [قلب] 1 محمد - صلى الله عليه وسلم -"2. وفي رواية: "بما أنزل الله على محمد - صلى الله عليه وسلم -". وكقول أبي هريرة - رضي الله عنه -: "ومن لم يجب الدعوة، فقد عصى الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -"3. وقوله- في الخارج من المسجد بعد الأذان: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -"4.
وقول عمار بن ياسر - رضي الله عنه -: "من صام اليوم الذي يشك فيه، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم -"1. فهذا ظاهره أن له حكم الرفع، ويحتمل أن يكون موقوفا لجواز إحالة الإثم على ما ظهر/ (79/أ) من القواعد. والأول أظهر بل حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند. وبذلك جزم الحاكم في علوم ي 134 الحديث2 والغمام فخر الدين في المحصول3. [ما يعد مسندا من تفسير الصحابي:] 61- قوله (ص) : "ما قيل من أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - مسند إنما هو في تفسير يتعلق بسبب نزول آية أو نحو ذلك"4. قلت: تبع المصنف في ذلك الخطيب، كذا قال الأستاذ أبو منصور البغدادي: "إذا اخبر الصحابي - رضي الله عنه - عن سبب وقع في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -- أو أخبر عن نزول آية له بذلك - مسند".
لكن أطلق الحاكم النقل عن البخاري ومسلم أن تفسير الصحابي - رضي الله عنه - الذي شهد الوحي والتنزيل حديث مسند1. والحق أن ضابط ما يفسره الصحابي - رضي الله عنه - إن كان مما لا مجال للاجتهاد [فيه] 2 ولا منقولا عن لسان العرب فحكمه الرفع وإلا، فلا كالأخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء وعن الأمور الآتية: كالملاحم3 والفتن والبعث وصفة الجنة والنار والأخبار عن عمل يحصل به ثواب نخصوص أو عقاب مخصوص، فهذه الأشياء لا مجال للإجتهاد [فيها] 4 فيحكم لها بالرفع. قال أبو عمرو الداني: "قد يحكى الصحابي - رضي الله عنه - قولا يوقفه، فيخرجه أهل الحديث في المسند، لامتناع أن يكون الصحابي - رضي الله عنه - قاله إلا بتوفيق. كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة ... "5.الحديث. لأن مثل هذا لا يقال: بالرأي، فيكون من جملة المسند".
وأما إذا فسر/ (79/ب) آية تتعلق بحكم شرعي فيحتمل أن يكون ذلك مستفادا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعند القواعد، فلا يجزم برقعه وكذا إذا فسر مفردا فهذا نقل عن اللسان خاصة فلا يجزم برفع وهذا التحرير الذي حررناه هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصحابي الصحيح والإمام الشافعي وأبي جعفر الطبري1 وأبي جعفر الطحأوي2 وأبي بكر ابن مردويه3 في تفسير المسند والبيهقي وابن/ (ي 135) عبد البر في آخرين. [إذا كان الصحابي ينظر في الإسرائيليات فلا يعطى حكم الرفع:] إلا أنه يستثنى من ذلك ما كان المفسر له من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم- من عرف بالنظر في الإسرائيليات، كمسلمة أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام4 وغيره. وكعبد الله بن عمرو بن العاص5.
فإنه كان حصل له في وقعة اليرموك كتب كثير من (كتب) 1 أهل الكتاب فكان يخبر بما فيها من الأمور المغيبة حتى كان بعض أصحابه ربما قال له: حدثنا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا تحدثنا عن الصحيفة، فمثل هذا لا يكون حكم ما يخبر (به) 2 من الأمور التي قدمنا ذكرها الرفع، لقوة الاحتمال - والله أعلم -. تنبيه: / (ب163) إذا ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حكما يحتاج إلى شرح، فشرحه الصحابي - رضي الله عنه - سواء كان من روايته أو من3 رواية غيره هل يكون ذلك مرفوعا أم لا؟ ذهب الحاكم إلى أنه مرفوع، فقال: (عقب) 4 حديث أورده عن عائشة - رضي الله عنها - في تفسير التميمة: "هذا ليس بموقوف، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد ذكر التميمة في أحاديث كثيرة، فإذا فسرتها عائشة - رضي الله عنها- كان ذلك حديثا مسندا"5.
والتحقيق أنه لا يجزم بكون جميع ذلك يحكم برفعه. بل الاحتمال فيه واقع، فيحكم برفع ما قامت القرائن الدالة على رفعه وإلا فلا/ (80/أ) - والله أعلم -. وهكذا إذا كان للفظ معنيان فحمله الصحابي - رضي الله عنه - على أحدهما كتفسير ابن عمر- رضي الله عنه - التفرق بالأبدان1 دون الأقوال. وقال القاضي أبو الطيب: "يجب قبوله على المذهب". وكذا حمل عمر - رضي الله عنه - قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الذهب بالذهب ربا إلا هاء وهاء"2 على القبض في المجلس.
وتردد في ذلك الشيخ أبو إسحاق - والله أعلم. 62- قوله (ص) : "من قبيل المرفوع (ما قيل) 1 عند ذكر الصحابي - رضي الله عنه - يرفعه أو يبلغ به أو ينميه أو رواية"2 قلت: وكذا قوله يرويه أو رفعه أو مرفوعا أو يسنده. وكذا/ (ي 136) قوله رواه. روينا في أمالي3 المحاملي من طريق ابن عيينة عن ابن جدعان عن أبي نضرة4 عن أبي سعيد - رضي الله عنه - رواه قال: "قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام: {وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ} 5 في كذباته الثلاث6. ورواه أبو يعلى في مسنده/ (ب 164) من هذا الوجه، فقال عن أبي سعيد - رضي الله تعالى عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ذكره.
وأمثلة باقي ما ذكرنا/ (ر71/أ) مشهورة، فلا نطيل بذكرها1. ومن أغرب ذلك سقوط الصيغة مع الحكم بالرفع بالقرينة كالحديث الذي رويناه من طريق الأعمش عن أبي ظبيان 2 عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: احفظوا عني ولا تقولوا: قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: "أيما عبد حج به أهله، ثم أعتق فعليه حجة اخرى.." الحديث. رواه ابن أبي شيبة3 من هذا الوجه فزعم أبو الحسن ابن القطان أن ظاهره الرفع وأخذه من نهي ابن عباس - رضي الله عنهما - لهم عن/ (80/ب) إضافة القول إليه4. فكأنه قال لهم: لا تضيفوه إلي وأضيفوه إلى الشارع. لكن يعكر5 عليه أن البخاري رواه من طريق أبي السفر سعيد بن يحمد قال: سمعت ابن عباس - رضي الله عنهما- يقول: "يا أيها الناس اسمعوا مني أقول لكم واسمعوني ما تقولون، ولا تذهبوا فتقولوا: قال ابن عباس قال ابن عباس"، فذكر الحديث 6. وظاهر هذا أنه إنما طلب منهم أن يعرضوا عليه قوله ليصححه لهم خشية أن يزيدوا فيه أو ينقصوا7 - والله أعلم -.
تنبيهان: أحدهما: قد يقال: ما الحكمة في عدول التابعي عن قول الصحابي - رضي الله عنه - "سمعت رسول الله" - صلى الله عليه وسلم - ونحوها إلى "يرفعه" وما ذكر معها. قال الحافظ المنذري: "يشبه أن يكون التابعي مع تحققه بأن الصحابي رفع الحديث إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -- شك في الصيغة بعينها فلما لم يمكنه الجزم بما قاله له أتى بلفظ على رفع الحديث". قلت: وإنما ذكر الصحابي - رضي الله عنه - كالمثال وإلا / (ي 137) فهو جار في حق/ (ب165) من بعده ولا فرق، ويحتمل أن يكون من صنع ذلك صنعه طلبا للتخفيف وإيثارا للإختصار. ويحتمل - أيضا - أن يكون شك في ثبوت ذلك عن النبي - صلى الله عليه وسلم -- فلم يجزم1 بلفظ "قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- كذا" بل كنى عنه تحرزا 2 وسياتي إن شاء الله تعالى في النوع الحادي والعشرين. وما أجاب به المنذري انتزعه من قول أبي قلابة الجرمي/ (71/ب) لما روى عن أنس - رضي الله عنه - قال: "من السنة إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا"3.
قال/ (81/أ) أبو قلابة: "لو شئت لقلت: أنسا - رضي الله عنه - رفعه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -"1. (فإن معنى ذلك أنني لو قلت رفعه) 2 لكنت صادقا، بناء على الرواية بالمعنى لكنه تحرز عن ذلك، لأن قوله: من السنة إنما يحكم له بالرفع بطريق نظري. كما تقدم. وقوله رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو محتمل إلى ما هو نص غير محتمل. ثانيهما3: ذكر المصنف ما إذا قال التابعي عن الصحابي - رضي الله عنه - يرفعه ولم يذكر ما إذا4 قال الصحابي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرفعه وهو في الحكم قوله (عن الله) 5 عز وجل. ومثاله: الحديث الذي رواه الدراوردي6 عن عمرو بن أبي عمرو 7 عن سعيد المقبري عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه.
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرفعه: "إن المؤمن عندي بمنزلة كل خير يحمدني وأنا أنزع نفسه من بين جنبيه". حديث حسن رواته من أهل الصدق. أخرجه البزار في مسنده وهو من الأحاديث الإلهية، وقد أفردها جمع بالجمع - والله الموفق -.
النوع التاسع: المرسل
النوع التاسع: المرسل 63-قوله (ص) : "تعريف المرسل وصورته التي لا خلاف فيها (حديث التابعي الكبير الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم، كعبيد الله بن عدي بن الخيار ثم سعيد بن المسيب وأمثالهما إذا قال) 1: قال - رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.... إلى آخره"2. ليس المراد حصر ذلك في القول بل لو ذكر الفعل أو التقرير بأي صيغة كان داخلا فيه. وإنما/ (ي 138) خص القول، لكونه أكثر. والأولى- فيما أرى - التعبير بالإضافة، لكونها أشمل. والله الموفق. 30- قوله (ع) : "لأن عبيد الله بن عدي ولد في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل أنه رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - –"3. قلت: عدي بن الخيار مات قبل فتح مكة بمدة وابنه عبيد الله4 كان بمكة لما دخلها النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد وجد في منقولات كثيرة/ (? 81/ب) الصحابة من النساء والرجال كانوا يحضرون أولادهم إلى النبي - صلى الله عليه
وسلم - يتبركون بذلك وهذا منهم1، لكن هل يلزم من ثبوت الرؤية له الموجبة لبلوغه شريف الرتبة بدخوله في حد الصحبة، أن يكون ما يرويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يعد مرسلا؟ هذا محل نظر وتأمل. والحق الذي جزم به أبو حاتم الرازي 2 وغيره من الأئمة أن مرسله كمرسل غيره، وأن قولهم: مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم- مقبولة بالاتفاق إلا عند بعض من شذ، إنما يعنون بذلك من أمكنه التحمل والسماع، أما من لا يمكنه ذلك فحكم حديثه حكم غيره من المخضرمين الذين لم يسمعوا من النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم -. وبالجملة فتمثيل ابن الصلاح بعبيد الله بن عدي معترض، لأنه كان يمكنه أن يحفظ عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو/ (ر72/أ) تابع في ذلك لابن عبد البر فإنه قال- لما ذكر المرسل -: "هذا الاسم واقع بالإجماع على حديث التابعي الكبير عن النبي/ (ب167) - صلى الله عليه وسلم - مثل أن يقول عبيد الله بن عدي بن الخيار أو أبو أمامة بن سهل ومن كان مثلهما قال 3 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -4. وكذلك من دون هؤلاء كسعيد بن المسيب ... "5 إلى آخر كلامه. قلت: ولو مثل بمحمد بن أبي بكر الصديق 6 - رضي الله عنهما - الذي
ما أدرك من حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا ثلاثة أشهر لكان أولى وقول شيخنا: "لكونهم عاصروه على القول الضعيف في حد الصحابة - رضي الله تعالى عنهم-"1. سيأتي لنا إن شاء الله تعالى في معرفة الصحابة - رضي الله عنهم - قدح/ (ي 139) في ثبوت هذا القول عن أحد من الأئمة مطلقا - إن شاء الله تعالى -. 64- قوله (ص) : "والمشهور التسوية بين التابعين"2. أقول: لم يمعن المؤلف في الكلام على المرسل في حكاية الخلاف في حده والتفريع عليه. [جمع الحافظ لأقوال أهل العلم في المراسيل] : وقد جمعت كثيرا من أقوال أهل العلم فيه يحتاج إليها المحدث وغيره. أما أصله: فقيل مأخوذ من الإطلاق وعدم المنع كقوله تعالى: {أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِين} 3. فكأن المرسل أطلق الإسناد. وقيل: مأخوذ من قولهم: "جاء القوم أرسالا" أي متفرقين؛ لأن بعض الإسناد منقطع عن بقيته. وقيل: مأخوذ من قولهم: "ناقة رسل" أي سريعة السير كأن المرسل للحديث أسرع فيه فحذف بعض إسناده4.
[حد المرسل اصطلاحا:] وأما حده: فاختلف عباراتهم فيه على أربعة أوجه: الأول: هو ما أضافه التابعي الكبير إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فيخرج بذلك ما أضافه صغار التابعين ومن بعدهم. والثاني/ (ب168) : هو إضافة لتابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير تقييد بالكبير. وهذا الذي عليه جمهور المحدثين، ولم أر تقييده بالكبير صريحا عن أحد، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم1، بخلاف ما يوهمه كلام المصنف. نعم قيد الشافعي المرسل الذي يقبل - إذا اعتضد - بأن يكون من رواية التابعي الكبير. ولا يلزم من ذلك، أنه لا يسمى ما رواه التابعي الصغير مرسلا. والشافعي مصرح بتسمية رواية من دون كبار التابعين مرسلة وذلك في قوله: "ومن نظر في العلم بخبرة وقلة غفلة استوحش من مرسل كل من دون كبار التابعين بدلائل ظاهرة"2. والثالث: ما سقط منه رجل وهو على هذا هو والمنقطع سواء/ (? 82/ب) وهذا مذهب أكثر الأصوليين3. قال الأستاذ أبو منصور: "والمرسل: ما سقط من إسناده واحد، فإن سقط أكثر من واحد فهو معضل".
وقال أبو الحسين ابن القطان1: "المرسل: أن/ (ي 140) يروي بعض التابعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - خبرا أو يروي رجل عمن لم يره"2. قلت: وهذا اختيار أبي داود في مراسيله3، والخطيب4 وجماعة، لكن الذي قبله أكثر/ (ر72 /ب) في الاستعمال. والرابع: قول غير الصحابي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبهذا التعريف أطلق ابن الحاجب5 وقبله الآمدي6 والشيخ الموفق7 وغيرهم، فيدخل في عمومه كل من لم تصح له صحبة ولو تأخر عصره. وقال الغزالي: "وصورة المرسل: أن يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -- من لم يعاصره"8. وهذا أخص قليلا من الذي قبله، لأنه يدخل فيه من سمع النبي - صلى الله عليه وسلم -- في حال الكفر، ثم استمر كافرا فلم يسلم إلا بعد موت النبي - صلى الله عليه وسلم --فإن هذا لا تصح له صحبة وهو على تعريف الغزالي لا يكون حديثه مرسلا.
وقال الحافظ العلائي: "إطلاق ابن الحاجب وغيره، يظهر عند التأمل في أثناء استدلالهم أنهم لا يريدونه، بل إنما مرادهم ما سقط منه التابعي مع الصحابي أو ما سقط منه اثنان بعد الصحابي ونحو ذلك، ويدل عليه قول إمام الحرمين في "البرهان": مثاله: أن يقول الشافعي - رضي الله عنه -: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا1. قال: ولم أر من صرح بحمله على إطلاقه إلا بعض المتأخرين من غلاة الحنفية 2. وهو اتساع غير مرضي، لأنه يلزم منه بطلان اعتبار الإسناد الذي هو من خصائص هذه الأمة، وترك النظر في أحوال الرواة، والإجماع في كل عصر على خلاف ذلك فظهور فساده (غني) 3 عن الإطالة فيه". قلت: ويؤيد قول الأستاذ أبي إسحاق الأسفرائيني - في كتابه [في الأصول]-4: "المرسل رواية التابعي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو تابع التابعي (عن الصحابي) 5، فأما إذا قال تابع التابعي أو واحد منا قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلا يعد شيئا، ولا يقع به ترجيح [فضلا] 6 عن الاحتجاج به". وهذا ظاهر كلام ابن برهان - أيضا -. وممن قيد الإطلاق الأستاذ/ (ي 141) أبو بكر ابن فورك، فقال:
"المرسل: قول التابعي: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا"1. نقله عنه المازري. فإن قيل ما احترز به الغزالي - رحمه الله تعالى - كما قدمته، قد ينقدح2 منه قدح في صحة التعريف الذي أخبرت أنه قول الجمهور، وذلك لأن قولهم: المرسل ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل/ (ر73/أ) فيه ما سمعه بعض الناس في حال كفره من النبي - صلى الله عليه وسلم - (ثم أسلم) 3 بعده وحدث عنه بما سمعه منه، فإن هذا والحالة4 هذه تابعي قطعا وسماعه منه صحيح متصل وهو داخل في حد المرسل الذي ذكرته. [تعريف الحافظ للمرسل] : قلت: وهذا عندي نقض صحيح واعتراض وارد لا محيد عنه ولا انفصال منه إلا أن يزاد في الحد ما يخرجه، وهو: أن يقول: المرسل: ما أضافه التابعي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مما سمعه من غيره. [أقوال العلماء في حكم المرسل] : وأما حكم المرسل: فاختلفوا في الاحتجاج به على أقوال: أحدها: الرد مطلقا حتى لمراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وحكي ذلك عن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني.
وظن قوم أنه تفرد بذلك، واحتجوا عليه بالإجماع، وليس بجيد لأن القاضي أبا بكر/ (?83/ب) الباقلاني قد صرح في التقريب بأن المرسل لا يقبل مطلقا حتى مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - لا لأجل الشك في عدالتهم، بل لأجل أنهم قد يروون عن التابعين. قال: إلا أن يخبر عن نفسه بأنه لا يروي إلا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو عن صحابي فحينئذ يجب العمل بمرسله1. قلت: نقل عنه الغزالي في المنخول أن المختار عنده، أن الإمام العدل إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أخبرني الثقة قبل. فأما الفقهاء والمتوسعون في كلامهم فقد يقولونه لا عن تثبت فلا يقبل منهم، لأن الرواية قد كثر وطال البحث واتسعت الطرق، فلا بد من ذكر اسم الرجل2. قال الغزالي: "والأمر كما ذكر، لكن لو صادفنا في زماننا متقنا في نقل الأحاديث مثل مالك قبلنا قوله ولا يختلف ذلك بالأعصار (يعني أن الحكم/ (ي 142) لا يختلف جوازا) وأن الواقع أن أهل / (ب 171) الأعصار المتأخرة ليس فيهم من هو بتلك المثابة. وقد قال القاضي عبد الجبار: مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أن الصحابي - رضي الله تعالى عنه - إذا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا قبل إلا أن علم أنه أرسله"3. وهذا النقل مخالف للمشهور من مذهب الشافعي. فقد قال ابن برهان في الوجيز: "مذهب الشافعي: أن المراسيل/ (ر73/ب) لا يجوز الاحتجاج بها إلا مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - ومراسيل سعيد بن المسيب، وما انعقد الإجماع على العمل به.
وكذا ما نقله ابن بطال في أوائل شرح البخاري عن الشافعي أن المرسل عنده ليس بحجة حتى مرسل الصحابة. ثم أغرب ابن برهان فقال في الأوسط: "إن الصحيح أنه لا فرق بين مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - ومراسيل/ (? 84/أ) غيرهم". فتلخص من هذا أن الأستاذ أبي إسحاق الاسفرائيني لم ينفرد برد مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنه - وأن1 مأخذه في ذلك احتمال كون الصحابي - رضي الله تعالى عنه - أخذه عن تابعي. وجوابه: أن الظاهر فيما رووه أنهم سمعوه من النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من صحابي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما روايتهم عن2 التابعي فقليلة نادرة، فقد تتبعت وجمعت لقلتها. قلت: وقدر سردها شيخنا- رحمه الله - في النكت3 فأفاد وأجاد4. ثانيها: القبول مطلقا في جميع الأعصار والأمصار. كما قدمنا حكايته ورده5. ثالثها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - فقط ورد ما عداها6 مطلقا حكاه القاضي عبد الجبار في شرح كتاب العمدة. قلت: وهو الذي عليه عمل أئمة الحديث.
واحتجوا بأن العلماء قد أجمعوا على طلب عدالة المخبر. وإذا روى التابعي عمن لم يلقه لم يكن بد من معرفة الواسطة. ولم يتقيد التابعون بروايتهم عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بل رووا عن الصحابة وغيرهم. (ولم/ (ي143) يتقيدوا) 1 بروايتهم عن ثقات التابعين/ (ب 172) بل رووا عن الثقات والضعفاء. فهذه النكتة في رد المرسل قاله بمعناه ابن عبد البر 2. وقال صاحب المحصول: "الحجة في رد المرسل أن عدالة الأصل غير معلومة، لأنه لم يوجد إلا من رواية الفرع عنه. ورواية الفرع عنه لا تكون بمجردها تعديلا، لأنهم قد أرسلوا عمن سئلوا عنه فجرحوه أو توقفوا فيه. قال: وعلى تقدير أن يكون تعديلا، فلا يقضي أن يكون عدلا في نفس الأمر، لاحتمال أنه لو سماه لعرف بالجرح/ (? 84/ب) فتبين/ (ر74/أ) أن العدالة غير معلومة"3. فإن قيل: إن أردتم نفي العلم القطعي، فالعلم القطعي بثبوت عدالة الراوي غير مشروط، بل يكفي غلبة الظن وهي حاصلة لأن ظاهر حال الراوي أنه لما روى عنه سكت كان عدلا عنده وإلا كان ذلك قدحا فيه. وإذا كان معتقدا عدالة من أرسل عنه فالظاهر أنه كذلك في نفس الأمر. والجواب: المنع بأنه إذا اعتقد عدالته يكون عدلا في نفس الأمر وسنده عدم التلازم بينهما، بل الواقع خلافه. قال القاضي أبو بكر: "من المعلوم المشاهد أن المحدثين لم يتطابقوا على أن لا يحدثوا إلا عن عدل. بل نجد الكثير منهم يحدثون عن رجال، فإذا سئل
الواحد منهم عن ذلك الرجل قال: لا أعرف حاله بل ربما جزم بكذبه فمن أين يصح الحكم على الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده"1. انتهى كلامه. فقد اختار رد المرسل مع كونه مالكيا، لكن تعليله يقتضي أن من عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة أنه يقبل 2. وسيأتي تقرير هذا المذهب آخرا. وما قاله القاضي صحيح فإن كثيرا من الأئمة وثقوا3 خلقا من الرواة بحسب اعتقادهم/ (ب/173) فيهم4 وظهر لغيرهم فيهم5 الجرح المعتبر، وهذا بيّن واضح في كتب6 الجرح والتعديل. فإذا كان مع7 التصريح بالعدالة فكيف مع السكوت عنها. وق فتشت كثيرا من المراسيل فوجدت عن غير العدول. بل سئل كثير منهم عن مشايخهم، فذكروهم/ (ي144) بالجرح كقول أبي حنيفة: "ما رأيت أكذب من جابر الجعفي8 وحديثه عنه موجود". وقول الشعبي: "حدثني الحارث الأعور وكان كذابا9/ (?85/أ) وحديثه عنه موجود". فمن أين يصح حكم (على) 10 الراوي أنه لا يرسل إلا عن ثقة عنده على الإطلاق 11.
رابعها: قبول مراسيل الصحابة وكبار التابعين. ويقال: إنه مذهب أكثر المتقدمين. وهو مذهب الشافعي - رضي الله عنه - لكن شرط في مرسل كبار التابعين أن يعتضد بأحد الأوجه المشهورة1. خامسها: كالرابع لكن من غير قيد بالكبار وهو قول مالك وأصحابه وإحدى الروايتين عن أحمد2. سادسها: كالخامس، ولكن بشرط (/34/ب) أن يعتضد، ونقله الخطيب عن أكثر الفقهاء. سابعها: إن كان الذي أرسل من أئمة النقل المرجوع3 إليهم في التعديل والتجريح قبل مرسله وإلا فلا. وهو قول عيسى بن أبان4 من الحنفية، واختاره أبو بكر الرازي منهم، وكثير من متأخريهم، والقاضي عبد الواهب من المالكية، بل جعله أبو الوليد الباجي شرطا عند من يقبل المرسل مطلقا5. ثامنها: قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - وبقية القرون الفاضلة دون غيرهم وهو محكي عن محمد بن الحسن ويشير إليه تمثيل إمام الحرمين بما قال - فيه - الشافعي/ (ب 174) : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -6. تاسعها: كالثامن بزيادة من كان من أئمة النقل –أيضا-.
عاشرها: يقبل مراسيل من عرف منه النظر في أحوال شيوخه والتحري في الرواية عنهم دون من لم يعرف منه ذلك. حادي عشرها: لا يقبل المرسل إلا إذا وافقه الإجماع فحينئذ يحصل الاستغناء عن السند ويقبل المرسل قاله ابن حزم في الإحكام1. ثاني عشرها: إن كان المرسل موافقا في الجرح/ (?87/ب) والتعديل قبل مرسله كان مخالفا في شروطهما لم يقبل. قاله ابن برهان وهو غريب2. ثالث عشرها: إن كان المرسل عرف من عادته أو صريح عبارته أنه لا يرسل إلا عن ثقة قبل وإلا فلا. قال/ (ي 145) الحافظ صلاح الدين العلائي في مقدمة كتاب الأحكام3 ما حاصله: "إن هذا المذهب الأخير اعدل المذاهب في هذه المسألة، فإن قبول السلف للمراسيل مشهور إذا كان المرسل لا يرسل إلا عن عدل. وقد بالغ ابن عبد البر فنقل اتفاقهم على ذلك فقال: لم يزل الأئمة يحتجون بالمرسل إذا تقارب عصر المرسل والمرسل عنه ولم يعرف المرسل بالرواية عن الضعفاء". ونقل أبو الوليد الباجي4 الاتفاق في الشق الآخر فقال: "لا خلاف أنه لا يجوز العمل بالمرسل إذا كان مرسله غير متحرز يرسل عن الثقات وعن غير الثقات"5.
وهذا وإن كان في صحة نقل الاتفاق من الطرفين نظر فإن قبول مثل ذلك عن جمهورهم مشهور، وكذا مقابله ر 75/أففي مقدمة صحيح مسلم عن محمد بن سيرين قال: "كانوا لا يسألون عن الإسناد فلما ب 175 وقعت الفتنة سألوا عنه 1 ليجتنبوا رواية أهل البدع"2. وفيها3 - أيضا - عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - أنه أنكر على بشير بن كعب4 أحد التابعين أحاديث أرسلها وقال: "كنا نقبل الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كل أحد، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نقبل منه5 إلا ما نعرف". كذا أنكر الزهري على ابن إسحاق بن أبي وفرة6 أحاديث أرسلها فقال: "تأتينا بأحاديث لا خطم لها ولا أزمة ألا تسند حديثك؟ " 7. ونقل إمام/ (?86/أ) الحرمين أن ذلك مذهب الشافعي - رضي الله تعالى عنه - أعني التفصيل السابق فقال:
"إذا كان المرسل من كبار التابعين وعادته الرواية عن العدل وغيره فليس بحجة، وإن لم يرو إلا عن العدل فحجة. قال: "ولذلك قبل الشافعي مراسيل سعيد بن المسيب، لأنه انفرد بهذه المزية". قلت: وهذا مقتضى ما علل1 به الشافعي قبوله لمراسيل2 سعيد فإنه قال - في جواب سائل سأله3 - فقال له: "كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعا ولم تقبلوه عن غيره؟ فقال: "لأنا لا نحفظ لسعيد/ (ي 146) منقطعا إلا وجدنا ما يدل على تسديده ولا أثره عن أحد عرفنا عنه إلا عن ثقة معروف، فمن كان بمثل حاله أحببنا قبول مرسله"4. فهذا يدل على أنه قبل مراسيل سعيد بن المسيب، لكونه كان لا يسمي إلا (عن) 5 ثقة، وأما غيره، فلم يتبين له ذلك منه، فلم يقبله مطلقا وأحال الأمر في قبوله على وجود الشرط المذكور. وقال الغزالي في "المستصفى"6: "المختار على قياس رد المرسل أن التابعي إذا عرف بصريح خبره أو عادته أنه لا يروي إلا عن صحابي قبل مرسله وإلا فلا، لأنهم قد يروون عن غير/ (ب176) الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -".
قلت: (ويؤيد) 1 ذلك نقل ابن حبان الاتفاق على قبوله عنعنة سفيان بن عيينة، مع أنه كان يدلس، لكنه كان مع ذلك لا يدلس إلا عن ثقة، فقبلوا عنعنته لذلك. وقد تقدم عن القاضي أبي بكر وغيره ما يعضده ذلك - والله أعلم -. وبهذا المذاهب يحصل الجمع بين الأدلة (لطرفي) 2 القبول والرد - والله أعلم -. [أسباب الإرسال] : فإن قيل/ (? 86/ب) : فما الحامل لمن كان لا يرسل إلا عن ثقة على الإرسال؟ قلنا: إن لذلك أسباباً منها: أن يكون سمع الحديث عن جماعة ثقات وصح عنده، فيرسله اعتمادا على صحته عن شيوخه. كما صح عن إبراهيم النخعي أنه قال: "ما حدثتكم عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - فقد سمعته من غير واحد وما حدثتكم فسميت فهو من سميت"3. ومنها: أن يكون نسي من حدثه به وعرف المتن، فذكره مرسلا لأن أصل طريقته أنه لا يحمل إلا عن ثقة. ومنها: أن لا يقصد التحديث بأن يذكر الحديث على وجه المذاكرة أو على جهة الفتوى، فيذكر المتن، لأنه المقصود في تلك الحالة دون السند، ولا سيما إن كان السامع عارفا بمن طوى ذكره لشهرته أو غير ذلك من الأسباب. وهذا كله في حق من لا يرسل إلا عن ثقة.
وأما من كان يرسل عن كل أحد فربما كان الباعث له على الإرسال ضعف من حدثه، لكن هذا يقضي القدح في فاعله لما تترتب عليه من الخيانة - والله أعلم – فإن/ (ي 147) قيل: فهل1 عرف أحد غير ابن المسيب كان لا يرسل إلا عن/ (ب ص 177) ثقة. قلنا: نعم، فقد صحح الإمام أحمد مراسيل إبراهيم النخعي لكن خصه غيره بحديثه عن ابن مسعود2 - رضي الله تعالى عنه - كما تقدم3. وأما مراسيله عن غيره، فقال يحيى القطان: "كان شعبة يضعف مرسل إبراهيم النخعي عن علي4 - رضي الله تعالى عنه –". وقال يحيى بن معين: "مراسيل إبراهيم النخعي صحيحة إلا حديث تاجر البحرين وحديث القهقهة". قلت: وحديث القهقهة مشهور رواه الدارقطني5 وغيره من طريقه. وقد أطنب البيهقي في الخلافيات في ذكر طرقه وعلله6.
وأما حديث تاجر البحرين، فأشار به إلى ما رواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه"1 عن وكيع عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي قال: "إن رجلا قال يا رسول الله! إني رجل تاجر أختلف إلى البحرين فأمره أن يصلى ركعتين". وقال البيهقي: "من المعلوم أن إبراهيم ما سمع من أحد من الصحابة، فإذا حدث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكون بينه وبينه اثنان أو أكثر فيتوقف في قبوله من هذه الحيثية، وأما إذا حدث عن الصحابة، فإن كان ابن مسعود- رضي الله تعالى عنه - فقد صرح هو بثقة شيوخه عنه وأما عن غيره فلا - والله أعلم –". وصحح ابن عبد البر مراسيل محمد بن سيرين قال: "لأنه كان يتشدد في الأخذ ولا يسمع إلا من ثقة"2. وقى يحيى القطان مراسيل سعيد بن جبير/ (ر76/أ) ومراسيل عمرو بن دينار. والمحفوظ عن كثير من الأئمة في مقابل ذلك شيء كثير لا يسعه هذا المختصر ومن أراد التبحر فليراجع مختصري لتهذيب الكمال/ (ب 178) - والله الموفق -. [هل يجوز تعمد الإرسال] : فإن قيل: هل يجوز تعمد الإرسال أو يمنع3؟ قلنا: لا يخلو المرسل أن يكون شيخ من أرسل الذي حدث به: أ- عدلا عنده وعند غيره.
ب- أو غير عدل عنده وعند غيره1. ج- أو عدلا عنده لا عند غيره. د- أو غير عدل عنده عدلا عند غيره. هذه أربعة أقسام: الأول: جائزة بلا خلاف. والثاني: ممنوع بلا خلاف. وكل من الثالث والرابع يحتمل/ (ي 148) الجواز وعدمه. وتردد2 بينهما بحسب الأسباب الحاملة عليه - والله سبحانه وتعالى أعلم -. 31- قوله (ع) : "وما ذكر في حق من سمى من صغار التابعين أنهم لم يقلبوا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إلا الواحد والاثنين ليس بصحيح بالنسبة إلى الزهري"3. قلت: تمثيله بالزهري في صغار التابعين صحيح. فإنه لا يلزم من كونه لقي كثيرا من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - أن يكون من لقيهم من كبار الصحابة حتى يكون هو من كبار التابعين فإن جميع من سموه من مشايخ الزهري من الصحابة كلهم من صغار الصحابة أو ممن لم يلقهم الزهري وإن كان روى عنهم أو ممن لم تثبت له صحبة، وإن ذكر في الصحابة أو من ذكر فيهم بمقتضى مجرد الرؤية مجرد الرؤية ولم يثبت4 له سماع، فهذا
حكم1 جميع من ذكر من الصحابة في مشايخ الزهري إلا أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - وإن كان من المكثرين فإنما لقيه، لأنه عُمّر وتأخرت وفاته. ومع ذلك فليس الزهري من المكثرين عنه، ولا أكثر - أيضا - عن سهل بن سعد الساعدي - رضي الله تعالى عنه -/ (76/ب) فتبين أن الزهري ليس من كبار التابعين. وكيف يكون منهم وإنما جل روايته/ (ب 179) عن كبار التابعين لا كله؛ لأن أكثرهم مات قبل أن يطلب هو العلم. وهذا بيّن لمن نظر في أحوال الرجال2 - والله الموفق -. 65- قوله: "وأبي حازم"3. اعترض عليه مغلطاي وتبعه شيخنا شيخ الإسلام في "محاسن الاصطلاح"4 بأنه ليس من صغار التابعين، فإنه سمع من الحسن بن علي بن أبي طالب، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر وغيرهم- رضي الله عنهم -. قلت: وهو اعتراض فيه نظر، لأن ان الصلاح إنما أراد أبا حازم سلمة بن دينار المدني5، وهو لم يلق من الصحابة سوى سهل بن سعد وأبي أمامة ابن سهل - رضي الله عنهما- فقط، وأرسل عن من لم يلقه من الصحابة، وجل روايته عن التابعين وأما الذي سمع من الحسن بن علي
- رضي الله عنهما - فهو أبو حزم الأشجعي/ (ي 149) مولى عزة واسمه: سلمان1. وهو من مشايخ الزهري، وإنما حصل الاشتباه لأن المصنف لم يذكر أبا حازم سلمة بصفة تميز عن أبي حازم سلمان لكن قرائن الحال (تقضي) 2 أنه إنما عناه ولو لم يكن إلا في تقديمه الزهري عليه في الذكر، فإن أبا حازم الأشجعي في منزلة شيوخ الزهري في الطبقة - والله أعلم -. 66- قوله (ص) : "وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمى المنقطع مرسلا"3. لا يعني مذهب من يعد رواية صغار التابعين منقطعة. اعترض عليه شيخنا الإسلام فقال: "هذا فيه نظر بل هو أصل يتفرع ما ذكر انه يتفرع منه"4. وأقول: وهذا من (مشترك الإلزام) 5. ويظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين/ (ب 180) من المحدثين/ (ر 77/أ) بأن المنقطع لا يسمى مرسلا، لأن المرسل يختص عندهم بما ظن منه السقوط الصحابي فقط جعل قول من قال منهم: إن رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعا 6 عنه، لأنه مما يظن (أنه سقط) 7 منه الصحابي والتابعي - أيضا -.
فإن قيل: فعلى هذا كان ينبغي لهم تسميته معضلا لا منقطعا كما سيأتي في تعريف المعضل أنه الذي سقط منه اثنان فصاعدا. قلنا1: ذاك حيث يتحقق ذلك أم مع الاحتمال فلا يسمى معضلا. والتحرير أنه لا يسمى منقطعا - أيضا - فرجع إلى قول جمهورهم أنه لا فرق بين التابعي الكبير والصغير في إطلاق اسم الإرسال على مروي كل منهما- والله أعلم -. [هل سمي الإسناد منقطعا إذا كان فيه مبهم] : 67- قوله (ص) : "إذا قيل في الإسناد عن رجل أو عن شيخ ونحوه, فالذي ذكره الحاكم أنه لا يسمى مرسلا بل منقطعا"2. فيه أمران: أحدهما: أنه لم ينقل كلام الحاكم على وجهه بل أخل منه بقيد/ (88/ب) وذلك أن كلام الحاكم يشير إلى تفصيل فيه وهو: إن كان لا يروى إلا من طريق واحدة مبهمة فهو يسمى منقطعا، وإن روي من طريق مبهمة وطريق مفسرة/ (ي150) ، فلا تسمى منقطعة 3 لمكان الطريق المفسرة. وذلك لأنه قال في نوع المنقطع4: "وقد يروى الحديث وفي إسناده رجل ليس بمسمى5 فلا يدخل في المنقطع مثاله: رواية سفيان الثوري عن داود بن أبي هند قال: حدثنا شيخ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
"يأتي على الناس زمان يخير الرجل فيه بين العجز والفجور فمن أدرك ذلك الزمان/ (ب181) 1 فليختر العجز". قال رواه وهب بن خالد2 وعلي بن عاصم3 عن داود بن أبي هند قال: حدثني رجل من جديلة/ (ر77/ب) يقال له: أبو عمرو عن أبي هريرة - رضي الله عنه - به". قال الحاكم: "فهذا النوع الوقوف4 عليه متعذر إلا على الحفاظ المتبحرين". قلت: فتبين بهذه الرواية المفسرة أنه لا انقطاع في رواية سفيان، وأما إذا جاء في رواية واحدة مبهمة فلم يتردد الحاكم في تسميته منقطعا وهو قضية صنيع أبي داود في "كتاب المراسيل" وغيره. الثاني: لا يخفى أن صورة المسألة أن يقع ذلك من غير التابعي، أما لو قال التابعي عن رجل، فلا يخلو إما أن يصفه بالصحبة أم لا، إن لم يصفه بالصحبة فلا يكون ذلك متصلا لاحتمال أن يكون تابعيا آخر، بل هو مرسل على بابه. وإن وصفه بالصحبة، فقد حكى شيخنا كلام أبي بكر الصيرفي في ذلك وأقره5. وفيه نظر؛ لأن التابعي إذا كان سالما من التدليس حملت عنعنته على
السماع وإن قلت هذا إنما يتأتى في [حق] 1 كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين، فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي والفرض أنه لم يسمع حتى يعلم هل أدركه أم لا 2؟ فينقدح3 صحة ما قال الصيرفي. قلت: سلامته من التدليس كافية في ذلك إذ مدار هذا على قوة الظن به وهي حاصلة في هذا المقام - والله أعلم -32- قوله/ (ي 151) (ع) 4: "بل زاد البيهقي، فجعل ما رواه التابعي عن رجل من الصحابة لم يسم مرسل/ (ب182) وليس هذا بجيد منه، اللهم إلا إن كان يسميه مرسلا، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة - رضي الله عنهم- فهو قريب". قلت: يريد شيخنا أن يجعل الخلاف من البيهقي لفظيا، وهو توجيه جيد وقد صرح البيهقي بذلك في "كتاب المعرفة"5 في الكلام على القراءة خلف
الإمام، لكنه خالف ذلك في "كتاب السنن"1 فقال: - في حديث حميد بن عبد الرحمن الحميري - حدثني رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في النهي عن الوضوء بفضل المرأة. "وهذا حديث مرسل". أورد ذلك في معرض رده معتذرا عن الأخذ به ولم يعلله إلا بذلك وهذا مصير منه2 إلى أن عدم تسمية الصحابي يضر في اتصال الإسناد. فإن قيل: هذا خاص فكيف يستنبط منه العموم في كل ما هذا سبيله؟ قلت: لأنه لم يذكر للحديث علة سوى ذلك ولو كان له علة غير هذا لبينها، لأنه في مقام البيان3. وقد بالغ صاحب الجوهر4 النقي في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه5 - والله أعلم -.
68- قوله (ص) : "حكم المرسل حكم الحديث الضعيف". اعترض عليه بأنه قرر في النوع الأول أن البخاري إذا علق/ (89/ب) الحديث جازما1 على2 من علقه عنه دل ذلك على صحة الإسناد بينه وبين من علقه عنه. وقضية ذلك أن من يجزم من أئمة التابعين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بحديث يستلزم صحة ما بينه وبينه، فكيف أطلق الحكم بالضعف على جميع المراسيل؟ والجواب: أن يقال: إنما اختص البخاري بذلك، لأنه التزم الصحة في كتابه بخلاف غيره من أئمة التابعين فإنهم لم يلتزموا ذلك، فلا3 بقال: لم يطرد المصنف ذلك في حق البخاري، لأنه قال-فيما أورده في/ (ي152) كتابه بصيغة التمريض أن ليس فيه حكم بالصحة على من علقه عنه 4، لأنا لا5 نسلم ذلك له6، بل كل ما أورده البخاري في كتابه مقبول إلا أن درجاته متفاوتة في الصحة، ولتفاوتها خالف بين العبارتين/ (ر78/ب) في الجزم والتمريض إلا في مواضع يسيرة جدا أوردها وتعقبها بالتضعيف أو التوقف في صحتها كما سبق موضحا - والله اعلم -.
69- قوله (ص) : "إلا أن يصح مخرجة بمجيئه من وجه آخ" 1 ... إلى آخره. قد استنكر هذا جماعة من الحنفية ومال معهم طائفة من الأصويين كالقاضي أبي بكر وطائفة من الشافعية. وحجتهم أن الذي يأتي من وجه إما أن يكون مرسلا أو مسندا. إن كان مرسلا فيكون ضعيف انضم إلى ضعيفا فيزداد ضعفا2. وجواب هذا ظاهر على قواعد المحدثين على ما مهدناه في الكلام على الحديث الحسن. وحاصله: أن المجموع حجة لا مجرد المرسل وحده ولا المنضم وحده، فإن حالة الاجتماع تثير ظنا غالبا وهذا شأن لكل 3 ضعيفين اجتمعا كما تقدم. ونظيره خبر الواحد إذا احتفت به القرائن يفيد العلم عند/ (90/أ) قوم كما تقدم. ومع أنه لا يفيد ذلك بمجرده ولا القرائن بمجردها. قالوا: وإن كان مسندا فالاعتماد عليه، فيقع المرسل لغوا، وقد قوى ابن الحاجب الإيراد الثاني. وقد أجاب عنه المصنف بقوله: إنه بالمسند يتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال حتى يحكم له مع إرساله بكونه صحيحا/ (ب184) 4. وأجاب عنه الشيخ محي الدين بجواب آخر5 ذكره شيخنا، وهو أنه يفيد [قوة] 6 عند التعارض.
قلت: وظهر لي جواب آخر وهو: أن المراد بالمسند الذي يأتي من وجه آخر ليعضد المرسل ليس هو المسند الذي يحتج به على انفراده بل هو الذي يكون فيه مانع من الاحتجاج به على انفراده مع صلاحيته للمتابعة. فإذا وافقه مرسل لم يمنع من الاحتجاج به إلا إرساله عضد كل منهما الآخر 1، تبين/ (ي 153) بهذا أن فائدة مجيء هذا المسند لا يستلزم أن يقع المرسل لغوا - والله الموفق -. وقد كنت أتبجح بهذا الجواب وأظن أنني لم أسبق إلى تحريره حتى وجدت نحوه في المحصول للإمام فخر الدين. فإنه ذكر هذه المسألة ثم قال: "هذا في سند لم تقم به الحجة في إسناده"2. قلت: فازددت لله شكرا على هذا الوارد - والله الموفق -. 70- قوله (ص) : "وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ أهل الحديث" ... إلى آخره 3 اعترض عليه مغلطاي بأن أبا جعفر محمد بن جرير الطبري ذكر أن التابعين أجمعوا بأسرهم على قبول المرسل، ولم يأت عنهم إنكاره ولا عن أحد من الأئمة بعدهم إلى رأس المائتين. قال ابن عبد البر: "يشير أبو جعفر بذلك إلى الشافعي4 - رضي الله عنه –" انتهى. وكذا نقل ابن الحاجب في مختصره إجماع التابعين/ (? 90/ب) على قبول المرسل
لكنه مردود على مدعيه، فقد قال سعيد بن المسيب - وهو من كبار التابعين-: إن المرسل ليس بحجة. نقله عنه الحاكم، وكذا تقدم نقله عن محمد بن سيرين وعن الزهري وكذا كان يعيبه شعبة وأقرانه والآخذون عنه كيحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي وغير واحد1 وكل هؤلاء قبل الشافعي. ونقله الترمذي2 عن أكثر أهل الحديث. وكذا ما وقع في رسالة أبي داود إلى أهل مكة في وصف السنن قال: "وأما المراسيل فقد كان يحتج بها العلماء فيما مضى مثل سفيان الثوري ومالك والأوزاعي حتى جاء الشافعي فتكلم فيه تابعه على ذلك أحمد بن حنبل وغيره"3. قلت: فبان أن دعوى الإجماع مطلقا أو إجماع التابعين مردودة. وغايته أن الاختلاف كان من التابعين ومن بعدهم. وما نقله أبو داود عن/ (ر79/ب) مالك ومن معه معارض بما نقلناه عن / (ي154) شعبة ومن معه، ولم يزل الخلاف موجودا، لكن المشهور عن أهل الحديث خاصة عدم القول بالمرسل- والله أعلم -. تنبيه: تقدم النقل عن ابن عبد البر وغيره4 أن من قال بالمرسل لا يقول به على الإطلاق، بل شرطه أن يكون المرسل ممن يحترز في الرواية، أما من كان يكثر
الرواية عن الضعفاء أو عرف من شأنه أنه يرسل عن الثقات والضعفاء، فلا يقبل مرسله مطلقا. وممن حكاه - أيضا- أبو بكر الرازي من الحنفية. وهذا وارد على إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم يقبلون المرسل مطلقا، وكذا نقل الحاكم عن مالك أن المرسل عنده ليس بحجة1، وهو نقلم (?91/أ) مستغرب، والمشهور خلافه 2 - والله أعلم -. ثم لا يخفى أن محل قبول المرسل عند من يقبله إنما هو حيث يصح باقي الإسناد، أما إذا أشتمل على علة أخرى فلا يقبل، فهذا واضح ولم يذكر المصنف مذهب أحمد بن حنبل في المرسل، والمشهور عنه الاحتجاج به3 لأنه4 في رسالة أبي داود كما ترى أن أحمد وافق الشافعي على عدم الاحتجاج به. واقتضى إطلاق المصنف النقل عن المالكية والحنفية أنهم (يقبلونه) 5 مطلقا وليس كذلك، فإن عيسى بن أبان وابن الساعاتي وغيرهما من الحنفية وابن الحاجب ومن تبعه من المالكية لا يقبلون منه إلا ما أرسله إمام من أئمة النقل، بل رده القاضي الباقلاني6 مطلقا ونازع في قبوله إذا اعتضد - أيضا -. وقال: الصواب رده مطلقا وهو من أئمة المالكية- والله أعلم -. 33-قوله (ع) : "بل الصواب أن يقال: لأن أكثر رواياتهم- يعني/ (ر80/أ)
الصحابة - عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - إذ قد سمع جماعة من الصحابة من بعد التابعين"1. قلت: وهو تعقب صحيح، لكن ألزم بعض الحنفية من يرد المرسل بأنه يلزم على أصلهم عدم قبول مراسيل الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -. وتقرير ذلك أنه إذا لم/ (ي155) يعلم أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - احتمل أن يكون سمعه منه، أو من صحابي آخر، أو من تابعي ثقة، أو من تابعي ضعيف، فكيف يجعل حجة والاحتمال قائم؟ والانفصال عن ذلك أن يقال: قول الصحابي: قال2 - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر في أنه سمعه منه أو من صحابي آخر، فالاحتمال أن يكون سمعه من تابعي ضعيف نادرا جدا لا يؤثر في الظاهر، بل حيث رووا عن من هذا سبيله بينوه 3 وأوضحوه. وقد تتبعت روايات الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - عن التابعين/ (91/ب) وليس فيها من رواية صحابي عن تابعي ضعيف في الأحكام شيء يثبت. فهذا يدل على ندور أخذهم عن من يضعف من التابعين - والله أعلم -. 34- قوله (ع) : "فإن المحدثين وإن ذكروا مراسيل الصحابة- رضي الله عنهم - فإنهم/ (ب187) لم يختلفوا في الاحتجاج بها"4.
قلت: في إطلاق هذا النفي عن المحدثين نظر، فإن أبا الحسن ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام" منهم وقد رد أحاديث من مراسيل عن الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - ليست لها علة إلا ذلك. منها: حديث جابر في صلاة جبريل عليه الصلاة والسلام بالنبي - صلى الله عليه وسلم -1 وغير ذلك - والله أعلم -. 35- قوله (ع) : "ودعوى الاتفاق مردود بقول الأستاذ أبي إسحاق - رحمه الله –"2. قلت: قد صرح غيره بأن الاتفاق ر80/ب كان حاصلاً قبل الأستاذ فجعل الأستاذ محجوبا بذلك. وفي ذلك نظر، فقد قدمنا قبل3 في الكلام على المرسل عن جماعة من أئمة الأصول بما يقتضي موافقة الأستاذ وفيهم من هو قبله، فلم ينفرد بذلك في الجملة - والله أعلم -.
النوع العاشر: المنقطع
النوع العاشر: المنقطع 71-قوله/ (ي156) (ص) 1: "بعد أن ذكر في أمثلة المنقطع رواية عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق"2 ... الحديث. فهذا الإسناد إذا تأمله الحديثي ظنه متصلا إلى آخره، وفيه أمران: أحدهما: أن هذا المثال إنما يصلح للحديث المدلس لأن كل راو من رواته قد لقي شيخه فيه وسمع منه وإنما طرأ الانقطاع فيه من قبل التدليس. والأولى في مثال المنقطع أن يذكر ما انقطاعه فيه من عدم اللقاء - كمالك عن ابن عمر - رضي الله عنه -، والثوري عن إبراهيم النخعي/ (?92/أ) وأمثال ذلك. الثاني: قوله: أن الحديثي إذا تأمله ظنه متصلا، يريد بقوله الحديثي المبتدى في طلب الحديث. وقد ظن بعضهم أنه أراد به المحدث، فقال: "كان ينبغي أن يقول: غير الحديثي، لأن المحدث إذا نظر في إسناد فيه مدلس قد عنعنه لم يحمله على الاتصال من أجل التدليس، فالأليق3 حمل كلامه على أنه أراد بقوله الحديثي المبتدي - والله أعلم -.
72- قوله: (ص) 1: "ومنها 2: ما حكاه الخطيب عن بعض أهل العلم بالحديث أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفا عليه"3. قلت: والمبهم المذكور هو: الحافظ أبو بكر: أحمد بن إبراهيم البرديجي، ذكر ذلك في جزء له لطيف تكلم فيه على المرسل والمنقطع. وفات المصنف/ (ر81/أ) من حكاية في المنقطع ما قاله أبو الحسن إلكيا الهراسي4 في تعليقه، فإنه ذكر فيه: أن مصطلح المحدثين أن المنقطع ما يقول فيه الشخص: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير إسناد أصلا. والمرسل: ما يقول فيه حدثني فلان عن رجل. قال ابن الصلاح في فوائد رحلته: "هذا لا يعرف عن أحد من المحدثين ولا عن غيرهم، وإنما هو من كسبه5 - والله أعلم –". ثم إن المصنف لم يتعرض لحكم المنقطع كما تعرض لحكم المرسل وحكاية الخلاف في قبوله ورده. وقد قال ابن/ (ي157) السمعاني: "من منع من قبول المرسل، فهو أشد منعا لقبول المنقطعات، ومن قبل المراسيل اختلفوا". قلت: وهذا على مذهب من يفرق بين المرسل والمنقطع، أما من يسمي الجميع مرسلا على ما سبق تحريره 6، فلا - والله أعلم -.
وكذلك/ (92/ب) لم يذكر المصنف مدارك الانقطاع، وقد ذكر منه1 شيئا في "النوع الثامن والثلاثين"2 وهو: المراسيل الخفي إرسالها، وسأذكر بسط ذلك هناك إن شاء الله - والله أعلم -.
النوع الحادي عشر: المعضل
النوع الحادي عشر: المعضل 73- قوله/ (ب 189) (ص) : "المعضل اصطلاحا: وهو عبارة عما سقط منه اثنان فصاعدا 1 ... إلى آخره". قلت: وجدت التعبير بالمعضل في كلام الجماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء البتة. فمن ذلك: ما قال محمد بن يحيى الذهلي - في الزهريات -: حدثنا أبو صالح الهراني2 ثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعتكف فيمر بالمريض فيسلم عليه ولا يقف". قال/ (ر82/ب) الذهلي: "هذا حديث معضل لا وجه له إنما هو فعل عائشة - رضي الله عنها - ليس للنبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ذكر والوهم فيما نرى من ابن لهيعة"3.
ومن ذلك: قال النسائي - في اليوم الليلة -: ثنا يزيد بن سنان1 نا مكي بن إبراهيم2، عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر - رضي الله تعالى عنه - قال: "متعتان كانتا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.." الحديث. قال النسائي:" هذا حديث معضل لا أعلم من رواه غير مكي، لا بأس به، لا أدري من أنبأني به". ومن ذلك قال أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني3 - في ترجمة ضبارة بن عبد الله4 أحد الضعفاء -: "روى حديثا معضلا"5 وهو متصل الإسناد.
وقال ابن عدي - في ترجمته زهير بن مرزوق - في "الكامل": قال ابن معين: "لا أعرفه". قال:/ (ي 158) "وإنما قال ابن معين ذلك لأنه ليس له إلا حديث معضل وساقه، وإسناده متصل1 / (? 93/أ) ". وقال الحاكم أبو أحمد - في ترجمة الوليد بن محمد الموقري -2: "كتبنا له عن المسيب بن واضح3 أحاديث مستقيمة، ولكن حاجب4
ابن الوليد/ (ب190) وعلي بن حجر1 حدثا2 عنه بأحاديث معضلة. وقال ابن عبد البر: "في حديث رواه عبد الجبار بن أحمد السمرقندي عن محمد بن عبد الله المنقري عن ابن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا: "من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه". لا مدخل لسعيد ولا لأبي هريرة - رضي الله عنه - في هذا الحديث، وإنما رواه الزهري عن علي بن الحسين - رضي الله عنه -3 / (ر82/أ) وهذا مما أخطأه فيه عبد الجبار وأعضله.
قال أبو الفتح الأزدي1- في ترجمته محمد بن عبد الله بن زياد الأنصاري - 2: "روى عن ملك بن دينار معاضيل"3. ونسخة هذا الرجل هي عن مالك بن دينار عن أنس- رضي الله عنه - وغيره، ولا انقطاع فيها. فإذا تقرر هذا فإما أن يكونوا يطلقون المعضل لمعنيين، أو يكون المعضل الذي عرف به المصنف وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، وهذا 4 الذي نقلناه 5 من كلام هؤلاء الأئمة بكسر الضاد ويعنون به المستغلق الشديد. وفي الجملة فالتنبيه على ذلك كان متعينا. فإن قيل: فمن سلف المصنف - في نقله - أن هذا النوع يختص بما سقط من إسناده اثنان فصاعدا؟ قلنا: سلفه في ذلك علي بن المديني ومن تبعه. وقد حكاه الحاكم في علوم الحديث عنهم. فإنهم قالوا: المعضل: أن يسقط بين الرجل وبين النبي - صلى الله عليه
وسلم - أكثر من رجل والفرق بينه وبين المرسل أن/ (93/ب) المرسل مختصر التابعين دون غيرهم1 - والله الموفق -. 74- قوله (ص) : "ولا التفات في ذلك إلى معضا بكسر الضاد"2. اعترض عليه مغلطاي/ (ي 159) بناء على فهمه من كلامه أن مراده نفي جواز استعمال معضل - بكسر الضاد - فقال: "كأنه يريد أن كسر الضاد من معضل ليس عربيا3. وليس كذلك فإن صاحب الموعب حكاها. وفي الأفعال: عضل الشيء عضلا: أعوج - يعني - فهو معضل". قلت: ولم يرد ابن الصلاح نفي ذلك مطلقا، وإنما أراد أنه لا يؤخذ منه معضل بفتح الضاد، لأن معضل بكسر الضاد من رباعي قاصرة، والكلام إنما هو في رباعي متعد4. وعضيل: يدل عليه، لأن فعيلا بمعنى مفعل إنما يستعمل في المتعدي. وقد فسر عضيل بمستغلق بفتح اللام فتبين أنه رباعي متعد وذلك يقتضي صحة قولنا معضل بفتح الضاد، وهو المقصود. هكذا قرره شيخنا شيخ الإسلام. ثم قال: "وفي الجملة فالأحسن أن يكون من أعضلته إذا صيرت أمره معضلا"5.
قلت: فكأن المحدث الذي حدث به على ذلك الوجه أعضله فصار معضلا، وبهذا التقرير يندفع الإشكال1 - والله أعلم-. 75- قوله (ص) : "وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثا موقوفا وهو متصل مسند"....2 إلى آخره. مراده بذلك تخصيص هذا القسم الثاني من قسمي المعضل- بما اختلف الرواة فيه على التابعي، بأن يكون بعضهم وصله مرفوعا، وبعضهم وقفه على التابعي، بخلاف القسم الأول، فإنه أعم من أن يكون له إسناد آخر متصل أم لا. تنبيه: قال الجوزجاني3- في/ (? 94/أ) مقدمة كتابه في الموضوعات: "المعضل أسوأ حالا من المنقطع، والمنقطع أسوأ حالا من المرسل والمرسل لا تقوم به حجة"4.
قلت: وإنما يكون المعضل أسوأ حالا من المنقطع إذا كان الانقطاع في موضع واحد من الإسناد، وأما إذا كان في موضعين أو أكثر، فإنه يساوي المعضل في سوء/ (ي 160) الحال/ (ب192) - والله تعالى أعلم -. 36- قوله (ع) : "وقد استشكل كون هذا الحديث معضلا لجواز أن يكون الساقط بين مالك وبين أبي هريرة - رضي الله عنه - واحدا.... 1" إلى آخره. أقول: بل السياق يشعر عدم السقوط، لأن (معنى) 2 قوله بلغني يقتضي ثبوت مبلغ، فعلى هذا فهو متصل في إسناده مبهم لا أنه منقطع. وقول الشيخ في الجواب: "إنا عرفنا منه سقوط اثنين" 3 فيه نظر على اختياره، أنه يرى أن الإسناد الذي فيه مبهم لا يسمى منقطعا كما صرح به، فعلى هذا لم يسقط من الإسناد بعد التبين سوى واحد. وأما أبو نصر4 الذي نقل أنه يسمى معضلا، فجرى على طريقة من يسمى الإسناد إذا كان فيه مبهم منقطعا - والله أعلم -.
37- قوله /أ (ع) : "في الإسناد المعنعن والصحيح أنه من قيبل الإسناد المتصل وكاد أبو عمر ابن عبد البر أن يدعي إجماع أئمة النقل على ذلك"1. إنما عبر هنا بقوله: كاد؛ لأن ابن عبد البر إنما جزم إجماعهم على قبوله، ولا يلزم منه إجماعهم على أنه من قبيل المتصل. 76- قوله: ب (ص) : فيه "وادعى أبو عمرو الداني إجماع أهل النقل على قبوله" 2. قلت: إنما أخذه الداني من كلام الحاكم، ولا شك أن نقله عنه أولى لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه وابن الصلاح كثير النقل من كتابه، فالعجب 3 كيف نزل عنه إلى النقل/ (94/ب) عن الداني. قال الحاكم: "الأحاديث المعنعنة التي ليس فيها تدليس متصلة بإجماع أئمة النقل"4. وأعجب من ذلك أن الخطيب قاله في الكفاية5 التي هي6 معول المصنف في هذا المختصر، فقال: "أهل العلم مجمعون7 على أن قول المحدث: حدثنا فلان عن فلان صحيح معمول به إذا كان شيخه الذي ذكره/ (ب ص 193) يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه/ (ر 83/ب) ولقيه وسمع منه، ولم يكن هذا المحدث مدلسا.
(ولا يعلم أنه يستجيز) 1 إذا حدثه شيخه عن بعض من أدركه حديثا/ (ي161) نازلا فسمى بينهما في الإسناد من حدثه به - أن يسقط شيخ شيخه ويروي الحديث عاليا بعد أن يسقط الواسطة. قلت: ومراد الخطيب بهذا الاحتراز أن لا يكون المعنعن مدلسا ولا مسويا2، ولكن في نقل الإجماع بعد هذا كله نظر، فقد ذكر الحارث المحاسبي 3 - وهو من أئمة الحديث والكلام - في كتاب له سماه "فهم السنن" ما4 ملخصه: "أن أهل العلم اختلفوا فيما يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال: الأول: أنه لا بد أن يقول كل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإذا لم يقولوا كلهم ذلك أو لم يقله بعضهم، فلا يثبت لأنهم عرف من عادتهم الرواية بالعنعنة فيما لم يسمعوه. الثاني: التفرقة بين المدلس وغيره، فمن عرف لقيه وعدم تدليسه قبل وإلا فلا. الثالث: من عرف لقيه وكان يدلس لكن لا يدلس إلا عن ثقة قبل وإلا فلا. ففي حكاية القول الأول خدش في دعوى الإجماع السابق إلا أن يقال إن
الإجماع راجع إلى ما استقر عليه الأمر بعد انقراض/ (95/أ) الخلاف السابق فيخرج على المسألة الأصولية في قبول1 الوفاق بعد الخلاف. ومع ذلك فقد قال القاضي أبو بكر ابن الباقلاني: "إذا قال الصحابي - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال كذا أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (ر84/أ) قال كذا، لم يكن ذلك صريحا في أنه سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم - هو محتمل لأن قد سمعه منه أو من غيره عنه. فقد حدث جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بأحاديث، ثم ظهر أنهم سمعوها من بعض الصحابة - رضي الله عنهم –"2. قلت: وهذا بعينه هو البحث في مرسل الصحابي3- رضي الله عنهم - وقد قدمت ما فيه4، وأن الجمهور على جعله حجة. وإنما الكلام هنا في أن/ (ي162) العنعنة ولو كانت من غير المدلس هل تقتضي السماع أم لا فكلام القاضي يؤيد ما نقله الحارث المحاسبي عن أهل القول الأول - والله أعلم -. تنبيه: حاصل كلام المصنف أن الفظ (عن) ثلاثة أحوال: أحدها: أنها بمنزلة حدثنا وأخبرنا بالشرط السابق.
الثاني: إنها ليست بتلك المنزلة إذا صدرت عن مدلس وهاتان (الحالتان) 1 مختصتان بالمتقدمين. وأما المتأخرون وهم من بعد الخمسمائة وهلم جرا فاصطلحوا عليها للإجازة، فهي بمنزلة أخبرنا، لكنه إخبار جملي كما سيأتي تقريره في الكلام على الإجازة وهذه الحالة الثالثة. ولأجل هذا قال المصنف2: "لا يخرجها ذلك (من) 3 قبيل الاتصال4إلا أن الفرق بينهما وبين الحالة الأولى مبني على الفرق فيما بين السماع والإجازة، لكون السماع أرجح - والله أعلم –". وإذا تقرر هذا فقد فات المصنف حالة أخرى/ (95/ب) لهذه اللفظة وهي خفية جدا قل من نبه عليها، بل لم ينبه عليها أحد من المصنفين في علوم الحديث مع شدة الحاجة إليها وهي إنها ترد ولا يتعلق بها حكم باتصال ولا انقطاع بل يكون المراد بها سياق القصة سواء أدركها الناقل أو لم يدركها ويكون/ (ر84/ب) هناك شيء محذوف مقدر/ (ب 195) ومثال ذلك: ما أخرجه ابن أبي خيثمة5 في "تأريخه" عن أبيه6 قال: ثنا أبو بكر بن
عياش. ثنا أبو إسحاق عن أبي الأحوص 1 أنه خرج عليه خوارج فقتلوه. فهذا لم يرد أبو إسحاق بقوله عن أبي الأحوص أنه أخبره به وإنما فيه شيء محذوف تقديره عن قصة أبي الأحوص أو عن شأن أبي الأحوص أو ما أشبه ذلك، لأنه لا يمكن أن يكون أبو الأحوص حدثه بعد قتله. ونظير ذلك: ما رواه ابن مندة في المعرفة في ترجمة معاوية بن معاوية الليثي قال: أنا محمد بن يعقوب2: ثنا ابن أبي داود3 ثنا يونس بن محمد ثنا صدقة بن أبي سهل4، عن يونس بن عبيد5 عن الحسن عن معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان/ (ي163) غازيا بتبوك، فأتاه
جبريل عليه الصلاة والسلام، فقال: يا محمد هل لك في جنازة معاوية بن معاوية؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: نعم. فقال جبريل عليه السلام: هكذا بيده، ففرج له عن الجبال والآكام" فذكر الحديث. قال ابن مندة: "هكذا قال يونس بن محمد عن معاوية والصواب مرسل". قلت: ووجه الإشكال فيه أن معاوية - رضي الله عنه - مات في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - (كما ترى) 1، فكيف يتهيأ للحسن أن يسمع منه قصة موته، ويحدث بها عنه. وما المراد إلا ما ذكرت أنه لم يقصد/ (96/أ) بقوله: "عن معاوية" الرواية وإنما يحمل على محذوف تقديره عن قصة معاوية بن معاوية - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى آخره. فيظهر حينئذ الإرسال. ونظير ذلك: ما ذكره موسى بن هارون/ (ر85/أ) الحمال ونقله عنه أبو عمر ابن عبد البر في كتاب التمهيد/ (ب ص 196) فقال: روى مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن إبراهيم التيمي2 عن عيسى بن طلحة34 عن عمير بن سلمة5 عن البهزي6 قال:
"إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج يريد مكة وهو محرم حتى إذا كان بالروحاء إذا حمار وحشي عقير، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "دعوه، فإنه يوشك أن يأتي صاحبه فجاء البهزي وهو صاحبه، فقال: شأنكم به" 1.. الحديث. هكذا رواه مالك2 وتابعه غيره3. وظاهر هذا يعطي أن عمير4 بن سلمة رواه عن البهزي وليس كذلك بل عمير بن سلمة حضر القصة وشاهدها كلها، فقد رواه الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد5 عن محمد بن إبراهيم عن عيسى بن طلحة عن عمير بن سلمة قال: "بينما نحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " فذكر هذا الحديث. وكذا رواه عبد ربه بن سعيد6 عن محمد بن إبراهيم. وكذا رواه حماد بن زيد وغير واحد عن يحيى بن سعيد شيخ مالك.
قال موسى بن هارون: "والظاهر أن قوله: عن البهزي من زيادة يحيى بن سعيد كان أحيانا يقولها، وأحيانا لا يقولها، وكان هذا جائزا عند المشيخة/ (ي 164) الأولى أن يقولوا: عن فلان، ولا يريدون بذلك الرواية وإنما معناه1 عن قصة فلان". انتهى كلام موسى بن هارون ملخصا2. وهو صريح فيما قصدناه. وقال ابن عبد البر - في حديث - بسر بن سعيد3 عن أبي سعيد الخدري عن أبي موسى الأشعري - رضي الله تعالى عنه - في قصة الاستئذان ثلاثا: "ليس المقصود من هذا/ (ر85/ب) رواية أبي سعيد الخدري - رضي الله تعالى عنه - لهذا الحديث عن أبي موسى لأن أبا موسى سمعه/ (ب197) من النبي - صلى الله عليه وسلم - وشهد بذلك لأبي سعيد عند عمر - رضي الله عنه - وإنما وقع هذا على سبيل التحرز، والمراد عن أبي سعيد، عن قصة أبي موسى4- رضي الله عنه –". قلت: وأمثلة هذا كثيرة ومن تتبعها وجد سبيلا إلى التعقب على أصحاب المسانيد، ومصنفي الأطراف، في عدة مواضع يتعين الحمل فيها على ما وصفنا من المراد بهذه العنعنة - والله أعلم -. 77- قوله (ص) : "فروينا عن مالك أنه كان يرى "عن فلان" و"أن فلانا" سواء وعن أحمد بن حنبل أنهما ليسا سواء"5. قلت: ليس كلام كل منهما على إطلاقه، وذلك يتبين من نص سؤال كل منهما عن ذلك.
أما مالك، فإنه سئل عن قول الراوي: "عن فلان أنه قال: كذا" و"أن فلانا قال: كذا"1. فقال: "هما سواء", وهذا واضح. وأما أحمد، فإنه قيل له: إن رجلا قال: عن عروة عن عائشة، وعن عروة أن عائشة - رضي الله عنها - سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هما سواء؟ فقال: "كيف يكونان سواء؟ ليسا سواءا"2. فقد ظهر الفرق بين مراد مالك وأحمد. وحاصله أن الراوي إذا قال: "عن فلان" فلا فرق أن يضيف إليه القول أو الفعل في اتصال ذلك عند الجمهور بشرطه السابق3. وإذا قال إن فلانا ففيه فرق وذلك أن ينظر، فإن كان خبرها قولا لم يتعد لمن لم يدركه التحقت بحكم "عن" بلا خلاف. كأن/ (97/أ) يقول التابعي: أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال/ (ي 165) : "سمعت كذا"، فهو نظير ما لو قال: "عن/ (ر86/أ) أبي هريرة أنه قال: "سمعت كذا". وإن كان خبرها فعلا نظر إن كان/ (ب 198) (الراوي) 4 أدرك ذلك التحقت بحكم "عن" وإن كان لم يدركه لم تلتحق بحكمها. فكون يعقوب بن شيبة قال في رواية عطاء عن ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - هذا مرسل. إنما هو من جهة كونه أضاف إلى صيغة الفعل الذي لم يدركه ابن الحنفية، وهو مرور عمار.
إذ لا فرق أن يقول ابن الحنفية: أن عمارا مر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر بعمار، فكلاهما سواء في ظهور الإرسال، ولو كان أضاف إليها القول كأن يقول: عن ابن الحنفية أن عمارا قال: مررت بالنبي - صلى الله عليه وسلم - لكان ظاهر الاتصال. وقد نبه شيخنا على هذا الموضع1 فأردت زيادة إيضاحه، ثم إنه نقل عن ابن المواق تحرير ذلك2، واتفاق المحدثين على الحكم بانقطاع ما هذا سبيله، وهو كما قال، لكن في نقل الاتفاق نظر. وقد قال ابن عبد البر - في الكلام على حديث ضمرة عن عبيد الله بن عبد الله قال: "إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سأل أبا واقد الليثي ماذا كان يقرأ به النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأضحى والفطر"3 ... الحديث. قال: قال قوم: هذا منقطع؛ لأن عبيد الله لم يلق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وقال قوم: بل هو متصل؛ لأن عبيد الله لقي أبا واقد.
قلت: وهذا وإن كنا لا نسلمه لأبي عمر، فإنه يخدش في نقل الاتفاق. وقد نص ابن خزيمة على انقطاع حديث عبيد الله هذا 1. ونظيره: ما رواه ابن خزيمة2 - أيضا –/ (97/ب) قال: حدثنا محمد بن حسان ثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان عن عاصم عن أبي عثمان، عن بلال -رضي الله عنه - أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا تسبقني بآمين"3. قال ابن خزيمة/ (ب199) : "هكذا أملاه علينا. والرواة يقولون في هذا الإسناد: عن أبي عثمان أن بلالا - رضي الله عنه - قال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: فإن كان محمد بن حسان حفظ فيه هذا الاتصال فهو غريب. وأمثلة ذلك كثيرة".
78- قوله/ (ي166) : (ص) : "عن أبي بكر البرديجي"1. قال المصنف في حاشية كتابه: "برديج على وزن فعليل - بفتح أوله - بليدة بينها وبين بردعة نحو أربعة عشر فرسخا، ولهذا يقال لهذا الحافظ البرديجي والبردعي قال: ومن نحا بها نحو أوزان كلام العرب كسر أولها نظرا إلى أنه ليس في كلامهم فعليل - بفتح الفاء - وكأنه يشير بذلك إلى ما وقع في العباب للصاغاني. فإنه قال - فيه -: "برديج بكسر أوله - بليدة بأقصى أذربيجان والعامة يفتحون باءها". فأراد المصنف أن من نطق بها على مقتضى تسميتها العجمية فتح الباء على الحكاية، ومن سلك بها مسلك أهل العربية كسر الباء –والله أعلم. 79- قوله (ص) : "حكاية عن ابن عبد البر الإجماع على أن الإسناد المتصل بالصحابي2. سواء قال فيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال أو سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول"3. قلت: حذف ابن الصلاح فيه كلام ابن عبد البر4.
80- قوله (ص) : "وقد قيل: إن القول الذي رده مسلم/ (?98/أ) هو الذي عليه أئمة هذا العلم: علي بن المديني والبخاري وغيرهما"1. قلت: ادعى بعضهم2 أن البخاري إنما التزم ذلك في جامعه لا في أصل الصحة، وأخطأ في هذه الدعوى، بل هذا شرط في أصل الصحة عند البخاري/ (ب ص 200) ، فقد أكثر من تعليل الأحاديث في تاريخه بمجرد ذلك. وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي - رضي الله عنه - فإنه/ (ر87/أ) قال في "الرسالة"3 في باب خبر الواحد: "فإن قيل: فما بالك قبلت ممن لا تعرفه بالتدليس أن يقول: "عن" وقد يمكن فيه أن يكون لم يسمعه؟ فقلت له: المسلمون العدول أصحاء الأمر4 وحالهم في أنفسهم غير حالهم في غيرهم، ألا ترى أني5 إذا عرفتهم بالعدالة في/ (ي 167) أنفسهم قبلت شهادتهم، وإذا شهدوا على شهادة غيرهم لم أقبل حتى أعرف حاله. وأما قولهم عن أنفسهم، فهو على الصحة حتى يستدل من فعلهم بما يخالف ذلك، فنحترس6 منهم في [الموضع] 7 الذي خالف فعلهم فيه ما يجب عليهم. ولم أدرك أحدا من أصحابنا يفرق بين أن يقول حدثني فلان أو سمعت فلانا أو عن فلان إلا فيمن دلس، فمن كان بهذه المثابة قبلنا منه ومن عرفناه دلس مرة، فقد أبان لنا عورته، فلا نقبل منه حديثا حتى يقول: حدثني أو سمعت" ... إلى آخر كلامه8.
فذكر أنه إنما قبل العنعنة لما ثبت عنده أن المعنعن غير مدلس، وإنما يقول عن فيما سمع فأشبه ما ذهب إليه البخاري من أنه إذا ثبت اللقي ولو مرة حملت عنعنة غير المدلس على السماع مع احتمال أن لا يكون سمع بعض ذلك أيضا، والحامل للبخاري على اشتراط ذلك تجويز أهل ذلك العصر للإرسال فلو لم يكن مدلسا، وحدث عن بعض من عاصره لم يدل ذلك على أنه سمع منه، لأنه وإن كان غير مدلس، فقد يحتمل أن يكون أرسل عنه لشيوع الإرسال بينهم، فاشترط أن يثبت أنه لقيه وسمع منه ليحمل ما يرويه عنه بالعنعنة على السماع، لأنه لو لم يحمل على السماع لكان مدلسا والغرض السلامة من التدليس. فتبين رجحان مذهبه. وأما احتجاج مسلم على فساد ذلك بأن لنا أحاديث اتفق الأئمة على صحتها، ومع ذلك ما رويت إلا معنعنة ولم يأت في/ (ر87/ب) خبر قط أن بعض رواتها لقي شيخه، فلا يلزم من نفى ذلك عنده نفيه في نفس الأمر. وقد ذكر علي بن المديني في "كتاب العلل" أن أبا عثمان النهدي لقي عمر وابن مسعود وغيرهما، وروى عن أبي بن كعب وقال في بعض1 حديثه: حدثني أبيّ بن كعب، انتهى. وقد قطع مسلم بأنه لم يوجد في رواية بعينها أنه لقي أبي بن كعب أو سمع منه. وأعجب من ذلك أنا وجدنا بطلان بعض ما نفاه في نفس صحيحه. من ذلك: قوله/ (ي 168) 2:
"وأسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ثلاثة أحاديث". وقال: في آخر كلامه: "فكل هؤلاء التابعين الذين نصبنا1 روايتهم2 عن الصحابة - رضي الله عنهم - الذين سميناهم لم يحفظ عنهم سماع علمناه3 منهم في رواية بعينها ولا أنهم لقوهم في نفس خبر بعينه" انتهى. وقد/ (?99/أ) روى في صحيحه في كتاب المناقب4 من طريق أبي حازم5، عن سهل بن سعد 6 - رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "أنا فرطكم على الحوض ... " الحديث إلى أن قال: "ثم يحال بيني وبينهم" قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش7 وأنا أحدث بهذا الحديث فقال: "أهكذا سمعت سهلا يقول؟ فقلت: نعم". قال: "فأنا أشهد على أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - لسمعته/ (ب202) يقول: إنهم مني فيقال: "إنك لا تدري ما عملوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن بدل بعدي".
وأخرج - أيضا - في كتابه صفة الجنة في صحيحه1 من طريق أبي حازم أيضا عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -/ (ر88/أ) قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن أهل الجنة ليتراءون الغرفة في الجنة كما يتراءون الكوكب في السماء". قال: فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال: سمعت أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - يقول: "كما ترون2 الكوكب الدري في الأفق الشرقي أو الغربي". وأخرج أيضا عن أبي حازم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - في الكتاب المذكور3 حديث "إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها". فقال النعمان: حدثني أبو سعيد - رضي الله عنه - بلفظ: "يسير الراكب الجواد المضمر السريع". فهذه الثلاثة الأحاديث التي أشار إليها قد ذكرها هو في كتابه مصرحا فيها بالسماع، فكيف لا يجوز ذلك في غيرها. وإنما كان يتم له النقض والإلزام لو رأى في صحيح البخاري حديثا معنعنا/ (ي 169) لم يثبت لقي راويه لشيخه فيه، فكان ذلك/ (?99/ب) واردا عليه، وإلا فتعليل البخاري لشرطه المذكور متجه- والله أعلم -. 81- قوله (ص) 4: "وهذا الحكم لا أراه يستمر- بعض المتقدمين فيما5 وجد من المصنفين ... " إلى آخره.
يعني بالمصنفين غير المحدثين، فتبين أن ما وجد1 في عبارات المتقدمين من هذه الصيغ، فهو محمول على السماع بشرطه إلا من عرف من عادته استعمال اصطلاح حادث، فلا - والله أعلم -. 82- قوله (ص) 2: في الكلام على التعليق: "والبخاري قد يفعل3 ذلك، لكون ذلك الحديث معروفا من جهة الثقات عن ذلك الشخص علقه عنه". اعترض عليه مغلطاي بأن الكلام يحتاج إلى تثبيت فيه فإني لم أره لغيره. قلت: قد سبقه إلى ذلك الإسماعيلي، ومنه نقل ابن الصلاح كلامه فإنه قال - في المدخل إلى المستخرج الذي صنفه على صحيح البخاري - ما نصه: "كثيرا ما يقول البخاري: قال فلان وقال فلان عن فلان" فيحتمل أن يكون إعراضه عن التصريح بالتحديث لأوجه. [أوجه تعليقات البخاري] : أحدها: أن لا يكون قد سمعه عاليا4 وهو معروف من جهة الثقات عن ذلك المروي عنه، فيقول: قال فلان مقتصرا على صحته وشهرته من غير جهته. الثاني: أن يكون قد ذكره في موضع آخر بالتحديث، فاكتفى عن إعادته ثانيا. والثالث: أن يكون سمعه ممن ليس هو على شرط كتابه فنبه على الخبر المقصود بذكر من رواه لا على وجه التحديث به عنه. قلت: ومن تأمل تعاليق البخاري حيث لم5 تتصل لم يجدها تكاد أن
تخرج عن هذه الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي/ (100/أ) ولكن بقي عليه، أن يذكر السبب الحامل له على إيراد ما ليس على شرطه في أثناء ما هو على شرطه وقد/ (ي170) بينت مقاصده في ذلك في مقدمة تغليق التعليق1 وأشرت في أوائل هذه الفوائد إلى طرف من ذلك وحاصله أنه أيضا على أوجه: أحدها: أن يكون كرره، وهذا قد تداخل مع الأوجه التي ذكرها الإسماعيلي. ثانيها: أن يكون أوردها في معرض المتابعة والاستشهاد لا على سبيل الاحتجاج ولا شك أن المتابعات يتسامح فيها بالنسبة إلى الأصول، وإنما يعقلها وإن كانت عنده مسموعة، لئلا يسوقها مساق الأصول. وثالثها: أن يكون إيراده لذلك منبها على موضع يوهم تعليل الرواية التي على شرطه، كأنه يروي حديثا من طريق سفيان الثوري عن حميد 2 عن أنس - رضي الله عنه - ويقول بعده: قال يحيى بن أيوب عن حميد سمعت أنسا - رضي الله عنه - فمراده بهذا التعليق أن هذا مما سمعه حميد لئلا يتوهم متوهم أن الحديث معلول بتدليس حميد. فإن قيل: فلم يسقه من طريق يحيى بن أيوب السالم من هذه العلة ويقتصر عليه؟ قلنا: لأن يحيى بن أيوب ليس على شرطه ولو كان فالثوري أجل وأحفظ فنزَّل كلا منهما منزلته التي يستحقها، ذاك في الاحتجاج به، وهذا في المتابعة القوية - والله أعلم -. 83- قوله (ص) : "وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسما من التعليق ثانيا وأضاف إليه مثل قول البخاري: وقال/ (?100/ب) لي فلان فوسم ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر المنفصل من حيث المعنى ... "3 إلى آخر كلامه.
قلت: لم يصب هذا المغربي في التسوية بين قوله: "قال فلان" وبين قوله "قال لي فلان"، فإن الفرق بينهما ظاهر لا يحتاج إلى دليل فإنّ "قال لي" مثل التصريح في السماع و"قال" المجردة ليست صريحة أصلا. وأما ما حكاه عن أبي جعفر ابن حمدان وأقره أن البخاري إنما يقول "قال لي"/ (ي171) - في العرض والمناولة - ففيه نظر؛ فقد رأيت في الصحيح عدة أحاديث قال فيها ب ص 205 قال لنا فلان وأوردها في تصانيفه خارج الجامع بلفظ حدثنا. ووجدت في الصحيح عكس ذلك. وفيه دليل على أنمها مترادفان. والذي تبين لي بالاستقراء من صنيعه أنه لا يعبر في الصحيح بذلك إلا في الأحاديث الموقوفة أو المستشهد بها فيخرج ذلك حيث يحتاج إليه عن أصل مساق الكتاب. ومن تأمل ذلك في كتابه وجده كذلك - والله الموفق -. 37- قوله (ع) : "والبخاري ليس مدلسا"1. أقول: لا يلزم من كونه يفرق في مسموعاته بين صيغ الأداء من أجل مقاصد تصنيفه أن يكون مدلسا. ومن هذا الذ/ (1ي) صرح أن استعمال "قال" إذا عبر بها المحدث عما رواه أحد2 مشايخه [مستعملا لها] 3 فيما لم يسمعه منه يكون تدليسا. لم نرهم صرحوا بذلك إلا في العنعنة. وكأن ابن الصلاح أخذ ذلك من عموم قولهم: "إن حكم عن وأن وقال وذكر -واحد".
وهذا على تقدير تسليمه لا يستلزم التسوية بينها من كل جهة، كيف وقد نقل ابن الصلاح عن الخطيب أنّ كثيرا من أهل الحديث/ (101/أ) لا يسوون بين "قال" و"عن" في الحكم. فمن أين يلزم أن يكون حكمهما عند البخاري واحدا. وقد بينا الأسباب الحاملة للبخاري على التعاليق. فإذا تقرر ذلك لم يستلزم التدليس لما وصفنا. وأما قول ابن مندة: "أخرج البخاري"1 قال: وهو تدليس، فإنما يعني به أن حكم ذلك عنده هو2 حكم التدليس ولا يلزم/ (ر89/ب) أن يكون كذلك حكمه عند البخاري وقد جزم العلامة ابن دقيق العيد بتصويب الحميدي في تسميته ما يذكره البخاري عن شيوخه تعليقا إلا أنه (وافق ابن الصلاح في الحكم بالصحة لما جزم به وهو) 3 موافق لما قررناه على أن الحميدي/ (ب 206) لم يخرج4 ذلك فقد/ (ي172) سبقه إلى نحوه أبو نعيم شيخ شيخه، فقال في المستخرج عقب كل حديث أورده البخاري عن شيوخه بصيغة قال فلان كذا: "ذكره البخاري بلا رواية" - والله الموفق -. تنبيه: قال ابن حزم في كتاب الإحكام5: "اعلم أن العدل إذا روى عمن أدركه من العدول، فهو على اللقاء والسماع سواء قال: أخبرنا أو حدثنا أو6 عن فلان أو قال فلان، فكل ذلك محمول على السماع منه".انتهى.
فيتعجب منه مع 1 هذا في رده حديث المعازف ودعواه 2 عدم الاتصال فيه - والله الموفق -. 84- قوله (ص) : "وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار أو تعليق الطلاق ونحوه لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال"3. تعقبه شيخنا شيخ الإسلام بأن/ (101/ب) أخذه من تعليق الجدار ظاهر وأما تعليق الطلاق ونحوه فليس التعليق هناك لأجل قطع الاتصال، بل لتعليق أمر على أمر بدليل استعماله في الوكالة والبيع وغيرهما. ثم قال: إلا أن يريد به قطع اتصال حكم التنجيز باللفظ لو كان منجزا4. قلت: وهذا هو الذي يتعين مرادا للمصنف فيكون فيه تشبيه أمر معنوي [بأمر معنوي] 5 أو يكون مراده بالقطع الدفع6 لا الرفع، فإن التعليق منع من الاتصال كما ان الطلاق منع من الوصلة. ويأتي هذا أيضا/ (ر90/أ) في تعليق الجدار، فإنه منع من اتصاله بالأرض ووجه مناسبته أن سقوط الراوي منه منع من الحكم باتصاله - والله أعلم -. 85- قوله (ص) : "في ذكر الحديث الذي رواه بعض الثقات مرسلا وبعضهم متصلا - فحكى الخطيب أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل ... "7 إلى آخر كلامه8. وقد9 تبع الخطيب أبو الحسن ابن القطان على اختيار الحكم للرفع
أو الوصل مطلقا. وتعقبه أبو الفتح ابن سيد الناس قائلا بأن هذا ليس بعيدا من النظر إذا استويا في رتبة الثقة/ (ي173) والعدالة أو تقاربا؛ لأن الرفع زيادة على الوقف وقد جاء عن ثقة فسبيله القبول، فإن كان ابن القطان قال هذا على سبيل النظر فهو صحيح وإن كان قال نقلا عمن تقدمه، فليس لهم في ذلك عمل مطرد. قلت: قد صرح ابن القطان بأنه قال ذلك على سبيل الاختيار فإنه حكى هذا المذهب وقرره، ثم قال: "هذا هو الحق في هذا الأصل، وهو اختيار أكثر الأصوليين وكذا اختاره من المحدثين طائفة منهم: أبو بكر البزار لكن أكثرهم (يعني المحدثين) على الرأي الأول (يعني تقديم الإرسال على الوصل". وما اختاره ابن سيد الناس سبقه إلى ذلك شيخه ابن دقيق العيد فقال في مقدمة شرح الإلمام: "من حكى عن أهل الحديث أو أكثرهم أنه إذا تعارض رواية مرسل ومسند أو رافع وواقف أو ناقص وزائد أن الحكم للزائد فلم يصب في هذا الإطلاق، فإن ذلك ليس قانونا مطردا وبمراجعة1 أحكامهم الجزئية/ (ر90/ب) صواب ما نقول". وبهذا جزم الحافظ العلائي فقال: "كلام الأئمة المتقدمين في هذا الفن كعبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان وأحمد بن حنبل والبخاري وأمثالهم يقتضي أنهم لا يحكمون في هذه المسألة بحكم كلي (ب 208) بل عملهم في ذلك دائر مع الترجيح بالنسبة إلى ما يقوى عند أحدهم في كل حديث حديث"2.
قلت: وهذا العمل الذي حكاه عنهم إنما هو فيما يظهر لهم فيه الترجيح وأما ما لا يظهر فيه الترجيح، فالظاهر أنه المفروض في أصل المسألة1 وعلى2 هذا فيكون في كلام ابن الصلاح إطلاق في موضع التقييد3 وسيكون لنا عودة إلى هذا في الكلام على زيادة الثقة إن شاء الله تعالى - والله الموفق -. 86- قوله (ص) : "الحديث الذي رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا ... "4 إلى آخره. ما أدري/ (ي174) ما وجه إيراد هذا في تفاريع المعضل. بل هذا قسم مستقل وهو: تعارض الإرسال والاتصال والرفع والوقف. نعم، لو ذكره في تفاريع الحديث المعلل، لكان حسنا وإلا فمحل الكلام [فيه] 5 في زيادة الثقات كما أشار إليه. وقد أجبت عنه بأنه لما قال: "تفريعات" أراد أنها تنعطف على جميع الأنواع المتقدمة/ (102/ب) ومن جملتها: الموصول والمرسل والمرفوع والموقوف، فعلى هذا فالتعارض بين أمرين فرع عن 6 أصلهما - والله أعلم -. 87- قوله (ص) 7: "مثاله: لا نكاح إلا بولي"8. اعترض عليه: بأن التمثيل بذلك لا يصح، لأن الرواة لم تتفق على
إرسال شعبة وسفيان له عن أبي إسحاق، بل رواه النعمان بن عبد السلام1 عن شعبة وسفيان جميعا عن/ (ر91/أ) أبي إسحاق عن أبي بردة عن أبي موسى - رضي الله عنه - موصولا. أخرجه الحاكم في المستدرك2 من طريقه. والجواب: أن حديث النعمان هذا شاذ3 مخالف للحفاظ الأثبات من أصحاب شعبة وسفيان/ (ب 209) والمحفوظ عنهما أنهما أرسلاه لكن الاستدلال بأن الحكم للواصل دائما على العموم من صنيع البخاري في هذا الحديث الخاص ليس بمستقيم؛ لأن البخاري لم يحكم فيه بالاتصال من أجل كون الوصل زيادة وإنما حكم له بالاتصال لمعان أخرى رجحت عنده حكم الموصول. منها: أن يونس بن أبي إسحاق وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولا. ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم. ووافقهم على ذلك أبو عوانة4 وشريك النخعي وزهير بن معاوية5 وتمام
العشرة من أصحاب أبي إسحاق، مع اختلاف مجالسهم في الأخذ عنه وسماعهم إياه من لفظه. وأما رواية من أرسله وهما شعبة وسفيان، فإنما أخذاه عن أبي إسحاق في مجلس واحد. فقد رواه الترمذي قال: حدثنا محمود بن غيلان. ثنا أبو داود1- حدثنا شعبة قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق/ (ي 175) أسمعت أبا بردة - رضي الله عنه - يقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا نكاح إلا بولي" فقال: "نعم" 2. فشعبة وسفيان إنما أخذاه (معا) 3 في مجلس واحد عرضا كما ترى ولا يخفى رجحان ما أخذ من لفظ المحدث في مجالس متعددة على ما أخذ عنه عرضا في محل واحد. هذا إذا قلنا: حفظ سفيان وشعبة في مقابل عدد الآخرين4 مع أن الشافعي - رضي الله عنه - يقول: "العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد". فتبين أن ترجيح البخاري لوصل هذا الحديث على إرساله لم يكن لمجرد أن الواصل5 معه زيادة ليست مع المرسل، بل بما يظهر من قرائن الترجيح. ويزيد ذلك/ (ب ص 210) ظهورا تقديمه الإرسال في مواضع أخر6.
مثاله: ما رواه الثوري عن محمد بن أبي بكر بن حزم 1 عن عبد الملك2 بن أبي بكر3 بن عبد الرحمن، عن أبيه 4، عن أم سلمة5 - رضي الله عنها - قالت: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن شئت سبعت لك"6. ورواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن الحارث 7 أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأم سلمة8 - رضي الله عنها -:
قال البخاري - في تأريخه: "الصواب قول مالك" مع إرساله. فصوب الإرسال هنا لقرينة ظهرت له فيه، وصوب المتصل1 هناك لقرينة ظهرت له فيه. فتبين أنه ليس له عمل2 مطرد في ذلك3 - والله أعلم. 38- قوله (ع) : "والذي صححه الأصوليون هو: أن الاعتبار بما وقع منه أكثر ... "4 إلى آخره. هذا قول بعض الأصوليين كالإمام فخر الدين، وقد ذكر البيضاوي المسألة في المنهاج5 ومال إلى ترجيح القبول6 مطلقا.
ونقل الماوردي1 عن مذهب الشافعي/ (?103/ب) في مسألة الوقف والرفع أن الوقف يحمل على أنه رأي الراوي. والمسند على أنه روايته. قلت: ويختص هذا بأحاديث الأحكام أما ما لا مجال للرأي فيه فيحتاج إلى نظر. وما نقله الماوردي عن مذهب الشافعي قد جزم به أبو الفرج ابن الجوزي2 وأبو الحسن/ (ي 176) ابن القطان، وزاد أن الرفع/ (ر92/أ) يترجح بأمر آخر وهو تجويز أن يكون الواقف قد قصر في حفظه أو شك في رفعه. قلت: وهذا غير ما فرضناه في أصل المسألة - والله أعلم -. ثم إنه يقابل بمثله فيترجح الوقف بتجويز أن يكون الرافع تبع العادة وسلك الجادة/ (ب 211) . ومثال ذلك ما رواه محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال وهو بالحزورة: "والله إني لأعلم أنك خير أرض الله ... " 3 الحديث.
ورواه الزهري عن أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء1 - رضي الله عنه - وهو المحفوظ والحديث حديثه وهو مشهور به. وقد سمعه الزهري أيضا من محمد بن جبير بن مطعم2 عن عبد الله بن عدي - رضي الله عنه -3 وسلك محمد بن عمرو الجادة فقال عن أبي سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. واعلم أن هذا كله إذا كان للمتن سند واحد. أما إذا كان له سندان، فلا يجري فيه هذا الخلاف. وقد روى البخاري في صحيحه من طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا اختلطوا فإنما هو التكبير/ (? 104/أ) والإشارة بالرأس ... " الحديث وعن ابن جريج عن ابن كثير، عن مجاهد موقوفا. فلم يتعارض الوقف والرفع هنا، لاختلاف الإسنادين - والله أعلم -4.
88- قوله (ص) : "وما صححه (أي الخطيب) 1 فهو الصحيح في الفقه وأصوله"2. أقول: الذي صححه الخطيب - شرطه أن يكون الراوي عدلا ضابطا. أما الفقهاء والأصوليون، فيقبلون ذلك من العدل مطلقا، وبين الأمرين فرق كثير 3. وهنا شيء يتعين التنبيه/ (ر92/ب) عليه وهو: أنهم شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذا، وفسروا الشاذ بأنه ما رواه الثقة فخالفه من هو أضبط منه أو أكثر عددا ثم قالوا: تقبل الزيادة من الثقة مطلقا. وبنوا على ذلك أن من فسر معه زيادة (ب/ص212) ، فينبغي تقديم خبره على من أرسل مطلقا، فلو اتفق أن يكون من أرسل أكثر عددا أو أضبط حفظا أو كتابا على من وصل أيقبلونه أم لا؟ أم هل يسمونه شاذا أم لا؟ لا بد من الإتيان بالفرق أو الاعتراف بالتناقض.
والحق في هذا أن زيادة الثقة لا تقبل دائما، ومن أطلق ذلك عن الفقهاء والأصوليين، فلم يصب. وإنما يقبلون ذلك إذا استووا في الوصف ولم يتعرض بعضهم لنفيها لفظا ولا معنى. وممن صرح بذلك الإمام فخر الدين1 وابن الأبياري2 - شارح البرهان - وغيرهما. وقال ابن السمعاني3: "إذا كان راوي الناقصة لا يغفل4 أو كانت الدواعي5 تتوفر6 على نقلها أو كانوا جماعة لا يجوز عليهم أن يغفلوا عن تلك الزيادة وكان المجلس واحدا فالحق أن لا يقبل رواية راوي الزيادة/ (104/ب) 7 هذا الذي ينبغي". انتهى. وإنما أردت بإيراد هذا بيان أن الأصوليين لم يطبقوا على القبول8 مطلقا، بل الخلاف بينهم. وسأحكي إن شاء الله تعالى كلام أئمة الحديث وغيرهم في ذلك في النوع السادس عشر حيث تكلم المصنف على زيادات الثقات - والله أعلم -.
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس
النوع الثاني عشر: معرفة التدليس 89- قوله (ص) : "التدليس قسمان"1. قلت: هو مشتق من الدلس وهو: الظلام. قاله ابن السيد. وكأنه اظلم أمره على الناظر لتغطية وجه الصواب فيه. 90- قوله (ص) :2 "وهو أن يروي عن من لقيه ما لم يسمعه منه موهما3 أنه سمعه منه أو عمن (ب ص213) عاصره ولم يلقه، موهما أنه قد لقيه وسمعه منه". انتهى. وقوله: عمن عاصره ليس من التدليس في شيء، وإنما هو المرسل الخفي. كما سيأتي تحقيقه عند الكلام عليه. وقد ذكر ابن القطان في أواخر البيان4 له تعريف التدليس بعبارة غير معترضة قال: "ونعني به أن يروي المحدث عمن [قد] 5 سمع منه ما لم يسمعه منه من غير أن يذكر أنه سمعه منه. والفرق بينه وبين الإرسال هو: أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه، ولما كان في (ي 178) هذا قد سمع منه جاءت روايته عنه بما لم يسمعه منه كأنها إيهام سماعه ذلك الشيء، فلذلك سمي تدليسا" انتهى.
وهو صريح في التفرقة بين التدليس والإرسال. وأن التدليس مختص بالرواية عمن له عنه سماع، بخلاف الإرسال - والله أعلم. وابن القطان في ذلك متابع لأبي بكر البزار. وقد حكى شيخنا كلامهما ثم قال: "إن الذي ذكره المصنف/ (105/أ) في حد التدليس هو المشهور عن أهل الحديث، وأنه إنما حكى كلام البزار وابن القطان لئلا يغتر به"1. قلت: لا غرور هنا، بل كلامهما هو الصواب على ما يظهر لي في التفرقة بين التدليس والمرسل الخفي، وإن كانا مشتركين في الحكم. هذا ما يقتضيه النظر. وأما كون المشهور عن أهل الحديث خلاف ما قالاه ففيه نظر. فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان. قال الخطيب2: "التدليس متضمن الإرسال لا محالة؛ لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة، وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه قط وهو الموهن لأمره، فوجب كون التدليس متضمنا للإرسال والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمعه منه"3. ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس - والله أعلم -. 91- قوله (ص) : - في تدليس الشيوخ -: "وهو أن يروي عن شيخ فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كيلا يعرف"4. قلت: ليبس قوله بما لا يعرف به قيدا فيه بل إذا ذكره بما يعرف به إلا أنه لم يشتهر به كان ذلك تدليسا كقول الخطيب.
أخبرنا علي بن أبي علي البصري ومراده بذلك أبو القاسم علي بن أبي علي المحسن بن علي التنوخي1، وأصله من البصرة فقد ذكره بما يعرف به ولكنه لم يشتهر بذلك وإنما اشتهر بكنيته واشتهر أبوه باسمه واشتهر بنسبتهما إلى القبيلة لا إلى البلد، ولهذا نظائر كصنيع البخاري في/ (ي 179) الذهلي فإنه تارة يسميه فقط فيقول: حدثنا محمد بن عبد الله 2 فينسبه إلى جده، وتارة يقول: حدثنا/ (105/ب) محمد ابن خالد فينسبه إلى والد جده. وكل ذلك صحيح إلا أن شهرته إنما هي: محمد بن يحيى الذهلي - والله أعلم. 39- قوله (ع) : "ترك المصنف قسما ثالثا من أنواع التدليس وهو شر الأقسام3 ... " إلى آخره. أقول: فيه مشاحة وذلك أن ابن الصلاح قسم التدليس إلى قسمين4: أحدهما: تدليس الإسناد. والآخر: تدليس الشيوخ. والتسوية على تقدير تسليم تسميتها تدليسا هي من قبيل القسم الأول وهو تدليس الإسناد. فعلى هذا لم يترك قسما ثالثا، إنما ترك تفريع القسم الأول5. أو أخل بتعريفه ومشى على ذلك العلائي فقال: "تدليس السماع نوعان" (فذكره) 6.
وقد فاتهم/ (ر94/أ) معا من تدليس الإسناد فرع آخر وهو تدليس العطف وهو: أن يروي عن الشيخين من شيوخه ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه ويكون قد سمع ذلك من أحدهما دون الآخر، فيصرح عن الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع - أيضا - وإنما حدث بالسماع عن الأول ثم نوى القطع فقال: فلان أي حدث فلان. مثاله1: ما رويناه في "علوم الحديث" للحاكم قال2: "اجتمع أصحاب هشيم فقالوا: لا نكتب عنه اليوم شيئا مما يدلسه ففطن لذلك فلما جلس قال: حدثنا حصين ومغيرة عن إبراهيم فحدث بعدة أحاديث فلما فرغ قال هل دلست لكم شيئا؟ قالوا: لا فقال: بلى كل ما حدثتكم عن حصين فهو سماعي ولم أسمع من مغيرة من ذلك شيئا؟ وفاتهم أيضا فرع آخر وهو تدليس القطع مثاله ما رويناه في "الكامل" لأبي أحمد ابن عدي وغيره./ (106/أ) . عن عمر بن عبيد الطنافسي أنه كان يقول: حدثنا ثم يسكت ينوي القطع، ثم يقول: هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة - رضي الله عنها -. [التسوية أعم من التدليس:] وقد يدلسون بحذف الصيغ الموهمة فضلا عن المصرحة، كما كان ابن عيينة يقول: عمرو بن دينار سمع جابرا/ (ي180) - رضي الله عنه - ونحو ذلك، ولكن هذا كله داخل في التعريف الذي عرف به ابن الصلاح وهو قوله أن يروي عمن لقيه ما يسمعه3 منه موهما أنه سمعه بخلاف التسوية وهي أعم من أن يكون هناك تدليس أو لم يكن. فمثال: ما يدخل في التدليس، فقد ذكره الشيخ.
ومثال: ما لا يدخل في التدليس ما ذكره ابن عبد البر وغيره أن/ (ب 216) مالكا سمع/ (ر94/ب) من ثور بن زيد أحاديث عن عكرمة، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - ثم حدث بها عن ثور عن ابن عباس، وحذف عكرمة، لأنه كان لا يرى الاحتجاج بحديثه1. فهذا مالكا2 قد سوى الإسناد (بإبقاء) 3 من هو عنده ثقة وحذف من ليس عنده بثقة، فالتسوية قد تكون بلا تدليس وقد تكون بالإرسال فهذا4 تحرير القول فيها. وقد وقع هذا لمالك في مواضع أخرى: 1- فإنه روى عن عبد ربه بن سعيد5 عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن عائشة وأم سلمة - رضي الله عنها - في الصائم يصبح جنبا6 وإنما رواه عبد ربه عن عبد الله بن كعب الحميري عن أبي بكر بن عبد الرحمن - رضي الله عنه - كذا جزم به ابن عبد البر7 وكذا أخرجه
النسائي1 من رواية عمر بن الحارث عن عبد ربه2. 2- روى مالك عن عبد الكريم الجزري، عن ابن أبي ليلى عن كعب بن عجرة - رضي الله عنه - في الفدية3 وإنما رواه عبد الكريم عن مجاهد عن ابن أبي ليلى كذا قال ابن عبد البر أيضا4. 3- وروى مالك عن عمرو بن الحارث5، عن عبيد بن فيروز6، عن البراء - رضي الله عنه - في الأضاحي7، وإنما رواه عمرو، عن
سليمان بن عبد الرحمن1 عن عبيد. كذا رواه ابن وهب2، عن عمرو بن عمرو بن الحارث وهو مشهور من حديث سليمان المذكور، حدث به عنه شعبة3، والليث وابن لهيعة4 وغيرهم. فلو كانت التسوية تدليسا لعد مالك في المدلسين، وقد أنكروا على من عده فيهم. قال ابن القطان: "ولقد ظن بمالك على بعده عنه عمله"5. وقال/ (ب ص 217) الدارقطني: "أن/ (ي181) مالكا/ (ر95/أ) ممن عمل به وليس عيبا عندهم"6. وإذا تقرر ذلك، فقول شيخنا - في تعريف التسوية -: "وصورة هذا القسم أن يجيء المدلس إلى حديث قد سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف، وقد سمعه ذلك الشيخ الضعيف عن شيخ ثقة، فيسقط المدلس الشيخ الضعيف، ويسوقه بلفظ محتمل، فيصير الإسناد كلهم ثقات، ويصرح هو بالاتصال عن شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي رده ... "7 إلى آخر كلامه. تعريف غير جامع، بل حق العبارة أن يقول:
أن يجيء الراوي - ليشمل المدلس وغيره - إلى حديث قد سمعه من شيخ وسمعه ذلك الشيخ/ (?107/أ) من آخر عن آخر، فيسقط الواسطة محتملة، فيصير الإسناد عاليا وهو في الحقيقة نازل، ومما يدل على أن هذا التعريف لا تقييد فيه بالضعيف أنهم ذكروا في أمثلة التسوية: ما رواه هشيم1 عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الزهري، عن عبد الله2 بن الحنفية، عن أبيه عن علي - رضي الله عنه - في تحريم لحوم الحمر الأهلية. قالوا: ويحيى بن سعيد لم يسمعه من الزهري، إنما أخذه عن مالك عن الزهري. هكذا حدث به عبد الوهاب الثقفي وحماد بن زيد وغير واحد عن يحيى بن سعيد عن مال3، فأسقط هشيم ذكر مالك منه وجعله عن يحيى ابن سعيد عن الزهري. ويحيى فقد سمع من الزهري، فلا إنكار في روايته عنه إلا أن هشيما قد سوى هذا الإسناد، وقد جزم بذلك ابن عبد البر/ (ب 218) وغيره. فهذا كما ترى لم يسقط في التسوية شيخ/ (ر95/ب) ضعيف، وإنما سقط شيخ ثقة4، فلا اختصاص لذلك بالضعيف - والله أعلم -.
تنبيه: قسم الحاكم في علوم الحديث1 - وتبعه أبو نعيم - التدليس إلى ستة أقسام: الأول: من دلس عن الثقات. الثاني: من سمى من دلس عنه لما حوقق وروجع فيه. الثالث: من دلس عن من لا يعرف. الرابع/ (ي182) : من دلس عن الضعفاء. الخامس: من دلس القليل عن من سمع منه الكثير. السادس: من حدث من صحيفة من لم يلقه. قلت: وليست هذه الأقسام متغايرة، بل هي متداخلة، وحاصلها يرجع إلى قسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح، لكن أحببت التنبيه على ذلك، لئلا يعترض به من لا يتحقق. تنبيه آخر: ذكر شيخنا2 ممن عرف بالتسوية جماعة، وفاته أن ابن حبان قال - في ترجمة بقية - أن أصحابه كانوا يسوون حديثه3 وقال: - في ترجمة إبراهيم بن عبد الله المصيصي -: كأن يسوي الحديث4 - والله أعلم -. 40- قوله (ع) : "وما ذكره المصنف في حد التدليس (هو: المشهور بين أهل الحديث - يعني أن من جملة التدليس - أن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهما أي سواء كأن قد لقيه أو لم يلقه"5.
قلت: والذي يظهر من تصرفاته الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقي فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمأن النهدي وغيرهما (عن) 1 النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس. وقد قال الخطيب - في باب المرسل من كتابه الكفاية -2: "لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس 3 بمدلس وهو: رواية الراوي عمن لم يعاصره أو لم يلقه/ (ب 219) ، ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري. ثم قال: "والحكم في الجميع عندنا واحد". أنتهى. فقد (بين) 4 الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره أن ذلك مرسل لا مدلس. والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر بالتدليس أو الإرسال إذا ذكر5 بصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس، أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي، أو عمن لم يدركه فهو مطلق الإرسال. واعلم أن التعريف الذي ذكرناه للمرسل ينطبق على ما يرويه الصحابة عن/ (ي 183) النبي - صلى الله عليه وسلم - مما لم يسمعوه منه وإنما لم يطلقوا عله اسم التدليس أدبا على أن بعضهم أطلق ذلك. روى أبو أحمد ابن عدي في الكامل عن يزيد بن هارون عن شعبة قال: "كأن أبو هريرة - رضي الله عنه - ربما دلس"6.
والصواب ما عليه الجمهور من الأدب في عدم إطلاق ذلك - والله أعلم. 92- قوله (ص) : "وإنما يقول: قال فلان أو عن فلان...."1 إلى آخره. قد نقدم ما في "قال" من الخلاف. وقد يقع التدليس بحذف الصيغ كلها. كما في المثال الذي ذكره المصنف2 وإنما نبهت عليه، لأنه ليس داخلا في عباراته - والله أعلم. 93- قوله (ص) : " (وإن ما) 3 رواه المدلس بلفظ محتمل حكمه حكم المرسل"4. اعترض عليه بأن البزار الحافظ ذكر في الجزء الذي جمعه فيمن يترك ويقل: أن من كأن لا يدلس إلا عن الثقات كأن تدليسه عند أهل العلم مقبولا/ (ر96/ب) . وبذلك صرح أبو الفتح الأزدي، وأشار إليه الفقيه أبو بكر الصيرفي في "شرح الرسالة". وجزم بذلك أبو حاتم ابن حبان وأبو عمر ابن عبد البر5 وغيرهما في حق سفيان بن عيينة وبالغ ابن حبان في ذلك حتى قال: "إنه لا يوجد له تدليس قط إلا وجد بعينه، وقد بين سماعه فيه من ثقة"6.
وفي سؤالات الحاكم للدارقطني: أنه سئل عن تدليس ابن جريج فقال: يجتنب، وأما ابن عيينة فأنه يدلس عن الثقات. تنبيه: قال أبو الحسن ابن القطان: "إذا صرح المدلس قبل بلا خلاف، وإذا لم يصرح فقد قبله ما لم يتبين في حديث بعينه أنه لم يسمعه، ورده آخرون ما لم يتبين أنه سمعه". قال: "فإذا روى المدلس حديثا بصيغة محتملة، ثم رواه بواسطة تبين انقطاع الأول عند الجميع". قلت: وهذا بخلاف غير المدلس، فإن غير المدلس يحمل غالب ما يقع منه من ذلك على أنه سمعه من الشيخ الأعلى/ (ي 184) ، وثبته فيه الواسطة. لكن في إطلاق ابن القطأن نظر، لأنه قد يدلس الصيغة فيرتكب 1 المجاز، كما يقول مثلا: حدثنا وينوي حديث قومنا 2 أو أهل قريتنا ونحو ذلك. وقد ذكر الطحاوي منه أمثلة من ذلك: حديث مسعر3 عن عبد الملك بن ميسرة4 عن النزال بن سبرة5 قال قال لنا6 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أنا وإياكم ندعي بني عبد مناف ... " الحديث.
قال وأراد بذلك أنه - صلى الله عليه وسلم - قال لقومه وأما هو فلم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال طاووس1: "قدم علينا معاذبن جبل - رضي الله عنه - اليمن". وطاووس لم يدرك معاذا - رضي الله عنه - وإنما أراد قدمنا بلدنا. وقال الحسن: "خطبنا عتبة بن غزوان"2. يريد/ (ر97/أ) أنه خطب أهل البصرة والحسن لم يكن بالبصرة/ (ب ص 221) لما خطب عتبة. قلت: ومن أمثلة ذلك قول ثابت البناني3: "خطبنا عمرأن بن حصين - رضي الله عنه -" وقوله: "خطبنا ابن عباس - رضي الله عنهما -" - والله أعلم -. 41- قوله (ع) : "حكاية عن أبي نصر بن الصباغ: وإن كان لصغر سنه فيكون ذلك رواية عن مجهول"4. فيه نظر؛ لأنه لا يصير بذلك مجهولا إلا عند من لا خبرة له بالرجال وأحوالهم وأنسابهم إلى قبائلهم وبلدأنهم، وحرفهم وألقابهم وكناهم وكذا الحال في آبائهم. فتدليس الشيوخ دائر بين ما وصفنا فمن أحاط علما بذلك لا يكون/ (?109) الرجل المدلس عنده مجهولا. وتلك أنزل مراتب المحدث.
وقد بلغنا أن كثيرا من الأئمة الحفاظ امتحنوا طلبتهم المهرة (بمثل ذلك) 1 فشهد لهم الحفظ لما يسرعوا بالجواب عن ذلك. وأقرب ما وقع من ذلك أن بعض أصحابنا كأن ينظر إلى "كتاب العلم" (لأبي يكر بن أبي العاصم) 2 فوقع في أثنائه حدثنا الشافعي حدثنا ابن عيينة فذكر حديثا فقال: لعله سقط منه شيء ثم التفت إلي فقال: ما تقول؟ فقلت: الإسناد متصل، وليس الشافعي هذا هو محمد بن إدريس الإمام/ (ي185) بل هو ابن عمه إبراهيم بن محمد بن العباس3. ثم استدللت على ذلك بأن ابن أبي عاصم معروف بالرواية عنه وأخرجت من الكتاب المذكور روايته عنه وقد سماه. (ولقد كان) 4 ظن الشيخ في السقوط قويا5، لأن مولد ابن أبي عاصم بعد وفاة الإمام الشافعي بمدة6. وما أحسن ما قال ابن دقيق العيد: "إن في تدليس الشيوخ الثقة مصلحة وهي امتحان الأذهان في استخراج ذلك وإلقائه/ (ر97/ب) إلى من/ (ب222) يراد اختبار حفظه ومعرفته بالرجال وفيه مفسدة من جهة أنه قد يخفى فيصير الراوي المدلس مجهولا لا يعرف فيسقط العمل بالحديث مع كونه عدلا في نفس الأمر7.
قلت: وقد نازعته في كونه يصير مجهولا عند الجميع، لكن من مفسدته أن يوافق ما يدلس به شهرة راو ضعيف يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه، فيصير الحديث من أجل ذلك ضعيفا وهو في نفس الأمر صحيح، وعكس هذا في حق من يدلس الضعيف ليخفي أمره فينتقل عن رتبة من يرد خبره مطلقا إلى رتبة من يتوقف فيه، فإن صادف شهرة راو ثقة يمكن ذلك الراوي الأخذ عنه فمفسدته أشد، كما وقع لعطية العوفي في تكنيته ممد بن السائب الكلبي أبا سعيد، فكان إذا حدث عنه يقول: حدثني أبو سعيد فيوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي - رضي الله عنه - لأن عطية كان لقيه وروى عنه1. وهذا أشد ما بلغنا من مفسدة تدليس الشيوخ. وأما ما عدا ذلك من تدليس الشيوخ فليس فيه مفسدة تتعلق بصحة الإسناد وسقمه بل فيه مفسدة دينية فيما إذا كان مراد المدلس إيهام تكثير الشيوخ لما فيه من التشيع - والله أعلم -. ونظيره في تدليس الإسناد أن يوهم العلو وهو عنده بنزول - والله أعلم -. 95- قوله (ص) 2: "وكان شعبة من أشدهم ذما (له) 3...." إلى آخره. هو: معروف بذلك قال القاضي أبو الفرج المعافى النهرواني4 - في "كتاب الجليس والأنيس" له، في المجلس الثالث/ (ي 186) والخمسين منه: كان شعبة ينكر التدليس ويقول فيه ما يتجاوز الحد - مع كثرة روايته عن المدلسين/ (ر98/أ) .
ومشاهدته من كأن مدلسا/ (ب ص 223) من الأعلام1، كالأعمش والثوري وغيرهما إلى أن قال ومع ذلك فقد وجدنا لشعبة مع سوء قوله في التدليس تدليسا في عدة أحاديث رواها 2 وجمعنا ذلك في موضع آخر. انتهى. وما زلت متعجبا من هذه الحكاية شديد التلفت إلى الوقوف على ذلك ولا أزداد إلا استغرابا لها واستبعادا إلى أن رأيت في "فوائد أبي عمرو بن أبي عبيد الله بن مندة" وذلك فيما قرأت على أم الحسن بنت المنجا، عن عيسى بن عبد الحمن بن مغالى3، قال: قرئ على كريمة بنت عبد الوهاب ونحن نسمع عن أبي الخير الباغيان أنا أبو عمر بن أبي عبيد الله بن مندة ثنا أبو عمر عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب إملاء حدثنا أبو عبد الله أحمد بن موسى بن إسحاق ثنا أحمد بن محمد بن الأصفر ثنا النفيلي4 ثنا مسكين بن بكير ثنا شعبة قال: سألت عمرو بن دينار عن رفع الأيدي عند رؤية البيت فقال: قال أبو قزعة حدثني مهاجر المكي 5 أنه سأل جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أكنتم ترفعون أيديكم عند رؤية البيت؟ فقال: "قد كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهل فعلنا ذلك؟ " قال الأصفر: ألقيته على أحمد بن حنبل فاستعادني، فأعدته عليه فقال: ما كنت أظن أن شعبة يدلس. حدثنا محمد بن جعفر عن شعبة عن أبي قزعة بأربعة أحاديث هذا أحدها يعني ليس فيه عمرو بن دينار.
قلت: هذا الذي قاله أحمد على سبيل الظن وإلا فلا يلزم من مجرد هذا أن يكون شعبة دلس في هذا الحديث، لجواز أن يكون سمعه من أبي قزعة بعد أن حدثه عمرو عنه، ثم/ (ب 2249وجدته في السنن1 لأبي داود/ (ر98/ب) عن يحيى بن معين عن غندر عن شعبة قال: سمعت أبا قزعة2..فذكره فثبت أنه ما دلسه والظاهر: الذي زعم المعافى أنه جمعه كله من هذا القبيل وإلا فشعبة من أشد الناس تنفيرا عنه. وأما كونه: كان يروي عن المدلسين، فالمعروف عنه أنه كان لا يحمل عن شيوخه المعروفين بالتدليس إلا ما سمعوه فقد/ (ي 187) روينا من طريق يحيى القطان عنه أنه كان يقول: "كنت أنظر إلى فم/ (110/أ) قتادة، فإذا قال: سمعت وحدثنا حفظته وإذا قال: عن فلأن تركته3، وروينا في المعرفة4 للبيهقي وفيها عن شعبة أنه قال: "كفيتكم تدليس ثلاثة: الأعمش وأبو إسحاق وقتادة".
وهي قاعدة حسنة تقبل أحاديث هؤلاء إذا كان عن شعبة ولو عنعنوها. وألحق الحافظ الإسماعيلي بشعبة في ذلك يحيى بن سعيد القطان فقال في كتاب الطهارة من (مستخرجه) عقب حديث القطان عن زهير عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه عن عبد الله بن مسعود في الاستجمار بالأحجار: "يحيى القطان لا يروي عن زهير إلا ما كان مسموعا لأبي إسحاق". هذا أو معناه. وكذا ما كان من رواية الليث بن سعد، عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - فإنه مما لم يدلس فيه أبو الزبير كما هو معروف في قصة مشهورة1. وقال البخاري: "لا يعرف لسفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور ولا عن كثير من مشايخه تدليس ما أقل تدليسه". وقد ذم التدليس جماعة من أقرأن شعبة وأتباعه. فروينا عن عبد الصمد2 بن عبد الوارث/ (ر99/أ) عن أبيه3 قال: "التدليس ذل"4.
وحكى عبدان عن ابن المبارك أنه ذكر بعض من يدلس فذمه ذما شديدا وقال: "دلس للناس أحاديثه، والله لا يقبل تدليسه". روينا في "علوم الحديث للحاكم"1 وروينا في أدب المحدث لعبد الغني بن سعيد عن وكيع قال: "لا يحل تدليس الثوب، فكيف تدليس الحديث"2. وعن/ (111/أ) أبي عاصم النبيل قال: أقل حالات المدلس عندي أنه يدخل في حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: "المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور" 3 والله الموفق. 42- قوله (ع) : "وقد حكاه الخطيب عن فريق من الفقهاء"4. قلت: حكاه القاضي عبد الوهاب ي 188 في الملخص فقال: "التدليس جرح وأن من ثبت أنه كان يدلس لا يقبل حديثه مطلقا - قال-: وهو الظاهر من أصول مالك". وقال ابن السمعاني في "القواطع": "إن كان إذا استكشف لم يخبر باسم من يروي عنه، فهذا يسقط الاحتجاج بحديثه، لأن التدليس تزوير وإيهام لما لا حقيقة له وذلك يؤثر في صدقه وإن كان يخبر فلا".
هكذا قال: والصواب الذي عليه جمهور المحدثين خلاف ذلك. قال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين عن التدليس فكرهه وعابه قلت له: فيكون المدلس حجة فيما روى؟ قال: "لا يكون حجة في ما دلس"1. وأورد الخطيب2 هنا أنه ينبغي أن لا يقبل من المدلس أخبرنا لأن بعضهم يستعملها في غير السماع. وأجاب أن هذه اللفظة ظاهرها السماع، والحمل على غيره مجاز، والحمل على الظاهر أولى، وما أجاب به جيد فيمن3 لم يوصف بأنه كان يدلس الصيغ - أيضا - فقد ثبت عن أبي نعيم الأصبهاني أنه كان يقولك في الإجازة: "أخبرنا"/ (ر99/ب) وفي السماع "حدثنا". وكذا يصنع كثير من الحفاظ المغاربة فيحتاج إلى التنبه4 لذلك. ومثل ما أجاب به الخطيب أجاب شيخنا شيخ الإسلام5. ثم قال: ولا يرد على هذا قول الرجل الذي يقتله الدجال: "أنت الدجال الذي أخبرنا عنك رسول الله- صلى الله عليه وسلم -"6. لأن الكلام إنما هو حيث كان السماع ممكنا وأما إذا كان غير ممكن فيتعين الحمل على المجاز بالقرينة.
كقول أبي طلحة: إني سمعت الله تعالى يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ} 1 الآية، فإن مراده سمعت كلام الله عز وجل على لسان نبيه - صلى الله عليه وسلم -. وقد حكى القاضي عبد الوهاب في الملخص عن الشاقعي أنه لا يقبل من المدلس إلا إذا صرح بقوله: "حدثني" أو "سمعت" دون قوله: "عن" أو "أخبرني". وهو ظاهر نقل ابن السمعاني لكن نصه في الرسالة 2: "فقلنا لا نقبل من مدلس حديثا حتى يقول: حدثني أو سمعت". هذا نصه، وهو/ (ي 189) محتمل أن يريد الاقتصار على هاتين الصيغتين كما فهم القاضي عبد الوهاب وغيره، ويحتمل أن يكون ذكرها على سبيل المثال ليلحق بهما ما أشبههما من الصيغ المصرحة وهذا هو الصحيح. وقد حكى المعافى في "الجليس" عن الشافعي - رضي الله عنه - أنه كان لا يرى رواية المدلس حجة إلا أن يقول في روايته حدثنا أو أخبرنا أو سمعت، انتهى. وهذا يؤيد ما صححناه. 96- قوله (ص) : "وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جدا.... "3 إلى آخره. أورده المصنف هذا محتجا به على قبول رواية المدلس إذا صرح وهو يوهم
أن الذي في الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث المدلسين/ (ر100/أ) مصرح في جميعه وليس كذلك بل في الصحيحين (وغيرهما) 1 جملة كثيرة من أحاديث المدلسين بالعنعنة وقد جزم المصنف في موضع آخر وتبعه/ (ب ص 227) النووي2 (وغيره بأن ما كان في الصحيحين وغيرهما) 3 من الكتب الصحيحة عن المدلسين فهو محمول على ثبوت سماعه من جهة أخرى وتوقف في ذلك من المتأخرين الإمام صدر الدين ابن المرحل4، وقال في "كتاب الأنصاف": "أن في النفس من هذا الاستثناء غصة، لأنها دعوى لا دليل عليها، لا سيما أنا قد وجدنا كثيرا من الحفاظ يعللون أحاديث وقعت في الصحيحين أو أحدهما بتدليس رواتها". وكذلك استشكل ذلك قبله العلامة ابن دقيق العيد فقال5: "لا بد من الثبات على طريقة واحدة، إما القبول مطلقا في كل كتاب أو الرد مطلقا في كل كتاب. وأما التفرقة بين ما في الصحيح من ذلك وما خرج عنه، فغاية ما يوجه به أحد أمرين: إما أن يدعى أن تلك الأحاديث عرف صاحب الصحيح صحة السماع فيها، قال: وهذا إحالة على جهالة، وإثبات أمر بمجرد الاحتمال، وإما أن يدعى أن الإجماع على صحة/ (ي190) ما في الكتابين دليل على وقع السماع في هذه الأحاديث وإلا لكان أهل الإجماع مجمعين على الخطأ وهو ممتنع.
قال1: "لكن هذا يحتاج إلى إثبات الإجماع الذي يمتنع أن يقع في نفس الأمر خلاف مقتضاه". قال: وهذا فيه عسر. قال: ويلزم على هذا أن يستدل بما جاء من رواية المدلس خارج الصحيح ولا يقال2: هذا على شرط مسلم - مثلا - لأن الإجماع الذي يدعى ليس موجودا في الخارج" انتهى ملخصا. وفي أسئلة/ (ر100/ب) الإمام تقي الدين السبكي للحافظ أبي الحجاج المزي: وسألته عن ما وقع في الصحيحين من حديث المدلس معنعنا هل نقول: أنهما اطلعا على اتصالها؟ فقال: "كذا يقولون، وما فيه إلا تحسين الظن بهما. وإلا ففيهما أحاديث من رواية المدلسين ما توجد من غير تلك الطريق التي في الصحيح"3. قلت: وليست الأحاديث التي في الصحيحين بالعنعنة عن المدلسين كلها في الاحتجاج، فيحمل كلامهم هنا على ما كان منها في الاحتجاج فقط. أما ما كان في المتابعات فيحتمل أن يكون حصل التسامح4 في تخريجها كغيرها. وكذلك المدلسون الذين5 خرج حديثهم في الصحيحين ليسوا في مرتبة واحدة في ذلك، بل هم على مراتب: الأولى: من لم يصف بذلك إلا نادرا وغالب رواياتهم مصرحة بالسماع، والغالب: أن إطلاق من أطلق ذلك عليهم فيه تجوز من الإرسال إلى التدليس.
ومنهم من يطلق ذلك بناء على الظن، فيكون التحقيق بخلافه كما بينا ذلك في حق شعبة قريبا1 وفي حق محمد بن إسماعيل البخاري في الكلام على التعليق 2 - والله أعلم -. فمن هذا الضرب: 1-أيوب السختياني. 2-وجرير بن حازم3. 3- والحسين بن واقد. 4-وحفص بن غياث4. 5- وسليمان التيمي. 6-وطاووس. 7-وأبو قلابة. 8- وعبد الله بن وهب. 9- وعبد ربه بن نافع أبو شهاب5.
10-والفضل/ (ي191) بن دكين أبو نعيم. 11- وموسى بن عقبة. 12- وهشام بن عروة. 13- وأبو مجلز لاحق بن حميد1. 14- ويحيى بن سعيد الأنصاري. رحمة الله عليهم2. الثانية: من أكثر الأئمة من إخراج حديثه إما لإمامته أو لكونه قليل التدليس في جنب ما روى من الحديث الكثير أو أنه كأن لا يدلس إلا عن ثقة. فمن هذا الضرب: 15- إبراهيم بن زيد النخعي/ (ر101/أ) . 16- وإسماعيل بن أبي خالد. 17- وبشير بن مهاجر3. 18- والحسن بن ذكوان4. 19- والحسن البصري.
20- والحكم بن عتبة. 21- وحماد بن أسامة. 22- وزكريا بن أبي زائدة1. 23- وسالم بن أبي الجعد2. 24- وسعيد بن أبي عروبة. 25- وسفيان الثوري. 26- وسفيان بن عيينة. 27- وشريك القاضي. 28- وعبد الله بن عطاء المكي3. 59- وعكرمة بن خالد المخزومي4. 30- ومحمد بن خازم أبو معاوية الضرير. 31- ومخرمة بن بكير5.
32- ويونس بن عبيد رحمة الله تعالى عليهم1. الثالثة: من أكثروا من التدليس وعرفوا به وهم: 33- بقية بن الوليد. 34- وحبيب بن أبي ثابت. 35-وحجاج بن أرطأة. 36-وحميد الطويل. 37- وسليمان الاعمش. 38- وسويد بن سعيد. 39- وأبو سفيان المكي2. 40-وعبد الله بن أبي نجيح3. 41-وعباد بن منصور4. 42- وعبد الرحمن المحاربي5.
43- وعبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد1. 44- وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج. 45-وعبد الملك بن عمير2. 46- وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف3. 47- وعكرمة بن عمار4. 48- وعمر بن عبيد الطنافسي5. 49- وعمر بن علي المقدمي6.
50- وعمرو بن عبد الله أبو إسحاق السبيعي. 51- وعيسى بن موسى غنجار1. 52- وقتادة. 53- ومبارك بن فضالة2. 54- ومحمد بن إسحاق. 55- ومحمد بن عبد الرحمن الطفاوي3. 56- ومحمد بن عجلان. 57- ومحمد بن عيسى بن الطباع4. 58- ومحمد بن مسلم بن تدرس أبو الزبير5. 59- ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري6.
60- ومروان بن معاوية الفزاري1. 61- والمغيرة بن مقسم/ (ي 192) . 62- ومكحول الشامي2. 63- وهشام بن حسان3. 64- هشام بن بشير. 65- والوليد/ (113/ب) بن مسلم الدمشقي. 66- ويحيى بن أبي كثير/ (ب 230) . 67- وأبو حرة الرقاشي4. رحمة الله تعالى عليهم أجمعين5.
فهذه الأسماء من ذكر بالتدليس من رجال الصحيحين ممن أخرجا أو أحدهما له أصلا أو استشهادا أو تعليقا/ (ر101/ب) على مراتبهم في ذلك وهم بضعة وستون نفسا. (وإذا سردنا) 1 ذلك فلا بأس بسرد2 أسماء باقي الموصوفين بالتدليس من باقي رواة الحديث لتمام الفائدة ولتمييز أحاديثهم. فقد سرد المصنف أسامي3 من ذكر بالاختلاط ليتميز حديثه وقد ذكرتهم على قسمين: أحدهما: من وصف بذلك مع صدقه. وثانيهما: من ضعف منهم بأمر آخر غير التدليس - والله الموفق -. فمن الأول: 68- جنيد بن العلاء بن أبي وهرة4.
69- وحميد بن الربيع الخزار1. 70- وإسماعيل بن عياش. 71- وسلمة بن تمام الشقري2. 72- وشباك الضبي3. 73- وشعيب بن أيوب الصيرفيني4. 74- وعبد الله بن مروان الحراني5. 75- وعبد العزيز بن عبد الله البصري6. 76- وعبد الجليل بن عطية القيسي7. 77- وعبيدة بن الأسود8.
78- وعثمان بن عمر الحنفي1. 79- وعطية العوفي2. 80- وعلي بن غراب3 81- ومحمد بن الحسين البخاري4. 82- ومحمد بن صدقة الفدكي5. 83- ومحمد بن عبد الملك الواسطي أبو إسماعيل6. 84- ومحمد بن عيسى بن سميع7. 85- ومحمد بن يزيد بن خنيس8 العابد. 86- ومحرز بن عبد الله الجزري أبو رجاء9.
87- ومصعب بن سعيد أبو خيثمة1. 88- وميمون بن موسى المرئي2. 89- ويزيد بن أبي زياد3. 90- ويزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك4. 91- ويزيد بن عبد الرحمن أبو خالد الدالاني5. 92- ومن المتأخرين محمد بن محمد بن سليمان الباغندي6. 93- والحسن بن مسعود أبو علي ابن الوزير الدمشقي7. 94- وعمر بن علي بن أحمد بن/ (ب 231) الليث أبو مسلم البخاري8 - رحمة الله تعالى عليهم -.
ومن القسم الثاني: 95- إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى1. 96- وإسماعيل بن خليفة أبو إسرائيل الملائي2. 97- وبشير بن زاذان3. 98- وتليد بن سليمان4. 99- وجابر بن يزيد الجعفي5. 100- والحسن/ (ر102/أ) بن عمارة6. 101- والحسين بن عطاء/ (ي193) بن يسار7. 102- وخارجة بن مصعب8. 103- وسعيد بن المرزبان أبو سعيد البقال9. 104- وعبد الله بن معاوية بن عاصم الزبيري10.
105- وعبد الله بن زياد بن سمعان1. 106- وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني2. 107- وعبد الله بن لهيعة المصري3. 108- وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم4. 109- وعلي بن غالب البصري5. 110- ومالك بن سليمان الهروي6. 111- والهيثم بن علي الطائي7. 112- ويحيى بن أبي حية أبو جناب8 الكلبي - رحمة الله تعالى عليهم -.
هذه أسماء من وقفت عليه ممن وصف بالتدليس (أي تدليس الإسناد) . أما تدليس الشيوخ فلا تحصى أسماء أهله مع أنهم ليسوا من غرضنا هنا. وقد أفرد الحافظ صلاح الدين العلائي أسماء المدلسين في كتابه "جامع التحصيل" وسردهم على حروف المعجم مبينا أحوالهم وجملة من اجتمع عنده مكنهم سبعون نفسا، وقد زدت عليه منهم أربعين نفسا. فكل من عليه صورة (ز) فهو زائد على من ذكر وقد أفردتهم بالتصنيف في جزء لطيف1، بينت فيه أحوالهم بيانا شافيا، ولله الحمد على ذلك. وقد أفردهم بالتصنيف من المتقدمين الحسين بن علي الكرابيسي2 صاحب الشافعي، أبو عبد الرحمن النسائي، أبو الحسن الدارقطني - رحمهم الله تعالى - فجمعت ما ذكروه، وزدت عليه ما وقع لي من كلام غيرهم، بعون/ (?114/ب) الله تعالى. وكل من ذكرنا هنا، فهو بحسب ما رأيت التصريح بوصفه بالتدليس من أئمة هذا الشأن، على التفصيل.
وإلا فلو أخذنا به من حيث الجملة لتضاعف هذا العدد جدا فقد روينا عن يزيد بن هارون أنه قال1: "لم أر أحدا من أهل الكوفة إلا هو يدلس إلا مسعرا وشريكا". قلت: وقد ذكر شريك/ (ر102/ب) في المدلسين - أيضا -. فما سلم منهم علي رأي يزيد بن هارون إلا مسعرا2، لكن هذا بحسب ما رآهم هو. وقال الحاكم: "أكثر أهل الكوفة يدلسون3، التدليس في أهل الحجاز قليل جدا"4 وفي أهل بغداد نادر - والله أعلم -. تنبيه: ويلتحق بقسم تدليس الشيوخ تدليس البلاد، كما إذا قال/ (ي194) المصري "حدثني فلأن بالأندلس" وأراد موضعا بالقرافة. أو قال "بزقاق حلب" وأراد موضعا بالقاهرة. أو قال البغدادي "حدثني فلان بما وراء النهر" وأراد نهر دجلة. أو قال "بالرقة" وأراد بستانا على شاطئ دجلة. أو قال الدمشقي "حدثني بالكرك" وأراد كرك نوح وهو بالقرب من دمشق5. ولذلك أمثلة كثيرة، حكمه الكراهة لأنه يدخل في باب التشبع وإيهام الرحلة في طلب الحديث إلا إن كان هناك قرينة تدل على عدم إرادة التكثير. فلا كراهة. والله الموفق ...
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ
النوع الثالث عشر: معرفة الشاذ ... النوع الثالث عشر: قوله/ (ب 223) معرفة الشاذ قلت: هو في اللغة التفرد، قال الجوهري: شذ يشذ - بضم الشين وكسرها - أي تفرد عن الجمهور1. 97- قوله (ص) : "روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي - رضي الله عنه -...."2 إلى آخره. أسنده الحاكم من طريق ابن خزيمة عن يونس3، والحاصل من كلامهم أن الخليلي4 يسوي بين الشاذ والفرد المطلق، فيلزم على قوله أن يكون [في] 5 الشاذ الصحيح وغير الصحيح، فكلامه أعم6، وأخص منه الكلام الحاكم؛ لأنه
يقول: إنه تفرد الثقة، فيخرج تفرد غير الثقة فيلزم1 على قوله أن يكون في الصحيح الشاذ وغير الشاذ، وأخص منه كلام الشافعي، لأنه يقول: "إنه تفرد الثقة بمخالفة من هو أرجح منه" ويلزم عليه ما يلزم على قول الحاكم/ (ر103/أ) لكن الشافعي صرح بأنه مرجوح، وأن الرواية الراجحة أولى لكن هل يلزم من ذلك عدم الحكم عليه بالصحة؟ محل توقف قد قدمت التنبيه عليه الكلام على نوع الصحيح. وقول المصنف: "لا إشكال فيه" فيه2 نظر لما أبديته آخرا، وعلى المصنف إشكال أشد منه، وذلك أنه يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذا كما تقدم ويقول/ (ي195) : إنه لو تعارض الوصل والإرسال (قدم الوصل مطلقا سواء كان رواة الإرسال) 3 أكثر أو أقل، حفظ أم لا، ويختار في تفسير الشاذ أنه الذي يخالف روايه من هو4 أرجح منه. وإذا كان الراوي الإرسال أحفظ ممن روى الوصل
مع اشتراكهما في الثقة، فقد ثبت كون الوصل فكيف يحكم له بالصحة مع شرطه في الصحة أن لا يكون شاذا؟ هذا في غاية الإشكال، ويمكن/ (ب ص 234) أن يجاب عنه بأن اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحة إنما يقوله المحدثون وهم القائلون بترجيح رواية الأحفظ إذا تعارض الوصل/ (?115/ب) والإرسال، والفقهاء وأهل الأصول لا يقولون بذلك والمصنف قد صرح باختيار ترجيح الوصل على الإرسال، ولعله يرى بعدم1 اشتراط نفي الشذوذ في شرط الصحيح لأنه هناك لم يصرح عن نفسه باختيار شيء (بل اقتصر) 2 على نقل ما عند المحدثين. وإذا3 انتهى البحث إلى هذا المجال ارتفع الإشكال وعلم منه أن مذهب أهل الحديث أن شرط الصحيح أن لا يكون الحديث شاذا، وأن من أرسل من الثقات إن كان أرجح ممن وصل من الثقات قدم وكذا بالعكس، ويأتي فيه الاحتمال عن القاضي، وهو أن الشذوذ يقدح في الاحتجاج لا في التسمية - والله أعلم-. 43- قوله (ع) : "ولكن الخليلي يجعل تفرد الثقة شاذا صحيحا"4. فيه نظر/ (ر103/ب) فإن الخليلي لم يحكم له بالصحة، بل صرح بأنه يتوقف فيه ولا يحتج به - والله أعلم -. 98- قوله (ص) 5: "وحديث مالك عن الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر"6 تفرد به مالك عن الزهري" انتهى.
تعقبه1 شيخنا بأنه قد روى من غير طريق مالك فرواه البزار2 من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات3 وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس. قال/ (ي 196) : "ذكر ابن عدي في الكامل4 أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطرف أن الأوزاعي رواه5 ثم حكى الشيخ قصة القاضي أبي بكر ابن العرب 6 وأنه قال: "رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك" أنه وعد أصحابه بتخريجيها فما أخرج لهم شيئا. وأن ابن مسدي7 تعقب هذه الحكاية بأن شيخه فيها كان متعصبا على ابن العربي (يعني فلا يقبل قوله فيه) .
قلت: وهو تعقب غير مرضي، بل هو دال على قلة اطلاع ابن مسدي، وهو معذور لأن أبا جعفر ابن المرجي راويها في الأصل كان مستبعدا لصحة قول ابن العربي، بل هو1 وأهل البلد. حتى قال قائلهم: يا أهل حمص ومن بها أوصيكم ... بالبر والتقوى وصية مشفق فخذوا عن العربي أسمار الدجى ... وخذوا الرواية عن إمام متقي إن الفتى ذرب اللسان مهذب ... إن لم يجد خبرا صحيحا يخلقِ وعنى بأهل حمص أهل إشبيلية، فلما حكاها أبو العباس البناني لابن مسدي على هذه الصورة ولم يكن عنده اطلاع على حقيقة ماقاله ابن العربي، احتاج من أجل الذب عن ابن العربي أن يتهم البناني، حاشا وكل ما علمانه عليه من سوء، بل ذلك مبلغهم من العلم. وقد تتبعت طرق هذا الحديث، فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة/ (104/أ) عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك، بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا. 5- ومن رواية عقيل بن خالد. 6- وينس بن يزيد. 7- ومحمد بن أبي حفصة2. 8- وسفيان بن عيينة. 9- وأسامة بن زيد الليثي. 10- وابن أبي ذئب. 11-12- عبد الرحمن 3 ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين/ (ب ص 236) . 13- ومحمد بن إسحاق.
14- وبحر بن كنيز السقا. 15- وصالح بن أبي الأخضر. 16- ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي. أما رواية ابن أخي الزهري التي عزاها شيخنا لتخرج البزار/ (?116/ب) فقد/ (ي197) أخرجهما أبو عوانة في صحيحه، عن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل1 هو: الترمذي، حدثنا إبراهيم بن يحيى الشجري2، حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الله بن شهاب عن عمه عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر" ورواه الخطيب في تاريخه3 من طريق أبي بكر النجاد4 عن الترمذي، ورواه النسائي في "مسند مالك" عن محمد بن نصر، والبزار في مسنده5 عن عبد الله بن شبيب كلاهما عن إبراهيم بن يحيى، وإبراهيم مدني قد أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" من روايته عن أبيه ولم يذكر في تاريخه فيهما جرحا6.
وتكلم فيهما بعضهم من قل حفظهما - والله أعلم -. وأما رواية أبي أويس1 فقرأت على العماد أبي بكر الفرض عن القاسم ابن المظفر أن محمد بن هبة الله الفارسي أنباهم قال: أنبأ علي بن الحسين الحافظ أنا أبو الفرج بن أبي الرجاء. أنا أبو طاهر بن محمود. أنا أبو بكر ابن المقري2 في "معجمه" ثنا السلم بن معاذ الدمشقي حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ثنا إسماعيل بن أبان ح ورواه ابن عدي في الكامل3 عن محمد بن احمد بن هارون، عن أحمد/ (ر104/ب) بن موسى البزار عن إسماعيل بن أبان عن أبي أويس عن الزهري عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة حين افتتحها وعلى رأسه مغفر من حديد". قال ابن عدي: "هذا يعرف بمالك، عن الزهري، وقد روي عن أبي أويس كما ذكرته وعن ابن أخي الزهري ومعمر"4. قلت: وقد وقع من وجه/ (?117/أ) آخر قرئ على عبد الله بن عمر بن علي وأنا شاهد أن محمد بن أحمد بن خالد أخبرهم قال: أنا عبد الولي البعلي5، أنا حماد بن أبي العميد، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر6، أنا منصور بن بكر بن محمد بن علي بن حميد أنا جدي أبو بكر بن محمد بن علي، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا أبو جعفر بن
المنادي ثنا يونس بن محمد. ثنا أبو أويس عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فقال يا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه". قلت: ورجال هذا الإسناد ثقات أثبات، إلا أن في أبي أويس بعض كلام، وقد جزم جماعة من الحفاظ منهم: البزار أنه كان رفيق مالك في السماع، وعلى هذا فهذا اللفظ الثاني أشبه أن يكون محفوظا على أن بعض الرواة عن مالك قد رواه عنه باللفظ الاول، كما بينه الدارقطني في "غرائب مالك" - رحمة الله تعالى عليهما- والله الموفق. وأما رواية معمر - التي يعزها شيخنا - فرواها أبو بكر بن المقرئ في معجمه قال: ثنا سعيد بن قاسم، عن مرثد. ثنا مؤمل بن إهاب ثنا عبد الرزاق ح قال ابن المقرئ: وحدثنا محمد بن حاتم بن طيب. ثنا عبد الله بن حمدويه البغلاني 1 ثنا أبو داود السنجي2. ثنا عبد/ (ر105/أ) الرزاق عن معمر عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر". أخبرنيه أبو بكر (ابن إبراهيم) 3 الفرضي بالإسناد الذي/ (ب ص 238) قدمته آنفا إلى ابن المقريء. ورواه داود بن الزبرقان، عن معمر فأدخل بينه وبين الزهري فيه
مالكا اخرجه الدارقطني في "غرائب مالك" والخطيب في "الرواة عن مالك" والحاكم في "المستدرك" بأسانيد ضعيفة إليه. ورواه الواقدي عن معمر، فلم يذكر مالكا، وسيأتي إسناده - إن شاء الله تعالى -. وأما رواية الأوزاعي: فرواها تمام بن محمد الرازي في الجزء الرابع عشر من فوائده قال: "أنا أبو القاسم ابن علي بن يعقوب من أصل كتابه قال: انا أبو عمرو محمد بن خلف الاطرويشي الصرار"1. وقال أبو عبد الله بن مندة/ (ي 199) : ثنا جمح بن أبان المؤذن ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي عن الزهري عن أنس قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر". لفظ تمام ورواته ثقات، لكني أظن أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية، لأن الدارقطني ذكر في "كتاب الموطآت" أن جماعة من الأئمة الكبار رووه عن مالك فعد فيه2 الأوزاعي وابن جريج وابن عيينة وغيرهم. ثم وجدته في "المديح" للدارقطني أخرجه من طريق مؤمل بن الفضل3، عن الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي عن مالك، عن الزهري. وهكذا رواه أبو الشيخ4 في "الأقران" من طريق محمد بن كثير5 عن الأوزاعي، عن مالك، فترجح أن الوليد دلسه.
وقد وجدته من رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي - أيضا - قال الخطيب/ (ر105/ب) في تاريخه: أنا الحسن بن محمد الخلال1 أنا علي بن عمرو بن سهل الحريري. ثنا محمد بن الحسن بن مقسم من أصل كتابه ثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد2 ثنا محمد بن مصعب القرقساني/ (ب ص 239) 3. ثنا الأوزاعي عن الزهري فذكره، قال الخطييب: هذا وهم على محمد بن مصعب، فإنه إنما رواه عن مالك لا عن الأوزاعي. قلت: فكأن الراوي عنه سلك الجادة، لأنه مشهور يالرواية عن الأوزاعي لا عن مالك - والله أعلم -. وأما رواية عقيل بن خالد فرواها أبو الحسين بن جميع الحافظ4 في "معجمه" قال: ثنا محمد بن أحمد هو الخولاني ثنا أحمد بن رشدين (هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين) حدثني أبي عن أبيه عن ابن لهيعة، عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - –
"أنه دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه". قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرما. رواته معروفون إلا أن فيهم من تلكم فيه، وليسوا في حد الترك بل يخرج حديثهم في المتابعات - والله الموفق -. وأما رواية يونس بن يزيد1 فقلا أبو يعلى الخليلي في "كتاب الإرشاد" له حدثني جعفر بن محمد الأندلسي حدثني أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس2 بمصر, حدثني أبي حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أنا عمي عبد الله بن وهب عن مالك وينس بن يزيد، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة/ (?118/ب) وعليه مغفر". قال الخليلي: "رواه/ (ر106/أ) الحفاظ عن (عبد الله) 3 بن وهب عن مالك وحده ليس فيه يونس"4. قال لي جعفر: "حدثنا به أحمد من أصل كتابه العتيق قال/ (ب 240) : وأبوه من الثقات".
قلت: كلامه يشعر بتفرد ابن أخي ابن وهب عن عمه به وهو كذلك لكن له طريق أخرى عن يونس كما سيأتي إن شاء الله تعالى. وقرأت بخط الحافظ أبي علي البكري، قال: قرات بخط الحافظ أبي الوليد بن الدباغ1 أنا أبو محمد بن عتاب2 أنا أبو عبد الله بن عائذ إجازة قال: أنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل فذكره. وأما رواية محمد بن أبي حفصة3، فقال الخطيب: "في رواة عن مالك" أنا أبو بكر محمد بن الفرج بن علي البزار4. أنا محمد بن إسحاق القطيعي الحافظ5.
حدثني عبدان بن هشيم بن عبدان. ثنا النضر بن هارون السيرافي ثنا أحمد بن داود بن راشد البصري القرشي، ثنا مهدي بن هلال الراسبي ثنا مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومحمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم -دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه - صلى الله عليه وسلم - المغفر فقيل له: إن ابن الخطل متعلق بأستارالكعبة قال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه". لكن مهدي بن هلال ضعيف جدا 1. وأشار إلى ذلك الحافظ/ (ي 201) أبو الوليد الدباغ فقال: "لم ينفرد به الملك بل وقع لي من رواية يونس وابن أبي حفصة ومعمر كلهم عن الزهري". وأما رواية سفيان بن عيينة فقال أبو يعلى في مسنده2 ثنا محمد بن عباد المكي3 ثنا سفيان وهو ابن عيينة عن/ (? 119/أ) الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه مغفر/ (ر106/ب) . هكذا رويناه في مسند أبي يعلى - روايتي ابن المقرئ وابن حمدان. وكذا رويناه في فوائد بشر بن أحمد الإسفرائيني4، عن أبي يعلى ورجاله رجال مسلم. لكن رواه النسائي5 من طريق الحميدي عن ابن عيينة عن مالك عن
الزهري، فيحتمل أن يكون ابن عيينة دلسه حين حدث به محمد/ (ب 241) بن عباد أو سواه محمد بن عباد فقد قدمنا عن الدارقطني أنه عد ابن عيينة في الأكابر الذين رووه عن مالك. وأما رواية أسامة بن زيد الليثي، فرواه الحاكم في "تاريخ نيسابور" وابن حبان في "الضعفاء"1 من طريق عبد السلام بن أبي فروة النصيبي2 عن عبد الله3 بن موسى عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر" لكن عبد السلام ضعيف جدا. وأما رواية ابن أبي ذئب، فرواها ابن المقري في "معجمه" وأبو نعيم في "الحلية"4 عنه (عن عمرو5 بن أحمد بن جابر الرملي) عن محمد بن يعقوب الفرجي عن أحمد بن عيسى، عن ابن أبي فديك 6 عن ابن أبي ذئب عن الزهري مثله - والله تعالى أعلم -. لكن أحمد بن عيسى أبو الطاهر ضعيف7.
وأما/ (ي 202) رواية عبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز فرويناه 1 في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني2، قال: ثنا أحمد بن الخليل بن ثابت ثنا محمد بن عمر الواقدي3 ثنا معمر ومالك ومحمد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن عبد العزيز سمعوا الزهري يخبر عن أنس - رضي الله تعالى عنه به4. والواقدي ضعيف وعبد الرحمن ضعفه أبو حاتم. وأما رواية محمد بن إسحاق وبحر بن كنيز السقا5، فذكر الحافظ أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر فيما خرجه من حديث أحمد بن محمد بن عمر الجيزي/ (ر107/أ) من روايته عن شيوخه المصريين قال- بعد أن أخرج هذا الحديث من رواية ابن أخي الزهري -: "اشتهر أن مالكا تفرد به وقد وقع لنا من رواية بضعة عشر نفسا رووه غير ذلك، منهم أبو أويس ومحمد بن إسحاق وبحر بن كنيز6 السقا وذكر بعض من ذكرنا". قلت: ولم يقع لي روايتها إلى الآن/ (ب 242) وأخبرني بعض الحفاظ انه وقف على رواية ابن إسحاق له عن الزهري في "مسند مالك" لأبي أحمد بن عدي.
قلت: وقد تقدم في ذكر رواية ابن أخي الزهري أن ابن إسحاق رواه عنه عن عمه 1 - فالله أعلم -. ثم وقع لي من طريق ابن وهب عن ابن إسحاق عن الزهري لكنه قال عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -. رويناه في "فوائد" أبي إسماعيل الهروي2 الحافظ بإسناد ضعيف. وأما رواية صالح3 بن أبي الاخضر، فذكرها الحافظ أبو ذر الهروي4 عقب رواية البخاري له عن يحيى بن قزعة عن مالك. قال أبو ذر: "لم يرو حديث المغفر أحد عن الزهري إلا مالك وقد وقع لنا عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وليس صالح بذاك"5. قلت: ولم تقع لي هذه الرواية إلى الآن. وأما/ (ي203) رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي، فرواها الدارقطني في "الأفراد"6 وموسى بن عيسى السراج في "فوائده" كلاهما عن عبد الله/ (?120/أ) بن
أبي داود ثنا إسحاق بن الأخيل العنسي ثنا عثمان بن عبد الرحمن ثنا ابن أبي الموالي، عن الزهري، عن أنس - رضي الله تعالى عنه -. قال الدارقطني: "تفرد به عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي موالي واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي". قلت: وعثمان هو الوقاصي1- ضعيف جدا. ورويناه - أيضا - من طريق يزيد الرقاشي2، عن أنس - رضي الله عنه - متابعا للزهري. روينا في الفوائد أبي الحسن الفراء الموصلي، نزيل مصر ويزيد ضعيف. وروينا هذه/ (ر107/ب) القصة - أيضا - من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما تقدم قريبا. ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي3 - رضي الله تعالى عنه - وحديثهما في "السنن" للدار قطني ومن حديث علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - في "المشيخة الكبرى" لأبي محمد الجوهري4. ومن طريق/ (ب ص 243) سعيد بن يربوع5، والسايب بن يزيد - رحمة الله تعالى
عليهما - وهما في مستدرك الحاكم وألفاظهم1 مختلفة. فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - فكيف يجمل ممن له ورع أن يتهم إماما من أئمة المسلمين بغير علم ولا إطلاع. ولقد أطلت2 في الكلام على هذا الحديث، وكان الغرض منه الذب عن أعراض3 هؤلاء الحفاظ، والإرشاد إلى عدم الطعن والرد بغير اطلاع. وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد. فقول من قال من الأئمة: إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري ليس على إطلاقه، إنما المراد به بشرط الصحة. وقول ابن العربي: إنه رواه/ (?120/ب) من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح، فلا اعتراض ولا تعارض. وما أجود عبارة الترمذي في هذا فإنه قال - بعد تخريجه -: "لا يعرف (كبير أحد) 4 رواه عن الزهري غير مالك"5. وكذا عبارة ابن حبان: "لا يصح إلا من رواية مالك، عن الزهري"6. فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق.
وهذا/ (ي 204) بعينه حاصل الكلام على حديث: "الأعمال بالنيات" والله الموفق. تنبيه: مثّل الحاكم للشاذ بمثال يتجه عليه من الاعتراض أشد مما اعترض به على المصنف، فإنه أخرج من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري1 قال: حدثني أبي2، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس3، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: "كان منزلة قيس بن سعد - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير"4. قال الحاكم: "هذا لحديث شاذ، فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ولا عن غيره من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بإسناد آخر"5. قلت:/ (ب ص 244) وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه6 من هذا الوجه، والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذا
ولا مشاحة1 في التسمية. وفي الجملة فالأليق في حد "الشاذ" ما عرَّف به الشافعي - والله أعلم -. 45- قوله (ع) 2: "وقد رواه غير يحيى بن سليم3، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فذكر رواية يونس بن عبيد عن نافع من عند ابن عدي". قلت: ليس هذا متابعا ليحيى بن سليم عن عبيد الله وقد/ (121/أ) وجدت له متابعا4. قال ابن أبي حاتم في العلل5: سألت أبي عن حديث رواه سعيد بن يحيى الأموي، عن أبيه عن عبيد الله، عن نافع وعبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء وعن هبته". قال: فقال: أبي: هكذا قال، وإنما أخذه نافع عن عبد الله بن دينار. وذكر الحافظ عماد الدين ابن كثير أن أبا حاتم الرازي - رواه أيضا - عن قبيصة بن عقبة، عن سفيان الثوري، عن عبيد الله عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - وقد وهم فيه قبيصة فقد خرجه الشيخان في
الصحيحين1 من حديث الثوري عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما - على المحفوظ. وعلى تقدير أن يكون محفوظا، فقد سقط منه عبد الله بن دينار ن نافع وابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - كما أشار إليه أبو حاتم قبل. وقد وقد رويناه من غير طريق نافع أيضا/ (ي205) قال الطبراني في "الأوسط"2: حدثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة ثنا أبي، عن أبيه عن سفيان الثوري، عن عمرو بن دينار أنه سمع ابن/ (ر 108/ب) عمر - رضي الله عنه - يقول: فذكره. قال الطبراني: "لم يروه عن سفيان عن عمرو إلا يحيى بن حمزة تفرد به ولده عنه". قلت: وهو وهم والمحفوظ من حديث الثوري، عن عبد الله بن دينار كما تقدم - والله أعلم -. 99- (ص) : "وقد قال مسلم: للزهري نحو تسعين حرفا ... "3. إلى آخره. هو في الصحيح في كتاب الأيمان والنذور منه، واختلف النسخ في العدد والأكثر تقديم التاء على السين - والله أعلم -.
100-قوله (ص) : "وإن كان بعيدا من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر...."1الخ. هذا يعطي الشاذ والمنكر عنده مترادفان2. والتحقيق خلاف ذلك على3 ما سنبينه بعد - إن شاء الله تعالى.
النوع الرابع عشر: المنكر
النوع الرابع عشر: المنكر 101- قوله (ص) : "وإطلاق الحكم على التفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث"1. قلت: وهذا ينبغي التيقظ له، فقد أطلق الإمام أحمد والنسائي وغير واحد من النقاد لفظ المنكر على مجرد التفرد، لكن حيث لا يكون المتفرد في وزن من يحكم لحديثه بالصحة بغير عاضد يعضده. وأما قول المصنف: والصواب التفصيل الذي بيناه آنفا في شرح الشاذ2، فليس في عبارته ما يفصل أحد النوعين عن الآخر. نعم هما مشتركان في كون كل منهما على قسمين وإنما اختلافهما في مراتب الرواة فالصدوق3 إذا تفرد بشيء لا متابع4 له ولا شاهد ولم يكن عنده من الضبط ما يشترط في حد الصحيح والحسن، فهذا أحد قسمي الشاذ فإن/ (ي 206) خولف من هذه صفته/ (ب ص 246) مع ذلك كان أشد في شذوذه، وربما سماه بعضهم منكرا وإن بلغ تلك الرتبة في الضبط، لكنه خالف من هو أرجح منه/ (ر109/أ) في الثقة والضبط، فهذا القسم الثاني من الشاذ وهو المعتمد في تسميته.
وأما ما انفرد المستور أو الموصوف بسوء الحفظ أو المضعف في بعض مشايخه دون بعض بشيء لا متابع له ولا شاهد فهذا أحد قسمي/ (?122/أ) المنكر، وهو الذي يوجد في إطلاق كثير من أهل الحديث. وإن خولف في1 ذلك، فهو القسم الثاني وهو المعتمد على رأي الأكثرين. فبان بهذا فصل2 المنكر من الشاذ وأن كلا منهما قسمان يجمهما مطلق التفرد أو مع قيد المخالفة3 - والله أعلم -. وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه ما نصه: "وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضى خالفت روايته روايتهم، أو4 لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجور الحديث غير مقبوله ولا مستعمله"5. قلت: فالرواة الموصوفون بهذا هم المتروكون. فعلى هذا رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة6. وهذا هو المختار - والله أعلم -.
44- قوله (ع) : "وقد خالف مالكا في ذلك في ذلك ابن جريج وابن عيينة وهشيم1 إلى آخره". وأقول: في رواية هشيم مخالفة في المتن شديدة أشد من مخالفة مالك في اسم أحد الرواة الإسناد، فكان التمثيل به أولى لو سلمنا أن مخالفة الثقة توجب النكارة، وإنما توجب عندنا الشذوذ، كما حققناه. وبيان مخالفة هشيم أنه رواه عن الزهري بالإسناد المذكور بلفظ: "لا يتوارث أهل ملتين"2/ (ب 247) . وقد حكم النسائي وغيره على هشيم بالخطأ فيه. وعندي أنه رواه من حفظه بلفظ ظن أنه يؤدي معناه، فلم يصب، فإن اللفظ الذي أتى به أعم من الفظ الذي سمعه، وسبب ذلك أن هشيما سمع من الزهري بمكة أحاديث ولم/ (ر109/ب) يكتبها، وعلق بحفظه بعضها فلم/ (122/ب) يكن من الضابطين عنه، ولذلك لم يخرج الشيخان من روايته عنه شيئا - والله أعلم 46- قوله/ (ي 207) (ع) : "ولنذكر مثالا للمنكر"3، ثم أورد حديث همام، عن ابن جريج عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - "في وضع الخاتم عند دخول الخلاء"4.
وقد نوزع أبو داود في حكمه عليه بالنكارة1 مع أن رجاله من رجال الصحيح. والجواب أن أبا داود حكم عليه بكونه منكرا، لأن هماما تفرد به عن ابن جريج وهما2 وإن كانا من رجال الصحيح، فإن الشيخين لم يخرجا من رواية همام عن ابن جريج شيئا، لأن أخذه عنه كان لما كان ابن جريج بالبصرة، والذين سمعوا من ابن جريج بالبصرة في حديثهم خلل من قبله، والخلل في هذا الحديث من جهة أن ابن جريج دلسه عن الزهري بإسقاط الواسطة وهو زياد بن سعد، ووهم همام في لفظه على ما جزم به أبو داود وغيره، هذا 3 وجه حكمه عليه بكونه منكرا، وحكم النسائي عليه بكونه غير محفوظ أصوب4 فإنه شاذ في الحقيقة إذ المنفرد به من شرط الصحيح5 لكنه بالمخالفة صار حديثه شاذا. وأما متابعة يحيى بن المتوكل له6 عن ابن جريج، فقد تفيد لكن قول
يحيى بن معين: لا أعرفه، أراد به جهالة عدالته لا جهالة عينه، فلا يعترض عليه بكونه روى عنه جماعة، فإن مجرد روايتهم عنه لا تستلزم معرفة حاله. وأما ذكر ابن حبان له في الثقات، فإنه قال فيه مع ذلك: كان يخطئ وذلك مما يتوقف به عن قبول أفراده. على أن للنظر مجالا في تصحيح حديث همام، أنه/ (123/أ) مبني على أن أصله حديث الزهري، عن أنس - رضي الله عنه - في اتخاذ الخاتم. ولا مانع أن يكون هذا متن آخر غير ذلك المتن وقد مال/ (ر110/أ) إلى ذلك ابن حبان1 فصححهما جميعا، ولا علة له عندي إلا تدليس ابن جريج، فإن وجد عنه التصريح بالسماع فلا مانع من الحكم بصحته في نقدي - والله أعلم -. وإذا تقرر كون هذا - أيضا - لا يصلح مثالا للمنكر فلنذكر مثالا للمنكر غيره. وقد ذكر الحافظ العلائي في هذا المقام حديث هشام بن سعد عن الزهري، عن أم سلمة عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال/ (ي 208) : "جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في رمضان ... " فذكر حديث المواقع أهله في رمضان، وذكر فيه الكفارة وقوله: "على أفقر مني" وزاد في آخر المتن "وصم يوما مكانه واستغفر الله"2. قال العلائي: "تفرد به هكذا هشام بن سعد - وهو متكلم فيه سيء الحفظ، وخالف في عامة أصحاب الزهري الكبار الحفاظ فمن دونهم، فإنه عندهم عنه عن حميد بن عبد الرحمن3، عن أبي هريرة لا عن أبي
سلمة1 وليست عندهم هذه الزيادة". قلت: وذكر أبو عوانة في صحيحه حديث هشام بن سعد هذا وقال غلط هشام بن سعد. وأورده ابن عدي 2 في مناكير هشام بن سعد. وقال أبو يعلى الخليلي3: "أنكر الحفاظ حديثه في المواقع في رمضان من حديث الزهري عن أبي سلمة وقالوا: إنما رواه الزهري عن حميد". قال ورواه وكيع عنه عن الزهري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - منقطعا قال أبو زرعة الرازي:"أراد وكيع الستر على هشام بن سعد بإسقاط/ (123/ ب) أبي سلمة". تنبيه / (ب 149) : قول العلائي الذي أسلفناه أن الزيادة التي في آخر المتن تفرد بها هشام بن
سعد ليس كما قال، فقد تابعه عليها الليث بن سعد وعبد الجبار بن عمر الأيلي كما/ (ر110/ب) أخرجه أبو عوانة في صحيحه والبيهقي1- والله أعلم -. وأما حديث أبي زكير2 في أكل البلح بالتمر، فقد أورده الحاكم في المستدرك3 لكنه لم يحكم له بالصحة ولا غيرها. وأما ابن الجوزي أو الفرج، فذكره في "الموضوعات"4. والصواب فيه ما قال النسائي5- وتبعه ابن الصلاح6-: "إنه منكر". باعتبار تفرد الضعيف به على إحدى الروايتين. وقد جزم ابن عدي بأنه تفرد به. وقول الخليلي7: إنه شيخ صالح أراد به في دينه لا في حديثه؛ لأن من عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث. فإذا أطلقوا الصلاح، فإنما يريدون له/ (ي 209) في الديانة. - والله أعلم.
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار
النوع الخامس عشر: معرفة الاعتبار 102- قوله (ص) : "معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد"1. قلت: هذه العبارة توهم أن الاعتبار قسيم للمتابعة والشاهد وليس كذلك، بل الاعتبار هو2: الهيئة الحاصلة في الكشف عن المتابعة والشاهد, وعبى هذا فكان حق العبارة أن يقول: معرفة الاعتبار للمتابعة والشاهد. وما أحسن قول شيخنا في منظومته: الاعتبار سبرك الحديث هل تابع رأو غيره فيما حمل فهذا سالم من الاعتراض. - والله أعلم -. 103- قوله (ص) 3: "مثال للمتابيع والشاهد" فذكر/ (? 124أ) حديث سفيان عن عمرو عن عطاء عن ابن عباس - رضي الله عنهما - حديث "أو أخذوا إهابها/ (ب250") 4. وذكر أن شاهده عن عبد الرحمن بن وعلة 5 عن ابن عباس - رضي الله عنه - حديث "أيما إيهاب دبغ فقد طهر"6.
وهذا فيه أمران: أحدهما: أنه ليس مثالا للمتابعة التامة إذ (من شرط التامة عنده أن يتابع نفس الراوي لا شيخه كما/ (ر 111/أ) قال) 1 أولا أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد. قال: فهذه المتابعة التامة، وأن شيخ الراوي إذا توبع أو شيخ شيخه، قد يطلق اسم المتابعة، لكن تقصر الأولى بحسب البعد. وإذا تقر هذا، فالمثال ليس مطابقا2 للمتابعة التامة. لأن سفيان بن عيينة لم يتابعه أحد عن عمرو على ذكر الدباغ وإنما توبع شيخه عمرو عن عطاء. الثاني: أنه ليس بمطابق - أيضا - لما تقدم من أن المتابعة (لمن) 3 دون الصحابي. وأن الشاهد أن يروى حديث آخر بمعناه يعني من حديث صحابي آخر وإن إطلاق4 الشاهد على غير ذلك قليل، لأن كلا من المتابع والشاهد اللذين أوردهما من حديث صحابي واحد وهو ابن عباس - رضي الله عنهما -. وفي/ (ي 210) الحقيقة عبد الرحمن بن وعلة5 قد تابع عطاء في روايته عن ابن عباس - رضي الله عنهما - هذا الحكم. وإذا تقرر هذا، فلنذكر مثالا للمتابعة والشاهد سالما من هذا الاعتراض وهو ما رواه الشافعي في "الأم"6 عن مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر
- رضي الله عنهما - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال/ (?124 /ب) : "الشهر تسع وعشرون فلا تصموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين". فإن الحديث المذكور في جميع الموطآت1 عن مالك بهذا الإسناد بلفظ، "فإن غم عليكم فاقدروا له". فأشار البيهقي2 إلى أن الشافعي تفرد بهذا اللفظ عن مالك فنظرنا فإذا البخاري3 قد روى الحديث في صحيحه/ (ب 251) فقال: حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي، حدثنا مالك، عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - فساقه باللفظ الذي ذكره الشافعي سواء فهذه متابعة تامة في غاية الصحة. لرواية/ (ر111/ب) الشافعي - رضي الله عنه - والعجب كيف خفيت عليه؟ ودل [هذا] 4 على أن مالكا رواه عن عبد الله بن دينار باللفظين معا.
وقد توبع عليه عبد الله بن دينار من وجهين عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: أحدهما: أخرجه مسلم1 من طريق أبي أسامة، عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - فذكر الحديث وفي آخره: "فإن غم عليكم فاقدروا ثلاثين". والثاني: أخرجه ابن خزيمة في صحيحه 2 من طريق عاصم بن محمد بن زيد عن أبيه عن ابن عمر - رضي الله عنهما - بلفظ: "فإن غم عليكم فكملوا ثلاثين". فهذه متابعة - أيضا - لكنها ناقصة. وأما شاهده فله شاهدان: شاهد لحديث الشافعي: أحدهما: من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - رواه البخاري3 عن آدم عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - ولفظه: "فإن غمي4 عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين". وثانيهما: من/ (125/أ) حديث ابن عباس - رضي الله عنهما- أخرجه النسائي5 من رواية عمرو بن دينار عن محمد بن حنين عن/ (ي211) ابن عباس
- رضي الله عنهما - بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر - رضي الله عهما -. فهذا مثال صحيح بطرق صحيحة للمتابعة التامة، والمتابعة الناقصة. والشاهد باللفظ والشاهد بالمعنى - والله الموفق سبحانه -.
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات
النوع السادس عشر: معرفة زيادات الثقات 104- قوله/ (ب 252) (ص) : " (وقد كان أبو كبر النيسابوري) 1 - وذكره غيره - مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث"2. إلى آخره. مراده بذلك الألفاظ التي3 يستنبط منها الأحكام الفقهية لا ما زاده الفقهاء دون المحدثين في الأحاديث، فإن تلك تدخل في المدرج لا في هذا. وإنما نبهت على هذا وإن كان ظاهرا لأن العلامة مغلطاي استشكل ذلك على المصنف، ودل أنه ما فهم مغزاه فيه، - والله تعالى أعلم -. تنبيه: قال ابن حبان في مقدمة الضعفاء4: "لم أر على أديم الأرض من كان يحسن صناعة السنن ويحفظ الصحاح بألفاظها ويقوم بزيادة كل لفظة تزاد في خبر ثقة5 حتى كأن السنن كلها نصب عينيه إلا محمد بن إسحاق بن خزيمة فقط"6. - والله تعالى أعلم -.
105- قوله (ص) 1: "وقد رأيت تقسيم الزيادات إلى ثلاثة أقسام": أحدها: ما يقع منافيا لما رواه الثقات، وهذا حكمه الرد - يعني لأنه يصير شاذا -. والثاني: أن لا كيون فيه منافاة، فحكمه2 القبول، لأنه جازم بما رواه وهو ثقة ولا معارض لروايته، لأن الساكت عنها لم ينفها لفظا ولا معنى/ (?125/ب) . لأن مجرد سكوته عنها لا يدل على أن3 راويها وهم فيها. والثالث: ما يقع بين هاتين المرتبتين مثل زيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث. يعني وتلك اللفظة توجب قيدا في إطلاق أو تخصيصا لعموم ففيه مغايرة في الصفة ونوع مخالفة يختلف الحكم بها. "فهو يشبه القسم الاول من/ (ي212) هذه الحيثية ويشبه القسم الثاني من حيث أنه لا منافاة في الصورة"4. قلت: لم يحكم ابن الصلاح على هذا الثالث بشيء5. والذي يجري على قواعد المحدثين أنهم لا يحكمون عليه بحكم مستقل من القبول والرد، بل يرجحون بالقرائن كما قدمناه في مسألة تعارض الوصل والإرسال. على أن القسم الأول الذي حكم عليه المصنف بالرد مطلقا، قد نوزع في وجزم ابن حبان6 والحاكم7 وغيرهما بقبول زيادة الثقة مطلقا في سائر الأحوال سواء اتحد المجلس أو تعدد، سواء أكثر الساكتون أو تساووا.
وهذا قول جماعة من أئمة الفقه والأصول، وجرى على هذا الشيخ محيى الدين النووي في "مصنفاته". وفيه نظر كثير؛ لأنه يرد عليهم الحديث الذي يتحد مخرجه فيرويه جماعة من الحفاظ الأثبات على وجه، ويريه ثقة دونهم في الضبط والإتقان على وجه (يشمل على زيادة) 1 تخالف ما رووه إما في المتن وإما في الإسناد، فكيف تقبل زيادته وقد خالفه من لا يغفل مثلهم عنها لحفظهم أو لكثرتهم، ولا سيما إن/ (? 126/أ) كان شيخهم ممن يجمع حديثه ويعتنى بمروياته كالزهري وأضرابه2 بحيث يقال: إنه لو رواها لسمعها منه حفاظ أصحابه، ولو سمعوها لرووها ولما تطابقوا على تركها، والذي يغلب على الظن في هذا وأمثاله تغليط راوي الزيادة، وقد نص الشافعي في "الأم"3 على نحو هذا فقال - في زيادة مالك ومن تابعه في حديث: "فقد عتق منه ما عتق"/ (ب254) : "إنما يغلط الرجل بخلاف من هو أحفظ منه أو بأن يأتي بشيء يشركه فيه من لم يحفظه عنه4، وهم عدد وهو منفرد". فأشار إلى أن الزيادة متى تضمنت مخالفة الأحفظ أو الأكثر عددا أنها تكون مردودة. وهذه الزيادة التي زادها مالك لم يخالف فيها من هو أحفظ منه ولا أكثر عددا فتقبل، وقد ذكر الشافعي - رضي الله عنه - هذا في مواضع كثيرا ما يقول: "العدد الكثير أولى بالحفظ من الواحد". وقال ابن خزيمة في/ (ي 213) صحيحه5:
"لسنا ندفع أن تكون الزيادة مقبولة من الحفاظ، ولكنا نقول: إذا تكافأت الرواة في الحفظ والإتقان، فروى حافظ عالم بالأخبار زيادة في خبر قبلت زيادته. فإذا توارت الأخبار، فزاد1 وليس مثلهم في الحفظ زيادة لم تكن تلك الزيادة مقبولة". وقال/ (ر113/أ) الترمذي في أواخر الجامع2: "وإنما تقبل الزيادة ممن تعتمد على حفظه". وفي سؤالات السهمي3 للدارقطني: سئل عن الحديث إذا اختلف فيه الثقات؟. قال: "ينظر ما اجتمع عليه ثقتان فيحكم بصحته، أو ما جاء بلفظة زائدة، فتقبل تلك الزيادة من متقن، ويحكم لأكثرهم حفظا وثبتا على من دونه". قلت: وقد استعمل الدارقطني ذلك في "العلل" و"السنن" كثيرا فقال: في حديث رواه يحيى بن أبي كثير عن أبي عياش4 عن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في النهي عن بيع الرطب بالتمر5 نسيئة: "قد رواه مالك وإسماعيل بن أمية 6 وأسامة بن زيد والضحاك بن
عثمان1 عن أبي عياش، فلم يقولوا: نسيئة، واجتماعهم على خلاف مارواه يحيى يدل على ضبطهم ووهمه"2. وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "إنما تقبل الزيادة من الحافظ إذا ثبت3 عنه وكان أحفظ وأتقن ممن قصر أو مثله في الحفظ، لأنه/ (ب255) كأنه4 حديث آخر مستأنف. وما إذا كانت الزيادة من غير حافظ، ولا متقن، فإنها لا يلتفت إليها. وسيأتي إن شاء الله كلام الخطيب بنحو هذا. فحاصل كلام هؤلاء الأئمة أن الزيادة إنما تقبل ممن يكن حافظا متقنا حيث يستوي مع من زاد عليهم في ذلك، فإن كانوا أكثر عددا منه أو كان فيهم من هو أحفظ منه أو كان غير حافظ ولو كان في الأصل صدوقا فإن زيادته لا تقبل. وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة وأطلق - والله أعلم. واحتج من قبل الزيادة من الثقة مطلقا بأن الراوي إذا كان ثقة وانفرد بالحديث من أصله كان مقبولا، فكذلك/ (ي214) انفراده بالزيادة5 / (ر113/ب) وهو احتجاج مردود، لأنه ليس كل حديث تفرد به أي ثقة كان يكون مقبولا كما سبق بيانه في نوع الشاذ6
ثم/ (127/أ) إن الفرق بين تفرد الراوي بالحديث من أصله وبين تفرده بالزيادة ظاهر، لأن تفرده بالحديث لا يلزم منه1 تطرق السهو والغفلة على غيره من الثقات إذ مخالفة في روايته لهم - بخلاف تفرده بالزيادة إذا لم يروها من هو أتقن منه حفظا وأكثر عددا فالظن غالب بترجيح 2 روايتهم على روايته. ومبنى هذا الأمر على غلبة الظن. واحتج بعض أهل الأصول بأنه من الجائز أن يقول الشارع كلاما في وقت، فيسمعه3 شخص ويزيده في وقت آخر فيحضره غير الأول، ويؤدي كل منها ما سمع (وبتقدير اتحاد المجلس فقد يحضر أحدهما في أثناء الكلام فيسمع) 4 ناقصا ويضبطه الآخر تماما أو ينصرف أحدهما قبل فراغ الكلام ويتأخر الآخر، وبتقدير حضورها فقد يذهل أحدها أو يعرض له ألم أو جوع أو فكر شاغل أو غير ذلك من الشواغل ولا يعرض لمن حفظ الزيادة5، ونسيان الساكت محتمل والذاكر مثبت. والجواب عن ذلك ان الذي يبحث فيه أهل الحديث في هذه المسألة، إنما هو في زيادة (بعض الرواة) 6 من التابعين فمن بعدهم. أما الزيادة الحاصلة من بعض الصحابة على صحابي آخر إذا صح السند إليه فلا يختلفون في قبولها (كحديث) 7 أبي هريرة - رضي الله عنه - الذي في
الصحيحين في قصة آخر من يخرج من النار، وإن الله تعالى يقول له - بعد أن يتمنى ما يتمنى - لك ذلك ومثله معه، وقال أبو سعيد الخدري: "أشهد لسمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: لك ذلك وعشرة أمثاله1 / (ر 114/أ) . وكحديث ابن عمر - رضي الله عنهما -: "الحمى/ (127/ب) من فيح جهنم فأبردها بالماء" متفق عليه2. وفي حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عند البخاري: "فأبردوها بماء زمزم"3. وإنما الزيادة التي يتوقف أهل الحديث في قبولها من غير الحافظ حيث يقع في الحديث الذي يتحد مخرجه، كمالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - إذا روى الحديث جماعة/ (ي 215) من الحفاظ الأثبات العارفين بحديث ذلك الشيخ وانفرد دونهم بعض رواته بزيادة، فإنها لو كانت محفوظة لما غفل الجمهور من رواته عنها. فتفرد واحد عنه بها4 دونهم مع توفر (دواعيهم) 5 على الأخذ عنه وجمع حديثه يقتضي ريبة توجب التوقف عنها6.
وأما ما حكاه ابن الصلاح عن الخطيب، فهو وإن نقله عن الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث، فقد خالف في اختياره فقال: بعد ذلك: "والذي نختاره أن الزيادة مقبولة إذا كان راويها عدلا حافظا ومتقنا ضابطا". قلت: وهو توسيط بين/ (ب 257) المذهبين، فلا ترد الزيادة من الثقة مطلقا ولا نقلبها مطلقا. وقد تقدم مثله عن ابن خزيمة وغيره وكذا قال ابن طاهر: إن الزيادة إنما تقبل عند أهل الصنعة من الثقة المجمع عليه. تنبيه: سبق المؤلف إلى التفصيل الذي فصله إمام الحرمين في البرهان 1 فقال: بعد أن حكى عن الشافعي وأبي حنيفة - رضي الله عنهما -: قبول زيادة الثقة فقال: "هذا عندي فيما إذا سكت الباقون فإن صرحوا بنفي ما نقله هذا الراوي مع إمكان إطلاعهم فهذا يوهن قول قائل الزيادة"2. وفصل أبو/ (128/أ) نصر ابن الصباغ3في "العدة" تفصيلا آخر بين أن يتعدد المجلس، فيعمل بهما، لأنهما/ (ر114/ب) كالخبرين أو يتحد، فإن كان الذي نقل الزيادة واحدا والباقون جماعة لا يجوز عليهم الوهم سقطت الزيادة، وإن كان بالعكس، وكان كل من الفريقين جماعة فالقبول، وكذا إن كان كل منهما واحدا حيث يستويان وإلا فرواية الضابط منهما أولى بالقبول4.
وقال الإمام فخر الدين: "إن كان الممسك عن الزيادة أضبط من الراوي لها فلا تقبل. وكذا إن صرح بنفيها، وإلا قبلت"1. وقال الآمدي2 وجرى عليه ابن الحاجب 3: "إن اتحد المجلس فإن كان من لم يروها، قد انتهوا إلى حد لا تقتضي العادة غفلة مثلهم عن سماعها والذي رواها/ (ي 216) واحد فهي مردودة وإن لم ينتهوا إلى هذا الحد جماعة الفقهاء والمتكلمين على قبول الزيادة خلافا لجماعة من المحدثين". قلت: وللأصوليين تفاصيل غير هذه، فقال بعضهم: تقبل إن كانت غير مغيرة للإعراب4. وقال بعضهم: تقبل ممن لم يكن مشتهرا برواية الزيادة في الوقائع. وقال بعضهم: تقبل الزيادة إن لم تشتمل على حكم شرعي ويفصل فيها إن اشتملت/ (ب 258) . وقال أبو نصر ابن القشيري: "إن رواه مرة، (ثم نقله) 5 أخرى وزاد فلا تقبل زيادته وأما إذا أسند زيادة دائما فتقبل".
فائدة: حكى ابن الصلاح عن الخطيب فيما إذا تعارض الوصل والإرسال أن الأكثر من أهل الحديث يرون أن الحكم لمن أرسل. وحكى عنه هنا أن الجمهور من أئمة الفقه والحديث يرون أن الحكم لمن أتى بالزيادة إذا كان ثقة1. وهذا ظاهره التعارض ومن أبدى/ (128/ب) فرقا بين المسألتين فلا يخلو من تكلف وتعسف. وقد جزم ابن الحاجب أن الكل بمعنى واحد، فقال: "وإذا أسند الحديث وأرسلوه أو رفعه ووقفوه / (ر115/أ) أو وصله وقطعوه، فحكمه حكم الزيادة على التفصيل السابق"2. ويمكن الجواب عن الخطيب، بأنه لما حكى الخلاف في المسألة الأولى عن أهل الحديث خاصة عبر بالأكثر وهو كذلك، ولما حكى الخلاف في المسألة الثانية عنهم وعن أهل الفقه والأصول وصار الأكثر في جانب مقابله ولا يلزم من ذلك دعوى فرق بين المسألتين- والله أعلم -. ونقل الحافظ العلائي عن شيخه ابن الزملكاني أنه فرق بين مسألتي تعارض الوصل والإرسال والرفع والوقف بأن الوصل في السند زيادة من الثقة فتقبل وليس الرفع زيادة في المتن فتكون علة وتقرير ذلك أن المتن إنما هو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا كان من قول صحابي فليس بمرفوع فصار منافيا له لأن دونه من قول الصحابي مناف لكونه من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأما الموصول والمرسل فكل منهما موافق للآخر في كونه ي 217 من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.
قال العلائي: "وهذه التفرقة قد تقوى في بعض الصور أكثر من بعض، فأما إذا كان الخلاف في الوقف والرفع على الصحابي بأن يرويه عنه تابعي/ (ب ص 259) مرفوعا ويوقفه عليه تابعي آخر لم يتجه هذا البحث لاحتمال أن يكون حين وقفه أفتى بذلك الحكم وحين رفعه رواه إلا أن يتبين أنهما مما سمعاه منه في مجلس واحد فيفزع/ (129/أ) حينئذ إلى الترجيح.- والله أعلم -. 106- قوله (ص) : "فذكر أبو عيسى الترمذي أن مالكا تفرد من بين الثقات بزيادة قوله من المسلمين"1. [اعتراض النووي على ابن الصلاح] : اعترض عليه الشيخ محيى الدين بقوله: "لا يصح التمثيل بهذا الحديث بقوله؛ لأنه لم ينفرد به، بل واقفه في الزيادة عمر بن نافع بن عمر والضحاك بن عثمان"2. والأول في صحيح البخاري3، والثاني في صحيح مسلم4. [تعقب التبريزي على النووي:] وتعقب الشيخ تاج الدين التبريزي كلام الشيخ محي الدين بقوله: "إنما مثل به حكاية على الترمذي، فلا يرد عليه شيء". انتهى. [تعقب الحافظ على التبريزي:] وهذا التعقب غير مرضي؛ لأن الإيراد5 على المصنف من جهة عدم مطابقة المثال للمسألة المفروضة ولو كان حاكيا، لأنه أقره فرضيه وعلى تقدير عدم الورود من هذه الحيثية، فيرد عليه من جهة تعبيره لعبارة الترمذي، لأن الترمذي لم يطلق تفرد مالك به كما بينه شيخنا6 عنه.
ثم راجعت كتاب الترمذي1 فوجدته في كتاب الزكاة قد أطلق كما حكاه عنه المصنف. ولفظه: "حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - رواه مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - نحو حديث أيوب، وزاد فيه، "من المسلمين"، ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه "من المسلمين". وفي "كتاب العلل المفرد"2 قد قيد كما حكاه عنه شيخنا3. فكأن ابن الصلاح نقل كلامه من كتاب الزكاة ولم يراجع كلامه في العلل والله أعلم. وأما/ (ب 260) قولنا شيخنا: اختلف في زيادتها على عبيد الله بن عمر وعلى أيوب وأحال في بيان ذلك/ (ي 218) على شرح الترمذي4، فقد رأيت بيان ذلك هنا. قال ابن عبد البر: "ذكر ابن أحمد بن/ (?129/ب) خالد أن بعض أصحابه حدثه عن يوسف بن يعقوب القاضي5 عن سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب وقال فيه: "من المسلمين". وقال ابن عبد البر: "وهو خطأ على أيوب والمحفوظ فيه عنه من رواية الحمادين وابن علية6 وسلام بن أبي مطيع"7.
وعبد الورث وعبد الله بن شوذب1 وغيرهم ليس فيه: "من المسلمين". قلت: بل رواية عبد الله بن شوذب عن أيوب قال فيها: "من المسلمين". كذلك رواه ابن خزيمة في صحيحه عن الحسن بن عبد الله بن منصور الانطاكي عن محمد بن كثير عنه. ثم قال ابن عبد البر: "ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي2 عن عبيد الله3 بن عمر - رضي الله عنهما فزاد فيه: "من المسلمين". ثم ساقه من طريقه بإسناده وقال: رواه يحيى القطان وبشر بن المفضل وأبو أسامة وغيرهم عن عبيد الله فلم يذكروها". قلت: وصلها الدارقطني في السنن4 - أيضا - والحاكم في "المستدرك"5 من طريق سعيد بن عبد الرحمن. وقد أشار أبو داود في السنن6 إلى رواية سعيد بن عبد الرحمن هذه وقال: المشهور عن عبيد اله ليس في "من المسلمين". وقد رواه الدارقطني في "السنن"7 عن أبي محمد بن صاعد8، عن
محمد بن عبد الملك بن زنجويه1 عن عبد الرزاق، عن الثوري، عن عبيد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وقال فيه: "على كل مسلم"، ثم رواه عن محمد بن إسماعيل الفارسي عن إسحاق الديري2، عن عبد الرزاق عن الثوري عن عبيد الله بن عمر/ (130/أ) وابن أبي ليلى كلاهما عن نافع مثله3. قلت: ولم يذكر شيخنا4 رواية ابن أبي ليلى هذه. وقد روى - أيضا - ممن لم يذكره شيخنا عن أيوب بن موسى وموسى بن عقبة ويحيى بن سعيد الأنصاري هكذا عزاه العلامة مغلطاي لتخريج البيهقي، ولم أر ذلك في السنن الكبير ولا في المعرفة ولا في السنن الصغرى ولا في الخلافيات. فإن كان لذلك صحة، فتكون رويت عنهم من طرق غريبة، والمشهور/ (ي 219) عنهم بدون هذه الزيادة - والله أعلم -. تنبيه: ذكر أبو بكر الرازي الحنفي5 أن هذه الجملة ليست زيادة في الحديث،
وإنما هما حديثان قالهما النبي - صلى الله عليه وسلم - في وقتين: أحدهما: بالإطلاق للعموم. والآخر: بتخصيص بعض أفراده بالذكر. وفيه نظر 1، وإنما يتأتى هذا إذا كان الاختلاف من الصحابة - رضي الله عنهم - الرواة للحديثين عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأما/ (ر116/ب) هذا الحديث، فإن مخرجه واحد بترجمة2 واحدة فلا يتأتى (ما) 3 ذكره - والله أعلم -. 107- قوله (ص) 4: "ومن أمثله ذلك حديث: "جعلت لنا الأرض [مسجدا] 5 وجعلت تربتها لنا6 طهورا". فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك" انتهى. وهذا التمثيل ليس مستقيم - أيضا -؛ لأن أبا مالك7 قد نفرد بجملة الحديث عن ربعي بن حراش 8 - رضي الله عنه - كما تفرد بروايته جملته ربعي عن حذيفة 9- رضي الله عنه -.
فإن أراد أن لفظة "تربتها" زائدة في هذا الحديث على باقي الأحاديث في الجملة، فإنه يرد عليه أنها في حديث علي - رضي الله عنه -1 أيضا كما نبه عل/ (130/ب) شيخنا2، وإن أراد أن أبا مالك تفرد بها، وأن رفقته، عن ربعي - رضي الله عنه - لم يذكروها كما هو ظاهر كلامه، فليس بصحيح3. وأما اعتراض العلامة مغلطاي بأنه يحتمل أن يريد بالتربة الأرض لا التراب، فلا يبقى فيه زيادة، فقد أجاب عنه شيخنا شيخ الإسلام فقال: "وحمل التربة على التراب هو المتبادر إلى الفهم، لأنه لو أراد بالتربة الأرض لم يحتج لذكرها هنا لسبق ذكر الأرض وهو قوله - صلى الله عليه وسلم - جعلت لنا الأرض مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا"4. قلت: وهذا5 يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه، لأن التقدير حينئذ يكون وجعلت أرض الأرض لنا طهورا. وفي هذا من الفساد ما لا يخفى - والله أعلم -. خاتمة/ (220) : قياس تفريق ابن حبان في مقدمة الضعفاء 6 بين المحدث والفقيه في
الرواية بالمعنى أن ياتي هنا، فيقال: يفرق أيضا في قبول الزيادة في الإسناد أو المتن بين الفقيه والمحدث، فإن كانت الزيادة من محدث في الإسناد قبلت أو في المتن فلا، لأن/ (ر117/أ) اعتناءه بالإسناد أكثر وإن كانت من فقيه في المتن قبلت أو في الإسناد فلا، لأن اعتناءه 1 بالمتن أكبر. فإن تعليل ابن حبان للتفرقة المذكورة يأتي هنا سواء، بل سياق كلامه يرشد إليه - والله أعلم -.
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد
النوع السابع عشر: معرفة الأفراد 108- قوله (ص) : "الأفراد منقسمة إلى هو فرد مطلقا وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة"1، انتهى. [اعتراض مغلطاي على ابن الصلاح:] اعترض عليه العلامة مغلطاي بأنه ذكر أنه تبع الحاكم في ذكره هذا النوع (قال) 2: فكان ينبغي له أن يتبعه في تقسيمه فإنه قسمه إلى ثلاثة أقسام. قلت: وهو اعتراض عجيب، فإن الأقسام الثلاثة التي ذكرها الحاكم داخلة في القسمين اللذين ذكرهما ابن الصلاح، ولا سبيل إلى الإتيان بالثالث: لأن الفرد إما مطلق وإما نسبي وغاية ما في الباب أن المطلق ينقسم إلى نوعين: أحدهما: تفرد3 شخص من الرواة بالحديث. والثاني: تفرد أهل البلد بالحديث دون غيرهم. (والأول ينقسم أيضا إلى نوعين) 4: أحدهما: يفيد كون المنفرد ثقة، والثاني لا يفيد5. وأما أمثلة الأول فكثيرة، وقد ذكرنا شيخنا في منظومة6 له حديث
ضمرة بن سعيد1 عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد2 "في القراءة في الأضحى". قال شيخنا: "لم يروه أحد من الثقات إلا ضمرة بن سعيد، وله طريق أخرى من حديث عائشة - رضي الله عنها - سندها ضعيف". وأما أمثلة الثاني، فكثيرة جدا ومنها في الصحيحين3 حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار، وعن أبي العباس 4 عن/ (ي 221) عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - في حصار الطائف تفرد به ابن عيينة عن عمرو، وعمرو عن أبي العباس5 وأبو العباس عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - كذلك. ومثال النوع الثاني: حديث عائشة - رضي الله عنها - "في صلاة النبي
- صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن بيضاء - رضي الله عنه -" له طريقان 1 عنها رواتها كلهم مدنيون. قال الحاكم: "تفرد أهل المدينة بهذه السنة"2. وأما النسبي فيتنوع - أيضا - أنواعا: أحدهما: تفرد شخص عن شخص. ثاتيها: تفرد أهل بلد عن شخص. ثالثها: تفرد شخص عن أهل بلد. رابعها: تفرد أهل البلد عن أهل بلد أخرى. مثال الأول: حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه عن جابر - رضي الله عنه - في قصة الكدية التي عرضت لهم يوم الخندق.
أخرجه البخاري1، وقد تفرد به عبد الواحد عن أبيه. وقد روي من غير حديث جابر - رضي الله عنه -. وأمثلة ذلك في كتاب الترمذي كثيرة جدا، بل ادعى بعض المتأخرين أن جميع ما فيه من الغرائب من هذا القبيل. وليس كما قال لتصريحه في كثير منه بالتفرد المطلق. ومثال الثاني: حديث "القضاة ثلاثة"2. تفرد به أهل مرو، عن عبد الله بن بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - وقد جمعت طرقه في جزء. وكذا حديث يزيد مولى المنبعث3، عن زيد بن خالد الجهني في "اللقطة"4. تفرد به أهل المدينة. عنه
ومثال الثالث: وهو عكس الذي قبله، فهو قليل جدا وصورته أن ينفرد شخص عن جماعة بحديث تفردوا به. ومثال الرابع: ما رواه أبو دواد1 من حديث جابر - رضي الله عنه - في قصة المشجوج: "إنما كان يكفيه أن يتيمم ويصعب على جرحه خرقة". قال ابن أبي داود: فيما حكاه الدارقطني في "السنن"2: "هذه سنة/ (ر118/أ) تفرد بها أهل مكة، وحملها عنهم أهل الجزير". وقول ابن الصلاح: "إلا أن يطلق قائل قوله: تفرد به أهل مكة على ما لم يروه إلا واحد من أهلها"3. قلت: وهذا الإطلاق هو الأكثر، فجميع الأمثلة التي/ (ي 222/أ) مثل بها الحاكم4 كذلك، كحديث خالد الحذاء، عن سعيد بن عمرو، عن الشعبي عن داود عن المغيرة/ (132/أ) بن شعبة في النهي عن قيل وقال: تفرد به البصريون عن الكوفين وإنما تفرد به خالد الحذاء وهو واحد. وحديث الحسين بن داود5 عن الفضيل ب 265 بن عياض، وعن منصور، عن
إبراهيم 1 عن علقمة، عن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقول تبارك وتعالى: "يا دنيا اخدمي من خدمني"2. قال: تفرد به الخراسانيون عن المكيين، وإنما انفرد به الحسين3 ولم يروه غيره، وهو معدود في مناكيره. وكذلك غالب ما أطلقه أبو داود في كتاب التفرد4 وكذا ابنه أبو بكر بن أبي داود. - والله أعلم -. وقد يطلقون تفرد الشخص بالحديث ومرادهم بذلك تفرده بالسياق لا بأصل الحديث. وفي مسند البزار من ذلك جملة نبه عليها. تنبيه: من مظان الأحاديث الأفاد مسند أبي بكر البزار، فإنه أكثر فيه من إيراد ذلك وبيانه، وتبعه أبو القاسم الطبراني في "المعجم الأوسط" ثم الدارقطني في "كتاب الأفراد"5. وهو ينبئ على6 اطلاع بالغ ويقع عليهم التعقب فيه كثيرا بحسب اتساع7 الباع وضيقه أو الاستحضار وعدمه. وأعجب من ذلك أن يكون المتابع عند ذلك الحافظ نفسه فقد تتبع العلامة مغلطاي على الطبراني ذلك في جزء مفرد/ (ر118/ب) .
وإنما يسحن الجزم بالإيراد عليهم حيث لا يختلف السياق أو حيث يكون المتابع ممن يعتبر به لاحتمال أن يريدوا شيئا من ذلك بإطلاقهم، والذي يرد على الطبراني، ثم الدارقطني/ (132/ب) من ذلك أقوى مما يرد على البزار (لأن البزار) 1 حيث يحكم بالتفرد إنما ينفي علمه، فيقول: "لا نعلمه يروي عن فلان إلا من حديث 2 فلان". وأما غيره، فيعبر بقوله3: "لم يروه عن فلان إلا فلان". وهو وإن كان يلحق بعبارة البزار على تأويل، فالظاهر4 من الإطلاق خلافه- والله أعلم -.
النوع الثامن عشر: معرفة العلل
النوع الثامن عشر: معرفة العلل ... النوع/ (ي223) الثامن عشر: معرفة العلل 109- قوله (ص) : "فالحديث المعلل هو الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته مع أن ظاهره السلامة منه"1. قلت: وهذا تحرير لكلام الحاكم في "علوم الحديث"2 فإنه قال: "وإنما يعلل الحديث من أوجه ليس للجرح فيها مدخل، فإن حديث المجروح ساقط واه وعلة الحديث تكثر في أحاديث الثقات أن يحدثوا بحديث له علة فتخفى3 عليهم علته، والحجة فيه عندنا العلم والفهم والمعرفة". [متى يسمى الحديث معلولا:] فعلى هذا لا يسمى الحديث المنقطع مثلا معلولا، ولا الحديث الذي راويه مجهول معلولا أو ضعيف وإنما يسمى معلولا4 إذ آل أمره إلى شيء من ذلك مع كونه ظاهر السلامة من ذلك. وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود. وإذا تقرر هذا فالسبيل إلى معرفة سلامة الحديث من العلة كما نقله المصنف عن الخطيب أن يجمع طرقه، فإن اتفقت رواته واستووا ظهرت سلامته.
وإن اختلفوا أمكن ظهور العلة، فمدار التعليل في الحقيقة على بيان الاختلاف وسأوضحه في/ (ر119/أ) النوع الذي بعد هذا [إن شاء الله تعالى] 1 وهذا الفن أغمض أنواع الحديث وأدقها مسلكا، ولا يقوم به إلا من منحه الله تعالى فهما غايصا2 وإطلاعا حاويا وإدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة، ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحذاقهم3 وإليهم المرجع في ذلك لما جعل الله فيهم من معرفة ذلك، والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك. وقد تقصر عبارة المعلِّل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح [إحدى] 4 الروايتين على الأخرى [كما] 5 في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثا قد حكم إمام من الأئمة6 المرجوع إليهم - بتعليله - فالأولى إتباعه في ذلك كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا الشافعي/ (ي 224) مع إمامته يحيل القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: "وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث"7. وهذا حيث لا يوجد مخالف منهم لذلك المعلل، وحيث يصرِّح بإثبات العلة فأما إن وجد8 غيره صححه فينبغي حينئذ توجه النظر إلى الترجيح بين كلاميهما. وكذلك إذا9 أشار المعلل إلى العلة إشارة ولم يتبين منه ترجيح لإحدى الروايتين، فإن ذلك يحتاج إلى الترجيح- والله أعلم -.
قال الحافظ العلائي بعد أن ذكر ما هذا ملخصه: "فأما إذا كان رجال الإسنادين متكافئين في الحفظ أو العدد أو كان1 من أسنده أو رفعه دون من أرسله أو وقفه في شيء من ذلك مع أن كلهم ثقات محتج بهم فههنا مجال النظر واختلاف أئمة الحديث والفقهاء. [مسلك أهل الحديث عند تكافؤ المختلفين الرجوع إلى الترجيح:] فالذي يسلكه كثير من أهل الحديث بل غالبهم2 جعل ذلك علة مانعة من الحكم بصحة الحديث مطلقا، فيرجعون إلى الترجيح لإحدى/ (133/ب) الروايتين على الأخرى، فمتى اعتضدت إحدى/ (ر119/ب) الطريقين بشيء من وجوه الترجيح حكموا لها وإلا توقفوا عن الحديث وعللوه بذلك، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر ولا ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص، وإنما ينهض بذلك الممارس الفطن الذي أكثر من الطرق والروايات ولهذا لم يحكم المتقدمون في هذا المقام بحكم كلي يشمل القاعدة بل يختلف/ (ب ص 268) نظرهم بحسب ما يقوم عندهم في كل حديث بمفرده -والله أعلم. [اعتبار أئمة الفقه والأصول إسناد الحديث ورفعه من باب الزيادة:] قال: وأما أئمة الفقه والأصول، فإنهم جعلوا إسناد الحديث ورفعه كالزيادة في متنه (يعني كما تقدم تفصيله عنهم) ويلزم على ذلك قبول الحديث الشاذ كما تقدم4. ومن المواضع الخفية في الاحاديث المعللة - ما ذكره ابن أبي حاتم قال: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبدا وله مال ... " الحديث.
فقال: "قد كنت أستحسن هذا الحديث من/ (ي 225) ذي1 الطريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر - رضي اله عنهما - فعاد الحديث إلى الزهري، والزهري إنما رواه عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه - رضي الله عنهم -2.
وهو المعلول (يعني لأن نافعا عن ابن عمر - رضي الله عنهما -) فجعل مسألة بيع العبد عن عمر - رضي الله عنه - ومسألة بيع النخل عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال النسائي1: "سالم اجل من نافع ولكن القول في هذا القول نافع وكذا قال علي بن المديني والدارقطني"2. قال العلائي: "وبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون الفقهاء الذين لا اطلاع لهم على طرقه وخفاياها". قلت: وسبب الخفاء في هذا المثال أن عكرمة بن خالد أكبر من الزهري وهو معروف بالرواية عن ابن عمر- رضي الله عنهما - فلما وجد الحديث من رواية حماد بن سلمة عنه كان ظاهره الصحة وكان يعتضد بها ما رواه الزهري عن سالم عن أبيه ويرجح على رواية نافع خلافا لما قال ابن المديني والنسائي وغيرهما. لكن لما فتشت الطرق تبين أن عكرمة سمعه ممن هو أصغر منه وهو الزهري، والزهري لم يسمعه من ابن عمر - رضي الله عنهما - إنما سمعه من سالم فوضح أن رواية حماد بن سلمة مدلسة أو مسواة، ورجع هذا الإسناد الذي كان يمكن الاعتضاد به إلى الإسناد الأول الذي حكم عليه بالوهم وكان سبب حكمهم عليه بالوهم كون سالم أو من دونه سلك الجادة؛ لأن العادة والغالب أن الإسناد إذا انتهى إلى الصحابي - رضي الله تعالى عنه - قيب بعده: عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء هنا بعد الصحابي ذكر صحابي آخر والحديث من قوله -كان الظن غالبا على أن من ضبطه هكذا أتقن ضبطا - والله أعلم -.
قال العلائي: "وهذا كله إذا كان الإسناد واحدا من حيث المخرج غير مختلف في الحالات، أما إذا اختلف في الوصل والإرسال كأن يروي ي 226 بعضهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب/ (?134/ب) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا فيرويه بعضهم عن الزهري، عن أبي سلمة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا. أو يرويه بعضهم عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - حديثا مرفوعا، فيرويه بعضهم، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد - رضي الله عنه - موقوفا. ففي مثل هذه الصيغة يضعف تعليل أحدهما بالآخر؛ لكون كل منهما إسنادا برأسه، ولقوة احتمال/ (ر120/ب) كونهما إسنادين عند الزهري أو عند الأعمش كل واحد منهما على وجه. قلت: وإنما يقوى هذا إذا أتى بهما الراوي جميعا في وقت واحد وحينئذ ينتفي التعليل، وشرط هذا كله التساوي في الحفظ أو العدد. فأما إذا كان راوي الوصل أو الرفع/ (ب270) مرجوحا، فلا، [كما] 1 تقرر غير مرة - والله أعلم -. 47- قوله (ع) 2: "هكذا أعل الحاكم في [علومه] 3 هذا الحديث بهذه الحكاية والغالب على الظن عدم صحتها وأنا4 أتهم بها أحمد بن حمدون القصار راويها عن مسلم ... " إلى آخره. قلت: الحكاية صحيحة قد رواها غير الحاكم على الصحة من غير نكارة، وكذا رواها البيهقي عن الحاكم على الصواب كما سنوضحه، لأن المنكر منها إنما هو قوله:
"إن البخاري قال: لا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث الواحد المعلول"، والواقع أن في الباب عدة أحاديث لا يخفى مثلها على البخاري". والحق أن البخاري لم يعبر بهذه العبارة. وقد رأيت أن أسوق لفظ الحكاية/ (135/أ) من الطريق التي ذكرها الحاكم وضعفها الشيخ ثم أسوقها من الطريق الأخرى الصحيحة التي لا مطعن ولا نكارة، ثم أبين حال الحديث ومن أعله أو صححه لتتم الفائدة فأقول: قال الحاكم - في علوم الحديث1: "الجنس الأول من أجناس علل الحديث". مثاله: ما حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب2. ثنا/ (ي 227) محمد بن إسحاق الصاغاني3 ثنا حجاج بن محمد قال: قال ابن جريج، عن موسى بن عقبة4، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من جلس مجلسا فكثر فيه لغطه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك إلا غفر له ما كان في مجلسه ذلك"5.
قال الحاكم1: هذا الحديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح وله علة فاحشة، وهي ما حدثني أبو نصر: أحمد بن محمد الوراق قال: سمعت أبا حامد: أحمد بن حمدون القصار2 يقول: سمعت مسلم بن الحجاج - وجاء إلى محمد بن إسماعيل البخاري فقبل بين عينيه وقال: دعني [حتى] 3 أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله، حدثك محمد بن سلام 4، ثنا مخلد بن يزيد الحران 5، أنا ابن جريج، عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "كفارة المجلس" فما علته؟ قال محمد بن إسماعيل: "هذا حديث مليح ولا أعلم في الدنيا في هذا الباب غير هذا الحديث إلا أنه معلول، ثنا به موسى بن إسماعيل ثنا وهيب، ثنا سهيل، عن عون هـ 135/ب عبد الله6 قوله". قال محمد بن إسماعيل: هذا أولى، فإنه لا يذكر لموسى سماع من سهيل، انتهى.
فيا عجباه من الحاكم كيف يقول هنا: إنه له علة فاحشة ثم يغفل، فيخرج الحديث بعينه في "المستدرك" ويصححه. ومن الدليل على أنه كان غافلا في حال كتابته له في "المستدرك" (عما) 1 كتبه في علوم الحديث أنه عقبه في "المستدرك"2 بأن قال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، إلا أن البخاري أعله برواية وهيب، وعن موسى بن عقبة عن سهيل، عن أبيه عن كعب الأحبار" انتهى. وهذا الذي ذكره لا وجود له عن البخاري، وإنما الذي أعله البخاري في جميع طرق هذه الحكاية - هو الذي ذكره الحاكم أولا. وذلك من طريق وهيب3 عن/ (ي 228) سهيل، عن عون بن عبد الله لا ذكر لكعب فيه البتة، وبذلك أعله أحمد بن حنبل4 وأبو حاتم5 وأبو زرعة6 وغيرهم كما سأوضحه، وعندي أن الوهم فيها7 من الحاكم في حال كتابته في "علوم الحديث"، لأنه رواها خارجا عنه على الصواب/ (ر121/ب) رواها عنه البيهقي في "المدخل" ومن طريقه الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في "تاريخه" عن أبي المعالي الفارسي عنه قال: أنا أبو عبد الله الحافظ (يعني الحاكم) قال: "سمعت أبا نصر الوراق فذكر الحكاية إلى قوله: "في كفارة المجلس". وزاد فقال: قال البخاري: وحدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قال: ثنا حجاج بن محمد، عن ابن جريج حدثني موسى بن عقبة ... " وساق الحديث، ثم قال:
قال محمد بن إسماعيل: هذا حديث مليح ولا أعلم بهذا الإسناد في الدنيا غير هذا إلا أنه معلول ... وذكر باقي القصة. فقوله: "لا أعلم بهذا الإسناد" لا اعتراض فيه بخلاف تلك الرواية التي فيها "لا أعلم في الباب"، فإنه يتجه1 عليه ما اعترض به الشيخ من أن في الباب عدة أحاديث غير هذا الحديث. وقد وقعت لي هذه الحكاية من وجه آخر رويناها في "كتاب الإرشاد"2 للحافظ أبي يعلى الخليلي قال: "أنا أبو محمد المخلدي3 في كتابه - أنا أبو حامد الاعمش هو أحمد بن حمدون الحافظ قال: كنا عند محمد بن إسماعيل البخاري بنيسابور فجاء مسلم بن الحجاج فسأله عن حديث عبيد الله 4 بن عمر عن أبي الزبير عن جابر في قصة العنبر"5. قال: فقرأ عليه إنسان حديث حجاج بن محمد عن ابن جريج عن موسى ابن عقبة عن سهيل، عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في "كفارة المجلس".
فقال مسلم1: "في الدنيا أحسن من هذا؟ تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا؟ ". فقال محمد بن إسماعيل: "لا إلا أنه معلول". فقال مسلم: "لا إله إلا الله وراتعد أخبرني/ (ي 229) به فقال: "استر ما ستر الله فألح عليه وقبل رأسه وكاد أن يبكي" فقال: "اكتب إن كان ولا بد حدثنا موسى ثنا وهيب ثنا موسى بن عقبة2 عن عون بن عبد الله. فقال له مسلم لا يبغضك إلا حاسد وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك". قلت: وهكذا رواها الخطيب في تأريخه3 عن أبي حازم العبدري4 عن الحسن بن/ (136/ب) أحمد الزنجوني5 عن أحمد بن حمدون مثله. فهذا اللفظ أولى بان يعزى إلى البخاري من اللفظ المعزو له في كلام الحاكم في "علوم الحديث". على أن بعض المتأخرين من الحفاظ أوّل الكلام الذي في "علوم الحديث" فقال: "الذي ينبغي أن يحمل عليه كلامه في هذه الرواية وغيرها أن يكون مراده بالباب رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وبالحديث طريق ابن جريج عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.
قلت: وهو حمل متعسف1 ظاهر التكلف، ثم إنه2 يرد عليه ما فر منه فإنه روي من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - من غير هذا الوجه. وذلك فيما رواه أبو داود في سننه3 من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال عن سعيد المقبري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا نحو هذا الحديث. قال عمرو بن الحارث: وحدثني بنحو ذلك عبد الرحمن بن أبي عمرو 4 عن المقبري، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وأخرجه ابن حبان في صحيحه5 والطبراني في الدعاء من طريق ابن وهب هذه. ولما أخرج الترمذي حديث ابن جريج المبدأ بذكره في "كتاب الدعوات"6 من جامعه عن أبي عبيدة بن أبي السفر، عن حجاج قال: هذا حديث حسن [صحيح] 7 غريب لا نعرفه من8 حديث سهيل إلا من هذا الوجه" انتهى.
وهو متعقب - أيضا - وقد عرفناه من حديث سهيل من غير هذا الوجه/ (ر122/ب) فرويناه في الخلعيات مخرجا من أفراد الدارقطني من طريق الواقدي/ (ي230) ثنا عاصم/ (ب ص 274) ابن عمر وسليمان بن بلال كلاهما عن سهيل به. ورويناه في/ (137/أ) كتاب الذكر1 لجعفر الفريابي قال: ثنا هشام بن عمار: ثنا إسماعيل بن عياش. ثنا سهيل. ورويناه في "الدعاء" للطبراني من طريق ابن وهب قال: حدثني محمد بن أبي حميد عن سهيل. فهؤلاء أربعة رووه عن سهيل من غير الوجه الذي أخرجه الترمذي فلعله إنما نفى ان يكون يعرفه من طريق قوية، لأن الطرق المذكورة لا يخلو واحد من من مقال. أما الأولى: فالواقدي متروك الحديث. وأما الثانية: فإسماعيل بن عياش مضعف في غير روايته عن الشاميين ولو صرح بالتحديث. وأما الثالثة: فمحمد بن أبي حميد2 وإن كان مدنيا، لكنه ضعيف - أيضا - وقد سبق الترمذي أبو حاتم إلى ما حكم به من تفرد تلك الطريق عن سهيل، فقال: فيما حكاه ابنه عنه في "العلل"3: "لا أعلم روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في شيء من طرق أبي هريرة - رضي الله عنه -. قال: وأما رواية إسماعيل بن عياش، فما أدري ما هي؟، إنما روى عنه إسماعيل أحاديث يسيرة"4.
فكأن أبا حاتم استبعد أن يكون إسماعيل حدث به، لأن هشام بن عمار تغير في آخر عمره، فلعله رأى أن هذا مما خلط فيه، ولكن أورد ابن أبي حاتم عى إطلاق أبيه طريق سعيد المقبري عن أبي هريرة التي قدمناها، ثم اعتذر عنه بقوله: كأنه لم يصحح رواية عبد الرحمن بن أبي عمرو عن المقبري 1. وهذا يدلك على انهم قد يطلقون النفي، ويقصدون به نفي الطرق الصحيحة، فلا ينبغي أن يورد على إطلاقهم مع/ (ر123/أ) ذلك الطرق الضعيفة - والله الموفق -. وذكر الدارقطني هذا الحديث في "كتاب العلل"2 وحكى/ (?137/ب) عن أحمد بن حنبل أنه قال: حديث ابن جريج عن موسى بن عقبة وهم قال: والصحيح قول وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله قال أحمد: وأخشى أن يكون ابن جريج دلسه على3 موسى بن عقبة أخذه عن بعض الضعفاء عنه. قال/ (ي 231) الدارقطني: والقول قول أحمد. وقال ابن أبي حاتم - في كتاب العلل4: "سألت أبي وأبا زرعة عن حديث ابن جريج (يعني هذا) فقالا 5: "هذا خطأ رواه وهيب عن سهيل عن عون بن عبد الله موقوفا وهذا أصح. قلت لأبي: فالوهم ممن هو؟ قال: يحتمل أن يكون من ابن جريج (ويحتمل أن يكون من سهيل قال: وأخشى أن يكون ابن جريج دلسه) 6 عن موسى بن عقبة أخذه من بعض الضعفاء".
وقال في موضع آخر1: " ولم يذكر فيه ابن جريج الخبر فأخشى أن يكون أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى"2. [إتفاق جماعة من الأئمة على وجود الوهم في هذه الرواية:] قلت: فاتفق هؤلاء الأئمة على أن هذه الرواية وهم، ولكن لم يجزم احد مهم بوجه الوهم فيه، بل اتفقوا على تجويز أن يكون ابن جريج دلسه، وزاد أبو حاتم تجويز أن يكون الوهم فيه من سهيل. فاما الخشية الاولى، فقد أمناها لوجودنا هذا الحديث من طرق عدة عن ابن جريج قد صرح فيها بالسماع من موسى. [الطرق التي صرح فيها ابن جريج بالتحديث:] منها: ما تقدم 3 عن البخاري في مساق البيهقي، عن الحاكم. ومنها: ما رويناه في "معجم أبي الحسين بن جميع"4 قال: "ثنا جعفر بن محمد الهمداني ثنا هلال بن العلاء5 ثنا حجاج بن محمد ثنا ابن جريج أخبرني موسى بن عقبة". وكذا رويناه في "أمالي الضب " من طريق الزعفراني6: ثنا حجاج قال: قال ابن جريج أخبرني موسى.
وكذا أخرجه الحسين/ (138/أ) بن الحسن المروزي في1 زيادات البر والصلة قال: أنا حجاج ب ص 276 بن محمد به/ (ر123/ب) . وكذا رواه الطبراني، عن أحمد بن زياد الرقي، عن حجاج به أخرجه أبو نعيم في علوم الحديث عنه. وقال الطحاوي2: ثنا أبو بشر الرقي. ثنا حجاج بن محمد كذلك لكن المحفوظ عن حجاج ليس فيه الخبر كذا هو في رواية الجم الغفير عنه نعم رويناه في "فوائده سموية" قال: "ثنا سليمان بن داود - وهو الهاشمي - ثنا أبو صفوان: عبد الله بن سعيد ابن عبد الملك. ثنا ابن جريج حدثني موسى بن عقبة ... " فذكره, وكذا رويناه في "فوائد الدسكري" من طريق أسد بن موسى، عن سعيد بن سالم، عن ابن جريج أخبرني موسى. وروريناه في المعجم الأوسط من طريق/ (ي 232) سفيان، عن ابن جريج أخبرني موسى". فزال ما خشيناه منن تدليس ابن جريج بهذه الروايات المتظافرة عنه بتصريحه بالسماع من موسى. وبقي ما خشيه أبو حاتم من وهم سهيل فيه. وذلك أن سهيلا كان قد أصابته علة نسي من أجلها بعض حديثه ولأجل هذا قال فيه أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به". [ترجيح رواية وهيب على رواية موسى بن عقبة:] فإذا اختلف عليه ثقتان في إسناد واحد أحدهما أعرف بحديثه وهو وهيب
من الآخر - وهو موسى بن عقبة - قوي الظن بترجيح رواية وهيب، لاحتمال أن يكون عند تحديثه لموسى بن عقبة لم يستحضره كما ينبغي وسلك فيه الجادة فقال: عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -كما هي العادة في أكثر أحاديثه، ولهذا قال البخاري في تعليله "لا نعلم لموسى سماعا من سهيل". (يعني) أنه إذا كان معروف/ (138/ب) بالأخذ عنه ووقعت عنه رواية واحدة خالفه فيها من هو أعرف بحديثه وأكثر له ملازمة رجحت روايته على تلك الرواية/ (ب ص277) المنفردة. وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم (ر124/أ) وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى فيه على ظاهر الإسناد كالترمذي كما تقدم1 وكأبي حاتم ابن حبان2 فإنه أخرجه في صحيحه3 وهو المعروف بالتساهل في باب النقد، ولا سيما كون الحديث المذكور في فضائل الاعمال - والله أعلم -. وأما قول شيخنا 4: إنه ورد في حديث جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - فذكر منهم ثمانية وهم: 1- أبو برزة الأسلمي. 2-ورافع بن خديج. 3-والزبير بن العوام. 4-وعبد الله بن مسعود. 5-وعبد الله بن عمرو.
6-والسائب بن يزيد. 7-وأنس. 8-وعائشة - رضي الله عنها - وأنه بين أحاديثهم في تخريج أحاديث الأحياء. فهو كما قال - رضي الله تعالى عنه -. لكنه إنما بينهما في التخريج الكبير الذي مات عن أكثره وهو مسودة فقد لا يصل إلى الفائدة منه كل أحد فرأيت/ (ي 233) عزوها إلى من خرجها على طريق الاختصار بزيادة كثيرة جدا في العزو إلى المخرجين. 1- أما حديث أبي برزة ورافع بن خديج - رضي الله عنهما -، فهما حديث واحد اختلف فيه على الراوي عنهما أخرجه الدارمي1 وأبو داود2 والنسائي3 من طريق أبي هاشم الرماني4، عن أبي العالية 5 عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - ورجال/ (139/أ) إسناده ثقات إلا انه اختلف فيه على أبي العالية - فرواه الطبراني6 في الصغير والحاكم في المستدرك7 من
طريق مقاتل بن حيان عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية عن رافع بن خديج - رضي الله عنه - وعلى أبي العالية فيه اختلاف آخر، فقد ذكر أبو موسى المديني أن الربيع بن أنس1 - رواه أيضا - عن أبي العالية، عن أبي بن كعب وعلى أبي العالية فيه اختلاف آخر، فقد رواه زياد بن الحصين 2 عن أبي العالية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا. وذكر أبو موسى المديني أن جريرا رواه عن فضيل بن عمرو3، عن زياد بن حصين عن معاوية، كذا قال وكأنه تصحيف وإنما هو عن زياد بن حصين عن أبي العالية. وكذا رويناه في فوائد ابن عمشليق من طريق أبي نعيم إلى زيادات البر والصلة للحسين بن الحسن المروزي عن مؤمل بن إسماعيل كلاهما عن سفيان الثوري عن منصور عن فضيل بن عمرو عن زياد عن أبي العالية مرسلا وذكر ابن أبي حاتم في "العلل"4 عن أبيه وأبي زرعة أن المرسل أشبه - والله أعلم -. [حديث الزبير:] وأما حديث الزبير بن العوام- فرواه الطبراني في "الصغير"5 في ترجمة
محمد بن علي الطرائفي من طريق عبد العزيز بن صهيب1 عن حبة2 مولى الزبير (عن الزبير) 3 بن العوام قال: قلنا يا رسول الله إنا إذا قمنا من عندك أخذنا في أحاديث الجاهلية، فقال: - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلستم تلك المجالس / (ي 234) التي تخافون فيها على أنفسكم فقولوا عند قيامكم: سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك يكفر عنكم ما أصبتم فيها". قال الطبراني: "لا يروي عن الزبير (بن العوام) 4 إلا بهذا/ (?139/ب) الإسناد". [حديث ابن مسعود:] وأماحديث ابن مسعود - رضي الله عنه - ذكر الخطيب في "المؤتلف" من طريق الطبراني، وعن العتيقي، عن شيخ (شيخ) 5 الطبراني: وهو أبو الفضل الشيباني، وهو ضعيف. وفي رواية العتيقي: فإنها كفارات الخطايا والقاذورات. ورواه ابن عدي في الكامل6 في ترجمة يحيى بن كثير صاحب البصري من روايته عن عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن ابن مسعود - رضي الله عنه - مرفوعا "كفارة المجلس/ (ب 279) أن يقول العبد7 ... " فذكره.
وهذا من جملة مناكير يحيى بم كثير المذكور وهو ضعيف1 عندهم لكنه إنما تفرد برفعه فقد رواه ابن أبي الدنيا 2 في "كتاب الذكر" له قال: "ثنا خلف بن هشام، ثنا خالد بن عبد الله3 - هو الطحان - أحد الأثبات، عن عطاء بن السائب ... " فذكره موقوفا. وكذا أخرجه الحسين بن الحسن المروزي في " زيادات البر والصلة" له عن سعيد بن سليمان عن خالد. [حديث عبد الله بن عمرو:] وأما حديث عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - فرواه الطبراني من طريق محمد بن جامع العطار4 - وفيه مقال- عن حصين بن نمير5 عن حصين بن عبد الرحمن 6، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره.
وخالفه محمد بن فضيل، فرواه في "كتاب الدعاء" عن حصين بن عبد الرحمن موقوفا. وكذا رواه خالد بن عبد الله الواسطي، وعبد الله بن إدريس الأودي1 وغير واحد عن حصين موقوفا. وله طريق2 أخرى موقوفة من رواية سعيد المقبري/ (ي235) تقدم ذكرها3. [حديث السائب:] وأما حديث السائب هـ140/أبن يزيد - رضي الله عنه - فرويناه 4 في "الآثار"5 للطحاوي، ومعجم الطبراني الكبير6، و"فوائد سموية"7 من حديث الليث بن سعد عن يزيد بن الهاد، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر قال بلغني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال، فذكر مثل حديث ابن جريج المبدأ بذكره. قال يزيد بن الهاد: فحدثت بهذا الحديث يزيد بن ر 125/ب خصيفة 8 فقال:
"هكذا حدثني السائب بن يزيد عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجاله ثقات أثبات والسائب قد صح سمعاه من النبي - صلى الله عليه وسلم -. فالحديث صحيح، والعجب أن الحاكم لم يستدركه مع احتياجه إلى مثله وإخراجه لما هو دونه. [حديث أنس:] وأما حديث أنس بن مالك -فرواه الطحاوي 1 والطبراني في "الأوسط2" وسمويه في "فوائده" كلهم من طريق عثمان بن مطر، عن ثابت البناني عنه نحو لفظ ابن مسعود - رضي الله عنه - وعثمان ضعيف3. وقال ابن أبي حاتم في العلل4 عن أبيه: "هذا خطأ رواه حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أبي الصديق الناجي قوله". وأخرجه الحسين بن الحسن المروزي في "زيادات البر والصلة" عن سعيد بن سليمان، عن فلان بن غياث 5، حدثنا ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "جاء جبريل عليه السلام، إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن كفارات المجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك". [حديث عائشة:] وأما حديث عائشة - رضي الله عنها - فأخرجه النسائي في "اليوم
والليلة" من طريق خلاد بن سليمان الحضرمي1 عن خالد بن أبي عمران2 عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسا/ (ي236) ولا تلا قرآنا ولا صلى إلا ختم ذلك بكلمات، فقلت: يا رسول الله! ما أكثر ما تقول هذه الكلمات فقال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم من قال: خيرا كن طابعا له على ذلك الخير، ومن قال شرا كانت كفارة له سبحانك الله وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". إسناده صحيح3 - أيضا -. وله طريق أخرى عن عائشة - رضي الله عنها - أخرج الحاكم في الدعوات من المستدرك4 من طريق يحيى بن بكير5 عن الليث، عن ابن الهاد عن يحيى بن سعيد، عن زرارة بن أوفى6 عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس إلا قال: "سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". فقلت له: يا رسول الله ما أكثر ما تقول هؤلاء الكلمات إذا قمت؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:
"لا يقولهن أحد يقوم من مجلسه (إلا غفر له) 1 ما كان منه في ذلك المجلس" وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وروي عن عائشة - رضي الله عنها - بلفظ آخر أخرجه أبو أحمد2 العسال في "كتاب الأبواب" من طريق عمرو بن قيس3 عن أبي إسحاق عن الأسود، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام من مجلسه قال: "سبحانك اللهم وبحمدك (لا إله إلا أنت) 4 أستغفرك وأتوب إليك" فقلت: يا رسول الله! إن هذا لمن أحب الكلام إليك قال: - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأرجو أن لا يقولها عبد إذا قام من مجلسه إلا غفر له" وإسناده حسن. وروينا من وجه آخر عن الليث، عن يزيد بن الهاد، عن يحيى بن سعيد، عن زرارة أو ابن زرارة، عن عائشة - رضي الله عنها - وأخرجه الطحاوي5، عن محمد بن خزيمة وفهد6 كلاهما عن عبد الله/ (141/أ) بن صالح عن الليث عن يحيى بن سعيد، عن زرارة، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: "ما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقوم من مجلس إلا قال ... فذكره، فقلت له: يا رسول الله ما أكثر/ (ي 237) ما تقول هؤلاء الكلمات ... " فذكره. [حديث جبير بن مطعم:] وأما حديث جبير بن مطعم - رضي الله عنه - فرواه النسائي في " اليوم
والليلة"1 وابن أبي عاصم في "كتاب الدعاء" من طريق ابن عيينة عن ابن عجلان عن مسلم عن أبي حرة2، وداود بن قيس، عن نافع بن جبير3، عن أبيه4، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من قال سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه، ومن قالها في غير مجلس ذكر كانت كفارة". رجاله ثقات إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فقال ابن صاعد: تفرد به عبد الجبار بن العلاء5، عن ابن عيينة بقوله: عن نافع بن جبير، عن أبيه. قلت: ورواه الليث بن سعد عن ابن عجلان فلم يقل عن أبيه جعله عن نافع بن جبير مرسلا. وأخرجه الحسين بن الحسن المروزي في "كتاب البر والصلة" عن ابن عييينة وعلي بن غراب6 كليهما7 عن ابن عجلان عن مسلم بن أبي حرة، عن نافع بن جبير نحوه مرسلا
ورويناه في "فوائد علي بن حجر" 1، عن إسماعيل بن جعفر، عن داود بن قيس، عن نافع بن جبير مرسلا - أيضا -. لكن رواه الحاكم في "المستدرك"2 والطبراني في "الكبير"3 من طريق4 أخرى عن داود بن قيس موصولا. ووقع لأبي عمر بن عبد البر في هذا الحديث خطأ شديد، وتبعه عليه شيخنا في "محاسن الاصطلاح"5، فإنه قال - في حرف النون في الاستيعاب6: "نافع بن صبرة فخرج حديثه، عن أهل المدينة مثل حديث أبي هريرة في كفارة المجلس". هذا كلامه، والذي أوقعه في هذا الخطأ التصحيف، فإنه صحف جبير صبرة وهي زيادة الهاء كانت علامة الإهمال على الراء. ونقل شيخنا كلامه من الاستيعاب مقلدا/ (ر127/أ) له فيه ولم ينقده، - والله سبحانه وتعالى الموفق -. فهذا/ (ي 238) تخريج الطرق التي ذكرها شيخنا. [حديث أبي بن كعب ومعاوية:] ووقع لي في الباب أحاديث لم يذكرها شيخنا منها: (1) ، (2) حديث أبي بن كعب ومعاوية كما تقدم7 في تضاعيف الكلام على طريق أبي برزة - رضي الله عنه -.
[حديث ابن عمر:] 3- ومنها: حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - أخرجه الحاكم في الدعوات من "المستدرك"1 من طريق الليث بن سعد عن خالد بن أبي عمران، عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما -: إنه لم يكن (يجلس) 2 مجلسا إلا قال: "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ... " الحديث. وفيه: "وبارك لي في سمعي وبصري ... " إلى قوله: "ولا تسلط علي من لا يرحمني" وفيه: فسئل ابن عمر - رضي الله عنهما - عنهن فقال: " (كان) 3 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يختم بهن مجلسه". [حديث أبي أمامة:] 4- ومنها: حديث أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - وقد رواه أبي يعلى في "مسنده" وابن السني4، في "اليوم والليلة"5 من طريق جعفر بن الزبير6، عن القاسم عنه مرفوعا: "ما جلس قوم في مجلس فخاضوا في حديث فاستغفروا الله عز وجل قبل أن يتفرقوا إلا غفر لهم ما كانوا فيه". وجعفر بن الزبير المذكور متروك الحديث - والله سبحانه وتعالى أعلم -.
[حديث أبي سعيد:] 5- ومنها: حديث أبي سعيد الخدري - رضي/ (142/أ) الله تعالى عنه - رويناه في "كتاب الذكر" لجعفر الفريابي1 قال: ثنا عمرو بن علي ثنا يحيى بن سعيد ثنا شعبة ثنا أبو هاشم عن أبي مجلز2، عن قيس بن عباد 3، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -قال: " من قال في مجلسه: سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ختمت (بخاتم) 4 فلم تكسر إلى يوم القيامة". إسناده صحيح وهو موقوف، لكن له حكم ر127/ب المرفوع، لأن مثله لا يقال بالرأي. [حديث علي:] 6- ومنها/ي 239) : حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - رواه أبو علي ابن الأشعث في "كتاب السنن" بإسناده المشهور عن أهل البيت رضوان الله تعالى عليهم وهو ضعيف. [حديث رجل من الصحابة:] 7- ومنها: حديث رجل من الصحابة - رضي الله عنهم - لم يسم
رويناه في "فوائد ابن خرشيد"1 قوله من طريق أبي الأحوص2 عن أبي (فروة، عن عرو) 3 بن الحارث الهمداني، عن أبي معشر - وهو زياد بن كليب 4- قال: حدثنا رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جلس مجلسا، فلما أراد أن يقوم قال: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك". فقال رجل من القوم: ما هذا؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: "كلمات علمنيهن جبريل، كفارات لما في المجلس" إسناد صحيح. وأخرجه ابن أبي شيبة في سننه عن أبي الأحوص وقال الفريابي: ثنا سفيان (عن أب 5 إسحاق) ، عن أبي الأحوص أنه كان إذا أراد أن يقوم قال: "سبحان الله وبحمده". [حديث أبي أيوب:] 8- ومنها: حديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - رويناه في الذكر - أيضا- لجعفر قال: ثنا محمد بن إسماعيل هو البخاري ثنا ابن
أبي مريم1، ثنا ابن لهيعة/ (142/ب) أخبرني يزيد بن أبي حبيب أن أبا الخير أخبره، عن أبي رهم2 أنه سمع أبا أيوب الأنصاري - رضي الله عنه - يقول: "إنه ليس من أهل مجلس يذكرون فيه من اللغو والباطل حتى يلتزم بعضهم بعضا بالرؤوس، ثم يقومون، فيقولون: نستغفر الله ونتوب إليه إلا غفر الله لهم ما أحدثوه في المجلس". وابن لهيعة ضعيف يقوي حديثه بالشواهد. وفي الإسناد ثلاثة من التابعين بعضهم عن بعض أولهم يزيد بن أبي حبيب. وروى/ (ر128/أ) 3 الفريابي في "كتاب الذكر" عن قتيبة، عن خلف بن خليفة4 عن داود بن أبي هند، عن الشعبي قال: كفارة المجلس أن تقول حين تقوم: "سبحان الله وبحمده، أشهد أن لا إله الله أستغفره وأتوب إليه". ورويناه في " الكنى"5 لأبي بشر الدولابي قال: حدثني عبد الصمد بن عبد الوهاب6 ثنا يحيى بن صالح7 ثنا/ (ي240) عبيد الله بن
عمرو1 عن عبد الكريم - وهو الجزري2 - أي عن يزيد الفقير3 قال: إن جبريل عليه السلام علم النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كان في مجلس وأراد أن يقوم أن يقول: "سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك أستغفرك اللهم وأتوب إليك". هذا مرسل صحيح الإسناد إلى يزيد الفقير- وهو تابعي مشهور. وفي الكنى للنسائي والمرزبان من طريق معمر سمعت الحكم بن أبان حدثني جعفر أبو سلمة قال: "جاء الروح الأمين - عليه الصلاة والسلام - فقال: يا محمد! ألا أخبرك بكفارة المجلس إذا قمت تقول:/ (?143/أ) سبحانك اللهم وبحمدك صلى على محمد عبدك ورسولك اللهم اغفر لنا". وأخرج الحسين بن الحسن المروزي4 في "زيادات البر والصلة" عن الهيثم بن جميل5 عن حسام بن مصك6 عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: "حق المجلس إكراما أن تستغفر الله تعالى وتسبحه وتحمده".
وعن الفضل بن موسى1 ثنا طلحة بن عمرو2، عن عطاء في قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} 3. قال: "من كل مجلس إن كنت أحسنت ازددت خيرا وإن كان غير ذلك كان هذا كفارة له". وعن مؤمل4، (عن سفيان) ، عن حبيب بن أبي ثابت5 عن يحيى بن جعدة6 قال: "من قال في مجلس سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك [غفر له] 7 أو كلمة نحو هذه". وهذا أخرجه الفريابي/ (ر128/ب) في تفسيره (عن سفيان) 8 عن حبيب بن
أبي ثابت عن يحيى بن جعدة/ (ب286) "من قال في مجلسه: سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه، غفر له ما أحدث في مجلسه". وقال أبو نعيم [في ترجمة] 1 حسان بن عطية من الحلية2: "ثنا أحمد بن إسحاق ثنا عبد الله بن أبي داود. ثنا محمود بن خالد3. ثنا عمر بن عبد الواحد4 عن الأوزاعي ثني5 حسان قال: ما جلس6 قوم مجلس لغو فختموا باستغفار إلا كتب مجلسهم ذلك استغفار كله". رجاله ثقات. هذا آخر طرق حديث كفارة المجلس على طريق الاختصار أوردتها هنا (تبركا بها) 7. وأما قول شيخنا: "أنا أتهم بها/ (ي241) أحمد بن حمدون القصار" ففي إطلاق التهمة عليه نظر، فإنه من كبار الحفاظ. وهو أبو حامد: أحمد بن حمدون بن أحمد بن رستم النيسابوري الأعمشي، وإنما قيل له الأعمشي لأنه كان يعتني بجمع حديث الأعمش
وحفظه وكان يلقب أبا تراب فاجتمع له لقبان في كنيته وفي نسبته ذكره الحاكم في "التأريخ" وقال: كان من الحفاظ سمع بنيسابور1 وبمرو2 وهراة3 وجرجان4 والري5 / (143/ب) وبغداد والكوفة والبصرة قال: "وكان مزاحا، سمعت أبا علي الحافظ غير مرة يقول: حدثنا أحمد بن حمدون إن حلت الرواية عنه". فقلت له يوما: هذا الذي تذكره في أبي تراب من جهة المجون الذي كان فيه أو لشيء أنكرته منه في الحديث؟ قال: في الحديث، فقلت له: ما الذي أنكرت عليه؟ فذكر أحاديث حدث بها غير معروفة. فقلت له: أبو تراب مظلوم في كل ما ذكرته. ثم لقيت أبا الحسين الحجاجي6، فحدثته بمجلسي مع أبي علي فقال: القول ما قلته. قال الحاكم: فأما أنا، فقد تأملت أجزاء كثيرة بخطه كتبها لمشايخنا فلم أجد فيه حديثا يكون الحمل فيه عليه، وأحاديثه كلها مستقيمة، سمعت أبا أحمد الحافظ يقول: حضرت مجلس أبي/ (ب 287) بكر ابن خزيمة إذ دخل أبو تراب الأعمشي فقال له أبو بكر: "يا أبا حامد! كم روى الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد؟ " فأخذ أبو تراب يذكر الترجمة حتى فرغ منها وأبو بكر يتعجب من مذاكرته7. ثم ساق له الحاكم عدة حكايات مما كان يمزح فيها، ثم قال:
"وإنما ذكرت هذه الحكايات لتعلم أن الذي أنكر عليه إنما هو المجون 1 فأما الانحراف عن رسم أهل الصدق فلا". قال: وقرأت بخط/ (ي 242) أبي الفضل الهاشمي: "مات أبو تراب الأعمشي في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين وثلاث مئة". قلت: فإذا كان هذا حال هذا الرجل، فلا ينبغي إطلاق التهمة عليه أصلا، حتى ولو قلدنا أبا علي الحافظ فيه، فإنما أشار إلى أنه أنكر عليه أحاديث وهم فيها، فراجعه الحاكم بأنها لو كانت وهما ما عاود2 روايتها3 مرارا مع تيقظه وضبطه/ (?144/أ) فوضح أنه لم يتهم بكذب أصلا ورأسا - والله أعلم -. وفي الجملة اللفظة المنكرة في الحكاية عن البخاري هي أنه قال: "لا أعلم في الباب غير هذا الحديث" وهي من الحاكم في حال كتابته في علوم الحديث كما قدمناه (في كتب أحد عشرة فيها) 4 وقد بينا أن الصواب أن البخاري إنما قال: " لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث وهو كلام مستقيم" - والله أعلم -. 110- قوله (ص) : "وكثيرا ما يعللون الموصول بالمرسل5...." إلى آخره. أقول: ليس هذا من قبيل المعلول على اصطلاحه- وإن كانت علة في الجملة- إذ المعلول على اصطلاحه مقيد بالخفاء والإرسال أو الانقطاع / (ب ص 288) ليست علتها بخفية6.
وقد أفرط بعض المتأخرين ر 129/ب فجعل الانقطاع قيدا في تعريف المعلول فقرأت في " المقتع "1 للشيخ سراج الدين ابن الملقن قال: ذكر ابن حبيش2 في كتاب علوم الحديث أن المعلول: أن يروي عمن لم يجتمع به كمن تتقدم وفاته عن ميلاد من يروي عنه أو تختلف جهتهما كأن يروي الخراساني مثلا عن المغربي ولا ينقل أن أحدهما رحل عن بلده. قلت: وهو تعريف ظاهر الفساد، لأن هذا لا خفاء فيه وهو3 بتعريف مدرك السقوط في الإسناد أولى - والله أعلم -. ثم إن تعليلهم الموصول بالمرسل أو المنقطع والمرفوع بالموقوف أو المقطوع ليس على إطلاقه، بل ذلك دائر على غلبة الظن بترجيح أحدهما على الآخر بالقرائن التي تحفه. كما قررناه قبل - والله الموفق -. 111- قوله ي 243: "ثم قد تقع العلة في الإسناد وهو الأكثر وقد تقع في المتن ... "4 إلى آخره. قلت: إذا/ (144/ب) وقعت العلة في الإسناد قد تقدح وقد لا تقدح وإذا قدحت، فقد تخصه وقد تستلزم القدح في المتن. وكذا القول في المتن سواء.
[الأقسام التي تقع فيها العلة:] فالأقسام على هذا ستة: 1- فمثال ما وقعت العلة في الإسناد ولم تقدح مطلقا: ما يوجد1 مثلا من حديث مدلس بالعنعنة، فإن ذلك علة توجب التوقف عن2 قبوله فإذا وجد من طريق أخرى قد صرح بالسماع تبين أن العلة غير قادحة. وكذا إذا اختلف في الإسناد على بعض رواته3، فإن ظاهر ذلك يوجب التوقف عنه، فإن أمكن الجمع بينهما 4 على طريق أهل الحديث بالقرائن التي تحف الإسناد تبين أن تلك ب289 العلة غير قادحة. [مثال العلة القادحة في الإسناد:] 2- ومثال ما وقعت العلة فيه في الإسناد وتقدح فيه دون المتن ما مثل به المصنف من إبدال 5/ (ر130/أ) راو ثقة براو ثقة وهو بقسم المقلوب أليق فإن أبدل راو ضعيف براو ثقة وتبين الوهم فيه استلزم القدح في المتن- أيضا- إن لم يكن له طريق أخرى صحيحة. ومن أغمض ذلك أن يكون الضعيف موافقا للثقة في نعته. ومثال ذلك ما وقع لأبي أسامة حماد بن أسامة الكوفي6 أحد الثقات، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر7 - وهو من ثقات الشاميين قدم الكوفة فكتب
عنه1 أهلها ولم يسمع منه أبو أسامة، ثم قدم بعد ذلك الكوفة عبد الرحمن بن يزيد بن تميم 2وهو من ضعفاء الشاميين فسمع منه أبو أسامة وسأله عن اسمه فقال: عبد الرحمن بن يزيد، فظن أبو أسامة أنه ابن جابر، فصار يحدث عنه وينسبه من/ (?145/أ) قبل نفسه، فيقول: حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، فوقعت المناكير في رواية أبي أسامة، عن ابن جابر وهما ثقتان فلم يفطن لذلك إلا أهل النقد، فميزوا ذلك ونصوا عليه كالبخاري وأبي حاتم وغير واحد. [العلة قد تكون في المتن وهي غير قادحة:] 3- ومثال/ (ي 244) ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ولا تقدح فيهما ما وقع من اختلاف ألفاظ كثيرة من أحاديث الصحيحين إذا أمكن رد الجميع إلى معنى واحد، فإن القدح ينتفي عنها. وسنزيد ذلك إيضاحا في النوع الآتي إن شاء الله تعالى. 4- ومثال ما وقعت العلة فيه المتن واستلزمت القدح في الإسناد: ما يرويه راو بالمعنى الذي ظنه يكون3 خطأ والمراد بلفظ الحديث غير ذلك، فإن ذلك يستلزم القدح في الراوي، فيعلل الإسناد. 5- ومثال ما وقعت العلة في المتن دون الإسناد ما ذكره المصنف من (أحد الألفاظ) 4 الواردة في حديث أنس- رضي الله عنه - وهي قوله: "لا يذكرون/ (ي130) بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها" فإن أصل الحديث في الصحيحين، فلفظ البخاري5 "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين".
ولفظ مسلم1 في روايته له نفى الجهر وفي رواية أخرى نفى القراءة2 وقد تكلم شيخنا على هذا الموضع بما لا مزيد في الحسن عليه، إلا أن فيه مواضع تحتاج إلى التنبيه عليها3. 48- (أ) فمنها: قوله (ع) : "إن ترك قراءة البسملة في حديث أنس- رضي الله عنه - ورد من ثلاث طرق وهي4: 1-رواية حميد. 2-ورواية قتادة5. 3-ورواية إسحاق ن أبي طلحة"6. قد توهم منه أن باقي الروايات عن أنس - رضي الله عنه - ليس فيها تعرض لتركها وليس كذلك بل قد جاء ترك الجهر بها أيضا: 1- من رواية ثابت البناني.
2- والحسن بن أبي الحسن البصري. 3- ومنصور بن زاذان. 4- وأبي نعامة قيس بن عباية. 5- وأبي قلابة: عبد الله بن زيد الجرمي. 6- وثمامة بن عبد الله بن أنس. - رحمة الله تعالى عليهم -. 1- أما حديث ثابت - فرواه أحمد بن حنبل1 وابن خزيمة في صحيحه2 والطحاوي3 من طريق الأعمش عن شعبة عنه لفظ ي 245 "صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر - رضي الله عنهما - فلم يجهروا بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ". 2- وأما حديث الحسن البصري- فرواه ابن خزيمة في صحيحه4 والطبراني5 والطحاوي6 / (?145/ب) بلفظ "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر - رضي الله عنهما - كانوا يسرون بـ: (بسم الله الرحمن الرحيم) . وأخرجه الطبراني والخطيب من وجه آخر، عن الحسن بلفظ نفي الجهر. 3- وأما حديث منصور بن زاذان - فرواه النسائي7 بلفظ: "صلى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم/ (ر131/أ) يسمعنا قراءة بسم الله الرحمن الرحيم" بوب عليها النسائي باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم.
5،4- وأما حديث أبي قلابة وأبي نعامة1 - فروى ابن حبان في صحيحه من طريق هارون بن عبد الله الحمال2، عن يحيى بن آدم، عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء، عن أبي قلابة، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر وعمر - رضي الله عنهما - لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم". وذكر الخلال في العل أن مهنا بن يحيى3 سأل أحمد عنه فقال: هو وهم. حدثني يحيى بن آدم (يعني بهذا الإسناد) فقال: عن أبي نعامة (قيس) 4 بن عباية، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - بدل أبي قلابة. قال: "وكذا هو في كتاب الأشجعي عن سفيان". قال: وكذلك بلغني عن العدني، عن سفيان. قلت: ورواية العدني أخرجها البيهقي5 من طريقه. وكذا قال علي بن المديني في "العلل": إن يحيى بن آدم حدثه به على الوهم ولم يخرجه احمد في مسنده من هذا الوجه.
وهو في معجم الطبراني من طريق محمد بن يوسف الفريابي عن سفيان على الصواب, وكذا أخرجه البيهقي1 من طريق/ (ي246) الحسين بن حفص عن سفيان بنفي الجهر. وقال: أبو نعامة وثقه يحيى بن معين ولم يخرج له الشيخان. ثم فيه اختلاف آخر على أبي نعامة رواه عثمان بن غياث وسعيد بن أياس عن ابن عبد الله بن مغفل عن أبيه 2. ولا يمتنع أن يكون لأبي نعامة فيه/ (?146/أ) شيخان. 6- وأما حديث ثمامة فرواه الخطيب في كتاب الجهر بالبسملة نحو حديث ثابت. فهذه الروايات متضافرة على عدم الجهر بالبسملة وسنزيد ذلك إيضاحا بعد قليل- إن شاء الله -. [شرط الحكم بالاضطراب:] 49- (ب) ومنها قوله (ع) : "إن ابن عبد البر قال3: إن حديث أنس/ (ب ص 292) - رضي الله عنه - مضطرب المتن". وتقريره لذلك. وليس بجيد، لأن الاضطراب شرطه تساوي وجوهه ولم يتهيأ الجمع بين مختلفها كما سيأتي. وأما مع إمكان الجمع بين ما اختلف من الروايات ولو تساوت وجوهها فلا يستلزم اضطرابا، وهذا في هذا الحديث موجود؛ لأن الجمع بين الروايات الثابتة منه ممكن.
فقوله1: "منهم من يذكر عثمان - رضي الله عنه - ومنهم من لا يذكر " ليس بقادح. وقوله 2: "وقال بعضهم: كانوا يقرؤون بسم الله الرحمن الرحيم" وقال بعضهم3: "كانوا يجهرون" لم يثبت واحدة من هاتين الروايتين. وقد استوعب الخطيب طرق حديث أنس - رضي الله عنه - وأورد هذين اللفظين من أوجه واهية أو منقطعة، وقد بين شيخنا بعض ذلك فيما أملاه على مستدرك الحاكم فلم يبق من الألفاظ التي ذكر أبو عمر أنها متخالفة إلا ثلاثة ألفاظ وهي: 1-نفي الجهر بها. 2-أو نفي قراءتها. 3-أو الاقتصار على الافتتاح بالحمد لله رب العالمين. والجمع بين هذه الألفاظ ممكن بالحمل على عدم الجهر، كما سنذكره - إن شاء الله - بعد قليل. 50- (ج) ومنها قوله (ع) 4: "إن رواية الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي التي أخرجها مسلم معلومة لأن الوليد/ (ي 247) يدلس تدليس التسوية". أقول: لا يتجه تعليله بتدليس الوليد، لأنه صرح بسماعه من الأوزاعي (وصرح بأن الأوزاعي) 5 ما سمعه من قتادة وإنما/ (ر132/أ) كتب إليه قتادة فقد سمعه
من أنس - رضي الله عنه - كما رويناه في " كتاب القراءة خلف الإمام"1 للبخاري قال: ثنا محمد بن يوسف - هو الفريابي2 - ثنا الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة قال: حدثني أنس/ (ب 293) - رضي الله عنه - وكذا رويناه في "السنن الكبير"3 للبيهقي من طريق العباس بن/ (?146/ب) الوليد بن المزيد4 حدثني أبي5 حدثنا الأوزاعي مثله سواء، وكذا رويناه من طريق الهقل بن زياد6، عن الأوزاعي قال: كتبت إلى قتادة أسأله عن الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) فكتب إلي يذكر قال: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أنه صلى خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها. فهذه المتابعة للوليد بن مسلم، عن الأوزاعي. [وكذا] 7 رويناها في فوائد إسماعيل بن قيراط العذري قال: ثنا سليمان بن عبد الرحمن. ثنا الهقل، فذكره، نقلته من خط الحافظ السلفي.
وكذلك رواه أبو عوانة في صحيحه1 من طريق بشر بن بكر عن الأوزاعي، فذكر المتن مثله سواء، ولم يذكر القصة التي في السند وتابعه أبو المغيرة، عن الأوزاعي. قال أحمد في "مسنده"2 ثنا أبو المغيرة، ثنا الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة قال: "حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول القراءة ولا في آخرها". وهذه متابعة قوية للوليد بن مسلم. وأبو المغيرة من ثقات الحمصيين أخرج عنه البخاري في صحيحه محتجا به. فبان أن تعليله بتدليس الوليد (لا وجه) 3 له لكن لو أعله الشيخ/ (ي 248) بأن قول الأوزاعي: إن قتادة كتب إليه فه مجاز ب ص 294 لأن قتادة كان أكمه لا يكتب، فيكون قد أمر بالكتابة عنه غيره وحينئذ4، فذلك الغير مجهول الحال عندنا حتى ولو كان قتادة يثق به فلا يكفي ذلك في ثبوت عدالته إلا عند من يقبل التزكية على الإبهام. وهو مرجوح عند الشيخ لاحتمال أن يكون مضعفا عند غيره بقادح. وستأتي المسألة مفصلة - إن شاء الله -. فرجعت رواية الأوزاعي إلى أنها عن شخص/ (147/أ) مجهول كتب إليه بإذن قتادة (عن قتادة) 5 عن أنس - رضي الله عنه -.
فهذه العلة أشد من تدليس الوليد الذي حصل الأمن منه بتصريحه بالسماع وبمتابعة من تابعه من أصحاب الأوزاعي. 51- ومنها قوله (ع) : "إن رواية ابن عبد البر من طريق محمد بن كثير، عن الأوزاعي بلفظ الافتتاح أرجح من رواية الوليد عنه في طريق إسحاق ابن أبي طلحة التي أحال بها على رواية قتادة، لأنه لم يصرح عند مسلم بسماعه من الأوزاعي"1. أقول: الوليد بن مسلم أحفظ من محمد بن كثير بكثير، ومع ذلك فقد صرح بسماعه له فيما أخرجه أبو نعيم في مستخرجه2 من طريق دحيم وهشام بن عمار عنه قال: حدثني الأوزاعي، وكذا أخرجه الدارقطني3 من طريق هشام ثنا الوليد ثنا الأوزاعي. وأما تردد الشيخ في لفظ إسحاق هل هو مثل حديث قتادة بلفظه أو بمعناه، فقد بينه البخاري في جزء القراءة خلف الإمام4 فرواه عن محمد بن مهران شيخ مسلم فيه ولفظة مثل/ (ر133/أ) رواية قتادة سواء، إلا أنه لم يقل الزيادة التي زادها الوليد. وكذلك بينه أبو عوانة في صحيحه5 بيانا شافيا/ (ب 295) فإنه رواه كما قدمناه من طريق بشر بن بكير6، عن الأوزاعي قال: كتب إلي قتادة فذكره بتمامه.
ثم أخرجه من طريق دحيم، عن الوليد، وعن يوسف بن سعيد عن/ (ي 249) محمد بن كثير كلاهما، عن الأوزاعي، عن إسحاق، عن أنس - رضي الله عنه -قال مثله إلى قوله: الحمد لله رب العالمين. يعني ولم يذكر اللفظ الزائد في حديثه عن قتادة، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - وهو قوله: لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم في أول قراءة ولا في آخرها. ورواه ابن حبان في صحيحه1 من طريق محمد بن عبد الرحمن بن سهل2 ولفظه "يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين فيما يجهر به". ومسلم لما ساق حديث الأوزاعي، عن كتاب قتادة وعطف عليه حديث الأوزاعي، عن إسحاق قال: "فذكر ذلك3 لم يزد فقوله: "فذكر ذلك" محتمل أن يكون يريد ذكره باللفظ أو بالمعنى. وقد تبين بما/ (?147/ب) حررناه أنه إنما رواه بالمعنى، لأن في إحدى الروايتين ما ليس في الأخرى - والله أعلم -.
تنبيه: قد قدمنا1 أن رواية محمد بن كثير رواها أبو عوانة في "صحيحه" وكذلك أخرجها أبو جعفر في "شرح معاني الآثار"2 وأبو بكر الجوزقي في "المتفق" فعزوها إلى رواية أحدهم أولى من عزوها إلى ابن عبد البر لتأخر زمانه - والله الموفق -52- ومنها قوله (ع) 3- لما ذكر حميدا-: "وقد ورد4 التصريح بذكر قتادة بينهما فيما رواه ابن أبي 5 عدي عن حميد، عن قتادة عن أنس رضي الله تعالى عنه- قال: فآلت رواية حميد إلى رواية قتادة". قلت: هذا يوهم أن حميدا لم يسمعه من أنس - رضي الله عنه - أصلا وإنما دلسه عنه وليس كذلك، فإن حميدا كان ب 296 قد سمعه من أنس - رضي الله عنه - لكن موقوفا بلفظ: "فكلهم/ (ر133/ب) كان لا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم". وهذا في رواية مالك كما هو في الموطآت، وقد رفعه بعضهم عنه وهو هم كما بينه الدارقطني في "غرائب مالك" وابن عبد البر في "التمهيد"6 وهكذا رواه عن حميد حفاظ أصحابه كعبد الوهاب الثقفي ومعاذ بن معاذ، مروان بن
معاوية الفزاري وغير/ (ي 250) واحد موقوفا، إلا أنه عندهم بلفظ "كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين". ورواه المزني، عن الشافعي، عن ابن عيينة، عن حميد سمعت أنسا- رضي الله عنه - به. وشذ بعض أصحاب حميد، فرفع هذا اللفظ عنه- أيضا - وقد بين يحيى بن معين الصواب في ذلك بيانا شافيا فقال أبو سعيد بن الأعرابي في "معجمه"1 ثنا محمد بن إسحاق الصاغاني ثنا يحيى بن معين، عن ابن أبي عدي، عن حميد عن قادة، عن أنس - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال ابن معين: قال ابن أبي عدي، وكان حميد إذا قال: عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - رفعه، وإذا قال: عن أنس لم يرفعه. تنبيه: لم يعز الشيخ رواية/ (?148/أ) ابن أبي عدي: وقد عزوناها. وأخرجها - أيضا - ابن حبان في صحيحه2 من طريق محمد بن هشام السدوسي ثنا ابن أبي عدي عن (سعيد وحميد) 3 جميعا عن قتادة. وأخرجهما السراج عن عمرو بن علي عن ابن (أبي) 4 عدي عن حميد وحده. دون القصة التي ذكرها ابن معين - فلم يذكرها عمرو ولا محمد بن هشام.
53- ومنها قوله (ع) 1: "والجواب ما أجاب به أبو شامة أنها مسألتان". فسؤال قتادة عن الاستفتاح بأي سورة. وفي "صيحيح مسلم" أن قتادة قال: "نحن سألناه عنه". قلت: وفيه نظر؛ لأنه يوهم أن الحمل2 المذكور في صحيح مسلم وليس كذلك، فإن مسلما قال- في صحيحه3. "ثنا محمد بن المثنى ثنا محمد بن جعفر. ثنا شعبة قال: سمعت قتادة يحدث عن أنس - رضي الله عنه - قال: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله تعالى عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم". ثنا محمد بن المثنى. ثنا أبو داود - هو الطيالسي - ثنا شعبة وزاد قال شعبة فقلت لقتادة: أسمعته من أنس - رضي الله عنهم -؟ قال/ (ي 251) : نعم نحن سألناه. فهذا اللفظ صريح في أن السؤال كان عن عدم سماع القراءة لا عن [سماع] 4 الاستفتاح بأي سورة. وقد روى الخطيب في "الجهر بالبسملة" هذا الحديث من طريق أخرى عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة ولفظه: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - كانوا لا يستفتحون القراءة بـ" بسم الله الرحمن الرحيم". قال شعبة: قلت لقتادة: أسمعته من أنس؟
قال: نعم نحن سألناه عنه. وقال أبو يعلى في مسنده1: ثنا احمد بن إبراهيم الدورقي2 ثنا أبو داود عن شعبة، عن قتادة عن أنس - رضي الله عنه - قال: "صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلف أبي بكر وعمر وخلف عثمان رضي الله عنهم فلم يكونوا يستفتحون القراءة بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) ". قال شعبة: فقلت لقتادة: أسمعته من أنس - رضي الله عنه؟ قال: نعم ثم سألت أنسا - رضي الله عنه - وهكذا رواه عبد الله بن أحمد في "زيادات المسند"3 من حديث/ (?148/ب) أبي داود الطيالسي. وكذا أخرجه/ (ب 298) الإسماعيلي عن عبد الله بن ناحية، عن محمد بن المثنى4 وبندار5، عن أبي داود. وكذا أخرجه أبو نعيم في "مستخرجه"6 من ر 134/ب طريق "مسند أبي
داود"1 وكذلك رواه عمر بن مرزوق، عن شعبة بلفظ: "يستفتحون بالحمد لله رب العالمين". وفيه: "نحن سألناه عن ذلك". أخرجه أبو نعيم في "المستخرج" - أيضا -. فوضح بذلك أن سؤال قتادة، ليس مخالفا لسؤال أبي سلمة فطريق الجمع بينهما أن يقال: إن سؤال أبي سلمة كان متقدما على سؤال قتادة بدليل قوله- في روايته -: "لم يسألني عنه أحد قبلك" فكأنه كان إذ ذاك غير ذاكر لذلك، فأجاب (بأنه) 2 لا يحفظه، ثم سأله قتادة عنه فتذكر ذلك، وحدثه بما عنده فيه. وأما احتجاج أبي شامة على أن سؤال قتادة له في الحديث الذي أخرجه البخاري3 عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - وجواب/ (ي252) أنس - رضي الله عنه - أنها كانت مدا حيث أجاب بالبسملة دون غيرها من آيات القرآن دل على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يجهر بالبسملة في قراءته4. ففيه نظر، لأنه يحتمل أن يكون ذكر أنس للبسملة على سبيل المثال لقراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فلا ينتهض الدليل على ذلك. 54- وأما قوله: "فيتناول الصلاة وغير الصلاة". ففيه نظر؛ لأن الأعم لا دلالة له على الأخص، والمراد أن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان حيث يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، يمد بسم الله ويمد
الرحمن ويمد الرحيم فمن أين له من هذا الحديث أنه كان يجهر بها في "الصلاة". وقول أبي شامة - أيضا -: "لو كانت قراءته تختلف لقال له: عن أي قراءتيه1 تسأل، عن التي داخل الصلاة أو التي خارج الصلاة2؟ فلما لم يستفصله دل أن حاله في ذلك لم يختلف" ففيه نظر، لأنه لا يستلزم من ترك الاستفصال في هذا التعميم [في الصفات، إنما يستلزم التعميم] 3 في الاحوال، فيستفاد/ (ر135/ب) منه أنه كان يقرأ هكذا داخل الصلاة وخارجها ب299، وأما كونه يجهر ببعض ذلك أو لا يجهر بجميع ذلك أولا4، فلا دلالة في الحديث على ذلك، وعلى تقدير أنه يدل، فيعارضه ما أخرجه أحمد 5 بإسناد صحيح، عن بعض أزواج النبي/ (149/أ) - صلى الله عليه وسلم -قال نافع بن عمر الجمحي روايه6: أراها7 حفصة بنت عمر - رضي الله عنها - أنها سئلت عن قراءة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت - رضي الله عنها -: "إنكم لا تستطيعونها" فقيل لها: أخبرينا بها: قال: فقرأت قراءة ترسلت فيها الحمد لله رب العالمين، ثم قطع، الرحمن الرحيم، ثم قطع8 مالك يوم الدين. فهذا الحديث إن دل حديث أنس - رضي الله تعالى عنهما - وأم سلمة9
- رضي الله عنها - على إثبات البسملة في الفاتحة لمجرد ذكرها معها دل حديث حفصة - رضي الله عنها - على سقوطها منها، وإذا/ (ي253) جمع بينهما بأنه كان يقرأ البسملة فيها- يعني لا يجهر بها في الصلاة فسمعت حفصة - رضي الله عنها - قراءته داخل الصلاة، وسمعها أنس وأم سلمة خارج الصلاة 1، كان ذلك ممكنا غير بعيد من الصواب، وهو أولى من دعوى التعارض. 55-قوله (ع) : "وما أوله به الشافعي - رضي الله عنه - مصرح به في رواية الدارقطني"2. لم يبين الشيخ رواية الدارقطني كيف هي؟ وظاهر السياق يشعر بأنها من رواية قتادة، عن أنس - رضي الله عنه - وليس كذلك فإنها عنده من رواية الوليد عن الأوزاعي، عن إسحاق بن أبي طلحة، عن أنس3 - رضي الله عنه -. وقد رواها راويها بالمعنى، بلا شك، فإن رواية الوليد، كما بيناها من عند البخاري في "جزء القراءة"4 ومن عند غيره بلفظ: "كانوا يفتتحون بالحمد لله رب العالمين".
(فرواها بعض الرواة عنه بلفظ: "بدأ بأم القرآن بدل بالحمد لله رب العالمين) 1 فلا تنتهض الحجة بذلك/ (ر135/ب) . قلت 2: وقد صح تسمية أم الكتاب بالحمد لله رب العالمين وذلك فيما رواه/ (ب ص 300) البخاري في صحيحه3 في أول التفسير من رواية أبي سعيد بن المعلى4، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الحمد لله رب العالمين هي: السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته"، وفي الحديث قصة". فهذا يرد على من طعن على لتأويل الشافعي- رضي الله عنه - وزعم أن أم الكتاب / (149/ب) إنما تسمى بالحمد لله فقط لا الحمد لله رب العالمين. وأن سياق الآية بتمامها دل على أنه أراد أن يفتتح بهذا اللفظ لأنه لو قصد أن يسمى السورة لسماها الحمد. فظهر بهذا الحديث الصحيح أنها تسمى الحمد وتسمى الحمد لله رب العالمين - أيضا فبطل ما ادعاه من نفي الاحتمال الذي ذكره الشافعي - رضي الله عنه - ممكنا 5 - والله أعلم -. (ط) قوله (ع) 6: "ولا يلزم من نفي السماع عدم الوقوع ... " الخ.
وللمخالف ان يقول: لكن ي 254 التوفيق بين الروايتين أن 1 يحمل نفيه للقراءة على عدم سماعه لها فلتئم الروايتان في عدم الجهر. 112- قوله (ص) : "فعلل قوم رواية اللفظ المذكور (يعني نفي القراءة) لما رأوا الاكثرين إنما قالوا فيه: فيه فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين......."2 إلى آخره. يعني بذلك الدارقطني3، فإنه السابق إلى ذلك فقال:: إن المحفوظ عن قتادة من رواية عامة أصحابه عنه كانوا يفتتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. قال: "وهو المحفوظ عن قتادة وغيره عن أنس- رضي الله عنه - وتبعه الخطيب والبيهقي"4. وفي ذلك نظر، لأنه يستلزم ترجيح إحدى الروايتين على الاخرى مع/ (ر 136/أ) إمكان الجمع بينهما، وكيف يحكم على رواية عدم الجهر بالشذوذ وفي روايتها عن قتادة مثل شعبة؟ قال أحمد - في مسنده - ثنا وكيع, ثنا شعبة عن قتادة عن أنس بلفظ: فكانوا "لا يجهرون بـ "بسم الله الرحمن الرحيم". وكذا أخرجه مسلم5 وابن خزيمة/ (ب 301) في صحيحه6 من طريق غندر، عن
شعبة ورواه ابن خزيمة1 وابن حبان في صحيحهما من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة ولفظه: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يجهر بـ "بسم الله الرحمن الرحيم" ولا أبو بكر ولا عمر ولا عثمان - رضي الله عنهم -. وقال ابن حبان في صحيحه2: ثنا الصوفي3 وغيره. ثنا علي بن الجعد4 ثنا شعبة وشيبان5، عن قتادة: سمعت أنس بن مالك يقول: "صليت خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر/ (?150/أ) وعمر رضي الله عنهما وعثمان - رضي الله عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يجهر بـ: "بسم الله الرحمن الرحيم". ورواهن الدارقطني6، عن البغوي7 عن علي بن الجعد بهذا.
وبوب عليه ابن حبان في صحيحه "باب الخبر المدحض" قول من زعم أن هذا الخبر لم يسمعه قتادة/ (ي 255) من أنس1 - رضي الله عنه -. وكذا رواه جماعة من أصحاب قتادة عنه ورواه آخرون عنه بلفظ الافتتاح، ورواه عن شعبة جماعة حفاظ أصحابه هكذا ورواه آخرون عن بلفظ الافتتاح، فيظهر أن قتادة كان يرويه على الوجهين وكذلك شعبة ومن أدل دليل على ذلك أن يونس بن حبيب رواه في مسند2 أبي داود الطيالسي عنه عن شعبة بلفظ الافتتاح. ورواه محمد بن المثنى ويحيى بن أبي طالب عنه/ (ر136/ب) بلفظ عدم الجهر- فالله أعلم -. [شاهد لحديث أنس:] ويشهد لحديث أنس - رضي الله عنه - المذكور حديث عبد الله بن مغفل3 - رضي الله عنه - الذي حسنه الترمذي4 ولفظه طليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - فلم أسمع أحدا منهم يقولها. ورواه النسائي5 بلفظ: كان عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - إذا سمع أحدا يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم يقول: "صليت خلف النبي - صلى الله
عليه وسلم - وخلف أبي بكر وخلف عمر - رضي الله عنهم - فما سمعت أحدا منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم". وهو حديث حسن، لأن رواته ثقات ولم يصب من ضعفه بان ابن عبد الله بن مغفل مجهول لم يسم. فقد ذكره البخاري في "تأريخه"1 فسماه: يزيد ولم يذكر فيه هو ولا ابن أبي حاتم جرحا، فهو مستور اعتضد حديثه، وقد احتج أصحابنا وغيرهم بما هو دون ذلك. ويعضد ذلك - أيضا - ما رواه الإسماعيلي في مسند زيد بن أبي أنيسة بسنده الصحيح إليه، عن عمرو بن مرة، عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبيه، قال: صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة يجهر فيها بالقراءة، فلما صف الناس/ (?150/ب) كبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: "اللهم إني أعوذ بك من الشيطان الرجيم من همزة ونفخه ونفثه، ثم قرأ بفاتحة الكتاب ولم يجهر ببسم الله الرحمن الرحيم". وأصل الحديث في "السنن"2 وغيرها بغير هذا السياق. ومما يدل على ثبوت أصل البسملة في أول القراءة في الصلاة ما رواه النسائي/ (ي 257) 3 وابن خزيمة4 وابن حبان5 في صحيحيهما وغيرهم من رواية نعيم المجمر قال:
"صليت خلف أبي هريرة، فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم، ثم قرأ بأم القرآن، فذكر الحديث وفي آخره فلما سلم قال: والذي نفسي بيده إني لأشبهكم صلاة برسول الله - صلى الله عليه وسلم -" - وهو حديث صحيح لا علة فيه. ففي هذا رد على من نفاها البتة وتأييد لتأويل الشافعي - رضي الله عنه - لكنه غير صحيح في ثبوت الجهر، لاحتمال أن يكون سماع نعيم لها من أبي هريرة - رضي الله عنه - حال مخافته لقربه منه، فبهذه تتفق الروايات كلها. تنبيه: استدل ابن الجوزي على أن البسملة ليست من أول السورة بحديث رواه أحمد1 وأصحاب السنن2 وابن حبان والحاكم3 من طريق عباس الجشمي4، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن سورة القرآن ثلاثون آية شفعت لرجل حتى غفر له وهي "تبارك الذي بيده الملك". قال ابن الجوزي: لا يختلف العادون أنها ثلاثون آية من غير بسملة. هكذا استدل به، ولا دلالة فيه، لأن من عادة العرب حذف الكسور، وقد ورد ذلك في حديث مصرح به في "المسند"5 - أيضا - هو حديث ابن
مسعود - رضي الله عنه - قال: "أقرأني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -سورة من آل حم قال: يعني الأحقاف، قال: وكانت السورة إذا كانت أكثر من ثلاثين آية سميت ثلاثين". 113- قوله (ص) : "ثم اعلم أنهم قد يطلقون اسم العلة على غير ما ذكرنا ... "1 إلى آخره. مراده بذلك أن ما حققه من تعريف المعلول، قد يقع في كلامهم ما يخالفه، وطريق التوفيق/ (ر137/ب) بين ما حققه المصنف وبين ما يقع في كلامهم أن اسم العلة إذا / (?151/أ) أطلق على حديث لا يلزم منه أن يسمى الحديث معلولا اصطلاحا. إذ المعلول ما علته قادحة/ (ي 258) خفية والعلة أعم من أن تكون قادحة او غير قادحة خفية أو واضحة, ولهذا قال الحاكم: "وإنما يعل الحديث من أوجه ليس فيها للجرح مدخل". وأما قوله: وسمى الترمذي النسخ علة هو من تتمة هذا التنبيه، وذلك أن مراد الترمذي أن الحديث المنسوخ مع صحته إسنادا ومتنا طرأ عليه ما أوجب عدم العمل به وهو الناسخ، ولا يلزم من ذلك أن يسمى المنسوخ معلولا اصطلاحا كما قررته - والله أعلم -.
النوع التاسع عشر: المضطرب
النوع التاسع عشر: المضطرب 114- قوله (ص) "ومن أمثلته1": فذكر حديث الخط للمصلي2 إذا لم يجد سترة واستدرك عليه شيخنا ما فاته من وجوه الاختلاف فيه وبقيت (فيه) 3 وجوه أخرى لم أر الإطالة بذكرها، ولكن بقي أمر يجب التيقظ له. وذلك أن جميع من رواه عن إسماعيل بن أمية، عن هذا الرجل إنما وقع الاختلاف بينهم في اسمه أو كنيته، وهل روايته عن أبيه أو عن جده أو عن أبي هريرة بلا واسطة، وإذا تحقق الأمر لم يكن فيه حقيقة الاضطراب.
[حقيقة الاضطراب:] لأن الاضطراب هو: الاختلاف الذي يؤثر قدحا. واختلاف الرواة في اسم رجل لا يؤثر ذلك، لأنه إن كان ذلك الرجل ثقة فلا ضير، وإن كان غير ثقة فضعف الحديث إنما هو من قبل ضعفه لا من قبل اختلاف الثقات في اسمه فتأمل ذلك. ومع ذلك كله فالطرق التي ذكرها ابن الصلاح، ثم شيخنا قابلة لترجيح بعضها على بعض والراجحة منها يمكن التوفيق بينها بينها فينتفي الاضطراب أصلا ورأسا. تنبيه: قول ابن عيينة: لم نجد شيئا يشد به هذا الحديث ولم يجيء إلا من هذا الوجه1 فيه نظر، فقد رواه الطبراني من طريق أبي موسى الأشعري وفي إسناده أبو هارون العبدي2 وهو ضعيف. [شاهدان للحديث:] ولكنه وارد3 على الإطلاق4، ثم وجدت له شاهدا آخر وإن كان موقوفا. أخرجه مسدد في "مسنده الكبير" قال: ثنا هشيم/ (ي 259) ثنا خالد الحذاء عن إياس بن معاوية، عن سعيد بن جبير قال:
"إذا كان الرجل يصلي في فضاء فليركز بين يديه شيئا فإن لم يستطيع أن يركزه، فليعرضه، فإن لم يكن معه شيء، فليخلط خطا في الأرض"1. رجاله ثقات وقول البيهقي2: "إن الشافعي - رضي الله عنه - ضعفه". فيه نظر، فإنه/ (ب 305) احتج به فيما وقفت عليه، في المختصر الكبير للمزني - والله أعلم -. ولهذا صحح الحديث أبو حاتم ابن حبان3 والحاكم4 وغيرهما. وذلك مقتضى لثبوت عدالته عند من صححه. فما يضره مع ذلك أن لا ينضبط اسمه إذا عرفت ذاته - والله تعالى أعلم -. [أمثلة للمضطرب:] ووجدت أمثلة للمضطرب في "علل الدارقطني"5. ومنها: حديث: "شيبتي هود وأخواتها". اختلف فيه على أبي إسحاق السبيعي. (أ) فقيل عنه عن عكرمة، عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (ب) ومنهم من زاد فيه ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(ج) وقال علي بن صالح1: عن أبي إسحاق، عن أبي جحيفة 2، عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (د) وقال العلاء3: عن أبي إسحاق، عن البراء عن أبي بكر - رضي الله عنهما -. (هـ) وقال زكريا بن إسحاق4 وعبد الرحمن بن سليمان، عن أبي إسحاق عن أبي ميسرة5، عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه -. (و) وقيل عن زكريا عن أبي إسحاق عن مسروق 6 عن أبي بكر - رضي الله عنه -.
(ز) وقال محمد بن سلمة 1 عن أبي إسحاق عن مسروق عن عائشة عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (ح) وقيل عن يونس بن أبي إسحاق عن علقمة عن أبي بكر. (ط) وقال عبد الكريم الخزاز2: عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد البجلي3 عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (ي) وقيل: عنه عن عامر بن سعد عن أبيه عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (ك) وقال أبو شيبة النخعي: عن أبي إسحاق، عن مصعب بن سعد4 عن أبيه عن أبي بكر - رضي الله عنه -. (ل) وقال أبو المقدام5: عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص6 عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -.
115- قوله/ (ي260) (ص) : "ثم قد يقع الاضطراب في المتن وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راو واحد يقع من رواة"1. انتهى. [كلام العلائي على الحديث المعلول:] قسم المصنف الاضطراب/ (152/أ) إلى أربعة أقسام ولم يمثل إلا لقسم واحد. وقد تكلم الحافظ العلائي في مقدمة الأحكام على الحديث المعلول بكلام طويل مفيد نقلت منه ما يتعلق بما نحن فيه هنا ملخصا لأنه شامل (ب ص 306) لكل ما يتعلق بتعليل الحديث من اضطراب وغيره. قال: وهذا الفن أغمض2 أنواع الحديث وأدقها مسلكا ولا يقوم به إلا من منحه الله فهما غايصا3 واطلاعا حاويا وإدراكا لمراتب الرواة ومعرفة ثاقبة. ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وذاقهم كابن المديني والبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم وأمثالهم. وإنما يقوي القول بالتعليل - يعني فيما ظاهره الصحة- عند عدم المعارض، وحيث يجزم المعلل بتقديم/ (ر139/أ) التعليل أو أنه الأظهر، فأما إذا اقتصر على الإشارة إلى العلة فقط بأن القول - مثلا - في الموصول: رواه فلان مرسلا أو نحو ذلك، ولا يبين أي الروايتين أرجح، فهذا هو الموجود كثيرا في كلامهم، ولا يلزم منه رجحان الإرسال على الوصل. قال: والاختلاف تارة في السند، وتارة في المتن. [أقسام الاختلاف في السند:] فالذي في السند يتنوع أنواعا:
أحدها: تعارض الوصل والإرسال. ثانيها: تعارض الوقف والرفع. ثالثها: تعارض الاتصال والانقطاع. رابعها: أن يروي الحديث قوم - مثلا- عن رجل عن تابعي عن صحابي، ويرويه غيرهم عن ذلك الرجل عن تابعي آخر عن الصحابي بعينه. خامسها: زيادة رجل في أحد الإسنادين. سادسها: الاختلاف في اسم الراوي ونسبه إذا كان مترددا بين ثقة وضعيف. فأما الثلاثة الأول: فقد تقدم القول فيها. وأن المختلفين إما يكونوا متماثلين في الحفظ والإتقان (أم لا) 1 فالمتماثلون إما يكون عددهم من الجانبين سواء أو لا، فإن استوى عددهم مع استواء/ (ي 261) أوصافهم وجب التوقف حتى يترجح أحد الطريقين بقرينة من القرائن فمتى اعتضدت إحدى/ (ب 307) الطريقين بشيء/ (ب 307) من وجوه الترجيح حكم لها، ووجوه الترجيح كثيرة لا تنحصر، ولا2 ضابط لها بالنسبة إلى جميع الأحاديث، بل كل حديث يقوم به ترجيح خاص لا يخفى على الممارس الفطن الذي أكثر من جمع الطرق. ولأجل هذا كان مجال النظر في هذا أكثر من غيره، وإن كان أحد المتماثلين أكثر عددا فالحكم لهم على قول الأكثر. وقد ذهب قوم/ (ر 139/ب) إلى تعليله - وإن كان من وصل أو رفع أكثر. والصحيح خلاف ذلك.
وأما غير المتماثلين، فإما أن يتساووا في الثقة أو لا، فإن تساووا في الثقة فإن كان من وصل أو رفع أحفظ فالحكم له، ولا يلتفت إلى تعليل من علله بذلك - أيضا- إن 1 كان العكس، فالحكم للمرسل والواقف. وإن لم يتساووا في الثقة فالحكم للثقة، ولا يلتفت إلى تعليل من علله، برواية غير الثقة إذا خالف. هذه جملة تقسيم الاختلاف، وبقي إذا كان رجال أحد الإسنادين أحفظ ورجال الآخر أكثر. فقد اختلف المتقدمون فيه: فمنهم: من يرى قول الأحفظ أولى لإتقانه وضبطه. فمنهم: من يرى قول الأكثر أولى لبعدهم عن الوهم2. قال عمرو بن علي الفلاس3: سمعت سفيان بن زياد4 يقول ليحيى بن سعيد في حديث سفيان، عن أبي الشعثاء عن يزيد بن معاوية العبسي، عن علقمة، عن عبد الله - رضي الله عنه - في قوله تبارك وتعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} 5. فقال: يا أبا سعيد خالفه أربعة. قال: "من هم؟ "
قال: "زائدة وأبو الاحوص، وإسرائيل وشريك". فقال يحيى: "لو كان أربعة آلاف مثل هؤلاء كان الثوري أثبت منهم". قال الفلاس: "وسمعته يسأل عن عبد الرحمن بن مهدي عن هذا" فقال/ (ب ص 308) 1 عبد الرحمن: "هؤلاء قد اجتمعوا وسفيان أثبت منهم والإنصاف لا بأس به فأشار عبد الرحمن إلى ترجيح روايتهم لاجتماعهم ولا شك (أن) 2 الاحتمال من الجهتين منقدح قوي، لكن ذاك إذا لم ينته/ (ي 262) عدد الأكثر إلى درجة قوية/ (?153/أ) جدا بحيث يبعد اجتماعهم على الغلط أو يندر أو يمتنع عادة 3 فإن نسبة الغلط إلى الواحد وإن كان أرجح من أولئك في الحفظ والإتقان أقرب (من نسبته) 4 إلى جمع الكثير. ومما يقوي بالتعليل فيه بالوقف ما إذا كان قد زيد في الإسناد عوضا عن ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - كحديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه قضى في أمهات الأولاد أن لا يبعن ولا يوهبن ... " الحديث. هكذا رواه الدارقطني في السنن5 من رواية يونس بن محمد المؤدب، عن عبد العزيز بن مسلم6 عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنه -. وخالفه يحيى بن إسحاق السالحين 7- فرواه عن عبد العزيز عن
عبد الله بن دينار عن ابن عمر - رضي الله عنهما -[عن عمر] 1 من وقله فحكم الدارقطني2 وغيره من الأئمة أن الموقوف هو الصحيح، وعللوا المرفوع به، ووجهه غلبة الظن بغلط من رفعه حيث اشتبه عليه قول ابن عمر عن عمر - رضي الله عهما - بأنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما جاء هنا3 بعد الصحابي صحابي آخر والحديث هو قوله اشتبه ذلك على الراوي، فإذا انضم إلى ذلك أن فليح بن سليمان رواه أيضا عن عبد الله بن دينار بموافقة يحيى بن إسحاق، وكذلك رواه عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قوي القول بتعليله بالوقف (قوة) 4 ظاهرة، ولا يقال قد رواه عبد الله بن جعفر المديني، عن عبد الله بن دينار مرفوعا بمتابعة يونس بن محمد؛ لأنها متابعة ضعيفة جدا لضعف عبد الله بن جعفر5.
ومشى أبو الحسن بن القطان الفاسي في "بيان الوهم والإيهام" على ظاهر الإسناد الأول، فصحح الحديث، فلم يصب فالله أعلم. ومما يقوي/ (ر140/ب) القول بتقديم الانقطاع على الاتصال أن يكون في الإسناد مدلس عنعنه. ومن/ (?153/ب) خفايا ما ذكره ي 263 ابن أبي حاتم 1 قال: سألت أبي عن حديث رواه حماد بن سلمة عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من باع عبدا وله مال ... " الحديث. فقال: كنت أستحسن هذا الحديث من ذي طريق حتى رأيت من حديث بعض الثقات عن عكرمة بن خالد، عن الزهري عن ابن عمر - رضي الله عنهما -. قال العلائي: "فبهذه النكتة يتبين أن التعليل أمر خفي لا يقوم به إلا نقاد أئمة الحديث دون من لا اطلاع له على طرقه وخفاياها". وأما النوع الرابع: وهو الاختلاف في السند - فلا يخلو إما أن يكون الرجلان ثقتين أم لا. فإن كانا ثقتين، فلا يضر الاختلاف عند الأكثر، بقيامك الحجة بكل منهما، فكيفما دار الإسناد كان عن ثقة وربما احتمل أن يكون
الراوي (سمعه منهما جميعا وقد وجد ذلك في كثير من الحديث، لكن ذلك يقوى حيث يكون الراوي) 1 ممن له اعتناء بالطلب وتكثير الطرق2. ومن أمثلة ذلك حديث أبي هريرة في المهجر إلى الجمعة (رواه يونس3 ومعمر4 وابن أبي ذئب5، عن الزهري عن الأغر) . ورواه ابن عيينة6 عن الزهري، عن سعيد. ورواه يزيد بن الهاد7، عن الزهري عن الأغر وأبي سلمة وسعيد كلهم عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -. فتبين صحة كل الأقوال، فإن8 الزهري كان ينشط تارة، فيذكر جميع شيوخه وتارة يقتصر على بعضهم.
ومنه حديث "أفطر الحاجم والمحجوم"1. رواه جماعة، عن أبي قلابة، عن أبي الأشعث الصنعاني2، عن شداد بن أوس. ورواه آخرون، عن أبي قلابة، عن أبي أسماء الرحبي، عن ثوبان3 رضي الله تعالى عنه. ورواه يحيى بن أبي كثير عن أبي قلابة بالطريقين جميعا4. قال الترمذي5: "سألت محمدا عنه فصححه". فقلت: "وكيف ما فيه من الاضطراب؟ " قال: "كلاهما عندي صحيح".
وأما ما ذهب إليه كثير من أهل الحديث - من أن الاختلاف دليل على عدم ضبطه في الجملة، فيضر1 ذلك ولو كانت رواته ثقات إلا أن يقوم دليل، على أنه عند الراوي المختلف عليه عنهما جميعا أو بالطريقين جميعا - فهو رأي فيه ضعيف، لأنه كيفما دار كان على ثقة، وفي الصحيحين من (ذلك) 2 جملة أحاديث، لكن لا بد في الحكم بصحة ذلك من سلامته من أن يكون غلطا أو شاذا. وأما إذا كان أحد (الراويين) 3 المختلف فيهما ضعيفا لا يحتج به فههنا مجال للنظر وتكون تلك الطريق التي سمي ذلك الضعيف فيها (وجعل الحديث عنه كالوقف أو الإرسال بالنسبة إلى الطريق الأخرى) فكل ما ذكر هناك من الترجيحات يجيء هنا. ويمكن أن يقال - في مثل هذا يحتمل أن يكون الراوي إذا كان مكثرا قد سمعه منهما أيضا كما تقدم. فإن قيل: إذا كان الحديث عنده عن الثقة، فلم يرويه عن الضعيف4؟ فالجواب يحتمل أنه لم يطلع على ضعف شيخه أو طلع عليه ولكن ذكره اعتمادا على صحة الحديث عنده من الجهة الأخرى. وأما النوع الخامس: وهو زيادة الرجل بين الرجلين في السند فسيأتي تفصيله في النوع السابع والثلاثين5 إن شاء الله تعالى فهو مكانه. وأما النوع السادس: وهو الاختلاف في اسم الراوي ونسبه فهو على أقسام أربعة:
الأول: أن يبهم في طريق ويسمى في أخرى1، فالظاهر أن هذا لا تعارض فيه؛ لأنه2 يكون/ (ر141/ب) المبهم في إحدى الروايتين هو المعين في الأخرى، وعلى تقدير أن يكون غيره، فلا تضر رواية من سماه وعرفه - إذا كان ثقة - رواية من أبهمه. القسم3 الثاني: أن يكون الاختلاف في العبارة فقط والمعنى بها في الكل واحد، فإن مثل هذا لا يعد اختلافا أيضا، ولا يضر إذا كان الراوي ثقة. قلت: وبهذا يتبين أن تمثيل المصنف للمضطرب بحديث أبي عمرو بن حريث ليس بمستقيم. انتهى. والقسم4 الثالث: أن يقع التصريح باسم الراوي ونسبه/ (? 154/ب) لكن مع الاختلاف في سياق ذلك5. ومثال ذلك: حديث ربيعة/ (ي265) بن الحارث بن عبد المطلب6 - رضي الله عنه - في سؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - هو والفضل بن العباس7
- رضي الله عنهما - أن يؤمرهما على الصدقة، رواه مالك1 عن الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن الحارث بن نوفل. ورواه ابن إسحاق2 عنه عن محمد بن عبد الله بن الحارث بن نوفل3 ورواه يونس4، عن الزهري، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، فمثل هذا الاختلاف لا يضر، والمرجع فيه إلى كتب التواريخ وأسماء الرجال، فيحقق ذلك الراوي، ويكون الصواب فيه من أتى به على وجهه. والصحيح هنا هو قول مالك قاله أبو داود وغيره. ويمكن الجمع بين روايتي يونس ومالك بأن يونس نسبه إلى جده. وأما رواية ابن إسحاق فوهم في تسميته محمدا. القسم الرابع: أن يقع التصريح به من غير اختلاف لكن يكون ذلك من متفقين: أحدهما ثقة والآخر ضعيف. أو أحدهما مستلزم الاتصال والآخر الإرسال كما قدمنا ذلك5 في غير6
رواية (أبي) أسامة عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حيث ظن أنه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر. ومن خفي ذلك ما حكاه ابن أبي حاتم في العلل1 أنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن حنبل وفضل الأعرج2 عن هشام بن سعيد الطالقاني3 عن محمد بن مهاجر، عن عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي، وكانت له صحبة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سموا أولادكم أسماء الأنبياء، وأحسن الأسماء عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمام، وأقبحها حرب ومرة، وارتبطوا الخيل وامسحوا على نواصيها وقلدوها ولا تقلدوها الأوتار". قال: فقال أبي سمعته من فضل الأعرج وفاتني عن أحمد بن حنبل، وأنكرته في نفسي، وكان يقع في نفسي4 أنه أبو وهب الكلاعي5 صاحب مكحول، وكان أصحابنا يستعملون هذا الحديث، ولا يمكنني أن أقول فيه شيئا لكون أحمد رواه، فلما قدمت حمص حدثنا ابن الصفي6 عن أبي المغيرة حدثني محمد بن المهاجر7 حدثني عقيل/ (? 155/أ) (ي266) بن سعيد عن أبي وهب الكلاعي قال: قال
رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال أبو حاتم: وحدثني به هشام بن عمار عن يحيى بن حمزة1 عن أبي وهب عن سليمان بن موسى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. قال: "فعلمت أن ذلك باطل، وأبو وهب الكلاعي من طبقة الأوزاعي وهو دوت التابعي، فبقيت متعجبا من أحمد كيف خفي عليه، فإني أنكرته حين سمعته قبل أن أقف على علته". قال: وعقيل بن شبيب/ (ب313) أو ابن سعيد مجهول لا أعرفه. قلت: وقد رواه أبو داود2 في السنن مفرقا، عن هارون بن عبد الله والنسائي3 عن محمد بن/ (ر142/أ) رافع كلاهما عن هشام بن سعيد. كما رواه أحمد بن حنبل. زاد أبو داود فروى حديثا آخر بالإسناد المذكور متنه: "عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر ... "4 الحديث. ثم رواه عن محمد بن عوف5 عن أبي المغيرة عن محمد بن مهاجر حدثني عقيل بن شبيب أو ابن سعيد6 عن أبي وهب، فذكر نحوه ولم ينسبه ولم يقل: وكانت له صحبة.
ووقع لابن القطان في هذا الحديث تعقب على ابن أبي حاتم في ترجمة أبي وهب رددناه على ابن القطان في مختصر التهذيب1 - والله الموفق -. فهذه الأنواع الستة التي يقع بها التعليل وقد تبين كيفية التصرف، وما عداها2 إن وجد لم يخف إلحاقه بها. [التعليل بالاختلاف في المتن:] وأما الاختلاف الذي يقع في المتن، فقد أعل به المحدثون والفقهاء كثيرا من الأحاديث. كما تقدم3 لشيخنا ابن عبد البر في حديث البسملة، وكما تقدم في نوع المنكر4 في حديث ابن جريج في وضع الخاتم، وكما روي عن أحمد في رده حديث رافع بن خديج في النهي عن المخابرة للاضطراب5.
[الحافظ يضع قاعدة ويضرب لها أمثلة:] وأمثلة ذلك كثيرة، وللتحقيق في ذلك مجال طويل يستدعي تقسيما وبيان أمثلة ليصير ذلك قاعدة يرجع إليها، فنقول: إذا اختلفت مخارج الحديث وتباعدت ألفاظه أو كان سياق الحديث في حكاية/ (ي267) واقعة/ (?155/ب) ، يظهر تعددها، فالذي يتعين القول به أن يجعلا حديثين مستقلين. مثال الأول: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة1 السهو يوم ذي اليدين، وأن النبي2 - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين ثم قام - صلى الله عليه وسلم - إلى خشبة في3 المسجد فاتكأ عليها فأدركه4 ذو اليدين بسهوه فسأل/ (ر143/أ) - صلى الله عليه وسلم -الصحابة رضي الله عنهم فقالوا: نعم. فصلى - صلى الله عليه وسلم - الركعتين اللتين سها عنهما. وحديث عمران بن حصين5- رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله
عليه وسلم - صلى العصر فسلم من ثلاث ثم دخل - صلى الله عليه وسلم - منزله فجاء الخرباق، وكان في يده طول فناداه - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بصنيعه فخرج - صلى الله عليه وسلم - وهو غضبان فسأل الناس فأخبروه فأتم - صلى الله عليه وسلم - صلاته1. وحديث معاوية بن حديج2 - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بهم المغرب، فسلم من ركعتين، ثم انصرف، فأدركه طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه - فأخبره بصنيعه - صلى الله عليه وسلم - فرجع - صلى الله عليه وسلم - فأتم الصلاة3. فإن هذه الأحاديث الثلاثة (ليس الواقعة واحدة) 4 بل سياقها يشعر بتعددها، وقد غلط بعضهم، فجعل حديث أبي هريرة وعمران بن حصين رضي الله عنهما بقصة واحدة، ورام الجمع بينهما على وجه من التعسف الذي يستنكر. وسببه الاعتماد على قول من قال: إن ذا اليدين اسمه الخرباق وعلى تقدير ثبوت أنه هو، فلا مانع أن يقع ذلك له في واقعتين لاسيما وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ركعتين، وفي حديث عمران أنه - صلى الله عليه وسلم - سلم من ثلاث إلى غير ذلك من الاختلاف المشعر بكونهما واقعتين.
وكذا حديث معاوية بن خديج ظاهر في أنه قصة ثالثة؛ لأنه ذكر أن ذلك في المغرب، وأن المنبه على/ (ي268) السهو طلحة بن عبيد الله - رضي الله عنه -. (ومثال الثاني/ (ر143/أ) : حديث على بن رباح) 1 قال2: سمعت فضالة بن عبيد3 - رضي الله عنه - يقول: أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بخيبر بقلادة فيها4 خرز وذهب وهي من المغانم تباع فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذهب الذي في القلادة، فنزع وحده، ثم قال - صلى الله عليه وسلم - لهم: "الذهب بالذهب وزنا بوزن" 5. وحديث حنش الصنعاني6 عن فضالة - رضي الله عنه - قال: أ- "اشتريت يوم خيبر قلادة فيها ذهب باثني عشر دينارا فيها أكثر من اثني عشر دينارا، فذكرت ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تباع حتى تفصّل".
ب- وفي لفظ له "كنا نبايع يوم خيبر اليهود الوقية الذهب بالدينارين والثلاثة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تبيعوا الذهب إلا وزنا بوزن". ج- وفي رواية له: "أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام خيبر بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لا حتى يميز بينه وبينها ... " الحديث. د- وفي رواية لحنش قال: "كنا مع فضالة في غزوة فطارت لي ولأصحابي قلادة بها ذهب وجوهر فأردت أن أشتريها فقال لي فضالة - رضي الله عنه -: "انزع ذهبها فاجعله في كفة واجعل ذهبك في كفة؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يأخذن إلا مثلا بمثل". وهذه الروايات كلها في صحيح مسلم1. فقال/ (144/أ) البيهقي وغيره: "هذه الروايات محمولة على أنها كانت بيوعا شهدها فضالة - رضي الله عنه - فأداها كلها وحنش أداها متفرقة"2. قلت: بل هما حديثان لا أكثر رواهما جميعا حنش بألفاظ مختلفة وروى عن علي بن رباح أحدهما.
وبيان ذلك أن حديث علي بن رباح شبيه/ (ي269) برواية حنش الثالثة، وليست بينهما مخالفة إلا في تعيين وزنها في رواية حنش دون رواية الآخر، فهذا حديث واحد اتفقا فيه على القلادة، وأنها مشتملة على ذهب وخرز. وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع من بيعها/ (ب316) حتى يميز بين الذهب وغيره. فأما رواية حنش الأولى، فليس فيها إلا ذكر المفاضلة في كون (القلادة) 1 كان فيها أكثر من اثني عشر والثمن كان اثني عشر (فنهاهم2 عن ذلك) . وروايته الثانية شبيهة بذلك إلا أنها عامة في النهي عن بيع الذهب متفاضلا، وتلك بيان القصة فقط. والأخيرة شبيهة بالثانية، والقصة التي وقعت فيها، إنما هي للتابعي لا للصحابي، فوضح أنهما حديثان لا أكثر - والله أعلم -. ثم إن هذا كله لا ينافي المقصود من الحديث، فإن الروايات كلها متفقة على المنع من بيع الذهب بالذهب ومعه شيء [آخر] 3 غيره، فلو لم يمكن الجمع لما ضر الاختلاف. - والله أعلم -. فهذان المثالان واضحان4 فيما يمكن5 تعدد الواقعة وفيما يبعد. فأما إذا بعد الجمع بين الروايات بأن يكون المخرج واحدا فلا ينبغي سلوك تلك الطريق المتعسفة.
مثاله: حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - أيضا في قصة ذي اليدين فإن في بعض طرقه أن ذلك كان في صلاة الظهر1، وفي أخرى في صلاة العصر2 وفي أكثر الروايات قال: "إحدى صلاتي العشي إما الظهر أو العصر"3. فمن زعم أن رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - لقصة ذي اليدين كانت متعددة، وقعت مرة في الظهر ومرة في العصر من أجل هذا الاختلاف ارتكب طيرا وعرا، بل هي قصة واحدة. وأدل دليل على ذلك الرواية التي فيها التردد هل هي الظهر أو العصر فإنها مشعرة بأن الراوي كان يشك في أيهما. ففي بعض الأحيان كان يغلب على ظنه أحدهما فيجزم به. وكذا وقع في بعض طرقه يذكر/ (ي270) أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال للناس: ما يقول ذو اليدين؟ قالوا: صدق4. وفي أخرى: أكما يقول ذو اليدين؟ قالوا: نعم5.
وفي أخرى فأومئوا أن نعم1. فالغالب أن هذا الاختلاف من الرواة في التعبير عن صورة الجواب ولا يلزم من ذلك تعدد الواقعة. قال العلائي: "وهذه الطريقة يسلكها الشيخ محي الدين توصلا إلى تصحيح كل من الروايات صونا للرواة/ (?157/أ) الثقاة أن يتوجه الغلط إلى بعضهم حتى أنه قال في حديث ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما -: إن عمر - رضي الله عنه - كان نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فأمره - صلى الله عليه وسلم - أن يفي بنذره، وفي رواية: "اعتكاف يوم". وكلاهما في الصحيح2. فقال الشيخ محيي الدين: "هما واقعتان كان على عمر نذران، ليلة بمفرها ويوما بمفرده فسأل عن هذا مرة وعن/ (145/أ) الآخر أخرى"3. وفي هذا الحمل نظر لا يخفى؛ لأنه من البعيد أن لا يفهم عمر - رضي
الله عنه - من الإذن بالوفاء1 بنذر اليوم الوفاء بنذر الآخر حتى يسأل عنه مرة أخرى، لاسيما والواقعة في أيام يسيرة يبعد النسيان فيها جدا؛ لأن في كل من الروايات أن ذلك كان في أيام تفرقة السبي عقب وقعة2 حنين3، ففي هذا الحمل من أجل تحسين الظن بالرواة يطرق الخلل إلى عمر - رضي الله عنه -. إما بالنسيان في المدة اليسيرة أو بان يخفى عليه إلحاق اليوم بالليلة في حكم الوفاء بنذره في الاعتكاف. وهو من الأمر البين الذي لا يخفى على من هو دونه فضلا عنه؛ لأن سبب سؤاله إنما هو عن كون نذره صدر في الجاهلية فسأل هل يفي في الإسلام بما نذر في الجاهلية، فحيث حصل له الجواب عن ذلك كان عاما في كل نذر شرعي. [التحقيق في الجمع بين الروايتين:] ولكن التحقيق في الجمع بين هاتين الروايتين أن عمر - رضي الله عنه - كان عليه نذر اعتكاف يوم بليلته سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -عنه فأمره بالوفاء به، فعبر بعض الرواة/ (ي371) عنه بيوم وأراد بليلته، وعبر بعضهم بليلة وأراد بيومها.
والتعبير بكل واحد من هذين على المجموع من المجاز الشائع الكثير الاستعمال، فالحمل عليه أولى من جعل القصة متعددة. وأغرب من ذلك وأعجب ما ذكره الشيخ محيي الدين أيضا في حديث "بني الإسلام على خمس"؛ لأنه جاء في الصحيح من رواية ابن عمر - رضي الله عنهما - سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن/ (ر145/ب) محمدا رسول الله وإقام/ (?157/ب) الصلاة وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت". فقال رجل: "وحج البيت وصوم رمضان" فقال ابن عمر - رضي الله عنهما -: "لا، وصوم رمضان وحج البيت. هكذا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -"1. ثم جاء الحديث في الصحيح أيضا من طرق أخرى عن ابن عمر - رضي الله عنهما - ولفظه: "وحج البيت وصوم رمضان"2. فقال الشيخ محيي الدين: "هذا محمول على أن ابن عمر - رضي الله عنهما - سمع الحديث من النبي - صلى الله عليه وسلم - على الوجهين"3. ولا شك في أن مثل هذا هنا بعيد جدا. فإنه لو سمعه على الوجهين لم ينكر على من قال أحدهما إلا أن يكون حينئذ ناسيا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاله على الوجه الذي أنكره. والظاهر القوي أن أحد رواة هذه الطريق التي قدم فيها الحج على الصيام رواه بالمعنى فقدم وأخر، ولم يبلغه نهي ابن عمر - رضي الله عنهما - عن ذلك محافظة على كيفية ما سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -4.
فهذا الحمل وهو رواية بعض الرواة لهذه الطريق على المعنى أولى من تطرق النسيان إلى ابن عمر - رضي الله عنهما - أو الإنكار والرد للفظ الذي سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم -/ (ب319) . ومما يبعد فيه احتمال تعدد الواقعة ويمكن الجمع فيه بين الروايات ولم اختلفت المخارج ما يكون الحمل فيه على طريق من المجاز كما في حديث عمر - رضي الله عنهما - المتقدم. أو بتقييد في الإطلاق كما في حديث يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن/ (ي272) أبي قتادة1 عن أبيه2 في النهي عن/ مس الذكر باليمين فإن بعض الرواة عن يحيى أطلق3 وبعضهم قيده بحالة البول4. أو بتخصيص العام كما في حديث مالك عن نافع عن ابن عمر - رضي الله عنهما - في زكاة الفطر وقوله فيه من "المسلمين".
وقد تقدم الكلام عليه1. أو بتفسير المبهم وتبيين المجمل كما في حديث وائل بن حجر - رضي الله عنه - في قصة صاحب النسعة، فإن في رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - عند الترمذي2 إبهام كيفية القتل، وفي حديث وائل عند مسلم3 بيانها. وكحديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في قصة كفارة الوقاع في رمضان، فإن مالكا4 وطائفة5 رووه عنه
بلفظ: "أن رجلا أفطر في رمضان، ولم يبينوا ما أفطر به، ورواه جمهور أصحاب1 الزهري فبينوا أن الفطر كان بالجماع. وأما ما يبعد فيه احتمال التعدد ويبعد - أيضا - فيه الجمع بين الروايات، فهو على قسمين: أحدهما: ما لا يتضمن المخالفة بين الروايات اختلاف حكم شرعي فلا يقدح ذلك في الحديث، وتحمل تلك المخالفات على خلل وقع لبعض الرواة إذ رووه بالمعنى متصرفين بما يخرجه عن أصله. مثاله: حديث جابر- رضي الله عنه - في وفاء دين أبيه، فإنه مخرج في الصحيح من عدة طرق، وفي سياقه تباين لا يتأتى الجمع فيه إلا بتكلف شديد، لأن جميع الروايات عبارة عن دين كان على أبيه ليهود فأوفاهم من نخله/ (ب320) ذلك العام. ففي رواية وهب بن كيسان2 أنه كان ثلاثين وسقا3 وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كلمه في الصبر فأبى، فدخل النبي - صلى الله عليه وسلم -
النخل فمشى فيها ثم قال لجابر - رضي الله عنه - جدله1 فجدله بعد/ (ر146/ب) ما رجع النبي - صلى الله عليه وسلم -2. وفي حديث عبد الله بن كعب3 عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سألهم أن يقبلوا ثمر الحائط ويحللوه، فأبوا ... "4. وفي رواية الشعبي، عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: "اذهب فبيدر كل ثمر على ناحية"، وأنه - صلى الله عليه وسلم - طاف في أعظمها بيدرا5، ثم جلس - صلى الله عليه وسلم - فقال: "ادع أصحابك" فما زال يكيل لهم حتى أدى الله تعالى أمانة والدي، وفي آخره، فسلم الله البيادر كلها 6. ففي حمل7 هذه الروايات اختلاف شديد8، كما ترى، وفي حملها على
التعدد بعد وتكلف، والأقرب حملها على ما أشرنا إليه أن المقصود من جميعها البركة في التمر بسبب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأن الاختلاف وقع من بعض الرواة. وكذا حديث جابر1 - رضي الله عنه - في قصة الجمل، فإن الروايات اختلفت في قدر الثمن وفي الاشتراط وعدمه وقد ذكر البخاري ذلك مبينا في موضعين من صحيحه وقال: "إن قول الشعبي بوقية أرجح وأن الاشتراط أصح".
وهو ذهاب منه إلى ترجيح بعض الروايات على بعض وأما دعوى التعدد فيها فغير ممكن. ومن ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها - في ضياع العقد ونزول آية التيمم. ففي رواية القاسم1 أن المكان كان بيداء2 أو ذات الجيش3 وفيها انقطع عقد لي، وفيها أنهم باتوا على غير ماء، وفيها فبعثنا البعير الذي كنت عليه، فوجدنا العقد تحته. وفي رواية/ (ب321) عروة4 "أنها سقطت في الأبواء"5. وفي رواية عنه في مكان يقال له الصلصل، وفيه "أن القلادة استعارتها عائشة من أسماء - رضي الله عنها -" وفيها: "انسلت القلادة من عنقها". وفيها "أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل رجلين يلتمسانها فوجداها وحضرت الصلاة، فلم يدريا كيف يصنعان".
وفي رواية "أرسل - صلى الله عليه وسلم - ناسا" وعين في رواية منهم أسيد بن حضير. وفيها أن الذين أرسلوا حضرتهم الصلاة، فصلوا على غير وضوء". قال ابن عبد البر: "ليس اختلاف النقلة في العقد، ولا في القلادة ولا في الموضع الذي سقط ذلك فيه لعائشة - رضي الله عنها - ولا في كونها لعائشة رضي الله عنها أو لأسماء - رضي الله عنها - ما يقدح في الحديث، ولا يوهنه لأن المعنى المراد من الحديث والمقصود/ (ي274) هو نزول آية التيمم ولم يختلفوا في ذلك". قلت: كلامه يشعر بتعذر الجمع بين الروايتين، وليس كذلك بل الجمع بينهما ممكن بالتعبير عن القلادة بالعقد. وبأن إضافتها لأسماء رضي الله عنها إضافة ملك وإلى عائشة إضافة يد، وبأن انسلالها كان بسبب انقطاعها، وبأن الإرسال في طلبها كان في ابتداء الحال، ووجدانها كان في آخره بعد أن بعثوا البعير. وأما قوله إن الذين ذهبوا في طلبها هم الذين وجدوها فلا بعد فيه أيضا لاحتمال أن يكون وجدانهم إياها بعد رجوعهم. وإذا تقرر ذلك كانت القضية واحدة وليس فيها مخالفة إلا أن في رواية عروة زيادة على ما في رواية القاسم من ذكر صلاة المبعوثين في طلبها بغير وضوء، ولا/ (? 159/أ) اختلاف ولا تعارض. ومن/ (ر147/ب) الأحاديث التي رواها بعض الرواة بالمعنى الذي وقع له وحصل من ذلك الغلط لبعض الفقهاء بسببه، ما رواه العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
"كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج 1 ... " 2 الحديث. ورواه عنه سفيان بن عيينة وإسماعيل بن جعفر وروح بن القاسم وعبد العزيز الداروردي، وطائفة من أصحابه. وهكذا رواه عنه شعبة في رواية حفاظ أصحابه وجمهورهم. وانفرد وهب بن جرير عن شعبة بلفظ: "لا تجزئ صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب"3. حتى زعم بعضهم أن هذه الرواية مفسرة للخداج الذي في الحديث، وأنه عدم الإجزاء4. وهذا لا يتأتى له إلا لو كان مخرج الحديث مختلفا.
فأما السند واحد متحد، فلا ريب في أنه حديث واحد اختلف لفظه، فتكون رواية وهب بن جرير شاذة بالنسبة إلى ألفاظ بقية الرواة، لاتفاقهم دونه على اللفظ الأول؛ لأنه يبعد كل البعد أن يكون أبو هريرة - رضي الله عنه - سمعه باللفظين ثم نقل عنه ذلك فلم يذكره العلاء لأحد من رواته على كثرتهم/ (ي275) 1 إلا لشعبة، ثم لم يذكره شعبة2 لأحد من رواته على كثرتهم إلا لوهب بن جرير3. ومن ذلك حديث الواهبة نفسها، فإن مداره على أبي حازم عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -. واختلف الرواة عن أبي حازم، فقال مالك4 وجماعة5 معه: "فقد زوجتكها".
وقال ابن عيينة: "أنكحتكها"1 وقال ابن أبي حازم2 ويعقوب بن عبد الرحمن3: "ملكتكها". وقال الثوري/ (ر148/أ) : "أملكتكها"4. وقال أبو غسان: "أمكناكها"5. وأكثر هذه الروايات في الصحيحين/ فمن البعيد جدا أن يكون سهل بن سعد - رضي الله عنه - شهد هذه القصة من أولها إلى آخرها مرارا عديدة، فسمع في كل مرة لفظا غير الذي سمعه في الأخرى. بل ربما يعلم ذلك بطريق القطع - أيضا - فالمقطوع به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقل هذه الألفاظ كلها/ (?159) في مرة واحدة تلك
الساعة، فلم يبق إلا أن يقال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لفظا منها، وعبر عنه بقية الرواة بالمعنى، والله أعلم1. ثم إن الاختلاف في الإسناد إذا كان بين ثقات متساويين، وتعذر الترجيح، فهو في الحقيقة لا يضر في قبول الحديث والحكم بصحته، لأنه عن ثقة في الجملة. ولكن يضر؛ و2ذلك في الأصحية عند التعارض - مثلا -. فحديث لم يختلف فيه على رواية - أصلا - أصح من حديث اختلف فيه في الجملة، وإن كان ذلك الاختلاف في نفسه يرجع إلى أمر لا يستلزم القدح3، - والله أعلم -.
النوع العشرون: المدرج
النوع العشرون: المدرج 116- قوله (ص) : "وهو أقسام منها: ما أدرج في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من كلام بعض رواته ... "1 إلى آخره. ?لم يذكر المصنف من أقسام المدرج إلا أربعة: قسم في المتن وثلاثة في الإسناد. وقد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام. وقد لخصته ورتبته على (الأبواب والمسانيد) 2 [وزدت] 3 على ما ذكره الخطيب أكثر من القدر الذي ذكره4. [مواضع الإدراج:] وحاصله/ (ي276) أن الإدراج تارة يقع في المتن وتارة يقع في الإسناد. فأما الذي في المتن فتارة/ (ب324) أن يدرج الراوي في حديث النبي/ (ر148/ب) - صلى الله عليه وسلم - شيئا من كلام غيره مع إيهام كونه من كلامه. وهو على ثلاث5مراتب:
[مراتب الإدراج:] أحدها: أن يكون ذلك في أول المتن وهو نادر جدا. ثانيها: أن يكون في آخره، وهو الأكثر. ثالثها: أن يكون في الوسط، وهو قليل. ثم قد يكون المدرج من قول الصحابي أو التابعي أو من بعده. [وجوه معرفة المدرج:] والطريق إلى معرفة ذلك من وجوه: الأول: أن يستحيل إضافة ذلك إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثاني: أن يصرح الصحابي بأنه لم يسمع تلك الجملة من النبي - صلى الله عليه وسلم -. الثالث: أن يصرح بعض الرواة بتفصيل المدرج فيه عن المتن المرفوع فيه بأن يضيف الكلام إلى قائله. مثال الأول: وهو ما لا تصح إضافته إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -. حديث ابن مبارك، عن يونس، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "للعبد المملوك أجران / (?160/أ) ، والذي نفسي بيده لولا الجهاد في سبيل الله والحج وبر أمي لأحببت أن أموت وأنا مملوك" 1.
رواه البخاري عن بشر بن محمد عن ابن المبارك. فهذا الفصل الذي في آخر الحديث لا يجوز أن يكون من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يمتنع عليه أن يتمنى أن يصير مملوكا - وأيضا فلم يكن له أم يبرها، بل هذا من قول أبي هريرة - رضي الله عنه - أدرج في المتن. وقد بينه حيان بن موسى عن ابن المبارك، فساق الحديث إلى قوله "أجران" فقال فيه: "والذي نفس أبي هريرة بيده.." إلى آخره. وهكذا هو في رواية ابن وهب عند مسلم وهذا/ (ر149/أ) من فوائد المستخرجات كما قدمناه. ومثال الثاني: حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من/ (ي277) مات وهو لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، "ومن مات وهو يشرك بالله شيئا دخل النار". هكذا رواه أحمد بن عبد الجبار العطاردي1، عن أبي بكر ابن عياش بإسناده ووهم فيه.
فقد رواه الأسود بن عامر شاذان1 وغيره عن أبي بكر بن عياش بلفظ: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من جعل لله عز وجل ندا دخل النار" وأخرى أقولها - ولم أسمعها منه - صلى الله عليه وسلم -2: "من مات لا يجعل لله ندا أدخله الجنة". والحديث في "صحيح مسلم"3 من غير هذا الوجه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - ولفظه: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كلمة وقلت أخرى فذكره. فهذا كالذي قبله في الجزم بكونه مدرجا.
ومثال الثالث: ما ذكره المصنف1 من حديث ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - وقوله: "فإذا قلت هذا، فقد قضيت صلاتك"2. ومنه - أيضا - حديث عبد الله بن خيران3، عن شعبة، عن أنس بن سيرين، أنه سمع ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - يقول: "طلقت امرأتي وهي حائض، فذكر عمر - رضي الله تعالى عنه - ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "مره فليراجعها، فإذا طهرت فليطلقها" قال: فتحسب تطليقة؟ قال: فمه؟ قال الخطيب: "هذا مدرج والصواب أن الاستفهام من قول ابن سيرين، وأن الجواب من ابن/ (?160/ب) عمر - رضي الله تعالى عنهما".
بين ذلك محمد بن جعفر1 ويحيى بن سعيد القطان2، والنضر بن شميل3 وفي روايتهم عن شعبة. قلت: وكذا فصله خالد بن الحارث4، وبهز بن أسد5 وسليمان بن حرب6 عن شعبة، وحديث بعضهم في الصحيحين. وكذلك رواه مسلم7 من طريق عبد الملك بن أبي سليمان عن أنس بن سيرين. قال الخطيب: "ورواه بشر بن عمر الزهراني8، عن شعبة فوهم فيه وهما فاحشا، فإنه قال فيه: "قال عمر - رضي الله عنه -: يا رسول الله.. أفتحتسب بتلك التطليقة؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: "نعم". قلت: والحكم على هذا القسم الثالث بالإدراج يكون بحسب غلبة ظن المحدث الحافظ الناقد، ولا يوجب القطع/ (ي278) بذلك خلاف القسمين الأولين،
وأكثر هذا الثالث يقع تفسيرا لبعض الألفاظ الواقعة في الحديث كما في أحاديث الشغار1 والمحاقلة2 والمزابنة3.
والزهو1 والقزع2 والنفخ3 والبعث4 والغرة5 وغيرهما.
والأمر في ذلك سهل لأنه إن ثبت رفعه فذاك وإلا فالراوي أعرف بتفسير ما روى من غيره. فأما ما وقع في المتن من كلام الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - مدرجا في كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد ذكرنا أمثلته. وربما وقع الحكم بالإدراج في حديث ويكون ذلك اللفظ المدرج ثابتا من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن من رواية أخرى كما في حديث أبي موسى: "إن بين يدي الساعة أياما يرفع فيها العلم ويظهر فيها الهرج، والهرج القتل". فصله بعض الحفاظ من الرواة وبين أن قوله: "والهرج القتل من كلام أبي موسى"1. ومع ذلك، فقد ثبت تفسيره بذلك من وجه آخر مرفوعا في حديث
سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهم عن أبي هريرة1 - رضي الله عنه -. ومثل ذلك حديث أسبغوا الوضوء. كما سيأتي2 إن شاء الله تعالى. وأما/ (ر150/أ) ما وقع من كلام التابعين، فمن بعدهم، فمنه حديث عد الأسماء الحسنى فيما رواه الترمذي3، واستغربه من/ (?161/أ) طريق الوليد بن مسلم، عن أبي الزناد عن الأعرج، عن أبي هريرة - رضي الله عنه -. فإن الحديث الصحيح4 من طريق شعبة5 عن أبي الزناد دون ذكر الأسماء.
فأما سياق الأسماء فيقال: إنها مدرجة في الخبر من كلام الوليد بن مسلم1 كما ذكرت ذلك بشواهده في الكتاب الذي جمعته فيه. [ما أدرج في الحديث من كلام بعض التابعين:] وأما ما أدرج من كلام بعض التابعين أو من بعدهم في كلام الصحابة/ (ب327) - رضي الله عنه - فمنه حديث2 سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - في قصة مرضه بمكة واستئذان النبي - صلى الله عليه وسلم - في الوصية، وفيه: لكن البائس سعد بن خولة - يرثي له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إن مات بمكة فإن قوله: "يرثي له.." إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر إذ رواه عن عامر بن سعد، عن أبيه3. وكذلك حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - الذي رواه مسلم4 من
طريق زهير وغيره عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن أبي سلمة عنها - رضي الله عنها - قالت: "كان يكون علي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان للشغل برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن قوله: "للشغل ... " إلى آخره من كلام يحيى بن سعيد. كذلك رواه عبد الرزاق في مصنفه1 عن ابن جريج عن يحيى بن سعيد وقال في آخره: "فظننت: أن ذلك لمكانها من النبي - صلى الله عليه وسلم - يحيى بن سعيد يقوله". ورواه عبد الرزاق2عن الثوري بدون الزيادة التي في آخره. وكذا هو في مسلم3 من رواية ابن عيينة وعبد الوهاب الثقفي/ (150/ب) . ومنه أيضا حديث مالك عن ابن شهاب، عن ابن أكيمة4 عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال:
"إن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى صلاة جهر فيها بالقراءة فلما انصرف - صلى الله عليه وسلم - قال: "هل جهر معي أحد منكم؟ " فقال رجل منهم: "نعم! أنا يا رسول الله". قال - صلى الله عليه وسلم -: "إني أقول: ما لي أنازع القرآن". فانتهى الناس عن القراءة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جهر فيه من الصلوات1. بين محمد بن يحيى الذهلي2 وغيره3 من الحفاظ أن قوله: "فانتهى الناس ... " إلى آخره من كلام الزهري أدرج في الخبر.
[الإدراج في أول الخبر:] وأما ما وقع من الإدراج في أول الخبر فقد ذكر/ (?161/ب) شيخنا1 مثاله وهو قول أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار"2. على أن قوله: "أسبغوا الوضوء" قد ثبت من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عبد الله بن عمرو في "الصحيح"3. وفتشت ما جمعه الخطيب في المدرج ومقدار ما زدت عليه منه فلم أجد له مثالا آخر إلا ما جاء في بعض طرق حديث بسرة الآتي من رواية محمد بن دينار، عن هشام بن حسان.
[الإدراج في وسط الحديث:] وأما ما وقع في وسطه، فقد نقل شيخنا1عن ابن دقيق العيد أنه ضعف الحكم بالإدراج على مثل ذلك. وقد وقع منه قول الزهري: "والتحنث: التعبد"2 في حديثه عن عروة، عن عائشة - رضي الله عنها - في بدء الوحي في قولها فيه: "وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد ... " إلى آخر الحديث بطوله فإن قوله:"وهو التعبد" من كلام الزهري أدرج في الحديث من غير تمييز/ (151/أ) كما أوضحته في الشرح3. وكذلك حديث إبراهيم بن علي التميمي4 عن مالك بن أنس عن ابن شهاب عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر - وهو غير محرم فقيل له: إن
ابن خطل متعلق بأستار الكعبة، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "اقتلوه" فإن قوله: "وهو غير محرم" من كلام الزهري1 أدرجه هذا الراوي في الخبر. وقد رواه أصحاب الموطأ بدون هذه الزيادة، وبين بعضهم2 أنها كلام الزهري. ومن ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "الطيرة شرك، وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" رواه الترمذي3 من طريق وكيع عن سفيان عن سلمة بن كهيل عن عيسى بن عاصم، عن زر بن حبيش عن عبد الله فذكره. قال: "هذا حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث سلمة وقد رواه شعبة عن سلمة".
قال: "وسمعت محمدا1 يقول: كان سليمان بن حرب يقول في هذا "وما منا إلا": هذا عندي من قول ابن مسعود - رضي الله عنه -2. قلت:/ (?162/أ) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده3 عن شعبة مثل حديث وكيع ورواه علي بن الجعد وغندر وحجاج بن محمد ووهب بن جرير والنضر بن شميل وجماعة عن شعبة فلم يذكروا فيه "وما منا إلا". وهكذا رواه إسحاق بن راهويه عن أبي نعيم، عن سفيان الثوري. قلت: والحكم على هذه الجملة بالإدراج متعين وهو يشبه (ما قدمناه) 4 في المدرك الأول للإدراج وهو ما لا يجوز أن يضاف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لاستحالة/ (ر151/ب) أن يضاف إليه شيء من الشرك. ومن ذلك حديث فضالة بن عبيد سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم -يقول: "أنا زعيم - والزعيم الحميل - ببيت في ربض الجنة لمن آمن بي وهاجر ... " 5 الحديث. أشار ابن حبان6 إلى أن قوله: "والزعيم الحميل" مدرج ومن ذلك
قوله - في حديث عكرمة عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: في صفة نزول الوحي: "تنزل الملائكة في العنان - والعنان السحاب ... " الحديث1 فإن قوله: "والعنان السحاب" مدرج. وكذا قوله: في حديث لقيط بن صبرة2 في قصة وفادته3. قال فيه: "فأتينا بقناع/ (ب330) من رطب - والقناع الطبق ... " الحديث. فقوله: "والقناع الطبق" مدرج في الخبر. وقد ذكرت شواهد ذلك جميعه في الكتاب المذكور. وعلى هذا فتضعيف ابن دقيق العيد للحكم بذلك فيه نظر فإنه إذا ثبت بطريقه أن ذلك من كلام بعض الرواة لا مانع4 من الحكم عليه بالإدراج. وفي الجملة إذا قام الدليل على إدراج جملة معينة بحيث يغلب على الظن
ذلك فسواء كان في الأول أو الوسط أو الآخر، فإن سبب ذلك الاختصار من بعض الرواة بحذف أداة التفسير أو التفصيل فيجيء من بعده فيرويه مدمج من غير تفصيل فيقع ذلك. فقد روينا في كتاب الصلاة لأبي حاتم ابن حبان قال: "ثنا عمر بن محمد الهمداني قال: ثنا أبو بكر الأثرم1 قال: قال أبو عبد الله: أحمد بن حنبل كان وكيع يقول في الحديث - يعني كذا وكذا - وربما حذف2 يعني وذكر التفسير في الحديث. وكذا كان الزهري يفسر الأحاديث كثيرا وربما أسقط أداة التفسير فكان بعض أقرانه ربما3 يقول له: افصل كلامك/ (ر152/أ) من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد ذكرت كثيرا من هذه الحكايات وكثيرا من أمثلة ذلك في الكتاب المذكور، واسمه "تقريب المنهج بترتيب المدرج" أعان الله على تكميله وتبييضه إنه على كل شيء قدير. تنبيه: استدرك شيخنا4 على الخطيب قوله: "إن عبد الحميد بن جعفر تفرد عن هشام بزيادة (ذكر الأنثيين والرفغين)
في حديث بسرة بأن يزيد بن زريع رواه أيضا عن أيوب1 وهو كما قال إلا أنه مدرج - أيضا -. والذي أدرجه هو أبو كامل الجحدري راويه عن يزيد. وقد خالفه عبيد الله بن عمر القواريري وأبو الأشعث أحمد بن المقدام وأحمد بن عبيد الله العنبري2 وغير واحد فرووه عن يزيد بن زريع مفصولا. ولفظ الدارقطني من طريق أبي الأشعث3 عن بسرة أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من مس ذكره فليتوضأ" قال فكان عروة يقول: "إذا مس رفغه أو أنثييه أو ذكره فليتوضأ". وذكر شيخنا4 أن الدارقطني5 زاد فيه ذكر الأنثيين من رواية ابن جريج - أيضا - عن هشام وهو كما قال، إلا أنه مدرج - أيضا - كما بينه الدارقطني، وكذا أخرجه الطبراني من رواية ابن جريج. وله طريقان آخران عن هشام بن عروة مدرجان يستدرك بهما على الخطيب أيضا.
أحدهما: من طريق محمد بن دينار1 عن هشام عن أبيه عن بسرة - رضي الله عنها -قالت: قال2 رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مس رفغيه أو أنثييه أو ذكره، فلا يصلي حتى يتوضأ". ثانيهما: رواه ابن شاهين في كتاب الأبواب عن ابن أبي داود ويحيى بن صاعد قالا: ثنا محمد بن بشار ثنا عبد الأعلى ثنا هشام بن حسان3 ثنا هشام بن عروة عن أبيه فذكر الحديث: "إذا مس أحدكم ذكره أو أنثييه فليعد الوضوء". وسيأتي لفظه في النوع الثاني والعشرين إن شاء الله تعالى، ومما يدل على أنه لم يتقنه4 أن ابن شاهين رواه أيضا عن البغوي (?) عن الدقيقي، عن يزيد بن هارون، عن هشام بن حسان عن هشام بن عروة بلفظ:
"إذا مس أحدكم ذكره أو قال فرجه أو قال أنثييه فليتوضأ". فتردده يدل على أنه ما ضبطه. وقد فصله حماد بن زيد وأيوب وغير واحد عن هشام، واقتصر على المرفوع منه فقط وشعبة والثوري وتمام عشرين من الحفاظ. كما بينته في الكتاب المذكور1 ولله الحمد. ومن أمثلته أيضا حديث: "ما عزت النية في الحديث إلا لشرفه" رواه الخطيب2 من طريق شبل بن عباد عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعا وبين أنه لا أصل له من كلام النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنما هو من كلام يزيد بن هارون دخل لبعض الرواة فيه إسناد في إسناد. قلت: وأما مدرج الإسناد فهو على خمسة أقسام: أحدها: أن يكون المتن مختلف الإسناد بالنسبة إلى أفراد رواته، فيرويه راو واحد عنهم، فيحمل بعض رواياتهم على بعض ولا يميز بينها. ثانيها: أن يكون المتن عند الراوي له/ (ر153/أ) بالإسناد إلا طرفا منه فإنه عنده بإسناد آخر، فيرويه بعضهم عنه تاما بالإسناد الأول. ثالثها: أن يكون متنان مختلفي الإسناد، فيدرج بعض الرواة شيئا من أحدهما في الآخر، ولا يكون ذلك الشيء من رواية ذلك الراوي، ومن هذه الحيثية، فارق القسم الذي قبله. وهذه الأقسام الثلاثة قد ذكرها ابن الصلاح3.
(وذكر مثلها عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه -) 1. إلا أن الأول قد يقع فيه إيهام وصل مرسل أو إيصال منقطع. مثاله: ما رواه عثمان بن عمر2 عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبد الرحمن السلمي3 وعبد الله بن حلام4 عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه - قال: خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -من بيت سودة رضي الله عنها فإذا امرأة على الطريق قد تشوفت ترجو أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -...." الحديث. وفيه: "إذا رأى أحدكم امرأة تعجبه/ (?163/ب) ، فليأت أهله فإن معها مثل الذي معها". فظاهر هذا السياق يوهم أن أبا إسحاق رواه عن أبي عبد الرحمن وعبد الله بن حلام جميعا عن عبد الله بن مسعود - رضي الله تعالى عنه. وليس كذلك، وإنما/ (ب333) رواه أبو إسحاق، عن أبي عبد الرحمن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا وعن أبي إسحاق5 عن عبد الله بن حلام،
عن ابن مسعود - رضي الله تعالى عنه - متصلا بينه عبيد الله بن موسى وقبيصة1 ومعاوية بن هشام عن الثوري متصلا. رابعها: أن يكون المتن عند الراوي إلا طرفا منه فإنه لم يسمعه من شيخه فيه وإنما سمعه من واسطة بينه وبين شيخه، فيدرجه بعض الرواة عنه فلا تفصيل. وهذا مما يشترك2 فيه الإدراج والتدليس. مثال ذلك حديث إسماعيل بن جعفر3، عن حميد عن أنس - رضي الله تعالى عنه - في قصة العرنيين وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "لو خرجتم إلى إبلنا فشربتم من ألبانها وأبوالها" 4. ولفظة: "وأبوالها" إنما سمعها حميد من قتادة عن أنس - رضي الله تعالى عنه -. بيّنه يزيد بن هارون ومحمد بن أبي عدي5 ومروان بن معاوية وآخرون6.
كلهم يقول فيه: "فشربتم من ألبانها" قال حميد: قال قتادة عن أنس رضي الله عنه "وأبوالها". فرواية إسماعيل على هذا فيها إدراج وتسوية1 والله أعلم. خامسها: أن لا يذكر المحدث متن الحديث، بل يسوق إسناده فقط، ثم يقطعه قاطع فيذكر كلاما فيظن بعض من سمعه أن ذلك الكلام هو متن ذلك الإسناد. ومثاله: في قصة ثابت بن موسى الزاهد2 مع شريك القاضي كما مثل به ابن الصلاح لشبه الوضع3، وجزم ابن حبان4 بأنه من المدرج.
هذه أقسام المدرج الإسناد، والطرق إلى معرفة كونه مدرجا أن تأتي رواية مفصلة للرواية المدرجة وتتقوى الرواية المفصلة، بأن يرويه بعض الرواة مقتصرا على إحدى الجملتين كما روى أحمد من طريق روح بن عبادة1، عن شعبة عن قتادة عن مطرف2 عن عائشة رضي الله عنها قالت/ (ب334) : "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول في ركوعه وسجوده سبوح/ (ح164/أ) قدوس رب الملائكة والروح"3. ورواه أيضا عن سليمان بن حرب4 وعفان بن مسلم5 عن شعبة فبين أن قوله: "وسجوده" سمعه شعبة من هشام عن قتادة. ورواه أيضا عن بهز بن أسد عن شعبة عن قتادة فلم يذكر سجوده6. وهكذا رواه جماعة عن شعبة مقتصرين على ذكر الركوع وهم: يزيد بن
زريع، والنضر بن شميل، وابن أبي عدي1، وخالد بن الحارث2، ويحيى بن سعيد3، وغيرهم. قلت: رواه مسلم4 من طريق أبي داود الطيالسي، عن شعبة وهشام جميعا عن قتادة ولم يذكر لفظه، لكنه عطفه على حديث سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، وحديث سعيد فيه ذكر الركوع - أيضا - فلم يقع التفصيل في رواية مسلم كما ينبغي5. وهذا مثال القسم الرابع الذي ذكرناه - أيضا - والله سبحانه وتعالى الموفق.
النوع الحادي والعشرون: الموضوع
النوع الحادي والعشرون: الموضوع 117- قوله (ص) : "وهو المختلق المصنوع"1. قلت: هذا تفسير بحسب الاصطلاح، وأما من حيث اللغة، فقد قال أبو الخطاب ابن دحية: "الموضوع: الملصق، وضع فلان على فلان كذا: أي ألصقه به". وهو - أيضا - الحط2 والإسقاط. والأول أليق بهذه الحيثية، - والله أعلم -. 118- قوله (ص) : "اعلم أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة"3. هذه العبارة سبقه إليها الخطابي واستنكرت، لأن الموضوع ليس من الحديث النبوي، إذ أفعل4 التفضيل إنما يضاف إلى بعضه، ويمكن الجواب بأنه أراد بالحديث القدر المشترك، وهو ما يحدث به. وقوله: "إنه شر الأحاديث الضعيفة" تقدم ما فيه في قسم/ (ب335) الضعيف5.
119- قوله (ص) : "ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان إلا مقرونا ببيان وضعه ... "1 إلى آخره. يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن سمرة بن جندب - رضي الله عنه - قال: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" 2. ويرى - مضبوطة بضم الياء - بمعنى/ (?164/ب) يظن. وفي "الكاذبين" روايتان: إحداهما: بفتح الباء على إرادة التثنية. والأخرى: بكسرها على صيغة الجمع. وكفى بهذه الجملة وعيدا شديدا في حق من روى الحديث فيظن أنه كذب فضلا عن أن يتحقق ذلك ولا يبينه، لأنه/ (ر154/ب) - صلى الله عليه وسلم - جعل المحدث بذلك مشاركا لكاذبه في وضعه، وقال مسلم في مقدمة صحيحه: "اعلم أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين أن لا يروي إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع". وكلامه موافق لما دل عليه الحديث المذكور.
وقول ابن الصلاح1: "بخلاف الأحاديث الضعيفة التي يحتمل2 صدقها في الباطن". يريد جعل احتمال صدقها قيدا في جواز العمل بها. لكن هل يشترط في هذا الاحتمال أن يكون قويا بحيث يفوق احتمال كذبها أو يساويه أو لا؟ هذا محل نظر، والذي يظهر من كلام مسلم ربما دل عليه الحديث المتقدم، بأن احتمال الصدق إذا كان احتمالا ضعيفا أنه لا يعتد به. وقال الترمذي3: "سألت أبا محمد (يعني عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي) عن هذا الحديث (يعني حديث سمرة المذكور) فقلت له: "من روى حديثا وهو يعلم أن إسناده خطأ أيخاف أن يكون دخل في هذا الحديث وإذا روى الناس حديثا مرسلا فأسنده بعضهم أو قلب إسناده؟ " فقال: "لا، إنما معنى هذا الحديث إذا روى الرجل حديثا ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أصلا فحدث فأخاف أن يكون دخل في هذا الحديث". 56- قوله (ع) 4: "وقد استشكل ابن دقيق العيد الحكم على الحديث بالوضع بإقرار من ادعى أنه وضعه، لأن فيه عملا بقوله بعد اعترافه على نفسه بالوضع" فقال في الاقتراح5: "هذا كاف في رده ليس بقاطع ... " إلى آخره. قلت/ (ر155/أ) : كلام ابن دقيق العيد ظاهر في أنه لا يستشكل الحكم لأن
الأحكام لا يشترط فيها القطعيات ولم يقل أحد/ (?165/أ) أنه يقطع بكون الحديث موضوعا بمجرد الإقرار، إلا أن إقرار الواضع بأنه وضع يقتضي موجب الحكم العمل بقوله، وإنما نفى ابن دقيق العيد القطع بكون الحديث موضوعا بمجرد إقرار الراوي بأنه وضعه فقط، فلم يعترض لتعليل ذلك ولم يعلل بأنه يلزم العمل بقوله بعد اعترافه، لأنه لا مانع من العمل بذلك، لأن اعترافه بذلك يوجب ثبوت فسقه وثبوت فسقه لا يمنع العمل بموجب إقراره كالقاتل - مثلا - إذا اعترف بالقتل عمدا من غير تأويل، فإن ذلك يوجب فسقه ومع ذلك فنقتله عملا بموجب إقراره مع احتمال كونه في باطن الأمر كاذبا في ذلك الإقرار بعينه. ولهذا حكم الفقهاء على من أقر بأنه شهد الزور بمقتضى اعترافه. وهذا كله مع التجرد، أما إذا انضم إلى ذلك قرائن تقتضي صدقه في ذلك الإقرار كمن روى عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - حديث الأعمال بالنيات، فإنا نقطع1 بأنه ليس من رواية مالك ولا نافع ولا ابن عمر مع ترددنا في كون الراوي له على هذه الصورة كذب أو غلط فإذا أقر أنه غلط لم نرتب في ذلك، ولا سيما إن كان إخباره لنا بذلك بعد توبته. وقد حكى مهنا بن يحيى أنه سأل أحمد عن حديث إبراهيم بن موسى المروزي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما - رفعه "العلم فريضة على كل مسلم". فقال أحمد: "هذا كذب"2. يعني بهذا الإسناد. ثم إن شيخنا - رضي الله عنه - مثل لقول ابن الصلاح: "أو ما يتنزل منزلة إقراره"3.
بما إذا حدث محدث عن شيخ، ثم ذكر أن مولده في تأريخ يعلم تأخره، عن وفاة ذلك الشيخ1 ولم يتعقبه بما تعقبه به الأول2 والاحتمال يجري فيه كما يجري في الأول سواء، فيجوز أن يكذب في تاريخ مولده بل يجوز أن يغلط في التأريخ ويكون في نفس الأمر صادقا". والأولى أن يمثل لذلك بما رواه البيهقي في المدخل بسنده الصحيح أنهم اختلفوا بحضور أحمد بن عبد الله3 الجويباري4 في/ (?165/ب) سماع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه - فروى لهم حديثا بسنده إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "سمع الحسن من أبي هريرة - رضي الله عنه -"5. وأن يمثل بالتأريخ لقول ابن الصلاح: "أو من قرينة حال الراوي". وقد استشكل بعضهم الحكم على الحديث بالوضع لركاكة لفظه. ولم يتعرض شيخنا له، فأفردته كما سيأتي. 102- قوله (ص) 6: "وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي".
قلت: هذا الثاني هو الغالب، وأما الأول فنادر. قال ابن دقيق العيد1: "وكثيرا ما يحكمون بذلك باعتبار يرجع إلى المروي وألفاظ الحديث". وحاصله يرجع/ (ب338) إلى أنه حصلت لهم بكثرة محاولة ألفاظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هيئة نفسانية وملكة يعرفون بها ما يجوز أن يكون من ألفاظه وما لا يجوز كما سئل بعضهم كيف يعرف أن الشيخ كذاب قال: "إذا روى لا تأكلوا القرعة حتى تذبحوها علمت أنه كذاب". ثم مثل لقرينة حال الراوي بقصة غياث بن إبراهيم2 مع المهدي. وهذا أولى من التسوية بينهما، فإن معرفة الوضع من قرينة حال المروي أكبر من قرينة حال الراوي. ومن جملة القرائن الدالة على الوضع: الإفراط3 بالوعيد الشديد على الأمر اليسير أو بالوعد العظيم على الفعل اليسير4/ (ر156/أ) وهذا كثير موجود في حديث
القصاص والطرقية1، والله أعلم. 121- قوله (ص) : "وقد وضعت أحاديث يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها"، انتهى. اعترض عليه بأن ركاكة اللفظ لا تدل على الوضع حيث جوزت الرواية بالمعنى. نعم إن صرح الراوي بأن هذا صيغة لفظ الحديث وكانت تخل بالفصاحة أو لا وجه لها في الإعراب دل على2 ذلك. والذي يظهر أن المؤلف (لم يقصد ركاكة اللفظ) 3 وحده تدل كما تدل ركاكة المعنى، بل ظاهر كلامه أن الذي يدل هو مجموع الأمرين: ركاكة اللفظ والمعنى معا. لكن يرد عليه أنه ربما كان اللفظ فصيحا والمعنى/ (?166/أ) ركيكا إلا أن ذلك يندر وجوده، ولا يدل بمجرده على الوضع بخلاف اجتماعهما تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني. وقد روى الخطيب4 وغيره من طريق الربيع بن خثيم5 التابعي الجليل
قال: إن للحديث ضوءا كضوء النهار يعرف، وظلمة كظلمة الليل تنكر1. تنبيه: أخل المصنف بذكر أشياء ذكرها غيره مما يدل على الوضع من غير إقرار الواضع. [دلائل الوضع:] منها جعل الأصوليين من دلائل الوضع أن يخالف العقل ولا يقبل تأويلا، لأنه لا يجوز أن يرد الشرع بما ينافي مقتضى العقل. وقد حكى الخطيب هذا في أول كتابه الكفاية2 تبعا للقاضي أبي بكر الباقلاني وأقره. فإنه قسم الأخبار إلى ثلاثة أقسام: 1- ما يعرف صحته. 2- وما يعلم فساده. 3- وما يتردد بينهما. ومثل للثاني بما تدفع العقول صحته بموضوعها والأدلة المنصوصة فيها نحو الإخبار عن قدم الأجسام وما أشبه ذلك. ويلتحق به ما يدفعه الحس والمشاهدة كالخبر عن الجميع بين/ (ر156/ب) الضدين وقول الإنسان: أنا الآن طائر في الهواء أو أن مكة لا وجود لها في الخارج. ومنها: أن يكون خبرا عن أمر جسيم كحصر العدو للحاج عن البيت، ثم لا ينقله منهم إلا واحد؛ لأن العادة جارية بتظاهر الأخبار في مثل ذلك.
ومنها: ما يصرح بتكذيب راويه جمع كثير يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب أو تقليد بعضهم بعضا. ومنها: أن يكون مناقضا لنص الكتاب أو السنة المتواترة أو الإجماع القطعي. ومنها: أن يكون فيما يلزم المكلفين عمله وقطع العذر فيه فينفرد به واحد، وفي تقييده السنة المتواترة، احتراز من غير المتواترة فقد أخطأ من حكم بالوضع بمجرد مخالفة السنة مطلقا وأكثر من ذلك الجوزقاني في (كتاب الأباطيل) له. وهذا لا يأتي إلا حيث لا يمكن الجمع بوجه من الوجوه/ (?166/ب) أما مع إمكان الجمع، فلا كما زعم بعضهم أن الحديث الذي رواه الترمذي1 وحسنه من حديث أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: "لا يؤمن عبد قوما فيخص نفسه بدعوة دونهم فإن فعل فقد خانهم" موضوع؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه أنه كان يقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب" وغير ذلك/ (ب340) ، لأنا نقول يمكن حمله على ما لم يشرع للمصلي من الأدعية؛ لأن الإمام والمأموم يشتركان فيه بخلاف ما لم يؤثر. وكما زعم ابن حبان في صحيحه2 أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إني لست كأحدكم إني أطعم وأسقى" دل على أن الأخبار التي فيها أنه كان يضع الحجر على بطنه من الجوع باطلة.
وقد رد عليه ذلك الحافظ ضياء الدين فشفى وكفى. ومنها ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي أن الخبر إذا روي في زمان قد استقرت فيه الأخبار، فإذا فتش عنه فلم يوجد في/ (ر157/أ) بطون الكتب، ولا في صدور الرجال علم بطلانه. وأما في عصر الصحابة رضي الله عنهم حين لم تكن الأخبار استقرت فإنه يجوز أن يروي أحدهم ما لا يوجد عند غيره1. قال العلائي: "وهذا إنما يقوم به (أي بالتفتيش عليه) الحافظ الكبير الذي قد أحاط حفظه بجميع الحديث أو بمعظمه كالإمام أحمد وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومن بعدهم كالبخاري وأبي حاتم وأبي زرعة. ومن دونهم كالنسائي، ثم الدارقطني؛ لأن2 المأخذ3 الذي يحكم به4 غالبا على الحديث بأنه موضوع إنما هي الملكة النفسانية الناشئة عن جمع الطرق والاطلاع على غالب المروي في البلدان المتنائية بحيث يعرف بذلك ما هو من حديث الرواة مما ليس من حديثهم وأما من لم يصل إلى هذه المرتبة فكيف يقضي بعدم وجدانه للحديث بأنه موضوع، هذا ما يأباه تصرفهم5 6/ (?167/أ) فالله أعلم. 122- قوله (ص) : "ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين ... "7 إلخ.
قال شيخنا في شرح منظومته1: "عنى ابن الصلاح بذلك أبا الفرج ابن الجوزي". وقال العلائي: "دخلت على ابن الجوزي الآفة من التوسع في الحكم بالوضع لأن مستنده2 في غالب ذلك بضعف3 راويه". قلت: وقد يعتمد على غيره من الأئمة في الحكم على بعض الأحاديث بتفرد بعض الرواة الساقطين بها، ويكون كلامهم محمولا على قيد أن تفرده إنما هو من ذلك الوجه، ويكون المتن قد روي من وجه آخر لم يطلع هو عليه أو لم يستحضره حالة التصنيف4، فدخل عليه الدخيل من هذه الجهة وغيرها. فذكر في كتابه الحديث المنكر والضعيف الذي/ (ر157/ب) يحتمل في الترغيب والترهيب وقليل من الأحاديث الحسان. كحديث صلاة التسبيح5.
وكحديث قراءة أية الكرسي دبر الصلاة، فإنه صحيح رواه النسائي1 وصححه ابن حبان وليس في كتاب ابن الجوزي من هذا الضرب سوى أحاديث قليلة جدا.
وأما من مطلق الضعف فيفه كثير من الأحاديث. نعم أكثر الكتاب موضوع وقد أفردت لذلك تصنيفا أشير إلى مقاصده. فمما فيه من الأحاديث الصحيحة أو الحسنة حديث صلاة التسبيح وقراءة آية الكرسي كما تقدم وحديث ... 1. ولابن/ (?167/ب) الجوزي كتاب آخر أسماه (العلل المتناهية) 2 في الأحاديث الواهية أوردة فيه كثيرا من الأحاديث الموضوعة. كما أورد في كتابه الموضوعات كثيرا من الأحاديث الواهية. وفاته من كل النوعين قدر ما كتب في كل منها أو كثيرا والله الموفق. [أصناف الوضاعين الزنادقة:] 123- قوله (ص) : "والواضعون للحديث أصناف"3. قلت لم يبن ذلك وسائقهم إلى ذلك والهاجم عليه منهم.
أولا: الزنادقة1 حملهم على وضعها الاستخفاف بالدين كمحمد بن سعيد المصلوب2، والحارث الكذاب3 الذي ادعى النبوة، والمغيرة بن سعيد الكوفي4 وغيرهم. حتى قال حماد بن زيد: "وضعت الزنادقة على النبي - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر ألف حديث" رواه العقيلي5. من بلايا محمد بن سعيد الدالة على زندقته روايته: "أنا خاتم النبيين لا نبي بعدي إلا أن يشاء الله"6. [أصحاب الأهواء:] الصنف الثاني: أصحاب الأهواء كالخوارج والروافض ومن عمل بعملهم من متعصبي المذاهب كما روى ابن أبي حاتم في مقدمة كتابه الجرح والتعديل7
عن شيخ من الخوارج أنه كان يقول بعدما تاب: "انظروا عمن تأخذون دينكم، فإنا كنا إذا هوينا أمرا صيرناه حديثا". ومن خفي ذلك ما حكاه ابن عدي1 أن محمد بن شجاع الثلجي2 كان يضع الأحاديث التي ظاهرها التجسيم وينسبها إلى أهل الحديث بقصد الشناعة عليهم لما بينه وبينهم من العداوة المذهبية. وقال أبو العباس القرطبي صاحب المفهم: "استجاز بعض فقهاء أصحاب الرأي نسبة الحكم الذي القياس إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نسبة قولية. فيقول في ذلك قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا، ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة، لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ولأنهم ل يقيمون لها سندا." [من رق دينه:] الصنف الثالث: من حمله الشره ومحبة الظهور على الوضع من رق دينه من المحدثين فيجعل/ (هـ168/أ) بعضهم للحديث3 الضعيف إسنادا صحيحا مشهورا كمن يدعي سماع من لم يسمع. وهذا داخل في قسم المقلوب. [من حمله التدين الناشئ عن الجهل:] الصنف الرابع/ (ر158/ب) : من حمله التدين الناشئ/ عن الجهل وقد ذكره المصنف وتعلقوا4 بشبه5 باطلة.
الشبهة الأولى: أن الحديث الوارد في وعيد من كذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما ورد في رجل معين ذهب إلى قوم وادعى أنه رسول1 رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إليهم2 يحكم في دمائهم وأموالهم، فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فأمر بقتله3 وقال هذا الحديث. والجواب عن هذه الشبهة أن السبب المذكور لم يثبت إسناده، ولو ثبت لم يكن لهم فيه متمسك؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. الشبهة الثانية: أن هذا الحديث في حق من كذب على نبينا يقصد به عيبه أو شين الإسلام. وتعلقوا لذلك بما روي عن أبي أمامة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده بين عيني جهنم" قال: فشق ذلك على أصحابه رضي الله عنهم حتى عرف في وجوههم، وقالوا يا رسول الله قلت هذا ونحن نسمع منك الحديث فنزيد وننقص ونقدم ونؤخر فقال - صلى
الله عليه وسلم -: "لم أعن ذلك، ولكن عنيت من كذب علي يريد عيبي وشين الإسلام" 1. قال الحاكم: "هذا الحديث باطل وفي إسناده محمد بن الفضل بن عطية2 اتفقوا على تكذيبه وقال صالح جزرة: "كان يضع الحديث"3. وقد تجاسر أبو جعفر محمد بن عبد الله الفاتني السلمي فزعم أنه رأى مناما طويلا ساقه في نحو من كراس وفيه قلت: "يا رسول الله فهذه الأخبار التي وضعوها عليك قال: "من تعمد علي كذبا يريد به إصلاحا لأمتي أو فع لهم درجة في الآخرة، فأنا أرحم الخلق به فلا أخاصمه وأشفع له والله أرحم مني, ومن قصد بذلك الكذب وإفساد أمتي وإبطال حقهم, فأنا خصمه ولا أشفع له" انتهى. وهو كلام في غاية السقوط, إنما أوردته لئلا يغتر به لأنني رأيته في كلام العلامة مغلطاي أورده وقال ينظر فيه. الشبهة الثالثة: قال الكرامية أو من قال منهم: "إذا كان الكذب في الترغيب والترهيب، فهو كذب للنبي - صلى الله عليه وسلم - لا عليه". وهو4 جهل منهم باللسان، لأنه كذب عليه في وضع الأحكام فإن
المندوب قسم منها، وتضمن ذلك الإخبار عن الله تعالى في الوعد على ذلك العمل بذلك الثواب. الشبهة الرابعة: قالوا: ورد في بعض الطرق من حديث ابن مسعود1 والبراء بن عازب2 وغيرهما3 - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم -قال: "من كذب علي متعمدا ليضل الناس فليتبوأ مقعده من النار". قالوا: فلتحمل الروايات المطلقة على الروايات المقيدة كما تعين حمل الروايات المطلقة على المقيدة بالتعمد. والجواب أن قوله: "ليضل الناس". اتفق أئمة الحديث على أنها زيادة ضعيفة. وأقوى طرقها ما رواه الحاكم4 وضعفه من طريق يونس بن بكير5 عن الأعمش عن طلحة بن مصرف6، عن عمرو بن شرحبيل7، عن ابن مسعود8 - رضي الله عنه -.
قال: "وهم يونس في موضعين". أحدهما: أنه أسقط بين طلحة وعمرو رجلا وهو أبو عمار. الثاني: أنه وصله بذكر ابن مسعود - رضي الله عنه - وإنما هو مرسل1. وعلى تقدير قبول هذه الزيادة، فلا تعلق بها لهم، ولأن لها وجهين صحيحين: أحدهما: أن اللام في قوله: "ليضل" ليست للتعليل، وإنما هي لام العاقبة كما في قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} 2 وهم لم يلتقطوه لقصد ذلك. وثانيهما: أن اللام للتأكيد ولا مفهوم لها كما في قوله عز وجل: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} 3. لأن افتراء الكذب على الله تعالى محرم مطلقا سواء قصد به الإضلال أو لم يقصده، والله تعالى أعلم. الصنف الخامس: أصحاب/ (?169/أ) الأغراض الدنيوية كالقصاص4 والسؤال في الطرقات وأصحاب الأمراء5 وأمثلة ذلك كثيرة. الصنف السادس: من لم يتعمد الوضع كمن يغلط فيضيف إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كلام بعض الصحابة رضي الله عنهم أو غيرهم كما أشار إليه المصنف6 في قصة ثابت بن موسى.
وكمن1 ابتلي بمن يدس في حديثه ما ليس منه كما وقع ذلك لحماد بن سلمة مع ربيبه2 وكما وقع لسفيان بن وكيع3 مع وراقه ولعبد الله بن صالح كاتب الليث مع جاره4 ولجماعة من الشيوخ المصريين في ذلك العصر مع خالد بن نجيح المدائني5. وكمن تدخل عليه آفة6 في حفظه أو في كتابه أو في نظره فيروي ما ليس في حديثه غالطا. قال العلائي: "فأشد7 الأصناف ضررا أهل الزهد كما قال ابن الصلاح8 وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -". وأما باقي9 الأصناف كالزنادقة، فالأمر فيهم أسهل لأن كون تلك
الأحاديث كذبا لا يخفى إلا على الأغبياء وكذا أهل الأهواء من الرافضة والمجسمة والقدرية في شد بدعهم. وأما أصحاب الأمراء والقصاص، فأمرهم أظهر؛ لأنهم في الغالب ليسوا من أهل الحديث1. قلت: وأخفى الأصناف القسم الأخير2 الذين لم يتعمدوا مع وصفهم بالصدق، فإن/ (ر159/أ) الضرر بهم شديد لدقة استخراج ذلك إلا من الأئمة النقاد - والله الموفق -. تنبيه: الكرامية - بتشديد الراء - نسبة إلى محمد بن كرام السجستاني3 وكان عابدا زاهدا إلا أنه خذل كما قال ابن حبان: "فالتقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها وصحب أحمد بن عبد الله الجويباري، فكان يضع له الحديث على وفق مذهبه"4. قال أبو العباس السراج: "شهدت محمد بن إسماعيل البخاري ودفع إليه كتاب من محمد بن كرام يسأله عن أحاديث منها: سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه رفعه: "الإيمان يزيد ولا ينقص"5.
قال فكتب على ظهر كتابه: "من حدث بهذا استوجب الضرب/ (?169/ب) الشديد والحبس الطويل". وقد ذكر الحاكم لمحمد بن كرام ترجمة جيدة وذكر أن ابن خزيمة اجتمع به غير مرة وكان يثني عليه. وكرام المشهور - بتشديد الراء - ضبطه الخطيب وابن ماكولا وابن السمعاني وأبى ذلك متكلم الكرامية أبو عبد الله محمد بن الهيصم في كتابه (مناقب محمد بن كرام) فقال: "المعروف في ألسنة المشايخ كرام بالفتح والتخفيف". وزعم أنه بمعنى كرامة أو كريم، قال: "ويقال بكسر الكاف على لفظ جمع كريم" قال: "وهو الجاري على ألسنة أهل سجستان"1. قلت: وفي ذلك يقول أبو الفتح البستي2 فيما أنشده الثعالبي3 عنه وكذا أنشده عنه العتبي4 في كتاب اليميني5:
إن الذين بجهلهم لم يقتدوا ... بمحمد بن كرام غير كرام الفقه فقه أبي حنيفة وحده ... والدين دين محمد بن كرام وحكى الصلاح الصفدي1 في ترجمة العلامة صدر الدين/ (ر160/ب) بن الوكيل2 عن قاضي القضاة تقي/ (ب347) الدين السبكي أن ابن الوكيل قال: محمد بن كرام بالتخفيف وأنكر ذلك سعد الدين الحارثي وقال: إنما هو بالتثقيل، فاستشهد ابن الوكيل على صحة قوله بالبيت الثاني المذكور، قال: فاتهموه بأنه ارتجله في الحال لاقتداره على النظم، ثم تبين بعد مدة طويلة أن الأمر بخلاف ذلك وأنه صادق فيما نقله3. فقرأت بخط تاج الدين السبكي4 قال: قرأت بخط ابن الصلاح أن أبا الفتح البستي الشاعر قال في ابن كرام فذكر الشعر - أيضا - والله أعلم -. 57- قوله (ع) 5: "وقال ابن عدي6 لا يعرف إلا بثابت7 بن موسى
(وسرقه جماعة منهم من الضعفاء عبد الحميد بن بحر) 1 وعبد الله بن شبرمة الشريكي"2. انتهى. اعترض بعض المعاصرين ممن تكلم على ابن الصلاح - على كلام شيخنا هذا بأن عبد الله بن شبرمة الكوفي الفقيه - رواه عن شريك - أيضا - فيما رواه أبو نعيم في تأريخه3 قال: ثنا أبو عمرو عثمان بن محمد ثنا محمد بن عبد السلام، ثنا عبد الله بن شبرمة الكوفي قال: ثنا شريك به". قال هذا المتأخر: "عبد الله بن شبرمة هو الفقيه الكوفي أحد الأعلام احتج به مسلم". قلت4: وأخطأ هذا المتأخر خطأ فاحشا لا مستند له فيه ولا عذر لأن (?170/أ) عبد الله بن شبرمة المذكور - هو الشريكي وهو كوفي أيضا وأما الفقيه فإنه قديم على هذه الطبقة ولا يمكن أن يكون بين أبي نعيم وبينه أقل من ثلاثة رجال. وقد وقع بينه وبين الشريكي هنا رجلان فقط مع التصريح بالتحديث فظهرت صحة كلام ابن عدي وسقط الاعتراض على شيخنا بحمد الله تعالى. 124- قوله (ص) : "بحث باحث عن مخرجه حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه"5.
أبهم المصنف الباحث المذكور اختصارا، وقد ذكره الخطيب1 من طريق (ب348) مؤمل بن إسماعيل قال: حدثني شيخ بحديث أبي بن كعب الطويل في فضائل القرآن، فقلت له من حدثك، فقال: حدثني رجل بالمدائن وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك فقال: حدثني شيخ بواسط وهو حي فصرت إليه، فقال حدثني شيخ بالبصرة وهو حي فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بعبادان فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة ومعهم شيخ، فقال هذا الشيخ حدثني، فقلت: يا شيخ من حدثك؟ قال: لم يحدثني أحد ولكنا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن فوضعنا لهم هذا الحديث، ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن. 125- قوله (ص) 2: "ولقد أخطأ الواحدي3 المفسر ومن ذكره من المفسرين في إيداعه تفاسيرهم". انتهى. قال شيخنا في شرح منظومته4: "لكن من أبرز إسناده من المفسرين أعذر ممن حذف إسناده لأن ذاكر5 إسناده يحيل ناظره على6 الكشف عن سنده وأما من لم يذكر سنده وأورده بصيغة الجزم فخطؤه أشد كالزمخشري7، - والله أعلم -.
قلت: والاكتفاء بالحوالة على النظر في الإسناد طريقة1 معروفة لكثير من المحدثين وعليها يحمل ما صدر من كثير منهم من/ (?170/ب) إيراد الأحاديث الساقطة معرضين عن بيانها صريحا وقد وقع هذا لجماعة من كبار الأئمة، وكان/ (ر161/ب) ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان، - والله أعلم -.
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب
النوع الثاني والعشرون: معرفة المقلوب 126- قوله (ص) : "هو نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع"1. أقول: هذا تعريف بالمثال. وحقيقته2: إبدال من يعرف برواية بغيره3. فيدخل فيه إبدال راو أو أكثر من راو حتى الإسناد/ (ب349) كله. وقد يقع ذلك عمدا إما بقصد الإغراب أو لقصد الإمتحان. وقد يقع وهما فأقسامه4 ثلاثة: وهي كلها في الإسناد وقد يقع نظيرها في المتن، وقد يقع فيهما جميعا. فممن5 كان يفعل ذلك عمدا لقصد الإغراب على سبيل الكذب: حماد بن عمرو النصيبي6 وهو من المذكورين بالوضع.
من ذلك روايته عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا لقيتم المشركين في طريق، فلا تبداهم بالسلام ... " الحديث فإن هذا الحديث قال العقيلي1: "لا يعرف من حديث الأعمش وإنما يعرف من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه". قلت: كذلك أخرجه مسلم2 وغيره. فجعل حماد بن عمرو الأعمش موضع سهيل3 ليغرب به. هذا في الإسناد. وأما في المتن فكمن يعمد إلى نسخة مشهورة بإسناد واحد فيزيد فيها متنا أو متونا ليست فيها. كنسخة معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه - (وقد زاد فيها) 4.
وكنسخة مالك، عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما زاد فيها جماعة عدة أحاديث ليست منها. منها القوي والسقيم، وقد ذكر جلها الدارقطني في غرائب مالك. وممن كان يفعل ذلك لقصد الامتحان كان شعبة يفعله كثيرا لقصد اختبار حفظ الراوي، فإن أطاعه على القلب عرف أنه غير حافظ وإن خالفه عرف أنه ضابط. وقد أنكر بعضهم على شعبة/ (171/أ) ذلك لما يترتب عليه من تغليط من يمتحنه1. فقد يستمر على روايته لظنه أنه صواب، وقد يسمعه من لا خبرة له فيرويه ظنا منه أنه صواب، لكن مصلحته أكثر من مفسدته. [اختبار ابن معين لأبي نعيم:] وممن فعل ذلك يحيى بن معين مع أبي نعيم الفضل بن2 دكين بحضرة أحمد بن حنبل. وروى الخطيب3 من طريق أحمد بن منصور الرمادي4 قال: "خرجت مع أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلى عبد الرزاق، فلما عدنا إلى الكوفة، قال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل: أريد أن أمتحن أبا نعيم فنهاه أحمد، فلم ينته، فأخذ ورقة5 فكتب فيها ثلاثين حديثا من حديث أبي نعيم،
وجعل على (رأس كل) 1 عشرة أحاديث حديثا ليس من حديثه، ثم أتينا أبا نعيم فخرج إلينا فجلس على دكان حذاء بابه وأقعد أحمد عن يمينه ويحيى عن يساره وجلست أسفل، فقرأ عليه يحيى عشرة أحاديث وهو ساكت ثم الحادي عشر، فقال أبو نعيم: "ليس هذا من حديثي فاضرب عليه"، ثم قرأ العشرة الثانية وقرأ الحديث الثاني، فقال: "هذا أيضا ليس من حديثي فاضرب عليه"، ثم قرأ العشرة الثالثة وقرأ الحديث الثالث2، فتغير أبو نعيم، ثم قبض على ذراع أحمد فقال: "أما هذا فورعه يمنعه عن هذا". "وأما هذا" وأومأ إليَّ "فأصغر من أن يعمل هذا/ (ر162/ب) ولكن هذا من عملك يا فاعل" ثم أخرج رجله فرفس يحيى بن معين وقلبه عن الدكان وقام فدخل داره، فقال له أحمد: "ألم أنهك؟ وأقل لك أنه ثبت؟ " فقال له يحيى: هذه الرفسة أحب إلي من سفري. ومن ذلك ما فعله أصحاب الحديث مع البخاري وقد أشار إليه المصنف3 مختصرا فأحببت إيراد القصة على وجهها، وقد رويناها في "مشايخ البخاري" لابن عدي وفي التاريخ4 للخطيب في غير موضع أخبرني بها الحافظ أبو الفضل بن الحسين رحمه الله قال: "أخبرني محمد بن محمد5 قال: أنا أبو الفرج الحراني6/ أنا أبو الفرج ابن الجوزي ح وأخبرني/ الحافظ أبو الفضل
- أيضا - قال: أخبرني محمد بن إبراهيم1 أنا يوسف بن يعقوب الشيباني2 كتابة واللفظ له. ح وقرأت على أحمد بن عمر اللؤلؤي عن الحافظ أبي الحجاج المزي3 قال: أنا الشناني4 قال: أنا أبو اليمن الكندي قال: أنا أبو منصور القراد قال: أنا الحافظ أبو بكر الخطيب ح وأنا غالب5 بن محمد النيسابوري بمكة إجازة عن أبي أحمد الطبري قال: إن علي بن الحسين كتب إليهم أنا الفضل بن سهل إجازة عن الخطيب حدثني محمد بن أبي الحسن الساحلي أنا أحمد بن الحسن الرازي6 قال سمعت أبا أحمد ابن عدي7 يقول: "سمعت عدة مشايخ يحكون أن محمد بن إسماعيل البخاري قدم بغداد فسمع به أصحاب الحديث، فاجتمعوا وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر وإسناد هذا المتن لمتن آخر ودفعوها إلى عشرة أنفس إلى كل رجل عشرة
أحاديث وأمروهم إذا حضروا المجلس يلقون1 ذلك البخاري، وأخذوا الموعد للمجلس، فحضر المجلس جماعة أصحاب الحديث من الغرباء من أهل خرسان وغيرهم من البغداديين، فلما اطمأن المجلس بأهله انتدب إليه رجل من العشرة فسأله عن حديث من تلك الأحاديث فقال البخاري: "لا أعرفه"، فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه" فما زال يلقي عليه واحدا بعد واحد حتى فرغ من عشرته والبخاري يقول لا أعرفه، فكان الفقهاء ممن حضر المجلس يلتفت بعضهم إلى بعض ويقولون: "فهم الرجل". ومن منهم غير ذلك يقضي على البخاري بالعجز والتقصير وقلة الحفظ، ثم انتدب إليه رجل آخر من العشرة، فسأله عن حديث من تلك الأحاديث المقلوبة، فقال البخاري: لا أعرفه. فسأله عن آخر/ (ب352) ، فقال: "لا أعرفه"، (فسأله عن آخر فقال: "لا أعرفه") 2 فلم يزل يلقي عليه واحدا بعد/ (?172/أ) واحد فلما فرغ من عشرته والبخاري يقول: "لا أعرفه" ثم انتدب إليه الثالث والرابع إلى تمام العشرة حتى فرغوا كلهم من الأحاديث المقلوبة والبخاري لا يزيدهم على "لا أعرفه". فلما علم البخاري أنهم قد فرغوا التفت إلى الأول منهم فقال: "أما حديثك الأول فهو كذا وحديثك الثاني فهو كذا والثالث والرابع على الولاء حتى أتى على تمام العشرة، فرد كل متن إلى إسناده وكل إسناد إلى متنه وفعل بالآخرين مثل ذلك رد متون الأحاديث كلها إلى أسانيدها وأسانيدها إلى متونها فأقر الناس له بالحفظ وأذعنوا له بالفضل. سمعت شيخنا غير مرة يقول: ما العجب من معرفة البخاري بالخطأ من الصواب في الأحاديث لاتساع معرفته.
وإنما يتعجب منه في هذا لكونه حفظ موالاة الأحاديث على الخطأ من مرة واحدة. قلت: وممن كان معروفا بمعرفة ذلك يحيى بن معين، قال العجلي1: ما خلق الله أحدا كان أعرف بالحديث من يحيى أحد2 كان يؤتى بالأحاديث قد خلطت وقلبت فيقول: هذا كذا وهذا كذا كما قال. وممن امتحنه تلاميذه3 الحافظ الجليل أبو جعفر محمد بن عمرو العقيلي4. فقرأت في كتاب الصلة لمسلمة بن قاسم الأندلسي5 قال6:
ووقع/ (هـ172/ب) ذلك لمحمد بن عجلان روينا في المحدث الفاصل لأبي محمد الرامهرمزي1 قال حدثنا عبد الله بن القاسم بن نصر ثنا خلف بن سالم2 حدثني يحيى بن سعيد القطان: قدمت الكوفة وبها ابن عجلان وبها3 ممن يطلب الحديث مليح بن الجراح أخو وكيع وحفص بن غياث ويوسف بن خالد السمتي4، فقلنا5 نأتي ابن عجلان، فقال يوسف السمتي: هل نقلب عليه حديثه حتى ننظر فهمه قال: ففعلوا فما كان عن سعيد جعلوم عن أبيه وما كان عن أبيه جعلوه عن سغيد قال يحيى فقلت لهم: لا أستحل هذا، فدخلوا عليه فأعطوه الجزء فمر/ (ر163/أ) فيه فلما كان عند آخر الكتاب انتبه الشيخ، فقال: أعد فعرض ليه، فقال: "ما كان عن أبي فهو عن سعيد وما كان عن سعيد فهو عن أبي ثم أقبل على يوسف فقال: إن كنت أردت شيني6 وعيبي، فسلبك الله الإسلام وقال لحفص ابتلاك الله في دينك ودنياك".
وقال لمليح: "لا نفعك الله بعلمك". قال يحيى: "فمات مليح قبل أن ينتفع بعلمه، وابتلي حفص في بدنه بالفالج وفي دينه بالقضاء ولم يمت يوسف حتى اتهم بالزندقة"1. وأما2 من وقع منه القلب على سبيل الوهم فجماعة يوجد بيان ما وقع لهم من ذلك في الكتب المصنفة في العلل. وقد ذكر ابن الصلاح3 منه حديث جرير بن حازم4، عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - وهو من مقلوب افسناد. ووقع لجرير هذا - أيضا - عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - حديث انقلب عليه متنه وهو ما ذكره الترمذي5 من طريقه عن ثابت
عن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يكلم1 بالحاجة إذا نزل عن المنبر". قال الترمذي: "لا نعرفه إلا من حديث/ (ب345) جرير وسألت محمدا عنه فقال: "وهم جرير في هذا الحديث". والصحيح ما روي عن ثابت عن أنس - رضي الله عنه - قال: "أقيمت الصلاة فأخذ رجل بيد النبي - صلى الله عليه وسلم - فما/ (?173/أ) زال يكلمه حتى نعس بعض القوم"2. قال محمد: "والحديث3 هو هذا وجرير بن حازم ربما يهم في الشيء"4. تنبيه: حديث حجاج بن أبي عثمان الذي ذكره المصنف أخرجه مسلم5 والنسائي6 من طريقه7، وما حكاه عن إسحاق بن عيسى رواه الخطيب في الكفاية بسنده إليه، ورواه أيضا أبو داود في كتاب المراسيل. عن أحمد بن صالح عن يحيى عن حماد بن زيد به.
تنبيه آخر: 127- قول ابن الصلاح عند1 ذكر هذا المثال: "ويصلح مثالا للمعلل"2. لا يخص هذا بهذا المثال، بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللا أو شاذا؛ لأنه إنما يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار3 بعضها ببعض ومعرفة من يوافق ممن يخالف فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ والله أعلم. ومن أمثلته في الإسناد ما رواه ابن حبان في صحيحه4 من طريق مصعب بن المقدام5 عن سفيان الثوري عن أبي الزبير عن جابر - رضي الله عنه - قال: "نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يمس الرجل ذكره بيمينه". قال أبو حاتم في العلل6: "هذا وهم فيه مصعب، وإنما حدث به الثوري عن هشام عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه.
ومنها ما رواه1 من طريق يعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن منصور عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما: "قال ساق رسول - صلى الله عليه وسلم - مائة بدنة فيها جمل لأبي جهل". قال ابن أبي حاتم2: "سألت أبا زرعة عنه فقال: هذا خطأ إنما هو الثوري عن ابن أبي ليلى3 عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما فالخطأ فيه من يعلى بن عبيد". فإن قيل: إذا كان الراوي ثقة فلم لا يجوز أن يكون للحديث إسنادان عند شيخه حدث بأحدهما (مرويا وبالآخر مرارا) 4؟ قلنا هذا التجويز لا ننكره؛ لكن مبنى هذا العلم على غلبة الظن
وللحفاظ طريق معروفة في الرجوع في مثل هذا وإنما/ (هـ173/ب) يعول1 في/ (ر164/أ) ذلك منهم2 على النقاد المطلعين3 منهم كما مضى ويأتي ولهذا كان كثير منهم يرجعون عن الغلط إذا نبهوا عليه كما رويناه في تاريخ عباس بن محمد الدوري4 عن يحيى بن معين قال: حضرت مجلس نعيم بن حماد5 بمصر، فجعل يقرأ كتابا من تصنيفه، قال فقرأ ساعة، ثم قال: ثنا ابن المبارك عن ابن عون، فذكر أحاديث، فقلت له: "ليس هذا عن ابن المبارك فغضب وقال: ترد علي؟ " قلت: "نعم أريد زينك، فأبى أن يرجع". فقلت: "والله ما سمعت أنت هذه الأحاديث من ابن المبارك من6 ابن عون"، فغضب هو وكل من كان عنده، وقام فدخل البيت فأخرج صحائف، فجعل يقول: "نعم يا مبارك ما غلطت"7 وكانت هذه الصحائف يعني مجموعة، فغلطت، فجعلت أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون وإنما رواها لي عن ابن عون غير ابن المبارك. قال فرجع عنها8. وكما روينا في ترجمة البخاري تصنيف وراقه محمد بن أبي حاتم أنه سمعه يقول:
"خرجت من الكتاب ولي عشر سنين فجعلت أختلف إلى الداخلي يعن فقال يوما وهو يقرأ للناس: سفيان عن أبي الزبير [عن إبراهيم] 1 فقلت له/ (ب356) : يا أبا فلان إن أبا الزبير لم يروه عن إبراهيم فانتهرني، فقلت له: ارجع إلى الأصل إن كان عندك. فدخل ونظر فيه، ثم خرج فقال لي: "كيف قلت يا غلام فقلت: هم الزبير بن عدي عن إبراهيم". فقال: "صدقت وأخذ القلم مني فأحكم كتابه"2 قال: "وكان للبخاري يومئذ إحدى عشرة سنة". ومن أمثلته في المتن ما رواه الحاكم3 من طريق محمد بن محمد بن حبان، عن أبي الوليد4 عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: "ما عاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاما قط/ (ر164/ب) ... " الحديث. قال الحاكم: "انقلب على ابن حبان، وإنما روى أبو الوليد بهذا الإسناد حديث: "ما ضرب النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده"5.
ومما وقع فيه قلب في المتن دون الإسناد ما رواه/ (هـ173/أ) أبو داود1 في السنن من حديث أبي عثمان عن بلال - رضي الله عنه - أنه قال: "يا رسول الله لا تسبقني بآمين". فإن الحاكم رواه في مستدركه2 من هذا الوجه بلفظ: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسبقني بآمين". والمحفوظ الأول. وذكر شيخنا شيخ الإسلام في محاسن الاصطلاح3 له، من أمثلته ما رواه ابن خزيمة4 من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
"إن ابن أم مكتوم يؤذن بليل، فكلوا واشربوا حتى يؤذن بلال". وكان بلال لا يؤذن حتى يرى الفجر. قال شيخنا: هذا مقلوب والصحيح من حديث عائشة رضي الله عنها: "أن بلالا - رضي الله عنه - يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم، وكان رجلا أعمى لا ينادي حتى يقال له: أصبحت أصبحت"1. قال شيخنا: وما تأوله ابن خزيمة من أنه يجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الأذان نوبا بين بلال وابن/ (ب357) أم مكتوم2 رضي الله عنهما بعيد وأبعد منه جزم ابن حبان بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك3. قلت: وهذا الحديث بالسياق الأول أخرجه ابن خزيمة من طريق4. وله طريق أخرى أخرجها أحمد في مسنده5 وابن خزيمة6 - أيضا -
وابن حبان من طريق1. خبيب بن2 عبد الرحمن عن عمته أنيسة3 رضي الله عنها قالت: قال رسول الله/ (ر165/أ) - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أذن ابن أم مكتوم، فكلوا واشربوا، وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا "، فإن كانت المرأة منا ليبقى عليها4 شيء من سحورها، فتقول لبلال: أمهل حتى أفرغ من سحوري5. قال ابن الجوزي في جامع المسانيد: "كأن هذا مقلوب". قلت: ورواة شعبة6 عن خبيب بن عبد الرحمن على الشك قال: عن أنيسة أن ابن مكتوم أو بلال7.
وإذا كان شعبة أتقن - وهو من غيره - حفظ عن خبيب فيه الشك فذاك دليل على أن خبيبا لم يضبطه، فلا يحتاج إلى تكلف الجمع الذي جمعه ابن خزيمة، ثم هجم1 ابن حبان فجزم به، والله الموفق للصواب. ومن هذا الباب ما رواه البزار2 من طريق ابن عيينة، عن سالم أبي النضر3، عن بسر بن سعيد قال: "أرسلني أبو جهيم4 إلى زيد بن خالد5 أسأله عن المار بين يدي المصلي".
فإن الحديث في الصحيحين1 وغيرهما2 من طريق مالك عن أبي النضر بلفظ: "أرسلني زيد بن خالد إلى أبي جهيم". ومنها ما وقع في الصحيح3 من رواية يحيى بن سعيد، عن هشام عن محمد، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - في السبعة الذين يظلهم الله في عرشه.. فذكر منهم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله". كذا رواه، والمحفوظ من طرق أخرى في الصحيح4 "حتى لا تعلم شماله ما تنفق (ب358) يمينه".
فاليمين آلة الإنفاق لا الشمال، لكن حمل بعضهم هذا على ما إذا كان الإنفاق باليمين مستلزما إظهار الصدقة، والإنفاق بالشمال يستلزم إخفاءها، فإن الإنفاق بالشمال والحالة هذه يكون أفضل من الإنفاق باليمين. ومن ذلك ما وقع في صحيح ابن/ (ر165/ب) حبان1. "مستقبل الكعبة مستدبر الشام". ومن ذلك ما روى مسلم في صحيحه2 قال: ثنا محمد بن عبد الله بن نمير3 ثنا أبي ووكيع عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله - رضي الله عنه - قال [وكيع] 4 قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقال ابن نمير في حديثه سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
"من مات يشرك بالله شيئا دخل النار". وقلت أنا: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة". فرواه أبو عوانة في صحيحه1 المستخرج على مسلم قال: حدثنا علي بن حرب2 ثنا وكيع وأبو معاوية3 عن الأعمش بهذا الإسناد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة"، وقلت أنا: "من مات يشرك بالله شيئا دخل/ (هـ175/أ) النار". قال أبو عوانة: "لفظ أبي معاوية". وهذا مقلوب، فإن الحديث في "صحيح البخاري"4 من طريق حفص بن غياث وأبي حمزة السكري5، وكذا رواه النسائي6 من طريق شعبة وابن خزيمة7 أيضا من حديث ابن نمير كلهم عن الأعمش، وأخرجه ابن خزيمة8 أيضا عن سلم بن جنادة9 وأبي موسى محمد بن المثنى كلاهما عن أبي معاوية كما ساق أبو عوانة. قال ابن خزيمة:
"قلبه أبو معاوية والصواب حديث شعبة". قلت: وقد رواه ابن خزيمة1 وابن حبان من طريقين آخرين غير طريق الأعمش. وأما ابن خزيمة فمن طريق/ (ب359) سيار أبي الحكم2. وأما ابن حبان3 فمن طريق المغيرة بن مقسم4 كلاهما عن أبي وائل شقيق بن سلمة وهو الصواب5. ومثال ما وقع في القلب في الإسناد والمتن معا. ما رواه الحاكم6 من طريق المنذر بن عبد الله الحزامي7، عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشون، عن عبد الله بن/ (ر166/أ) دينار، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا افتتح الصلاة قال: "سبحانك اللهم وبحمدك تبارك اسمك ... " الحديث.
قال الحاكم1: "وهم فيه المنذر، والصحيح ما رواه الجماعة عن عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الله بن الفضل عن الأعرج، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن علي - رضي الله تعالى عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم -كان إذا افتتح الصلاة قال: "وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض.." 2 الحديث. قلت: وهو في صحيح مسلم3 وغيره4 من هذا الوجه على الصواب. فهذه أمثلة أقسام المقلوب، فقد أتيت على شرحها بحمد الله تعالى، والله الموفق. 128- قوله (ص) : "قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة"5.
قلت: يشير بذلك على قوله في آخر الكلام على نوع الضعيف: "والذي له لقب خاص.. من ذلك الموضوع والمقلوب ... في أنواع سيأتي عليها الشرح"1. وإذا كان كذلك، فلا يعترض عليه بأن بعض الأنواع التي أوردها من بعد نوع الضعيف وهلم جرا/ (?175/ب) فيها ما لا يستلزم الضعف، لأنا نقول إنما قال المصنف: إنه يشرح أنواع الضعيف وهو قد فعل ولم يقل: إنه لا يشرح إلا الأنواع الضعيفة حتى يعترض عليه بمثل المسند والمتصل وما أشبه ذلك مما لا يستلزم الضعف. 129- قوله (ص) : "إذا رأيت حديثا بإسناد ضعيف/ (ب360) فلك أن تقول: هذا ضعيف، وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف، وليس لك أن تعني به ضعف المتن بناء على مجرد ذلك الإسناد" إلى آخره. قلت: إذا بلغ الحافظ المتأهل الجهد وبذل الوسع في التفتيش على ذلك المتن من مظانه، فلم يجده إلا من تلك الطريق الضعيفة، فما المانع له من الحكم بالضعف بناء على غلبة ظنه، وكذلك إذا وجد كلام إمام من أئمة الحديث قد جزم بأن فلانا تفرد به، وعرف المتأخر أن فلانا المذكور قد ضعف بتضعيف قادح، فما الذي يمنعه من الحكم بالضعف، والظاهر أن المصنف مشى على أصله في تعذر استقلال المتأخرين بالحكم على الحديث بما يليق به والحق خلافه كما قدمناه. وقول المصنف: "فإن أطلق ولم يفسر ففيه كلام يأتي". يعني به النوع الذي يليه في آخر الفائدة الثالثة منه. قوله: "يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد ورواية ما سوى الموضوع ... "2 إلى أن قال:
"وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك عبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وغيرهما"1. قلت: لفظ أحمد في ذلك ما رواه الميموني عنه أنه قال: "الأحاديث الرقائق تحتمل أن يتساهل فيها حتى يجيء شيء فيه حكم"2. وقال أبو الفضل العباس بن محمد الدوري: "سئل أحمد بن حنبل وهو على باب النضر بن هاشم بن القاسم فقيل له: يا أبا عبد الله! ما تقول في موسى بن عبيدة3 ومحمد بن إسحاق؟ فقال: "أما موسى بن عبيدة فلم يكن به بأس، ولكن حدث بأحاديث مناكير4 عن عبد الله بن دينار. وأما محمد بن إسحاق فرجل تكتب عنه هذه الأحاديث - يعني المغازي - ونحوها. فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوما5 هكذا وقبض أصابع يديه الأربع"6. قال ناسخ (ر) "هذا آخر ما وجد بخطه - رحمه الله -".
وافق الفراغ من رقم هذه النسخة عصر يوم الخميس لعله خامس وعشرين شهر شعبان أحد شهور سنة (1157) . وقال في الهامش موضحا قوله: "هذا آخر ما وجد بخطه": "أي الحافظ ابن حجر رحمه الله". ثم كتب في الهامش أيضا: "في الأم ما لفظه بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب من أصل المصنف، أهـ. وبلغ بحمد الله مقابلة على الأم المذكورة على يد مالكه الفقير إلى الله حامد بن حسن شاكر عفا الله عنهما آمين". ثم كتب أيضا: "بعناية مالكه الفقير إلى الله الفقيه الفاضل حامد بن حسن شاكر حماه الله تعالى وأفهمه معانيه". وقال ناسخ (هـ) : "هذا آخر ما وجد بخطه رحمه الله وافق الفراغ من نقله لآخر يوم الإثنين ثامن عشر شهر ربيع الآخر عام 1164 بمحروس مدينة صنعاء وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم". ثم كتب في الهامش "بلغ مقابلة على الأصل، والأصل قال فيها بلغ مقابلة على الأصل الذي كتب المصنف، كتبه عبد الرحيم بن شاه واد اللاهوري ثم المدني حامدا مصليا مسلما سنة 1071 ولله الحمد على منه وبلوغ تمامه". وفي آخر (ر/ب) "انتهى الموجود من النكات على النسخة المنقولة على الأم والله سبحانه وتعالى أعلم وأحكم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم" ولم يذكر اسم الناسخ ولا تاريخ النسخ.
مصادر ومراجع
مصادر ومراجع ... فهرس مراجع الكتاب ومراجع التحقيق (أ) المخطوطات: (أ) الأباطيل، لأبي عبد الله الحسين بن إبراهيم الجوزقاني. منه صورة بمكتبة الجامعة برقم 437. الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان، للأمير علاء الدين الفارسي (ت 739) منه صورة بمكتبة الحرم المكي. أحكام القرآن، للقاضي إسماعيل. الأحكام، لأبي علي الطوسي (ت312) مخطوط في مكتبة الظاهرية بدمشق. أدب المحدث، لعبد الغني بن سعيد (ت409) . الإرشاد، للخليلي الخليل بن عبد الله (ت446) . مصورة في الجامعة الإسلامية وفي مكتبة الصديق بمنى. إصلاح ابن الصلاح، لعلاء الدين مغلطاي (ت762) . الأطراف، لأبي مسعود الدمشقي (ت400) . يوجد منه الجزء الرابع في المكتبة الظاهرية حديث 372, الأفراد، للدارقطني علي بن عمر (ت385) . يوجد منه بعض الأجزاء بدار الكتب المصرية والمكتبة الظاهرية بدمشق. الاقتراح، لابن دقيق العيد محمد بن علي القشيري (ت702) . توجد منه صورة بمكتبة الصديق بمنى وطبع حديثا ببغداد.
إكمال المعلم، للقاضي عياض بن موسى اليحصبي (ت544) مخطوط بدار الكتب المصرية. الأمالي، لأبي جعفر محمد بن عمر النجيرمي، يوجد منه سبعة مجالس في المكتبة الظاهرية بدمشق. الأمالي، للضبي الحسين بن إسماعيل المحاملي (ت330) ، يوجد منه أجزاء بدار الكتب المصرية وفي الظاهرية. الإنصاف، لابن المرحل محمد بن عمر بن مكي صدر الدين (ت716) . الإمام شرح الإلمام، لابن دقيق العيد (702) . (ب) البرهان، لإمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله الجويني (ت478) ، بمكتبة الأزهر برقم (913) . بيان الوهم والإيهام، لابن القطان علي بن محمد الكتامي (ت628) مصور بمكتبة جامعة الملك عبد العزيز برقم (1110- 1113) . (ت) التاريخ، لابن أبي خيثمة أحمد بن زهير (ت279) مصور بجامعة الملك عبد العزيز برقم (477) . التاريخ، للحاكم أبي عبد الله (405) . التاريخ، لابن عساكر أبي القاسم علي بن الحسن بن هبة الدمشقي (ت571) مصور في مكتبة الصديق بمنى والجامعة الإسلامية بالمدينة. ترجمة البخاري، لوراق محمد بن أبي حاتم. تصنيف أبي الفضل بن عمار. التفرد، للإمام أبي داود سليمان بن الأشعث (ت275) . تفسير ابن مردويه، أحمد بن موسى الأصبهاني (ت410) . التقريب، لأبي بكر محمد بن الطيب الباقلاني (ت403) . تقريب المنهج وترتيب المدرج، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) . تقييد المهمل، لأبي علي الحسين بن محمد الجياني (ت498) ، توجد نسخة منه بمكتبة جامعة الرياض برقم (1321) ، ومصورة بمكتبة الحرم المكي.
تغليق التعليق، للحافظ ابن حجر العسقلاني منه مصورة بمكتبة الحرم المكي. التمييز، لأبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي. (ج) جامع المسانيد، لأبي الفرج ابن الجوزي (ت597) ، يوجد منه الجزء الأول بدار الكتب المصرية برقم (191) . جزء في غفران ما تقدم وتأخر، للحافظ عبد العظيم المنذري (ت656) . الجزء الذي ألفه أبو بكر البزار (ت292) في من يقبل ويترك. جزء البرديجي، أحمد بن هارون (ت301) في المرسل والمنقطع. جزء أبي بكر، محمد بن إبراهيم الصفار، لعله المراكشي (ت761) . جزء البرقاني، أبي بكر (ت425) في الرجال المتكلم فيهم. الجليس والأنيس، للمعافي النهرواني (ت390) . يوجد منه المجلس الخمسون في المكتبة الظاهرية عام رقم (4554) . الجمع بين الصحيحين، للحميدي محمد بن فتوح الأندلسي (ت488) ، مصور في مكتبة الصديق بمنى ويوجد منه 4 أجزاء في دار الكتب المصرية برقم (608) . جمان الدرر، لابن خليل الدمشقي مصورة عن نسخة بدار الكتب المصرية برقم (726) . الجواهر والدرر، لشمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت902) مصور عن مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (4768) . الخلعيات، لعلي بن الحسن الخلعي الموصلي (ت492) مصورة في مكتبة الصديق بمنى. الخلافيات، للإمام البيهقي (ت458) مصورة في مكتبة الصديق بمنى. (د-ذ) الدعاء، لأبي القاسم الطبراني (ت360) . الذكر، لأبي جعفر الفريابي. الذكر، لابن أبي الدنيا (ت2781) . (ر) الرواة عن مالك، للخطيب البغدادي. روايات الصحابة عن التابعين. (ز) الزهد، للإمام البيهقي (ت458) مصور في مكتبة الصديق بمنى وفي مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم (53) .
الزهريات، للإمام محمد بن يحيى الذهلي (ت258) . زيادات البر والصلة، لأبي الحسين بن الحسن المروزي. في المكتبة الظاهرية. مجمع (76) ومصور في مكتبة الصديق بمنى. (س- ش) سؤالات الحاكم أبي عبد الله للدارقطني. سراي أحمد الثالث. سؤالات أبي القاسم السهمي، مصور في الجامعة الإسلامية ضمن مجموع (56) . شرح البرهان، للأبياريعلي بن إسماعيل (ت616) . شرح البرهان، للمازري، أبي عد الله محمد بن مسلم (ت530) . شرح ابن بطال علي بن خلف (ت449) للبخاري. شرح الرسالة، لأبي بكر محمد بن عبد الله الصيرفي (ت330) . شرح الترمذي، لابن سيد الناس اليعمري (ت734) . مصور في مكتبة الصديق ومكتبة الجامعة. شرح البخاري، للحافظ مغلطاي علاء الدين (ت762) . (ص) الصلة، لمسلم بن قاسم القرطبي (ت353) . (ع) العباب للصاغاني. العجالة، لأبي بكر الحازمي (ت584) . في مكتبة الرباط (367) (انظر فهرس معهد المخطوطات ص286) . العدة، لأبي نصر ابن الصباغ (ت477) . العلل، لأبي بكر أحمد بن محمد الخلال (ت311) . العلل، للإمام الدارقطني (ت385) ، دار الكتب المصرية برقم (394) ، وعندي منه صورة.
العلم لابن أبي عاصم (ت287) . في جامعة الملك عبد العزيز منه صورة برقم (729) . علوم الحديث، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430) . علوم الحديث، لابن حبيش. غرائب مالك، للإمام الدارقطني (385) ، مصورة في مكتبة الصديق بمنى. (ف) فهرست ابن باشكوال، خلف بن عبد الملك (ت478) . فهرست القاسم بن القاسم التجيبي. فهرست ابن محمد بن حوط الله (ت612) . فهم السنن، للحارث المحاسبي. فوائد إسماعيل بن قيراط العذري. فوائد أبي إسماعيل الأنصاري الهروي (ت481) . فوائد بشر بن أحمد الإسفرائيني. فوائد تمام بن محمد الرازي (ت414) ، في برستون تركيا وفي المكتبة الظاهرية. فوائد الحسن بن رشيق القيرواني (ت463) . فوائد أبي الحسين الفراء (ت526) . فوائد الدسكري. فوائد سمويه إسماعيل بن عبد الله الأصبهاني (ت267) . يوجد منه في الظاهرية دمشق بعض الجزء الثالث ضمن مجموع (124) . فوائد محمد بن عبد الله بن إسحاق. فوائد موسى بن عيسى السراج. (ق) القواطع، لابن السمعاني (ت489) . (ك) الكامل، لابن عدي (ت365) ، منه صورة في مكتبة الحرم المكي وفي الجامعة الإسلامية. كتاب الأبواب، للحافظ عمر بن أحمد بن شاهين (ت385) . كتاب الأقران، لأبي الشيخ.
كتاب الجوزجاني في أحوال الرجال (ت259) . كتاب الجهر بالبسملة للخطيب البغدادي (ت463) . مختصره للذهبي في المكتبة الظاهرية في مجموع 55 حديث. كتاب الدعاء، لابن أبي عاصم (ت287) . كتاب السنن، لابن أبي الأشعث (ت516) . كتاب الصلاة، لابن أبي حاتم (ت327) . كتاب المطرزي، والظاهر أنه شرح المصباح، وهو مخطوطات جامعة الرياض، برقم (47) . (م) المبعث، لأبي شامة (ت665) . المجمع المؤسس لحافظ ابن حجر، مصور بمكتبة الصديق بمنى. المحصول، لفخر الدين الرازي (ت606) . في المكتبة الأحمدية بسوريا رقم 416، وفي المكتبة المحمودية بالمدينة برقم 23. ثم طبعته جامعة الإمام محمد بن سعود. المختارة، للضياء المقدسي (ت643) . في المكتبة الظاهرية ومنه صورة في مكتبة الصديق بمنى. مختصر التبريزي تاج الدين (ت746) . مختصر منتهى السول لابن حاجب المالكي (ت646) ، يوجد بمكتبة الحرم المكي. المدارك، لابن الحصار (ت611) . المدخل إلى الإكليل، للحاكم أبي عبد الله (ت405) ، يوجد في المكتبة الأحمدية برقم (308) ، وطبع في حلب. المدخل إلى معرفة الصحيحين، للحاكم أبي عبد الله. يوجد في مكتبة شهيد علي بتركيا برقم (646) . ويطبع الآن بتحقيقي. المدخل، للبيهقي (ت463) ، في جامعة الدول العربية. المدخل إلى علوم الحديث، لابن الصلاح (ت643) . المدخل إلى المستخرج للإسماعيلي أبي بكر (ت371) . المستخرج، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430) . مسند إسحاق بن راهوية (ت238) . مصور في مكتبة الحرم المكي وفي الجامعة السلامية.
مسند عبد بن حميد (ت249) . في مكتبة أيا صوفيا بتركيا برقم (894) ، ومن مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية. مسند البزار (ت292) ، في المكتبة الأزهرية ج2، 3برقم (924) ، ومنه مصورة في مكتبة الصديق بمنى. المسند، لعلي بن المديني (ت234) . مسند مالك، لأبي أحمد بن عدي (ت365) . مسند مالك، للإمام النسائي (ت303) . مسند أبي يلعلى الموصلي (ت307) . منه مصورة في مكتبة الحرم المكي. مشايخ البخاري، لأبي أحمد بن عدي (ت365) . المشيخة الكبرى، لأبي محمد الجوهري. معجم أبي الحسن ابن جميع (402) في لاندبرج – بريل (37) ، بروكلمان (3/161) . معجم ابن الأعرابي (ت340) . ظاهرية حديث (280) ومصورة في مكتبة الصديق بمنى. المعجم الكبير للطبراني (ت360) . مصور في مكتبة الصديق بمنى وطبع بتحقيق حمدي السلفي إلى (22) جزءا. المعجم الأوسط له في كوبرلي 454. معجم ابن المقري في دار الكتب المصرية (27) . المعرفة لابن منده (ت395) . مصورة في مكتبة الصديق بمنى، وفي المكتبة الظاهرية، برقم (323، حديث. المفهم شرح صحيح مسلم، لأبي العباس القرطبي (ت671) ، في مكتبة الحرم بالمدينة المنورة. مقدمة شرح مسلم، لابن الصلاح (ت643) . مصورة في مكتبة الصديق. مقدمة الترمذي، لابن العربي المالكي (ت543) . المقنع، لابن الملقن (ت804) . مصور بدار الكتب المصرية برقم (399) . وحقق بمكة. الملخص، للقاضي عبد الوهاب المالكي (ت422) . (و- ي) الوجيز، لابن برهان. اليوم والليلة، للإمام النسائي، مكتبة جامعة الرياض برقم (264) . وطبع حديثا.
(ب) المطبوعات: (أ) الإحكام في أصول الأحكام، للآمدي (ت631) . تصحيح ابن غديان، ط الرياض، سنة 1387. إحكام الأحكام لابن حزم (ت456) . مطبعة الإمام في القاهرة. أسئلة تقي الدين السبكي، للمزي. الإصابة في تمييز الصحابة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) . ط مطبعة مصطفى محمد بمصر سنة 1358. الأصول للسرخسي، محمد بن أحمد (ت490) . نشر دار المعارف 1393? الأم، للإمام الشافعي (ت204) ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية. الأموال، لأبي عبيد القاسم بن سلام (ت 224) ، نشر مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1388. إنباء الغمر، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) . (ب) البداية والنهاية، لابن الكثير (ت774) ، مطبعة السعادة بمصر. البدر الطالع، لمحمد بن علي الشوكاني (ت1250) ، مطبعة السعادة 1348. (ت) التاريخ، لمحمد بن إسماعيل البخاري الإمام (256) ، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1360. تاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي (ت277) ، طبع منه مجلدان ط مطبعة الإرشاد ببغداد سنة 1396?، بتحقيق الدكتور أكرم ضياء العمري. التاريخ، لأبي نعيم الأصبهاني (ت 430) ، مطبعة بريل سنة 1934م, تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي (403) ، نشر دار الكتاب العربي. التاريخ، ليحيى بن معين (233) . حققه د. أحمد نور سيف طبع سنة 1399. تحفة الأحوذي شرح الترمذي، لمحمد بن عبد الرحمن المباركفوري (ت1353) . نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة سنة 1385.
تحفة الأشراف، للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي (ت742) . نشر الدار القيمة بمباي الهند 1374- 1397. تذكرة الحفاظ، لشمس الدين الذهبي (ت748) . نشر دار التراث العربي ببيروت. تعجيل المنفعة، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، تحقيق عبد الله هاشم اليماني. التعريفات، للشريف علي بن محمد الجرجاني (ت816) ، ط مطبعة الحلبي سنة 1357. تهذيب الأسماء واللغات، للإمام النووي (ت676) ، ط إدارة الطباعة المنيرية ببيروت. تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1325. تنزيه الشريعة، لابن عراق (ت963) . نشر مكتبة القاهرة. التوسل والوسيلة، للإمام ابن تيمية (ت728) ، ط دار العربية بيروت. توضيح الأفكار، لمحمد بن إسماعيل الصنعاني (1182) . نشر مكتبة الخانجي مصر سنة 1366. (ج) جامع الأصول، لابن الأثير الجزري (ت606) . نشر مطبعة الملاح. جامع التحصيل، للعلائي (ت761) ، ط دار العربية بغداد العراق بتحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، وقد حققه أيضا د. محمد حسن فلاتة (رسالة ماجستير بمكة) . الجامع الصحيح، للإمام البخاري (ت256) مع فتح الباري، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي ومحب الدين الخطيب. الجامع الصحيح، للإمام مسلم (ت261) ، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار الحلبي سنة 1374. الجامع الصحيح، للإمام الترمذي (ت279) ، ط الحلبي، القاهرة سنة 1356- 1385. الجرح والتعديل، لابن أبي حاتم (ت327) ، ط بمجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر أباد الدكن الهند سنة 1372?. جزء القراءة، للبخاري (ت256) ، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1371. جمع الجوامع، لعبد الوهاب السبكي (ت771) وشرحه.
(ح) حاشية السعد (ت816) على شرح العضد على، للمنتهى الأصولي، نشر مكتبة الكليات الأزهرية سنة 1394. حلية الأولياء، لأبي نعيم الأصبهاني (ت430) ، نشر دار الكتاب العربي بيروت سنة 1387. (خ) الخراج، ليحيى بن آدم (ت203) ، ط المطبعة السلفية. خصائص علي، للإمام النسائي (ت303) . خصائص المسند، لأبي موسى المديني (591) ، طبع دار المعارف بمصر سنة 1373. الخصال المكفرة للذنوب المتقدمة والمتأخرة، للحافظ ابن حجر العسقلاني، ط إدارة الطباعة المنيرية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. الخلاصة، للطيبِي (ت743) ، تحقيق صبحي السامرائي. (د- ر) الدلائل، للإمام البيهقي (ت458) ، نشر عبد المحسن الكتبي سنة 1384. رسالة الإمام أبي داود إلى أهل مكة، تحقيق محمد زاهد الكوثري. الرسالة، الإمام الشافعي (204) ، ط الحلبي القاهرة سنة 1358. رسالة البيهقي للجويني، ط إدارة الطباعة المنيرية ضمن مجموعة الرسائل المنيرية. الروضة في الأصول، لابن قدامة (ت620) ط المطبعة السلفية ومكتبتها. (س) السنن، للإمام سليمان بن الأشعث أبي داود (ت275) ، نشر محمد علي سيد حمص سنة 1388. السنن، الإمام أحمد بن شعيب النسائي (ت303) ، ط الحلبي القاهة سنة 1372. السنن، للإمام ابن ماجه محمد بن يزيد القزويني (ت273) ، ط الحلبي القاهرة سنة 1372. السنن، للإمام علي بن عمر الدارقطني (ت 385) ، ط دار المحاسن للطباعة القاهرة سنة 1386.
السنن، للإمام عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي (ت255) ، ط شركة الطباعة الفنية بالمدينة المنورة سنة 1387. السنن الكبرى، للإمام البيهقي (ت458) ، ط دائرة المعارف العثمانية حيدر أباد الهند سنة 1356. سؤلات أبي القاسم السهمي للدارقطني، مصور بالجامعة الإسلامية ضمن مجموع 56. (ش) شذرات الذهب لابن عماد الحنبلي (ت1028) ، نشر المكتب التجاري للطباعة بيروت. شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول، لأحمد بن إدريس القرافي (ت684) . شرح صحيح مسلم، للإمام النووي (776) . شرح السنة، للإمام البغوي (ت516) ، نشر المكتب الإسلامي بيروت. شرح معاني الآثار، للإمام الطحاوي (ت321) ، مطبعة الأنوار القاهرة. شروط الأئمة الستة، لابن طاهر، تحقيق الكوثري. شروط الأئمة الخمسة، للحازمي، تحقيق الكوثري. (ص- ض) الصحيح الإمام أبي بكر بن خزيمة (311) ، تحقيق محمد مصطفى الأعظمي، نشر المكتب الإسلامي بيروت. الضعفاء، للإمام النسائي (ت303) ، نشر المكتبة الأثرية سانكلة هل باكستان. الضعفاء، للإمام البخاري (256) ، نشر المكتبة الأثرية سانكلة هل باكستان. (ط) طبقات الحفاظ، للحافظ السيوطي (ت119) ، نشر مكتبة وهبة القاهرة. طبقات الشافعية الكبرى، لتاج الدين السبكي (ت771) ، ط الحلبي وشركاه، القاهرة. طبقات الشافعية، لجمال الدين الأسنوي (ت772) ، ط الإرشاد بغداد سنة 1391. الطبقان الكبرى، لابن سعد (ت230) ، نشر دار صادر بيروت، 1377. طبقات المدلسين، للحافظ ابن حجر، نشر مكتبة القدسي. (ع) العلل، لعلي بن المديني (ت234) . تحقيق محمد مصطفى الأعظمي.
العلل، لابن أبي حاتم (ت327) ، نشر مكتبة المثنى بغداد. (ف) فتح الباري، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، المطبعة السلفية القاهرة. (ق) القاموس المحيط، لمجد الدين الفيروز آبادي (ت817) ، نشر المكتبة التجارية بمصر. القراءة خلف الإمام، للبيهقي (458) ، إدارة إحياء السنة. القول المسدد، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، ط دائرة المعارف بحيدر أباد الهند سنة 1386. (ك) الكاشف، لشمس الدين الذهبي (ت748) ، ط دار التأليف بمصر. كتاب المجروحين، للإمام ابن حبان (ت354) ، ط دار الوعي حلب. كشف الظنون، لمصطفى حاجي خليفة، ط مكتبة المثنى بغداد العراق. الكنى، لأبي أحمد الحاكم (ت378) . الكنى، للإمام النسائي (ت303) . الكنى، للدولابي محمد بن أحمد أبو بشر (ت320) . الكفاية للخطيب البغدادي (ت463) ، ط دائرة المعارف العثمانية. (ل) اللآلئ المصنوعة، لجلال الدين السيوطي (911) ، نشر المكتبة التجارية بمصر. اللباب في الأنساب، لعز الدين ابن الأثير، نشر دار صادر بيروت. لحظ الألحاظ، لابن فهد. لسان العرب، لابن منظور (711) ، ط بيروت. لسان الميزان، للحافظ ابن حجر العسقلاني (ت852) ، نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات بيروت. (م) ما لا يسع المحدث جهله، لأبي حعفر الميانجي (ت579) ، ط. مجمع الزوائد، لأبي بكر الهيثمي (ت708) ، نشر دار الكتاب بيروت سنة 1967.
المجموع، للإمام النووي (ت676) ، مطبعة العاصمة القاهرة. مجموع الفتاوى، لشيخ الإسلام ابن تيمية (ت728) ، ط مطابع الرياض سنة 1381. محاسن الاصطلاح، للإمام البلقيني (ت805) ، ط دار الكتب المصرية، القاهرة سنة 1394. المحدث الفاصل، للقاضي الرامهرمزي (ت360) ، دار الفكر. مختصر ابن كثير (ت774) ، وهو الباعث الحثيث. ط مطبعة محمد علي صبيح بمصر. المختصر الكبير للمزني (ت264) , مطبوع بهامش الأم شركة الطباعة الفنية المتحدة بمصر. المراسيل, لأبي داود (ت275) ط. المستدرك, للحاكم أبي عبد الله (ت405) , ط دائرة المعارف العثمانية سنة 1342. المسند، للإمام أحمد بن حنبل (241) ، نشر دار صادر. المسند، للإمام أحمد, تحقيق أحمد شاكر, ط دار المعارف بمصر. مشكل الآثار، للإمام الطحاوي (321) ط دائرة المعارف العثمانية، حيدر آبادن الهند سنة 1333. المسودة لآل تيمية، ط المدني. المصابيح للبغوي. المصنف، للإمام عبد الرزاق الصنعاني (ت211) , نشر المكتب الإسلامي, بيروت سنة 1390. المصنف لابن أبي شيبة (ت225) , مطبعة العلوم الشرقية, حيدر آباد, الهند سنة 1387. المعتمد لأبي الحسين البصري. معجم البلدان, لياقوت الحموي (ت626) , نشر دار صادر بيروت. المعجم الصغير للطبراني, ط دار النصر للطباعة القاهرة سنة 1388. المعرفة, للإمام البيهقي (ت458) , تحقيق السيد أحمد صقر. معرفة علوم الحديث، للحاكم أبي عبد الله، نشر المكتب التجاري للطباعة والتوزيع بيروت. المنخول، للغزالي (ت505) ، دار الفكر للطباعة والنشر. المعرفة والتاريخ، ليعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق الدكتور أكرم العمري، مطبعة الإرشاد بغداد سنة 1975م.
المغني، للحافظ الذهبي (ت748) ، مطبعة البلاغ حلب. المغني، لابن قدامة الجنبلي (ت620) ، ط الفجالة الجديدة القاهرة. مفتاح كنوز السنة، للدكتور أ. ي فينسك، ترجمة محمد فؤاد عبد الباقي. مقدمة ابن الصلاح (ت643) ، ط الأصيل حلب. المنهل الروي مختصر في علوم الحديث النبوي، لبدر الدين بن جماعة (ت733) ، تحقيق الدكتور محي الدين عبد الرحمن، رمضان سنة 1395، ومنه مصورة في مكتبة الصديق بمنى. المنهل العذب المورود، لمحمود خطاب السبكي (ت1352) ، مطبعة الاستقامة، القاهرة سنة 1351. مقدمة الكامل، لأبي أحمد ابن عدي (ت365) ، مطبعة سليمان الأعظمي بتحقيق صبحي السامرائي. الموضوعات، لابن الجوزي. الموطأ، للإمام مالك (ت 179) ط دار إحياء الكتب العربية، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. ميزان الاعتدال، للحافظ الذهبي (ت748) ، ط الحلبي القاهرة سنة 1382. (ن) النجوم الزاهرة، لابن تغري بردي (ت874) ، ط دار الكتب المصرية القاهرة سنة 1369. نزهة النظر، للحافظ ابن حجر (ت852) ، ط الحلبي 1352. نظم العقيان، للسيوطي (ت911) . النهاية في غريب الحديث والأثر، لأبي السعادات ابن الأثير (ت606 (، تحقيق محمود الطناحي، ط الحلبي القاهرة. (و- ي) وفايات الأعيان، لابن خلكان (ت681) ، نشر دار صادر. اليميني، للعتبي محمد بن عبد الجبار. اليوم والليلة، لابن السني، نشر الكليات الأزهرية.