النكت الوفية بما في شرح الألفية

برهان الدين البقاعي

الجزء 1

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة التحقيق الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد وَعَلَى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد: فإنّ علم الحَدِيث دراية ورِوَايَة من أشرف العلوم وأجلها، بل هُوَ أجلها عَلَى الإطلاق بعد العلم بالقرآن الكريم الذي هُوَ أصل الدِّين ومنبع الطَّرِيق المستقيم، فالحديث هُوَ المصدر الثاني للتشريع الإسلامي بعضه يستقل بالتشريع، وكثيرٌ منه شارح لكتاب الله تَعَالَى مبين لَهُ قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} (¬1). وعلم الحَدِيث تتفرع تحتهُ علوم كثيرة، ومن تِلْكَ العلوم: علم مصطلح الحَدِيث: وَهُوَ العلم الذي يكشف عَنْ مصطلحات المحدّثين التي يتداولونها فِي مصنفاتهم ودروسهم. وَكَانَ من أحسن تِلْكَ الكتُب كِتابُ الحافظ أبي عَمْرو عُثْمَان ابن عبد الرَّحْمَانِ الشهرزوري (ت 643 هـ‍‍) المسمى "مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيث" (¬2)، قَالَ الحافظ ابن حَجَر: ((هذب فنونه وأملاه شيئاً بعد شئ، فلهذا لَمْ يحصل ترتيبه عَلَى الوضع المتناسب، واعتنى بتصانيف الخَطِيب المتفرقة فجمع شتات مقاصدها وضم إليها من غيرها نخب فوائدها، فاجتمع فِي كتابه مَا تفرق فِي غيره، فلهذا عكف النَّاس عَلَيْهِ، وساروا بسيره، فلا يحصى كم ناظم لَهُ ¬

_ (¬1) النحل: 44. (¬2) طبع بتحقيقنا عَنْ دار الكتب العلمية بيروت 2002.

ومُخْتَصَر ومستدرك عَلَيْهِ ومقتصر ومعارض لَهُ ومنتصر)) (¬1). وكَانَ من أحسن تِلْكَ الكتب التي اعتنت بكتاب ابن الصلاح كِتَابُ الحافظ العراقي " شرح التبصرة والتذكرة " (¬2)، إذ نظم الحافظ العراقي كِتَاب ابن الصلاح بألفية من الشعر سماها: " التبصرة والتذكرة " ثُمَّ شَرح الألفية بكتابه: " شَرْح التبصرة والتذكرة ". ومنذ ظهور ذَلِكَ الكتاب النفيس اهتم العلماء بهذَا النظم والشرح. ومن أولئك الذين اعتنوا "بشرح التبصرة والتذكرة " الحافظ ابن حَجَر العسقلاني، وهذا الكتاب الذي بَيْنَ يديك، إنما هُوَ من نتاج ابن حَجَر، جمعه ورتبه تلميذه النجيب البقاعي وأضاف عَلَيْهِ؛ حَتَّى خرج بِهَذه الحلة الطيبة المباركة. إذ صرح البقاعي نفسه فِي أول مقدمته فَقَالَ: ((قيدت فِيهَا مَا استفدته من تحقيق تلميذه، شيخنا شيخ الإسلام حافظ العصر أبي الفضل شِهَابِ الدِّين أحمد بن عَلَيِّ بن حَجَر الكناني العسقلاني، ثُمَّ المصري الشَّافِعِيّ قاضي القضاة بالديار المصرية أيام سماعي لبحثها عَلَيْهِ، بارك الله فِي حياته وأدام عموم النفع ببركاته سميتها "النكت الوفية بما فِي شَرْح الألفية"، واعلم أن مَا كَانَ فيها من بحثي صدرته فِي الغالب بقلت، وختمته بقولي: والله أعلم ... )) (¬3). ومن يطالع الكتاب لأول وهلة يجد أن مَا لَمْ يصدره بـ: ((قُلْتُ)) أكثر بكثير مِمَّا صدره بـ ((قلت)). مِمَّا يدلنا عَلَى أن غالب الكتاب منقول عَنْ لسان الحافظ ابن حَجَر زيادة عَلَى النصوص الكثيرة التي صرح فِيهَا بالنقل عَنْهُ. ولأهمية هَذَا الكتاب ونفاسته ومعرفتي بقيمته العلمية من خلال تحقيقينا ¬

_ (¬1) نزهة النَّظَرِ: 46 - 51 تحقيق علي الحلبي. (¬2) طبع بتحقيقنا عَنْ دار الكتب العلمية 2002. (¬3) ويظهر لمن يطالع الكتاب أن ما صدره بـ (قلت)، وختمه بـ (الله أعلم) لا يمثل عُشر الكتاب.

" لشرح التبصرة والتذكرة " أردت إخراج هَذَا الكتاب من حيز المخطوط إِلىَ عالم المطبوعات، وقد منّ الله عَلَيَّ بأن وقفت عَلَى أربع نسخ خطيّة من الكتاب. إحداهما نسخة نفيسة مقروءة عَلَى المؤلف، وعليها خطه فِي مواضع كثيرة من حواشي المخطوط، وقد كتبها الشيخ العالم شِهَاب الدِّين أحمد بن مُحَمَّد بن عُمَرَ الحمصي سنة (880هـ‍) وبعد: فهذا كِتَابُ: " النكت الوفية بما فِي شَرْح الألفية " للبقاعي، أقدمه لمحبي المصطفى - صلى الله عليه وسلم - السائرين عَلَى هديه الراجين شفاعته يَوْم القيامة، قد خدمته الخدمة التي توازي تعلقي بسنة سيدنا المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، وبذلت فِيهِ مَا وسعني من جهد ومال ووقت، ولم أبخل عَلَيْهِ بشيء من الوقت، وَكَانَ الوقت الذي قضيته فِيهِ كله مباركاً. وكتب ماهر بن ياسين بن فحل الدكتور شيخ دار الحديث في العراق 26/ شعبان /1425

البقاعي وكتابه النكت

البقاعي وكتابه النكت اسمه ونسبه (¬1): هُوَ إبراهيم بن عُمَرَ بن حَسَن الرباط بن أبي بَكْر البقاعيُّ الشَّافِعِيُّ، برهان الدِّين أبو الحَسَن. ولادته (¬2): ولد إبراهيم بن عُمَرَ بن الحسن البقاعي سنة (809 هـ‍) فِي قرية ((خربة روحا)) من عمل البقاع (¬3) في سوريا. وقد ذكر البقاعي ولادته بقوله: ((فِي ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وعشرين وثمان مئة أوقع ناس من قريتنا (خربة روحا) من البقاع يقال لَهُم: بنو مزاحم بأقاربي بني الحسن من القرية المذكورة فقتلوا تسعة أنفس ... وضُربتُ أنا بالسيف ثلاث ضربات، إحداها فِي رأسي فجرحتني وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة)) (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع لأهل القرن التاسع للسخاوي 1/ 101، ووجيز الكلام فِي الذيل عَلَى دول الإسلام للسخاوي 3/ 909، ونظم العقيان فِي أعيان الأعيان لجلال الدِّين السيوطي: 24، وشذرات الذهب فِي أخبار من ذهب لابن عماد الحنبلي 7/ 339، والبدر الطالع بمحاسن من بعد القرن السابع لمحمد بن علي الشوكاني 1/ 19، وتاريخ آداب اللغة العربية لجرجي زيدان 3/ 168، والأعلام للزركلي 1/ 56. وانظر: مقدمة كتاب الإعلام بسن الهجرة إلى الشام للبقاعي: 55. (¬2) انظر: الضوء اللامع 1/ 101، ونظم العقيان فِي أعيان الأعيان: 24، وشذرات الذهب 7/ 339، والبدر الطالع 1/ 19، وتاريخ آداب اللغة العربية 3/ 168، والأعلام 1/ 56. (¬3) البقاع: جمع بقعة موضع يقال لَهَا: بقاع كلب، قريب من دمشق، وهو أرض واسعة بين بعلبك وحمص ودمشق، فِيهَا قرى كثيرة ومياه غزيرة نميرة. انظر: مراصد الاطلاع 1/ 211. (¬4) انظر: شذرات الذهب 7/ 339 - 340.

طلبه للعلم

فبناءً عَلَى هَذَا الكلام تكون سنة ولادته (809 هـ‍). ‍‍‍‍‍‍‍ طلبه للعلم (¬1): بدأ البقاعي طلبه للعلم بعد بلوغه الثانية عشرة من عمره وَكَانَ أول طلبه للعلم فِي دمشق بعد أن غادر قريته بقاع. وهاهو البقاعي يحدثنا عَنْ طلبه للعلم بقوله: ((فخرجنا من القرية المذكورة ... - خربة روحا - واستمرينا نتنقل فِي قرى وادي التيم والعرقوب وغيرهما إِلىَ أن أراد الله تَعَالَى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدي إِلىَ دمشق)) (¬2). فقد درس القراءات عَلَى بَعْض المشايخ، ثُمَّ درسها عَلَى يد الشيخ الشمس الجزري لما قدم إِلىَ دمشق سنة (827 هـ‍) وقد أخذ الحَدِيث عَن الحافظ ابن حَجَر، ودرس الفقه عَلَى يد الشيخ التقي بن قاضي شهبة. وقد استمر البقاعي فِي طلب العلم، فقد لازم القاياني والونائي وأخذ العلم عن سائر شيوخ عصره، حَتَّى مهر وبرع فِي العلم والفنون. ودأب البقاعي فِي طلبه الحَدِيث، ورحل من أجل ذَلِكَ. فقد سمع من البرهان الحلبي والبرهان الواسطي، والتدمري، والمجد البرماوي، والبدر البوصري، وخلق يجمعهم معجمه الذي سماه " عنوان الزمان بتراجم الشيوخ الأقران ". شيوخه: أخذ البقاعي العلم عَلَى يد عدد من الشيوخ، نذكرهم عَلَى سبيل الذكر لاَ الحصر مرتبين حسب وفياتهم، ولم أتوسع فِي الكلام عنهم إلاَّ شيخه ابن حَجَر: ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع 1/ 102، ونظم العقيان فِي أعيان الأعيان: 24، وشذرات الذهب 7/ 340، والبدر الطالع 1/ 19 - 20. (¬2) انظر: شذرات الذهب 7/ 340.

أولاً: شمس الدِّين أبو الخير مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلَيّ بن يُوسُف المعروف بابن الجزري الشَّافِعِيّ. (¬1) مقرئ المماليك الإسلامية، ولد بدمشق وتفقه بها ولهج بطلب الحديث والقراءات وبرز فيها، وعمر للقراء مدرسة سماها دار القرآن، وأقرأ الناس وعين لقضاء الشام مرة ولم يتم ذلك لعارض، توفي بشيراز فِي ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمان مئة، ودفن بمدرسته التي بناها. ثانياً: تاج الدِّين مُحَمَّد بن ناصر الدِّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن مُسْلِم ابن عَلَيِّ بن أبي الجود الغرابيلي. قال ابن حجر: ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة، حيث كان جده لأمه حاكماً ونقله أبوه إلى الكرك عمل أمرتها، ثم تحول به إلى القدس سنة سبع عشرة، فاشتغل وحفظ عدة مختصرات كالكافية لابن الحاجب والمختصر الأصلي، وغيرها، توفي بالقاهرة فِي جمادي الآخرة سنة خمس وثلاثين وثمان مئة (¬2). ثالثاً: شمس الدِّين مُحَمَّد بن عَلَيِّ بن مُحَمَّد بن يَعْقُوب القاياتي (¬3) -والقايات بلد قرب الفيوم وإليها نسب - ثم القاهري الشافعي قاضي القضاة ومحقق الوقت وعلامة الأفاق، برع في الفقه والعربية والأصليين والمعاني، وسمع الحديث وحدّث باليسير، وولي تدريس البرقوقية والأشرفية، وغيرها، توفي ليلة الاثنين الثامن عشر من المحرم سنة خمسين وثمانمئة بالقاهرة. رابعاً: تقي الدِّين أبو بَكْر بن شِهَابِ الدِّين أحمد بن مُحَمَّد بن قاضي شهبة الشَّافِعِيّ، صاحب طبقات الشافعية، كان إماماً علامة تفقه بوالده وغيره، وسمع من ¬

_ (¬1) انظر: شذرات الذهب 7/ 204 - 206، والأعلام 7/ 45، ومعجم المؤلفين 11/ 291 - 292. (¬2) انظر: شذرات الذهب 7/ 215، ومعجم المؤلفين 11/ 296. (¬3) انظر: نظم العقيان فِي أعيان الأعيان: 154، وشذرات الذهب 7/ 268، ومعجم المؤلفين 11/ 61.

أكابر أهل عصره، وأفتى ودرس وجمع وصنف، من مصنفاته: " شرح المنهاج "، و" لباب التهذيب "، و" الذيل على تاريخ ابن كثير "، وغير ذلك، توفي ليلة الْجُمُعَةِ ثاني عشر من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمان مئة (¬1). خامساً: شِهَابٍ الدِّين أبو الفضل أحمد بن عَلَيِّ بن مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَلَيِّ ابن أحمد بن حَجَر الكناني العسقلاني الشَّافِعِيّ. ولد فِي شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمئة عَلَى شاطئ النيل بمصر القديمة. نشأ الحافظ ابن حَجَر يتيماً، إذ مات أبوه فِي رجب سنة سبع وسبعين وسبعمئة، وماتت أمه قبل ذَلِكَ وَهُوَ طفل، وَكَانَ أبوه قد أوصى بِهِ إِلىَ رجلين ممن كَانَت بينه وبينهم مودة هما: زكي الدِّين أبو بَكْرِ بن نور الدِّين عَلَيٍّ الخروبي وَكَانَ تاجراً كبيراً بمصر. وثانيهما: العلامة شمس الدِّين بن القطان، الذي كَانَ لَهُ بوالده اختصاص فنشأ في كنف الوصاية فِي غاية العفة والصيانة، وَكَانَ الحافظ ابن حَجَر قد راهق ولم تعرف لَهُ صبوة ولم تضبط لَهُ زلة. حفظ القرآن وَهُوَ ابن تسع سنين، وصلى بالناس التراويح إماماً فِي المسجد الحرام، وَهُوَ ابن اثنتي عشرة سنة إبان مجاورته مَعَ وصيه الخروبي بمكة المكرمة، وحفظ بعد رجوعه إِلىَ مصر " عُمْدَة الأحكام " لعبد الغني المقدسي، و"الحاوي الصَّغِير" للقزويني، و"مُخْتَصَر ابن الحاجب الأصلي " و" الملحة " وغيرها. وَكَانَ قد أُعطي حافظة قوية، فكان يحفظ كل يَوْمٍ نصف حزب من القرآن، وَكَانَ فِي غالب أيامه يصحح الصحيفة من " الحاوي الصَّغِير "، ثُمَّ يقرؤها مرة أخرى، ثُمَّ يعرضها فِي الثالثة حفظاً، لازم كثيراً من الشيوخ من المحدّثين والفقهاء والقراء ¬

_ (¬1) انظر: نظم العقيان فِي أعيان الأعيان: 94، وشذرات الذهب 7/ 269، والأعلام 2/ 61، ومعجم المؤلفين 3/ 57 - 58.

واللغويين والأدباء، واستفاد من علومهم، وحبب إليه الحَدِيث النبوي فأقبل بكليته عَلَيْهِ وأخذ عَنْ مشايخ عصره، ولازم الحافظ العراقي عشر سنين وتخرج بِهِ وانتفع بملازمته. كَمَا لازم شيوخاً آخرين فِي الحَدِيث وفي فنون أخرى. كَانَ ابن حَجَر واحداً من هؤلاء الأفاضل الشغوفين بالعلم والتضلع فيه، فجال فِي طلب العلم فِي مصر والشام والحجاز واليمن، والتقى بعدد كبير من العلماء فِي هذه البلدان، وحمل عنهم شيئاً كثيراً من العلم، واستفاد مِنْهُم وأفاد. اهتم الحافظ ابن حَجَر بذكر شيوخه، وذكر أسمائهم فِي كثير من كتبه، وأعطى عنهم معلومات قيمة إِلىَ جانب ذَلِكَ فقد أفرد ذكرهم فِي كتابين عظيمين: الأول: " المجمع المؤسس للمعجم المفهرس " ترجم فِيهِ لشيوخه وذكر مروياتهم بالسماع، أو الإجازة، أو الإفادة عنهم. وَالثَّانِيَ: " المعجم المفهرس " وَهُوَ فهرس لمرويات الحافظ، ذكر فِيهِ شيوخه خلال ذِكرهِ لأسانيده فِي الكتب والأجزاء والمسانيد. بلغ عدد شيوخه - سماعاً وإجازة وإفادة - نَحْوَ الخمس مئة شيخ عَلَى اختلاف بَيْنَ كتبِ التراجم. وتتلمذ عَلَى يد الحافظ ابن حَجَر عدد كبير، قد توافدوا عَلَى مجالسه من كل حدب وصوب، وكثر طلبته حَتَّى كَانَ رؤوس علماء كل مذهب من تلامذته، حَتَّى ضاقت بهم مجالسه وامتلأت بجموعهم مدارسه. بلغت مصنفات الحافظ ابن حَجَر أكثر من اثنين وثلاثين ومئة تصنيف من أهمها: أ- فَتْح البَارِي بشرح صَحِيح البُخَارِيّ. ب-تَهْذِيب التَّهْذِيب. ج- لسان الميزان.

د- التلخيص الحبير. هـ -‍ الدرر الكامنة. وتغليق التعليق. ز- إنباء الغمر بأنباء العمر. توفي رحمه الله بعد حياة حافلة بالعلم النافع والعمل الصالح، فِي أواخر شهر ذي الحجة سنة اثنتين وخمسين وثمانمئة (¬1). سادساً: علاء الدين أبو الفتوح عَلَيّ بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي ولد في القاهر في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وسبع مئة، ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وعدة متون في مذهبه، وتفقه بعلماء عصره كالسراج البلقيني، وولده جلال الدين، والعز بن جماعة، وغيرهم، برع في الفقه والأصول والعربية والبيان والقراءات، وشارك في عدة علوم، وتصدى للإفتاء والتدريس والأشغال وانتفع به الطلبة وتفقه به جماعة من الأعيان، توفي في محرم سنة ست وخمسين وثمانمئة (¬2). سابعاً: المشدالي (¬3) محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الصمد، أبو عبد الله مفتي بجاية (بالمغرب) وخطيبها، من مصنفاته: تكملة " حاشية الوانوغي على المدونة "، و" مختصر البيان " لابن رشد، و" الفتاوى " توفي سنة خمس وستين وثمانمئة (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع 2/ 36، وشذرات الذهب 7/ 270 - 273، والبدر الطالع 1/ 61. (¬2) انظر: نظم العقيان في أعيان الأعيان: 130، وشذرات الذهب 7/ 289. (¬3) ورد في الأعلام 7/ 5، ومعجم المؤلفين 11/ 144 بلفظ المشذالي بالذال المعجمة. (¬4) ورد في الأعلام 7/ 5، ومعجم المؤلفين 11/ 144. بأنه توفي في سنة (866 هـ). وانظر: نظم العقيان في أعيان الأعيان: 160.

تلامذته

ثامناً: أبو الفضل كمال الدين بن بهادر بن محمد بن محمد المؤمني الشافعي من فضلاء الشافعية، ولد في طرابلس المغرب، وتعلم بالقاهرة وأقام فيها إلى أن توفي، له مصنفات منها: " فتوح النصر في تاريخ ملوك مصر "، ورسالة في ترجمة شيخه جلال الدين المحلي، و" الدرة المضية في الأعمال الجيبية "، وغير ذلك، توفي سنة سبع وسبعين وثمانمئة (¬1). تاسعاً: تقي الدين أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي الحنبلي، قال العليمي: قرأ " العمدة " للشيخ الموفق و" النظم " للصرصري، ثم قرأ " المقنع " و" أصول الطوفي " و" ألفية ابن مالك "، وحفظ القرآن، واشتغل بالمنطق والمعاني والبيان وأتقن الفرائض والجبر والمقابلة، وتفقه على ابن قندس وأذن له في الإفتاء، وكان مشتغلاً بالعلم، ويسافر بالتجارة، وصحب القاضي عز الدين الكناني بالديار المصرية، توفي بالقاهرة في رجب سنة اثنتين وثمانين وثمان مئة (¬2). تلامذته: تتلمذ على يد البقاعي طلاب كثيرون أخذوا عنه وتأثروا بعلومه نذكر عدداً منهم على سبيل الذكر لا الحصر مرتبين حسب وفياتهم. أولاً: محيي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر الرحلة مؤرخ دمشق وأحد محدثيها، قرأ على البرهان البقاعي مصنفه المسمى بـ" الإيذان "، وأجاز له به وبما تجوز له، وعنه روايته، وشيوخه كثيرون ذكرهم في تواريخه، وألف كتباً كثيرة منها: " الدارس في تواريخ المدارس "، و" تذكرة الأخوان في حوادث الزمان "، و" تحفة البررة في الأحاديث المعتبرة"، وغير ذلك، توفي سنة سبع وعشرين وتسعمئة (¬3). ¬

_ (¬1) انظر: الأعلام 7/ 48 - 49، ومعجم المؤلفين 11/ 297. (¬2) انظر: شذرات الذهب 7/ 334. (¬3) انظر: شذرات الذهب 8/ 153، والأعلام 4/ 43، ومعجم المؤلفين 5/ 301.

ثانياً: شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي المعتني بالحديث والعلم، وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور، ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضاً قاضي القضاة زكريا الأنصاري، وكان يخطب مكانه بقلعة الجيل، وكان الغوري يميل إلى خطبته، ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته، ثم رجح إلى دمشق وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللولوي بن الفرفور توفي يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادي الآخرة سنة أربع وثلاثين وتسع مئة ودفن بباب الفراديس (¬1). ثالثاً: رضي الدين أبو الفضل محمد بن رضي الدين محمد بن أحمد الدمشقي الشَّافِعِيّ كان رحمه الله ممن قطع عمره في العلم طلباً وإفادة وجمعاً وتصنيفاً، أفتى ودرس وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري، وسنه آنذاك دون العشرين سنة، من مؤلفاته: " الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع " في الأصول، وألفية في التصوف سماها " الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد "، وغير ذلك، توفي سنة خمس وثلاثين وتسعمئة ودفن بمقبرة الشيخ رسلان (¬2). رابعاً: شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الدلجي العثماني الشافعي ولد سنة ستين وثمانمئة بدلجة، وحفظ القرآن العظيم بها، ثم دخل القاهرة فقرأ " التنبيه" وغيره على علمائها، ثم رحل إلى دمشق وأقام بها نحو ثلاثين سنة، وأخذ عن البرهان البقاعي، وغيره، وسافر إلى بلاد الروم واجتمع بسلطانها أبي زيد وحج من بلاد الشام، ثم عاد إلى القاهرة، كتب شرحاً على ¬

_ (¬1) انظر: شذرات الذهب 8/ 201، والأعلام 1/ 233، ومعجم المؤلفين 2/ 138. (¬2) انظر: شذرات الذهب 8/ 209، ومعجم المؤلفين 11/ 184.

مصنفاته

" الخزرجية "، وشرحاً على " الأربعين النووية " وغيرها، توفي بالقاهرة سنة سبع وأربعين وتسعمئة (¬1). مصنفاته (¬2): صنف البقاعي تصانيف متنوعة وكثيرة، منها: 1. عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران. 2. عنوان العنوان وهو مختصر عنوان الزمان. 3. أسواق الأشواق اختصر به مصارع العشاق. 4. الباحة في علمي الحساب والمساحة. 5. الإباحة في شرح الباحة في علم الحساب والمساحة. 6. أخبار الجلاد في فتح البلاد. 7. نظم الدرر في تناسب الآيات والسور (¬3) يعرف بمناسبات البقاعي، أو تفسير البقاعي. 8. بذل النصح والشفقة للتعريف بصحبة ورقة. 9. جواهر البحار في نظم سيرة المختار. 10. الإعلام بسن الهجرة إلى الشام، وهو كتاب مطبوع متداول. 11. مصرع التصوف. ¬

_ (¬1) انظر: شذرات الذهب 8/ 270، والأعلام 7/ 56 - 57، ومعجم المؤلفين 11/ 265. (¬2) انظر: نظم العقيان في أعيان الأعيان: 24، وتاريخ آداب اللغة العربية 3/ 168، والأعلام 1/ 56، ومعجم المؤلفين 1/ 71. (¬3) ورد اسم هذا المصنف عند الحافظ جلال الدين السيوطي باسم الجوهر والدرر في مناسبة الآي والسور. انظر: نظم العقيان في أعيان الأعيان: 24.

ثناء العلماء عليه

12. تهذيب الجمل في مختصر نهاية الأمل في المنطق - للخونجي - (¬1) 13. مختصر في السيرة النبوية والثلاثة الخلفاء. 14. القول المفيد في أصول التجويد، وهو مطبوع. 15. سر الروح اختصره من كتاب الروح لابن القيم الجوزية، وهو مطبوع ومتداول. 16. مصارع النظر للأشواق على مقاصد السور. 17. النكت الوفية بما فِي شرح الألفية (¬2). 18. النكت على شرح العقائد. 19. كناية القارئ في رواية أبي عمرو. 20. الاطلاع على حجة الوداع. 21. إشعار الواعي بأشعار البقاعي وهو ديوان شعر (¬3). 20. تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن العربي، وبسبب هذا التأليف تناولته الألسن، وكثر الرد عليه. فممن رد عليه السيوطي بكتابه تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي. ثناء العلماء عليه: كان لتبكير البقاعي رحمه الله في طلب العلم، ولما خلفه لنا من ثروة هائلة من المصنفات في شتى العلوم، الأثر البالغ في نفوس العلماء، فراحوا يثنون عليه بالأقوال الحسان، وفيما يأتي ذكر لبعض أقوالهم: ¬

_ (¬1) انظر: كشف الظنون 1/ 602. (¬2) وهو الذي بين يديك. (¬3) انظر: أشعار البقاعي في كتاب نظم العقيان في أعيان الأعيان: 25.

نقد العلماء له والكلام عليه

أولاً: جلال الدين السيوطي: فقد وصفه بأنه: ((علامة محدّث حافظ، وبأنه مهر وبرع في الفنون وله تصانيف كثيرة حسنة)) (¬1). ثانياً: ابن عماد الحنبلي: فقد وصفه بأنه: ((المحدّث المفسر الإمام العلامة المؤرخ، وبأنه كان من أعاجيب الدهر وحسناته)) (¬2). ثالثاً: محمد بن علي الشوكاني: فقد وصفه بأنه: ((من الأئمة المتقنين المتبحرين في جميع المعارف وأنه من أوعية العلم المفرطين في الذكاء، الجامعين بين علمي المعقول والمنقول)) (¬3). نقد العلماء له والكلام عليه: أولاً: السخاوي: فقد وصفه بقوله: (( ... ولكن أضله التيه، وحب الشرف والسمعة، وأنزل نفسه محلاً لم ينته لعشره بحيث زعم أنه قيم العصرين بكتاب الله وسنة رسوله، وأنه أبدى ببديهته جواباً مكث التقي السبكي واقفاً عنه أربعين سنة، وإنه لا يخرج عن الكتاب والسنة بل هو متطبع بأطباع الصحابة مع رميه للناس بما يقابله الله عَلَيْهِ، حتى أنه طعن في حافظ الشام ابن ناصر الدين إلى غيره من الأكابر كالقاياتي والنويري، وما سلم منه أحد وليس بثقة ولا صدوق)) (¬4). وقد انتقده السخاوي أيضاً في كتابه " الضوء اللامع " عندما ترجم له فقد ملأ ترجمته بالسب والعيب والانتقاص والمثالب فقد قال عنه: ((وركب البحر في عدة غزوات، ورابط غير مرة، الله أعلم بنيته في ذلك كله، وأنه رمى الناس بالقذف والفسق والكذب والجهل، وذكر ألفاظ لا تصدر من عاقل وأموراً متناقضة وأفعالاً ¬

_ (¬1) انظر: نظم العقيان في أعيان الأعيان: 24. (¬2) انظر: شذرات الذهب 7/ 340. (¬3) انظر: البدر الطالع 1/ 20. (¬4) انظر: وجيز الكلام في الذيل على دول الإسلام للسخاوي 3/ 909 - 911.

وفاته

سيئة وحقداً تاماً وما علمت أحداً سلم من أذاه لا الشيوخ ولا الأقران ولا من يليهم من كل بلد دخله)) (¬1). ثانياً: السيوطي: انتقده السيوطي بسبب تأليفه لكتاب " تنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن العربي " فقد رد عليه السيوطي بكتابه "تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي" (¬2). وفاته: توفي برهان الدين البقاعي ليلة السبت ثامن عشر رجب سنة خمس وثمانين وثمان مئة، بعد أن تفتت كبده من مكابدة الشدائد ومناهدة العظائم، وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي، ودفن بالحميرية خارج دمشق من جهة قبر عاتكة (¬3). وقد رثى نفسه في حياته لموته فقال (¬4): نعم إنني عما قريب لميت ... ومن ذا الذي يبقى على الحدثان كأني بي أنعى إليك وعندها ... ترى خبراً صمت له الآذانِ فلا حسد يبقى إليك وَلاَ قلى ... فتنطق من مدحي بأي معانِ وتنظر أوصافي فتعلم أنها ... علت عن مدان في أعز مكانِ ويمسي رجال قد تهدم ركنهم ... فمدمعهم لي دائم الهملانِ فكم من عزيز بي يذل جماحه ... ويطمع فيه ذو شقا وهوان فيا رب من يفاجا بهوان بوده ... ولو كنت موجوداً إليه دعاني ¬

_ (¬1) انظر: الضوء اللامع 1/ 102 - 103. (¬2) نقلاً من كتاب شذرات الذهب 7/ 340. (¬3) انظر: الضوء اللامع 1/ 107، وكشف الظنون 2/ 574، وشذرات الذهب 7/ 340، والبدر الطالع 1/ 21، وتاريخ آداب اللغة العربية 3/ 168، والأعلام 1/ 56، ومعجم المؤلفين 1/ 71. (¬4) انظر: الضوء اللامع 1/ 107 - 108، والبدر الطالع 1/ 21 - 22.

ويا رب شخص قد دهته مصيبة ... لها القلب أمسى دائم الخفقانِ فيطلب من يجلو صداها فلا يرى ... ولو كنت جلتها يدي ولساني وكم ظالم نالته مني غضاضة ... لنصرة مظلوم ضعيف جنانِ وكم خطة سامت ذويها معرة ... أعيذت بضرب من يدي وطعانِ فإن يرثني من كنت أجمع شمله ... بتشتيت شملي مَا الوفاء رثاني وإلا نعاني كل خلق ترفعت ... به هممي عن شائن وبكاني

دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية "

دراسة كتاب " النكت الوفية بما في شرح الألفية " لعلنا لا نغادرُ أرضَ الواقعِ والحقيقةِ إذا قلنا: أنَّ شرحَ الحافظِ العراقيِّ منْ أكثرِ الشروحِ أصالةً في مادتهِ العلميةِ، وأوفرِها إغناءً لجوانبِ البحثِ العلميِّ، فقدْ حوى الكتابُ الكثيرَ من النقولاتِ لأئمةِ هذا الفنِّ وعُمَدِهِ فاستغنى بها، وأجادَ وأفادَ مع الأصالة التامة والإبداع الفائق والأسلوب الرصين؛ حتى أصبح هذا الكتَاب منَ المراجعِ الجليلةِ لعلمِ مصطلحِ الحديثِ، ولا غنيةَ لطَالبِ العلمِ عنهُ. ولا ريبَ أن لا حفظَ لكتابٍ عن الخطأِ والتحريفِ والتصحيفِ خلا كتاب اللهِ تعالى، فمنَ البَدهي أنْ يعتري هذا الجهد البشري - الذي لا يخلوا من نقصٍ جُبِلَت عليهِ فطرة النَّاس التي فطرهم اللهُ عليها -بعضَ الهناتِ هنا وهناكَ، وفي هذا يقولُ العمادُ الأصبهانيُّ: ((إنَّهُ لا يكتبُ إنسانٌ كتاباً في يومهِ إلا قالَ في غدهِ: لو غُيِّرَ هذا لكانَ أحسن، ولو زِيدَ هذا لكانَ يُستحسن، ولو قُدِّمَ هذا لكانَ أفضل، ولو تُركَ هذا لكانَ أجمل، وهذا منْ أعظمِ العبرِ، وهو دليلٌ على استيلاءِ النقصِ على جملةِ البشرِ))، وقدْ دأبَ أهلُ العلمِ الفضلاءِ في تتبعِ أمهاتِ الكتبِ نفياً لما جاءَ فيها من تقصيرٍ، وتصحيحاً لبعضِ ما شابها من أخطاءٍ خدمةً لدينِ اللهِ، وابتغاءً لمرضاتهِ جلَّ في علاه المتمثل بخدمَةِ سنةِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - الدليل الثاني منْ أدلةِ الدينِ الحنيفِ؛ لذا جاءَ كتابُ " النكتِ الوفيةِ بما في شرح الألفية " للعلامةِ البقاعيِّ على هذا النهجِ، وهذا المنوالِ ليُتممَ فوائدَ هذا الشَّرحِ الجليلِ العلمية، ويحل بعضَ ما غمضَ وأبهم من عباراتِهِ وجملِهِ، فاكاً لكلِّ لبسٍ قد يَظهرُ للقارئ حولها، ومستدركاً لبعضِ ما وردَ فيهِ منَ الهفواتِ التي لا يخلوا منها عملُ إنسانٍ -وكما قدَّمت قبلَ قليلٍ - ومنبهاً على جوانب علميةٍ فريدةٍ حواهَا هذا السفرُ العظيمُ، وفيما يأتي أوجزُ بعضَ هذهِ السماتِ التي تمتعَ بها كتابُ " النكتِ الوفيةِ بما في شرح الألفية " وبعضَ ما امتازَ بهِ، فأقول وبالله التوفيق:

1 - تَضمَّنَ كتاب " النكتِ الوفيةِ بما في شرح الألفية " اعتراضات على بعضِ الأبياتِ الشعريةِ من ألفيةِ الإمامِ العراقيِّ مورداً ما يراهُ أولى بالنَّظمِ وأتم للفائدةِ وأشمل، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 80 و134 و139 و315 و348 و363 و445 و457 و541 و544 و615 و2/ 10 و62 و101 و144 و147 و235 و277. 2 - لم يتقيد العلامةُ البقاعيُّ في حرفيةِ النقلِ حينما ينقلُ من الكتبِ الأخرى مستدلاً بهذه النقولاتِ أو موضحاً لرأيٍ أو عبارةٍ، بل تصرَّفَ في كثيرٍ منَ الأحيانِ، ولكن مع المحافظةِ على روحِ النَّصِ والتقيدِ بمعناه، وكثيراً ما كانَ يصرِّحُ بذلكَ عقبَ انتهاءِ نقلهِ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 68 و89 و153 و208 و442 و2/ 141. 3 - نقلَ كثيراً من الفوائدِ العلميةِ في علمِ مصطلحِ الحديثِ ومناهجِ المحدّثينَ عن شيخهِ الحافظِ ابن حجر، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 75 و77 و89 و124 و126 و141 و142 و145 و146 و148 و149 و156 و159 و168 - 169 و291 و409، وبعضها لا نجده عند غير البقاعي مما يعطينا مادة علمية إضافية عن الحافظ ابن حجر. 4 - أورد العلامة البقاعي في " النكت الوفية بما في شرح الألفية " ذكراً لكثيرٍ منْ نوادرِ الكتبِ والتي لم تصلْ إلينا لسبب ما، ناقلاً منها عباراتٍ متنوعةٍ، واصفاً بعضها بأبرزِ سماتها وموضحاً أثرهَا العلمي، انظر على سبيل المثالِ: 1/ 63 و87 و90 و102 و170 و203 و317 و541. 5 - تكررت في كتابهِ عبارات: ((وبخطِّ بعضِ أصحابنا))، و ((قالَ بعضُ أصحابنا))، و ((قالَ صاحبنا))، وقد أبهمَ فيها اسمَ منْ نقلَ عنه، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 77 و115 و116 و120 و121 و184 و313 و314 و333

و615 و618 و628 و658 و664 و2/ 35 و435، وفي بعض الأماكن يترجح الظن أنه أراد السخاوي، ولعله أبهمه لما حصل بينهما من جفوة، والله أعلم. 6 - ردَّ في كتابِهِ هذا على كثيرٍ منَ الاعتراضاتِ التي اعُترضَ فيها على ابن الصَّلاحِ على بعضِ ما أوردهُ في كتابهِ " معرفة أنواعِ علمِ الحديثِ "، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 79 و86 و135 و138 و139 و312 و2/ 69. 7 - تَعقبَ شيخَه الحافظ ابن حجر في عدةِ مواطنَ مِنْ هذا الكتابِ بعدَ أنْ ينقلَ رأيهُ في بعض المسائل، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 367. 8 - استطردَ كثيراً في ذكرِ الفوائدِ اللغويةِ والبلاغيةِ، وأخذَ ينقلُ الكثيرَ من العباراتِ من معاجمِ اللغةِ والغريبِ، مبيناً وموضحاً لما استُعجمَ أو أُبهمَ من الكلماتِ أو العباراتِ؛ مما أثرى هذا الكتابَ بمادةٍ لغويةٍ جميلةٍ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 65 و67 و68 و69 و72 و135 و147 و264 و283 - 289 و317 و358 و385 و405 و455 و499 - 500 و509 و512 و525 و538 و543 و549 و550 و559 و575 و576 و592 و600 و2/ 34 و65 و67 و68 و82 و86 - 90 و98 و106 و133 و134 و141 و142 و147 و164 و171 و173 و180 و184 و225 و226 و254 و314 و316 و320 و345 و372 و381 و437 و448 و449 و455. 9 - ذكرَ بعضَ الفوائد الأصوليةِ، والقواعد الفقهيةِ في أصولِ الفقهِ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 90 و165 و174 و292 و327 و344 و418 و588. 10 - أوردَ بعضَ العباراتِ المنطقيةِ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 139 و417 و590 و591. 11 - أوردَ عبارات جميلةٍ في المصطلحِ لخَّصَ فيها الكثيرَ من الكلامِ، وترى فيها

خلاصة ما استقرَّ عليهِ علمُ مصطلحِ الحديثِ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 81 و171 و307 و588 و625. 12 - أوردَ مسائلَ لنفسهِ عرضها أو سألَ عنها شيخَهُ ابن حجرٍ، وأوردَ بعدها أجوبةَ الحافظِ ابن حجرٍ عليها. انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 113 و348 و453 و488 - 489. 13 - نَقلَ عبارات من كتابِ العراقيِّ " الشرح الكبير "، وهو مِنَ الكتب النفيسةِ التي ألفها الحافظُ العراقيُّ وفُقدتْ ولم تصلْ إلينَا - وكما تَقدمَ تبيانُهُ - انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 108 و154 و160 و166 و186 و201 و282 و661. 14 - أوردَ عبارات أو أحاديث من كتبٍ موجودةٍ ومطبوعةٍ، وحينَ الرجوع إليها كنَّا لا نَرى هذهِ العبارات فلعلها مما سَقطَ من مخطوطاتِ تلكَ الكتبِ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 118 و464. 15 - قامَ بإيضاحِ عبارات أو أسماء وردتْ في " شرح التبصرةِ والتذكرةِ " عن طريقِ إيرادِ ما يوضحها من كتابِ "التقييد والإيضاح" ولقدْ أكثرَ المصنِّفُ من هذا، وهو صنيعٌ حسنٌ؛ لأنَّ أولى ما يزيلُ إبهامَ عبارات إي كاتبٍ هو الكاتبُ نفسه، وانظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 137 و370 و389 و402 و403 و423 و452 و513 و517 و577 و595 و597 و602 و628 و634 و2/ 9 و23 و25 و30 و41 و53 و56 و57 و72 و94 و113 و446 و474. 16 - نَقلَ اعتراضاتِ شيخِهِ الحافظِ ابن حجر على بعضِ الأبياتِ الشعريةِ من ألفيةِ العراقيِّ، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 216. 17 - قَامَ بضبطِ بعضِ الأسماءِ في كتابهِ وخاصةً تلكَ التي فيها خلاف أو وقعَ فيها تصحيف، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 253 و262 و371 و372 و444

و559 و563 و566 و632 و2/ 237 و314. 18 - أوضحَ أسماءَ بعضِ العلماءِ أو الشخصياتِ الذينَ وردَ ذكرهم في الشرحِ من غيرِ إيضاحٍ أو ترجمةٍ لهم، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 334 و370 و419 و523 و560 و573 و616 و617 و618 و619 و2/ 30 و60 و62 و71 و101 و144 و167 و312 و313 و319 و392 و472 و488. 19 - نَقلَ في مواطنَ كثيرةٍ من كتابِهِ استدراكاتٍ لشيخِهِ البرهان الحلبي وقد أوردَ بعضاً منها على شكلِ أبياتٍ شعريةٍ، وانظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 379 و380 و386 و401 و2/ 91 و197 - 198. 20 - تكلمَ في كتابِه هذا عن بعضِ الفرقِ الإسلاميةِ، موضحاً سماتها، وبعض معالمها الرئيسةِ، وأبرز رجالاتها، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 551 و552 و553 و562 و656 و657. 21 - وجدت بينَ ثنايا كتابِهِ هذا بعض العباراتِ الفلسفيةِ وخاصةً فيما يخصُّ القولَ في الإيمانياتِ والعقائدِ ومعظمها لا يركنُ إلى دليلٍ نقليٍّ إنما هو العقلُ والظنُّ لا غير، وهذا مما يعابُ عليهِ - رحمهُ اللهُ وغفرَ لهُ -، انظر على سبيلِ المثالِ: 1/ 649 - 652. 22 - غالب مادة الكتاب من الحافظ ابن حجر، لكنه بتعبير البقاعي أخذه من شيخه الحافظ ابن حجر في الدرس، وبعضه على سبيل المذاكرة والسؤال. 23 - لم يكن البقاعي يملك بعض الكتب عند تأليفه هذا الكتاب، من ذلك أنه كان يستخدم لاختصار علوم الحديث لابن كثير نقولات بعض أصحابه. 24 - كان البقاعي كثير الاعتماد على شيخه الحافظ ابن حجر في نقولاته في بعض الأشياء من بعض كتبه، وربما قلده أحياناً ببعض الغلط، وكان عليه في بعض أن يرجع إلى المصادر الأصلية.

25 - لم تكن عناية البقاعي قاصرة على تأليف الكتاب فحسب، بل إنه درس الكتاب، وقرئ عليه، كما كتب هو ذلك نفسه وبخطه على نسخة أوقاف بغداد، انظر على سبيل المثال: 1/ 78 و162 و305 و358 و414 و440 و470 و502 و522 و605 و652، وكتب الناسخ في الحاشية: ((بلغ على المؤلف)) انظر: 1/ 280 و315 و412 و2/ 148. 26 - ألف البقاعي هذا الكتاب في حياة الحافظ ابن حجر، انظر دليل ذلك 1/ 130، وكذلك مما يعلم من مقدمة البقاعي نفسه. 27 - تضمن الكتاب فوائد عزيزة ونفيسة ودراسات جادة قلّ أن نجد مثلها مبسوطاً في موضع آخر، انظر على سبيل المثال 1/ 351 و459 - 460. 28 - كان يتصرف في أسماء الكتب فعلى سبيل المثال كتاب " التقييد والإيضاح " كان يسميه (النكت)، مع أنه صرح في المجلد الأول صفحة 76 أن اسم الكتاب " التقييد والإيضاح ". 29 - أضاف عدداً من الأبيات على الألفية في أماكن متفرقة من نظمه ومن نظم غيره. هذا ما تيسر لي بإيجاز سريع، والذي يطالع الكتاب من أوله إلى آخره مع تعليقاتي واستدراكاتي عليه سيجد الكثير من الملاحظات المتعددة، إذ لكل مقام مقال.

نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي

نشأة علم مصطلح الحديث وتطوره حتى زمن البقاعي إن علم مصطلح الحديث له أهمية كبيرة؛ إذ به يعرف صحيح الحديث من ضعيفه، وعدله من معوجه؛ ولعل أهمية ذلك تدرك من أهمية الحديث النبوي الشريف، الذي هو المصدر التشريعي الثاني بعد القرآن الكريم الذي هو أصل الدين، ومنبع الطريق المستقيم. ومصطلح الحديث يبين من خلاله الحديث المعل من السليم والصحيح من الضعيف والموقوف من المرفوع والمقبول من المردود، وعليه يقوم استنباط الأحكام من السنة الطاهرة وبواسطة هذا العلم الجليل - الذي تفرد به المسلمون - يتم حسن الاقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم -، وقد نشأ هذا العلم الشريف مبكراً بعد ظهور الرواية، وقد وردت عن التابعين ومن بعدهم عبارات من هذا الفن، كما ورد من قول محمد بن سيرين: ((لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلما وقعت الفتنة، قالوا: سموا لنا رجالكم، فينظر إلى أهل السنة فيؤخذ حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فلا يؤخذ حديثهم)) (¬1). وقال عبد الله بن المبارك: ((الإسناد من الدين ولولا الإسناد لقال من شاء ما شاء)) (¬2). لكن وجود مثل هذه العبارات لم يكن مؤلفاً عند السابقين بمؤلفات خاصة، فقد سبق تدوين الحديث التدوين بعلم مصطلح الحديث، ولا غرابة أن يكون علم مصطلح الحديث متأخراً في التدوين عن علم الحديث، وربما أن المتقدمين جداً لم يريدوا إفراد هذا الفن بالتصنيف لعدم حاجتهم إليه آنذاك، وقد احتيج إليه فيما بعد، فبدئ بالتدوين في هذا العلم الشريف، فكان أول من ألف فيه الإمام الشافعي المتوفى سنة (204 هـ‍) في كتابه " الرسالة " إذ تكلم عن شروط الحديث الصحيح، وشروط الراوي العدل، وبحث الكلام عن الحديث ¬

_ (¬1) مقدمة صحيح مسلم 1/ 15. (¬2) المصدر نفسه.

المرسل وشروطه، وتكلم عن الانقطاع في الحديث، وتكلم عن جمع السنة، وأنكر على من رد الحديث وتكلم عن تثبيت خبر الواحد وشروط الحفظ، وتكلم عن الرواية بالمعنى، وعن التدليس ومن عرف به، وتكلم عن زيادة التوثيق في الرواية بطلب إسناد آخر، وتكلم عن أصول الرواية (¬1). ثم تلاه في التأليف في هذا الفن الحميدي عبد الله بن الزبير المتوفى سنة (219 هـ‍) وهو صاحب المسند وشيخ البخاري، إذ يظهر من سوق الخطيب في كفايته بإسناد واحد إلى الحميدي عدة مسائل في المصطلح أن له رسالة في علم مصطلح الحديث. ثم تبع هذين العالمين الجليلين في الكتابة في قضايا المصطلح الإمام مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفى سنة (261 هـ‍) فضمّن كتابه " الجامع " مقدمة نفيسة تكلم فيها عن بعض القضايا المهمة في علم مصطلح الحديث؛ إذ تكلم عن تقسيم الأخبار، وعن تقسيم طبقات الرواة من حيث الحفظ والإتقان، وتكلم عن الحديث المنكر، وعن تفرد الرواة، وعن حكم الأحاديث الضعيفة والروايات المنكرة، وتكلم عن وجوب الرواية عن الثقات، وترك الكذابين والتحذير من الكذب على ¬

_ (¬1) قلت في مقدمتي لمسند الإمام الشافعي 1/ 24: ((والشافعي من العلماء الأوائل الذين كتبوا في علم المصطلح، ووضعوا تعاريف لبعض ما اصطلح عليه المحدّثون، كما ورد بعض ذلك في كتابه " الرسالة "))، وفي سبري لكتب مصطلح الحديث نجد ذكر الإمام الشافعي كثيراً انظر على سبيل المثال طبعتنا لشرح التبصرة والتذكرة الجزء الأول: 107 و108 و115 و158 و185 و186 و197 و208 و209 و210 و211 و238 و239 و240 و242 و245 و246 و266 و281 و282 و283 و284 و285 و286 و327 و330 و331 و339 و347 و348 و355 و356 و364 و367 و394 و398 و417 و418 و432 و440 و459 و503. والجزء الثاني: 20 و28 و29 و35 و39 و97 و98 و99 و108 و120 و138 و212 و276 و317.

رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ونصب الأدلة على ذلك، وساق ما يدل على التغليط في النهي عن الرواية عن الكذابين والضعفاء، والتساهل في الرواية عن كل ما يسمع فتكلم عن أهمية الإسناد، وعن وجوب جرح الرواة الضعفاء، وأنه ليس من الغيبة المحرمة، بل من الذب عن الشريعة المكرمة، ثم تكلم بإسهاب وتفصيل عن صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن، حتى أثخن في الجواب عمن اشترط ثبوت اللقيا فيه، وكذلك كتابه " التمييز " لا يخل من بعض قضايا مصطلح الحديث بسبب أن مسلماً مشهور ومعروف بتبسيط العلم مما أداه إلى شرح بعض المصطلحات. ثم تبعه بالكلام عن بعض قضايا المصطلح أبو داود السجستاني المتوفى سنة (275 هـ‍) في رسالته إلى أهل مكة في وصف سننه، إذ تكلم عن المراسيل وعن حكمها، وتكلم عن عدد السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكلم عن الاحتجاج بالحديث الغريب، وعن حكم الاحتجاج بالحديث الشاذ، وتكلم عن الحديث الصحيح، وعن المنقطع والمدلس، ومثّل لذلك، وتكلم عن صيغ السماع والحديث المعلول. وما ذكرته في كلامه عن هذه الأنواع إنما هي رموز. ثم تبع هؤلاء في التأليف الإمام محمد بن عيسى بن سورة الترمذي المتوفى سنة (279 هـ‍) تلميذ الإمام البخاري وخريجه في كتابه النفيس " العلل الصغير " (¬1)، وهذا الكتاب ألفه الترمذي ووضعه في آخر " الجامع الكبير " (¬2)، تكلم فيه هذا الإمام الجهبذ الجليل عن قضايا مهمة في مصطلح الحديث، فقد تكلم عن أنواع التحمل، وخص الإجازة بتوسع، وتكلم عن مسألة الرواية باللفظ والرواية ¬

_ (¬1) يبدو لي أن وسم هذا الكتاب بالصغير، تعريف وصفي لم يكن من قبل الإمام الترمذي، إنما من قبل من جاء بعده، من أجل التمييز بين هذا الكتاب والعلل الكبير. (¬2) رأى بعضهم أن الترمذي وضعه في آخر "الجامع" ولم يضعه في البداية تأدباً مع كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى لا يكون كلامه قبل كلام النبي - صلى الله عليه وسلم -.

بالمعنى، وتكلم على زيادة الثقة، ونقل اختلاف العلماء في جواز الكلام على الرجل جرحاً وتعديلاً، ثم رجح وجوب نقد الرجال؛ لأنه السبيل الوحيد إلى معرفة ما يقبل وما يرد من الحديث النبوي الشريف، وقسم أجناس الرواة من حيث الضبط وعدمه وتكلم عن تفاوت الرواة في ذلك، وتكلم عن مفهوم الحديث الحسن عنده، وعن مفهوم الحديث الغريب، وتكلم عن المعلل والمرسل مع ذكر بعض أسباب رد المحدّثين له، وكتابه " الجامع الكبير " فيه كثير من القضايا المهمة في مصطلح الحديث. ثم جاء من بعدهم الإمام أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي الحنفي المتوفى سنة (321 هـ‍) إذ ألف رسالة في الفرق بين التحديث والإخبار، والفرق بين المعنعن والمؤنن، وهي موجودة في " شرح مشكل الآثار "، ثم جاء من بعدهم الحافظ محمد ابن حبان البستي المتوفى سنة (354 هـ‍) إذ كتب بعضاً من مسائل مصطلح الحديث في عدد من كتبه فقد ذكر في مقدمة كتابه " الثقات " الرواة اللذين يجوز الاحتجاج بخبرهم وساق شروطهم، ثم قال: ((فكل من ذكرته في كتابي هذا إذا تعرى عن الخصال الخمس التي ذكرتها فهو عدل، يجوز الاحتجاج بخبره)). ثم ذكر شروط الموثق عنده. أما كتابه " المجروحين " فقد ذكر في مقدمته أنواع الجرح، فكانت عشرين، أما كتابه الأعظم " الصحيح على التقاسيم والأنواع " فقد ضمنه بعض قضايا المصطلح المهمة في مقدمته النفيسة، إذ أجمل شرطه في عنوان الكتاب، ثم بسط كلامه عن هذه الشروط ودافع عن منهجه في التصحيح، ثم تكلم عن أقسام الأخبار من حيث طرقها، وتكلم عن اختلاف الرفع والوقف، والوصل والإرسال، وتكلم على زيادات الثقات في الأسانيد والمتون، ثم تكلم عن رواية أهل البدع، وعن حكم الرواية عنهم، وتكلم عن المختلطين وعن حكم الرواية عنهم،

وتكلم عن المدلسين، وعن عدالة الصحابة. ثم جاء من بعدهم القاضي الحسن بن عبد الرحمان الرامهرمزي المتوفى سنة (360 هـ‍)، فألف كتابه النافع الماتع " المحدِّث الفاصل بين الراوي والواعي " وهو كتاب غير مختص لجمع أنواع علوم الحديث كلها، ولم يقصد من وضعه ذلك، إنما هو كتاب متصل بسنن الرواية والطلب والكتابة ومناهجها، فهو يبحث في أبوابه الأولى في مقدمات عن علم مصطلح الحديث ثم أوصاف طالب الحديث وبعض شروطه وما يتعلق به، ثم تكلم عن العالي والنازل من الأسانيد وما يتعلق به من الرحلة وعدمها، ثم تكلم عمن جمع بين الرواية وتكلم بإجادة وتفصيل عن طرق التحمل وصيغ الأداء ثم تكلم عن اللحن والرواية بالمعنى والمعارضة والمذاكرة والمنافسة وغيرها، واعتمد على نقل الأخبار عن السلف الماضين بالأسانيد، حتى امتدحه أئمة هذا الشأن في صنيعه في هذا الكتاب، فقد قال فيه الذهبي: ((مصنف كتاب المحدث الفاصل بين الراوي والواعي، وما أحسنه من كتاب، قيل: إن السلفي كان لا يكاد يفارق كمه، يعني في بعض عمره)) (¬1). ثم جاء من بعده أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفى سنة (405 هـ‍)، فألف كتابه " معرفة علوم الحديث " وكتابه هذا أنفس بكثير من كتاب الرامهرمزي، وأكثر جودة؛ لاستيعابه أغلب أنواع علم الحديث وتقسيمه ذلك وتفصيله لأنواعه حتى عده بعضهم أنه رائد التأليف في مصطلح الحديث. ثم جاء من بعده الحافظ أبو نعيم أحمد بن علي الأصفهاني المتوفى سنة (430 هـ‍)، فزاد على ما كتب الحاكم وتعقبه في بعض الأمور، بكتاب أسماه: " المستخرج على كتاب الحاكم " لكنه لم يبلغ الغاية فيه فأبقى فيه - كما يقول ¬

_ (¬1) سير أعلام النبلاء 16/ 33.

ابن حجر - أشياء للمتعقب. ثم جاء من بعده الحافظ أبو يعلى الخليلي المتوفى سنة (446 هـ‍)، فألف كتابه " الإرشاد في معرفة علماء الحديث "، وقد ذكر في مقدمة هذا الكتاب شيئاً من دقائق علم مصطلح الحديث، فتكلم عن الحديث الصحيح، وشرح شيئاً عن العلة، وتكلم عن الشذوذ وعن الأفراد وعن المنكر والشاذ، وتحدث عن العلو والنزول، وتحدث عن طبقات الحفاظ وأئمة هذا الشأن، ونقاد الأثر، وطبقات فقهاء الصحابة وغيرهم (¬1). ثم جاء من بعدهم الخطيب البغدادي أبو بكر أحمد بن علي المتوفى سنة (463 هـ‍)، فصنف في قوانين الرواية كتابه المسمى " الكفاية في علم الرواية " كما كتب في أدب الرواية كتاباً سماه " الجامع لآداب الشيخ والسامع "، وكان للخطيب البغدادي دور واسع في مصطلح الحديث، وألف كتباً مستقلةً قي أغلب فنون علم مصطلح الحديث، وبذلك أجمع المنصفون على أن كل من جاء بعده كان عالة على كتبه. ثم جاء من بعدهم الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي المتوفى سنة (507 هـ‍) فألف كتاباً في العلو والنزول (¬2). ثم ألف القاضي عياض المتوفى سنة (544 هـ‍) كتاب " الإلماع "، وأبو حفص الميانشي المتوفى سنة (581 هـ‍) جزءاَ لطيفاً سماه " ما لا يسع المحدّث جهله ". هذه هي المؤلفات التي تناولت علم مصطلح الحديث واستمر الحال عليها حتى جاء الحافظ تقي الدين أبو عمرو عثمان بن الصلاح الشهرزوري المولود سنة ¬

_ (¬1) وتضمن الكلام عن هذه المقدمات من 1/ 175 - 185. (¬2) كشف الظنون 2/ 1661.

(577هـ‍) والمتوفي سنة (643 هـ‍) نزيل دمشق، فجمع لما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الأشرفية ما تفرق في مؤلفات من سبقه، وضم إليه ما يجب ضمه من الفوائد، وذلك في كتابه النفيس " معرفة أنواع علم الحديث "، وهو من أجل كتب مصطلح الحديث وأحسنها، وكان هذا الكتاب حدثاً جديداً ومحوراً دارت في فلكه تصانيف كل من أتى بعده، وأنه واسطة عقدها، ومصدر ما تفرع عنها، ولم يكن لمن بعده سوى إعادة الترتيب في بعض الأحيان، أو التسهيل عن طريق الاختصار أو النظم، أو إيضاح بعض مقاصده، وقد رزق الله تعالى كتاب ابن الصلاح القبول بين الناس، حتى صار مدرس من يروم الدخول بهذا الشأن ولا يتوصل إليه إلا عن طريقه فهو المفتاح لما أغلق من معانيه، والشارح بما أجمل من مبانيه. وقد اعتنى من جاء من بعد ابن الصلاح أشد العناية بكتابه حتى قال ابن حجر: ((فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ومستدرك عليه ومقتصر ومعارض له ومنتصر))، وكان من أفضل ما اعتنى بهذا الكتاب صنيع الحافظ العراقي إذ خدمه مرات عديدة كان أجلها حينما نظم الكتاب ثم شرح النظم بكتابه النفيس " شرح التبصرة والتذكرة " وقد بينت في مقدمتي لشرح التبصرة والتذكرة قيمة الشرح وطريقة الشارح (¬1)، ولنفاسة كتاب " شرح التبصرة والتذكرة " وأهميته خدمه البقاعي الخدمة التي تليق به وبمكانة مؤلفه، وقد تصدى لما أشكل من نظم الألفية أو شرحها مستفيداً بشكل أساسي من مباحثاته مع شيخه الحافظ ابن حجر، واستدرك عليه بعض المواطن التي لم يوضحها الحافظ العراقي، وما وقع في أبياتها من انكسار الوزن أو صعوبة التعبير، ولا أريد أن أطيل بوصف كتاب البقاعي فقد بينت ذلك في الدراسة عنه؛ لكن الذي أريده هو أن كتاب البقاعي متمم لفوائد وعوائد كتاب " شرح التبصرة والتذكرة "، الذي هو امتداد لحسن صنيع الحافظ ابن الصلاح. ¬

_ (¬1) والدراسة تضمنت الفصل الثاني من الدراسة من صفحة 43 من المجلد الأول إلى صفحة 73.

وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

وصف النسخ المعتمدة فِي التحقيق اعتمدت فِي تحقيقي لكتاب " النكت الوفية بما فِي شَرْح الألفية " عَلَى أربع نسخ خطية: الأولى: نسخة من محفوظات مكتبة الأوقاف العامة فِي بغداد تحت الرقم [1570] وهي نسخة عتيقة واضحة ومقروءة خطها نسخي عادي، تقع فِي (300) ورقة، في كل صفحة (19) سطراً، في كل سطر (10) كلمات تقريباً، تبدأ من أول الكتاب وتنتهي ببحث التسميع، كُتبت فِي حياة البقاعي سنة (880هـ‍‍)، وعليها خطه فِي مواضع كثيرة، قد أشرت لَهَا فِي المواضع التي وَرَدَ فِيهَا. (انظر على سبيل المثال: 1/ 78 و162 و305 و358 414 و440 و470 و502 و522 و605 و652، وكتب الناسخ في الحاشية بلغ على المؤلف. انظر: 1/ 280 و315 و412 و2/ 148) وهي مقروءة عَلَيْهِ، وصاحبها شِهَاب الدِّين أحمد الحمصي الشَّافِعِيّ، وهي التي جعلتها أصلاً ورمزت لَهَا بالرمز (أ)، وهذه النسخة نفيسة جداً، تعرف نفاستها من خلال السماعات الكثيرة الموجودة على الحواشي بخط البقاعي، وكذلك قلة الأخطاء الإملائية، مع ندرة التحريف والسقط، إلا في بعض الأماكن التي طمست بسبب الرطوبة وغيرها. وقد وضح لي من خلال عملي بهذه النسخة المتقنة أن كاتبها كان ممارساً وعالماً بشأن النسخ والمخطوطات إذ وجدت في مرات عديدة صنيعه صنيع الجهابذة لاستخدامه مصطلحات أهل العلم المتقنين في التعامل مع المخطوطات ففي صفحة 308 من الجزء الأول حينما سها فقدم وأخر في كلمتين وضع فوق كل كلمة حرف الميم إشارة إلى أن الصواب أن هذا مؤخر وهذا مقدم وكان يصحح على الكلمة المشكل إشارة إلى صحتها انظر: 1/ 308، وكان يضبب أحياناً على

الكلمة المشكلة انظر الموضع السابق، بل كان من مزيد دقته وجودت قريحته وشدة إتقانه أنه كان يكتب حرفاً صغيراً تحت الحرف الذي يخشى اشتباهه بحرف يشبهه، وكان أحياناً يضع علامة الإهمال على الحرف المهمل إشارة إلى أنه مهمل غير معجم، وقد وضح في كثير من الأماكن بعض العبارات كأن يقال: الشيخ فيكتب فوقها بحرف صغير: ((أي: العراقي)) أو يقال شيخنا فيكتب: ((أي: ابن حجر)) وغيرها كثير كذلك شرح الناسخ كثيراً من المصطلحات التي كانت ترد في الكتاب من غريب ونحوه، بل كان في بعض الأحيان ينقل في الحاشية فوائد عن شيخه البقاعي كما جاء في 1/ 419: ((قال شيخنا: كان عنده ثمانون فراشاً للمحدّثين يحررون معه السند)) على أن هذه الفائدة قد جاءت في متن الكتاب في المجلد الثاني صفحة 397 ومن فوائده أيضاً أنه علق في صفحة 467 من الجزء الأول فقال في الحاشية: ((المنكر يقابله المعروف، والشاذ يقابله المحفوظ))، وفي المجلد الأول صفحة 617 عرف الوجادة، وإن مما يحزن أن هذه النسخة ليست كاملة بل هي تمثل الجزء الأكبر من الكتاب وتنتهي في مطبوعتنا هذه في الجزء الثاني صفحة 194 وجاء في آخر النسخة: ((آخر الجزء الأول، ويتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى / 301أ /: ((صفة رواية الحديث وآدابه))، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، فرغ منْ كتابته، فِي يوم الأحد المبارك الخامس من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة ثمانين وثمان مئة، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وسلم)). الثانية: نسخة من محفوظات دار المخطوطات العراقية تحت الرقم [8668] وهي نسخة جيدة واضحة ومقروءة، خطها نسخي عادي كُتَبت قبل (851هـ‍)، وجاء

في بعض حواشي هذه النسخة ما يدل على نفاستها وجودتها ففي صفحة 320 من الجزء الأول: ((وكلام الحاكم ظاهر فيه))، وجاء فسي نسخة (ب) فوق كلمة ((يأباه)) ((لا)) ثم كتب في الحاشية: ((ضرب عليها شيخنا، وجعل موضعها ظاهر فيه)) وهذا إن دل على شيء دلّ على أن ناسخ النسخة هو تلميذ للبقاعي وأن النسخة مقرؤة عليه، وكذا جاءت في النسخة حواش أخر، وقد نقلت بعضها في الهامش انظر على سبيل المثال: 1/ 378 و403، ومع ذلك فالنسخة لم تخل من سقوطات يسيرة، ومما يؤسف له كذلك أنها ناقصة من أولها ومن آخرها وقد أشرت إلى ذلك في موطن النقص وتقع في (127) ورقة وهي تبدأ في مطبوعتنا 1/ 312 وتنتهي بـ 2/ 161، ورمزت لها بالرمز (ب) الثالثة: نسخة من محفوظات جامعة برنستون الأمريكية، تحت الرقم (3943) فلم ضمن مجموع (ق10 هـ‍)، وخطها نسخي جيد، حصل فيها سقط كثير وتصحيف، ويوجد عليها عدد من التملكات، عدد أوراقها (41) ورقة، في كل صفحة (19) سطراً، في كل سطر (10) كلمات تقريباً، تبدأ من أول الكتاب، وتنتهي في مبحث الضعيف، وهي في المطبوع تنتهي في 1/ 311 وقد رمزت لها بالرمز (ك). الرابعة: نسخة من محفوظات مكتبة فيض الله أفندي في استانبول تحت الرقم (252)، وقد حصلت على نسخة من صورتها المحفوظة في مكتبة المخطوطات بالجامعة الإسلامية (4301) فلم، خطها نسخي جيد وواضح مع قلة الأخطاء الإملائية، إلا أنه وقع فيها بعض التصحيفات والسقط، عدد أوراقها (275) ورقة في كل صفحة (21) سطراً، وفي كل سطر (12) كلمة تقريباً، تبدأ من أول الكتاب،

وتنتهي بنوع المسلسل، وجاء في آخرها: ((انتهى ما وجد مكتوباً في سادس شوال المبارك)) ورمزت لها بالرمز (ف).

منهج التحقيق

منهج التحقيق 1 - حاولت ضبط النص قدر المستطاع معتمداً عَلَى النسخ الأربع، مَعَ مراجعة الكتب المساعدة. 2 - اعتمدت على نسخة (أ) كأصل في تحقيق هذا الكتاب، إلا أنني لم أجمد على هذه النسخة، إنما غيّرت ما ارتأيت أنه صواب، وأكملت نقص الكتاب من نسخة (ف)، التي تفردت بالزيادة، وأشرت إلى نهاية الصفحات في النسخة (أ) بعد أن أعطيتها رمزاً، هكذا: (1/أ)، (1/ب)، وكذا فعلت في النسخة (ف) في الزيادة التي أضفتها. 3 - خرجت الآيات الكريمات من موطنها من المصحف، مَعَ الإشارة إلى اسم السورة ورقم الآية. 4 - خرجت الأحاديث النبوية الكريمة تخريجاً متوسطاً، وبينت فِي الأعم الأغلب مَا فِيهَا من نكت حديثية، ونبهت عَلَى مواطن الضعف، وكوامن العِلَل. 5 - خرجت أكثر النقولات عَنْ أهل العلم، وذلك بعزوها إلى كتبهم. 6 - فِي غالب الأحيان يذكر البقاعي عِنْدَ نقله أبيات الألفية جُزْء من الأبيات ثُمَّ يَقُولُ: الأبيات، أو البيتين، أو الْبَيْت اختصاراً، وقد نقلت ذَلِكَ من تحقيقنا " لشرح التبصرة والتذكرة "، إذ لاَ داعي للاختصار، عَلَى أنّا اعتمدنا ثلاث نسخ خطيّة فِي ضبط متن الألفية، وقد فصلنا الكلام عَنْهَا فِي مقدمتنا " لشرح التبصرة والتذكرة ". 7 - ترجمت لبعض الأعلام المبهمين الذين ذكرهم المصنف في هذا الكتاب، وعرفت بالأمكنة والفرق والكلمات الغريبة على وجه الإيجاز والاختصار. 8 - قدمت للكتاب بمقدمة أراها مناسبة كمدخل إليه.

9 - وضعت كلام العراقي بين قوسين كبيرين، وباللون الأسود الغامق. هكذا: قوله ( ... ). 10 - أضفت بعض العناوين، مع الإشارة إليها، وجعلتها باللون الأسود الغامق وهي نادرة جداً. 11 - ذكرت بعض التعليقات الواردة في الحاشية، في الهامش. 12 - صنعت الفهارس اللازمة التي تخدم الكتاب. 13 - قمت بشكل النص شكلاً متوسطاً. 14 - علقت عَلَى بَعْض المواطن التي أعتقد أنها بحاجة إلى مزيد إيضاح وبيان.

صور المخطوطات

صور المخطوطات

المتن المحقق

[بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ (¬1) وصلّى اللهُ على سيدِنَا محمدٍ وآلهِ وصحبِهِ وسلمَ. قالَ الشيخُ الإمامُ العالِمُ العَلامَةُ، الحَبْرُ، البحرُ، الفَهَّامَةُ، المحقِقُ، المدَققُ، الرحلةُ، الحافِظُ، الأوحَدُ، الأمَّةُ، المُتقِنُ، الضابطُ، المجاهدُ، المرابطُ، برهانُ الدّينِ، لسانُ المتكلمينَ، عُمدَةُ المفتِينَ، محيي سنةِ سيدِ المرسلينَ، أبو الحسنِ إبراهيمُ - جعلَ اللهُ علمهُ قائداً لهُ إلى جنّاتِ النعيمِ، وخالصاً لوجههِ الكريمِ - البقاعِيُّ الشافعيُّ -رضي اللهُ عنهُ وأرضاهُ-، وجعلَ الجنةَ مثوانا ومثواهُ] (¬2). الحمدُ للهِ الذي مَنْ أسندَ إليه ضعيفَ عزمه قوَّاهُ، ومنْ أنزلَ بجنابهِ موضوع قدره علاَّهُ، ومنْ أرسلَ إلى بابهِ صحيحَ عملِهِ قَبِلَهُ وارتضاهُ، وأشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ المتواترُ فضلهُ وآلاهُ، العزيز، فما انقطع إليهِ ذليلٌ إلاَّ وصلهُ ووالاهُ، وأشهدُ أنَّ سيدنا محمداً - صلى الله عليه وسلم - (¬3) عبدهُ الأوَّاهُ، ورسولُهُ المقطوعُ بشرفهِ المشهورُ علاهُ، المرفوعُ مَنْ تابعه، الموقوفُ مَنْ نَاواهُ - صلى الله وسلَّمَ عليه (¬4) وعلى آلهِ وصحبهِ ومَنْ آواهُ- أتمَ سلامٍ وأزكى صلاةٍ (¬5). ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ك): ((رب زدني علماً يا كريم)). (¬2) ما بين المعكوفتين جاء في أول نسخة (أ)، وجاء في نسخة (ف): ((بسم الله الرحمن الرحيم، رب يسر وأعن يا كريم، قال أفقر الخلائق إلى عفو الخالق أبو الحسن إبراهيم بن عمر ابن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر البقاعي الشافعي، نزيل القاهرة المعزيه، عامله الله بألطافه الجلية والخفية ووالديه وجميع المسلمين، آمين)). (¬3) لم ترد في (ك)، و (ف). (¬4) كلمة: ((وسلم)) لم ترد في (ك). (¬5) ضمن البقاعي - رحمه الله - خطبة كتابه بعض مفردات من مصطلح الحديث استئناساً وصلة لموضوع كتابه، مما زاد خطبة الكتاب رونقاً وجمالاً، وهو صنيع العراقي في كتابه " شرح التبصرة والتذكرة "، والذي يسمى ببراعة الاستهلال، وسيأتي قريباً إن شاء الله إشارة البقاعي - رحمه الله - لذلك.

أما بعدُ: فهذِهِ فوائد ونكتٌ وأبحاثٌ، تتعلقُ بالألفيةِ (¬1) الحديثيةِ وبشرحِها (¬2) (¬3)، - كلاهما لشيخِ الحفاظِ زينِ الدينِ أبي الفضلِ عبدِ الرحيمِ بنِ الحسينِ العراقيِّ، سقى اللهُ عهدهُ وثراهُ - في مصطلحِ أهل الحديثِ. قيدتُ فيها ما استفدتهُ مِنْ تحقيقِ تلميذهِ (¬4) شيخِنا شيخِ الإسلامِ حافظِ العصرِ، أبي الفضلِ شهابِ الدينِ، أحمد بنِ عليِّ بن حجرٍ الكنانيِّ العسقلانيِّ، ثمَّ المصريِّ الشافعيِّ، قاضي القضاة بالديارِ (¬5) / 2أ / المصريةِ أيامَ سماعِي لبحثها عليهِ، باركَ اللهُ في حياتهِ (¬6)، وأدامَ عُمُومَ النفعِ ببركاتهِ، سميتها: ((النكتَ الوفيةَ بما في شرحِ الألفيةِ)). واعلمْ أنَّ ما كانَ فيها مِنْ بحثي صدّرتهُ في الغالبِ (¬7) بـ: ((قلتُ)) وختمتهُ بقولِي: ((واللهُ أعلمُ)) (¬8)، وما نقلتهُ عنْ (¬9) غيرِ شيخنا مِنْ بعضِ الكتبِ، عزوتهُ إليهِ، وما عدَا ذَلِكَ- وهوَ جلُّ الأمرِ- فهوَ مِنْ كلامِ شيخنا (¬10)، فإنْ كانَ مِنْ بحثهِ فإني ¬

_ (¬1) وهي التبصرة والتذكرة. (¬2) في (أ) و (ف): ((وشرحها)). (¬3) وهو المسمى بشرح التبصرة والتذكرة، وقد حققناه التحقيق الذي يليق بمكانة المؤلف ونفاسة الكتاب، وقد طبع في دار الكتب العلمية عام 2002 في مجلدين ضخمين. (¬4) كلمة: ((تلميذه)) لم ترد في (ك). (¬5) انظر ترجمته في المقدمة. (¬6) وهذا دليل على أن تأليف هذا الكتاب في حياة الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وهو مما يزيد الثقة بنقول البقاعي عنه. (¬7) عبارة: ((في الغالب)) لم ترد في (ك). (¬8) عبارة: ((وختمتهُ بقولِي: ((واللهُ أعلمُ)))) لم ترد في (ك). (¬9) في (ك): ((من)). (¬10) وهذا مما يقوي أهمية الكتاب، ويدل على نفاسته.

عبّرتُ عنهُ بعدَ انفصالي عنْ مكانِ الدرسِ بحسبِ فهمي، وإنْ كانَ ناقلاً لهُ فإني كتبتُ اسمَ المنقولِ عنهُ مِنْ لفظهِ في الحالِ، وعبّرتُ عنْ مقولهِ كما تقدمَ، فإن ظفرتَ بمخالفةٍ لشيءٍ مِنْ ذَلِكَ عمّنْ (¬1) هوَ أوثقُ مني، فقدْ علمتَ عذري، وأما (¬2) الاعتذارُ عنْ شيخنا فهوَ أنَّ النقلَ حالةَ المذاكرةِ قدْ يُتساهلُ فيهِ، واللهُ الموفقُ. قولهُ: (الحمدُ للهِ الذي قبلَ بصحيحِ النيةِ حسنَ العملِ) (¬3) إلى آخرها استعملَ فيه (¬4) أسماءَ أنواعِ الحديثِ لبراعةِ الاستهلالِ (¬5)، وذكرها بمعانٍ غيرِ معانيها الاصطلاحيةِ أحسنُ وأدخلُ في البراعة مما لو استعملها بالمعاني الاصطلاحية، نحوُ أنْ يقولَ - كما فعلَ بعضُهم -: الحمدُ للهِ الذي منحَ أهلَ الحديثِ خدمةَ السنةِ. قلتُ: قولهُ: (على مراسيلَ) (¬6) هوَ جمعُ مرسالٍ، وهيَ الناقةُ السهلةُ السيرِ (¬7). استعارهُ للإلطاف، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (أسندَ في بابهِ) (¬8)، أي: على، يقالُ (¬9): أسندَ في الجبلِ (¬10)، بمعنى: صعد (¬11) في سَنَدهِ - بالتحريكِ - وهو أصلهُ، وماعلا عنْ سفحهِ، وأسندتهُ ¬

_ (¬1) في (ك): ((ممن)). (¬2) في (ك): ((وإنما)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬4) في (أ): ((فيها)). (¬5) انظر عنْ مصطلح براعة الاستهلال: الإيضاح في علوم البلاغة: 242. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬7) انظر: الصحاح مادة (رسل). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬9) عبارة: ((في بابه أي: على، يقال)) لم ترد في (ك)، وورد عوضاً عنها عبارة: ((قال شيخنا)). (¬10) زاد بعدها في (ك): ((قاص)). (¬11) في (ك): ((استند)).

أنا، قاصرٌ متعدٍ. (¬1) قلتُ: قولهُ: (شذَّ) (¬2)، أي: خرجَ، يُقالُ: شذَّ يَشِذُّ ويَشُذّ شذاً وشذوذاً: نَدَرَ عنِ الجمهورِ، وشذهُ هو لازمٌ متعدٍ. (¬3) قولهُ: (جنابهِ) (¬4) هو الفناءُ والناحية (¬5). قولهُ: (مقاطيعَ) (¬6) مِنْ / 2ب / إضافةِ الشيءِ إلى فاعلهِ، أي: الذينَ قطعهم حبهُ عن مَنْ سواهُ، واللهُ أعلمُ (¬7). قولهُ: (فموضوعُهُمْ) (¬8) استعملهُ بثلاثةِ معانٍ: منطقي وحديثي، والثالث المسوق لهُ الكلامُ، وهوَ أنّ (¬9) مَنْ وضعَ علماءُ الفنِّ - الذينَ وصلهُمُ اللهُ - (¬10) رتبتهُ بجرحٍ لا ترتفعُ بعدَ ذَلِكَ، ومَنْ عكسوا حالتهُ، لمْ تزلْ معكوسةً، فلا تنتظمُ، ولا يقبلُ ما يأتي بهِ، وإليهِ أشارَ بمقلوبهم، وفيهِ مِنْ زيادةِ الحسنِ أنّهُ جناسُ القلب. ¬

_ (¬1) ينظر في معنى المسند لغة: لسان العرب مادة (سند)، والتاج مادة (سند). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬3) الشاذ لغة: المنفرد، وشذ الرجل: إذ انفرد عن أصحابهِ. وكذلك كل شيء منفرد فهو شاذ. ومنهُ شاذ من القياس، وهذا مما يشذ عن الأصول، وكلمة شاذة .... وهكذا. ينظر: الصحاح مادة (شذّ)، وتاج العروس (شذّ). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬5) انظر: الصحاح مادة (جنب). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬7) من قوله: ((في سنده بالتحريك .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬9) لم ترد في (أ). (¬10) عبارة: ((الذين وصلهم الله)) لم ترد في (ك).

قلتُ: قولهُ: (الفردُ) (¬1) منْ مَحاسنهِ أنّهُ في سجعهِ التّوحِيدُ ما يأتي لهُ إلاَّ نوعٌ واحدٌ، وهو معنى الوحدانيةِ. قولهُ: (واكتملَ) (¬2) أشارَ بالافتعالِ إلى أنّهُ: ما كملَ إلاّ بعلاجٍ كبيرٍ. قولهُ: (معضلاتِ الأمورِ) (¬3) سيأتي في فنِّ المعضلِ بيانُ أنّهُ يصحُ أنْ يكونَ بفتحِ الضادِ؛ ليتآخى معَ ما تقدمهُ مِنْ أسماءِ الأنواعِ. وقولهُ: (فعلمُ الحديثِ خطيرٌ وقعهُ) (¬4) الفاءُ فيهِ على توهمِ أما، أو تقديرِ شرطٍ، والخطيرُ: الشريفُ والرفيعُ، والوقعُ: المكانُ المرتفعُ منَ الجبلِ، أي: رفيعٌ، أو شريفٌ ارتفاعهُ، والمرادُ أنَّ أثرهُ في العِظمِ كأثرِ الثقيلِ الصلبِ الواقعِ مِنْ علوٍ، واللهُ أعلمُ. (¬5) قولهُ (¬6): (عليهِ مدارُ أكثرِ (¬7) الأحكامِ) (¬8) إن قيلَ: إنّما مدارُ الأحكامِ على نفسِ الحديثِ، لا على العلمِ باصطلاحهِ، قيلَ: بل على العلمِ باعتبارِ أنّهُ لا يعرفُ حالَ الحديثِ ليعملَ بهِ إلا بمعرفةِ العلمِ، فهوَ آلةٌ لابدَّ منها، والمتوقفُ على المتوقفِ على الشيءِ متوقفٌ على ذَلِكَ الشيء (¬9)، والمرادُ بعلمِ الحديثِ في قولهِ: ((فعلمُ الحديثِ خطيرٌ وقعهُ)) ليسَ مجردَ هذا الاصطلاح، بل معَ المشتملِ على أحوالِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬5) من قوله: ((قلت: قوله: الفرد .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) زاد بعدها في (ك): ((عن علم الحديث)). (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬9) عبارة: ((والمتوقف على المتوقف .... )) إلى هنا لم ترد في (ك).

الرجالِ، والعللِ، والغريبِ / 3أ /، ونحوِ ذَلِكَ مما يصيرُ بهِ الرجلُ نقاداً جهبذاً، كما سيأتي في تعريفهِ (¬1)، ولأهلِ هذا العلمِ اصطلاحٌ يُعبِّرونَ بهِ عن مقاصدهمْ، إذا حكموا على متنٍ منَ المتونِ بشيءٍ. وهذهِ الألفيةُ في علمِ هذا الاصطلاحِ المنسوبِ إلى أئمةِ علمِ الحديثِ. قولهُ: (ألَّفْتُها) (¬2) الأولى: للعددِ، أي: جعلتها ألفاً، وربما يُناقشُ فيهِ بأنَّ كل شطرٍ مِنَ الرجزِ إذا استعملَ هكذا بيتٌ، وقد يجابُ بأنَّ المرادَ ألفٌ مزدوجٌ، واللهُ أعلمُ. والثانيةُ: بمعنى: صنفتها، أي: ضممتُ صنفاً إلى صنفٍ. قولهُ: (رأيتهُ كبيرَ الحجمِ) (¬3)، أي: ظننتُ أنّهُ إذا كَمُلَ يكونُ كبيراً، وإلا فهوَ لمْ يوجدْ منهُ إلا قطعةٌ يسيرةٌ وصلَ فيها إلى الضعيفِ. قولهُ: (غير مفرطٍ) (¬4) يجوزُ خفضُ ((غَير)) صفةً لـ ((شرحِ))، ونصبهُ على الحالِ مِنْ ضميرِ المصنّفِ في ((شرعتُ))، أو من ضميرِ الشرحِ في ((متوسطِ))، ولفظةُ ((مفرط)) الأولى رأيتها في بعضِ النسخِ مشددةً مِنَ التفريطِ، والثانيةُ مخففةٌ مِنَ الإفراط، والأحسنُ العكسُ لوجهينِ: الأولُ: القربُ مِنْ موازنةِ متوسطٍ. والثاني: أنْ يكونَ تعلقهُ بما كثرَ، فأملَّ، ولا قصرَ، فأخلَّ، على طريقِ اللفِ والنشرِ المرتبِ، أي: غير مبالغٍ في الكلامِ، ولا مسهبٍ فيحصلُ لطالبهِ مللٌ، ولا متهاونٍ بتركِ شيءٍ مِنَ الأنواعِ، فيخلُ ببعضِ المقاصدِ. ¬

_ (¬1) عبارة: ((كما سيأتي في تعريفه)) لم ترد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 97. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 98.

قوله: (معَ فوائد) (¬1) حالٌ مِنْ ضميرِ ((متوسط))، أي (¬2): حال كونِهِ كذا، وحالُ كونهِ مصاحباً لفوائدَ زائدةٍ على شرحِ الكتابِ. قولهُ: 1 - يَقُوْلُ رَاجِي رَبّهِ المُقْتَدِرِ ... عَبْدُ الرَّحيمِ بنُ الحُسيْنِ الأَثَريْ 2 - مِنْ بَعْدِ حَمْدِ اللهِ ذي الآلاءِ ... على امْتِنَانٍ جَلَّ عَنْ إحْصَاءِ 3 - ثُمَّ صَلاَةٍ وسَلامٍ دَائِمِ ... على نَبِيِّ الخَيْرِ ذِي المَرَاحِمِ 4 - فَهَذِهِ المَقَاصِدُ المُهِمَّهْ ... تُوْضِحُ مِنْ عِلْمِ الحدِيْثِ رَسْمَهْ 5 - نَظَمْتُهَا تَبْصِرَةً لِلمُبتَدِيْ ... تَذْكِرَةً لِلْمُنْتَهِي والْمُسْنِدِ 6 - لَخَّصْتُ فيهَا ابْنَ الصَّلاحِ أَجْمَعَهْ ... وَزِدْتُهَا عِلْمَاً تَرَاهُ مَوْضِعَهْ 7 - فَحَيْثُ جَاءَ الفِعْلُ والضَّميْرُ ... لِواحِدٍ وَمَنْ لَهُ مَسْتُوْرُ (¬3) 8 - كَـ (قَالَ) أوْ أَطْلَقْتُ لَفْظَ الشَّيْخِ مَا ... أُرِيْدُ إلاَّ ابْنَ الصَّلاحِ مُبْهَمَا 9 - وَإِنْ يَكُنْ لاثْنَيْنِ نَحْوُ (الْتَزَمَا) ... فَمُسْلِمٌ مَعَ البُخَارِيِّ هُمَا 10 - وَاللهَ أرجُوْ في أُمُوْرِي كُلِّهَا ... مُعْتَصِمَاً في صَعْبِهَا وَسَهْلِهَا لا يقالُ: ابتدأ بغيرِ الحمدِ في خطبةِ هذا النّظمِ؛ لأنّهُ يُقال: إن قولَهُ: ((مِنْ بعدِ)) يدفعُ ذَلِكَ، على (¬4) أنَّ صاحبَ /3ب/ الشرعِ - صلى الله عليه وسلم - الذي حثّنا على الابتداءِ بالحمدِ، أشارَ لنا إلى أنَّ الابتداءَ بالتعريفِ بالمكتوبِ منهُ، والمكتوب إليهِ، لا يكونُ مخلاً بهِ، فكانَ يرسلُ - صلى الله عليه وسلم - الكتبَ فيكتبُ في أولها: مِنْ محمدٍ رسولِ الله إلى فلانٍ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 98. (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) معنى البيت لا يكتمل إلاّ بالبيت الذي بعدهُ، وهو عَيْبٌ عند العروضيين ويُسَمَّى بـ ((التضمين)). (¬4) عبارة: ((إنّ قوله ((من بعد)) يدفع ذلك على)) لم ترد في (ك).

يذكر ذَلِكَ قبلَ الحمدِ. روى الطبراني (¬1)، وأبو نعيمٍ في "الحليةِ " (¬2)، عن معاذٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أرسلَ إليهِ يُعزيهِ بابنهِ: مِنْ محمدٍ رسولِ اللهِ إلى معاذِ بن جبلٍ، سلامٌ عليكَ، فإني أحمدُ إليكَ اللهَ ... الحديثَ. وفي "الصحيحينِ" (¬3) حديثُ ابنِ عباسٍ - رضي الله عنهما-: ((منْ محمدٍ رسولِ اللهِ إلى هرقلَ عظيمِ الرومِ، سلامٌ على منِ اتبعَ الهدى)). (¬4) فكان التعريفُ بالمرسلِ والمرسلِ إليهِ قائمٌ مقامَ ما لو دفعَ المرسِلُ الكتابَ إلى المرسَلِ إليهِ مِنْ يدهِ، وقالَ لهُ: هذا كتابي إليكَ، فاقرأهُ، فكما لا يكونُ قولهُ لذلكَ مخلاً بالابتداءِ بالحمدِ، كذلكَ لا تكونُ كتابتهُ في أولِ الكتابِ مخلةً، على أنَّ التسميةَ مِنْ أفرادِ الحمدِ؛ فإنّهُ الثناءُ بالجميلِ، وقد ابتدأ بها قبلَ ذَلِكَ، ولو لمْ يكن كذلكَ كانَ قولهُ: ((ربهُ المقتدرِ)) حمداً لما تقدمَ (¬5). ¬

_ (¬1) معجم الطبراني 20/ 129 (324)، وهو حديث موضوع لايصح فإن في سنده مجاشع بن عمرو كذاب (الميزان 3/ 436)، ومن أوهام الحاكم في المستدرك 3/ 273 أنه قال: ((غريب حسن، إلا أن مجاشع بن عمرو ليس مِنْ شرط هذا الكتاب)) فتعقبه الذهبي بقوله: ((ذا من وضع مجاشع)). (¬2) حلية الأولياء 1/ 243 وقال عقبه: ((كل هذه الروايات ضعيفة لا تثبت، فإن وفاة ابن معاذ كانت بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بسنتين، وإنما كتب إليه بعض الصحابة فوهم الراوي، فنسبها للنبي - صلى الله عليه وسلم -)). (¬3) صحيح البخاري 1/ 5 (7) و1/ 20 (51) و3/ 236 (281) و4/ 22 (2804) و4/ 54 (2940) و4/ 123 (3174) و4/ 66 (2978) و9/ 94 (7196)، وصحيح مسلم 5/ 163 (1773) (74). (¬4) من قوله: ((روى الطبراني ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) من قوله: ((على أن التسمية .... )) إلى هنا لم يرد في (ك)، وورد عوضاً عنه عبارة: ((والله أعلم)).

قولهُ: (الأثري) (¬1) نسبةً إلى الأثرِ (¬2) وهوَ لغةً: البقيةُ، ويطلقُ على ما يُروى بسندٍ سواءٌ كانَ مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو موقوفاً، وعنْ خطِّ شيخِنا أَنَّ بعضَ الفقهاءِ قصرهُ على الموقوفِ كما سيأتي، انتهى (¬3). والمرادُ بهِ علمُ الأثرِ كما يقالُ: الأصولي، والمرادُ بهِ العالمُ بعلمِ الأصولِ، فالمرادُ بالأثرِ في هذهِ النسبةِ جميعُ ما يبحثُ عنهُ في علمِ الحديثِ، تسميةً للشيءِ باسمِ جزءهِ، كالمحدثِ سواءاً. وأما إذا أطلقَ / 4أ / الأثرُ فهوَ المأثورُ عن الصحابيِ فَمَنْ دونهُ، وكذا الحديثُ خاصٌّ بما أضيفَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقولُ المصنفِ: إنَّ الأثرَ هو الحديثُ (¬4)، يحملُ على أَنَّ المرادَ علمُ الأثرِ - علمُ الحديثِ (¬5) - ونسبتهُ للأثرِ دونَ غيرهِ مِنْ براعةِ الاستهلالِ، أي: هذا العلم الذي أنا شارعٌ فيهِ هوَ علمُ الحديثِ والآثارِ. قولهُ: (مِنْ بعدِ حَمدِ) (¬6)، أي: إنّما قلتُ هذا البيتَ الذي قدمتهُ في الوضعِ بعدَ أنْ حمدتُ اللهَ تعالى. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (1). (¬2) انظر: الأنساب 1/ 81، واللباب 1/ 28. (¬3) قال ابن حجر في نكته 1/ 513، وبتحقيقي: 294: ((هذا وقد وجد في عبارة الشافعي - رضي الله تعالى عنه - في مواضع، والأثر في الأصل: العلامة والبقية والرواية، ونقل النووي عن أهل الحديث أنهم يطلقون الأثر على المرفوع والموقوف معاً، ويؤيده تسمية أبي جعفر الطبري كتابه " تهذيب الآثار " وهو مقصور على المرفوعات، وإنما يورد فيه الموقوفات تبعاً. وأما كتاب " شرح معاني الآثار " للطحاوي فمشتمل على المرفوع والموقوف - أيضاً - والله تعالى الموفق)). وانظر: الرسالة للإمام الشافعي الفقرات (597) و (1468)، ونكت الزركشي 1/ 417. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 98. (¬5) من قوله: ((نسبة إلى الأثر ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) التبصرة والتذكرة (2).

قولهُ: (جلَّ عنَ إحصاءِ) (¬1) أصلُ هذا أَنَّ العربَ كانتْ إذا تفاخرَ منهمُ اثنانِ، أخذوا حصاً، فكلما ذكرَ واحدٌ منهمْ منقبةً لعشيرتهِ، أو نفسهِ، ألقى حصاةً؛ لأنهم كانوا غالباً لا يكتبونَ (¬2)، فإذا فرغوا المفاخرة عَدّوا الحصى، فمنْ كانتْ حصاهُ أكثرَ، قضوا لهُ بالفخرِ والسؤددِ. قلتُ: ومنهُ قولُ الأعشى: ولستُ بالأكثرِ منهم حصى ... وإنّما العزةُ للكاثرِ (¬3) واللهُ أعلمُ. (¬4) قولهُ: (ثمَّ صلاةٍ) (¬5) عطفَ بـ ((ثمَّ)) المقتضيةِ للترتيبِ معَ المهلَةِ، إشارةً إلى أنّهُ أثنى على اللهِ سبحانهُ زيادةً على ما ذكرَ (¬6) بينهما، كما كان عليهِ الصلاةُ والسلامُ يفعلُ في خطبهِ (¬7). قولهُ: (وسلامٍ دائم) (¬8) أفردَهُ باعتبارِ الفعلِ، أي: ثمَّ بعدَ تلفظٍ مني دائمٍ بصلاةٍ وسلامٍ، أو ثم صلاةٌ وسلامٌ دائمٌ كلٌ منهما. قولهُ: (على نبيّ الخيرِ) (¬9) ذكرَ النّبيَّ دونَ الرسولِ، وإنْ كانتِ الرسالةُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (2). (¬2) في (ك): ((لا يكتبون غالباً)). (¬3) ديوان الأعشى: 94. (¬4) من قوله: ((قلت: ومنه قول الأعشى ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) التبصرة والتذكرة (3). (¬6) جملة: ((سبحانه زيادة على ما ذكر)) لم ترد في (ف). (¬7) من قوله: ((زيادة على ما ذكر .... )) إلى هنا لم يرد في (ك) وورد عوضاً عنها كلمة: ((بينهما)) فقط. (¬8) التبصرة والتذكرة (3). (¬9) التبصرة والتذكرة (3).

تستلزمُ النبوةَ؛ لأنَّ الرسولَ يشملُ الرسولَ (¬1) الملكيَّ والبشريَّ، وإنْ كانَ المقامُ يخصهُ بالبشريِّ، لكنْ لما ذكرَ ((المراحم))، وكانَ الخبرُ ورد بقولهِ: ((أنا نبيُّ الرحمةِ))، وفي روايةٍ ((المرحمةِ)) (¬2) (¬3) ذكرَ النبيَّ، والمقامُ يعرف /4ب/ أنّهُ الرسولُ المبعوثُ إلى الخلقِ أجمعينَ، وهوَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ المطلب - صلى الله عليه وسلم -. وروايةُ ((الملحمةَ))، قال شيخُنا: رويته في الجزءِ الثاني منَ الأولِ مِنْ "فوائدِ أبي عمرو بنِ السّماكِ"، مِنْ طريقِ الضحاكِ، عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما- رفعهُ: ((إنَّ اللهَ بعثني مرحمةً وملحمةً ... ... )) الحديثَ (¬4) (¬5). ¬

_ (¬1) كلمة ((الرسول)) لم ترد في (ف). (¬2) عبارة: ((وفي روايةٍ المرحمةِ)) لم ترد في (ك). (¬3) الذي في " صحيح مسلم " 7/ 90 (2355) من حديث أبي موسى الأشعري، قال: كان النبي (يسمي لنا نفسه أسماء، فقال: ((أنا محمد، وأحمد، والمقفي، والحاشر، ونبي التوبة، ونبي الرحمة)). وهو عند الطيالسي (492)، وابن سعد في " الطبقات " 1/ 104 - 105، وابن أبي شيبة في " المصنف " (31684)، وأحمد 4/ 395 و404 و407، والطحاوي في " شرح المشكل " (1152)، والحاكم في " المستدرك " 2/ 604، والبيهقي في " دلائل النبوة " 1/ 156. والحديث صحيح ((متفق عليه)) من حديث جبير بن مطعم، وهو مخرج عندي بتوسع في كتاب " شمائل النبي (" (366). وهو صحيح أيضاً، من حديث حذيفة بن اليمان، عند أحمد 5/ 405، والترمذي في " الشمائل " (367) و (368). (¬4) من قوله: ((ورواية الملحمة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) أخرجه: ابن عدي في " الكامل " 4/ 327، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " 14/ 302، وابن الجوزي في " الموضوعات " 2/ 237 مِنْ طريق سلام بن سليمان، قال: حدثنا حمزة الزيات، =

قولهُ: (فهذهِ) (¬1) هذا مقولٌ بقول (¬2)، والفاءُ فيهِ جوابٌ لشرطٍ محذوفٍ، تقديرهُ: يقولُ فلانٌ مِنْ بعدِ كذا: أيها الطالبُ إنْ كنتَ تبحثُ عن علمِ اصطلاحِ أهلِ الحديثِ الذي لم يَبقَ منهُ إلا رسمٌ دارسٌ، فهذهِ المقاصدُ المهمةُ التي نظمتها مِنْ كتابِ ابنِ الصلاحِ، توضحُ لكَ مِنْ علمِ الحديثِ رسمهُ الذي خفي عليكَ. قلتُ: قولهُ: (منْ علمِ الحديثِ) (¬3) هو علمٌ يُبحثُ فيهِ عن سنّةِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إسناداً، ومتناً، لفظاً، ومعنى، مِنْ حيثُ القبول والردّ، وما يتبعُ ذَلِكَ مِنْ كيفيةِ تَحمُّلِ ¬

_ = عن الأجلح بن عبد الله، عن الضحاك، عن ابن عباس، به. وأخرجه: الدارقطني في " الغرائب والأفراد " كما في " أطراف الغرائب والأفراد " (2403)، وقال: ((غريب مِنْ حديث الزيات، عن الأجلح بن عبد الله، تفرد به سلام ابن سليمان المدائني عنه)) وسلام هذا هو سلام بن سليمان بن سوار، أبو العباس الثقفي المدائني. قال أبو حاتم: ((ليس بالقوي)). وقال ابن عدي: ((منكر الحديث)) وقال أيضاً: ((عامة ما يرويه حسان إلا أنه لا يتابع عليه)). وقال العقيلي: ((في حديثه عن الثقات مناكير)). انظر: الضعفاء الكبير 2/ 161، والكامل 4/ 323 - 328، وميزان الاعتدال 2/ 178. وأخرجه: أبو نعيم في الحلية 4/ 72 مِنْ طريق الحسين بن حفص، قال: حدثنا سفيان، عن أبي موسى اليماني، عن وهب بن منبه، عن ابن عباس، به. وقال أبو نعيم: ((هذا حديث غريب مِنْ حديث الثوري، تفرد به الحسن)). وأبو موسى اليماني مجهول، قال الذهبي: ((ما روى عنه غير الثوري، ولعله إسرائيل بن موسى، وإلاّ فهو مجهول)). (¬1) التبصرة والتذكرة (4). (¬2) عبارة: ((هذا مقول بقول)) لم ترد في (ك). (¬3) التبصرة والتذكرة (4).

الحديثِ وروايتهِ، وكيفيةِ ضبطهِ وكتابتهِ، وآدابِ راويهِ وطالبهِ، أو يقالُ - وهوَ أخصرُ -: إنه علمٌ يعرفُ منهُ حالُ الراوي، والمروي مِنْ حيثُ الرواية (¬1). وموضوعهُ بالذاتِ: الأحاديثُ النبويةُ مِنْ حيث الرواية. وبالعرضِ: كلّ مروي؛ فإنّهُ يبحثُ فيهِ عن عوارضهِ اللاحقةِ لهُ مِنْ حيثُ الرواية. وفائدتهُ: معرفةُ ما يقبلُ مِنْ ذَلِكَ ليعملَ بهِ، وما يردُّ ليجتنبَ. ثمَّ رأيتُ الإمامَ شمسَ الدينِ محمدَ بنَ إبراهيمَ بنِ ساعدٍ الأنصاريَّ المعروفَ بابنِ الأكفانيِّ الشافعيّ قالَ في كتابهِ "إرشاد القاصدِ" (¬2) الذي تكلمَ فيهِ على أنواعِ العلومِ، وتعاريفها، وما /5أ/ صُنفَ فيها مِنْ محاسنِ الكتبِ: علمُ الحديثِ الخاص بالروايةِ: علمٌ يشتملُ على نقلِ أقوالِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأفعالهِ، وروايتها، وضبطها، وتحريرِ ألفاظها. وعلمُ الحديثِ الخاصّ بالدرايةِ: علمٌ تعرفُ منه حقيقةُ الروايةِ، وشروطها، وأنواعها، وأحكامها، وحالُ الرواةِ، وشروطهمْ، وأصنافُ المروياتِ، وما يتعلقُ بها. انتهى. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في كتابه " النكت " 1/ 225 وبتحقيقي: 55: ((وأولى التعاريف لعلم الحديث؛ معرفة القواعد التي يتوصل بها إلى معرفة حال الراوي والمروي))، وهذا يتعلق بعلم الحديث درايةً. وانظر تفصيل هذا في البحر الذي زخر 1/ 226، وتدريب الراوي 1/ 40. (¬2) قال العلامة حاجي خليفة في كتابه " كشف الظنون " 1/ 66: ((إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد للشيخ شمس الدين محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري الأكفاني السنجاري المتوفي سنة أربع وتسعين وسبعمئة، مختصراً أوله: الحمد لله الذي خلق الإنسان وفضله ... الخ ذكر فيه أنواع العلوم وأصنافها وهو مأخذ مفتاح السعادة لطاشكبري زادة، وجملة ما فيه ستون علماً منها عشرة أصلية، سبعة نظرية وهي المنطق والإلهي والطبيعي والرياضي بأقسامه، وثلاثة عملية وهي السياسة والأخلاق وتدبير المنْزل وذكر في جملة العلوم أربعمئة تصنيف)).

فحقيقةُ الروايةِ: نقلُ السُّنّةِ ونحوها، وإسنادُ ذَلِكَ إلى منْ عزيَ إليهِ بتحديثٍ، أو إخبارٍ، أو غيرِ ذَلِكَ. وشروطُها: تَحمُّلُ راويها لما يرويهِ بنوعٍ مِنْ أنواعِ التحمّلِ، مِنْ سماعٍ، أو عرضٍ، أو إجازةٍ بكتابةٍ أو مشافهةٍ، ونحوِ ذَلِكَ. وأنواعُها: الاتصالُ والانقطاعُ، ونحوهما. وأحكامها: القبولُ، والردّ. وحالُ الرواةِ: العدالةُ، والجرحُ. وشروطهم في التحمّلِ، إنْ كان بالسماعِ، وكانَ الراوي ممنْ يسمعُ، فكونهُ مُصغياً للمسموعِ غَير غافلٍ، ولا مُشتغلٍ بشيءٍ، وإنْ كان ممنْ لا يصحُ سماعهُ، فكونهُ بحيث يمكنُ سماعهُ عادةً، وإنْ كانَ بالإجازةِ، فكونهُ معيناً مثلاً، وفي الأداءِ كونُ الراوي مسلماً عاقلاً خالياً عنْ بدعةٍ هو داعيةٌ إليها، ونحو ذَلِكَ. وأصنافُ المرويات: المصنفات مِن المسانيدِ، والمعاجمِ، والأجزاءِ، وغيرها، أحاديثَ، وآثاراً، وأشعاراً، وغيرها. وما يتعلقُ بها هوَ: معرفةُ اصطلاحِ أهلها. ثمَّ رأيتُ الإمام شمسَ الدينِ محمدَ بنَ يوسف الكرمانيَّ الشافعيَّ قالَ (¬1) في مقدمةِ شرحهِ للبخاري: ((واعلم أَنَّ علمَ الحديثِ موضوعهُ: ذاتُ رسولِ اللهِ / 5ب / - صلى الله عليه وسلم - مِنْ حيثُ إنّهُ رسولُ اللهِ، وحدُّهُ: هو علمٌ يعرفُ بهِ أقوالُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، وأفعالهُ، وأحوالهُ، وغايتهُ: هوَ (¬2) الفوزُ بسعادةِ الدارينِ)) (¬3). ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((لم يرتض الشيخ كلام الكرماني كما ستراه)). (¬2) لم ترد في شرح الكرماني. (¬3) شرح الكرماني 1/ 12.

وكأنَّ مرادهُ بالعلمِ نفسَ الاطلاعِ على الحديثِ فقطْ، وليسَ موضوعهُ إلا الدين؛ فإنّهُ يبحثُ فيهِ عن عوارضهِ الذاتيةِ، ولمْ يُقيّدِ المعرفة بحيثيةِ النقد، فدخلَ في تعريفهِ الاستنباطُ. وأما علمُ الاصطلاحِ، فغايتهُ: معرفةُ الصحيحِ مِنْ غيرهِ، واللهُ أعلمُ (¬1). قولهُ: (الآلاء) (¬2) مرادُ الشيخِ بقولهِ: ((وقيلَ)): كذا حكايةُ الخلافِ، لا أَنَّ ما بعد ((قيلَ)) ضعيفٌ. وحكى النوويُّ (¬3) أيضاً ألىً مثل نضوٍ (¬4)، ورخوٍ، وحَكى شيخنا قاضي القضاة إلى مثل حرفِ الجرِّ. قالَ ابنُ الأثيرِ في " النهايةِ " (¬5): ((الآلاءُ: النعمُ، واحدها (¬6): ألىً بالفتحِ والقصرِ، وقدْ تُكسر الهمزة)). انتهى. (¬7) ¬

_ (¬1) من قوله: ((قلت: قوله: من علم الحديث .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) التبصرة والتذكرة (2). (¬3) هو أبو زكريا يحيى بن شرف النووي، ولد سنة (631) هـ، وتوفي سنة (676) هـ، له مؤلفات نافعة منها: المجموع، والروضة، وشرح صحيح مسلم. انظر: طبقات الحفاظ للسيوطي: 513. (¬4) في (ك): ((صنو)). (¬5) النهاية 1/ 63. (¬6) في (ف): ((وأصلها)). (¬7) من قوله: ((قال ابن الأثير .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

وأنشدنا (¬1) في ذَلِكَ شيخنا (¬2) لابنِ الوردي في أبياتٍ يُعاتبُ فيها ابن الزملكاني: قالَ: أنا من قلتُ: لا إنَّ مِنْ ... للابتداءِ أنتَ كذا قالَ: لا أنا إلى قلت: إلي نعمةٍ ... وجمعُها الآلاءُ عندَ الملا أينَ هي النّعمةُ في (¬3) قاطعٍ ... بقربهِ ما حَقَّ أنْ يوصلا قلتُ: وزادَ في "القاموسِ": ((ألْي -بفتحٍ وسكونٍ- كظَبْي، وأُلْو - بضم وسكونٍ - كحُلْوٍ)). وتمثيلُ المصنفِ في صورةِ الفتحِ، وتركُ التنوينِ بقفى ليسَ بجيدٍ؛ فإنَّ قفى مُنَونٌ، فَحقّهُ أَن يقول: كعُلى مثلاً، واللهُ أعلمُ (¬4). قولهُ: (تبصرةً) (¬5) مفعولٌ لأجلهِ. قولهُ: (المبتدي) (¬6)، أي: في معرفة الاصطلاحِ، والمنتهي فيهِ، اللذينِ لم يُسنِدَا شيئاً، وتبصرةً للمسندِ / 6أ / المبتدئِ في هذا العلمِ، وتذكرةً للمسندِ المنتهي فيهِ. وحاصلهُ: أنها تذكرةٌ وتبصرةٌ للمبتدي والمنتهي، سواءٌ كانا مسندينِ أمْ لا؛ لئلا يتوهمَ أَنَّ المسنِدَ لا يصيرُ مسنِداً، حتى يحتوي على فنونِ هذا العلمِ، فلا يكونُ محتاجاً إلى هذهِ " الألفيةِ " (¬7). ¬

_ (¬1) في (ك): ((وأنشد)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) في (ف): ((من)). (¬4) من قوله: ((في أبيات يعاتب .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) التبصرة والتذكرة (5). (¬6) التبصرة والتذكرة (5)، ولفظه: ((للمبتدي)). (¬7) قال السيوطي: ((المسند: وهو من يروي الحديث بإسناده، سواء كان عنده علم بهِ أو ليس لهُ إلاّ مجرد الرواية وأما المحدث فهو أرفع)). تدريب الراوي 1/ 43.

قولهُ: (لخصتُ) (¬1) إنْ قيلَ: تأكيدهُ بـ ((أجمعَ)) يدلُّ على أنّهُ لم يحذفْ منهُ شيئاً، معَ أنّهُ قد حذفَ كثيراً مِنَ الأمثلةِ والتعاليلِ، قيلَ: حقيقةُ التلخيصِ أنْ يستوفي مقاصدَ الكتابِ الملخصِ بكلامٍ أوجزَ، فربما توهمَ أنّهُ إذا قال ابن الصّلاحِ، أنَّ المرادَ معظمُ كتابهِ (¬2)، فأكدَّ بـ ((أجمعَ))؛ ليدلَّ على أنّهُ لم يحذفْ مِنْ مقاصدهِ شيئاً، وإنما كانَ يردُ عليهِ لو قالَ: اختصرتُ؛ لأنَّ الاختصارَ أعمُّ مِن التلخيصِ، فتارةً يكونُ اقتصاراً على بعضِ الأصلِ معَ استيفاءِ المقاصدِ كالتلخيصِ، وتارةً مع حذفِ بعضِ المقاصدِ (¬3)، وتارةً يكونُ موفياً بجميعِ الأصلِ مِنَ المقاصدِ، وغيرها (¬4) بكلامٍ وجيزٍ، فإذا قالَ: اختصرتُ كانَ متردداً بينَ المعاني الثلاثِ (¬5)، فإذا أكدَّ بـ ((أجمعَ)) اختص بالثالثِ (¬6)، وهو أنّهُ لمْ يحذفْ شيئاً مِنْ معانيهِ، لا مقصداً، ولا مثالاً، ولا غيرهما. قلتُ: هذا العرفُ، وكلامُ أهلِ اللغةِ لا يأباهُ. قالَ ابنُ فارس في "المجملِ": ((لخّصتُ الشيءَ: إذا بينتهُ في كتابةٍ، أو غيرها)) (¬7). وقال الفارابي في "ديوانِ الأدبِ" في بابِ التفعيلِ: ((لخّصَ القصةَ، أي: شرحها)). وقالَ عبدُ الحقِّ (¬8) في كتابِ " الواعي في حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه - ": ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (6). (¬2) في (ك): ((ابن الصلاح)). (¬3) عبارة: ((وتارة مع حذف بعض المقاصد)) لم ترد في (ك). (¬4) عبارة: ((من المقاصد وغيرها)) لم ترد في (ك). (¬5) في (ك): ((المعنيين)). (¬6) في (ك): ((الثاني)). (¬7) مجمل اللغة مادة (لخص). (¬8) هو أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمان الإشبيلي، المعروف بابن الخراط، له مصنفات منها: الجمع بين الصحيحين، والأحكام الوسطى، والرقاق، والواعي في حديث علي - رضي الله عنه -، وغيرها، توفي سنة (581) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 198، وشذرات الذهب 4/ 271.

((قعد ليلخّصَ ما التبسَ على غيرهِ، لخّصت الشيءَ تلخيصاً: بينتهُ)). وقالَ في "القاموسِ" (¬1): ((التلخيصُ: التبيينُ والشرحُ، والتلخيصُ لَخَصَ (¬2) البعير لَخْصاً: نظر إلى شحمِ / 6ب / عَينهِ منحُوراً))، وذَلِكَ أَن يشقَّ جلدةَ العينِ فينظرَ أيرى شحماً، أم لا. وعبارةُ ابنِ القطاعِ (¬3) في " الأفعالِ " (¬4): ((لخصَ البعيرَ لخصاً: نظرَ إلى عينهِ بعدَ نحرهِ ممتحناً سِمنهُ، فالمادةُ (¬5) كما ترى تدورُ على البيانِ أخذاً مِنْ لخص البعير، وتارةً يكونُ بحذفِ الفضولِ، واختصارِ الطولِ، وتقريبِ الألفاظِ؛ ليسهلَ الحفظُ، فيتصرف الذهنُ، فإنَّ الوعي قبلَ الفهمِ، وتارةً يكونُ بفتحِ المقفلِ ونشرِ المطوي، لكنهُ صارَ في العُرفِ مختصاً بالأولِ (¬6). وأما الاختصارُ فقالَ في " القاموس ": ((الخصرُ وسطُ الإنسان، وأخمص القدمِ، وما بينَ أصلِ الفوقِ والرِّيشِ)) (¬7). وقالَ في " المجملِ": ((الاختصارُ في ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (لخص). (¬2) كتب ناسخ (أ) فوقها: ((خف)) دليل على أنَّ الكلمة مخففة وغير مثقلة. (¬3) هو علي بن جعفر بن علي بن محمد أبو القاسم القطاع السعدي المعروف بابن الصقلي الأديب اللغوي نزيل مصر ولد سنة (433) هـ، وتوفي سنة (515) هـ، له مصنفات منها: الأفعال، وأبنية الأسماء وغيرها. انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 433 - 434، وشذرات الذهب 4/ 45. (¬4) الذي وجدته في كتاب الأفعال 3/ 140: ((ولخصت العين لخصاً ورم ما حولها، والضرع كثر لحمه؛ فلا يكاد اللبن يخرج منه)). (¬5) كتب ناسخ (أ) تحت هذه الكلمة: ((أي: لخص)). لتوضيح المراد وهذا دليل على اهتمام الناسخ. (¬6) كتب ناسخ (أ) تحتها موضحاً: ((أي: التلخيص)). (¬7) القاموس المحيط مادة (خصر).

الكلامِ تركُ فضولهِ، واستيجازُ معانيهِ)) (¬1). وقالَ في " ديوانِ الأدبِ ": ((اختصرَ الكلام إذا أخذَ منهُ ما يردهُ إلى الإيجازِ، واختصرَ الطريقِ إذا أخذ أقرب مآخذه)). وقالَ في " القاموسِ ": ((واختصرَ: حَذَفَ الفضولَ، والطريقَ سلكَ أقربهُ، وفي الحَزِّ (¬2) ما استأصلهُ، واختصرَ السورة قرأها، وتركَ آية سجدتها لئلا يسجدَ، أو أفردَ آيتها فقرأ بها ليسجدَ فيها، وقرأ آيةً، أو آيتينِ مِنْ آخرِ السورةِ في الصلاةِ)) (¬3)، فمادتهُ تدورُ على الدقةِ والتوسطِ، مِنْ خصرِ الإنسانِ وما شاكلهُ، وهذا المعنى (¬4) تارةً يكون بحذفِ بعضِ الشيءِ مع استيفاءِ معناهُ، أخذاً منِ اختصارِ الطريقِ، وتارةً بالاقتصارِ على البعضِ بعد حذفِ مالا دلالةَ للباقي عليهِ أخذاً مِنِ اختصارِ السورةِ. وقالَ الإمامُ أبو نصر بنُ الصباغِ (¬5) في أولِ " الشاملِ ": ((والاختصارُ: إيجازُ اللفظ مِنْ غيرِ إخلال المعنى. واشتقاقُهُ منَ الجمعِ، ولهذا سميتِ المخصرةُ /7أ/ لاجتماعِ المتكيءِ عليها، والخاصرةُ لاجتماع البدنِ عليها، فكأنّهُ يجمعُ معنى الكثيرِ في القليلِ مِن اللفظِ، والاختصارُ محمودٌ؛ لأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - تَمَدَّحَ بِهِ، فقالَ: ((أُوتيتُ جوامعَ الكلمِ، واختصر لي الكلام اختصاراً)) (¬6)، وقد أعجزَ اللهُ تعالى العربَ بقولهِ: ¬

_ (¬1) مجمل اللغة مادة (خصر). (¬2) في جميع النسخ الخطية ((الجز))، والمثبت من " القاموس المحيط ". (¬3) القاموس المحيط مادة (خصر). (¬4) عبارة: ((وهذا المعنى)) لم تردفي (أ) و (ك). (¬5) هو أبو نصر الصباغ عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي، شيخ الشافعية، الفقيه المعروف بابن الصباغ، له تصانيف منها: الشامل، والكامل، وغيرها، توفي سنة (477 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 464، وشذرات الذهب 3/ 355. (¬6) ذكره العجلوني في كشف الخفاء 1/ 15 بهذا اللفظ، وقال: ((رواه العسكري في الأمثال عن جعفر بن محمد، عن أبيه مرسلاً بهذا اللفظِ لكن في سنده من لم يعرف)). = وأخرجه: عبد الرزاق (10163)، ومن طريقه البيهقي في " شعب الإيمان " (5202) عن معمر، =

{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} (¬1) فإنَّهُ أقلُّ لفظاً، وأجمعُ معنى مِنْ قولهم: القتلُ أنفى للقتلِ (¬2)، ورُويَ عنْ علي بن أبي طالبٍ - رضي الله عنه -، قالَ: ((خيرُ الكلامِ، ما قلَّ ودَلَّ، ولم يَطُلْ فَيُمَلَّ)))). انتهى. وكلامهُ (¬3) كلهُ راجعٌ إلى المعنى الأولِ مما دارت عليه المادة، وهو الثالث في كلام شيخنا (¬4). قولهُ: (عبدُ اللهِ بنُ محمدٍ المسنديُّ) (¬5) هو ابنُ محمد بنِ عبدِ اللهِ بن جعفرَ ابنِ اليمانِ بنِ الأخنسِ أبو جعفرَ الجعفيُّ؛ نُسبَ إلى ذَلِكَ؛ لجمعهِ الحديثَ المسندَ، والإمعانِ في تتبعهِ، فإنَّهُ كانَ في وقتِ الطلبِ يتتبعُ المسانيدَ، ولا يرغبُ في المقاطيعِ والمراسيلِ (¬6)، وقال الحاكمُ: ((إنّهُ أولُ منْ جمعَ مسندَ الصحابةِ على التراجمِ بما وراءَ النهرِ)) (¬7). واليمانُ في نسبهِ هوَ الذي أسلمَ على يدهِ المغيرةُ بنُ بردزبه جدُّ الإمامِ البخاريِّ، وبردزبه: هو الزراعُ بالفارسيةِ. ¬

_ = عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بلفظ: ((إنما بعثت فاتحاً، وخاتماً، وأعطيت جوامع الكلم، وفواتحه، واختصر لي الحديث اختصاراً، فلا يهلكنكم المهوكون)). وفيه قصة. وأخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (1436) من طريق الأحنف بن قيس، والمقدسي في المختارة (115) من طريق خالد بن عرفطة؛ كلاهما عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، بنحوه. (¬1) البقرة: 179. (¬2) انظر في ذلك: البحر المحيط 2/ 18 - 19. (¬3) كتب ناسخ (أ) موضحاً: ((أي ابن الصباغ)). (¬4) من قوله: ((مما دارت)) إلى هنا لم يرد في (أ) و (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 100. (¬6) انظر: تهذيب الكمال 4/ 270 (3524). (¬7) نقله ابن رجب في شرح علل الترمذي 1/ 344، والحافظ ابن حجر في التقريب (3585).

قولهُ: (ابنَ الصلاحِ) (¬1)، أي: كتابُ ابنِ الصلاحِ وهوَ الحافظُ العلامةُ تقيُّ الدينِ أبو عَمرٍو عثمانُ بنُ الصلاحِ عبد الرحمانِ بنُ عثمانَ بنِ موسى الكرديُّ الشهرزوريُّ الموصليُّ الشافعيُّ (¬2)، ولد سنةَ سبعٍ وسبعينَ وخمسِ مئةٍ، وتوفي سادس عشري (¬3) شهر (¬4) ربيعِ الآخرِ سنةَ ثلاثٍ وأربعينَ وست مئةٍ. وقد أخبرني بكتابهِ شِفاهاً الصالحُ الفاضلُ الرحلةُ زينُ الدينِ عبدُ الرحمانِ بن العلامةِ سراجِ الدينِ عمرَ بنِ عبد الرحمانِ المقدسيّ الحنبليّ، عنِ الحافظِ صلاحِ الدينِ خليلِ /7ب/ بنِ كيكلدي العلائي، قالَ: أخبرنا بجميعهِ محمدُ بنُ يوسفَ بنِ المهتارِ، قالَ: أخبرنا بهِ مؤلفهُ الحافظُ العلامةُ تقيُ الدينِ بنُ الصلاحِ سماعاً عليهِ في الخامسةِ مِنْ عمري. وأخبرنا "بالألفيةِ" نظمهِ وشرحِهَا و" النُكَتِ " عليهِ، وغيرها مِنْ مصنفاتِ الشيخِ: شيخُنا حافظُ عصرهِ قاضي القضاةِ أبو الفضلِ شهابُ الدينِ أحمدُ بن حجرٍ -رحمهُ اللهُ- سماعاً عليهِ للألفيةِ، وشرحها في البحثِ غيرَ مرةٍ، وإجازةً لما فاتَ إنْ كانَ، ولغيرهِ عنِ المصنفِ حافظِ عصرهِ زينِ الدينِ عبدِ الرحيمِ بنِ الحسينِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (6). (¬2) انظر: وفيات الأعيان 3/ 243، وسير أعلام النبلاء 23/ 140، وتذكرة الحفاظ 4/ 1430، والعبر 5/ 177، ومرآة الجنان 4/ 84 - 85، وطبقات الشافعية الكبرى 8/ 326، وطبقات الشافعية للإسنوي 2/ 133، والبداية والنهاية 13/ 142، والنجوم الزاهرة 6/ 354، وطبقات الحفاظ: 499، والدارس 1/ 16، وطبقات المفسرين للداودي 1/ 377، وطبقات الشافعية لابن هداية الله: 220، وشذرات الذهب 5/ 221، والأعلام 4/ 407، وقد فصلنا ترجمته في مقدمتنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 11 - 61. (¬3) هكذا في جميع النسخ. (¬4) كلمة: ((شهر)) لم ترد في (أ) و (ك).

العراقيِّ -رحمهُ الله - بقراءتهِ عليهِ " للألفيةِ "، ولشرحها، و" للنكتِ على ابنِ الصلاحِ " والباقي إجازةً إنْ لم يكنْ سماعاً. قلتُ: قولهُ: (بطريق أولى) (¬1) إضافةٌ بيانيةٌ، أي: طريق هوَ أولى بالدلالةِ على ذَلِكَ مما مضى، فكأنّهُ قالَ بالطريقِ الأولى، وأما قولهم: بطريقِ الأولى فيخلُ لما بطريقِ الدلالةِ، أو الإيضاحِ، أو البيانِ الأولى، مما مضى في الدلالةِ على ذَلِكَ الشيءِ، واللهُ أعلمُ. (¬2) قولهُ: (رأيتُ أنْ أجمَعَها هُنا) (¬3) إنْ قيلَ: كثير مِن الزياداتِ التي هي على هذا النحو لم تذكر هنا، قيلَ: إنّهُ حسنٌ برأي الشيخِ، ووقعَ اختيارهُ على جمعها، فأخذَ يسردُها شيئاً فشيئاً بقولهِ: ومنها ومنها، فذكر ما نشطَ لهُ، ثمَّ تركَ الباقي، اعتماداً على ذكرهِ لهُ - (¬4) في تضاعيفِ الشرحِ. قولهُ: (في هامشِ الكتابِ) (¬5) قالَ في "القاموسِ": ((الهامشُ: حاشيةُ الكتابِ، مُولدٌ)) (¬6). انتهى. قلتُ: ومادتهُ تدورُ على الجمعِ. قالَ في " القاموسِ ": ((الهمش الجمعُ ونوعٌ مِنَ الحلبِ والعضِ، وهمشَ كضربَ وعلمَ: أكثرَ الكلامَ)) (¬7)، وقالَ ابنُ / 8أ / القطاعِ: ((همشَ القومُ همشةً وهمشاً: تَحركوا معَ كلامٍ، وهمشوا همشاً ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 101. (¬2) من قوله: ((قلت: هذا العرف .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 101. (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 101. (¬6) القاموس المحيط مادة (همش). (¬7) القاموس المحيط مادة (همش).

كذلكَ)) (¬1)، وقالَ الإمامُ عبدُ الحقِّ: ((همشَ القومُ وتهامشوا: تحركوا، ودخلَ بعضهمْ في بعضٍ، والاهتماشُ الحكُّ)). انتهى. فكأنَّ الحاشيةَ لما جمعتِ الكتابةَ، وأحاطتْ بها مِنْ جوانبها الأربعِ بحيثُ لا يخرجُ منها شيءٌ، ولا يدخلُ فيها شيءٌ سميتْ بذلكَ. قولهُ: (في الراءِ والزايِ) (¬2) ونقل أنَّ ابنَ ماهانَ رواهُ الجُذامي -بالجيمِ والذالِ -، واللهُ أعلمُ. (¬3) قولهُ: (فحيثُ جاءَ الفعلُ) (¬4) أي: المُجرد عن ضميرٍ بارزٍ لواحدٍ والضميرُ، أي: وحيثُ جاءَ الضميرُ المجردُ عنِ الفعلِ نحو (¬5): لهُ، وبهِ، وعنهُ، فالواوُ في قولهِ: ((والضميرُ)) للعطفِ لا للحالِ، ومثَّلَ للفعلِ فقط بقولهِ: ((كقالَ)). قولهُ في حكمِ الصحيحينِ والتعليق (¬6): (لما قد أسندا) (¬7) ونحوها مما هو قافيةٌ موهمٌ لإرادةِ ابنِ الصلاحِ على أَنَّ ألفهُ (¬8) للإطلاقِ. ولإرادةِ الشيخينِ (¬9) البخاريِّ ومسلمٍ على أَنَّ ألفهُ للتثنيةِ فلا يعرفُ المرادُ منهُ إلا بالقرائن، والقرينةُ في ((أسند)) أَنَّ ابنَ الصلاحِ ليسَ لهُ مسندٌ، بخلافِ ((التزما))، ¬

_ (¬1) الأفعال 3/ 352 (همش). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 101. (¬3) من قوله: ((قوله: رأيت أن أجمعها ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التبصرة والتذكرة (7). (¬5) في (ف) و (ك): ((مثل))، وقد أشار إليها ناسخ الأصل بقوله: ((في نسخة: مثل)). (¬6) عبارة: ((في حكم الصحيحين والتعليق)) لم ترد في (ك). (¬7) التبصرة والتذكرة (40). (¬8) لم ترد في (ك). (¬9) لم ترد في (ك).

أقسام الحديث

فإنّهُ مشكلٌ، لإمكانِ (¬1) أنْ يكونَ التزمَ شيئاً مِنَ الأشياءِ في بعض كتبهِ، ومن مثلهِ قولهُ في قسمِ المنقطعِ: (وقيلَ ما لمْ يتصل وقالا بأنه الأقربُ لا استعمالا) (¬2) والألفُ في قالَ للإطلاقِ. قلتُ: قولهُ: (فيما بعدُ قد حققهُ) (¬3) إنَّما لفظهُ في التنبيهاتِ التي بعدَ المقلوبِ فيما بعدهُ حَققهُ، واللهُ أعلمُ. قولهُ في (مبهماً): (ويجوزُ كسرها) (¬4)، أي: على أنَّهُ حالٌ منَ الناظمِ والفتحُ على أنّهُ حالٌ مِنِ ابنِ الصلاحِ. قولهُ: (مرويهما) (¬5) مثلهُ قولهُ في المؤتلفِ والمختلفِ: (ومِنْ هنا لمالكٍ، ولهما) (¬6). قولهُ: / 8 ب / أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ (¬7) 11 - وَأَهْلُ هَذَا الشَّأْنِ قَسَّمُوا السُّنَنْ ... إلى صَحِيْحٍ وَضَعِيْفٍ وَحَسَنْ 12 - فَالأَوَّلُ الْمُتَّصِلُ الإسْنَادِ ... بِنَقْلِ عَدْلٍ ضَابِطِ الْفُؤَادِ 13 - عَنْ مِثْلِهِ مِنْ غَيْرِ مَا شُذُوْذِ ... وَعِلَّةٍ قَادِحَةٍ فَتُوْذِي ¬

_ (¬1) في (ك): ((فإنَّه يمكن)). (¬2) التبصرة والتذكرة (133). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 102، وهو إشارة إلى جزء مِنَ البيت (252)، ولفظه : ((فالشيخ فيما بعده حققهُ))، أي: والشيخ ابن الصلاح، وانظر: فتح الباقي 1/ 303. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 102. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 102، وهو إشارة إلى جزء مِنَ البيت (37). (¬6) التبصرة والتذكرة (893). (¬7) من قوله: ((ومن مثله .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

الحديثُ مِنْ حيثُ هو حديثٌ لا يخلو عن أحدِ أمرينِ: إمّا أنْ يكونَ مقبولاً، أو مردوداً. الثاني: الضعيفُ بأنواعهِ، ذكرهُ هنا بحسبِ التقسيمِ إجمالاً، ثم يفصلهُ بعدَ ذَلِكَ، ويذكرُ أقسامهُ، وأوهاها الموضوعُ، والأولُ إما أنْ يشملَ مِنْ أوصافِ القبول على أعلاها، أو أدناها، فالأولُ: الصحيحُ، والثاني: الحسنُ (¬1)، فإنْ قيلَ: لِمَ خصَّ المقبولَ بالتقسيمِ هنا؟ قيلَ: لأنّهُ الأصلُ، ومدارُ العملِ عليهِ، والحاجةُ تدعو فيهِ إلى الترجيحِ بخلافِ المردودِ، فإنا إذا علمنا حديثاً ضعيفاً تركنا العملَ بهِ، فإنْ كانَ موضوعاً فهوَ في التحقيقِ ليسَ مِنْ هذا العلمِ؛ لأنّهُ ليسَ مِنْ كلامِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومعَ ذلكَ فسيأتي الكلامُ على بقيةِ أنواعِ الضعيفِ، كالمقلوبِ والمضطربِ. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((الحديثُ عندَ أهلهِ ينقسمُ إلى صحيحٍ وحسنٍ وضعيفٍ)) (¬2) فوافقهُ الشيخُ في البداءةِ بالصحيحِ؛ لأنّهُ المقصودُ بالذاتِ (¬3)، وقدّمَ الضعيفَ على الحسنِ لأجلِ الوزنِ. وأيضاً فلهُ نكتةٌ حسنةٌ، وهي أنّهُ قسَّمَ الخبرَ إلى القسمينِ، ثمَّ فرَّعَ عن الأولِ نوعاً آخر، ويزدادُ هذا التوجيه حسناً عندَ منْ جعلَ الحسنَ مِنْ أنواعِ الصحيحِ كابنِ خزيمةَ (¬4)، فإنّهُ على طريقتهمْ إنَّما ذكرَ القسمينِ: المقبولَ، والمردودَ. ¬

_ (¬1) في (ك): ((الحسن لذاته)). (¬2) معرفة أنواع علوم الحديث: 79. (¬3) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) هذا مما استفاده البقاعي من شيخه الحافظ ابن حجر، وقد علقت على هذه المسألة عند تحقيقي لكتاب مختصر المختصر، فقلت في المقدمة 1/ 72: ((ذكر الحافظ ابن حجر في كتابه النكت: أنَّ ابن خزيمة لا يفرد الحسن عن الصحيح، وتبع ابن حجر بعضهم على ذلك. والذي يبدو لي أنَّهُ لا ينبغي للحافظ ابن حجر أن يذكر مثل هذا لاسيما وأن قضية الحكم على الأحاديث بالحسن أو الصحة قضية اجتهادية تختلف أنظار المحدِّثين فيها، ومع ذلك فقد قمت باستقراء الأحاديث الحسان التي في كتاب ابن خزيمة، ثم سرت هناك أرقامها، وقد بلغت (152) حديثاً.

وغايتهُ: أنّهُ سمى المقبولَ باسمينِ، باعتبارِ أعلى درجاتهِ وأدناها، وذكرَ أعلى مراتبِ المردودِ وهوَ الضعيفُ المطلقُ، ومنعهُ مِنْ ذكر أدناها، وهو الموضوعُ ما تقدمَ مِنْ أنّهُ في التحقيقِ ليسَ حديثاً، وأحسنُ مِنْ هذا التقديرِ أَنَّ الحسنَ / 9أ / لما كانَ ينْزعُ إلى كلٍّ من الصحيح والضعيفِ، خُصَّ بالذكرِ، أما نزعهُ إلى الصحيحِ فباعتبارِ اشتراطِ عدالةِ رواةِ الحسنِ لذاتهِ وضبطهم، معَ باقي شروطِ الصحيحِ، وإنْ كانَ ضبطهم موصوفاً بكونهِ أخفَّ مِنْ ضبطِ رواةِ الصحيحِ، وأما نزعهُ إلى الضعيف؛ فإنَّ الحسنَ لغيرهِ هو مالهُ سندانِ فأكثرُ، كلُ ضعيفٍ متماسكٍ فهوَ موصوفٌ بالضعفِ قبلَ معرفةِ ما يعضدهُ مطلقاً، وبعد ذَلِكَ باعتبارِ كل سَندٍ على انفرادهِ، وبالحسنِ باعتبارِ المجموعِ. وقد اعترضَ على ابنِ الصلاحِ في إطلاقِ النقلِ عنْ أهلِ الحديث أنهمْ قسموا الحديثَ إلى ثلاثةِ أقسامٍ، بأنَّ بعضَهم اقتصرَ على قسمينِ: صحيحٍ وضعيفٍ، قالَ: وقد ذكرَ المصنفُ هذا الخلافَ في النوعِ الثاني في التاسعِ منَ التفريعاتِ المذكورة فيهِ فقالَ: ((منْ أهلِ الحديثِ مَنْ لا يفردُ نوعَ الحسنِ، ويجعلهُ مندرجاً في أنواعِ الصحيحِ، لاندراجهِ في أنواعِ ما يحتجُّ بهِ، قالَ: وهوَ الظاهرُ مِنْ كلامِ أبي عبدِ اللهِ الحاكمِ في تصرفاتهِ)) (¬1) إلى آخر كلامهِ، فكان ينبغي الاحترازُ عن هذا الخلافِ هنا. قالَ الشيخُ في " النكتِ " وهيَ (¬2) " التقييدُ والإيضاحُ لما أطلقَ وأغلقَ مِنْ كلامِ ابنِ الصلاحِ ": ((والجوابُ: أَنَّ ما نقلهُ المصنفُ عن أهلِ الحديثِ قد نقلهُ عنهم الخطابيُّ (¬3) في خطبةِ " معالمِ السننِ " (¬4)، ثم ذكرَ عبارتهُ، وقالَ: ولم أرَ منْ سبقَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156 - 157. (¬2) جاء في الحاشية (أ): ((اسم الكتاب)). (¬3) هو أبو سليمان حَمد بن محمد بن إبراهيم البستي صاحب التصانيف البديعة، توفي سنة (388هـ). انظر: البداية والنهاية 11/ 236، وتذكرة الحفاظ 3/ 1018. (¬4) معالم السنن 1/ 6.

الخطابيَّ إلى تقسيمهِ إلى ذَلِكَ، وإن كانَ في كلامِ المتقدمينَ ذكرُ الحسنِ، وهو موجودٌ في كلامِ الشافعيِّ، والبخاريِّ، وجماعةٍ، ولكنَّ الخطابيَّ نقلَ التقسيمَ عنْ أهلِ الحديثِ، وهوَ إمامٌ ثقةٌ، فتبعهُ /9ب/ المصنفُ على ذَلِكَ هنا، ثم حكى الخلاف في الموضعِ الذي ذكرهُ، فلمْ يهملْ حكايةَ الخلافِ)) (¬1). انتهى. ونبَّهَ شيخنا على أَنَّ مرادَ الشافعي، والبخاريِّ بالحسنِ: الصحيحُ، لا أَنَّ الحسنَ عندهما نوعٌ برأسه، بل للصحيحِ عندهمُ اسمانِ (¬2)، واللهُ أعلمُ. وبخطِّ بعضِ أصحابنا أَنَّ ابنَ كثيرٍ اعترضَ عليهِ في كتابهِ " علومِ الحديثِ " بأنَّ ((هذا التقسيمَ إنْ كانَ بالنسبةِ إلى ما في نفسِ الأمرِ فليسَ إلاَّ صحيحٌ وكذبٌ (¬3)، وإنْ كانَ بالنسبةِ إلى اصطلاحِ المحدّثينَ، فالحديثُ ينقسمُ عندهم إلى أكثرَ مِنْ ذلكَ)) (¬4). وأجابَ بأن المرادَ الاصطلاحُ، وأنَّ تخصيصَ الثلاثةِ؛ لأنَّ الكلَّ يرجعُ إليها (¬5) وقد نوعَ ابنُ الصلاحِ الحديثَ في أولِ كتابهِ إلى خمسةٍ وستين نوعاً وسردها (¬6). قالَ شيخُ الإسلامِ سراجُ الدينِ البلقينيُّ في " محاسنِ الاصطلاحِ " (¬7) (¬8): ((وقالَ - أي: ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 19. (¬2) النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 424 وبتحقيقي: 218 - 219. (¬3) في " اختصار علوم الحديث ": ((أو ضعيف)). (¬4) اختصار علوم الحديث 1/ 99 وبتحقيقي: 76. أقول: هذا اعتراض الحافظ ابن كثير، وقد نوقش فيه، ووجّه مراد ابن الصلاح، فانظر: نكت الزركشي 1/ 91، ومحاسن الاصطلاح: 82، والتقييد والإيضاح: 19. (¬5) من قوله: ((وقد اعترض على ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 75 - 78. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((وهو نكت على ابن الصلاح)). (¬8) محاسن الاصطلاح: 9 (ط دار الكتب العلمية).

ابنُ الصلاحِ -: ((إنَّ ذَلِكَ ليس بآخر الممكن فإنّهُ قابلٌ للتنويعِ لما لا يحصى)))) (¬1). قلتُ: وعللَ ذَلِكَ بأنْ قالَ: ((إذ لا تحصى أحوالُ رواةِ الحديثِ وصفاتُهم ولا أحوالُ متونِ الحديثِ وصفاتها، وما مِنْ حالةٍ منها، ولا صفةٍ إلا وهي بصددِ أنْ تفردَ بالذكرِ وأهلها (¬2) فإذا هيَ نوعٌ على حياله، ولكنهُ نصبٌ مِنْ غير إربٍ)) (¬3). قالَ الشيخُ سراجُ الدينِ (¬4): ((ولو أَنَّ الشيخَ (¬5) ذكرَ بجانبِ كلِ نوعٍ ما يليقُ بهِ لكانَ أحسنَ، كأنْ يذكر بجانبِ المسندِ المنقطعَ، والمرسلَ، والمعضلَ، وأيضاً فقدْ ذكرَ أموراً يمكنُ تداخلها، وزدنا في الأنواعِ خمسة تكملة السبعين (¬6)، وهي روايةُ الصحابةِ بعضهم عنْ بعضٍ، روايةُ التابعينَ بعضهم عن بعضٍ، معرفةُ منِ اشتركَ مِنْ رجالِ الإسنادِ في فقهٍ، أو بلدٍ، أو إقليمٍ، أو غير ذلكَ، معرفةُ أسبابِ الحديثِ، معرفةُ التأريخِ المتعلقِ بالمتونِ)). انتهى (¬7). قولهُ: (فالأولُ) (¬8) ذكرَ للصحيحِ خمسةَ شروطٍ /10أ / منها ثلاثةٌ وجوديةٌ، وهيَ: الاتصالُ، وعدالةُ الراوي، وهي ترجعُ إلى الدينِ، وضبطهُ وهوَ يرجعُ إلى ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 78. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: يفردون)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 78. (¬4) من قوله: ((قلت: وعلل ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) جاء في الحاشية (أ): ((الجواب عن ابن الصلاح أنه أملى كتابه إملاءً)). (¬6) محاسن الاصطلاح: 612 وما بعدها. (¬7) جاء في حاشية (أ) بخطِّ البقاعي ما يأتي: ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الحمصي الشافعي، وسمع الجماعة وكتب مؤلفه إبراهيم البقاعي)). وهذا مما يجعلنا نثق بالنسخة التي بين أيدينا، والشيخ شهاب الدين هوَ أحمد بن محمد بن عمر الحمصي العلامة الخطيب البليغ المحدّث المؤرخ القاضي الحمصي الأصل الدمشقي الشافعي توفي عام (934 هـ). انظر: الكواكب السائرة 2/ 97. (¬8) التبصرة والتذكرة (12).

الحفظِ، والفطنةِ، واثنانِ عدميانِ وهما: عدمُ الشذوذِ وعدمُ العلةِ القادحةِ، وينبغي أنْ يقيدها بكونها خفيةً ليوفي بمعنى كلامِ ابنِ الصلاحِ (¬1)، أو يقولَ: ولا معلل فيدخلَ القيدانِ: القدحُ والخفاءُ؛ لأنَّ المعللَ هو ما فيهِ علةٌ قادحةٌ خفيةٌ، لايكونُ معللاً إلا إذا اشتملَ على علةٍ موصوفةٍ بالوصفينِ معاً، وبهذا علمتَ أنَّهُ لا اعتراضَ على كلامِ ابنِ الصلاحِ، فإنَّهُ قالَ: ((أما الحديثُ الصحيحُ: فهوَ الحديثُ المسندُ الذي يتصلُ إسنادهُ بنقلِ العدلِ الضابطِ عنِ العدلِ الضابطِ إلى منتهاهُ (¬2) ولا يكونُ شاذاً ولا معللاً، وفي هذهِ الأوصافِ احترازٌ عنِ المرسلِ والمنقطعِ، والمعضلِ، والشاذِّ، وما فيهِ علةٌ قادحةٌ، وما في راويه نوعُ جرحٍ)) (¬3). انتهى (¬4). فإنْ قيلَ: العلةُ ضارةٌ ظاهرةً كانت، أو خفيةً، قيلَ: مسلمٌ، لكنْ لا تخلو العلةُ الظاهرةُ عنْ أنْ تكونَ راجعةً إلى ضعفِ الراوي، أو إلى عدمِ اتصالِ السندِ، وقد تقدمَ الاحترازُ عنهُ بقولهِ: الذي يتصلُ إسنادهُ بنقلِ العدلِ الضابطِ، فإذا عُدِمَ أحدهما ¬

_ (¬1) عبارة: ((ليوفي بمعنى كلام ابن الصلاح)) لم ترد في (ك). (¬2) من قوله: ((أما الحديث الصحيح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 79. أقول: تعقب بعض الناس - على ما حكاه ابن حجر 1/ 234 وبتحقيقي: 63 - ابن الصلاح بأن في تعريفه تكراراً، كان بإمكانه اجتنابه لو قال: المسند المتصل .. الخ، فيغني عن تكرار لفظ الإسناد. وأجاب عن هذا: بأنه إنما أراد وصف الحديث المرفوع؛ لأنه الأصل الذي يتكلم عليه. والمختار في وصف المسند: أنه الحديث الذي يرفعه الصحابي مع ظهور الاتصال في باقي الإسناد. فعلى هذا لا بد مِن التعرض لاتصال الإسناد في شرط الصحيح. وانظر محترزات وقيود ومناقشات هذا التعريف: الاقتراح: 152، ونكت الزركشي 1/ 97، والتقييد والإيضاح: 20، ونكت ابن حجر 1/ 235 وبتحقيقي: 64، والبحر الذي زخر 1/ 310. (¬4) من قوله: ((وفي هذه الأوصاف .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

عدماً ظاهراً سمي باسمهِ مِنْ انقطاعٍ، أوضعفٍ، ونحوهما مِنْ أولِ وهلةٍ، فلا تكونُ العلةُ أمراً زائداً، إلا إذا كانتْ مع قدحها خَفِيةً. قولهُ: (ضابطُ الفؤادِ) (¬1) يمكنُ أنْ يكونَ الفؤادُ قيداً يدخلُ منْ لم يكنْ لسانهُ ضابطاً، بأنْ كانَ يسبقُ إلى الخطأ، ثمَّ يردهُ حفظهُ إلى الصوابِ، لكنْ يخلُّ التقييدُ بهِ بضابطِ الكتابِ، وفي الحدِّ نقصٌ آخرُ، وهوَ أنّهُ يدخل /10 ب / فيهِ الحسنُ لذاتهِ مِنْ جهةِ عدمِ تقييدِ الضبطِ بالتمامِ، فلو قالَ: فأَولُ الأنواعِ ما قد اتصلْ ... إسنادهُ بنقلِ عدلٍ قدْ كملْ في ضبطهِ عنْ مثلهِ قدْ نقلا ... ولمْ يكنْ شَاذاً ولا معللا لشملَ ضبطَ الحفظِ والكتابِ، ومنعَ مِنْ دخولِ الحسنِ بتقييدِ الضبطِ بالكمالِ، وتبعَ عبارةَ ابنِ الصلاحِ في المعللِ، فسلمَ منِ الاعتراضِ بأنّهُ أهملَ قيدَ الخفاءِ. قولهُ: (فتوذي) (¬2) تصريحٌ بالواقعِ، أي: فإنَّ العلةَ إذا كانتْ قادحةً فإنها تؤذي، فالفاءُ سببيةٌ، وعطفهُ العلةَ بالواوِ تقديرهُ: مِنْ غيرِ كذا، ومنْ غيرِ كذا، حتى إنّهُ إذا وُجِدَ واحدٌ منهما ضرَّ، فالواوُ جمعتْ بينَ الشذوذِ والعلةِ في وجوبِ الانتفاءِ عن الصحيحِ، فالشرطُ انتفاؤُهما معاً، وانتفاءُ (¬3) كلٍ منهما (¬4)، وربما وجدَ في بعضِ النسخِ ((أو علةٍ)) بأو، ولا يبعدُ أنْ يكونَ أُوِّلَ (¬5) على المراد. قلتُ: لأنَّ الشرطَ حينئذٍ انتفاءُ الأحدِ المبهمِ الأعمِّ مِنْ كلٍّ منهما بخصوصهِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (12). (¬2) التبصرة والتذكرة (13). (¬3) في (ف): ((وانتقال)). (¬4) عبارة: ((فالشرط انتفاؤهما معاً، وانتفاء كلٍ منهما)) لم ترد في (ك). (¬5) في (ف): ((أدل)).

ولا يصدقُ ذَلِكَ إلا بانتفائهما معاً، واللهُ أعلمُ. (¬1) قولُهُ: (فلم يشترط) (¬2) واعتراض على الخطابيِّ بأنَّهُ لمْ يذكرِ الضبطَ في الحدِّ، وهو (¬3) غيرُ واردٍ؛ لأنَّ الحيثيةَ مرعيةٌ، فالمرادُ بعدلِ الروايةِ عدلٌ يضبطُ مرويهُ، كما أنَّ عدلَ الشهادةِ يشترطُ فيهِ معَ العدالةِ أَنْ يكونَ ضابطاً لما يشهدُ بهِ؛ فالمغَفَّلُ متوقَّفٌ فيهِ روايةً، وشهادةً، وإنْ كانَ عدلاً في الدينِ؛ فمنْ يكونُ كثيرَ الخطأ فاحشَ الغلطِ، لا يكونُ عدلاً في شهادةٍ، ولا رواية، فالاقتصارُ على العدالةِ حينئذٍ كافٍ عن التقييد بالضبطِ؛ ولذا لم يعترضهُ ابنُ دقيق العيدِ. (¬4) قولهُ /11أ /: (وفحشَ) (¬5) في قولهِ: (منْ كَثُرَ الخطأُ في حديثهِ وفحشَ) تأكيد للكثرةِ، وقد يقالُ: إنّهُ تأسيسٌ، ويكونُ المرادُ بالكثرةِ أمراً نسبياً فمنْ حفظَ ثلاثةَ آلافٍ مثلاً، فأخطأ في خمسينَ منها، فقدْ أخطأَ في كثيرٍ، لكنْ لم يَفحُشْ غلطهُ بالنسبةِ إلى ما حفظَ. قولهُ: (استحقَ التركَ، وإنْ كانَ عدلاً) (¬6)، أي: في دينهِ، وهذا مسلّمٌ لكنْ منْ كانَ فاحشَ الغلطِ لايصفهُ المحدثونَ بأنّهُ عدلٌ، هذا هوَ الموجودُ في استعمالهم كما مضى (¬7) تحقيقهُ، قالَ شيخنا: ((زادَ أهلُ الحديثِ قيدي عدم الشذوذِ والعلةِ؛ لأنَّ أحداً لايقولُ: إنَّ الحديثَ يعملُ بهِ وإنْ وجدتْ فيهِ علةٌ قادحةٌ، غايتهُ: أنَّ ¬

_ (¬1) من قوله: ((قلت: لأن الشرط ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 103. (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) من قوله: ((فمن يكون كثير الخطأ .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 103. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 103. (¬7) عبارة: ((كما مضى)) لم ترد في (ك).

بعضَ العللِ التي ذكروها لا يعتبرها الفقهاءُ، فهمْ إنما يخالفونهم في تسميةِ بعضِ العلل علةً، لا في أَنَّ العلةَ توجدُ ولا تقدحُ، فأهلُ الحديثِ يشترطونَ في الحديثِ الذي اجتمعتْ فيهِ الأوصافُ مزيدَ تفتيشٍ حتى يغلبَ على الظنِّ أنَّهُ سالمٌ مِن الشذوذِ والعلةِ، والفقهاءُ لا يشترطونَ ذَلِكَ بل متى اجتمعتِ الأوصافُ الثلاثةُ (¬1) سموهُ صحيحاً، ثمَّ متى ظهرَ شاذاً ردوهُ، قالَ: فلا خلافَ بينهما في المآلِ، وإنما الخلافُ في تسميتهِ في الحالِ بعدَ وجودِ الأوصافِ الثلاثةِ، والفريقانِ مُجمِعونَ (¬2) على أَنَّ العلةَ القادحةَ متى وُجدتْ ضرَّتْ، وتعليلُ ابنِ دقيق العيدِ في قولهِ: ((فإنَّ كثيراً مِن العللِ)) (¬3) إلى آخرهِ يرشدُ إلى ذَلِكَ فإنّهُ إنما يقدحُ في استثناءِ ما فيهِ علةٌ غيرُ مقيدةٍ بأنها قادحةٌ، ومَنْ قالَ: ((غيرَ معللٍ)) لم يرد عليهِ شيءٌ؛ لأنَّ المعللَ ما /11ب/ فيهِ علةٌ قادحةٌ كما مضى، ولمْ يتعقب ابنُ دقيق العيدِ استثناءَ الشاذِّ، وهوَ أولى بالتعقبِ مِن المعللِ؛ لأنَّ حقيقتهُ ما خالفَ فيهِ الثقةُ مُنْ هوَ أولى منهُ بحيثُ لا يتهيأُ الجمعُ بينَ الروايتينِ فقبولها (¬4) مع كونِ إحداهما تنافي الأخرى لا يصحُّ، فلا بدَّ مِنْ راجحٍ هوَ السالمُ منَ الشذوذِ، ومِنْ مرجوحٍ هوَ الشاذُ (¬5)، والمرجوحيةُ لا تُنافي الصحةَ. فغايتهُ: أنْ يكونَ مِنْ باب صحيحٍ وأصحَ فيعملُ بالأصحِ الذي هوَ الراجحُ دونَ المرجوحِ الذي هوَ صحيحٌ للمعارضةِ، لا لكونهِ غير صحيحٍ، وهذا كما في الناسخِ والمنسوخِ سواء، طريقُ كلٍ منهما صحيحٌ، لكنْ قامَ مانعٌ منَ العملِ بالمنسوخِ، ولايلزمُ منهُ أنْ يكونَ غيرَ صحيحٍ)). انتهى. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((وهي الوجودية)). (¬2) في (ك): ((مجموعون)). (¬3) الاقتراح: 154. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((يعني قبول الروايتين)). (¬5) عبارة: ((ومن مرجوح هو الشاذ)) لم ترد في (ف).

فقدَ تحررَ: أَنَّ مرادهم بالصحيحِ الذي يجبُ العملُ بهِ، أو أنَّهم حكموا على الشاذِ بالوهمِ فصار ضعيفاً حكماً لتحقيقِ مظنةِ الضعفِ فيهِ، وحينئذٍ لا يردُ شيءٌ، واللهُ أعلمُ (¬1). قالَ شيخُنا (¬2): ((وبعضُ أهلِ الحديثِ يشترطُ العددَ في الروايةِ، حتى ادّعى ابنُ العربيِ، في أوائلِ " شرحِ البخاريِّ " (¬3) أَنَّ ذَلِكَ شرطُ البخاريِّ، وتعقبهُ ابنُ رشيدٍ (¬4) في كتابِ " ترجمانِ التراجمِ "، وحكاهُ أبو محمدٍ الجويني عن بعضِ أصحابِ الحديثِ، وحكى الحازميُّ (¬5) عنِ الحاكمِ (¬6)، وهوَ مِنْ أجلِّ علماءِ الحديثِ أَنَّ شرطَ (¬7) الشيخينِ العددُ، وقالَ الحافظُ أبو حفصٍ ¬

_ (¬1) من قوله: ((وتعليل ابن دقيق العيد ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) عبارة: ((في أوائل شرح البخاري)) لم ترد في (ك). (¬4) هو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس الفهري مجد الدين السبتي، ولد سنة (657هـ)، وتوفي سنة (721هـ) من تصانيفه " إفادة النصيح في رواية الصحيح "، و"إيضاح المذاهب فيمن يطلق عليه اسم الصاحب "، و" ترجمان التراجم على أبواب البخاري "، وغيرها. انظر: الوافي بالوفيات 4/ 284، وهدية العارفين 6/ 144. (¬5) شروط الأئمة الخمسة: 24. والحازمي: هو الإمام الحافظ أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمداني، تفقه في مذهب الشافعي، وله مؤلفات نافعة، منها: " عجالة المبتدئ "، و"المؤتلف والمختلف"، و"الناسخ والمنسوخ"، مات سنة (584هـ). انظر: تهذيب الأسماء واللغات 2/ 192، والبداية والنهاية 12/ 332، وتذكرة الحفاظ 4/ 1363. (¬6) انظر: معرفة علوم الحديث للحاكم: 62. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((هذا الشرط وهو العدد في الرواية والذي يعلو وهو كون الراوي معروفاً بطلب العلم، قالَ شيخنا المؤلف: إنَّهُ لا يعمل بهذين الشرطين؛ لأنَّ أول حديث في البخاريّ وآخر حديث فيهِ لم يرو إلاّ واحد عن آخر عن واحد إلى آخره، وكذلك الذي في آخره فليعلم)). =

الميانشيُّ (¬1): ((إنَّ شرطهما في الصحيحينِ أنْ لا يدخلا فيهِ إلا ما صحَّ، وهو ما رواهُ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - اثنانِ فصاعداً، وما نقلهُ عن كلِّ واحدٍ منَ / 12أ / الصحابةِ أربعةٌ مِن التابعينَ فأكثرُ، وأنْ يكونَ عنْ كلِ واحدٍ منَ التابعينَ أكثرُ منْ أربعةٍ)) (¬2))). وقد علم بهذا أَنَّ اشتراطَ العددِ ليسَ خاصاً ببعضِ المعتزلةِ كما قالَ الشيخُ (¬3) (¬4)، ومؤاخذةُ ابنِ دقيقِ العيدِ لابنِ الصلاحِ وقعتْ على قولهِ: بين أهلِ الحديثِ، فهوَ يقولُ: لأي معنىً يخصهُ بأهلِ الحديثِ؟ فإنَّ هذهِ أصعبُ الشروطِ فمنْ لايشترطُ السلامةَ منَ العلةِ والشذوذِ يصححُ هذا مِنْ بابِ الأولى، فكانَ ينبغي أنْ يقولَ: هذا هوَ الحديثُ الصحيحُ إجماعاً (¬5)، ولا يخفى (¬6) أَنَّ هذا لا يتوجهُ عليهِ ¬

_ = ... قالَ ماهر: وهذا دليل على أنَّ النسخة كانت بيد أحد تلاميذ البقاعي المهتمين بالعلم، وهو دليل على جودة النسخة وإتقانها، والحمد لله على توفيقه. (¬1) هو أبو حفص عمر بن عبد المجيد الميانشي، له كراس في علم الحديث أسماه " ما لا يسع المحدّث جهله "، توفي بمكة سنة (581هـ). العبر 3/ 83، والأعلام 5/ 53. والميانشي: نسبة إلى ميانش قرية من قرى المهدية بإفريقية. انظر: معجم البلدان 8/ 352، وتاج العروس مادة (موش). وجاء في بعض مصادر ترجمته: ((الميانجي)) وهي نسبة إلى ((ميانج)) موضع بالشام. انظر: الأنساب 4/ 381، ومعجم البلدان 8/ 351. وكذا نسبه الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 240، وبتحقيقي: 68. (¬2) ما لا يسع المحدّث جهله: 27. (¬3) من قوله: ((وتعقبه ابن رشيد .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) انظر: التقييد والإيضاح: 21. (¬5) انظر: الاقتراح في بيان الاصطلاح: 187. (¬6) زاد بعدها في (ك): ((عليك)).

مع مخالفةِ منِ اشترطَ العددَ منَ المعتزلةِ وغيرهم (¬1)، بل المتوجهُ أَنَّ يخصَّ نفيَّ الخلافِ بالجمهورِ (¬2) وكانَ مالكٌ - رحمهُ اللهُ - يشترطُ للقبولِ أمراً آخرَ، وهوَ كونُ الراوي معروفاً بطلبِ الحديثِ موصوفاً بينَ أهلهِ؛ وعلى هذا لايسلمُ قولُ ابنِ الصلاحِ: ((بلا خلافٍ بينَ أهلِ الحديثِ)) (¬3). قولهُ: (أنْ يكونَ جامعاً مانعاً) (¬4) يعني: ومتى لم يقيدْ بالإجماعِ (¬5) خرجَ عنهُ المرسلُ (¬6) عندَ مَنْ يصححهُ ونحوهُ على رأي الفقهاءِ، فلمْ يجمع وإنْ كانَ مانعاً (¬7). قلتُ: وقد تبينَ أنَّهُ دخلَ فيهِ الحسنُ لذاتهِ كما مضى (¬8)، وحديثُ منْ لم يكنْ مشهوراً بالروايةِ. ومالكٌ يخالفُ فيهِ فلمْ يمنعْ، وإنْ أجيبَ عنهُ بأنَّهُ حد على رأيِّ أهلِ الحديثِ لم يفدْ إلا أنْ يرادَ جمهورهم. والحاصلُ: أَنَّ ابن دقيقِ العيدِ اعترضَ على عبارةِ ابنِ الصلاحِ بشيئينِ: أحدهما: إنَّ تقييدهُ بأهلِ الحديثِ لا يفيدُ، بل ينقصُ مِنَ المعنى شيئاً ينبغي تحصيلهُ، وهوَ أَنَّ الحديثَ الجامعَ لهذهِ الأوصافِ صحيحٌ عند مَن لا يشترطُ /12ب/ بعضَ هذهِ الشروطِ مِنَ الفقهاءِ منْ بابِ الأولى. ¬

_ (¬1) انظر: نكت الحافظ ابن حجر 1/ 241 - 242 وبتحقيقي: 69 - 70. (¬2) من قوله: ((من المعتزلة وغيرهم ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 80. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 104. (¬5) عبارة: ((لم يقيد بالإجماع)) لم ترد في (ك). (¬6) في (أ): ((المراسيل)). (¬7) عبارة: ((وإن كان مانعاً)) لم ترد في (ك). (¬8) عبارة: ((الحسن لذاته كما مضى، و)) لم ترد في (ك).

والثاني: إنَّ تعريفهُ غيرُ جامعٍ؛ لخروجِ المرسلِ، وابنُ الصلاحِ قد صرَّحَ بأَنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ يصححهُ كمالكٍ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ واضحةٌ في قبولها الاعتراضينِ؛ فإنَّهُ قالَ بعدَ التعريفِ بما ذكرَ: ((فهذا هوَ الحديثُ الذي يحكمُ لهُ بالصحةِ بلا خلافٍ بينَ أهلِ الحديثِ، وقدْ يختلفونَ في صحَّةِ بعضِ الأحاديثِ؛ لاختلافهمْ في وجودِ هذهِ الأوصافِ فيهِ، أو لاختلافهمْ في اشتراطِ بعضِ هذه الأوصافِ كما في المرسلِ)) (¬1). وقالَ الشيخُ في " النكت" (¬2): ((اعترض عليهِ -أي: في تعريفهِ للصحيحِ - بأنَّ منْ يقبلُ المرسلَ لا يشترطُ أنْ يكونَ مسنداً، وأيضاً اشتراطُ سلامتهِ مِن الشذوذِ والعلةِ إنما زادها (¬3) أهلُ الحديثِ كما قالهُ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " قالَ: وفي هذينِ الشرطينِ نظرٌ (¬4) ... )). إلى آخر كلامهِ. والجوابُ: أَنَّ مَنْ يصنفُ في علمِ الحديثِ إنما يذكرُ الحدَّ مِنْ عندِ أهلهِ، لامنْ عند غيرهمْ مِنْ أهلِ علمٍ آخرَ، وفي " مقدمةِ مسلمٍ ": ((أَنَّ المرسلَ في أصلِ قولنا، وقولِ أهلِ العلمِ بالأخبارِ ليسَ بحجةٍ)) (¬5)، وكونُ الفقهاءِ. والأصوليينَ لا يشترطونَ في الصحيحِ هذينِ الشرطينِ، لا يُفسدُ الحدَّ عندَ مَنْ يشترطهما، على أَنَّ المصنفَ قدِ احترزَ عنْ خلافهمْ، وقالَ بعدَ أنْ فرغَ منَ الحدِّ، وما يحترزُ بهِ عنهُ : ((فهذا هوَ الحديثُ)) إلى آخرِ ما نقلتهُ أنا عنهُ آنفاً، قالَ: فقدِ احترزَ المصنفُ عما اعترضَ بهِ عليهِ فلمْ يبقَ للاعتراضِ وجهٌ، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 80. (¬2) التقييد والإيضاح: 20. (¬3) في جميع النسخ الخطية: ((زاده))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". (¬4) الاقتراح: 153. (¬5) مقدمة صحيح مسلم 1/ 30.

وقولهُ: (بلا خلاف) (¬1) إنما قيد نفيَّ الخلافِ بأهلِ / 13أ / الحديثِ؛ لأنَّ غيرَ أهلِ الحديثِ قد يشترطونَ شروطاً زائدةً على هذهِ كاشتراطِ العددِ في الروايةِ كما في الشهادةِ، ثمَّ قالَ: على أنَّهُ قد حكيَ أيضاً عن بعضِ أصحابِ الحديثِ. قالَ البيهقي في "رسالتهِ إلى أبي محمدٍ الجويني": ((رأيتُ في "الفصولِ" التي أملاها الشيخُ حكايةً عنْ بعضِ أصحابِ الحديثِ أنَّهُ يشترطُ في قبولِ الأخبارِ، أنْ يرويَ عدلانِ عنْ عدلينِ حتى يتصلِ مثنى مثنى برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولمَ يذكرْ قائلهُ)) إلى آخر كلامهِ، وكانَ البيهقيُّ رآهُ في كلامِ أبي محمدٍ الجويني، فنبههُ على أنَّهُ لايعرفُ عن أهلِ الحديثِ. وقولهُ: (وقد يختلفونَ) (¬2) إلى آخرهِ، يريدُ بقولهِ: ((هذهِ الأوصافُ أوصافُ القبولِ التي ذكرها في حدِّ الصحيحِ، وإنما نبهتُ على ذلكَ، وإنْ كانَ واضحاً؛ لأني رأيتُ بعضهمْ قد اعترضَ عليهِ، فقالَ: إنَّهُ يعني الأوصافَ المتقدمةَ مِنْ إرسالٍ، وانقطاعٍ، وعضلٍ، وشذوذٍ، وشبهها، قالَ: وفيهِ نظرٌ مِنْ حيثُ إنَّ أحداً لم يذكرْ أَنَّ المعضلَ، والشاذَّ، والمنقطعَ صحيحٌ، وهذا الاعتراضُ ليسَ بصحيحِ؛ فإنَّهُ إنما أرادَ أوصافَ القبولِ كما قدمتهُ، وعلى تقديرِ أنْ يكونَ أرادَ ما زعمَ فمنْ يحتجُّ بالمرسلِ لا يتقيدُ بكونهِ أرسلهُ التابعيُ، بل لو أرسلهُ أتباعُ التابعينَ احتجَّ بهِ، وهوَ عندهُ صحيحٌ، وإنْ كانَ معضلاً، وكذلكَ منْ يحتجُّ بالمرسلِ يحتجُّ بالمنقطعِ، بلِ المنقطع والمرسلُ عندَ المتقدمينَ واحدٌ، وقالَ أبو يعلى الخليليُّ القزوينيُّ في " الإرشادِ " (¬3): ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 104. (¬2) التقييد والإيضاح: 21. (¬3) انظر: الإرشاد 1/ 174 وما بعدها.

((إن الشاذَّ ينقسمُ إلى صحيحٍ، ومردودٍ)) / 13ب / فقولُ هذا المعترضِ أَنَّ أحداً لايقولُ في الشاذِّ أنَّهُ صحيحٌ مردودٌ بقولِ الخليليِّ المذكورِ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). انتهى كلامُ " النكتِ " (¬2). قولهُ: 14 - وَبالصَّحِيْحِ وَالضَّعِيفِ قَصَدُوا ... في ظَاهِرٍ لاَ الْقَطْعَ، وَالْمُعْتَمَدُ 15 - إمْسَاكُنَا عَنْ حُكْمِنَا عَلى سَنَدْ ... بِأنّهُ أَصَحُّ مُطْلَقاً، وَقَدْ 16 - خَاضَ (¬3) بهِ قَوْمٌ فَقِيْلَ مَالِكُ ... عَنْ نَافِعٍ بِمَا رَوَاهُ النَّاسِكُ 17 - مَوْلاَهُ وَاخْتَرْ حَيْثُ عَنْهُ يُسْنِدُ ... الشَّافِعِي قُلْتُ: وعَنْهُ أَحْمَدُ الجارُ في ((بالصحيحِ))، يتعلقُ بـ ((قصدوا)) و ((في ظاهرٍ)) يتعلقُ بمحذوفٍ، و ((القطعُ)) معطوفٌ على ذَلِكَ المحذوفِ معَ متعلقهِ، تقديرهُ: وقصدَ النقاد بالصحيحِ والضعيفِ في قولهمْ: هذا حديثٌ صحيحٌ، هذا حديثٌ ضعيفٌ، الصحةَ، والضعفَ في ظاهرِ الحكمِ، ولمْ يقصدوا القطعَ بصحتهِ، وضعفهِ. قلتُ: أو هوَ معطوفٌ على محلٍ في ظاهرٍ، أي: قصدوا الصحةَ ظاهراً لا قطعاً، واللهُ أعلمُ. قال ابنُ الصلاحِ: ((ومتى قالوا: هذا حديثٌ صحيحٌ، فمعناهُ: أنَّهُ اتصلَ سندهُ مع سائرِ الأوصافِ المذكورةِ، وليسَ مِنْ شرطهِ أنْ يكونَ مقطوعاً بهِ في نفسِ الأمرِ؛ إذ منهُ ما ينفردُ بروايتهِ عدلٌ واحدٌ، وليسَ منَ الأخبارِ التي أجمعتِ الأمةُ على تلقيها بالقبولِ)) (¬4). انتهى. ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 21. (¬2) من قوله: ((والحاصل: أن ابن دقيق العيد .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) في النفائس: ((خُصّ)) والوزن بها مستقيم. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 80.

وهو موافقٌ لقولِ الشافعيِّ في " الرسالةِ " (¬1) في بابِ تثبيتِ خبرِ الواحدِ: ((إنَّهُ لو شكَّ فيهِ شاكٌ، قلنا: ليس لكَ عالماً أنْ تشكَ، كما ليسَ لكَ إلا أنْ تقضيَ بشهادةِ العددِ، وإنْ أمكنَ فيهمُ الغلطُ، ولكنْ تقضي بذلكَ على الظاهرِ منْ صدقهمْ، واللهُ وليُ ما غابَ عنكَ منهمْ)) (¬2). قولهُ: (خلافاً لمنْ قالَ: إنَّ خبرَ الواحدِ يوجبُ العلمَ الظاهر) (¬3) قالَ شيخنا: ((إنما يكونُ ذَلِكَ مخالفاً، لو قيلَ: يفيدُ العلمَ، وأطلقَ، فأما الظاهرُ وهو غلبةُ الظنِّ على صحتهِ، فلا خلافَ في أنَّهُ يفيدهُ / 14أ /، لكنْ حكوا في الأصولِ عنْ أحمدَ وقومٍ منْ أهلِ الحديثِ القولَ بأنَّهُ يفيدُ العلمَ اليقينيَّ، فاللهُ أعلمُ بمرادِ الكرابيسيِّ (¬4)؛ فإنَّ العبارة المذكورةَ هنا عنهُ لا تصرح بالمقصودِ، وقد نُقِلَ عن أبي بكرٍ القفالِ (¬5) مثلها، وأُوِّلَ ذَلِكَ بغالبِ الظنِّ؛ لأنَّ العلمَ لا يتفاوتُ، وبهذا التأويلِ صرَّح ابنُ فوركَ (¬6)، ¬

_ (¬1) الرسالة (1261) وفي النقل تصرف. (¬2) من قوله: ((قلت: أو هو معطوف ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105. (¬4) هو الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي البغدادي الشافعي، فقيه أصولي محدّث، توفي سنة (245هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 79. (¬5) هو عبد الله بن أحمد بن عبد الله، المروزي الخراساني، أبو بكر القفال، توفي سنة (417هـ‍) وقد سمي بالقفال؛ لأنّه كان يعمل الأقفال في ابتداء أمره وبرع في صناعتها حتى صنع قفلاً بآلاته ومفتاحه وزن أربع حبات، فلما صار ابن ثلاثين سنة، آنس من نفسه ذكاءً مفرطاً وأحب الفقه، فأقبل على قراءته حتى برع فيه، وصار يضرب به المثل، وهو صاحب طريقة الخراسانيين في الفقه. انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 405 - 406، وشذرات الذهب 3/ 207 - 208. (¬6) هو محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني المتكلم صاحب التصانيف في الأصول والعلم، توفي سنة (406هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 214، وشذرات الذهب 3/ 181.

والصيرفيُ (¬1)، وممنْ نقلَ إفادتهُ العلمَ عنِ الكرابيسيِّ: ابنُ عبدِ البرِ، وابنُ حزمٍ، عنْ داودَ، والحارثِ بنِ أسدٍ، وحكاهُ ابنُ خويز مندادُ، عن مالكٍ، وفي نقلهِ عن الحارثِ نظرٌ، فقدْ صَرَّحَ في كتابهِ " فهم السننِ " -بخلافهِ، وما حكاهُ ابنُ خويز مندادُ عن مالكٍ نازعهُ فيهِ المازريُّ، وقالَ: لم نعثرْ لمالكٍ فيهِ على نصٍّ، وممنْ نقلهُ عنْ أحمدَ الباجيُّ، وحكى أبو الحسنِ السهيليُّ (¬2) مِن الشافعيةِ في كتابهِ " أدبِ الجدلِ ": أَنَّ خبرَ الواحدِ يوجبُ العلمَ بشرطِ أَنَّ يكونَ في إسنادهِ إمامٌ مثلُ مالكٍ وأحمدَ، وسفيانَ، وإلا فلا يوجبهُ، وهذا غريبٌ. ونقلَ الشيخُ أبو إسحاقَ في " التبصرةِ " عن بعضِ أهلِ الحديثِ أَنَّ منها-أي: أخبارِ الآحادِ- ما يوجبُ العلمَ كحديثِ مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ، وما أشبههُ. قالَ بعضُ المتأخرينَ: ويحتملُ أنْ يكونَ هذا هوَ القولَ الذي حكاهُ السهيليُّ. قولهُ: (هذا الباب) (¬3)، أي: بابُ تحريرِ معاني العلمِ، والظنِّ والشكِّ، وما شاكلها (¬4). قولهُ: (نعمْ، إنْ أخرجهُ الشيخانِ، أو أحدهما، فاختارَ ابنُ الصلاحِ القطعَ بصحتهِ) (¬5)، أي: اختار أنَّهُ يفيدُ العلمَ النظريَّ، أي: علمنا بسببِ احتفافهِ بالقرائن، ¬

_ (¬1) الصَّيرَفي: بفتح الصاد وسكون الياء آخر الحروف وفتح الراء وفي آخرها فاء هذه نسبة معروفة لمن يبيع الذهب وهم الصيارفة، ونسب إلى هذه النسبة أبو بكر محمد بن عبد الله الفقيه الشافعي المعروف، بغدادي له تصانيف في أصول الفقه، وكان فهماً عالماً. انظر: اللباب في تهذيب الأنساب 2/ 58، ووفيات الأعيان 2/ 328. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((وما هو شارح السير، فإن هذا شافعي وشارح السير مالكي)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105. (¬4) من قوله: ((فإن العبارة المذكورة هنا ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 105 - 106.

أَنَّ النبي /14ب/ - صلى الله عليه وسلم - قالهُ علماً يقينياً نظرياً كما سيأتي في قولهِ: (واقطعْ بصحةٍ لما قد أسندا) (¬1). قولهُ: (لجوازِ صدقِ الكاذبِ) (¬2)، أي: فيما ضعفَ؛ بسببِ كذبِ راويهِ، وإصابة منْ هوَ كثيرُ الخطأ فيما ردَّ بسببِ كثرةِ خطأ ناقلهِ، ونحو ذَلِكَ مِنْ أسبابِ الضعفِ. قولهُ: (في كلِّ فردٍ فردٍ) (¬3)، أي: في كلِّ واحدٍ واحدٍ مِنْ رجالِ الإسناد الكائنينَ مِنْ ترجمةٍ واحدةٍ. قولهُ: (بالنسبةِ) (¬4)، أي: يعزُّ وجودُ أعلى الصفاتِ مِنَ الضبطِ، والعدالةِ، والاتصال، وعدمِ العلةِ، والشذوذِ في راوٍ بسببِ نسبتهِ إلى جميعِ الرواةِ الموجودينَ في عصرهِ، أي: لا يتحققُ، أو يظنُ أَنَّ هذا الراويَ حازَ أعلى الصفاتِ حتى يوازيَ بينهُ وبينَ كلِّ فردٍ فردٍ مِنْ جميعِ أهلِ عصرهِ، ويعلمَ أنَّهُ أعلى من كل منهمْ في كلِ صفةٍ مِنْ تلكَ الصفاتِ، وهذا يستحيل عادةً. قولهُ: (فاضطربتْ أقوالهمْ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((الصحيحُ يتنوعُ إلى متفقٍ عليهِ، ومختلفٍ فيهِ (¬6) كما سبقَ ذكرهُ)) (¬7)، أي: في قولهِ بلا خلافٍ بينَ أهلِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (40). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106 و ((فردٍ)) الثانية مجرورة بالمجاورة. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106. (¬6) انظر تفصيل ذَلِكَ في: المدخل إلى كتاب الإكليل: 29 - 43، ونكت الزركشي 1/ 125 - 128. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 80.

الحديثِ (¬1): ((ويتنوعُ إلى مشهورٍ، وغريبٍ، وبينَ ذَلِكَ، ثم إنَّ درجاتِ الصحيحِ تتفاوتُ في القوةِ بحسبِ تمكنِ الحديثِ مِنَ الصفاتِ المذكورةِ التي تنبني الصحةُ عليها، وتنقسمُ باعتبارِ ذلكَ إلى أقسامٍ، يُستعصى إحصاؤها على العادِّ الحاصرِ، ولهذا نرى الإمساكَ عنِ الحكمِ لإسنادٍ، أو حديثٍ بأنَّهُ الأصحُ على الإطلاق (¬2)، على أَنَّ جماعةً مِنْ أئمةِ الحديثِ خاضوا غمرة (¬3) ذَلِكَ، فاضطربتْ أقوالُهم (¬4))) (¬5)، أي: ولو كانَ استقراء منِ استقرأ منهم تاماً لما اضطربتْ الأقوالُ، غايتهم: أَنَّ كلَّ واحدٍ منهم غلبَ على ظنهِ في إسنادٍ ما أنَّهُ أصحُّ (¬6) باعتباركثرةِ ممارستهِ لحديثِ رجالِ ذلكَ الإسناد، فحكمَ بأصحيتهِ لذلكَ، أو / 15 أ / لأمرٍ آخرَ ككونِ السندِ ¬

_ (¬1) رجع النص إلى ابن الصلاح. (¬2) قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 106: ((القول المعتمد عليه المختار: أنه لا يطلق على إسناد معين بأنه أصح الأسانيد مطلقاً؛ لأن تفاوت مراتب الصحة مترتب على تمكن الإسناد مِنْ شروط الصحة؛ ويعز وجود أعلى درجات القبول في كل فرد فرد مِنْ ترجمة واحدة بالنسبة لجميع الرواة)). وانظر: نكت الزركشي 1/ 131 - 157، والتقييد والإيضاح: 22، ونكت ابن حجر 1/ 247 - 262، وبتحقيقي: 73 فما بعدها. (¬3) خاضوا، أي: اقتحموا. تاج العروس مادة (خوض). والغمر مِن الماء: خلاف الضحل، وهو الذي يعلو منْ يدخله ويغطيه. وغمر البحر: معظمه، والغمرة الشدة، والماء الكثير، انظر: لسان العرب مادة (غمر)، والمعجم الوسيط مادة (غمر). وبين السيوطي في شرح ألفية العراقي معنى هذا فقال: ((أي: مشوا فيه، مِنْ تشبيه المعقول بالمحسوس، للإشارة إلى أَنَّ المتكلم في ذَلِكَ كالخائض في الماء، الماشي في غير مظنة المشي، وهو يؤذن بعدم التمكن، ولهذا اختلفوا فيه على أقوال كثيرة)). (¬4) من قوله: ((عبارة ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 80 - 81. (¬6) عبارة: ((أنه أصح)) لم ترد في (ك).

حجازياً، وكانَ جماعةٌ لا يقدمونَ على حديثِ الحجازِ شيئاً، حتى قالَ مالكٌ: ((إذا خرجَ الحديثُ عنِ الحجازِ انقطعَ نخاعهُ)) (¬1)، أو كما قالَ. هكذا حفظتهُ عن شيخنا، ثمَّ رأيتُ في كتابِ (¬2) " ذمِّ الكلامِ " لشيخِ الإسلامِ الأنصاريِّ هذا الكلامَ عنِ الشافعيِّ، ولفظهُ: ((إذا لم يوجدْ للحديثِ في الحجازِ أصلٌ ذهبَ نخاعهُ)) (¬3)، وعنهُ (¬4) أنَّهُ قالَ: ((كلُّ حديثٍ جاءَ منَ العراقِ وليسَ لهُ أصلٌ في الحجازِ فلا تقبلهُ، وإنْ كانَ صحيحاً، ما أريدُ إلا نصيحتكَ)) (¬5)، فاللهُ أعلمُ. وقد اعترضَ على ابنِ الصلاحِ بأنَّ الحاكمَ وغيرهُ، ذكروا أَنَّ هذا بالنسبةِ إلى الأمصارِ، أو إلى الأشخاصِ، وإذا كانَ كذلكَ، فلا يبقى خلافٌ بينَ هذهِ الأقوالِ. قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬6): ((وليسَ (¬7) بجيدٍ؛ لأَنَّ الحاكمَ لم يقلْ: إِنَّ الخلافَ مقيدٌ بذَلِكَ، بل قالَ: لا ينبغي أنْ يطلقَ ذَلِكَ وينبغي أَنَّ يقيدَ بذلكَ (¬8) فهذا لا ينفي الخلافَ المتقدمَ، وأيضاً ولو قيدناهُ بالأشخاصِ، فالخلافُ موجودٌ، فيقالُ: أصحُّ أسانيدِ عليٍّ - رضي الله عنه - كذا، وقيلَ: كذا، وأصحُّ أسانيدِ ابنِ عمر -رضي الله عنهما - كذا، وقيلَ كذا، فالخلافُ موجودٌ، واللهُ أعلمُ)). انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: تدريب الراوي 1/ 85. (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) تدريب الراوي 1/ 85. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: عن الشافعي)). (¬5) تدريب الراوي 1/ 85. (¬6) التقييد والإيضاح: 22. (¬7) كتب ناسخ (أ) في الحاشية: ((أي: الاعتراض)). (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: بالنسبة إلى الأمصار أو إلى الأشخاص)).

قولهُ: (وهذا قولُ البخاريِّ) (¬1) بخطِ بعضِ أصحابنا، رواهُ عنهُ الحاكمُ في " علوم الحديثِ " (¬2)، والخطيبُ في " الكفايةِ " (¬3) بإسنادينِ صحيحينِ، وروى الخطيبُ في "الكفاية" (¬4) عن يحيى بن بكيرٍ أنَّهُ قالَ لأبي زرعةَ الرازيِّ: ((يا أبا زرعةَ ليسَ ذا زعزعة عنْ زوبعةٍ إنما ترفعُ السترَ فتنظر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - والصحابةِ، حدثنا مالكٌ، عنْ نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ رضي الله عنهما)) (¬5). قولهُ: (الأستاذ أبو منصورٍ التميمي) (¬6) أنهُ أجلُّ الأسانيدِ هذا مُسَلَّمٌ، لكنْ لا ينهضُ دليلاً على الأصحيةِ؛ لأنها أخصُّ، والأجليةُ تكونُ مِنْ / 15ب / جهاتٍ عديدةٍ، والشافعيُّ -رحمهُ اللهُ--وإنْ كانَ قد حازَ الكمالَ في شروطِ الصحةِ، وزادَ على ذَلِكَ بما آتاهُ اللهُ تعالى منَ العلمِ الذي لا يجارى فيهِ، والفطنةِ التي كأنها الكشفُ، لكنْ غيرهُ يشاركهُ في الضبطِ الذي هوَ محطُّ الصحةِ، ويزيدُ بكثرةِ ممارسةِ حديثِ مالكٍ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ: ((أثبتُ الناسِ في مالكٍ القعنبيُّ)) (¬7)، أي: باعتبارِ قدرٍ زائدٍ على كمالِ الضبطِ وهو طولُ الملازمة لهُ، وكثرةُ الممارسةِ لحديثهِ، فالشافعيُّ -رحمهُ اللهُ- أخذَ عن مالكٍ في أوائلِ عمرهِ، وكانتْ قراءتهُ عليهِ مِنْ أوائلِ قراءتهِ للحديثِ، ولمْ يلازمهُ ملازمةَ القعنبيِّ وابنِ وهبٍ، ولا قريباً منها. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 107. (¬2) انظر: معرفة علوم الحديث: 53. (¬3) الكفاية (563ت، 398 هـ‍). (¬4) الكفاية (565 ت، 399 هـ‍). (¬5) من قوله: ((وقد اعترض على ابن الصلاح ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 107. (¬7) تقريب التهذيب (3620).

قلتُ (¬1): فقولُ البلقينيِّ في كتابهِ " محاسنِ الاصطلاحِ " (¬2): ((لا يقالُ: فالقعنبيُّ -وابنُ وهبٍ لهما القعددُ (¬3) في الروايةِ عن مالكٍ؛ لأنا نقولُ: وأينَ تقعُ رتبتهما مِنْ رتبة الإمام (¬4) الشافعيِّ)) (¬5)، فيهِ نظرٌ؛ لما علمتَ من (¬6) أَنَّ الترجيحَ فيهما إنما هوَ باعتبارِ طولِ الملازمةِ، وكثرةِ الممارسةِ، وهذا لا ينقصُ مِنْ مقدارِ الشافعيِّ. وأما زيادةُ إتقانِ الشافعيِّ فلا يشك فيها مَنْ لهُ علمٌ بأخبارِ الناسِ، فقدْ كانَ أكابرُ المحدّثينَ يأتونهُ، فيذاكرونهُ بأحاديثَ أشكلتْ عليهم، فيبينُ لهم ما أشكلَ، ويوقفهم على عللٍ غامضةٍ، فيقومونَ وهم يتعجبونَ منهُ، كما هوَ مشهورٌ في ترجمتهِ، وقالَ الإمامُ أحمدُ: ((سمعتُ " الموطأَ " منَ الشّافعيِّ))، وذَلِكَ بعدَ سماعهِ لهُ مِنْ عبدِ الرحمانِ بنِ مهدي، ووجود الرواةِ لهُ عنْ مالكٍ بكثرةٍ، وقالَ: ((سمعتهُ منهُ لأنيِّ رأيتهُ فيهِ ثبتاً، فعللَ إعادتهُ لسماعهِ وتخصيصها بالشافعي بأمرٍ يرجعُ إلى الثبتِ)) (¬7) فتعليله بذلكَ أقلُ ما يفهمُ منهُ: أَنَّ الشّافعيَّ مساوٍ لابنِ مهديٍّ في الثبتِ في حديثِ مالكٍ إنْ لم نقلْ: إنَّهُ يقتضي زيادتهُ عليهِ في الثبتِ، إذ لو كانَ مساوياً / 16 أ / لكانتِ الإعادةُ تحصيلاً للحاصلِ، وقولُ أحمدَ: ((رأيتهُ فيهِ ثبتاً)) وَرَدَ على سؤالٍ، فلا يكونُ لتقييدهِ بقيد مفهوماً. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) عبارة: ((في كتابه محاسن الاصطلاح)) لم ترد في (ك). (¬3) أي: الأصالة والرسوخ. (¬4) لم ترد في (ك) و (ف). (¬5) محاسن الاصطلاح: 86. (¬6) لم ترد في (أ) و (ك). (¬7) انظر: تدريب الراوي 1/ 80.

قالَ البلقينيُّ: ((وأبو حنيفةَ وإنْ روى عنْ -مالكٍ -كما ذكرهُ الدارقطني- فلمْ تشتهرْ روايتهُ عنهُ، كاشتهارِ روايةِ الشافعيِّ)) (¬1) انتهى (¬2). وأبو منصورٍ التميميُّ البغداديُّ القائلُ هذا كانَ منَ الجامعينَ لفنونِ العلمِ منَ الفقهِ، والأصولِ، والأدبِ، والنحو، والحسابِ، وغيرها، ماتَ سنة سبعٍ وعشرينَ وأربعِ مئةٍ (¬3). قولهُ: (قلتُ: وعنهُ أحمدُ) (¬4) ينازعُ فيهِ أيضاً: بمثل ما تقدمَ في حقِّ الشافعيِّ سواء، فيسلَّم أَنَّ أحمدَ أجلُّ الرواةِ عنِ الشافعيِّ، وأثبتُ في حدِ ذاتهِ، لكنَّ غيرَهُ أثبتُ منهُ في حديثِ الشافعيِّ، باعتبارِ زيادتهِ عليهِ في طولِ الممارسةِ كالربيعِ مثلاً، واللهُ أعلمُ. قالَ شيخُنا: ((وابن الصلاحِ يرى أَنَّ خوضهمْ في ذَلِكَ لا فائدةَ فيه (¬5)، وهوَ حسنٌ بالنسبةِ إلى ابتغاء الإمساكِ عنْ مثلِ ذلكَ (¬6)، ولكنْ وإنْ كنا نمنعُ الإقدامَ على الجزمِ بأنَّ سنداً أصحُ الأسانيدِ، فلهُ عندي فائدةٌ جليلةٌ تدخلُ في الترجيحِ، وهي أنا استفدنا مِنْ مجموعِ أقوالهمْ أَنَّ غيرَ ما حكموا بأصحيتهِ مرجوحٌ بالنسبةِ إليهِ، ولم ¬

_ (¬1) محاسن الاصطلاح: 86. (¬2) زاد الحافظ ابن حجر في نكته: 82 بتحقيقي: ((لأن أبا حنيفة لم تثبت روايته عن مالك، وإنما أورده الدارقطني والخطيب في الرواة عنه؛ لروايتين وقعت لهما عنه بإسنادين فيهما مقال. وهما لم يلتزما في كتابيهما الصحة وعلى تقدير الثبوت فلا يحسن - أيضاً - الإيراد؛ لأن من يروي عن رجل حديثاً أو حديثين على سبيل المذاكرة، لا يفاضل في الرواية عنه بينه وبين من روى عنه ألوفاً)). (¬3) من قوله: ((وأبو منصور التميمي البغدادي .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التبصرة والتذكرة (17). (¬5) في (ك): ((له)). (¬6) عبارة: ((وهو حسن بالنسبة إلى ابتغاء الإمساك عن مثل ذلك)) لم ترد في (ك).

يخالفهم غيرهم، فصارتْ مرجوحيةُ ما سكتوا عنهُ إجماعاً، فإذا وجدنا حديثاً قالَ أحدُ منْ تكلمَ في ذَلِكَ: إنَّه أصحُّ الأسانيدِ يخالفهُ حديثٌ لم يقلْ أحدٌ: إنَّهُ أصحُّ رجَّحنا الأولَ؛ لأنَّ الكلَّ اتفقوا على كونِ (¬1) الثاني مرجوحاً بالنسبةِ إلى مجموعِ أقوالهم، ويرجحُ ما قالَ اثنانِ منهمْ: إنَّهُ أصح، على ما قالَ فيهِ ذَلِكَ واحدٌ رتبتهُ لا تساوي رتبتهما في النقدِ والإتقانِ)) (¬2). قولهُ: (ووقعَ لنا بهذهِ الترجمة حديثٌ واحدٌ) (¬3) هو أربعة أحاديثَ أخرجها البخاريُ (¬4) في أربعةِ مواضعَ، وأخرجها مسلمٌ (¬5) مِنْ حديثِ مالكٍ إلا النهيَ عن حبلِ /16ب / الحبلةِ، فأخرجهُ مِنْ وجهٍ آخرَ (¬6). (¬7) ¬

_ (¬1) في (ك): ((أن)). (¬2) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 247 - 248، وبتحقيقي: 74. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 107. (¬4) صحيح البخاري 3/ 90 (2139) من طريق إسماعيل بن أبي أويس، عن مالك، ولفظه: ((لا يبع بعضكم على بيع أخيه)). وأخرجه في: 3/ 91 (2142) من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي، عن مالك، ولفظه: ((نهى عن النجش)). وأخرجه في: 3/ 95 (2165) من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، عن مالك، ولفظه: ((لا يبع بعضكم على بيع بعض، ولا تلقوا السلع حتى يهبط بها إلى الأسواق)). وأخرجه في: 3/ 96 (2171) من طريق إسماعيل، ولفظه: ((نهى عن المزابنة، والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلاً، وبيع الزبيب بالكرم كيلاً)). (¬5) صحيح مسلم 4/ 138 (1412) و5/ 5 (1516) و15 (1542). (¬6) مسلم 5/ 3 (1514)، قال: حدثنا يحيى بن يحيى ومحمد بن رمح، قالا: أخبرنا الليث ح، وحدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا ليث، عن نافع، عن عبد الله، به. (¬7) من قوله: ((قوله: ووقع لنا ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قولهُ: 18 - وَجَزَمَ ابْنُ حنبلٍ بالزُّهْرِي ... عَنْ سَالِمٍ أَيْ: عَنْ أبيهِ البَرِّ 19 - وَقِيْلَ: زَيْنُ العَابِدِيْنَ عَنْ أَبِهْ ... عَنْ جَدِّهِ وَابْنُ شِهَابٍ عَنْهُ بِهْ 20 - أَوْ فَابْنُ سِيْريْنَ عَنِ السَّلْمَاني ... عَنْهُ أوِ الأعْمَشُ عَنْ ذي الشَّانِ 21 - النَّخَعِيْ عَنِ ابْنِ قَيْسٍ عَلْقَمَهْ ... عَنِ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَلُمْ مَنْ عَمَّمَهْ (وجزمَ ابنُ حنبل بالزهريِّ (¬1)) (¬2) ربما أشعر لفظَ ((جزمَ)) بأنَّ غيرَ أحمدَ ترددَ فيهِ، فلو (¬3) قالَ: وذهبَ ابنُ حنبل للزهريِّ (¬4) كانَ أولى، وقالَ صاحبنا العلامةُ أبو القاسمِ النويريُّ: ((بل يقولُ: إسحاقُ، معَ أحمدَ قالا: الزهري، فينبهُ على قولِ إسحاقَ مِنْ غيرِ زيادةٍ في الأبياتِ)). قولهُ: (عنْ زينِ العابدينَ) (¬5) إلى آخرهِ لو (¬6) قالَ: وهو عليٌ، عنْ أبيهِ الحسينِ، إلى آخرهِ، وأسقطَ لفظَ الحسينِ بعدَ عليٍ كانَ أولى منْ حيثُ أَنَّ المبتدئَ ومنْ في حكمهِ ربما ظنَّ أنَّ الضميرَ في أبيهِ يعودُ على أقربِ مذكورٍ - وهو الحسينُ -، فيزيد على ظنهِ النسبَ واحداً، ويصيرُ هكذا: عليُ بنُ الحسينِ بنِ الحسينِ مرتينِ. ¬

_ (¬1) عبارة: ((وجزم ابن حنبل بالزهري)) لم ترد في (ك). (¬2) التبصرة والتذكرة (18). (¬3) ((فلو)) لم ترد في (أ). (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110. (¬6) ((لو)) لم ترد في (أ).

قولهُ: (وروي أيضاً عنْ أبي بكر بنِ أبي شيبةَ) (¬1) جزمَ في عبدِ الرزاقِ؛ لأَنَّ الإسناد إليهِ صحيحٌ، ومرَّض في هذا؛ لأنَّ الإسناد إليهِ فيهِ (¬2) رجلٌ مبهم (¬3). قولهُ: (بالحديثِ) (¬4) أهلُ الحديثِ يطلقونَ على السندِ وحدهُ حديثاً. قولهُ (إنَّ ضميرَ ((عنهُ)) يعودُ على عليِ بنِ أبي طالبٍ) (¬5) - رضي الله عنه - واضحٌ عندَ منْ لهُ خبرةٌ بالفنِّ مِنْ حيثُ إنَّ عبيدةَ بنَ عمرٍو، ويقالُ: ابن قيسِ بنِ عمروٍ السلمانيّ المراديّ الكوفيّ مشهورٌ بالروايةِ عنهُ، ولم يجتمعْ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأما غيرُ الخبيرِ فربما ظنَّ أَنَّ الضميرَ للنبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6) مِنْ جهةِ أَنَّ ابنَ سيرينَ تابعيٌ، وأَنَّ عبيدةَ - راوي عليٍّ - مخضرمٌ، أدركَ الجاهليةَ، وأسلمَ قبلَ وفاةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بسنتينِ، فربما ظنَّ أنَّهُ صحابيٌ لكبرِ سنهِ، وقِدَمِ أخبارهِ (¬7). قولهُ: (إلا أَنَّ ابنَ المدينيِّ قالَ: أجودها) (¬8) إنْ قيلَ: يكونُ الإسناد جيداً باعتبارِ / 17أ / اشتهارِ رواتهِ بالعلمِ، أوِ الصلاحِ، أو نحوِ ذَلِكَ، ومعَ ذَلِكَ فقدْ يكونُ غيرهمْ أضبطَ منهمْ، وأحفظَ، قيلَ: ليسَ الأمرُ كذلكَ، وإنما هذا تفننٌ في العبارةِ، لا مغايرةَ بينهما عندَ منْ تتبع مواقعَ استعمالهمْ، فهم (¬9) إذا قالوا: هذا حديثٌ جيدٌ، أرادوا أنَّهُ قويٌ، فلا يريدونَ الجودةَ إلا بمعنى أمرٍ يرجعُ إلى الضبطِ، وإنْ كانَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110. (¬2) ((فيه)) لم ترد في (ف). (¬3) من قوله: ((قوله: وروي أيضاً .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، وعبارته: ((للحديث)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، وساقه بالمعنى. (¬6) من قوله: ((من حيث أن عبيدة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) من قوله: ((مخضرم أدرك الجاهلية ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110. وانظر: معرفة علوم الحديث: 54. (¬9) ((فهم)) لم ترد في (ف).

الجهبذُ منهمْ لا يعدل عنْ صحيحٍ إلى جيدٍ إلا لنكتةٍ، كأنْ يرتقيَ الحديثُ عندهُ عن الحسنِ لذاتهِ، ويترددَ في بلوغهِ الصحيح بلا مِرية، كما في " جامعِ الترمذيِّ " (¬1) في الطبِّ: ((حديثٌ جيدٌ حسنٌ)) (¬2)، فالوصف بجيد، وإنْ كانَ أنزلَ رتبةً مِنَ الوصفِ بصحيحٍ، فإنَّ أفعلَ (¬3) التفضيل منهُ، مساويةٌ لأقوى، وأثبتَ، ونحوِ ذَلِكَ، وهو بمعنى أصحَّ سواء، كذا قالَ شيخُنا، وفيهِ نظرٌ لا يخفى (¬4)، واللهُ أعلمُ. تنبيه: وكذلكَ لفظُ ابنِ معينٍ، قالَ: ((أجودها الأعمشُ، عنْ إبراهيمَ، عنْ علقمةَ، عنْ عبدِ اللهِ))، وكذا نقلَ الحاكمُ (¬5) عنْ أحمدَ بصيغةِ أجودَ. ¬

_ (¬1) ذكر الترمذي ذَلِكَ عقب حديث رقم (2037)، وقال: ((هذا حديث جيد غريب)). إلاَّ أنَّ ما موجود في النسخة المطبوعة من الجامع الكبير بتحقيق الدكتور بشار عواد معروف قول الترمذي: ((هذا حديث حسن غريب))، وأشار الدكتور بشار في الهامش إلى اتفاق ثلاث نسخ من النسخ التي اعتمدها في التحقيق على اللفظ الأول؛ ولكنه أثبت اللفظ الثاني استناداً إلى وجود هذه اللفظة في نسخة رابعة، وكذلك موافقة الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء لهذا النقل. وما ذهب إليه الدكتور من إثبات اللفظ الثاني مجانب للصواب؛ ذَلِكَ لأننا وجدنا في النسخة الخطية الخاصة بنا من الجامع الكبير أنَّ فيها إثبات اللفظ الأول، وهذه النسخة هي نسخة الكروخي (ت 548 هـ‍)، والتي مكننا من تصويرها أخونا الشيخ الفاضل عبد الرحمان الفقيه - جزاه الله خيراً - وهي من أنفس نسخ الكتاب وأجودها، ولو كانَ في الوقت فسحة لحققنا الكتاب على هذه النسخة النفيسة، وغيرها من النسخ العتيقة المتقنة. (¬2) من قوله: ((كما في جامع الترمذي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: مِنْ أجود)). (¬4) عبارة: ((كذا قال شيخنا، وفيه نظر لا يخفى)) لم ترد في (ك) و (ف). (¬5) معرفة علوم الحديث: 54.

قالَ البلقينيُّ (¬1): ((وفي كتابِ الحاكمِ: قالَ إنسانٌ ليحيى لما قال ذَلِكَ: الأعمشُ مثل الزهريِّ، فقالَ: برأتُ مِنَ الأعمشِ أنْ يكونَ مثلَ الزهريِّ، الزهريُّ (¬2) يرى العرضَ، والإجازةَ، وكانَ يعملُ لبني أميةَ، وذكرَ الأعمشَ، فمدحهُ، وقالَ: فقيرٌ صبورٌ، مجانبٌ للسلطانِ، وذكرَ علمهُ بالقرآنِ، وورعه، وقالَ رجلٌ منهم لم يعينهُ - أي: الحاكم -: أجودُ الأسانيدِ شعبةُ، عنْ قتادةَ، عن ابنِ المسيبِ (¬3)، عنْ عامرٍ -- أخي أمِّ سلمةَ - عنها. ومنْ ذَلِكَ يعلمُ: أَنَّ الجودةَ يعبرُ بها عنِ الصحةِ، وفي " جامعِ الترمذيِّ " في الطبِّ: ((هذا حديثٌ جيدٌ)))) (¬4). انتهى كلامُ البلقينيِّ ملخصاً. قولهُ: (أقوالُ /17ب/ أُخرُ ذكرتها في " الشرحِ الكبيرِ " (¬5)) (¬6) جملتها مع ما هنا عشرةٌ، فقيلَ: يحيى بنُ أبي كثيرٍ، عنْ أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ، وقيلَ: شعبةُ، عن قتادةَ، عنْ سعيدِ بنِ المسيبِ، عن عامرٍ أخي أمِّ سلمةَ، عنْ أمِّ سلمةَ. حكاهما الحاكمُ (¬7). ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ك): ((وقال)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) زاد بعدها في (ك): ((عن أم سلمة)) وهو خطأ. (¬4) انظر: محاسن الاصطلاح: 85. (¬5) وذلك لأن الحافظ العراقي شرح الألفية في أول الأمر شرحاً مبسوطاً عرف بالشرح الكبير ثم رأى أنه كبير فشرع في شرح أخصر منه، وهذا هو الشرح المسمى "شرح التبصرة والتذكرة " وأشار في لحظ الألحاظ: 230 إلى أنه كتب منه نحواً من ستة كراريس - أي: الشرح الكبير - وقد سبق للمصنف البقاعي في أول الكتاب أن الشرح الكبير لم يوجد منه إلا قطعة يسيرة، وصل فيها العراقي إلى الضعيف. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 111. (¬7) معرفة علوم الحديث: 54.

وفي المتصلِ، والمنقطعِ للبرديجيِّ، قالَ: ((الأحاديثُ الصحاحِ التي أجمعَ أهلُ الحديثِ على صحتها منْ جهةِ النقلِ، فذكرَ بعضَ ما هنا، ثمَّ قالَ: وقيلَ: الزهريُّ، عن أبي سلمةَ، عنْ أبي هريرةَ، منْ روايةِ الأوزاعيِّ، وهشامٍ، ما لمْ يقعِ الاختلافُ والاضطرابُ)). وفي "المحاسنِ " (¬1): ((قالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ في حديثِ مسددٍ، عن يحيى بنِ سعيدٍ، عن عبيدِ اللهِ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ: كأنها الدنانيرُ، ثمَّ قالَ: كأنكَ تسمعها منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -))، فهذه أربعةٌ، وفي الشرحِ ستةٌ، وتمكنُ الزيادةُ (¬2). قولهُ: (في ترجمةٍ (¬3)) (¬4) الجارُ فيهِ (¬5) متعلق بمحذوفٍ، وكذا في قولهِ: (لصحابيٍّ) (¬6)، أي: وَلُمْ منْ جعلَ هذا الحكمَ الكائنَ في ترجمةٍ واحدةٍ، كائنةً لصحابيٍ واحدٍ عاماً لجميعِ الأسانيدِ، فيقالُ مثلاً: مالكٌ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، أصحُّ الأسانيد، أي: أسانيدِ الدنيا الواصلةُ إلى جميعِ الصحابةِ، بل ينبغي أنْ يخصَّ هذا الحكمَ في هذهِ الترجمةِ بأسانيد ذَلِكَ الصحابيِّ، فيقالُ مثلاً في مالكٍ، عن نافعٍ، عن ابنِ عمرَ: إنهُ أصحُّ الأسانيدِ الواصلةِ إلى ابنِ عمرَ، فلا يمنعُ حينئذٍ أَن يكونَ إسنادٌ يصلُ إلى أبي بكر - رضي الله عنه - (¬7) مثلاً وهوَ أصح منهُ، أو /18أ /مساوٍ لهُ. قولهُ: (فنقولُ: وباللهِ التوفيقِ) (¬8) هوَ مِنْ كلامِ الحاكمِ (¬9). ¬

_ (¬1) محاسن الاصطلاح: 87. (¬2) من قوله: ((قوله: أقوال أخر .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) زاد بعدها في (ك): ((واحدة)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 111. (¬5) ((فيه)) لم ترد في (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 111. (¬7) عبارة: ((- رضي الله عنه -)) لم ترد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 111. (¬9) معرفة علوم الحديث: 55.

قولهُ (أهل البيتِ) (¬1)، أي: إذا زدنا واحداً مِنْ أهلِ البيتِ على الإسناد المتقدمِ، حتى لا يكونَ مخالفاً لعبدِ الرزاقِ: الزهريُ، عن زين العابدينَ؛ لأنَّ الزهريَّ ليسَ مِنْ أهلِ البيتِ. تنبيهٌ: اعلمْ أَنَّ هذا السندَ سقطَ منهُ واحدٌ فإنَّ محمداً والد جعفرَ، هو ابنُ زينِ العابدينَ عليِّ (¬2) بنِ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنهم - (¬3)، فإنْ كانَ الضميرُ في ((جدّهِ))، يعودُ إلى قولهِ: ((أبيهِ))، فيكونُ جدّهُ هو الحسينُ، ومحمدٌ (¬4) لم يسمعْ (¬5) منهُ، فقدْ كانَ يومَ قَتلِ الحسينِ في عاشوراءَ سنةَ إحدى وستينَ، في السنةِ الخامسةِ مِنْ عمرِهِ (¬6)، وإنْ كانَ يعودُ على جعفرَ حتى يكونَ المرادُ بالجدِّ زينَ العابدين، فكذلكَ زينُ العابدين لم يسمعْ من جدهِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنهم -. قلتُ: ولعلَّ الساقطَ ((عنْ أبيهِ)) بعدَ: ((عنْ جدّهِ))، فيصيرُ جعفرُ بنُ محمدٍ، عن أبيهِ محمدٍ، عن جدّهِ جعفرَ زينِ العابدينَ علي بنِ الحسينِ بنِ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، عن أبيهِ الحسينِ، عن عليٍ - رضي الله عنهم -، واللهُ أعلمُ (¬7)، فليحررْ لفظ الحاكمِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 111. (¬2) في جميع النسخ الخطية: ((زين العابدين بن علي)) وهو تحريف لا شك؛ لأنَّ ((زين العابدين)) هو ((علي)) نفسه. انظر ترجمته في: تهذيب الكمال 5/ 237 (4639)، وسير أعلام النبلاء 4/ 386. (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) في (ك): ((وهو)). (¬5) انظر: جامع الترمذي عقب (1519)، وتهذيب الكمال 6/ 442. (¬6) من قوله: ((فقد كان يوم قتل ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) من قوله: ((زين العابدين لم يسمع من جده .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

وقالَ البزارُ في "مسندهِ" (¬1): ((إنَّ رواية علي بنِ الحسينِ، عن سعيدِ بنِ المسيبِ، أصحُّ إسناداً يروى عن سعد بنِ أبي وقاصٍ - رضي الله عنه -)). قالَ: كان بعضُ أصحابنا، ونقل النوويُّ عنِ البخاري (¬2) أَنَّ أصحَّ أسانيدِ أبي هريرةَ: أبو الزنادِ، عنِ الأعرجِ، عنْ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - (¬3). قولهُ: (مشبكةٌ بالذهبِ) (¬4)، أي: ترجمةُ عائشةَ -رضي الله عنها- مِنْ جهةِ ما حازهُ رواتها / 18ب / مِنَ الفقهِ، والضبطِ، وجَلالةِ القدرِ. قولهُ: (عنْ منصورٍ) (¬5) هوَ ابنُ المعتمرِ (¬6). قولهُ: (عنِ الصحابةِ) (¬7) موهمٌ جداً، وذَلِكَ أَنَّ حسانَ أكثرُ روايتِهِ عنِ الصحابةِ مرسلةٌ، وروايتهُ عنهمْ متصلةً قليلةٌ جداً (¬8). ¬

_ (¬1) البحر الزخار 3/ 277 عقب (1065). (¬2) في (ف): ((الصحابي)). (¬3) من قوله: ((وقال البزار .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 112. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 112. (¬6) عبارة: ((قوله: عن منصور هو ابن المعتمر)) لم ترد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 112، وقلنا في التعليق عليه: ((فيه نظر؛ فإن حسان ابن عطية ليسَ لهُ كبير رواية عن الصحابة، بل عده ابن حبان في ثقاته (6/ 223) ضمن أتباع التابعين، وذكر الإمام المزي في تهذيب الكمال 2/ 100 (1178) في ضمن من روى عنه عن الصحابة أبا الدرداء، وقال: ((لم يدركه))، وأبا واقد الليثي، وقال: ((لم يسمع منه))، وأبا أمامة الباهلي صدي بن عجلان. ولم نجد في الكتب رواية عن أبي أمامة سوى حديث واحد عند الترمذي برقم (2027)، ولم يصرح فيه بالسماع منه، وقال الترمذي: ((حسن غريب)) فلعله سمعه بواسطة، فقد جعله ابن حجر في التقريب (1204) مِنَ الطبقة الرابعة، وهم الذين جل روايتهم عن كبار التابعين. فعلى هذا لا ينبغي أَن يعد هذا الضرب من أصح الأسانيد)). (¬8) عبارة: ((وروايته عنهم متصلة قليلة جداً)) لم ترد في (ك).

وقولهُ: في (الخراسانيينَ) (¬1) كذَلِكَ؛ لأنَّ الترجمةَ التي ذكرها لهمْ صحيفةٌ (¬2) لم يروها إلا زيدُ بنُ الحبابِ، وهو مختلفٌ فيهِ، لكنْ في هذهِ الصحيفةِ أحاديثُ تروى مفرقةً مِنْ غير طريقِ زيدٍ. قولهُ: في بعضِ التراجمِ (أصحُّ) (¬3) وفي بعضها: (أثبتُ) تفننٌ في العبارةِ، والمرادُ بهما واحدٌ، واللهُ أعلمُ. قالَ البلقينيُّ: ((ولا يقالُ (¬4) فيما سبقَ منَ النقولِ (¬5): في الترجيحِ (¬6) نظرٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ إنما هوَ بالنسبةِ إلى ذَلِكَ الصحابيِّ الذي ذُكر، لا إلى صحةِ الأسانيدِ المطلقةِ، كما أوضحهُ الحاكمُ)) (¬7) يعني: فينتفي الاضطرابُ الذي ذكرهُ ابنُ الصلاحِ في قولهِ: ((فاضطربتْ أقوالهمْ)) (¬8) لأنا نقولُ: الحاكمُ نقلَ تلكَ الأمورَ كلها كما تقدّمَ. ونقلَ عن البخاريِّ، بعدَ قولهِ: أصحُ الأسانيدِ كلها مالكٌ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ -: أنَّ أصحَّ أسانيدِ أبي هريرةَ: أبو الزنادِ، عن الأعرجِ، عنْ أبي هريرةَ. ونُقلَ عن ابن بطةَ، عن بعضِ شيوخهِ، عن سليمانَ بنِ داودَ الشاذكوني: أصح ¬

_ (¬1) ينظر بلا بد: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 113، والتعليق عليه. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((الصحيفة عبارة عند المحدّثين أن تكون أحاديث كثيرة على سند واحد)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 113، وهكذا اتفقت عندنا أصول شرح التبصرة. (¬4) زاد بعدها في (ف): ((لا يقال)). (¬5) في المحاسن: ((القول)). (¬6) في (ك): ((التراجيح)). (¬7) محاسن الاصطلاح: 86. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 81.

الأسانيدِ كلها: يحيى بن أبي كثيرٍ، عن أبي سلمةَ، عنْ أبي هريرةَ (¬1). يعني: فقدْ عمم البخاريُّ أولاً، ثم خصَّ أسانيدَ أبي هريرةَ، وكذا الشاذكوني عمَّ بقولهِ كلها يعني: فثبتَ النظرُ الذي نفى البلقينيُّ أنْ يكونَ منتفٍ (¬2)، ثم قالَ: ولمَ يذكرْ -- يعني: الحاكمَ- الأصحَ عن عليٍّ بالنسبةِ إلى الكوفةِ، وقالَ /19أ/ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ، وذكرحديثاً رواهُ عنْ أبيهِ، عن يحيى، عنْ سفيانَ، عنْ سليمانَ، [عن إبراهيم] (¬3) التيميِّ، عن الحارثِ بنِ سويدٍ (¬4)، فقالَ: قالَ أبي: ليسَ بالكوفةِ عن عليٍّ أصحُّ مِنْ هذا (¬5). وقالَ أبو حاتمٍ الرازيُّ في حديثِ مسددٍ، عنْ يحيى بنِ سعيدٍ، عن عبيدِ اللهِ عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ: كأنها الدنانيرُ، كأنكَ تسمعها منَ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬6). قالَ الحاكمُ: أوهَى أسانيدِ أهلِ البيتِ: عمرو بنُ شمر، عن جابرٍ الجعفي، عن الحارثِ، عن عليٍّ. وأوهى أسانيدِ الصِّدِّيقِ: صدقةُ بنُ موسى الدقيقيُّ، عن فرقدٍ السبخيِّ، عنْ مرةَ الطيبِ، عن أبي بكرٍ. وأوهى أسانيدِ العمريينَ: محمدُ بنُ القاسمِ بنِ عبدِ اللهِ ابن عمر بن حفص بن عاصم بنِ عمرَ، عنْ أبيهِ، عن جدهِ؛ فإنَّ محمداً والقاسمَ وعبدَ اللهِ لا يُحتجُّ بهم. وأوهى أسانيدِ أبي هريرةَ: السري بنُ إسماعيلَ، عن داودَ بنِ يزيدَ الأوديِّ، عن أبيهِ، عن أبي هريرةَ. وأوهى أسانيدِ عائشةَ -رضي الله عنها (¬7) -: نسخة عندَ البصرِيينَ عنِ ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 53 - 54. (¬2) عبارة: ((يعني: فثبت النظر الذي نفى البلقيني أن يكون منتف)) لم ترد في (ك) و (ف). (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في جميع النسخ الخطية، وأثبت من مسند الإمام أحمد. (¬4) كتب ناسخ (ف) في الحاشية: ((لعله علي)). (¬5) مسند الإمام أحمد 1/ 83. (¬6) انظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 122 (1368). (¬7) لم ترد في (ف).

الحارثِ بن شبلٍ، عن أمِّ النعمانِ الكنديةِ، عنْ عائشةَ. وأوهى أسانيدِ ابنِ مسعودٍ: شريكُ، عن أبي فزارةَ، عنْ أبي زيدٍ، عنْ عبدِ اللهِ، وليسَ بأبي فزارةَ راشدُ بنُ كيسانَ؛ فذاكَ كوفيٌ ثقةٌ. وأوهى أسانيدِ أنسٍ: داودُ بنُ المحبر بنِ قحذم، عن أبيهِ، عن أبانَ بنِ أبي عياشٍ، عن أنسٍ. وأوهى أسانيدِ المكيينَ: عبدُ اللهِ بنُ ميمونَ القداحُ (¬1)، عن شهاب بنِ خراشٍ، عن إبراهيمَ بنِ يزيدَ الخوزيِّ، عن عكرمةَ، عنِ ابنِ عباسٍ. وفي هذا أيضاً ما /19ب / تقدمَ (¬2)، وهو يؤيدهُ. وأوهى أسانيدِ المصريينَ: أحمدُ بنُ محمدِ بنِ الحجاجِ بنِ رشدينَ بنِ سعدٍ، عن أبيهِ، عن جده، عن قرةَ بنِ عبدِ الرحمان، عنْ كلِ منْ روى عنهُ، فإنها نسخةٌ كبيرةٌ. وأوهى أسانيدِ الشاميينَ: محمدُ بنُ قيسٍ المصلوبُ، عن عبيدِ اللهِ بنِ زحر، عن علي بنِ زيدٍ، عن القاسمِ، عن أبي أمامةَ. وأوهى أسانيدِ الخراسانيينَ: عبدُ اللهِ بنُ عبد الرحمانِ بنِ مليحةَ، عنْ نهشلِ ابنِ سعيدٍ، عنِ الضحاكِ، عن ابنِ عباسٍ. قالَ الحاكمُ النيسابوريُّ: وابنُ مليحَة، ونهشلُ نيسابوريانِ، وإنما ذكرتهما في الجرحِ مِنْ بينِ سائرِ كورِ خراسانَ ليعلمَ أني لمْ أُحابِ في أكثرِ ما ذكرتهُ (¬3). انتهى. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((وهو قوله في الخراسانيين إلى آخره)). (¬3) معرفة علوم الحديث: 56 - 58.

أصح كتب الحديث

قالَ العراقيُّ في ما وجدَ مِنْ "شرحهِ الكبيرِ": ((إنَّ ذكرَ أوهى الأسانيدِ في قسمِ الضعيفِ أليق)). وصدقَ رحمه الله. (¬1) قولهُ: أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ 22 - أَوَّلُ مَنْ صَنَّفَ في الصَّحِيْح ... مُحَمَّدٌ وَخُصَّ بِالتّرْجِيْحِ 23 - وَمُسْلِمٌ بَعْدُ، وَبَعْضُ الغَرْبِ مَعْ ... أَبِي عَلِيٍّ فَضَّلُوا ذَا لَوْ نَفَعْ لما كانَ يتكلمُ على الصحيحِ ناسبَ أَن يذكرَ الأصحَّ، فتكلمَ أولاً على أصحِ الأسانيدِ مطلقاً، ثم انتقلَ إلى أخصَّ منهُ، وهو أصحُّ (¬2) الأسانيدِ بالنسبةِ إلى صحابي واحدٍ، ثمَّ انتقلَ إلى أخصَّ مِنْ ذَلِكَ وهوَ أصحُّ كتبِ الحديثِ، فإنَّ مَنْ أفردَ الصحيحَ بالتصنيفِ قومٌ قليلٌ، كالشيخينِ، ومنِ استخرجَ على كتابيهما، أو استدركَ، وكابنِ خزيمةَ؛ إذْ صَنفَ في الصحيحِ، وابنِ حبانَ وأبي عوانةَ، فالجميعُ لا يبلغونَ عشرينَ، فمصنفاتهمْ يسيرةٌ بالنسبةِ إلى أسانيدِ صحابي ممنْ ذكرَ، فإنَّ الأسانيدَ إلى كلٍّ منهمْ كثيرةٌ، فلأجلِ حسنِ هذا الترتيبِ خالفَ ترتيب ابنِ الصلاحِ، وقدمَ هذا على مسألةِ إمكانِ التصحيحِ في /20أ / هذهِ الأعصارِ. وقولهُ: (أولُ) (¬3) إلى آخرهِ، لا يُظن أنَّهُ مخالفٌ للترجمةِ؛ لأنها معقودةٌ لبيانِ الأولويةِ بالصحةِ لا لبيانِ الأوليةِ؛ فإنَّهُ قد بينَ الأصحَّ بقولهِ: (وخصَّ بالترجيحِ) (¬4) فوفى بما ترجمَ عليهِ، وزادَ. ¬

_ (¬1) عبارة: ((رحمه الله)) لم ترد في (أ). (¬2) في (ك): ((أخص)). (¬3) التبصرة والتذكرة (22). (¬4) التبصرة والتذكرة (22).

وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((أولُ مَنْ صنفَ الصحيحَ: البخاريُّ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ الجعفيُّ مولاهم (¬1)، وتلاهُ أبو الحسينِ مسلمُ بنُ الحجاجِ النيسابوريُّ القشيريُّ مِنْ أنفسهم (¬2)، ومسلمٌ مع أنَّهُ أخذَ عنِ البخاريِّ، واستفادَ منهُ، يشاركهُ في كثيرٍ مِنْ شيوخهِ ... إلى أَن قالَ -: ثمَّ إن كتابَ البخاريِّ أصحُّ الكتابينِ صحيحاً، وأكثرهما فوائدَ)) (¬3). وقولُ الشيخِ: (أولُ) (¬4) موافقٌ لقولِ ابنِ الصلاحِ: ((وتلاهُ أبو الحسينِ)) (¬5) في أَنَّ البخاريَّ صنفَ "صحيحهُ" قبلَ "صحيحِ مسلمٍ". وقالَ الشيخُ في "النكتِ": ((اعترضَ عليهِ (¬6) بقولِ أبي الفضلِ أحمدَ بنِ سلمةَ: كنتُ معَ مسلمِ بنِ الحجاجِ في تأليفِ هذا الكتابِ سنة خمسٍ ومئتينِ، هكذا رأيتهُ بخطِّ الذي اعترضَ على ابنِ الصلاحِ سنةَ خمس بسينٍ فقطْ، وأرادَ بذلكَ أَنَّ تصنيف مسلمٍ لكتابهِ قديمٌ، فلا يكونُ تالياً لكتابِ البخاريِّ، وقدْ تصحفَ التاريخُ عليهِ، وإنما هوَ سنةُ خمسينٍ ومئتينِ بزيادةِ الياءِ والنونِ، وذَلِكَ باطلٌ (¬7) قطعاً؛ لأَنَّ ¬

_ (¬1) قال العراقي في التقييد: 25: ((اعترض عليه بأن مالكاً صنف الصحيح قبله. والجواب: أَنَّ مالكاً - رحمه الله- لم يفرد الصحيح، بل أدخل فيه المرسل والمنقطع والبلاغات، ومن بلاغاته أحاديث لا تعرف، كما ذكره ابن عبد البر، فلم يفرد الصحيح إذن، والله أعلم)). ولمزيد الفائدة انظر: نكت الزركشي 1/ 161، ونكت ابن حجر 1/ 276 - 281. (¬2) أي: مِنْ بني قشير، لا مِنْ مواليهم، كما في حاشية محاسن الاصطلاح: 89. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 85. وانظر في المفاضلة بين الصحيحين: نكت الزركشي 1/ 165، ونكت ابن حجر 1/ 281، والبحر الذي زخر 2/ 530. (¬4) التبصرة والتذكرة (22). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 84. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: على ابن الصلاح)). (¬7) كتب ناسخ (أ) موضحاً: ((أي الاعتراض)).

مولدَ مسلمٍ - رحمهُ اللهُ - سنةَ أربعٍ ومئتينِ، بلِ البخاريُّ لم يكنْ في التأريخِ المذكورِ صنّفَ، فضلاً عنْ مسلمٍ، فإنَّ بينهما في العمرِ عشرَ سنينَ. ولدَ البخاريّ سنةَ أربعٍ وتسعينَ ومئةٍ)) (¬1) انتهى. وقالَ بعضُ أصحابنا: قالَ الحافظُ أبو عليٍّ / 20ب / سعيدُ بنِ عثمانَ بنِ سعيدِ بنِ السكنِ في خطبةِ كتابهِ المسمى "بالسننِ الصحاحِ المأثورةِ ": ((أولُ منْ نصبَ نفسه لطلبِ صحيحِ الآثارِ البخاريُّ وتابعهُ مسلمٌ، وأبو داودَ، والنسائيُ)) (¬2). والألفُ واللامُ في قولهِ (الصحيحُ) (¬3) عهديةٌ للصحيحِ الذي قدمَ تعريفهُ، فلا يردُّ قول منْ قالَ: كتابُ مالكٍ أسبقُ معَ كونهُ صحيحاً، فلا يكونانِ أولَ منْ صنفَ في الصحيحِ؛ فإنَّ كتابهُ وإنْ كانَ (¬4) قصدَ فيهِ جمعَ الصحيحِ، لكنْ إنما جمعَ الصحيحَ عندهُ، لا الصحيحَ الذي عرفناهُ؛ لأنه يرى المراسيلَ والبلاغاتِ صحيحةً، فيوردها مواردَ الاحتجاجِ، والصحيحُ الذي سلفَ تعريفهُ مشروطٌ فيهِ الاتصالُ. قالَ الشيخُ في " النكت ": ((ومن بلاغاتهِ أحاديثُ لا تُعرفُ، كما ذكرهُ ابنُ عبدِ البرِ، فلمْ يفردِ الصحيحَ إذن، واللهُ أعلمُ)) (¬5) (¬6). وسوقُ المصنفِ - فيما يصلحُ أَنْ يكون دليلاً للمعترضِ - بكون كتاب (¬7) مالكٍ صحيح (¬8) الرواية التي عبرَ الشافعيُّ فيها بأصحَّ، أولى مِنْ سوقِ ابنِ الصلاحِ ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 25. (¬2) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) التبصرة والتذكرة (22). (¬4) ((كان)) لم ترد في (ف). (¬5) من قوله: ((قال الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) التقييد والإيضاح: 25. (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) في (ف): ((صحيحاً)) وهو خطأ.

الروايةَ التي فيها أكثرُ صواباً؛ لأنَّ أكثريةَ الصوابِ يمكنُ أنْ تحملَ على استنباطِ الفقهِ، أو غيرِ ذَلِكَ مما لا يرجعُ إلى صحةِ جميعِ ما ساقهُ منَ الحديثِ، وإلى الروايةِ التي ساقها المصنفُ أشارَ ابنُ الصلاحِ بقولهِ: ((ومنهمْ مَنْ رواهُ بغيرِ هذا اللفظِ)) (¬1) فإنْ قيلَ: قد صنعَ البخاريُّ في إخراجِ التعاليقِ صنيعَ مالكٍ في البلاغاتِ، قيلَ: نعمْ، لكنَّ مالكاً ساقَ الكلَّ مساقَ المسندِ في الاحتجاجِ بهِ لكونهِ صحيحاً، وأما البخاريُّ فلمْ يوردْها موردَ المسانيدِ، فهيَ عندهُ ليستْ مقصودةً بالذاتِ، بدليلِ أنَّهُ سمَّى كتابهُ " الجامعَ /21أ / المسندَ الصحيحَ "، فما رأينا فيهِ مما ليسَ بمسندٍ علمنا أنَّهُ لمْ يرد بذكرهِ كونهُ صحيحاً، بلْ قصدَ أمراً آخرَ، ومقاصدهُ في ذَلِكَ مختلفةٌ، تُعرفُ بكثرةِ ممارسةِ كلامهِ، وشرحُ شيخنا حافظِ العصرِ وافٍ ببيانها، ولأجلِ هذا لم يعترضْ أحدٌ ممنِ انتقدَ عليهِ بشيء منها. قالَ شيخنا: ((والذي حرّكَ عزمهُ لتصنيفِ الصحيحِ، وقوَّاه عليهِ، ما رواهُ إبراهيم بنُ معقلٍ النسفيُّ، قالَ: سمعتُ البخاريَّ يقولُ: كنا عندَ إسحاقَ بنِ راهويهِ (¬2)، فقالَ: لو جمعتم كتاباً مختصراً لصحيحِ سنةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، قال: فوقعَ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 84. وانظر عن هذا اللفظ: نكت الزركشي 1/ 165، ونكت ابن حجر 1/ 281، وحاشية محققة محاسن الاصطلاح: 90. (¬2) قال الزركشي في نكته 1/ 129: ((يجوز في (راهويه) فتح الهاء والواو وإسكان الياء، ويجوز ضم الهاء وإسكان الواو وفتح الياء، وهذا الثاني هو المختار، وعن الحافظ جمال الدين المزي أنه قال: غالب ما عند المحدّثين (فعلويه) -بضم ما قبل الواو - إلا (راهويه) فالأغلب فيه عندهم فتح ما قبل الواو)). وانظر: الأنساب 3/ 37، وسير أعلام النبلاء 11/ 358، وتدريب الراوي 1/ 338. أما معناه فقد قال الزركشي 1/ 131: ((واعلم أن (راهويه) لقب لجده، وسمي بذلك؛ لأنّه ولد في الطريق، والرهو: الطريق، وكان أبوه يكره أَنَّ يسمى به)). وانظر: تهذيب الكمال 1/ 176.

ذَلِكَ في قلبي، فأخذتُ في جمعِ الجامعِ الصحيحِ)). وروى محمدُ بنُ سليمانَ بنِ فارسٍ، قالَ: سمعتُ البخاريَّ يقولُ: رأيتُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وكأني واقفٌ بينَ يديهِ، وبيدي مروحةٌ أذبُّ عنهُ، فسألتُ بعضُ المعبِّرينَ، فقالَ لي: أنتَ تذبُّ عنهُ الكذبَ، فهو حملني على إخراج الصحيحِ (¬1) (¬2). قولهُ: (وخصَّ بالترجيحِ) (¬3)، أي: وخصَّ مصنَّفهُ - بفتحِ النونِ - (¬4) بترجيحهِ على غيرهِ منَ المصنفاتِ، أعني: ترجيحَ الناسِ لهُ، وترجيحهمْ لهُ، أي حكمهم بأنَّهُ أرجحُ من كلِّ كتابٍ مصنفٍ، مقصورٍ عليهِ، لا يتعداهُ إلى غيرهِ، فلمْ يصرحْ أحدٌ بأنَّ غيرهُ أرجحُ منهُ باعتبارِ الصحةِ، إلا ما قالَ الحاكمُ في " التاريخِ ": ((سمعتُ أبا عمرٍو بنِ أبي جعفرَ يقولُ: سمعتُ أبا العباسِ بنِ سعيدِ بنِ عقدةَ، وسألتهُ عنْ محمدِ بنِ إسماعيل، ومسلمِ بنِ الحجاجِ، أيهما أعلمُ؟ فقالَ: كانَ (¬5) محمدُ بنُ إسماعيلَ عالماً، ومسلمٌ عالمٌ. فكررتُ عليهِ مراراً، وهو (¬6) يجيبني بمثلِ هذا الجوابِ، ثمَّ قالَ لي (¬7): يا أبا عمرٍو، قد يقعُ لمحمدِ بنِ إسماعيلَ الغلطُ في أهلِ / 21ب / الشامِ؛ وذلكَ أنَّهُ أخذَ كتبهمْ، فنقلَ منها، فربما ذكرَ الواحدَ منهم بكنيتهِ، ويذكرهُ في موضعٍ آخرَ باسمهِ، ويتوهمُ أنهما اثنانِ، فأما مسلمٌ فقلَّ ما يقعُ لهُ الغلطُ في العللِ؛ لأنَّهُ كتبَ المسانيدَ ولمْ يكتبِ المقاطيعَ والمراسيلَ)) (¬8). ¬

_ (¬1) هدي الساري: 9. (¬2) من قوله: ((قال شيخنا: والذي حركَ عزمه .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) التبصرة والتذكرة (22). (¬4) عبارة: ((بفتح النون)) لم ترد في (ك). (¬5) من قوله: ((محمد بن إسماعيل)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬6) ((هو)) لم ترد في (ك). (¬7) ((لي)) لم ترد في (ك). (¬8) انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 565.

وهذا بعدَ تسليمِ كونِ ذَلِكَ يقعُ للبخاريِّ في كتابهِ " الصحيحِ " يحتاجُ لجوابٍ، لكنْ سألتُ شيخنا عنْ ذَلِكَ فقال: ((إنما أشارَ بهِ (¬1) إلى كتابهِ " التاريخِ ")). وأما قولُ المصنفِ: (وبعضُ الغربِ معَ أبي عليٍّ (¬2) فضلوا ذا) (¬3) فمبني على ما فهموهُ مِنْ أَنَّ عبارةَ أبي عليٍ تدلُّ على الترجيحِ دلالةً صريحةً (¬4)، وليسَ هي كذَلِكَ؛ فإنهُ عبرَ بقولهِ: ((ما تحتَ أديمِ السماءِ أصحُّ مِنْ كتابِ مسلمٍ)) (¬5)، وهذا محمولٌ على نفيِ الأرجحيةِ في الصحةِ حملاً ظاهراً (¬6)، لا على نفي ما يساويهِ فيها، كما حررهُ شيخنا في " شرحِ النخبةِ " (¬7)، واقتضاهُ بحثُ المصنفِ في مثلهِ، فإنَّهُ قالَ في " الشرحِ الكبيرِ " في عبدِ الرحمانِ بنِ القاسمِ، عن أبيهِ، عنْ عائشةَ، أَنَّ يحيى بنَ معينٍ قالَ: ((ليسَ إسناد أثبتَ منْ هذا))، ثمَّ قالَ: فهذا يقتضي أَنَّ ذَلِكَ المتقدم. يعني: الأعمشَ، عنْ إبراهيمَ، عن علقمةَ، عن عبدِ اللهِ، ليس أصحَّ مِنْ هذا، فأما المساواةُ فلا يتعينُ نفيها، فتأملهُ. ¬

_ (¬1) ((به)) لم ترد في (ك). (¬2) الحافظ أبو علي الحسين بن علي النيسابوري شيخ الحاكم، له ترجمة جيدة في السير 16/ 51 - 59. (¬3) التبصرة والتذكرة (23). (¬4) عبارة: ((دلالة صريحة)) لم ترد في (ك). (¬5) انظر: تاريخ بغداد 13/ 101 وللعلماء في توجيه هذا الكلام مباحثات. انظر: صيانة صحيح مسلم: 69، وسير أعلام النبلاء 16/ 55، وهدي الساري: 12، والنزهة: 86، وتدريب الراوي 1/ 93 - 95. (¬6) عبارة: ((حملاً ظاهراً)) لم ترد في (ك). (¬7) نزهة النظر: 86.

وقالَ فيهِ (¬1) أيضاً بعدَ ذَلِكَ، وساق أَنَّ مسلماً قالَ في إسنادٍ ذاكَرهُ بهِ أحمدُ ابنُ سلمةَ: ((لا يكونُ في الأسانيدِ أشرفُ مِنْ هذا)). قالَ: فهذا يقتضي أنهُ لا أرجحَ مِنْ هذا الإسناد، فأما نفيُ المساواةِ فلا، كما تقدمَ. انتهى. قالَ شيخُنا: ((ويؤيدُ هذا البحثَ قولُ أحمدَ بنِ حنبلٍ: ما بالبصرةِ أعلمُ - أو قالَ - أثبتُ منْ بشرِ بنِ المفضلِ / 22أ /، أما مثلهُ فعسى. فهذا يدلُّ على أَنَّ عرفهم في ذَلِكَ الزمانِ ماشٍ على قانونِ اللغةِ، وأنهم يفهمونَ منْ تعبيرِ أحدهم بهذهِ الصيغةِ، ما يفهمُ مِنْ تعبيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بها في قولهِ الذي رواه الترمذيُّ (¬2) وابنُ ماجه (¬3) عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو - رضي الله عنهما - (¬4): ((ما أظلتِ الخضراءُ، ولا أقّلتِ الغبراءُ مِنْ ذي لهجةٍ أصدقَ مِنْ أبي ذرٍّ)) مِنْ أَنَّ ذَلِكَ لا يقتضي رجحانهُ في الصدقِ على الصِّدِّيقِ مثلاً، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي في الشرح الكبير)). (¬2) جامع الترمذي (3801) وقال: ((هذا حديث حسن)). (¬3) سنن ابن ماجه (165). وأخرجه مِنْ هذا الوجه أيضاً: ابن سعد 4/ 228، وأحمد 2/ 163 و175 و223، والحاكم 3/ 342. وعلى الرغم مِنْ تحسين الإمام الترمذي لهذا الحديث، فإن في سندهِ عثمان بن عمير ضعيف. والحديث له طرق أخرى يتقوى بها، منها: حديث أبي ذر أخرجه: الترمذي (3802)، وابن حبان (7132)، والحاكم 3/ 342. وورد مِنْ حديث أبي الدرداءِ عند ابن سعد 4/ 228، وابن أبي شيبة (32256)، والبزار (2713) والحاكم 3/ 342. وورد مِنْ حديث أبي هريرة عند ابن سعد 4/ 228 ومن حديث علي عند أبي نعيم في الحلية 4/ 172 وورد مِنْ مراسيل ابن سيرين عند ابن سعد 4/ 228. وهذه الطرق وإن كانت جميعها لا تخلو مِنْ مقال، إلاّ أَنَّ مجموعها يعطي قوة. (¬4) من قوله: ((الذي رواه الترمذي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

وقالَ الطحاوي في "بيانِ المشكلِ ": ((فكأنَّ الذي في هذا الحديثِ إثباتُ مراتبِ أعلى الصدقِ لأبي ذرٍّ - رضي الله عنه -، وليسَ فيهِ نفيُ غيرهِ مِنْ تلكَ المرتبةِ، إنّما فيهِ نفيُ غيرهِ أَنْ يكونَ في مرتبةٍ مِنْ مراتبِ الصدقِ أعلى منها)) (¬1). انتهى (¬2). وعلى هذا يحملُ قولُ مَنْ نحى هذا المنحى في العبارةِ. قالَ بعضُ أصحابنا: قال النوويُّ: ((ورُوِّينا عنِ الإمامِ أبي عبدِ الرحمانِ النسائيِّ أنَّهُ قالَ: ما في هذهِ الكتبِ كلِّها أجودُ مِنْ كتابِ البخاريِّ)) (¬3) (¬4). انتهى. وأما قولُ الطبني: إنَّ بعضَ مشايخهِ كانَ يفضلُ " صحيحَ مسلمٍ " (¬5)، فالتفضيلُ لا ينحصرُ في الأصحيةِ، فيحملُ على ما قالَ ابنُ الصلاحِ، وعلى جمعِ مسلمٍ لطرقِ الحديثِ في مكانٍ واحدٍ، فتجتمعُ ألفاظُ الحديثِ جميعها؛ ولأجلِ ذَلِكَ جعلَ الحميديُّ، وعبدُ الحقِّ لفظَ مسلمٍ أصلاً في جمعهما بين "الصحيحينِ"، ثمَّ يُبينانِ ما خالفَ ذلكَ منْ لفظِ البخاريِّ، فإنَّ نقلَ الحديثِ منْ موضعٍ واحد أهونُ (¬6). هذا هوَ اللائقُ بالانفصالِ عن ذَلِكَ. ¬

_ (¬1) شرح مشكل الآثار 2/ 12 عقب (534). (¬2) من قوله: ((وقال الطحاوي .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح صحيح مسلم 1/ 16. (¬4) من قوله: ((وقال بعض أصحابنا ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) انظر: إكمال المعلم 1/ 80. (¬6) هذا الكلام فيه نظر بالنسبة للحميدي؛ إذ إنه قال في مقدمة كتابه " الجمع بين الصحيحين " 1/ 75: ((وربما أوردنا المتن من ذلك بلفظ أحدهما، فإن اختلفا في اللفظ واتفقا في المعنى أوردناه باللفظ الأتم، وإن كانت عند أحدهما فيه زيادة وإن قلت، نبهنا عليها، وتوخينا الاجتهاد في ذلك .... )) فهذا يدل على عدم التزام الحميدي لما نسب له البقاعي هنا، ولعل البقاعي قلد غيره في ذلك. أما كتاب عبد الحق فلم نطلع عليه لنحكم فيه.

قالَ بعضُ أصحابنا وقالَ مسلمةُ بنُ قاسمٍ في "تأريخهِ"-- في ترجمةِ مسلمٍ، وذكرَ كتابهُ في "الصحيحِ" -: ((لم يصنعْ أحدٌ مثلهُ)) (¬1). انتهى (¬2). وأما توحيدُ (¬3) / 22ب / الجوابِ عنْ قولِ أبي عليٍّ والمغاربةِ، وجعلهما مِنْ وادٍ واحدٍ في قولِ ابنِ الصلاحِ مشيراً إلى قولِ أبي عليٍ: ((فهذا وقولُ منْ فضلَ مِنْ شيوخِ (¬4) المغربِ كتابَ مسلمٍ على كتابِ البخاريِّ، إنْ كانَ المرادُ بهِ (¬5) ... )) (¬6) إلى آخرهِ، وكذا صنيعُ منْ جاءَ بعدهُ، فليسَ بجيدٍ؛ فإنَّهُ إذا سلمَ أَنَّ قولَ أبي عليٍّ يقتضي الأرجحيةَ كما فهمَ ابنُ الصلاحِ، ومن تبعهُ مِنْ مختصري كتابهِ (¬7)، لم يحسنْ أَن يحملَ بعدَ ذَلِكَ على الأرجحية مِنْ حيثُ إنَّهُ لم يمازجهُ غيرُ الصحيحِ؛ فإنَّ أبا عليٍّ عبرَ بأصحَّ، وهيَ لا تحملُ على الأرجحيةِ مِنْ جهةِ غيرِ الصحةِ. قلتُ: بلَ يحسنُ ذَلِكَ، وإنْ كانتْ لا تحملُ على الأرجحيةِ إلا مِنْ جهةِ الصحةِ، لأنَّا إذا قابلنا جملةَ كتابٍ متمحضٍ للصحيحِ بجملةِ آخرَ ليسَ كذلكَ، كانَ أزيدَ منهُ مِنْ جهةِ الصحةِ بهذا الاعتبارِ بلا شكٍّ (¬8)، ووراء ذلكَ أنَّهْ يمكنُ أَن تكونَ عبارةُ شيخِ الطبني كعبارةِ أبي عليٍّ، ففهمَ الطبني منها ما فهمهُ غيرُ شيخنا، ومنْ نحى نحوهُ (¬9) مِنْ عبارةِ أبي عليٍّ، حيثُ صرحوا بأنَّ أبا عليٍّ قالَ: إنَّ " صحيحَ ¬

_ (¬1) جاء في حاشيةِ (أ): ((أي: في جودة الترتيب)). (¬2) من قوله: ((قال بعض أصحابنا وقال مسلمة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي جعلهما واحداً)). (¬4) في (ك): ((أهل)). (¬5) من قوله: ((كتاب مسلم ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 85. (¬7) عني بذلك النووي؛ إذ ذكر ذلك في كتابه الإرشاد 1/ 117 - 118، وابن كثير الذي ذكر ذلك أيضاً في كتابه اختصار علوم الحديث: 25، وبتحقيقي: 80. (¬8) من قوله: ((بل يحسن ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬9) عبارة: ((ومن نحى نحوه)) لم ترد في (ك).

مسلمٍ " أصحُّ كما هوَ في عبارةِ الشيخِ محيي الدينِ (¬1)، وقاضي القضاةِ بدرِ الدينِ بنِ جماعةٍ في مختصريهما لابن الصلاحِ، فصرَّحَ الطبنيُّ حينئذٍ بالتفضيلِ، فإنْ كان الأمرُ كذلكَ كانَ بحثُ شيخنا (¬2)، وشيخهِ في "الشرحِ الكبيرِ " فيما تقتضيهِ صيغةُ أفعلَ جواباً لهُ، لكنْ لا بدَّ أنْ تعرفَ أَنَّ ذَلِكَ غيرُ متعينٍ في هذهِ الصيغةِ، أي: أنها دائماً لا تنفي إلا الرجحانَ، بلِ الحقُّ أنها تارةً تستعملُ على مقتضى أصلِ اللغةِ فتنفي / 23 أ / الزيادة فقط (¬3)، وتارةً على مقتضى ما شاعَ مِنَ العرُفِ، فتنتفي المساواةُ. وقولُ الإمامِ أحمدَ يدلُ على هذا؛ لأنَّ معناها لو كانَ متعيناً في الأمرِ الأولِ ما احتاجَ إلى الاستدراكِ. وقد حققَ الشيخُ سعدُ الدينِ التفتازانيُّ هذا المبحثَ في الكلامِ على الإمامةِ في أواخرِ "شرحِ المقاصدِ" فقالَ في الحديثِ الذي ذكرهُ المحبُ الطبريُّ في كتابِ " مناقبِ العشرةِ " عنِ الدارقطني و"المخلص الذهبيّ " (¬4) عنْ أبي الدرداءِ - رضي الله عنه -: أنَّهُ قالَ: رآني النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أمشي أمام أبي بكرٍ فقالَ: ((يا أبا الدرداءِ، تمشي أمامَ منْ هوَ خيرٌ منكَ في الدنيا والآخرةِ! ما طلعتْ شمسٌ، ولا غربتْ على أحدٍ بعدَ النبيينَ -أفضل مِنْ أبي بكرٍ)) (¬5) - رضي الله عنه -، قالَ (¬6) ¬

_ (¬1) عبارة النووي في التقريب: 79 بتحقيقنا: ((البخاري أصحهما، وأكثرهما فوائد، وقيل: مسلم أصح)). (¬2) انظر: هدي الساري: 15 - 16. (¬3) من قوله: ((تارة تستعمل)) إلى هنا مكرر في نسخة (أ). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((اسم كتاب يقال له فوائد مخلص الذهبي، وليس هو الذهبي المعروف)). (¬5) أخرجه ابن أبي عاصم في " السنة " (1224)، وخيثمة بن سليمان في " حديثه " 1/ 133 من طريق بقية، عن ابن جريج، عن عطاء، عن أبي الدرداء، به. وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 9/ 44، وقال: ((رواه الطبراني وفيه بقية وهو مدلس، وبقية رجاله وثقوا)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: الشيخ سعد الدين)).

ما نصهُ: ((ومثلُ هذا الكلامِ وإنْ كانَ ظاهرهُ نفيَ أفضليةِ الغير، لكنْ إنما ينساقُ لإثباتِ أفضليةِ المذكورِ)). ولهذا أفادَ أَنَّ أبا بكر أفضلُ مِنْ أبي الدرداء، والسر في ذَلِكَ أَنَّ الغالب مِنْ حالِ كلِّ اثنينِ هوَ التفاضلُ دونَ التساوي، فإذا نفى أفضليةَ أحدهما ثبتَ أفضلية الآخرِ، وبمثلِ هذا ينحلُّ الإشكالُ المشهورُ على قولهِ - صلى الله عليه وسلم -، أي: فيما رواهُ مسلمٌ (¬1) وهذا لفظهُ، وأبو داودَ (¬2)، والترمذيُّ (¬3) والنسائيُّ (¬4) وغيرُهم (¬5) عن أبي هريرةَ: أَنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((منْ قالَ حينَ يصبحُ، وحينُ يمسي: سبحانَ اللهِ وبحمدهِ، مئةَ مرةٍ، لمْ يأتِ أحدٌ يومَ القيامةِ بأفضل مما جاءَ بهِ، إلا أحدٌ قالَ مثلَ ذَلِكَ، أو زادَ عليهِ)). فالاستثناءُ بظاهرهِ مِنَ النفيِ، وبالتحقيقِ منَ الإثباتِ يعني: ويصيرُ ذلكَ كالحديثِ الذي رواهُ / 23 ب / البزارُ (¬6) مِنْ رواية جابرٍ الجعفيِّ، عن أبي المنذرِ الجهنيِّ - رضي الله عنه -، قالَ: قلتُ: يانبيَ اللهِ، علِّمني أفضلَ الكلامِ، قالَ: ((يا أبا المنذرِ، قلْ: لا إلهَ إلا اللهُ، وحدهُ لا شريكَ لهُ، لهُ الملكُ، ولهُ الحمدُ، يُحيي ويميتُ، بيدهِ الخيرُ، وهو على كل شيءٍ قديرٌ، مئةَ مرةٍ (¬7) في كل يومٍ؛ فإنكَ يومئذٍ أفضلُ الناسِ عملاً، إلا منْ قالَ مثلَ ما قلتَ)) (¬8)، فتأملْ هذا الفصلَ؛ فإنَّهُ بديعٌ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 8/ 69 (2692). (¬2) سنن أبي داود (5091). (¬3) جامع الترمذي (3469). (¬4) في " الكبرى " (10403)، وفي " عمل اليوم والليلة " (568)، وبسند آخر في " الكبرى " و" عمل اليوم والليلة " كما في " تحفة الأشراف " 9/ 385 (12560). (¬5) منهم البيهقي في " الدعوات الكبير " (119)، وفي " الأسماء والصفات " 1/ 177. (¬6) لم أجده في المطبوع من " مسند البزار "، وهو في " مجمع الزوائد " 10/ 86 وقال: ((رواه البزار، وفيه جابر الجعفي، وهو ضعيف)). (¬7) ((مرة)) لم ترد في (ف). (¬8) من قوله: ((لكن لا بدَّ أن تعرف أنّ ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قولهُ: (الطُبني) (¬1) - بضمِ المهملةِ، وإسكانِ الموحدةِ، وقبلَ ياءِ النسبِ نونٌ - ضبطهُ ابنُ السمعانيِّ (¬2) -، وقيلَ: بضمِ الموحدةِ حكاهُ ابنُ الأثيرِ في مختصرِ "النهايةِ" (¬3)، وهي بلدةٌ بالمغربِ ينسبُ إليها جماعةٌ. قولهُ: (لمْ يمازجهُ (¬4) غيرُ الصحيحِ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعدَ هذا: ((فإنَّهُ ليسَ فيهِ بعدَ خطبتهِ إلا الحديث الصحيح مسروداً، غيرَ ممزوجٍ بمثلِ ما في كتابِ البخاريِّ في تراجمِ أبوابهِ منَ الأشياءِ التي لم يسندْها على الوصفِ المشروطِ في الصحيحِ، فهذا لا بأسَ بهِ، وليسَ يلزمُ منهُ أَنَّ كتابَ مسلمٍ أرجحُ فيما يرجعُ إلى نفسِ الصحيحِ على كتابِ البخاريِّ)) (¬6) إلى آخرهِ، وسيأتي بقيةُ الكلامِ على هذا قريباً (¬7). قولهُ: (وعلى كلِ حالٍ، فكتاباهما أصحُّ كتبِ الحديثِ) (¬8) شبيهٌ بما قلنا فيما صرحَ بأنَّهُ أصحُّ الأسانيدِ مطلقاً، أو مقيداً مِنْ أنَّهُ يُستفادُ منهُ أرجحيتهُ على ما عداهُ بالنسبةِ إلى مجموعِ أقوالهم، وعدمِ منْ يخالفهم، فإنَّ منْ صرَّحَ بترجيحِ كتابِ البخاريِّ، ومن توقفَ، أو احتملَ كلامهُ تفضيلَ مسلمٍ مُجمعونَ على أَنَّ الكتابينِ أصحُّ مِنْ غيرهما، فهما (¬9) بالنسبةِ إلى القولينِ، وسكوت بقيةِ / 24أ / الأمّةِ عليهما ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 114. (¬2) الأنساب 3/ 256. (¬3) اللباب 2/ 275. (¬4) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: مسلم)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 114. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 85. (¬7) من قوله: ((قوله: الطبني بضم المهملة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرةِ 1/ 114. (¬9) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي الكتابين)).

كما مضى مِنْ أَنَّ ذَلِكَ ينتجُ أنهما أصحُّ منْ غيرهما. قولهُ: (قبلَ وجودِ الكتابينِ) (¬1) قالَ بعضُ أصحابنا: ((كانَ إذ ذاكَ موجودٌ منَ المصنفاتِ " السننَ " لابنِ جريجٍ، وابن إسحاقَ (¬2) غير السيرةِ، ولأبي قرةَ موسى بنِ طارقٍ الزبيدي بفتحِ الزاي، ومصنفُ عبدِ الرزاقِ بنِ همامٍ وغيرها)) (¬3). قولهُ: (لو نفعَ) (¬4) جوابهُ محذوفٌ، تقديرُ الكلامِ: وفضلَ بعضُ أهلِ الغربِ مصاحباً في التفضيلِ لأبي عليٍّ كتاب مسلمٍ، فيكونُ أصحَّ مِنْ كتابِ البخاري، فلو نفعَ تفضيلهم بموافقةِ العلماءِ لهم وقبولهم لقولهم؛ لعملَ بهِ، أو لَقُضِي بأنَّهُ أفضلُ (¬5)، لكنهُ لم ينفعْ، فلمْ يعملْ بهِ، أو فلم يكنْ أفضلَ (¬6)؛ لأنَّ العلماء ردوا ظاهرَ ذلكَ (¬7)، وأوَّلوا كلامهم. ومنَ الرَّادِّينَ مَنْ لم يستدلَّ لقولهِ اعتماداً على نظرِ الفطنِ الممارسِ للفنِّ في شروطِ الصحةِ في الكتابينِ، واستقراءِ استعمالِ الرجلينِ (¬8) لها، كابنِ الصلاحِ حيثُ قالَ: ((وإنْ كانَ المرادُ أنَّ كتابَ مسلمٍ أصحُّ صحيحاً، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 115. وقد قال الحافظ ابن حجر في هدي الساري: 10: ((وعلم أَنَّ الشافعي إنما أطلق على الموطأ أفضلية الصحة، بالنسبةِ إلى الجوامع الموجودة في زمنه، كجامع سفيان الثوري، ومصنف حماد بن سلمة، وغير ذَلِكَ، وهو تفضيل مسلم لا نزاع فيه)). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي والسنن لابن إسحاق)). (¬3) من قوله: ((قوله: قبل وجود الكتابين .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التبصرة والتذكرة (23). (¬5) عبارة: ((لقولهم لعمل به أو لقضي بأنه أفضل)) لم ترد في (ك). (¬6) عبارة: ((فلم يعمل به أو فلم يكن أفضل)) لم ترد في (ك). (¬7) ((ذلك)) لم ترد في (ف). (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: البخاري ومسلم)).

فهذا مردودٌ على منْ تقوَّلهُ)) (¬1)، ومنهم من برهنَ على أرجحيةِ كتابِ البخاريّ كشيخِنا في " شرح النخبة " (¬2)، وغيرهِ، مِن ذَلِكَ أَنَّ البخاريَّ اشترطَ في إخراجه الحديثَ في كتابهِ هذا، أنْ يكونَ الراوي لَقِيَ شيخه، ومسلمٌ يكتفي بمجردِ المعاصرةِ (¬3). قولهُ: (لم يمازجهُ غيرُ الصحيحِ) (¬4)، أي: غيرُ الحديثِ الصحيحِ، إنْ قيلَ: فيهِ نظرٌ؛ لأنَّهُ روى (¬5) بعدَ الخطبةِ في كتابِ الصلاةِ بإسنادٍ إلى يحيى بنِ أبي كثيرٍ: أنَّهُ قالَ: ((لا يُنالُ العلمُ براحةِ الجسمِ)) (¬6) فقد مزجهُ بغيرِ الأحاديثِ كما قالهُ في " النكت " (¬7)، فالجوابُ: أنَّهُ نادرٌ فلا حكمَ لهُ. قالَ شيخنا: ((وقالَ ابنُ / 24ب / الملقنِ: رأيتُ بعضَ المتأخرينَ قالَ: إنَّ الكتابينِ سواءٌ، فعلى هذا هو قولٌ ثالثٌ، وحكاهُ الطوفيُّ في " شرحِ الأربعينَ "، ومالَ إليهِ القرطبيُّ في مختصرهِ للبخاريِّ)). قالَ بعضُ أصحابنا: وقالَ أبو العباسِ أحمدُ بنُ عمرَ القرطبيُّ لما ذكرَ البخاريَّ ومسلماً في خطبةِ كتابهِ " المفهمِ " (¬8): ((والحاصلُ من معرفةِ أحوالهما أنهما فرسا ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 85. (¬2) نزهة النظر: 87 وما بعدها. (¬3) انظر في تجلية هذه المسألة: نكت الزركشي 1/ 165، ونكت ابن حجر 1/ 281، ونزهة النظر: 87 - 88، والبحر الذي زخر 2/ 530. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 114. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: مسلم)). (¬6) صحيح مسلم 1/ 428 (612) (175) ط فؤاد، ولفظه: ((لا يستطاع العلم براحة الجسم)). (¬7) التقييد والإيضاح: 26. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((في شرح مسلم)).

رهانٍ، وأنهما ليسَ لأحدٍ من جنسهما بمسابقتهما، ولا مساوقتهما يدانِ)) (¬1). وقالَ الخطيبُ في كتابِ " الجامعِ " (¬2) حينَ ذكرَ الابتداء بسماعِ الأمهاتِ مِنْ كتبِ الأثرِ، والأصولِ الجامعةِ للسننِ: ((وأما أحقها بالتقديمِ الجامعُ، والمسندُ الصحيحانِ لمحمدِ بنِ إسماعيلَ البخاريِّ، ومسلمِ بن الحجاجِ)). وقالَ أبو عبدِ اللهِ الحميديُّ في " الجمعِ بينَ الصحيحينِ " (¬3): ((لم نجدْ في الأئمةِ الماضينَ مَنْ أفصحَ لنا في جميعِ ما جمعهُ بالصحةِ، إلا هذينِ الإمامينِ)). وقالَ أبو محمدٍ عبدُ الحقِّ بنُ عبدِ الرحمانِ الإشبيليُّ الحافظُ في " الجمعِ بينَ الصحيحينِ ": ((وقد اشتهرا في الصحةِ شهرةً لايطعنُ عليها وتضمنا منَ الأخبارِ، ما لجأ الناسُ في الأكثرِ إليها، وحسبكَ مِنْ هذينِ الكتابينِ أنهما إنما يعرفانِ بالصحيحينِ)). (¬4) قولهُ: في الشرحِ (مَنْ صنفَ في جمعِ الصحيح) (¬5) قيلَ: فائدةُ زيادة لفظة جمع إخراجِ غيرِ الصحيحِ؛ لأنَّهُ إذا كتبَ شيئاً صحيحاً، وأدرجَ فيهِ شيئاً (¬6) غيرَ صحيحٍ لم يصدقْ أنَّهُ صنَّفَ في جمعِ الصحيحِ، وعندي أنهُ لا فرقَ بينَ وجودِ هذهِ اللفظةِ وعدمِها، كما في النظمِ مِنْ قولهِ: (أولُ (¬7) منْ صنفَ في ¬

_ (¬1) انظر: نكت الزركشي 1/ 170. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((في آداب الراوي والسامع))، وهو فيهِ في 2/ 184 - 185. (¬3) الجمع بين الصحيحين: 73 - 74. ونصه: ((ووسم كل واحد منهما كتابه بالصحيح، ولم يتقدمهما إلى ذَلِكَ أحد قبلهما، ولا أفصح بهذه التسمية في جميع ما جمعه أحد سواهما، فيما علمناه)). (¬4) من قوله: ((قوله: لم يمازجهُ غير الصحيح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 115. (¬6) عبارة: ((صحيحاً، وأدرج فيه شيئاً)) لم ترد في (ك). (¬7) لم ترد في (ك).

الصحيحِ) (¬1) وأنَّ كلا العبارتينِ غيرُ صريحٍ في تجريد / 25أ / الصحيحِ؛ فإنَّ مَنْ كتبَ الصحيحَ وضمَّ إليهِ قليلاً مِنْ غيرهِ، كما فعلَ مالكٌ (¬2)، لا يخرجُ عنْ كونهِ صنفَ في الصحيحِ، أو في جمعِ الصحيحِ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((أولُ مَنْ صنفَ (¬3) الصحيحَ)) (¬4) كما تقّدمَ، أي: جعلهُ أصنافاً، وهيَ غيرُ صريحةٍ في أَنَّ المرادَ: أولُ منْ أفردَ الصحيحَ عنْ غيرهِ (¬5)، فلو قالَ: أَولُ منْ صَنَّفَ في الصَحِيحِ ... فقطْ محمدٌ وبالترجيحِ خُصَّ فمسلمٌ وبعضُ الغَربِ معْ ... ... ... .... .... كَانَ أَحسنَ. قَولُه: (فقد بينتهُ في " الشرحِ الكبيرِ ") قالَ شيخنا (¬6): ((أولُ مَنْ صنفَ في العلمِ، وبوَّبه ابنُ جريج بمكةَ، ومالكٌ، وابنُ أبي ذئبٍ بالمدينة، فإنَّ ابن أبي ذئبٍ صنفَ موطأً، أكبر من "موطأ مالكٍ" بأضعافٍ حتى قيلَ لمالكٍ: ما الفائدةُ في تصنيفكَ؟ فقالَ: ((ما كانَ للهِ بَقيَ)) والأوزاعيُّ بالشامِ، والثوريُّ بالكوفةِ، وسعيدُ بنُ أبي عروبةَ، والربيعُ بنُ صبيحٍ بالبصرةِ، ومعمرٌ باليمنِ)). قالَ (¬7): ((وكانَ هؤلاءِ في عصرٍ واحدٍ، فلا ندري أيهم سبقَ؟))، وهكذا في "شرحِ المصنفِ الكبيرِ"، وقالَ: ((وخالدُ بنُ جميلٍ الذي يقالُ لهُ: العبدُ، ومعمرُ ابنُ راشدٍ باليمنِ))، وساقَ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (22). (¬2) عبارة: ((كما فعل مالك)) لم ترد في (ك). (¬3) ((صنف)) لم ترد في (ف). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 84. (¬5) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) انظر: هدي الساري: 8. (¬7) لم ترد في (ك).

عبارةَ أبي محمدِ بنِ خلادٍ الرامهرمزي في كتابهِ " المحدّثِ الفاصلِ " (¬1) في ذَلِكَ، ثمَّ قالَ: ((والحاصلُ من كلامهِ، وكلامِ غيرهِ أَنَّ أولَ مَنْ صنفَ بمكةَ، ابنُ جريجٍ، وبالمدينةِ ابنُ إسحاقَ، أو مالكٌ، وبالبصرةِ الربيعُ بنُ صبيحٍ، أو سعيدُ بنُ أبي عروبةَ، وبالكوفةِ الثوريُّ، وبالشامِ الأوزاعيُّ، وبواسطٍ هشيمٌ، وباليمنِ معمرٌ، وبالريِّ جريرٌ، يعني: ابنَ عبدِ الحميدِ، وبخراسانَ ابنُ المباركِ)). انتهى. (¬2) / 25ب / قالَ شيخنا (¬3): ((وهذا بالنسبةِ إلى ما يفهمُ منْ لفظِ تصنيفِ منْ جعلَ الشيءَ أصنافاً، وأما جمعُ حديثٍ إلى مثلهِ، ونحوُ ذَلِكَ في بابٍ واحدٍ فقدَ سبقَ إليهِ الشعبيُّ، فإنَّهُ رُويَ عنهُ أنَّهُ قالَ: هذا بابٌ من الطلاقِ جسيمٌ، وساقَ فيهِ أحاديثَ)). انتهى. قلتُ: ورأيتُ في ترجمةِ الحلاجِ مِنْ "تاريخِ الخطيبِ": أَنَّ القاضي أبا عمرَ المالكيَّ توقفَ في أمرهِ حتى قُرىء في كتابٍ لهُ: أمر رُتبهِ، وجعله قائماً مقامَ الحجِّ، فقالَ لهُ (¬4): مِنْ أينَ لكَ هذا؟ فقالَ مِنْ كتابِ "الإخلاصِ" للحسنِ فقالَ: كذبتَ ياحلالَ الدمِ، فقدْ سمعنا كتابَ " الإخلاصِ" للحسنِ، ولم يكنْ فيهِ شيء مِنْ هذا، ثمَّ حكمَ بقتلهِ (¬5)، فهذا إقرارٌ مِنْ أبي عمرَ على أَنَّ الحسنَ لهُ كتابُ " الإخلاصِ" فهوَ أولُ مَنْ صنفَ مطلقاً (¬6)، والله أعلم (¬7). ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((بين الراوي والواعي هكذا سماه)) أقول: وهو فيه: 611 الفقرة (892)، وما بعدها. (¬2) من قوله: ((وهكذا في شرح المصنف الكبير ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) عبارة: ((رتبه، وجعله قائماً مقام الحج فقال له)) لم ترد في (ف). (¬5) تأريخ بغداد 8/ 718 طبعة دار الغرب، والنص ساقط مِن الطبعة القديمة. (¬6) من قوله: ((انتهى. قلت: ورأيت في ترجمة الحلاج .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) لم ترد في (أ).

قولهُ: 24 - وَلَمْ يَعُمَّاهُ ولكن قَلَّمَا ... عِنْدَ ابْنِ الاخْرَمْ مِنْهُ قَدْ فَاتَهُمَا 25 - وَرُدَّ لكن قَالَ يَحيَى البَرُّ ... لَمْ يَفُتِ الخَمسَةَ إلاَّ النَّزْرُ 26 - وَفيهِ مَا فِيْهِ لِقَوْلِ الجُعْفِي ... أَحْفَظُ مِنْهُ عُشْرَ أَلفِ أَلْفِ 27 - وَعَلَّهُ أَرَادَ بِالتَّكرَارِ ... لَهَا وَمَوْقُوْفٍ وفي البُخَارِي 28 - أَرْبَعَةُ الآلافِ والمُكَرَّرُ ... فَوْقَ ثَلاثَةٍ أُلُوْفاً ذَكَرُوا الضميرُ البارزُ في (يعماهُ) (¬1) عائدٌ إلى الصحيحِ الذي سبقَ تعريفهُ. قولهُ: (إياهما بأحاديثَ) (¬2) قالَ بعضُ أصحابنا: منها حديثُ المرأةِ التي شربتْ بولَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) وهي أم أيمنَ -رضي الله عنها- (¬4). قولهُ في النظم (¬5): (ورُدَّ) إنما كانَ مردوداً؛ لحملهم كلامه على أنهُ يعني: كتابيهما، كما يأتي عن ابنِ الصلاحِ، ويوضحُ الردَّ أَنَّ " مستدركَ الحاكمِ " كتابٌ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (24). (¬2) شرح التبصرة والتذكرةِ 1/ 115. (¬3) أخرجه: الطبراني في " الكبير " 25/ (230)، والحاكم في " المستدرك " 4/ 63 - 64، وأبو نعيم في " الحلية " 2/ 67 من طريق أبي مالك النخعي، عن الأسود بن قيس، عن نبيح العنزي: عن أم أيمن، قالت: قام رسول الله مِن الليل إلى فخارة في جانب البيت فبال فيها، فقمت مِن الليل، وأنا عطشانة، فشربت ما فيها، وأنا لا أشعر، فلما أصبح النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: يا أم أيمن قومي فأريقي ما في تلك الفخارة، قلت: قد والله شربت ما فيها، قالت: فضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى بدت نواجذه، ثم قال: ((أما إنكِ لا تتجعين بطنك أبداً)). وهو ضعيف؛ لضعف أبي مالك النخعي؛ ولانقطاعه فإن نبيحاً لم يلحق أم أيمن. (¬4) من قوله: ((قوله: إياهما بأحاديثَ .... )) إلى هنا لم يرد في (ك) (¬5) ((في النظم)) لم ترد في (أ) و (ك).

كبيرٌ يشتملُ على شيءٍ كثيرٍ مما فاتهما، وإنْ كانَ عليهِ في بعضهِ مقالٌ، فإنَّهُ يصفو لهُ منهُ صحيحٌ كثيرٌ، قالهُ ابنُ الصلاحِ (¬1) (¬2). قالَ شيخنا: ((والذي ظهرَ لي مِنْ كلامهِ أنَّه غيرُ مريد للكتابينِ (¬3) وإنما أرادَ مدحَ الرجلينِ بكثرةِ الاطلاعِ والمعرفةِ، لكنْ / 26أ / لما كانَ غيرُ لائقٍ أَنْ يوصفَ أحدٌ مِنَ الأمةِ بأنَّهُ جمعَ الحديث جميعهُ حفظاً، وإتقاناً، حتى ذُكِرَ عنِ الشافعيِّ أنَّهُ قالَ: مَن ادّعى أَنَّ السُنّةَ اجتمعتْ كلها عندَ رجلٍ واحدٍ فسقَ، ومن قالَ: إنَّ شيئاً منها فاتَ الأمةَ فَسَقَ. فحينئذٍ عبَّر عما أراد منَ المدحِ بقولهِ: قلَّ ما يفوتهما منهُ، أي: قَلَّ حديثٌ يفوتُ البخاريَّ ومسلماً معرفتهُ، أو نقولُ: سلمنا أَنَّ المرادَ الكتابانِ، لكنَّ المرادَ بقولهِ: مما يثبتُ منَ الحديثِ: الثبوتُ على شرطهما، لا مطلقُ الصحيحِ. نعمْ، قولُ الشيخِ محيي الدينِ: إنَّهُ لمْ يفتِ الأصولَ الخمسةَ إلا اليسير (¬4) منازعٌ، فيهِ إلا أنْ يتمهلَ لهُ أَنَّ ما فاتها يسيرٌ (¬5) بالنسبةِ إلى مافيها، أي: أقل مما فيها، ولو كانَ أقلَّ منهُ مثلاً بألفِ حديثٍ، فيتوجهُ حينئذٍ، وستأتي ترجمةُ ابنِ الأخرمِ في معرفةِ مَنْ تقبلُ روايتهُ، ومن تردُّ)) (¬6). قلتُ: وقولُ البخاريِّ: ((وتركتُ منَ الصحاحِ لحالِ الطولِ)) (¬7). رواهُ عنهُ ¬

_ (¬1) من قوله: ((ويوضح الردّ أن مستدرك الحاكم ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 86. (¬3) انظر: نكت الزركشي 1/ 180. (¬4) التقريب: 79. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((الأصول الخمسة)). (¬6) من قوله: ((وستأتي ترجمة ابن الأخرم ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) رواه ابن عدي في " الكامل " 1/ 226، وفي " أسماء منْ روى عنهم البخاري " (4 / أ)، والخطيب في " تأريخ بغداد " 2/ 8 - 9، والحازمي في " شروط الأئمة الخمسة ": 62 - 63.

إبراهيمُ بنُ معقلٍ النسفيُّ (¬1)، ربما أشعرَ بقلةِ ما بَقيَ، وإنَّ قولهُ: ((أحفظ مئةَ إلف حديثٍ صحيحٍ)) (¬2) ليسَ على ظاهرهِ، بلِ المرادُ بالمكرراتِ، والموقُوفَاتِ، لكنْ قالَ البلقينيُّ: ((نقلَ الحازميُّ (¬3) لفظَ البخاريِّ، وفيهِ: وما تركتُ مِن الصحاحِ أكثرُ)) (¬4). انتهى. وكذا رواهُ الحافظُ أبو بكرٍ الإسماعيليُّ، قالَ: ((لم أُخرِجْ في هذا الكتابِ إلاّ صحيحاً، وما تركتُ مِن الصحيحِ أكثر))، قالَ الإسماعيليُّ: ((لأنَّهُ لو أخرجَ كلّ صحيحٍ عندهُ لجمَعَ في البابِ الواحدِ حديثَ جماعةٍ منَ الصحابةِ، ولذكرَ طريقَ كل واحد منهمْ إذا صحتْ، فيصيرُ (¬5) كتاباً /26ب/ كبيراً جداً)). قالَ شيخُنا العلامةُ تاجُ الدينِ بنُ الغرابيليِّ: ((قولُ الإسماعيلي هذا يؤيد قولَ مَنْ قال: إنَّ مقصود البخاريِّ مِنْ قولهِ: ((أحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ)) أنَّ ذلكَ بالتكرارِ وغيرهِ)) (¬6). قالَ شيخنا: ((ولقد كانَ استيعابُ الأحاديثِ سهلاً، لو أرادَ القادرُ على كل شيءٍ، وذَلِكَ بأنْ يجمعَ الأولُ منهم ما وصلَ إليهِ، ثمَّ يذكرَ مَنْ بعده ما اطلعَ عليهِ مما فاتهُ مِنْ حديثٍ مستقلٍ، أو زيادةٍ في الأحاديثِ التي ذكرها، فيكونُ كالذيلِ عليهِ، وكذا منْ بعده فلا يمضي كثيرٌ مِن الزمانِ، إلا وقد استوعبَ (¬7)، وصارت تلكَ المصنَّفاتُ كالمصنَّفِ الواحدِ، ولعمري، لقد كانَ هذا في غايةِ الحسنِ ¬

_ (¬1) من قوله: ((لحال الطول ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) أسنده إليه ابن عدي في مقدمة " الكامل " 1/ 226، والخطيب في " تأريخه " 2/ 25، والحازمي في " شروط الأئمة الخمسة ": 61، وابن نقطة في " التقييد ": 33. (¬3) زاد بعدها في (ك): ((من)). (¬4) محاسن الاصطلاح: 91. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((الأصول الخمسة)). (¬6) من قوله: ((انتهى. وكذا رواه الحافظ أبو بكر ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) في (ك): ((استوعبته)).

والسَّدادِ، ولكنْ قدرَ اللهُ، وما شاءَ فعلَ)). قولهُ: (وقالَ مسلمٌ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ (¬2) عنهُ: ((ليس كل شيءٍ عندي صحيحٌ وضعتهُ ها هنا - يعني: في كتابهِ " الصحيحِ " - (¬3) إنما وضعتُ هاهنا ما أجمعوا عليهِ)) (¬4) أراد واللهُ أعلمُ أنَّهُ لم يضعْ في كتابهِ إلا الأحاديثَ التي وجدَ عندهُ فيها شرائط الصحيحِ)) (¬5) (¬6). قولهُ: (يريدُ ما وَجَدَ عندهُ فيها) (¬7)، أي: يريدُ الأحاديثَ التي وجدَ عندهُ فيها، وهي عبارةُ ابنِ الصلاحِ كما عرفتَ (¬8)، قالَ البلقينيُّ: ((وقيلَ: أرادَ مسلمٌ بقولهِ: ((ما أجمعوا عليهِ)) أربعةً: أحمدَ بنَ حنبلٍ، ويحيى بن يحيى، وعثمانَ ابنَ أبي شيبةَ، وسعيدَ بنَ منصورٍ الخراسانيَّ (¬9))). انتهى. أي: ولم يردْ إجماعَ جميعِ الأمةِ كما هو المتبادرُ للفهمِ، لكن لم يُبيّنْ برهانَ هذا القولِ. قولهُ: (وفيهِ ما فيهِ) (¬10) هذا كنايةٌ عن ضعفِ ما تعقّبهُ، وتقديرهُ: وهذا / 27أ / الكلامُ موجودٌ فيه مِن الضعفِ (¬11) ما هو موجودٌ فيهِ منهُ، ويكون المرادُ بها ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 116. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 85 - 86. (¬3) هذه الجملة الاعتراضية مِن ابن الصلاح. (¬4) صحيح مسلم 2/ 15 عقب (404). (¬5) من قوله: ((قوله: وقال مسلم .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) إلى هنا انتهى كلام ابن الصلاح. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 116. (¬8) عبارة: ((وهي عبارة ابن الصلاح كما عرفت)) لم ترد في (ك). (¬9) محاسن الاصطلاح: 91. وفي شرح مراد الإمام مسلم انظر تعليقنا المطول على كتاب معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح: 86. (¬10) التبصرة والتذكرة (26). (¬11) جاء في حاشية (أ): ((أي: التفخيم))، ومن ذَلِكَ قوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غشِيَهُمْ}.

التهويلَ، أو الظهورَ، كأنَّهُ لما كان كالمشاهدِ في وضوحهِ لم يحتجْ إلى بيانهِ. قولهُ: (عُشر ألفِ ألفٍ) (¬1) عبارة ابنِ الصلاحِ: ((قالَ البخاريُّ: أحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ، ومئتي ألفِ حديثٍ غيرِ صحيحٍ)) (¬2) (¬3). قولهُ: (بالتكرارِ) (¬4) متعلقٌ بمحذوفٍ، تقديرُ الكلامِ: ولعلَّ البخاريَّ أرادَ أَنَّ الصحيحَ الذي يحفظهُ بلغَ مئةَ ألفٍ حالَ كونهِ مستعيناً في ذَلِكَ بتكرارِ الأحاديثِ وبالموقوفاتِ، أي: يعدُّ المكررَ بالأسانيدِ أحاديثَ بحسبِ التكرارِ، ويعدُّ الموقوفَ. قالَ شيخنا: ((إنْ قيلَ: احتمالُ إرادةِ المكررِ لا يقدحُ في الدليلِ؛ لأنَّهُ احتمالٌ ضعيفٌ، ولا يوقفُ الدليل إلا الاحتمال الأرجح، أو المساوي، قيل: جَرت عادةُ جهابذةِ المحدِّثينَ أَنَّ يُسمّوا الحديثَ الواحدَ باعتبارِ سندينِ حديثينِ، وما زادَ بحسبهِ، وكذا الآثارُ، ويؤيدُ أَنَّ هذا هوَ المرادُ أنَّ الأحاديثَ الصحاحَ التي بينَ أظهرِنا، بل وغيرُ الصحاحِ، لو تتبعتْ منَ المسانيدِ، والجوامعِ، والسننِ، والأجزاءِ، وغيرها، لما بلغت مئةَ ألف بلا تكرارٍ، بل ولا خمسينَ ألفاً، ويبعدُ كلَّ البعدِ، بل لا يمكنُ عادةً أنْ يكونَ رجلٌ واحدٌ حفظَ ما فاتَ الأمةَ جمعه، فإنَّهُ إنما حفظَ مِنْ أصولِ مشايخهِ وهي موجودةٌ، أو أكثرها، سلمنا أنَّهُ حفظَ مِنَ الصدورِ مالم يكن مكتوباً، لكنْ يتعذرُ عادةً أنْ لا يكونَ هو كتبَ ذَلِكَ، فيوجدُ بعدهُ، سلمنا، لكن هو أورعُ مِنْ أنْ يكتمهُ، ولو حدَّثَ بهِ لحملَ عنه، فوجدَ، فتعينَ الحملُ على ما قلنا، ومنِ ادعى غيرَ ذَلِكَ فعليهِ البيانُ)). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (26). (¬2) من قوله: ((قوله: عشر ألف ألف .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 86. (¬4) التبصرة والتذكرة (27).

قولهُ: (وفي البخاريِّ) (¬1) إلى آخرهِ /27ب/ قال شيخنا - باركَ اللهُ في حياتهِ - (¬2): ((ساقَ المصنفُ هذا مَساقَ فائدةٍ زائدةٍ، وليسَ ذَلِكَ مرادَ ابنِ الصلاحِ، بل هو تتمةُ قدحهِ في كلامِ ابنِ الأخرمِ، وحاصلهُ: أنَّهُ يقولُ معنى كلامِ ابنِ الأخرمِ: قَلَّ ما فاتهما في كتابيهما مِنَ الصحيحِ، وقولهُ مردودٌ، بل فاتهما أكثرُ مما خَرَّجاه؛ لقولِ البخاريِّ: ((أحفظُ مئةَ ألفِ حديثٍ صحيحٍ))، وكتابهُ ليسَ فيهِ بالنسبةِ إلى المئةِ ألفٌ إلاَّ يسيرٌ؛ فإنَّ جميعَ ما فيهِ أربعةُ آلاف حديثٍ بغيرِ تكرارٍ، ومع التكرارِ نحوَ سبعةِ آلافٍ، ومسلمٌ أكثرُ ما يكون فيهِ كذلكَ؛ وأينَ تقع نسبةُ المجموعِ مِنَ المئةِ الألف؟ فأينَ قولُ ابنِ الأخرمِ: أنَّهُ لم يفتهما إلا القليلُ، بل قد اتضحَ أنَّهُ فاتهما الكثيرُ مِنْ محفوظ البخاري، فكيفَ بمحفوظِ غيرهِ مِنَ الأمةِ، وقد تقدمَ الجوابُ عن هذا)). قولهُ: (وهو مسلَّمٌ في روايةِ الفربري) (¬3) إلى آخرهِ، عبارتهُ في "النكتِ": ((وأنقصُ الرواياتِ روايةُ إبراهيمَ بنِ معقلٍ، فإنها تنقصُ عن روايةِ الفربري ثلاث مئةِ حديثٍ (¬4))) (¬5). قالَ شيخنا: ((هذا القولُ غيرُ مسلّمٍ؛ فإنهم إنما قالوا هذا تقليداً للحموي، فإنهُ كتبَ البخاريَّ، ورواهُ عن الفربري، وعدَّ كلَّ بابٍ منهُ، ثمَّ جمع الجملةَ، وقلدهُ كلُّ (¬6) منْ جاءَ بعدهُ نظراً منهمْ إلى أنَّهُ راوي الكتابِ، ولهُ بهِ العنايةُ التامةُ، وربما ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (27). (¬2) وهذا دليل واضح على أن البقاعي ألف هذا الكتاب في حياة شيخه الحافظ ابن حجر -رحمهما الله-. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 117. (¬4) من قوله: ((عبارته في النكت .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) التقييد والإيضاح: 27. (¬6) لم ترد في (ك).

أفهمَ مُفاضلتهم بينَ الرواياتِ أنهمْ لم يقولوا ذَلِكَ تقليداً، وليس كذلكَ؛ لأَنَّ حمادَ بنَ شاكرٍ فاتهُ من آخرِ البخاريِّ فوتٌ، فلمْ يروهِ، فعدوهُ فبلغَ مئتي حديثٍ، فقالوا: روايتهُ ناقصةٌ عن روايةِ الفربري هذا القدرِ، وفاتَ ابنَ معقل أكثرُ مِنْ حماد، فعدوهُ كما فعلوا في روايةِ حمادٍ)). قالَ: ((وفي ذَلِكَ / 28 أ / نظرٌ، فإنَّ روايةَ الثلاثةِ مُتفقةٌ في الكتابةِ، وإنما اختلفت في أَنَّ الفربري سمعَ الجميعَ (¬1)، وإبراهيمُ وحمادُ فاتهما سماعُ (¬2) القدرِ المذكورِ منْ أوآخرِ الكتابِ فقط، وقد بيّن شيئاً مِنْ ذلكَ أبو عليٍّ الجيانيُّ (¬3)، ووقع لي أصلٌ أصيلٌ مِنْ نسخةِ النسفي متوالياً، إلا إنَّ في آخرهِ نقصاً منَ الأصلِ، وقالَ: إلى هنا انتهى سماعُ النسفي)) (¬4). قال شيخنا (¬5): ((ثمَّ لما شرعتُ في "مقدمةِ شرحِ البخاري" قلدتهُ - يعني: الحموي (¬6) - كما قلدوهُ إلى كتابِ السلمِ، فوجدتهُ قالَ: إنَّ فيهِ ثلاثينَ حديثاً، أو نحوها - الشكُّ مني -، قالَ: فاستكثرتُها بالنسبةِ إلى البابِ، فعددتُها فوجدتهُا قد نقصتْ عما قالَ كثيراً، فرجعتُ عن تقليدهِ، وعددت محرراً بحسبِ طاقتي فبلغتْ أحاديثهُ بالمكررِ سوى المعلقاتِ والمتابعاتِ سبعةَ آلافٍ وثلاثَ مئة وسبعةً وتسعينَ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: سماعاً لا رواية)). (¬2) ((سماع)) لم ترد في (ف). (¬3) انظر: تقييد المهمل وتمييز المشكل 1/ 59 - 64 بتحقيق صديقنا الشيخ علي العمران (حفظه الله). (¬4) النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 1/ 294 - 295، وبتحقيقي: 110، وانظر: نكت الزركشي 1/ 189 - 190. (¬5) من قوله: ((قال: وفي ذلك نظر ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) عبارة: ((يعني الحموي)) لم ترد في (ك).

حديثاً، وبلغَ ما فيهِ منَ التعاليقِ ألفاً وثلاثَ مئةٍ وأَحَداً وأربعينَ حديثاً (¬1)، وبلغَ ما فيهِ مِنَ المتابعاتِ والتنبيهِ على اختلافِ الرواياتِ ثلاثَ مئةٍ وأربعةً وثمانينَ حديثاً، فجميعُ ما في الكتابِ على هذا بالمكررِ تسعةُ آلافٍ واثنانِ وثمانونَ حديثاً، وهذهِ العدةُ خارجةٌ عنِ الموقوفاتِ على الصحابةِ، والمقطوعاتِ على التابعينَ فمَن بعدهم، وبلغت أحاديثهُ (¬2) بلا تكرارٍ ألفينِ وخمسَ مئةٍ وثلاثةً وعشرينَ حديثاً، هكذا حفظتهُ مِنْ تقديرهِ، ورأيتهُ في خطِّ بعضِ فضلاءِ أصحابِنا، أعني: العدةَ بلا تكرارٍ، ثم رأيتُ عن بعضِ الحواشي المنسوبةِ إليهِ ما يخالفهُ / 28 ب / يسيراً، فراجعتُ نسختي مِنْ مقدمتهِ، وقد قرأتُها عليهِ، فرأيتُ فيها ما نصهُ بعدَ أنْ عدَّ حديثَ كلِّ صحابيٍّ في البخاريِّ على حدةٍ: فجميعُ ما في صحيحِ البخاريِّ منَ المتونِ الموصولةِ بلا تكريرٍ على التحريرِ ألفَا حديثٍ وستُمئةِ حديثٍ وحديثانِ، ومنَ المتونِ المعلقةِ المرفوعةِ التي لم يُوصِلْها في موضعٍ آخرَ منَ الجامعِ المذكورِ مئةٌ وتسعةٌ وخمسونَ حديثاً؛ فجميعُ ذلكَ ألفا حديثٍ وسبعُ مئةِ حديثٍ وواحدٌ وستونَ حديثاً، فاللهُ أعلم)). وممنْ نَقلَ عنْ خطِّ شيخِنا أنَّ الجوزقيَّ قالَ: ((إنَّ عدةَ الأحاديثِ التي اتفقَ الشيخانِ عليها ألفا حديثٍ ومئتا حديثٍ)) (¬3)، وذَكرَ نحو هذا القاضي أبو بكرٍ بنُ العربيِّ، فقالَ: ((أحاديثُ الأحكامِ التي اشتمل عليها "الصحيحانِ" نحو ألفي حديثٍ))، وقالَ أبو حفصٍ الميانجيُّ في كتابِ "ما لا يسعُ المحدِّث جهلهُ": ¬

_ (¬1) من قوله: ((وبلغ ما فيه)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) من قوله: ((بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) نقل ابن حجر في النكت 1/ 298، وبتحقيقي: 113 عن الجوزقي أنه قال في المتفق: ((إن جملة ما اتفق الشيخان على إخراجه من المتون في كتابيهما ألفان وثلاثمئة وستة وعشرون حديثاً)).

((اشتمل كتابُ البخاريِّ على سبعةِ الآفٍ وستمئةٍ ونيّفٍ (¬1)، واشتمل كتابُ مسلمٍ على ثمانيةِ الآفِ حديثٍ)) (¬2)، وقالَ الشيخُ في "النكتِ" (¬3): ((ولم يذكرْ ابنُ الصلاحِ عدةَ أحاديثِ مسلمٍ، وقدْ ذكرها النوويُّ منْ زياداتهِ في "التقريبِ والتيسيرِ"، فقالَ: ((إنَّ عدةَ أحاديثهِ نحوُ أربعةِ الآفٍ بإسقاطِ المكررِ)) (¬4)، ولم يذكرْ عدتهُ بالمكررِ، وهو يزيدُ على عدةِ كتابِ البخاريِّ؛ لكثرةِ طرقهِ، وقدْ رأيتُ عنْ أبي الفضلِ أحمدَ ابنِ سلمةَ أنَّهُ اثنا عشرَ ألفَ حديثٍ (¬5))) (¬6). قولهُ: 29 - وَخُذْ زِيَادَةَ الصَّحِيْحِ إذْ تُنَصُّ ... صِحَّتُهُ أوْ مِنْ مُصَنِّفٍ يُخَصُّ 30 - بِجَمْعِهِ نَحوَ (ابْنِ حِبَّانَ) الزَّكِي ... (وَابنِ خُزَيْمَةَ) وَكَالمُسْتَدْرَكِ إنْ كانتِ الألفُ واللامُ للعهدِ، والمرادُ / 29أ / الصحيحُ الذي تقدّمَ حدُّهُ لم ¬

_ (¬1) بعد هذا كلام ليس بالقليل في ما لا يسع المحدِّث جهله، حذفه البقاعي. (¬2) ما لا يسع المحدِّث جهله: 10 (طبعة السامرائي). (¬3) التقييد والإيضاح: 27. (¬4) التقريب: 34 (طبعة الخن). (¬5) من قوله: ((هكذا حفظته من تقديره .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) قال ابن حجر في النكت 1/ 296 - 297، وبتحقيقي: 111 - 112: ((وعندي في هذا نظر وإنما لم يتعرض المؤلف (يعني: ابن الصلاح) لذلك؛ لأنه لم يقصد ذكر عدّة ما في البخاري حتى يستدرك عليه عدّة ما في كتاب مسلم، بل السبب في ذكر المؤلف لعدة ما في البخاري أنه جعله من جملة البحث في أن الصحيح الذي ليس في الصحيحين غير قليل خلاف لقول ابن الأخرم؛ لأن المؤلف رتب بحثه على مقدمتين إحداهما: أن البخاري قال: ((أحفظ مئة ألف حديث صحيح))، والأخرى: أن جملة ما في كتابه بالمكرر سبعة آلاف ومئتان وخمسةٌ وسبعون حديثاً. فينتج أن الذي لم يخرجه البخاري من الصحيح أكثر مما أخرجه .... )).

يصح؛ لأنَّ منْ ذُكِرَ كابنِ خزيمةَ يُسمِّي الحسنَ صحيحاً، وإنْ كانت جنسيةً، والمرادُ ما هو أعمُّ، فلم ينصب على ذَلِكَ قرينةً ترشدُ إليهِ، بل كلامهُ فيما قَبلَهُ وَفيمَا بعدهُ يأباهُ، واللهُ أعلمُ. هذا وصنيعُ المصنفِ في نظمهما (¬1) غيرُ جيدٍ، فإنَّهُ ذكرَ في الشرحِ أنَّهُ تَعمّدَ حذفَ تقييدِ التنصيصِ على الصحةِ بالتصانيفِ المعتمدةِ، فلم يمشِ على اختيارِ ابن الصلاحِ في أنَّه لا يمكنُ التصحيحُ في هذا الزمانِ، ولا على اختيارِ غيرهِ في أَنَّ ذَلِكَ ممكنٌ، والمصنفُ ممنْ يرى الثانيَ، ولا يرى صحةَ جميعِ ما في ابنِ حبانَ، وابن خزيمةَ (¬2)؛ لأنهما يُسميانِ الحسنَ صحيحاً، والمصنفُ يفرقُ، فصارَ ما تضمنهُ البيتانِ اختياراً مُلفّقاً مِنْ مذهبينِ، وكانَ ينبغي نظمُ كلامِ ابنِ الصلاحِ بأنْ يقالَ: يؤخذُ منْ مصنفٍ يعتمدُ ... نصَّ عليهِ (¬3) أو كتاب يفردُ فيهِ الصحيحُ (كابنِ حبانَ) الزكي ... (وابن خزيمةَ) وكالمستدركِ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي البيتين)). (¬2) كتاب ابن خزيمة هو مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقد حوى هذا الكتاب بين دفتيه (3079) حديثاً وهي كلها صحيحة عند ابن خزيمة إلا ما ضعفهُ منها أو توقف فيه أو صدر المتن على السند ومجموع تلك الأحاديث (143) حديثاً، لكن من خلال دراستي المستفيضة للكتاب وجدتُ الأحاديث الصحيحة بلغت (2650) حديثاً، أما الأحاديث الضعيفة فقد بلغت (429) حديثاً، وارجع في تفصيلِ هذه الدراسات في مقدمتي لكتاب مختصر المختصر، أما الكلام عن عدم تفريق ابن خزيمة بين الصحيح والحسن فهذا لا ينبغي ذكره كما سبق؛ لأن التصحيح والتحسين من الأمور الاجتهادية، على أن الأحاديث الحسان في كتاب ابن خزيمة بلغت (152) حديثاً. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي ذاك المصنف)).

ويكونَ الضميرُ في: يؤخذُ، عائداً إلى الصحيحِ الموصوفِ في الترجمةِ، وهي قولهُ: (الصحيحُ الزائدُ على الصحيحينِ) (¬1) وقيَّدَ بالمصنَّفاتِ؛ ليُخرِجَ الأجزاءَ المنثورةَ، وبالمعتمدةِ؛ ليُخرِجَ المصنفاتِ التي لم تشتهرْ، فلم يقطعْ بنسبتِها إلى مصنِّفيها، وسيأتي ما في ذَلِكَ قريباً، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ واضحةٌ في جميعِ ذَلِكَ؛ فإنَّهُ قالَ: ((ثم إنَّ الزيادةَ في الصحيحِ على ما في الكتابينِ (¬2) يتلقاهَا طالبها مما اشتملَ عليهِ أحدُ المصنفاتِ المعتمدةِ المشتهرةِ لأئمةِ الحديثِ، كأبي داودَ ... )) (¬3) إلى آخرِ كلامهِ، فقيدَ بالأمرينِ. قولهُ: (ينصُ) (¬4)، أي: يرفعُ، يقالُ: نصَّ فلانٌ /29ب/ الأمرَ، ونصَّ عليهِ. قال في "الصحاحِ " (¬5): ((نصصتُ الحديثَ إلى فلانٍ، أي: رفعتهُ إليهِ)). وقالَ في "القاموسِ": ((والنصُّ التوقيفُ، والتعيينُ، ومنتهى كلِ شيء، والإسنادُ إلى الرئيسِ الأكبرِ، ورفعُ الحديثِ)) (¬6). وقالَ ابنُ القطاعِ في " الأفعالِ ": ((نصَّ الحديثَ نَصاً: رفعهُ إلى المحدِّث عنهُ، والعروسَ رفعَها على المنصةِ، وهو كرسيُّها، والشيءَ حرّكهُ، والدابةَ حثثتها)) (¬7). وقالَ الهرويُّ في "الغريبينِ": ((النصُّ: التحريكُ حتى يستخرجَ مِنَ الناقةِ أَقصى ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 118. (¬2) يراجع ما كتبهُ الزركشي في نكته 1/ 194، والعراقي في التقييد: 27، وابن حجر في نكته 1/ 289. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 87. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 118. (¬5) لم أجدهُ في موضعه. (¬6) انظر: القاموس مادة (نص)، وفي النقل تصرف. (¬7) لم أجده في موضعه من الأفعال.

سيرها، والنصُّ أصلهُ منتهى الأشياءِ، وغايتها ومبلغُ أقصاها، ويقالُ: نصصتُ الرجلَ: إذا استقصيتُ مسألتهُ عن الشيء حتى تستخرج كلَّ ما عندهُ))، وقال ابنُ فارسٍ، والزبيديُّ، والقزازُ: ((ونصُّ كلِ شيءٍ منها منتهاه)). وقالَ القزّازُ: ((نصصتُ الحديثَ: إذا أظهرتهُ، وقيلَ: أصلُ النصِّ: رفعكَ الشيءَ، والماشطةُ تنصُّ العروسَ التي ترفعُها على المنصةِ، وهي تنتص عليها)). انتهى. ولم يذكرْ أحدٌ مِنْ أهلِ اللغةِ كما ترى ما يقتضي تعدية النصِّ بـ ((على)) كما هو أكثرُ استعمالِ الفقهاءِ، ووجهُ تخريجهِ: أَنَّ المتكلمَ يحذفُ المفعولَ ويجعلهُ نسياً، فكأَنَّهُ قيلَ: أوقعَ النص على كذا، والأصلُ في المعنى رفع الحديثِ، أو البيان على كذا، أو استقصى الكلامَ عليهِ، أو وقفَ الطالبين عليهِ. قولهُ: (والترمذي والنسائي) (¬1) قال ابنُ الصلاحِ بعده: ((منصوصاً على صحتهِ فيها، ولا يكفي في ذَلِكَ مجردُ كونهِ موجوداً في كتابِ أبي داودَ، وكتابِ /30أ / الترمذي، وكتابِ النسائي، وسائرِ منْ جمعَ في كتابهِ بينَ الصحيحِ، وغيره. ويكفي مجردُ كونهِ موجوداً في كتبِ مَن اشترطَ منهمُ الصحيحَ، فيما جمعهُ، كَكِتابِ ابنِ خزيمةَ (¬2)، وكذلكَ ما يوجدُ في الكتبِ المخرجةِ على كتابِ البخاريِّ .. )) (¬3) إلى آخره. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 118. (¬2) لكن يستثنى من ذلك ما ضعّفه ابن خزيمة أو توقف فيه بقوله: ((إن صح الخبر)) أو: ((إن ثبت الخبر)) أو ما صدر فيه المتن على السند. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 87، وقال الزركشي في نكته 1/ 195: ((وإنما قيده ابن الصلاح بالمصنفات بناء على اعتقاده السابق أنه ليس لأحد التصحيح في هذه الأعصار، وقد وافقه النووي هنا ذهولاً عن اختياره السابق)).

قولهُ: (على الصوابِ) (¬1) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((ولا يشترطُ في معرفةِ الصحيحِ الزائدِ على ما في الصحيحينِ أَنَّ ينصَّ الأئمةُ المذكورونَ، وغيرهم على صحتها في كتبهم المعتمدةِ المشتهرةِ، كما قيدهُ المصنفُ، بل لو نصَّ أحدٌ منهمْ على صحتهِ بالإسنادِ الصحيح إليهِ (¬2)، كما في " سؤالاتِ يحيى بنِ معينٍ "، و" سؤالاتِ الإمامِ أحمدَ "، وغيرهما. كفى ذَلِكَ في صحتهِ، وهذا واضحٌ)) (¬3). انتهى. وقد مضى ما فيهِ (¬4). قولهُ: (في غيرِ تصنيفٍ مشهورٍ) (¬5)، قالَ في " النكتِ ": ((كما لا يكتفى في التصحيحِ بوجودِ أصلِ الحديثِ بإسنادٍ صحيحٍ (¬6))) (¬7). قولهُ: (على تساهلٍ) (¬8) متعلقٌ بـ ((خُذْ)) المقدرةِ، مِنْ جهةِ أنّهْ حالٌ مما تعدتْ إليهِ بحرفِ الجرِّ (¬9)، أي: وخُذْ زيادةَ الصحيحِ مِنَ "المستدركِ"، حالَ كونهِ (¬10) على تساهلٍ، أي (¬11): " المستدركُ "، وإنما كرّرَ أداةَ التشبيهِ في قولهِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 119. (¬2) لم ترد في التقييد. (¬3) التقييد والإيضاح: 28. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((مِنْ كونه (بلفظ) مِنْ كلامه وكلام ابن الصلاح)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 119. (¬6) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح واضحة في جميع ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) التقييد والإيضاح: 28. (¬8) التبصرة والتذكرة (31). (¬9) عبارة: ((من جهة أنه حال مما تعدت إليه بحرف الجر)) لم ترد في (ك). (¬10) عبارة: ((حال كونه)) لم ترد في (ك). (¬11) في (ك): ((في)).

(وكالمستدركِ) ليختصَّ بهِ تعلّقُ الجارِّ في قولهِ: (على تساهلٍ) (¬1) وهذهِ العبارةُ أحسنُ مِنْ قولهِ في الشرحِ: وإنما قيّدَ (¬2) تعلّقَ الجارِّ .... إلى آخرهِ (¬3)؛ لأنَّ تعبيرَهُ عن ذَلِكَ مقلوبٌ، فتأملهُ. قولهُ: (وقالَ ما انفرد) (¬4)، أي: وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((الحديثُ الذي انفردَ الحاكمُ بتصحيحهِ حسنٌ، إلا إن ظهرتْ فيهِ علةٌ)) (¬5)، ثمّ اعترضَ عليهِ بقولهِ: (والحقُ) (¬6) .. إلى آخرهِ، وهو قولُ البدرِ بنِ جماعةٍ في مختصرِ ابنِ الصلاحِ، كما نَقلهُ عنهُ في /30ب / "النكتِ (¬7) " (¬8)، وهو مناقشٌ في ذَلِكَ مِنْ وجوهٍ: الأولُ: أَنَّ ابنَ الصلاحِ لم يحصرْهُ في كونهُ حسناً، وإنما قالَ: إنهُ دائرٌ بينَ الصحةِ والحسنِ فيحتجُّ بهِ؛ لأَنَّ أسوأَ الأحوالِ أنْ يكونَ حسناً كما هو واضحٌ مِنْ قولهِ: ((إنْ لم يكنْ مِنْ قبيلِ الصحيحِ، فهوَ مِنْ قبيلِ (¬9) الحسنِ، يحتجُّ بهِ)) (¬10). الثاني: أَنَّ ابنَ الصلاح قد حكمَ بما يليقُ على مقتضى مذهبهِ، فحكمَ بضعفِ ما فيهِ علةٌ، وبالاحتجاجِ بما انفردَ بتصحيحهِ، ولم تظهرْ فيهِ علةٌ، وامتنعَ مِنْ إطلاقِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (31). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((حاصله انه كرر أداة التشبيه للتقييد، لا عكسه)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120. (¬4) التبصرة والتذكرة (31)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 90. (¬6) التبصرة والتذكرة (32). (¬7) من قوله: ((قول البدر ابن جماعة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) التقييد والإيضاح: 30. (¬9) لم ترد في (ك). (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 90.

الصحةِ عليهِ؛ لأنَّ الحاكمَ متساهلٌ، فلم يعتمدهُ، وهوَ قد سدَّ بابَ التصحيحِ على نفسهِ، وغيرهِ في زمانهِ (¬1)، ولم يزحزحهُ عن رتبةِ الاحتجاجِ بهِ؛ لأنهُ لم يسد بابَ التحسينِ كما سيأتي أنَّ كلامهُ يُفهِمُ ذَلِكَ (¬2) فهوَ دائرٌ بينَ المرتبتينِ لم ينزلْ عنهما. الثالثُ: سَلَّمنا أنه جزمَ بأنهُ حسنٌ، ولايحسنُ الاعتراضُ عليهِ؛ لأنَّ قولَهُ ذَلِكَ مبنيٌ على سدّهِ بابَ التصحيحِ في هذا الزمانِ، ومنَ المعلومِ أَنَّ مَنْ قرر أصلاً، ثمَّ فرّعَ عليهِ لا يناقشُ في التفريعِ إلا إنْ خالفَ فيهِ أصلَه، وإنما يناقشُ في الأصلِ إنْ كانَ فيهِ مناقشةٌ، فإذا بطلَ بطلَت تفاريعهُ كلها، فلو قالَ: ... ... ... ... ... بهِ حجة لا أنْ بعلةٍ يرد وحذف البيتَ الآخر كانَ أحسنَ، ولا يضرُّ تسكينُ هائهِ؛ لأنَّ العربَ تفعلُ مثلَ ذَلِكَ على نيةِ الوقفِ. قولهُ: (والبستيُّ يداني الحاكما) (¬3) هذا ردٌّ على منِ اعترضَ على ابنِ الصلاحِ لفهمهِ كلامهُ على غيرِ مرادِه، فإنَّ عبارةَ / 31 أ / ابنِ الصلاحِ: ((واعتنى الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ الحافظِ بالزيادةِ في عددِ الحديثِ الصحيحِ على ما في الصحيحينِ، وجمعَ ذَلِكَ في كتابٍ سماهُ " المستدركَ"، أودعهُ ما ليسَ في واحدٍ منَ الصحيحينِ، مما رآهُ على شرطِ الشيخينِ، قد أخرجاهُ عن روايةٍ في كتابيهما، أو ¬

_ (¬1) الصحيح أن ابن الصلاح لم يرد سد باب التصحيح والتضعيف وإنما أراد التعسير في الأمر، وأنه لا يتمكن له كل أحد، وفي كلام ابن الصلاح تنبيه على أن الإقدام بالحكم على تصحيح الأحاديث قضية تنبني عليها تبعة خطيرة أمام الله تعالى وفيها تحذير ضمني لكل من يُريد ولوج ميدان الحكم على الأحاديث النبوية؛ لأن الحكم على الحديث إثبات شرعٍ أو نفي شرعٍ؛ لأن السنة مصدر مهمٍ من مصادر الأحكام يستنبط من صحيحها الحلال والحرام. (¬2) ((ذلك)) لم ترد في (ك). (¬3) التبصرة والتذكرة (32).

على شرطِ البخاريِّ وحده، أو على شرطِ مسلمٍ وحدَهُ، وما أدى اجتهادهُ إلى تصحيحهِ، وإنْ لم يكن على شرطٍ واحدٍ منهما (¬1)، وهو واسعُ الخطو في شرطِ الصحيحِ، متساهلٌ في القضاءِ بهِ، (¬2) فالأولى أنْ نتوسطَ في أمرهِ فنقول: ما حكمَ بصحتهِ، ولم نجد ذَلِكَ فيهِ لغيرهِ منَ الأئمةِ، إنْ لم يكنْ مِنْ قبيلِ الصحيحِ، فهوَ مِنْ قبيلِ الحسنِ، يحتجُّ بهِ، ويعملُ بهِ إلا أنْ يظهرَ بهِ (¬3) علةٌ توجبُ ضعفهُ (¬4)، ويقاربهُ في حكمه (¬5) " صحيحُ أبي حاتمِ بنِ حبانَ البستيِّ ")) (¬6). ففهمَ هذا المعترضُ مِنْ هذهِ العبارةِ ترجيحَ كتابِ الحاكمِ على كتاب ابن حبانَ فقالَ: ((أما صحيحُ ابنِ حبانَ فَمنْ عرفَ شرطه، واعتبرَ كلامهُ، عرفَ سموهُ على كتابِ الحاكمِ)) (¬7) فردَّ عليهِ الشيخُ، بأنَّ المرادَ: ((أَنَّ ابن حبانَ يقاربُ الحاكمَ في التساهلِ، فالحاكمُ أشدُّ تساهلاً منهُ)) (¬8). قالَ في " النكتِ ": ((وهو كذلكَ)) (¬9) أي أَنَّ عندَ البستيِّ تساهلاً، ولكنه ¬

_ (¬1) ينظر تعليقنا المطول على معرفة أنواع علم الحديث: 88 - 90. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 175، ونكت ابن حجر 1/ 314 - 319. (¬3) في معرفة أنواع علم الحديث: ((تظهر فيه)). (¬4) قال ابن جماعة: ((الحق أَنَّ يتتبع، ويحكم عليه بما يليق بحاله مِن الحسن، أو الصحة، أو الضعف)). قالَ العراقي في التقييد والإيضاح: 30: ((وهذا هو الصواب)). وانظر: نكت الزركشي 1/ 226، والبحر الذي زخر 2/ 845 - 846. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: في التساهل)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 90. انظر: التقييد والإيضاح: 30 - 31. (¬7) عني بذلك والله أعلم: الزركشي؛ إذ قال الزركشي في نكته 1/ 226: ((أي يقاربه فيما ذكر، وليس كما قال، بل صحيح ابن حبان أصح منه بكثير)). وقال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 94: ((وابن حبان ليس يقاربه، بل هو أصح منه بكثير))، وذكر ابن كثير ذلك أيضاً في اختصار علوم الحديث 1/ 109، وبتحقيقي: 82. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121. (¬9) التقييد والإيضاح: 31.

أقلُّ مِنْ تساهلِ الحاكمِ، وهذا غيرُ مُسلّم، بل (¬1) ليسَ عندَ البستيّ تساهلٌ، وإنما غايتهُ: أنَّهُ يسمي الحسنَ صحيحاً، فإنْ كانت نسبتهُ إلى التساهلِ باعتبارِ وجدانِ الحسنِ في كتابهِ، فهي مشاحةٌ في الاصطلاحِ، وإن كانت باعتبارِ خفّةِ شروطهِ، فإنَّهُ يخرجُ في الصحيحِ ما كانَ راويهِ (¬2) ثقةً، غيرَ مدلسٍ /31ب/، سمع مَنْ فوقه، وسمعَ منهُ الآخذُ عنهُ، ولا يكونُ هناكَ إرسالٌ ولا انقطاعٌ، وإذا لم يكن في الراوي جرحٌ ولا تعديلٌ، وكانَ كلٌ مِنْ شيخهِ، والراوي عنهُ ثقةً، ولم يأتِ بحديثٍ منكرٍ، فهوَ عندهُ ثقةٌ (¬3)، وفي كتابهِ " الثقاتِ " (¬4) كثيرٌ ممنْ هذه حالهُ، ولأجلِ هذا ربما اعترضَ عليهِ في جعلهم ثقاتٍ من لم يعرفْ اصطلاحه (¬5)، ولا اعتراضَ عليهِ (¬6)؛ فإنَّه لا يشاحح عليهِ في ذلكَ، وهذا دونَ شرطِ الحاكمِ: أَنْ يخرجَ عن رواةٍ خرَّجَ لمثلهم الشيخانِ في "الصحيحِ". فالجوابُ: أَنَّ ابنَ حبانَ وَفَى بالتزامِ شروطهِ، ولم يُوَفِّ الحاكمُ، قالَ البلقينيُّ: ((فإنَّ فيهِ الضعيفَ، والموضوعَ أيضاً، وقد بيّنَ ذلكَ الحافظُ الذهبيُّ (¬7)، وجمعَ منهُ (¬8) جزءاً منَ الموضوعاتِ يقاربُ مئةَ حديثٍ)) (¬9). قال شيخنا: ((إنما وقعَ للحاكمِ التساهلُ، إما لأنهُ سوَّدَ الكتابَ لينُقحهُ، ¬

_ (¬1) من قوله: ((من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) في (ف): ((رواية)). (¬3) انظر في شرط ابن حبان: الإحسان 1/ 151. (¬4) انظر على سبيل المثال في كتاب الثقات 4/ 318 و6/ 146 و168 و178. (¬5) انظر: فتح المغيث 1/ 50 - 51. (¬6) من قوله: ((في جعلهم ثقات)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 175 - 176. (¬8) لم ترد في (ك). (¬9) محاسن الاصطلاح: 94.

فأعجلتهُ المنيةُ، أو لغيرِ ذَلِكَ، قالَ: ومما يؤيدُ الأولَ أني وجدتُ في قريبِ نصفِ الجزءِ الثاني من تجزئةِ ستة مِنَ المستدركِ: إلى هنا انتهى إملاءُ الحاكمِ، قالَ: وما عدا ذَلِكَ مِنَ الكتابِ لا يوجدُ عنهُ إلا بطريقِ الإجازةِ، فَمِن أكبرِ أصحابهِ، وأكثرِ الناسِ له ملازمةً البيهقيُّ، وهو (¬1) إذا ساقَ عنهُ مِنْ غيرِ المُملَى شيئاً لا يذكرهُ إلا بالإجازةِ. قالَ: والتساهلُ في القدرِ المُملَى قليلٌ جداً بالنسبةِ إلى ما بعده)). قالَ البلقينيُّ: ((وإيرادُ كونِ الرجلِ لم يخرجْ لهُ منِ استدركَ عليهِ لا يلتفتُ إليهِ؛ لأنَّهُ لم يلتزمِ العينَ، بل الشبهَ)) (¬2). قلتُ: وشيخنا -والحقُّ / 32أ / معهُ - لايوافقُ على هذا، بل يقولُ: إنّ مرادَهُ بالمثلِ في قولهِ: ((خرَّجَ لمثلها الشيخانِ)) أعمُّ مِنَ العينِ والشبهِ. وصنيعهُ يوضحُ ذَلِكَ؛ فإنَّهُ إذا رَوَى حديثاً بإسنادٍ خرَّجَ لرواتهِ البخاريُّ، قال: صحيحٌ على شرطِ البخاريِّ، ولو كانَ مرادُهُ بالمثلِ معناهُ الحقيقيَّ، لَزمَهُ في كلِّ إسنادٍ جَمَعَ شرطَ البخاريِّ أَن يقولَ: إنَّهُ على شرطهما؛ لأَنَّ شرطَهُ أصعبُ مِنْ شرطِ مُسلمٍ، وسيأتي لهذا مزيدُ بسطٍ عندَ شرحِ قولهِ: (وأرفع الصحيح مرويهما) (¬3) في قولهِ: (وليسَ ذلكَ منهم بجيدٍ) (¬4). قولهُ في الشرحِ: (ما انفردَ بتصحيحه، لا بتخريجهِ فقط) (¬5)، أي: هذا (¬6) الحكمُ. وهو كونهُ يحتجُّ بهِ لترددهِ بينَ الصحةِ والحسنِ، إنما هو فيما حكم بصحتهِ، وانفردَ بذلكَ، فلم يوجد تصحيحهُ في كلامِ غيرهِ بالشرطِ المذكورِ، ¬

_ (¬1) في (ف): ((وهذا)). (¬2) محاسن الاصطلاح: 94. (¬3) التبصرة والتذكرة (37). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 126. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 120. (¬6) في (ف): ((لهذا)).

لا فيما انفردَ بتخريجهِ فقط (¬1)، أي: مِنْ غيرِ حكمٍ عليهِ بالصحةِ، فإنَّهُ لا يحتجُّ بهِ، واللهُ أعلمُ. فائدةٌ: قالَ البلقينيُّ: ((ويوجدُ في "مسندِ الإمامِ أحمدَ" منَ الأسانيدِ، والمتونِ شيءٌ كثيرٌ ليسَ في الصحيحينِ، ولا في السننِ أيضاً، وهي أربعةٌ: " سننُ أبي داودَ "، والترمذيِّ، والنسائيِّ، وابن ماجه، وكذلكَ يوجدُ في "مسندِ البزّارِ"، وابنِ منيعٍ، والمعاجمِ للطبرانيِّ، وغيرهِ، و" مسندِ أبي يعلى "، والأجزاءِ (¬2) ما (¬3) يتمكنُ العارفُ بهذا الشأنِ منَ (¬4) الحكمِ بصحةِ كثيرٍ منهُ بعدَ النظرِ الشديدِ، وقد كانَ الحاكمُ والخطيبُ يقولانِ في كتابِ السننِ للنسائيِّ: إنَّهُ صحيحٌ، وإنَّ له شرطاً في الرجالِ أشدَّ مِنْ شرطِ مسلمٍ (¬5)، وكلُّ ذَلِكَ فيهِ تساهلٌ، والأولُ غيرُ مُسلّمٍ لما (¬6) فيهِ مِن الرجالِ المجروحينَ، والأحاديثِ الضعيفةِ، وكانَ / 32ب / الحافظُ أبو موسى المدينيُّ يقولُ عن "مسندِ الإمامِ أحمدَ": إنَّهُ صحيحٌ، وذلكَ مردودٌ؛ ففيهِ أحاديثُ كثيرةٌ ضعيفةٌ، وسيأتي شيءٌ مِنْ ذَلِكَ بزيادةٍ أخرى في ترتيبِ الاختصارِ. انتهى)) (¬7). قولهُ: (قالَ الحازمي) (¬8)، أي: الإمام أبو بكرٍ محمدُ بنُ مُوسى في كتابِ " شروطِ الأئمةِ " (¬9) (¬10): ((إن قيلَ: لا ينهضُ هذا دليلاً على المرادِ؛ لأنَّهُ ربما كانَ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: حيث ينص على صحته إمام معتمد في مصنفاتهم المعتمدة)). (¬2) سقطت مِنْ مطبوع المحاسن. (¬3) في المحاسن: ((مما)). (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) انظر: شروط الأئمة الستة: 26. (¬6) ((لما)) لم ترد في (أ). (¬7) محاسن الاصطلاح: 94 - 95. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121. (¬9) من قوله: ((أي الإمام أبو بكر محمد ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬10) شروط الأئمة الخمسة: 44.

المستخرجات

الحاكمُ معَ ذَلِكَ قد اجتهدَ في المستدركِ بنفسهِ وغيرهِ، واستروحَ ابنُ حبانَ في صحيحهِ إلى أنْ جاءَ المستدركُ أقلَّ تساهلاً، قيلَ: الأصلُ عدمُ هذا، واستعمالُ كلٍ منهما مبلغَ علمهِ في كتابهِ، والواقعُ أَنَّ الكتابينِ كذلكَ)). قولهُ: الْمُسْتَخْرَجَاتُ 33 - وَاسْتَخْرَجُوا عَلى الصَّحِيْحِ (كَأَبي ... عَوَانَةٍ) (¬1) وَنَحْوِهِ، وَاجْتَنِبِ 34 - عَزْوَكَ ألفَاظَ المُتُونِ لَهُمَا ... إذْ خَالَفتْ لَفْظاً وَمَعْنىً رُبَّمَا 35 - وَمَا تَزِيْدُ فاحْكُمَنْ بِصِحَّتِه ... فَهْوَ مَعَ العُلُوِّ مِنْ فَائِدَتِهْ 36 - وَالأَصْلَ يَعْني البَيْهَقي وَمَنْ عَزَا ... وَلَيْتَ إذْ زَادَ الحُمَيدِي مَيَّزَا لو مَثَّلَ الشيخُ بأبي نعيمٍ أحمدَ بنِ عبدِ اللهِ الأصبهانيِّ كانَ أولى؛ لانفرادهِ عن من (¬2) ذكرهُ بالاستخراجِ على كلٍ مِن الصحيحينِ؛ فكأن يقولُ: ((نعيماً)) موضعَ ((عوانةَ)). والإسماعيليُ أبو بكرِ بنِ أحمدَ بنِ إبراهيمَ (¬3)، والبَرْقانيُّ (¬4) أبو بكرٍ أحمدُ بنُ محمدٍ (¬5)، وأبو عوانةَ يعقوبُ بنُ إسحاقَ الإسفرايينيُّ. ¬

_ (¬1) صُرِف لضرورة الوزن. (¬2) ((من)) لم ترد في (ف). (¬3) هو الإمام الحافظ الثبت أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الإسماعيلي الجرجاني المتوفى سنة (371) هـ. انظر: تاريخ جرجان: 108، وتذكرة الحفاظ 3/ 947. (¬4) نسبة إلى بَرْقان بفتح أوله وبعضهم يقول بكسره. انظر: معجم البلدان 1/ 306. (¬5) هو الإمام أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب أبو بكر الخوارزمي المعروف بالبرقاني توفي سنة (425) هـ. انظر: تاريخ بغداد 4/ 373، والأنساب 1/ 337.

قولهُ (¬1): (المستخرجُ موضوعهُ) إلى آخرهِ (¬2)، ظاهرهُ أنَّهُ لا يُسمَّى مُستخرجاً إلا إنْ كانَ على الصحيحِ، وأنَّه لم يُستخرَجْ إلا على الصحيحِ، وليسَ كذلكَ، فقدِ استخرجَ على "سننِ أبي داودَ" محمدُ بنُ عبدِ الملكِ بنِ أيمنَ، وعلى الترمذيِّ أبو عليٍّ الطوسيُّ، واستخرجَ أبو نعيمٍ على " التوحيدِ " لابن خزيمةَ (¬3). وعُذرُ المصنِّفِ في ذَلِكَ: أَنَّ كلامهُ سابقاً ولاحقاً في الصحيحِ، وحقُّ العبارةِ أَن يقالَ: موضوعهُ أنْ يأتي المصنِّفُ إلى كتابٍ مِنْ كُتبِ / 33أ / الحديثِ، فيخرجَ .... إلى آخرهِ. قولهُ: (موضوعهُ) (¬4) ليسَ المرادُ الموضوعَ المصطلحَ عليهِ، إنما المرادُ حقيقةُ المستخرجِ ومعناه، وأمّا موضوعه بحسبِ الاصطلاحِ: فأحاديثُ الكتابِ الذي استخرج عليهِ، فموضوعُ مُستخرَجِ أبي نُعيمٍ على البخاريِّ: كتابُ البخاريِّ أسانيدهُ ومتونهُ؛ لأنَّهُ يبحثُ في المستخرج عن كلٍ منهما. قولهُ: (أو منْ فوقهُ) (¬5) قالَ شيخُنا: ((إذا اجتمعَ المستخرجُ مع صاحبِ الأصلِ في مَنْ فوقَ شيخهِ لا يُسمَّى مستخرجاً، إلا إذا لم يجدْ طريقاً توصلُهُ إلى شيخهِ، وتفيدُ ما تفيدهُ الطريقُ التي أوصلتهُ إلى مَنْ فوقه. وحاصلهُ: أنَّهُ يشترطُ أنْ لا يصلَ إلى الأبعدِ معَ وجودِ السندِ إلى الأقربِ إلا لعذرٍ مِنْ علوٍ، أو زيادةِ حكمٍ مهمٍ، أو نحوِ ذلكَ، ولذلكَ يقولُ أبو عوانةَ في "مستخرجهِ على صحيحِ مسلمٍ" بعد أنْ يسوقَ طُرقَ مسلمٍ كلَّها: ((مِنْ هنا لمخرجهِ))، ثمَّ يسوق أسانيدَ يجتمعُ فيها مع مسلمٍ فيمنْ فوقَ ذلكَ، وربما قالَ: ((مِنْ هنا لم يخرجاه)). قالَ: ولا نظن أنَّهُ يعني ¬

_ (¬1) من قوله: ((لو مثل الشيخ بأبي نعيمٍ ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121. (¬3) انظر: البحر الذي زخر 3/ 903 - 904. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 121.

البخاريَّ ومسلماً، فإني استقرأتُ صنيعَهُ في ذَلِكَ، فوجدتهُ إنما يعني مسلماً وأبا الفضلِ أحمدَ بنَ سلمةَ (¬1)؛ فإنَّهُ كانَ قرينَ مسلمٍ، وصنّفَ مثلَ مسلمٍ، وربما أسقطَ المستخرجُ أحاديثَ لم يجدْ له بها سنداً يرتضيهِ، وربما ذكرها مِنْ طريقِ صاحبِ الكتابِ)) (¬2). قولهُ: (إذ) (¬3) تعليليةٌ؛ لأَنَّ الأصلَ في المستخرجِ أنْ يخالفَ في الألفاظِ، وربما وافقَ، فإذا خالفَ فتارةً يخالفُ في المعنى أيضاً، وتارةً يوافقُ / 33 ب /. قولهُ: (ربما متعلقٌ بمخالفةِ المعنى فقط) (¬4) قالَ شيخُنا: ((يمكنُ أنْ يتعلقَ بالشيئينِ؛ لأنهمُ اختلفوا في ((رُبَّ)) هل هي للتقليلِ أو للتكثيرِ؟ والأصحُ أنها لا تختصُ بأحدهما، كما قالَ في "جمعِ الجوامعِ" (¬5) بل تكونُ لهذا تارةً، ولهذا أخرى (¬6)، فإذا جعلناها هنا (¬7) للتكثيرِ، رددناها إلى الألفاظِ، أو للتقليلِ رددناها إلى المعاني، فيكونُ تقديرُ الكلامِ حينئذٍ: إذ خالفت لفظاً، أو معنى (¬8) كثيراً وقليلاً. وتكونُ مِن استعمالِ المشتركِ في مَعنييهِ (¬9)، لفاً ونشراً مرتباً. ¬

_ (¬1) هو أحمد بن سلمة بن عبد الله، أبو الفضل البزاز المعدل النيسابوري أحد الحفاظ المتقنين قال الذهبي: ((له مستخرج كهيئة صحيح مسلم)) توفي سنة (286) هـ. انظر: تاريخ بغداد 4/ 186، وتذكرة الحفاظ 2/ 637. (¬2) انظر: البحر الذي زخر 3/ 898. (¬3) التبصرة والتذكرة (34). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122. (¬5) انظر: تشنيف المسامع بجمع الجوامع 1/ 266. (¬6) قال ابن هشام في مغني اللبيب 1/ 118: ((ترد للتكثير كثيراً، وللتقليل قليلاً)). (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) في (ف): ((ومعنى)). (¬9) عبارة: ((من استعمال المشترك في معنييه)) لم ترد في (ك).

قلتُ: والأحسنُ أنْ تقرأَ ((رُبَما)) (¬1) مخففةً؛ لئلا تفحشَ المخالفةُ حينئذٍ (¬2) في القافيةِ، لا يقالُ: إنَّ إعرابَ هذا البيتِ مشكلٌ، لأنَّ (رُبَّ) لها صدرُ الكلامِ (¬3)، فكيفَ يتقدّمُ متعلقُها عليها؟ لأنّا نقولُ: نقلَ الرضيُّ عن ابنِ السراجِ أَنَّ النحاةَ كالمجمعينَ على أَنَّ (رُبَّ) جواب لكلامٍ (¬4)، إمّا ظاهرٌ أو مقدرٌ فهيَ في الأصلِ: موضوعةٌ لجوابِ فعلٍ ماضٍ منفيٍ (¬5)، وقالَ: إن الفعلَ قد يحذفُ بعدها عندَ القرينةِ، فحينئذٍ يكونُ المعنى على التعجبِ هنا، كأنهُ لما نهى عن عزوِ ألفاظِ متونِ المستخرجاتِ إلى الكتابِ المستخرجِ عليهِ؛ لأنَّ المستخرجاتِ خالفتهُ لفظاً ومعنىً، استبعدَ السامعُ هذا؛ لأنَّ المستخرجَ عليهِ نفسُ المستخرجِ، فكيفَ يكونُ استخراجُ الشيءِ موجباً لتغيرهِ، فقالَ: ما خالفتُ في شيء مِنْ ذلكَ فقالَ: ربما خالفتَ هذا على ما قررهُ شيخُنا، وعلى ما قررهُ المصنِّفُ يكونُ ذلكَ خاصاً بالمعنى؛ لأنَّ الاستبعادَ فيهِ أشدُّ. قولهُ: (بمقابلتهِ / 34أ / عليهِ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فليسَ لكَ أنْ تنقلَ حديثاً منها، وتقولَ هوَ على هذا الوجهِ في كتابِ البخاريِّ، أو كتابِ مسلمٍ، إلا أنْ تُقابلَ لفظَهُ، أو يكونَ الذي خرَّجهُ قد قالَ: أخرجهُ البخاريُّ بهذا اللفظِ (¬7) بخلافِ الكُتبِ المختصرةِ من "الصحيحينِ"، فإنَّ مصنِّفيها نقلوا فيها ألفاظَ "الصحيحينِ"، ¬

_ (¬1) كتب ناسخ نسخة (أ) فوقها: ((خف)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) انظر: مغني اللبيب 1/ 119. (¬4) في (ف): ((الكلام)). (¬5) انظر: تاج العروس 2/ 478. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122. (¬7) انظر: نكت الحافظ ابن حجر 1/ 310.

أو أحدهما (¬1) غيرَ أَنَّ "الجمعَ بينَ الصحيحينِ" للحميديِّ الأندلسيِّ منها يشتملُ على زيادةِ تتماتٍ لبعضِ الأحاديثِ، كما قدَّمنا ذكرَهُ (¬2)، فربما نقلَ .. )) (¬3) إلى آخرهِ. قولهُ: (فقط) (¬4)، أي: متعلق بهذا القسمِ وحدَهُ، وهو ما انضمَّ فيهِ إلى مخالفةِ اللفظِ مخالفةُ المعنى، ولم يرد أَنَّ مخالفةَ المعنى قد توجدُ بدونِ مخالفةِ اللفظِ، بدليلِ قولهِ قبلُ: (وربما وقعتِ المخالفةُ أيضاً في المعنى) (¬5) فقولهُ: ((أيضاً)) يفهمُ أَنَّ ذلك مضمومٌ إلى ما قدّمهُ مِنْ مخالفةِ اللفظِ، واللهُ الموفقُ (¬6). قولهُ: (لأنها خارجةٌ مِنْ مَخرجِ الصحيحِ) (¬7) قالَ شيخُنا: ((هذا مُسلّمٌ في الرجلِ الذي التقى فيهِ إسنادُ المستخرجِ، وإسنادُ مصنفِ الأصلِ، وفيمنْ بعدهُ، وأما مَنْ بينَ المستخرِجِ وبينَ ذلكَ الرجلِ، فيحتاجُ إلى نَقدٍ؛ لأنَّ المستخرجَ لم يلتزمِ الصحةَ في ذلكَ، وإنما جلُّ قصدهِ العلوُ، فإنْ حَصَلَ وَقعَ على غرضهِ، فإنْ (¬8) كانَ مع ذَلِكَ صحيحاً، أو فيهِ زيادةٌ أو نحو ذَلِكَ، فهوَ زيادةُ حسنٍ حصلتْ اتفاقاً، وإلا ¬

_ (¬1) انظر: نكت الحافظ ابن حجر 1/ 312، وبتحقيقي: 124. (¬2) انظر: نكت الزركشي 1/ 230 - 231. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 91 - 92. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122. (¬6) من قوله: ((لا يقال: إنّ إعراب هذا البيت .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 122. أقول: قد قلت في تعليقي هناك: ((فيه نظر، فالأمر ليس على هذا الإطلاق الذي أطلقه المصنف، ومن قبله ابن الصلاح، ومن اعتنى بكتابه، إذ ينبغي اجتماع شرائط الصحة بين المخرج وبين الراوي الذي اجتمع به مع صاحب الكتاب، وقد خرج بعض أصحاب المستخرجات لبعض الضعفاء)). (¬8) في (ف): ((وإن)).

فليسَ ذلكَ مِنْ همتهِ، واللهُ أعلمُ. قالَ: وربما لم يقعْ لهُ بعض الأحاديثِ إلاَّ بنزولٍ، فيرويهِ كذلكَ، وربما لم يقعْ لهُ إلا مِنْ طريقِ المصنِّفِ، فيسوقهُ مِنْ طريقهِ / 34ب / اضطراراً؛ لإتمامِ الكتابِ، وجلُّ قصدهِ الأولُ كما قرّرنا، قالَ: وقد وقعَ لابنِ الصلاحِ هنا فيما فرَّ منهُ مِنْ عدمِ التصحيحِ في هذا الزمانِ (¬1)؛ لأنَّهُ أطلقَ تصحيحَ هذهِ الزياداتِ، فشَملَ ذلكَ ما نصَّ عليهِ إمامٌ معتمدٌ، أو وجدَ في كتابِ مَنِ التزمَ الصحةَ، وما ليسَ كذلكَ، ثمَّ عللهُ بتعليلٍ هوَ أخصُّ مِنْ دعواهُ، وهو قوله: ((لأنها خارجةٌ مِنْ مخرجِ الصحيحِ)) (¬2)، فإنَّهُ قد تقدّمَ أنها لا تتعلقُ بمخرجِ الصحيحِ إلا مِنْ ملتقى الإسنادِ إلى منتهاهُ)) (¬3). قولهُ: (فلو رواه أبو نعيمٍ مثلاً مِنْ طريقِ مسلمٍ) (¬4) يوجدُ في كثيرٍ مِنَ النسخِ: البخاري، وكذا في الثلاثةِ الألفاظِ بعدهُ. قالَ شيخنا: ((كانت كذلكَ، ثمَّ التمسنا منَ المصنفِ تغييرَها، فغيَّرها لأجلِ صحةِ المثالِ الذي مثَّلَ بهِ، فإنَّ البخاريَّ لم يخرجْ لأبي داودَ الطيالسيِّ في "صحيحهِ" إلا تعليقاً (¬5) (¬6). قالَ: ولو مثَّلَ بمن أخرجا له لكانَ أولى، فعبدُ الرزاقِ لو رَوَى أبو نعيمٍ عنهُ حديثاً مِنْ طريقِ البخاريِّ أو مسلمٍ، لم يصل إليهِ إلا بأربعةٍ، وإذا ¬

_ (¬1) وقد سبق قولي بأن ابن الصلاح لم يرد غلق باب التصحيح إنما أراد تعسير الأمر وصعوبته، وأنه دين يجب أنْ يحتاط له. (¬2) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 92. (¬3) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 292 وما بعدها. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 123. (¬5) عبارة: ((إلا تعليقاً)) لم ترد في (ك). (¬6) انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري 1/ 169 عقب (664) و2/ 158 (1495) و6/ 3 (4416).

رواهُ عن الطبراني، عنِ الدبَريِّ (¬1) - بالموحدةِ المفتوحةِ عنه -، وصلَ باثنينِ كما ترى. قولهُ: (إلا هاتينِ) (¬2) أما في كتابِ "علومِ الحديثِ " فمسلَّمٌ، وإلا فقد ذكرَ الفائدةَ التي زادها الشيخُ في مقدمةِ "شرحهِ لمسلمٍ". قال: ويشكلُ (¬3) على ذَلِكَ بأنَّ اللامَ في قولهِ: ((خارجةٌ مِنْ مخرجِ الصحيحِ)) للعهدِ، أي: صحيحِ البخاريِّ أو مسلمٍ، ويمتنعُ معهُ زيادةُ العددِ على ما في الصحيحِ، فإنّا قد شرطنا في الاستخراج أنْ يصلَ المستخرجُ إلى شيخِ / 35 أ / المصنِّفِ، أو مَنْ فوقهُ، فلم يأتِ المستخرجُ إلا بسندِ ذلكَ المصنفِ، فامتنعَ التعددُ. قالَ: والانفصالُ عَنهُ بأنَّ شيخَ المصنِّفِ قد يضمُ (¬4) في طريقِ المستخرجِ شخصاً آخرَ فأكثرَ، معَ الذي حدَّثَ (¬5) مصنِّفُ الصحيحِ عنه فيأتي التعددُ، وربما ساقَ له طرقاً أخرى إلى الصحابي بعدَ فراغهِ مِنْ استخراجهِ، كما قدَّمنا عن أبي عوانةَ. قالَ: وقد أبلغتُ الفوائدَ إلى عشرٍ أو أكثرَ، فمنها: أنْ يكونَ مصنِّفُ الصحيحِ رَوَى عن مختلطٍ ولم يُبَيّنْ هل سماعُ ذلكَ الحديثِ منه في هذهِ الروايةِ قبلَ الاختلاط، أو بعده؟ فيبينهُ المستخرجُ، إما تصريحاً، أو بأنْ يرويهُ عنهُ مِنْ طريقِ منْ لم يسمعْ منهُ إلا قبلَ الاختلاطِ، ومنها: أَن يُروَى في "الصحيحِ" عن مدلسٍ بالعنعنةِ، فيرويهِ المستخرِجُ بالتصريحِ بالسماعِ فهاتانِ فائدتانِ جليلتانِ، وإنْ كنا لا نتوقفُ في صحةِ ما رُوِيَ في الصحيحِ مِنْ ذلكَ، ¬

_ (¬1) وهو الشيخ العالم أبو يعقوب، إسحاق بن إبراهيم بن عباد الصنعاني الدَّبَري راوية عبد الرزاق وسمع تصانيفه منه، توفي سنة (285) هـ. انظر: الأنساب 2/ 216، وسير أعلام النبلاء 13/ 416. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 123. (¬3) في (ف): ((ويشكك)). (¬4) من قوله: ((قال: والانفصال)) إلى هنا تكرر في (ف). (¬5) لم ترد في (ك).

غيرَ مبينٍ، ونقولُ: لو لم يطّلعْ مصنِّفهُ مِن البخاريِّ، أو مسلمٍ أنهُ روى عنهُ قبلَ الاختلاطِ، وأَنَّ المدلسَ سمعَ (¬1)، لم يخرجاهَ، فقد سألَ السبكيُّ المزيَّ: هل وُجِدَ لكلِ ما روياهُ بالعنعنةِ طرقٌ مصرحٌ فيها بالتحديثِ؟ فقالَ: كثير مِنْ ذلكَ لم يوجدْ، وما يسعنا إلا تحسينُ الظنِ. ومنها: أَنْ يروى عن مبهمٍ كأن يقولا: حدثنا فلانٌ، أو رجلٌ، أو فلانٌ وغيرهُ، أو غيرُ واحدٍ، أو نحو ذلكَ، فيعينهُ المستخرجُ. ومنها: أَن يرويَ عن مهملٍ نحوَ حدثنا محمدٌ / 35 ب / مِنْ غيرِ ذكرِ ما يميزهُ عن غيرهِ منَ المحمدينَ، ويكونُ في مشايخِ مَنْ رواهُ كذلكَ، مَن يشاركهُ في الاسمِ، فيميزهُ المستخرجُ (¬2). ثم نَقلَ شيخُنا عن الحافظِ شمسِ الدينِ بنِ ناصرِ الدينِ أنَّهُ نيّفَ (¬3) بالفوائدِ عن الخمسَ عشرَةَ (¬4)، فأفكرَ ملياً، ثم قالَ: عندي ما يزيدُ على ذلكَ بكثيرٍ، وهوَ أَنَّ كلَّ علةٍ أُعلَ بها حديثٌ في أحدِ الصحيحينِ، جاءت روايةُ المستخرجِ سالمةً منها، فهي مِنْ فوائدِ المستخرجِ، وذَلِكَ كثيرٌ جداً، واللهُ الموفقُ. قولهُ: (والأصلَ يعني البيهقي) (¬5) لا شكَّ أَنَّ الأحسنَ تركُ هذا، والاعتناء بالبيانِ فراراً مِنْ إيقاعِ منْ لا يعرفُ الاصطلاحَ في اللبسِ، بتوهمهِ أَنَّ هذا لفظُ البخاريِّ مثلاً، ولا شكَّ أَنَّ الملامةَ (¬6) في إطلاقِ ذَلِكَ على الفقيهِ أشدُّ منها على المحدِّثِ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) انظر: نكت ابن حجر 1/ 321 - 323، وبتحقيقي: 132 - 134. (¬3) في (أ): ((يقف)). (¬4) في جميع النسخ: ((الخمسة عشر))، وهذا خلاف القاعدة. (¬5) التبصرة والتذكرة (36). (¬6) في (ف): ((الملازمة)).

وقد نبّهَ ابنُ دقيقِ العيدِ على هذا بتفصيلٍ حسنٍ، وهو: أنَّكَ إذا كنتَ في مقامِ الروايةِ، فلكَ أنْ تقولَ: أخرجهُ البخاريُّ مثلاً، ولو كانَ مخالفاً، فإنَّهُ قد عرفَ أَنَّ جلَّ قصدِ المحدِّث السندُ، والعثورُ على أصلِ الحديثِ دونَ ما إذا كنتَ في مقامِ الاحتجاجِ، فمنْ روى في المعاجمِ، والمشيخات، ونحوها فلا حرجَ عليهِ في الإطلاق، بخلافِ مَنْ أوردَ ذلكَ في الكتبِ المبوبةِ، لا سيَّما إنْ كانَ الصالحُ للترجمةِ قطعةً زائدةً على ما في الصحيحِ. وهذا نظرٌ بديعٌ، فما أحسنَ فهمَ الأشياءِ بحسبِ الإيماءِ إلى المقاصدِ! رحمَ اللهُ ابنَ حبانَ! حيثُ نظرَ مثلَ هذا النظرِ وفصَّلَ كهذا التفصيلِ، / 36 أ / وإنْ لم يكنْ في هذا المهيعِ، فقالَ في الترجيح: ((إنَّ المخالفةَ بينَ الروايتينِ (¬1)، إنْ كانتْ في السندِ رجَّحنا قولَ المحدِّث على قولِ الفقيهِ؛ لأنَّهُ بالسندِ أقعدُ، وإنْ كانت في المتنِ فبالعكسِ؛ لأنَّ الفقيهَ أكثرُ عنايةً بالمتنِ؛ ولهذا ربما ذكرَ المحدِّثُ بعدَ السندِ طرفاً يسيراً منَ المتنِ (¬2)، ثمَّ قالَ: الحديثَ، والفقيهُ ربما حذفَ السندَ)) (¬3). قلتُ: فإذا كانَ الذي دلَّ على الحكمِ إنما هو قطعةٌ مِنَ الحديثِ، ليسَ في ألفاظِها تخالفٌ في واحدٍ مِنَ الكتابينِ، فإنْ ذكرت تلكَ القطعةَ فقطْ (¬4)، فلا شكَّ في حسنِ العزوِ، وإنْ ذكرَ جميعَ الحديثَ، فينبغي أيضاً أن يسوغَ العزو، كما لو لم يقعْ في شيءٍ مِنَ الحديثِ، ولو وقعَ التخالفُ في بقيتهِ؛ لأنَّ المقصودَ بالذاتِ في ذلكَ المقامِ إنما هو القطعةُ التي سيقَ الحديثُ للاحتجاجِ بها. ¬

_ (¬1) في (ف): ((الراوين)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) ذكر ابن حبان ما يؤيد هذا الكلام في معرض كلامه عن زيادات الألفاظ والأسانيد في مقدمة صحيحه 1/ 159. (¬4) لم ترد في (ك).

قولهُ: (وليتَ إذ زادَ الحميديْ ميزا) (¬1) قالَ: قد حصلَ هذا المُتَمَنَّى (¬2) - وللهِ الحمدُ - مِنَ الحُميديِّ إجمالاً، وتفصيلاً، أمّا إجمالاً فقالَ في خطبةِ الجمعِ: ((وربما زدتُ زياداتٍ مِنْ تتماتٍ، وشرحٍ لبعضِ ألفاظِ الحديثِ، ونحوِ ذَلِكَ وقفتُ عليها في كتبِ مَن اعتنى بالصحيحِ كالإسماعيليِّ، والبرقانيِّ)) (¬3). وأمّا تفصيلاً فعلى قسمينِ: جلي، وخفي، أمّا الجليُّ: فيسوقُ الحديثَ، ثمَّ يقولُ في أثنائهِ: إلى هنا انتهتْ روايةُ البخاريِّ مثلاً، ومن هنا زادهُ البرقانيُّ مثلاً، وأمّا الخفيُ: فإنَّهُ يسوقُ الحديثَ كاملاً أصلاً وزيادةً، ثمَّ يقولُ: أما مِنْ أولهِ إلى كيتَ وكيتَ (¬4) فرواهُ فلانٌ، وما عدا ذلكَ زادهُ فلانٌ، أو يقولُ (¬5): لفظة كذا / 36 ب / زادها فلانٌ، ونحو ذلكَ. وكلامُ ابنِ الصلاحِ واقعٌ على الثاني، وتعبيرهُ يميز في قولهِ: ((فربما نقلَ منْ لا يميزُ)) (¬6)، يشعرُ بأنَّ هذا مرادُهُ، وإلا لقالَ: فربما نقلَ الناقلُ (¬7)، ونحو ذلكَ مِنَ العباراتِ الدالةِ على التعميمِ، وإنما يقعُ مَنْ لا يميزُ في ذَلِكَ؛ لأنَّهُ ينظرُ الحديثَ كاملاً فيعزوهُ إلى البخاريِّ مثلاً، منْ غيرِ أنْ ينظرَ ما بعدهُ، فيخطئَ (¬8). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (36). (¬2) في (ف): ((التمني)). (¬3) الجمع بين الصحيحين 1/ 74 - 75، ونقله هنا باختصار. (¬4) ((وكيت)) لم ترد في (ك). (¬5) من قوله: ((أما من أوله)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 92. (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 300 - 310، وبتحقيقي: 115 - 123.

مراتب الصحيح

قولهُ: (خلاف ما اقتضاهُ كلامُ ابنِ الصلاحِ) (¬1)، أي: فإنَّهُ لما ذكرَ مِنْ أينَ تؤخذُ الزيادةُ على الصحيحِ فقالَ: إمّا بالتنصيصِ على صحتها مِنَ الكتبِ المشهورةِ، أو بوجودها في كتابٍ اشترطَ مصنِّفهُ الصحةَ، ثمَّ قالَ: وكذلكَ ما يوجدُ في الكتبِ المخرجةِ على كتابِ البخاريِّ ومسلمٍ، مِنْ تتمةٍ لمحذوفٍ، أو زيادةِ شرحٍ في كثيرٍ مِنْ أحاديثِ الصحيحينِ، قالَ: وكثيرٌ مِنْ هذا موجودٌ في الجمعِ بين الصحيحينِ للحميديِّ، فظاهرُ هذا أَنَّ ما وقعَ فيهِ منَ الزياداتِ محكومٌ بصحتهِ. هذا كلامُه في " الشرحِ الكبيرِ " وهو كذلكَ. ولا مناقشةَ على (¬2) ابنِ الصلاحِ (¬3) فيهِ؛ لأنَّهُ جارٍ على ما أصلَ منْ أَنَّ زياداتِ المستخرجاتِ صحيحةٌ، وما في " الجمعِ " للحميديِّ منها، وإنما يناقشُ في الأصلِ كما مضى، فيبطل الفرعُ بإبطالهِ. قولهُ: مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ 37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا ... ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا 38 - شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي ... فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفي 39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ ثمَ قالَ: (اعلمْ أَنَّ درجاتِ الصحيحِ) (¬4) عبارةُ ابنِ الصلاحِ في السابعِ منَ الفوائدِ المتعلقةِ بالصحيحِ: ((وإذا انتهى الأمرُ في معرفةِ الصحيحِ إلى ما خَرَّجهُ الأئمةُ في ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 125. (¬2) ((على)) لم ترد في (ف). (¬3) في (ك) بدل: ((على ابن الصلاح)) ((عليه)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 125.

تصانيفهم الكافلةِ ببيانِ ذلكَ كما سبقَ ذكرهُ، فالحاجةُ ماسةٌ إلى التنبيهِ على أقسامهِ باعتبارِ ذلكَ (¬1) / 37أ /: فأولها: صحيحٌ أخرجهُ البخاريُّ ومسلمٌ جميعاً. الثاني: صحيحٌ انفردَ بهِ البخاريُّ، أي: عنْ مسلمٍ. الثالثُ: صحيحٌ انفردَ بهِ مسلمٌ، أي عن البخاريِّ ... )) إلى آخرهِ. ثمَّ قالَ: ((وأعلاها: الأولُ وهوَ الذي يقولُ فيهِ أهلُ الحديثِ كثيراً: صحيحٌ متفقٌ عليهِ. يطلقونَ ذلكَ، وَيَعنونَ بهِ اتفاقَ البخاريِّ ومسلمٍ، لا اتفاق الأمّةِ عليهِ، لكنَّ اتفاقَ الأمةِ عليهِ لازمٌ مِنْ ذلكَ، وحاصلٌ معهُ؛ لاتفاقِ الأمّة على تلقي ما اتفقا عليهِ بالقبولِ، وهذا القسمُ جميعهُ مقطوعٌ بصحتهِ (¬2) ... )) (¬3) إلى آخرهِ (¬4). قولهُ: (والرابعُ: ما هوَ على شرطهما) (¬5) إنْ قيلَ: ما وجهُ تأخيرِ هذا عما أخرجهُ أحدهما؟ قيلَ: الذي أخرجهُ أحدهما تلقّتهُ الأمةُ بالقبولِ، بخلافِ ما كانَ على شرطهما، ولم يخرجاه، وإنْ كانَ قد يعرضُ للمفوقِ (¬6) ما يجعلهُ فائقاً، كأنْ يتفقا على حديثٍ غريبٍ، ويخرجُ مسلمٌ مثلاً، أو غيرُه حديثاً يبلغُ مبلغَ التواترِ، فلا ¬

_ (¬1) ينظر في تعقب العلماء لابن الصلاح في هذا: نكت الزركشي 1/ 24، ونكت ابن حجر 1/ 363، وبتحقيقي: 164، وتوجيه النظر 1/ 290. (¬2) ينظر عن مسألة إفادة أحاديث الصحيحين لليقين أو الظن: نكت الزركشي 1/ 276، ومحاسن الاصطلاح: 101، ونكت ابن حجر: 1/ 371 وبتحقيقي: 172 - 173. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 96 - 97. (¬4) من قوله: ((قوله: مراتب الصحيح ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 125. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((اسم مفعول مِنْ فاق)).

شكَّ في أرجحيتهِ، ولا يقدحُ (¬1) في قولنا: ما اتفقا عليهِ أعلى؛ لأنَّهُ باعتبارِ الإجمالِ (¬2). قولهُ: (ما هو صحيحٌ عندَ غيرهما) (¬3)، أي: باستيفاءِ الشروطِ التي ذَكرَها في حدِّ الصحيحِ، وأوردَ على هذا خمسةَ أقسامٍ أُخَرَ: أولها: المتواترُ فيكونُ أعلى الأقسامِ. الثاني: المشهورُ الذي فَقَدَ بعضَ شروطِ التواترِ. الثالثُ: ما اتفقَ عليهِ الستةُ، وبعدَ هذا ما اتفقا عليهِ إلى آخر السبعةِ التي ذكروها. الرابعُ مما أوردَ - وهوَ الحاديَ عشرَ -: ما فَقَدَ شرطاً، كالاتّصالِ مثلاً عندَ منْ يعدهُ صحيحاً. الخامسُ - وهو الثاني عشرَ -: ما فَقَدَ تمامَ / 37 ب / الضبطِ، ونحوه مما ينزله إلى رتبةِ الحسنِ عندَ منْ يُسمّيهِ صحيحاً. قالَ شيخُنا: ((ولا يردُ منها إلا المشهورُ، وهوَ إيرادُ الحافظِ صلاحِ الدينِ العلائيِّ، وأنا متوقفٌ في رتبتهِ، هل هي قبل (¬4) ما اتفقا عليهِ أو بعدهُ؟ وأما المتواترُ فلا يردُ؛ لأنَّهُ لا يشترطُ فيهِ عدالةُ الراوي، وكلامنا في الصحيحِ الذي سبقَ تعريفهُ، سَلّمنا ورودَهُ، ولا يوجدُ متواترٌ إلا وهو فيهما، أو في أحدهما. ¬

_ (¬1) في (ف): ((ولا يقع)). (¬2) قال الزركشي في النكت 1/ 256 - 257: ((ويدل لذلك أنهم قد يقدمون بعض ما رواهُ مسلم على ما رواه البخاري لمرجح اقتضى ذلك، ومن رجح كتاب البخاري على مسلم إنما أراد ترجيح الجملة على الجملة لا كل واحد واحد من أحاديثه على كل واحد من أحاديث الآخر)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 126. (¬4) لم ترد في (ك).

وأمّا ما أخرجهُ الستةُ وهوَ إيرادُ الحافظِ علاءِ الدينِ مغلطاي، فلا يردُ أيضاً؛ لأنَّهُ قسمٌ، لا قسيمٌ، فإنَّ ما أخرجاهُ لا يخلو إمّا أنْ ينفردا بهِ، أو يوافقَهما عليهِ غيرُهما، فهو حينئذٍ قسمٌ مندرجٌ تحتهُ، وتلكَ الأقسامُ متباينةٌ من كلِ وجهٍ، فلا يردُ عليها إلا ما كانَ مبايناً لكلٍ منها. قال: وعلى طريقِ التنَزلِ فكانَ ينبغي أنْ يقالَ: ما أخرجهُ الستةُ، ثمَّ ما أخرجوهُ إلاَّ واحداً منهم، وكذا ما أخرجهُ الأئمةُ الذينَ التزموا الصحةَ، ونحو هذا إلى أنْ تنتشرَ الأقسامُ، فتكثرَ حتى يعسرَ حصرها)). قلتُ: الذي يظهرُ لي - ولم أفهمْ غيرَهُ بعدَ محاورةٍ كبيرةٍ (¬1) من شيخنا - أَنَّ هذا واردٌ؛ لأنَّ قولَنا: ما أخرجهُ الستةُ، ثمَّ ما أخرجوهُ إلا واحداً وِزَان (¬2) قولنا ما أخرجهُ الشيخانِ، ثمَّ ما أخرجهُ أحدُهما، وقولنا: ما أخرجهُ الشيخانِ دونَ ما اتفقَ عليهِ الستةُ، وزان قولنا: ما أخرجهُ أحدُ الشيخينِ دونَ ما اتفقا عليهِ، واللهُ أعلمُ. لكن قالَ شيخنا (¬3) في " النكتِ ": ((منْ لم يشترطْ / 38 أ / في كتابهِ الصحيحَ لا يزيدُ تخريجهُ للحديثِ قوةً، نعم ما اتفقَ الستةُ على توثيقِ رواتهِ، أولى بالصحةِ مما اختلفوا فيهِ، وانِ اتفقَ عليهِ الشيخانِ))، وكلامهُ غيرُ مسلمٍ، أولاً وآخراً، أما أولاً؛ فلأنَّ أصحابَ السننِ، وإنْ لم يشترطُوا الصحيحَ، فإنّ لركونِ نفوسِ الأمةِ إليهم، وطمأنينتها بهم (¬4) وقعاً عظيماً، يفيدُ ما أخرجوه في كتبهم قوةً إذا صحَّ سندُهُ لجلالتهم في النفوسِ، والقطعِ بإمامتهم، معَ كونِ كتبهم مبوبة، فهم فيما أخرجوهُ فيها في معرضِ الاحتجاجِ بهِ، وأمّا آخراً؛ فلأنَّ إجماعهم على توثيقِ الرجالِ لايعادُ؛ لاتفاقِ ¬

_ (¬1) في (ك) و (ف): ((كثيرة)). (¬2) هكذا في جميع النسخ. (¬3) في (ف): ((الشيخ)). (¬4) ((بهم)) لم ترد في (ف).

الأمة على صحةِ المتونِ، واللهُ أعلمُ. (¬1) وأما الاثنانِ الآخرانِ فلا يردانِ، لأنَّ الكلامَ في الصحيحِ الذي سبقَ تعريفهُ. وفائدةُ هذا التقسيمِ تظهرُ عندَ الترجيحِ. قولهُ: (لأنَّ النسائيَّ) (¬2) قلتُ: هما أخرجا منْ أجمعَ على ثقتهِ إلى حينِ تصنيفهما، والنسائيُّ ضعف بعدَ وجودِ الكتابينِ، فلا يقدحُ ذلكَ؛ لأنهما لم (¬3) يلتزما أنَّهُ لا يأتي أحدٌ (¬4) بعدهما يخالفُ في ذلكَ (¬5)، فقالَ شيخنا: ((تضعيفُ النسائيِّ إن كَانَ باجتهادهِ، أو نقلهِ عنُ معاصرٍ، فيأتي قولكَ هذا، وإن كانَ ينقلُ عن متقدمٍ فلا، قالَ: والواقعُ في نفس الأَمرِ أَنَّ نقلَ التضعيفِ موجودٌ عن منْ تقدمَ على عصرِهما، ويُمكنُ أَنْ يُجابَ عنِ ابنِ طاهرٍ بأنَّ ما قالهُ هوَ الأصلُ الذي يُبنى عليهِ أمرهما، وَقد يخرجانِ عنهُ لمرجح يقومُ مقامهُ)). قوله: (هذا حاصلُ كلامهِ) (¬6) قالَ شيخنا: / 38ب/ ((كلامهُ أبسطُ مِنْ هذا، وهوَ أنَّهُ عمد إلى الزهري لكثرةِ أصحابه، فجعلهم خمسَ طبقاتٍ: ¬

_ (¬1) من قوله: ((لكن قال شيخنا في النكت ..... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 126. (¬3) ((لم)) لم ترد في (ك). (¬4) في (ك): ((أحدهما)). (¬5) وحتى لو كان تضعيف النسائي في محله، فإن هذا لا يقدح في الصحيحين؛ لأن حديث الضعيف ليس كله خطأ، وإنما فيه الصحيح والخطأ، والشيخان ينتقيان من أحاديث من في حفظه شيء، مما عُلم أن هذا الراوي لم يخطأ فيه، بل هو من صحيح حديثه وذلك بالموازنة والمقارنة، والنظر الثاقب، والاطلاع الواسع، وليس ذلك لكل أحد. وانظر في ذلك: صيانة صحيح مسلم: 96، وشرح مسلم للنووي 1/ 25، وهدي الساري: 550 و557 و562 - 563، وراجع تعليقنا على شرح التبصرة 1/ 126، وكتابي أثر علل الحديث: 19. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 127.

الأُولى: مَنْ طالت ملازمتهُ لهُ، بل ما انفكَّ عنهُ حتى كانَ يُزَامله على الراحلةِ في السفرِ، وَيلازمهُ في الحضر مع الإتقانِ التامِّ. الثانيةُ: مَنْ هم دونَ هؤلاءِ في الإتقانِ، وَالملازمةِ. الثالثة: مَنْ لم يلازم أَصلاً، أَو إلا يسيراً مع إتقانٍ، وَلكنهُ دونَ إتقانِ منْ قبلهُ. الرابعةُ: مَنْ يطلقُ عليهِ اسمُ الصدقِ، ولم يَسلمْ مِنْ غوائلِ الجرحِ. الخامسةُ: الضعفاءُ. فالبخاريُّ يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى، وعن أعيانِ الطبقةِ الثانيةِ، وإنْ أخرجَ عنِ الثالثةِ فيقلُّ جداً، ويتلابقُ فيهِ بحيثُ إنَّهُ لا يسوقهُ مساقَ الكتابِ بحدثنا، وأخبرَنا، بل يقولُ: روى فلانٌ، وقالَ فلانٌ، وتابعهُ فلانٌ، ونحوَ ذَلِكَ، قالَ: وهذا مما رُجِّحَ بهِ البخاريُّ على مسلمٍ؛ فإنَّ مسلماً يخرجُ حديثَ الطبقةِ الأولى إنْ وجدَ، ثمَّ حديث الثانيةِ كاملاً، ثمَّ عن أعيانِ الثالثةِ، ثمَّ يقلُّ جداً عن الرابعةِ، ويؤخرُ حديثهمْ، فيجعلهُ على وجهِ المتابعةِ، لكنهُ يسوقُ الكلَّ مساقاً واحداً بحدّثنا وأخبرنا، فلا يميزه إلا عارفٌ بالفنِ بأمورٍ خارجيةٍ. قالَ: وأيضاً فإنَّ (¬1) البخاريَّ إذا أخرجَ عن منْ تكلمَ في حديثهِ أقلّ جداً مما يخرجُ عنهُ، وأكثرهم منْ مشايخهِ، أو مَن قَرُبَ منهم، فيغلبُ على الظنِّ أنَّهُ أطلعَ (¬2) على صحةِ ذَلِكَ الخبرِ الذي يخرجهُ عن أحدهم بأمورٍ خارجيةٍ / 39 أ / ومسلمٌ بخلافِ ذَلِكَ، قالَ: ويأتي في كلامِ الحازميِّ أيضاً ما تقدمَ في كلامِ ابنِ طاهرٍ مِنْ أَنَّ هذا الذي قررهُ هوَ الأصلُ، وقد يخرجانِ عنهُ لمصلحةٍ يرَيانها)) (¬3). ¬

_ (¬1) ((فإن)) لم ترد في (ف). (¬2) في (ف): ((أطلق)). (¬3) شروط الأئمة الخمسة: 57 - 60، وانظر: شرح علل الترمذي 2/ 613 - 614.

قوله: (إذا كانَ طويلَ الملازمةِ) (¬1)، أي: لأنَّ طولَ ملازمتهِ تجبرُ وهنه؛ لأنَّهُ يعرفُ بذلكَ صحيحَ حديثِ منْ لازمهُ مِنْ سقيمهِ، ويسمعُ الحديثَ الواحدَ منه مراراً كثيرةً، فتصيرُ له ملكةٌ قويةٌ بحديثهِ (¬2). قلتُ: قولهُ: (كحمادِ بنِ سلمةَ) (¬3) قالَ المصنفُ في " الشرحِ الكبيرِ " بعدَ كلامِ ابنِ طاهر، ثم قالَ: ((فإنْ كانَ للصحابي راويانِ فصاعداً فحسنٌ، وإنْ لم يكنْ له إلا راوٍ واحدٌ، وصحَّ ذَلِكَ الطريقُ إلى ذَلِكَ الراوي أخرجاه، إلا أَنَّ مسلماً أخرجَ حديثَ قومٍ تركَ البخاريُّ حديثهم لشبهةٍ وقعتْ في نفسهِ، كحمادِ ابنِ سلمةَ، وسهيلِ بنِ أبي صالحٍ، وداودَ بنِ أبي هندٍ (¬4)، وأبي الزبيرِ (¬5) والعلاءِ بنِ عبدِ الرحمانِ (¬6)، وغيرهم)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 127. (¬2) زاد في (ك): ((والله أعلم)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 127. (¬4) قال ابن حبان في " الثقات " 6/ 278 - 279: ((وكان داود من خيار أهل البصرة من المتقنين في الروايات إلا أنه كان يهم إذا حدث من حفظه، ولا يستحق الإنسان الترك بالخطأ اليسير يخطيء، والوهم القليل يهم حتى يفحش ذلك منه؛ لأن هذا مما لا ينفك منه البشر، ولو ما كنا سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك جماعة من ثقات الأئمة؛ لأنهم لم يكونوا معصومين من الخطأ، بل الصواب في هذا ترك من فحش ذلك منه، والاحتجاج بمن كان منه ما لا ينفك منه بشر)). وانظر: تهذيب الكمال 2/ 430. (¬5) قيل لشعبة: مَالَكَ تركت حديث أبي الزبير؟ قال: ((رأيته يزن ويسترجح في الميزان)) قال ابن حبان في الثقات 5/ 352: ((ولم ينصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزن لنفسه لم يستحق الترك من أجله)) وانظر: الجرح والتعديل 8/ 87 - 89، وتهذيب الكمال 6/ 503 - 505. (¬6) انظر: الجرح والتعديل 6/ 467 - 468، والثقات لابن حبان 5/ 247.

والبخاريُّ لَما تكلمَ في هؤلاءِ بما لا يزيلُ العدالةَ والثقةَ تركَ إخراجَ حديثهم استغناءً بغيرهم، فتكلموا في سُهيلِ بنِ أبي صالحٍ في سماعهِ مِنْ أبيهِ، فقيلَ: صحيفةٌ (¬1)، وتكلموا في حمادٍ بأنَّهُ أدخلَ في حديثهِ ما ليس منهُ، وعندَ مسلمٍ ما صحَّ هذا التكلمُ، فأخرجَ أحاديثهم؛ لإزالةِ الشبهةِ عندهُ. وقالَ شيخُنا في " تهذيبِ التهذيبِ " بعدَ أَنْ نقلَ عن جماعةٍ مِنَ الأئمةِ الثناءَ العظيمَ على حمادٍ بالعلمِ، والثقةِ، والتصلّبِ في السنةِ، والدينِ، والولايةِ حتى إنَّه لو قيلَ له: إنَّكَ /39 ب/ تموتُ غداً ما قدر أن يزيد في العملِ شيئاً، وأنَّهُ أثبتُ الناسِ في ثابتٍ حتى قالَ ابنُ معينٍ: منْ خالفَ حمادَ بنَ سلمةَ في ثابتٍ، فالقولُ قولُ حمادٍ (¬2). وقالَ ابنُ حبانَ: ((كانَ منَ العبادِ المجابي الدعوة، ولم يُصِبْ مَنْ جَانَبَ حديثَهُ. واحتجَّ في كتابهِ بأبي بكرِ بنِ عياشٍ، فإنْ كانَ تركهُ إياهُ لما كانَ يخطئُ، فغيرهُ منْ أقرانِه مثلُ الثوري وشعبةَ كانوا يخطئونَ؛ فإنْ زعمَ أَنَّ خطأهُ قد كثرَ حتى (¬3) تغيرَ، فقد كانَ ذَلِكَ في أبي بكرِ بنِ عياشٍ موجوداً، ولم يكنْ مِنْ أقرانِ حمادِ بنِ سلمةَ بالبصرةِ مثلهُ في الفضلِ، والدينِ، والنسكِ، والعلمِ، والكتبةِ، والجمعِ، والصلابةِ في السنةِ، والقمعِ لأهلِ البدعِ)) (¬4). وقد (¬5) عرَّضَ ابنُ حبانَ بالبخاريِّ لمجانبتهِ حماد بنِ سلمةَ، واعتذرَ أبو الفضلِ بنُ طاهرٍ عن ذَلِكَ لما ذكرَ أَنَّ مسلماً أخرجَ أحاديثَ أقوامٍ تركَ البخاريُّ حديثهم، قالَ: وكذلكَ حمادُ بنُ سلمةَ إمامٌ كبيرٌ مدحهُ الأئمةُ، وأطنبوا لما تكلمَ بعضُ منتحلي المعرفةِ أَنَّ بعضَ الكَذَبَةِ أدخلَ في حديثهِ ما ليسَ منهُ، لم يخرجْ عنهُ البخاريُّ معتمداً عليهِ، بل استشهدَ بهِ في مواضعَ؛ ¬

_ (¬1) انظر: الثقات 6/ 417 - 418، وميزان الاعتدال 2/ 243. (¬2) تهذيب التهذيب 3/ 12 وما بعدها. (¬3) في الثقات: ((من))، وفي (ف): ((حين)). (¬4) الثقات 6/ 216 - 217. (¬5) عاد الكلام هنا لابن حجر.

ليبيّنَ أنَّهُ ثقةٌ، وأخرجَ أحاديثَهُ التي يرويها مِنْ حديثِ أقرانهِ كشعبةَ، وحماد بنِ زيد، وأبي عوانةَ، وغيرهم ومسلمٌ اعتمدَ عليهُ؛ لأنَّهُ رأى جماعةً مِنْ أصحابهِ القدماءِ والمتأخرينَ لم يختلفوا عليهِ. وقالَ الحاكمُ: ((لم يخرجْ مسلمٌ لحمادِ بنِ سلمةَ في الأصولِ إلا منْ حديثهِ عن ثابتٍ، وقد خرَّجَ لهُ في الشواهدِ عن طائفةٍ)). وقالَ البيهقيُّ (¬1): هوَ أحدُ أئمةِ المسلمينَ، إلا أنَّهُ (¬2) / 40أ / لما كبرَ (¬3) ساءَ حفظهُ، فلذا تركهُ البخاريُّ، وأما مسلمٌ فاجتهدَ، وأخرج مِنْ حديثهِ عن ثابتٍ ما سمعَ منهُ قبلَ تغيّرهِ، وما سوى حديثهِ عن ثابتٍ لا يبلغُ اثني عشرَ حديثاً أخرجه في الشواهدِ، ثمَّ قالَ شيخُنا: وهوَ كما قالَ ابنُ المديني: منْ تكلمَ في حمادِ ابنِ سلمةَ فاتهموهُ في الدّينِ (¬4)، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (قالَ: إنَّهُ أودعهُ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ كما مضى: ((أودعهُ ما ليسَ في واحدٍ مِنَ الصحيحينِ)). وقال في "النكتِ": ((ليسَ كذلكَ، فقدَ أودعهُ أحاديثَ مخرجةً في الصحيحِ، وهماً منه في ذلكَ، وهي أحاديثُ كثيرةٌ، منها حديثُ أبي سعيدٍ الخدريِّ مرفوعاً: ((لا تكتبوا عني شيئاً سوى القرآنِ .. )) الحديث رواهُ الحاكمُ (¬6) في مناقبِ ¬

_ (¬1) لم ترد في جميع النسخ وأثبته من " تهذيب التهذيب ". (¬2) جاء في حاشية (أ) من خطّ البقاعي: ((بلغ الله به المأمول شهاب الدين الحمصي الشافعي قراءة بحث وتنقيب وتنقير، كتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((كبر في السن وكبر في القدر)). (¬4) هذا القول راجع لابن عدي؛ إذ ذكر ذلك في الكامل 3/ 64، وانظر: تهذيب التهذيب 3/ 12 - 15، وأثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 20 - 21. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 128. (¬6) المستدرك 1/ 127 وقد قالَ عقبه: ((هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه)).

أبي سعيدٍ الخدري، وقد أخرجهُ مسلمٌ في "صحيحه" (¬1) وقد بينَ الحافظ أبو عبد اللهِ الذهبيُّ في " مختصرِ المستدركِ " (¬2) كثيراً منَ الأحاديثِ التي أخرجها في "المستدركِ"، وهي في الصحيحِ (¬3))) (¬4). قولهُ: (وليسَ ذلكَ منهم بجيدٍ) (¬5) قالَ (¬6): بل قد (¬7) أجادوا وأصابوا؛ لأنَّ الحاكمَ استعملَ كلمة: ((مثل)) فيما هوَ أعمُّ مِنْ أَن يكونَ حقيقةً، أو مجازاً في الأسانيدِ، أو في المتونِ، دلَّ على ذلكَ صنيعهُ فإنَّهُ تارةً يقولُ: على شرطهما، وتارةً يقولُ: على شرطِ البخاريِّ، وتارةً: على شرطِ مسلمٍ، وتارةً: صحيح الإسنادِ، ولا يعزهُ إلى شرط واحد منهما، وأيضاً فلو كانَ مقصودُهُ بكلمةِ: ((مثل)) معناها الحقيقي، حتى يكونَ المرادُ احتجَّ بغيرها ممن فيهمَ منَ الصفاتِ (¬8) منَ العدالةِ وسائرِ الشروطِ مثل ما في الرواةِ الذينَ خرَّجا عنهم، لم يقلْ قطُ: على شرطِ /40ب/ البخاريِّ، فإنَّ شرطَ مسلمٍ دونهُ، فما كانَ على شرطهِ (¬9) فهو على شرطهما؛ لأنَّهُ حوى شرطَ مسلمٍ وزادَ، وكأنَّ المصنِّفَّ يقولُ: لأي شيءٍ حمل ابنُ الصلاحِ، ومن تبعهُ كلمةَ: ((مثل)) في كلامِ الحاكمِ على أحدِ معنييها، وهو المجازيُ حتى يكونَ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 8/ 229 (3004) (72). (¬2) انظر على سبيل المثال لا الحصر: " تلخيص المستدرك " 1/ 10 و 422 و 497 و 528 و 530 و 546. (¬3) من قوله: ((قلت: قوله: كحماد بن سلمة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التقييد والإيضاح: 29 - 30. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 128. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)). (¬7) لم ترد في (ك) و (ف). (¬8) عبارة: ((من الصفات)) لم ترد في (ك). (¬9) جاء في حاشية (أ): ((أي: البخاري)).

الرواةُ أعيانَ الرواةِ الذينَ رويا عنهم، وجعلوها (¬1) خارجةً مخرجَ ما في قولكَ: مثلُكَ لا يفعلُ كذا، أي: أنتَ. وقد علمت دليلَ ما قالوه، قالَ -أي: ابنُ حجرٍ (¬2) -: ((ووراءَ ذَلِكَ كله، أَن يُروَى إسنادٌ ملفقٌ مِنْ رجالهما، كأنْ يُقالَ: سماكٌ، عن عكرمةَ، عن ابن عباسٍ. فسماكٌ على شرطِ مسلمٍ فقطْ، لم يخرجْ له البخاريُّ، وعكرمةُ انفردَ بهِ البخاريُّ، والحقُّ أَنَّ هذا ليسَ على شرطِ واحدٍ منهما، وأدقُّ مِنْ هذا أَنْ يرويا عن أناسٍ ثقاتٍ، ضُعِّفُوا في أناسٍ مخصوصينَ مِنْ غيرِ حديثِ الذينَ ضُعِّفُوا فيهم، فيجيءُ عنهم حديثٌ مِنْ طريقِ منْ ضُعِّفُوا فيهِ برجالٍ كلهم في أحدِ الكتابينِ، أو فيهما، فنسبتهُ أنَّهُ على شرطِ منْ خرجَ لهُ غلطٌ، كأنْ يُقالَ في هشيمٍ، عنِ الزهري، كل مِنْ هشيمٍ والزهريِّ أخرجا له، فهو على شرطِهما، فيقال: بل ليسَ على شرط واحدٍ منهما؛ لأنهما إنما أخرجا لهشيمٍ مِنْ غيرِ حديثِ الزهري فإنَّهُ ضعِّفَ فيهِ؛ لأنَّهُ كان رحلَ إليهِ، فأخذَ عنهُ عشرينَ حديثاً فلقيهُ صاحبٌ لهُ - وهو راجعٌ - فسألهُ: رَوِّنِيهِ، وكانَ ثمَّ ريحٌ شديدةٌ، فذهبتْ بالأوراقِ مِنْ يدِ الرجلِ فصارَ هشيمٌ يُحدِّثُ / 41 أ / بما علقَ منها بذهنهِ مِنْ حفظهِ، ولم يكن أتقنَ حفظَها؛ فوهمَ في أشياءَ منها؛ ضُعِّف في الزهريِّ بسببها (¬3)، وكذا همامٌ (¬4) ضعيفٌ في ابنِ جريجٍ، مع أَنَّ كلاً ¬

_ (¬1) في (ف) ((وجعلوا)). (¬2) عبارة: ((أي: ابن حجر)) لم ترد في (ك) و (ف). (¬3) هذه القصة ساقها الخطيب في " تاريخ بغداد " 14/ 87، والذهبي في " ميزان الاعتدال " 4/ 308 وقال الذهبي: ((هو لين في الزهري)). وانظر: أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 20. (¬4) وهو همام بن يحيى بن دينار العوذي المحملي البصري. انظر: تهذيب الكمال 7/ 425 (7197)، وميزان الاعتدال 4/ 309.

منهما (¬1) أخرجَ (¬2) له (¬3)، لكن لم يخرجا له عن ابنِ جريجٍ شيئاً، فعلى منْ يعزو (¬4) إلى شرطهما، أو شرطِ أحدهما أَنْ يسوقَ ذَلِكَ السندَ بنسقِ (¬5) ما (¬6) رتبهُ بهِ مَنْ نسبهُ إلى شرطهِ، ولو في موضعٍ مِنْ كتابهِ، فيكون حينئذٍ معَ أمننِا مِنْ ضعفِ رواتهِ، قد أَمِنَّا مِنْ وجودِ علّةٍ فيهِ أو قادحٍ منَ القوادحِ؛ فإنَّ الراوي قد يكونُ ضعيفاً في راوٍ ثقة في غيرهِ كما تقدّمَ، ومن إغفالِ هذا القيدِ أُتي الحاكمُ، وغيرُه ممنْ خرجوا على شرطهما فهوَ مزلّةٌ عظيمةٌ، واللهُ الموفقُ (¬7). قولهُ: (صرحَ في خطبةِ كتابهِ) (¬8) عجبٌ معَ قولهِ: (ويحتملُ أَنْ يرادَ ... ) (¬9) إلى آخرهِ، فإنَّ الصريحَ ما لا يحتملُ غيره، كذا قيلَ، وليسَ كذلكَ، فإنَّ الذي لا يحتملُ غيرَ ما ذكرَ لهُ هو النصُّ، وأما الصريحُ فهوَ الظاهرُ، لكنَّ الاحتمالَ الآخرَ لا يعتدُّ بهِ (¬10)، والعذرُ (¬11) عنِ المصنفِ أنَّهُ رأى الحملَ على الحقيقةِ - أي: في المثلِ (¬12) - هو الأصلُ، وجعلَ غيرهُ كالعدمِ (¬13). ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: البخاري ومسلم)). (¬2) في (ف): ((أخرجا)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: لهمام)). (¬4) في (ف): ((لم يعزو)). (¬5) لم ترد في (ك). (¬6) لم ترد في (ف). (¬7) من قوله: ((فيكون حينئذٍ مع أمننا من ضعف ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 128 - 129، وانظر: المستدرك 1/ 3. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 129 وتعليقنا عليه. (¬10) عبارة: ((لكن الاحتمال الآخر لا يعتد به)) لم ترد في (ف). (¬11) من قوله: ((كذا قيل وليس كذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬12) عبارة: ((أي: في المثل)) لم ترد في (ك) و (ف). (¬13) جاء في حاشية (أ): ((وهو أن يراد بالمثل العين)).

وعبارتهُ في " النكتِ " سالمةٌ مِنْ مثلِ هذا، فإنَّه قال - بعد أن قررَ ما فهمهُ ابنُ دقيقِ العيدِ، والذهبي عنِ الحاكمِ -: ((ولكنْ ظاهرُ كلامِ الحاكمِ المذكورِ - يعني: ما نقلهُ عن خطبةِ "المستدركِ" (¬1) - يخالفُ ما فهموه عنهُ، واللهُ أعلمُ (¬2))) (¬3). قولهُ: (وفيهِ نظرٌ) (¬4) وجهُ النظرِ أنا إذا سلمنا أَنَّ الضميرَ في مثلها يعودُ على الأحاديثِ، لا يلزمُ منهُ أَنَّ المماثلةَ لا تحصلُ إلاَّ /41ب/ بالروايةِ عن أعيانِ الرواةِ الذينَ أخرجا لهم، أو أحدهما، بل تكفي المماثلةُ، أي: الموازاةُ في الصحةِ. قلتُ: قوله: (وقد بينتُ المثليةَ في " الشرحِ الكبيرِ ") (¬5) عبارتهُ فيهِ: ((ثمَّ ما المرادُ بالمثلية عندهما، أو عندَ غيرهما، فقد يكونُ بعضُ منْ لم يخرج عنهُ في " الصحيحِ" مثل منْ خرجَ عنهُ فيهِ، أو أعلى منهُ عند غيرِ الشيخينِ، ولا يكونُ الأمرُ عندهما على ذلكَ، فالظاهرُ أنَّ المعتبرَ وجودُ المثليةِ عندهما، ثم المثليةُ عندهما تعرفُ إمّا بتنصيصِهما على أَنَّ فلاناً مثلُ فلانٍ، أو أرفعُ منهُ، وقَلَّ ما يوجدُ ذلكَ، وإمّا بالألفاظِ الدالةِ على مراتبِ التعديلِ، كأنْ يقولا في بعضِ مَنِ احتجا بهِ: ثقةٌ، أو ثبتٌ، أو صدوقٌ، أو لا بأسَ بهِ، أو غير ذلكَ مِنْ ألفاظِ التوثيقِ، ثمَّ وجدنا عنهما أنهما قالا ذلكَ أو أعلى منهُ في بعضِ منْ لم يحتجا بهِ في كتابيهما، فيستدلُ بذلكَ على أنَّهُ عندهما في رتبةِ من احتجا بهِ؛ لأنَّ مراتبَ الرواةِ معيارُ معرفتها ألفاظُ التعديلِ والجرحِ. ولكنْ هنا أمرٌ فيهِ غموضٌ لا بدَّ مِنَ الإشارةِ إليهِ، وذلكَ أنهم لا يكتفونَ في ¬

_ (¬1) جملة اعتراضية مِنَ البقاعي رحمه الله. (¬2) من قوله: ((وعبارته في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) التقييد والإيضاح: 30. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 129. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 129.

التصحيحِ بمجردِ حالِ الراوي في العدالةِ والاتصالِ، مِنْ غيرِ نظرٍ إلى غيرهِ، بل ينظرونَ في حاله معَ منْ رَوَى عنه، في كثرةِ ملازمتهِ له، أو قلتها، أو كونه مِنْ بلدهِ ممارساً لحديثهِ، أو غريباً منْ بلدِ منْ أخذَ عنهُ، وهذهِ أمورٌ تظهرُ بتصفّحِ كلامهم، وعملهم في ذلكَ (¬1)، واللهُ تعالى أعلمُ)). قوله: 39 - وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ ... فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ / 42أ / لما ذكرَ أصحَّ كُتبِ الحديثِ، والصحيحَ الزائدَ على " الصحيحينِ "، والمستخرجاتِ، ثمَّ ما يتعلقُ بذلكَ منَ المراتبِ، أشعرَ بانحصارِ الصحيحِ في ذَلِكَ؛ فأشعرَ بسدِّ بابِ التصحيحِ في هذه الأزمنةِ فصرحَ بهِ. قالَ شيخُنا: ((وهذا - أي ردُّ الشيخِ عليهِ، أي: العراقيِّ على ابنِ الصلاحِ (¬2) - غيرُ جيدٍ، لأنَّهُ دفعٌ غيرُ مستندٍ إلى دليلٍ، ودعَوَى لا برهانَ عليها، والذي ينبغي أَنَّ تبرزَ علةُ كلِ قولٍ، ويبرهنَ على رجحانِ أحدهما، فأقولُ (¬3) وباللهِ التوفيقِ: مقدمةُ عبارةِ ابنِ الصلاحِ: ((لأنَّهُ ما مِنْ إسنادٍ مِنْ ذَلِكَ إلا وتجدُ في رجالهِ من اعتمدَ في روايتهِ على ما في كتابهِ عرياً عما يشترطُ في الصحيحِ مِن الحفظِ، والضبطِ، والإتقانِ؛ فإنَّ الأمرَ إذاً في معرفةِ الصحيحِ (¬4) والحسنِ إلى الاعتمادِ على ما نصَّ عليهِ أئمةُ الحديثِ في تصانيفهم المعتمدةِ المشهورةِ التي يؤمنُ فيها لشُهرتها منَ التغييرِ والتحريفِ، وصارَ معظمُ المقصودِ بما يتداولُ مِنَ الأسانيدِ خارجاً عن ذَلِكَ إبقاء ¬

_ (¬1) من قوله: ((قلت: قوله: وقد بينت المثلية ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) من قوله: ((لما ذكر أصح كتب الحديث ... )) إلى هنا لم يرد في (ك)، والجملة الاعتراضية لم ترد في (ف). (¬3) كتب ناسخ (أ): ((أي: ابن حجرٍ)). (¬4) من قوله: ((من الحفظ والضبط)) إلى هنا لم يرد في (ف).

سلسلةِ الإسنادِ التي خصتْ بها هذه الأمةُ)) (¬1). انتهى (¬2). يمكنُ أنْ يكونَ احترزَ بقولهِ مجرد اعتبارِ الأسانيدِ عنِ المتواترِ، فإنَّهُ يجزمُ بالحكمِ بصحتهِ بالأسانيدِ، معَ ما انضمَّ إليها منَ القرائنِ التي أفادتِ القطعَ بصدقِ نقلتهِ، لا بالأسانيدِ فقط. وقولُ الشيخِ (¬3): (عريا عن الضبطِ، والإتقانِ) (¬4) قاصرٌ عن قولِ ابنِ /42 ب/ الصلاحِ: ((عرياً عما يشترطُ في الصحيحِ من الحفظِ، والضبطِ، والإتقانِ))، فقولهُ: ((في الصحيحِ)) يفهمُ أنَّهُ لا يمنعُ الاستقلالَ بالجزمِ بالحكمِ بالحسنِ لكنَّ قولهُ عقبهُ: ((فآلَ الأمرُ -إذن- في معرفةِ الصحيحِ والحسنِ إلى الاعتمادِ على ما (¬5) نصَّ عليهِ أئمةُ الحديثِ ... )) (¬6) إلى آخره، يمنعُ هذا المفهومَ ويوضحُ أَنَّ مرادهُ بالصحيحِ هنا المحتجُ بهِ. وقوله: (مِنَ الحفظِ ... ) (¬7) إلى آخره، قال شيخنا: ((كنتُ أظنهُ مجردَ خطابه ثم ظهرَ لي أنَّهُ يشيرُ بذلكَ إلى أَنَّ الضبطَ الذي قدمهُ في حدِّ الصحيحِ ضبطان: ضبطُ صدرٍ، وضبطُ كتابٍ، فأشارَ إلى الأولِ بالحفظِ، وإلى الثاني بالضبطِ، والإتقانُ يتعلقُ بكلٍ منهما، وهوَ إشارةٌ إلى تمامِ الذي ذكرناه في الحدِّ، واقتصرَ هو في الحدِّ على ذكرِ الضبطِ، وأرادَ بهِ الشيئينِ (¬8)؛ لأنَّ الحدودَ يناسبها الإيجاز من تشبيه لا نسلمُ (¬9) أنهُ ما من إسنادٍ ... إلى آخره؛ لأنَّ هذا النفيَ يحتاجُ إلى استقراءٍ تامٍ، ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 83، وتعليقنا عليه. (¬2) من قوله: ((مقدمة عبارة ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 129. (¬5) لم ترد في (ك). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 83. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 129. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: الحفظ والضبط)). (¬9) عبارة: ((من تشبيه لا نسلم)) غير مقروءة في (ك).

وأنى يكونُ ذلكَ، وأيضاً ففي الأحاديثِ ما هوَ مسلسلٌ بالحفاظِ، لكن يدفعُ هذا بأنَّهُ لا يردُ عليهِ إلاَّ حديثٌ ليسَ محكوماً بصحتهِ إجمالاً، ولا تفصيلاً، ورجال سنده كلهم ثقاتٌ، وهذا لا يوجدُ، ومن ادّعى الوجودَ فليبينْ، فنسلمُ حينئذٍ تمامَ استقراءِ ابنِ الصلاحِ، ولا نسلمُ تعذرَ التصحيحِ، فإنَّ شروطَ الصحيحِ التي أحدها الضبطُ ليست مقصودةً لذاتها في شخصٍ معينٍ، وإنما المقصودُ حصولُ معانيها في السندِ، فالمقصودُ منَ الضبطِ الوثوقُ بأنَّ هذا سمعَ هذا الحديثَ مثلاً / 43 أ / من شيخهِ، وهو ممن يصحُ تحمله وأداؤهُ، وهذا حاصلٌ إنْ شاء اللهُ تعالى، أما إذا كانَ ضابطاً فلا بأسَ، وإلا فليسَ الاعتمادُ على قوله، إنما الاعتمادُ على من ضبطَ سماعهُ، وأثبتهُ في طبقةِ السماعِ، أو على خطهِ مثلاً، وتصحيحُ الشيخِ الضابط لهُ؛ فإنّ قولَ الضابطِ الثقةِ الذي أثبته: هذا سمعَ (¬1) الكتابَ الفلانيَّ مثلاً من فلانٍ، قائمٌ مقامَ قولِ بعضِ الحفاظِ فيما عنعنهُ المدلسُ: هذا الحديثُ سمعهُ هذا المدلسُ من شيخهِ، وإذا وجدَ ذلكَ فلا نزاعَ في الحكمِ باتصالهِ وصحتهِ إنْ كانَ شيخُ المدلسِ ومن فوقه من رجالِ الصحيحِ، فليكن ضبطُ مثبتِ الطبقةِ لهذا العري كذلكَ، ويوضحُ لكَ (¬2) ذلكَ إخراجُ البخاريِّ في صحيحهِ عمنْ تكلمَ فيهِ من مشايخهِ؛ لمعرفته صحة ما يخرجهُ عنه بأمورٍ خارجيةٍ عرفها بكثرةِ ممارستهِ لحديثِ ذلكَ الشيخِ، ومنِ ادّعى فرقاً فليبينْ. قالَ: وهذا عامٌ في الكتبِ المشهورةِ، والأجزاءِ المنثورةِ، وتختصُ الكتبُ الستةُ (¬3) المشهورةُ كأبي داودَ مثلاً بأنا لا نحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ منا إلى مصنفيها، فإنّهُ تواترَ عندنا أنَّ هذا الكتابَ تصنيفُ أبي داودَ مثلاً حتى لو أنكرَ ذلكَ منكرٌ، حصلَ لطلابِ هذا الفنِ ¬

_ (¬1) في (ك): ((أسم)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) لم ترد في (أ) و (ك).

منَ الاستخفافِ بعقلهِ، ما يحصلُ لو قالَ: لم يكنْ في الأرضِ بلدٌ تسمى بغداد، وعنِ الإمامِ نجمِ الدينِ الزاهديِّ من أئمةِ الحنفيةِ (¬1) - أنّهُ قالَ في " القِنيةِ " (¬2): ((إنّ الكتبَ المشهورة لا يُحتاجُ فيها إلى إسنادٍ خاصٍ، بل يقطعُ بنسبتها إلى من اشتهرت /43ب/ عنهُ)). وفي الركنِ الثاني وهو المقضي بهِ من البابِ الخامسِ من القسمِ الأولِ من كتابِ " تبصرةِ الحكامِ " لابنِ فرحون المالكيِّ (¬3) الجزمُ بذلكَ. ونقلهُ عن سلطانِ العلماءِ الشيخِ عز الدّينِ بنِ عبدِ السلامِ (¬4) عن اتفاقِ العلماءِ قالَ: ومنِ اعتقدَ أن الناسَ اتفقوا على الخطأ في ذلكَ، فهو أولى بالخطأ منهم. وقد رجعَ الشرعُ إلى أقوالِ الأطباءِ في صورٍ، وليست كتبهم في الأصلِ إلا عن قومٍ كفارٍ. ولكن لما بَعُدَ ¬

_ (¬1) وهو نجم الدين أبو الرجا مختار بن محمود بن محمد الغزميني الخوارزمي الفقيه الحنفي المعروف بالزاهدي له مصنفات عديدة منها: شرح القدوري، والفرائض، وزاد الأئمة. توفي سنة (658) هـ. انظر: تاريخ الإسلام وفيات 658/ 370، وهدية العارفين 6/ 423. (¬2) قال حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1357: ((قال المولى تركلي: ((والقنية وإن كانت فوق الكتب الغير معتبرة وقد نقل عنها بعض العلماء في كتبهم لكنها مشهورة عند العلماء بضعف الرواية وأن صاحبها معتزلي ذكر في أولها أنه استصفاها من منية الفقهاء لأستاذه بديع ابن أبي منصور العراقي وسماها قنية المنية لتتمم الغنية ورقم أسامي الكتب والمفتين بأول حروفها .... )). (¬3) وهو القاضي برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن أبي القاسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي من مصنفاته تسهيل المهمات في شرح جامع الأمهات، وكشف النقاب الحاجب على مختصر ابن الحاجب. توفي سنة (799 هـ‍). انظر: ذيل التقييد لأبي الطيب 1/ 435، وشذرات الذهب 6/ 357، وهدية العارفين 5/ 18. (¬4) وهو عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم الحسن بن محمد بن مهذب السلمي عز الدين الفقيه الشافعي صاحب المصنفات العديدة منها أمالي في تفسير القرآن، والإمام في أدلة الأحكام، توفي سنة (660 هـ‍). انظر: تاريخ الإسلام وفيات 660/ 416، وهدية العارفين 5/ 580.

التدليسُ فيها جازَ. ونُقلَ نحو ذلكَ عن ابنِ الصلاحِ، والضميريِّ، والعراقيِّ. قالَ القرافيُّ: وعلى هذا تحرمُ الفتيا منَ الكتبِ الغريبةِ التي لم تشتهرْ حتى تتظافرَ عليها الخواطرُ، ويُعلمَ صحةُ ما فيها، وسوّى ابنُ فرحونَ بينَ الكتبِ المشهورةِ، وبينَ الحواشي التي بخطِّ من يوثقُ بهِ، وما فيها موجودٌ في الأمهاتِ، وعزا ذلكَ إلى عملِ العلماءِ في اعتمادهم عليها. وقالَ: وذلكَ موجودٌ في كلامِ القاضي عياضٍ، والقاضي أبي الأصبغِ بنِ سهلٍ، وغيرهما. انتهى ما في " التبصرةِ " (¬1). فلا يحتاجُ حينئذٍ إلى اعتبارِ رجالِ الإسنادِ الذي يرادُ تصحيحهُ إلا من أبي داودَ فصاعداً. وأولئكَ يوجدُ فيهمُ الضابطونَ المتقنونَ الحفّاظُ بكثرةٍ. قالَ: وإلى كونِ المصنّفاتِ المشهورةِ تواترتْ نسبتُها إلى مصنّفيها نظر ابن الصلاح في تحريرهِ الحكمَ بصحةِ ما نصَّ أحدُ الأئمةِ في مصنفهِ المشهورِ على تصحيحهِ، وهذا واضحٌ من قولهِ: ((فآلَ الأمرُ إذن في معرفةِ الصحيحِ والحسنِ إلى الاعتمادِ على ما نصَّ عليهِ أئمةُ الحديثِ في تصانيفِهم المعتمدةِ المشهورةِ التي يؤمن فيها؛ لشهرتها من التغييرِ والتحريفِ)) (¬2) فنلزمهُ من هنا بالمصيرِ إلى ما قلنا من إمكانِ التصحيحِ. أو بالفرقِ، فنقولُ: الإسنادُ الذي وَصلَ إلينا بهِ قولُ ذلكَ المصنفِ: هذا حديثٌ صحيحٌ، هوَ الذي وصلَ إلينا بهِ جميع ذلكَ الكتابِ، فإمّا أنْ نعتبرَهُ في كلِ فردٍ فرد (¬3) من أحاديثهِ، وأحكامهِ على بعضِ الأحاديثِ بالصحةِ، وإمّا أنْ لا نعتبرَهُ أصلاً، ويكونَ الاعتمادُ في جزمِنا بنسبتهِ إلى مصنفهِ ما حصلَ من شهرتهِ، ولا فرقَ في هذا بينَ الأحاديثِ والحكمِ عليها، واللهُ الموفقُ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((وعن الإمام نجم الدين الزهدي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك)، ومن قوله: ((وفي الركن الثاني)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 83. (¬3) لم ترد في (ك).

وقولهُ: ((فإنّا لا نتجاسرُ على جزمِ الحكمِ بصحتهِ)) (¬1) يقتضي أنَّهُ لا يمنعُ أن يقالَ هذا صحيحٌ فيما أظنُّ وما أشبهَ ذلكَ مما يشعرُ بالترددِ. وقولُ الشيخِ (¬2): ((فقد صحّحَ غيرُ واحد .. )) (¬3) إلى آخرهِ لا ينهضُ دليلاً على ابنِ الصلاحِ فَأنعِمْ تأمّلَ هذا الفصلَ فإنّهُ من النفائسِ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (كأبي الحسنِ بنِ القطانِ) (¬4) قالَ الشّيخُ في "النكتِ ": ((فَمِنَ المعاصرينَ / 44 أ / لابنِ الصلاحِ أبو الحسنِ عليُّ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الملكِ بنِ القطانِ (¬5) - أي: الفاسي - صاحبُ كتابِ "بيانِ الوهمِ والإيهامِ " وقد صحّحَ في كتابهِ المذكورِ عدّةَ أحاديثَ، منها حديثُ ابنِ عمرَ: ((أنّهُ كان يتوضأُ ونعلاهُ في رجليهِ، ويمسحُ عليهما، ويقولُ: كذلكَ كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يفعلُ)) (¬6) أخرجهُ أبو بكرٍ البزارُ (¬7) في "مسندهِ"، وقالَ ابنُ القطانِ: إنّهُ حديثٌ صحيحٌ (¬8)، ومنها حديثُ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 83. (¬2) يعني العراقي. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة1/ 130. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 130. (¬5) توفي في سنة (628 هـ‍)، وانظر في ترجمته: سير أعلام النبلاء 22/ 306، وتذكرة الحفاظ 4/ 1407. (¬6) بيان الوهم والإيهام (1569) و (2432). (¬7) لم أقف عليه في المطبوع من مسند البزار، وسرد سنده ابن القطان في بيان الوهم والإيهام 5/ 222 إذ قالَ: ((قال أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد، قال: حدثنا روح بن عبادة، عن ابن أبي ذئب، عن نافع، عن ابن عمر)) فذكره، وقال: ((قال-أي البزار-: هذا حديث لا نعلمه رواه عن نافع إلاَّ ابن أبي ذئب، ولا نعلم رواه عنه إلاَّ روح، وإنما كان يمسح عليهما؛ لأنَّه توضأ من غير حدث، وكان يتوضأ لكل صلاة من غير حدث، فهذا معناه عندنا انتهى كلام البزار. وقد سلم صحة الحديث، وذلك ما أردنا)). (¬8) بيان الوهم والإيهام 4/ 125 و5/ 222.

أنسٍ: ((كانَ أصحابُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ينتظرونَ الصلاةَ فيضعونَ جُنُوبَهم، فمنهم من ينامُ، ثمَّ يقومُ إلى الصلاةِ)) رواه هكذا قاسمُ بنُ أصبغَ وصححه ابنُ القطانِ، فقال: وهو كما ترى صحيحٌ (¬1). وتوفي ابنُ القطانِ هذا وهوَ على قضاءِ سِجِلْماسةَ (¬2) من المغربِ سنةَ ثمانٍ وعشرينَ وست مئة (¬3)، ذَكرهُ ابنُ الأبار في " التكملةِ ". وممن صحّحَ أيضاً من المعاصرينَ له الحافظُ (¬4) ضياءُ الدينِ محمدُ بنُ عبدِ الواحد المقدسيُّ، فجمعَ كتاباً سمّاه "المختارة " (¬5) التزمَ فيهِ الصحةَ، وذكرَ فيهِ أحاديثَ لم يُسبقْ إلى تصحيحها، فيما أعلمُ، وتوفي الضياءُ المقدسيُّ في السنةِ التي ماتَ فيها ابنُ الصلاحِ سنةَ ثلاثٍ وأربعينَ وست مئةٍ (¬6)، وصحّحَ الحافظُ زكيُ الدينِ عبدُ العظيمِ بنُ عبدِ القويِ المنذريُّ حديثاً في جزءٍ له جمعَ فيهِ ما وردَ فيهِ: ((غفرَ لهُ ما تقدّمَ من ذنبهِ، وما تأخّرَ))، وتوفي الزكي عبدُ العظيمِ سنةَ ستٍ وخمسينَ وست مئةٍ (¬7)، ثمّ صحّحَ الطبقةُ التي تلي هذهِ أيضاً، فصححَ أيضاً (¬8) الحافظُ شرفُ الدينِ عبدُ المؤمنِ بنُ خلفٍ / 44ب / الدمياطيُّ حديثَ جابرٍ مرفوعاً: ((ماءُ زمزمَ لما شُرِبَ له)) في جزءٍ جَمعهُ في ذلكَ، أوردَهُ من روايةِ عبدِ الرحمانِ بنِ أبي الموّال، عن ¬

_ (¬1) بيان الوهم والإيهام 5/ 589 (2806) وسرد إسناد قاسم بن أصبغ. (¬2) بكسر أوله وثانيه، وسكون اللام، وبعد الألف سين مهملة: مدينة في جنوب المغرب في طرف بلاد السودان، بينها وبين فاس عشرة أيام. مراصد الاطلاع 2/ 694. (¬3) انظر: تاريخ الإسلام وفيات (628): 321. (¬4) في (ف): ((الحفاظ)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: الأحاديث)). (¬6) انظر: تاريخ الإسلام وفيات 643/ 208 - 214. (¬7) انظر: تاريخ الإسلام وفيات 656/ 268 - 170. (¬8) لم ترد في (ف).

محمدِ بنِ المنكدرِ، عن جابرٍ، ومن هذه الطريقِ رواهُ البيهقيُّ في " شُعبِ الإيمانِ " (¬1)، وإنما المعروفُ روايةُ عبدِ اللهِ بنِ المؤملِ، عنِ أبي الزبير (¬2)، كما رواهُ ابنُ ماجه (¬3)، وضعفهُ النوويُ، وغيره من هذا الوجهِ، وطريقُ ابنِ عباسٍ (¬4) أصحُّ من طريقِ جابرٍ، ثمَّ صححت الطبقةُ التي تلي هذهِ وهم شيوخُنا، فصَحّحَ الشيخُ تقيُ الدينِ السبكيُّ حديثَ ابنِ عمرَ في الزيادةِ في تصنيفهِ المشهورِ كما أخبرني بهِ، ولم يزلْ ذلكَ دأبُ من بلغَ أهليةَ ذلكَ منهم، إلا أنَّ منهم من لا يقبلُ ذاكَ منهم، وكذا كانَ المتقدمونَ ربما صحّحَ بعضُهم، فأُنكِرَ عليهِ تصحيحُهُ، واللهُ أعلمُ (¬5))) (¬6). قولهُ: (حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعلِيْق) (¬7) عطفهُ ((التعليقَ)) من عطفِ الخاصِّ على العامِ، وصرّحَ بهِ؛ لأنَّ الصحة والضعفَ يتجاذبانهِ، فمنْ حيثُ ضمهُ إلى ¬

_ (¬1) شعب الإيمان (4128)، وأخرجه من هذا الطريق أيضاً الخطيب في " تاريخ بغداد " 10/ 166. (¬2) في (أ) و (ف): ((ابن المنكدر)) والمثبت من مصادر التخريج. (¬3) سنن ابن ماجه (3062)، وأخرجه أيضاً: ابن أبي شيبة (14137)، والطبراني في " الأوسط " (849)، والبيهقي 5/ 148، والخطيب في " تاريخ بغداد " 3/ 179 من طريق عبد الله بن مؤمل، به. وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " (3815) من طريق حمزة الزيات، والبيهقي 5/ 202 من طريق إبراهيم بن طهمان، كلاهما عن أبي الزبير، به. وانظر: التلخيص الحبير 2/ 570 - 571 (1076). (¬4) حديث ابن عباس أخرجه: الدارقطني 2/ 289، والحاكم في " المستدرك " 1/ 473 من طريق سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عباس، به. (¬5) من قوله: ((والله أعلم. قوله: كأبي الحسن بن القطان .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) التقييد والإيضاح: 23 - 24. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 134.

الصحيحِ يظنُّ بهِ الصحةَ، ومن حيثُ قطعهُ وسوقهُ غير مساقِ الكتابِ يظنُّ بهِ غيرُ ذلكَ. قولهُ: (واقطعْ بصحةٍ لما) (¬1) قالَ شيخُنا: لو قالَ: ((الذي)) موضع ((لما)) كانَ أرشق. قلتُ: لا يقالُ: قوله: (وقيلَ ظناً) (¬2) غيرُ متوارد معَ (واقطع بصحة) (¬3) على محلٍ واحدٍ؛ لأنَّ القطعَ في نفسِ الحديثِ، والظن في مفاده وما تضمنهُ من المعنى، ويشهدُ لذلكَ قولُ ابنِ الصلاحِ إنَّهُ مقطوعٌ بصحتهِ (¬4)، والعلمُ اليقينيُ النظريُ واقعٌ بهِ (¬5) فَجَعَلَهُما دعوتينِ: الأولى: ترجعُ إلى الصحةِ. والثانيةُ: إلى المفادِ بالخبرِ / 45أ /؛ لأنَّ من المفادِ بالخبرِ الذي أسنداهُ نسبتهُ إلى من عُزِيَ إليه، وليسَ المرادُ بالصحةِ إلا هذا، وهو مطابقةُ هذهِ النسبةِ للواقعِ، وهذا هو المرادُ من قولهم: ((العلمُ النظريُ واقعٌ بهِ بغيرِ شكٍ)) (¬6)؛ لأنَّ مدلولَ ألفاظِ المتنِ تارةً تكونُ نصاً (¬7) صريحاً في المعنى لا يحتمل غيره، وتارةً لا تكون، فلو كان المرادُ غيرَ صحةِ النسبةِ إلى القائلِ لفصلُوا، فقالوا: يفيدُ العلمَ إنْ كانَ صريحاً (¬8) في المرادِ، وإلاّ لم يفدْ، والله أعلمُ (¬9). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (40). (¬2) التبصرة والتذكرة (40). (¬3) التبصرة والتذكرة (40). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي بصحة نسبتهِ إلى من عزي إليه)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 97. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 97. (¬7) ((نصاً)) لم ترد في (ف). (¬8) في (أ): ((نصاً)). (¬9) من قوله: ((قلت: لا يقال قوله: وقيل ظناً .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قوله: (مضعف) (¬1) صفةٌ لبعضٍ، أي: في الصحيحينِ بعضُ شيءٍ من الحديثِ، والأثر مضعفٍ قد ذكرَ فيهما، ولو قيلَ: ((مضعفاً)) بالنصبِ لطرقه احتمالُ أنْ يكونَ المعنى رَوَى حالَ كونهِ منبهاً (¬2) على ضعفهِ (¬3). قولهُ: (ولهما بلا سندٍ أشيا .. ) (¬4) إلى آخرهِ، يَدُلُّكَ على أنَّ مرادَهُ التعليقُ قرينة قولهِ: ((فإنْ يجزم فصحح))، ويدخلُ في هذا من غيرِ احتياجٍ إلى تقديرِ محذوفِ ما حذفا جميع سندهِ، كأن يقالَ: وقالَ فلانٌ كذا وكذا، ويُذكَر شيءٌ من مَقولِ ذلكَ الرجل، أو يقالُ: وقالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كذا. ويدخلُ فيهِ معَ تقديرِ ما قطعَ سندهُ مما يليهما، وذكرَ بعضه من الأثناء فحينئذٍ يكونُ المرادُ بلا سندٍ كاملٍ (¬5). قولهُ: (بأنَّهُ لا يفيدُ في أصلهِ إلا الظنَّ) (¬6) يعني: بأصلهِ الصحيح من حيثُ هو قبلَ احتفافهِ بتلقّي الأمةِ، أو غيرهِ منَ القرائنِ فإذا سُلمَ ذلكَ، صار الصحيحُ المتلقّى بالقبولِ (¬7) والصحيحُ المجردُ سواء في الأرجحيةِ، وهذا مما لا يكونُ (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: التبصرة والتذكرة (42). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((وما نبه على ضعفه لا البخاري ولا مسلم)). (¬3) وهذا احتمال وإن ورد غير لازم، وانظر: تعليقنا على متن الألفية. (¬4) التبصرة والتذكرة (42). (¬5) من قوله: ((قوله: ولهما بلا سند أشيا ... )) إلى هنا، جاء في (ك) بعد قوله: ((ولا في شيءٍ من حاله)) وما في (أ) و (ف) أصحّ؛ لأنه جاء على الترتيب. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 134. وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 97. (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) من قوله: ((قوله: بأنه لا يفيد في أصله .... )) إلى هنا، جاء في (ك) بعد قوله: ((أو هيئة يزول بها الإشكال، والله أعلم)) وما في (أ) أصحّ؛ لأنه جاء على الترتيب.

قولهُ: (لأنَّ ظنّ من هوَ معصومٌ) (¬1) /45 ب/، أي: هذهِ الأمةُ معصومةٌ فيما أجمعت عليهِ. قالَ شيخُنا: ((إنما أجمعوا على الحكمِ بصحتهِ، بمعنى أنّهُ ليسَ فيهِ ما يضعفُ بهِ، بسببِ فقدِ شرطٍ من شروطِ الصحيحِ، بل جميعُ ما فيهِ جامعٌ للشرائطِ في الظاهرِ، وهذا لا يقتضي القطعَ بالصحةِ، بمعنى أنَّ رواتَهُ لم يَهِمْ (¬2) أحدٌ منهم في نفسِ الأمرِ مثلاً، وهو حينئذٍ من خبرِ الآحادِ الذي احتفَّ بالقرائنِ، فيفيدُ العلمَ النظريَّ؛ لأنّهُ لا نزاعَ في أنّهُ أرجحُ من صحيحٍ لم يحصل له هذا التلقي، واللهُ أعلمُ. وعلى تقديرِ تسليم أنّهُ مقطوعٌ بصحتهِ ينبغي استثناءُ ما يتنافى مفهوماه، كما استثنى ما ضَعّفهُ بعضُ الحفّاظِ، لأنَّ الصحيحَ في نفسِ الأمرِ لا يقعُ فيهِ الاختلافُ، إلا أنْ يقالَ: التعارضُ إنما هو بالنسبةِ إلى أفهامنا في حيّز الاختيارِ (¬3). وقد يظهرُ للمجتهدِ نفسهِ (¬4) في غيرِ ذلكَ الوقتِ أو لغيرهِ وجهُ الجمعِ وعلى تقديرِ أنْ لا يظهرَ، فيحتملُ أنْ (¬5) يكونَ ذلكَ لإسقاطِ بعضِ الرواةِ لفظةً، أو هيئةً، يزولُ بها الإشكالُ، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (لا يخطىءُ) (¬6) مُسلّمٌ، وهي لم يخطئُ ظنها (¬7) في الموافقةِ على صحتهِ بمعنى أنّهُ مُستجمعٌ للشرائطِ في الظاهرِ، فأفادَ تلقّيهم لَهُ (¬8) بالقبولِ وجوبَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 97. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((من وهم يهم)). (¬3) في (ف): ((الاعتبار)). (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) زاد بعدها في (ك): ((لا)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬7) لم ترد في (ك). (¬8) لم ترد في (ف).

العملِ بما في الصحيحينِ مُطلقاً من غيرِ نظرٍ فيهِ بخلافِ ما في غيرِهما، فإنّهُ لا يُعملُ بهِ حتى يُنظرَ فيهِ، وتوجدَ فيهِ شروطُ الصحيحِ. قولهُ: (ابنُ طاهرٍ المقدسي) (¬1) حُكِيَ عن ابنِ الملقنِ أنَّهُ قالَ: ((وأغربَ ابنُ طاهرٍ فنقلَ / 46 أ / في كتابهِ " صفوةِ التصوفِ " الإجماعَ أيضاً على ما كانَ على شرطِهما)) (¬2). قوله: (المحققونَ، والأكثرونَ) (¬3) قلتُ: تتمةُ كلامِ النوويِّ (¬4): لأنَّ أخبارَ الآحادِ لا تفيدُ إلا الظنَّ، ولا يلزمُ من إجماعِ الأمةِ على العملِ بما فيها إجماعُهم على أنَّهُ مقطوعٌ بأنَّهُ من كلامِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ: وقدِ اشتدَّ إنكارُ ابنِ برهانَ الإمامِ على من قالَ بما قالهُ الشيخُ، وبالغَ في تغليطهِ. قالَ الشّيخُ (¬5) في " النكتِ ": ((وقد عابَ الشيخُ عزُ الدينِ بنُ عبدِ السلامِ على ابنِ الصلاحِ هذا، وذكرَ أنَّ بعضَ المعتزلةِ يرونَ أنَّ الأمةَ إذا عَملتْ بحديثٍ اقتضى ذلك القطعَ بصحتهِ، قال: وهو مذهبٌ رديءٌ)) (¬6)، قالَ بعضُ أصحابِنَا: وقالَ ابنُ كثيرٍ - بعدَ أن نَقلَ كلامَ ابنِ الصلاحِ -: ((وهذا جيدٌ))، ثمَّ نقلَ كلامَ النوويِّ، وقالَ: ((قلتُ: وأنا معَ ابنِ الصلاحِ فيما عوَّلَ عليهِ، وأرشدَ إليهِ)) (¬7) وقالَ شيخُنا: ((كلامُ النوويِّ (¬8) مسلّمٌ من جهةِ الأكثرينَ، وأمّا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬2) من قوله: ((فأفاد تلقيهم له بالقبول ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬4) انظر: التقريب مع التدريب 1/ 132. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬6) التقييد والإيضاح: 41 - 42. (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 126، وبتحقيقي: 95. (¬8) من قوله: ((قلت: تتمة كلام النووي .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

المحققونَ فلا، فقد وافقَ ابنَ الصلاحِ محققونَ أيضاً منهم: الأستاذُ أبو إسحاقَ الإسفراييني، والقاضي أبو بكر بنُ فورك)) (¬1). قولهُ: (ولما ذكرَ ابنُ الصلاحِ أنّ ما أسنداهُ) (¬2)، أي: أو أحدهما، فإنَّ عبارةَ ابنِ الصلاحِ عقبَ ما تقدّمَ من نقلِ الشيخِ عنهُ: ((والأمةُ في إجماعِها معصومةٌ من الخطأ، ولهذا (¬3) كان الإجماعُ المبني (¬4) على الاجتهادِ حجةً مقطوعاً بها، وأكثرُ إجماعاتِ العلماءِ كذلكَ. وهذهِ نكتةٌ نفيسةٌ نافعةٌ، ومن فوائدِها: القولُ بأنَّ ما انفردَ بهِ البخاريُّ، أو مسلمٌ /46ب/ مُندرجٌ في قبيلِ ما يقطعُ بصحتهِ؛ لتلقّي الأمةِ كلَّ واحدٍ من كتابيهما بالقبولِ على الوجهِ الذي فصّلناهُ من حالهما فيما سبقَ سوى أحرفٍ .. )) (¬5) إلى آخره. قوله: (سوى أحرفٍ يسيرةٍ) (¬6) قالَ في "النكتِ": ((قد أجابَ عنها العلماءُ بأجوبةٍ، ومعَ ذلكَ فليست بيسيرةٍ، بل هي مواضع كثيرةٌ، وقد جمعتُها في تصنيفٍ مع الجوابِ عنها (¬7))) (¬8). ¬

_ (¬1) انظر: التقييد والإيضاح: 42. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬3) بعد هذا في (ف): ((ولما)). (¬4) في (ف): ((المبتني)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 97، وعلقت هناك بقولي: ((هي ليست باليسيرة، فقد بلغت انتقادات الدارقطني وحده (218)، وهذا فيما سوى ما انتقده أبو مسعود الدمشقي، وأبو الفضل بن عمار، وأبو علي الجياني .. )). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 97. (¬7) من قوله: ((قوله: ولما ذكر ابن الصلاح ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) التقييد والإيضاح: 42.

قولهُ: (كالدارقطني) (¬1) قالَ شيخُنا: ((الدارقطني ضَعّفَ من أحاديثِهما مئتينِ وعشرةً، يختصُ البخاريُّ بثمانينَ، واشتركا في ثلاثينَ، وانفردَ مسلمٌ بمئةٍ (¬2). قالَ: وقد ضعفَ غيره أيضاً غيرَ هذهِ الأحاديثِ)). وقالَ النوويُّ في خطبةِ " شرحِ صحيحِ البخاري ": ((إنَّ ما ضُعّفَ من أحاديثِهما مبنيٌ على عللٍ ليست بقادحةٍ)) (¬3)، قالَ: فكأنَّهُ مالَ بهذا إلى أنّهُ ليسَ فيهما ضعيفٌ. وكلامه في خطبةِ " شرحِ مسلمٍ " يقتضي تقريرَ قولِ من ضعّفَ (¬4). قال شيخُنا: ((وأظنُّ هذا بالنسبةِ إلى مقامِ الرجلينِ، وأنّ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬2) اختلفت هذه الإحصائية قليلاً في كلام ابن حجر في هدي الساري: 506 إذ قال: ((وعدة ما اجتمع لنا من ذلك مما في كتاب البخاري وإن شاركه مسلم في بعضه مئة وعشرة أحاديث منها ما وافقه مسلم على تخريجه وهو اثنان وثلاثون حديثاً، ومنها ما انفرد بتخريجه وهو ثمانية وسبعون حديثاً)) فذكر هنا أن ما تفرد بتخريجه البخاري ثمانية وسبعين حديثاً في حين نقل المؤلف أنها ثمانون، وأن ما اشترك بتخريجه مع مسلم اثنان وثلاثون في حين ذكر المؤلف عنه أنها ثلاثون، وكذلك فإنه لم يذكر عدد الأحاديث التي تفرد بتخريجها مسلم. (¬3) نقل ابن حجر كلام النووي في هدي الساري: 505 إذ قال: ((وقال في مقدمة شرح البخاري: فصل قد استدرك الدارقطني على البخاري ومسلم أحاديث فطعن في بعضها، وذلك الطعن مبني على قواعد لبعض المحدّثين ضعيفة جداً مخالفة لما عليه الجمهور من أهل الفقه والأصول وغيرهم فلا تغتر بذلك)). (¬4) ونص كلام النووي في شرح صحيح مسلم 1/ 27: ((وقد استدرك جماعةٌ على البخاري ومسلم أحاديث أخلا بشرطهما فيها، ونزلت عن درجة ما التزماه، .... وقد ألف الإمام الحافظ أبو الحسن علي بن عمر الدارقطني في بيان ذلك كتابه المسمى بالاستدراكات والتتبع وذلك في مئتي حديث مما في الكتابين، ولأبي مسعود الدمشقي عليهما استدراك أكثره على الرواة عنهما، وفيه ما يلزمهما، وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره ... ))، وعبارة: ((وقد أجيب عن كل ذلك أو أكثره ... )) مشعرة أن الإمام النووي لا يزال على رأيه المتقدم الذي نقله ابن حجر من أنها اعتراضات لا يطعن فيها على البخاري ومسلم وأن ما اعترض عليهما قد رد كله أو أكثره، لا كما ذهب إليه البقاعي من أنه يدفع عن البخاري ويقرر على مسلم وكما سيأتي.

الشّيخَ يدفعُ عنِ البخاريِ، ويقررُ على مسلمٍ)). قوله: (لا يحتمل مخرجاً) (¬1)، أي: لا يكونُ له مكانٌ يحتملُ أنْ يخرجَ منهُ، فيمشي بينَ الناسِ، وذلكَ كنايةٌ عن تقبلهِ، والإقبالِ على العملِ بهِ، والإذعانِ له (¬2). قوله: (الإسراءُ) (¬3) تجوزٌ عنِ المعراجِ؛ فإنَّ الحديثَ المشارَ إليهِ لم تذكرْ فيهِ قصةُ الإسراءِ، وكأنّه ذكره (¬4) باعتبارِ معناه اللغوي، وهو مطلقُ السيرِ بالليلِ. قولهُ: (والآفةُ فيهِ من شَرِيكٍ) (¬5) قالَ شيخُنا: ((الحديثُ (¬6) هو عن أنسٍ: ((أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - جاءهُ ثلاثةُ نفر قبل أنْ يُوحَى إليه، وهوَ / 47أ / نائمٌ في المسجدِ الحرامِ، فقالَ أولُهم: أيّهم هوَ؟ فقالَ أوسطُهم: هوَ خيرهُم، فقالَ آخرُهم: خذوا خيرَهم، فكانت تلكَ الليلةُ فلم يَرَهم حتى أتوهُ ليلةً أخرى فيما يرى قلبهُ، وتنامُ عينهُ، ولا ينامُ قلبه، وكذلكَ الأنبياءُ تنامُ أعينُهم، ولا تنامُ قلوبُهم، فلم يكلّموهُ حتى احتملوهُ، فَوضعُوهُ عندَ بئرِ زمزم، فتولاهُ منهم جبريلُ، فشقَّ جبريلُ ما بينَ نحرِه إلى لبتهِ (¬7)، قالَ: ثمَّ عرجَ بهِ ... )) الحديث (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 135. (¬2) من قوله: ((قوله: لا يحتمل مخرجاً .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136. (¬4) ((ذكره)) لم ترد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((في آخر البخاري في باب ما جاءَ في قول الله: ((وكلم الله موسى تكليما)). (¬7) زاد بعدها في (ك) و (ف): ((حتى)). (¬8) رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر، أخرجها: البخاري في " صحيحهِ "4/ 232 (3570) و9/ 182 (7517) وفي " خلق أفعال العباد "، له: 26 و69، ومسلم في " صحيحه " 1/ 102 (162) (262).

فأنكرَ في هذا الحديثِ ذكرَ المعراجِ، وشقَ الصدرِ قبلَ الوحي. والجوابُ: أنَّ الحديثَ لم يتضمنْ ذلكَ؛ فإنَّ قوله: ((ثم جاءوا)) لا مانعَ من أنْ يكونَ زمنُ المجيءِ الثاني بعدَ تلكَ الليلةِ بدهرٍ طويلٍ، أوحيَ إليهِ في أثنائهِ، وليسَ في الحديثِ ما يُعينُ أنَّ المجيءَ الثاني كان (¬1) في تلكَ الليلةِ، أو الليلةِ التي تليها (¬2)، وأما شقُّ الصدرِ فعلى تقديرِ تسليمِ أنّ ذلكَ قبلَ الوحي، فلا مانعَ منهُ، فقد شُقَّ صدرُهُ الشريفُ خمسَ مراتٍ في بلادِ بني سعدٍ، وهوَ في حدودِ الثلاثِ سنينَ، وعندَ المراهقةِ لما فَقَدهُ جدُّهُ عبدُ المطلبِ، وطافَ بالبيتِ، وتوسّلَ في ردّهِ عليهِ وأنشدَ تلكَ الأبياتِ الدالية التي فيها رد راكبي محمداً، وعندَ الإسراءِ بروحهِ في المنامِ، وعند الإسراءِ بالروحِ والجسدِ في اليقظةِ، والخامسةُ أظنها عندَ البعثِ. وشَقُّ الصدرِ في حديثِ الإسراءِ في كتابِ البخاريِّ من روايةِ شريكٍ أيضاً (¬3) / 47 ب /. قوله: (عن أبي زميل) (¬4) هو بضمِ الزاي، واسمه سماكُ بنُ الوليدِ الحنفيُّ، ليسَ بهِ بأسٌ (¬5) (¬6). وقوله: (هذا حديثٌ موضوعٌ لا شكَ في وضعهِ) (¬7) قالَ شيخنا: ((أمّا عكرمةُ فلا شكَّ في ثقتهِ وإمامتهِ، وأمانتهِ، والتجاسرُ على الحكمِ عليهِ بأنّهُ يضعُ شديدٌ لا سيّما وما قالهُ يمكنُ أنْ يوجهَ بأنها بنتٌ أخرى اسمها أمُّ حبيبةَ، لكنْ يعكر ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) انظر: فتح الباري 13/ 587 عقب (7517). (¬3) انظر: فتح الباري 13/ 588 عقب (7517). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136. (¬5) من قوله: ((وشق الصدر في حديث الإسراء .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) انظر: التقريب (2628). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136.

عليهِ قولُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في جوابِ ذلكَ: ((نعم)) (¬1)، أو بأنّهُ أرادَ أن يجددَ نكاحَ أمِّ حبيبةَ أمِ المؤمنينَ -رضي الله عنها-؛ لكونِ النكاحِ الأولِ كانَ بغيرِ إرادته، ويغبرُ في (¬2) وجههِ. قولهُ: (عندي) (¬3) وعلى تقديرِ عدمِ توجيههِ بوجهٍ واضح، فالذي ينبغي أن يقالَ في حقِّ عكرمةَ: وَهمَ في حديثهِ، أخطأَ، خالفهُ الحفّاظُ، ونحو ذلكَ من العباراتِ، ولا يقدحُ ذلكَ في مطلقِ حفظهِ، ولا في شيءٍ من حالهِ. قوله: (وقد أفردتُ كتاباً) (¬4) قالَ شيخُنا: ((هذا الكتابُ لم يبيضْ، وعُدمَت مسودتُه)) (¬5) (¬6). قولُهُ: (بعدَ مقدمةِ الكتابِ) (¬7) احترزَ بهِ عن قوله في المقدمةِ: وقالت عائشةُ -رضي الله عنها- (¬8): ((أَمَرنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أن نُنْزِلَ الناسَ منازلهم)) (¬9). ¬

_ (¬1) الحديث هو ما رواه عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، عن ابن عباس، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان، ولا يقاعدونه، فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: ثلاث أعطنيهنَّ، قال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان، أزوجكها. قال: نعم .. الحديث، وهو في صحيح مسلم 7/ 171 (2501). وانظر في توجيه الإيرادات الواردة حول الحديث في شرح صحيح مسلم 8/ 247 عقب (2501) للنووي. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: عليه بعض غبار)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 136. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137. (¬5) النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر 1/ 380، وبتحقيقي: 180. (¬6) من قوله: ((قوله: وقد أفردت كتاباً ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137. (¬8) عبارة: ((رضي الله عنها)) لم ترد في (ك). (¬9) مقدمة صحيح مسلم 1/ 6 ط فؤاد، و1/ 5 ط الإستانبولية والحديث أخرجه أحمد في الزهد (90)، وأبو داود (4842)، وأبو يعلى (4826)، وابن خزيمة كما في إتحاف المهرة=

قوله: (وفيهِ) (¬1)، أي: في مُسلمٍ (¬2) مواضعُ أُخَرُ يسيرةٌ، قال شيخُنا: ((عدتُها، اثنا عشرَ فهي بالموضعِ الذي ما ذكرهُ إلا تعليقاً ثلاثةَ عشرَ (¬3). قالَ: وقد بيَّنها الرشيدُ العطارُ في "الغررِ المجموعةِ " وحررتُها في الكلامِ على مقدمةِ "شرحِ مسلمٍ")). انتهى. وبخطِّ بعضِ أصحابنا عن ابنِ كثيرٍ: أنها أربعةَ عشرَ (¬4)، وأنَّ أبا عليٍّ الغساني ذكرها. انتهى. وكذا عَدَّها الشيخُ في " النكتِ " أربعةَ عشرَ (¬5) فقالَ: ((فيها بعدَ حديث أبي الجهيمِ، وقالَ مسلمٌ في البيوعِ (¬6): ((ورَوَى الليثُ بنُ سعدٍ، حدّثني جعفرُ بنُ ربيعةَ، عن عبدِ الرحمانِ بنِ هرمزَ، عن عبدِ اللهِ بنِ كعبِ / 48 أ / بن مالكٍ، عن كعبِ بنِ مالكٍ: أنَّه كانَ لهُ مالٌ على عبدِ اللهِ بنِ أبي حدردَ الأسلميِّ .. )) الحديثَ، وقالَ في الحدودِ (¬7): ((وَرَوَى الليثُ أيضاً عن عبدِ الرحمانِ بنِ خالدِ بنِ مسافرٍ، عن ¬

_ = 17/ 574 (22821) والحاكم في معرفة علوم الحديث: 48، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم (57) من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن ميمون بن أبي شبيب، عن عائشة رضي الله عنها، به. وقد صحح هذا الحديث الحاكم في معرفة علوم الحديث، وابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 410 والصواب أن إسناده ضعيف لانقطاعه فإن ميمون بن أبي شبيب لم يدرك عائشة رضي الله عنها. انظر تعليقي على الذيل على صحيح ابن خزيمة (3300). (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137. (¬2) عبارة: ((أي في مسلم)) لم ترد في (ك). (¬3) انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح 1/ 344، وبتحقيقي: 150وتعليقي عليه. (¬4) انظر: اختصار علوم الحديث 1/ 121، وبتحقيقي: 89. (¬5) التقييد والإيضاح: 33. (¬6) صحيح مسلم 5/ 31 (1558) (21). (¬7) صحيح مسلم 5/ 116 (1691) (16).

ابنِ شهابٍ بهذا الإسنادِ مثله)). وهذان الحديثانِ (¬1) قد رَوَاهما مسلمٌ قبلَ هذينِ الطريقينِ متصلاً، ثمَّ عقبهما لهذينِ (¬2) الإسنادينِ المعلقينِ فعلى هذا ليسَ في كتابِ مسلمٍ - بعدَ المقدمةِ - حديثٌ معلقٌ، لم يوصلْهُ إلاَّ حديث أبي الجهيمِ المذكورِ، وفيهِ بقيةُ أربعةَ عشرَ موضعاً رواهُ متصلاً، ثمَّ عقبهُ بقولهِ: ورواهُ فلانٌ، وقد جَمَعها الرشيدُ العطارُ في " الغُررِ المجموعةِ "، وقد بينّتُ ذلكَ كلَّهُ في كتابٍ جمعتهُ فيما تُكُلِمَ فيهِ من أحاديثِ الصحيحينِ بضعفٍ، أو انقطاعٍ، واللهُ أعلمُ (¬3))) (¬4). قولهُ: (وهذا ليسَ من بابِ التعليقِ) (¬5) قالَ شيخُنا (¬6): ((بلى، قد ذَكرَهُ أصحابُ "الأطرافِ" في المعلقِ)) (¬7). قلتُ: واستدلاله (¬8) على ذلكَ (¬9) بأنَّهُ قد يقعُ في السندِ مَن ليسَ مِن شرطهِ، يكفي في ردِ إطلاقهِ (¬10)، ما قالَهُ - بعدَهُ في شرحِ قولهِ: ((فإنْ يجزمْ)) - من أنَّ المعلقَ تارةً يكونُ صحيحاً، وتارةً يكونُ غيرَ صحيحٍ بالذي جزمَ بهِ، لا مانعَ من إدخالهِ في مقصودِ الكتابِ، واللهُ أعلمُ (¬11). ¬

_ (¬1) بعد هذا في التقييد: ((الأخيران)). (¬2) في " التقييد والإيضاح ": ((بهذين)). (¬3) من قوله: ((قال: وقد بينها الرشيد العطار .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التقييد والإيضاح: 33. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 137. (¬6) لم ترد في (ك). (¬7) تحفة الأشراف 8/ 310 (11130). (¬8) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: العراقي)). (¬9) جاء في حاشية (أ): ((أي: على أنَّه ليس من باب التعليق)). (¬10) لم ترد في (ف). (¬11) من قوله: ((قلت: واستدلاله على ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك)، وعبارة: ((بالذي جزم به، لا مانع من إدخاله في مقصود الكتاب)) لم ترد في (ف).

قالَ: وكذا ذَكُروا فيهِ قولَه: حُدِّثتُ عن فلانٍ، وهو في قوةِ قولهِ: حَدَّثَني مُحدثٌ عن فلانٍ، وإذا كانَ كذلكَ؛ فهوَ مما فيهِ مبهمٌ، لا منَ التعليقِ. قولهُ: (فإنْ يجزم فصحح) (¬1) قالَ في " الشرحِ الكبيرِ " كقولهِ في المغازي: قالَ أبو هريرةَ: ((صليتُ مع النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). انتهى. لكن ليسَ ذلكَ - وإن حُكِمَ بصحتهِ - من نمطِ الصحيحِ المسندِ فيهِ؛ لأنَّه وَسَمَ كتابه بـ" الجامعِ المسندِ الصحيحِ ". نبّهَ عليهِ ابنُ كثيرٍ (¬3). واعترضَ بعضُهم بأنَّ البخاريَّ ربما جَزَمَ بالشيءِ ولا يكونُ صحيحاً، كقولهِ في كتابِ التوحيدِ في بابِ {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء} (¬4) إثرَ حديثِ أبي سعيدٍ (( .. الناسُ يصعقونَ يومَ القيامةِ، فإذا أنا بموسى)) قالَ: وقالَ الماجشونُ: /48ب/ عن عبدِ اللهِ بنِ الفضلِ، عن أبي سلمةَ، عن أبي هريرةَ: ((فأكونُ أولَ مَن بُعثَ)) (¬5) قالَ: ورَدَّ البخاريُّ على نفسه بنفسهِ، فذكر في أحاديثِ الأنبياءِ حديثَ الماجشونِ هذا عن عبدِ اللهِ بنِ الفضلِ، عنِ الأعرجِ، عن أبي هريرةَ (¬6)، وكذا رواهُ مسلمٌ (¬7)، والنسائيُّ (¬8) ثمَّ قالَ: قالَ أبو مسعودٍ: إنما يُعرفُ عن الماجشونِ، عن ابن الفضلِ، عن الأعرجِ، ذكرهُ الشيخُ في " النكتِ " (¬9) وقالَ: ((إنَّ ذلكَ لا يُظنُّ بالبخاريِّ، فلا يمكنُ أنْ يجزمَ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (42). (¬2) صحيح البخاري 5/ 147 عقب (4137). (¬3) اختصار علوم الحديث: 1/ 122 وبتحقيقي: 90. (¬4) هود: 7. (¬5) صحيح البخاري 9/ 154 (7428). (¬6) " صحيح البخاري " 4/ 193 (3414). (¬7) " صحيح مسلم " 7/ 100 (2373) (159). (¬8) في " الكبرى " (11461) وفي التفسير، له (478). (¬9) انظر: التقييد والإيضاح 35 - 36.

بشيءٍ إلا وهو صحيحٌ عندهُ. وقولُ البخاريِّ في التوحيدِ: وقالَ الماجشونُ ... إلى آخرهِ صحيحٌ عندهُ بهذا السندِ، وكونهُ رواهُ في أحاديثِ الأنبياءِ متصلاً، فجعلَ مكانَ أبي سلمةَ الأعرجَ، لا يدلُ على ضعفِ الطريقِ التي فيها أبو سلمةَ، ولا مانعَ من أنْ يكونَ عندَ الماجشونِ في هذا الحديثِ إسنادانِ، وأنَّ شيخَهُ عبدَ اللهِ بنَ الفضلِ سَمعهُ من شيخينِ: من الأعرجِ، ومن أبي سلمةَ، فرواهُ مرةً عن هذا، ومرةً عن هذا. ويكونُ الإسنادُ الذي وَصَلَهُ بهِ البخاريُّ أصحَّ منَ الإسنادِ الذي علّقهُ بهِ، ولا نحكمُ على البخاريِّ بالوهمِ، والغلطِ، بقولِ أبي مسعودٍ الدمشقيِّ: إنَّه إنما يعرفُ عن الأعرجِ، فقد عرفهُ البخاريُ عنهما، وَوَصلهُ مرةً عن هذا، وعلّقهُ مرةً عن هذا؛ لأمرٍ اقتضى ذَلِكَ، فما وُصِلَ إسنادُهُ صحيحٌ، وما عَلّقهُ وجزمَ بهِ يُحكمُ له أيضاً بالصحةِ، واللهُ أعلمُ (¬1))) (¬2). قولهُ: (واتصالهِ من موضعِ التعليقِ) (¬3)، أي: فقد يكونُ غيرُ متصلٍ. قالَ البخاريُّ: وقالَ طاووس: قال معاذٌ: ائتوني بعرضِ ثيابٍ خميص، أو لبيس أهون عليكم، وخيرٌ لأصحابِ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) في المدينةِ. فطاووس لم /49أ/ يسمعْ من معاذٍ (¬5)؛ ولهذهِ العلةِ ونحوها لا ينبغي الاحتجاجُ بهِ، إلاّ إذا نظرَ الإسنادُ من المعلقِ عنه إلى منتهاهُ، فوجدَ صحيحاً، وقد توهمَ بعضُ الفقهاءِ أنَّهُ محكومٌ بصحتهِ مطلقاً، فيقولونَ في تصانيفهم: أخرجه البخاريُّ تعليقاً جازماً بهِ. وهذا كما وقعَ لهم في الاحتجاجِ بما سكتَ عليهِ أبو داودَ، لقولهِ: إنَّ ما سَكتُّ عليهِ صالحٌ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((قوله: فإن يجزم فصحح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) التقييد والإيضاح: 38. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 138. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) انظر: علل الحديث لابن المديني: 88. وقد تسهل بعض العلماء في هذا الانقطاع خاصة لاهتمام طاووس بفقه معاذ حتى قال الشافعي: ((طاووس عالم بأمر معاذ، وإن كان لم يلقه)) نصب الراية 2/ 247.

وخفيَ عليهم أنَّهُ يريدُ بـ (صالحٍ) أعمَّ منَ الصلاحيةِ للاعتبارِ، أو الاحتجاجِ (¬1)، وأشدُّ من هذا أنْ يكونَ إنما سكتَ عليهِ في الموضعِ الذي نقلوهُ منهُ؛ لتبيينهِ حاله في موضعٍ آخرَ، ووراءَ ذلكَ (¬2) كله أنَّهُ يحتجُ بالضعيفِ إذا لم يجد في البابِ غيرَهُ على طريقةِ الإمامِ أحمدَ، فإنَّ ذلكَ عندهُ أولى من رأي الرجالِ (¬3). قوله: (فهذا ليسَ من شرطهِ) (¬4)، أي: لأنَّهُ لا يحتجُ ببهزٍ؛ لأنَّهُ لما أبرزَهُ جزمَ، فقالَ: ((وقال بهزٌ)) (¬5)، لصحةِ ¬

_ (¬1) كلام البقاعي هنا تحقيق جد، وانظر بلا بد في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 162 هامش (4) و1/ 163 هامش (3)، والله الموفق. (¬2) في (ف): ((هذا)). (¬3) هذا نظر جيد من البقاعي - رحمه الله - إذ لا يستفاد من سكوت أبي داود في تقوية الأحاديث، وذلك لعدة أمور يطول المقام في سردها، منها: اختلاف روايات سنن أبي داود، ففي بعض الروايات من أقوال أبي داود ما ليس في الأخرى، ثم إن أبا داود قد يضعف الحديث بالراوي، فإذا جاء هذا الراوي بحديث آخر يسكت أحياناً؛ لأنه تقدم الكلام عليه عنده، ثم إن أبا عبيد الآجري في سؤالاته ينقل كثيراً من تضعيف أبي داود لبعض الأحاديث، وهو قد سكت عنها في سننه. وقد أطال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 1/ 432 - 445 وبتحقيقي: 226 - 237 في بحث هذه المسألة، وذكر أمثلة كثيرة من الأحاديث الضعيفة التي سكت عنها أبو داود. فينبغي التنبيه على: أن سكوت أبي داود لا يستفيد منه كل أحد، فقد قال الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 439: ((فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم، ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه: أن ينظر: هل لذلك الحديث متابع، فيعتضد به، أو غريب، فيتوقف فيه؟)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 138، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 96. (¬5) " صحيح البخاري " 1/ 78 عقب (277). وقد وصله عبد الرزاق (1106)، وأحمد 5/ 3 و4، وأبو داود (4017)، وابن ماجه (1920)، والترمذي (2769) و (2794)، والنسائي في " الكبرى " (8972)، والحاكم 4/ 179، وأبو نعيم في " الحلية " 7/ 121، والبيهقي 1/ 199، والخطيب في " تأريخه " 3/ 261. وقال اللكنوي في ظفر الأماني: 164: ((هو حديث حسن مشهور)).

الإسنادِ (¬1) منه إليه، ولما طواهُ في السندِ، مرَّضَ، فقالَ: ((ويذكرُ عن معاويةَ بنِ حيدةَ: لاتهجرْ إلاَّ في البيتِ)) (¬2)، فمعاويةُ جدُّ بهزٍ، فهوَ بهزُ بنُ حكيمِ بنِ معاويةَ. واعتُرضَ على ابنِ الصلاحِ في ضمهِ حديثَ جرهدَ (¬3) إلى حديثِ بهزٍ، بأنَّ حديثَ جرهدَ صحيحٌ. قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((وعلى تقدير صحتهِ (¬4) ليسَ عليهِ ردٌّ؛ لأنَّهُ لم ينفِ صحته مطلقاً، بل كونه من شرطِ البخاريِّ، فإنَّهُ لما مثَّل بهِ وبحديثِ بهزٍ قال: فهذا ¬

_ (¬1) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: من البخاري)). (¬2) صحيح البخاري 7/ 41 عقب (5201). (¬3) وهو قول البخاري: ((باب ما يذكر في الفخذ، ويروى عن ابن عباس، وجرهد، ومحمد ابن جحش، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: الفخذ عورة)). وهو في " صحيح البخاري " 1/ 103 عقب (370). وحديث ابن عباس أخرجه: أحمد 1/ 275، والترمذي (2796)، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 474، والبيهقي 2/ 228 من طريق أبي يحيى، عن مجاهد، عن ابن عباس، مرفوعاً. وسنده ضعيف؛ لضعف أبي يحيى القتات. وحديث جرهد أخرجه: عبد الرزاق (1115) و (1988)، والحميدي (857)، وابن أبي شيبة (26692)، وأحمد 3/ 478 و479، والدارمي (2650)، والبخاري في " تأريخه الكبير " 2/ 229 (2354) (ط دار الكتب العلمية)، وأبو داود (4014)، والترمذي (2795)، والطحاوي في " شرح المشكل " (1701) و (1702) وفي " شرح معاني الآثار "، له 1/ 475، وابن حبان (1710)، والطبراني في " الكبير " (2138) إلى (2151)، والدارقطني 1/ 224، والبيهقي 2/ 228. وحديثه مضطرب جداً؛ قال ابن عبد البر في " الاستيعاب " 1/ 255 متحدثاً عن جرهد: ((لا تكاد تثبت له صحبة، روى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((الفخذ عورة))، وقد رواه غيره جماعة. وحديثه مضطرب)). وانظر فيه: بيان الوهم والإيهام 3/ 338 (1082) و (1083) فقد أطال النفس فيه، ونصب الراية 1/ 241 - 242، وأثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 243 - 246. (¬4) في التقييد: ((وعلى تقدير صحة حديث جرهد)).

قطعاً ليسَ من شرطهِ (¬1)، على أنا لا نُسلّمُ أيضاً صحته؛ لما فيهِ من الاضطرابِ في إسنادهِ، فقيلَ: عن زرعةَ بنِ عبدِ الرحمانِ بن جرهد، عنْ أبيهِ، عنْ جدهِ. وقيلَ: عن زرعةَ، عن جده، ولم يذكرْ أباهُ. وقيلَ: عن أبيهِ، عن النبيِ - صلى الله عليه وسلم -، لم يذكر جدهُ. وقيلَ: عن زرعةَ /49ب/ بنِ مسلمِ بنِ جرهدَ، عن أبيه، عن جدهِ. وقيلَ: عن زرعةَ بنِ مسلمٍ، عن جدهِ، ولم يذكرْ أباهُ. وقيلَ: عن ابنِ جرهدَ، عن أبيهِ، ولم يسمَّ. وقيلَ: عن عبدِ اللهِ بنِ جرهد، عن أبيه. وقد أخرجهُ أبو داود وسكتَ عليهِ (¬2)، والترمذيُّ من طرقٍ، وحسنهُ، وقالَ في بعضِ طرقهِ: ((وما أرى إسنادَهُ بمتصلٍ)) (¬3)، وقالَ البخاريُّ في " صحيحهِ ": ((حديثُ أنسٍ أسندُ، وحديثُ جرهدَ أحوطُ)) (¬4). قولهُ: (استعمالها في الضعيفِ أكثرُ) (¬5) وكذا تعبيرُ ابنِ الصلاحِ بقولهِ: ((لأنَّ مثلَ هذهِ العباراتِ تستعملُ في الحديثِ الضعيفِ أيضاً)) (¬6) يدفعُ الاعتراضَ بأنَّ البخاريَّ قد يخرجُ ما صحَّ بصيغةِ التمريضِ، كقولهِ في بابِ الرُّقَى بفاتحةِ الكتابِ: ((ويذكرُ عنِ ابنِ عباسٍ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬7) في الرقى بفاتحةِ الكتابِ معَ أنَّهُ أسندَ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 96. (¬2) سنن أبي داود (4014). (¬3) الجامع الكبير (2795). (¬4) انتهى كلام العراقي من التقييد 40 - 41، وقول البخاري هو في " صحيحه " 1/ 103. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 139. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 94. (¬7) صحيح البخاري 7/ 170.

الحديثَ في البابِ بعده، ولفظه: ((فانطلقَ رجلٌ، فقرأَ بفاتحةِ الكتابِ إلى أنْ قالَ: فقالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أحقَّ ما أخذتُم عليهِ أجراً كتابُ اللهِ)) (¬1) ونبّهَ المصنفُ (¬2) في "نكتهِ" (¬3) على أنَّ البخاريَ قد يصنعُ ذلكَ لغرضٍ آخرَ غير الضعفِ، كما إذا ذَكَرَ الخبرَ بالمعنى لوجودِ الخلافِ في جوازِ الروايةِ بالمعنى، وكما إذا اختصرَهُ للخلافِ في جوازِ ذلكَ. وخبرُ ابنِ عباسٍ ليسَ فيهِ التصريحُ عنِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بالرقيةِ بفاتحةِ الكتابِ، وإنما فيهِ تقريرُهُ على ذلكَ، ونسبةُ ذلكَ إليهِ (¬4) صريحاً تكونُ نسبةً معنويةً، ويؤيدُ ذلكَ أنَّ البخاريَّ علّقَ بعضَهُ في الإجازةِ، في بابِ ما يُعطَى في الرقيةِ بفاتحةِ الكتابِ / 50أ / بلفظهِ، فعبَّرَ بصيغةِ الجزمِ فقالَ: ((وقالَ ابنُ عباسٍ عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - (¬5): إنَّ (¬6) أحقَّ ما أخذتُم عليهِ أجراً كتابُ اللهِ)) (¬7)، قالَ المصنِّفُ: ((على أنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ الموضعُ الذي ذكرهُ البخاريُّ بغيرِ إسنادٍ عنِ ابنِ عباسٍ مرفوعاً حديثاً آخرَ في الرقيةِ بفاتحةِ الكتابِ، غيرَ الحديثِ الذي رواهُ، كنحوِ ما وقعَ في حديثِ جابرٍ المذكورِ بعدهُ)) (¬8)، يعني: مما اعتُرضَ بهِ على ابنِ الصلاحِ، وهوَ قولهُ: ويذكرُ عن جابرٍ أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ردَّ على المتصدقِ (¬9) صدقتهُ، مع أنَّه صحيحٌ، ولفظهُ: ((دبَّر رجلٌ عبداً ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 7/ 170 (5737). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬3) التقييد والإيضاح: 37. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)). (¬5) عبارة: ((عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)) لم ترد في النسخ الخطية، وأثبتها من صحيح البخاري. (¬6) كلمة: ((إن)) لم ترد في صحيح البخاري. (¬7) صحيح البخاري 3/ 121. (¬8) التقييد والإيضاح: 37. (¬9) صحيح البخاري 3/ 159.

ليسَ له ملكٌ غيرَهُ، فباعهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من نعيمِ بنِ النحامِ)) (¬1). قالَ الشيخُ: ((هو بغيرِ لفظِ بيعِ العبدِ المدبرِ، بل الظاهرُ أنَّ البخاريَّ لم يُرد بردِّ الصدقةِ حديثَ جابر المذكورِ في بيعِ المدبر، بل حديث جابرٍ في الرجلِ الذي دخلَ، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يخطبُ، فأَمرَهم فتصدَّقوا عليهِ، فجاءَ في الجمعةِ الثانيةِ، فأمرَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالصدقةِ، فقامَ ذلكَ المتُصدّقُ عليهِ، فتصدّقَ بأحدِ ثوبيهِ، فردّهُ عليهِ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو حديثٌ ضعيفٌ، رواهُ الدارقطنيُّ (¬2))) (¬3). ومنَ الاعتراضاتِ قولُه في بابِ ذكرِ العشاءِ والعتمةِ: ((ويذكرُ عن أبي مُوسى: كنا نتناوبُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عندَ صلاةِ العِشاءِ، فأعتمَ بها)) (¬4). وقال في بابِ فضلِ العِشاءِ: ((حدّثنا محمدُ بنُ العلاءِ، قال: حدَّثَنا أبو أسامةَ، عن بريد (¬5)، عنِ أبي بردةَ، عن أبي موسى، قال: كنتُ أنا، وأصحابي الذين قدموا /50ب/ معي في السفينةِ نزولاً في بقيعِ بطحانَ، والنّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بالمدينةِ، فكانَ يتناوبُ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عندَ صلاةِ العشاءِ، كلّ ليلةٍ نفرٌ منا، فوافقنا النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولهُ بعضُ الشغلِ في بعضِ أمرهِ، فأعتمَ بالصلاةِ حتى ابهارّ الليلُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) الحديث أخرجه: أحمد 3/ 301 و370 و371 و390، والبخاري 3/ 91 (2141) و3/ 109 (2230) و9/ 91 (7186)، وأبو داود (3955) و (3956)، والترمذي (1219) من طرق عن جابر، به. (¬2) سنن الدارقطني 2/ 13 - 14 وفيه حديث جابر في الصلاة عند دخول المسجد في الجمعة، ولم يذكر فيه قصة الصدقة، وهذه القصة وردت في حديث أبي سعيد الخدري الذي أخرجه أحمد 3/ 25، وأبو داود (1675)، وابن ماجه (1113)، والترمذي (511). (¬3) التقييد والإيضاح: 37 - 38. (¬4) صحيح البخاري 1/ 147 - 148. (¬5) في نسخة (أ) و (ف): ((عن بريد بن أبي بردة))، والمثبت من " صحيح البخاري ". (¬6) صحيح البخاري 1/ 148 (567)، وانظر: التقييد والإيضاح: 36.

فتحررَ أنَّ مرادَ ابنِ الصلاحِ أنّا إذا وجدنا عندَ البخاري حديثاً مذكوراً بصيغةِ التمريضِ، ولم يذكرْهُ في موضعٍ آخرَ من كتابهِ مسنداً، أو تعليقاً مجزوماً بهِ لم نحكمْ عليهِ بالصحةِ، لا أنا نحكمُ بضَعفهِ بمجرد ذلكَ (¬1) (¬2). قوله: (يُشعرُ بصحةِ أصله .. ) (¬3) إلى آخره، عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعدهُ: ((ثمَّ إنَّ ما يتقاعدُ من ذلكَ عن شرطِ الصحيحِ قليلٌ (¬4)، يوجدُ في كتابِ البخاريِّ في مواضعَ من تراجمِ الأبوابِ، دونَ مقاصدِ الكتابِ وموضوعهِ، الذي يشعرُ بهِ اسمهُ الذي سماه بهِ وهوَ " الجامعُ المسندُ الصحيحُ المختصرُ من أمورِ سيدِنا (¬5) رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وسننهِ، وأيامهِ ". وإلى الخصوصِ الذي بينّاهُ يرجعُ مطلقُ قولهِ: ((ما أدخلتُ في كتابِ الجامعِ إلاّ ما صحَّ)) وكذلكَ مطلقُ قولِ الحافظِ أبي نصرٍ الوائلي السجْزي (¬6) أجمعَ أهلُ العلمِ الفقهاءُ وغيرُهم: أنَّ رجلاً لو حلفَ بالطلاقِ أنَّ جميعَ ما في كتابِ البخاري مما رُويَ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صحَّ عنه، ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالهُ، لاشكَّ فيهِ، أنَّهُ لا ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 94. (¬2) من قوله: ((واعترض على ابن الصلاح في ضمه حديث جرهد ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) التبصرة والتذكرة (43). (¬4) قال ابن حجر في نكته 1/ 324، وبتحقيقي: 135: ((أقول: بل الذي يتقاعد عن شرط البخاري كثير، ليس بالقليل، إلا أن يريد بالقلة قلة نسبية إلى باقي ما في الكتاب، فيتجه، بل جزم أبو الحسن بن القطان بأن التعاليق التي لم يوصل البخاري إسنادها، ليست على شرطه ... )) إلى آخر كلامه، فانظره، فإنه بحث ماتع. (¬5) لم ترد في معرفة أنواع علم الحديث. (¬6) السجزي -بكسر السين وسكون الجيم -: نسبة إلى سجستان على غير قياس. انظر: الأنساب 3/ 246.

يحنثُ (¬1)، والمرأةُ بحالها في حِبالتهِ (¬2)، وكذلكَ ما ذكرهُ أبو عبدِ اللهِ الحميديُّ في كتابهِ "الجمع /51أ / بينَ الصحيحينِ" من قولهِ: ((لم نجد منَ الأئمةِ الماضينَ مَن أفصحَ لنا في جميعِ ما جمعهُ بالصحةِ إلا هذين الإمامينِ)) (¬3) فإنما المرادُ بكلِ ذلكَ مقاصدُ الكتابِ، وموضوعُه، ومتونُ الأبوابِ، دونَ التراجمِ، ونحوها؛ لأنَّ في بعضها ما ليسَ من ذلكَ قطعاً، مثلَ قولِ البخاريِّ: ((بابُ ما يذكرُ في الفخذِ)) (¬4) .. إلى آخرهِ. وقولهُ في أولِ بابٍ من أبوابِ الغسلِ: ((وقالَ بهزٌ)) (¬5) ... إلى آخرهِ، فهذا قطعاً ليس من شرطهِ؛ ولذلكَ لم يوردْهُ الحُميديُ في " جمعهِ بينَ الصحيحينِ "، فاعلمْ ذلكَ، فإنَّهُ مهمٌ خافٍ)) (¬6) ذكرَ هذا في الفائدةِ السادسةِ منَ النوعِ الأولِ. قالَ شيخُنا: ((وقدِ (¬7) اعتبرتُ ما في البخاري من هذا فوجدتهُ يفصِّلُ، فإذا أوردَ نحوَ هذا في مقامِ الاحتجاجِ، وسكتَ عليهِ، فإنَّهُ يكونُ محتجاً بهِ صحيحاً، أو حسناً لذاتهِ كحديثِ بهز، أو لغيرهِ كقولهِ: ويُذكرُ عن عليٍّ: ((الدَّيْنُ قبلَ ¬

_ (¬1) الحنث: الخلفُ في اليمين، حنث في يمينه حنثاً: لم يبرَّ فيها. لسان العرب 2/ 151. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: في عصمته)). أقول: الحبالة --بالكسر -: هي ما يصاد بها من أي شيء كانت، والجمع: حبائل، ومنه: ما روي: ((النساء حبائل الشيطان)) أي: مصايده، والمرادُ هنا: في عصمته، انظر النهاية 1/ 333، ولسان العرب 11/ 136. (¬3) انظر: الجمع بين الصحيحين: 73 - 74. (¬4) صحيح البخاري 1/ 103. (¬5) صحيح البخاري 1/ 78. وانظر تعليقنا على معرفة أنواع علم الحديث: 95 - 96. (¬6) انتهى كلام ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 94 - 96. (¬7) من قوله: ((إلى آخره عبارة ابن الصلاح بعده .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

الوصيةِ)) (¬1) لا يُروَى عن عليٍّ إلاَّ من طريقِ الحارثِ، وهوَ ضعيفٌ اتفاقاً، لكن قُوِّيَ بالإجماعِ، فصارَ حسناً لغيرهِ، فهوَ منحطُّ الرتبةِ عن شرطهِ، فإذا كانَ ضعيفاً نبهَ عليهِ. هذا فعلهُ دائماً. قوله: (دونَ التراجمِ ونحوها) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ هنا: ((وما ذكرناهُ من الحكمِ في التعليقِ المذكورِ، فذلكَ فيما أوردهُ منهُ أصلاً ومقصوداً، لا فيما أوردهُ في معرضِ الاستشهادِ، فإنَّ الشواهدَ يحتملُ فيها ما ليسَ من شرطِ الصحيحِ، معلقاً كان أو موصولاً)) (¬3) وقد مضى ما نُقلَ عنهُ في القولةِ قبلها. قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((وما ذكرهُ الوائليُّ - أي: منَ الحلفِ / 51ب / بالطلاقِ على نفي الشكِ عن صحةِ ما في البخاريِّ - (¬4) لا يقتضي أنّهُ لا يشكُّ في صحتهِ، ولا أنَّهُ مقطوعٌ بهِ؛ لأنَّ الطلاقَ لا يقعُ بالشكِ، وقد ذكرَ المصنِّفُ هذا في "شرحِ مسلمٍ" (¬5) لهُ، فإنَّهُ حَكَى عن إمامِ الحرمينِ أنَّهُ لو حلفَ إنسانٌ بطلاقِ امرأتِهِ: ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 4/ 6، وقال ابن حجر في الفتح 5/ 462 عقب (2749): ((هذا طرف من حديث أخرجه: أحمد 1/ 79 و131 و144، والترمذي (2094) و (2095)، وغيرهما من طريق الحارث، وهو الأعور، عن عليّ بن أبي طالب قال: ((قضى محمد - صلى الله عليه وسلم - أنّ الدين قبل الوصية، وأنتم تقرؤن الوصية قبل الدين .. ))، وهو إسناد ضعيف، لكن قال الترمذي: ((إنّ العمل عليه عند أهل العلم)). وكأنّ البخاري اعتمد عليه لاعتضاده بالاتفاق على مقتضاه، وإلاّ فلم تجر عادته أن يورد الضعيف في مقام الاحتجاج به. وانظر بلا بد كتابنا: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 40. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 139. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 148. (¬4) ما بين الشارحتين جملة تفسيرية توضيحية من البقاعي -رحمه الله -. (¬5) انظر: شرح صحيح مسلم للنووي 1/ 20 - 21.

إنَّ ما في كتابِ البخاري ومسلمٍ مما حكمنا بصحتهِ من قولِ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، لما ألزمتُهُ الطلاقَ، ولا حنثتهُ؛ لإجماعِ علماءِ المسلمينَ على صحتهما، ثمَّ قالَ الشيخُ أبو عمرٍو (¬1): ولقائلٍ أنْ يقولَ: إنَّهُ لا يحنثُ، ولو لم يجمعِ المسلمونَ على صحتهما؛ للشكِّ في الحنثِ، فإنَّهُ لو حلفَ بذلكَ في حديثٍ ليسَ هذهِ صفتهُ لم يحنثْ، وإنْ كانَ راويهِ فاسقاً، فعدمُ الحنثِ حاصلٌ قبلَ الإجماعِ، فلا يضافُ إلى الإجماعِ، ثمَّ قالَ -: والجوابُ أنَّ المضافَ إلى الإجماعِ هوَ القطعُ بعدمِ الحنثِ ظاهراً، وباطناً. وأمّا عندَ الشكّ فمحكومٌ بهِ ظاهراً، معَ احتمالِ وجودهِ باطناً، فعلى هذا يحملُ كلامُ إمامِ الحرمينِ، فهوَ الأليقُ بتحقيقهِ. وقالَ النوويُّ في "شرحِ مسلمٍ" (¬2): ما قالهُ الشيخُ في تأويلِ كلامِ إمامِ الحرمينِ في عدمِ الحنثِ فهوَ بناء على ما اختارهُ الشيخُ، وأما على مذهبِ الأكثرينَ، فيحتملُ أنَّهُ أرادَ أنَّه لا يحنثُ ظاهراً، ولا يستحبُّ له التزامُ الحنثِ حتى يستحبَّ له الرجعةُ، كما إذا حلفَ بمثلِ ذلكَ في غيرِ الصحيحينِ فإنّا لا نحنثهُ، لكن تستحبُ له الرجعةُ احتياطاً؛ لاحتمالِ الحنثِ، وهو احتمالٌ ظاهرٌ، قالَ: وأمَّا الصحيحانِ فاحتمال الحنثِ فيهما في غايةِ الضعفِ، فلا يستحبُّ له الرجعةُ (¬3)؛ لضعفِ احتمالِ موجبها (¬4))) (¬5). قولهُ: (وإن يكن أولُ الإسنادِ حذفَ) (¬6) إلى آخرهِ، نَصَبَ ((تعليقاً)) إما على نزعِ الخافضِ، أي: عُرفَ بالتعليقِ، أو إنَّهُ /52أ / ضَمَّنَ ((عُرفَ)) معنى ((سمي))، ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((هو ابن الصلاح)). ولا يزال الكلام للعراقي. (¬2) شرح صحيح مسلم 1/ 21. (¬3) في شرح صحيح مسلم: ((المراجعة)). (¬4) من قوله: ((قوله: دون التراجم ونحوها ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) التقييد والإيضاح: 39. (¬6) التبصرة والتذكرة (44).

فكأنهُ قال: سمي تعليقاً، ولايصحُ نصبهُ على الحالِ، ومسألةُ التعليقِ ذَكَرها ابنُ الصلاحِ في الفرعِ الرابعِ من فروعٍ أتبعها بالمرسلِ والمنقطعِ والمعضلِ، فقال: ((التعليقُ الذي يذكُرهُ أبو عبدِ اللهِ الحُميديُّ صاحبُ " الجمعِ بينَ الصحيحينِ "، وغيرُهُ من المغاربةِ في أحاديثَ منْ " صحيح (¬1) البخاري " قطع إسنادَها، وقد استعملهُ الدارقطنيُّ (¬2) مِن قبلُ صورتُه صورةُ الانقطاعِ، وليسَ حكمُهُ حكمَهُ - أي: المعلق (¬3) - ولا خارجاً (¬4) مما (¬5) وجد ذلكَ فيهِ منهُ من قبيلِ الصحيحِ (¬6) إلى قبيلِ الضعيفِ، وذلكَ لما عرفَ من شرطهِ وحكمهِ (¬7) على ما نبهنا عليهِ (¬8) في الفائدةِ السادسةِ من النوعِ (¬9) الأولِ - يعني: ما ذكرتُهُ عنه آنفاً - (¬10)، ولا التفاتَ إلى أبي محمدِ بنِ حزمٍ الظاهريِّ الحافظِ في ردِّهِ (¬11) ما أخرجهُ البخاريُّ (¬12) من حديثِ أبي عامرٍ .. إلى آخرهِ، من جهةِ أنَّ البخاريَّ أوردهُ قائلاً فيهِ: ((قالَ هشامُ بنُ عمارٍ ... )) ¬

_ (¬1) في (ف): ((حديث)). (¬2) انظر: الإلزامات: 151 و 283. (¬3) جملة توضيحية من البقاعي، ولم ترد في (ف). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ولا خرج الذي)). (¬5) في (أ) و (ك): ((ما)). (¬6) زاد بعدها في (ف): ((إلى قبيل الصحيح)). (¬7) انظر بلابد تعليقنا على معرفة أنواع علم الحديث: 149 هامش (5). (¬8) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: الصحيح)). (¬9) في المعرفة: ((الفرع)). (¬10) جملة توضيحية من البقاعي. (¬11) انظر: المحلى 9/ 59. (¬12) صحيح البخاري 7/ 138 (5590).

وساقهُ بإسنادِهِ، فزعمَ ابنُ حزمٍ أنَّهُ منقطعٌ فيما بينَ البخاري وهشامٍ (¬1)، وجعلهُ جواباً عن الاحتجاجِ بهِ على تحريمِ المعازفِ)) (¬2) إلى آخره. قال الشيخُ في " النكتِ ": ((اعترضَ عليهِ بأنَّ شرطَ البخاريِّ أنْ سمى كتابهُ بالمسندِ الصحيحِ، والصحيحُ هو ما فيهِ منَ المسندِ دونَ مالم يسندهُ، وهذا الاعتراضُ يؤيدهُ قولُ ابنِ القطانِ في "بيانِ الوهمِ والإيهامِ": ((إنَّ البخاريَّ فيما يعلّقُ من الأحاديثِ في الأبوابِ غيرُ مبالٍ بضعفِ رواتها، فإنها غيرُ معدودة فيما انتخبَ، وإنما يعدُّ من ذلكَ ما وصلَ الأسانيدَ بهِ، فاعلمْ ذلكَ)) (¬3). انتهى. ثمَّ قالَ: ((والجوابُ أنَّ المصنفَ إنما يحكمُ بصحتها إلى مَن علّقها عنه إذا ذكرهُ بصيغةِ الجزمِ)) (¬4). أي: / 52ب / لأنَّ ابنَ الصلاحِ أحالَ على ما قال في الفائدةِ السادسةِ، وعبارتهُ هناكَ: ((ما أسندهُ البخاريُّ، ومسلمٌ في كتابيهما بالإسنادِ المتصلِ، فذلكَ الذي حكما بصحتهِ بلا إشكالٍ، وأمَّا الذي حُذفَ من مبتدأ إسنادهِ واحدٌ، أو أكثرُ، وأغلبُ ما وقعَ ذلكَ في كتابِ البخاريِّ (¬5)، وهو في كتابِ مسلمٍ ¬

_ (¬1) قال العراقي في التقييد: 90: ((إنما قال ابن حزم في المحلى: هذا حديث منقطع لم يتصل فيما بين البخاري وصدقة بن خالد. انتهى. وصدقة بن خالد هو شيخ هشام بن عمار في هذا الحديث، وهذا قريب إلا أن المصنف لا يجوز تغيير الألفاظ في التصانيف، وإن اتفق المعنى)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 145 - 146. (¬3) التقييد والإيضاح: 90. (¬4) التقييد والإيضاح: 90. (¬5) قال ابن حجر في هدي الساري: 659: ((فجملة ما في الكتاب من التعاليق ألف وثلاث مئة وواحد وأربعون حديثاً، وأكثرها مكرر، مخرج في الكتاب أصول متونه، وليس فيه من المتون التي لم تخرج في الكتاب، ولو من طريق أخرى إلا مئة وستون حديثاً)). أقول: ولابن حجر كتاب فريد في بابه، وصل فيه التعاليق التي في صحيح البخاري سماه: تغليق التعليق، ولخصه ابن حجر نفسه في هدي الساري من صفحة 21 إلى 98.

قليلٌ جداً (¬1)، ففي بعضه نظرٌ، وينبغي أنْ نقولَ: ما كانَ من ذلكَ، ونحوه بلفظٍ فيهِ جزمٌ، وحكمٌ بهِ على من علقهُ عنهُ، فقد حكمَ بصحتهِ عنهُ (¬2))) إلى آخرِ كلامهِ في بيانِ حكمِ ذلكَ، وحكمِ الممرضِ. وهذا تصريحٌ منه مما لا يتوجه معهُ عليهِ هذا الاعتراضُ (¬3). قولهُ: (من أولِ إسنادِ البخاريِّ أو مسلمٍ) (¬4) مثالٌ لكونهِ في ذكرِ أحكامِ الصحيحينِ وتعليقهما، وإلاّ (¬5) فالتعليقُ لا يختصُّ بهما، بل متى وجدنا شخصاً ذكرَ حديثاً، أو أثراً، وحذفَ إسنادهُ، أو بعضه مما يليهِ، سميناهُ تعليقاً، وقد علّقَ ¬

_ (¬1) بلغت ثلاثة مواضع فقط، وصل اثنان منها في صحيحه، ثم لما احتاج تكرارها علقها، فلم يبق فيه غير حديث واحد غير موصول، وهو حديث أبي الجهيم بن الحارث: ((أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جملَ .. )) الحديث؛ إذ علقهُ مسلم بلفظِ: ((روى الليث بن سعد، عن جعفر بن ربيعة، عن عبد الرحمان بن هرمز، عن عمير مولى ابن عباس: أنّه سمعه يقول: أقبلتُ أنا وعبد الرحمان بن يسار مولى ميمونة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حتى دخلنا على أبي الجهيم)). صحيح مسلم 1/ 194 (369). وهذا الحديث وصله أحمد 4/ 169 من طريق أخرى، وهي طريق الحسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن الأعرج. ومن طريق الليث وصله: البخاري 1/ 92 (337)، وأبو داود (329)، والنسائي 1/ 165، وفي " الكبرى "، له (307)، وابن خزيمة (274)، وأبو عوانة 1/ 307. فائدة: جميع من وصل الحديث ذكر: عبدالله بن يسار، وانفرد مسلم بقوله: عبد الرحمان بن يسار. وانظر: التقييد والإيضاح: 32 - 33، ونكت ابن حجر 1/ 344 - 353، وبتحقيقي: 149 - 156. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 92 - 93. (¬3) من قوله: ((ومسألة التعليق ذكرها ابن الصلاح .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 141. (¬5) من قوله: ((لكونه في ذكر أحكام .... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

أبو داودَ (¬1)، وغيرهُ. قولهُ: (إذا قاء فلا يفطر) (¬2) وكقولهِ في الطبِ (¬3): وقالَ عبادُ بنُ منصورٍ، عن أيوبَ، عن أبي قلابةَ، عن أنسٍ: أنَّ النبيَ - صلى الله عليه وسلم - ((أذنَ لأهلِ بيتٍ من الأنصارِ أنْ يرقوا من الحمة)) (¬4)، وكقولهِ في هجرةِ (¬5) النبي - صلى الله عليه وسلم -: وقالَ عبدُ اللهِ بنُ يزيدٍ، وأبو هريرةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((لولا الهجرةُ لكنتُ امرءاً منَ الأنصارِ)). قولهُ: (وقد تقدمَ) (¬6)، أي: في شرحِ الأبياتِ قبلَ هذهِ (¬7). قولهُ: (من قطع الاتصالَ) (¬8) هو كذلكَ من حيثُ أنَّ تعليقَ الطلاقِ سببٌ لقطعِ العصمةِ، على تقديرِ فعلِ المعلقِ عليهِ، فهو قاطعٌ للعصمةِ في بعضِ الصورِ، ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال: سنن أبي داود (88) و (180) و (237) و (723) و (1236) و (4960). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142، والحديث في صحيح البخاري 3/ 42 عقب (1937) ولفظه: ((وقال لي يحيى بن صالح، حدثنا معاوية بن سلام، حدثنا يحيى، عن عمر بن الحكم ابن ثوبان، سمع أبا هريرة - رضي الله عنه -: ((إذا قاء فلا يفطر)) هذا الحديث هكذا لفظه من صحيح البخاري (الطبعة الأميرية) والفتح، وعمدة القارى 11/ 35. وفي تحفة الأشراف 10/ 287 حديث (14265) رقم له برقم التعليق (خت). ولكن ليس فيه عنده ((لي)) وصنيع الإمام المزي في تحفة الأشراف يرقم برقم التعليق لما ليس فيه: ((لي)) وما صدره البخاري بعبارة: ((لي)) فيعده موصولاً. ولعل الإمام العراقي قلد المزي في ذلك. (¬3) صحيح البخاري 7/ 166 (5719) و (5720) و (5721). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ذات السموم)). (¬5) صحيح البخاري 5/ 71. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142. (¬7) من قوله: ((قوله: إذا قاء فلا يفطر .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142، والعبارة في الأصل هي لابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 149، وقد اعترض عليه في ذلك، انظر: نكت الزركشي 2/ 55، ومحاسن الاصطلاح: 162، ونكت ابن حجر 2/ 603 وبتحقيقي: 375.

هذا وجهُ الشبهِ، وهو كافٍ؛ إذ لا تلزمُ المساواةُ من كلِّ جهةٍ، وإنْ كانَ بتعليقِ الجدارِ أشبهُ فهدمُ / 53أ / ما تشعبَ من الجدارِ شبيهٌ بحذفِ بعضِ السندِ، والخشب الذي يُحملُ عليهِ في زمانِ التعليقِ شبيهٌ بذلكَ الإسنادِ المحذوفِ، فإنَّه اتصالٌ فيهِ خفاءٌ بالنسبةِ إلى ما كان في الموضعين، واللهُ أعلمُ. قوله: (ولم أجد) (¬1) إلى آخره، لم أدرِ ما حملهُ على ذكرِ هذا بالنسبةِ إلى وسطِ الإسنادِ وآخرهِ فإنَّ لكلِ سقطٍ اسماً يخصهُ، كالعضلِ والقطعِ والإرسالِ، كما يأتي إن شاءَ اللهُ تعالى. وأمّا ما لم يجزمْ بهِ، فعدمُ وجدانهِ له لا يقدحُ في تسميتهِ تعليقاً. قلتُ: قالَ في " الشرحِ الكبيرِ ": ((فيقولونَ ذكرهُ البخاريُّ تعليقاً مجزوماً أو تعليقاً ممرضاً، واللهُ أعلمُ)) (¬2). قوله: (ذكرهُ في الأطرافِ) (¬3) اعلمْ أنَّ المزيَّ وقعَ له فيه (¬4) وهمٌ في الأطرافِ بجعلهِ متنَ هذا السندِ: أنَّهُ كانَ على أمِ كلثومٍ بنتِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ثوبُ حريرٍ (¬5)، وليسَ هذا متنهُ، ولو كانَ متنه لم يكن فيهِ دلالةٌ على مسِّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142، والعبارة لابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 149. (¬2) من قوله: ((قلت: قال في الشرح الكبير .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142، وانظر تحفة الأشراف 1/ 390 حديث (1533) والإمام المزي واهم في تعيين هذا المعلق. وقد ناقشهُ الحافظ ابن حجر في النكت الظراف 1/ 390، ولو أردت نقله ومناقشته لطال بي المقام. وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري (10/ 291 عقب (5836)): ((ذكره المزي في الأطراف أنه أراد بهذا التعليق - وليس هذا مراد البخاري - فلو كان هذا الحديث مراده لجزم به، لأنه صحيح عنده على شرطه)). (¬4) في (أ) و (ك): ((منه)). (¬5) صحيح البخاري 7/ 194.

أحدٍ منَ الرجالِ له، وإنما مسه (¬1) حي بمنديل حريرٍ، فجعلَ أصحابُ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - يعجبونَ من لينهِ، فقالَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ((لمناديلُ سعدِ بنِ معاذٍ في الجنةِ ألينُ من هذا)) (¬2) أو كما وردَ. وكذا استعملهُ النوويُّ في غيرِ المجزومِ فقالَ في " الرياضِ " بعدَ أنْ أوردَ حديثَ عائشةَ -رضي الله عنها-: ((أُمرْنا أنْ نُنْزِلَ الناسَ منازلهم)): ((وقد ذكرهُ مسلمٌ في "صحيحهِ" (¬3) تعليقاً، فقالَ: وذكرَ عن عائشةَ قالت: ((أمرنا)))) (¬4). قال الشيخُ في "النكتِ": ((وكذا فعلَ غيرُ واحدٍ من الحفاظِ، يقولونَ: ذكرهُ البخاريَ تعليقاً مجزوماً، أو تعليقاً غير مجزومٍ بهِ، إلا أنَّه يجوزُ أنَّ هذا الاصطلاحَ يتحددُ، فلا لومَ على / 53 ب / المصنِّفِ في قولهِ: إنَّهُ لم يجدهُ. قولهُ: (في حذفِ كل الإسنادِ) (¬5) سيأتي في المعضلِ أنَّ ابنَ الصلاحِ قال: ((وقولُ المصنفين: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كذا، من قبيلِ المعضلِ (¬6))) (¬7). قوله: (ولم يذكرِ المزيُّ) (¬8) هذا في "الأطرافِ" هو فائدةٌ زائدةٌ (¬9)، لا تصلحُ أنْ تكونَ رداً لشيء من كلامِ ابنِ الصلاحِ؛ فإنَّ عدمَ ذكرِ المزيِّ له، لا يدلُ ¬

_ (¬1) في (ف): ((متنه)). (¬2) صحيح البخاري 8/ 163 (6640). (¬3) مقدمة صحيح مسلم 1/ 6، ط. فؤاد، و1/ 5، ط. الإستانبولية وقد تقدم تخريجه. (¬4) رياض الصالحين: 174 حديث (360). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 143، وعبارته: ((ولو حذف الإسناد)). (¬6) من قوله: ((وكذا استعمله النووي في غير المجزوم .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 138 بتصرف شديد. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 143. (¬9) لم ترد في (ك).

على كونهِ غيرَ تعليقٍ، فإنَّه ليس من شرطهِ؛ لأنَّ موضوعَ كتابهِ الأسانيدُ، يبينُ ما فيها منِ اختلافٍ، وغيرِه. قوله: (فكذي عنعنةٍ) (¬1) ليس كذلكَ، بل المعتمدُ في ما (¬2) قالهُ ما حققهُ الحافظُ الخطيب (¬3) من أنها ليست كعن؛ فإنَّ الاصطلاحَ فيها مختلفٌ، فبعضُ أهلِ الفنِّ يستعملُها في السماعِ دائماً، كحجاجِ بنِ موسى المصيصي (¬4) الأعورِ، فإنَّه لا يقولُ فيما سمعهُ من مشايخهِ إلا: ((قالَ فلانٌ، دائماً، وبعضُهم يعكسُ، فلا يستعملُها إلاَّ فيما لم يسمعهُ دائماً، وبعضُهم يستعملُها تارةً هكذا، وتارةً هكذا، كالبخاري، فلا يحكمُ عليها بحكمٍ مطَّردٍ، بل من كانَ كحجاجٍ حملت في عبارتهِ على السماعِ أبداً، ومن عكس ذلكَ حملناها على الانقطاعِ أبداً، ومن كانَ كالبخاري، أو لم نعلمْ حالَهُ لا نحكمُ عليهِ بشيء حتى نعلمَ حقيقةَ الحالِ في الواقعِ بحسبِ كلِ مكانٍ، وهكذا ذكر استعملها أبو قرةَ موسى بنُ طارقٍ في كتابهِ " السننِ في السماعِ " لم يذكرْ سواها فيما سمعَهُ من شيوخه في جميعِ الكتابِ، فمن كانَ كحالهِ، حملناها في كلامهِ على السماعِ، وإلاّ فَصَّلْنا. وقد عرفَ بتحقيقِ هذا المقامِ منع قولهِ: ((فلهُ حكمُ الاتصالِ)) (¬5) قالَ بعضُ أصحابنا: قالَ شيخُنا حافظُ العصرِ: والذي / 54أ / ظهرَ لي بالاستقراءِ من صنيعِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (45) و (46). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: البغدادي)) انظر: الكفاية: 408. (¬4) كذا في (أ) و (ف) وتدريب الراوي: ((حجاج بن موسى)) ولم أقف على ترجمته والذي وقفت على ترجمته هو حجاج بن محمد المصيصي الأعور. انظر: سير أعلام النبلاء 9/ 447، والتقريب: (1135). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 143.

البخاريِّ أنَّهُ لا يأتي بهذهِ الصيغةِ إلا إذا كان المتنُ ليسَ على شرطهِ في أصلِ موضوعِ كتابهِ، كأنْ يكونَ ظاهرهُ الوقفَ، أو في السندِ من ليسَ على شرطهِ في الاحتجاجِ (¬1)، فمن أمثلةِ الأولِ قوله في كتابِ النكاحِ، في بابِ ما يحلُّ من النساءِ وما يحرمُ: قال لنا أحمدُ بنُ حنبلٍ: حدّثَنا يحيى بنُ سعيدٍ، هوَ القطانُ، فذكرَ عن ابنِ عباسٍ قالَ: ((حرمَ من النسبِ سبعٌ، ومنَ الصهرِ سبعٌ ... )) الحديثَ (¬2). فهذا من كلامِ ابنِ عباسٍ، فهوَ موقوفٌ، وإنْ كانَ يمكنُ أن يُتلمح لهُ ما يلحقهُ بالمرفوعِ. ومن أمثلتهِ قوله في المزارعةِ: قال لنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ: حدّثَنا أبانُ العطارُ، فذكرَ حديثَ أنسٍ: ((لا يغرسُ مسلمٌ غرساً)) .. الحديثَ (¬3) فأبانُ ليسَ على شرطهِ، كحمادِ بنِ سلمةَ، وعبّر في التخريجِ لكلٍ منهما بهذهِ الصيغةِ لذلكَ. قولهُ: (يلي النوعَ الحاديَ عشرَ) (¬4) هو المعضلُ (¬5). قولهُ: (وبلغني عن بعضِ المتأخرينَ) (¬6) هو ابنُ القطانِ (¬7). قولهُ: (المتصلُ من حيثُ الظاهرُ) (¬8) إلى آخرهِ، مُسلّمٌ في: ((قالَ لنا)) ونحوها، فإنَّ ظاهرها الاتصالُ بالنظرِ إلى اللفظِ، ومن حيثُ احتمالُها للإجازةِ يطرقُها احتمالُ الانفصالِ، وأمّا ((قالَ)) المجردةُ عن ضميرِ المتكلمِ، فهي بعكسِ هذا، ¬

_ (¬1) أورد الحافظ نحو هذا الكلام في مقدمة تغليق التعليق 2/ 10. (¬2) صحيح البخاري 7/ 13 عقب (5105) ولفظة: ((الحديث)) لم ترد في (ف). (¬3) صحيح البخاري 3/ 135 (2320). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 143. (¬5) من قوله: ((قال بعض أصحابنا: قال شيخنا .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 143، وهي عبارة ابن الصلاح في المعرفة: 148. (¬7) انظر: نكت ابن حجر 2/ 600 وبتحقيقي: 372. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144.

ظاهرُها الانفصالُ، ولها حكمُ الاتصالِ من حيثُ احتمالُها لهُ، وبقيةُ ما نَقلَ ابنُ الصلاحِ عن بعضِ المتأخرينَ وقالَ: ((متى رأيتَ البخاريَّ يقولُ: وقالَ لي فلانٌ، وقال لنا فلانٌ، فاعلمْ أنَّه إسناد لم يذكرهُ للاحتجاجِ بهِ، وإنما ذكرهُ للاستشهادِ بهِ، وكثيراً ما يعبرُ المحدّثونَ بهذا اللفظِ عما جرى بينهم في المذاكراتِ، والمناظراتِ، وأحاديثُ المذاكرةِ قلَّ ما يحتجونَ بها)) /54ب/ قال (¬1): ((وما ادّعاهُ على البخاري مخالفٌ لما قالهُ مَن هوَ أقدمُ منهُ، وأعرفُ منه (¬2) بالبخاريِّ، وهوَ العبدُ الصالحُ أبو جعفر بنُ حمدانَ النيسابوريُّ (¬3)، فقد رُوِّينا عنهُ أنَّه قالَ: كلُّ ما في (¬4) البخاري: ((قال لي فلانٌ)) فهوَ عرضٌ ومناولةٌ)) (¬5). قولهُ: (قال القعنبي) (¬6) كذا بعدهُ في كلامِ ابنِ الصلاحِ: ((رَوَى أبو هريرةَ كذا، وكذا ما أشبهَ ذلكَ من العباراتِ، فكلُ ذلكَ حكمٌ منهُ (¬7) على مَن ذكرهُ عنهُ بأنَّهُ قد قالَ ذلكَ، ورواهُ، فلن يستجيزَ إطلاق ذلكَ إلاَّ إذا صحَّ عندهُ ذلكَ عنه، ثمَّ إذا كانَ الذي علّقَ الحديثَ عنهُ دونَ الصحابةِ، فالحكمُ بصحتهِ يتوقفُ على اتصالِ الإسنادِ بينهُ، وبينَ الصحابي)) (¬8)، أي: على الشرطِ الذي تقدمَ في الصحيحِ من الثقةِ والضبطِ ... إلى آخرِ الشروطِ، ليحترزَ بذلكَ عن مثلِ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬2) لم ترد في (أ) و (ك). (¬3) هو الحافظ أبو جعفر أحمد بن حمدان الحيري النيسابوري الإمام ت (311) هـ. انظر: تأريخ بغداد 4/ 115، وسير أعلام النبلاء 14/ 299، والوافي بالوفيات 6/ 360. (¬4) في (ف): ((ما قال)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 148 - 149، وهذا حكاه الذهبي عن الحاكم: عن ابنه أبي عمرو عنه. سير أعلام النبلاء 14/ 300. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي المعلق)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 93 - 94.

بهزٍ، وأنظاره ممن أبرزه، وليسَ على شرطهِ. وكلامه هذا فيه تسويغٌ للتصحيحِ الذي منعهُ، فتأملهُ. (¬1) قوله (¬2): (مخالفٌ لكلامهِ الذي قدمناه عنه) (¬3)، أي: نقلاً عن التفريعاتِ. (¬4) وإنما حملهُ على عدهِ مخالفاً، ظنه أنَّ التعليقَ عندَ ابنِ الصلاحِ خاصٌ بالبخاري، ومسلمٍ، وليسَ كذلكَ. وإنما اقتصرَ على ذكرِهما؛ لأنَّهُ في بحثِ الصحيحِ، فليسَ في كلامهِ اختلافٌ، فإنْ قالَ (¬5): عفانٌ مثلاً تعليقٌ بالنسبةِ إلى غيرِ من أخذَ عنهُ، بل وبالنسبةِ إلى من أخذَ عنهُ إذا عرفَ أنَّه لم يسمع ذلكَ (¬6) الحديثَ منهُ. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ واضحةٌ في ذلكَ من السادسِ من التفريعاتِ المذكورةِ / 55أ / فإنَّهُ قالَ: ((مثالُ ذلكَ قولُه (¬7): قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كذا)) (¬8) إلى أنْ قالَ: ((وهكذا إلى شيوخِ شيوخهِ)) فرد المحتملِ من كلامهِ إلى الصريحِ أولى من حملهِ على التناقضِ (¬9)، واللهُ أعلمُ. وقولهُ: (حدثَ عنه في مواضعَ من صحيحهِ متصلاً) (¬10) إنما يسلّمُ بالنسبةِ إلى القعنبي، وأما عفانُ فليسَ عندهُ عنهُ (¬11) بلا واسطةٍ إلا موضعٌ واحدٌ، اختلفَ فيهِ ¬

_ (¬1) من قوله: ((وبقية ما نقل ابن الصلاح ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144. (¬4) عبارة: ((أي: نقلاً عن التفريعات)) لم ترد في (ك). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬6) لم ترد في (ك). (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي: المعلق)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 93. (¬9) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح واضحة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144. (¬11) لم ترد في (ك).

على رواةِ البخاري: فبعضهم يقولُ فيهِ: ((حدثنا عفانُ)) وبعضهم يقولُ: ((قالَ عفانُ)) (¬1) وأخرجَ عنه بالوسائطِ كثيراً (¬2) (¬3). قولهُ: (وعلى هذا) (¬4) الإشارةُ إلى قولِ ابنِ الصلاحِ: ((قال القعنبيُّ: قالَ عفانُ)) (¬5) بالنسبةِ إلى من أخذَ عنهما. قولهُ: (وقالَ فلانٌ وهو تدليسٌ) (¬6) غيرُ صحيحٍ، وقد تقدّمَ الانفصالُ عن ذلكَ بتفصيلِ الخطيبِ. قوله: (وكذلكَ مسلم) (¬7) غيرُ صحيحٍ، فإنَّ مسلماً لا يستعملُ ((قالَ)) (¬8) فيما يرويهِ عن شيوخهِ، قالَ الشّيخُ في " النكتِ ": ((وهو مردودٌ عليهِ - أي: ابنِ منده - (¬9)، ولم يوافقهُ عليهِ أحدٌ علمتُه، والدليلُ على بطلانِ كلامه أنَّه ضمَّ مع البخاريِّ مسلماً في ذلكَ، ولم يقل مسلمٌ في " صحيحهِ " بعدَ المقدمةِ عن أحدٍ من شيوخه: قالَ فلانٌ، وإنما رَوَى عنهم بالتصريحِ، فهذا يدلُّك على توهينِ كلامِ ابنِ ¬

_ (¬1) وقع هذا في حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: قال: ((قلت كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة .... )) فقد ورد في صحيح البخاري بصيغة: ((حدثنا عفان)) وورد في تحفة الأشراف بصيغة: ((قال عفان)) قال ابن حجر في النكت: ((وقع في رواية أبي ذر عن شيوخه الثلاثة: حدثنا عفان، وكذا في سماعنا من طريق أبي الوقت)). تحفة الأشراف مع النكت الظراف (10472). (¬2) عبارة: ((وأخرج عنه بالوسائط كثيراً)) لم ترد في (ك). (¬3) انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري 9/ 117 (7290). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 144. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 93. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 145 وهو كلام ابن منده. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 145 وهو كلام ابن منده أيضاً. (¬8) لم ترد في (ك). (¬9) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

منده، لكنْ سيأتي في النوعِ الحاديَ عشرَ ما يدلكَ على أنَّ البخاريَّ قد يذكرُ الشيءَ عن بعضِ شيوخهِ، ويكونُ بينهما واسطةٌ)) (¬1)، وقال في الموضعِ المذكورِ: ((ويشكلُ على ما ذكرهُ المصنفُ - أي: من أنَّ ما عبرَ فيهِ البخاريُّ عن شيخٍ له بـ ((قالَ)) فهوَ متصلٌ - (¬2) أنَّ / 55ب / البخاريَّ قال في "صحيحهِ" في كتابِ الجنائزِ، في بابِ ما جاءَ في قاتلِ النفسِ: وقالَ حجاجُ بنُ منهالٍ: حدثنا جريرُ بنُ حازمٍ، عنِ الحسنِ، حدثنا جندبُ في هذا المسجدِ، فما نسيناهُ .. الحديثَ (¬3). فحجاجُ بنُ منهالٍ أحدُ شيوخِ البخاريِّ، قد سمعَ منهُ أحاديثَ، وقد علّقَ عنهُ هذا الحديثَ، ولم يسمعهُ منهُ، وبينهُ وبينهُ واسطةٌ، بدليلِ أنَّه أوردهُ في بابِ ما ذكر عن بني إسرائيلَ، فقالَ: حدثنا محمدٌ، حدثنا حجاج، حدثنا جرير، عنِ الحسنِ حدثنا جندب .. فذكرَ الحديثَ (¬4)، فهذا يدلُّ على أنَّهُ لم يسمعهُ من حجاجٍ، وهذا تدليسٌ. فلا ينبغي أنْ يحملَ ما علّقه عن شيوخهِ على السماعِ منهم، ويجوزُ أنْ يقالَ: إنَّ البخاريَّ أخذَه عن حجاجِ بنِ منهالٍ بالمناولةِ، أو في حالِ المذاكرةِ، على الخلافِ الذي ذكرهُ ابنُ الصلاحِ، وسمعه ممن سمعهُ منهُ، فلم يستحسنِ التصريح باتصالهِ بينهُ وبينَ حجاجٍ، لما وقعَ من تحمّلهِ، وقد صحَّ عنه (¬5) بواسطةِ الذي حدّثهُ بهِ عنهُ، فأتى بهِ في موضعٍ بصيغةِ التعليقِ، وفي موضعٍ آخرَ بزيادةِ الواسطةِ. وعلى هذا فلا يُسمَّى ما وقعَ منَ البخاريِّ على هذا التقديرِ تدليساً)). (¬6) انتهى. وسيأتي في التدليس عن الخطيبِ جوابٌ آخرُ. ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 34. (¬2) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬3) صحيح البخاري 2/ 120 (1364). (¬4) صحيح البخاري 4/ 208 (3463). (¬5) في التقييد: ((عنده)). (¬6) التقييد والإيضاح: 91.

قال الشيخُ (¬1): ((وعلى كلِّ حالٍ فهوَ محكومٌ بصحتهِ؛ لكونهِ أتى بهِ (¬2) بصيغةِ الجزمِ، كما تقدّمَ فيما قاله ابنُ حزمٍ في حديثِ البخاريِّ عن هشامِ بنِ عمارٍ بحديثِ المعازفِ: مِن أنَّه ليسَ متصلاً عندَ البخاريِّ يمكنُ أنْ يكونَ البخاريُّ أخذَهُ عن هشامٍ مناولةً، أو في المذاكرةِ؛ فلم يصرّح فيهِ بالسماعِ)) (¬3). وقولهُ: (إنَّهُ لا / 56أ / يصحُّ، وإنَّهُ موضوع) (¬4) مردودٌ عليهِ، فقد وَصَلهُ غيرُ البخاريِّ من طريقِ هشامِ بنِ عمارٍ، ومن طريقِ غيرهِ، فقالَ الإسماعيليُّ: ... إلى آخرهِ (¬5)، واختلفَ في محمدٍ شيخِ البخاري في حديثِ جندبَ، فقيلَ: هو محمدُ بنُ يحيى الذهليُّ، وهوَ الظاهرُ، فإنَّهُ رَوَى عن حجاجِ بنِ منهالٍ، والبخاريُّ عادتهُ لا ينسبهُ إذا رَوَى عنهُ، إمّا لكونهِ من أقرانهِ، وإمّا لما جرى بينهما، وقيلَ: هو محمدُ بنُ جعفرَ السمنانيُّ. ثمَّ قالَ: وقد يجابُ عن المصنفِ بما ذَكرهُ هنا عقبَ الإنكارِ على ابنِ حزمٍ، وهوَ قولهُ: ((والبخاري قد يفعلُ مثلَ ذلكَ؛ لكونِ ذلكَ الحديثِ معروفاً من جهةِ الثقاتِ عن ذلكَ الشخصِ الذي علّقهُ عنهُ، وقد يفعلُ ذلكَ، لكونهِ قد ذكرَ الحديثَ في موضعٍ آخرَ من كتابهِ متصلاً، وقد يفعلُ ذلكَ لغيرِ ذلكَ من الأسبابِ التي لا يصحبُها خللُ الانقطاعِ)) (¬6). انتهى. فحديثُ النهي عن المعازفِ من بابِ ما هوَ معروفٌ من جهةِ الثقاتِ عن هشامٍ كما تقدمَ، وحديثُ جندبَ من بابِ ما ذكرهُ في موضعٍ آخرَ من كتابهِ مسنداً. (¬7) ¬

_ (¬1) يعني: العراقي. (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) التقييد والإيضاح: 91. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146 بتصرف والكلام عائد لابن حزم في المحلى 9/ 59. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((تقدم))، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 147. (¬7) من قوله: ((قال الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قوله: (وأخطأ في ذلكَ من وجوه) (¬1)، أي: منها قولهُ: ((لم يتصلْ ما بينَ البخاريِّ، وصدقةَ بنِ خالدٍ)) (¬2) وإنما حقُّ العبارةِ على مراده ما بينَ البخاريِّ وبينَ هشامٍ، لكن هذا على تقديرِ أَنْ تكونَ هذه عبارةُ ابنِ حزمِ، والذي نقل ابنُ الصلاحِ عنهُ في التفريعاتِ في فنِّ المعضلِ أَنَّهُ قالَ: ((منقطع فيما بينَ البخاريِّ، وهشامٍ)) (¬3) وَاللفظُ الذي ذَكرهُ الشيخُ عزاهُ إلى "المحلى"، وجعلهُ اعتراضاً على ابنِ الصلاحِ، فقالَ: ((إنما قالَ ابنُ حزمٍ في " المحلى": هذا حديثٌ منقطعٌ فذَكَرهُ، ثم قالَ: وصدقةُ بنُ خالدٍ هو شيخُ هشامِ / 56ب / بنِ عمارٍ في هذا الحديثِ، وهذا قريبٌ إلاَّ أَنَّ المصنِّفَ (¬4) لا يجوّزُ تغييرَ (¬5) الألفاظِ في التصانيفِ، وإنِ اتفقَ المعنى)) (¬6). انتهى. وَيمكنُ أنْ يكونَ ابنُ حزمٍ عبَّر بما ذَكرهُ ابنُ الصلاحِ في غيرِ "المحلى" (¬7). الثاني: حكمُهُ عليهِ بعدمِ الاتصالِ، وقد وُصِلَ من طرقٍ، والمدارُ في الصحة على الاتصالِ بالثقاتِ، لا على الاتصالِ من جهةِ البخاري، وفي صحيحهِ قال بعضُ أصحابنا: قالَ ابنُ كثيرٍ: ((رواهُ أحمدُ في "مسندهِ" (¬8)، وأبو داودَ في "سننهِ" (¬9)، وخرجهُ البَرْقانيُّ في "صحيحهِ"، وغيرُ واحدٍ مسنداً متصلاً إلى هشامِ بنِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146. (¬2) أي: ابن حزم، وقوله في المحلى 9/ 59. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 146. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬5) في (ف): ((تفسير)). (¬6) التقييد والإيضاح: 90. (¬7) من قوله: ((لكن هذا على تقدير ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) مسند الإمام أحمد 5/ 342 - ومن طريقه أبو داود (3688) - من طريق مالك بن أبي مريم، عن عبد الرحمان بن غنم، عن أبي مالك. (¬9) سنن أبي داود (4039) من طريق بشر بن بكر، عن عبد الرحمان بن يزيد بن خالد، عن عطية بن قيس، عن عبد الرحمان بن غنم الأشعري، عن أبي مالك، به.

عمارٍ)) (¬1)، وقالَ ابنُ عبدِ الهادي: ((ورواهُ الطبرانيُّ (¬2) عن موسى بنِ سهلِ الجوني البصري، عن هشامٍ)) (¬3). الثالث: قوله: (ولا يصحُّ في هذا البابِ شيءٌ) (¬4) وقد صحَّ. قولهُ: (لا يصحبها خللُ الانقطاعِ) (¬5) قالَ الشيخُ في "النكتِ ": ((وقد اعترضَ على المصنِّفِ (¬6) بأنَّ حديثَ جندبَ الذي ذَكرهُ في الجنائزِ صحبهُ خللُ الانقطاعِ، بأنَّهُ لم يأخذهُ عن حجاجٍ، والجوابُ عنِ المصنِّفِ: أنَّهُ لا يصحبها خللُ الانقطاعِ في الجملةِ، بأنْ يكونَ الحديثُ معروفَ الاتصالِ، إمّا في كتابهِ في موضعٍ آخرَ، كحديثِ جندبَ، أوفي غيرِ كتابهِ، كحديثِ أبي مالكٍ الأشعريِّ، فإنَّهُ إنما جزمَ بهِ حيثُ علمَ اتصالهُ، وصحتهُ في نفسِ الأمرِ، كما تقدّمَ، واللهُ أعلمُ)) (¬7). قوله: (وقالَ الطبرانيُّ في "مسندِ الشاميينَ") (¬8) قالَ في " النكتِ " بعدَ هشامِ بنِ عمارٍ، حدّثَنا صدقةُ بنُ خالدٍ: ((وقالَ أبو داودَ في "سننهِ" (¬9): حدّثَنا عبدُ الوهابِ بنُ نجدةَ، حدّثَنا بشرُ بنُ بكرٍ (¬10)؛ كلاهما -يعني: صدقةَ وبشرَ- (¬11) ¬

_ (¬1) اختصار علوم الحديث 1/ 124، وبتحقيقي: 93. (¬2) في المعجم الكبير (3417). (¬3) من قوله: ((والمدار في الصحة .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 147. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي على ابن الصلاح)). (¬7) التقييد والإيضاح: 92. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146، وانظر: مسند الشاميين 1/ 334 (588). (¬9) سنن أبي داود (4039). (¬10) في (أ): ((بكير)) وهو تصحيف، والصواب ما أثبته من سنن أبي داود، وتحفة الأشراف (12161)، والتقييد الإيضاح. (¬11) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي.

نقل الحديث من الكتب المعتمدة

عن عبدِ الرحمانِ بن يزيدَ بنِ جابرٍ بإسنادهِ)) (¬1). انتهى. ففي هذا بيانُ اتصالهِ (¬2) من جهةِ غيرِ هشامٍ. / 57أ / نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ (¬3) قولهُ: (نقلُ الحديثِ منَ الكتبِ المعتمدةِ) (¬4) الألفُ واللامُ في قولهِ: ((المعتمدة)) لما عهدَ من اشتراطهِ في الحكمِ بالصحةِ، أنْ ينصَّ عليها الأئمةُ المعتمدونَ في مصنفاتهم المعتمدةِ، أي: المقطوعِ بصحةِ نسبتها إلى قائليها، ويدلُّ على ذلكَ قولهُ: ((وأخذُ حديث من كتابٍ منَ الكتبِ المعتمَدةِ، شرطه أنْ يكونَ ذلكَ الكتابُ مقابلاً)) (¬5) فجعلَ شرطَ المقابلةِ، بعدَ كونهِ معتمَداً، فعلمَ أنَّ مرادَهُ بالاعتمادِ غيرُ ما ينشأُ عن المقابلةِ، وهو اشتهارُ النسبةِ إلى مَن صنَّفهُ. ويوضحُ لكَ ذلكَ أنَّ ابنَ الصلاحِ لا (¬6) يسوغُ تصحيحَ مالم يصححْهُ الأئمةُ المعتمَدونَ في كتبِهم المعتمَدةِ، ولا شكَّ أنَّهُ لا يجيزُ العملَ والاحتجاجَ إلا بما صحَّ، أو حسنَ، ومتى لم تُحملِ اللامُ على هذا العهدِ، لزمَ منهُ جوازُ تصحيحِ مالم يصححوهُ، فتأملهُ جداً. ثمَّ راجعتُ كلامَ ابنِ الصلاحِ، فرأيتُهُ يكادُ يكونُ صريحاً في ذلكَ، فإنَّه قالَ في الثامنةِ منَ الفوائدِ المتعلقةِ بالصحيحِ (¬7): ((إذا ظهرَ ما قدمناهُ: انحصار طريقِ معرفةِ الصحيحِ، والحسنِ الآنَ في مراجعةِ الصحيحينِ، وغيرِهما من الكتبِ ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 92. (¬2) في (ف): ((إيصاله)). (¬3) من قوله: ((قوله: لا يصحبها خلل الانقطاع .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147 بتصرف يسير. (¬6) لم ترد في (ك). (¬7) عبارة: ((في الثامنة من الفوائد المتعلقة بالصحيح)) لم ترد في (ك).

المعتمَدةِ، فسبيلُ مَن أرادَ العملَ، أو الاحتجاجَ بذلكَ ... )) (¬1) إلى آخرهِ. قولهُ: (إنْ كانَ ممن يسوغُ له العملُ بالحديثِ) (¬2)، أي: من غيرِ مراجعةِ غيرهِ بأنْ يكونَ عالماً بمعنى ذلكَ الحديثِ، له ملكةٌ يَقوَى بها على معرفةِ المطلوبِ منهُ في ذلكَ، ولا يقالُ: إنَّ مفهومَ هذا أنَّ مَن أخذَ حديثاً لغيرِ عملٍ، ولا احتجاجٍ، يجوزُ له أخذهُ من غيرِ مقابلةٍ، لأنّا نقولُ: أخذهُ حينئذٍ يكونُ للروايةِ، وسيأتي اشتراطُ المقابلةِ لذلكَ. قوله: (بمقابلةِ ثقةٍ) (¬3)، أي: يحصل / 57ب / للناقلِ الوثوقُ بهِ، فإنَّ عبارةَ ابنِ الصلاحِ بعدَ قولهِ: ((إذا كانَ ممن يسوغُ لهُ العملُ بالحديثِ، أو الاحتجاجُ بهِ لذي (¬4) مذهبٍ أنْ يرجعَ إلى أصلٍ قد قابلهُ هوَ، أو ثقةٌ غيرهُ بأصولٍ صحيحةٍ (¬5) ... )) إلى آخره. وعبارتهُ غيرُ صريحةٍ في أنَّه يشترطُ ذلكَ، بل هي محمولةٌ -كما قال النوويُّ في "شرحِ مقدمةِ مسلمٍ" - (¬6) على الاستحبابِ، والاستظهارِ (¬7). قوله: (أصولٌ صحيحةٌ متعددةٌ مرويةٌ برواياتٍ متنوعةٍ) (¬8)، أي: مِثلَ البخاريِّ مثلاً، فإنَّه إذا أرادَ نقلَ حديثٍ من روايةِ أبي الوقتِ منهُ، اشترطَ عند ابنِ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 98. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 146. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: صاحب)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 98. (¬6) مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 15. (¬7) من قوله: ((قوله: بمقابلة ثقة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 98. وقد عقب النووي في الإرشاد 1/ 136على قول ابن الصلاح فقال: ((وهذا محمول على الاستحباب، ولا يشترط تعداد النسخ، وتنوع الروايات؛ فإن الأصل الصحيح تحصل به الثقة)).

الصلاحِ أنْ يحضرَ ثلاثةَ أصولٍ، فأكثرَ تكونُ رواياتُها متنوعةً، كأنْ يكونَ أحدُها مروياً عن كريمةَ، والآخرُ عن أبي ذرٍّ، والآخرُ بروايةِ الأصيلي، ثمَّ يقابله عليها، فما اجتمعتْ عليهِ، تحققَ أنَّ البخاريَّ قالهُ، فيسوغُ له حينئذٍ نقله، وما اختلفَ فيهِ توقفَ فيهِ؛ لأنَّ في بعضِها زيادةً على بعضٍ ونقصاً، ولو كانتِ الأصولُ جميعها بروايةِ أبي الوقتِ لم يكتفِ بها، إلا إذا كانتْ مرويةً عن أبي الوقتِ بطرقٍ متنوعةٍ. هذا ما يظهرُ من كلامهِ، ويوضحهُ تمامهُ بقولهِ: ((ليحصلَ له بذلكَ - مع اشتهارِ هذهِ الكتبِ، وبُعْدِها عن أنْ تقصدَ بالتبديلِ والتحريفِ - الثقة بصحةِ ما اتفقت عليهِ تلكَ الأصولُ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). انتهى. فإنها إذا كانتْ روايةُ رجلٍ واحدٍ قلَّ الوثوقُ، وأمكنَ أنْ يكونَ دخلَ عليهِ لبسٌ في كتابتهِ، أو سماعه (¬2)، لكنْ بقيَ وراءَ ذلكَ أنَّ مفهومَ كلامهِ أنَّ الذي لم تتفقْ عليهِ الرواياتُ المتنوعةُ / 58أ / لايسوغُ له العملُ بهِ، ولا الاحتجاجُ بهِ، وإذا كان كذلكَ، فليتَ شعري ما الذي يعملُ عندهُ، هل يقولُ: إنَّه ينتقلُ إلى القياسِ؟ إنْ قالَ بهِ فقد أجازهُ معَ وجودِ نصٍّ صحيحٍ، ومَعاذَ اللهِ من ذلكَ، وإنْ قالَ غير ذلكَ، فما هو؟ ثمَّ (¬3) إنْ كانَ مرادُهُ باتفاق النسخِ الاتفاقَ في اللفظِ، كَثُرَ المختلفُ فيهِ جداً، وإنْ كانَ المرادُ في المعنى، فقد سَهُلَ الأمرُ قليلاً، فإنْ (¬4) لم يكنْ لذلكَ الكتابِ إلا طريقٌ واحدٌ، اكتفى فيهِ بأصولٍ منْ غيرِ قيدٍ زائدٍ، وإلا ضاعتْ أكثرُ الأحاديثِ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 98. (¬2) في (ف): ((أو إسماعه)). (¬3) لم ترد في (أ). (¬4) في (ك): ((قال)).

قوله: (بأصلٍ معتمدٍ) (¬1)، أي: مظنونٌ اعتمادهُ محققٌ، أي: غالبٌ على الظنِّ اعتمادهُ كأنْ يرى نسخاً (¬2) بخطِّ شخصٍ من أهلِ العلمِ فيظنَّ أنها معتمدةٌ، وهو مع ذلكَ يجوزُ فيها الغلطُ، ثمَّ يقابلها، فيصحّ ظنهُ، فيترجح ذلكَ الظنُّ حتى يقاربَ التحققَ باعتمادِها. قولهُ: (فينبغي) (¬3) يحتملُ استعمالَ ((ينبغي)) في الوجوبِ (¬4)، ولا تعارضَ حينئذٍ بينَ كلاميهِ، سَلّمنا أنَّ المرادَ بها هنا الاستحباب، لكنْ فرقٌ بينَ أصلِ الحكمِ ووصفهِ، فالاختلافُ في متنِ الحديثِ راجعٌ إلى أصلِ الحكمِ، بحيثُ يوجبُ تغييرَ الحكمِ بسببِ المخالفةِ، بخلافِ وصفِ الحديثِ بكونهِ صحيحاً، أو حسناً، فإنَّ ذلكَ لا يقتضي إسقاطَ ما وقعَ فيهِ هذا الاختلافُ، فإنَّه إنْ كانَ حسناً جزماً ساغَ العملُ بهِ، وإنْ كانَ صحيحاً جزماً فأولى، وإنْ جُمِعَ اللفظانِ، وكانَ ذلكَ باعتبارِ إسنادينِ فكذلكَ، أو باعتبارِ سندٍ واحدٍ للترددِ، فلا ينخفضُ عن درجةِ الحسنِ، وهوَ المرادُ، فهوَ محتجٌّ بهِ على كلِّ حالٍ. وأخصرُ من هذهِ العبارةِ أنْ يُقالَ: يفرقُ بينَ المخالفةِ في حديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيحتاطُ في مقابلته، وبينَ المخالفةِ / 58ب / في كلامِ غيرهِ، فالأمرُ فيهِ أسهلُ. قوله: 49 - قُلْتُ: (وَلابْنِ خَيْرٍ) امْتِنَاعُ ... جَزْمٍ سِوَى مَرْوِيِّهِ إجْمَاعُ قال شيخُنا: ((لو قالَ: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147. (¬2) في (ف): ((نسخة)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 147، وهو كلام ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 105. (¬4) انظر: نكت ابن حجر 1/ 384، وبتحقيقي: 183.

قلتُ: حَكَى ابنُ خير امتناعاً ... نقل سوى مرويه إجماعاً كانَ أحسنَ)). ثم إنَّ قولَ الناظمِ: ((إنَّ ((امتناع جزمِ)) مبتدأ، و ((إجماعُ)) خبره)) يحتاجُ إلى تتمةٍ، وهوَ أنَّ هذا المبتدأَ والخبرَ في محلِ رفعٍ بالابتداءِ، وخبرُ ذلكَ لابنِ خير، ويكونُ حينئذٍ الحكمُ على لفظِ الجملةِ، أي: هذا الكلامُ لابنِ خير (¬1)، وإلا تخيلَ أنَّ ((لابنِ خير)) أجنبيٌّ (¬2)، وأنَّه فَصَلَ بهِ (¬3) بينَ المعطوفِ، وهوَ ((امتناعُ))، وبينَ (¬4) حرفِ العطفِ وهوَ الواوُ (¬5)، وأمّا على هذا التقديرِ فيصيرُ العاطفُ داخلاً على الخبرِ المتقدمِ (¬6)، أو يقالُ: لابنِ خير متعلقٌ بقولهِ: ((إجماعُ))، واللامُ للاختصاصِ، أي: إجماعٌ مختصٌ، نقلهُ بابنِ خير، فهوَ من تعلّقِ الخبرِ، فلم يَفصلْ بينَ المعطوفِ - الذي هوَ ((امتناعٌ)) - وحرفِ العطفِ أجنبي، أو يقالُ: إنَّهُ متعلّقٌ بوصفِ الخبرِ، ويكونُ (¬7) تقديرُ الكلامِ: وامتناعُ نقلٍ سوى مرويهِ إجماعٌ منقولٌ لابنِ خير، وكانت أولاً ((نقل)) ثمَّ غيرها الناظمُ بقولهِ ((جزم)). هذا ما يتعلّقُ بلفظهِ، وأمّا معناه، فإنَّهُ مشكلٌ جداً، منطوقاً ومفهوماً، وقد نقلهُ الشّيخُ ساكتاً عنهُ، وكأنَّهُ ارتضاهُ (¬8). ¬

_ (¬1) من قوله: ((ويكون حينئذٍ الحكم ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) عبارة: ((أنّ لابن خير أجنبي و)) لم ترد في (ك). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) ((بين)) لم ترد في (ك). (¬5) زاد بعدها في (ك): ((وبقوله: لابن خير)) وأراها مقحمة. (¬6) في (ك): ((المقدم)). (¬7) من قوله: ((أو يقال لابن خير متعلق .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬8) عبارة: ((وقد نقله الشيخ ساكتاً عنه وكأنه ارتضاه)) لم ترد في (ك).

أما منطوقاً؛ فإنَّهُ صرّحَ في أنَّهُ لا يسوغُ لأحدٍ الجزمُ بما وجدهُ منَ الأحاديثِ الصحيحةِ التي ليسَ له بها روايةٌ أصلاً. وأمّا مفهوماً؛ فإنَّهُ يقتضي أنَّه (¬1) إذا وَجَدَ حديثاً لهُ بهِ روايةٌ ساغَ له الجزمُ بهِ، سواءٌ كانَ ضعيفاً، أو غيرَ ضعيفٍ، وهذا لا يوافقُ عليهِ أحدٌ، ولكنَّ تعليلهُ بحديثِ: ((مَن كَذبَ عليَّ)) (¬2) يرشدُ إلى أنَّ كلامَهُ ليسَ على ظاهرهِ، ¬

_ (¬1) لم ترد في (أ). (¬2) الحديث صحيح متواتر، ورد عن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - منهم: 1 - جابر بن عبد الله، عند أحمد 3/ 280، والدارمي (237)، وابن ماجه (33). 2 - وخالد بن عرفطة، عند أحمد 5/ 292. 3 - وزيد بن أرقم، عند أحمد 4/ 366. 4 - أبو سعيد الخدري، عند أحمد 3/ 12 و21 و39 و44 و46 و56، ومسلم 8/ 229 عقب (3004). 5 - وسلمة بن الأكوع، عند أحمد 4/ 47 و50، والبخاري 1/ 38 عقب (109). 6 - وابن عباس، عند أحمد 1/ 233 و269، والدارمي (238)، والترمذي (2950) و (2951). 7 - وعبد الله بن عمرو، عند أحمد 2/ 171. 8 - وابن مسعود، عند أحمد 1/ 402 و405 و454، والترمذي (2659). 9 - وعقبة بن عامر، عند أحمد 4/ 156. 10 - وعلي بن أبي طالب، عند أحمد 1/ 130. 11 - ومعاوية بن أبي سفيان، عند أحمد 4/ 100. 12 - ويعلى بن مرة، عند الدارمي (240). 13 - والمغيرة بن شعبة، عند البخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 1/ 10 عقب (4). 14 - وأبو هريرة، عند أحمد 2/ 413، والدارمي (599)، والبخاري 1/ 38 (110) و8/ 54 (6197)، ومسلم 1/ 8 (3). قلت: وألف في ذلك الطبراني جزءاً شمل طرق هذا الحديث، وقد رواها جميعها ابن الجوزي في تقدمة الموضوعات 1/ 55 - 93، وبسط الكلام في تخريجها اللكنوي في الآثار المرفوعة: 21 - 36.

وأنَّ (¬1) مرادَهُ الزجرُ / 59أ / عن الجزمِ بما لم يعرف كونهُ محتجاً بهِ، وسكتَ عن بيانِ حالهِ، أما إذا نقلهُ بصيغةِ التمريضِ، أوغيرها، ثمَّ بيَّنَ حالَهُ من صحةٍ وسقمٍ، فإنَّه لا يمنعُ من ذلكَ، وكأنَّ ابنَ خير أرادَ هذا المعنى، فانقلبَ عليهِ التعبيرُ عنهُ. ولو قالَ: ((حتى يكونَ عندهُ محتجاً بهِ (¬2))) بدلَ قوله: ((مروياً ... )) إلى آخره لكانَ حسناً، وكانَ النظمُ حينئذٍ يكونُ: جزمٍ بغير ثابت إجماعاً (¬3). واعلمْ أنَّ شهرةَ الكتابِ، كموطأ مالكٍ مثلاً -ولو لم تصل نسبتُهُ إلى مصنفهِ إلى حدِّ التواترِ - أقوى من وجودهِ له مروياً بطريقٍ واحدٍ، أو بطريقِ الإجازةِ، أو الوجادةِ مثلاً؛ إذ المقصودُ الوثوقُ بكونهِ محتجاً بهِ (¬4). ¬

_ (¬1) عبارة: ((كلامه ليس على ظاهره، وأنّ)) لم ترد في (ك). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) من قوله: ((وسكت عن بيان حاله ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) لم ترد في (ك).

القسم الثاني: الحسن

قولهُ: القِسْمُ الثَّانِي: الْحَسَنُ (¬1) 50 - وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ ... اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ 51 - (حَمْدٌ) وَقَالَ (التّرمِذِيُّ): مَا سَلِمْ ... مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ 52 - بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ ... قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ 53 - وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ ... فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ قوله: (اختلفَ أقوالُ أئمةِ الحديثِ) (¬2) غيرُ مُسلَّمٍ، فليسَ (¬3) بينَ أقوالهمِ اختلافٌ، فإنَّ الخطابيَ والترمذيَّ ما تواردا على شيءٍ واحدٍ، بل كلٌّ منهما عرَّفَ نوعاً منهُ (¬4)، وأما ابنُ الجوزي فالظاهرُ أنَّهُ لم يردِ الحدَّ، وإنما أرادَ الوصفَ بصفةٍ ¬

_ (¬1) انظر في الحسن: معرفة أنواع علم الحديث: 99، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 137 - 152، والتقريب: 42 - 49، والاقتراح: 191، ورسوم التحديث: 61، والمنهل الروي: 35، والخلاصة: 38، والموقظة: 26، واختصار علوم الحديث 1/ 129 وبتحقيقي: 96، والشذا الفياح 1/ 106، والمقنع 1/ 83، ومحاسن الاصطلاح: 33، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 149، وتنقيح الأنظار: 64، ونزهة النظر: 46، والمختصر: 73، وفتح المغيث 1/ 61، وألفية السيوطي: 15 - 19، والبحر الذي زخر 3/ 950، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 45، وفتح الباقي 1/ 142، وتوضيح الأفكار 1/ 154، وظفر الأماني: 174، وشرح شرح نخبة الفكر: 293، واليواقيت والدرر 1/ 388، وقواعد التحديث: 105، ولمحات في أصول الحديث: 158. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 151. (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) انظر: نكت ابن حجر 1/ 387، وبتحقيقي: 185.

تقربُ الحسنَ منَ التمييزِ، ورسم الخطابيُّ (حمدٌ) (¬1) بغيرِ ألفٍ وغلطَ كثيرونَ فقالوهُ (أحمدُ) بألفٍ، وحدُّ الخطابيِّ واقعٌ على الحسنِ لذاتهِ (¬2). قوله: (ما عرف مخرجه) (¬3)، أي: رجالهُ الذينَ يدورُ عليهم، فكلُّ واحدٍ من رجالِ السندِ مخرجٌ خرجَ منه الحديثُ. وقولهُ: (وعليهِ مدارُ) (¬4) إلى آخرهِ، كلامٌ كاشفٌ، لا أنَّهُ داخلٌ في الحدِّ قال الشيخُ في " النكتِ ": ((ما حكاهُ من صيغةِ كلامِ الخطابيِّ قدِ اعترضَ عليهِ فيهِ الحافظُ أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ عمرَ بنِ رشيدٍ فيما حكاهُ الحافظُ أبو الفتحِ اليعمريُّ في "شرحِ الترمذيِّ" (¬5) / 59ب / فقالَ: إنَّهُ رآهُ بخطِّ الحافظِ أبي عليٍّ الجياني ما عُرفَ مخرجُهُ واستقرَ حالهُ، أي: بالسينِ المهملةِ، وبالقافِ، وبالحاءِ المهملةِ، دونَ راءٍ في أولهِ. قال ابنُ رشيدٍ: وأنا بخطِّ الجيانيِّ عارفٌ (¬6))). انتهى. قال الشيخُ: ((وما اعترضَ بهِ ابنُ رشيدٍ مردودٌ، فإنَّ الخطابيَّ قد قالَ ذلكَ في خطبةِ كتابه "معالمِ السننِ" (¬7)، وهوَ في النسخِ الصحيحةِ المسموعةِ، كما ذكرَ المصنِّفُ. ((واشتهرَ رجالهُ))، وليسَ لقولهِ: ((واستقرَ حالهُ)) كبيرُ معنىً، واللهُ أعلمُ)) (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (51). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((والترمذي عرف الحسن لغيره)) انظر: نكت ابن حجر 1/ 387 وبتحقيقي: 185 - 186. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 151. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬5) النفح الشذي 1/ 267. (¬6) التقييد والإيضاح: 43. (¬7) معالم السنن 1/ 6. (¬8) من قوله: ((قال الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬9) التقييد والإيضاح: 44.

قوله: (بعض المتأخرينَ) (¬1) إنما عزاهُ، ولم يجزمْ بهِ من عندِ نفسهِ، لتخصيصِ هذا المتأخرِ الاحتراز بهذينِ النوعينِ، وينبغي تعميمُ الاحترازِ في كلِّ مالم يتصل سندهُ، ويمكنُ الاعتناءُ بهذا المتأخرِ، فيعممُ كلامهُ بأنْ يقالَ: إنَّهُ لم يردّ بالانقطاعِ معناهُ الاصطلاحيَّ، بل أرادَ كلَّ خللٍ ظاهرٍ في السندِ من جهةِ الاتصالِ، وأرادَ بالتدليسِ كلَّ خللٍ خفيِّ من تلكَ الجهةِ، فالمنقطعُ لم يعرف مخرجهُ؛ لأنَّ موضعَ الانقطاعِ لم يعرفِ الراوي الساقطَ منهُ، الذي خرجَ عنه الحديثُ. قوله: (قبل أن يتبينَ تدليسه) (¬2) هو مصدرٌ، مرادٌ بهِ اسمُ المفعولِ، أي: قبلَ أن يتبينَ مُدلَّسُهُ (¬3)، أي: الراوي الذي دَلّسَ المدلِسُ ذلكَ الحديثَ عنه، فإذا تبيّنَ أنَّهُ لم يسمع من ذلكَ الذي عنعنهُ عنه، وصرّحَ بالواسطةِ، فقد تبيّنَ تدليسُه، وإذا بينَ الواسطةَ اعتبرناها، فإن أبرزَها بالعنعنةِ أيضاً، كان كأنَّهُ لم يبيّنْ، فيوقفُ حتى يبينَ السماعَ، وإنْ أبرزَها بصيغةٍ من صيغِ السماعِ، فيعتبرُ حالُ الواسطةِ / 60 أ / في الشهرةِ بالصدقِ، وعدمها. قولهُ: (وأيضاً فالصحيحُ قد عرفَ مخرجه ... ) (¬4) إلى آخره. قال شيخُنا: ((يعتنى بالخطابيِّ، فيقالُ: الحيثيةُ هنا مرعيةٌ؛ لأنَّهُ قد عرفَ الصحيحَ والضعيفَ، فينْزلُ حدَّ الحسنِ على مالم يكن ذكرهُ في حدِّ واحدٍ منهما، وهوَ الأمرُ المتوسطُ بينهما فـ ((عرفَ مخرجهُ)) بمعنى: لم يفقد سندُهُ الاتصالَ ظاهراً، كالانقطاعِ، والإرسالِ، ونحوهما، ولا خفياً، كالتدليسِ، ((واشتهرَ رجالهُ)) يعني: بالصفاتِ المتوسطةِ بينَ صفاتِ الصحيحِ والضعيفِ، فلا يشترطُ أنْ يبلغوا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: الشخص)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152، وهو كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح: 191.

الاتقانَ المشروطَ في رواة الصحيحِ، بل يكونُ إتقانُهم دونَ ذلكَ، ولا ينْزلونَ في خفةِ الضبطِ إلى القدرِ الموصلِ إلى الضعيفِ. وذكرَ الشيخُ في " النكت " (¬1) أنَّ قولَ الخطابيِّ: ((ما عرفَ مخرجه)) كقولِ الترمذيِّ: ((ويُروَى نحوه من غيرِ وجهٍ)). وقول الخطابيِّ: ((اشتهرَ رجالهُ)) يعني بالسلامةِ من وصمةِ الكذبِ، هوَ كقولِ الترمذيِّ: ((ولا يكونُ في إسناده مَن يُتهمُ بالكذبِ))، وزادَ الترمذيُّ: ((ولايكونُ شاذاً)). ولا حاجةَ إلى ذكرهِ؛ لأنَّ الشاذَّ ينافي عرفانَ المخرجِ، فكأنَّهُ كررهُ بلفظٍ متباينٍ، فلا إشكالَ فيما قالاه. ثم اعترضَ (¬2) عليهِ بأنَّ كلامَ الخطابيِّ لا يدلُّ على ما قالهُ أصلاً، وأنَّ ما رآهُ (¬3) في كلامِ بعضِ الفضلاءِ (¬4) بأنَّهُ احترازٌ عن المرسلِ ونحوهِ أحسنُ؛ لأنَّ المرسلَ الذي سَقطَ بعضُ إسناده، وكذا المدلَّسُ الذي سقطَ منهُ بعضهُ، لا يعرفُ فيهما مخرجُ الحديثِ؛ لأنَّهُ لا يُدرَى مَن سَقطَ من إسنادهِ، بخلافِ مَن أبرزَ جميعَ رجالهِ، فقد عرفَ مخرج الحديثِ من أينَ؟)) (¬5). انتهى. / 60ب /. قلتُ: وقد يُروَى الحديثُ من وجوهٍ كثيرةٍ متباينةٍ، ويكونُ في كلٍ منها سَقطٌ، فتكونُ مجهولةَ المخرجِ. وقولهُ: (إنَّ الشاذَّ ينافي عرفانَ المخرجِ) (¬6) ممنوعٌ، فإنَّه ما يخالفُ الثقةُ فيهِ مَن هوَ أوثقُ منهُ، فقد عرفَ مخرجهُ، وقد يكونُ راويهِ متعدداً، ويخالفهم مَن هوَ في ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 44. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)) والاعتراض للعراقي. (¬3) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: العراقي)). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((وهو المعبر عنه في الشرح ببعض المتأخرين)). (¬5) التقييد والإيضاح: 44. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152 بالمعنى.

مثلِ عددهم، وهم أوثقُ منهم، واللهُ أعلمُ. (¬1) قولهُ: (أي: ابن دقيقِ العيدِ ذكرَ من بعد) (¬2) إلى آخره. هذا اعتراضٌ على بحثه الثاني، وهو قولهُ: (وأيضاً فالصحيحُ) (¬3) إلى آخرهِ. قالَ شيخُنا: ((والجوابُ عنِ ابنِ دقيقِ العيدِ: أنَّهُ إنما ذكرَ هذا البحثَ وهو قوله: إنَّ الصحيحَ أخصُّ استطراداً، وجواباً عن جمعِ الترمذيِّ وصفي الصحةِ والحُسْنِ لحديثٍ واحدٍ، فذكرَ لذلكَ احتمالاتٍ يصححُ بها كلامهُ منها العمومُ والخصوصُ. وأما مناقشتهُ للخطابيِّ ففي بابِ الحسنِ. والقاعدةُ: أنَّ ما ذكرَ بحثاً لا يلزمُ الباحث اختيارهُ، وأن ما ذكر في بابهِ هوَ المعتمدُ؛ فالحاصلُ: أنَّهُ لا ينسبُ إليهِ (¬4) تناقضٌ)) (¬5). قولهُ: (مُخِلٌّ للحدِّ) (¬6) صحيحٌ إلا عندَ التجوزِ، وهو حاصلٌ هنا، فالصحيحُ إنما يطلق عليهِ الحسنُ مجازاً باعتبارِ ما كانَ؛ لأنَّ مطلقَ الضبطِ مشترطٌ فيهِ وفي الحسنِ، ثمَّ يشترطُ في الصحيحِ تمامَ ضبطِ راويهِ، فإذا أطلقَ عليهِ ((الحسنُ)) فبالنظر إليهِ باعتبارِ مطلقِ الضبطِ، ووجودُ الدرجةِ الدنيا، لا ينافي الدرجةَ العليا، كما سيأتي عند قوله: ((كلُّ صحيحٍ حسنٌ، لا ينعكسُ)) وإنْ لم يُرْعَ فيهِ المجاز، فهوَ مباينٌ للحسنِ؛ لأنَّ الضبطَ المشترطَ فيهِ غيرُ الضبطِ المشترطِ في الحسنِ، فليسَ نسبتهُ منَ الحسنِ، كنسبةِ الإنسانِ من مطلقِ الحيوانِ؛ لأنَّ القدرَ الجامعَ بينهما / 61أ / - وهوَ ¬

_ (¬1) من قوله: ((وذكر الشيخ في النكت .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬4) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي ابن دقيق العيد)). (¬5) انظر: الاقتراح: 194. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152.

الحياةُ - موجودٌ في كلٍّ من الإنسانِ والفرسِ مثلاً، على حدٍ سواءٍ، لا كذلكَ الضبطُ الذي في الصحيحِ والحسنِ، والقولُ فيهما كالقولِ في الواجبِ والمباحِ، فكما أنَّ منْ قالَ: إنَّ المباحَ جنسٌ للواجبِ، يقالُ له: يلزمكَ أنْ تقولَ: إنَّ النوعَ - وهوَ الواجبُ - يستلزمُ التخييرَ في فعلهِ وتركهِ، فكذلكَ يلزمُ من قالَ: إنَّ الحسنَ جنسٌ للصحيحِ، أنْ يقولَ: إنَّ النوعَ - وهو الصحيحُ --يستلزمُ وجودَ خفةِ الضبطِ في راويهِ، وكما أنَّهُ لما قالَ: ((هما مأذون في فعلهما واختصَّ الواجبُ بقيدٍ زائدٍ وهو أنَّهُ ممنوعٌ من تركهِ)) رُدَّ عليهِ: بأنَّهُ تَرَكَ فصلَ المباحِ، وهوَ أنَّهُ مأذونٌ في تركهِ، فكذلكَ من جعلَ الحسنَ جنساً للصحيحِ؛ لأنهما يشترطُ في راويهما الضبطُ. واختصَّ الصحيح باشتراطِ مزيدِ الضبطِ في الراوي، يردُ عليهِ: بأنَّهُ تركَ فصلَ الحسنِ، وهو اشتراطُ قصورِ ضبطِ راويهِ عن ضبطِ الصحيحِ، وكما أنَّ الواجبَ والمباحَ نوعانِ تحتَ الحكمِ، فكذلكَ الصحيحُ والحسنُ نوعانِ للمقبولِ، فإنَّهُ يشملهما؛ لأنَّهُ خبرٌ متصلُ السندِ بنقلِ عدلٍ ضابطٍ عن مثلهِ، أو عدولٍ يعضدُ بعضُهم بعضاً، غير شاذٍ ولا معللٍ، واللهُ أعلمُ. قال شيخنا: ((والترمذيُّ عرَّفَ الحسنَ لغيرهِ، وادّعاءُ ابنِ المواقِ (¬1) أنَّهُ لم يميزْ ممنوعٌ، فإنهُ ميّزهُ بشيئينِ: أحدهما: أنْ يكونَ راويهِ قاصراً عن درجةِ راوي ¬

_ (¬1) وهو محمد بن يحيى بن أبي بكر، أبو عبد الله بن المواق، مراكشي قال ابن عبد الملك: ((كان فقيهاً، حافظاً، مقيداً، ضابطاً، متقناً، ناقداً، محققاً))، وهو تلميذ ابن القطان، له كتاب " بغية النقاد "، و" شيوخ الدارقطني "، و" شرح مقدمة مسلم " توفي سنة (648 هـ‍). وقد وهم صاحب كشف الظنون فخلط بين ابن المواق هذا، وابن مواق آخر اسمه: ... محمد بن يوسف المتوفى سنة (897 هـ‍)، وهو شارح مختصر الخليل المسمى " التاج والإكليل ". انظر: نيل الابتهاج: 324، وكشف الظنون 1/ 251، والإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام 4/ 231. وقد ذكر ابن سيد الناس كلام ابن المواق في كتابه النفح الشذي 1/ 289.

الصحيحِ، بل عن درجةِ راوي الحسنِ لذاته، وهو أنْ يكونَ غيرَ متهمٍ بالكذبِ، فيدخلَ فيهِ المستورُ والمجهولُ، ونحو ذلكَ. وراوي الصحيحِ لا بدَّ وأنْ يكونَ ثقةً، وراوي الحسنِ لذاتهِ لا بدَّ وأنْ يكونَ / 61 ب / موصوفاً بالضبطِ، ولا يكفي كونهُ غيرَ متهمٍ بالكذبِ، وقد ذكرَ هذا ابنُ المواقِ في نفسِ اعتراضهِ بقولهِ: بل ثقاتٍ، ولم يُتنبهْ له، فإنَّ الترمذيَّ لم يعدلْ عن قوله: ((ثقات)) وهي كلمةٌ واحدة إلى قولهِ: ((لا يكونُ في إسنادهِ من يتهمُ بالكذبِ)) إلا لإرادةِ قصورِ رواتهِ عن وصفِ الثقةِ، كما هي عادةُ البلغاءِ في المخاطباتِ. والثاني: أنْ يُروَى من غيرِ وجهٍ نحوَهُ، وهذا الذي استدركهُ عليهِ ابنُ سيدِ الناسِ (¬1). قولهُ: (قال أبو عيسى الترمذيُّ) (¬2) لم يبينِ ابنُ الصلاحِ من أينَ نقلَ هذا، فاعترضَ عليهِ الحافظ عمادُ الدينِ بنُ كثيرٍ فقالَ - كما حكاه الشيخُ عنهُ في " النكتِ "- (¬3): ((هذا إنْ كانَ قد رُويَ عنِ الترمذيِّ أنَّهُ قالهُ، ففي أي كتابٍ له قاله؟ وأين إسنادهُ عنهُ؟ وإنْ كانَ فُهمَ من اصطلاحهِ في كتابهِ "الجامعِ"، فليسَ ذلكَ بصحيحٍ! فإنَّه يقولُ في كثيرٍ منَ الأحاديثِ: هذا حديثٌ حسنٌ غريبٌ لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ)) (¬4). قال الشيخُ: ((وهذا الإنكارُ عجيبٌ، فإنَّهُ في آخرِ "العللِ" (¬5) التي في آخرِ "الجامعِ"، وهيَ داخلةٌ في سماعنا، وسماعِ المنكرِ لذلكَ، وسماعِ الناسِ. نَعَم، ليست في رواية كثيرٍ من المغاربةِ، فإنَّهُ وقعت لهم روايةُ المباركِ ابنِ ¬

_ (¬1) النفح الشذي 1/ 291. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬3) التقييد والإيضاح: 45. (¬4) اختصار علوم الحديث 1/ 130، وبتحقيقي: 97 - 98. (¬5) العلل آخر الجامع 6/ 251 وعبارته: ((كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون الحديث شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن)).

عبدِ الجبارِ الصيرفيِّ (¬1)، وليست في روايتهِ عن أبي يعلى أحمدَ بنِ عبدِ الواحدِ (¬2)، وليست في روايةِ أبي يعلى عن أبي علي (¬3) السنجيِّ (¬4)، وليست في روايةِ أبي عليٍّ، عن أبي العباسِ المحبوبيِّ (¬5) صاحبِ الترمذيِّ، ولكنها في روايةِ عبدِ الجبارِ بنِ محمدٍ الجراحي (¬6)، عن المحبوبيِّ، ثمَّ اتصلت عنهُ بالسماعِ إلى زماننا لمصرَ والشامِ، وغيرهما منَ البلادِ الإسلاميةِ /62أ / ولكنِ استشكلَ أبو الفتحِ اليعمريُّ في " شرحِ الترمذيِّ " أنَّهُ لو قالَ قائلٌ: إنَّ هذا إنما اصطلحَ عليهِ الترمذيُّ (¬7)، كون هذا ¬

_ (¬1) وهو أبو الحسين المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم بن أحمد بن عبد الله البغدادي الصيرفي توفي سنة (500 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 213، وشذرات الذهب 3/ 412. (¬2) وهو أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر بن أحمد بن جعفر أبو يعلى المعروف بابن زوج الحرة توفي سنة (438 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 4/ 270، وتاريخ الإسلام وفيات (438): 456. (¬3) ((علي)) لم ترد في (ف). (¬4) وهو أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن شعبة السنجي ورد بغداد وحدث بجامع الترمذي عن أبي العباس المحبوبي وسمع منه أبو يعلى أحمد بن عبد الواحد. انظر: تاريخ بغداد 7/ 423، والأنساب 3/ 66. (¬5) وهو الإمام المحدث محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل المحبوبي، أبو العباس المروزي راوي جامع أبي عيسى الترمذي. توفي سنة (346 هـ‍). انظر: الأنساب 4/ 241، وسير أعلام النبلاء 15/ 537. (¬6) وهو الشيخ الصالح أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الجراح بن الجنيد ابن هشام المرزباني الجراحي المروزي. توفي سنة (412 هـ‍). وهو راوي كتاب أبي عيسى الترمذي عن صاحبه المحبوبي. انظر: الأنساب 1/ 397، وسير أعلام النبلاء 17/ 257. (¬7) من قوله: ((في شرح الترمذي)) إلى هنا لم يرد في (ف).

الحدِّ الذي ذكرهُ الترمذيُّ اصطلاحاً عاماً لأهل الحديثِ ... ثم سَاقَ عِبارتَه، ثمَّ قالَ: فقَيَّدَ التِرمذيُّ تَفسيرَ الحَسنِ بما ذَكرهُ في كتَابِ " الجَامعِ "، فَلذلكَ قَال أبو الفَتحِ اليَعمريُّ في " شَرحِ التِرمذيِّ " (¬1): إنَّهُ لو قَال قائَلٌ: إنَّ هَذا إنمَا اصطَلحَ عليهِ التِرمذيُّ في كتَابِه هَذا، ولَم يَنقلْهُ اصطِلاحاً عَاماً، كانَ لَه ذلِكَ))؛ فَعلى هَذا لا يُنقَلُ عَنِ التِرمذيِّ حدُّ الحَديثِ الحسَنِ بذلِكَ مُطلقاً في الاصطلاحِ العَام (¬2))) (¬3). وبخَطِّ بَعضِ أصحَابِنا أَنَّ شَيخَنا أَفادَ أَنَّ هذا الاصطلاحَ لبَعضِ مشَايخِ التِرمذيِّ. قَولهُ: (ابن المواقِ) (¬4)، أي: في كتَابهِ " بغيَةِ النُّقادِ " (¬5) (¬6). قَولهُ: (صِفةٌ لا تَخصُّ هَذا القِسمَ) (¬7)، أي: الحَسنَ مِن حَيثُ هوَ حَسنٌ، لا (¬8) يخصُّ هَذا القِسمَ الذي اندَرجَ تحتَ حَدِّ التِرمذيِّ. ¬

_ (¬1) النفح الشذي 1/ 205، وانظر تعليق الدكتور أحمد معبد عليه فإنه في غاية النفاسة. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((بل مخصصاً له بالحسن لغيره)). (¬3) التقييد والإيضاح: 45. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 152. (¬5) قال الدكتور أحمد معبد عبد الكريم في تعليقه على كتاب النفح الشذي: ((كتاب له تعقب فيه كتاب " بيان الوهم والإيهام " لشيخه ابن القطان، ويسمى كتابه " بغية النقاد فيما أخل به كتاب البيان أو أغفله أو ألم به فما تمَّمه وأكمله " وللجزء الأول من هذا الكتاب نسخة ((ميكروفيلمية)) بمكتبة الحرم المكي برقم 51 حديث .... وقد اطلعت على صورة الكتاب فوجدته ناقصاً من أوله ولم أستطع تحديد مقدار النقص، لكنه عموماً ليس قليلاً، ومنه نسخة بدير الإسكوريال بإسبانيا تحت رقم (1749) يبدو أن نسخة الحرم المكي مصورة عنها)). (¬6) من قوله: ((قوله: قال أبو عيسى الترمذي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 153. (¬8) ((لا)) لم ترد في (أ).

قَولهُ: (وَلم يُشتَرط ذلِكَ في الصَحيحِ) (¬1) قَال الشَيخُ في " النُكتِ ": ((هَكذا اعتَرضَ أبو الفَتحِ عَلى ابنِ المواقِ بهذا في مُقدمَةِ شَرحِ الترمذيِّ (¬2)، ثُم خالفَ ذلكَ في أثناءِ الشَرحِ عِندَ حَديثِ عَائشةَ -رَضيَ اللهُ عنهَا- كَانَ رَسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا خَرجَ مِنَ الخَلاءِ (¬3))) (¬4). قَولُهُ: (فَتأملْهُ) (¬5) حَصلَ التَأمُّلُ، وَظهَر أَنَّ ابنَ سَيِّدِ النَّاسِ فَهِمَ مُرادَ التِرمذيِّ، وأَنَّهُ يشتَرِطُ في الحَسَنِ الذِي اعترضَ ابنُ المواقِ على حَدِّ مَجيئِهِ من وَجهٍ آخَرَ، وَهوَ الحَسنُ لِغيرهِ، وهوَ الذي يَقولُ فِيهِ التِرمذِيُّ: ((حَديثٌ حسَنٌ)) مِن غَيرِ وَصفٍ آخرَ، وَلا يشتَرِطُ ذَلِكَ في الحَسنِ لذاتِهِ، وَهو الذِي قَد يَصفهُ بكونِه صَحيحَاً، وبكونِه غَرِيباً، وَنحو ذلكَ، وَاللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 153، وانظر النفح الشذي 1/ 291. (¬2) النفح الشذي 1/ 291. (¬3) من قوله: ((قوله: ولم يشترط ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) التقييد والإيضاح: 61، والحديث في جامع الترمذي (7). وأخرجه أيضاً: ابن أبي شيبة (7)، وأحمد 6/ 155، والدارمي (686)، والبخاري في " الأدب المفرد " (693)، وأبو داود (30)، وابن ماجه (300)، والنسائي في " الكبرى " (9907) وفي " عمل اليوم والليلة "، له (76)، وابن خزيمة (90)، وابن الجارود (42)، وابن حبان (1444)، والحاكم 1/ 158، والبيهقي 1/ 97، والبغوي (188). وفي خصوص الكلام عن الحديث، وصنيع اليعمري، انظر تفصيل تحقيق محقق النفح الشذي 1/ 292 - 293. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 153.

قَولهُ: (وَهوَ إيرادٌ على التِرمذيِّ) (¬1) إلى آخرِهِ / 62ب/ جَوابُ ابنِ سَيّدِ النَّاسِ هوَ المعتَمدُ، فإنَّهُ إذا حَسَّنَ الفردَ، أرادَ الحسَنَ لذاتِهِ، وإذا حَسَّنَ المعتضد فَإنما حَسنهُ لمجمُوعِ الطُرقِ، فَهوَ الحسَنُ لغيرِه. حَديثُ ((إذا خَرجَ مِنَ الخَلاءِ)) أخرجه مَع التِرمذِيِّ أصحَابُ السُننِ الثَلاثَةِ (¬2). قَولُهُ: (وأجَابَ أبو الفَتحِ) (¬3)، أي: في شَرحهِ للتِرمذيِّ، وقال: ((الغَريبُ على أقَسامٍ: غَريبٌ سَنداً وَمتنَاً، وَمتناً لا سَنداً، وسنَداً لا متناً، وغريبُ (¬4) بَعضِ السَندِ فَقط، وغريبُ بَعضِ المتنِ فَقط، وكلُّها قد ترتقي إلى درجةِ الصحَةِ - إنْ نَهضَ (¬5) راويهَا بما حمَل - أو تنحطُّ عَن ذلكَ بحَسبِ انحطاطِهِ، وَليسَ فِيهَا مَا يقبل الحسنَ منفرِداً بهِ (¬6) إلا الغَريبُ سَنداً، لا متناً، إذا سَلِمَ راويهِ منَ الانحطاطِ عَن درجِة الحَسنِ، وَسَواءٌ قُيدَتْ غَرابتهُ بَراوٍ مُعينٍ، كَقولهِ: غَريبٌ مِن حَديثِ فلانٍ عن فلانٍ، لا نعرفهُ إلا مِن هَذا الوَجهِ، أو لَم يقيدْ)) - أي: فإنَّ المتنَ يَكونُ قَد رُويَ مِن وَجهٍ آخرَ يجبرُ ما في السَندِ مِن الوَهنِ (¬7) - قالَ: ((وأمّا غَرابةُ بَعضِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 153. (¬2) تقدم تخريجه. وقد ورد في الباب أحاديث ضعيفة من حديث أنس، وابن عمر، وابن عباس، وأبي ذر، كما ذكره المباركفوري في تحفة الأحوذي 1/ 51، لكنها ضعيفة، ولذلك قال عبد الرحمان بن أبي حاتم في العلل: 1/ 43 (93): ((سمعت أبي يقول: أصح حديث في هذا الباب: حديث عائشة)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 153. (¬4) في (أ): ((وهو غريب)) بزيادة كلمة ((هو)) وهذا خطأ. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: كان ثقة)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: بالحسن)). (¬7) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

المتنِ - وَهيَ الزِيادةُ المتَصِلَةُ بِالحَديثِ - فلا يتَأتى فِيهَا التَحسِينُ؛ لأنَّ غرابتَها رَاجِعةٌ إلى المتنِ))، أي: وَقد فرضنَا أنَّهُ ما رُويَ إلا مِن وَجهٍ واحِدٍ، فلا تتَأتَى إرادةُ التِرمذيِّ لَه -قَال (¬1): ((فَقد تبيّنَ أَنَّ الغَريبَ قَد يَقبلُ الوصفَ بِالصحَةِ، أو بالحسنِ، أو بهمَا مَعاً عَلى ما تقَدمَ، وَكما يأتِي عَندهُ (¬2) أيَضاً، أَو لا يقبلُ الوَصفَ بواحِدٍ مِنهمَا، فلا يورَدُ على الغَريبِ الموصُوفِ بوصفٍ آخرَ (¬3) إلا مَن وَجدهُ مَوصُوفاً بهِ في القِسمِ الذِي يمتَنِعُ وَصفُه بهِ، كَما بينَاه (¬4) / 63 أ / وَما أَخَالهُ (¬5) يجدهُ)) (¬6)، وَاللهُ أعلمُ (¬7). قَولُه: (لَيس مَضبوطاً) (¬8) رُبَّمَا يعتني بابنِ الجَوزيِّ بمثلِ ما اعتَنى بالخَطَّابِيِّ، ويقَالُ: بل هوَ مَضبوطٌ؛ إنْ كانَ عرف الصَحيحَ والضَعيفَ بِالحَيثيةِ، وَهيَ: أَنَّ ضَعفَهُ بالنِسبةِ إلى الصَحيحِ، واحتمالُه بالنسَبةِ إلى الضَعيفِ، أي: فَيكونُ متوسِطاً بينَهما، لا يَعلو إلى رتبةِ الصَحيحِ؛ لِما فيهِ مِن الضَعفِ، وَلا ينحَطُّ إلى رتبةِ الضَعيفِ؛ لما فِيهِ مِن قلةِ الضَعفِ، ويؤيدُ ذلِكَ أَنَّهُ قالَ عَقبَ ما نُقِلَ عنهُ: ((ويَصلحُ ¬

_ (¬1) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي الترمذي)). (¬3) يعني: من الصحة أو الحسن. (¬4) يعني القسم الخامس، وهو غريب بعض المتن، حيث ذكر أنه لا يتأتى فيه التحسين - يعني: لغيره -. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي أظنه)). (¬6) النفح الشذي 1/ 304 - 306. (¬7) من قوله: ((حديث: إذا خرج من الخلاء .... )) إلى هنا لم يرد في (ك)، وعبارة: ((والله أعلم)) لم ترد في (ف). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 154، وهذا الكلام لابن دقيق العيد في الاقتراح: 195.

للعملِ بهِ)) (¬1) فَوصفَهُ بِوصفٍ هَو بَينَ بَينَ؛ فإنَّ الصَحيحَ يوصَفُ بأنَّه يَجبُ العَملُ بهِ، والضَعيفُ أعلى ما يقالُ فيهِ: يُعملُ بهِ في الفَضائلِ، لا مطلَقاً (¬2)، واللهُ أعلَمُ. قَولُه: (وليسَ في كَلام اِلتِرمذيِّ والخَطَّابي) (¬3) إلى آخرهِ، بل فيهِ ما يميزُ؛ لأنَّ الحسَنَ نَوعانِ، وكلُّ واحِدٍ منهمَا عَرفَ نَوعاً، كما سَيأتي في كَلامِ ابنِ الصَلاحِ في المقَولةِ الآتِيةِ. قَولُه: (وَما بكلِ قَولٍ) (¬4) إلى آخرِه، إنْ قُدِرَ النَظمُ هَكذَا، احتَملَ أنْ يكونَ الحَدُّ حصلَ بالمجَموعِ؛ لأنَّ نفيَ حُصولِ الحَدِّ بكلِّ وَاحدٍ لا ينفِي حُصولَهُ بِالمجموعِ، وَالكلامُ صَحِيحٌ على هَذا التَقديرِ، فَإنَّ الحدَّ لنوعي الحسن لم يَحصلْ بكلِ واحدٍ، وَإنما حصَل باثنينِ منَ الحُدودِ، أي: لم يَحصل بكلِ واحدٍ منهمَا، بل حصَلَ بكليهِمَا، وَإنْ جَعلَ تقدِيرَ النَظمِ، ومَا بمَجموع (¬5) هذِه الحُدودِ حصلَ حَداً تنفي أنْ يحصلَ الحَدُّ بواحدٍ منهمَا مِن بابِ الأَولى، إلا أنْ يقالَ: إنَّما نفى حُصولَهُ بِالمجَموعِ مِن حيثُ هو مَجموعٌ. قَولهُ: (وزادَ كونه ما عللا) (¬6) إلى آخره، نَفيُ العِلة، والنكارةِ / 63 ب / زَيادةٌ على كُلٍ منهمَا، وَنفيُ الشُذوذِ يَختصُّ بالخَطَّابي، فإنَّ التِرمذيَّ شَرَطَ نفيَهُ ¬

_ (¬1) انظر: الموضوعات 1/ 35. (¬2) من قوله: ((ويؤيد ذلك أنه قال عقب ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 154، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 100. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 154. (¬5) في (ف): ((لمجموع)). (¬6) التبصرة والتذكرة (55).

في (¬1) نفَسِ حَدهِ. قالَ: وليسَت هذهِ الزيادةُ ضروريةً، بِحيثُ يخَتلُّ الكَلامُ بدونِها، بل غايتُهَا أنْ تكونَ شَرحاً؛ لأنَّ قولَ الخَطابيِّ: ((ما عُرفَ مخرجُهُ)) يُخرِجُ المْعلَّلَ فإنَّهُ لم يُعرفْ مَخرجُه، والشَاذُّ قِسمٌ من أقسَامِ المعلَلِ، والمنكرُ مُعللٌ على كلِّ حالٍ، أمّا عندَ مَن يسوِي بينهُ وبينَ الشَاذِّ كابنِ الصَلاحِ، فَالقولُ فِيهِ كَالقولِ فيهِ. وَأمَّا عندَ مَن يشترِطُ أن تكونَ المخالَفةُ وقَعت بينَ ضَعيفَينِ، أحدُهمَا أقوى منَ الآخرِ فَكذلكَ؛ لأنَّهُ مَعلولٌ، وأيضاً فإنَّهُ يَخرجُ بقولِهِ: ((وَاشتَهر رجالُهُ)). وَأمَّا بِالنسبةِ إلى كَلامِ الترمذِيِّ فإنَّهُ احتَرزَ عَنِ الشَاذِّ والمنكَرِ مثلهُ، وَالمعلولُ بعلَّةٍ غير الشُذوذِ والنكارةِ مما يَدخلُ في حَدِّ الترمذِيِّ: مِن المرسَلِ والمنقَطعِ، ونحوهِمَا، إذا اعتضَد قَويَ. قَولُه: (قسمَانِ: أحدُهما) (¬2) إلى آخرِه، اعترضَ عليهِ الشَيخُ تَقيُّ الدينِ ابنُ دَقيقِ العِيدِ في " الاقتراح " (¬3) إجمالاً، فَقالَ بعدَ أنْ حَكَى كلامَهُ: ((وَعليهِ فيهِ مؤاخَذاتٌ ومنَاقشَاتٌ)). نقَل ذلكَ الشَيخُ في " النُكتِ " (¬4)، ثُمَّ قالَ: ((وقَالَ بَعضُ المتأخرِينَ (¬5): يردُ على القِسمِ الأَولِ المنقطِعُ والمرسَلُ الذي في رجالِهِ مَستورٌ، ¬

_ (¬1) في (ف): ((عن)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 155، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 100، وقد اعترض على ابن الصلاح في تقسيمه هذا باعتراضات، أوردها الزركشي مع أجوبته عنها، انظرها في نكته 1/ 313 - 317. (¬3) التقييد والإيضاح: 196 وعبارته: ((وهذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض الألفاظ)). (¬4) التقييد والإيضاح: 47. (¬5) عني بذلك القاضي بدر الدين بن جماعة؛ إذ ذكر ذلك في مختصره كما نقل ذلك الحافظ ابن حجر في نكته 1/ 406 وبتحقيقي: 202.

ورُويَ مِثله أو نَحوهُ مِن وجهٍ آخرَ، وَيردُ على الثَاني المرسَلُ الذي اشتهَر رَاويهِ بما ذُكرَ. قَال: فالأحسن أن يقالَ الحسَن: ما في إسنادِهِ المتصل مستورٌ، لهَ به شَاهِد، أو مشهور قَاصِر عن دَرجةِ الاتقانِ، وَخلا مِن /64أ / العلةِ والشُذوذِ)). انتهَى. وَعندِي أَنَّهُ لا يردُ عليهِ (¬1) شَيءٌ؛ لأنَّهُ لم يسلُك بما ذكرَ مَسلكَ التعريفِ، وَإنما بَيَّنَ القدرَ الذِي نزلَ بهِ الحسَنُ عَن درجةِ الصَحيحِ (¬2)، وجَعلهُ شَرحاً لكَلامِ الترمذِيِّ والخَطّابيِّ. وَالترمذيُّ قد حَكمَ على ما عَرفَ بهِ بأنَّهُ لا يكونُ في إسنادِه مَن يتهمُ بالكَذبِ، وهَذا فرعُ معرِفةِ الاتصَالِ، فالسَاقِط فِي المنَقطعِ والمرسَلِ لا يَسوغُ الحكمُ عليهِ بتُهمَةٍ بكذبٍ.، وَلا عَدمِها؛ لأنَّ الحكمَ على الشَيء فَرعُ تَصورِهِ، وَالخطَّابيُ اشترطَ مَعرِفةَ المَخرجِ، والمرسَلُ لَم يُعرفْ (¬3) مَخرجُه، وَاللهُ أعلَمُ (¬4). قَولُه: (ويعتبرُ في كُلِّ هذا مع سَلامتهِ) (¬5) إلى آخرِه، شَرحٌ لكَلامِ الخَطَّابيِّ، وَقد تَقدمَ ما فيهِ. وَاعلمْ أَنَّهُ كانَ ينبغِي لَهُ (¬6) أنْ يُقدِّمَ الكَلامَ على حَدِّ الخَطَّابيِّ مِن وجوهٍ: مِنهَا: أَنَّهُ قدّمَ ذكرَهُ في المقولَةِ التي قَبلهَا. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬2) عبارة: ((بين القدر الذي نزل به الحسن عن درجة الصحيح)) لم ترد في (ف). (¬3) في (ف): ((ما عرف)). (¬4) من قوله: ((قوله: قسمان أحدهما ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 155، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 101. (¬6) لم ترد في (ك).

ومنهَا: أَنَّهُ هوَ الحَسنُ لذاتِهِ. ومنهَا: أنّ بعضَ أهلِ الحَديثِ يُسميهِ صَحيحَاً. قَولُه: (مُقتصِراً كلُّ واحدٍ مِنهمَا) (¬1) إلى آخرِه، لا نُسلِّمُ ذلكَ، أَمَّا الخَطابيُّ فإنَّهُ قَصدَ إلى ذِكرِ كُلٍّ من الصَحيحِ والحسَنِ بالأصَالةِ، وَغايتُه: أَنَّهُ سَكتَ عمَّا عداهما، فلا يُنسبُ إلى غفلَةٍ، ولا إشكالٍ، وَربمَا لا يوافِقُ على تَسميةِ الحسَنِ لغيرِه حسَنَاً (¬2)؛ لأنَّهُ بالنظرِ إلى ذاتِه ضَعيفٌ، وإنَّما يوصَفُ بالحسَنِ في المآلِ، وكذا الكَلامُ على تَركهِ، وتركِ غَيرِه حَد الصَحيحِ لِغَيرهِ. وأمَّا الترمذيُّ: فلا ينسبُ إلى الغَفلةِ؛ لأنَّهُ يستَعملُ الحسَنَ لذاتِه في المواضِع التي يَقولُ فيهَا: ((حَسنٌ غريبٌ)) ونحو ذلِكَ، ويمكنُ أنْ يدّعيَ فيهِ: أَنَّهُ عَرف مَا رأى أَنَّه مشكلٌ؛ لأنَّهُ يخرِّجُ الحدِيثَ أَحياناً، ويقولُ: ((فلانٌ ضَعيفٌ)) لشَخصٍ في سَندهِ، ثمَّ يقولُ: ((هَذا حَديثٌ حسَنٌ)) فَخشِيَ أنْ يشكلَ / 64 ب / ذلكَ على النَاظِر، فَيعترِضَ عَليهِ (¬3) بأنَّهُ يُحسِّنُ ما يصرحُ بضَعفِ راويهِ، أوِ انقطَاعِهِ، ونحوِ ذَلكَ، فَعرَّفَهُ أَنَّهُ إِنما حَسَّنهُ لكونِهِ اعتَضدَ بتعددِ طُرقِهِ. قَولُه: (مَصدرُ أمعنَ مِن قَولِ الفقهَاءِ) (¬4) كَانَ ينبغِي أَنْ يَقوُلَ: وِمنهُ قولُ الفقهَاءِ؛ لأنَّ المرجِعَ كَلامُ العَربِ، لا قَولُ الفقهَاءِ، قلتُ: وأقربُ ممَّا ذكرهُ أنْ يكونَ منَ الإطالةِ والإكثَارِ. قَالَ في " القاموسِ ": ((المعنُ: الطويلُ وَالكَثيرُ، فَمعنى أَمعنتُ النَظرَ: أطلتُهُ، وأكثرتُه، أي: استَقصيتُ فِيهِ، وبالَغتُ جِداً، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 155، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 101. (¬2) من قوله: ((ولا إشكال)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156.

وَاللهُ أعلَمُ)) (¬1). وَقالَ الشّيخُ في " النُكتِ ": ((وَقد أنكرَ بَعضُ العُلماءِ المتأخرِينَ لفظَ الإمعانِ، وَقالَ: إنَّه ليسَ عَربياً، وكذلِكَ قَولُ الفقهَاءِ في التَيمُمِ: أَمعنَ في الطَلبِ، ونحو ذلكَ، وَقد نَظرتُ في ذلِكَ، فَوجدتُه مأخُوذاً مِن أمعنَ الفَرسُ في عَدْوِهِ، أو مِن أمعنَ الماءُ، إذا استنبطَهُ وأخرجَهُ، وَقد حَكَى الأزهرِيُّ في " تَهذيبِ اللغَةِ " (¬2) عنِ الليثِ بنِ المظَفرِ: أمعنَ الفَرسُ، وَغيرُه: إذا تَباعدَ في عدوهِ، وَكذا قالَ الجَوهريُّ في "الصحَاحِ"، (¬3) وَحكَى الأزهرِيُّ أيضاً: أمعنَ الماءَ إذا أَجراهُ، ويحتَملُ أَنَّهُ مِن أمعنَ إذا أكثرَ، وهو مِنَ الأضدادِ. قال أبو عَمرٍو: المعنُ القَليلُ، وَالمعنُ الكثيرُ، وَالمعنُ الطويلُ، وَالمعنُ القَصيرُ، وَالمعنُ الإقرارُ بالحقِ، وَالمعنُ الجُحودُ والكفرُ للنِّعَمِ، والمعنُ الماءُ الظاهرُ)) (¬4). انتهَى. قلتُ: وَمادتُه - بأي تَرتيبٍ كانَ - تدورُ على المعنِ بمعنى المطَرِ والماءِ، وَتارةً يَكونُ كَثيراً، وَيجرِي فيتبَاعدُ، وتارةً يكونُ قَليلاً، وتارةً يكونُ سَهلاً يَسيراً. وهو في نَفسهِ خَيرٌ، ومنهُ / 65أ / المعروفُ، وتارةً يعترفُ بهِ، فَيوجبُ الانقيادَ، وتارةً يجحَدُ، وتارةً يَمنعُ، وتارةً يبدلُ، وَيلزمُه النِعمة، فَينشأُ عَنها العِزُّ، وَالمنعةُ (¬5)، وَالنقمَةُ، وَالخضرةُ، والسَوادُ، فتشبَّهُ به الظُلمةُ، وَاللهُ الموفِقُ (¬6). ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (معن). (¬2) تهذيب اللغة مادة (معن). (¬3) الصحاح 6/ 2205. (¬4) التقييد والإيضاح: 46، وانظر معجم مقاييس اللغة 5/ 355، وأساس البلاغة مادة (معن)، ولسان العرب مادة (معن)، والزاهر 2/ 592، ونكت الزركشي 1/ 312. (¬5) في (ف): ((النعمة)). (¬6) من قوله: ((قلت: وأقرب ممّا ذكره أن يكون ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

وقَولُه: (فَفي التَهذيبِ) (¬1)، أي: للأزهري (¬2). قَولُهُ: (وَالفقهَاءُ) (¬3) هَذا بقيةُ كَلامِ الخَطَّابي في الحَدِّ المتقدّمِ، وَفصلُه عَنه فدلَّ على أَنَّهُ فَهِم (¬4) أنَّهُ ليسَ مِن تمامِ الحَدِّ، بل موضحٌ لَه، وَهو كذلِكَ. قَولُه: (العلمَاء) (¬5) أَعمُّ مِن الفقهَاءِ؛ فَيشملُ المحدِّثينَ، وَالأُصوليينَ وَغيرَهُم، وَإنما خَصَّهُ بجلِّهِم؛ لأنَّ مِن أهلِ الحَديثِ مَن شَدّدَ، فَردَّ بكلِّ عِلةٍ، سَواءٌ كَانت قادِحةً أَم لا، فقد رُوِيَ عن ابنِ أبي حَاتِمٍ: أنَّه قال: سَألتُ أبي عَن حَديثٍ، فقالَ: إسنَادُهُ حَسنٌ، فَقلتُ: يُحتجُّ بهِ؟ فَقالَ: لا. وَقولُه: (يستَعملُه) (¬6)، أي: يعمَلُ بهِ، فالاستعمالُ أخصُّ مِنَ القبول. قَولهُ: (يتقاصَرُ) (¬7) عِبارةُ ابنِ الصَلاحِ: ((يتقاصَرُ عنِ الصَحيحِ (¬8) في أَنَّ الصَحيحَ مِن شَرطِه: أَنْ يكونَ جَميعُ رواتِه قد ثَبتت عَدالتُهم، وضَبطُهم، وإتقانهُم؛ إمَّا بالنَقلِ الصَريحِ، أو بطريقِ الاستفَاضَةِ على ما سَنُبينُه إنْ شَاءَ اللهُ تعالى - أي: فِيمَن تقبلُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156. (¬2) تهذيب اللغة 3/ 16. (¬3) التبصرة التذكرة (56). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬5) التبصرة والتذكرة (56). (¬6) التبصرة والتذكرة (56). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156. (¬8) قال الزركشي 1/ 318: ((يعني: من جهة الرتبة، حتى ولو تعارض حسن وصحيح، قدم الصحيح، وإلا فهما مستويان في الاحتجاج بهما - كما سيأتي في التاسع من كلامه - وكان ينبغي له تقديم التاسع إلى هاهنا، فإنه أنسب)).

روايتُه، وَمَن تُردُّ- (¬1) - وذلِكَ غَيرُ مُشتَرطٍ في الحَسنِ؛ فَإنَّهُ يُكتفَى فيهِ بما سَبقَ ذكرُه مِن مَجيءِ الحَديثِ مِن وجوهٍ، وغير ذلكَ ممَّا تَقدّمَ شَرحُه، وإذا استَبعدَ ... )) (¬2) إلى آخرِه (¬3)، قَال الشّيخُ في " النُكتِ ": ((اعتُرِضَ علَيهِ بأنَّ جَميعَ رُواةِ الصَحيحِ لا توجَدُ فِيهِم هَذهِ الشُروطُ إلا في النزرِ اليسيرِ، قَال: والجَوابُ: أَنَّ العَدالةَ تَثبت إمَّا بالتَنصيصِ عَليهَا، كالمصَرحِ بتوثِيقهِم، وهم كَثيرونَ، أو بتَخرِيجِ / 65ب / مَن التَزمَ الصَحةَ في كتَابٍ (¬4) لَه، فَالعدالةُ أيضَاً تَثبتُ بذلِكَ، وَكذلكَ الضَبطُ والإتقَانُ دَرجاتُه متَفاوتةٌ، فلا يُشتَرطُ أعلى وُجوهِ الضَبطِ كَمالكٍ وَشعبةَ، بلِ المرادُ بالضَبطِ أَنْ لا يكونَ مُغفَلاً كثِيرَ الغَلطِ، وذلِكَ بأنْ يعتبرَ حَديثُه بحَديثِ أَهلِ الضَبطِ والإتقَانِ، فَإنْ وافقَهم غَالباً فَهوَ ضَابطٌ، كمَا ذَكرهُ المصنِّفُ في المسأَلةِ الثَانيةِ مِن النَوعِ الثَالثِ والعشرينَ (¬5) - يَعني: مَن تُقبلُ روايتُه، ومَن تُردُّ (¬6) - وَإذا كانَ كذلكَ فَلا مانعَ مِن وجودِ هَذهِ الصِفَاتِ في رواةِ صَحيحِ الأحَاديثِ)) (¬7). وَقَولُه: في الحسَنِ: (يُكتفَى فيهِ بما سَبقَ ذكرُه مِن مَجيءِ الحَديثِ مِن وجوهٍ) (¬8) فيهِ نَظرٌ؛ إذ لَم يُسبقِ اشتِراطُ مَجيئهِ مِن وجوهٍ، بل مِن غَيرِ وَجهٍ، كما ¬

_ (¬1) جملة: ((أي: فيمن تقبل روايته ومن ترد)) من البقاعي. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((يأتي في القولة الثانية في الشرح)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 102. (¬4) في (ف): ((كتابه)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 217. (¬6) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬7) التقييد والإيضاح: 47 - 48. (¬8) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 157 بتصرف.

سَبقَ ذلكَ في كَلامِ التِرمذِي، وَعلى هَذا مَجيئهُ مِن وجهَينِ كَافٍ في حَدِّ الحسَنِ، واللهُ أعلَم. انتهى. (¬1) وَسَيأتي في شَرحِ قَولهِ: (طُرقٍ أخرى) (¬2) وُقوعهُ فيما اعترضَ بهِ هنا على ابنِ الصلاحِ، على أنَّهُ لا اعتراضَ هنا على ابنِ الصلاحِ بالنسبةِ إلى كلامِ شرحِ الترمذيِّ؛ فإنَّ الذي في كلامهِ أنَّ الحسنَ لغيرهِ يُروَى منْ وجوهٍ أقلها ثلاثةٌ: المعضود منْ وجهٍ، والعاضدُ الذي يكونُ نحوَهُ يُروَى منْ غيرِ وجهٍ منْ وجهينِ فأكثرَ، أضممت طريقي عاضدٍ إلى طريقِ المعضودِ، وكانتْ ثلاثة، لكنهُ مخالفٌ لنصِّ الشّافعيِّ في المرسلِ، فإنَّهُ صرَّحَ بأنَّهُ يُكتفَى فيهِ بوجهٍ واحدٍ يعضدهُ (¬3) (¬4). قَولُه: (ومِن أهلِ الحَديثِ مَن لا يفردُ نوعَ الحسَنِ) (¬5)، أي: بَل يجعَلُ الحَديثَ قِسمَينِ: مَقبولاً، ومَردوداً، ويُسمِّي المقبولَ صَحيحَاً، لأنَّه كُلَّه محتجٌ بهِ، والمردودَ ضَعيفَاً، وَكما أَنَّ الضَعيفَ أنواعٌ، فَكذلكَ الصَحِيحُ بَعضُه أصَحُّ مِن بَعضٍ. قَولهُ: (وهو الظَاهِرُ مِن كَلامِ الحَاكِمِ) (¬6) قَال شَيخُنا: ((وكذلِكَ شَيخُه ابنُ حِبانَ، وَشيخُ ابنِ حبانَ ابنُ خُزيمَةَ)). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 160. (¬3) من قوله: ((قوله: يتقاصر ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) من قوله: ((على أنَّه لا اعتراض)) إلى هنا سقط من (أ)، واستدركه الناسخ بالحاشية ملحوقاً، وقد عسر علينا قراءته؛ لعدم وضوحه ودقة حرف الحاشية، وكذلك سقط من (ف) وجاء بدلاً عنه: ((من وجوه، بل من غير وجه كما سبق ذلك في كلام الترمذي، وعلى هذا مجيئه)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 156، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 110. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 157، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 110.

قَولُه: (فَإنْ يقل يحتجُّ بالضَعيفِ) (¬1) هذا إيرادٌ على القَولِ بالاحتجَاجِ بالحسَنِ، كأنَّه قيلَ: أنتمُ احتجَجتُم بِالحسَنِ، وَقد قُلتُم: إنَّهُ نَوعانِ: حَسنٌ لذاتِه، وَلا إشكالَ عَليهِ، وَحسَنٌ لغيرِه، وَهوَ / 66 أ / مَا يكونُ في إسنادِه من ضَعفٍ بالجهَالةِ، أو سُوء الحفظِ، وَنحوِ ذلكَ، ويعتضدُ بمجيئهِ مِن وجهٍ آخرَ، ولو كانَ الوجهُ الآخَرُ مُسَاوياً للأَولِ في الضَعفِ؛ وَعلى هذا يَلزمُ الاحتجَاجُ بالضَعيفِ، أمَّا الطَريقُ الأُولى، فالأمرُ فيهَا وَاضِحٌ، وأمَّا الثانِيةُ فَعلى تَقديرِ كَونِها مُساويةً للأُولى، فَحينئذٍ ضعيفٌ انضَمَّ إلى ضَعيفٍ. قلنا (¬2): مُسلَّمٌ، وَلكنْ ضعيفَانِ يغلبان قوياً، والقوةُ جَاءت مِن الصُورةِ المجموعَةِ. وَأيضاً فإنَّا مَا ردَدنا المستُورَ لضَعفِه، بل لاحتمالِ ضَعفِه، وَعدمِ تحقُقِ صفَةِ الضَبطِ فيهِ، ولا رَدَدنا سَيِّءَ الحِفظِ؛ لأَنَّه لم يَحفظْ؛ بل لاحتمَالِ أَنَّهُ لَم يَحفَظ، فإذا اعتضَد بمَجيئِهِ مِن طريقٍ أخرى، ولو كانَ راويهَا في دَرجتِهِ غلبَ على الظَنِّ أَنَّهُ حفظَ، والعبرةُ في هَذا العلمِ بالظنِّ، وَأحسَنُ ما يدفَع بهِ هذا الإيرادَ المتواترُ، فإنَّه يُفيدُ (¬3) القَطعَ مع أَنَّهُ آحادٌ انضمَت، وَربمَا كانَ كلٌ مِن أفرادِه في غَايةِ الضَعفِ. قَولُه: (مِن هَذهِ البُيوتِ) (¬4) أصلَحهُ الشَيخُ فقالَ: ((الأبيَات))؛ لِكَونهِ جَمع قلةٍ، فَإنَّهُ مِن الثلاثَةِ إلى العَشرةِ (¬5)، وكَذا غيَّرَ قولَهُ فيمَا يَأتي: (بل ذلِكَ مُتفاوتٌ) ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (58). (¬2) في (أ): ((قلت)). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) المثبت في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 158: ((الأبيات))، وهو كذلك ورد لدينا في ثلاث نسخ من النسخ الخطية التي اعتمدناها، وورد عندنا في حينها في إحدى النسخ، وهي نسخة (ص): ((البيوت)). (¬5) انظر: شرح ابن عقيل 4/ 114 - 117.

فقالَ: (يختَلفُ) (¬1) نَقلَ هَذا شيخُنا الحافِظُ برهانُ الدِّينِ الحَلَبيُّ (¬2) (¬3). قَولُه: (مِنَ الفقهَاءِ الشَافِعيةِ) (¬4) إنما خَصَّهُ بالشَافِعيةِ؛ لأنَّ غيرَهُم يحتَجُّ بالمرسَلِ مُطلَقاً، أو يردُّ مطلَقاً، والشافعيُّ لا يحتجُّ بهِ إلا إذا انضمَّ إليهِ مرسلٌ أو مسندٌ، فكما أَنَّ الانضمامَ هنا أفادَ، فكذلكَ في خبرِ المستورِ (¬5). وغايةُ هذا: أَنَّهُ إلزامٌ للشافعيةِ، وأمّا الحجةُ (¬6) العامةُ لهم ولغيرهم فهيَ ما تقدّمَ / 66 ب / آنفاً، وإليهِ أشَارَ بقولهِ: (بأنْ يكونَ ضعفهُ ناشئاً من ضعفِ حفظهِ) (¬7) إلى آخرِ كلامهِ. وقَوله: (جاء نحوه مسنداً) (¬8) اعترضَ بأنَّ الاحتجاجَ حينئذٍ بالمسندِ، وأجابَ الإمامُ فخرُ الدينِ في " المحصُولِ " (¬9): بأنَّ المرادَ مسندٌ لا يقومُ بهِ لوِ انفردَ حجةٌ، وبهذا يجابُ عن قولِ ابنِ الحاجبِ، وعلى الثاني، أي: واعترض على قولِ منِ احتجَّ بالمرسلِ عندَ اعتضاده بالمسندِ، بأنَّ الاحتجاجَ حينئذٍ بالمسندِ، قالَ: وهوَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158، وقلنا هناك: ((في (ف) و (ع) و (س) و (ن): ((يتفاوت))، وما أثبته من (ق) و (ص)، وهو الذي غيَّره المصنف بأخرة كما نبه عليه البقاعي ... )). (¬2) من قوله: ((قوله: من هذه البيوت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((وهو الحلبي المعروف بالتنوخي شارح الشفا)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158. (¬5) انظر: نكت ابن حجر 1/ 408، وبتحقيقي: 203. (¬6) ((الحجة)) لم ترد في (ف). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158. (¬9) المحصول 4/ 461، وانظر: نكت ابن حجر 2/ 567، وبتحقيقي: 341.

واردٌ، فقد وضحَ بكلامِ الفخرِ عدمُ ورودهِ. وأجابَ غيرُ الإمامِ فخرِ الدينِ بأنَّ ثمرتهُ تظهرُ عندَ ما لو عارضهُ مسندٌ مثلهُ فردٌ (¬1)، فإنا نرجحُ هذا المسندَ الذي عاضده المرسلُ، فيصيرُ تقديرُ كلامِ الشّافعي حينئذٍ (¬2) بأنْ يقالَ: المرسلُ إذا عضدهُ مسندٌ، فإنْ كانَ صالحاً للاحتجاجِ بهِ وحدهُ ظهرتِ الثمرةُ عندَ الترجيحِ، وإنْ كانَ لا تقومُ بهِ حجةٌ لوِ انفردَ، فهوَ الذي يعضده (¬3) المرسل مطلقاً، ويرتقي كلٌّ منهما بالآخرِ إلى درجةِ الاحتجاجِ بهِ. قال شيخُنا: ((لكنْ كلامُ الشّافعي ربما يأتي شمولُ العاضدِ المسندَ للضعيفِ، فإنَّه قالَ - كما ذكرهُ الشيخُ عندَ قولهِ: ((لكنْ إذا صحَّ لنا مخرجهُ)) - ما نصهُ : ((والمنقطعُ مختلفٌ فمن شاهدَ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منَ التابعينَ، فحدّثَ حديثاً منقطعاً ... )) إلى أَنْ قالَ: ((فإن شَركَهُ الحفّاظُ المأمونونَ، فأَسندوهُ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بمثلِ معنى (¬4) ما رَوَى .. )) (¬5) إلى آخرهِ. فقولهُ: ((الحفّاظُ المأمونونَ)) يخرجُ الإسنادَ الضعيفَ / 67 أ /؛ لأنَّ الحفاظَ المأمونينَ إذا شركوا التابعيَّ الذي أرسل كانوا أيضاً تابعينَ. قلتُ: وفيهِ نظرٌ؛ لجوازِ أَنْ يرويَ المأمونونَ من التابعينَ عن تابعينَ ضعافٍ، فيكونُ السندُ الموصولُ ضعيفاً؛ لضعفِ من بعد المأمونينَ. ¬

_ (¬1) عني بذلك النووي، والله أعلم، إذ ذكر ذلك في إرشاد طلاب الحقائق 1/ 171. (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) في (ف): ((يعاضد)). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) الرسالة للشافعي الفقرات: (1263) - (1265).

واعترضَ الشّيخُ في " النكتِ " على ابنِ الصلاحِ، من حيثُ إنَّهُ لم يقيد التابعيَّ، والشّافعيُّ قيدهُ بالكبارِ منهم كما سيأتي نقلُ ذلكَ عنهُ في بحثِ المرسلِ. قالَ: ((فإطلاقُ الشيخِ النقلَ عن الشّافعيّ ليسَ بجيدٍ، وقد تبعهُ على ذلكَ الشيخُ محيي الدينِ في عامةِ كتبهِ، ثمَّ تنبهَ لذلكَ في شرحِ " الوسيطِ " المسمى بـ" التنقيحِ "، وهو من آخرِ تصانيفهِ، فقالَ فيهِ: وأما الحديثُ المرسلُ فليسَ بحجةٍ عندَنا، إلا أنَّ الشافعيَّ قال: ((يجوزُ الاحتجاجُ بمرسلِ الكبارِ منَ التابعينَ، بشرطِ أنْ يعتضدَ بأحدِ أمورٍ أربعةٍ ... )) فذكرها. (¬1) وقولُ النوويِّ هنا: يجوزُ الاحتجاجُ، أخذهُ من عبارةِ الشافعي في قولهِ: ((أحببنا أنْ نقبلَ مرسلهُ)) (¬2)، وقد قالَ البيهقيُّ في "المدخلِ": ((إنَّ قولَ الشافعي: ((أحببنا)) أرادَ بهِ اخترنا)) (¬3). انتهى. - قالَ -: وعلى هذا، فلا يلزمُ أنْ يكونَ الاحتجاجُ بهِ جائزاً فقط، بل يقالُ: اختارَ الشّافعيُّ الاحتجاجَ بالمرسلِ الموصوفِ بمَا ذكرَ، أمّا كونه على سبيلِ الجوازِ، أو الوجوبِ، فلا يدلُّ عليهِ كلامهُ، واللهُ أعلمُ (¬4))) (¬5). قوله: (من أخذَ العلمَ عن غيرِ رجالِ التابعيِّ الأولِ) (¬6)، أي: فلو جاءَ مرسلٌ آخرُ بنحوهِ، أرسله مَن أخذَ العلمَ عن رجالِ هذا التابعيِّ، لم يكنْ عاضداً؛ ¬

_ (¬1) انظر: إرشاد طلاب الحقائق 1/ 175 - 179. (¬2) الرسالة الفقرة (1274) بتحقيقي، وانظر عن شروط الشافعي في قبول المرسل: نكت الزركشي 1/ 419، والتقييد والإيضاح: 48، ونكت ابن حجر 1/ 408 وبتحقيقي: 203. (¬3) لم نقف عليه في المطبوع من المدخل، ولعله مما سقط منه. (¬4) من قوله: ((قال شيخنا: لكن كلام الشافعي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) التقييد والإيضاح: 50. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208.

لأنَّهُ يطرقهُ احتمالُ أنْ تكونَ تسميته غيرَ ذلكَ / 67 ب / التابعي من قبيلِ الاضطرابِ والاختلافِ منَ الرواةِ، فإذا كانَ الذي أرسلَ لم يأخذْ عن أصحابِ هذا التابعي لم يجىءْ هذا الاحتمالُ. قالَ شيخُنا: ((وهذا كلامُ (¬1) منْ طالتْ ممارستهُ لهذا الفنِّ، وكَثُرَ استعمالُه إياهُ، ودامَ تصرفُه في أنواعِ فنونه، حتى صار مالكَ قيادهِ، وجهبذَ نقادهِ. قالَ: ومثالُ ذلكَ أنْ يرويَ عقيلٌ، عنِ الزهريِّ، عن سعيدِ بنِ المسيبِ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثاً، ويرويهِ بعينهِ أو معناهُ يونسُ، عنِ الزهريِّ، عن أبي سلمةَ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يكونُ هذا عاضداً لذلكَ المروي عن سعيدٍ؛ لاحتمالِ اختلافِ الرواةِ على الزهريِّ، وأنْ يكونَ الزهريُّ إنما رواهُ من إحدى الطريقينِ فقط، فلو رواهُ أحدٌ من الرواةِ عنِ يحيى بنِ أبي كثيرٍ، عن أبي سلمةَ، عددناه عاضداً؛ لابتعادِ (¬2) احتمالِ الاختلافِ على مَن أخذَ العلمَ عن رجالِ التابعيِّ الأولِ، وهم رواةُ الزهريِّ الآخذِ عن سعيدٍ. هكذا قالَ شيخُنا، والذي يظهرُ لي أَنَّهُ الأقربُ إلى مرادِ الشافعيِّ أَنْ يحملَ الرجالَ على الشيوخِ، فيكونَ المعنى: أرسلهُ مَن أخذَ العلمَ عن غيرِ شيوخِ التابعيِّ الأَولِ؛ لأنَّهُ ربما كانَ الساقطُ من المرسلِ الأولِ تابعياً ضعيفاً، فإذا أرسله هذا الثاني الذي لم يروِ عن أحدٍ من شيوخِ الأولِ، علمَ أَنَّ شيخه فيهِ غيرُ شيخِ الأولِ، فعلمَ أَنَّهُ وجهٌ آخرُ. قولُه: (من وجهٍ آخرَ) (¬3) قال (¬4) بعده: ((وذكرنا له أيضاً ما حكاه الإمامُ أبو المظفرِ السمعانيُّ، وغيرُه عن بعضِ أصحابِ الشافعيِّ، من أَنَّهُ تقبلُ روايةُ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: الشافعي)). (¬2) في (ف): ((لانتفاء)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)).

المستورِ / 68أ / وإنْ لم تقبل شهادةُ المستورِ (¬1)؛ ولذلكَ وجهٌ متجهٌ، كيفَ وإنا لم نكتفِ في الحديثِ الحسنِ بمجردِ روايةِ المستورِ على ما سبقَ آنفاً، واللهُ أعلمُ)) (¬2). قولُه: (ثم قال في جوابِ سؤالٍ آخرَ) (¬3) الضميرُ في ((قالَ)) لابن الصلاحِ، وصدرُ ذلكَ السؤال: ((لعلَ الباحثَ الفهمَ يقولُ: إنا نجدُ أحاديثَ محكوماً بضعفها، مع كونها قد رُوِيَتْ بأسانيدَ كثيرةٍ من وجوهٍ عديدةٍ، مثلَ حديثِ: ((الأذنانِ منَ الرأسِ)) (¬4) ونحوهِ، فهلاَّ جعلتُم ذلكَ وأمثالهُ من نوعِ الحسنِ؟ لأنَّ ¬

_ (¬1) قال الزركشي 1/ 319: ((لم أجده في القواطع لابن السمعاني، لكن نقله المازري في شرح البرهان عن ابن فورك)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 103. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 158. (¬4) هذا الحديث روي عن عدة من الصحابة منهم: أبو أمامة: أخرجه أحمد 5/ 258 و264 و268، وأبو داود (134)، والترمذي (37)، وابن ماجه (444)، والطحاوي 1/ 33، والطبراني في " الكبير " 8/ 121، والدارقطني 1/ 103، والبيهقي 1/ 66. وأبو هريرة: أخرجه ابن ماجه (445)، وأبو يعلى (6370)، وابن حبان في "المجروحين" 2/ 110، والدارقطني 1/ 101. وعبد الله بن زيد: أخرجه ابن ماجه (443)، والبيهقي 1/ 65. وعبد الله بن عمر: أخرجه الدارقطني 1/ 97. وعائشة: أخرجه الدارقطني 1/ 100. وعبد الله بن عباس: أخرجه الدارقطني 1/ 99. وهو مروي من حديث غيرهم. قال ابن حجر في النكت 1/ 415، وبتحقيقي: 210 بعد أن أورد الروايات، وتكلم عليها: ((وإذا نظر المنصف إلى مجموع هذه الطرق، علم أن للحديث أصلاً، وأنه ليس مما يطرح، وقد حسنوا أحاديث كثيرة باعتبار طرق لها دون هذه، والله أعلم)). وانظر عنه: نكت الزركشي 1/ 320، والتقييد: 50، ونكت ابن حجر 1/ 409، وبتحقيقي: 204 - 205.

بعضَ ذلكَ عضدَ بعضاً كما قلتم في نوعِ الحسنِ على ما سبقَ آنفاً، وجوابُ ذلكَ: أَنَّه ليسَ كلُّ ضعيفٍ ... )) (¬1) إلى آخرهِ. قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((اعتُرضَ عليهِ بأنَّ هذا الحديثَ رواهُ ابنُ حبانَ في "صحيحهِ"، والجوابُ: أنَّ ابنَ حبانَ أخرجهُ من روايةِ شهرِ بنِ حوشب، عن أبي أمامةَ (¬2)، وشهرٌ ضعفهُ الجمهورُ (¬3) ومعَ هذا فهوَ من قولِ أبي أمامة موقوفاً عليهِ، وقد بيّنهُ أبو داودَ في "سننهِ" (¬4) عقبَ تخريجهِ له عن سليمانَ بنِ حربٍ، قال: ((يقولها أبو أمامةَ، وقالَ حمادُ بنُ زيدٍ: فلا أدري أهوَ من قولِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو أبي أمامةَ؟)) وكذا ذكرَ الترمذيُّ قولَ حمادِ بنِ زيدٍ، ثمَّ قالَ الترمذيُّ: ((هذا حديثٌ ليسَ إسناده بذاكَ القائمِ (¬5))). انتهى. وقد رُوِيَ من حديثِ جماعةٍ من الصحابةِ، جمعهمُ ابنُ الجوزيِّ في " العللِ المتناهيةِ "، وضعّفها كلَّها، واللهُ أعلمُ)) (¬6). انتهى كلامُ " النكت ". ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 103 - 104. (¬2) كذلك قال الزركشي في نكته 1/ 326، وتعقبهما الحافظ ابن حجر في نكته 1/ 414 - 415، وبتحقيقي: 210 فقال: ((فيه نظر، بل ليس هو في صحيح ابن حبان البتة، لا من طريق أبي أمامة، ولا من طريق غيره، بل لم يخرج ابن حبان في صحيحه لشهر بن حوشب)). (¬3) انظر: الكامل 5/ 57، وتهذيب الكمال 3/ 409 (2767)، وميزان الاعتدال 2/ 283 (3756). (¬4) انظر: سنن أبي داود عقب (134). (¬5) كلام الترمذي في جامعه 1/ 87 عقب (37). (¬6) التقييد والإيضاح: 51. وقد تعقب الحافظ ابن حجر في نكته 1/ 410، وبتحقيقي: 205 شيخه العراقي فقال: ((قد راجعت كتاب " العلل المتناهية " لابن الجوزي، فلم أره تعرض لهذا الحديث، بل رأيته في كتاب " التحقيق " له قد احتج به، وقواه)).

كذا جمعَ فيهِ الحافظُ أبو محمودٍ القدسيُّ شيئاً ذكرَ فيهِ ورودَهُ من رواياتٍ شتى، وقال: ((إنَّ ادّعاءَ ابنِ الصلاحِ أَنَّهُ مما لا ينجبرُ ضعفهُ / 68ب/ بالعاضد منازعٌ فيهِ؛ لأنَّ ضعفهُ ليسَ من جهةِ فسقٍ في واحدٍ من رواته بكذبٍ، ولا غيره، وكذا ما يعضدُهُ، وأوردَ طرقاً لا يخلو واحدٌ منها عن علةٍ))، ثمَّ نُقلَ عن ابنِ دقيقِ العيدِ أَنَّهُ قالَ: ((فإنْ توقّف تصحيحُه عندَ أحدٍ على ذكرِ طريقٍ لا علةَ فيها، ولا كلامَ في رواتها، فقد نتوقّفُ (¬1) في ذلكِ، لكنَّ اعتبارَ ذلكَ صعبٌ ينتقضُ عليهم في كثيرٍ مما استحسنوهُ وصححوهُ من هذا الوجهِ)). انتهى. وهو مُسلّمٌ لولا أَنَّ سليمانَ بنَ حربٍ وقفهُ عن حمادٍ، كما هوَ عندَ أبي داودَ. وسليمانُ ثقةٌ ثبتٌ إمامٌ حافظٌ (¬2)، ونقلَ جزمَهُ بذلك الإمامُ أبو الحسنِ الدارقطنيُّ وهو جبلُ الحفظِ والإتقانِ (¬3)، فلولا ذلكَ لأفادتهُ الطرقُ المذكورةُ قوةً في المتابعاتِ والشواهدِ، لكنَّ ضعفَها لا ينهضُ لمدافعةِ هذينِ الجبلينِ، ولا واحدٍ منهما، لا سيَّما عندَ مَن (¬4) قالوا: إنَّ الواقفَ مقدمٌ على الرافعِ، كما قيلَ: إنَّ النوويَّ قالَ: إنَّ الخطيبَ حكاهُ عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ (¬5)، فاستمرَّ حديثُ أبي أمامةَ على ضعفهِ، ولم يوجد من حديثِ غيرهِ ما يستقلُّ بإفادةِ الحكمِ، وما رواهُ ابنُ ماجه (¬6) عن عبدِ اللهِ بنِ زيدٍ - رضي الله عنه -: أَنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((الأذنان منَ الرأسِ))، وإنْ كانَ ليسَ في رواتهِ مَن يُنظرُ في حالهِ إلاّ ¬

_ (¬1) في (ف): ((يتوقف)). (¬2) انظر: تهذيب الكمال 3/ 269 (2486). (¬3) سنن الدارقطني 1/ 103. (¬4) أشار ناسخ (أ) في الحاشية إلى أنّ في نسخة: ((اللذين)). (¬5) نقل النووي ذلك عن الخطيب في الحكم للمرسل إذا تعارض الوصل والإرسال انظر: الكفاية: 411، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 201، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬6) سنن ابن ماجه (443).

سويدَ بنَ سعيدٍ، فإنهمْ قالوا: إنَّه لما عَمِيَ صارَ يتلقنُ، فاشتدَّ اضطرابُ حديثهِ، وهو وإنْ كانَ قد أخرجَ لهُ مسلمٌ محتملٌ لأنْ يكونَ لم يخرجْ له إلا ما عَرفَ أَنَّهُ لم يتلَقَّنْ فيهِ (¬1)، مع أَنَّ / 69أ / شيخَنا حافظَ عصرهِ قالَ في " تخريجِ أحاديثِ الرافعي ": ((إنَّهُ بيَّنَ (¬2) في كتابهِ في المدرجِ أَنَّهُ مدرجٌ، وإنْ كانَ قد قوَّاهُ المنذريُّ، وابنُ دقيقِ العيدِ)) (¬3). قلتُ: ومنِ استظهرَ لعدمِ الإدراجِ بأنَّهُ روي تارةً مفتتحاً بما للأذنينِ منهُ (¬4)، وتارةً مقتصراً عليهِ، مجاب بأنَّ ذلكَ من ثمراتِ القولِ بالروايةِ بالمعنى، فقدّمَ الراوي، وأخَّرَ، وأسقطَ، واقتصرَ، وخفيَ عليهِ أمرُ الإدراجِ، فإنَّ من شأنِ العللِ الخفاء إلا على الجهابذةِ النقادِ، ويعارضهُ أيضاً فيضعفهُ ما رواهُ البيهقيُّ (¬5) عنهُ: ((أَنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أَخذَ لأذنيهِ ماءً خلاف الماءِ الذي أخذَ لرأسهِ))، وهو عند أبي داود عنه أيضاً (¬6)، فدلَّ على أنهما ليسا منَ الرأس، وأَنهما عضوانِ مستقلانِ، فإنَّ المرادَ بذلكَ أَنهما في المسحِ أصلٌ، لا تبعٌ لشيءٍ، لا أنهما يطلقُ عليهما مسمى الرأسِ أولاً، وكذا ما رواهُ البيهقيُّ من حديثِ أَنسٍ - رضي الله عنه -، فلا معارضَ حينئذٍ لقولِ الشافعيِّ -رحمه اللهُ -: ((وليست الأَذنانِ منَ الوجهِ، فتغسلانِ، ولا منَ الرأسِ، فيجزي مسحهُ عليهما، فهما سنةٌ على حيالهما)) (¬7). ¬

_ (¬1) ينظر في سويد بن سعيد: تهذيب الكمال 3/ 337 - 338. (¬2) في (ف): ((تبين)). (¬3) التلخيص الحبير 1/ 283 - 284. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: الحديث)). (¬5) السنن الكبرى 1/ 65. (¬6) عبارة: ((وهو عند أبي داود عنه أيضاً)) من (ف) فقط. (¬7) من قوله: ((هكذا قال شيخنا، والذي يظهر لي أنه الأقرب ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قوله: (وذلكَ كالضعفِ الذي ينشأ ... ) (¬1) إلى آخره، مرادهُ - واللهُ أعلمُ - بالشاذِّ (¬2) هنا ما راويهِ ضعيفٌ بعيدٌ عن درجةِ من يحتجُّ بهِ، وهوَ الذي قال: إنَّهُ الشاذُّ المنكرُ، كما سيأتي في بابه، وإنما خصصناهُ بذلكَ؛ لأنَّ كلامهُ هنا في ضعفٍ لا ينجبرُ بالعاضد، وعلى كل حالٍ كانَ ذِكرُهُ الشاذَّ فقط يُفهمُ أَنَّ المتهمَ بالكذبِ لا يجبرُ من بابِ الأولى، على أَنَّ هذا الضعيفَ الواهي ربما كَثُرَتْ طرقهُ حتى أوصلته إلى درجةِ راويهِ المستورِ، والسيِّءِ الحفظِ، بحيثُ إنَّ ذلكَ / 69ب / الحديثَ إذا كانَ مروياً بإسنادٍ آخرَ فيهِ ضعفٌ قريبٌ محتملٌ، فإنَّهُ يرتقي بمجموعِ ذلكَ إلى مرتبةِ الحسنِ، وقد جعلنا مجموعَ تلكَ الطرقِ الواهيةِ بمنْزلةِ الطريقِ التي فيها ضعفٌ يسيرٌ، فصارَ ذلكَ بمنْزلةِ طريقينِ، كلٌّ منهما ضعفه يسيرٌ، واللهُ أعلمُ. قوله: 62 - والحَسَنُ الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَةِ ... وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ، إذَا أَتَى لَهْ 63 - طُرُقٌ اخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ ... صَحَّحْتُهُ كَمَتْنِ (لَوْلاَ أنْ أَشُقْ) 64 - إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو) ... عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي ذكرَ في هذهِ الأبياتِ أَنَّ الحسنَ لذاتهِ إذا اعتضد صار صحيحاً، وهذا هوَ الصحيحُ لغيرهِ. وعليهِ في فعلهِ وقولهِ مؤاخذاتٌ: الأولى: إنَّهُ إنْ نظر إلى كونِ أصلهِ حسناً حتى يسوغَ له وضعهُ في بابِ الحسنِ، لَزمهُ أنْ يذكرَ الحسنَ لغيرهِ في بابِ الضعيفِ نظراً إلى أصلهِ، وإنْ نظرَ إلى مآلهِ، لزمهُ ذكره في بابِ الصحيحِ. ويجابُ بأنَّ الشيخَ أبا عمرٍو - رحمهُ الله - ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 159. (¬2) في (ف): ((بالشاهد)).

أملى الكتابَ شيئاً فشيئاً في دارِ الحديثِ (¬1) الأشرفيةِ بدمشقَ، فذهلَ عنهُ في بابِ الصحيحِ لذاتهِ، فاستدركهُ هنا، ورأى في ذكرهِ ما يغني الفطنَ عن ذكرِ الحسنِ لغيرهِ في قسمِ الضعيفِ، وأيضاً فالذي حملهُ على ذكرِ الحسنِ لغيرهِ هنا، وعدمِ ذكرهِ في الضعيفِ إرادةُ جمعِ المقبولِ في بابٍ واحدٍ، ولو أخّرهُ إلى الضعيفِ لفاتهُ ذلكَ، بخلافِ الصحيح لغيرهِ؛ فإنَّه معَ مراعاةِ أصلهِ لم يخرجْهُ ذلكَ عن بابِ المقبولِ. الثانيةُ: قوله: (طرقٌ) (¬2) جمعُ كثرةٍ، ولا يشترطُ في جعلهِ صحيحاً مجيئهُ من طرقٍ كثيرةٍ. فإن قيل: هذهِ الصيغةُ تطلقُ أيضاً (¬3) في القلةِ، قيلَ: سلّمنا، ولا بدَّ حينئذٍ من أربعةِ طرقٍ: الطريق التي نريدُ أنْ نرقيها إلى الصحةِ، وثلاثةٍ غيرها؛ لأنَّهُ وصفَ طرقاً / 70 أ / بقولِهِ: ((أخرى))، أي: غيرَ تلكَ الطريقِ، ولا يشترطُ ذلكَ. فإنِ اعتنى بهِ فقيلَ: إنَّ (¬4) أقلَّ الجمعِ اثنانِ، قيلَ: فيكونُ أقلُّ ما يرقى إلى الصحةِ طريقينِ معَ تلكَ الطريقِ، وهذا (¬5) غيرُ مسلّمٍ أيضاً، بل أقلُ ما يجبرها طريقٌ، ويشترطُ أن تكونَ مساويةً لها، أو أعلى بشرطِ القصورِ عن درجةِ الصحةِ إنْ كانَ الحكمُ على المتنِ، لكنَّ عبارتهُ فيها حسنٌ من حيثُ إنها تشملُ ما إذا توبعَ بطرقٍ دونه، فإذا ¬

_ (¬1) وتأسياً بهذه الدار المباركة انشأت - بفضل الله ومنه وكرمه - دار الحديث في العراق في 23/ ربيع الأول / 1424 هـ، أسأل الله أن يكتب بها النفع للإسلام والمسلمين، وأن يعينني فيها على نشر عقيدة التوحيد. وأن ينفعني بها يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم. (¬2) التبصرة والتذكرة (63). (¬3) من قوله: ((في جعله صحيحاً)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) في (ف): ((وهو)).

انضمَّ بعضُها إلى بعضٍ، صارت حسنةً للغيرِ، فترتقي بها تلكَ الطريقُ الحسنةُ لذاتها إلى الصحةِ، فإنَّهُ انضمَّ حسنٌ إلى مثلهِ، ولا يضرُّ كونُ أحدهما لذاتهِ والآخر لغيرهِ، وتكونُ هذهِ أقل مراتبِ الصحةِ، ولعلَ هذا هوَ الحاملُ للشيخِ على (¬1) ذكرِ هذا النوعِ هنا، فإنَّهُ تنازع فيهِ الصحيح باعتبارِ مآلهِ، والحسن باعتبارِ أصلهِ، والضعيف باعتبارِ أصلهِ أيضاً، لما بيناهُ من أَنَّ الحسنَ لغيرهِ يرقى أيضاً، فلما تنازعتهُ الأنواعُ الثلاثةُ قصد إلى ذكرهِ في أوسطها، والعبارةُ المخلصةُ أنْ يقالَ: إذا رُوِيَ من غيرِ وجهٍ نحوهُ، كما قالَ الترمذيُّ في الحسنِ لغيرهِ، وكما قالَ فيهِ أيضاً ابنُ الصلاحِ: ((بأنْ رُوِيَ مثلُهُ أو نحوهُ من وجهٍ آخرَ، أو أكثرَ)) (¬2). بل نحنُ هناكَ إلى تكثيرِ الطرقِ أحوجُ؛ لأنها ثمَّ ضعافٌ، وهنا يحتجُّ بكلٍ منها على انفراده. قلتُ: وعبارةُ ابنِ الصلاحِ هنا: ((إذا كانَ راوي الحديثِ متأخراً عن درجةِ أهلِ الحفظِ والإتقانِ، غيرَ أنَّه منَ المشهورينَ بالصدقِ والسترِ، ورُوِيَ معَ ذلكَ حديثُهُ من غيرِ وجهٍ، فقدِ اجتمعتْ له القوةُ منَ / 70ب / الجهتينِ، وذلكَ يُرقِّي حديثه من درجة الحسنِ إلى درجةِ الصحيحِ. مثالُه حديثُ محمدِ بنِ عمرو ... )) (¬3) إلى آخره، فقوله: ((من المشهورينَ بالصدقِ والسترِ)) دونَ قولِ الشيخِ: ((مشهورٌ بالصدقِ، والعدالةِ)) (¬4) وقوله بعد ذلكَ: ((فلما انضمَّ إلى ذلك كونه رويَ من أوجهٍ أخر)) (¬5) ناقلاً له عن ابنِ الصلاحِ بلفظِ الجمعِ، مخالفٌ لما رأيته في كتابِ ابنِ الصلاحِ في نسخةٍ بخطِّ بعضِ الفضلاءِ، وعليها خطُّ الشيخِ زينِ الدينِ بقراءتهِ لها ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ك): ((ما)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 100. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 104. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 160. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 105.

عليهِ بلفظ: ((من وجهٍ آخرَ)) (¬1) بالإفرادِ. وقد اعترضَ هو نفسه في " النكتِ " (¬2) على ابنِ الصلاحِ في اشتراطِ الروايةِ من وجوهٍ، كما سبقَ عندَ قوله: ((يتقاصرُ عنِ الصحيحِ (¬3))) (¬4) فلو قالَ الشيخُ: ((طريقٌ أخرى)) لاتَّزَنَ البيتُ وسَلِمَ، وفُهِمَ منه التصحيحُ بطريقين فصاعداً من بابِ الأولى، واللهُ أعلمُ. وإنما قيد ((نحوها)) ليفهمَ منهُ أَنَّ المتنَ إذا كانَ بلفظهِ سواءً كانَ أولى بالتصحيح. الثالثةُ: تمثيلهُ بحديثِ: ((لولا أَنْ أشقَّ على أمتي (¬5))) والمؤاخذةُ في قوله: ((كمتن)) أشدُّ، فإنَّ الحديثَ نفسَهُ صحيحٌ متفقٌ عليهِ، وإنما كانَ ينبغي التمثيلُ بحسنٍ مساوٍ له في مرتبةِ الحسنِ، سواءً كانَ الحسنُ لذاتهِ، أو لغيرهِ، فيفهمُ منهُ استفادةُ تصحيحِ الحديثِ إذا توبعَ بأحسنَ منهُ، أو بصحيحٍ من بابِ الأولى، وأيضاً فإنَّ (¬6) المتابعةَ القاصرةَ إنما تعتبرُ إذا لم يعارضها معارضٌ، كأنْ يروي عن شيخهِ مَن يخالفُهُ، وهنا قد روى عن شيخِ محمدِ بنِ عمروٍ من خالفهُ، وذكرَ في الحديثِ قصةً. ومنَ القواعدِ أَنَّ الراويينِ إذا اختلفا قُدّمَ الذي ذكرَ قصةً في حديثهِ؛ لأنَّ ذِكرَها مظنةٌ لزيادةِ ضبطهِ / 71 أ / فرَوَى محمدُ بنُ إسحاقَ، عن أبي سلمةَ، عن زيدِ بنِ خالدٍ الجهني، قالَ: ((كانَ السواكُ من أذنهِ بمنْزلةِ القلمِ من أذنِ الكاتبِ، لا يقومُ ¬

_ (¬1) ذكرنا في تعليقنا على كتاب معرفة أنواع علم الحديث أن في نسخة (ب): ((وجه آخر)) بالإفراد وهذا دليل على اختلاف النسخ في كتاب ابن الصلاح. (¬2) التقييد والإيضاح: 48. (¬3) من قوله: ((وعبارة ابن الصلاح هنا)) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 102. (¬5) عبارة: ((على أمتي)) لم ترد في (ك) و (ف). (¬6) لم ترد في (ك) و (ف).

إلى صلاةٍ إلا استنَّ ... )) (¬1) فذكره، فخالف وذكرَ قصةً، ولم يتابع أحدٌ محمدَ بنَ عمرٍو في روايته عن أبي سلمة، عن أبي هريرة (¬2)، ورواهُ الناسُ عن أبي هريرةَ من غيرِ طريقِ أبي سلمةَ (¬3)، فهي متابعةٌ لأبي سلمةَ لا للراوي عنهُ محمدِ بنِ عمرٍو، فلو سلّمنا من شيءٍ آخرَ رجّحنا روايةَ محمدِ بنِ إسحاقَ، لكنْ إنما صححنا طريقَ محمدِ ابنِ عمرٍو؛ لأنَّ الترمذيَّ (¬4) قالَ: إنَّهُ سألَ البخاريَّ عن ذلكَ، فصححَ أَنَّ الحديثَ عندَ أبي سلمةَ، عن زيدِ بنِ خالدٍ وعن أبي هريرةَ، لا لمجردِ متابعةِ مَن تابعَ أبا سلمةَ. ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد 4/ 114 و116 و5/ 193، وأبو داود (47)، والترمذي (23)، والنسائي في "الكبرى" (3041) من طرق عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث. وأخرجه: أحمد 4/ 116 من طريق حرب بن شداد، عن يحيى بن أبي كثير. كلاهما: عن أبي سلمة، عن زيد بن خالد الجهني، به. (¬2) أخرجه: أحمد 2/ 258 و287 و399 و429، والترمذي (22)، والنسائي في "الكبرى" (3042)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 1/ 44، والطبراني في " الأوسط " (7420)، والبيهقي 1/ 37 من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. (¬3) منهم: حميد بن عبد الرحمان عند أحمد 2/ 460 و517، والنسائي في "الكبرى" (3043). وسعيد بن أبي سعيد المقبري عند أحمد 2/ 250 و287 و433، وابن ماجه (287). (¬4) قال الترمذي: ((فسألت محمداً عن هذا الحديث أيهما أصح؟ فقال: حديث زيد بن خالد أصح))، قال أبو عيسى: ((وحديث أبي سلمة، عن أبي هريرة عندي هو صحيح أيضاً؛ لأنّ الحديث معروف من حديث أبي هريرة، وفي حديث أبي سلمة، عن زيد بن خالد زيادة ما ليس في حديث أبي هريرة؛ وكلاهما عندي صحيح)). العلل الكبير 1/ 106 (10).

وقوله: (فصحَّ هذا الإسنادُ) (¬1)، أي: لأنَّ عدالةَ راويهِ (¬2) معروفةٌ، وضبطهُ لهذا الحديثِ قد ثبتَ بالمتابعِ، فصار ضابطاً بالنسبةِ إلى هذا الحديثِ، وهذا كما أنا نثبت السماعَ لبعضِ العامةِ في هذا الزمانِ بشهادةِ الضابطِ الثقةِ المعروفِ الخطِّ له بالسماعِ في طبقةِ السماعِ، وإنْ كان هو لا يعرفُ شيئاً، ولا يقبلُ في شيءٍ (¬3). قولهُ: (ليسَ لمطلقِ هذا الحديثِ) (¬4)، أي: لفظةُ الحديثِ تشملُ المتنَ والسندَ، فلا تقل مثالُ الحسنِ (¬5) الذي يُروَى (¬6) من غيرِ طريقٍ، فيصححُ حديثَ ((لولا أن أشقَّ)) (¬7) بل قيدهُ بكونهِ من طريقِ محمدِ بنِ عمرٍو؛ لأنَّ المتنَ نفسهُ صحيحٌ متفقٌ عليهِ (¬8). قوله: (أم صبية) (¬9) بالصادِ المهملةِ، والباءِ الموحدةِ، مصغرٌ، وربما وقعَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 160، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 105. (¬2) في (ف): ((رواته)). (¬3) من قوله: ((وقوله: فصح هذا الإسناد ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 161. (¬5) لم ترد في (ك). (¬6) في (ف): ((روي)). (¬7) تقدم تخريجه. (¬8) صحيح البخاري 2/ 5 (887) و9/ 105 (7240)، وصحيح مسلم 1/ 151 (252) (42) من حديث الأعرج، عن أبي هريرة. قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 161: ((وهو متفق عليه من طريق الأعرج)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 161.

في بعضِ النسخِ غيرُ ذلكَ (¬1)، وهو خطأ، قال بعضُ أصحابنا: كان في " الشرحِ الكبيرِ " مولى ((أمِّ حبيبة)) يعني: بحاءٍ مهملةٍ / 71ب / مفتوحةٍ، وموحدتينِ، ثمَّ أصلحهُ بخطهِ ((صبيةٌ)) بالصادِ المهملةِ، وعلم تحتَ الصادِ بصادٍ صغيرةٍ، وشددَ التحتانيةَ، فعلَ ذلكَ في موضعينِ، ووقعَ لهُ موضعُ ثالثٌ ((صبيةٌ)) سالماً عنِ الإصلاحِ (¬2). قولهُ: 65 - قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ ... جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ 66 - فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ ... ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ 67 - وَمَا بهِ وَهَنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ ... وَحَيْثُ لاَ فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ 68 - فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَحْ وَسَكَتْ ... عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ 69 - و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ- ... : قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ ¬

_ (¬1) قلنا في تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 161: ((هكذا مجودة الضبط في (س) و (ق). وفي (ف) و (ع) ونسخة (ن) و (ص): ((أم حبيبة)) بالحاء المهملة، وهو محض خطأ، وما أثبتناه هو الصواب كما في تحفة الأشراف 10/ 280 (14243) وهو الموافق لتهذيب الكمال وفروعه. والحديث في السنن الكبرى للنسائي (3040)، وفي مسند أحمد 1/ 120، وسنن الدارمي (1492)، وشرح معاني الآثار للطحاوي 1/ 43، والسنن الكبرى للبيهقي 1/ 43 وفي سنن النسائي: ((عطاء مولى أم سلمة)) وهو تحريف آخر ... )). (¬2) من قوله: ((قال بعض أصحابنا ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

ذكرَ في هذهِ الأبياتِ مظنةَ (¬1) الحسنِ، كما ذكرَ في الصحيحِ مظانهُ (¬2) حيثُ قالَ: ((الصحيحُ الزائدُ على الصحيحينِ)) (¬3). وأولُ كلامِ ابنِ الصلاحِ في هذهِ المسألةِ: ((كتابُ أبي عيسى الترمذيِّ أصلٌ في معرفةِ الحديثِ الحسنِ، وهو الذي نوهَ باسمهِ، وأكثرَ من ذكرهِ في " جامعهِ "، ويوجدُ في متفرقاتٍ من كلامِ بعضِ مشايخهِ، والطبقةِ التي قبلهُ، كأحمدَ بنِ حنبلٍ، والبخاريِّ، وغيرهما (¬4). وتختلفُ النسخُ من كتابِ الترمذيِّ في قولهِ: ((هذا حديثٌ حسنٌ))، و ((هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ)) ونحو ذلكَ (¬5) ... ونصَّ الدارقطنيُّ في " سننهِ " على كثيرٍ من ذلكَ (¬6). ¬

_ (¬1) قال في الصحاح: ((مظنةُ الشيء: موضعه ومألفه الذي يظن كونه فيه، والجمع المظان)) الصحاح 6/ 2160، وقال في اللسان: ((المظان جمع مظنة - بكسر الظاء - وهي موضع الشيء ومعدنه، مفعلة من الظن بمعنى: العلم)) لسان العرب مادة ((ظنن)). (¬2) زاد بعدها في (ك): ((لأنه)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 118. (¬4) وجد التعبير بالحسن في كلام من هو أقدم منهما، كالشافعي، ومالك، بل من هو أقدم، كإبراهيم النخعي، وشعبة، وعلي بن المديني، وغيرهم. ولكن الملاحظ على تعابيرهم: أن منهم من أراد المعنى الاصطلاحي، ومنهم من لم يرده. انظر: نكت الزركشي 1/ 331، والتقييد والإيضاح: 52، ونكت ابن حجر 1/ 424، وبتحقيقي: 218 - 219. (¬5) نقل الزركشي 1/ 334 عن ابن دقيق العيد أنه قال: ((إن النسخ من كتاب الترمذي تختلف في قوله: حسن صحيح أو حسن، وأكثر ما يعتمده المتأخرون رواية الكروخي، وهي مخالفة في التصحيح لرواية المبارك بن عبد الجبار)). (¬6) أي: من الحسن، إذ قال في بعض الأحاديث: ((إسناده حسن)). انظر على سبيل المثال: سنن الدارقطني 1/ 40 و64، وقال في مواضع: ((إسناد حسن)). انظر: سنن الدارقطني 1/ 35 و48 و56 و318 و335 و351 و2/ 170 و188 و194 و3/ 32 =

ومن مظانهِ)) (¬1) إلى آخره. استدركَ الشيخُ في " النكتِ " (¬2) على ابنِ الصلاحِ، فقالَ: ((وقد وجدَ التعبيرُ بهِ في شيوخِ الطبقةِ التي قبلهُ أيضاً، كالشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى (¬3) - فقال في كتابِ " اختلافِ الحديثِ " عندَ ذكرِ حديثِ ابنِ عمرَ: ((لقد ارتقيتُ على ظهرِ بيتٍ لنا ... )) الحديثَ: ((حديثُ ابنِ عمرَ مسندٌ حسنُ الإسنادِ)) (¬4)، وقالَ فيهِ أيضاً: ((وسمعتُ من يروي بإسنادٍ حسنٍ أنَّ أبا بكرةَ ذكرَ للنبي - صلى الله عليه وسلم -: أنَّه ركعَ دونَ الصفِ ... )) (¬5) الحديثَ، قالَ: ((وقدِ اعترضَ أيضاً على المصنفِ في قولهِ: إنَّ الترمذيَّ ((أكثرَ من ذكرهِ في "جامعهِ")) (¬6) بأنَّ يعقوبَ ابنَ شيبةَ في "مسندهِ"، وأبا علي الطوسيَّ شيخِ أبي حاتم أكثرا / 72أ / من قولهما: حسنٌ صحيحٌ. انتهى. وهذا الاعتراضُ ليسَ بجيدٍ، لأنَّ الترمذيَّ أولُ من أكثر من ذلكَ. ويعقوبُ ¬

_ = و172. وقال في مواضع أخرى: هذا إسناد حسن صحيح. انظر: سنن الدارقطني 1/ 342 و2/ 156 و157 و175. وقال في 2/ 198: ((إسناده صحيح حسن)). وقال في موضع آخر 2/ 169: ((إسناد حسن ثابت)). وانظر: نكت الزركشي 1/ 336. (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 105. (¬2) التقييد والإيضاح: 52. (¬3) وكأحمد بن حنبل؛ إذ ذكر ابن حجر في نكته 1/ 425، وبتحقيقي: 219 - 220. أن الخلال قال: حدثنا أحمد بن أصرم: أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة -رضي الله عنها- في مسِّ الذكر، فقال: هو حديث حسن. (¬4) اختلاف الحديث: 165، وقد تعقب العراقي تلميذه الحافظ ابن حجر فقال في نكته 1/ 425، وبتحقيقي: 219: ((حكم الشافعي على حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- ... بكونه حسناً خلاف الاصطلاح، بل هو صحيح متفق على صحته)). (¬5) اختلاف الحديث: 130 - 131. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 105.

وأبو عليٍ إنما صنفا كتابيهما بعدَ الترمذيِّ، وكأنَ كتابَ أبي علي الطوسيِّ مخرجٌ على كتابِ الترمذيِّ، لكنهُ شاركهُ في كثيرٍ من شيوخهِ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). وقولُ ابنِ الصلاحِ: ((عرفناهُ بأنَّهُ منَ الحسنِ عندَ أبي داودَ)) (¬2)، وموافقةُ الشيخِ له في نظمهِ وشرحهِ (¬3) ليسَ بجيدٍ (¬4)، فليسَ بمسلّمٍ (¬5) أَنَّ كلَّ ما سكتَ عليهِ أبو داودَ يكونُ حسناً، بل هو وهمٌ آتٍ (¬6) من جهةِ أنَّ أبا داودَ يريدُ بقولهِ: ((صالحٌ)) الصلاحيةَ للاحتجاجِ، ومنْ فهمَ أنَّ ((أصحَّ)) في قولهِ: ((وبعضها أصحُّ من بعضٍ)) تقتضي اشتراكاً في الصحةِ، وكذا قوله: ((إنَّهُ يذكرُ في كلِّ بابٍ أصحَّ ما عرفهُ فيهِ)) وليسَ الأمرُ في ذلكَ كذلكَ (¬7). أما من جهةِ قولهِ: ((صالحٌ))؛ فلأنَّهُ كما يحتملُ أنْ يريدَ صلاحيته للاحتجاجِ، فكذا يحتمل أنْ يريدَ صلاحيتهُ للاعتبارِ؛ فإنَّ أبا داودَ قال في الرسالةِ التي أرسلها إلى مَن سألهُ عنِ اصطلاحهِ في كتابهِ: ((ذكرتُ فيهِ الصحيحَ، وما يشبههُ، ويقاربهُ، وما فيهِ وهنٌ شديدٌ بينته، وما لا فصالحٌ، وبعضها أصحُّ من بعضٍ)) (¬8)، واشتملَ هذا الكلامُ على خمسةِ أنواعٍ: ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في نكته 1/ 426 وبتحقيقي: 220: ((وأما على بن المديني فقد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن في مسنده ... )). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 106. (¬3) انظر: التبصرة والتذكرة (68)، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 163. (¬4) من قوله: ((وأول كلام ابن الصلاح في هذه المسألة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي لأنه ليس بمسلّم)). (¬6) في (ف): ((أتى)). (¬7) عبارة: ((وليس الأمر في ذلك كذلك)) لم ترد في (ك). (¬8) رسالة أبي داود إلى أهل مكة 1/ 35 (مع بذل المجهود).

الأولُ: الصحيحُ، ويجوزُ أنْ يريدَ بهِ الصحيحَ لذاتهِ. والثاني: مشبهه، ويمكنُ أنْ يريدَ به الصحيحَ لغيرهِ. والثالثُ: مقاربهُ، ويحتملُ أنْ يريدَ بهِ الحسنَ لذاتهِ. والرابعُ: الذي فيهِ وهنٌ شديدٌ. وقولهُ: ((وما لا)) يفهمُ منهُ الذي فيهِ وهنٌ ليسَ بشديدٍ، فهو قسمٌ خامسٌ، فإنْ لم يعتضد كانَ صالحاً للاعتبارِ فقط، وإنْ اعتضدَ صار حسناً لغيره / 72 ب/، أي: الهيئةَ المجموعةَ، وصلحَ للاحتجاجِ، وكانَ قسماً سادساً، وعلى تقديرِ تسليمِ أنَّ مرادهُ صالحٌ للاحتجاجِ، لا يستلزمُ الحكمَ بتحسينِ مَا سكتَ عليهِ (¬1)، فإنَّهُ يرى الاحتجاجَ بالضعيفِ إذا لم يجدْ في البابِ غيرَهُ، كما سيأتي اقتداءً بأحمدَ - رضي الله عنه - قالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ: ((سألتُ أبي (¬2) عنْ شخصينِ في مصر منَ الأمصارِ، أحدهما: محدِّثٌ لايدري صحيح الحديثِ منْ سقيمهِ، والآخرُ: فقيهٌ يفتي بالرأيِّ، فنَزلتْ نازلةٌ، مَن يُستَفتَى فيها؟ قالَ: المحدِّثُ الموصوفُ)) (¬3) على أنَّهُ قدْ نقلَ عنِ الشافعيِّ ما يقاربُ ذلكَ، فإنَّ الماورديَّ حكى أنَّهُ يحتجُّ بالمرسلِ بشروطهِ في سبعةِ مواطنَ، وعدَّ منها ستةً هي موجودةٌ في كلامِ الشافعيِّ، وعدَّ سابعاً: وهوَ أنْ لا يوجدَ في البابِ غيره قالَ شيخُنَا: ((وهذا لم نرهُ في كلامِ الشافعيِّ)). وأما منْ جهةِ: ((أصح)) فلا يخفى عليكَ أنَّ تصريحهُ بأنَّه يحتجُ بالضعيفِ يوضحُ أنَّ مرادهَ المفاضلةُ بينهما في الاحتجاجِ، أي: وبعضها أقوى في بابِ الاحتجاجِ منْ بعضِ، لا المشاركةَ في نفسِ الصحةِ. ¬

_ (¬1) كتب ناسخ (أ) في الحاشية موضحاً: ((إنه أبو داود)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) انظر: جامع بيان العلم وفضله 2/ 170.

وعن ابنِ كثيرٍ ما حاصلهُ أنَّ قولهُ: ((بعضها أصحُّ منْ بعضٍ)) يقتضي الصحةَ، إلاَّ أنْ يجابَ بأنَّهُ على رأيِّ المتقدمينَ في تسميةِ الحسنِ صحيحاً، أو أنَّ المرادَ بالأصحيةِ الأمرُ (¬1) النسبيُّ، أي: أنَّ بعضها أقلّ وَهْناً منْ بعضٍ (¬2)، فظهرَ بهذا أنَّ مرادهُ بـ ((صالح)) المعنى العامِ، أي: صالحٍ للاحتجاجِ إنْ لمْ يكنْ في البابِ غيرهُ، أو كانَ في البابِ غيرهُ، واعتضدَ، وصالحٌ للاعتبار إنْ كانَ في البابِ غيرهُ، ولم / 73 أ / يعتضد، وأنَّ ((أصحَّ)) ليست على بابها. وقولهُ: (وقد يكونُ في ذلكَ ما ليسَ بحسنٍ ... ) (¬3) إلى آخرهِ، قالَ شيخُنا: ((ويمكنُ أنْ يكونَ فيهِ ما ليسَ بحسنٍ عندَ أبي داودَ نفسهِ، وهو الذي فيهِ وهنٌ ليسَ بشديدٍ، ويقالُ لابنِ الصلاحِ: إذا جازَ ذلكَ، فكيفَ يطلقُ عليهِ اسمُ الحسن؟ وإنْ قلتَ: حسنٌ عندهُ، فمن أينَ ذلكَ؟ والحالُ أنَّ قولَهُ: ((صالح)) يصلحُ لأنْ يجعلَ متعلقه الاحتجاجَ والاعتبار، واعتراضُ ابنِ رشيدٍ على قولهِ بأنَّه من الحسنِ عندَ أبي داودَ متجهٌ كما قالَ الشيخُ، وجوابُ الشيخِ يردهُ احتمالُ أنْ يكونَ ذلكَ الحديثُ ضعيفاً، فأينَ الاحتياطُ؟)). قلتُ: ونقلَ عن ابنِ كثيرٍ أنَّهُ قالَ: ((ويُروَى عن أبي داودَ أنَّهُ قالَ: وما سكتُّ عنهُ فهوَ حسنٌ)) (¬4). انتهى. ¬

_ (¬1) ((الأمر)) من (ف) فقط. (¬2) من قوله: ((وعن ابن كثير ما حاصله ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 163. (¬4) اختصار علوم الحديث 1/ 136، وبتحقيقي: 102.

وعلى تقديرِ صحةِ الروايةِ عنهُ بذلكَ يطرقهُ احتمالُ أنَّهُ حسنٌ للاحتجاجِ بهِ، وأنَّ ما يسكتُ عنه قد يكونُ ضعيفاً ليسَ في البابِ غيره، فيكونُ مما يحتجُّ بهِ عنده، فلا يفيدُ ذلكَ الحسنَ الاصطلاحيَّ. قولهُ: (وقد ذكرته بعدَ هذا بسبعةِ أبياتٍ) (¬1) ضربَ الشيخُ في " شرحهِ الكبيرِ " على أبياتٍ، وجعل بدلها ((بيوت)) وما أدري لم صَنعَ ذلكَ؟ ثم رأيتُ عن شيخنا الإمامِ برهانِ الدينِ أنها كانت في هذا " الشرحِ الصغيرِ " أيضاً ((بيوتٌ)) فأصلحها بعدَ قراءته لهُ عليهِ " أبيات "، وكأنَّهُ يكونُ السبعةُ عدداً قليلاً كما تقدّمَ، وأفعالٌ من جموعِ القلةِ (¬2). وقولهُ: (قالَ أبو الفتحِ اليعمري) (¬3)، أي: في " شرحهِ لجامعِ الترمذيِّ "، (¬4) واللهُ أعلمُ. قولهُ: (كما عبرَ هو عن نفسهِ) (¬5) قال الشيخُ في النكتِ (¬6): ((وهكذا / 73ب / رأيتُ الحافظَ أبا عبدِ اللهِ بنَ المواقِ يفعلُ في كتابهِ " بغيةِ النقادِ "، ويقولُ في الحديثِ الذي سكتَ عليهِ أبو داودَ: هذا حديثٌ صالحٌ)). انتهى. قال بعضُ أصحابنا: وقد مشى الشيخُ على ما قالهُ ابنُ الصلاحِ فإنَّهُ أخرجَ في تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ (¬7) حديثَ أسامةَ بن زيدٍ الليثي، عن عمرو بنِ شعيبٍ، عن ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 163. (¬2) انظر عن جموع القلة: شرح ابن عقيل 2/ 452. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 164. (¬4) انظر: النفح الشذي 1/ 218. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 164. (¬6) التقييد والإيضاح: 53. (¬7) تخريج أحاديث الإحياء 1/ 432 (496) وقال فيه: ((وقال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وسكت عليه أبو داود ... )) ولم يذكر ما ذكر المؤلف هنا.

أبيهِ، عن عبدِ اللهِ بن عمرٍو -رضي اللهُ عنهما-، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهُ قالَ: ((مَنِ اغتسلَ يومَ الجمعةِ ... )) فذكرَ الحديثَ. وفي آخره: ((ومَن لغا، وتَخطَّى رقابَ الناسِ، كانت لهُ ظهراً)) قالَ: ((وإسنادهُ حسنٌ سكتَ عليهِ أبو داودَ، وأسامةُ بنُ زيدٍ، وإنِ اختلفوا في الاحتجاجِ بهِ، فقدِ احتجَّ بهِ مسلمٌ)). انتهى. قلتُ: ولم يحسّنهُ الشيخُ لأجلِ سكوتِ أبي داودَ فقط حتى يكونَ موافقاً له، وإنما أداهُ اجتهادهُ إلى تحسينهِ، ولما كانَ النقادُ قدِ اختلفوا فيهِ، احتاجَ إلى ترجيحِ ماذهبَ إليهِ، فاستدلَّ لهُ باحتجاجِ مسلمٍ بهِ، وبسكوتِ أبي داودَ، فأفادَ الأولُ قوته، والثاني: أنَّهُ ليسَ فيهِ وهنٌ شديدٌ، فثبتَ لهُ مُدّعاهُ، وهوَ كذلكَ، فإنَّ شيخَنا وصفَ زيداً في "تقريبِ التهذيبِ" (¬1) بأنَّهُ صدوقٌ يَهِمُ (¬2)، وليسَ بينَ هذهِ المرتبةِ ومرتبةِ من يقولُ فيهِ: ((ثقةٌ)) أو ((ثبتٌ)) إلا مرتبةٌ واحدةٌ، وحديثُ هذا الضربِ حسنٌ لذاتهِ، واللهُ أعلمُ. (¬3) قولهُ: 70 - وَللإمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّما ... قَوْلُ (أبي دَاوُدَ) يَحْكي (مُسْلِما) 71 - حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا ... تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا 72 - فَاحْتَاجَ أنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ ... إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ) 73 - وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ ... قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ 74 - هَلاَّ قَضى عَلى كِتَابِ (مُسْلِمِ) ... بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ ¬

_ (¬1) تقريب التهذيب (317). (¬2) كتب ناسخ (أ) فوقها: ((خف)). (¬3) من قوله: ((قلت: ونقل عن ابن كثير أنه قال ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

((اليعمري)) بالفتحِ نسبةً إلى يعمر (¬1) - بالضمِ والفتحِ - ابنُ شَدَّاخ - بفتحِ المعجمةِ، وتشديدِ المهملةِ، وآخره معجمةٌ- من بني ليثٍ، ويرجعونَ لبني مضر / 74 أ / قوله: (وعملهُ في ذلكَ شبيهٌ) (¬2) يوجدُ في بعضِ النسخِ: ((بذلكَ)) وكذلكِ كانتْ أولاً، ثمَّ جَعلَها الشيخُ بعدَ قراءةِ شيخِنا البرهانِ الشرحَ عليهِ ((في ذلكَ)) (¬3). قوله: (أنَّه (¬4) اجتنبَ الضعيفَ) (¬5) معمولُ المصدرِ في قولهِ: (بعمل مسلمٍ) (¬6) أي: عملُ مسلمٍ هو أنَّهُ اجتنبَ ... إلى آخره، فعملُ أبي داودَ شبيهٌ بعملهِ في هذا (¬7)، وحاصلُ اعتراضِ ابنِ سيّدِ الناسِ أنَّهُ يلزمُ ابنَ الصلاحِ أنْ يقولَ: إنَّ في " صحيحِ مسلمٍ " غيرَ الصحيحِ، أو إنَّ كلَّ ما في " سنن أبي داود " صحيحٌ (¬8). والجوابُ من أوجهٍ: الأولُ: لا نُسلّمُ أنَّ العملينِ متشابهانِ منَ الحيثيةِ التي ذكرها، وليسَ بينهما ¬

_ (¬1) انظر: الأنساب 4/ 534. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 165. (¬3) من قوله: ((قوله: وعمله في ذلك شبيه ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 165. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 165. (¬7) عبارة: ((فعمل أبي داود شبيهٌ بعمله في هذا)) لم ترد في (ك). (¬8) انظر: النفح الشذي 1/ 211.

اشتباهٌ، إلا في (¬1) أنَّ كلاً يأتي (¬2) بثلاثةِ أقسامٍ، وهي في " سننِ أبي داودَ " راجعةٌ إلى متونِ الحديثِ، وفي مسلمٍ إلى رجالِ الحديثِ، وليسَ بينَ ضعفِ الرجلِ وصحةِ حديثهِ منافاةٌ، كما سيأتي تحريرهُ، بل قد يكونُ حديثهُ صحيحاً؛ لاعتضادهِ من طرقٍ أخرى، وهذا عملُ مسلمٍ. فأينَ هوَ ممن قسمَ الحديثَ نفسَهُ في كتابهِ إلى صحيحٍ وغيرهِ؟ الثاني: بعدَ تسليم ما قالهُ منِ اتحادِ العملينِ، هوَ ما ذكرهُ الشيخُ (¬3) في " الشرحِ " من أنَّ مسلماً التزمَ الصحةَ في كتابهِ دونَ أبي داودَ. الثالثُ: أنَّ أبا داودَ قالَ: ((وما كانَ فيهِ وهنٌ شديدٌ بيّنتهُ))، ففهمَ من تقييدهِ بشديدٍ: أنَّ ثَمَّ شيئاً فيهِ وهنٌ غيرُ شديدٍ، لم يلتزمْ بيانهُ. الرابعُ: - وهو أرضاها - أنَّ مسلماً إنما يروي عن الطبقةِ الثالثةِ في المتابعاتِ، ويعتني حينئذٍ بتكثيرِ الطرقِ، بحيثُ ينجبرُ ذلكَ القصورُ الذي في روايةِ ذلكَ الراوي الذي من الطبقة الثانيةِ، ومعَ ذلكَ / 74 ب / فإنَّهُ يقلُّ من حديثهم جداً، بحيثُ إنَّه ليسَ في كتابهِ لليثِ بنِ أبي سليمٍ وأنظارهِ إلاَّ نحو عشرةِ أحاديثَ. وأما أبو داودَ فإنَّ صنيعهُ في ذلكَ مخالفٌ لصنيعهِ في الأمرينِ معاً: يسوقُ أحاديثَ نحو هؤلاءِ للاحتجاجِ، ويكثرُ منها جداً، بحيثُ إنَّ كتابه طافحٌ بذلكَ، ووراءَ هذا كله أنَّ مسلماً لا يذكرُ حديثاً لأهلِ هذهِ الطبقةِ (¬4)، وهو يجده عندَ الطبقةِ ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) في (ف): ((أتى)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي))، وكلامه في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 166. (¬4) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي: الثالثة)).

الأولى مثالُ ذلكَ: ابنُ عونٍ وعوفٌ الأعرابيُّ، كلاهما رَوَى عن ابنِ سيرينَ، وابنِ عونٍ منَ الطبقةِ الأولى، والأعرابيُّ منَ الثانيةِ، فلا يروي مسلمٌ عنهُ، وعن أمثالهِ شيئاً، وهو يجدهُ لابنِ عونٍ وأمثالهِ. ومرادهُ بالإتيانِ بحديثِ الطبقةِ الثالثةِ تقويةُ حديثِ الطبقةِ الثانيةِ، بحيثُ يرقيهِ إلى درجةِ الأولى (¬1). فالحاصل أنَّ عمدةَ مسلمٍ (¬2) أهلُ الطبقةِ الأولى، فإنْ لم يجدها أتى بالثانيةِ، فإنْ لم يجد لمن ساقَ حديثهُ منهمُ متابعاً من تلكَ الطبقةِ أتى بمتابعةٍ منَ الثالثةِ، فبينَ العملينِ فرقٌ كبيرٌ كما ترى، واللهُ الموفقُ. قولهُ: (فتحرّجَ) (¬3) تفعّلٌ منَ الحرجِ، بمهملتينِ وجيمٍ، أي: أزالَ الحرجَ، وهوَ الضيقُ الواقعُ من تلكَ الجهةِ، فتركهُ واجتنبهُ، فلم يأتِ بشيء من حديثهم؛ لئلا يلزمهُ بذلكَ ضيقٌ بقلةِ الوثوق بكتابهِ؛ لطردِ احتمالِ الضعفِ في كلِّ حديثٍ منهُ (¬4). وقوله: (أصحُّ) (¬5) لا تنهضُ له بهِ حجةٌ، وذلكَ؛ لأنَّ إطلاقَ ((أفعلَ)) يكون حينئذٍ بحسبِ الأكثرِ؛ لأنَّ غيرَ الصحيحِ أقلُّ، والعربُ تقولُ: هذا / 75 أ / أجلى من هذا، ويكونُ في الثاني الجلو وغيرهِ، أو أنَّ أصحَّ ليست على بابها، وأهلُ هذا الشأنِ يكثرونَ من استعمالها كذلكَ، فهذا الترمذيُّ يكثرُ من أنْ يرويَ عن ضعيفٍ حديثاً، ثمَّ يرويَ آخرُ عن غيرِ ضعيفٍ، ويقولُ: هذا أصحُّ من حديثِ فلانٍ، أو ¬

_ (¬1) عبارة: ((درجة الأولى)) لم ترد في (ك). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 165، وهو كلام أبي الفتح اليعمري في النفح الشذي 1/ 213. (¬4) من قوله: ((قوله: فتحرج ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 166، وهو كلام أبي الفتح اليعمري في النفح الشذي 1/ 213.

يكونُ ضمنَ ((أصحُّ)) معنى ((أولى))، أو ((أرجحُ)) ونحو ذلكَ، وقد تقدمَ قريباً ما ينفعُ هنا. قولهُ: (ويحتاج إلى نقلٍ) (¬1) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((إنَّ بعضَ من اختصر كتابَ ابنِ الصلاحِ تعقبهُ بتعقبٍ آخرَ، وهو الحافظُ عمادُ الدينِ بنُ كثيرٍ فقال: ((إنَّ الرواياتِ لسننِ أبي داودَ كثيرةٌ، ويوجدُ في بعضها ما ليسَ في الأخرى، ولأبي عبيدٍ الآجري عنهُ (¬2) أسئلةٌ في الجرحِ والتعديلِ، والتصحيحِ، والتعليلِ، كتابٌ مفيدٌ، ومن ذلكَ أحاديثُ، ورجالٌ قد ذكرها في سننهِ، فقولُ ابنِ الصلاحِ: ((ما سكتَ عنهُ فهو حسنٌ)) (¬3) ما سكتَ عليهِ في سننهِ فقط أو مطلقاً؟ هذا مما ينبغي التنبيهُ عليهِ، والتيقظُ لهُ)). انتهى كلامهُ (¬4)، وهو كلامٌ عجيبٌ!! وكيفَ يحسنُ هذا الاستفسارُ بعدَ قولِ ابنِ الصلاحِ: ((إنَّ من مظانِّ الحسنِ سننَ أبي داودَ)) (¬5) فكيفَ يحتمل حملَ كلامهِ على الإطلاقِ في " السننِ " وغيرها. وكذلكَ لفظُ أبي داودَ صريحٌ فيهِ؛ فإنَّهُ قالَ في رسالته: ((ذكرتُ في كتابي هَذا الصحيحَ .. )) (¬6) إلى آخر كلامه. وأمَّا قولُ ابنِ كثيرٍ: ((مِن ذلكَ أحاديثُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 166. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أبي داود)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 106. (¬4) اختصار علوم الحديث: 1/ 137، وبتحقيقي: 102 - 103. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 105 - 106. (¬6) لم أقف على قول أبي داود هذا في الرسالة المطبوعة مع بذل المجهود ولا المطبوعة بتحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة فلعله سقط من النسخة الخطية المعتمدة عند صاحب بذل المجهود وعند الشيخ عبد الفتاح، وقد تظافرت العديد من كتب المصطلح على نسبته إلى الرسالة. انظر: التقييد والإيضاح: 55، وفتح المغيث 1/ 77، وكشف الظنون 2/ 1005. =

ورجالٌ قَد ذكرها في "سننهِ")) إنْ اراد بهِ أنَّهُ ضعَّفَ أحاديثَ ورجالاً في "سؤالاتِ الآجري"، وسكتَ عليها في " السننِ"، فلا يلزمُ مِن ذكرهِ / 75 ب / لها في السؤالاتِ بضعفٍ أنْ يكونَ الضعفُ شديداً؛ فإنَّهُ يسكتُ في "سننهِ" على الضعفِ الذي ليسَ بشديدٍ، كما ذكرهُ هو. نَعمْ، إنْ ذكر في السؤالاتِ أحاديثَ أو رجالاً بضعفٍ شديدٍ، وسكتَ عليها في "السننِ" فهو واردٌ عليهِ، ويحتاجُ حينئذٍ إلى جوابٍ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). قوله: (أي على كتابِ أبي داودَ) (¬2) جوّزَ في " الشرحِ الكبيرِ ": أنْ يكونَ ضميرُ ((عليهِ)) لأبي داودَ نفسهِ، وقدّمهُ على ما جوّزهُ هنا (¬3). قوله: 75 - وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصَابحَا ... إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا 76 - أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ ... رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ ¬

_ = وقد رواه الخطيب في تاريخ بغداد 9/ 57 من طريق ابن داسة، عنه من غير عزو إلى الرسالة، والذي يدل عليه صنيع الحازمي في شروط الأئمة الخمسة 67 - 68: أن هذا المقطع ليس في رسالة أبي داود؛ فإنه نقل نصاً من الرسالة ثم قال عقبه: ((وقد روينا عن أبي بكر بن داسة أنه قال: سمعت أبا داود يقول ... )) فذكره، وهذا هو مقصد ابن الصلاح فإنه قال: ((روينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح ... )) ثم قال: ((وروينا عنه أيضاً ما معناه: أنه يذكر في كل باب أصح ما عرف)) وهذا النقل موجود في رسالته: 30 ط. عبد الفتاح أبو غدة. (¬1) التقييد والإيضاح: 54 - 55. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 166. (¬3) من قوله: ((وتقدم قريباً ما ينفع هنا ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قال التبريزيُّ ما معناه: ((لا أزالُ أتعجبُ من الشيخينِ - يعني: ابنَ الصلاحِ والنوويَّ حيثُ تبعَ عبارتهُ في " مختصرهِ " - في اعتراضِهما على البغويِّ، معَ أنَّهُ منَ المقررِ أنَّهُ لا مشاحةَ في الاصطلاحِ)). (¬1) قالَ شيخُنا: ((وعندي أنَّ ابنَ الصلاحِ لم يسقْ كلامَه اعتراضاً على البغويِّ، وإنما أرادَ أنْ يعرفَ أنَّ البغويَّ اصطلحَ لنفسهِ أنْ يسميَ السننَ الأربعةَ الحسانَ؛ ليغتني بذلكَ عَن أنْ يقولَ عقب كلِّ حديثٍ يخرجهُ منها: ((أخرجهُ (¬2) أصحابُ السننِ، أو بعضُهم))، وكلامُه (¬3) يكادُ يكونُ صريحاً في ذلكَ، حيثُ قالَ: ((هَذا اصطلاحٌ لا يعرفُ)) (¬4). فبيّنَ أنَّهُ اصطلاحٌ، وأنَّهُ حادثٌ، ثمَّ قالَ: ((وليسَ الحسنُ عندَ أهلِ الحديثِ عبارةً عن ذلكَ - حتى لا (¬5) يظنَّ ظانٌ أنَّهُ ليسَ فيها إلا الحسنُ الذي تقدّمَ تعريفه، ثمَّ صرّحَ بما أفهمهُ كلامهُ، فقالَ -: وهذهِ الكتبُ تشتملُ على حسنٍ، وغيرِ حسنٍ كما سبقَ بيانُه)). (¬6))) (¬7). قالَ شيخُنا: ((فالحاصل أنا لا نسلّمُ أنَّ البغويَّ أرادَ الحسنَ المقدمَ تعريفُه، ولا نسلّمُ أنَّ ابنَ الصلاحِ اعترضَ عليهِ / 76 أ / سلّمنا ذلكَ من الجانبينِ، ولا نسلّمُ أنَّ الاعتراضَ صحيحٌ، بل الجوابُ: أنَّ ما فيها منَ الصحيحينِ قد عُلِمتْ صحتُهُ من ¬

_ (¬1) انظر: نكت الزركشي 1/ 342 - 343، ونكت ابن حجر 1/ 446، وبتحقيقي: 238. (¬2) في (ف): ((خرجه)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 107. (¬5) لم ترد في (ك). (¬6) من قوله: ((ثم صرح بما أفهمه كلامه .... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 107.

قولهِ منَ الصحاحِ، وما فيها مِن غيرهِما فقد ذَكرَ في الخطبةِ (¬1): أنَّه يحذفُ منهُ ما كانَ وهنُهُ شديداً، ويبيّنُ ما كانَ منهُ غريباً، فالذي يبقى بعدَ هذهِ الأقسامِ غالبُه حسنٌ، بلِ الضعيف فيهِ نادرٌ جدّاً؛ فالحكمُ على الجميعِ بالتحسينِ باعتبارِ الغلبةِ حينئذٍ، كما هوَ الجوابُ عن إطلاقِ مَن أطلقَ على الأربعةِ أو بعضِها الصحةَ، وليسَ ذلكَ بمنكرٍ)). وقال الشيخُ في " النكتِ ": ((وأجابَ بعضهم بأنَّ البغويَّ بيّنَ في كتابهِ " المصابيحِ " عقبَ كلِّ حديثٍ كونه صحيحاً، أو حسناً، أو غريباً)) (¬2). قلتُ: ليسَ كذلكَ، فإنَّهُ لا يبيّنُ الصحيحَ من الحسنِ، فيما أوردهُ منَ السننِ، وإنما يبيّنُ الغريبَ غالباً، وقد يبيّنُ الضعيفَ، ولذلكَ قالَ في خطبةِ كتابهِ: ((وما كانَ فيها من ضعيفٍ، أو غريبٍ، أشرتُ إليهِ)). (¬3) انتهى. فالإيرادُ باقٍ في مزجهِ صحيحَ ما في السننِ بما فيها من الحسنِ، وكأنَّه سكتَ عن بيانِ ذلكَ؛ لاشتراكهما في الاحتجاجِ بهِ، واللهُ أعلمُ (¬4). قوله: 77 - كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ ... يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لاَ يَجِدْ 78 - في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ ... مِنْ رَأيٍ اقوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ) 79 - وَالنَّسَئي (¬5) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا ... عَليْهِ تَرْكَاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ ¬

_ (¬1) انظر: مصابيح السنة 1/ 2 و189. (¬2) التقييد والإيضاح: 55. (¬3) انظر: مصابيح السنة 1/ 2. (¬4) من قوله: ((وقال الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) قَصَدَ النَّسائي وإنما قال: ((النسئي))؛ لضرورة الوزن.

أبو داودَ إنما يرى الضعيفَ أقوى من رأي الرجالِ؛ إذا كانَ صالحاً؛ لأنْ يجبرَ، وكانَ مندرجاً تحتَ أصلٍ عام، وهوَ قولُ الإمامِ أحمدَ، فإنَّهُ قالَ: ((إنَّ ضعيفَ الحديثِ أحبُّ إليهِ من رأي الرجالِ)) (¬1) ووجهه الاتفاق على أنَّهُ لا يُعدلُ إلى القياسِ إلا بعدَ عدمِ النص. فإنْ قيلَ: هذا ليسَ بنصِّ صحيحٍ، قلنا: أليسَ غايتهُ أنْ يكونَ من كلامِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا / 76 ب / خلافَ حينئذٍ بينَ أحدٍ منَ المسلمينَ في وجوبِ العملِ بهِ، ما لم يمنعْ مانعٌ، والقياسُ غايتُه أنْ يوافقَ الصوابَ، فيجيءَ الخلافُ في جوازه، ولا شكَّ أنَّ احتمالَ كونِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قالهُ أرجحُ منِ احتمالِ كونه قالَ ما أدّى إليهِ القياسُ. وأيضاً فالقياسُ - ولو وافقَ الصوابَ - لا يجوزُ أنْ يقالَ: إنَّهُ قالهُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بخلافِ الحديثِ الضعيفِ على تقديرِ صحتهِ. ولا فرقَ في هذا القولِ بينَ الأحكامِ وغيرها. وفي المسألةِ قولٌ ثانٍ، وهوَ تركُ العملِ بهِ مطلقاً. قالهَ القاضي أبو بكرِ بنُ العربي. والصحيحُ التفصيلُ، فيستحبُ العملُ بهِ في الفضائلِ إلا أنْ يكونَ موضوعاً، ولا يعملُ بهِ في الأحكامِ إلا أنْ يكونَ في العملِ بهِ احتياطٌ وورعٌ. ذكرهُ النوويُّ في أولِ "الأذكارِ " (¬2)، وعزاهُ للعلماءِ من المحدّثينَ والفقهاءِ وغيرِهم. لكنْ لا يَعتقدُ عندَ العمل بهِ ثبوتَهُ؛ لئلا يكونَ مُتقوّلاً على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بل يعتقدُ الاحتياطَ، أو أنَّهُ لا مانعَ منهُ لاندراجهِ تحتَ أصلٍ معمولٍ بهِ. (¬3) ¬

_ (¬1) من قوله: ((وكان مندرجاً تحت أصل عام ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) الأذكار: 8. (¬3) من قوله: ((ولا فرق في هذا القول ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قوله: (أنْ يخرجَ عن كلِّ من لم يجمع على تركهِ) (¬1). تتمةُ كلامهِ: ((قالَ ابنُ مَندَه: وكذلكَ أبو داودَ السجستانيُّ يأخذُ مأخذهُ، ويخرجُ الإسنادَ الضعيفَ إذا لم يجد في البابِ غيرهُ. فقوله: يأخذُ مأخذهُ، ظاهرٌ في أنَّهُ يخرجُ من لم يجمعْ على تركهِ)). وقوله: و (يخرجُ) (¬2): كلامٌ آخر مستأنفٌ، زادَ بهِ على النسائي. قال شيخُنا الحافظ برهانُ الدينِ (¬3): ((فعرضتُ هذا على المصنفِ، فوافقَ عليهِ، فنظمتهُ في / 77 أ / بيتٍ، فقلتُ: وقالَ في الأزديِّ أيضاً مثلَهُ ... كذا لهُ وشيخُنَا أهملَهُ - وقالَ -: فقولي: وقالَ -أي: ابنُ منده - وقولُ الأزديِّ هوَ أبو داودَ، وقولُ كذا لهُ، أي: لابنِ الصلاحِ، وشيخُنا - أي: العراقيُّ -)). انتهى ما وجدتهُ عنهُ. وما نُقِلَ عنِ النَّسائيِّ، وعنْ أبي داودَ كذا (¬4) فهمهُ شيخُنَا البرهانُ (¬5) غيرَ مقيدٍ بكتابٍ، فكيفَ يحملهُ المصنفُ على ما هوَ ظاهرُ صنعهِ في النظمِ والشرحِ (¬6) على أنَّ المرادَ أنَّ ذَلِكَ صُنعُ النَّسائيِّ (¬7) في كتابِ "السننِ"، فإنَّهُ يمكنُ أنْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 167، وانظر: شروط الأئمة الستة: 19. (¬2) التبصرة والتذكرة (79). (¬3) وهو الشيخ الإمام الحافظ إبراهيم بن محمد بن خليل، أبو الوفاء الحلبي، سبط ابن العجمي من كتبه: "نهاية السول في رواية الستة الأصول، و" شرح سنن ابن ماجه "، و" الذيل على كتاب الميزان للذهبي " توفي سنة (841 هـ‍). انظر: الضوء اللامع 1/ 138، وشذرات الذهب 7/ 237. (¬4) في (ف): ((كما)). (¬5) من قوله: ((تتمة كلامه قال ابن منده ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) عبارة: ((المصنف على ما هو ظاهر صنعه في النظم والشرح)) لم ترد في (ك). (¬7) في (ك): ((صنعه)).

يكونَ هذا مذهبهُ لكنهُ تجوَّزَ في "سننهِ"، وهو الواقعُ، فإنَّهُ إذا أخرجَ فيهِ عنْ ضعيفٍ يعتذرُ بأنْ يقولَ: إنما أخرجتُ حديثَ فلانٍ للتنبيهِ عليهِ، أو لئلا يسقطَ (¬1) منَ التبين، ونحو ذَلِكَ، وقدْ نقلَ الدارقطنيُّ عنْ شيخِهِ أبي طالبٍ أحمدَ بنِ نصرٍ أنَّهُ قالَ: ((منْ يصبرُ على ما صبرَ عليهِ النَّسائيُّ، عندهُ من (¬2) حديثِ ابنِ لهيعةَ بعلوٍّ، ولم يخرجْ منهُ حديثاً واحداً)) (¬3)، ونقلَ ابنُ طاهرٍ عنْ سعدٍ الزنجانيِّ أنَّهُ قالَ: ((إنَّ لأبي عبدِ الرحمانِ شرطاً في الرجالِ أقوى منْ شرطِ البخاريِّ ومسلمٍ)) (¬4). قالَ شيخُنَا: ((ومعَ ذلكَ فالظاهِرُ أنَّهُ يُريدُ إجماعاً خاصاً عنْ طائفةٍ مخصوصةٍ، لا إجماعَ جميعِ المسلمينَ)) (¬5). وقولهُ: 80 - وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا ... فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا قولهُ: (حيثُ قالَ) (¬6) يعني: السلفيَّ في الكتبِ الخمسةِ: هي ما عدا كتابِ ابنِ ماجه، وأَولُ مَنْ ضمَّ ابنَ ماجه إليها ابنُ طاهرٍ المقدسيُّ، فلمْ يُقلَّد في ذلكَ، فلما (¬7) ضمَّهُ الشيخُ عبدُ الغنيِّ إليها في كتابهِ / 77ب / " الكمال" تابعَهُ النَّاسُ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) لم ترد في (ك) و (ف). (¬3) انظر: شروط الأئمة الستة: 27. (¬4) شروط الأئمة الستة: 26. (¬5) من قوله: ((قال شيخنا: ومع ذلك فالظاهر ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 168. (¬7) زاد بعدها في (ف): ((صح)).

قولهُ: (اتفقَ على صحتهَا) (¬1)، أي: صحةِ أحاديثِها، لا يقالُ: المرادُ صحةُ نسبتها إلى مُصنفيها (¬2) كما اعتذر بهِ بعضهمْ؛ لأنَّهُ لا (¬3) اختصاصَ لها بذلكَ، بل كلُّ كتابٍ اشتهرَ كـ " الموطأ " و" مسندِ أحمدَ " وعبدِ بنِ حميدٍ ونحوِها، فهوَ كذلكَ، فليسَ حينئذٍ لهذه الخمسةِ مزيةٌ، ويحملُ قولُ السلفيِّ، ومنْ والاهُ على الأكثريةِ، ومنْ وصفَ النَّسائيَّ بالصحيحِ: الحاكمُ (¬4)، وأبو أحمدَ بنُ عديٍّ، وأبو عليٍّ النيسابوريُّ (¬5)، ولمْ يصلْ إلى ابنِ السكنِ إلاَّ الصحيحانِ، وأبو داودَ، والنَّسائيُّ فوصفها بالصحةِ. عبارةُ ابنِ الصلاحِ في أول هذه المسألةِ: ((مِنْ أهلِ الحديثِ مَنْ لا يفردُ نوع الحسنِ ويجعلهُ مندرجاً في أنواعِ الصحيحِ؛ لاندراجهِ في أنواعِ ما يحتجُّ بهِ، (¬6) وهو ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 168. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((بل المراد صحة أحاديثها)). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) لم ترد في (ك). (¬5) انظر: نكت ابن حجر 1/ 481، وبتحقيقي: 266. (¬6) بل قالَ شيخ الإسلام أبو العباس بن تيمية: ((قسمة الحديث إلى صحيح وحسن وضعيف، فهذا أول من عرف أنه قسمه هذه القسمة أبو عيسى الترمذي، ولم تعرف هذه القسمة عن أحدٍ قبله)). ثم قالَ: ((وأما من قبل الترمذي من العلماء فما عرف عنهم هذا التقسيم الثلاثي، لكن كانوا يقسمونه إلى صحيح وضعيف، والضعيف عندهم نوعان: ضعيف لا يمتنع العمل به، وهو يشبه الحسن في اصطلاح الترمذي، وضعيف ضعفاً يوجب تركه وهو الواهي)). مجموع الفتاوى 18/ 17و18. وانظر: 18/ 140 منه. وقال العراقي في التقييد: 19: ((لم أرَ من سبق الخطابي إلى تقسيمه ذَلِكَ، وإن كانَ في كلام المتقدمين ذكر الحسن)). وقال ابن حجر في نكته 1/ 479، وبتحقيقي: 264: ((وهذا ينبغي أن يقيد به إطلاقه في أول الكلام على نوع الصحيح، وهو قوله: الحديث ينقسم عندَ أهله إلى صحيح وحسن وضعيف)).

الظاهرُ منْ كلامِ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ الحافظِ في تصرفاتهِ، وإليهِ يومىءُ في تسميتهِ كتابِ الترمذيِّ بـ " الجامعِ الصحيحِ " (¬1)، ثمَّ يسمِّي الواصفينَ لها أو لبعضِها بالصحيحِ، وقالَ: وهذا تساهلٌ؛ لأنَّ فيها ما صرحوا بكونهِ ضعيفاً، أو منكراً، أو غيرَ (¬2) ذلكَ منْ أنواعِ الضعيفِ، وصرَّحَ (¬3) أبو داودَ فيما قدَّمنَا روايتَهُ عنه بانقسامِ ما في كتابهِ إلى صحيحٍ وغيرهِ، والترمذيُّ مصرِّحٌ فيما في كتابهِ بالتمييزِ بينَ الصحيحِ والحسنِ، ثمَّ إنَّ من يُسمي الحسنَ صحيحاً لا ينكرُ أنَّهُ دونَ الصحيحِ المقدَّمِ المبيَّنِ أولاً، فهذا إذن اختلافٌ في العبارةِ دونَ المعنى، والله أعلم)) (¬4). قالَ الشيخُ في "النكتِ" (¬5): ((وإنما قالَ السِّلفيُّ بصحةِ أصولهِا، كذا ذكرهُ في مقدمةِ الخطابيِّ، فقالَ: وكتابُ أبي داودَ فهوَ أحدُ الكتبِ الخمسةِ التي اتفقَ أهلُ / 78أ / الحلِّ والعقد منَ الفقهاءِ، وحفاظِ الحديثِ الأعلامِ النبهاءِ على قبولها، والحكمِ بصحةِ أصولها. انتهى. ولا يلزمُ من كونِ الشيء له أصلٌ صحيحٌ أنْ يكونَ هو صحيحاً، فقد ذكرَ ابنُ الصلاحِ - عندَ ذكرِ التعليقِ -: ((أنَّ مالم يكنْ في لفظهِ جزمٌ مثلَ رُوي، فليسَ في شيء منهُ حكمٌ منهُ بصحةِ ذلكَ عنهُ، قالَ: ومعَ ذلكَ فإيرادهُ له في أثناءِ الصحيحِ مشعرٌ بصحةِ أصله)) (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) انظر: النفح الشذي 1/ 189. وقالَ ابن حجر في نكته 1/ 479، وبتحقيقي: 265 : ((إنما جعله يومىء إليه؛ لأن ذَلِكَ مقتضاه، وذلك أن كتاب الترمذي مشتمل على الأنواع الثلاثة، لكن المقبول فيهِ --وهو الصحيح والحسن- أكثر من المردود، فحكم للجميع بالصحة بمقتضى الغلبة)). وانظر: 1/ 479 - 481، وبتحقيقي: 265 - 267 منه. (¬2) في (ف): ((نحو)). (¬3) في (ف): ((وخرَّج)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 111. (¬5) التقييد والإيضاح: 62. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 94.

فَلَم يحكم في هذا بصحةٍ، مع كونهِ له أصلٌ صحيحٌ)). انتهى. وعنِ ابنِ كثيرٍ: ((أنَّ في الترمذيِّ أحاديثَ كثيرةً منكرةً، وفي النسائيِّ رجالٌ مجهولونَ إمّا عيناً، أو حالاً، وفيهم المجروحُ، وفيهِ أحاديثُ ضعيفةٌ، ومعللةٌ، ومنكرةٌ)) (¬1) (¬2). قولهُ: 81 - وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلاَ ... عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى 82 - كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا) ... وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا أي: ودونَ السننِ المرتَّبة (¬3) على الأبوابِ من (¬4) الستةِ وغيرها في رتبةِ الاحتجاجِ الكتبُ المجموعةُ على المسانيدِ، فإنَّ من شأنِ المسندِ أنْ يذكرَ فيهِ ما وردَ عن ذلكَ الصحابيِّ جميعه، فيُدعى الحديثُ فيهِ الدعوةَ الجفلَى، أي: العامةَ للضعيفِ وغيرهِ، بخلافِ المرتّبِ على الأبوابِ؛ فإنَّ شأنهُ أنْ يُساقَ الحديثُ فيهِ للاحتجاجِ، والمحتجُّ من شأنهِ أنْ لا يوردَ لإثباتِ دعواهُ إلا المقبولَ، فالمبوِّبُ إذا قالَ: بابُ كيتَ وكيتَ فكأنَّهُ قالَ: أنا أدّعي أنَّ الحكمَ في المسألةِ الفلانيةِ كذا وكذا، بدليلِ ما حَدّثَنا فلانٌ، عن فلانٍ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قالَ كذا وكذا. هكذا قالَ (¬5)، وليسَ بمسلّمٍ لهُ ذلكَ طرداً، ولاعكساً. نَعَم هذا هوَ الأصلُ، لكنْ قد ينعكسُ الأمرُ، فينتقي صاحبُ المسندِ، فلا يذكرُ إلاّ مقبولاً، كما صنعَ الإمامُ أحمدُ، / 78 ب / فإنَّهُ قالَ: ((انتقيته من سبعِمئةِ ألفٍ وخمسينَ ألفَ ¬

_ (¬1) من قوله: ((عبارة ابن الصلاح في أول هذه المسألة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) اختصار علوم الحديث: 1/ 116 - 117 وبتحقيقي: 85. (¬3) في (ك): ((المرتبة)). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: الكتب الستة)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)).

حديثٍ)) (¬1) فما كانَ ينبغي لهُ أنْ يمثلَ بهِ لما دونَ السننِ، وإنْ كانَ المصنِّفُ قد قالَ في " النكتِ " (¬2): ((إنَّ فيهِ الموضوعَ)) فإنَّ شيخَنا (¬3) قد نَفَى ذلكَ، وصنَّفَ كتاباً في الذبِّ عنِ المسندِ (¬4)، وكذا البزارُ انتقى "مسندهُ" وإذا ذكرَ فيهِ ضعيفاً بيَّنَ حالَهُ في بعضِ الأحاديث وربما اعتذرَ عن إيرادهِ بأنَّهُ ما وَجدَ في البابِ غيرَه أو بغيرِ ذلكَ. وإسحاقُ بنُ راهويهِ يخرجُ أمثلَ ما وردَ عن ذلكَ الصحابيِّ، ويجمعُ المبوبَ كابنِ ماجه، فيذكرُ ماله تعلقٌ بترجمةِ ذلكَ البابِ ضعيفاً كانَ، أو غيرَهُ، لا سيَّما إذا قالَ: ما جاءَ في كيت وكيتَ. فإنْ قيلَ: إنما الضميرُ في ((دونها)) للكتبِ الخمسةِ فقط، قيلَ: لو كانَ كذلكَ لما قابلها بالمسانيدِ بل كانَ يقولُ: ودونها غيرها منَ المرتبِ على الأبوابِ ودونَ الكلِّ المسانيدُ. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ الذي نظم الشيخُ كلامهُ: ((كتبُ المسانيدِ (¬5) غيرُ ملتحقةٍ بالكتبِ الخمسةِ التي هي " الصحيحانِ "، و" سننُ أبي داودَ "، و" سننُ النسائيِّ "، ¬

_ (¬1) خصائص مسند أحمد: 13. (¬2) التقييد والإيضاح: 57. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)). (¬4) وهو كتاب " القول المسدد في الذب عن مسند الإمام أحمد ". (¬5) قال الزركشي في نكته 1/ 343: ((يجوز لك إثبات الياء في الجمع، ويجوز حذفها، وكذلك مراسيل ومراسل، والأولى الحذف، قال تعالى: {مَا إِنَّ مَفَاتِحَه}. والإثبات عند البصريين موقوف على السماع، وعند الكوفيين جائز، ذكر ذلك سيبويه في أول كتابه في باب الضرورات وأنشد: تنفي يداها الحصى في كل هاجرة ... نفي الدنانير تنقاد الصياريف وجعل بعضهم منه قوله تعالى: {وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَه}. قال: وقياسه معاذر؛ لكنه أشبع الكسرة فتولدت الياء)). انظر: الكتاب لسيبويه 1/ 28، ومحاسن الاصطلاح: 42 - 43، والبحر الذي زخر 3/ 1205.

و" جامعُ الترمذيِّ "، وما جرى مجراها في الاحتجاجِ بها، والركونِ إلى ما يوردُ فيها مطلقاً " كمسندِ أبي داودَ الطيالسيِّ " (¬1) و" مسندِ عبيدِ اللهِ بنِ موسى " (¬2)، و" مسندِ أحمدَ بنِ حنبلٍ "، و" مسندِ إسحاقَ بن راهويهِ "، و" مسندِ عبدِ بنِ حميدٍ "، و" مسندِ الدارميِّ " (¬3)، و" مسندِ أبي يعلى الموصلي "، و" مسندِ الحسنِ بنِ سفيانَ "، و" مسندِ البزارِ أبي بكرٍ " (¬4)، وأشباهها. فهذه عادتُهم / 79 أ / فيها أن يخرجوا في مسندِ كلِّ صحابيٍّ ما رووهُ من حديثهِ غير متقيدين بأنْ يكونَ حديثُهُ (¬5) محتجاً بهِ (¬6)، فلهذا تأخرت مرتبتُها - يعني: المسانيدَ (¬7) وإن جلّتْ لجلالةِ مؤلفيها - عن مرتبةِ الكتبِ ¬

_ (¬1) قال الزركشي في " نكته " 1/ 348: ((هو سليمان بن داود، وليس المسند له، وإنما هو ليونس بن حبيب بن عبد القاهر العجلي، سمعه في أصفهان منه، فنسبه إليه)). (¬2) قال الزركشي في " نكته " 1/ 349: ((هو أحد شيوخ البخاري، قال ابن الجوزي في المشكل: أول من صنف المسند على تراجم الرجال عبيد الله بن موسى العبسي وأبو داود الطيالسي، قلت (القائل هو الزركشي): ولهذا صدر المصنف بالتمثيل بهما)). (¬3) قال الزركشي في "نكته" 1/ 350: ((ينتقد على المصنف في ذكره هنا من وجهين: أحدهما: أن مسند الدارمي مرتب على الأبواب لا على المسانيد، إلا أن يقصد الاسم المشهور به. الثاني: جعله دون الكتب الخمسة، وقد أطلق جماعة عليه اسم الصحيح)). (¬4) قال الزركشي في " نكته " 1/ 366: ((هو يبين فيه الكلام على علل الأحاديث والمتابعات والتفردات، قال الدارقطني: لكنه يخطىء)). ونقل السيوطي في " البحر الذي زخر " 3/ 1201 عن أبي الحسن الشاري في فهرسته أنه قال: ((مسند البزار عندي من أحسن المسندات لما اشتمل عليه من الكلام على علل الحديث، وإن كان قد تكلم بعض الناس في البزار بما لم يعتمد عليه أهل التحقيق)). (¬5) في معرفة أنواع علم الحديث: ((حديثاً)). (¬6) من قوله: ((كتب المسانيد غير ملتحقة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) عبارة: ((يعني: المسانيد)) لم ترد في (ف).

الخمسةِ، وما التحقَ بها منَ الكتبِ المصنفةِ على الأبوابِ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). فقد تبيّنَ أنَّ قولَ الشيخِ في رتبةِ الصحةِ غيرُ جيدٍ؛ لأنَّ ابنَ الصلاحِ عبرَ بالاحتجاجِ، وهوَ أعمُّ منَ الصحةِ؛ لشموله الحسنَ. وعبارةُ الشيخِ في " نكته " على هذا الموضعِ: ((اعترضَ على المصنفِ بالنسبةِ إلى صحةِ بعضِ هذه المسانيدِ، بأنَّ أحمدَ بنَ حنبلٍ شرطَ في مسندهِ أنْ لا يخرجَ إلا حديثاً صحيحاً عندهُ. قالهُ أبو موسى المدينيُّ (¬2)، وبأنَّ إسحاقَ بنَ راهويهِ يخرجُّ أمثلَ ما وردَ عن ذلكَ الصحابيِّ، ذكرهُ عنهُ أبو زرعةَ الرازيُّ (¬3)، وبأنَّ " مسندَ الدارميِّ " أطلقَ عليهِ اسمَ الصحيحِ غيرُ واحدٍ منَ الحفّاظِ، وبأنَّ " مسندَ البزارِ " بيّن فيهِ الصحيحَ وغيرَهُ. انتهى ما اعترضَ بهِ عليهِ. والجوابُ: أنا لا نسلّم أنَّ أحمدَ اشترطَ الصحةَ في كتابهِ، والذي رواهُ أبو موسى المدينيُّ بسنده إليهِ أنَّهُ سُئلَ عن حديثٍ، فقالَ: ((انظروهُ إنْ كانَ في المسندِ (¬4)، وإلا فليسَ بحجةٍ)) (¬5)، وهذا ليسَ صريحاً في أنَّ جميعَ ما فيهِ حجةٌ، بل فيهِ أنَّ ما ليسَ في كتابهِ ليسَ بحجةٍ. على أنَّ ثمَّ أحاديث صحيحة مخرجة في الصحيحِ، وليس في "مسندِ أحمدَ". منها حديثُ عائشةَ في قصةِ أمِّ زرعٍ (¬6). وأمّا وجودُ الضعيفِ فيهِ فهوَ محققٌ، بل فيهِ أحاديثُ موضوعةٌ، وقد جمعتُها في جزءٍ، وقد ضَعّفَ الإمامُ أحمدُ (¬7) نفسُهُ أحاديثَ فيهِ، فمن ذلكَ: / 79 ب / ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 108 - 109. (¬2) خصائص المسند: 16. (¬3) انظر: نكت الزركشي 1/ 366. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: فهو حجة)). (¬5) خصائص المسند: 13، وانظر: المقصد الأحمد: 31، وسير أعلام النبلاء 11/ 329. (¬6) أخرجه: البخاري 7/ 34 (5189)، ومسلم 7/ 139 (3448) من طريق هشام بن عروة، عن أخيه عبد الله بن عروة به، وانظر بلا بد تحقيقي لشمائل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 147 - 152. (¬7) لم ترد في (ف).

حديثُ عائشةَ مرفوعاً: ((رأيتُ عبدَ الرحمان بنَ عوفٍ يدخلُ الجنةَ حبواً)) (¬1) وفي إسنادهِ عمارةُ، وهو ابنُ زاذانَ. قالَ الإمامُ أحمدُ: ((هذا الحديثُ كذبٌ منكرٌ. قالَ: وعمارةُ يروي أحاديثَ مناكيرَ (¬2)، وقد أوردَ ابنُ الجوزيِّ هذا الحديثَ في " الموضوعاتِ " (¬3)، وحَكَى كلامَ الإمامِ أحمدَ المذكورَ، وذكرَ ابنُ الجوزيِّ أيضاً في " الموضوعاتِ " مما في المسندِ حديث عمرَ: ((ليكوننَّ في هذه الأمةِ رجلٌ يقالُ له: الوليدُ)) (¬4)، وحديثُ أنسٍ: ((ما مِن مُعَمَّرٍ يُعمَّرُ في الإسلامِ أربعينَ سنةً إلا صَرفَ اللهُ عنهُ أنواعاً منَ البلاءِ: الجنونَ، والجذامَ، والبرصَ)) (¬5)، وحديثُ أنسٍ: ((عسقلانُ إحدى العروستينِ، يُبعثُ منها يومَ القيامةِ سبعونَ ألفاً لا حسابَ عليهم)) (¬6)، وحديثُ ابنِ عمرَ: ((منِ احتكر الطعامَ أربعينَ ليلةً فقد برىء منَ اللهِ ... )) الحديثَ (¬7). وفي الحكمِ بوضعهِ نظرٌ، وقد صححهُ الحاكمُ (¬8)، وفيهِ (¬9) أيضاً منَ المناكيرِ حديثُ بريدةَ: ((كونوا في بعثِ خراسانَ، ثمَّ انزلوا مدينةَ مرو، فإنَّهُ بناها ذو ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد 6/ 115. (¬2) انظر: تهذيب الكمال 5/ 325 - 326 (4773)، وقارن مع علل الإمام أحمد 2/ 165. (¬3) الموضوعات 2/ 13. (¬4) الموضوعات 2/ 46. والحديث في " المسند " 1/ 18، وانظر النكت لابن حجر 1/ 455 - 459، وبتحقيقي: 247 - 250. (¬5) الموضوعات 1/ 179، والحديث في " المسند " 3/ 217 مرفوعاً، وفي 2/ 89 موقوفاً. (¬6) الموضوعات 2/ 53، والحديث في "المسند" 3/ 225، وساقه ابن عدي في الكامل 1/ 482 في مناكير إسماعيل بن عياش. وقال ابن كثير في تفسيره 1/ 439: ((هذا الحديث يعد من غرائب المسند، ومنهم من يجعله موضوعاً))، وقال الذهبي في الميزان 4/ 314: ((حديث باطل)). (¬7) هو في المسند 2/ 33. (¬8) في مستدركه 2/ 12، وقد تعقبه الذهبي فقال: ((عمرو: تركوه، وأصبح: فيه لين)). (¬9) في (ف): ((وبما فيه)).

القرنينِ)) (¬1) ولعبدِ اللهِ بنِ أحمدَ في "المسندِ" أيضاً زياداتٌ، فيها الضعيفُ والموضوعُ، فمنَ الموضوعِ حديثُ سعدِ بنِ مالكٍ (¬2)، وحديثُ ابنِ عمرَ أيضاً في ((سدِّ الأبوابِ إلاّ بابَ عليٍّ)) (¬3) ذكرهما ابنُ الجوزي أيضاً في " الموضوعاتِ " (¬4) وقالَ: إنهما من وضعِ الرافضةِ. وأما "مسندُ إسحاقَ بنِ راهويه" ففيهِ الضعيفُ، ولا يلزمُ من كونهِ يخرجُ أمثلَ ما يجدُ للصحابي أنْ يكونَ جميعُ ما خرجهُ صحيحاً، بل هوَ أمثلُ بالنسبةِ لما تركهُ، ومما فيهِ منَ الضعيفِ: حديثُ سليمانَ بنِ نافعٍ العبدي / 80 أ /، عن أبيهِ قال: ((وفدَ المنذرُ بنُ ساوى منَ البحرينِ حتى أتى مدينةَ النبي - صلى الله عليه وسلم - ومعهُ أناسٌ، وأنا غُليمٌ أمسكُ جِمالَهم، فسلّموا على النبي - صلى الله عليه وسلم -، ووضعَ المنذرُ سلاحَهُ، ولبسَ ثيابهُ، ومسحَ لحيتهُ بدهنٍ، وأنا معَ الجِمالِ أنظرُ، فكأني أنظرُ إلى نبي اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كما أنظرُ إليكَ)). قالَ: ((وماتَ وهو ابنُ عِشرينَ ومئةٍ)) (¬5) قال صاحب (¬6) " الميزانِ ": ((سليمانُ غيرُ معروفٍ، وهوَ يقتضي أنَّ نافعاً عاشَ إلى دولةِ هشامٍ)) (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) الموضوعات 2/ 58، والحديث في " مسند الإمام أحمد " 5/ 357. (¬2) قال ابن حجر في النكت 1/ 465، وبتحقيقي: 254: ((أما حديث سعد بن مالك في ذلك - أي: حديث سد الأبواب - فهو من رواية أحمد أيضاً، لا من رواية ابنه، وإسناده حسن)) قلت: انظر المسند 1/ 175. (¬3) المسند 2/ 26. (¬4) الموضوعات 1/ 364 - 365. (¬5) أخرجه: الطبراني في " الأوسط " (7996)، ومن طريقه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " (6446) عن موسى بن هارون، عن إسحاق بن راهويه، عن سليمان بن نافع، به. وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" 9/ 390 وقال: ((رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه سليمان بن نافع العبدي ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحاً ولا توثيقاً وبقية رجاله ثقات)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((هو الذهبي)). (¬7) انظر: الميزان 2/ 226 - 227.

والمعروفُ أنَّ آخرَ الصحابةِ موتاً أبو الطفيلِ (¬1) كما قالهُ مسلمٌ (¬2) وغيرُه، واللهُ أعلمُ. وأما "مسندُ الدارميِّ" فلا يخفى ما فيهِ من الضعيفِ لحالِ رواتهِ، أو لإرسالهِ، وذلكَ كثيرٌ كما تقدّمَ. وأما " مسندُ البزارِ " فإنَّهُ لا يبيّنُ الصحيحَ منَ الضعيفِ إلا قليلاً، إلا أنَّهُ يتكلمُ في تفرّدِ بعضِ رواةِ الحديثِ، ومتابعةِ غيرهِ عليهِ، واللهُ أعلمُ)). (¬3) انتهى. وعنِ ابنِ كثيرٍ أنَّهُ قالَ: ((وأما قولُ الحافظِ أبي موسى محمدِ بنِ أبي بكرٍ المدينيِّ عن " مسندِ الإمامِ أحمدَ ": إنَّهُ صحيحٌ (¬4)، فقولٌ ضعيفٌ، فإنَّ فيهِ أحاديثَ ضعيفةً، بل وموضوعةً (¬5)، كأحاديث فضائلِ مروَ، وعسقلانَ، والبرثِ الأحمرِ عندَ حمصَ، وغيرِ ذلكَ، كما نبهَ عليهِ طائفةٌ منَ الحفاظِ، قالَ: وقد فاتَهُ في كتابهِ هذا - معَ أنَّهُ لا يوازيهِ كتابٌ مسندٌ في كثرتهِ وحسنِ سياقهِ - أحاديثُ كثيرةٌ جداً، بل قد قيلَ: إنَّهُ لم يقع له (¬6) جماعةٌ من الصحابةِ الذينَ في الصحيحينِ قريباً من مئتينِ (¬7))) (¬8) (¬9). ¬

_ (¬1) الميزان 2/ 227. (¬2) صحيح مسلم 7/ 84 عقب (2340) (98). (¬3) التقييد والإيضاح: 56 - 58. (¬4) في خصائص المسند: 24. (¬5) قال الحافظ ابن حجر في " تعجيل المنفعة ": 6: ((الحق أن أحاديثه جياد، والضعاف منها إنما يوردها للمتابعات، وفيه القليل من الضعاف الغرائب الأفراد أخرجها ثم صار يضرب عليها شيئاً فشيئاً، وبقي بعده بقية)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: الرواية عن جماعة)). (¬7) جاء في حاشية (أ): ((بلغ على المؤلف))، وهذا دليلٌ على قراءة هذه النسخة على مؤلفها البقاعي -رحمه الله-، والحمد لله على توفيقه. (¬8) اختصار علوم الحديث 1/ 117 - 119، وبتحقيقي: 86. (¬9) من قوله: ((فقد تبين أن قول الشيخ في رتبة الصحة ... )) إلى هنا لم يرد في (ك).

قوله: (ويقالُ: إنهُ أولُ مسندٍ صنِّفَ) (¬1) الذي حمل قائلَ هذا القولِ عليهِ تقدّمُ عصر أبي / 80 ب / داودَ على أعصارِ منْ صنَّفَ المسانيدَ، وظَنَّ أنَّهُ هوَ الذي صنَّفهُ، وليسَ كذلكَ، فإنَّهُ ليسَ مِنْ تصنيفِ أبي داودَ، وإنَّما هوَ جمعُ بعض الحفّاظِ الخراسانيينَ، جمعَ فيهِ ما رواهُ يونسُ (¬2) بنُ حبيبَ خاصةً عنْ أبي داودَ، ولأبي داودَ منَ الأحاديثِ التي لم تدخلْ هذا المسندَ قدره أو أكثر، بلْ قدْ شذَّ عنهُ كثيرٌ منْ روايةِ يونسَ، عنْ أبي داودَ، قالَ: وشبيهٌ بهذا " مسندُ الشافعيِّ " فإنَّهُ ليسَ تصنيفهُ، وإنما لَقَطَهُ بعضُ الحفّاظِ النيسابوريينَ منْ مسموعِ الأصمِّ منَ " الأمِّ " وسمعهُ عليهِ، فإنَّهُ كانَ سمعَ " الأمَّ "، أو غالبها على الربيعِ، عن الشافعيِّ (¬3)، وعَمَّرَ، فكانَ آخرُ مَنْ رَوَى عنهُ، وحصلَ لهُ صممٌ، فكانَ في السماعِ عليهِ مشقةٌ (¬4). قولهُ: (فيدعى) (¬5) فاؤهُ سببيةٌ، أي: فبسببِ جعلهِ على المسانيدِ لَزِمَ أنْ يدعي الحديثَ إليهِ الجفلا؛ لأنَّهُ إذا ذكرَ صحابياً، فكأنَّهُ قالَ: ذكرُ ما لهذا الصحابيِّ منَ الحديثِ (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 170. قلت: قال الكتاني في الرسالة المستطرفة: 61: ((وقيل: وهو أول مسند صنف، ورد بأن هذا صحيح لو كان هو الجامع له؛ لتقدمه، لكن الجامع له غيره، وهو بعض حفاظ خراسان، جمع فيه ما رواه يونس بن حبيب عنه خاصة، وله من الأحاديث التي لم تدخل هذا المسند قدره أو أكثر)). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) زاد بعدها في (ك): ((- رضي الله عنه -)). (¬4) ذكر السيوطي هذا الكلام في البحر الذي زخر 3/ 1202 - 1204 وعزاه إلى العراقي. وقد فصلت الكلام عن مسند الإمام الشافعي تفصيلاً وافراً عند تحقيقي لمسند الإمام الشافعي بترتيب سنجر فراجعه تجد فائدة. (¬5) التبصرة والتذكرة (81). (¬6) من قوله: ((قوله: فيدعى ... )) إلى هنا وردت في (ك) بعد قوله: ((والمنقطعة والمعضلة والمقطوعة، والله أعلم)) وما في (أ) أصح؛ لأنه جاء على الترتيب.

قولهُ: (وعده للدارمي) (¬1) أجابَ بعضُهم عنِ ابنِ الصلاحِ بأنَّهُ يحتملُ أنْ يكونَ أرادَ دارمياً آخرَ، قالَ: فذكرَ الشيخُ أنَّهُ وجدَ حاشيةً بخطِ ابنِ الصلاحِ أنَّهُ أرادَ بالدارميِّ: عبدَ اللهِ بنَ عبدِ الرحمانِ، فانتفى ذلكَ. قلتُ: لكنْ قدْ قالَ الخطيبُ - فيما رأيتهُ بخطِ المصنفِ في القطعةِ التي وجدتُها منْ " شرحهِ الكبيرِ "- في ترجمةِ الدارميِّ (¬2): ((إنَّهُ صنَّفَ المسندَ، والتفسيرَ، والجامعَ)) (¬3) فلعلَ ابنَ الصلاحِ اطّلعَ على المسندِ، ودَرسَت نسخُهُ بعدَ ذلكَ، فلمْ نرَ شيئاً منها، كغيرهِ منَ الكتبِ التي لم نرَ / 81أ / غيرَ أسمائها، والله أعلم. قالَ شيخُنا: ((وأما هذا السننُ المسمى بـ " مسندِ الدارميِّ " فإنّهُ ليسَ دونَ السننِ في المرتبةِ، بل لو ضُمَّ إلى الخمسةِ لكانَ أولى منِ (¬4) ابنِ ماجه، فإنَّهُ أمثلُ منهُ بكثيرٍ)). قالَ الشيخُ في "النكتِ" (¬5): ((واشتهرَ تسميتهُ بالمسندِ، كما سَمَّى البخاريُّ كتابَهُ: "المسندَ الجامعَ الصحيحَ" وإنْ كانَ مرتباً على الأبوابِ؛ لكونِ أحاديثهِ مسندة، إلاَّ أنَّ " مسندَ الدارميِّ " كثيرُ الأحاديثِ المرسلةِ، والمنقطعةِ، والمعضلةِ، والمقطوعةِ)) واللهُ أعلمُ (¬6). قولهُ: (كنى بهِ عنْ كونِ المسانيدِ) (¬7) كانَ منْ حقِ العبارةِ أنْ يقالَ فيها: كنى بهِ عنْ سببِ كونِ المسانيدِ .. إلى آخرهِ، هكذا كانتْ في نسختي، ثمَّ رأيتُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (82). (¬2) زاد بعدها في (ك): ((هذا)). (¬3) تاريخ بغداد 10/ 29. (¬4) عبارة: ((إلى الخمسة لكان أولى من)) لم ترد في (ك). (¬5) التقييد والإيضاح: 56. (¬6) من قوله: ((قال الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 170.

في غيرها: ((كنّى بهِ عنْ بيانِ كونِ .. )) إلى آخرهِ، فاستقامَ حينئذٍ؛ لأنَّ معناهُ أنَّ الدعاءَ الجفَلَى مبينٌ لنزولِ رتبةِ المسندِ؛ لأنَّهُ بصددِ أنْ يذكرَ كلَّ حديثٍ رُوِيَ عنِ الصحابيِّ مسنداً، كيفَ كانَ. (¬1) قولهُ: (فإنَّ الدعوةَ عندَ العربِ على قسمينِ) (¬2) الدعوةُ عندَهمْ على أقسامٍ كثيرةٍ، وأمّا الذي على قسمينِ فهوَ المدعوُّ، فتارةً يكونُ عاماً، وتارةً يكونُ خاصاً. قلتُ: كذا قالَ شيخُنَا، والذي يظهرُ أنَّ كلامَ المصنِّفِ أحسنُ، وأنَّ (¬3) الذي هوَ أنواعٌ إنما هوَ الطعامُ المدعوُّ إليهِ، والاسمُ العامُّ لجميعِ أنواعهِ الماديةِ، وأمّا الدعوةُ بفتحِ الدالِ وضمِهَا، التي هي منْ (¬4) دعاءِ الناسِ إلى الطعامِ، فهي قسمانِ: خاصةٌ وعامةٌ، وهذا أمرٌ لغويٌّ، يرجعُ فيهِ إلى كلامِ أهلِ اللغةِ، وها أنا أذكرُ لكَ / 81ب / ما رأيتُهُ من ذلكَ عنِ الإمامِ أبي الفتحِ عثمانَ بنِ جنّي، وفي " القاموسِ " للإمامِ مجدِ الدينِ الفيروزآبادي، وكتابِ " الأسماءِ والصفاتِ " للحسنِ بنِ عبدِ اللهِ العسكري، وما كانَ عنِ ابنِ جنّي فمن خطّهِ نقلتُهُ، قالَ: قالَ أبو عبيدٍ: سمعتُ أبا زيدٍ يقولُ: يُسمَّى الطعامُ الذي يصنعُ عندَ العرسِ: الوليمة، والذي عندَ الإملاكِ: النّقيعة، نَقعتُ نقوعاً، وأَولمتُ إيلاماً. ((العسكري)) الوليمةُ: ما يُطعمُ في الإملاكِ. ((القاموسُ)): والوليمةُ: طعامُ العُرْسِ، أو كلُّ طعامٍ صُنِعَ لدعوةٍ وغيرِها، وأَولَمَ: صَنعَها. (¬5) ((ابنُ جني والفرّاءُ)). والنقيعةُ: ما صنعهُ الرجلُ عندَ قدومهِ من سفرٍ، يقالُ: أنقعتُ إنقاعاً ((القاموس)) في مادةِ ((نقعَ)) وكسَفينةٍ: طعامُ القادمِ من سَفرٍ، وكلُّ ¬

_ (¬1) من قوله: ((هكذا كانت في نسختي ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 170. (¬3) زيادة من (ف) فقط. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) القاموس المحيط مادة ((ولم)).

جزورٍ جُزِرَتْ للضيافةِ، وطعامُ الرجلِ ليلةَ يملكُ (¬1). ((ابن جني)): وعندَ البناءِ يبنيهِ الرجلُ في دارهِ ((العسكري)): وعندَ بناءِ الدورِ. الوَكِيرةُ وقد وكّرتُ تَوكيراً. ((القاموس)): والوَكرَةُ - وتُحرّكُ --والوَكِيرُ والوَكِيرةُ: طعامٌ يُعمَلُ لفَراغِ البُنيانِ، وقد وَكَر لهم كوَعَدَ (¬2). ((ابن جني)). وعندَ الخِتانِ إعذارٌ. ((القاموس)): العِذارُ: طعامُ البناءِ، والخِتانِ، وأنْ تستفيدَ شيئاً جديداً، فتتخذَ طعاماً تدعو إليهِ إخوانك كالإعذارِ، والعَذيرةِ، والعَذيرِ فيهما (¬3). ((ابنُ جني)) وعندَ الولادةِ الخُرسُ، فأمّا الذي تَطعمُهُ النفساءُ نَفسها، فهوَ الخُرسَةُ، وقد خَرستُ، أي: تخريساً. ((القاموس)): الخُرسُ بالضمِ: طعامُ الولادةِ / 82أ / وبهاءٍ: طعامُ النُّفساءِ، وخَرّسَ على المرأةِ تخريساً أطعمَ في ولادتِها، وتَخرَّسَتْ هي اتخذتْهُ لنفسِها، ومنهُ: ((تَخَرَّسِي يا نَفسُ، لا مُخَرِّسَةَ لكِ)) قالتهُ امرأةٌ وَلَدتْ ولم يكنْ لها مَنْ يهتَمُّ لها، يُضربُ في اعتناءِ المرءِ بنفسهِ (¬4). ((ابنُ جني)): وكلُّ طعامٍ بعدُ صُنعَ لدعوةٍ فهوَ مَأدُبةٌ ومَأدَبةٌ، وقد آدَبتُ أودِبُ إئداباً. غيرهُ، أي: غير أبي عبيدٍ، وأدَبتُ أَدبَاً. ((العسكري)): والمأدُبةُ: الدّعوةُ. ((القاموس)): الأَدْبُ بالفتحِ -أي: ثمَّ سُكونٍ-: مصدرُ أَدَبَهُ يَأدِبُهُ: دعاهُ إلى طعامهِ، كآدبّهُ إئداباً، وأَدَبَ يأدِبُ أَدَباً مُحرّكةً، عَمِلَ مَأدَبةً، والأُدْبَةُ بالضمِ والمأدُبَةُ والمأدَبَةُ: طعامٌ صُنعَ لدعوةٍ أو عُرسٍ. (¬5) ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (نقع). (¬2) القاموس المحيط مادة (وكر). (¬3) القاموس المحيط مادة (عذر). (¬4) القاموس المحيط مادة (خرس). (¬5) القاموس المحيط مادة (أدب).

((ابنُ جني: أبو زيدٍ)) يقالُ للطعامِ الذي يُتعلّلُ بهِ قبلَ الغداء: السُّلفةُ واللُّهنةُ، وقد سَلَّفتُ للقومِ، ولهّنتُ لهم، أي: تسليفاً، وتلهيناً. ((القاموس)): والسُّلفةُ: بالضمِّ، اللَّمْجَةُ، أي: بالضمِّ والجيمِ، وهي ما يُتعلّلُ بهِ قبلَ الغداء (¬1)، والتَّسليفُ: أكلُ السُّلفَةِ (¬2)، واللهنةُ: بالضمِّ، ما يُهديهِ المسافرُ، واللُّمجةُ (¬3). ((العسكري)): واللُّهنةُ ما يهديهِ الرجلُ إذا قدمَ من سفرٍ، يقالُ: لهنونا مما عندَكم. وقالَ أبو زيدٍ: اللهنةُ ما يتعللُ بهِ الضيفُ قبلَ الطعامِ. ((ابنُ جنيِّ)): الأمويُّ: ولهجتُهم أيضاً بمعناهُ، أي: تلهيجاً. ((القاموسُ)): واللُّهجَةُ - أي: بالضمِّ - اللمجَةُ، ولهجتهم تلهيجاً أطعمتهم إياها (¬4). ((ابنُ جني)): غيره - أي: غير أبي زيدٍ -: القَفِيّ، أي: بوزنِ غَني: الذي يُكرمُ بهِ الرجلُ، يقالُ: قفوتهُ. ((القاموس)): والقفيّ كغني الضّيفُ المُكرمُ، وما يكرمُ بهِ من الطعامِ وأَقفَى / 82 ب / أكَلَها. (¬5) ((العسكري)): والخبيرةُ، الدعوةُ على عقيقةِ الغلامِ. ((القاموس)): والخُبْرةُ بالضمِ - أي: والخاءِ المعجمةِ والموحدةِ -: الطعامُ واللّحمُ، وما قُدّمَ من شيءٍ، وطعام يحملُهُ المسافرُ في سُفرتهِ (¬6)، والحُترَةُ أي: بضمِ المهملةِ، وإسكانِ الفوقانيةِ الوكيرةُ كالحتيرةِ، وحتّرَ لهم تحتيراً: اتخذَ لهم وَكِيرةً (¬7)، ثمَّ قالَ: والحثرةُ -أي: بمهملةٍ ثمَّ مثلثة- الوكيرةُ والعقيقُ ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (لمج). (¬2) القاموس المحيط مادة (سلف). (¬3) القاموس المحيط مادة (لهن). (¬4) القاموس المحيط مادة (لهج). (¬5) القاموس المحيط مادة (قفا). (¬6) القاموس المحيط مادة (خبر). (¬7) القاموس المحيط مادة (حتر).

شَعَرُ كلِّ مولودٍ من الناسِ والبهائمِ، كالعِقَّةِ بالكسرِ، وكسَفينةٍ، والعقيقةُ أيضاً الشاةُ التي تذبحُ عندَ حلقِ شَعَرِ المولودِ (¬1)، وغُرْلَةُ الصبيِّ، وعقَّ عنِ المولودِ ذبَحَ عنهُ. ((القاموسُ)) أيضاً، و ((العسكريُ)): والوَضِيمةُ طعامُ المأتمِ. ((القاموسُ)): حذقَ الصبيُّ القرآنَ والعملَ كضَرَبَ وعملَ (¬2) حَذْقاً وحذاقاً وحَذاقةً ويُكسرُ (¬3) الكلُّ، والحِذاقةُ بالكسرِ الاسمُ، تَعلَّمهُ كلَّهُ، ومَهَرَ فيهِ، ويومُ حذاقهِ يومُ ختمهِ للقرآنِ. (¬4) وقالَ: التُّحفةُ بالضمِ البرُّ واللّطفُ والطُّرفةُ جمعه تُحَفٌ، وقد أتحفتهُ تحفةً (¬5). والنُّزلُ بضمتينِ المنزلُ، وما هيىءَ للضيفِ أنْ ينْزلَ عليهِ كالنزلِ جمعه أنزالُ، والطعامُ ذو البركةِ كالنَّزيلِ، والفضلُ والعطاءُ والبركةُ. والقومُ النازلونَ (¬6). وقرَى الضيفَ يقريهِ قِرىً بالكسرِ والقصرِ، والفتح والمدّ أضافهُ كاقتراهُ، واستقرَى واقتري وأقرَى: طلبَ ضيافةً، وهو مقرى للضيفِ ومِقراءٌ، وهي مقراةٌ، ومقراءٌ. والمقراةُ أيضاً: القصعةُ يقرى فيها، والمقَاري القُدورُ (¬7). وقد نظمَ بعضُ الفضلاءِ أكثرَ ذلكَ، فقالَ: أسَامي الطعامِ اثنانِ من بعد عشرةٍ ... سأسرُدُها مقرونةً ببيانِ وليمةُ عُرْس ثم خُرسُ ولادةٍ ... عقيقةُ مولودٍ وكيرةُ باني وضيمةُ ذي موتٍ نقيعةُ قادمٍ ... عذيرةُ أو إعذارُ يوم خِتانِ ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (عقق). (¬2) في القاموس: (وعلم). (¬3) في المخطوط: ((بكسر)) والصواب ما أثبته كما في القاموس. (¬4) القاموس المحيط مادة (حذق). (¬5) القاموس المحيط مادة (تحف). (¬6) القاموس المحيط مادة (نزل). (¬7) القاموس المحيط مادة (قرى).

ومأدبةُ الخلانِ لا سبب لها ... حِذاقُ صغيرٍ يوم ختمِ قرانِ وعاشرُها في النّظمِ تحفةُ زائرٍ ... قِرى الضيفِ مع نُزلٍ له بقرانِ (¬1) وقد (¬2) علمتَ من كلامِ العسكري و ((القاموسِ)) أنَّ قولهُ: ((لا سببَ لها)) معناه: أنها غيرُ مقيدةٍ بسببٍ، دونَ سببٍ، لا بمعنى أنها مقيدةٌ بنفي السببِ، فهي أعمُّ الكل. انتهى. وكلٌ من هذهِ الأنواعِ ينقسمُ إلى قسمي الدعوةِ الخاصِّ والعامِّ: فالدعوةُ العامةُ الجفلى بجيمٍ وفاءٍ محرّكاً، ومادتها تدورُ على التقطّعِ والتبدّدِ، فالمرمي يلزمهُ ذلكَ، وكذا الكثيرُ في الغالبِ، وكذا المسرعُ ينقطعُ، ويفترقُ من كلِّ ما يمرُّ عليهِ. قالَ الإمامُ عبدُ الحقِ في كتابهِ " الواعي ": ((جَفلتُ المتاعَ، أي: رميتُ بعضَه على بعضٍ، ويقالُ: انجفلَ القومُ كلَّهم، أي: تقطّعوا وتبدّدوا، وفي صفةِ الدجّالِ: جُفالُ الشَّعْرِ، أي: كثيرهُ)). قال أبو عبدِ اللهِ: الجفالُ: الكثيرُ من الشَّعْرِ، والجفالةُ: الجمعُ الكثيرُ من الناسِ. وقال قاسمٌ: الجفالُ الصوفُ. قال أبو عبدِ اللهِ: يقالُ: جفلَ الرجلُ وأجفلَ إذا أسرعَ في عَدْوِهِ خوفاً، فهوَ جافلٌ ومجفِلٌ، ويقالُ: فلانٌ يدعو الجفلى إذا كانَ يعمُّ بالدعوةِ، أي: هوَ يدعو الكثيرَ من الناسِ، ويقالُ: الأجفَلَى، وتروى كذلكَ في شِعرِ طرفةَ، أي: المذكور، وهي لغةٌ، وقد أنكرها بعضَهم. وقال ابنُ فارسٍ في " المجملِ ": ((والجفلى أن تدعو الناسَ إلى طعامِكَ عامةً من غيرِ اختصاصٍ)) (¬3). ¬

_ (¬1) البيت الأخير من المقطوعة الشعرية لم يرد في (ف). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) مجمل اللغة مادة (جفل).

وفي " القاموسِ ": ودعاهم الجفلى محرّكةً، والأَجفَلَى، أي: بجماعتِهم وعامتِهم، والأجفَلَى / 83 ب / الجماعةُ من كلِّ شيءٍ. (¬1) وقال العسكريُّ: والجفَلَى والأجفَلَى أن تدعو القومَ كلَّهم، والنَّقَرَى - أي: بنونٍ وقاف ومهملةٍ مُحرّكاً مقصوراً - أنْ تخصَّ قوماً دونَ قومٍ، وقدِ انتقرَ. في " القاموسِ ": ودعوتهم النَّقرَى، أي: دعوةً خاصةً، وهو أنْ يدعوَ بعضاً دونَ بعضٍ، وهوَ الانتقارُ أيضاً. (¬2) وقالَ عبدُ الحقِّ في " الواعي ": ((ونَقرَ الرجلُ باسمِ صاحبهِ ينقرُ إذا دعاهُ استخصاصاً (¬3) لهُ، وكذا إذا سمّاه من بينهم، وقدِ انتقرَ انتقاراً إذا فعلَ ذلكَ، وهي النَّقَرَى، وفلانٌ يدعو النَّقَرَى إذا خصَّ في دعوتهِ، والانتقارُ الاختصاصُ)). وقالَ ابنُ فارسٍ: ((نَقَرت بالرجلِ إذا دعوتَهُ إليكَ من بينِ الجماعةِ، ومنه النَّقَرى)) (¬4) انتهى. وهوَ مأخوذٌ من قولهم: رجلٌ نقّارٌ ومنقِرٌ إذا كانَ ينقرُ عنِ الأمورِ والأخبارِ، أي: يبحثُ، والمادةُ كلَّها تدورُ على الحفر منَ النقيرِ، وهو النكتةُ التي في ظهرِ النواةِ، ومنهُ تنبتُ النخلةُ. والآدبُ -اسمُ فاعل من الأدبِ- في البيتِ بفتحٍ ثمَّ سكونٍ، وهوَ الدعوةُ إلى الطعامِ. قال ابنُ فارسٍ في " المجمل ": ((والأدْبُ دعاءُ الناسِ إلى طعامِكَ، والآدِبُ الداعي إليهِ)) (¬5) انتهى. ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (جفل). (¬2) القاموس المحيط مادة (نقر). (¬3) هكذا في الأصل. (¬4) مجمل اللغة مادة (نقر). (¬5) مجمل اللغة مادة (أدب).

وقد تقدّمَ بسطُ ذلكَ. والمشتاةُ بفتحِ الميمِ الشِتاءُ. قالهُ ابنُ فارسٍ في " المجملِ "، والفارابي في " ديوانِ الأدبِ ". واستشهدَ عليِهِ في " المجملِ " ببيتِ طرفةَ هذا، وقالَ: ((قالَ الخليلُ: الشتاءُ معروفٌ، والموضعُ المشتى، أي: بفتحِ الميمِ، مقصورٌ)) (¬1). وقالَ في " ديوانِ الأدبِ " في بابِ مَفعَل بفتحِ الميمِ والعينِ منَ الراوي: المَشتَى: الشتاءُ. وقال في " القاموسِ ": الشتاءُ ككساءٍ آخرُ (¬2) أرباعِ الأزمنةِ الأولى (¬3)، واللهُ أعلمُ (¬4). قوله: 83 - والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ ... بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا 84 - وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ ... وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ / 84 أ / قال شيخنا: ((أعيانا توجيهُ كلامِ ابنِ الصلاحِ في هذا الفصلِ؛ فإنَّ آخرَهُ يدفعُ أولَهُ. مفهومُ قولهِ: ((غير أنَّ المصنفَ المعتمدَ ... )) (¬5) إلى آخرهِ، عدمُ التفصيلِ (¬6)، وإنما يحكمُ على الحديثِ بالصحةِ دائماً إذا صححَ المعتمدُ إسنادهُ، ولم يعقبهُ بقادحٍ، وصدرُ كلامهِ مصرّحٌ بالتفصيلِ (¬7): وهو أنّا نصححُ الإسنادَ حينئذٍ دونَ المتنِ، ولا يتخيلُ أبداً أنَّ الكلامَ الأولَ فيمن لا يعتمدُ، والثاني: فيمن يعتمدُ؛ ¬

_ (¬1) مجمل اللغة مادة (شتو). (¬2) في القاموس مادة (أحد). (¬3) القاموس المحيط مادة (شتا). (¬4) من قوله: ((قلت: كذا قال شيخنا والذي يظهر)) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 109. (¬6) كتب ناسخ (أ) صاداً صغيرة؛ للتفريق بينها وبين الضاد، وهذا دليل على جودة قريحته. (¬7) كتب ناسخ (أ) صاداً صغيرة؛ للتفريق بينها وبين الضاد.

لأنَّ غيرَ المعتمدِ لا يعتمدُ في الحكمِ على الإسنادِ ولا غيره. (¬1) اللهمَّ إلا أنْ يقالَ: إنَّ مرادَهُ بالمعتمدِ الغايةُ في العمدةِ، وهمُ النّقادُ الذينَ لهم اليدُ الطولَى في معرفةِ العللِ، فإنهم قليلٌ جداً، وغالبُ المحدّثينَ - وإنْ سُمّوا حُفّاظاً - لا يبلغونَ هذهِ الدرجةَ، فَهُم وإن كانت فيهم أهليةُ التصحيحِ والتضعيفِ، لا يصلونَ إلى رتبةِ أولئكَ، فيكونُ المعنى أنَّ الناقدَ إذا قالَ: ((صحيحُ الإسنادِ)) ولم يعقبهُ بقادحٍ، فكأنَّهُ قالَ: فتّشتُ فلم أجدْ لهذا الحديثِ علةً، وقد فرضَ أنَّهُ ناقدٌ، وأنَّ فيهِ ملكةَ المعرفةِ التامةِ، وقد علمتَ فيما مضى في بحثِ الصحيحِ أنَّ عدمَ اطلاعهِ بعدَ الفحصِ كافٍ في نفي (¬2) الشذوذِ والعلةِ، إذ ليسَ المرادُ انتفاءَهما في نفسِ الأمرِ؛ فإنَّ ذلكَ مما يَقصُرُ عنهُ علمُ البشرِ، فانحلَّ ذلكَ إلى أنَّ قولهُ تارةً: ((صحيحٌ)) وأخرى: ((صحيحُ الإسنادِ)) تفننٌ في العبارةِ، ليسَ غير؛ إذ قد اتضحَ أنَّ عدمَ وجدانِ الناقدِ العلةَ والشذوذَ بعدَ الفحصِ كافٍ في التصحيحِ، أو يقالُ: إنَّ المفهومَ لقولهِ: ((المصنف)) لا لقولهِ: ((المعتمد)) ويكونُ معناهُ أنَّ المعتمدَ الذي / 84 ب / لم يبلغْ درجةَ التصنيفِ إذا قالَ: ((صحيحُ الإسنادِ)) لا نستفيدُ منهُ صحةَ المتنِ، ولو لم يعقبهُ بقادحٍ، وكذا الذي بلغَ أهليةَ التصنيفِ، لكنْ قالَ ذلكَ في غيرِ تصنيفٍ)). قلتُ: وقد كنتُ أرى أنَّ كلامَ ابنِ الصلاحِ فيهِ تقديمٌ وتأخيرٌ، إذا رتَّبَ اتضحَ المعنى، وتقديره: حكمُ المصنفِ المعتمدِ على إسنادٍ بالصحةِ من غيرِ تعقيبٍ بقادحٍ حكمٌ للمتنِ أيضاً بالصحةِ، غير أنَّهُ دونَ حكمهِ على المتنِ بالصحةِ من أولِ الأمرِ. وأظُنُّ أنَّ ابنَ الصلاحِ أرادَ هذا المعنى، فلم توفِ بهِ عبارتُهُ، وهذا لا يُنقِصُ من جلالتهِ -رحمهُ اللهُ-، ثمَّ ظهرَ لي أنَّ الكلامَ صحيحٌ موفٍ بالمعنى، ما فيهِ تقديمٌ ¬

_ (¬1) نكت ابن حجر 1/ 474، وبتحقيقي: 259. (¬2) من قوله: ((وقد علمت فيما مضى)) إلى هنا لم يرد في (ك).

ولا تأخيرٌ، فالجملةُ الأولى (¬1) ادّعَى فيها أنَّ الحكمَ على الحديثِ بأنَّهُ صحيحُ الإسنادِ دونَ الحكمِ عليهِ بأنَّهُ نفسَهُ صحيحٌ، فهذا كما ترى ظاهرهُ القول منه باشتراكهما في الصحةِ، غير أنَّ أحدَهما أعلى؛ لطروقهِ احتمالَ كونِ المصنفِ أرادَ أنَّ السندَ صحيحٌ، وأنَّ المتنَ شاذٌ، أو معللٌ. والجملةُ الثانيةُ من كلامه، وهي قولهُ: ((غيرَ أنَّ المصنفَ ... )) إلى آخره، كالتعليلِ لتصحيحِ الحديثِ الذي قيل فيهِ: ((صحيحُ الإسنادِ)) معَ أنَّهُ قد قررَ أنَّهُ لا ملازمةَ بينَ صحةِ المتنِ، وصحةِ السندِ. قالَ شيخُنا: ((والذي (¬2) لا أشكُّ فيهِ أنَّ الإمامَ منهم لا يعدلُ عن قولهِ: ((صحيح)) إلى قوله: ((صحيح الإسنادِ)) إلا لأمرٍ ما)) (¬3). قلتُ: وقد بانَ لكَ أنَّ هذا مرادُ ابنِ الصلاحِ، واللهُ أعلمُ. قال: وأكثرُ من يستعملُ ذلكَ / 85 أ / الحاكمُ في " مستدركهِ " فتارةً يقول: ((صحيح على شرطهما))، وتارةً: ((على شرطِ أحدِهما))، وتارةً يقولُ: ((صحيحُ الإسنادِ، ولا علة له))، وتارةً: ((صحيح الإسنادِ)) ويسكتُ. قال (¬4): وثمَّ مناقشةٌ أخرى في قوله: ((لأنَّ عدمَ العلةِ والقادحِ هوَ الأصلُ والظاهرُ)) (¬5) فإنَّهُ هنا حكمَ بالصحةِ من غيرِ بحثٍ عن عدمِ العلةِ، وجعلَ في قسمِ الصحيحِ انتفاءَ العلةِ شرطاً لهُ، وقضيةُ كونِ عدمها فيه شرطاً أنْ يبحثَ عن حالهِ حتى يغلبَ على الظنِّ أنَّه لا علةَ لهُ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) لم ترد في (ك). (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 109.

قلتُ (¬1): وحاصلُ الاعتراضِ أنَّهُ اكتفى هنا بالعدمِ، وجعلَ الشرطَ هناكَ إثباتَ العدمِ، والفرقُ بينَ الأمرينِ مقررٌ في بحثِ الموجبةِ المعدولةِ، والسالبةِ البسيطةِ من علمِ الميزانِ، وعندي: أنَّه (¬2) لا منافاةَ بينَ الموضعينِ. وقولهُ: (لأنَّ الأصلَ) (¬3)، أي: الأصلَ هنا، وفي كلِّ مدعٍ العدمُ حتى يثبتَ الوجودُ. والظاهرُ هنا - أي: المغلبُ على الظنِّ - عدمُ العلةِ والقادح، من شذوذٍ ونحوه، لأجلِ سكوتِ هذا الإمامِ المعتمدِ الذي من شأنه البحثُ والإرشادُ، وعندهُ (¬4) غايةُ الملكةِ لذلكَ، فهوَ لم يصححْ إسنادَهُ إلا بعدَ أنْ بحثَ، فلم يجدْ علةً ولا قادحاً، فلم يَمِلِ ابنُ الصلاحِ إلى تصحيحِ ما وصفَ بأنَّهُ صحيحُ الإسنادِ إلا لظنِّ أنَّ هذا الإمامَ المعتمدَ بحثَ عنِ القادحِ فلم يجد، وهذا معنى ما تقدّمَ (¬5). وقد عرفَ أنَّ الشرطَ غلبةُ الظنِ، لا القطعُ في نفسِ الأمرِ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: 85 - وَاسْتُشْكِلَ الحسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في ... مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ 86 - بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ ... سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وصِفْ؟ 87 - وَ (لأبي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ ... أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلاَحِ 88 - وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ ... كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لاَ يَنْعَكِسْ 89 - وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ ... حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) عبارة: ((وعندي أنه)) أبدلها في (ك) بـ ((قلت)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 171، والعبارة تعود لقول ابن الصلاح: ((لأن عدم العلة والقادح هو الأصل)). معرفة أنواع علم الحديث: 109. (¬4) في (ك): ((وغيره)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((في الصحيح من أنه لابد من البحث)).

قوله: (كقولِ الترمذيِّ وغيرهِ) (¬1) إنما قالَ: ((وغيرهِ)) حتى لا يظنَّ أنَّ الجمعَ بينَ / 85ب / الوصفينِ إنما وقعَ في كلامه فقط، فقد جاء في كلامِ غيرهِ، كعلي بنِ المديني، ويعقوبَ بنِ شيبةَ. قوله: (إذا كانَ حسنَ اللفظِ أنه حسنٌ) (¬2) قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ بعد ذلكَ: ((وذلكَ لا يقوله أحدٌ من المحدّثينَ (¬3) إذا جروا على اصطلاحهم)) (¬4). نقلهُ عنهُ الشيخُ في " النكت " (¬5)، ثمَّ قالَ: ((قلتُ: قد أطلقوا على الحديثِ الضعيفِ بأنَّهُ حسنٌ، وأرادُوا حسنَ اللفظِ، لا المعنى الاصطلاحي، فرَوَى ابنُ عبدِ البرِّ في كتابِ " بيانِ آدابِ العلمِ " حديثَ معاذ بنِ جبلٍ مرفوعاً: ((تعلّموا العلمَ؛ فإنَّ تعلّمَهُ للهِ خشيةٌ، وطلبهُ عبادةٌ، ومذاكرتهُ تسبيحٌ، والبحثَ عنهُ جهادٌ، وتعلمهُ لمن لا يعلمهُ صدقةٌ، وبذلهُ لأهلهِ قربةٌ؛ لأنَّهُ معالمُ الحلالِ والحرامِ، ومنارُ سُبُلِ (¬6) أهلِ الجنةِ، وهو الأنس في الوحشةِ، والصاحبُ في الغربةِ، والمحدثُ في الخلوةِ، والدليلُ على السراءِ والضراءِ، والسلاحُ على الأعداءِ، والزينُ عندَ الأخِلاءِ، يرفعُ اللهُ بهِ أقواماً، فيجعلهم في الخيرِ قادةً، وأئمةً تُقتصُ آثارُهم، ويُقتدَى بفعالهم، ويُنتهى إلى رأيهم، ترغبُ الملائكةُ في خلّتِهم، وبأجنحتها تمسحهم، يستغفرُ لهمُ كلُّ رطْبٍ ويابسٍ، وحيتانُ البحرِ وهوامُهُ، وسباعُ البرِّ وأنعامُهُ؛ لأنَّ العلمَ حياةُ القلوبِ منَ الجهلِ؛ ومصابيحُ الأبصارِ منَ الظلمِ، يبلغُ العبدُ بالعلمِ منازلَ الأخيارِ، والدرجاتِ العلى في ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 171. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 172، وهي عبارة ابن دقيق العيد في الاقتراح: 199. (¬3) في الاقتراح: ((أهل الحديث)). (¬4) الاقتراح: 199. (¬5) التقييد والإيضاح: 60 - 61. (¬6) في التقييد: ((سبيل))، وفي جامع بيان العلم ((سبل)) كما هو في المخطوط.

الدنيا والآخرةِ، التفكرُ فيهِ يعدلُ الصيامَ، ومدارستُهُ تَعدلُ القيامَ، بهِ تُوصَلُ الأرحامُ، وبهِ يُعرَفُ الحلالُ / 86أ / منَ الحرامِ، هوَ إمامُ العملِ، والعملُ تابعُهُ، يُلهَمُهُ السَّعداءُ، ويُحرَمُهُ الأشقياءُ)) (¬1). قالَ ابنُ عبد البرِّ: وهو حديثٌ حسنٌ جداً، ولكن ليسَ له إسنادٌ قويٌّ (¬2). انتهى كلامُهُ. فأرادَ بالحسنِ حسنَ اللفظِ قطعاً، فإنَّهُ من روايةِ موسى بنِ محمدٍ البلقاويِّ، عن عبدِ الرحيمِ بنِ زيدٍ العَمِّي. والبلقاويُّ هذا كذابٌ كذبهُ أبو زرعةَ، وأبو حاتمٍ (¬3)، ونَسبَهُ ابنُ حبانَ (¬4) والعقيلي (¬5) إلى وضعِ الحديثِ - والظاهرُ أنَّ هذا الحديثَ مما صنعت يداهُ - وعبدُ الرحيم بنُ زيدٍ العَمِّي متروكٌ أيضاً (¬6) ورُوِّينا عن أميةَ بنِ خالدٍ قالَ: ((قلتُ لشعبةَ: تُحدِّثُ عن محمدِ ابنِ عبيدِ اللهِ العرزمي، وتدعُ عبدَ الملكِ بنَ أبي سليمانَ، وقد كانَ حسنَ الحديثِ؟ قالَ: من حسنِها فررتُ)) (¬7) انتهى. ولابنِ دقيقِ العيدِ أنْ ينفصلَ عن ذلكَ بقولهِ: ((إذا جروا على اصطلاحهم)) (¬8)، والإلزام ¬

_ (¬1) جامع بيان العلم 1/ 54 - 55، وكذلك أسنده من قبله أبو نعيم في حلية الأولياء 1/ 239. (¬2) جامع بيان العلم 1/ 55، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء 1/ 89: ((قوله: حسن، أراد به الحسن المعنوي، لا الحسن المصطلح عليه بين أهل الحديث ... )). (¬3) الجرح والتعديل 8/ 185 (715). (¬4) المجروحين 2/ 250 (916). (¬5) الضعفاء الكبير 4/ 169. (¬6) انظر: الجرح والتعديل 5/ 401 (1603)، والتأريخ الكبير 6/ 104، والتأريخ الصغير 2/ 254، والضعفاء للنسائي (268)، وتهذيب الكمال 4/ 495 (3994)، وانظر كلام الحافظ العراقي في تخاريج الإحياء 10/ 89. (¬7) أسنده: ابن عدي في " الكامل " 6/ 525، والسمعاني في " أدب الإملاء ": 59، والمزي في " تهذيب الكمال " 4/ 556 (4120). (¬8) الاقتراح: 199.

الصحيحُ ما (¬1) قالَه شيخُنا من أنَّهُ (¬2) كان يلزمُ على قوله (¬3): أنْ لا يوصفَ حديثٌ بصفةٍ إلاّ والحسنُ تابعه، فإنَّ كلَّ أحاديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم - حسنةُ الألفاظِ بليغةٌ، فلما رأينا الذي وقعَ هذا في كلامه كثيراً يفرقُ، فتارةً يقولُ: ((حسنٌ)) ويطلقُ، وتارةً يقولُ: ((صحيحٌ)) فقط، وتارةً يقولُ: ((حسنٌ صحيحٌ))، وتارةً يقولُ: ((صحيحٌ (¬4) غريبٌ)) ونحوُ ذلكَ، عرفنا أنَّهُ لا محالةَ جارٍ معَ الاصطلاحِ، وأيضاً فهو قد قالَ في " العللِ " في آخرِ كتابهِ: ((وماقلنا في كتابنا حديثٌ حسنٌ، فإنما أردنا بهِ حسنَ إسناده عندنا)) (¬5) فقد صرحَ بأنَّه إنما أرادَ حسنَ الإسنادِ، فانتفى أنْ يريدَ / 86ب / حسنَ اللفظِ، فقلتُ: يمكنُ أن يجيبَ مدعي هذا بما أجبتمُ بهِ من أنَّ هذا الكلامَ خاصٌّ بما يقولُ فيهِ: ((حسنٌ)) من غيرِ صفةٍ أخرى، فقالَ: بل هذا شاملٌ للجميعِ، والذي يختصُّ بما يخصهُ بقولهِ: ((حسن)) (¬6) هوَ الكلامُ الذي بعدَ هذا، وهو قولهُ: ((كلُّ حديثٍ يروى .. )) (¬7) إلى آخرهِ، وإنما يَرِدُ تحسينُ أهلِ هذا الشأنِ للفظِ الضعيفِ مقيداً، كما يقولُ ابنُ عبدِ البرِّ أحياناً: ((حديثٌ حسن اللفظِ، وليسَ لهَ إسنادٌ قائم)) (¬8). قوله: (وهذا معنى قوله (¬9): فكيفَ إنْ فردٌ) (¬10) قال الشّيخُ في ¬

_ (¬1) من قوله: ((قال ابن دقيق العيد بعد ذلك ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) عبارة: ((من أنه)) لم ترد في (ك). (¬3) عبارة: ((على قوله)) لم ترد في (ك). (¬4) عبارة: ((فقط، وتارة يقول: حسن صحيح، وتارة يقول: صحيح)) لم ترد في (ك). (¬5) العلل آخر الجامع 6/ 251. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: الذي أراد به حسن الإسناد)). (¬7) العلل آخر الجامع 6/ 251. (¬8) جامع بيان العلم وفضله 1/ 54، وانظر: نكت ابن حجر 1/ 475، وبتحقيقي: 261. (¬9) ((قوله)) لم ترد في (ف). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 172.

" النكتِ " (¬1): ((وقد أجابَ بعضُ المتأخرينَ (¬2) عنِ ابنِ الصلاحِ بأنَّ الترمذيَّ حيثُ قالَ هذا يريدُ بهِ تفردَ أحدِ الرواةِ بهِ عنِ الآخرِ، لا التفردَ المطلقَ. قالَ: ويوضحُ ذلكَ ما ذكرهُ في الفتنِ (¬3) من حديث خالدٍ الحذّاءِ، عنِ ابنِ سيرينَ، عن أبي هريرةَ يرفعه: ((من أشارَ إلى أخيهِ بحديدةٍ .. )) الحديثَ، قال فيهِ: ((هذا (¬4) حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجهِ))، فاستغربهُ من حديثِ خالدٍ، لا مطلقاً. انتهى. وهذا الجوابُ لا يتمشى في المواضع التي يقولُ فيها: لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ، (¬5) كحديثِ العلاءِ بنِ عبدِ الرحمان)) هكذا قالَ الشيخُ، وستعرفُ ما فيهِ فيما يليهِ (¬6). قوله: (كحديثِ العلاءِ) (¬7) ليسَ مثالاً صحيحاً، فإنَّ قولَ الترمذيِّ: ((على هذا اللفظِ)) يشعرُ بأنَّهُ رُوِيَ من غيرِ هذا الوجهِ على غيرِ هذا اللفظِ، وهوَ كذلكِ، فإنَّ أصلهُ: ((لا تَقدمّوا رمضانَ بصومِ يومٍ، ولا يومينِ)) (¬8) وهو مروٍ من غيرِ هذهِ ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 58 - 59. (¬2) انظر: نكت الزركشي 1/ 367، والبحر الذي زخر 3/ 1249 - 1250، وتعليقنا على كتاب معرفة أنواع علم الحديث: 109. (¬3) الجامع الكبير 4/ 36 (2162)، والحديث أخرجه أيضاً أحمد 2/ 256 و505، ومسلم 8/ 34 (2616) من طرق عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، به. (¬4) في " التقييد والإيضاح ": ((هكذا)) خطأ. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: عن هذا الراوي)). (¬6) من قوله: ((قوله: وهذا معنى قوله ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 172. وحديث العلاء هذا رواه الترمذي في " الجامع الكبير " (738) من طريقه، عن أبيه، عن أبي هريرة: ((إذا بقي نصف شعبان فلا تصوموا)). (¬8) من هذا الوجه أخرجه: البخاري 3/ 35 (1914)، ومسلم 3/ 125 (1082) (21)، ولمزيد من التخريج انظر تحقيقي على " مسند الشافعي " حديث (609).

الطريقِ، وللترمذيِّ في تعبيره عن ذلكَ أنواعٌ من التقييداتِ (¬1) / 87 أ / لا يتنبهونَ لها، كأنْ يقولَ: ((غريبٌ من هذا الوجهِ)) (¬2)، ((غريبٌ بهذا السياقِ))، ((لا نعرفهُ إلا من هذا الوجهِ بهذا التمامِ)) (¬3)، ونحوُ ذلكَ، فلا يمنعُ أنْ يكونَ رويَ من وجهٍ آخرَ، أو أوجهٍ أُخرَ من غيرِ ذلكَ الوجهِ، وبغيرِ ذلكَ السياقِ، وبغيرِ ذلكَ التمامِ. ووراءَ ذلكَ كله أنَّهُ إذا اقتصر على قوله: ((غريبٌ)) احتملَ أنْ يكونَ مرادهُ الغرابةَ النسبيةَ، أي: إنَّ ذلكَ الراوي تفرّدَ بهِ عن شيخه، وذلكَ مثل قوله: ((غريبٌ من هذا الوجهِ)) فلا يمتنعُ أنْ يكونَ رواهُ العددُ الكثيرُ عن غيرِ ذلكَ الشيخِ، فليتنبه لذلكَ كلهِ. قوله: (ولأبي الفتحِ) (¬4) قال شيخنا: ((حاصلُ جوابِ ابنِ دقيقِ العيدِ: أنَّ قولهم: ((حسنٌ صحيحٌ)) مثلُ قولهم: ((هذا الراوي صدوقٌ ضابطٌ))؛ فإنَّ صدوقاً فقط قاصرٌ عن أوصافِ رجالِ الصحيحِ، وضابطاً من أوصافهم، فكما أنَّ الجمعَ بينَ هذينِ الوصفينِ لا يضرُّ ولا يشكلُ، فكذلكَ الجمعُ بينَ الحسنِ والصحةِ. وظاهرُ قولهِ: ((وأمّا إن ارتفعَ إلى درجةِ الصحةِ، فالحسنُ حاصلٌ)) إنَّ مرادَهُ بالحسنِ هنا غيرُ المعنى الاصطلاحيِّ؛ لأنَّ الاستعمالَ الشائعَ في مثلِ ((إنْ كانَ كذا فكذا، وأمّا إن كانَ كذا فكذا))، أنَّ ما بعدَ ((أمّا)) غيرُ ما قبلها، لكنَّ قولهُ: ((لأنَّ وجودَ ¬

_ (¬1) في (ك): ((التقديرات)). (¬2) انظر على سبيل المثال: الجامع الكبير (58) و (360) و (428) و (614) و (1046) و (1188) و (1303) و (1326) و (1681) و (2171) و (2625) و (2842) و (3032) و (3371) و (3538). (¬3) في الجامع الكبير عبارة: ((لا نعرفه إلاّ من هذا الوجه)) دون قوله: ((بهذا التمام)) انظر على سبيل المثال: (196) و (473) و (604) و (1257) و (1404) و (1832) و (2185) و (2405) و (2654) و (2916) و (3202) و (350) و (3862). (¬4) التبصرة والتذكرة (87).

الدرجةِ العليا ... )) (¬1) إلى آخرهِ ينفي ذلك، ويشعرُ بأنَّ المرادَ المعنى الاصطلاحيُّ، وحينئذٍ يقال: إنْ كان الضبطُ الذي في راوي الحسنِ هو عينُ (¬2) الضبطِ الذي في راوي الصحيحِ، فالجوابُ مسلمٌ، وإنْ كانَ غيرهُ - وهوَ الحقُّ - فليسَ جواباً صحيحاً، فإنَّ الضبطَ / 87 ب / الذي في راوي الحسنِ مشترطٌ فيهِ القصورُ، والذي في راوي الصحيحِ مشترطٌ فيهِ التمامُ، فهما حقيقتانِ مختلفتانِ، وهذا مثلُ قولِ مَن جعلَ المباحَ جنساً للواجبِ؛ لكونِ كلٍّ منهما مأذوناً فيهِ، والجوابُ بما قالَ ابنُ الحاجب: ((قلنا: تركتم فصلَ المباحِ، أي: وهو عدمُ الذمِّ لتاركهِ))، وهذا كذلكَ سواءٌ من جعلهُ جنساً للصحيحِ؛ للاجتماعِ في القبولِ، غفلَ (¬3) عن فصلِ الحسنِ، وهوَ اشتراطُ قصورِ ضبطِ راويهِ، وقد تقدّمَ بأبسط من هذا، لكنْ يعتنى بابنِ دقيقِ العيدِ بأنَّ مرادهُ أنَّ الحسنَ حيثُ انفردَ يقصدُ معناه الاصطلاحيُّ، وهوَ المشترطُ فيهِ ذلكَ القصورُ، وإذا لم ينفرد يجوزُ أنْ يُرادَ المعنى الاصطلاحيُّ أيضاً، ويلاحظُ فيهِ القصورُ، لكنْ لا يلاحظُ أنَّهُ على وجهِ الشرطِ حتى يمتنعَ ارتفاعه عن تلكَ الدرجةِ، وهذا كما تراهُ بحث بحثه، والباحثُ قد يجوزُ في توجيهِ الكلامِ ما لا يعتقدُ أنه الظاهرُ من معناهُ، فضلاً عن أنْ يعتقدَ أنَّهُ الحقُّ. قوله: (ويلزمُ على هذا ... ) (¬4) إلى آخرهِ يشعرُ بعدمِ رضاهُ له، والمعتمدُ ما قدمهُ في أولِ فصلِ الحسنِ في اعتراضهِ على الخطابيِّ منِ اشتراطِ كونِ الحسنِ قاصراً عن رتبةِ الصحيحِ (¬5)، فإنَّ ذاكَ الكلامَ في محلهِ، والقاعدةُ: أنَّ ما ذُكرَ في محلهِ هوَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 173، والكلام لابن دقيق العيد. انظر: الاقتراح: 200. (¬2) في (ك): ((غير)). (¬3) في (ك): ((عندي)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 173. (¬5) الاقتراح: 191 - 192.

المعتمدُ، فاللائقُ ردُّ هذا الكلامِ إلى ذاكَ، لا (¬1) كما فعلَ التبريزيُّ حيثُ أرادَ ردَّ ذلكَ إلى هذا (¬2). قال شيخنا: ((هذا (¬3) ما يتعلقُ بما أوردهُ في النظمِ منَ الأجوبةِ، وبقي جوابٌ رابعٌ / 88 أ /: وهوَ التوسطُ بينَ كلامِ ابنِ الصلاحِ، وابنِ دقيقِ العيدِ، فيخصُّ جواب ابنِ الصلاحِ بما يكونُ لهُ إسنادانِ فصاعداً، وجواب ابنِ دقيقِ العيد بما يكونُ فرداً. وجوابٌ خامسٌ - وهو الذي ارتضاهُ (¬4) (¬5)، ولا غبارَ عليهِ -: وهوَ أنَّ الحديثَ إنْ كانَ متعددَ الإسنادِ، فالوصفُ راجعٌ إلى الحديثِ باعتبارِ الإسنادينِ، أو الأسانيدِ، كأنَّه قيلَ: ((حديثٌ حسنٌ بالإسنادِ الفلاني، صحيحٌ بالإسنادِ الفلاني))، وإنْ كانَ الحديثُ فرداً فالوصفُ وقعَ بحسبِ اختلافِ النقادِ في راويهِ، فيرى المجتهدُ منهمُ - كالترمذيِّ - بعضهم يقولُ: صدوقٌ مثلاً، وبعضهم يقولُ: ثقةٌ، ولا يترجّحُ عنده قولُ واحدٍ منهما، أو يترجحُ، ولكنهُ أرادَ أنْ يشيرَ إلى كلامِ الناسِ فيهِ، فيقولَ: ((حسنٌ صحيحٌ))، أي: حسنٌ عندَ قومٍ؛ لأنَّ راويهِ عندَهم صدوقٌ، ¬

_ (¬1) لم ترد في (ك). (¬2) إذ قال التبريزي فيما نقله عنه العراقي في شرح التبصرة 1/ 152، وفي التقييد والإيضاح: 44: ((فيه نظر؛ لأنه ذكر من بعد أن الصحيح أخص من الحسن، قال: ودخول الخاص في حد العام ضروري والتقييد بما يخرجه للحد))، قال العراقي: ((وهو اعتراض متجه)). قال ابن حجر في نكته 1/ 405 وبتحقيقي: 200: ((بين الصحيح والحسن خصوص وعموم من وجهٍ، وذلك بين واضح لمن تدبره، فلا يرد اعتراض التبريزي؛ إذ لا يلزم من كون الصحيح أخص من الحسن من وجهٍ أن يكون أخص منه مطلقاً حتى يدخل الصحيح في الحسن ... )). (¬3) عبارة: ((قال شيخنا: هذا)) لم ترد في (ف). (¬4) في (ك) و (ف): ((ارتضيه)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)).

صحيحٌ عندَ آخرينَ؛ لأنَّ راويهِ عندهم ثقةٌ، وهوَ نظيرُ قولِ الفقيهِ: في المسألةِ قولانِ، أو بحسبِ ترددِ المجتهدِ نفسهِ في الراوي، فتارةً يؤديهِ اجتهادهُ باعتبارِ حديثهِ وعرضهِ على حديثِ الحفّاظِ، ونحو ذلكَ إلى قصورِ ضبطهِ، وتارةً إلى تمامهِ، فكأنهُ حينئذٍ قالَ: حسنٌ أو صحيحٌ، وغايتهُ: أنَّه حذفَ كلمة ((أو))، وحذفُها شائعٌ في كلامِهم، كما في أثرِ عمرَ - رضي الله عنه - في " الصحيحِ " في أوائلِ كتابِ الصلاةِ (¬1): ((صلى في قميصٍ وإزارٍ، في تبان ورداءٍ، في كذا وكذا ... )) (¬2) إلى آخرهِ، وكما في حديثِ عدي بنِ حاتمٍ رفعهُ: ((تصدّقَ رجلٌ من درهمهِ، من دينارهِ، من صاعِ تمرهِ)) (¬3) إلى آخرهِ، ذكرهُ ابنُ مالكٍ في " شواهدِ / 88 ب / التوضيحِ " (¬4) وهذا الحديثُ رواهُ مسلمٌ في الزكاةِ عن جريرِ بن عبدِ اللهِ - رضي الله عنه -: ((أنَّ ناساً من الأعرابِ جاءوا، فرأى سوءَ حالهم، فخطبَ الناسَ، ثم حثَّهُم على الصدقةِ)) (¬5)، وقالَ هذا الكلام. في " صحيحِ مسلمٍ " أيضاً في البرِ والصلةِ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((اللهمَّ إني أتخذُ عندكَ عهداً، فأيُ المسلمينَ آذيتُهُ، شتمتُهُ، لعنتُهُ، جلدتُه، فاجعلها لَه صلاةً، وزكاةً، وقُربةً)) (¬6). ¬

_ (¬1) عبارة: ((في أوائل كتاب الصلاة)) لم ترد في (ف). (¬2) صحيح البخاري 1/ 102 عقب (365). (¬3) أخرج الطبراني في " الأوسط " (9481) بنحو هذا من حديث عدي بن حاتم، وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 3/ 106 - 107وقال: ((رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الحسن ابن أبي جعفر الجفري، وهو ضعيف)). (¬4) شواهد التوضيح: 117. (¬5) صحيح مسلم 3/ 86 (1017) (69). (¬6) صحيح مسلم 8/ 26 (2601) (93).

وروى أبو داودَ (¬1) والنسائيُّ (¬2) وابنُ حبان في "صحيحهِ" (¬3) عن عمارِ بنِ ياسرٍ - رضي الله عنه - قالَ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((إنَّ الرجلَ لينصرفُ، وما كُتبَ لهُ إلا عُشرُ صلاتهِ، تُسعُها، ثُمنُها، سُبعُها، سُدسُها، خُمسُها، رُبعُها، ثُلثُها، نصفُها)). ورَوَى أبو يعلى (¬4) - قالَ المنذريُّ: ورجالهُ محتجٌ بهم في الصحيحِ - عن ابنِ عباسٍ - رضي اللهُ عنهما - قالَ: ذكرتُ قيامَ الليلِ فقالَ بعضُهم: إنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((نِصفُهُ، ثُلثُه، ربعُه، فواقَ حلبِ ناقةٍ، فواقَ حلبِ شاةٍ)) (¬5) ويتفرعُ على هذا الجوابِ سؤال مَن أجابَ فيهِ من غيرِ تفصيلٍ أخطأَ، وهوَ أن يقالَ: أي ما أرفع: ما يقالُ فيهِ: ((صحيحٌ)) فقط، أو ما يقالُ فيهِ: ((حسنٌ صحيحٌ))؟ والجوابُ: أنَّهُ إنْ كانَ متعددَ الإسنادِ، فما جُمِعَ الوصفانِ فيهِ أعلى مِمَّا لم يكُن لهُ إلا إسنادٌ واحدٌ صحيحٌ؛ لأنَّهُ زادَ عليهِ بالطريقِ الحسنةِ، وإنْ كانَ فرداً، فما أفردَ وصفهُ بالصحةِ أعلى؛ لأنهُ لا تَردُّدَ فيهِ، واللهُ أعلمُ. وقد ذكرَ / 89 أ / الشيخُ في "النكتِ" (¬6) عن الحافظِ عمادِ الدينِ إسماعيلَ ابنِ كثيرٍ جواباً وردَّهُ، فقالَ: ((أجابَ بما حاصلهُ: أنَّ الجمعَ في حديثٍ واحدٍ بينَ الصحةِ والحُسنِ درجةٌ متوسطةٌ بينَ الصحيحِ والحسنِ، فقالَ: والذي يظهرُ (¬7) أنَّهُ يُشربُ الحُكمَ بالصحةِ على الحديثِ بالحسنِ، كما يُشربُ الحسنَ بالصحةِ، قالَ: ¬

_ (¬1) في سننه (796). (¬2) في الكبرى (612). (¬3) كما في الإحسان (1889). (¬4) في مسنده (2677). (¬5) من قوله: ((وكما في حديث عدي بن حاتم رفعه ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬6) التقييد والإيضاح: 61 - 62. (¬7) في اختصار علوم الحديث: ((لي)).

فعلى هذا يكونُ ما يقولُ فيه: حسنٌ صحيحٌ، أعلى رتبةً عندهُ من الحسنِ ودونِ الصحيحِ، ويكونُ حكمهُ على الحديثِ بالصحةِ المحضةِ أقوى من حكمهِ عليهِ بالصحةِ مع الحسنِ (¬1). انتهى)). قالَ الشيخُ (¬2): ((وهذا الذي ظهرَ لهُ تحكمٌ، لا دليلَ عليهِ، وهو بعيدٌ من فهمِ معنى كلامِ الترمذي)) (¬3)، انتهى. وقد ظهرَ بما حررهُ شيخُنا أنَّهُ ليسِ ببعيدٍ، فإنَّهُ واقعٌ على ما هو فردٌ، واللهُ أعلمُ (¬4). قولُه: (ويؤيدُه قولهم: حَسنٌ) (¬5) ليسَ كذلكَ، فإنَّ المتقدمين الذين أطلقوا وصفَ الحسنِ على ما هو صحيحٌ كالشافعيِّ وغيرهِ، لمْ يكن تقررَ عندهم الاصطلاحُ على أنَّ الحسنَ قاصرٌ عن الصحيحِ، ولو تقرّرَ لما خالفوهُ. قولهُ: (وأوردوا ... ) (¬6) إلى آخره، هذا الاعتراضُ لا يردُ على واحدٍ من ابنِ دقيقِ العيدِ، وابنِ المواقِ إنْ سُلِّمَ (¬7) أنَّ وجودَ الدرجةِ الدُنيا لا تنافي العُليا؛ لأنَّ الحسنَ الذي اشترطَ فيهِ أنْ يُروَى من غيرِ وجهٍ هوَ الحسنُ لغيرهِ، فكلُّ صحيحٍ حسنٌ لذاتهِ، لم يقلْ واحدٌ منهما: كُلُّ صحيحٍ حسنٌ لذاتهِ ولغيرهِ، ولا قالَ: كلُّ حسنٍ صحيحٌ، حتى يشملَ الحسنَ بقسميهِ، بل السور لَم يرِد إلاَّ على الصحيحِ؛ فشملَ ¬

_ (¬1) اختصار علوم الحديث: 1/ 140 - 141 وبتحقيقي: 104 - 105. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬3) التقييد والإيضاح: 62. (¬4) من قوله: ((وقد ذكر الشيخ في النكت ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 173، وهو كلام ابن دقيق العيد في الاقتراح: 200. (¬6) التبصرة والتذكرة (89). (¬7) عبارة: ((إن سلم)) لم ترد في (ك).

كُلَّ صحيحٍ، وإذا صحَّ وصفهُ بأحدِ نوعي الحسنِ كَفَى، ولا يضُرُّ / 89ب / تخلفُ وصفهِ بالنوعِ الآخرِ؛ لأنَّ السورلم يرد على الحسنِ حتى يشمل كلاً من نوعيهِ، واللهُ أعلمُ. ولو كانَ ابنُ سيّدِ الناسِ يعتقدُ أنَّ الترمذيَّ يشترطُ في كُل حسنٍ أنْ يُروى من غيرِ وجهٍ، لاعتذرَ عنهُ بذلك، لكنَّهُ قدمَ أنَّ الترمذيَّ إنَّما قالَ ذلك في نوعٍ من الحسنِ (¬1). قولُه: (كحديثِ الأعمالِ بالنياتِ) (¬2) هذهِ أمثلةٌ للأفرادِ الصحيحةِ، فهذا (¬3) تفردَ به عمرُ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وتفرّدَ بهِ عنهُ علقمةُ، واستمرَّ التفردُ إلى يحيى ابنِ سعيدٍ. وحديثُ السفرِ تفرّدَ بهِ مالكٌ (¬4). ¬

_ (¬1) انظر: النفح الشذي 1/ 205. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 174، والحديث في صحيح البخاري 1/ 2 (1) و21 (54) و3/ 190 (2529) و 5/ 72 (3898) و 7/ 4 (5070)، وصحيح مسلم 6/ 48 (1907)، وللتوسع في تخريجه يراجع تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة. (¬3) عبارة: ((هذه أمثلة للأفراد الصحيحة فهذا)) لم ترد في (ك). (¬4) أخرجه: مالك في الموطأ (2805) رواية الليثي، عن سُمي مولى أبي بكر، عن أبي صالح، عن أبي هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم نومه وطعامه وشرابه. فإذا قضى أحدكم نهمته من وجهه، فليعجل إلى أهله)). ومن طريق مالك أخرجه أحمد 2/ 236 و445، والبخاري 3/ 10 (1804)، و4/ 71 (3001)، و7/ 100 (5429)، وابن ماجه (2882). وأخرجه: ابن ماجه (2882) عن يعقوب بن حميد بن كاسب، عن عبد العزيز بن محمد، عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة. ويعقوب بن حميد صدوق له أوهام. انظر: التقريب (7815). وأخرجه أيضاً: أحمد في " مسنده " 2/ 496 من طريق أبي عبد الله البكري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به. وأبو عبد الله البكري: مجهول. انظر: الجرح والتعديل 9/ 449 (1921). وقد عنى المصنف بالتفرد هنا هو التفرد النسبي أي التفرد بالصحة.

: (القسم الثالث: الضعيف)

وحديثُ الولاءِ تفرّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ (¬1). قولُه: (إذا لم يبلغْ رتبةَ الصحيحِ) (¬2) إنما عبّرَ بهذا، ولم يقُل: ((إذا كانَ في روايةِ مستورٍ)) كما مضى؛ لأنَّ المسألةَ مفروضةٌ في الحديثِ الموصوفِ بالصحةِ والحسنِ، لكنْ (¬3) كانَ منْ حقهِ أنْ يقول: إذا لم يبلغْ رتبةَ الحسنِ لذاتهِ، فإنَّ الحسنَ لذاتهِ لَم يبلغ رتبةَ الصحيحِ، ولا يشترطُ أنْ يُروَى من وجهٍ آخرَ. قولُه: (القِسْمُ الثَّالِثُ: الضَّعِيْفُ) (¬4) في عبارةِ ابنِ الصلاحِ ضبطٌ للذهنِ، وتنبيهٌ على فوائِد، قالَ: ((كُلُّ حديثٍ لم تجتمع فيهِ صفاتُ الحديثِ الصحيحِ، ولا ¬

_ (¬1) أخرجه: الطيالسي (1885)، وعبد الرزاق (16138)، والحميدي (639)، وأحمد 2/ 9 و79 و107، والبخاري 3/ 192 (2535) و8/ 192 (6756)، ومسلم 4/ 216 (1506)، وأبو داود (2919)، وابن ماجه (2747)، والترمذي (1236) و (2126)، والنسائي 7/ 306، وابن الجارود (978) جميعهم من طريق عمرو بن دينار، عن ابن عمر، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن بيع الولاء، وعن هبته. وأخرجه: ابن ماجه (2748) من طريق يحيى بن سُليم الطائفي عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، به. وهذه وهم. قال الترمذي عقب حديث (1236): ((قد روى يحيى بن سليم هذا الحديث عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو وهم. وهم فيه يحيى بن سليم)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 175. (¬3) من قوله: ((إنما عبر بهذا ولم يقل ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬4) انظر: في الضعيف: معرفة أنواع علم الحديث: 111، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 153، والتقريب: 49، والاقتراح: 201، ورسوم التحديث: 62، والمنهل الروي: 38، والخلاصة: 44، والموقظة: 33، واختصار علوم الحديث 1/ 142 وبتحقيقي: 105، والشذا الفياح 1/ 133، والمقنع 1/ 103، ومحاسن الاصطلاح: 47، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 176، وتنقيح الأنظار: 101، =

صفاتُ الحديثِ الحسنِ -المذكوراتِ فيما تقدّم- فهو حديثٌ ضعيفٌ (¬1) وأطنبَ أبو حاتِم بنُ حبانَ البستيُّ في تقسيمهِ، فبلغَ بهِ خمسينَ قسماً إلا واحداً (¬2)، وما ذكرتهُ ضابطٌ جامعٌ لجميعِ ذلكَ، وسبيلُ من أرادَ البسطَ أنْ يعمدَ إلى صفةٍ معينةٍ منها، فيجعلَ ما عُدمتْ فيه من غيرِ أنْ يخلفَها جابرٌ - على حسبِ ما تقرّرَ في نوعِ الحسنِ- قسماً واحداً، ثمَّ ما عُدمت فيه تلكَ الصفةُ مع صفةٍ أخرى (¬3) /90أ / معينة قسماً ثانياً، ثم ما عُدِمتْ فيهِ مع صفتينِ معينتينِ قسماً ثالثاً، وهكذا إلى أنْ تُستوفَى الصفاتُ المذكوراتُ جُمَعَ، ثم يعودُ ويعيّنُ منَ الابتداءِ صفةً غيرَ التي عينها أولاً، ويجعل ما عُدمت فيهِ وحدَها قسماً، ثمَّ القسم الآخر ما عُدِمت فيهِ مع صفةٍ أخرى. ولتكنِ ¬

_ = والمختصر: 117، وفتح المغيث 1/ 93، وألفية السيوطي: 19 - 21، والبحر الذي زخر 3/ 1283، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 57، وفتح الباقي 1/ 167، وتوضيح الأفكار 1/ 246، وظفر الأماني: 206، واليواقيت والدرر 1/ 482، وقواعد التحديث: 108، وتوجيه النظر 2/ 546، ولمحات في أصول الحديث: 192. (¬1) للعلماء مباحثات ومناقشات حول هذا التعريف، انظرها في: نكت الزركشي 1/ 389، والتقييد والإيضاح: 63، ونكت ابن حجر 1/ 491 وبتحقيقي: 276 - 277، والبحر الذي زخر 3/ 1283. (¬2) قال ابن حجر في نكته 1/ 492 وبتحقيقي: 277 - 278: ((لم أقف على كلام ابن حبان في ذلك)). وقال الزركشي في نكته1/ 391: ((أي: في أول كتابه في الضعفاء)). قال ابن حجر مستدركاً على الزركشي في مقالته هذه، ومشيراً إلى عدم أصابته: ((لم يصب في ذَلِكَ، فإن الذي قسمه ابن حبان في مقدمة الضعفاء له تقسيم الأسباب الموجبة لتضعيف الرواة، لا تقسيم الحديث الضعيف، ثم إنه أبلغ الأسباب المذكورة عشرين قسماً، لا تسعة وأربعين، والحاصل: أن الموضع الذي ذكر ابن حبان فيه ذلك ما عرفنا مظنته، والله الموفق)). (¬3) جاء في الحاشية من نسخة (أ) بخطِّ البقاعي ما يأتي: ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الحمصي الشافعي، وسمع الجماعة، وكتب مؤلفه إبراهيم البقاعي)).

الصفةُ الأخرى غيرَ المبدوءِ بها، لكونِ ذلكَ سبقَ في أقسامِ عدمِ الصفةِ الأولى، وهكذا هَلمَّ جرَّاً ... (¬1) إلى آخرِ الصفاتِ. ثمَّ ما عُدمَ فيهِ جميعُ الصفاتِ هو القسمُ الأخِرُ (¬2) الأرذلُ. وما كانَ منَ الصفاتِ لَهُ شروطٌ فاعملْ في شروطهِ نحو ذلك، فتتضاعفُ بذلكَ الأقسامُ. والذي لهُ لقبٌ خاصٌّ معروفٌ منَ أقسامِ ذلكَ: الموضوعُ، والمقلوبُ، والشاذُّ، والمعللُ، والمضطربُ، والمرسلُ، والمنقطعُ، والمعضلُ - في أنواعٍ - سيأتي عليها الشرحُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى. والملحوظُ في ما نوردهُ منَ الأنواعِ: عمومُ أنواعِ علومِ الحديثِ، لا خُصوص أنواعِ التقسيمِ الذي فرغنا الآنَ من أقسامِه)) (¬3). قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬4): ((فجعلَ المصنفُ ما عدمَ منهُ هذهِ الصفاتُ هو القسم الأرذل، وخالفَ ذلك في النوعِ الحادي والعشرينَ - أي: وهو الموضوعُ - (¬5) فقالَ: ((اعلمْ أنَّ الحديثَ الموضوعَ شرُّ الأحاديثِ الضعيفةِ)) (¬6) وما ¬

_ (¬1) هذا التعبير يقال لاستدامة الأمر واتصاله. يقال: كان عاماً أوَّل كذا وكذا وهلم جراً. وانظر في تفصيل اشتقاق هذا التعبير وانتصاب ((جراً)): الزاهر 1/ 476، ولسان العرب 4/ 131، ونكت الزركشي 1/ 392، ونكت ابن حجر 1/ 503، وبتحقيقي: 285، وتاج العروس 15/ 412، والمعجم الوسيط 1/ 116. (¬2) قال الحافظ العراقي في التقييد: 63: ((بقصر الهمز على وزن الفخذ، وهو بمعنى الأرذل)). وقيل: بمد الهمز أيضاً. انظر تفصيل ذلك في: لسان العرب 4/ 15، ونكت الزركشي 1/ 393، وتاج العروس 10/ 38. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 113. (¬4) التقييد والإيضاح: 63. (¬5) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬6) في هذا الموضع على ابن الصلاح تعقبات، نقلناها في تحقيقنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 201.

ذكرهُ هناك هوَ الصوابُ: أنَّ شرَّ أقسامِ الضعيفِ الموضوعُ؛ لأنَّهُ كذبٌ، بخلافِ ما عدمَ فيهِ الصفاتُ المذكورةُ، فإنَّه لا يلزمُ من فقدِها كونهُ كذباً)). انتهى. وسيأتي في الموضوعِ أنَّهُ لا اعتراضَ على ابنِ الصلاحِ، فإنَّ كلامَهُ لا يقتضي أنَّ القسمَ الأرذلَ /90 ب / يلزمُ أنْ يكونَ كذباً، بل إنَّهُ قسمٌ تحتهُ نوعانِ: مطلقُ الضعفِ الواهي، والموضوعُ، وبيَّن في الموضوعِ أنَّهُ شرُّ النوعينِ (¬1). قَولُه: 90 - أمَّا الضَّعِيْفُ فَهْوَ مَا لَمْ يَبْلُغِ ... مَرْتَبَةَ الحُسْنِ، وإنْ بَسْطٌ بُغِي: 91 - فَفَاقِدٌ شَرْطَ قَبُوْلٍ قِسْمُ ... وَاثْنَيْنِ قِسْمٌ غَيْرُهُ، وَضَمُّوْا 92 - سِوَاهُما فَثَالِثٌ، وَهَكَذَا ... وَعُدْ لِشَرْطٍ غَيْرَ مَبْدُوٍّ فَذَا 93 - قِسْمٌ سِوَاهَا ثُمَّ زِدْ غَيْرَ الَّذِي ... قَدَّمْتُهُ ثُمَّ عَلى ذَا فَاحْتَذِي الشروطُ ستةٌ: وهي الضبطُ، والعدالةُ، والاتصالُ، وفقدُ الشذوذِ، وفقدُ العلةِ، ووجود (¬2) العاضدِ عندَ الاحتياجِ إليه. فالأولُ يتنازعه الصحيحُ والحسنُ، فما كانَ في أعلاهُ فهوَ صحيحٌ، وما كانَ في (¬3) أدناهُ فهوَ حسنٌ. والسادسُ يختصُّ بهِ (¬4) الحسنُ والأربعةُ الباقيةُ يشتركانِ فيها، فإذا أردتَ تقسيمَ الضعيفِ بحسبِ ما يفقدهُ من هذهِ الشروطِ، انحصرَ في ستةِ أقسامٍ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((قوله: القسم الثالث: الضعيف ... )) إلى هنا لم يرد في (ك). (¬2) في جميع النسخ الخطية: ((عدم))، وكذا نقله الصنعاني عن البقاعي في " توضيح الأفكار " 1/ 248، وهو تحريف، والصواب ما أثبته، والله أعلم. (¬3) لم ترد في (ك). (¬4) لم ترد في (ف).

وطريقُ الحصرِ أنَّ الخبرَ لا يخلو إمَّا أنْ يفقدَ شرطاً من هذهِ الشروطِ، أو شرطينِ، أو ثلاثةً، أو أربعةً، أو خمسةً، أو الكُلَّ، وهي ستةٌ، إذا نوعتَ ما يدخُل تحت هذهِ الستةِ بلغَ بالسبرِ والتقسيمِ ثلاثاً وستينَ (¬1) صورةً. فالقسمُ الأولُ: وهو ما فقدَ شرطاً شرطاً، تحتهُ ستُّ صورٍ: الأولى: ما فقد الخبرُ فيها الشرطَ الأولَ. الثانيةُ: ما فقدَ الثاني. الثالثة: ما فقدَ الثالثَ. الرابعةُ: ما فقدَ الرابعَ. الخامسةُ: ما فقدَ الخامسَ. السادسةُ: ما فقدَ السادسَ. الثاني: ما فقدَ شرطينِ شرطينِ (¬2) تحتهُ خمسَ عشرةَ صورةً: الأولى: ما فقدَ الأول والثاني. الثانيةُ: ما فقدَ الأولَ والثالثَ. الثالثةُ: ما فقدَ الأولَ والرابعَ. الرابعةُ: ما فقدَ الأولَ والخامسَ. الخامسةُ: ما فقدَ الأولَ والسادسَ / 91 أ / السادسةُ: ما فقدَ الثانيَ والثالثَ. السابعةُ: ما فقدهُ مع الرابعِ. الثامنةُ: ما فقدهُ مع الخامسِ. التاسعةُ: ما فقدهُ مع السادسِ. العاشرةُ: ما فقدَ الثالثَ والرابعَ. الحاديةَ عشرةَ: ما فقدهُ مع الخامسِ. الثانيةَ عشرةَ: ما فقدهُ مع السادسِ. الثالثةَ عشرةَ: ما فقد الرابعَ والخامسَ. الرابعةَ عشرةَ: ما فقدهُ مع السادسِ. الخامسةَ عشرةَ: ما فقدَ الخامسَ والسادسَ، صارت إحدى وعشرين. الثالثُ: وهو ما فقدَ ثلاثةً ثلاثةً (¬3)، تحتهُ عشرون صورةً: الأولى: ما فقدَ الأولَ والثاني والثالثَ (¬4). الثانيةُ: ما فقدهُما مع الرابعِ، الثالثةُ: ما فقدهُما مع الخامسِ. ¬

_ (¬1) في (ف): ((ثلاثة وستين)). (¬2) ضبب عليها الناسخ لنسخة (أ)، وهو دليل صحتها. (¬3) صحح عليها الناسخ لنسخة (أ). (¬4) كان في نسخة (أ): ((الثالث والثاني))، وكتب الناسخ فوق كل واحدة حرف (م) دليل على أنه مقدم ومؤخر.

الرابعةُ: ما فقدهُما مع السادسِ. الخامسةُ: ما فقدَ الأولَ والثالثَ والرابعَ. السادسةُ: ما فقدهُما مع الخامسِ. السابعةُ: ما فقدهُما مع السادسِ. الثامنةُ: ما فقدَ الأولَ والرابعَ والخامسَ. التاسعةُ: ما فقدهُما مع السادسِ. العاشرةُ: ما فقدَ الأولَ والخامسَ والسادسَ. الحاديةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والثالثَ والرابعَ. الثانيةَ عشرةَ: ما فقدهُما مع الخامسةِ. الثالثةَ عشرةَ: ما فقدهُما مع السادسِ. الرابعةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والرابعَ والخامسَ. الخامسةَ عشرةَ: ما فقدهُما مع السادسِ. السادسةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والخامسَ والسادسَ. السابعة عشرةَ: ما فقدَ /91 ب/ الثالثَ والرابعَ والخامسَ. الثامنةَ عشرةَ: ما فقدهُما مع السادسِ. التاسعةَ عشرةَ: ما فقدَ الثالثَ والخامسَ والسادسَ. العشرونَ: ما فقدَ الرابعَ والخامسَ (¬1) والسادسَ. صارت إحدى وأربعين صورةً. الرابع: وهو ما فقدَ أربعةً أربعةً، تحتهُ خمسَ عشرةَ صورةً كالثاني، الأولى: ما فقدَ الأولَ والثاني والثالثَ والرابعَ. الثانيةُ: ما فقدها مع الخامسِ. الثالثة: ما فقدها مع السادسِ. الرابعةُ: ما فقدَ الأولَ والثاني والرابعَ والخامسَ. الخامسةُ: ما فقدها مع السادسِ. السادسةُ: ما فقدَ الأولَ والثاني والخامسَ والسادسَ. السابعةُ: ما فقدَ الأولَ والثالثَ والرابعَ والخامسَ. الثامنةُ: ما فقدَها مع السادسِ. التاسعةُ: ما فقدَ الأولَ والثالثَ والخامسَ والسادسَ. العاشرةُ: ما فقدَ الأولَ والرابعَ والخامسَ والسادسَ (¬2). الحاديةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والثالثَ والرابعَ والخامسَ. الثانيةَ عشرةَ: ما فقدها مع السادسِ. الثالثةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والثالثَ والخامسَ والسادسَ. الرابعةَ عشرةَ: ما فقدَ الثاني والرابعَ والخامسَ والسادسَ. الخامسةَ عشرة: ما فقدَ ¬

_ (¬1) عبارة: ((ما فقد الرابع والخامس)) تكررت في (ف). (¬2) في (ف): ((ما فقد الثاني والثالث والرابع والخامس والسادس)).

الثالثَ وما بعدهُ. صارت سِتاً وخمسينَ صورةً. القسمُ الخامسُ: وهو ما فقدَ خمسةً خمسةً، تحتهُ ستُّ صورٍ: الأولى: ما / 92 أ / فقدَ الخمسةَ الأولى. الثانيةُ: ما فقدَ الأربعةَ الأولى والسادسَ. الثالثةُ: ما فقدَ الأولَ والثاني والثالثَ والخامسَ والسادسَ. الرابعةُ: ما فقدَ الأولَ والثاني والرابعَ وما بعدهُ. الخامسةُ: ما فقدَ الأولَ والثالثَ وما بعدهُ. السادسةُ: ما فقدَ الثاني وما بعدهُ. صارتِ اثنتينِ وستينَ صورةً. السادسُ: تحتهُ صورةٌ واحدةٌ، وهي: ما فقدَ الستةَ. فتلكَ ثلاثٌ وستونَ صورةً، يتفرع منها صورٌ كثيرةٌ بالطريقِ التي ذكرها المصنفُ، وهي أنَّك تأخُذ ما يدخلُ تحتَ فقدِ الاتصالِ مثلاً، فتجدهُ أربعةً: وهي المعلقُ، والمرسلُ، والمعضلُ، والمنقطعُ، فتصير الصورةُ الواحدةُ صوراً كثيرةً، وعلى هذا المنوالِ ينسجُ. ومن هنا يُعلمُ أنَّ قولَ الشيخِ: ((فما فقدَ فيهِ الاتصالُ قسمٌ، ويدخلُ تحتهُ قسمانِ)) (¬1) معترضُ الظاهرِ، حيثُ أفهمَ الانحصارَ في القسمينِ، واللهُ أعلمُ. وقدْ وضعتُ لهذهِ الصور الثلاثِ والستينَ جدولاً يضبطُها ويسهلُها، كنَيتُ فيهِ عنِ الشرطِ الأولِ بالألفِ، وعنِ الثاني بالباءِ، وعنِ الثالثِ بالجيمِ، وعنِ الرابعِ بالدالِ، وعنِ الخامسِ بالهاءِ، وعنِ السادسِ بالواوِ، وقدمتُ فيهِ الصورةَ الأخيرةَ، وهو هذا /92 ب/: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 177.

أب ج د هـ و |أ |ب |ج |د |هـ |و أب |أج |أد |أه |أو |ب ج |ب د ب هـ |ب و |ج د |ج هـ |ج و |ده |د وه و |أب ج (¬1) |أب د |أب هـ | أب و |أج د |أج هـ أج و |أد هـ |أد و |أهو |ب ج د |ب ج هـ |ب ج وب د هـ |ب د و |ب هـ و |ج د هـ |ج د و |ج هـ و |د هـ وأ ب ج د | أب ج هـ |أب ج و |أب د هـ |أب د و |أب هـ و |أج د هـ أج د و |أج هـ و |أد هـ و |ب ج د هـ |ب ج د و |ب ج هـ و |ب د هـ وج د هـ و |أب ج د هـ |أب ج د و |أب ج هـ و |أب د هـ و |أج د هـ و |ب ج د هـ و (¬2) قالَ شيخُنا: ((وأنا أرى هذا التقسيمَ تعَباً، ليسَ وراءهُ أربٌ، فإنَّه لا يخلو إمَّا أنْ يكونَ لأجلِ معرفةِ ما كانَ من أقسامِ الضعيفِ أضعفُ من بعضٍ، أو لا، فإنْ كانَ الأولُ فلا يخلو من أنْ يكونَ لأجلِ أنْ يعرفَ أنَّ (¬3) ما فقدَ منَ الشروطِ أكثر أضعفُ أو لا، فإنْ كانَ الأولُ، فليسَ كذلكَ؛ لأنَّ لنا ما يفقدُ شرطاً واحداً ويكونُ أضعف مما يفقدُ الشروطَ الخمسةَ الأُخَر، وهو ما يفقدُ راويهِ (¬4) بعضَ ما تقومُ بهِ العدالةُ وهو ¬

_ (¬1) في (ك): ((أج د)) وهو خطأ. (¬2) إلى هنا انتهت نسخة (ك)، والجدول لم يرد في (ف). (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) في (ف): ((رواية)).

الصدقُ، وإنْ كانَ الثاني فما هوَ، وإن كانَ الثاني وهو أنْ يكونَ لأمرٍ آخرَ غير معرفةِ الأضعفِ فلا يخلو من أنْ يكونَ لأجلِ تخصيصِ كلِّ قسمٍ باسمٍ أو لا، فإنْ كانَ الأولُ فليسَ كذلكَ؛ فإنَّهم لم يُسمُّوا من ذلكَ / 93أ / إلا القليلَ كالمعضلِ والمرسلِ ونحوهما، وإنْ كانَ الثاني فلا يخلو من أنْ يكونَ لأجلِ معرفةِ كم تبلغ قسماً بالبسطِ، أو لا، فإنْ كانَ الأول؛ فهذهِ (¬1) ثمرة مرة، وإنْ كانَ الثاني فما هوَ (¬2)؟!)). قولُه في الشرحِ: (وقولُ ابنِ الصلاحِ .. ) (¬3) إلى آخرهِ، اعتراضهُ عليهِ غيرُ متجهٍ؛ لأنَّهُ يمكنُ أنْ لا يجمعَ صفاتِ الحسنِ، ويكونُ صحيحاً، وذلكَ أنَّهُ قد تحرّرَ فيما (¬4) سلفَ أنَّها مباينةٌ لشروطِ الصحيحِ، فإذا انتفى الضبطُ المقيّدُ بالقصورِ، لم يمتنع أن يكونَ الضبطُ الموصوفُ بالتمامِ، وإذا انتفى كونُ الراوي مستوراً (¬5) أو مجهولاً لَمْ يمتنع وجودُ الثقةِ الضابطِ، وعلى هذا. نَعَم عبارةُ الشيخِ (¬6) هي التي لا يُحتاجُ معها إلى ذكرِ الصحيحِ من أجلِ تعبيرهِ بـ ((يبلغ))، وهيَ ملاحظٌ فيها كونُ البالغِ كانَ قبلُ قاصراً عن تلكَ الرتبةِ التي بلغها، ويكونُ معناها: ما قَصُرَ عن رتبةِ الحسنِ. قولُه: (لأنَّ ما قصُرَ) (¬7) منَ الغرائبِ فإنَّهُ لا يصلحُ تعليلاً لردِّ قولِ ابنِ الصلاحِ، إلا إذا عبَّرَ بأنَّهُ القاصرُ عن رتبةِ الحسنِ، أو ما في معنى ذلكَ. ¬

_ (¬1) من هنا تبدأ نسخة (ب). (¬2) انظر: تدريب الراوي 1/ 179. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 176. (¬4) زاد بعدها في (ب): ((قد)). (¬5) وضع ناسخ (أ) فوق السين علامة الإهمال من أجل تمييزها عن الشين المعجمة. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 176.

وتعبيرهُ بـ ((لَم يجمعْ)) لا ((بِما قصرَ))، أو ((لم (¬1) يبلُغْ))، لكنّ هذا كلَّهُ بناءٌ من الشيخِ (¬2) على أنَّ الحسنَ جنسٌ للصحيحِ بدليلِ قولِهِ: ((وإن كانَ بعضُهمْ .. )) إلى آخرهِ، ولو سُلِّمَ لَه هذا لكانَ الاعتراضُ متجهاً؛ لأنَّهُ إذا انتفى العامُّ، انتفى الخاصُّ، لكِن قدْ مضى إفسادهُ. قولُه: (حيثُ لَم ينجبرِ المرسلُ) (¬3) قالَ شيخُنا: ((المنقطعُ ونحوهُ كذلكَ، فكانَ الصوابُ حَذفَ القيدِ؛ لئلا يُفهَمَ اختصاصهُ بهِ-أي: بالمُرسَل- (¬4) أو يُقيدُ / 93ب / المنقطعُ بذلكَ أيضاً، وكأنَّهُ أرادَ بالانقطاعِ المعنى اللغوي، حتى يشملَ المعضلَ ونحوَهُ؛ فلذا لَم يقيدهُ لكونِ المعضلِ لا ينجبرُ بتعددِ طُرقهِ)). وعن شيخنا: أنَّ الأَوْلَى ذِكرُ كُلٍّ منهما، وتقييدُ المنقطعِ. وبخطِّ بعضِ أصحابنا: فيهِ نظرٌ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ الساقطُ لا يصلحُ للاعتبار، فلا ينجبرُ. قولُه: (وأدخلَتِ الياءُ لضرورةِ القافيةِ) (¬5) ليسَ كذلكَ، فإنَّ هذهِ الياءَ ليستْ لامَ الفعلِ التي تذهبُ من آخرِ الأمرِ، بل هيَ ياءُ الإطلاقِ. قولُه: (السابعُ والثلاثونَ) (¬6) هذا القسمُ هوَ الثالثُ والثلاثونَ، فليتأملْ، فإنَّ المرادَ بقولهِ: ((كذلكَ)): كثير الخطأ، ولا يظنُّ أنَّ المرادَ المغفل الذي ليسَ بعدل؛ لأنَّه سيقولُ: إنَّ الشاذَّ لا يُجامعُ الضعيفَ. أفادهُ بعضُ أصحابِنا فيما رأيتُه بخطهِ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي العراقي)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 176. (¬4) عبارة: ((أي: المرسل)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 179. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 179.

قولُه: (لا يمكنُ اجتماعُ ذلكَ على الصحيحِ) (¬1) ليسَ كذلكَ، بل يمكنُ؛ لأنَّ تفرّدَ الثقةِ لا يمنعُ أنْ يكونَ غيرُهُ منْ رواةِ ذلكَ الحديثِ ضعيفاً، أو مستوراً، ونحو ذلكَ. وفائدةُ ذلكَ: كثرةُ الضعفِ؛ لكثرةِ الأسبابِ، وهذا مثلُ ما مضى في قولهِ في فقدِ الشرطِ الثاني وهو العدالةُ: ((الحاديَ عشرَ: مرسلٌ فيهِ شاذٌّ)) فإنَّ وصفهُ بالضعفِ إنّما جاءَ من جهةِ احتمالِ كونِ المرسلِ عنهُ ضعيفاً، فعلى هذا الاحتمالِ يكونُ قدِ اجتمعَ الشذوذُ والراوي الضعيفُ، وكذا قولُه: ((الخامسَ عشرَ: مرسلٌ شاذٌّ فيهِ عدلٌ مغفلٌ كثيرُ الخطأ)) فإنّهُ لا يمكنُ وصفُ المغفَّلِ الكثيرِ الخطأ بالثقةِ / 94 أ /؛ لأنّها (¬2) عبارةٌ عن جمعِ العدالةِ والضبطِ. وهذا وإنْ كانَ عدلاً، فهوَ غيرُ ضابطٍ إلى غيرِ ذلكَ، وهوَ إذا لم يكنْ ثقةً كانَ ضعيفاً، واللهُ أعلمُ. وبخطِّ بعضِ أصحابنا: لكنْ يُقالُ: إذا كانَ في السندِ ضعيفٌ (¬3)، يُحال ما في الخبرِ من تغييرٍ عليهِ، إلا إنْ عُرِفَ من خارجٍ أنَّ المخالفةَ منَ الثقةِ. قولُه: (تفردُ الثقةِ) (¬4) يعني: مع مخالفةِ الناسِ لهُ، كما سيأتي في موضعهِ. قولُه: (وعَدَّهُ البستيّ .. ) (¬5) إلى آخرهِ. قالَ شيخُنا: ((الذي اطّلعَ عليهِ ابنُ الصلاحِ لَم يقَع لنا فيما رأيناهُ من كتبِ ابنِ حبّانَ، ولهُ كتابُ "الضعفاءِ" وضعَ لهُ مقدمةً، قسَّمَ فيها الرواةَ إلى نحوِ عشرينَ قسماً (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 179. (¬2) جاء في حاشية (ب): ((أي: الثقة)). (¬3) من قوله: ((والله أعلم)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 179. (¬5) انظر: التبصرة والتذكرة (94). (¬6) النكت لابن حجر 1/ 492 وبتحقيقي: 277، وانظر: مقدمة كتاب المجروحين 1/ 62.

المرفوع

وقولُ الشيخِ: (وعدَّهُ .. لتسعةٍ) كأنَّهُ ضمَّن ((عدَّ)) معنى ((عَدّي)). فعدَّاهُ باللامِ التي بمعنى ((إلى)). قالَ: ولو قالَ: وعدَّهُ البستِيُّ فيما أوعَى ... مُستوعباً خمسينَ إلا نَوعَا لكانَ أحسنَ، من جهةِ زوالِ ما في تعدية ((عَدَّه)) بحرفِ الجرِّ من الثقلِ على السمعِ، ومن جهةِ السلامةِ من إمكانِ تصحيفِ تسعةٍ بسبعةٍ - بتقديمِ السِّين ثمَّ موحدةٍ - ومن جهة موافقة عبارةِ ابنِ الصلاحِ، فإنَّهُ قالَ: ((وأطنبَ أبو حاتمِ بنِ حبَّانَ البستيُّ في تقسيمهِ فبلغَ بهِ خمسينَ قسماً إلا واحداً)) (¬1). ويكونُ فيهِ من وُجوه الحسنِ أيضاً موافقةُ القرآنِ العظيمِ في قولهِ تعالى: {أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً} (¬2) (¬3). قولهُ: المرفوع (¬4) ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 112. (¬2) العنكبوت: 14. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((بلغ على المؤلف)). (¬4) انظر في المرفوع: الكفاية: (58 ت، 21 هـ‍)، والتمهيد 1/ 25، ومعرفة أنواع علم الحديث: 116، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 157، والتقريب: 50 - 51، والاقتراح: 210، ورسوم التحديث: 64، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 46، والموقظة: 41، واختصار علوم الحديث 1/ 146 وبتحقيقي: 108، والشذا الفياح 1/ 139، والمقنع 1/ 73، ومحاسن الاصطلاح: 49، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 180، وتنقيح الأنظار: 104، ونزهة النظر: 87، والمختصر: 119، وفتح المغيث 1/ 98، وألفية السيوطي: 21، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 61، وفتح الباقي 1/ 171، وتوضيح الأفكار 1/ 254، وظفر الأماني: 227، وشرح شرح نخبة الفكر: 603، واليواقيت والدرر 2/ 224، وقواعد التحديث: 123، ولمحات في أصول الحديث: 211.

95 - وَسَمِّ مَرْفُوْعاً مُضَافاً لِلنَّبي ... وَاشتَرَطَ (الخَطِيْبُ) رَفْعَ الصَّاحِبِ 96 - وَمَنْ يُقَابِلْهُ بِذي الإرْسَالِ ... فَقَدْ عَنَى بِذَاكَ ذَا اتِّصَالِ فرضَ ابنُ الصلاحِ سائلاً قالَ لهُ: أنتَ قدْ قلتَ: إنَّ أهلَ هذا الشأنِ قسَّموهُ إلى ثلاثةِ أقسامٍ: صحيحٍ، وحسنٍ، وضعيفٍ، فما هذهِ الأنواع التي تذكرها بعدَ ذلكَ، أهيَ عندَ غيرِ أهلهِ، أم اصطلاحٌ جديدٌ، أم ما ذاكَ؟ / 94 ب / فقالَ: ((الملحوظُ فيما نوردهُ منَ الأنواعِ: عمومُ أنواعِ علومِ الحديثِ، لا خصوصُ أنواعِ التقسيمِ الذي فرغنَا الآنَ من شرحِ أقسامهِ)) (¬1). قالَ شيخُنا: ((وقبلَ الخوضِ في ذلكَ نقولُ: الكلامُ في هذهِ الأنواعِ كلها لا يخلو إمّا أنْ يكونَ صفةً للإسنادِ، أو للمتنِ، أو حكماً على أحدهما. فالأولُ: كالمعلَّقِ، والمنقطعِ، والمعضلِ. والثاني: كالمرفوعِ، والمقطوعِ. والثالثُ: كالصحيحِ (¬2)، والحسنِ، والضعيفِ. فإذا وصفنا الإسنادَ بصفةٍ تخصُّه كأنْ يُقالَ: منقطعٌ مثلاً، لم يُنظرْ إلى الحديثِ أصلاً، بل تارةً يكونُ صحيحاً، وتارةً يكونُ حسناً، وتارةً يكونُ ضعيفاً. وإذا وصفنا المتنَ بصفةٍ تخصُّه، كأنْ يُقالَ: مرفوعٌ، لمْ يُنظرْ إلى السندِ أصلاً، بلْ سواءٌ كانَ منقطعاً، أم مُعضلاً، أم غيرَ ذلكَ)). قولُه: (مضافاً للنبيِّ) (¬3)، أي: سواء أضافهُ الصحابيُّ، أم التابعيُّ، أم منْ بعدهُ إلى اليومِ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 113. (¬2) في (ف): ((الصحيح)). (¬3) التبصرة والتذكرة (95).

قولُه: (واشترطَ الخطيبُ) (¬1)، قالَ شيخُنا: ((لَمْ يشترطِ الخطيبُ (¬2) ذلكَ، والذي حملَ الشيخَ على قولهِ هذا عنهُ، هوَ ظاهرُ هذهِ العبارةِ التي ساقها عنهُ. وعندي أنَّ كلامهُ إنَّما خرجَ مخرجَ الغالبِ؛ إذ غالبُ ما يُضافُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هوَ من إضافةِ الصحابيِّ)). وقولُه: (ومنْ يقابلهُ) (¬3)، أي: كأنْ يقول: أرسلهُ فلانٌ، ورفعهُ فلانٌ، فإنَّهُ يريدُ بقولهِ: ((ورفعهُ)): وصلَهُ. فالنظرُ حينئذٍ في معنى رفعه إلى المعنى اللغويِّ، لا الاصطلاحي. قالَ في " القاموسِ " (¬4): ((فرُشٌ مرفوعةٌ، أي: بعضُها فوقَ (¬5) بعضٍ، أو مقربةٌ لَهمْ))، وقالَ عبدُ الحقِّ (¬6) في "الواعي" (¬7): ((رفعتُ فلاناً إلى الحاكمِ، إذا قدّمتهُ إليهِ، ورفعتُ هذا الأمرَ إلى السلطانِ إذا بلّغتهُ إياهُ، ورفعتُ الشيءَ رفعاً قربتُهُ / 95 أ / من غيرهِ، وفي التنزيلِ: {وفُرشٍ مرفوعةٍ} (¬8)، أي: مُقربةٍ إليهم)). انتهى. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (95). (¬2) عبارة الخطيب كما جاءت في الكفاية: 21، هي: ((والمرفوع: ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم -، أو فعله)). (¬3) التبصرة والتذكرة (96). (¬4) القاموس المحيط مادة: ((رفع)). (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((في))، والتصويب من " القاموس المحيط ". (¬6) هو أبو محمد عبد الحق بن عبد الرحمان الإشبيلي، المعروف بابن الخراط، له مصنفات منها: الجمع بين الصحيحين، والرقاق، والمعتل في الحديث، وغيرها، توفي سنة (581 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 198، وشذرات الذهب 4/ 271. (¬7) اسم الكتاب كما ذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 2/ 1996، هو: ((الواعي في حديث علي رضي الله تعالى عنه)) ولم أقف عليه. (¬8) الواقعة: 34.

المسند

والذي اضطرنا إلى هذا أنَّهُ لا يمكن أنْ يكونَ الرفعُ بالمعنى الاصطلاحيِّ مقابلاً للإرسالِ؛ لأنَّهُ من صفاتِ المتنِ، والإرسالُ من صفاتِ الإسنادِ، فتعيَّنَ حينئذٍ أنْ يُعنى بهِ المتصل، أي: من عندِ التابعي، سواءٌ كانَ ما دونهُ متصلاً، أم منقطعاً، أم مُعضلاً، أم غيرَ ذلكَ. قولُه: (ما أضيفَ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((هوَ ما أضيفَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خاصةً، ولا يقعُ مطلقهُ على غيرِ ذلكَ، نحو الموقوفِ على الصحابةِ، وغيرهم)) (¬2). المسند (¬3) قولُه: 97 - وَالمُسْنَدُ المَرْفُوْعُ أوْ مَا قَدْ وُصِلْ ... لَوْ مَعَ وَقفٍ وَهوَ في هَذَا يَقِلْ 98 - وَالثالِثُ الرَّفْعُ مَعَ الوَصْلِ مَعَا ... شَرْطٌ بِهِ (الحَاكِمُ) فِيهِ قَطَعَا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 181. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 116. (¬3) انظر في المسند: معرفة علوم الحديث: 17، والكفاية: (58 ت، 21 هـ‍)، والجامع لأخلاق الراوي 2/ 189، والتمهيد 1/ 21، ومعرفة أنواع علم الحديث: 113، وجامع الأصول 1/ 107، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 154 - 156، والتقريب: 49 - 50، والاقتراح: 211، ورسوم التحديث: 64، والمنهل الروي: 39، والخلاصة: 45، والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث 1/ 144 وبتحقيقي: 106، والشذا الفياح: 137، والمقنع 1/ 109، ومحاسن الاصطلاح: 47، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 181، وتنقيح الأنظار: 105، ونزهة النظر: 96، والمختصر: 118، وفتح المغيث 1/ 99، وألفية السيوطي: 21، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 62، وفتح الباقي 1/ 173، وتوضيح الأفكار 1/ 258، وظفر الأماني: 225، وشرح شرح نخبة الفكر: 609، واليواقيت والدرر 2/ 228، وقواعد التحديث: 123، ولمحات في أصول الحديث: 272.

قولُه: (لو مع وقف) (¬1) قالَ شيخُنا: ((الذي أظنّهُ أنَّ هذا من تتمَّةِ كلامِ الخطيبِ، وظنَّ الشيخُ أنَّهُ من عندِ ابنِ الصلاحِ، فأفصحَ في الشرحِ بهِ)). قلتُ: والظاهرُ مع الشيخِ (¬2)، فإنَّ ابنَ الصلاحِ قالَ: ((ذكرَ أبو بكرٍ الخطيبُ أنَّ المسنَدَ عندَ أهلِ الحديثِ: هو الذي اتصلّ إسنادهُ من أولِّهِ إلى منتهاهُ، وأكثر ما يُستعملُ (¬3) .. )) إلى آخرهِ، فلو كانَ من تتمَّةِ كلامِ الخطيبِ لكررَ (أنَّ) فقالَ: ((وأنَّ أكثر ما يُستعملُ .. )) أو كانَ يُعبرُ بـ ((قالَ)) موضِعَ ((ذَكَرَ)) فينتظم الكلامُ. وبما قررهُ الشيخُ (¬4) يندفعُ ما ذكرَ في " النكتِ " أنَّهُ اعترضَ بهِ على ابنِ الصلاحِ بأنَّهُ ليس في كلامِ الخطيبِ: ((دونَ ما جاءَ عن الصحابةِ وغيرهم)) لا في "الكفايةِ"، ولا في "الجامعِ" (¬5). وقولُه: (لو مع وقفٍ) (¬6) ليس الوقفُ شرطاً في قولهِ: ((وُصِلَ))، فواو العطفِ محذوفةٌ منهُ، كما حُذِفت في نظائرهِ، والتقديرُ: ولو كانَ مع وقفٍ، فإنَّهُ يُسمى مُسنداً أيضاً على هذا القولِ. وقولُه: (الحاكمُ فيهِ قطعا) (¬7) يشعرُ بأنَّ الحاكمَ يشترطُ أنْ يكونَ متصلاً ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (97). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي العراقي)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 114، وقول الخطيب في الكفاية (58 ت، 21هـ‍)، والجامع لأخلاق الراوي 2/ 189. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬5) التقييد والإيضاح: 64. (¬6) التبصرة والتذكرة (97). (¬7) التبصرة والتذكرة (98).

/ 95 ب / بصيغةٍ صريحةٍ، أو ما يقومُ مقامها، وكلامُ الحاكمِ ظاهرٌ فيه (¬1)، فإنَّهُ قالَ: ((المسنَدُ ما أضيفَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بسندٍ يظهرُ فيهِ الاتصالُ)) (¬2)، فقولهُ : ((يظهرُ فيهِ)) يدخلُ فيهِ عنعنةُ المدلسِ، والإرسالُ الخفيُّ، ونحوُهما ممَّا ظاهرهُ الاتصالُ، وقد يفتشُ فيوجدُ منقطعاً (¬3). وكلامُ ابنِ الصباغِ (¬4) منَ الخطيبِ مأخوذٌ، فهوَ من تلامذتهِ، وكلُّ ما يلزمُ على قولِ الخطيبِ يلزمهُ بلا فرقٍ، نُقلَ عن شيخنا البرهانِ (¬5)، وهوَ ظاهرٌ. قوله: (فيدخلُ فيهِ المقطوعُ، وهوَ قولُ التابعيِّ .. ) (¬6) إلى آخرهِ، مُنافٍ لقولهِ بعدَ ذلكَ في تعريفِ المتصلِ: ((ولمْ يروا أنْ يدخلَ المقطوعُ)) (¬7)، ويجمعُ بينَ كلاميهِ (¬8) بأنَّ الباحثَ يلزمُ خصمَهُ بما يقتضيهِ كلامُهُ، وإنْ كانَ لا يراهُ، ولا شكَّ ¬

_ (¬1) هكذا في نسخة (أ)، وفي نسخة (ب) و (ف): ((يأباه))، وكتب ناسخ (ب) فوقها ((لا))، ثمَّ كتب في الحاشية: ((ضرب عليها شيخنا وجعل موضعها (ظاهر فيه) فليتأمل))، وكذلك سقطت من (ف) عبارة: ((يشترط أن يكون متصلاً بصيغة صريحة، أو ما يقوم مقامها، وكلام الحاكم ظاهر فيه)). (¬2) معرفة علوم الحديث: 17. (¬3) انظر: النكت لابن حجر 1/ 508، وبتحقيقي: 290. (¬4) هو أبو نصر عبد السيد بن محمد بن عبد الواحد البغدادي، شيخ الشافعية، الفقيه المعروف بابن الصباغ، له تصانيف منها: الشامل، والكامل، وغيرها، توفي سنة (477 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 464، وشذرات الذهب 3/ 355. (¬5) هو أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي، المعروف بسبط ابن العجمي، تتلمذ له الحافظ ابن حجر والبقاعي وغيرهم، له مصنفات كثيرة منها: حاشية يسيرة على الألفية وشرحها للعراقي، وغير ذلك، توفي سنة (841 هـ‍). انظر: الضوء اللامع 1/ 138. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 182. (¬7) التبصرة والتذكرة (100). (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)).

أنَّ قولَ الخطيبِ (¬1): ((ما اتصلَ إسنادهُ إلى منتهاهُ)) يشملُ ما لو اتصلَ سندهُ مثلاً إلى نحوِ مالكٍ، وانقطعَ عندهُ، فكأنَّهُ يقولُ: إنَّ عبارةَ الخطيبِ قاصرةٌ يدخلُ فيها ما صرَّحوا بأنَّه لا يدخلُ في المتصلِ، فكان من حقهِ أنْ يُخرجَهُ بأنْ يقولَ: ما اتصلَ إسنادهُ إلى من فوقَ التابعي، أو نحو ذلكَ من العباراتِ، هكذا قالَ شيخُنا. وللخطيبِ أنْ يقولَ: إني إنَّما أُكلمُ القومَ بلسانهم، لا بلسانِ أهلِ اللغةِ، فكيفَ يدخلُ المقطوعُ (¬2)؟ قالَ: ومحصِّلُ هذا أنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ جعلَ المسندَ من صفاتِ المتنِ، وهو القولُ الأولُ (¬3)، فإذا قيلَ: ((هذا حديثٌ مسندٌ)) علمنا أنَّهُ مضافٌ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ قد يكونُ معضلاً، أو مرسلاً، إلى غيرِ ذلكَ. قالَ بعضُ أصحابنا (¬4): وكلامُ الدارَقطنيِّ منطبقٌ عليهِ، حيثُ قالَ في جوابِ سؤالِ الحاكمِ / 96 أ / عن سعيدِ بنِ عبيد اللهِ الثقفيِّ: ((هذا ابنُ عبيدِ اللهِ ابنِ جبيرِ بن حيةَ، وليسَ بالقويِّ، يحدّثُ بأحاديثَ يسندُها، ويقِفها غيرُهُ)) (¬5). انتهى. وبعضُهم جعلهُ من صفاتِ الإسنادِ، وهوَ القولُ الثاني، فإذا قيلَ: ((هذا مسندٌ)) علمنا أنَّهُ لا بدَّ وأنْ يكونَ متصلَ الإسنادِ، ثمَّ قدْ يكونُ موقوفاً، وقد يكونُ مرفوعاً. ¬

_ (¬1) في (ف): ((الخطابي)). (¬2) من قوله: ((هكذا)) إلى هنا سقط من (أ) و (ب) و (ف)، وألحق بالحاشية مع ذكر علامة التصحيح. (¬3) إلى هذا القول ذهب ابن عبد البر، إذ عرّف المسند بأنّه: ((ما رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة)). التمهيد 1/ 21. (¬4) منهم السخاوي رحمه الله. انظر: فتح المغيث 1/ 118. (¬5) سؤالات الحاكم للدارقطني: 215.

وبعضُهم نظرَ إليهِ بحسبِ المتنِ والإسنادِ معاً، وهو قولُ الحاكمِ (¬1)، وهو الذي اختارهُ (¬2)، ولهُ ترجيحانِ: الأولُ: أنَّ المسندَ في القولينِ الأولينِ يكونُ مرادفاً لغيرهِ (¬3)، والأصلُ عَدَمُ الترادفِ، وإنَّ كلَّ اسمٍ من هذهِ الأسماءِ يخصُّ نوعاً من الأنواعِ. الترجيح الثاني: أنَّهُ الموافقُ لاستعمالاتهم، وبيانهُ: أنَّ الشخصَ منهُم إذا جمعَ مسنداً، وأخرجَ فيهِ موقوفاً، أو ظاهرَ الانقطاعِ، ونحوَ ذلكَ اعترضوا عليه، وقالوا: أخرجهُ في مسندهِ وهو موقوفٌ، أو منقطِعٌ، ونحو ذلكَ، أو اعتذروا عنهُ بأنْ قالوا: ظنَّ فلاناً صحابياً فأخرجَ حديثهُ في مسندهِ، وليس بصحابي، ونحو ذلكَ. ولا يزالون يُخرجونَ في المسانيدِ معنعناتِ المدلسينَ، فلا يُنكرُ ذلكَ أحدٌ؛ فإنَّ معنعنَ المدلسِ ظاهرهُ الاتصالُ، وإنْ كانَ في الواقعِ بخلافِ ذلكَ، من حيثُ كونه نقلَ ذلكَ الحديثَ عن شيخهِ الذي قد (¬4) عرفَ لقاؤهُ إياهُ، وسماعهُ منهُ، ومن تأمَّلَ (¬5) كلامَهُم ولاحظَ صنيعَهُم اتضحَ لهُ ذلكَ. قولُه: (وبهِ جزمَ الحاكمُ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وبهذا قطعَ الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ الحافظُ، ولمْ يذكُرْ في كتابهِ غيرَهُ)) (¬7). انتهى. لكنَّ الحاكمَ ما اشترطَ إلاّ ظهورَ / 96 ب / الاتصالِ، فيدخلُ فيهِ المعنعنُ منَ المدلسِ، كما مضى آنفاً. ¬

_ (¬1) وبه قال: أبو عمرو الداني، وأبو الحسن بن الحصار، وابن دقيق العيد، كما قال ابن حجر رحمه الله. انظر: الاقتراح: 211، والنكت لابن حجر 1/ 507 وبتحقيقي: 288. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)). (¬3) زاد بعدها في (ب): ((إلى المرفوع المعضل)). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) في (ب): ((تأول))، والمثبت من (أ) و (ف)، وهو الأصوب. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 182، وانظر: معرفة علوم الحديث للحاكم: 17 - 18. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 115.

المتصل والموصول

وقدْ خالفَ الشيخُ ترتيبَ ابنِ الصلاحِ، فإنَّ ابنَ الصلاحِ (¬1) ذكرَ المسندَ أولاً؛ لأنّهُ جمعَ بينَ الطريقِ والغايةِ، وهي المتنُ، فكان الاهتمامُ بهِ أشدَّ، ثمَّ قدَّمَ المتصلَ على المرفوعِ؛ لأنَّ معرفةَ الطريقِ قبلَ معرفةِ ما جعلَ الطريق لأجلهِ، ثمَّ ذكرَ المرفوعَ؛ لأنَّهُ الأصلُ، ومناسبةُ تقديمِ الموقوفِ على المقطوعِ واضحةٌ، وأمَّا الشيخُ (¬2) فإنَّهُ ذكرَ المرفوعَ؛ لأنَّهُ هوَ المقصودُ من هذا العلمِ، وهوَ أيضاً أعمُّ منَ المسندِ، ولا بدَّ من معرفةِ العامِّ قبلَ معرفةِ الخاصِّ، وثَنَّى بالمسندِ؛ لأنَّهُ جمعَ الإسنادَ والمتنَ، ولأنَّهُ ينْزعُ إلى كلٍّ ممَّا هوَ بينهما، ثمَّ ثلثَ بالمتصلِ؛ لأنّهُ معرفةُ الطريقِ، ولمْ يبقَ إلا هيَ؛ لتقدمِ معرفةِ المتنِ خاصةً على المركبِ منهُ، ومنَ الطريقِ، والباقي واضحٌ. المتصل والموصول (¬3) قولُه: 99 - وَإنْ تَصِلْ بِسَنَدٍ مَنْقُوْلاَ ... فَسَمِّهِ مُتَّصِلاً مَوْصُوْلا 100 - سَوَاءٌ المَوْقُوْفُ وَالمَرْفُوْعُ ... وَلَمْ يَرَوْا أنْ يَدْخُلَ المَقْطُوْعُ ¬

_ (¬1) في (ف): ((فابن الصلاح)). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬3) انظر في المتصل والموصول: التمهيد 1/ 23، ومعرفة أنواع علم الحديث: 115، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 156، والتقريب: 50، والاقتراح: 211، ورسوم التحديث: 64، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 46، والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث 1/ 145، وبتحقيقي: 107، والشذا الفياح: 1/ 138، والمقنع 1/ 112، ومحاسن الاصطلاح: 49، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 183، وتنقيح الأنظار: 107، ونزهة النظر: 39، والمختصر: 119، وفتح المغيث1/ 102، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 63، وفتح الباقي 1/ 176، وتوضيح الأفكار 1/ 260، وظفر الأماني: 226، وشرح شرح نخبة الفكر: 250، واليواقيت والدرر 1/ 339، وقواعد التحديث: 123، ولمحات في أصول الحديث: 275.

الموقوف

جعلوا ((المتصلَ)) و ((الموصولَ)) (¬1) بمعنىً واحدٍ، وهو أنْ يَسْلَمَ السندُ منِ ابتدائهِ إلى انتهائهِ منَ السقطِ حقيقةً وحكماً، حتى يُخرجَ عن ذلكَ معنعنَاتُ المدلسينَ؛ فإنَّها محكومٌ عليها بالانقطاعِ، إلاَّ إنْ فتَّشَ، فبانَ الاتصالُ. فالمتصلُ والموصولُ من صفاتِ الإسنادِ، ولمْ يفعلوا ذلكَ في المنقطعِ والمقطوعِ، بل غايروا، فجعلوا المنقطعَ من مباحثِ الإسنادِ، والمقطوعَ من مباحثِ المتنِ. قولُه: (متصلاً موصولاً) (¬2) مُرادُه: وموصولاً، يعني: أنَّهُما اسمانِ لشيءٍ واحدٍ مترادفانِ، لكنَّ النظمَ ضاقَ عن / 97 أ / إثباتِ واوِ العطفِ. قولُه: (ولمْ يروا أنْ يدخلَ المقطوعُ) (¬3) كالشرحِ لعبارةِ ابنِ الصلاحِ، والتصريح بمفهومِها، وإنَّما فرُّوا منَ الاصطلاحِ على أنْ يسمُّوا نوعاً واحداً متصلاً مقطوعاً؛ لنفورِ الطبعِ من وصفِ شيءٍ واحدٍ بوصفينِ متضادَّينِ لغةً. الموقوف (¬4) قولُه: 101 - وَسَمِّ بالمَوْقُوْفِ مَا قَصَرْتَهُ ... بِصَاحِبٍ وَصَلْتَ أوْ قَطَعْتَهُ ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 510 وبتحقيقي: 291 - 292: ((ويقال له: المؤتصل - بالفك والهمز - وهي عبارة الشافعي في " الأم " في مواضع. وقال ابن الحاجب في التصريف له: هي لغة الشافعي)). (¬2) التبصرة والتذكرة (99). (¬3) التبصرة والتذكرة (100). (¬4) انظر في الموقوف: معرفة علوم الحديث: 19، والكفاية: (58 ت، 21 هـ‍)، والتمهيد 1/ 25، ومعرفة أنواع علم الحديث: 117، والإرشاد 1/ 158، والتقريب: 51 - 53، والاقتراح: 209، ورسوم التحديث: 65، والمنهل الروي: 40، والخلاصة: 64، والموقظة: 41، واختصار علوم =

102 - وَبَعضُ أهْلِ الفِقْهِ سَمَّاهُ الأثَرْ ... وَإنْ تَقِفْ بِغَيرِهِ قَيِّدْ تَبَرْ قولُه: (بصاحبٍ) (¬1)، أي: على بعضِ أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أي: جعلتهُ مقصوراً عليهِ، لمْ تتجاوز بهِ إلى من سواهُ. قولُه: (وصلتَ أو قطعتهُ) (¬2) غيرُ محتاجٍ إليهِ؛ لأنَّهُ لما جعلَ اتصالَ السندِ شرطاً في تسميةِ الموقوفِ متصلاً؛ عُلمَ أنَّهُ إذا زالَ الشرطُ فزالَ المشروطُ وهوَ التسميةُ بالمتصلِ، بقيت التسميةُ بالموقوفِ، سواءٌ كانَ منقطعاً، أو معلقاً، أو غيرَ ذلكَ مما دخلَ تحتَ عدمِ الاتصالِ، وفي قولهِ: ((سواءٌ الموقوفُ)) التصريحُ بأنَّ الموقوفَ قد يكونُ متصلاً. قولُه: (ما قصرتهُ بواحدٍ منَ الصحابةِ، قولاً لهُ، أو فعلاً، أو نحوهما) (¬3) غيرُ مانعٍ، إذ قد (¬4) يردُ على طردهِ ما ليسَ للرأي فيهِ مجالٌ من ذلكَ، فإنَّهُ فعلُ الصحابي قطعاً، وقولُه في الظاهرِ وهوَ غيرُ موقوفٍ حكماً، بل محكومٌ برفعهِ، ¬

_ = الحديث 1/ 147، وبتحقيقي: 109، والشذا الفياح: 1/ 140، والمقنع 1/ 113، ومحاسن الاصطلاح: 51، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 184، وتنقيح الأنظار 108، ونزهة النظر: 92، والمختصر: 145، وفتح المغيث 1/ 103، وألفية السيوطي: 21 - 23، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 64، وفتح الباقي 1/ 177، وتوضيح الأفكار 1/ 261، وظفر الأماني: 325، وشرح شرح نخبة الفكر: 603، واليواقيت والدرر 2/ 224، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 271. (¬1) التبصرة والتذكرة (101). (¬2) التبصرة والتذكرة (101). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 184. (¬4) لم ترد في (ف).

المقطوع

فالتعريفُ أعمُّ من المعرفِ (¬1)، فينبغي أنْ يزادَ فيهِ بعدَ قولهِ: ((نحوهما)): ما (¬2) للرأي فيهِ مجالٌ؛ ليصيرَ مساوياً للمعرفِ. قولُه: (عنِ الصحابةِ) (¬3) قالَ ابنُ كثيرٍ فيما نُقلَ عنهُ: ((وهوَ الذي يسميهِ كثيرٌ منَ الفقهاءِ والمحدّثينَ أثراً)) (¬4). المقطوع (¬5) قوله: 103 - وَسَمِّ بِالمَقْطُوْعِ قَوْلَ التَّابِعي ... وَفِعْلَهُ، وَقَدْ رَأى (للشَّافِعِي) 104 - تَعْبِيرَهُ بِهِ عَنِ المُنقطِعِ ... قُلْتُ: وَعَكسُهُ اصطِلاحُ (البَردَعِي) ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((وهو الموقوف)). (¬2) في (ف): ((مما)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 184. (¬4) اختصار علوم الحديث 1/ 147، وبتحقيقي: 109. (¬5) انظر في المقطوع: الجامع لأخلاق الراوي 1/ 191، ومعرفة أنواع علم الحديث: 119، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 166، والتقريب: 53، والاقتراح: 209، ورسوم التحديث: 68، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، واختصار علوم الحديث 1/ 149 وبتحقيقي: 110، والشذا الفياح: 1/ 141، والمقنع 1/ 116، ومحاسن الاصطلاح: 52، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 185، وتنقيح الأنظار: 112، ونزهة النظر: 94، والمختصر: 131، وفتح المغيث 1/ 105، وألفية السيوطي: 21 - 23، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 65، وفتح الباقي 1/ 178، وتوضيح الأفكار 1/ 249، وظفر الأماني: 342، وشرح شرح نخبة الفكر: 605، واليواقيت والدرر 2/ 224 - 227، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 222.

الشّافعيُّ قالَ ذلكَ / 97 ب / قبلَ استقرارِ الاصطلاحِ، وكذا وصفُهُ لبعضِ الأحاديثِ التي على شرطِ الشيخينِ بأنّهُ حسنٌ، فإنَّ ذلكَ يقعُ في عبارتِهِ - رحمهُ اللهُ -. قولُه: (ووجدتهُ أيضاً في كلامِ الحُميدي) (¬1) كالشرحِ لقولِ ابنِ الصلاحِ: وغيرهما. قولهُ: 105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ 106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وَهْوَ قَوْلُ الأكْثَرِ لما تقدّمَ أنَّ المرفوعَ ما أضيفَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، والموقوفَ ما اقتُصرَ فيهِ على الصحابيِّ، أخذَ في التنبيهِ على صِيغٍ يقتصرُ بها على الصحابيِّ، فيكونُ حُكمُها حكمَ الإضافة إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. إذا قالَ الصحابيُّ: ((منَ السُنّةِ كذا)) انصرفَ إلى سنةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2). ويطرقهُ احتمالُ أنْ يكونَ أرادَ بهِ سُنةَ البلدِ، أو سُنةَ الخلفاءِ الراشدينَ، أو أحدِهم، فإنَّهُ يلزمُ اتباعُ ذلكَ، قالَ - صلى الله عليه وسلم - كما أخرجهُ أحمدُ (¬3)، وأبو داودَ (¬4)، والترمذيُّ (¬5)، وابنُ ماجه (¬6) عنِ العرباضِ بنِ ساريةَ - رضي الله عنه -: ((عليكُم بسنتي وسُنةِ الخُلفاءِ الراشدينَ))، فإذا كانَ الصحابيُّ مجتهداً وهوَ في مقامِ الاحتجاجِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 186. (¬2) وهو قول الجمهور. انظر: الإحكام للآمدي 2/ 98، وإرشاد الفحول: 233. (¬3) مسند الإمام أحمد 4/ 126. (¬4) سنن أبي داود (4607). (¬5) جامع الترمذي (2676). (¬6) سنن ابن ماجه (43) و (44).

والفتوى بعُد احتمالُ أنْ يريدَ سُنةَ غيرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّهُ لا يقلدُ مجتهداً مثلَهُ، وكذا كُلما قَرُبَ عصرُ القائلِ من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فالاحتمالُ في قولِ عمرَ مثلاً أضعفُ من الاحتمالِ في قولِ عثمانَ -رضي الله عنهما-، وخصَّ بعضُهم (¬1) الخلافَ بغيرِ أبي بكرٍ - رضي الله عنه -، قالَ: أمَّا إذا قالَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه -: ((من السنةِ كذا))، فإنّما يريدُ النبي - صلى الله عليه وسلم - جزماً؛ لأنَّهُ لا / 98 أ / سُنةَ إذ ذاكَ غيرُ سنتهِ. وضابطهُ: أنَّهُ كلّما قربَ العهدُ بَعُدَ الاحتمالُ، وكلّما بعُدَ العهدُ قرُبَ الاحتمالُ وقويَ. هذا توجيهُهُ (¬2). والشيخُ (¬3) - رحمهُ الله - لم يبيِّنْ وجهَ واحدٍ منَ القولينِ، وإنَّما رجحَ بالكثرةِ، وجزمَ الرافعيُّ في البابِ الثالثِ منَ التيممِ في قولِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما-: ((منَ السُنةِ أنْ لا يصلَّى بالتيممِ إلا مكتوبةٌ واحدةٌ)) (¬4) بأنَّ السُنةَ في كلامِ الصحابيِّ تنصرفُ إلى سُنةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. (¬5) وقالَ الإسنوي في " المهمِّاتِ " (¬6): إنَّهُ رأى المسألةَ كذلكَ في " الأمِّ " في ¬

_ (¬1) بهذا قال ابن الأثير في جامع الأصول 1/ 94، وسيأتي لاحقاً. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في النكت 2/ 525 وبتحقيقي: 306: ((وأجيب بأن احتمال إرادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أظهر لوجهين: أحدهما: أن إسناد ذلك إلى سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتبادر إلى الفهم، فكان الحمل عليه أولى. الثاني: أن سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - أصل، وسنة الخلفاء الراشدين تبع لسنته، والظاهر من مقصود الصحابي - رضي الله عنه - إنما هو بيان الشريعة ونقلها، فكان إسناد ما قصد بيانه إلى الأصل أولى من إسناده إلى التابع، والله أعلم)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬4) أخرجه: عبد الرزاق (830)، والدارقطني 1/ 185، والبيهقي 1/ 222. (¬5) الشرح الكبير 2/ 341. (¬6) اسم هذا الكتاب هو: المهمات على الروضة، في الفروع، وقد حصل عليه تتمات وتعقبات وتعليقات وحواش وغيرها، من عدد من العلماء. انظر: كشف الظنون 2/ 1914.

بابِ عددِ كفنِ الميتِ، قالَ: لكن رأيتُ في " شرحِ المختصرِ " للداوودي، وهو المعروفُ بالصيدلانيِّ: أنَّ هذا هو القديمُ، قالَ: والجديدُ أنَّهُ ليسَ بحجةٍ، ذكرَ ذلكَ في كتابِ الجناياتِ في بابِ أسنانِ إبلِ الخطأ، وقد بسطتُ ذلكَ في " شرح منهاج الأصولِ ". انتهى. قلتُ: وسياقهُ في " الأمِّ " (¬1) يدلُّ على أنَّهُ مذهبهُ في الجديدِ، فإنَّهُ قالَ في التكبيرِ على الميتِ، وما يُفعلُ بعدَ كلِّ تكبيرةٍ: ((وابنُ عباسٍ والضحاكُ بنُ قيسٍ - رضي الله عنهم - رجلانِ من أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يقولانِ: السُّنة (¬2) إلا لِسنَّةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إن شاء اللهُ. أخبرنا بعضُ أصحابنا عن ليثِ بنِ سعدٍ، عن الزُهري، عن أبي أمامةَ - رضي الله عنه - قالَ: ((السُنةُ أنْ يُقرأَ على الجنازةِ بفاتحةِ الكتابِ)) (¬3)، قالَ (¬4) الشافعيُّ: وأصحابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا يقولونَ: السُنّة (¬5) والحق إلا لسُنةِ رسولِ اللهِ / 98 ب / - صلى الله عليه وسلم - إنْ شاءَ اللهُ)). هذا نصُّهُ بحروفهِ. ¬

_ (¬1) الأم 1/ 271. (¬2) لم ترد في (ف) وجاء بدلها بياض. (¬3) أخرجه: الشافعي في " الأم " 1/ 271، والنسائي 4/ 75، وابن حزم في " المحلى " 5/ 129 و10/ 96 من طريق الليث، بهذا الإسناد. وأخرجه: عبد الرزاق (6428)، وابن الجارود في " المنتقى " (540)، والحاكم في " المستدرك " 1/ 360 من طرق عن الزهري، به. وأخرجه: الشافعي في " الأم " 1/ 270، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 500، والبيهقي 4/ 39، بلفظ: ((عن أبي أمامة أنه أخبره رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى ... )). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) في (ف): ((بالسنة)).

قولُه: (فالأصحُّ أنّهُ مسندٌ مرفوعٌ) (¬1) نُقلَ عن شيخنا: أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ حَكَى فيهِ الاتفاقَ، واستبعدهُ بأنَّ للشافعيِّ قولينِ في أصلِ المسألةِ، وذهبَ غيرُهُ أيضاً (¬2) إلى أنَّهُ غير مرفوع، كما سيأتي في كلامِ الشيخِ. قولُه: (إلا سنةَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (¬3) قالَ صاحبُنا العلاَّمةُ شمسُ الدينِ بنُ حسَّانَ (¬4) فيما قرأتُه بخطهِ: غيرَ أنَّ اللفظَ لا يُعزى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقَد نهى أحمدُ بنُ حنبلٍ الفريابيَّ (¬5)، وكذا نهى ابنُ المباركِ عيسى بنَ يونسَ الرمليَّ عن رفعِ حديثِ أبي هريرةَ المُخرّجِ عندَ أبي داودَ (¬6)، والترمذيِّ (¬7)، قالَ: ((حذفُ السلامِ سنةٌ)) لفظُ الترمذيِّ، وقالَ: هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ. وقالَ أبو داودَ: عن أبي هريرةَ، قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((حذفُ السلامِ سنةٌ)) (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187. (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188. (¬4) هو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن حسان الشمس بن الشمس الموصلي الأصل المقدسي ثم القاهري الشافعي، لازم ابن حجر أتم ملازمة، وأخذ عنه الكثير، وقيد عنه حواش مفيدة التقطها البقاعي وغيره، توفي سنة (855) هـ. انظر: الضوء اللامع 9/ 152. (¬5) هو أبو عبد الله محمد بن يوسف بن واقد بن عثمان الفريابي الضبي، نزيل قيسارية الساحل من أرض فلسطين، كان رجلاً صالحاً، قال فيه ابن زنجويه: ((ما رأيت أورع من الفريابي)) توفي سنة (212) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 114، وتذكرة الحفاظ 1/ 376. (¬6) في " سننه " (1004). (¬7) في " الجامع الكبير " (297). (¬8) أخرجه: أحمد 2/ 532، وابن خزيمة (734) و (735)، والحاكم 1/ 231، والبيهقي 2/ 180 من طرق عن الأوزاعي، عن قرة بن عبد الرحمان، عن الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، مرفوعاً، وإسناده ضعيف؛ لضعف قرة بن عبدالرحمان، ورفعه منكر، والصواب في الحديث =

قالَ المؤلِفُ في " تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ الكبيرِ" (¬1) بعدَ ذكرهِ الحديثَ: ((قلتُ: يعني: نهاه أنْ يعزوَ اللفظَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقولُ الصحابيِّ: ((السنةُ كذا)) لهُ حكمُ المرفوعِ على الصحيحِ عندَ أهلِ الحديثِ والفقهِ والأصولِ، قالَ: وقد ضعفَ أبو الحَسنِ بنُ القطانِ هذا الحديثَ بـ ((قُرَّةَ بنِ عبدِ الرحمانِ)))). انتهى. قولُه: (وما يجبُ اتباعهُ) (¬2) إنْ قيلَ: ليسَ كُلُّ ما كانَ سنةَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يجبُ فعلُهُ، قيلَ: لمْ يقلِ المصنفُ ذلكَ، وإنَّما قالَ: ((يجبُ اتباعهُ)) ولا شكَّ في وجوبِ اتباعِ كلِّ ما بلغَ درجةَ الاحتجاجِ من سنةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - / 99 أ / ولو باعتقادِ أنَّهُ حقٌّ، وظاهر قولهم: إنَّهُ إذا أفصحَ بالمرادِ، فقالَ: سُنةُ النبي - صلى الله عليه وسلم - ينتفي الاحتمالُ، وليسَ ذلكَ في كُلِّ صورةٍ، فينبغي أنْ تفقهَ (¬3) الكلامَ في سياقهِ، ونحو ذلكَ، فإنَّ مثلَ ما أخرجهُ الدارَقطنيُّ (¬4) من حديثِ عمرو بنِ العاصِ (¬5) - رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ: ((لا تلبسوا علينا سُنةَ نبينا - صلى الله عليه وسلم - عدةُ أمِّ الولدِ شهرانِ)) (¬6) يطرقهُ احتمالُ أنْ لا يكونَ عندهُ نصٌّ صريحٌ في خصوصِ عدةِ أمِّ الولدِ، بل قالَ ذلكَ قياساً على سُنةٍ مُحققةٍ عندَهُ، وأرادَ: لا تَلبسوا علينا ما لا نشكُّ فيهِ، مِن أنَّ هذهِ تُشبهُ تلكَ. ¬

_ = الوقف كما نص عليه الدارقطني. وأخرجه: ابن خزيمة عقب الحديث (735)، والحاكم 1/ 231، والبيهقي 2/ 180 من طرق عن الأوزاعي، به موقوفاً، وهو الصواب. (¬1) تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 1/ 354 (400). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188. (¬3) في (ف): ((يتفقه)). (¬4) سنن الدارقطني 3/ 309 وفيه: ((عدتها عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشراً)). (¬5) في (ف): ((العاصي)). (¬6) أخرجه: أحمد 4/ 203، وأبو داود (2308)، وابن ماجه (2083)، وابن الجارود في " المنتقى " (769)، وأبو يعلى (7338)، وابن حبان (4300)، والحاكم 2/ 209، وابن حزم في " المحلى " 10/ 304، والبيهقي 7/ 447 - 448.

قولُه: (وغيرهما) (¬1) نُقلَ عن شيخنا أنَّهُ قالَ: كأبي بكرٍ الرازيِّ منَ الحنفيةِ، وابنِ حَزمٍ منَ الظاهريةِ (¬2). قولُه: (فلا يُحمَل على سُنَّتهِ) (¬3) ينبغي أنْ يُقيدَ الاختلافَ بما إذا كانَ في غيرِ محلِ الاحتجاجِ، أمَّا إذا ساقهُ مساقَ الاحتجاجِ فَلا؛ لأنَّ المجتهدَ لا يُقلدُ مثلهُ، فلا يُريدُ إلا سُنةَ النَبي - صلى الله عليه وسلم -. وكَذا قَولُهُ: ((أُمرنَا، ونُهينَا)). قَولهُ: (مِن نوعِ المرفوعِ، والمسندِ) (¬4) إنَّما يَأتِي الحكمُ على ذلك بأنَّهُ مُسنَدٌ إذا قلنَا: إنَّ المسنَد مرادفٌ للمَرفوعِ. قولهُ: (وخالفَ في ذلِكَ فَريقٌ) (¬5) فقَالوا: ليسَ مِن نَوعِ المرفوعِ؛ لأنَّهُ يَطرُقهُ (¬6) احتمالُ كونِ غَيرِ النَبي - صلى الله عليه وسلم - هوَ الآمِرُ، مِن خليفةٍ ونَحوِهِ. قَولُهِ: (وَجزمَ بهِ) (¬7)، أي: بقولِ هَذا الفَريقِ، وهوَ أنَّهُ ليسَ مِن قبيل المرفوعِ. قالَ شَيخُنا البُرهانُ -رَحمهُ الله-: هَذا الخلافُ رأيتُه في كَلامِ بَعضِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188. (¬2) انظر: النكت لابن حجر 2/ 523 وبتحقيقي: 304. وهو قول كثير من العلماء كأبي بكر الإسماعيلي من الشافعية والغزالي وجماعة من الأصوليين، وأكثر مالكية بغداد، وحكاه إمام الحرمين عن المحققين، وذكر الزركشي أنه قول إمام الحرمين، بل حكى ابن فورك وسليم الرازي وابن القطان والصيدلاني: أنه الجديد من مذهب الشافعي، وكذا نسبه المازري إلى قولي الشافعي. ينظر: البرهان 1/ 649، والمنخول: 278، والتبصرة في أصول الفقه: 231، وإحكام الأحكام 2/ 87، والإبهاج 2/ 328 - 329، والبحر المحيط 4/ 375. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 188. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. (¬6) في (ف): ((لا يطرقه)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189.

العُلماءِ أنَّهُ في غيرِ الصِدِّيق - رضي الله عنه -، وأمَّا الصدِيقُ فَمتى قالَ ذلِكَ، كَانَ مَرفوعاً بلا خِلافٍ، قالَ: وِما قالهُ ظاهِرٌ حَسَنٌ، ورأيتُ مَعناهُ بِخطِّ بَعضِ الفُضلاءِ معزوَّاً لمقدِّمةِ /99 ب/ "جامِعِ الأُصولِ" في الفَرعِ (¬1) الثالثِ في الكلامِ في مَراتبِ الأخبارِ (¬2) انتَهى. وقَد مَضَى معنَى أصلِهِ في أول الكلامِ (¬3). قُلتُ: ولفظُ (¬4) صَاحبِ "الجامعِ": وقالَ بَعضُهم: في هذا تفصيل، وذَلِكَ أنَّهُ إنْ كانَ الراوِي الصِدِّيقَ - رضي الله عنه -، فَيُحمَلُ على أنَّ الآمِرَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ أبا بكرٍ لا يقولُ: ((أُمِرنَا)) إلا والآمرُ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنَّ غيرَهُ لا يَأمرُهُ، ولا يَلتزمُ أَمرَ غيرِهِ، ولا تأمَّرَ عليهِ أحدٌ مِنَ الصَحابةِ (¬5) - رضي الله عنهم -. قولهُ: (أُمِرَ بلال) (¬6) كانَ ينبغِي التَمثيلُ بِغيرهِ، فَقد نُقلَ أنَّهُ عندَ أَبي عوانةَ (¬7) بإبرازِ الفاعِل. قولهُ: (ولا فرقَ بينَ أنْ يقولَ ذلكَ في زَمنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعدهُ) (¬8)، أي: ¬

_ (¬1) المثبت من (أ) وفي نسخه (ب): ((في الفصل)). وما أثبته هو الموافق لما في "جامع الأصول ". (¬2) انظر: جامع الأصول 1/ 90. (¬3) عبارة: ((وقد مضى معنى أصله في أول الكلام)) لم ترد في (ف). (¬4) كلمة ((ولفظ)) لم ترد في (ف). (¬5) جامع الأصول 1/ 94. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. وهو جزء من حديث نصه: ((أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة)) أخرجه: البخاري 1/ 157 (603) و158 (606)، ومسلم 2/ 2 (378)، وأبو داود (508)، وابن ماجه (729)، والترمذي (193)، والنسائي 2/ 3 من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬7) مسند أبي عوانة 1/ 328. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189، وهي عبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 123.

لأنَّ احتمالَ أنْ يكونَ النبيُ - صلى الله عليه وسلم - نَصبَ أميراً على سريةٍ أو غيرِهَا، فأمرُهُم يَطرقُهُ، وإنْ كانَ بَعيداً. قولُهُ: (داودَ) (¬1) هو الظَاهِري. قولُهُ: (فَلا أعلمُ فيهِ خِلافاً) (¬2)، أي: في كونهِ مَرفوعاً؛ فَالاستثناءُ حِينئذٍ غيرُ سائغٍ على تقديرِ كونهِ مُتصلاً، فَإنَّ المستثنى وهو كونُه حجةً، ليسَ مِن جنسِ المستثَنى مِنهُ، وهو كونُه مرفوعاً. قولهُ: (إلا أنْ يُريدُوا بكونِهِ لا يَكونُ حُجَّة، أَي: في الوجوبِ) (¬3). قالَ (¬4): هَذا مرادُهُم بغيرِ شكٍّ؛ لأنَّهُ يَطرقهُ احتمالُ أنْ يكونَ الأمرُ للندبِ. قولهُ: (تعليلُهُ) (¬5)، أي: ابنِ الصباغِ. قولهُ: (كانَ لهُ وَجهٌ) (¬6) أي في الجملةِ، لا أنَّهُ وجهٌ صحيحٌ، فإنَّ الحقَّ: أنَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم - مِن أهل اللسانِ عارفونَ بمواقعِ الكلامِ العربيِّ، فلا يقولُ أحدُهُم: ((أمَرَنا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -)) إلا وقَد عَلِمَ أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - وجَّهَ الخِطابَ بصيغةِ ((افعلْ)) (¬7). وَسألَ (¬8) سائِلٌ: هل يُستثنَى مِنَ الصحابةِ مَن لَم يكنْ عَربياً حَتى /100 أ/ لا يدلَّ قولهُ ذلكَ على الوجوبِ؟ فقالَ: نَعَم. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 189. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190. (¬4) كتب ناسخ (أ): تحتها: ((أي: ابن حجر)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 190. (¬7) انظر: النكت لابن حجر 2/ 522 وبتحقيقي: 303. (¬8) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((ابن حجر)).

قولهُ: 107 - وَقَوْلُهُ (كُنَّا نَرَى) إنْ كانَ مَعْ ... عَصْرِ النَّبِيِّ مِنْ قَبِيْلِ مَا رَفَعْ 108 - وَقِيْلَ: لا، أوْ لا فَلا، كَذاكَ لَه ... و (لِلخَطِيْبِ) قُلْتُ: لكِنْ جَعَلَهْ 109 - مَرفُوعاً (الحَاكِمُ) و (الرَّازِيُّ ... ابنُ الخَطِيْبِ)، وَهُوَ القَوِيُّ تَضَمنت ثلاثةَ أقوالٍ: أولُها: مُفصَلٌ، والاثنانِ مطلقانِ. القولُ الأولُ: وهو الذِي اختارهُ ابنُ الصلاحِ (¬1)، والخطيبُ (¬2) أنَّهُ إنْ أضافهُ إلى عَصرِ النَبي - صلى الله عليه وسلم - كانَ مَرفوعاً. ومفهومهُ: أنَّهُ إنْ لَم يضفْهُ إليهِ لَم يكن مَرفوعاً، وإنَّما صَرحَ بهذا المَفهومِ في قولِهِ: ((أوْ لا فَلا)) ليرتبَ عليهِ القولَ الثالثَ. القولُ الثانِي (¬3): أنَّهُ لا يكونُ مرفوعاً مُطلقاً، سَواءٌ أُضيفَ إلى عَصرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أَو لا، والضميرُ في قولهِ: ((قلتُ، لكن جَعلهْ)) لِما لَم يَكُن مضافاً إلى عَصرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، المفهومِ من قولهِ: إنْ كانَ معَ عَصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، والمصرحِ بهِ في قولهِ: ((أوْ لا، فَلا))، أي. القولُ الثالثُ (¬4): الرَفع مطلقاً، وَلو لَم يضف إلى عَصرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهوَ قولُ الحَاكمِ (¬5) وَالرازِي (¬6). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 120. (¬2) الكفاية: 423. وهو قول النووي في مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 31 وقد عزاه إلى الجمهور من المحدثين، وأصحاب الفقه والأصول، واختاره أيضاً الحافظ ابن حجر، وقال: ((فالأكثر على أن ذلك مرفوع)). نزهة النظر: 89. (¬3) هذا القول حكاه ابن الصلاح بلاغاً عن الإسماعيلي. انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 120. (¬4) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: ((وهو الذي اعتمده الشيخان في صحيحيهما، وأكثر منه البخاري)). النكت لابن حجر 2/ 515 وبتحقيقي: 296. (¬5) انظر: معرفة علوم الحديث: 22. (¬6) انظر: المحصول 4/ 449.

وقولهُ: (وَقيلَ لا) (¬1) مُعترض (¬2)، حَقُّهُ أنْ يُؤخرَ عَن قولهِ ((أوْ لا، فَلا))، فتقديرُهُ أنْ يُقالَ: قولُ الصحابيِّ: ((كنَّا نَرى كذا وكذا)) فيهِ للعلماءِ ثلاثةُ أقوالٍ: القولُ الأولُ: إنْ كانَ قولهُ: ((كنا نرى)) مَذكوراً معَ إضافتهِ إلى عصرِ النَّبيِّ، فهوَ من قبيلِ المرفوعِ، وإنْ لَم يَكن مُضافاً إلى عصرِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فليسَ بمرفوعٍ، هَكذا قالَ ابنُ الصَلاحِ والخطيبُ. القولُ الثَاني: لا يكونُ مَرفوعاً مُطلقاً، سَواءٌ أُضيفَ، أو لَم يُضفْ. القَولُ الثالثُ: أنْ يَجعلَ ما / 100 ب / لَم يُضف إلى عصرهِ - صلى الله عليه وسلم - مرفوعاً، كَما قالَ الحَاكمُ والرازي، فيكون ما أُضيفَ أولَى بالرَفعِ. قالَ ابنُ الصَلاحِ: ((ومن هذا القَبيلِ -أي: قَبيلِ إضافتهِ إلى زَمانهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬3) قولُ الصَحابِي: ((كُنَّا لا نرى بأساً بكَذا، ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - فيِنا)) أو ((كانَ يُقالُ: كَذا وكَذا على عَهدهِ)) أو ((كَانوا يفعلونَ كَذا وكَذا في حياتهِ - صلى الله عليه وسلم -))، فَكلُ ذلِكَ وشِبهُهُ مرفوعٌ مُسندٌ، مُخرَّجٌ في كُتبِ المسانيدِ (¬4). قولُهُ: (الحاكمُ وغيرهُ من أهلِ الحديثِ) (¬5)، أي: وَهم الجمهورُ، كَما نُقلَ عَن عبارةِ الشيخِ مُحيي الدِين النوويِّ (¬6). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (108). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: جملة اعتراضية)). (¬3) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 120 - 121. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬6) عبارة الإمام النووي في " الإرشاد " 1/ 159: ((فالصحيح الذي عليه الاعتماد والعمل، أنه مرفوع، وبهذا قطع الحاكم أبو عبد الله والجماهير)). وعبارته في شرحه لصحيح مسلم 1/ 23: ((وهو المذهب الصحيح الظاهر)).

قولهُ: (لأنَّ ظاهِرَ ذلِكَ .. ) (¬1) إلى آخرهِ، أي: لأنَّ دواعِيَهم كانت متوفرةً على سؤالِه - صلى الله عليه وسلم - عَن جميعِ الأُمور التي كَانوا يفعلونَها وإنْ قَلَّتْ، إذا لم تكنْ ممَّا عَرفوا حُكمهُ، حَتى إنَّ بعضهُم كانَ يَفعلُ الشيءَ المُباح، كالتقبيلِ في الصيامِ في بعضِ الصُورِ (¬2)، فَلا يقدرُ أَنْ ينامَ، لا يقرُّ لهُ قرارٌ حتَّى يُرسِلَ يَسألُ عَن ذلكَ، فَيخبرهُ أزواجُ النَبي - صلى الله عليه وسلم - أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَفعلُهُ، فلا يزدهُ ذلكَ إلا قَلقاً، ويَقولُ: يُحِلُّ اللهُ تعالى (¬3) لِرسولهِ - صلى الله عليه وسلم - ما شاءَ، فَلا يَرجعُ دونَ أنْ ينصَّ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - على أَنَّ ذلكَ لا يختصُّ بهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهُ حلالٌ لغيرهِ، ولا يقالُ: إنَّهُ مرفوعٌ ولو لَم يطَّلِع عليهِ؛ لأنَّهُ لو لَم يكنْ جائِزاً لَم يُقرهُم اللهُ عليهِ، ولا أطْلعَ نبيَهُ - صلى الله عليه وسلم - / 101أ / على ذلكَ؛ لأنَّهُ لا يُنسبُ إليهِ إلا مَا أطْلعَ عليهِ، ولو احتمالاً، فحينئذٍ يكونُ مرفوعاً حكماً، وإنْ كانَ يحتملُ مع ما تقدّمَ أَن يُريدَ قائلهُ: ((كُنَّا نرى)): إجماعَ الصحابةِ. ويُحتملُ أنْ يُريدَ نفسَهُ وَمَنْ وافقهُ، وإنْ لم يكنْ جميعَ الصحابةِ. لكن يُرجِّحُ الأولَ أَنَّ إضافتَهمْ الأشياءَ - لا سِيَّما مَا يتعلقُ بالتحليلِ والتحريمِ - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - هوَ المستعملُ الكثيرُ الفاشي بينَهم، واستنادُهم إلى إجماعِ الصحابةِ نَادرٌ جدَّاً. وأيضاً: فإنَّ الصحابيَّ لا يَجزمُ بالإجماعِ؛ لأنَّهُ لا يَتأتَى لَه الفحصُ عَن أقوالِ جميعِ الصحابةِ مَع تشتُتِهم في البلادِ. وأيضاً: فَإنَّ داعيتَهُ ليسَت مُتوفرةً على السُؤالِ عن أَقوالِ الصحابةِ مثلهُ، إنَّما يسألُ عَن أعلى الأمورِ، وهو ما يُضافُ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بِخلافِ التَابعينَ، فإنَّ دواعيَهم مُتوفرةٌ على الرحلَةِ إلى الصحابةِ في جميعِ الأقطارِ، والفَحصِ عَن أقوالِهم، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬2) عبارة: ((في بعض الصور)) لم ترد في (ف). (¬3) ((تعالى)) لم ترد في (ب).

وأحوالِهم، فاضمحلَّ استنادهُ إلى الإجماعِ ونحوهِ، فترجحَ الأولُ ترجُّحاً ظَاهراً. ومقابِلُهُ - وهو القولُ الثاني -شاذٌّ، كَما أَنَّ مقابلَ القولِ الثالثِ خِلافٌ كثيرٌ فَاشٍ (¬1). قولهُ: (فَإنَّها - أي: السُننَ المرفوعةَ - أَقوالُهُ، وأفعالهُ، وتقريرهُ) (¬2) إنْ أرادَ السُننَ التي يتلقَى مِنها الأحكامَ، كَما يَقصدهُ الأصوليونَ؛ فإنَّهم لا يبحثونَ إلا عمَّا يتفرعُ عليهِ الأحكامُ، فَلا اعتراضَ عليهِ، وإنْ أَرادَ مُطلقَ الأحاديثِ المرفوعةِ، وَهوَ الظَاهر مِن كَلامهِ؛ فإنَّ وظيفةَ المحدّثِ أنْ يُبيّنَ المرفوعَ مِن غيرهِ، سَواءٌ أفادَ حُكماً، أم لا، فَيردُ / 101 ب / عليهِ مَا ليسَ كذلكَ، ممَّا ليسَ فيهِ قولٌ، ولا فعلٌ، ولا تقريرٌ، كقولِ أَبي جُحيفة - رضي الله عنه -: ((رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - وكانَ الحسنُ بنُ عليّ رضي اللهُ عنهمَا يُشبهُهُ)) أَخرجهُ البخَاريُّ (¬3) في صِفةِ النبي - صلى الله عليه وسلم -. وَكذا الأحاديثُ التي فيها ذِكر صِفةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن أنَّهُ كانَ أَزهرَ اللَّونِ (¬4)، أنورَ المتجردِ (¬5)، أشكلَ العينينِ (¬6)، أقنى الأنفِ (¬7)، ضَليعَ (¬8) الفَمِ (¬9)، ونحو ذلكَ، فإنَّ مثلَ هَذا مرفوعٌ اتفاقاً، وليسَ فيهِ وَاحدٌ منَ الثلاثةِ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((كما أن)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬3) صحيح البخاري 4/ 227 (3543). (¬4) أي: الأبيض المستنير: والزهر والزهرة: البياض النيِّر، وهو أحسن الألوان. النهاية 2/ 321. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي التعري))، وفي النهاية 1/ 256: أي: ما جُرّد عنه الثياب من جسده وكشف، يريد أنه كان مشرق الجسد. (¬6) أي: بياضهما شيء من حمرة، وهو محمود محبوب. النهاية 2/ 495. (¬7) أي: طوله ورقّة أرنبته مع حَدَب في وسطه. النهاية 4/ 116. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((العرب تفتخر بكبر الفم)). (¬9) انظر: شمائل النبي - صلى الله عليه وسلم -: 36 - 38 (7) (8)، ومعناه: عظيمه، وقيل: واسعه، والعرب تمدح عظم الفم وتذم صغره. النهاية 3/ 96.

قولهُ: (وَسكوتهُ عنِ الإنكارِ) (¬1) إن قِيلَ: كانَ مِن حقهِ حَذفُ الواوِ، أو يقولُ: وهو سُكوتهُ؛ لأنَّ ذلكَ هوَ التقريرُ، قِيلَ: المرادُ بالتقرير هُنا أنْ يُحسِّنَ فِعلَ الفاعلِ، أو قولَ القائلِ بأنْ يَقولَ: نِعمَ ما فعلتَ، أو قلت، أو أحسنتَ، ونحوَ ذلكَ. قولهُ: (وبلغني عنِ البَرْقانِيِّ (¬2) .. ) إلى آخرهِ (¬3)، يَجمعُ بينهُ وبينَ كَلامِ غيرهِ بأنْ يحملَ على ما حملَ عليهِ ابنُ الصَلاحِ كَلامَ الخَطيبِ الآتي في القولةِ بعدَها مِن أنَّهُ يُريدُ ليسَ مرفوعاً لفظاً، وكذا ما تقدّمَ عنِ الإمامِ أحمدَ في قولِهم: ((مِنَ السُنةِ كَذا))، فَيكون المعنى: أنَّ البَرقاني سألَ الإسماعيليَّ (¬4) هَل هو مرفوعٌ؟ فأنكرَ ذلكَ، أي: أنكرَ هذا الإطلاقَ، فإنَّ لَفظَ ((مرفوعٍ)) إذا أُطلقَ، انصرفَ إلى كونهِ مُضافاً إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - صريحاً، ولو سألهُ ما حُكمُ هذا؟ لقَال لهُ: حُكمُه الرفعُ، فكلامهُ حينئذٍ موافقٌ ليسَ فيهِ مخالفةٌ. وقرأ بعضُ أصحابِنا / 102أ / السَامعينَ في حاشيةِ كتابهِ: أنَّ الشيخَ أبا إسحاقَ الشيرازيَّ فَصَّل، فقالَ: ((إنْ كانَ ذلكَ الأمرُ الذي أضافهُ إلى عصرِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - منَ الأمورِ المشهورةِ، التي لا تخفَى عنهُ - صلى الله عليه وسلم - غالباً، كانَ حكمُهُ الرفعَ، وإلاّ فَلا)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬2) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي، ثم البرقاني الشافعي، صاحب التصانيف، قال فيه الخطيب: ((ما رأيت شيخاً أثبت منه))، توفي سنة (425 هـ). انظر: تاريخ بغداد 6/ 26، وسير أعلام النبلاء 17/ 464. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬4) هو أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن العباس الجرجاني الإسماعيلي الشافعي، صاحب الصحيح، وشيخ الشافعية، قال الحاكم: ((كان الإسماعيلي واحد عصره، وشيخ المحدّثين والفقهاء))، توفي سنة (371) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 292، وتذكرة الحفاظ 3/ 947.

فقالَ شيخُنَا: ((مَا تقدّمَ هوَ المعتمدُ لِما بينَّا منَ العللِ، لكنْ يَنفعُنا هذا التفصيلُ في الترجيحِ، فَإذا تَعارضَ حديثانِ من هذا القبيلِ، أحدُهمَا منَ الأمورِ المشهورةِ التي لا تخفَى غَالباً، والآخرُ بِخلافِهِ، رجَّحنَا الأولَ)). قلتُ: بل يَنبغي إنْ لمْ يكن الثَاني أرجحَ أن يكونا على الاستواءِ؛ فإنَّ الأمورَ التي لا تخفى غَالباً يتَّكلونَ (¬1) على شِيوعِهَا، فلا يَسألونهُ عنها - صلى الله عليه وسلم - (¬2)، وقد لا يطَّلعُ عليهَا، بِخلافِ الأُمورِ الخَفيةِ، فَإنَّ دَواعيَهم تتوفرُ على سُؤالهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنهَا. قولهُ: (كقولِ ابنِ عُمرَ -رضي الله عنهمَا-: كنَّا نقولُ ورسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - حَيٌّ: ((أفضلُ الأمَّةِ بعدَ نبيها ... )) الحديثَ) (¬3). قلتُ: في "مُسندِ أحمدَ" من حديثِ ابنِ عُمرَ أيضاً: ((كنَّا نَقولُ في زمنِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - خَيرُ النَّاسِ، ثمَّ أبو بكرٍ، ثُمَّ عُمرُ، وَلقد أُعطيَ ابنُ أبي طالبٍ ثلاثَ خِصالٍ، لأنْ تكونَ لي واحدةٌ مِنهنَّ أحَبُ إليَّ مِن حُمُر النِعم ... )) الحديث (¬4)، فَساقهُ بلفظ: ((ثمَّ)) لكن لَيسَ فيهِ التَصريحُ باطّلاعِهِ - صلى الله عليه وسلم - عليهِ. قولُهُ: (في "المعجمِ الكَبيرِ") (¬5) قالَ صَاحِبُنا العلاَّمةُ / 102ب / شَمسُ الدينِ محمدُ بنُ حسَّانَ القُدسِيُّ فيما رأيتُهُ بِخطِّهِ، وهوَ عندهُ في "الأوسطِ" بلفظِ: ((فَيبلغ ذلكَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلا ينكرهُ عَلينَا)) (¬6) وعندَ أبي يَعلى بلفظ: ((فيبلغ ذلكَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلا يُنكرهُ)) (¬7)، وفي فَضائِلِ عُثمانَ روايةُ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حَنبلٍ بلفظِ: ¬

_ (¬1) في (ف): ((يتكلمون)). (¬2) في نسخة (أ): ((- صلى الله عليه وسلم - عنها)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 191. (¬4) مسند الإمام أحمد 2/ 26 (4797). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192، والمعجم الكبير (13132). (¬6) المعجم الأوسط (8697). (¬7) مسند أبي يعلى (5604).

((كُنَّا نتحدثُ على عهدِ رسولِ اللهِ أَنَّ خيرَ هذهِ الأمَّةِ بعدَ نَبيِّهَا أَبو بكرٍ، ثُمَّ عمرُ، ثُمَّ عثمانُ، فَيبلغ ذلكَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فلا يُنكرهُ)) (¬1). انتهى. قولهُ: (فجزما بأنَّهُ مِن قبيلِ الموقوفِ) (¬2)، أي: لأنَّهُ لوكانَ في عَصرِ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لَنصَّ عليهِ، فَسكوتهُ عَنهُ دَالٌ على إسنادِهِ إلى إجماعِ الصَحابةِ، أو أهلِ بلدة مِنهُم. قالَ المصَنّفُ في " النُكتِ ": ((وتبعَ المصَنّفُ في ذلكَ الخَطيبَ، فَإنَّهُ كذلكَ جَزمَ بهِ في " الكفايةِ " (¬3)، وَالخِلافُ في المسألةِ مشهورٌ، واختلفَ في (¬4) كَلامِ الأئمةِ أيضاً في الصحيحِ، وقد حَكى النوويُّ الخِلافَ في مقدمةِ "شَرحِ مُسلمٍ" (¬5) وَحكَى ما جزمَ بهِ المصنفُ (¬6) عنِ الجمهورِ منَ المحدّثينَ، وأصحابِ الفقهِ والأُصولِ)) (¬7). قولهُ: (الحاكم) (¬8)، أي: في "علومِ الحَديثِ" (¬9)، (والرازِيُّ) (¬10)، أي: في "المحصولِ" (¬11). ¬

_ (¬1) فضائل الصحابة للإمام أحمد بن حنبل (857). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192. (¬3) الكفاية (594 - 595 ت، 423 هـ). (¬4) هكذا في جميع النسخ الخطية، وفي التقييد بلا ((في)). (¬5) مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 23. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي))، وهو خطأ فالمراد هو ابن الصلاح. (¬7) التقييد والإيضاح: 67. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192. (¬9) معرفة علوم الحديث: 22. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192. (¬11) المحصول 2/ 221.

وقولهُ: (جَعلاهُ مِن قَبيلِ المرفوعِ) (¬1) لِما تَقدّمَ مِن نُدرةِ استنادهِم إلى الإجماعِ، وكثرةِ إسنادهِم الأمورَ إليهِ - صلى الله عليه وسلم -. قولهُ: (ومقتضى كَلام البيضاوِي .. ) (¬2) إلى آخرهِ، أي: فَإنَّهُ قَالَ ما معناهُ: أقوالُ الصَحابةِ -رضيَ / 103 أ / اللهُ عَنهم- سَبعةٌ، ثُمَّ قالَ: السابعةُ: ((كُنَّا نَرى في عهدهِ)) (¬3). والمختصرُون يُشاحونَ أنفسَهم في حَرفٍ ونَحوهِ، فلا يَزيدونَ كَلمةً إلا ولَها معنى، فلو لم يَكنْ قولهُ: ((في عهدهِ)) قيداً لم يَقلْهُ، وكانَ معَ حذفهِ يفهمُ أنَّ ما أضيفَ إلى عهدهِ - صلى الله عليه وسلم - مرفوعٌ من بابِ الأولى. قولهُ: (وهوَ قَويٌ مِن حيثُ المعنَى) (¬4)، أي: مِن حَيثُ إنَّ ظاهرَ ذلكَ يَنصرفُ إلى الصَحابةِ، وإنَّ الشارعَ - صلى الله عليه وسلم - اطّلعَ على ذلكَ، فأقرّهُ، أو سكتَ عليهِ؛ لأنَّ بذلكَ يَنقطعُ النِزاعُ، وينقادُ الخَصمُ المُحتج عَليهِ للحُكمِ. وعبَارةُ النَووي في مقدمةِ "شرح المهذَبِ" (¬5): ((وظاهرُ استعمالِ كثيرٍ من المحدّثينَ وأصحابِنا في كتبِ الفقهِ أنَّهُ مرفوعٌ مُطلقاً، سواءٌ أضافهُ، أو لَم يُضفهُ، وهذا قوي، فَإنَّ الظاهِرَ مِن قولهِ: ((كنَّا نفعلُ)) و (¬6) ((كانوا يَفعلونَ)) الاحتجاج بهِ على وجهٍ يُحتج بهِ، ولا يكونُ ذلكَ إلا في زَمنِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ويُبلغهُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192 - 193. (¬3) انظر: منهاج الأصول 2/ 258. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193. (¬5) المجموع 1/ 60. (¬6) في (ب): ((أو))، وما أثبته من (أ).

وعَن " شرحِ مسلمٍ " (¬1) عَن آخرينَ: ((إنَّ ذلكَ الفِعلَ إنْ كانَ مِمَّا لا يخفَى غَالباً كانَ مرفوعاً، وإلا كَانَ مَوقوفاً، وبِهذا قَطعَ الشَيخُ أبو إسحاقَ الشيرازي)). انتهى. قالَ شَيخُنا -رحمهُ اللهُ-: ((ولم يتعرضِ الشيخُ، ولا ابنُ الصلاحِ لقولِهم: ((ما كنَّا نَرى بالأمرِ الفُلانِي بأساً)) وكذلكَ جَميعُ العِباراتِ المُصدرةِ بالنَفي، وذلكَ موجودٌ في عباراتِهِم، وحُكمُهُ حكمُ ما تقدَّمَ)). قُلتُ: بل قَد ذَكَرَ الشيخُ لهُ مثالاً، وهوَ قولُ عائشةَ -رضيَ اللهُ عنهَا-: ((كانتِ اليدُ لا تُقطعُ في الشيءِ التافهِ)) (¬2)، وعزاهُ لابنِ الصَباغِ (¬3) / 103 ب /. وتقدّمَ أيضاً عنِ ابنِ الصَلاحِ: ((كنَّا لا نَرى بأساً بِكَذا)) (¬4) وسَكتَ ابنُ الصَلاحِ عَن قولِ التابعي: ((كُنَّا نَفعلُ كَذا))، ونحوهِ، وعن قَولهِ: ((أمرنا بكذا)) وقوله: ((من السُنةِ كَذا)) وذَكَرَها الشَيخُ في "النُكَتِ" قالَ: ((فأمَّا المسألةُ الأُولى: فَإذا قالَ التابعيُ: ((كنا نفعلُ)) فليسَ بمرفوعٍ قَطعاً، وهل هُو موقوفٌ؟ لا يخلُو أمَّا أَنْ يُضيفَه إلى زمنِ الصَحابةِ، أم لا. فإنْ لَم يُضفهُ إلى زَمنِهم، فَليسَ بموقوفٍ أيضاً، بل هوَ مقطوعٌ، وإنْ أضافهُ إلى زَمنهِم فَيحتملُ أنْ يُقالَ: إنَّهُ موقوفٌ؛ لأنَّ الظاهرَ اطلاعُهم على ذلكَ، وتقريرُهم، ويحتملُ أنْ يقالَ: ليسَ بموقوفٍ أيضاً؛ لأنَّ تقريرَ الصحابي قَد لا يُنسبُ إليهِ، بِخلافِ تقريرِ النَبي - صلى الله عليه وسلم -، فَإنَّهُ أحدُ وجوهِ السُننِ. ¬

_ (¬1) 1/ 31. (¬2) أخرجه: ابن أبي شيبة (28105)، وابن حزم في " المحلى " 11/ 352 من طريق عبد الرحيم بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، به. وأخرجه عبد الرزاق (18959)، وابن أبي شيبة (28101)، والبيهقي 8/ 255 من طرق عن هشام، عن أبيه مرسلاً، وهو أرجح. (¬3) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 192، والنكت لابن حجر 2/ 518 وبتحقيقي: 298. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 120.

وأمَّا إذا قالَ التابعيُّ: ((كَانوا يَفعلونَ كَذا)) فقالَ النَوويُّ في "شَرحِ مُسلِمٍ" (¬1): ((إنَّهُ لا يَدلُّ على فعل جَميعِ الأُمةِ، بل على البَعضِ، فَلا حُجةَ فِيهِ، إلا أنْ يُصرحَ بنقلهِ عَن أهل الإجماعِ، فيكونَ نَقلاً للإجماعِ، وفي ثُبوتهِ بخبرِ الواحدِ خِلافٌ)). وأمَّا المسألةُ الثانيةُ: فإذا قالَ التَابعيُّ: ((أُمرنا بكَذا))، أو ((نُهينا عَن كَذا)) فَجزمَ أبو نَصرِ بنُ الصباغِ في كِتاب "العُدةِ في أُصولِ الفقهِ" أنَّهُ مُرسلٌ، وذكرَ الغزاليُّ في "المستصفَى" (¬2) فيهِ احتمالينِ مِن غيرِ ترجيحٍ: هل يكونُ موقوفاً، أو مرفوعاً مُرسلاً؟ وحَكى ابنُ الصباغِ في "العُدةٍ" وجهينِ فِيما إذا قالَ ذلكَ سَعيدُ / 104 أ / ابنُ المُسَيّبِ، هل يكونُ ذلكَ حُجةً، أَم لا (¬3)؟. وأمَّا المسألةُ الثالثةُ: إذا قالَ التَابعيُّ: ((منَ السُنةِ كَذا))، كَقولِ عُبيدِ اللهِ ابنِ عَبدِ اللهِ بن عُتبةَ: ((السُنةُ تكبيرُ الإمامِ يومَ الفِطرِ، ويوم الأضحَى، حينَ يَجلسُ على المنبرِ قبلَ الخُطبةِ تَسعَ تكبيراتٍ))، رواهُ البيهقيُّ في "سُننهِ" (¬4)، فَهل هوَ مُرسلٌ مرفوعٌ، أو موقوفٌ متصلٌ؟ فيهِ وَجهانِ لأصحابِ الشافِعي، حكاهُما النوويُّ في "شَرحِ مُسلمٍ" (¬5)، و"شَرح المهذَّبِ" (¬6)، و"شرحِ الوسيطِ"، قالَ: ((والصَحيحُ أَنَّهُ موقوفٌ)). انتهى. وحكى الدَاوودِيُّ في "شَرحِ مختَصرِ المُزني": أنَّ الشَافعيَّ كانَ يرى في القديمِ أَنَّ ذلكَ مرفوعٌ، إذا صَدرَ من الصحابي أو التابعي، ثُمَّ رجعَ عنهُ؛ لأنَّهم قَد ¬

_ (¬1) شرح صحيح مسلم 1/ 24. (¬2) المستصفى 1/ 131. (¬3) نقله الزركشي في " البحر المحيط " 4/ 379. (¬4) السنن الكبرى 3/ 299. (¬5) 1/ 31. (¬6) 1/ 47.

يطلقونهُ، ويريدونَ به سُنةَ البلدِ. انتهى (¬1). وما حكاهُ الداوودِيُّ مِن رجوعِ الشافعيِّ عن ذلكَ فيما إذا قالهُ الصحابيُّ لَم يوافِق عَليهِ، فَقدِ احتجَّ بهِ في مواضعَ منَ الجديدِ، فيمكنُ أنْ يحملَ قولهُ: ((ثُمَّ رجعَ عَنهُ))، أي: عمّا إذا قالهُ التابعيُّ، واللهُ أعلمُ (¬2). قولهُ: 110 - لكنْ حَدِيْثُ (كانَ بَابُ المُصْطَفَى ... يُقْرَعُ بالأَظْفَارِ) مِمَّا وُقِفَا 111 - حُكْماً لَدَى (الحَاكِمِ) و (الخَطِيْبِ) ... وَالرَّفْعُ عِنْدَ الشَّيخِ ذُوْ تَصْوِيْبِ هَذا اعتراضٌ على الخطيبِ، والحَاكمِ، وإلزامٌ لَهما بالتناقضِ، فَإنَّهُ قَدْ (¬3) تقدّمَ عنِ الخطيبِ أَنَّهُ ممَن يَحكمُ على ما أُضيفَ إلى عصرهِ - صلى الله عليه وسلم - بالرفعِ. والتناقضُ في كَلامِ الحاكِمِ أظهرُ، فَإنَّهُ يَحكمُ بالرفعِ على مَالم يُضف إلى عصرِهِ - صلى الله عليه وسلم - أيضاً، فكيفَ مَا لا يَحتملُ عدم اطلاعهِ - صلى الله عليه وسلم - عليهِ إلا / 104 ب / احتمالاً واهياً، فقالَ قَائل: يحتملُ احتمالاً قوياً أنْ يكونَ إنَّما كانَ يُقرعُ بعدَ موتهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: (¬4) الاحتمالاتُ هُنا ثلاثةٌ: أن يكونَ في عصرهِ؛ وَهوَ في ذلكَ البيتِ ليسَ إلا، وهُوَ الظاهرُ. وأنْ يكونَ في عصرِهِ، وليسَ هوَ في البيتِ وَهوَ مرفوعٌ على هذينِ الاحتمالينِ؛ لأنَّهُ مُضافٌ إلى عهدهِ - صلى الله عليه وسلم -. وأن يكونَ بعدَ عصرهِ، فيكونَ الخَلافُ كثيراً فَاشياً في أنَّهُ ليسَ مَرفوعاً، وهَذا احتمالٌ مِن ثلاثةٍ (¬5)، فَضعفَ بِهذا الاعتبارِ. ¬

_ (¬1) حكاه الزركشي في البحر المحيط 4/ 378 عن الصيدلاني. (¬2) التقييد والإيضاح: 68. (¬3) لم ترد في (أ). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: ثلاث احتمالات)).

وأيضاً: فإنَّهُ لو كانَ بعدَ عصرهِ - صلى الله عليه وسلم - لَم يطلقْ، بلَ كانَ يُقيدهُ ببيتِ عائشةَ -رضيَ اللهُ عَنها- مَثلاً، أو غيرِها مِن نِسائهِ - صلى الله عليه وسلم - ورضي عَنهُنَّ. وأيضاً: فإنَّهم بعدَ موتهِ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كانوا في الأدبِ معهُ - صلى الله عليه وسلم - في الدرجةِ العُليا، لكنهُم لا يبلغونَ فيهِ ما كانوا يبلغونَ في الحياةِ، ألا تَرى قولَ عروة بنِ الزُبيرِ لعائشةَ -رضيَ اللهُ عنها- مِن وراءِ الحُجرةِ: يا أُمتاهُ ألا تنظرينَ إلى ما يقولُ أبو عبدِ الرحمان -يعني: ابنَ عمَر- رضيَ اللهُ عنهُما. . . الحديثَ في الاعتمارِ في رجبَ، أخرجهُ مُسلمٌ (¬1) وغيرهُ (¬2). وأيضاً: فلو كانَ بعدَ عصرهِ - صلى الله عليه وسلم - لَم يَخصُّهُ بالصحابةِ، بل إضافةُ هَذا الأدبِ إلى التَابعينَ أَولى. وأيضاً: فَإنَّهم أكثرُ اختلافاً إلى أمهاتِ المؤمنينَ منَ الصحابةِ، لأجلِ استفتائهنَّ -رضيَ اللهُ عنهنَّ-. وقولُ الشيخِ في نظمهِ: ((حُكمَا)) ليسَ بجيدٍ، فإنَّ ذلكَ / 105 أ / ليسَ في عبارةِ الحَاكمِ، ولا ابنِ الصَلاحِ، معَ إمكانِ تأويلِهَا، كمَا قال ابنُ الصلاحِ، فالتصرفُ فيهَا بما يُقوي الاعتراضَ ويوجبُ التناقضَ غيرُ حسنٍ، فكانَ ينبغي أنْ يقالَ: ((مما وقَفا لفظاً))، ويقالَ: ((والرفعُ عندَ الكل)). قولهُ: (في نظيرهِ) (¬3)، أي: فِي حَديثِ جابرٍ: ((كُنا نعزلُ)) كَما مرَّ آنفاً. قولهُ: (وهذا الحَديثُ رواهُ المغيرةُ بنُ شُعبةَ - رضي الله عنه -) (¬4) قالَ شَيخُنا: ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 4/ 61 (1255) (219). (¬2) وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 72 و6/ 55 و157، والبخاري 3/ 3 (1777) مختصراً، وابن ماجه (2998)، والترمذي (936)، والنسائي في " الكبرى " (4222) من طريق عروة ابن الزبير، به. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 193.

((تَعبَ الناسُ في التفتيشِ على روايتهِ من حديثِ المغيرةِ، فلم يظفروا بها، وإنَّما هو من حديثِ أنسٍ - رضي الله عنه -، كذلكَ)). أخرجهُ البخاريُّ في "الأدبِ المفردِ" (¬1)، والشيخُ تبعَ في عزوهِ إلى المغيرةِ ابنَ الصَلاحِ (¬2)، وهوَ تَبعَ الحاكمَ في "علومِ الحديثِ" (¬3)، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (ثم تأولناهُ لهُ) (¬4) مما يؤيدُ هذا التأويلَ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مذكورٌ لَفظاً في هذا الحديثِ، فيتبادرُ إلى الذِهنِ حينئذٍ أنَّهُ مرفوعٌ لفظاً، فاحتاجَ الحَاكمُ والخطيبُ إلى استثنائهِ من ذلكَ؛ نفياً لهذا الاحتمالِ، ويبقى كونهُ مرفوعاً حُكماً داخلاً في كلامِهمَا في أشكالِ (¬5) ذلكَ، مُقضياً بأنَّ حكمهُ الرفعُ. قولهُ: (وإنَّما جعلناهُ مرفوعاً من حيثُ المعنى) (¬6)، أي: وكذلكَ كلُّ ما تقدمَ من أقوالِ الصحابةِ: ((السنةُ كَذا، وأُمرنا بكَذا، وكنَّا نَرى كَذا)) موقوفٌ لفظاً، وهو موجودٌ في كلامِ ابنِ الصَلاحِ في هَذا الموضعِ، فَحذفُهُ ليسَ بجيدٍ. قولهُ: 112 - وَعَدُّ مَا فَسَّرَهُ الصَّحَابي ... رَفْعَاً فَمَحْمُوْلٌ عَلَى الأسْبَابِ ¬

_ (¬1) الأدب المفرد (1080)، وكذلك في التأريخ الكبير 1/ 228، وأخرجه أيضاً: أبو نعيم في "أخبار أصفهان" 2/ 110 و365. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 121، وانظر تعليقنا المطول عليه. (¬3) معرفة علوم الحديث: 19 من طريق كيسان مولى هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن المغيرة، به. وكيسان هذا: مجهول الحال، لم يوثقه سوى ابن حبان في ثقاته 7/ 358 على عادته في توثيق المجاهيل. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: أمثال)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194.

سُئلَ (¬1) ما موقعُ الفاء في قولهِ: ((فمَحمولٌ))، فقالَ: الناظِم يتسامحُ فيهِ / 105 ب / فَقلتُ: قَد تشعر بتفصيل، فتكونُ مقصودةً لهُ، كأنَّ القائلَ: ((إنَّ تفسيرَ الصحابةِ مرفوعٌ)) أجمل قولهُ، ومن حقهِ أنْ يَفصلَ فيقولَ: تفسيرُ الصحابةِ لا يخلو إمَّا أنْ يكونَ للرأي فيهِ مَجالٌ، أو لا، فالأولُ: لا يكونُ مرفوعاً، والثاني: لا يَخلُو إمَّا أنْ لا يؤخذَ عن غيرِ النَبي - صلى الله عليه وسلم - نَحو أسبابِ النُزولِ، أو لا. والثاني: لا يكونُ مرفوعاً؛ لاحتمالِ أخذهِ عَن أهلِ الكتابِ، والأولُ: مرفوعٌ فلم يرتضهِ، فَليتأمل، ولو قالَ الشيخُ: ((في الرفعِ محمولٌ)) لاتَّزَنَ، وإنَّما كانَ التفسيرُ المتعلقُ بأسبابِ النُزولِ مرفوعاً؛ لأنَّهم شاهدُوا النُزولَ، وتلقُوا عنهُ - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ. قولهُ: (ونحوَ ذلكَ) (¬2) عَطفٌ على قولهِ: ((تفسيرُ)) وشبيهُ ذلكَ هوَ ما لا يمكنُ أنْ يؤخذ إلا عنِ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - مثلُ بيانِ أسماءِ من نزلتْ فيهِم الآيةُ، وكَذا كلُّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ، إذا كان الصحابيُّ ممَّن لم يأخذْ عن أهلِ الكتابِ، فَنظمُ الشيخِ حينئذٍ غَيرُ وافٍ بكلامِ ابن الصلاحِ، حيث لم يأتِ بما يدلُّ على قولهِ: ((ونحو ذلكَ))، فلو قال: ... ... ... ... ... رافعاً إذا ما كانَ كالأسبابِ لَوَفى. قولهُ: (على إضافةِ شيءٍ) (¬3)، أي: لا حكماً، ولا قولاً. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن حجر)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 194. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195.

قولُهُ: 113 - وَقَوْلُهُمْ (يَرْفَعُهُ) (يَبْلُغُ بِهْ) ... روَايَةً يَنْمِيْهِ رَفْعٌ فَانْتَبِهْ 114 - وَإنْ يَقُلْ (عَنْ تَابعٍ) فَمُرْسَلٌ ... قُلْتُ: مِنَ السُّنَّةِ عَنْهُ نَقَلُوْا 115 - تَصْحِيْحَ وَقْفِهِ وَذُو احْتِمَالِ ... نَحْوُ (أُمِرْنَا) مِنْهُ (للغَزَالِيْ) 116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى 117 - مَا قَالَ في المَحْصُوْلِ نَحْوُ مَنْ أتَى ... (فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا 118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ 119 - كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ) ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ قُلتُ: إيرادهُ هَذا أولَ الفروعِ أليق، حتى يبقى قولُ الصَحابي صريحاً. وقولهُ: ((تأويلاً في فَصلٍ واحدٍ))، قالَ شيخُنا: ((ولم يذكروا رواهُ بلفظِ الماضي، وقد وقعتْ / 106 أ / في عِباراتهِم، ولا ذكروا ما حُكم هذِهِ الصِيغِ لو قِيلت عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قالَ: وقد ظفرتُ لذلكَ بمثالٍ في "مُسندِ البزارِ" (¬1) عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - يرويهِ، أي: عن ربهِ - عز وجل - فهوَ حينئذٍ منَ الأحاديثِ القُدسيةِ)) (¬2). قولهُ: (قلتُ: من السُنةِ .. ) (¬3) إلى آخرهِ، كان إيرادهُ عِند قوله: 105 - قَوْلُ الصَّحَابيِّ (مِنَ السُّنَّةِ) أوْ ... نَحْوَ (أُمِرْنَا) حُكْمُهُ الرَّفْعُ، وَلَوْ 106 - بَعدَ النَّبِيِّ قالَهُ بِأَعْصُرِ ... عَلى الصَّحِيْحِ، وهوَ قَوْلُ الأكْثَرِ أولى، وإنْ كانَ له هنا مناسبةٌ ما، وهوَ ذِكرُ التابعيِّ. قولهُ: (حُكمُ المرفوعِ) (¬4) قالَ صاحبُنا العلاَّمةُ شَمسُ الدينِ بنُ حسَّانَ فيمَا ¬

_ (¬1) انظر: كشف الأستار الحديث (781)، وذكره. (¬2) انظر: النكت لابن حجر 2/ 539 وبتحقيقي: 315. (¬3) التبصرة والتذكرة (114). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195.

وجدتهُ بخطِّهِ: قالَ النوويُّ (¬1): ((كلُهُ مرفوعٌ متصلٌ بلا خِلافٍ))، وأخرجَ البخاريُّ (¬2) عَن عليٍّ هوَ ابنُ المديني، عن سفيانَ (¬3)، عنِ الزُهري، عن سعيدِ بنِ المُسيبِ، عن أبي هُريرةَ روايةً: ((الفطرةُ خَمسٌ، أو خَمسٌ منَ الفطرةِ: الخِتانُ، والاستحدادُ، ونتفُ الإبطِ، وتقليمُ الأظافرِ، وقصُ الشاربِ))، ووقعَ في روايةِ مسددٍ، عن سفيانَ، عن أبي داودَ (¬4) يَبلغُ بهِ النبيَ - صلى الله عليه وسلم -، وفي روايةِ أبي بكر بنِ أبي شيبةَ عن سفيانَ - عندَ مسلمٍ - (¬5) قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وبيَّنَ أحمدُ (¬6) في روايتهِ أَنَّ سفيانَ كانَ تارةً يُكني، وتارةً يُصرِحُ. قولهُ: (الشِفاءُ في ثلاثٍ. . .) الحديث (¬7)، إن قيلَ: قولهُ: ((وأنهى أمتي عن الكي)) يَدلُّ على الرفعِ، فَلا يَحتاجُ إلى قولهِ: ((رفعَ الحديثَ))، قيل: إنَّما يَدلُّ ذلكَ على رفعِ النَهي عَنِ الكَي، فيبقَى مَا عدا ذلكَ، ويكونُ كأنَّهُ قِيلَ: وقالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أنهى (¬8) أمتي عَن الكَي)). ¬

_ (¬1) انظر: الإرشاد 1/ 64. (¬2) في صحيحه 7/ 206 (5889). (¬3) يعني: ابن عيينة. (¬4) هكذا في جميع النسخ الخطية ولعل الصواب ((عند أبي داود))، والحديث في سننه (4198). (¬5) في صحيحه 1/ 152 (257) (49)، وهو في المصنف لابن أبي شيبة (2047) و (26460). (¬6) في مسنده 2/ 239 (7261) قال: حدثنا سفيان، عن الزهري، عن سعيد، عن أبي هريرة، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ وقال سفيان مرةً: رواية فذكره. وأخرج هذا الحديث أيضاً: الحميدي (936)، ومسلم 1/ 152 (257) (49)، وابن ماجه (292)، والنسائي 1/ 15 وفي "الكبرى"، له (9) من طريق سفيان، به. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 195، والحديث في: صحيح البخاري 7/ 158 (5680) و7/ 159 (5681)، ومسند أحمد 1/ 245، وسنن ابن ماجه (3491)، ومعجم الطبراني الكبير (12241)، والسنن الكبرى للبيهقي 9/ 341. (¬8) في (ب): ((وأنهى)) بزيادة الواو.

قولهُ: (على ذراعِهِ / 106 ب / اليُسرى في الصلاةِ) (¬1) هذا الحُكمُ مما خالَفَ مَالكاً فيهِ أصحابُهُ، معَ كونهِ في "الموطأ" (¬2). قولُهُ: (وقد رواهُ البخَاريُّ مِن طَريقِ القعنبي) (¬3) ليسَ بجيدٍ، فَإنَّ عادتَهم أنْ يقولوا: ((مِن طريق)) فِيمن بينَ المُخرج (¬4) وبينهُ وَاسطةٌ، فكان ينبغي أنْ يقولَ: ((عن القَعنبي)). قولهُ: (فَصرحَ برفعهِ) (¬5) قالَ ابنُ الصلاحِ بعدَ إيرادهِ بعضَ هذهِ الأحاديثِ: ((فكلُ هَذا وأمثالهُ كِنايةٌ عَن رفعِ الصحابي الحديثَ إلى رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وحكم ذلكَ ... )) (¬6) إلى آخرهِ. قولهُ: (فهو مرسلٌ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وإذا قالَ الراوي عن التابعيِّ: يرفعُ الحديثَ، أو يبلغُ بهِ، فذلكَ أيضاً مرفوعٌ، ولكنهُ مرفوعٌ مرسلٌ (¬8))). قولهُ: (قلتُ: منَ السُنةِ) (¬9) هذهِ العبارةِ أولى بالاحتمالِ من ((أُمرنا))، وممَّا يؤيدُهُ قولُ الزُهريِّ لمن سَألهُ عن قولِ سالمٍ للحجاجِ: ((إنْ كنتَ تُريدُ السُنةَ فافعل كَذا)) يُريدُ سُنةَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقال: ((وهل يَعنونَ بذلكَ إلا سُنتَهُ))، وكانَ ذلكَ مقررٌ عندهُم، لا يحتاجُ إلى تأملٍ، ولا توقفٍ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196. (¬2) انظر الموطأ (437) رواية يحيى. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي البخاري)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 196. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 125. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 125، وانظر بلا بد تعليقنا عليه. (¬9) التبصرة والتذكرة (114).

قولهُ: (ثُمَّ رَجعَ عنهُ) (¬1) تقدّمَ في أولِ هذهِ الفروعِ عن الشافعي من كلامهِ في بابِ الجنائزِ منَ "الأمِّ" ما يدلُ على أنَّهُ مذهبهُ في الجديدِ بالنسبةِ إلى الصحابي، ولم يرجع عنهُ (¬2)، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (يمكنُ أنْ يُجابَ بأنَّ قولهُ: ((يَرفعُ الحديثَ)) تصريحٌ بالرفعِ) (¬3) يخدشهُ أنَّ هذهِ الألفاظَ واردةٌ قبلَ تقرير الاصطلاحِ، على أنَّ الرفعَ لِما يُضافُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بِسندٍ يَظهرُ فيهِ الاتصالُ / 107 أ /، فقولكَ تصريحٌ بالرفعِ مُسلّمٌ، لكنْ مَا المرادُ إلا الرفعُ اللغويُّ، ويصدقُ بأنْ يرفعهُ التابعيُ إلى الصحابةِ فيرويهِ عن بعضهِم، بل وبأنْ يرويه عن تَابعي أكبر منهُ، فأينَ الصراحة في الرفعِ الاصطلاحِي؟ وهَذا بِخلافِ ما إذا قالَ التابعيُ ذلكَ عنِ الصحابيِّ؛ فإنَّهُ يكونُ مرفوعاً؛ لضعفِ الاحتمالِ ثمة؛ لأنَّهُ يرجح رُجحاناً واضحاً أنَّ الصحابيَّ لا يرفعُ إلا إلى أعلى الناسِ، وهوَ صاحبُ الشَرعِ - صلى الله عليه وسلم -، ويضعفُ احتمالُ غيرهِ، بِخلافِ هَذا الحالِ في حَقِّ التابعي؛ فَإنَّ الاحتمالينِ فيهِ على حَدٍّ سَواءٍ، أو مُتقاربانِ. قولهُ: (هَل يكونُ حُجةً؟) (¬4) كونهُ حُجة مبنيٌّ على الحُكمِ بإرسالهِ؛ لأنَّ مراسيلَ ابنِ المسيبِ حُجةٌ، وإنما جاءَ الوجهُ الثاني؛ لأنَّ هَذا وإنْ جَزمَ بكونهِ مُرسَلاً يَطرقُهُ احتمالُ الوَقفِ، فَضَعُفَ، بِخلافِ المرفوعِ صريحاً، فَإنَّهُ مُرسلٌ قَطعاً. قولهُ: 116 - وَمَا أَتَى عَنْ صَاحِبٍ بحَيْثُ لا ... يُقَالُ رَأياً حُكْمُهُ الرَّفْعُ عَلَى 117 - مَا قَالَ في "المَحْصُوْلِ" نَحْوُ مَنْ أتَى ... (فَالحَاكِمُ) الرَّفْعَ لِهَذَا أثْبَتَا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((إلا من جهة التابعي)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 197. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198.

قولهُ: (في "المحصولِ") (¬1) كانَ ينبغي عَزوهُ لمن هُو أقدمُ من صاحبِ "المحصول" وأجلُّ، فَإنَّهُ موجودٌ كَما هو في الشرحِ في كلامِهِم (¬2)، حَتَّى نُقلَ عن الإمامِ الشافعي، فَإني رأيتُ عن شَيخِنا البُرهان الحلبيِّ أنَّ الجمالَ الإسنويَّ قالَ: إن الشَافعيَّ قالَ في كتابِ "اختلافِ الحديثِ": رُوِيَ عن علي - رضي الله عنه -: ((أنَّهُ صَلى في ليلةٍ ستَ ركعاتٍ، في كلِّ ركعةٍ ستُ سجداتٍ)) (¬3)، وقالَ (¬4): ((لو ثبتَ ذلكَ عن عليٍّ لَقلتُ بهِ، فإنَّهُ لا مجالَ للقياسِ فيهِ، والظاهرُ أنَّهُ فعلهُ (¬5) توقيفاً))، فنظمَ /107 ب / ذلكَ شيخُنا فقالَ: قلتُ: (¬6) حكى فقيهُ مصرَ الإسنوي ... نصاً بهِ عنِ الإمام الشافعيِّ هكذا رأيتُ عن شيخِنا، فراجعتُ "اختلافَ الحديثِ"، فَلم أَجدْ ذلكَ فيهِ، ووجدتُ مِمَّا يُقاربهُ في ((بابِ الخِلافِ في أنَّ الغُسلَ لا يجبُ إلا بِخروجِ المَاء)): أنَّ شَخصاً ناظرهُ في ذلكَ، فقالَ لهُ: أمَّا قولُ عائشةَ -رضي اللهُ عنها (¬7) -: ((فعلتُهُ - أي: الغُسل - مِن مسِّ الختانِ الختان أنا ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فاغتسلنا)) (¬8) فَقد يَكونُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (117). (¬2) عبارة: ((في كلامهم)) لم ترد في (ف). (¬3) أخرجه: الشافعي في " الأم " 7/ 177، والبيهقي 3/ 343. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي الشافعي)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي علي - رضي الله عنه -)). (¬6) ((قد)) من (ف) فقط. (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) أخرجه: ابن أبي شيبة (930)، وأحمد 6/ 161، وابن ماجه (608)، والترمذي (108)، والنسائي 1/ 196، وأبو يعلى (4925)، وابن الجارود (93)، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 55، وابن حبان (1175) و (1176) و (1185)، والرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 474، والدارقطني 1/ 111، والبيهقي 1/ 164 وفي " المعرفة "، له (253) و (254)، وابن عبد البر في " التمهيد " 23/ 104.

تطوعاً مِنهمَا بالغُسلِ. قالَ الشافعيُ: فقلتُ لهُ: الأغلبُ (¬1) أنَّ عائشةَ لا تقولُ: ((إذا مسَّ الختانُ الختانَ فَقد وجبَ الغُسلُ)) إلا خَبراً، وتقولُ: ((فعلتهُ أنَا ورسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاغتسلنا)) إلا خَبراً عَن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بوجوبِ الغُسلِ منهُ، قالَ: فيحتملُ أَنْ يكونَ لمَّا رأتِ النبيَ - صلى الله عليه وسلم - اغتسلَ اغتسلتْ رَأتهُ وَاجباً، ولم تَسمع مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - إيجابَهُ، قُلتُ: نَعمْ، قالَ: فَليسَ هَذا بخبرٍ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقلتُ: الأغلبُ أنَّهُ خبرٌ عنهُ. (¬2) انتهى. ومن أمثلتهِ الحَسنةِ ما قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ مُحمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ في كتابِ "قيام الليلِ": ((حدّثنا مُحمدُ بنُ يحيى، حدثَنا مؤملُ بنُ الفَضلِ، حدّثَنا عيسى بنُ يونسَ، عن أبي مالِكٍ - يعني: النَخعي-، حدثنا زيادُ بنُ فياضٍ، عنَ سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- قالَ: ((التقى ملكانِ في صلاةِ /108 أ/ المغربِ، فقالَ أحدهُما لصاحبهِ: اصعَد بِنا، فقالَ: إنَّ صَاحبي لَم يُصلِ، قالَ: فَمِن أجل ذلِكَ يُكرهُ أن يُؤخرَ المغرب)))). ولو قالَ شيخُنا البُرهان: قُلتُ: وَعن فقيهِ مِصرَ البارعِ ... نَصٌّ بهِ عن الإمامِ الشَافعيِّ لكانَ أحلى. قولُهُ: (نَحوَ مَن أتى) (¬3) هَذا المثال ليسَ بصحيحٍ؛ لأنَّهُ يُمكنُ أنْ يُقال مِن جهةِ الرَأي، فَإنَّ الحديثَ جاءَ في بعضِ طرقهِ تَقييد الكُفرِ بأن يصدقهُ، والعرَّافُ يَدّعي عِلمَ الغيبِ، فَمن صدَّقهُ في هَذهِ الدَعوى، فَقد كذبَ بقولِهِ تَعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي ¬

_ (¬1) في (ب): ((ألا علمت)). (¬2) اختلاف الحديث: 63. (¬3) التبصرة والتذكرة (117).

السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ} (¬1) وَمَن كذَّبَ بحرفٍ مِن القُرآنِ فَقد كفرَ. وأيضاً: فَقد أخبرَ النّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم: ((لَيسُوا بشيءٍ))، وأنَّهم كَذَبَةٌ، فَمن صَدَّقهُم فَقد كفرَ بتكذيبهِ - صلى الله عليه وسلم -، ومن أتى السَاحِرَ مُصدِّقاً بِسحرهِ، أي: مؤمناً بأنَّهُ حَقٌّ، أو أنَّهُ يؤثرُ بطبعهِ، فَقد كَذبَ بقولِهِ تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ .. } الآية كلها (¬2) ثُمَّ إنَّ القولَ السَديدَ في أصلِ المسألةِ: أنَّ ما يأتي عن الصَحابةِ مِمّا لا مجالَ للرأي فيهِ، إنْ كانَ حُكماً مِنَ الأحكامِ فهوَ مرفوعٌ؛ لأنَّ الأحكامَ لا تؤخذُ إلا بالاجتهادِ، أو بقولِ مَن لهُ الشرعُ، وقد فَرضنا أنَّهُ ممَّا لا يُجتهدُ فيهِ، فانحصر في أنَّهُ مِن قولهِ - صلى الله عليه وسلم -. وإنْ لم يَكنْ مِن الأحكامِ، فَإنْ كانَ ذلِكَ الصَحابي لم يأخذ عنِ الإسرائيلياتِ فكذلك؛ لأنَّ ما لا مجالَ للرأي فيهِ، لا بدَّ للصحابي فيهِ مِن مُوقِّفٍ، فيكونُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، إذ / 108 ب / المسألةُ مفروضةٌ فيمَن لم يأخذ عن أهلِ الكِتابِ، وإلا فموقوفٌ؛ لاحتمال أنْ يكونَ سَمعهُ مِن أهلِ الكتابِ، وما يَرِد عن أهلِ الكتابِ ينحصِرُ في ثلاثةِ أقسامِ: أنْ يكونَ شرعُنا قَد جَاءَ بتصديقهِ، فالعمل بشَرعِنا حينئذٍ، أو بتكذيبهِ، فلا يَحلُّ نقلهُ مَسكوتاً عنهُ، أو يكونَ شَرعُنا سَاكتاً عنهُ، فهذا هوَ الذِي نقلهُ بعضُ الصَحابةِ عن أهلِ الكِتابِ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ صِدقاً، وَيحتملُ أيضاً أنْ يكونَ قَد بدّلَ، فيكذبُ. ففِي البخارِي: عَن معاويةَ - رضي الله عنه - أنَّهُ قالَ: ((أصدقُ هؤلاءِ الذينَ يحدثونَنا عَن أهلِ الكتابِ كَعبٌ (¬3)، ومعَ ذلِكَ فإنا لَنبلوا عَليهِ الكذب)) (¬4). ¬

_ (¬1) النمل: 65. (¬2) البقرة: 102. (¬3) يعني: كعب الأحبار. (¬4) صحيح البخاري 9/ 136 (7361) معلقاً.

قالَ شيخُنا: ((يعني: إنَّ الخَبرِ الذي ينقلهُ، وفيهِ إخبارٌ ببعضِ ما يأتي، قد لا يقعُ كما في الخبرِ؛ لِكونهم قَد بدَّلوهُ، ولَم يطلعْ كَعبٌ على ذَلِكَ، لا أنَّهُ نَفسهُ يكذبُ، فإنهُ ثقةٌ مأمونٌ - رحمه الله -)). قلتُ: فَإنْ قِيل: كيفَ يؤخَذُ عن بني إسرائيلَ، أو يُنقلُ مِن كتبهم، وَقد رَوَى البُخاريُّ في التفسيرِ (¬1) والاعتصامِ (¬2) مِن "صَحيحهِ" عَن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: ((كانَ أهلُ الكتابِ يَقرؤونَ التوراةَ بالعبرانيةِ، ويفسرونَها بالعربيةِ لأهلِ الإسلامِ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تُصَدِقوا أهلَ الكِتابِ، ولا تكذبوهُم، و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا .. } (¬3) الآية)). وللبغويِّ في تفسيرِ قولهِ تَعالى: {وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} (¬4) بسندٍ لا بأسَ بهِ / 109 أ / عن أبي نَملةَ الأنصاريِّ - رضي الله عنه -: أنَّهُ بينَا هوَ جالِسٌ عندَ النَبي - صلى الله عليه وسلم - جاءهُ رَجل مِن اليَهودِ، وَمُرَّ بجنازةٍ، فقالَ: يا مُحمَّدُ، هل تتكلمُ هَذهِ الجَنازةُ؟ فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : ((اللهُ أعلمُ))، فقالَ اليَهوديُّ: إنها تتَكلمُ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَا حدّثكُم بهِ أهلُ الكتابِ فلا تصدقُوهم، ولا تكذبوهُم، وقولوا: آمنَّا باللهِ وَكُتبهِ وَرسُلهِ، فإنْ كانَ باطلاً لَم تُصدقوهُ، وإنْ كانَ حَقاً لم تكذبوهُ)) (¬5). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 6/ 25 (4485). (¬2) صحيح البخاري 9/ 136 (7362). (¬3) البقرة: 136. (¬4) العنكبوت: 46. (¬5) تفسير البغوي (1633)، وهو في "شرح السنة" كذلك (124). والحديث في: جامع معمر (20059)، ومسند أحمد 4/ 136، وسنن أبي داود (3644)، وصحيح ابن حبان (6257)، ومعجم الطبراني الكبير 22/ (874) و (875) و (878) و (879)، وسنن البيهقي الكبرى 2/ 10.

ولأحمدَ (¬1)، والدارمي (¬2) والبَيهقي في "الشّعبِ" (¬3) عَن جابرٍ: أنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ عنهمَا- أتى النَبيَّ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: إنَّا نَسمعُ أحاديثَ مِن يهودٍ، فتعجبنا (¬4)، أفتَرى أن نكتبَ بعضَها؟ فقالَ: ((أَمُتَهوِّكونَ أنتُم كَما تَهوَّكتِ اليهودُ والنصارى؟ لَقدِ جِئتُكم بهَا بيضاءَ نقيةً، ولَو كانَ موسى حَياً لَما وَسِعَهُ إلاّ اتباعِي)). وَلفظُ الدَارمي: عن جابرٍ - رضي الله عنه -: أنَّ عمرَ بنَ الخطابِ - رضي الله عنه - أتى رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بنسخةٍ منَ التوراةِ فقالَ: يارسولَ اللهِ، هذهِ نُسخةٌ مِن التوراةِ، فسكتَ، فجعلَ يقرأُ، ووجهُ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتغيرُ، فقالَ أبو بكرٍ - رضي الله عنه - (¬5): ثكلتكَ الثواكلُ، ما تَرى ما بوجهِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ فنظرَ عُمرُ إلى وجهِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: أعوذُ باللهِ مِن غضبِ اللهِ، وغَضَبِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - /109 ب/، رَضينَا باللهِ رَباً، وبالإسلامِ ديناً، وبمحمَّدٍ نَبياً، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((والذِي نَفسُ محمدٍ بيدهِ، لو بَدا لكُم مُوسى، فاتبعتموهُ وتركتُموني، لضللتُم عن سَواءِ السَبيلِ، ولو كانَ حيَّاً وَأدركَ نُبوتِي لاتبّعَني))، وفي سَندهِ مجالدُ بن سَعيدٍ، وَليسَ بالقوي، وَقَد تَغَيَّر في آخرِ عُمرهِ (¬6). ¬

_ (¬1) مسند الإمام أحمد 3/ 387. (¬2) سنن الدارمي (435). (¬3) شعب الإيمان (177). والحديث أخرجه: أبو عبيد في "غريب الحديث" 3/ 28 - 29، وابن أبي شيبة (26412)، وابن أبي عاصم في "السنة" (50)، والبزار كما في "كشف الأستار" (124)، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم" 2/ 42، والبغوي في "شرح السنة" (126). (¬4) في (ب): ((تعجبنا)). (¬5) ((عنه)) لم ترد في (أ). (¬6) انظر: تهذيب الكمال 7/ 35.

قولُهُ: (مُتهوكونَ) قالَ ابنُ فارسٍ: ((الهَوَكُ: الحُمقُ والتهوكُ: الوقوعُ في الأشياءِ)) (¬1). وقالَ ابنُ القطاعِ: ((هَوَكَ هَوَكاً: حَمُقَ، وأيضاً: تَحيَّرَ)) (¬2). وَقال عَبدُ الحقِ في "الواعِي": ((والهَوَكُ والتَهَوُّكُ: الحيرةُ في الأمورِ)). وقولُهُ: (أمتهوكونَ)، أي: أمتحيرونَ، ورَجلٌ هوَّاكٌ وَمتهوكٌ، إذا كانَ يقعُ في الأُمورِ بحمقٍ، والأهوكُ: الأهوجُ، وأصلُهُ الذي يتهوكُ في الأُمورِ، أي: يتحيرُ فِيهَا (¬3). وللدارمي (¬4) أيضاً: عن يَحيى بنِ جَعدةَ مُرسلاً قالَ: أُتِيَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بكتفٍ فيهِ كِتابٌ، فقالَ: ((كَفى بقومٍ ضَلالاً أنْ يرغَبوا عما جاءَ بهِ نبيُهُم، إلى ما جَاءَ بهِ نبيٌ غيرُ نبيهِم، أو كتابٌ غيرُ كتابِهم)) فأنزلَ اللهُ {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ .. (} الآيةَ (¬5) (¬6). فَالجوابُ: أَنَّ هَذهِ الأحاديثَ الناهيةَ تحملُ على تَصديقِهم فيمَا لَم يكن في شَرعِنا ما يصدقُه، أو يكذبهُ، جَمعاً بينهَا وبينَ احتجاجِهِ - صلى الله عليه وسلم - بالتوراةِ في قِصةِ الزَاني، كَما في الصَحيحَينِ (¬7)، عَن ابنِ عُمرَ -رضي الله عنهُما-. ¬

_ (¬1) مجمل اللغة لابن فارس مادة (هوك). (¬2) الأفعال لابن القطاع 3/ 352. (¬3) انظر: لسان العرب مادة (هوك)، وتاج العروس مادة (هوك). (¬4) سنن الدارمي (484). (¬5) العنكبوت: 51. (¬6) جاء في حاشية (أ) من خطِّ البقاعي: ((بلغ الله المأمول شهاب الدين الحمصي الشافعي قراءة بحث، وسمع الجماعة، وكتبه إبراهيم البقاعي لطف الله به)). (¬7) الحديث في: صحيح البخاري 8/ 213 - 214 (6841)، وفي صحيح مسلم 5/ 121 (1699) (26) وللحديث طرق أخرى في الصحيحين وغيرهما.

وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((بَلِّغوا عَني ولو آيةً / 110أ / وحَدِّثوا عَن بني إسرائيلَ ولا حرجَ)) كَما في البخارِي (¬1) في ((ذكرِ بَني إسرائِيلَ))، والترمذيِّ (¬2)، والدَارمِي (¬3)، عَن عَبداللهِ بنِ عَمرو - رضيَ اللهُ عنهُما-. وقولهُ تَعالى: {قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (¬4)، وَقولُهُ تَعالى (¬5): {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} (¬6) وَعلى هَذا يتنَزلُ قولُ الخَطَّابي في حديثِ أبي هريرةَ - رضي الله عنه - (¬7): ((هَذا الحديثُ أصلٌ في وجوبِ التوقفِ عمَّا يشكلُ في (¬8) الأمورِ، فلا يُقضَى عليهِ بصحةٍ، ولا بطلانٍ، ولا بتحليلٍ، ولا تَحريمٍ)) (¬9). انتهى. وأوضَحُ دَليلٍ على ذلِكَ قولُهُ تَعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} (¬10)، أي: شاهِداً وَرقيباً، فَما صَدَّقهُ صَدقناهُ، وما كذَّبهُ كَذبناهُ (¬11). على أنَّهُ قَد نُقل عَن كَثيرٍ مِن الصَحابةِ - رضي الله ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 4/ 207 (3461). (¬2) جامع الترمذي (2669). (¬3) سنن الدارمي (548). وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 159 و 202 و 214 جميعهم مِن طريق حسان بنِ عطية، عَن أبي كبشة، عَن عبد الله بنِ عمرو - رضي الله عنه -، فذكره. (¬4) آل عمران: 93. (¬5) ((تعالى)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬6) آل عمران: 3. (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) في (ف): ((من)). (¬9) أعلام الحديث 3/ 1801. (¬10) المائدة: 48. (¬11) انظر: تفسير البغوي 2/ 57.

عنهم السَماع مِن أهلِ الكتابِ، والنقل عَنهم (¬1)، ولهذا فَرقَ المحدثونَ كَما ترى في هَذهِ المسألةِ بينَ ما يكونُ راويهِ مِمَّن حملَ عَن أهل الكِتابِ، فَلا يُحكمُ لهُ بالرَفعِ، وبينَ غَيرِه فَيحكَم لَهُ بهِ، فلعلهُم حَملوا النَهي فِي الحَديثِ الأَولِ والثاني على التنْزيهِ، أو أنَّ ذلِكَ الحكم كانَ قَبلَ أنْ يتمَّ نزولُ الكتابِ المُهيمنِ ويَكملَ الدينُ، فيعرفَ بهِ (¬2) الصِدق مِن الكَذبِ. وَقيدَوا نَهي الحَديث الثالث، وما بعدهُ على تقديرِ الصحَةِ بحياتهِ - صلى الله عليه وسلم -، خَوفاً مِن تَشعبِ الأَمرِ قبلَ تقررِ / 110 ب / الدِينِ باتباعِ مَا لم يأذَنْ بهِ اللهُ، أو ما نَهى الله عَنهُ، وَلفظُ الدارمِي ظاهِرٌ في ذلك، وفِراراً منْ دخولِ اللَبسِ على مِن كانَ يقولُ عِناداً: إنَّما يُعلمُهُ بشر، أو التسبب في وجدانِ المَطعنِ لَهُم بأنْ يقولُوا: إنَّهُ يتعلمُ مِن أهلِ الكِتابِ، فَلمَّا تقررَ الشَرعُ، وكَملَ الدينُ، وَتمَّ إنزالُ الكتَابِ مُهيمناً على كُلِّ كتابٍ، زالت هَذهِ الاحتمالاتُ كُلُها. وأما غَضبُهُ وتغيرُ وَجهِه - صلى الله عليه وسلم - فَقد يكونُ مِن فعلِ المكروهِ، بَل ومن خِلافِ الأَولَى إذا صَدر مِن عالِي المرتبةِ، كتَطويلِ مُعاذٍ - رضي الله عنه - الصلاةَ، ومِنَ التَقصيرِ في فَهمِ الأَمرِ الواضِحِ، كَالذي سَألَ عَن ضَالةِ الأبلِ، بَل ولمجردِ الوعظِ، ونَحو ذلِكَ، واللهُ الهادِي. قالَ شيخُنا شَيخُ الإسلامِ ابنُ حَجرٍ في أواخرِ شَرحهِ للبخَارِي - بعدَ أنْ ذكرَ بعضَ (¬3) ما ذَكرَه أصحابُ الشَافِعي في الزجرِ عَن استفتاءِ الكتابيين كَما هوَ مشهورٌ في بابِ الأحداثِ، وفي بابِ السِيرِ -: ((والأولَى في هَذهِ المسألةِ التَفرقةُ بينَ مَن لَم يتمكنْ، ويصير منَ الراسخينَ في الإيمانِ، فَلا يجوزُ لَه النَظرُ في شيء مِن ذلِكَ، بخِلافِ الراسِخِ فيجوزُ لهُ، ولا سيمَا عندَ الاحتياجِ إلى الرَدِّ على المخالِفِ، ¬

_ (¬1) انظر: تفسير ابن كثير 2/ 68. (¬2) في (ب) و (أ): ((بها))، وأشار ناسخ (أ) إلى الصواب في الحاشية. (¬3) لم ترد في (ب).

ويَدلُ على ذلِكَ نَقلُ الأئمةِ قَديماً وَحديثاً مِن التوراةِ، والزامهمُ اليَهودَ بالتصديقِ بِمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - / 111 أ / بما يَستخرجونهُ مِن كِتابِهِم، وَلولا اعتقادُهُم جَوازَ النَظرِ فيهِ، لَما فَعلوه، وَتوارَدوا عليهِ)). (¬1) انتهَى. وَإذا تُؤمِلَ كلامُ أئمتِنا وإمامِهم أرشدَ إلى ذلِكَ، قالَ الشافِعي -رَحِمَهُ اللهُ- في " الأمِّ " (¬2) في بابِ تَرجمتِهِ كتبِ الأعاجمِ مَا نصُه: ((وَما وجِدَ مِن كتبهِم فَهو مَغنمٌ كُلهُ، وَينبغِي للإمامِ أنْ يدعوَ مَن يترجمهُ، فإنْ كانَ عِلماً مِن طِبٍّ أو غَيرهِ لا مكروهَ فيهِ باعَهُ، كَما يبيعُ ما سِواهُ مِنَ المغانمِ، وإنْ كانَ كتابَ شِركٍ شَقوا الكِتابَ فانتفَعوا بأوعيتِهِ وأداتهِ، فباعهَا، ولا وجهَ لتحريقهِ، ولا دفنهِ قبلَ أن يعلَمَ مَا هوَ)). فهو كما ترى قَد عمَّ، ولَم يَخصَّ توراةً، ولا غيرَهَا، وَقيدَ ما يشقُ بكونهِ كتابَ شِركٍ، وأباحَ الانتفاعَ بمَا لا مكروهَ فيهِ، وَجعلَ مِعيارَ ذلِكَ النَظرَ، وزجرَ عَن إتلافِهِ قبلَ معرفتهِ، فَكلُّ ما صدّقَهُ كتابُنا، بَل ما لَم يكذبهُ لا مكروهَ فيهِ، وَكلُّ مَن نصَّ على التوراة والإنجيل، منَ الأصحابِ عَلَّلَ ذلِكَ بالتَبديلِ، فَيجعلُ ذلِكَ هوَ المَدار، وَادعاؤهُ في الكلِّ مكابرةٌ؛ فَيخصُّ بما بُدِّلَ مِنهَا بشهادةِ الذِكرِ الحَكيمِ. وقالَ البغويُّ: ((إنَّهُ يجوزُ للجنبِ قراءتهمَا)) وَأوضحُ منهُ في جوازِ مطالعتهِما وَاحترامِهمَا نَقْلُ الشيخِ محيي الدِينِ النَوويِّ في " شرحِ المهذَبِ " (¬3) عَن المتولي: ((أنَّهُ إنْ ظنَّ أنَّ فيهمَا شيئاً غيرَ مبدلٍ، كُرِهَ مسُّهُ - أي: للمحدثِ - ولا يحرمُ)) / 111ب / وأقرّهُ عليهِ، واللهُ الموفقُ. ¬

_ (¬1) فتح الباري 13/ 644. (¬2) 4/ 263. (¬3) المجموع 2/ 87.

قولُهُ: (تَحسينَاً للظنِّ بهِ) (¬1)، أي: أنَّ الصحابيَّ الذِي لَم يُعرفْ أنَّهُ أخذَ عَن أهلِ الكِتابِ يُحسنُ الظنُّ بهِ، ويحملُ حالُهُ على أنَّهُ كَفَّ عَن السَماعِ مِنهُم، والروايةِ عَنهم؛ لتنفيرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - عَنهُم. قولُهُ: (فَيقول عَهِدنَاهُم) (¬2) يَعني: أنَّ ابنَ حزمٍ يقولُ في هَذهِ المسألةِ بالوقفِ، مشياً معَ اللفظِ، فإذا رَأى القائلينَ بالرَفعِ تَركوا حَديثاً مِن هَذهِ يُلزمهُم بذلِكَ التناقُض، فَيقولُ: عَهِدناهُم يقولونَ: ((لا يقالُ مثلُ هَذا مِن قبلِ الرَأي))، يعني: فلأي شيء لا يعمَلونَ بهَذا الحَديثِ. قولُهُ: (ولإنكارهِ وَجهٌ) (¬3) إذا قيلَ بالتفصيلِ المتقدِمِ، انتَفى أنْ يكونَ لإنكارهِ وَجهٌ. قولُهُ: (فَلعلَ بعضَ ذلِكَ سَمِعهُ ذلِكَ الصَحابيُ) (¬4) قَد علمت أَنَّ هَذا لا يجرِي إلا في حَقِّ مَن نُقلَ أنَّهُ أخذَ عَن أَهلِ الكِتابِ، وأمَّا مَن جُهلَ حَالهُ فَيحسن الظنُّ بهِ، كَما قالَ الإمامُ، ولا يحمَل ذلِكَ إلا على سَماعهِ لَه مِن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -، فإنْ كانَ منقولاً عَنهُ التنفيرُ عَن أهلِ الكِتابِ، والزجرِ عَن السَماعِ مِنهُم، فَهوَ أحرَى بأنْ يحكُمَ عَلى ما قالَهُ بالرَفعِ. قولُهُ: (كَما سَيأتي) (¬5)، أي: في روايةِ الأكابرِ عَن الأصاغِرِ (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200. (¬6) من قوله: ((قوله: (كما سيأتي))) إلى هنا لم يرد في (ف).

قولُهُ: 118 - وَمَا رَوَاهُ عَنْ (أبِي هُرَيْرَةِ) (¬1) ... (مُحَمَّدٌ) وَعَنْهُ أهْلُ البَصْرَةِ 119 - كَرَّرَ (قَالَ) بَعْدُ، (فَالخَطِيْبُ) ... رَوَى بِهِ الرَّفْعَ وَذَا عَجِيْبُ الأحسنُ تحريكُ هَاءِ التأنيثِ، وَسكونُها قَبيحٌ؛ لأنَّهُ يَصيرُ في القَافيةِ سِنادُ الردفِ (¬2) فَـ ((هريرةُ)) مردفٌ، و ((البصرة)) غَيرُ مردف. قولُهُ: (عَجيب) (¬3) هوَ عجيبٌ! لأنَّ ابنَ سيرينَ قَد صَرحَ - كَما فِي الشَرحِ - بأنَّ كلَّ ما يَرويهِ / 112أ / عَن أبي هُريرةَ فَهو مرفوعٌ، فانتَفى التعجبُ مِن الحُكمِ على ما كررَ فيهِ ((قالَ))، بل وَمِنَ الحُكمِ على ما لَم يكرر فيهِ، فَإنَّهُ لم يُقيد. قالَ شيخُنا: ((فَلو قالَ: ((وَذا تجريب)) كانَ أحسن؛ لأنَّ هَذا الاصطلاحَ لم يُعرفْ إلاّ لمحمدِ بنِ سيرينَ مِن أهلِ البَصرةِ)). وَقلتُ أَنا: لو قالَ وَ ((ذا قَريبٍ)) لكانَ (¬4) أحسنَ؛ لأنَّ هذا أقربُ في كونهِ مرفوعاً مِمَّا تقدّمَ، ولا سِيَّما إذا انضمَّ إلى ذلِكَ كونُه لا مجالَ للرَأيِ فيهِ، وَوراءَ هَذا أنَّهُ لا تعجبَ منَ الشَيخِ؛ فَإنَّ تصريحَ ابنِ سيرينَ بما أرادَ لا يخرجُ ذلِكَ عنِ العجبِ، فإنَّهُ أمرٌ خارِجٌ عَن أشكالِه (¬5)، ويَخفَى سببُهُ على مَن لَم يعرفِ المرادَ، وهم الأكثرُ (¬6)، والمثالانِ اللذانِ أوردَهمَا لا يحتاجُ فيهمَا إلى شَيء مِن هَذا، فإنَّ كلاً مِنهمَا قَد وردَ مسنداً. ¬

_ (¬1) بكسر آخره للوزن. (¬2) السِّنَاد: هو اختلاف الردفين، وقيل: هو كل عيب يلحق القافية، أي عيب كان، وقيل غير ذلك. تاج العروس مادة (سند). أما الردف: فهو حرف ساكن من حروف المَد واللين، يقع قبل حرف الرَّوِيِّ، ليس بينهما شيء. تاج العروس مادة (ردف). (¬3) التبصرة والتذكرة (119). (¬4) في (ب): ((كانَ)). (¬5) أي: أمثاله. (¬6) من قوله: ((ووراء هذا)) إلى هنا لم يرد في (ف).

المرسل

قولُهُ: (الحمال بسَندِه) (¬1) قالَ شَيخُنا: ((ليسَ بينَ الحمالِ وبينَ حَمادِ بنِ زيدٍ غيرُ وَاحِدٍ فَلو أبرزهُ الشيخُ كانَ أولَى، معَ عدمِ الإخلالِ بالاختصارِ، لَكن كأنَّ (¬2) الشيخَ (¬3) كتَبهُ مِن حفظِهِ، فَلم يستحضِرِ الواسطَةَ)). المرسل (¬4) قولُهُ: (المُرسَلُ). قلتُ: هوَ مِنَ الرسالةِ، وأصلُهَا الإطلاقُ إلى ما بينكَ وبينهُ بونٌ، فَلمَّا كانَ بينَ المرسِلِ والمرسَلِ إليهِ وَاسِطةٌ هِي المُرسَلُ عنه، كانَ كأنَّهُ قَد أرسَلَ الحَديثَ إليهِ بتِلكَ الأداةِ التي أضافَهُ بها إليهِ، فَأشبهَ البَعيدَ الذِي وَصلتَ ما بينَكَ وبينهُ برسولٍ بَلّغهُ عنكَ ما تُريدُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 201. (¬2) في (ف): ((قال)). (¬3) جاءَ في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬4) انظر في المرسل: معرفة علوم الحديث: 25، والكفاية: (58 ت، 21 هـ)، والتمهيد 1/ 19، ومعرفة أنواع علم الحديث: 126، وجامع الأصول 1/ 115، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 167 - 179، والمجموع شرح المهذب 1/ 60، والاقتراح: 208، والتقريب: 54 - 57، ورسوم التحديث: 68، والمنهل الروي: 42، والخلاصة: 65، والموقظة: 38، وجامع التحصيل: 23 وما بعدها، واختصار علوم الحديث 1/ 153 وبتحقيقي: 113، والبحر المحيط 4/ 403، والشذا الفياح 1/ 147، والمقنع 1/ 129، ومحاسن الاصطلاح: 57، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 202، وتنقيح الأنظار: 121، ونزهة النظر: 62، والمختصر: 128، وفتح المغيث 1/ 128، وألفية السيوطي: 25 - 29، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 72، وفتح الباقي 1/ 194، وتوضيح الأفكار 1/ 283، وظفر الأماني: 343، وشرح شرح نخبة الفكر: 399، واليواقيت والدرر 1/ 498، وقواعد التحديث: 133، ولمحات في أصول الحديث: 225.

قولُهُ: (مرفوعُ تَابعٍ ... ) (¬1) إلى آخرهِ، دَخلَ في التعريفِ ما إذا سمعَ الكافِرُ مِن النَبي - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ لَم يُسلِم حَتى ماتَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ فإنَّهُ تَابعيٌ اتفاقاً، فَمقتضَى التَعريفِ أنْ يَكونَ حديثُهُ الذِي سَمعَه منهُ - صلى الله عليه وسلم - مُرسلاً. وليسَ كَذلِكَ، بَل هوَ موصُولٌ، لا خِلافَ في الاحتجَاجِ بهِ / 112 ب / وَذلِكَ كَالتنَّوخِيِّ رَسولِ هِرقلَ - وَفي روايةٍ قَيصَرَ- (¬2) فَقد أَخرجَ حدِيثَهُ الإمامُ أحمَدُ (¬3) وأبو يَعلَى (¬4) في مُسندَيهِمَا، وسَاقاهُ مَساقَ الأحاديثِ المُسندةِ مِن حديثِ أحدِ ثِقاتِ التابعينَ: سعيدِ ابنِ أبي راشدٍ: أنَّهُ حدثهُ أنَّهُ قدِمَ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في تبوكَ، وَكانتْ (¬5) لهُ معهُ قِصةٌ طويلةٌ، مِنها: نَظرُه إلى خاتِم النبوةِ، وَمنهَا: أنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لَهُ: ((وكتبت إلى قَيصَر، فرفعَ كِتابي، فلا يزال النَّاسُ يذكرُ كلمتهُ ما كانَ في العيشِ خَير)). وفي روايةِ أحمدَ: ((وَكتبتُ إلى صاحبكَ بصحيفةٍ فأمسكهَا، فلا يزالُ النَّاسُ يجدونَ منهُ بأساً ما دامَ في العيشِ خَيرٌ)). وَيخرجُ منهُ (¬6): ما أضافهُ الصَحابيُ الذِي أُحضرَ إلى النَبي - صلى الله عليه وسلم - غيرَ مميزٍ، كَعبيدِ اللهِ بنِ عَدي بنِ الخِيار، الذِي مثلَ بهِ كِبارَ التابعينَ؛ فَإنَّ أباهُ قُتِلَ يومَ بَدرٍ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (120). (¬2) جاءَ في حاشية (أ): ((أي رسول قيصر)). (¬3) مسند الإمام أحمد 3/ 441. (¬4) مسند أبي يعلى (1597)، وأخرجه أيضاً: أبو عبيد في " الأموال " (629)، وحميد بن زنجويه في " الأموال " (961)، والفسوي في " المعرفة والتاريخ " 3/ 298، وعبد الله بن أحمد في " زياداته " 4/ 74 و75، والبيهقي في " دلائل النبوة " 1/ 266. وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 8/ 234 - 236 وقال: ((رواه عبد الله بن أحمد وأبو يعلى ورجال أبي يعلى ثقات ورجال عبد الله بنِ أحمد كذلك)). (¬5) جاءَ في حاشية (أ): ((أي التنوخي)). (¬6) جَاءَ في حاشية (أ): ((أي المرسل)).

كَافِراً على ما قالَ ابنُ ماكُولا (¬1). وعدَّ ابنُ سعدٍ (¬2) أباه في مسلِمَةِ الفَتحِ، وكمحمدِ بنِ أبي بكرٍ الصِدِّيقِ - رضِي اللهُ عَنهُما- فإنَّهُ ولدَ عامَ حجةِ الوَداعِ. فَعلى مُقتضَى التَعريفِ لا يكونُ مرسلاً، بل مَوصولاً؛ لأنَّهُ مِن إضافةِ صَحابي إلى النَبي - صلى الله عليه وسلم -، وليسَ كذلِكَ، بل هوَ مُرسَلٌ، يجيء فيهِ مَا يجيءُ في المراسِيلِ، وَلا يُقالُ: إنَّهُ مقبولٌ كمراسِيلِ الصَحابةِ؛ لأنَّ روايةَ الصَحابةِ إمَّا أنْ تكونَ عَن النَبي - صلى الله عليه وسلم -، أو عَن صَحابيٍّ آخرَ، وَالكلُّ مقبولٌ، واحتمالُ كونِ الصَحابيِ الذي أدركَ وَسَمعَ، يروي عَن التابعينَ بَعيدٌ جِداً، على أنَّ ذلِكَ استُقرئ فَلم يَبلُغ / 113 أ / عشرةَ أحاديثَ، بخلافِ مَراسيلِ هَؤلاءِ، فإنَّها عَنِ (¬3) التابعينَ بكثرةِ، فَقوي احتمالُ أنْ يكونَ السَاقِطُ غيرَ صَحابيٍّ، وَجاءَ احتمالُ كونِهِ غيرَ ثقةٍ. ولا يقالُ: إنَّ ما جزمَ بهِ يقبلُ قَطعاً؛ لأنَّهُ صحَّ عِندهُ؛ لأنَّ السَاقِطَ قَد يكونُ ثقةً عندهُ، ولا يكونُ ثقةً عِندنا، فَلو أبرزَهُ لأمكنَ أنْ نَطّلِعَ فيهِ على جرحٍ، فلو قالَ: ((مرفوع تابعي، أو مَن في حكمهِ لَم يَسمعْهُ مِن النَّبي - صلى الله عليه وسلم -)) لَسَلِمَ، وسَيأتي حُكمُ مراسيلِ الحَسنِ البَصريِ في الكَلامِ على المَوضوعِ (¬4). قولُهُ: (أو سَقط راوٍ) (¬5) عَطف على مَرفوعٍ بتقديرِ مضافٍ، أي: المرسَلِ ¬

_ (¬1) الإكمال لابن ماكولا 2/ 43. (¬2) نص على ذلِكَ شيخ المصنف ابن حجر في الإصابة 2/ 469 وزاد على ذلِكَ بأن العجلي جعله في الصحابة أيضاً. ولكن في " الطبقات الكبرى " لابن سعد 2/ 18 ذكره فيمن قتل مِن المشركين يوم بدر فلعل هذا تقليد مِن المصنف لما ذهب إليه شيخه ابن حجر، والله أعلم. (¬3) في (ب): ((مِن)). (¬4) من قوله: ((وسيأتي حكم مراسيل ... )) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬5) التبصرة والتذكرة (121).

مرفوع التَابعي، أو ذو سَقط راوٍ (¬1) مِن السَند (¬2). وَجعلَ راوياً اسمَ جنسٍ، بدليلِ تفسيرِهِ إياهُ في الشرحِ بقولِهِ: ((مَا سقطَ رَاوٍ مِن إسنادِهِ فأكثرُ)). قالَ شيخُنا: ((وهَذا القولُ ظاهرُه مُشكِلٌ جدَّاً، فإنَّهُ يقتضِي أنَّهُ لو قالَ أحدٌ في هَذا الزَمانِ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذا يُقبلُ، ولو أسقطَ جَميعَ السَندِ عندَ مَن يقبلُ المرسلَ، وما أظنُّ أحداً يَقولُ بِهذا، فيغلبُ على الظَنِّ أنَّهُ مقيدٌ بالقرونِ الثَلاثةِ، كَما رُويَ عَن أبي حَنيفةَ (¬3) - رَحمهُ اللهُ -)). قلتُ: لكنَّ قولَهُ: ((مِن إسنادِه)) يأبى ذلِكَ؛ فإنَّ ((مِن)) فيهِ للتَبعيضِ، فلا بدَّ مِن إبقاءِ شيء منَ السَندِ، واللهُ أعلمُ. وَقول مَن قالَ: ((المرسَلُ قولُ غيرِ الصَحابي: قَالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4) محمولٌ (¬5) على أنَّ المراد بالغيرِ التابعيُّ لِما تَقدّمَ. قولُهُ: (فالمشهورُ أنَّهُ مارفعهُ) (¬6)، أي: وَلو حُكمَاً. قولُهُ: (مِن كبارِ التابعينَ) (¬7) مثَّلَ بثلاثةِ أنفُسٍ، كُلٌ مِنهُم مِن طَبقةٍ، فعبيدُ اللهِ لَهُ رؤيةٌ فَهوَ صَحابيٌ مِن جهتِهَا، وَتابعيٌ مِن جهةِ الرِوايةِ، وقيسُ بنُ أبي حازمٍ البجَلي / 113 ب / مُخضرمٌ، ما أسلمَ إلا بعدَ موتِ النَبي - صلى الله عليه وسلم -، على أنَّ لأبيهِ صُحبةً، وَسعيدٌ (¬8) تَابعيٌّ بكلِ اعتبارٍ. هَكذ حفظتُ هَذا عَن شَيخِنا: أنَّ ابنَ الخِيارِ لَهُ رؤيةٌ، ¬

_ (¬1) في (ب): ((راوية)). (¬2) في (ف): ((سنده)). (¬3) انظر: جامع التحصيل: 29. (¬4) قال الحافظ ابن حجر: ((بهذا التعريف أطلق ابن الحاجب وقبله الآمدي والشيخ الموفق، وغيرهم)). النكت لابن حجر 2/ 544 وبتحقيقي: 321. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن المسيب)).

وقَد قالَ المصنِفُ في "النُكتِ": إنَّهُ اعترضَ (¬1) على ابنِ الصَلاحِ بأنَّ عُبيدَ اللهِ ذُكرَ في جملةِ الصَحابةِ، قالَ: ((وهَذا الاعتراضُ ليسَ بِصَحيحٍ؛ لأنَّهُم إنَّما (¬2) ذكروهُ جَريَاً على قَاعدتِهم في ذكرِ مَن عَاصَرَه؛ لأنَّ عُبيدَ اللهِ وُلِدَ في حَياتِهِ - صلى الله عليه وسلم -، وَلم يُنقَل أنَّهُ رَأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، كَما ذكَروا قيسَ بنَ أبي حَازمٍ (¬3) وأمثالَهُ مِمن لَم يَرَ النَبيَّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لِكونِهم عَاصَروهُ، على القَولِ (¬4) الضَعيفِ في حَدِّ الصَحابي، وإنما رَوَى عبيدُ اللهِ بنُ عَدي عنِ الصَحابةِ: عُمرَ، وعثمانَ، وعلي، في آخرينَ (¬5)، ولم يسمَع مِن أبي بكرٍ، فَضلاً عَنِ النَبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬6). قولُهُ: (كالزهرِي وَأبي حَازمٍ) (¬7) هوَ سَلمةُ بنُ دينارٍ، وَليسَ هوَ قَريباً لقيسٍ. قولُهُ: (بل هيَ مُنقطِعةٌ) (¬8) كانَ ينَبغي ((مُعضلةٌ))؛ فإنَّ المرسَلَ والمنقطِعَ، وإنِ اشتَركا في أنَّ (¬9) السَاقِطَ مِن كلٍ منهمَا واحِدٌ، لكنَّهُ صَرحَ بالمغايرةِ بينَهما، فالمنقطِعُ ما سَقطَ منهُ واحِدٌ قبلَ الصَحابِي، والمرسَلُ ما سَقطَ منهُ واحِدٌ هوَ الصَحابيُ. والفَرضُ أَنَّ التَابعيَ أسقَطَ مَن بَينهُ وَبينَ النَبي - صلى الله عليه وسلم -، والظاهِرُ أنَّ ذلِكَ ¬

_ (¬1) من المعترضين ابن الملقن في "المقنع" 1/ 129. (¬2) لَم ترد في (ب)، وهي من (أ) و (ف)، وهي موجودة في التقييد. (¬3) وممن ذكر ابن عبد البر في "الاستيعاب" 3/ 247، وصرح بأنَّهُ لَم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -، وابن حبان في "ثقاته" 5/ 307، وكذا ذكره الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" 2/ 19 (197)، وقال : ((لم ير النبي - صلى الله عليه وسلم -)). (¬4) في (ب): ((الوجه))، وما أثبته من (أ) و (ف)، وهو الموافق للتقييد. (¬5) تهذيب الكمال 5/ 52 (4253). (¬6) التقييد والإيضاح: 71. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203 - 204. (¬9) لم ترد في (ب).

تَابعيٌّ وَصَحابيٌّ؛ لأنَّ فرضَ المَسألةِ أنَّهُ تَابعيٌّ صَغيرٌ يكثرُ الروايةَ عَن التابعينَ؛ فصارَ السَاقِطُ اثنينِ مُتواليينِ، فَانطبقَ عليهِ تَعريفُ المعضَلِ. قالَ ابنُ / 114 أ / الصَلاحِ: ((وهَذا المَذهبُ فَرعٌ لمذهبِ مَن لا يُسمي المنقطِعَ قبلَ الوصولِ إلى التابعي مُرسَلاً)) (¬1). وأَمَّا مَن يسميهِ مُرسلاً، سَواءٌ كانَ انقطاعهُ بسُقوطِ اثنينِ مُتواليينِ فَأكثرَ (¬2)، أم لا، فَهذا عِندهُ مرسَلٌ؛ لأنَّ المُرادَ بالتَابعي في قولهِ: ((قبل الوصولِ إلى التابعي)) مَن ليسَ بينهُ وبينَ النَبي - صلى الله عليه وسلم - واسطةٌ في ذلِكَ الحَديثِ إلا الصَحابي. وأسانيدُ هَؤلاءِ الصِغارِ يحتملُ أنْ يكونَ سَقطَ فِيهَا قبلَ ذلِكَ التَابعِي واحدٌ فأكثرُ احتمالاً قوياً، فتكونُ منقطعةً كيفَ ما كانَ السَقطُ، على أنَّ الصَوابَ -كَما قالَ المصنِفُ في "النُكتِ" - أن يقولَ: ((قبلَ الوصُولِ إلى الصَحابي، فإنَّهُ لو سَقطَ التَابعيُ أيضاً كانَ مُنقطعاً، لا مُرسَلاً عندَ هَؤلاءِ، ولكن هَكذا وَقعَ في عِبارةِ الحَاكمِ، فَتبعهُ عليهِ)) (¬3). قولُهُ: (ولم يلقوا مِن الصَحابةِ إلا الواحِدَ والاثنينِ) (¬4) ليسَ ذلِكَ قيداً، بل وَلو لَقوا أكثرَ مِن ذلِكَ؛ فإنَّ العِبرةَ بكثرةِ الروايةِ عَنِ التابعينِ، لا بكثرةِ لِقاءِ الصَحابةِ، ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 128، وقد قالَ البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 135: ((فيهِ نظر: فهذا المذهب أصل يتفرع عليهِ أنَّهُ لا يسمى المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلاً)). وقال الحافظ ابن حجر في " نكته " 1/ 560 جامعاً بين القولين: ((يظهر لي أن ابن الصلاح لما رأى كثرة القائلين مِن المحدثين بأن المنقطع لا يسمى مرسلاً؛ لأن المرسل يختص عندهم بما ظن منهُ سقوط الصحابي فقط، جعل قول من قال منهم: إن رواية التابعي الصغير إنما تسمى منقطعة لا مرسلة مفرعاً عَنهُ؛ لأنه يظن أنَّهُ سقط منهُ الصحابي والتابعي أيضاً)). (¬2) وهم الحنفية، وإمام الحرمين ومن تابعه، كما قال العلائي في " جامع التحصيل ": 32. (¬3) التقييد والإيضاح: 71. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 204.

والكَبيرُ مَن رأى أكابِرَ الصَحابةِ، والصَغيرُ مَن لَم ير إلاّ أصاغرَهُم، لا كَما يُفهمُهُ كَلامُهُ. قولُهُ: (ابن عباد) (¬1) قالَ في "النُكتِ": ((بكسرِ العَينِ، وتَخفيفِ الموحدَةِ، وقال: سَمعَ منهُم كُلهم، ثُمَّ استثَنى عبدَ اللهِ بنَ جَعفرَ، وعبدَ اللهِ بنَ عمرَ)) (¬2) كَما ذُكِرَ (¬3) في الشرحِ. قولُهُ: (وعبدُ الرحمانِ بنُ أزهرَ) (¬4) قالَ في "النُكتِ": ((وَقالَ ابنُ حزمٍ: إنَّهُ لَم يسمَع أيضاً مِن عبدِ الرَحمانِ بنِ أزهرَ، ثُمَّ حكَى عَن أحمدَ بنِ صَالِحٍ المصرِي أنَّهُ قالَ: لَم يسمَع منهُ فيمَا أَرى، ولَم يدركهُ. قلتُ (¬5): وكذا قالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: ما أراهُ سمعَ منهُ / 114ب / قالَ: وَمعمرُ وأسامةُ يقولانِ عَنهُ: إنَّهُ سَمعَ منهُ، وَلم يصنعَا عِندي شَيئاً (¬6)، ثُمَّ قالَ: وسمعَ مِن جماعةٍ آخرينَ (¬7) مختلفٌ في صحبتِهم، فَعدَّ مِنهُم: أبا أمامةَ بنَ سهلِ بنِ حنيفٍ، وقالَ: فهؤلاءِ سَبعةَ عشرَ ما بينَ صحابيٍ، ومختَلفٍ في صحبتهِ)) (¬8) كَذا قالَ! غيرَ أنَّ الذينَ ذكر في "الشَرحِ"، و"النُكتِ" إنما هم سِتةَ عَشرَ، ثُمَّ قالَ: ((وَقد تنبهَ المصنِفُ لِهذا الاعتراضِ، فأملى حاشيةً على هَذا المكَانِ مِن كتابهِ، فَقالَ: قولُهُ: ((الواحدُ والاثنينِ)) كالمثالِ، وإلاّ فَالزهريُّ قَد ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 204. (¬2) التقييد والإيضاح: 72. (¬3) في (أ): ((ذكرهُ))، وأما في (ب) فكانت ((ذكره))، ثمَّ حذف الهاء، وضمَّ الذال، وكسر الكاف. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 204. (¬5) القائل الحافظ العراقي، وما زال الكلام لَهُ. (¬6) انظر: المراسيل: 190 - 191. (¬7) في (ب): ((أخرى)). (¬8) التقييد والإيضاح: 72، وفي آخر النقل تصرف.

قيلَ: إنَّهُ رأى عَشرة منَ الصَحابةِ، وسَمعَ مِنهُم: أنساً، وسهلَ ابنَ سعدٍ، والسائبَ بنَ يزيدَ، ومحمودَ بنَ الربيعِ، وسُنيناً أبا جميلةَ، وغيرَهم، وَهوَ مع ذلِكَ أكثرُ روايتِهِ عَن التابعينَ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). قولُهُ: (فَقد لَقيَ مِن الصَحابةِ) (¬2) اعتراضٌ غير متمكنٍ؛ لأنَّ لقاءهُ لَهم لَم يرفعْهُ عَن رتبةِ مَن لقيَ الواحِدَ والاثنينِ فقَط بالنسبةِ إلى الروايةِ كَما تقدّمَ، على أنَّ بعضَهم رآهم رؤيةً مجردةً مِن غيرِ سماعٍ، فَقد اختلفَ في سماعهِ مِن عبدِ الله بنِ عمرَ كَما قالَ الشيخُ، بل واختلفَ في لقائهِ لَهُ، وسماعه مِن ابنِ جعفرَ بَعيدٌ، واختلفَ في سماعهِ مِن عبدِ الرحمانِ بنِ أزهرَ، وبعضُهم لَم يسمعْ مِن النبي - صلى الله عليه وسلم - شَيئاً، أو إنما سَمعَ حَرفاً أو حرفينِ، فَسهلُ بنُ سَعدٍ هوَ السَاعديُّ، أدركَ مِن حياةِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم - خَمسَ عشرةَ سنةً. (¬3) وربيعةُ بنُ عباد / 115 أ / - بكسرِ المهملةِ، وتخفيفِ الموحدةِ - الديلي رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - في سوقِ عكاظٍ في العرضِ على القبائلِ. (¬4) وعبدُ اللهِ بنُ جعفرَ بن أبي طالبٍ ابن ابنِ عمِّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ولدَ بالحبشةِ في الهجرةِ إليهَا، وأدركَ مِن حياة النَبيِّ - صلى الله عليه وسلم - عشرَ سنينَ (¬5). والسائبُ بنُ يزيدَ هوَ الكِنديُّ، وقيلَ: أزديُّ، وقيل: غيرُ ذلِكَ، يعرف بابنِ أختِ النمر (¬6)، رُوِيَ أنَّهُ قالَ: ((حُجَّ بي معَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنا ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 72. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203. (¬3) انظر: الإصابة 2/ 407. (¬4) انظر: الإصابة 2/ 162. (¬5) انظر: الإصابة 3/ 170. (¬6) انظر: الإصابة 2/ 294.

ابنُ ستِ سنينَ (¬1))) (¬2). وسنينُ - بمهملةٍ ونونينِ مُصغرٌ - أبو جَميلة (¬3) -بفتحِ الجيمِ- ابنُ فرقد السلمي، ويقالُ: الضَمري (¬4). وعبدُ الله بنُ عامرِ بنِ ربيعةَ السلميِ العنْزي -بسكونِ النونِ -حليفُ بني عَدي، كانَ عندَ وفاةِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ابنُ خمسٍ، أو أربعِ سنينَ (¬5). وأبو الطُفيلِ هوَ عامِرُ، وقيلَ: عمرُو بنُ واثلةَ -بالمثلثةِ- الليثي، وُلِدَ عامَ أحدٍ، فأدركَ نَحوَ ثماني سنينَ. (¬6) ومحمودُ بنُ الربيعِ الخزرجي (¬7) عَقِلَ منَ النبي - صلى الله عليه وسلم - مجةً (¬8) مجَّها مِن بئرٍ ¬

_ (¬1) هكذا في جميع النسخ، وكذا جاء في الإصابة، فقد تبع البقاعي ابن حجر في ذلك، ولعل الصواب: ((سبع سنين)) كما جاء في مصادر التخريج، والله أعلم. (¬2) ورد الحديث بعدّة ألفاظ، كما جاء في مصادر التخريج، فقد ورد بلفظ: ((حج بي أبي))، وبلفظ: ((حُجَّ بي))، وبلفظ: ((حجَّ يزيد))، وقال الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " عقب الحديث (1858): ((وقال ابن سعد، عن الواقدي، عن حاتم ((حججت بي أمي)) وللفاكهي من وجه آخر، عن محمد بن يوسف، عن السائب ((حج بي أبي)) ويجمع بينهما بأنه كان مع أبويه)). أخرجه: أحمد 3/ 449، والبخاري 3/ 24 (1858)، والفاكهي في " أخبار مكة " (815)، والترمذي (926) و (2161)، والطبراني في " الكبير " (6678)، والحاكم 3/ 637. (¬3) في جميع النسخ: ((أبو جميل))، والتصويب ممّا سبق، والإصابة. (¬4) انظر: الإصابة 2/ 403. (¬5) انظر: الإصابة 3/ 228. (¬6) انظر: الإصابة 3/ 130. (¬7) انظر: الإصابة 5/ 94. (¬8) قال الحافظ ابن حجر في الفتح عقب الحديث (77): ((مجة: بفتح الميم وتشديد الجيم، والمج هو إرسال الماء من الفم، وقيل: لا يسمى مجاً إلاّ إن كان على بعد. وفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مع محمود إما مداعبة معه، أو ليبارك عليه بها كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة)).

كانت في دارِهِم (¬1). والمسورُ بنُ مخرمةَ الزُهري أدركَ نَحوَ ثماني سنينَ. (¬2) وعبدُ الرحمانِ بنُ أزهرَ الزُهري، رُوِيَ أنَّهُ كانَ في فتحِ مكةَ محتلماً، ولهُ حديثٌ واحدٌ (¬3). هَذا ما في الزُهري. ويعترضُ على العبارةِ أيضاً بأبي حَازمٍ، فَقد قيلَ: إنَّهُ لَقيَ جماعةً منَ الصحابةِ، مِنهم: أبو هريرةَ، وابن عمرَ (¬4)، وابنُ الزبيرِ، والحسينُ بنُ علي - رضي الله عنهم -. قولُهُ: (فعلى هَذا المرسَلُ والمنقطعُ واحدٌ) (¬5)، أي: والمعضلُ. قولُهُ: (وبهِ قطعَ الخطيبُ) (¬6) قالَ النوويُّ / 115 ب / - على ما نُقلَ عَنهُ -: ((وَجماعةٌ مِن المحدثينَ)). قولُهُ: (وَعلى هَذا فيكونُ قَولاً رابعاً) (¬7) ليسَ كذلِكَ، بلِ التحقيقُ أنَّهُ مقيدٌ للقولِ الثالثِ، كأنَّهُ لما قالوا: ((ما سقطَ مِن إسنادهِ راوٍ فأكثرُ)) قالَ: بشرطِ أنْ لا يكونَ تَدليساً بأنْ لا يكونَ للراوي سَماعٌ مِمَّن فوقَه (¬8)، فيحملُ ذلِكَ الإطلاقُ على كلامهِ، ¬

_ (¬1) أخرجه: البخاري 1/ 29 (77) و 1/ 59 (189) و 8/ 95 (6354)، وابن ماجه (660) و (754)، والنسائي في "الكبرى" (5865) و (10947) وفي "عمل اليوم والليلة"، له (1108)، وابن خزيمة (1709). (¬2) انظر: الإصابة 5/ 142. (¬3) انظر: الإصابة 3/ 320. (¬4) في (ف): ((وابن عمرو)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 205. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1 205. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 205. (¬8) عبارة: ((بأن لا يكون للراوي سماع ممن فوقه)) لم ترد في (ب).

وإنَّما القولُ الرابعُ الذِي لا بدَّ منهُ: قولُ مَن يسوي بينَ المرسلِ والمنقطعِ، فَيقولُ: المرسلُ ما سقطَ مِن إسنادهِ راوٍ واحدٌ، وهَذا موجودٌ في استعمالِ أهل الحديثِ، فَقد رَوَى البخاريُّ خَبراً عَن إبراهيمَ النخعي، والضَحاكِ المشْرَقي، عَن أبي سَعيدٍ، ثُمَّ قالَ: إبراهيمُ، عَن أبي سعيدِ مرسلٌ (¬1). وعبارةُ ابنِ الحَاجِب في " مختصرهِ " (¬2): ((المرسلُ قولُ غيرِ الصَحابي: قالَ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬3). قالَ بعضُ أصحابِنا: كَما حكاهُ ابنُ كثيرٍ شاهداً لتناولهِ غيرَ التَابعي (¬4)، فَعلى هَذا يُعدُّ قولاً آخرَ، فَتأملْ. قولُهُ: 122 - وَاحتَجَّ (مَالِكٌ) كَذا (النُّعْمَانُ) ... وَتَابِعُوْهُمَا بِهِ وَدَانُوْا 123 - وَرَدَّهُ جَمَاهِرُ النُّقَّادِ؛ ... لِلجَهْلِ بِالسَّاقِطِ في الإسْنَادِ 124 - وَصَاحِبُ التَّمهيدِ عَنهُمْ نَقَلَهْ ... وَ (مُسْلِمٌ) صَدْرَ الكِتَابِ أصَّلَهْ مَضمونُ هذهِ الأبياتِ ليسَ مِن مباحثِ هَذا الفنِّ، ولذلكَ لَم يستقصِ تفاريعهُ. والحنفيةُ لا يقبلونَ المرسلَ إلاّ إذا كانَ مرسِلُه مِن أهلِ القُرونِ الثلاثةِ الفاضلةِ، فإنْ كانَ مِن غيرها لَم يقبلوهُ؛ لقولهِ - صلى الله عليه وسلم - في حديثِ عمرَ - رضي الله عنه -: ((ثُمَّ يفشُو الكذِبُ)) أخرجهُ النسائي (¬5) بسندٍ صحيحٍ، وَهوَ في ¬

_ (¬1) انظر: جامع التحصيل: 31. (¬2) 1/ 761. (¬3) قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 58: ((فائدة: قول ابن الحاجب وغيره من الأصوليين: المرسل: قول غير الصحابي، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. لا يعم صورة سقوط الرجل قبل التابعي، ولا سقوطه مع التابعي إذا ذكر الصحابي، فيظهر بذاك توقف في نسبة ذلك إلى المعروف في أصول الفقه)). (¬4) انظر: اختصار علوم الحديث 1/ 154 وبتحقيقي: 115. (¬5) السنن الكبرى (9225). وأخرجه أيضاً: أحمد 1/ 18، والترمذي (2165).

"الصحيحينِ" (¬1) وغيرهِمَا (¬2) عَن عمران بنِ حصينٍ وأبي هريرةَ بلفظِ: ((خيرُ أمتي قَرني، ثُمَّ الذينَ يلونَهم، ثُمَّ الذين يلونهم، ثُمَّ الذينَ يلونَهم))، وفي روايةٍ: ((فلا أدري أذكرَ بعدَ قرنهِ قَرنينِ (¬3)، أو ثلاثاً، ثُمَّ ذكرَ قوماً يَشهدونَ / 116 أ / ولا يُستشهَدونَ، ويخونونَ ولا يُؤتمنونَ، وينذرونَ ولا يفونَ)) وَهوَ بمعنى: يفشُو الكذبُ، واللهُ أعلم. وَقالَ أبو الوليد (¬4) الباجيُّ منَ المالكيةِ، وأبو بكرٍ الرازيُّ منَ الحنفيةِ: لا يقبلُ المرسلُ إلا مِمن عُرِفَ أنَّهُ لا يرسلُ إلاَّ عَن ثقةٍ إجماعاً (¬5). ومَذهبُ أحمدَ - رضي الله عنه - (¬6) في رواية عنه: قَبول المرسلِ ما لَم يُعارضْ مُسنداً، وَهذا مِن فروعِ عَملهِ ¬

_ (¬1) اللفظ لعمران، وحديثه في صحيح البخاري 3/ 224 (2651) و 5/ 2 (3650) و8/ 113 (6428) و8/ 176 (6695)، وصحيح مسلم 7/ 185 (2535) (214) و 7/ 186 (2535) (214). أمَّا حديث أبي هريرة في صحيح مسلم 7/ 185 (2534) (213) ولم أقف عليه في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة. (¬2) حديث عمران أخرجه: أحمد 4/ 427 و 436، والنسائي 7/ 17 وفي "الكبرى"، له (4751) من طريق شعبة، عن أبي جمرة، عن زهدم بن مضرب، عن عمران، فذكره. وحديث أبي هريرة أخرجه: الطيالسي (2550)، وأحمد 2/ 228 و410 و479، وأبو نعيم في "معرفة الصحابة" (35). (¬3) في (ب): ((مرتين)). (¬4) في جميع النسخ الخطية: ((أبو بكر)) وهو تحريف، والصواب ما أثبته، فهو: أبو الوليد سليمان بن خلف بن سعد بن أيوب بن وارث التجيبي الأندلسي القرطبي الباجي الذهبي، صاحب التصانيف، توفي سنة (474) هـ. انظر: الإكمال 1/ 468، وسير أعلام النبلاء 18/ 535، وشذرات الذهب 3/ 344. (¬5) انظر: جامع التحصيل: 42، والنكت لابن حجر 2/ 552 وبتحقيقي: 329. (¬6) في (ب) و (ف): ((رحمه الله)).

بالضعيفِ الذِي لَم يجِد في البابِ غَيرَه، فلا أدرِي لِمَ لَمْ يُنَبِّه (¬1) على مذهبهِ (¬2) فيهِ؟! لكنْ وردَ عنهُ روايةٌ بالرّدِ، والأولُ أشهرُ، نقلَ ذلكَ عَنه جماعةٌ مِن الشافعيةِ (¬3). وعن شيخنِا البرهانِ أَنهُ نقلهُ عنهُ مِنَ الحنابلةِ الشيخُ شمسُ الدينِ ابنُ قيمِ الجوزيةِ. (¬4) قالَ: وألفَ فيهِ ابنُ عبدِ الهادي (¬5)، قالَ شيخنا البرهان: ونظمتهُ في بيتٍ، فقلتُ: قُلتُ عَزَى لأحمدَ بنَ حنبلٍ ... شَيعتُه احتجاجَه بالمرسلِ انتهى. والشافعيُ يقبلُهُ بالشروطِ السبعةِ المذكورةِ عَنهُ (¬6)، فلا يعلمُ أحدٌ ردَّ المرسَلَ مطلقاً، بل ذكر عَن بعضِهم أنَّهُ قَواهُ على المسندِ، وقال: مَن أسندَ لكَ فَقد أحالكَ، ومن أرسلَ فَقد تكفَّلَ لكَ (¬7). نَعم، شَذَّ أبو إسحاق الإسفراييني، وأبو بكرٍ البَاقلاني فردّا كلَّ مرسلٍ، حتى مراسيلَ الصحابةِ (¬8). ¬

_ (¬1) جَاءَ في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬2) جَاءَ في حاشية (أ): ((أي: أحمد)). (¬3) انظر: شرح جمع الجوامع للجلال المحلي 2/ 202. (¬4) إعلام الموقعين 1/ 31. (¬5) هو الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي، تفقه بابن مسلم، وتردد إلى ابن تيمية، ومهر في الفقه والأصول والعربية، توفي سنة (744 هـ). انظر: طبقات الحفاظ (1147)، وشذرات الذهب 6/ 141. (¬6) انظر: الرسالة: 462. (¬7) انظر: التمهيد 1/ 3، وجامع التحصيل: 34، وهو مذهب فاسد. (¬8) انظر: جامع التحصيل: 36، والنكت لابن حجر 2/ 546 - 547 وبتحقيقي: 323، ولمحات في أصول الحديث: 232.

قولُهُ: (إلى أنَّ المرسلَ ضعيفٌ) (¬1) يعني: مطلقَ المرسلِ، وإلا فَقد يكونُ حسناً، وذلكَ إذا تقوّى وَاعتضدَ. وعبارةُ ابنِ الصَلاحِ: ((ومَا ذكرناهُ مِن سقوطِ الاحتجاجِ / 116 ب / بالمرسلِ والحكمِ بضعفهِ، هُوَ المذهبُ الذِي استقرَّ عليهِ آراءُ جماهيرِ حُفّاظِ الحَديث، وَنقّادِ الأثرِ (¬2)، وتَداولوه في تصانيفهِم)) (¬3). وَلما ذكرَ ما نقلَ عَن مُسلمٍ (¬4)، سُئِلَ شَيخُنا عنِ الذِي بحثَ مسلمٌ معهُ مَن هوَ؟ فقالَ: عليُ بنُ المَدِيني (¬5)، وَإنَّما اتجهتْ نِسبةُ ردِّ المرسلِ إلى مُسلمٍ؛ لأنَّ خَصمهُ نقلَ اتفاقَ المحدّثينَ على ردِّهِ، ثُمَّ نقض (¬6) جميعَ كلامهِ، غيرَ هَذا الموضعِ منهُ، فَلولا أنَّ ذلِكَ شَائعٌ عِندهُم لَردهُ عليهِ بأنَّ هَذا لا يعرفُ، أو قَد قالَ فلانٌ بخلافهِ، أو نَحوَ ذلِكَ. قلتُ: قَولهُ: (وقالَ مسلمٌ) (¬7) قول مسلمٍ إنما هوَ في ما سقطَ مِن إسنادهِ راوٍ، سواءٌ كانَ بعدَ التابعي، أو قَبلَه، فيعمُّ المرسَلَ والمنقطعَ. قولُهُ: (خَصمه الذِي ردَّ عليهِ) (¬8) الضَميرُ المستترُ لمسلمٍ، والمجرورُ لـ ((الذي))، أي: هَذا الكلامُ ذكرهُ مسلمٌ عَن خصمهِ الذِي ردَّ مسلمٌ عليهِ اشتراطَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 206. (¬2) اعترض بعض العلماء. منهم: العلامة مغلطاي على هذه الدعوى، وادّعى أن الجمهور على خلافه، وقد نقل اعتراضه، وأجاب عنه الزركشي في نكته 1/ 491، وابن حجر 2/ 567. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 130. (¬4) الجامع الصحيح 1/ 24، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 206. (¬5) انظر: النكت لابن حجر 2/ 595 وبتحقيقي: 366. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي مسلم)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 206. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 206.

ثبوتِ اللقي في الإسنادِ المعنعنِ؛ وذلكَ لأنَّهُ (¬1) حُكِيَ عَن بعضِ الناسِ: أنَّهُ لا تقبلُ الأخبار المعنعنة عَن الثقاتِ، إلا إذا نقلَ أنَّ الراويَ لَقي مَن رَوَى عَنهُ بالعنعنةِ ونحوِها ولو مرةً منَ الدهرِ، وَلو لَم ينقَل أنَّهُ سمعَ منهُ، وأمَّا إذا لَم يُنقلْ لُقيّهُ لَهُ فإنَّهُ يوقَف خَبرُه، ولو كانَ العلمُ حَاصلاً بإمكانِ لقائهِ لَهُ؛ لإدراكهِ حَياته (¬2). والضَميرُ في قولهِ: ((قلتهُ)) للاشتراطِ، أي: فإنْ قالَ هَذا الخَصمُ، قلتُ: اشتراطُ ثبوت اللقاءِ. ولفظُ مسلمٍ (¬3): ((وَقد تَكلّمَ بعضُ منتحلي الحَديثِ مِن أهلِ عصرِنَا بقولٍ، لو ضربنَا / 117 أ / عَن حكايتهِ صَفحاً، لكانَ رأياً (¬4) مَتيناً ... - إلى أنْ قالَ: - زعمَ أنَّ كلَ إسنادٍ لحديثِ فيهِ فلانٌ عَن فلانٍ، وقد أحاطَ العلمُ بأنَّهما قَد كانا في عَصرٍ واحدٍ، وجائز أنْ يكونَ الحديثُ الذِي رَوَى الراوي عَمَّن رَوَى عَنهُ قَد سمِعَهُ منهُ، وشَافههُ بهِ، غيرَ أنَّهُ لا يعلمُ لَهُ منهُ سَماعاً، وَلم نَجد في شيءٍ منَ الروايات أنَّهما التقيا قطُّ، أو تَشافها بحديثٍ، أنَّ الحجةَ لا تقومُ عِندهُ بكلِ خبرٍ جاءَ هَذا المجيء حَتى يكونَ عندهُ العلمُ بأنَّهما قدِ اجتَمعا مِن دهرهما مرةً فَصاعداً، وتشافهَا بالحديثِ بينَهما، أو يردَ خبرٌ فيهِ بيانُ اجتماعِهمَا، أو تلاقِيهمَا مرةً من دهرهما، فَما فوقَها)). انتهى. وَفي أولهِ اختصارٌ. قولُهُ: 125 - لَكِنْ إذا صَحَّ لَنَا مَخْرَجُهُ ... بمُسْنَدٍ أو مُرْسَلٍ يُخْرِجُهُ ¬

_ (¬1) في (ب) و (ف): ((أنه)). (¬2) انظر: جامع التحصيل: 118 وما بعدها. (¬3) مقدمة صحيح مسلم 1/ 22 وما بعدها (طبعة إستانبول)، و1/ 28 وما بعدها (طبعة محمد فؤاد)، وفي النقل اختصار شديد. (¬4) في (ب): ((راوياً)) خطأ.

126 - مَنْ لَيْسَ يَرْوِي عَنْ رِجَالِ الأوَّلِ ... نَقْبَلْهُ، قُلْتُ: الشَّيْخُ لَمْ يُفَصِّلِ 127 - و (الشَّافِعِيُّ) بِالكِبَارِ قَيَّدَا ... وَمَنْ رَوَى عَنِ الثِّقاتِ أبَدَا 128 - وَمَنْ إذا شَارَكَ أهْلَ الحِفْظِ ... وَافَقَهُمْ إلاّ بِنَقْصِ لَفْظِ حُكِيَ عَن شَيخِنا البرهَانِ الحلَبي أنَّهُ قالَ: بقيَ على شيخِنا في كلامِ الشافعي الذِي ساقهُ في جوازِ العَملِ بالمرسلِ شرطانِ آخرانِ، وَقد نظمتُهما فقلتُ: أو كانَ قول واحد مِن صَحْبِ ... خير الأنامِ عَجَمٍ وَعُرْبِ أو كانَ فتوى جُل أهلِ العلمِ ... وشيخُنا أهملَهُ في النظمِ (¬1) أي: أهملَ المذكورَ، وَهوَ الشَرطانِ المذكورَانِ. قولُهُ: (المرسِل الأولُ) (¬2) هوَ بكسرِ السينِ، يوضحُهُ قولُ الشافِعي ((مَن أخذ العلمَ عَن غيرِ رجالِ التَابعي الأولِ)) (¬3). قولُهُ: (هوَ مجزومٌ ... ) (¬4) إلى آخرهِ، الشاهِدُ في قولهِ: ((تصبك)) وَهوَ فعلُ الشَرطِ، فإنَّ جزمهُ بـ ((إذا)) يدلُ على جزمِهَا للجزاءِ؛ لأنَّهُ ليسَ لنا أداةٌ تجزمُ الشَرطَ فَقط، بل متى صَحَّ / 117 ب / جَزمها لَهُ جُزِمَ الجَزاءُ، وبالعكسِ، ولو جعلَ الشيخُ ((متى)) موضِعَ ((إذا)) لكانَ جَارياً على الكثيرِ (¬5) الفَاشي، وَلم يَحتجْ إلى أنْ يخرجَهُ على مذهبِ الكُوفيينَ، أو كانَ يبقِي ((إذا)) ويسقطُ ((الهاءَ)) ويقولُ: ((يقبلُ)) مَرفوعاً. ¬

_ (¬1) وردت هذه الأبيات في " فتح المغيث " 1/ 162. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬3) الرسالة (1267). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬5) في (ب): ((الكبير)).

قولُهُ: (الخصاصَةُ) (¬1) هي الفَقرُ، وكَذا الخَصاصُ. قولُهُ: (فَتجَمل) (¬2) بالجيمِ، أي: فأظهِرِ الجميلَ، ولا تشكُ حالَكَ إلى غَيرِ الذِي خلقكَ. وَقولهُ: (إلى آخرِ البيوتِ الأربعةِ) (¬3) يَعني: مِن أولِ هَذهِ المقولةِ، وقد أصلحهُ الشيخُ بأنْ قالَ: ((الأبيات)). قالهُ شَيخُنا البرهَان. قولُهُ: (في نوعِ الحَسنِ) (¬4) تَتمَةُ كلامِ ابنِ الصَلاحِ هُنا: ((ولهَذا احتجَّ الشّافِعيُّ بمرسلاتِ سَعيدِ بنِ المسيبِ؛ فَإنها وُجدَت مسانيدَ مِن وجوهٍ أُخرَ، ولا يختص ذلِكَ عِندهُ بإرسالِ ابنِ المسيبِ كَما سَبقَ، وَمن أنكر هَذا زاعماً أنَّ الاعتمادَ حينئذٍ يَقعُ على المسنَدِ دونَ المرسلِ، فَيقع لغوَاً لا حَاجَةَ إليهِ؛ فَجوابُه: بالمسندِ يتبينُ صِحة الإسنادِ الذِي فيهِ الإرسالُ، حَتى يحكمَ لَهُ معَ إرسالهِ بأنَّهُ إسنادٌ صحيحٌ، تقومُ بهِ الحُجةُ على ما مَهدْنا سبيلهُ في النَوعِ الثَاني، وإنَّما ينكرُ هَذا مَن لا مذاقَ لَهُ في هَذا الشأنِ)) (¬5). انتهى. وسَيأتي لَهُ مزيدُ بيانٍ في حَاشيةِ قولهِ: ((فإنْ يقل فالمسندُ المعتمدُ)) معَ ما سبقَ في نوعِ الحَسنِ. قولُهُ: (إنَّه حَكَى هناكَ) (¬6)، أي: ابنُ الصَلاحِ ذكرَ كَلامَ الشَافعيِّ في نَوعِ الحَسنِ، والنَاظِم أسقطهُ، وَنبهَ عليهِ بقولِهِ: ((كَما يجيءُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 130. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 208.

قولُهُ: (ووجهُ الاعتراضِ عليهِ) (¬1) لا يقالُ: الجَوابُ عَنهُ أنَّهُ أرشدَ إلى / 118 أ / بقيةِ كَلامِ الشَافِعي، ليعلمَ بقيةَ الشُروطِ؛ لأنا نقولُ: العَادةُ في مثلِ هَذا أنْ يكونَ الكَلامُ المطويُ لا حاجةَ إليهِ في المسألةِ المَذكورةِ. قَولُه: (كبارُ التابعينَ) (¬2) الظاهرُ أنَّ المعيارَ إنَّما هوَ كَونُ جل رواية التَابِعي عَن الصحابةِ، ولو كانَ صَغيراً، وَأمَّا إذا كانَ جُلُّ روايتهِ عَن التابعينَ؛ فإنَّه لا يقبلُ مرسلُه ولو كانَ كبيراً (¬3)، وإلى ذلِكَ يرشد كَلامُ الشّافِعي الآتي في قولهِ: ((والآخر: كثرةُ الإحالةِ ... )) إلى آخرِه. قولُهُ: (معَ وجودِ الشَرطينِ) (¬4)، أي: فَهذهِ الثلاثةُ شُروطٍ معتبرةٌ، معَ كلِ قرينةٍ منَ السبعِ، التي قَوَّى بهَا الشّافِعي المرسَلَ (¬5). قولُهُ: (بإسنادَيهما إليهِ) (¬6) عجيبٌ! أمَّا أولاً: فإنَّ كلاً منَ الطَريقينِ ينتهي إلى الأصمِّ (¬7)، فالإسنادَان ينتهيانِ حينئذٍ إلى الأصمِّ، ومِن ثَمَّ إلى الشّافِعي طريقٌ واحدَةٌ وهيَ: الربيعُ عنِ الشّافِعيّ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209. (¬3) في (ب): ((كثيراً)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209. (¬5) انظر الرسالة فقرة (1263) وما بعدها. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209. (¬7) هو أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف بن معقل بن سنان النيسابوري الأصم، ولَد المحدّث الحافظ أبي الفضل الورّاق، كان حسن الأخلاق كريماً ينسخ بالأجرة، ورحل إليه خلق كثير، قال الحاكم: ((ما رأيت الرحالة في بلد أكثر منهم إليه، توفي سنة (346) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 15/ 452، وشذرات الذهب 2/ 373.

وأمَّا ثانياً: فإنَّ بينَ كلٍ منَ الخَطيبِ والبَيهقِي، وَبينَ الأصمِّ واحداً فقط، (¬1) فلو أبرزهُ لم يخل بالاختصارِ، أو كانَ يقولُ: عَن شَيخِهما بدلَ بإسنادَيهما (¬2). وقول الشّافِعي: ((على صحةِ مَا قبل (¬3) عَنهُ)) (¬4) لفظُه ((قبل)) في مثلِ هَذا الموضعِ مراد بهَا: أخذَ، وحمَلَ، وَرَوى. قولُهُ: (فلا أعلمُ واحِداً) (¬5)، أي: منهُم (يُقبَل) بالضمَ على البناءِ للمجهولِ (مرسلُهُ) مرفوعٌ لنيابتِهِ عَنِ الفَاعلِ. قولُهُ: (أحببنا أن نقبلَ مرسلَهُ) (¬6) قالَ الشّافِعي بعدَ هَذا: ((ثُمَّ لا تنتهض (¬7) الحجَةُ بهِ انتهاضَها (¬8) بالحديثِ المسنَدِ)) وكانَ ينبغِي للشيخِ أنْ لا يحذفَ ذلِكَ. قولُهُ: (لَم يسمِّ إلا ثقةً) (¬9) لا يُقال: كانَ ينبغي الاكتفاءُ بهَذا الشَرطِ، / 118ب / ولا يُحتاجُ إلى تقييدِ كَونهِ مِن كبارِ التابعينَ، لأنَّا نَقولُ: إذا كانَ مِن صغارِهم، أو كثرت روايتهُ عنِ التابعين (¬10)، وإنْ كانَ كبيراً، غلب على الظنِّ أنَّ (¬11) ¬

_ (¬1) انظر: كلام الشافعي في الكفاية: 405. (¬2) في (ب): ((بإسنادهما)). (¬3) الذي في الرسالة فقرة (1265): ((من قبل)). (¬4) الرسالة فقرة (1265). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 210. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 210. (¬7) في (ف): ((تنتقض)). (¬8) في (ف): ((انتقاضها)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 211. (¬10) في (ف): ((التابعي)). (¬11) ((أنَّ)) من (ف) فقط.

بينهُ وبينَ الصحابةِ اثنينِ، فإذا سَلِم لَنا كونُ شَيخِه ثقةً، لَم ندرِ مَا حالُ شَيخِ شَيخهِ. قالَ شَيخُنا: ((لكن معَ وجودِ الشَرطينِ، وهما: كونهُ إذا سَمَّى لا يسمِي إلا ثِقةً، وكونهُ مِن كبارِ التابعينَ، ينبغي أنْ لا يحتَاج إلى عاضِدٍ)). قولُهُ: (فليحمل النظم ... ) (¬1) إلى آخرِه، الظَاهِرُ أنَّ المحمَلَ الأولَ أظهرُ وأرجحُ؛ لأنَّ الكلامَ في المرسلِ، وَهوَ إنَّما رد للجهلِ بهذا (¬2) المحذوف، فإذا عُلم أنَّهُ لا يحذفُ إلاَّ ثقةً تقوّى بذلِكَ، ولا يَضرُّ كونُهُ يروي المسنداتِ عَن الضعفاءِ؛ لأنَّه بإبرازِ رجالِ المسندِ تَخلّصَ منَ العُهدةِ. وتقديرُ البيتِ في قولهِ: ((وافقهم إلا بنقصِ لَفظ)) وافقهم (¬3)، فإنْ خالفَهم رُدَّ مُرسلُه، إلا إذا كَانت مخالفتُه بالنقصِ، وَهلِ المرادُ بالمخالفةِ المنافاةُ، أو مَا هوَ أعمُّ حتى يَدخلَ ما إذا وَردَ أحدُهُما مُطلقاً، والآخرُ مُقيداً، ونحوهُ؟ الظَاهرُ أنَّ المرادَ ما هوَ أَعمُّ، فإنْ زادَ أحدُهُما زيادةً مستقِلةً، فحكمُها حكمُ الحَديثِ المستقِلِ، فيتوقفُ فيها حَتى تعتضدَ. قولُهُ: 129. فإنْ يُقَلْ: فالمسندُ المعتَمدُ ... فقُلْ: دليلان به يعتضدُ سَبقَ بيانُه، وأنَّ الفخرَ الرازي حَملَهُ على ما إذا كانَ المسندُ أيضاً لا يقومُ بنفسِهِ، فكلٌ مِنهمَا حينئذٍ يعتضدُ بالآخرِ، وأنَّ المختارَ أنْ يُركبَ مِن كلامهِ وكلامِ ابنِ الصلاحِ الذِي سبقَ قريباً جَوابُهُ، فيقالُ: فائدتُه تظهرُ بأنْ ينظرَ، فإنْ كانَ ضَعيفاً يصلحُ لأنْ يَنجبرَ / 119 أ / فَهمَا (¬4) حينئذٍ كالمرسلينِ، كلٌ منهما يعتضد بالآخرِ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 211. (¬2) في (أ): ((هذا)). (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) في (ف): ((فيهما)).

كَما تقدّمَ في كلامِ الشافِعي، وإنْ كانَ فوقَ ذلِكَ أفادَنا المسندُ أنَّ ذلِكَ السَاقِطَ فِي طَريقِ المرسَلِ مَقبولٌ، ثُمَّ يرجحُ هَذا المسندُ بانضمامِ المرسَلِ إليهِ على مسندٍ آخرَ في رتبتِهِ لَم يعتضِد. قالَ شَيخُنا: وقولُ الشافِعي: ((فإنْ شَركَهُ الحفَّاظُ المأمونونَ (¬1))) لا يشملُ ما إذا كانَ المسندُ ضَعيفاً، وقَد تَقدمَ مَا فيهِ عندَ قولهِ: ((فإنْ يقل يحتجُ بالضعيفِ)). قولُهُ: (تبيَّنَّا صحةَ المرسلِ) (¬2)، أي: صحةَ ذلك الموضعِ، السَاقطِ منهُ مَا بينَ التَابِعي وبينَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّ ذلِكَ السَاقِطَ مقبولٌ، وَهذا كَما ترى يتعلقُ بالطريقِ. وأمَّا المتنُ فربمَّا عارضَهُ شيءٌ، فَيرجحُ حينئذٍ بمَا عَضدَ بهِ، وَقد عُرفَ أنَّ مذهبَ الشافِعي في المرسَلِ - بل وَمطلقِ الانقطاعِ - أعدلُ المذاهبِ؛ لأنَّ قولَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ الصحيحِ: ((ثُمَّ يَفشو الكذِبُ)) يدلُ على أنَّ الكذِبَ كانَ موجوداً، والذي يكونُ بعدَ القرونِ الثلاثةِ فَشوُه وَانتشارُه. قالَ شَيخُنا في خطبةِ كتابهِ "لسانِ الميزانِ": ((وقد حَكَى القاضِي عبدُ اللهِ ابنُ عيسَى بنِ لَهيعةَ (¬3)، عَن شيخٍ منَ الخوارجِ أنَّهُ سَمِعَهُ يقولُ بعدَ ما تابَ: إنَّ هَذهِ الأحاديثَ دِينٌ، فانظروا عَمن تأخذونَ دينَكُم، فَإنَّا كنَّا إذا هَوينا أمراً صيَّرناهُ حَديثاً. حدَّثَ بهَا عبدُ الرحمانِ بنُ مَهدي الإمامُ، عنِ ابنِ لَهيعَةَ، فَهي من قديمِ حَديثهِ الصحيحِ. وهذهِ والله / 119 ب / قَاصمةُ الظَهرِ للمحتجينَ بالمراسيلِ؛ إذ بدعةُ الخوارجِ كَانت في صدرِ الإسلامِ، والصَحابةُ - رضي الله عنهم - متوافرونَ، ثُمَّ في عَصرِ التَابعينَ فَمن بَعدَهم. فَربما سمعَ الرجلُ السُنّي - يَعني: مِن أحدٍ مِنهُم (¬4) - فَحدّثَ بهِ، ¬

_ (¬1) في (ف): ((المأمونين)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212. (¬3) كذا في (أ) و (ب) ولسان الميزان، وفي (ف): ((عبد الله بن لهيعة)). (¬4) ما بين الشارحتين جملة توضيحية مِن البقاعي.

ولم يذكرْ مَن حَدَّثهُ بهِ، تحسِيناً للظنِّ بهِ، فيحملهُ عَنهُ غيرهُ، ويجيءُ الذِي يحتجُ بالمقاطيعِ فَيحتجُ بهِ، ويكونُ أصلهُ ما ذكرتُ، فلا حَولَ وَلا قوةَ إلا باللهِ)). ثمَّ قالَ: ((وقالَ حمادُ بنُ سلمةَ: حَدَّثني شَيخٌ لَهُم - يَعني: الرافضةَ - قالَ: كنَّا إذا اجتمعنا، فَاستحسَنّا شيئاً جعلناهُ حديثاً. وقالَ مُسَبِّحُ (¬1) بنُ الجَهمِ الأسلَميُّ التَابِعي: كانَ رجلٌ منَّا في الأهواءِ مدةً، ثُمَّ صارَ إلى الجماعةِ، وقالَ لنا (¬2): أنشدكُم اللهَ أنْ تَسمعوا (¬3) مَن أحدِ مِن أصحابِ الأَهواءِ؛ فإنّا واللهِ كنَّا نروي لكُمُ الباطِلَ، ونَحتَسبُ الخيرَ في إضلالِكُم. وقالَ زهيرُ بنُ معاويةَ: حَدَّثنا محرزُ أبو رجَاء، وكان يرى (¬4) القدر، فَتابَ منهُ فقالَ: لا ترووا عَن أحدٍ مِن أهلِ القدرِ شَيئاً، فواللهِ لَقد كنَّا نضعُ (¬5) الأحاديثَ، ندخل بهَا الناسَ في القَدرِ، نَحتَسبُ بهَا، فالحكمُ للهِ. (¬6) قولُهُ: 130 - وَرَسَمُوا مُنْقَطِعاً عَنْ رَجُلِ ... وَفي الأصُوْلِ نَعْتُهُ: بِالمُرْسَلِ مَعنى ((رَسموا)) سَمُّوا مِن الرَسم، وَهوَ الأثرُ، والمادةُ تدورُ على الإعلامِ، قالَ في "القاموسِ" (¬7): ((الرَسمُ الأثرُ، وبقيتهُ، والروسمُ الداهيةُ، وطابعٌ يطبع بهِ رأس الخَابيةِ، كالراسومِ، والعلامةِ، وثوبٌ مُرسَّم كمعظّم (¬8) مخطّط)). وقالَ ابنُ الصلاحِ ¬

_ (¬1) في لسان الميزان الطبعة القديمة: ((مسيح)) بالياء. (¬2) لم ترد في (ب)، وهي من (أ) و (ف) واللسان. (¬3) قوله: ((أن تسمعوا .... ))، أي: أنشدكم الله أن لا تسمعوا .... ، على غرار قوله تعالى: {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} أي لئلا تضِلُّوا. (¬4) في (ب): ((يروي)). (¬5) في (ب): ((نصنع)). (¬6) لسان الميزان 1/ 203 - 205. (¬7) القاموس المحيط مادة (رسم) باختصار. (¬8) في (ف): ((كعظم)).

- بعدَ ما نقلَ عَن الحاكمِ - (¬1): ((وَهوَ في بعضِ / 120 أ / المصنفاتِ المعتبرةِ في أصولِ الفِقهِ (¬2)، معدودٌ في أنواعِ المرسَلِ)) (¬3). وعن شيخِنا الحافظِ بُرهانِ الدينِ: أنَّ جمهورَ أهلِ الحَديثِ على أنَّ ((عَن رجلٍ)) متصلٌ، في إسنادهِ مجهولٌ، وقَد نَظَمَهُ فقالَ: قلتُ الأصحُ أنَّهُ متصِل ... لكنَّ في إسنادِهِ مَن يُجهلُ وَهَذا هُوَ التحقيقُ، أنَّ هَذا ليسَ مُرسلاً ولا منقطعاً؛ لأنهُ لا ينطبقُ عليهِ تَعريفُ واحدٍ منهما، بل هوَ مُتصِلٌ، في إسنادهِ راوٍ مبهمٌ، وهَذا إذا لَم يُعنعنْ كَما إذا قيل (¬4): ((رجلٌ قالَ: حَدثني فلانٌ))، فإنْ عنعنَ الرجلُ المبهمُ لَم يُحكَمْ عليهِ بالاتصالِ؛ و (¬5) لاحتمالِ أنْ يكونَ ذلِكَ المبهَمُ مدلِساً، فيقالُ: هَذا ظاهرُهُ ¬

_ (¬1) ص 28، وتابعه على هَذا تلميذه البيهقي في "سننه الكبرى" 3/ 333 و4/ 54 و7/ 134. قال ابن الملقن في "المقنع" 1/ 133: ((وتبع الحاكم ابن القطان، فقالَ: إنه منقطع)). وانظر: بيان الوهم والإيهام 5/ 208 (2421). وما نقله عن الحاكم لم ينقله على وجهه، إذ شرط الحاكم لتسميته منقطعاً عدم التصريح باسمه في طريق أخرى. فأهمل ابن الصلاح هذا القيد، وحمّل الحاكم تبعة ذلك، وهو عدم تسميته مرسلاً، ثُمَّ لو سلمنا جدلاً بأن الحاكم لا يسميه مرسلاً بل منقطعاً، فلا تمنع تسميته بالمنقطع من تسميته مرسلاً، فإن الحاكم صرّح في بدء النوع التاسع (27) بالتغاير بينهما فقال: ((معرفة أنواع المنقطع من حديث وهو غير المرسل)). (¬2) أراد به كتاب " البرهان " لإمام الحرمين: إذ قال فيه 1/ 633: ((وقول الراوي: أخبرني رجل، أو عدل موثوق به، من المرسل أيضاً)). وانظر بلا بد: تعليقنا على معرفة أنواع علم الحديث: 129 هامش (3). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 129 - 130. (¬4) في (ب): ((أقبل)). (¬5) الواو لم ترد في (أ) و (ب).

الاتصالُ، فيهِ مبهمٌ (¬1). وعبارةُ الشَيخِ في " النُكتِ ": ((اقتصرَ المصنِّفُ (¬2) على هَذينِ القَولينِ - أي: إنهُ مرسَلٌ أو منقطعٌ - (¬3) وَكلٌّ مِن القَولينِ خلافُ ما عليهِ الأكثر؛ فإنَّ الأكثرينَ ذَهبوا إلى أنَّ هَذا متصلٌ، في إسنادهِ مَجهولٌ)) ثُمَّ قالَ: ((وما ذكرهُ المصنِّفُ عَن بعضِ المصنفاتِ المعتبرةِ، ولَم يُسمِّهِ فالظاهرُ أنهُ أرادَ بهِ "البرهانَ" لإمامِ الحَرمينِ (¬4))) ثُمَّ قالَ: ((وما ذكرهُ المصنِّفُ عَن بعضِ كُتبِ الأصولِ قَد فَعلهُ أبو داودَ في كِتابِ "المراسيلِ" (¬5)، فيروي في بعضها ما أبهمَ فيهِ الرجلُ؛ ويجعلهُ مرسلاً؛ بل زادَ البيهقيُّ على هَذا في "سُننهِ" (¬6) فجعلَ ما رواهُ التابعيُّ عَن رجلٍ منَ الصَحابةِ لَم يسمَّ مرسلاً، وليسَ هَذا منهُ بجيدٍ، اللهمَّ إلا إنْ كانَ يسميهِ مرسلاً، ويجعلُه حُجةً كمراسيلِ الصَحابةِ فهوَ قَريبٌ. وقد /120 ب/ روى البخاريُ، عَن الحميدي، قالَ: إذا صحَّ الإسنادُ عَن الثقاتِ إلى رَجلٍ مِن أصحابِ النَبي - صلى الله عليه وسلم - فهوَ حُجةٌ، وإنْ لَم يسمَّ ذَلِكَ الرجلُ، وقالَ الأثرمُ (¬7): قلتُ لأبي عبدِ اللهِ -يعني: ¬

_ (¬1) جاء في حاشية نسخة (ب): قال السخاوي: ((وكذا قيد القول بإطلاق الجهالة بما إذا لم يجيء مسمى في رواية أخرى، وإذا كان كذلك فلا ينبغي المبادرة إلى الحكم عليه بالجهالة، إلا بعد التفتيش لما ينشأ عنه من توقف الفقيه عن الاستدلال به للحكم، مع كونه مسمى في رواية أخرى، وليس بإسناده ولا متنه ما يمنع كونه حجة)) فتح المغيث 1/ 168 - 169، وانظر: جامع التحصيل: 96، والنكت لابن حجر 2/ 561 وبتحقيقي: 336. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن الصلاح)). (¬3) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬4) انظر: البرهان 1/ 407. (¬5) انظر على سبيل المثال حديث (139). (¬6) انظر على سبيل المثال: السنن الكبرى 3/ 333 و 4/ 54 و 7/ 134. (¬7) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن هانىء الإسكافي الأثرم الطائي، وقيل: الكلبي، أحد الأعلام، ومصنف " السنن "، وتلميذ الإمام أحمد، له مصنف في علل الحديث، اختُلِفَ في سنة وفاته، قال الذهبي: أظنه مات بعد الستين ومئتين. انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 623، وتذكرة الحفاظ 2/ 570.

أحمدَ بنَ حنبلٍ -: إذا قالَ رَجلٌ مِن التابعينَ: حَدّثَني رجلٌ مِن أصحابِ رَسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ولم يُسمِّهِ، فالحديث صَحيحٌ؟ قالَ: نَعم (¬1). وَقد ذكرَ المصنِّفُ في آخرِ هَذا النوعِ التَاسعِ أن الجَهالةَ بالصحابيِّ غَيرُ قادحةٍ؛ لأنَّهم كلَهم عدولٌ (¬2). وحكاهُ الحافظُ أبو محمدٍ عبدُ الكريمِ الحَلبيُّ (¬3) في كتابِ "القِدحِ المعلى" عَن أكثرِ العُلماءِ. انتهى (¬4). نَعَم، فَرّقَ أبو بكرٍ الصَيرفِيُّ مِن الشافعيةِ في كتابِ "الدلائلِ" بين أنْ يرويه التَابِعيُّ عَن الصَحابيِّ مُعنعناً، أو معَ التَصريحِ بالسماعِ، فقالَ: وإذا قالَ في الحديثِ بعضُ التابعينَ: عَن رجلٍ منْ أصحابِ النَبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يقبلُ؛ لأنِّي لَم (¬5) أعلم، سَمعَ التَابِعيُّ مِن ذَلِكَ الرجلِ، إذ قَد يُحدِّثُ التَابِعيُّ عَن رجلٍ وعن رجلينِ عَن الصَحابيِّ، ولا أدرِي هل أمكنَ لقاء ذَلِكَ الرجلِ أم لا؟ فَلو علمتُ إمكانَهُ منهُ لجعلتُه كمدركِ العَصرِ. قالَ: وإذا قالَ سمعتُ رَجلاً مِن أصحابِ النبي - صلى الله عليه وسلم - قُبِلَ؛ لأنَّ الكلَّ عدولٌ. انتهى كلامُ الصَيرفي. وَهوَ حَسنٌ متجهٌ، وكلامُ مَن أطلقَ قَبولَه، محمولٌ على هَذا التفصيلِ واللهُ أعلمُ)) (¬6) انتهى كَلامُ الشَيخِ في "النكتِ". ولا يتجهُ كَلامُ الصَيرفي إلا بعدَ تَقييدِ المعنعنِ بكونهِ مُدلساً. وقَولهُ في إمكانِ التقائِهِ يدلُ على اكتفائهِ بالمعاصرةِ، وقد عرفت أنَّ الصَحيحَ خلافهُ (¬7)، واللهُ الموفق. ¬

_ (¬1) أسنده إليه الخطيب في الكفاية (585 ت، 415 هـ‍). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 132. (¬3) في (ف): ((الحليمي)) خطأ. (¬4) لم ترد في التقييد. (¬5) في التقييد: ((لا)). (¬6) التقييد والإيضاح: 73 - 74. (¬7) من قوله: ((قوله: في إمكان التقائه ... )) إلى هنا لم يرد في (ب) و (ف).

قولُهُ: (وفِي / 121 أ / البُرهانِ لإمامِ الحَرمينِ .. ) (¬1) إلى آخرهِ، هوَ مِن فروعِ تَسميةِ المنقطعِ مرسَلاً، بعدَ تسليم أنَّ هَذا مِن المنقطِعِ. قولُهُ: (التي (¬2) لَم يسمَّ حاملها) (¬3) أي: إنهُ يحتملُ أن يكونَ ذَلِكَ الكتابُ جواباً، وذلكَ الحَامِلُ رسول المكتوبِ إليهِ، أعيدَ الجوابُ على يدهِ، وَهوَ كَافرٌ. قولُهُ: (إذا سَمى الأصلَ باسمٍ لا يعرفُ بهِ) (¬4) يدخلُ فيهِ ((المهملُ))، كَما إذا قالَ: حَدثني محمدٌ مثلاً، وفي مشَايخهِ جَماعةٌ كلٌ مِنهُم اسمهُ محمدٌ، وبعضُهم ضعيفٌ، و ((المجهول))، كَما إذا قالَ: حَدثني فلانُ بنُ فُلانٍ الفُلانيُّ باسمهِ، واسمِ أبيهِ ونَسبهِ مَثلاً، وكانَ معَ هَذا مجهولاً، لا يعرفُ. قولُهُ: (كالمرسَلِ) (¬5) في أنَّهُ مردودٌ إلاّ إن اعتضدَ. قولُهُ: (قلتُ ... ) (¬6) إلى آخرهِ، مُنْصَبٌّ إلى هَذهِ الصُورةِ الأخيرةِ. قولُهُ (¬7): 131 - أمَّا الَّذِي أرْسَلَهُ الصَّحَابِيْ ... فَحُكمُهُ الوَصْلُ عَلى الصَّوَابِ (يسمَّى في أصولِ الفِقهِ) (¬8) قالَ الشَيخُ في "النكتِ": ((اعتُرضَ عليهِ بأنَّ المحدّثينَ أيضاً يذكرونَ مراسيلَ الصحابَةِ، فَما وجهُ تخصيصهِ بأصولِ الفِقهِ؟ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212. (¬2) في (ب): ((الذي))، والمثبت من (أ) و (ف)، وهو الموافق لشرح التبصرة. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213. (¬7) زاد بعدها في (ف): ((في قوله)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213.

والجوابُ: أنَّ المحدّثينَ وإن ذكروا مراسِيلَ الصَحابةِ، فَإنَّهم لَم يختلِفوا في الاحتجاجِ بهَا، وأما الأصوليونَ فَقد اختلَفوا فيهَا)) (¬1) ثُمَّ ذكر قولَ الأستاذِ (¬2)، وأنَّ عَامَة أهلِ الأصولِ خَالفوهُ، فاحتجوا بهَا. قولُهُ: (إذ قَد سَمعَ جماعةٌ مِن الصَحابةِ مِن بعضِ التَابعينَ) (¬3) استقرئ ما وقعَ مِن روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينَ، فلَم يوجدْ فيهِ حكمٌ مِن الأحكامِ، وإنما ذَلِكَ مجردُ قَصصٍ وأخبارٍ، هَكذا حَفظتُ مِن شيخِنا، وقالَ شيخُهُ المصنِّفُ: إنَّ ذَلِكَ إنَّما / 121ب / هوَ بحسبِ الأكثرِ (¬4). قالَ في " النكتِ ": ((وقد صنَّفَ الحافِظُ أبو بكر الخطيبُ، وغيرهُ في روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينَ، فبلغوا جَمعاً كَثيراً، إلا أنَّ الجوابَ عَن ذَلِكَ: أن روايةَ الصَحابةِ عَن التابعينَ (¬5)، غالبُها ليست أحاديثَ مرفوعةً، وإنما هيَ مِن الإسرائيلياتِ، أو حكاياتٍ، أو موقوفاتٍ، وبلَغني أنَّ بعضَ أهلِ العلمِ أنكرَ أنْ يكونَ قَد وَجَدَ شَيئاً مِن روايةِ الصَحابةِ، عَن التابعينَ، عَن الصَحابةِ، عَن النَبي - صلى الله عليه وسلم -، فرأيتُ أنْ أَذكرَ هنا ما وقعَ لي مِن ذَلِكَ للفائدةِ، فمِن ذَلِكَ: حَديثُ سهلِ بنِ سَعدٍ، عنْ مروانَ بنِ الحَكمِ، عَن زيدِ بنِ ثابتٍ: ((أنَّ النَبي - صلى الله عليه وسلم - أملى عليهِ: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (¬6) فجاءَ ابنُ أمِّ مكتومٍ ... )) ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 79 - 80. (¬2) عنى بهِ الأستاذ أبا إسحاق الإسفراييني. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 213 - 214. (¬4) وقد جمع العراقي في كتابهِ "التقييد والإيضاح" العديد من هذه الروايات فانظرها في صفحة 76 - 79. (¬5) من قوله: ((فبلغوا جمعاً كثيراً ... )) إلى هنا سقط من (ف). (¬6) النساء: 95.

الحَديثَ رواهُ البخاريُّ (¬1)، والنَسائِيُّ (¬2)، والتِرمذيُّ (¬3)، وقالَ: ((حَسنٌ صحيحٌ)). وحديثُ السَائبِ بنِ يزيدَ، عَن عبد الرحمانِ بنِ عبدٍ (¬4) القَارِيّ، عَن عمرَ ابنِ الخَطابِ - رضي الله عنه -، عَن النَبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((مَن نامَ عَن حَزبهِ، أو عَن شَيءٍ منهُ، فقرأهُ ما بينَ صلاةِ الفَجرِ إلى صَلاةِ الظُهرِ، كُتبَ لَهُ كأنَّما قَرأهُ منَ الليلِ)). رواهُ مسلمٌ (¬5)، وأصحابُ السُننِ الأربعةِ (¬6). وحديثُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ، عنْ أمِّ كلثوم بنتِ أبي بكرٍ الصديقِ، عَن عائشةَ - رضي الله عنهم - (¬7) أنَّ رجلاً سألَ النَبيَّ - صلى الله عليه وسلم - عَن الرجلِ يجامعُ ثُمَّ يُكسِلُ (¬8)، هَل عليهمَا مِن غُسلٍ؟ - وعائشةُ جَالِسةٌ- فقالَ: ((إنّي لأفعلُ ذَلِكَ أنا وهذهِ، ثُمَّ نغتسلُ)). أخرجهُ مسلمٌ (¬9). وحديثُ عَمرو بنِ / 122 أ / الحَارثِ المصطلقِي، عَن ابنِ أَخي زينبَ امرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، عَن زينب امرأةِ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ (¬10)، قالت: خَطبَنا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فقالَ: ((يا معشرَ النِساءِ تَصدقنَ، وَلو مِن حليكنَّ، فإنكنَّ أكثرُ أهلِ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 4/ 30 (2832) و6/ 59 (4592). (¬2) المجتبى 6/ 9. (¬3) الجامع الكبير (3033). (¬4) في (أ): ((عبيد)) خطأ. والمثبت من (ب) و (ف). (¬5) صحيح مسلم 2/ 171 (747). (¬6) سنن أبي داود (1313)، وابن ماجه (1343)، وجامع الترمذي (581)، والمجتبى 3/ 259. (¬7) عبارة ((- رضي الله عنهم -)) لَم ترد في (ب) و (ف) وهي في التقييد. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي لَم ينزل)). (¬9) صحيح مسلم 1/ 187 (350). (¬10) عبارة: ((عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود)) لم ترد في (ف).

جَهنمَ يومَ القِيامَةِ)) رواهُ التِرمذيُّ (¬1)، والنَسائِيُّ (¬2)، والحديثُ متفقٌ عليهِ (¬3) مِن غيرِ ذكرِ ابنِ أخي زينبَ، جَعلاهُ مِن روايةِ عمرو بنِ الحَارثِ، عَن زينبَ نفسها، واللهُ أعلمُ. وحديثُ يَعلى بنِ أميةَ، عَن عنبسةَ بنِ أبي سُفيانَ، عَن أختهِ أمِّ حبيبةَ عَن النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((مَن صَلّى ثنتي عَشرةَ ركعةً بالنهارِ، أو بالليلِ بُنِيَ لهُ بيتٌ في الجنةِ)) رواهُ النسائيُّ (¬4). وحَديثُ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ، عَن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ أَبي بكرٍ الصديقِ، عَن عائشةَ قالتْ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((ألم تَرَي أنَّ قومَكِ حينَ بنوا الكعبةَ قَصروا عَن قواعدِ إبراهيم ... )) الحديثَ. رواهُ الخطيبُ في كتابِ "روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينِ" بإسنادٍ صَحيحٍ، والحديثُ متفقٌ عَليه (¬5) مِن طريقِ مالكٍ، عَن ابْنِ شِهابٍ، عَن سالمِ بْنِ عبدِ اللهِ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ محمدِ بنِ أَبِي بكرٍ أخبرَ عبدَ اللهِ بنَ عمرَ، عَن عائشةَ بذلكَ، فجعلهُ مِن روايةِ سَالمٍ، عنَ عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ، وهذا يشهدُ لصحةِ طَريقِ الخَطيبِ، أنَّ ابنَ عمرَ سَمعهُ مِن عبدِ اللهِ بنِ محمدٍ، عن عائشةَ، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) جامع الترمذي (635). (¬2) السنن الكبرى (9200). وأخرجه أيضاً: أحمد 6/ 363، وابن ماجه (1834). (¬3) صحيح البخاري 2/ 150 (1466)، وصحيح مسلم 3/ 80 (1000) (45) (46). وأخرجه أيضاً: الترمذي (636) وقال: ((أبو معاوية وهم في حديثه، فقال: عن عمرو بن الحارث، عن ابن أخي زينب. والصحيح إنما هو عن عمرو بن الحارث ابن أخي زينب)). (¬4) السنن الكبرى (1470). (¬5) صحيح البخاري 2/ 179 (1583)، وصحيح مسلم 4/ 79 (1333).

وَحديثُ ابنِ عمرَ، عَن صفيةَ بنتِ أبي عبيدٍ، عَن عائشةَ: ((أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رخصَ للنساءِ فِي الخُفينِ / 122 ب / عندَ الإحرامِ)). رواهُ الخطيبُ فِي الكتابِ المذكورِ، والحديثُ عندَ أبي دَاودَ (¬1) من طريقِ ابنِ إسحاقَ، قَالَ: ذكرتُ لابنِ شهَابٍ فقَالَ: حَدثني سَالمٌ، أنَّ عبدَ اللهِ كَانَ يصنعُ ذَلِكَ - يَعني: قطع الخُفينِ للمرأةِ المحرمةِ - ثُمَّ حَدثتهُ صفيةُ بنتُ أَبِي عبيدٍ، أنَّ عَائِشَة حَدثتها: ((أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَدْ كَانَ رَخصَ للنساءِ فِي الخفينِ)) فَتركَ ذَلِكَ. وحَديثُ جابرِ بْنِ عبدِ اللهِ، عَن أَبِي عَمروٍ مَولى عَائِشَة - واسمهُ ذكوانُ - عَن عَائِشَة: ((أنَّ النَبي - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يكونُ جنباً فَيريدُ الرقادَ، فَيتوضأ وَضوءهُ للصَلاةِ، ثُمَّ يرقدُ)) رَواه أحمد فِي "مسندهِ" (¬2)، وفي إسنادهِ ابنُ لَهيعةَ (¬3). وحَديث (¬4) ابنِ عباسٍ قَالَ: ((أتى عليَّ زمانٌ وأنا أقول: أولادُ المسلمينَ مَعَ المسلمينَ، وأولادُ المشركينَ مَعَ المشركينَ، حَتَّى حَدَّثَنِي فلانٌ، عَن فلانٍ: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - سُئِلَ، فَقَالَ: ((اللهُ أعلمُ بما كانوا عاملينَ))، قَالَ: فلقيتُ الرجل فأخبرَني، فأمسكتُ عَن قولِي))، روَاهُ أحمدُ فِي "مسندِهِ" (¬5)، وَأبو داود الطيالِسي أَيْضاً فِي "مسندِه" (¬6)، وإسناده صحيحٌ، وبيَّنَ راويهِ (¬7) عنِ الطيالسي - وهو يونسُ ¬

_ (¬1) سنن أبي داود (1831). (¬2) مسند الإمام أحمد 6/ 120. (¬3) من قوله: ((وحديث جابر ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أولاد المشركين فقال: الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين. وعن أَبي هريرة سأل النَّبيّ عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين)) ذكره في باب الجنائز. (¬5) مسند الإمام أحمد 5/ 37 و410. (¬6) مسند الطيالسي (537). (¬7) في (ب) و (ف): ((رواية)) وهو خطأ.

ابنُ حبيبٍ - أنَّ الصحابيَّ المذكورَ فِي هَذَا الحَديثِ، هُوَ أُبي بنُ كعبٍ، وكذا قَالَ الخطيبُ، وترجمَ لَهُ فِي "روايةِ الصَحابةِ عَن التابعينَ": عبد الله بن عباسٍ، عَن صاحبٍ لأُبي بنِ كَعبٍ. وحديثُ ابنِ عمرَ، عَن أسماءَ بنتِ زَيدِ بنِ الخَطابِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ حنظلةَ ابنِ أبي عَامرِ: ((أنَّ النَبي - صلى الله عليه وسلم - أمرَ بالوضوءِ لكلِ صلاةٍ طَاهراً، أَوْ غيرَ طَاهِرٍ، فَلما شَقَّ ذَلِكَ / 123 أ / عَليهِم أمرَ بالسِواكِ لكلِ صَلاةٍ))، رواهُ أبو داودَ (¬1) مِن طريقِ ابنِ إسحاقَ، عَن مُحمدِ بنِ يَحيى بنِ حِبانَ، عَن عبدِ اللهِ بنِ عَبد اللهِ بنِ عُمرَ، قَالَ: قلتُ (¬2): أرأيتَ تَوضؤَ ابنِ عمرَ لكلِ صَلاةٍ طاهِراً، أَوْ غَيرَ طاهِرٍ، عَمَّ ذلكَ؟ قَالَ: حَدثَتْهُ أسماءُ بنتُ زيدِ بنِ الخَطابِ: أنَّ عبدَ اللهِ بنَ حنظلةَ بنِ أَبِي عَامرٍ حَدَّثَها ... (¬3) فذكرهُ. وفي روايةٍ عَلقها أبو دَاود، وأسندَهَا الخَطيبُ إِلَى (¬4) عبيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، كَذا أوردهُ الخطيبُ فِي روايةِ ابن عمرَ، عَن أسماءَ، والظاهرُ أنَّهُ مِن روايةِ ابنهِ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ، عَن أسماءَ، وإنْ كانت حَدثَتْ بِهِ ابنَ عمرَ نَفسَهُ، وكذا جَعلَ المزي فِي "تهذيبِ الكَمالِ" (¬5) الراويَ عنها عبدَ اللهِ بنَ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ. وَحديثُ ابنِ عمرَ، عَن أسماءَ بنتِ زيدِ بنِ الخَطابِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ حنظلةَ: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: ((لَولا أنْ أشقَّ عَلَى أُمتي لأمرتُهم بالسِواكِ عندَ كلِّ صَلاةٍ)) رواهُ الخَطيبُ فِيهِ (¬6). ¬

_ (¬1) سنن أَبي داود (48). (¬2) في (ف): ((قلنا)). (¬3) فِي (ب): ((حدثتها)). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) تهذيب الكمال 8/ 517 (8376). (¬6) أي: في كتاب " رواية الصحابة عن التابعين ".

وحَديثُ سُليمانَ بنِ صُرد، عَن نافعِ بنِ جُبيرِ بنِ مطعمٍ، عَن أبيهِ، قَالَ: تذاكروا غسلَ الجنابةِ عندَ النَبي - صلى الله عليه وسلم -، فَقَالَ: ((أمَّا أنا فَأفيضُ عَلَى رأسِي ثلاثاً ... )) الحديثَ، رواهُ الخَطيبُ، وَهو متفقٌ عَليهِ (¬1) مِن روايةِ سليمانَ، عَن جبيرٍ، لَيْسَ فِيهِ نَافعٌ. وَحديثُ أَبِي الطفيلِ عَن بكرِ بنِ قرواش (¬2)، عَن سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((شَيطانُ الردهةِ يحدرهُ رجلٌ مِن بجيلةَ ... )) الحديثَ، رواهُ أبو يَعلى الموصلي فِي "مسندهِ" (¬3)، قَالَ صَاحبُ "الميزانِ" (¬4): ((بكرُ بنُ قرواشٍ لا يعرفُ، والحَديثُ منكرٌ)). وحديثُ أَبِي هُريرَةَ، عَن أمِّ / 123 ب / عبدِ اللهِ بنِ أَبِي ذباب، عَن أمِّ سَلمةَ، سَمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((مَا ابتلى اللهُ عَبداً ببلاءٍ وَهُوَ عَلَى طريقةٍ يكرهُهُا، إلا جعلَ اللهُ ذَلِكَ البلاءَ له كفارةٌ)) رَواهُ ابنُ أَبِي الدُنيا فِي كتابِ "المرضِ والكفاراتِ" (¬5) وَمن طريقهِ الخَطيبُ. وحَديثُ ابنِ عمرَ، عَن صَفيةَ بنتِ أبي عُبيدٍ، عن (¬6) حفصَةَ، عنِ النَبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لَم يُجمعِ الصَومَ قبلَ الصُبحِ فلا صَومَ لهُ)) (¬7). ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 1/ 73 (254)، وصحيح مسلم 1/ 177 (327). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((بالقاف)). (¬3) مسند أبي يعلى (753). (¬4) ميزان الاعتدال 1/ 347 (1291). (¬5) أورده المنذري في "الترغيب والترهيب" 4/ 280، ونسبه إلى ابن أَبي الدنيا، وقال: ((وأم عبد الله ابنة أَبي ذباب لا أعرفها)). (¬6) ((عن)) مكررة في (أ). (¬7) لم أجده من هذا الطريق، وهو من حديث عبد الله بن عمر، عن حفصة عند أبي داود (2454)، والترمذي (730)، والنسائي 4/ 196 و197، وابن خزيمة (1933) مرفوعاً، لكن الصواب =

وَحديثُ ابنِ عمرَ، عَن صفيةَ، عن حفصَةَ، عنهُ - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يُحرِّمُ من الرضاعِ إلاّ عشرُ رضَعاتٍ فَصاعِداً)) رَواهما الخَطيبُ، وفي إسنادِهِمَا مُحمدُ بنُ عمرَ الواقِدي (¬1). وحديثُ [أنسٍ] (¬2) عَن وقاصِ بنِ ربيعةَ، عَن أبي ذرٍ، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيمَا يرويهِ عن ربهِ - عز وجل -: ((ابنَ آدمَ، إنَّكَ إنْ دنوتَ مِني شِبراً دنوتُ منكَ ذراعاً ... )). الحديثَ (¬3). وحديثُ أَبي الطُفيلِ، عَن عبدِ الملك (¬4) ابنِ أخِي أَبي ذرٍّ، عن أبي ذرٍّ (¬5) قالَ: إنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - أَخبرني: ((أنَّهم لَنْ يُسلطوا على قتلي، وَلَن يفتنونِي عَن ديني ... )) الحديثَ. وَحديثُ أبِي أُمامةَ، عَن عَنبسةَ بنِ أبي سُفيانَ، عن أمِ حبيبةَ، سَمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((ما مِن رجلٍ مُسلمٍ يحافظُ على أربعِ ركعاتٍ قَبل الظهرِ، وأربعٍ بعدَ ¬

_ = أن إسناده معلول بالوقف، ورفعه خطأ والصواب أنه موقوف كما جزم بذلك البخاري في تأريخه الصغير 1/ 134، ونقله عنه الترمذي في علله الكبير 1/ 348، وصوب وقفه كذلك النسائي في الكبرى 2/ 117 - 118، والدارقطني في العلل 5/ الورقة 163 وتفصيل طرقه مع ترجيحاتها مفصل في كتابي الجامع في العلل يسر الله إتمامه وطبعه. (¬1) وهو متروك الحديث. انظر: تهذيب الكمال 6/ 452، وميزان الاعتدال 3/ 662 (7993). (¬2) ما بين المعكوفتين سقط من جميع النسخ الخطية، واستدركته من التقييد: 79. (¬3) لم أقف عليه من هذا الوجه. (¬4) في جميع النسخ الخطية: ((عبد الرحمان)) ولعله تحريف؛ لأنه جاء مخالفاً لما في التقييد، وممّا يؤكد ذلك ما جاء في ترجمة ((أبي الطفيل)) إذ روى عن: ((عبد الملك ابن أخي أبي ذر))، ولم يرو عن أحد اسمه ((عبد الرحمان))، والله أعلم. انظر: تهذيب الكمال 4/ 38 (3051). (¬5) عبارة: ((عن أبي ذر)) لم ترد في (أ) و (ب).

الظُهرِ، فَتمسُهُ النَّارُ)). (¬1) وحديثُ أبي الطُفيلِ، عَن حلامِ بنِ جَزلٍ، عَن أَبي ذرٍّ مَرفوعاً: ((النَّاسُ ثلاثُ طبقاتٍ ... )) الحديثَ. رَوَى هذهِ الأحاديثَ أيضاً الخَطيبُ بأسانيدَ ضعيفةٍ. فَهذهِ عِشرونَ حَديثاً مِن روايةِ الصَحابةِ، عن التابعينَ، عَنِ الصَحابةِ مَرفوعةً، / 124 أ / ذكرتُها للفائدةِ، واللهُ أعلَمُ)) (¬2). قولهُ: (وَرَوى كعبٌ أيضاً عنِ التابعينَ) (¬3) يَعني: فيحتملُ أنْ يكونَ ذلكَ الذي رَواهُ الصَحابي، عن كعبٍ ونحوهِ، قد رواهُ كعبٌ، عَن تَابعيٍّ آخرَ، لَكنْ لم يوجدْ في سندٍ منَ الأسانيدِ صَحابيٌ شَيخهُ تَابعيٌ، ذلكَ التابعيُ شَيخُه في ذلكَ السندِ تَابعيٌ. قولهُ: (وفي بعضِ كُتبِ) (¬4) قالَ في " النُكتِ ": ((وفي بعضِ شروحِ "المنارِ" في الأصولِ للحنفيةِ .. )) إلى آخرهِ (¬5). قولهُ (¬6): (فَقد قالَ الأستاذُ أبو إسحاقَ) (¬7) وكَذا قالَ القاضِي ¬

_ (¬1) لم أقف عليه من هذا الطريق. وهو من طريق عنبسة بن أبي سفيان، عن أم حبيبة عند: أحمد 6/ 325 و426، وأبي داود (1269)، وابن ماجه (1160)، والترمذي (427) و (428)، والنسائي 3/ 264، وابن خزيمة (1191). (¬2) التقييد والإيضاح: 78 - 79. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 214. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 214. (¬5) التقييد والإيضاح: 80، وانظر: أصول السرخسي: 359، وأصول البزدوي 2/ 4، وقال السرخسي: ((لا خلاف بين العلماء في مراسيل الصحابة - رضي الله عنهم - أنها حجة)). (¬6) لم ترد في (ب) و (ف). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 214.

أبو بكرٍ (¬1) البَاقلاني، وهو عَجيبٌ منَ القَاضِي؛ فإنَّ مالِكاً وَأتباعَهُ يَقبلونَ المرسَلَ مطلقاً، فكيفَ إذا كانَ مرسلُ صحابيٍّ، ونقلَ عنِ ابنِ كَثيرٍ أنَّهُ قالَ: ((وذكرَ ابنُ الأثيرِ وَغيرُهُ في ذلِكَ خِلافاً)) (¬2). وَكذا نقلَ عنهُ أنَّهُ قالَ: ((والحافِظُ البيهقيُّ في كتابهِ "السُننِ الكَبيرِ" (¬3) وَغيرِه يُسمِّي ما رواهُ التَابعيُّ، عن رَجلٍ منَ الصَحابةِ - يَعني: بلفظِ الإبهامِ- (¬4) مُرسلاً (¬5)، فإنْ كَانَ يذهبُ معَ هذا إلى أنَّهُ ليسَ بحجةٍ، فيلزمهُ أنْ يكونَ مرسَلُ الصَحابةِ أيضاً ليسَ بِحجَةٍ)) (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((هوَ مالكي)). (¬2) اختصار علوم الحديث 1/ 159، وبتحقيقي: 118. (¬3) انظر السنن الكبرى 1/ 19، وقارن بمعرفة السنن والآثار 3/ 84. (¬4) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬5) قال ابن حجر في " نكته " 2/ 564، وبتحقيقي: 339: ((وقد بالغ صاحب "الجوهر النقي" في الإنكار على البيهقي بسبب ذلك، وهو إنكار متجه)). وقال العراقي في " التقييد ": 74 معقباً على صنيع البيهقي: ((وهذا ليس منه بجيد، اللهم إلاّ إن كان يسميه مرسلاً، ويجعله حجة كمراسيل الصحابة فهو قريب)). قلت: هو في كلا الحالين مخالف لما اصطلح عليه أهل الحديث. (¬6) اختصار علوم الحديث 1/ 160، وبتحقيقي: 119.

المنقطع والمعضل

الْمُنْقَطِعُ (¬1) وَالْمُعْضَلُ (¬2) قولهُ: 132 - وَسَمِّ بِالمُنْقَطِعِ: الَّذِي سَقَطْ ... قَبْلَ الصَّحَابيِّ بِهِ رَاوٍ فَقَطْ 133 - وَقِيْلَ: مَا لَمْ يَتَّصِلْ، وَقَالا: ... بِأنَّهُ الأقْرَبُ لا استِعمَالا ¬

_ (¬1) انظر في المنقطع: معرفة علوم الحديث: 27 - 29، والكفاية (58ت، 21هـ‍)، والتمهيد 1/ 21، ومعرفة أنواع علم الحديث: 132، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 180 - 182، والتقريب: 58، والاقتراح: 208، ورسوم التحديث: 71، والمنهل الروي: 46 - 47، والخلاصة: 68 - 69، والموقظة: 40، وجامع التحصيل: 31، واختصار علوم الحديث: 1/ 162 وبتحقيقي: 119، والشذا الفياح 1/ 157، والمقنع 1/ 141، ومحاسن الاصطلاح: 64، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 215، وتنقيح الأنظار: 132، ونزهة النظر: 64، والمختصر: 131 - 132، وفتح المغيث 1/ 149، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 75، وفتح الباقي 1/ 204، وتوضيح الأفكار 1/ 323، وظفر الأماني: 354 - 355، وشرح شرح نخبة الفكر: 412، واليواقيت والدرر 2/ 3، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 233. (¬2) انظر في المعضل: معرفة علوم الحديث: 36، والكفاية (58 ت، 21 هـ‍)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 135، والإرشاد 1/ 183، والتقريب: 59، والاقتراح: 208، ورسوم التحديث: 73، والمنهل الروي: 47، والخلاصة: 68، والموقظة: 40، وجامع التحصيل: 32، واختصار علوم الحديث 1/ 167 وبتحقيقي: 123، والشذا الفياح 1/ 159، والمقنع 1/ 145، ومحاسن الاصطلاح: 67، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 215، وتنقيح الأنظار: 132، ونزهة النظر: 63، والمختصر: 131، وفتح المغيث 1/ 149، وألفية السيوطي: 24، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 75، وفتح الباقي 1/ 204، وتوضيح الأفكار 1/ 323، وظفر الأماني: 355، وشرح شرح نخبة الفكر: 409، واليواقيت والدرر 2/ 3، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 235.

134 - وَالمُعْضَلُ: السَّاقِطُ مِنْهُ اثْنَانِ ... فَصَاعِداً، وَمِنْهُ قِسْمٌ ثَانِ 135 - حَذْفُ النَّبِيِّ وَالصَّحَابِيِّ مَعَا ... وَوَقْفُ مَتْنِهِ عَلَى مَنْ تَبِعَا قولهُ: (راوٍ فَقط) (¬1)، أي: في الموضعِ الواحِدِ؛ وَذلكَ أنَّ الراوِيَ للجنسِ، فَإنَّما تكونُ وحدة السَاقِطِ مِن الرواةِ قَيداً بالنسبةِ إلى موضعٍ واحِدٍ، وإلاَّ فَلو تَعددتِ المَواضِعُ لَم يضرَّ تعددُ السَاقِطِ في تسميتِهِ مُنقطعاً مَا لم يَتوالَ، فلَو سَقطَ منَ السَندِ اثنانِ فصاعداً، لا على التَوالي، بل مِن كلِ مَوضعٍ واحِدٌ فَقط، كانَ منقطعاً مِن موضعينِ، أو مواضِعَ (¬2)، كما ذُكرَ في الشَرحِ. قولهُ: (وقالا بأنهُ / 124 ب / الأقربُ) (¬3) رُبَّما التَبسَ فيهِ الأمرُ عَلى مَن لم ينظرْ الشَرحَ، فلا يَدرِي: هل هَذهِ ألفُ الإطلاقِ، فَيصرفُ الضَميرَ إلى ابنِ الصَلاحِ، أو ألف التثنيةِ فيصرفها إلى الشيخين؛ لأنهما منْ أهلِ الاصطلاحِ، وجائزٌ أنْ يقولا إنَّ هذا أقربُ، لكنَّ قرينةَ حكايةِ الاستعمالِ - أي: استعمالُ مَن لَهم الاصطلاحُ - تُبعدُ أنْ يكونَ المرادُ الشَيخينِ لأنَّهما منَ الأقدمينَ، وأولئكَ يندرُ أنْ ينقُلوا الاصطلاح عَنْ غيرهِم؛ فإنَّهم هُم أهلُ الاصطلاحِ. وَقولهُ: (الأقربُ) (¬4)، أي: مِن حَيثُ اللغَةُ. قولهُ: (اثنانِ فَصاعِداً) (¬5)، أي: معَ التَوالي، كَما في الشَرحِ و ((صَاعداً)) مَعمولٌ لِفعلٍ مَحذوفٍ، أي: فَاذهبْ في السُقوطِ صَاعِداً. وَشرطُ التَوالي لا يُفهمُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (132). (¬2) في (ب): ((موضع)). (¬3) التبصرة والتذكرة (133). (¬4) التبصرة والتذكرة (133). (¬5) التبصرة والتذكرة (134).

منَ النَظمِ؛ فكانَ ينبغي التنبيهُ عليهِ بعدَ هذهِ الأبياتِ الأربعةِ بأنْ يقولَ: أو كانَ سَاقِطاً بموضعين ... فليسَ مُعضلاً بغيرِ مين نقلَ هَذا عن شَيخِنا البرهانِ، وهو غَيرُ وافٍ، فَلو قالَ: والشَرطُ في ساقِطه التَوالي ... والانفراد ليسَ بالإعضَالِ لكانَ أحسَنَ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (ومِنهُ قِسمٌ ثَانِ) (¬1) إنْ قيلَ: هوَ داخِل في قولهِ: ((اثنانِ فصَاعِداً)) فالجوابُ: المنعُ؛ لأنَّ الضَميرَ في قَولهِ: ((منهُ)) يَرجعُ إلى السَندِ، فتقديرُ قَولهِ: ((والمعضَلُ السَاقِط مِن إسنادِهِ اثنانِ))، والنّبي - صلى الله عليه وسلم - مسندٌ إليهِ، وليسَ هوَ منَ السَندِ، وأيضاً فالإعضالُ مِن مباحثِ الإسنادِ، وإذا ذُكرَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كانَ / 125 أ / الكَلامُ في الرفعِ، وَهوَ مِن مباحث المتنِ، وكَذا إذا حُذفَ ذِكرُهُ - صلى الله عليه وسلم - كانَ الكلامُ فِي الوقفِ، وَهو من مباحثِ المتنِ أيضاً، وَكذا إذا حُذِفَ الصَحابيُّ أيضاً؛ فإنَّهُ يكونُ مَقطوعاً، وهوَ مِن مَباحثِ المتنِ أيضاً (¬2)، فَلا يدخلُ ذلِكَ في قولهِ: ((اثنانِ فصاعِداً))؛ لأنَّ ذلكَ كالمستثنَى صريحاً في قواعِد هَذا العِلمِ، حَتى لا يختلطَ البَحثُ في الإسنادِ بالبحثِ في المتنِ، فاحتاجَ أنْ ينصَّ عليهِ؛ لوجودِ صُورةِ سقط اثنينِ معَ التَوالِي. قولهُ: (وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ ... ) (¬3) إلى آخرِه، يقتضي أنَّ المنقطعَ يطلقُ على جميعِ الأنواعِ التي تَرجعُ إلى السَقطِ منَ السَندِ، وَخُصَّ كلٌّ مِنهَا باسمٍ، كالمعضَلِ، والمعلقِ، والمرسَلِ، وأنَّ كلاً منها دَاخِلٌ تحتَ المنقطِعِ دخولَ الأخصِّ تحتَ الأعمِّ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (134). (¬2) من قوله: ((وكذا إذا حذف الصحابي)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 216.

قولهُ: (عَن بعضِهِم) (¬1) هَذا القَولُ يشبهُ أنْ يكونَ قولَ مَن حدَّ المرسَلَ: بأنَّهُ ما سقطَ من إسنادِهِ رَاوٍ (¬2). قولُهُ: (ما رواهُ من دون التَابعينَ عنِ الصَحابةِ) (¬3) يُفهِمُ اشتراطَ الوصولِ إلى الصحابي، وليسَ كذلكَ، فإنَّهُ لو ذُكِرَ أثرٌ عمن دونَ الصحابةِ، وسَقَطَ من اثنائهِ رجلٌ سُمِّيَ منقطعاً، ويدخلُ في كلامِ ابنِ الصلاحِ أيضاً ما لو سقطَ منهُ اثنانِ فصاعداً، ولو معَ التوالي؛ فإنَّهُ قالَ: ((من دون التابعينَ)) وذلكَ يشملُ من دونهُ بقليلٍ، أو كثيرٍ، ولا يخفى ما فيهِ، اللهمَّ إلا أنْ يُعتنَى بهِ فيقالُ: المثالُ يخصصهُ. واللهُ أعلمُ. قولهُ: (والمعضلُ) (¬4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهو لقبٌ لنوعٍ خاصٍ منَ المنقطعِ، فكلُّ معضلٍ منقطعٌ، وليسَ كلُّ / 125 ب / منقطعٍ معضلاً، وقومٌ يُسمونهُ مرسلاً كما سبقَ)) (¬5). قولهُ: (من موضعٍ واحدٍ) (¬6) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((وهذا مرادُ المصنِّفِ ويوضحُ مرادَهُ المثالُ الذي مَثّلَ بهِ بعدُ، وهوَ قولهُ: ومثاله ما يرويهِ تابعُ التابعي ... )) (¬7) إلى آخرهِ. قوله: (فهوَ معضَل، بفتحِ الضادِ) (¬8) ينبغي أنْ يعلمَ أنَّ ذلكَ غيرُ مطَّردٍ، بل ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 216. (¬2) ينظر كلام الحافظ ابن حجر في النزهة: 81 - 82 في التفريق بين المرسل والمنقطع. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 216. (¬4) التبصرة والتذكرة (134). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 135. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 216. (¬7) التقييد والإيضاح: 81. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217، والعبارة لابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 136.

قد يستعملونَ لفظة ((مُعضِل)) بكسرِ الضادِ؛ وذلكَ لأنَّهُ يوجدُ في كلامِهم أحياناً وصفُ الحديثِ الذي لم يسقطْ من إسنادهِ شيءٌ بأنَّهُ مُعضِلٌ، فهذا إنما يريدونَ بهِ أنَّهُ مُشكِلٌ، فهوَ مكسورُ الضادِ (¬1). قلتُ: قولهُ: (وهو اصطلاحٌ مشكلٌ من حيثُ اللغةُ) (¬2)، أي: لأنَّ مَفْعَلاً -بفتحِ العينِ - لا يكونُ إلا من ثلاثيٍّ لازمٍ عُدِّيَ بزيادةِ الهمزةِ، وهذا لازمٌ معَ الزيادةِ. وأجابَ: بأنَّهُ وجدَ لهُ قولهم: ((أمرٌ عضيلٌ))، أي: مستغلقٌ شديدٌ. قلتُ: يريدُ أنَّ من المقررِ: أنَّ ((فعيلاً)) مبالغةُ فاعلٍ لا يكونُ من رباعي، وإنما يكون من ثلاثي، وهوَ هنا لازمٌ لتفسيرهم لهُ بمستغلقٍ شديدٍ، فيكونُ مثل جليسٍ وكريمٍ، من جلسَ وكَرُمَ، فيقالُ: عضل الأمرُ إذا اشتدَ، كما يقالُ: أعضل، فإذا ثبتَ أنَّه من ثلاثيٍّ لازمٍ عُدِّيَ بالهمزةِ، فقيلَ: أعضلهُ، كما يقالُ: أكرمهُ، وأجلسهُ، والمعضلُ في الاصطلاحِ من هذا؛ لأنهم أعضلوه، فيصيرُ كما قالوا: ظلم الليلُ وأظلمَ هوَ، وأظلمهُ اللهُ. هذا ما كانَ ظهرَ لي، ثم وجدتُ ما يؤيدُ أنَّهُ مرادهُ، قالَ ¬

_ (¬1) جاء في نسخة (ب): ونقل هذا السخاوي عن ابن حجر فقال: ((واعلم أنه قد وقع - كما أفاده شيخنا - التعبير بالمعضل في كلام جماعة من أئمة الحديث فيما لم يسقط منه شيء البتة، بل الإشكال في معناه، وذكر لذلك أمثلة، ولم يذكر فيها ما رواه الدولابي في "الكنى" من طريق خليد بن دعلج، عن معاوية بن قرة، عن أبيه - رضي الله عنه - رفعه: ((من كانت وصيته على كتاب الله كانت كفارة لما ترك من زكاته))، وقال: هذا معضل معضل يكاد يكون باطلاً، قال شيخنا: فأما أن يكون يطلق على كل من المعنيين، أو يكون المعرف به وهو المتعلق بالإسناد بفتح الضاد، والواقع في كلام من أُشير إليه بكسرها، ويعنون به المستغلق الشديد أي: الإسناد والمتن، قال: وبالجملة فالتنبيه عليه كان متعيناً)). انتهى. وانظر: النكت لابن حجر 2/ 575 - 579، وبتحقيقي: 349 - 352، وفتح المغيث 1/ 178. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217.

الشيخُ في " النكتِ " (¬1): ((إنَّ المصنِّفَ أملى حينَ / 126 أ / قراءة الكتابِ عليهِ أنَّ فعيلاً يدلُّ على الثلاثي)). قالَ: ((فعلى هذا يكونُ لنا عَضَلَ قاصراً، وأعضلَ متعدياً وقاصراً، كما قالوا: ظَلَمَ الليلُ، وأظلمَ الليل، وأظلمَ اللهُ الليلَ)). انتهى. قال الشيخُ: ((وقد اعترضَ عليهِ (¬2) بأنَّ ((فعيلاً)) لا يكونُ من الثلاثي القاصرِ. والجوابُ: أنَّه إنما لا يكونُ من الثلاثي القاصرِ إذا كانَ ((فعيلٌ)) بمعنى ((مفعول)) فأما إذا كانَ بمعنى ((فاعلٍ)) فيجيءُ منَ الثلاثي القاصرِ، كقولكَ: حريصٌ من حَرَصَ، وإنما أرادَ المصنِّفُ بقولهم: ((عضيلٌ)) أنَّهُ بمعنى فاعل، من عَضَلَ الأمرُ فهوَ عاضِلٌ وعضيل، واللهُ أعلمُ. وقرأتُ بخطِّ الحافظِ شرفِ الدينِ الحسنِ بن عليٍّ الصيرفي على نسخةٍ من كتابِ ابنِ الصلاحِ في هذا الموضعِ: دلنا قولهم: ((عضيل)) على أنَّ في ماضيه عضل، فيكونُ أعضلهُ منهُ، لا من أعضلَ هوَ، وقد جاءَ: ظلمَ الليلُ، وأظلمَ، وأظلمهُ اللهُ، وغطشَ، وأغطشَ، وأغطشهُ اللهُ)) (¬3). انتهى. وغطشَ - بمعجمةٍ، ثمَّ مهملةٍ، ثم معجمةٍ - أي: أظلمَ. قوله: (ولا التفات في ذلكَ إلى معضِلٍ - بكسرِ الضادِ -) (¬4)، أي: التفاتاً يشكل على ما مضى من إثباتِ كونهِ متعدياً، وإنْ كانَ مثلَ ((عضيلٍ)) في المعنى - أي: في اللزومِ - من جهةِ أنَّ معناهُ مستغلقٌ شديدٌ، ليوجبَ ذلكَ أنَّه غيرُ مُتعدٍ معَ ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 82. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((ابن الصلاح)). (¬3) التقييد والإيضاح: 82. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217.

وجودِ الهمزةِ، فحينئذٍ لا يكونُ للهمزةِ (¬1) أثرٌ في التعديةِ؛ فلا يصحُ معضَلٌ -بالفتحِ -؛ لأنَّهُ لا يكونُ إلا من متعدٍ، لا التفاتَ إلى ذلكَ؛ لأنَّهُ ليسَ بأولِ فَعلٍ استُعمِلَ لازماً ومتعدياً، نحوَ: أَسلَمَ الرجلُ، فهوَ مسلمٌ، وأسلمتهُ أنا / 126 ب / إلى كذا، وآمنَ فهوَ مؤمنٌ، وآمنتهُ أنا من فلانٍ، واللهُ أعلمُ. هذا توجيهُ كلامهِ، على أني وجدتُ النصَّ في كلامِ أهلِ اللغةِ على أنَّ أعضلَ متعدٍ. قالَ الإمامُ عبدُ الحقِ في كتابهِ " الواعي ": ((العضلُ الداهيةُ التي أعضلت، أي: غلبت)). وقالَ: ((أعضلَ الأمر إذا اشتدَ، وداءٌ عضالٌ، أي: شديدٌ أعيا الأطباء وأعضلهم فلم يقوموا بهِ)). وقالَ صاحبُ " القاموسِ " (¬2): ((عضَّلَ عليهِ: ضيَّقَ، وبهِ (¬3) الأمرُ اشتدَّ، كأعضل وأعضلهُ، وتعضلَ الداءُ الأطباءَ، وأعضلهم، وداءٌ عُضالٌ، كغُرابٍ: مُعْيٍ غالِبٌ)). انتهى. والمادةُ تدورُ على الاشتدادِ، من عضلةِ الساقِ، وهي اللحمةُ التي في باطنهِ. ونقلَ عبدُ الحقِّ، عن قاسمٍ: أنها كلُ لحمٍ اجتمعَ، قالَ: وقالَ الخليلُ: كلُ لحمةٍ اشتملت على عصبةٍ. انتهى. وتارةً يكونُ الاشتدادُ ناظراً إلى المنعِ، وتارةً إلى الضيقِ والغلبةِ؛ فالمعنى إذن: أنَّ الذي أَسقطَ من الحديثِ راويينِ متواليينِ شدَّد في المنعِ من فهمِ الساقطِ؛ فإنَّهُ إذا كانَ الساقطُ واحداً أمكنَ أن يعرفَ من تلميذهِ وشيخهِ، فإذا زادَ السقطُ واحداً يليهِ زاد الإشكالُ، فهو إذن معضلٌ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (ومثلَ أبو نصرٍ) (¬4) قالَ ابنُ الصلاحِ قبل ذلكَ: ((ومثالُه: ما يرويهِ ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ف): ((في)). (¬2) القاموس المحيط مادة (عضل). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: عضلَ)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217.

تابعيُّ التابعيِّ قائلاً فيهِ: قال رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وكذلكَ ما يرويهِ مَن دونَ تابعيِّ التابعيِّ، عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، أو عن أبي بكرٍ وعمرَ وغيرِهما، غيرَ ذاكرٍ للوسائطِ بينهُ وبينهم)) (¬1) / 127أ /. قوله: (يقولُ مالكٌ بلغني عن أبي هريرةَ (¬2) - رضي الله عنه -) (¬3)، أي: فإنَّهُ وردَ في بعضِ طرقهِ خارجَ "الموطأ": مالكٌ، عن محمدِ بنِ عجلانَ، عن أبيهِ، عن ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 136. (¬2) هذا البلاغ في الموطأ (رواية يحيى الليثي (2806)، ورواية أبي مصعب الزهري (2064)، ورواية سويد بن سعيد (779)، وهو في موطأ عبد الله بن مسلمة القعنبي كما أسنده إليه الحاكم في معرفة علوم الحديث: 37). قلت: وقد روي موصولاً عن مالك: رواه إبراهيم بن طهمان، والنعمان بن عبد السلام. ورواية ابن طهمان: عند الحاكم في معرفة علوم الحديث: 37، والخليلي في الإرشاد 1/ 164. ورواية النعمان: عند الخليلي في الإرشاد 1/ 164 - 165؛ كلاهما (إبراهيم بن طهمان والنعمان بن عبد السلام) عن مالك، عن محمد بن عجلان، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ... الحديث. وقد خولف فيه مالك، فقد أسنده عن محمد بن عجلان: سفيان الثوري، عند الحميدي (1155)، وأحمد (2/ 247)، ووهيب بن خالد عند أحمد (2/ 342)، وسعيد بن أبي أيوب عند البخاري في الأدب المفرد (1192)، والليث بن سعد عند البخاري في الأدب المفرد (193)، والبيهقي في الكبرى (8/ 6)، وسفيان بن عيينة عند البغوي (2403)، لكن هؤلاء (سفيان الثوري، ووهيب، وسعيد بن أبي أيوب، والليث بن سعد، وسفيان بن عيينة) رووه عن ابن عجلان، عن بكير بن عبد الله الأشج، عن العجلان، عن أبي هريرة وروايتهم أصح. فقد توبع محمد بن عجلان على روايته، كما في رواية الجمع، فقد أخرجه مسلم (5/ 93 حديث (1662)) من طريق عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن العجلان. فلعل هذا هو السبب الذي جعل الإمام مالكاً يذكره بلاغاً في موطئه؛ لأنه لم يضبطه جيداً، ومن عجب أنّ الدكتور بشار عوّاد لم ينتبه إلى ذلك في تعليقه على موطأ مالك في روايته (رواية أبي مصعب، ورواية يحيى الليثي) بل لم يشر أبداً إلى الرواية الموصولة من طريق مالك. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217.

أبي هريرةَ؛ فتبينَ أنَّ الساقطَ اثنانِ متواليانِ، وهذا يؤيدُ ما أسلفنا في الإسنادِ الذي فيهِ راوٍ مبهمٌ مثل ((رجل))، من أنَّهُ لا يُسمَّى متصلاً فيهِ مبهمٌ إلا إذا صرَّحَ ذلكَ المبهمُ بالتحديثِ ممن فوقهُ؛ لأنَّ مالكاً أخذَ عن أصحابِ أبي هريرةَ. وقولهُ هنا: (بلغني) (¬1) يعني: من مُبَلِّغ، فهو مبهمٌ، فلو لم يشترطِ التحديثَ لقلنا متصلٌ، فإنَّهُ كثيراً ما يكونُ بينهُ وبينَ أبي هريرةَ واحدٌ فقط، وقد تبيّنَ بخلافِ ذلكَ، وأنَّ بينهما اثنينِ، وبهذا يندفعُ ما استُشكِلَ بهِ قولُ أبي نصرٍ من أنَّه يجوزُ أنْ يكونَ الساقطُ بينَ مالكٍ وبينَ أبي هريرةَ واحداً؛ لسماعِ مالكٍ من سعيدٍ المقبري، ونعيمِ المجمرِ، ومحمدِ بنِ المنكدرِ، وغيرِهم من أصحابِ أبي هريرةَ، واللهُ الموفقُ. قوله: (من قبيلِ المعضلِ) (¬2) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((لما تقدمَ)) (¬3)، أي: من سقوطِ اثنينِ فصاعداً من إسنادهِ. انتهى. وهو من قبيلِ المعلقِ أيضاً، ولا يختصُّ بقولهم: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، بل لو قالَ أحدُهم: قالَ الشافعيُّ، أو مالكٌ مثلاً لكانَ الحكمُ كذلكَ. قال ابنُ الصلاحِ: ((وسماهُ الخطيبُ أبو بكرٍ الحافظُ في بعضِ كلامهِ مرسلاً، وذلكَ على مذهبِ مَن يُسمِّي كلَّ ما لا يتصلُ إسنادهُ مرسلاً كما سبقَ)) (¬4). قوله: (ومنه قسمٌ ثانٍ) (¬5) هذا له شرطانِ: أحدهما: أنْ يجيءَ مسنداً من طريقِ ذلكَ الذي وُقِفَ عليهِ. (¬6) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 217. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 218. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 138. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 138. (¬5) التبصرة والتذكرة (134). (¬6) بدل هذا في (ب): ((قوله)).

العنعنة

/ 127 ب / والثاني: أنْ يكونَ مما تجوزُ نسبتُه إلى غيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مثلُ أنْ يكونَ للرأي فيهِ مجالٌ، أو يكونَ مما يمكنُ أخذهُ عنِ الكتابيينِ. فإنْ لم يأتِ مسنداً من طريقِ ذلكَ الرجلِ من وجهٍ من الوجوهِ؛ فإنَّه لا يكونُ معضلاً؛ لأنَّهُ يحتمل أنْ يكونَ قالهُ من عندِ نفسهِ، فلم يتحققْ أنَّهُ سقطَ منهُ اثنانِ، ففاتَ شرطُ التسميةِ، وإنْ كانَ مما لا تجوزُ نسبتهُ إلى غيرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كأنْ يقولَ التابعيُّ: ((أُسرِيَ بي، ورأيتُ (¬1) ربي)) ونحو ذلكَ مما يعلمُ أنَّهُ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ فهوَ مرفوعٌ حكماً، وهو معضلٌ بالنظرِ إلى صورتهِ الظاهرةِ في سقوطِ اثنينِ منهُ، ومرسلٌ نظراً إلى أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مذكورٌ فيهِ حكماً، وإنْ لم يصرحِ بهِ. قولهُ: (باستحقاقِ اسمِ الإعضالِ أولى) (¬2)، أي: من اسمِ القطعِ والإرسالِ نظراً إلى الصورةِ. الْعَنْعَنَةُ (¬3) قولهُ: 136 - وَصَحَّحُوا وَصْلَ مُعَنْعَنٍ سَلِمْ ... مِنْ دُلْسَةٍ رَاويْهِ، واللِّقَا عُلِمْ 137 - وَبَعْضُهُمْ حَكَى بِذَا إجمَاعَا ... و (مُسْلِمٌ) لَمْ يَشْرِطِ اجتِمَاعَا 138 - لكِنْ تَعَاصُراً، وَقِيلَ: يُشْتَرَطْ ... طُوْلُ صَحَابَةٍ، وَبَعْضُهُمْ شَرَطْ 139 - مَعْرِفَةَ الرَّاوِي بِالاخْذِ عَنْهُ، ... وَقيْلَ: كُلُّ مَا أَتَانَا مِنْهُ 140 - مُنْقَطِعٌ، حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ، ... وَحُكْمُ (أَنَّ) حُكمُ (عَنْ) فَالجُلُّ ¬

_ (¬1) في (ف): ((أو رأيت)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 218. (¬3) ينظر في العنعنة: المحدّث الفاصل: 450، والتمهيد 1/ 12، وإكمال المعلم 1/ 164، والاقتراح: 206، ومحاسن الاصطلاح: 155، والنكت على كتاب ابن الصلاح 2/ 583 وبتحقيقي: 355.

141 - سَوَّوْا، وَللقَطْعِ نَحَا (البَرْدِيْجِيْ) ... حَتَّى يَبِينَ الوَصْلُ في التَّخْرِيجِ قالَ شيخُنا: ((مَن حَكَمَ بالانقطاعِ دائماً شددَ (¬1)، ويليهِ مَن شرطَ طولَ الصحبةِ (¬2)، ومنِ اكتفى بالمعاصرةِ سهَّلَ (¬3)، والمذهبُ الوسطُ الذي ما بعدهُ إلا التعنتُ مذهبُ علي بنِ المديني والبخاري من أنَّهُ يشترطُ اللقاء فقط (¬4). وما أوردهُ مسلمٌ عليهم من أنَّهُ يلزمهم ردُّ المعنعنِ دائماً لاحتمالِ عدمِ السماعِ ليسَ بواردٍ؛ لأنَّ المسألةَ مفروضةٌ في غيرِ المدلسِ، ومتى فرضَ أنَّهُ لم يسمع ما عنعنهُ كانَ مدلساً، فتنتفي المسألةُ من أصلها)). وقوله: (معرفةُ الراوي بالأخذِ عنهُ) (¬5) لا يطابقُ قوله / 128 أ / في الشرحِ: ((أنْ يكونَ معروفاً بالروايةِ عنهُ)) فإنَّ الأخذَ أخصُّ منَ الروايةِ، فالأخذُ عنِ الشخصِ التلقي منهُ بلا واسطةٍ، والروايةُ عنه النقلُ عنهُ، سواءٌ كانَ بواسطةٍ أم لا؛ فالعبارةُ المساويةُ لما في الشرحِ أنْ يقالَ (¬6): معرفةُ الراوي بنقلٍ عنهُ. ¬

_ (¬1) قال العلائي في " جامع التحصيل ": 116: ((وهذا القول حكاه ابن الصلاح ولم يسم قائله ونقله قبله القاضي أبو محمد الرامهرمزي في كتابه " المحدث الفاصل ": 450 عن بعض المتأخرين من الفقهاء. (¬2) وهو قول الإمام أبي المظفر بن السمعاني. انظر: قواطع الأدلة 1/ 374، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 187، وجامع التحصيل: 116. (¬3) وهو قول الإمام مسلم رحمه الله، وقد ادعى الإجماع عليه كما قال النووي. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 33. (¬4) قال النووي: ((وهو مذهب علي بن المديني والبخاري وأبي بكر الصيرفي الشافعي والمحققين، وهو الصحيح)). وسيأتي كلام النووي لاحقاً. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 33. وقال العلائي: ((وهذا هو الذي عليه رأي الحذاق كابن المديني والإمام البخاري وأكثر الأئمة)). جامع التحصيل: 116. (¬5) التبصرة والتذكرة (139). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: في النظم)).

قوله: (وللقطعِ نحا البرديجي) (¬1)، أي: وللقطعِ في الخبرِ الذي رواهُ الراوي بـ ((أنَّ)) ونحوها منَ الصيغِ المشبهةِ بـ ((عن)) في كونها تحتملُ عدمَ السماعِ مطلقاً، أي: سواءٌ كانَ قائلُها مدلساً أو لا، لقيَ مَن رَوَى بها عنه أم لا. قوله: (من أئمةِ الحديثِ وغيرهم) (¬2) قال ابنُ الصلاحِ عقبهُ: ((وأودعهُ المشترطونَ للصحيحِ في تصانيفهم فيهِ وقبلوهُ)) (¬3). قوله: (بشرطِ سلامةِ الراوي الذي رواهُ بالعنعنةِ منَ التدليسِ) (¬4)، أي: فإنْ كانَ مدلساً لم تقبلْ عنعنتُهُ حتى يتبيَّنَ سماعُه لذلكَ الحديثِ ممن عنعنهُ عنهُ، قالَ الشافعي في بابِ تثبيتِ خبرِ الواحدِ: ((وأقبلُ في الحديثِ حدثني فلانٌ، عن فلانٍ إذا لم يكن مدلساً، ولا أقبلُ في الشهادةِ إلا سمعتُ، أو رأيتُ، أو أشهدني)) (¬5). قالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفي في شرحهِ (¬6): ((لأنَّ فلاناً، عن فلانٍ إذا لقيهُ فهوَ على السماعِ حتى يُعرفَ خلافهُ، وليسَ الناسُ على أنَّ عليهم ديوناً حتى يُعلمَ خلافه، فالشهادةُ تختصُ بأنْ يحتاطَ فيها من هذا الوجهِ)). وقالَ الشافعيُّ: ((فقالَ - يعني: شخصاً ناظرهُ (¬7) - فما بالكَ قبلتَ مَن لم تعرفهُ بالتدليسِ أنْ يقولَ: عن، ويمكنُ (¬8) ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (141). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 139. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219. (¬5) الرسالة فقرة (1011). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي على الرسالة)). (¬7) هذه الجملة من البقاعي للتوضيح، وقد ذكرت عند تحقيقنا للرسالة بأن ليس هناك مناظرة حقيقية، وإنما هو تمثيل للإمام الشافعي، حتى يشمل القول ونقيضه، فيكون أثبت للحجة والقوة. (¬8) في الرسالة: ((وقد يمكن)).

فيهِ أنْ يكونَ لم يسمعهُ؟ فقلتُ لهُ: المسلمونَ / 128 ب / العدولُ عدولٌ أصحاءُ الأمرِ في أنفسهم)) (¬1). وقالَ الصيرفي: ((المعنى: أني إذا عرفتُ العدلَ فهو على العدالةِ حتى أعلمَ الجرحَ، وكذلكَ إذا علمتُ السماعَ فهوَ على السماعِ حتى أعلمَ التدليسَ؛ فإذا علمته وقفته، وما لم نجدْ لهُ فهوَ موقوفٌ على الاختبارِ (¬2))). قولهُ: (وبشرطِ ثبوتِ ملاقاتهِ) (¬3)، أي: فإنْ لم تثبتْ ملاقاتهُ لمن عنعنَ عنهُ وقفَ الحديث حتى يثبتَ اللقيُّ، فقد عنعنَ أناسٌ عن من لم يلقوه، مثل حديثِ: ((كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ، والقراءة بالحمد للهِ ربِ العالمينَ، وكانَ إذا ركعَ لم يشخص رأسهُ ولم يصوبهُ، ولكن بينَ ذلكَ، وكانَ إذا رفعَ رأسهُ من الركوعِ لم يسجدْ حتى يستويَ قائماً، وكانَ إذا رفعَ رأسهُ منَ السجدةِ لم يسجدْ حتى يستويَ جالساً، وكانَ يقولُ في كلِّ ركعتينِ التحيةَ، وكانَ يفرشُ رجله اليسرى، وينصبُ رجله اليمنى، وكانَ ينهى عن عقبة --وفي روايةٍ: عقب - الشيطانِ، وينهى أنْ يفترشَ الرجلُ ذراعيهِ افتراشَ السبعِ، وكانَ يختمُ الصلاةَ بالتسليمِ)). أوردهُ صاحبُ "العمدةِ" (¬4) فيها ظاناً أنَّهُ مما اتفقَ عليهِ الشيخانِ، وإنما رواهُ مسلمٌ (¬5) فقط، عن أبي الجوزاءِ أوسِ بنِ عبدِ اللهِ الربعي، عن عائشةَ -رضي الله عنها-، ولم يلقَها. قالَ شيخُنا في " تهذيبِ التهذيبِ" (¬6) عنِ ابنِ عديٍ: ((وأبو الجوزاءِ رَوَى عن ¬

_ (¬1) الرسالة فقرة (1028) و (1029). (¬2) في (ف): ((الاختيار)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 219. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((الحافظ عبد الغني المقدسي))، وانظر: عمدة الأحكام: 72. (¬5) صحيح مسلم 2/ 54 (240) (498). (¬6) 1/ 384.

الصحابةِ، وأرجو أنَّه لا بأسَ بهِ، ولا تصحُّ روايته عنهم أنَّهُ قد سمعَ منهم، وقولُ البخاري: ((في إسنادهِ نظرٌ)) يعني: أنهُ لم يسمع من مثلِ ابنِ مسعودٍ، وعائشةَ وغيرِهما، لا أنَّه / 129 أ / ضعيفٌ عندهُ)). قالَ شيخُنا (¬1): ((وذكرَ ابنُ عبدِ البرِ في "التمهيدِ" أيضاً أنَّهُ لم يسمعْ منها (¬2). وقالَ جعفرُ الفريابي في " كتابِ الصلاةِ ": حدثنا مزاحمُ بنُ سعيدٍ (¬3)، حدثنا ابنُ المباركِ، حدثنا إبراهيمُ بنُ طهمانَ، حدثنا بديلُ العقيليُّ، عن أبي الجوزاءِ، قالَ: أرسلتُ رسولاً إلى عائشةَ -رضي الله عنها- يسألها ... فذكرَ الحديثَ - يعني: ((كانَ يستفتحُ الصلاةَ بالتكبيرِ ... )) إلى آخرهِ - (¬4) فهذا ظاهرهُ أنَّه لم يشافهها، لكنْ لا مانعَ من جوازِ كونهِ توجهَ (¬5) بعدَ ذلكَ، فشافهها على مذهبِ مسلمٍ في إمكانِ اللقاءِ، واللهُ أعلمُ)) (¬6). قولهُ: (فقدِ ادعاهُ) (¬7) فيهِ نظرٌ، فإنَّ ابن عبدِ البرِ لم يصرّحْ بذلكَ، إنما ادّعى الإجماعَ على قبولهِ كما في " التمهيدِ " (¬8)، لكن يلزمُ من ذلكَ أنْ يكونَ متصلاً، وعبارته - كما نقلها (¬9) الشيخُ في "النكتِ" (¬10) -: ((اعلمْ وفقكَ اللهُ، أني تأملتُ ¬

_ (¬1) القائل هو البقاعي. (¬2) التمهيد 20/ 205. (¬3) في جميع النسخ الخطية: ((شعبة)) وهو تحريف، لأنه جاء مخالفاً لما في التهذيب، ويؤيد ما أثبت ما جاء في سير أعلام النبلاء 14/ 104 في ترجمة الفريابي، إذ ذكره ضمن شيوخه بهذا الاسم، والله أعلم. (¬4) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬5) بعد هذا في التهذيب: ((إليها)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((بلغ))، وهو دليل على بلوغ المقابلة أو السماع. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220. (¬8) التمهيد 1/ 13. (¬9) في (أ) و (ب): ((نقل)). (¬10) التقييد والإيضاح: 83 - 84، وانظر: التمهيد 1/ 12 - 13.

أقاويلَ أئمةِ الحديثِ، ونظرتُ في كتبِ مَنِ اشترطَ الصحيحَ في النقلِ منهم، ومن لم يشترطهُ، فوجدتهم أجمعوا على قبولِ الإسنادِ المعنعنِ، لا خلافَ بينهم في ذلكَ إذا جمعَ شروطاً ثلاثةً، وهي: عدالةُ المحدثينَ، ولقاءُ بعضهم بعضاً مجالسةً ومشاهدةً، وأنْ يكونوا بُرَآءً من التدليسِ - ثم قالَ -: وهو قولُ مالكٍ، وعامةِ أهلِ العلمِ)). انتهى. لكنْ نقل عن شيخِنا الحافظِ (¬1) برهانِ الدينِ الحلبي أنَّ ابنَ عبدِ البرِّ قال في مقدمةِ " التمهيدِ " (¬2): ((لا خلافَ في ذلكَ)) - أي: في كونهِ متصلاً - بين أئمةِ الحديثِ. قوله: (وادعى أبو عمرٍو الداني ... ) (¬3) إلى آخره، يُنظرُ كلامُ أبي عمرٍو في كتابه في " القراءاتِ "، هل الشرطُ داخلٌ في الإجماعِ، أو هوَ قَيَّدَ الإجماع من عنده؟ قوله - مستدركاً على أبي عمرٍو -: (لكنْ قد يظهر عدمُ / 129 ب / اتصاله) (¬4)، أي: لا يلزمُ من كونهِ معروفاً بالروايةِ عنهُ أنْ يكونَ متصلاً؛ فإنَّ الشخصَ قد يُكثِرُ النقلَ عن شخصٍ، فيُعرفُ بالروايةِ عنهُ، ولا يكونُ اجتمعَ بهِ أصلاً، أو يكونُ اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً. قلتُ: والمسألةُ مفروضةٌ فيمن ثبتَ لقاؤهُ، وهو معَ ذلكَ غيرُ مدلسٍ، فمن رَوَى عمن لم يجتمعْ بهِ فقَدْ فَقَدَ الشرطَ الأولَ، فلم يردْ عليهِ الشقُّ الأولُ منَ الاعتراضِ، ومَن رَوَى عن مَن اجتمعَ بهِ، ولم يسمعْ منهُ شيئاً بلفظِ ((عن)) ونحوها كان مدلساً، ففاتهُ الشرطُ الثاني؛ فسلمَ منَ الشقِ الثاني، وليسَ طولُ الصحبةِ شرطاً ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) التمهيد 1/ 12. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220.

لمعرفةِ الراوي بالأخذِ عن الشخصِ، فقد يلقاهُ بعضَ يومٍ ويحملُ عنهُ أحاديثَ، ثم ينشرُها، فيشيعُ أنَّهُ يرويها عنهُ، فيقبلُ الرواةُ إليهِ، ويشتهرُ ذلكَ، وإنما كانَ اجتماعهُ بهِ بعضَ يومٍ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (والبخاريُّ وغيرهما) (¬1) منهم: أبو بكرٍ الصيرفي الشافعي، والمحققونَ. قالهُ النوويُّ (¬2) فيما نقل عنهُ (¬3). قولهُ: (لم يسبقْ قائله إليهِ) (¬4) قال ابنُ كثيرٍ - فيما نقل عنهُ -: ((قيلَ: إنَّهُ يريدُ البخاريَّ، والظاهرُ أنَّهُ يريدُ عليَّ بنَ المديني، فإنَّهُ يشترطُ ذلكَ في أصلِ صحةِ الحديثِ، وأما البخاريُّ فإنَّهُ لا يشترطهُ في أصل الصحةِ، ولكن التزمَ ذلكَ في كتابهِ " الصحيحِ")) (¬5). قولهُ: (أو تشافها) (¬6) وقد التزمَ مسلمٌ منِ اشترطَ اللقاء؛ لاحتمالِ الإرسالِ أنْ يردَ المعنعنَ دائماً، فقالَ: ((فإنْ كانتِ العلةُ في تضعيفِكَ الخبرَ / 130 أ / وتركِكَ الاحتجاجَ بهِ إمكانُ الإرسالِ فيهِ، لزمكَ أنْ لا تثبتَ إسناداً معنعناً حتى ترى فيهِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 220. (¬2) عزاه الإمام النووي في "التقريب": 60 إلى المحققين، وقال في شرحه لصحيح مسلم 1/ 33: ((والصحيح الذي عليه العمل وقاله الجماهير من أصحاب الحديث، والفقه والأصول: أنه متصل ... )). وقال ابن حجر في "النكت" 2/ 595، وبتحقيقي: 366: ((وهذا المذهب هو مقتضى كلام الشافعي)). وبه قال ابن عبد البر كما في "التمهيد" 1/ 26، وانظر: "الرسالة" للإمام الشافعي فقرة (1032). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((بلغ الشيخ شهاب الدين ابن الحمصي، قراءة على صاحبه بلغ الله به أعلى المنازل، وحلاه بأحلى الفضائل قراءة في البحث، وسمع الجماعة، وكتبه مصنفه إبراهيم ابن عمر البقاعي الشافعي لطف الله به، آمين)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221. (¬5) اختصار علوم الحديث 1/ 169، وبتحقيقي: 126. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221.

السماعَ من أولهِ إلى آخرهِ)). (¬1) انتهى. وهذا ليسَ بلازمٍ؛ لأنَّ المُعَنْعِنَ لو كانَ بينهُ وبينَ مَن رَوَى عنهُ بعن واسطةٌ كانَ مدلساً، والمسألةُ مفروضةٌ في غيرِ المدلسِ، كما قالَ شيخنا في " شرحهِ لنخبتهِ " (¬2). وقال ابنُ الصلاحِ في تفريعاتِ هذا الباب: ((الثالث: قد ذكرنا ما حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ من تعميمِ الحكمِ بالاتصالِ فيما يذكرهُ الراوي عن مَن لقيهُ بأي لفظٍ كانَ، وهكذا أطلقَ أبو بكرٍ الشافعي الصيرفي (¬3) ذلِكَ فقالَ: ((كلُّ مَن عُلمَ له سماعٌ من إنسانٍ فحدّثَ عنهُ، فهوَ على السماعِ حتى يعلمَ أَنَّهُ لم يسمع منهُ ما حكاهُ، وكل مَن عُلمَ له لقاءُ إنسانٍ فحدّثَ عنهُ، فحكمهُ هذا الحكم)) (¬4)، وإنما قالَ هذا فيمن لم يظهرْ تدليسُه. ومن الحجةِ في ذلِكَ وفي سائرِ البابِ أَنَّهُ لو لم يكن قد سمعهُ منهُ لكانَ بإطلاقهِ الروايةَ عنهُ من غيرِ ذكرِ الواسطةِ بينهُ وبينهُ مدلساً، والظاهرُ السلامةُ من وصمةِ التدليسِ، والكلامُ فيمن لم يُعرفْ بالتدليسِ. ومن أمثلةِ ذلِكَ، قوله: قالَ فلانٌ كذا وكذا، مثلُ أنْ يقولَ نافعٌ: قالَ ابنُ عمرَ. وكذلكَ لو قالَ عنهُ: ذكرَ، أو فعلَ، أو حدّثَ، أو كانَ يقولُ كذا وكذا، وما جانسَ ذلِكَ، فكلُ ذلِكَ محمولٌ ظاهراً على الاتصالِ، وأنَّه تلقى ذلِكَ منهُ من غيرِ واسطةٍ بينهما، مهما ثبتَ لقاؤهُ له على الجملةِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) مقدمة صحيح مسلم 1/ 23 - 24. (¬2) نزهة النظر: 66 طبعة عتر. (¬3) هو الإمام الأصولي أبو بكر محمد بن عبد الله الصيرفي (ت 330 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 5/ 449، وطبقات الفقهاء: 120، وطبقات الشافعية الكبرى 3/ 186. (¬4) قال الزركشيُّ في "نكته" 2/ 38: ((رأيته مصرحاً به في كتابه المسمى بـ (الدلائل والإعلام في أصول الأحكام))). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 144.

قوله: (وفيما قالهُ مسلمٌ نظرٌ) (¬1)، أي: لأنهم كثيراً / 130 ب / ما يرسلونَ عن من عاصروهُ، ولم يلقوهُ. قولهُ: (قالَ: وهذا الحكمُ) (¬2)، أي: المسألةُ من أصلها وهي العنعنةُ، أي: لأنَّ المتأخرينَ ليسَ لهم اعتناءٌ بأمرِ الروايةِ في الكتبِ العلميةِ، إنما جلُّ مقصودِهم إبداءُ الفوائدِ من غيرِ نظرٍ إلى إسنادٍ. قوله: (أبو الحسنِ القابسي) (¬3) قيلَ: وهو حسنٌ لو رتبَ (¬4) هذهِ الأمورَ المزيدةَ كما فعلَ النوويُّ كانَ أحسنَ، فإنَّهُ قالَ (¬5) - بعدَ ذكر مذهبِ البخاريِّ وغيرهِ -: ((وقد زادَ جماعةٌ من المتأخرينَ على هذا، فاشترطَ أبو الحسنِ القابسيُّ ... فذكرهُ، وزادَ أبو المظفرِ السمعاني فاشترطَ طولَ الصحبةِ بينهما، وزادَ أبو عمرٍو الداني ... )) (¬6) إلى آخرهِ. قوله: (إدراكاً بيناً) (¬7)، أي: إدراكاً يمكنهُ فيهِ لقاؤه والسماعُ منهُ، وإلاّ فلا فائدةَ في كونهِ أدركهُ (¬8) بالسن، ثم ماتَ المرويُّ عنهُ قبلَ تمييزهِ، وهذا مرادُ مسلمٍ في اكتفائهِ بالمعاصرةِ، ولأجلِ هذا قالَ الشيخُ: ((وهذا داخلٌ فيما تقدّمَ)) (¬9). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 221. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((ابن الصلاح)). (¬5) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 144. (¬6) شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 124. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222. (¬8) في (ف): ((إدراكه)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

وكذا مرادُ مَنِ اشترطَ اللقاءَ أنْ يقترنَ باللقاءِ إمكانُ السماعِ، وإلاّ فلو وردَ في القصةِ التي ثبتَ بها اللقاءُ ما يدلُ على عدمِ السماعِ (¬1) لم يعتدَّ بذلكَ اللقاءِ، وإنما تركوا الاحترازَ عن ذلِكَ؛ لأنَّ المقامَ يدلُ عليهِ، والمتقدمونَ كانوا يكتفونَ في عباراتهم بالإشاراتِ والتلويحاتِ، وما يدلُّ عليهِ المقامُ، ونحو ذلِكَ، وعلى هذا مبنى كلامِ العربِ، وإنما جاءَ الاحترازُ في الألفاظِ، وشدةِ التَّقيُّدِ بها من حينِ ظهورِ المنطقِ في الملةِ الإسلاميةِ؛ لأنَّ مبناهُ على حقائقِ / 131 أ / الأشياءِ، وذلكَ لأنَّ الذي اخترعهُ كانَ يونانياً، فإذا رأى كلاماً أمسكَ حروفه وبحثَ فيما تدلُّ عليهِ، من غيرِ اعتبارٍ لشيء زائدٍ على تلكَ الألفاظِ. هكذا قالَ شيخُنا، وفيهِ نظرٌ؛ فإنَّ المناطقةَ تارةً يحملونَ الكلامَ على القوةِ، وتارةً على الفعلِ، وهذا تارةً يكونُ بالضرورةِ، وتارةً بالإمكانِ. إلى غيرِ ذلكَ مما هو مشهورٌ. قالَ شيخُنا: ((ووجدتُ في بعض الأخبارِ ورودَ ((عن)) فيما لا يمكنُ أنْ يكونَ الراوي سمعهُ ممن رواهُ عنهُ، وإنْ كانَ لقيهُ وسمعَ منهُ الكثيرَ، أخرجَ (¬2) عن أبي إسحاقَ عمرِو بنِ عبدِ اللهِ السبيعي، عن عبدِ اللهِ بنِ خبابِ بنِ الأرّت: أنَّهُ خرجَ عليهِ الحروريةُ فقتلوهُ حتى جرى دمه في النهرِ (¬3). فهذا كما تراهُ لا يمكنُ أنْ يكونَ ¬

_ (¬1) من قوله: ((وإلا فلو ورد)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) جاء في نسخة (أ) و (ب) فراغ بعد هذا بمقدار كلمتين أو ثلاثة، وكتب فيه ((كذا))، وهذا دليل على صحة الفراغ، وهو أنَّ البقاعي ترك فراغاً ليذكر فيه من أخرج الرواية، فكتب ناسخ (أ) و (ب): ((كذا)) من أجل التدليل أن البياض صحيح في الأصل، وفي نسخة (ف) جاء في الحاشية: ((هنا بياض نحو ربع سطر)). (¬3) ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نحو هذه القصة في كتابه " النكت " 2/ 586، وبتحقيقي: 358، غير أنه قال: ((حدثنا أبو إسحاق، عن أبي الأحوص: أنه خرج عليه خوارج فقتلوه)). وقد أخرج الدارقطني في " سننه " 3/ 132 نحوها أيضاً: عن حميد بن هلال العدوي، عن أبي =

أبو إسحاقَ سمعهُ منِ ابنِ خبابٍ، كما هو ظاهرُ العبارةِ؛ لأنَّهُ هو المقتولُ، فهذا لا يوصفُ بالتدليسِ، وإنْ كانَ أبو إسحاقَ مدلساً لظهورهِ، فهوَ غيرُ داخلٍ في تعريفِ التدليسِ، فإنَّهُ: أنْ يرويَ الشخصُ عن من لقيهُ شيئاً لم يسمعْهُ منهُ بصيغةٍ محتملةٍ)). واللهُ أعلمُ. قوله: (من قبيلِ المرسلِ والمنقطعِ) (¬1)، أي: حتى لا يحتج بهِ، نقلَ عنِ النووي أنَّهُ قالَ: ((هذا المذهبُ مردودٌ بإجماعِ السلف)) (¬2) (¬3). قولهُ: (لإجماعهم على أنَّ الإسنادَ المتصلَ بالصحابي .. ) (¬4) إلى آخرهِ، قياسٌ لحالِ غيرِ الصحابي في إتيانهِ بـ ((أنَّ)) ونحوها على حالِ الصحابي معَ وجودِ الفارقِ، بوجودِ مانعٍ في الفرعِ، وهوَ احتمالُ / 131 ب / كونِ من ليسَ بصحابيٍّ غير ثقةٍ، ووجود شرطٍ في الأصلِ، وهو ثبوتُ عدالةِ جميعِ الصحابةِ، وفقدهِ في الفرعِ، فإنما قبلوا منَ الصحابي مطلقاً، حتى بالصيغةِ المحتملة؛ لأنَّ أمرَهُ دائرٌ بينَ أنْ يكونَ سمعهُ منَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو من صحابي آخر، والصحابةُ كلهم عدولٌ، فلا يضرُّ الجهلُ بالساقطِ منهم، واحتمالُ كونهِ سمعهُ من بعضِ التابعينَ بعيدٌ جداً، لا سيما إنْ كانَ في ذلكَ الخبرِ حكمٌ، والحكمُ دائرٌ على غلبةِ الظنِّ فلا يؤثرُ فيهِ هذا الاحتمالُ. ¬

_ =الأحوص، فذكر قصة، ثم قال: ((فقدموه إلى النهر فذبحوه، كما تذبح الشاة ... ))، والطبراني في " الكبير " (3629) و (3630): عن رجل من عبد القيس، وذكر قصة، ثمّ قال: ((فقربوه إلى شط النهر فذبحوه ... )). (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222. (¬2) شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 124. (¬3) كتب ناسخ (أ) في الحاشية: ((بلغ على المؤلف)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 222.

وأما غيرُ الصحابي وإنْ كانَ تابعياً فإنَّهُ يحتملُ احتمالاً قوياً أنْ يكونَ سمعَ معَنعِنهُ أو مُؤنئِنه من غيرِ صحابيٍّ، وأنْ يكونَ ذلكَ المسموعُ منهُ غيرَ ثقةٍ. قوله: 142 - قَالَ: وَمِثْلَهُ رَأى (ابْنُ شَيْبَهْ) (¬1) ... كَذا لَهُ، وَلَمْ يُصَوِّبْ صَوْبَهْ 143 - قُلتُ: الصَّوَابُ أنَّ مَنْ أدْرَكَ مَا ... رَوَاهُ بالشَّرْطِ الَّذي تَقَدَّمَا 144 - يُحْكَمْ لَهُ بالوَصْلِ كَيفَمَا رَوَى ... بـ (قَالَ) أو (عَنْ) أو بـ (أنَّ) فَسَوَا 145 - وَمَا حَكَى عَنْ (أحمَدَ بنِ حَنْبَل) ... وَقَولِ (يَعْقُوبٍ) عَلَى ذا نَزِّلِ قوله: (ومثلهُ) (¬2)، أي: ومثلُ ما نحا إليهِ البرديجي. قوله: (ووجدتُ مثل ما حكاه) (¬3)، أي: ابنُ عبد البرِّ. قولهُ: (الفحلُ) (¬4) ابنُ الصلاحِ يصفُ هذا الرجلَ بأنَّه فحلٌ (¬5)، إشارةً إلى أنَّهُ قد بلغَ الغايةَ من معرفةِ هذا الفنِّ، ويصفُ مسندَهُ بالفحولةِ أيضاً إشارة إلى أنَّهُ في غايةِ التحريرِ. قوله: (عن محمدِ بنِ الحنفيةِ) (¬6) نُسبتْ كذلكَ؛ لأنها من سبي بني حنيفةَ، واسمها خولةُ، قال شيخنا: ((وقد بشَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - علياً - رضي الله عنه - بابنهِ محمدٍ منها، ففي جزء أحمدَ بنِ كاملٍ: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - رأى الحنفيةَ في بيتِ فاطمةَ -رضي الله عنهما- فقال لعليٍّ: ((إنَّكَ ستتزوجُ هذهِ، ويولدُ لكَ ولدٌ منها، فسمِّهِ محمداً)) (¬7). ¬

_ (¬1) في (ف): ((ابن أبي شيبة)). (¬2) التبصرة والتذكرة (142). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((قال شيخنا: كان عندهُ ثمانون فراشاً للمحدثين يحررون معه السند)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 223. (¬7) أخرجه: أبو الحسن أحمد بن عثمان الأدمي في "فوائده" (كما في الإصابة) 4/ 289.

قوله: (فكانَ نقله لذلكَ مرسلاً) (¬1)، أي: من حيثُ / 132 أ / اللفظُ، وإلاّ فالتحريرُ: أنَّ ما أتى بمثلِ هذهِ الصيغةِ إنْ كانَ لم يأتِ إلا كذلكَ فهو مرسلٌ، وإنْ أتى موصولاً من طريقٍ أخرى بعن أو غيرِها منَ الصيغِ؛ فإنَّ الحكمَ للوصلِ، فيحكمُ على تلكَ الطريقِ المرسلةِ بأنها موصولةٌ نظراً إلى ما بانَ بتلكَ الطريقِ الأخرى، وهنا قد وصلَ منَ الطريقِ الأولى؛ فيعقوبُ إنما حكمَ على ظاهرِ لفظِ الطريقِ الثانيةِ ليعلمَ منهُ ما شابههُ. قوله: (فهوَ مرسل صحابي) (¬2) من هذا ما ذكرهُ ابنُ الصلاحِ عقبَ قصةِ عمارٍ التي ذكرها ابنُ شيبةَ فقالَ: ((ثمَّ إنَّ الخطيبَ (¬3) مثَّلَ هذهِ المسألةَ - أي: مسألةَ المؤنئنِ - بحديثِ نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عن عمرَ: أنَّهُ سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -: ((أينامُ أحدنا وهوَ جنبٌ؟ ... )) الحديثَ (¬4)، وفي روايةٍ أخرى: عَن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ: أنَّ عمرَ قالَ: ((يا رسولَ اللهِ ... )) الحديثَ (¬5). ثُمَّ قالَ -يعني: الخطيبَ-: ((ظاهرُ الروايةِ الأولى يوجبُ (¬6) أنْ تكونَ مِن مسندِ عمرَ، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، والثانيةُ ظاهرها يوجبُ أن تكونَ مِن مسندِ ابنِ عمرَ، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬7))). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬3) الكفاية (574 ت، 406 - 407 هـ‍). (¬4) أخرجه: من هذا الطريق بهذا اللفظ: عبد الرزاق (1074) و (1075) و (1077)، وأحمد 1/ 16 و35 و44، والنسائي في " الكبرى " (9059) و (9063)، وابن حبان (1216). (¬5) أخرجه: من هذا الطريق بهذا اللفظ: البخاري 1/ 80 (287)، ومسلم 1/ 170 (306)، وابن حبان (1215)، والبيهقي 1/ 200 و201، والبغوي (264). (¬6) في (ب): ((وجب))، وليس بشيء. (¬7) من قوله: ((والثانية ظاهرها يوجب ... )) إلى هنا لم يرد في (ب).

قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ليسَ هذا المثالُ مماثلاً لما نحنُ بصددهِ؛ لأنَّ الاعتمادَ فيهِ في الحكم بالاتصالِ على مذهبِ الجمهورِ - أي: في التسويةِ بينَ ((أنْ)) و ((عن)) في أنَّ حكمهما الاتصالُ بشرطِ ثبوتِ اللقاءِ والسلامةِ منَ التدليسِ (¬1) - إنما هو على اللقاءِ والإدراكِ، وذلك في الحديثِ مشتركٌ مترددٌ؛ لتعلّقهِ بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، وبعمرَ، وصحبةِ الراوي ابنَ عمرَ -رضي الله عنهما- لهما، فاقتضى / 132 ب / ذلِكَ من جهةِ كونهِ رواهُ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن جهةٍ أخرى كونه رواهُ عن عمرَ، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2). انتهى. وهو يريدُ أَنَّهُ محكومٌ باتصالهِ على كلِّ حالٍ، فليسَ هو مثلُ قصةِ ابنِ الحنفيةِ؛ فإنَّ الروايةَ الثانيةَ محكومٌ بإرسالها، ولولا الروايةُ الأولى لم نعلم اتصالها. هذا ما قالهُ، وفي فَرْقِهِ (¬3) بينهما نظرٌ؛ فإنهما متساويانِ، لأنَّ روايةَ ابنِ عمرَ الثانيةَ محكومٌ بإرسالها من غيرِ شكٍّ، فهي مساويةٌ لروايةِ ابنِ الحنفيةِ الثانيةِ، وإنْ كانَ لروايةِ ابنِ عمرَ (¬4) حكمُ الاتصالِ على كلِّ حالٍ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ أدركَ سؤالَ أبيهِ فلا شكَّ في اتصالهِ، وإلا فهو مرسلُ صحابي، ولهُ حكمُ الاتصالِ، ويتضحُ الفرقُ بينَ الروايةِ الأولى والثانيةِ، وكذا بينَ ما يأتي نقلهُ عن أحمدَ، بأنْ يجعلَ موضعَ ((عن)) ((حدثني)) أو ((أخبرني)). قولهُ: (فهو منقطعٌ) (¬5)، أي: لم يتصل؛ لأنَّهُ حكى عن فعلِ الصحابي، أو قولهِ للنبي - صلى الله عليه وسلم - شيئاً ما أدركهُ، ولا يقالُ: إنَّهُ مقطوعٌ؛ لأنَّ المقطوعَ ما قالهُ التابعيُّ من عندِ نفسهِ. ¬

_ (¬1) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 142 - 143. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابنُ الصلاح)). (¬4) لم ترد في (ب)، وكانت في أصل (أ): ((عمر))، ثمَّ حذفها وأشار إلى اللحق فكتب: ((ابن عمر))، وعلّم بعلامة التصحيح. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224.

قوله: (كان متصلاً) (¬1) قالَ في " النكتِ " (¬2): ((ولو لم يصرحْ بما يقتضي الاتصال إنْ سَلِمَ ذلِكَ التابعيُّ من وصمةِ التدليسِ)). قولهُ: (وأسندها) (¬3)، أي: أسندَ حكايتَها إلى الصحابي، قالَ في "النكتِ" (¬4): ((بلفظِ ((عن)) أو بلفظِ ((أنَّ فلاناً قالَ)) أو بلفظِ ((قالَ: قالَ فلان)) فهي متصلةٌ أيضاً، كروايةِ ابنِ الحنفيةِ الأولى عن عمارٍ، بشرطِ السلامةِ من التدليسِ كما تقدّمَ)). قولهُ / 133 أ /: (ولابدَّ منِ اعتبارِ السلامةِ من التدليسِ) (¬5) هو معنى قوله: ((بالشرطِ الذي تقدما)). قوله: (الحديثُ عندَ أبي داودَ مرسل) (¬6)، أي: لفظاً، وهوَ متصلٌ حكماً؛ لأنَّهُ وردَ من طريقٍ أخرى: ((عبدُ الرحمانِ بنُ طرفةَ، عن جدهِ، أَنَّهُ قُطعَ أنفُهُ يومَ الكُلابِ)) وهو بضمِ الكافِ مخففاً: اسمُ موضعٍ كانتَ بهِ وقعةٌ من وقائعِهم. ورأيتُ عن شيخِنا البرهانِ: أَنَّهُ يومانِ من أيامِ العربِ المشهورةِ: الكلابُ الأولُ، والكلابُ (¬7) الثاني، واليومانِ في موضعٍ واحدٍ. وقيلَ: هو اسمُ ماءٍ بينَ البصرةِ والكوفةِ على سبعةِ أيامٍ من اليمامةِ، وكانت بهِ (¬8) وقعةٌ في الجاهليةِ (¬9). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬2) التقييد والإيضاح: 85. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬4) التقييد والإيضاح: 85. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 224. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225. (¬7) ((والكلاب)) لم ترد في (ف). (¬8) لم ترد في (ب) وهي في (أ) ملحقة في الحاشية مع علامة التصحيح واللحق. (¬9) انظر: معجم البلدان 7/ 146.

قوله: (كما في هذا الحديثِ) (¬1) قالَ في " النكتِ " (¬2): ((وذكرَ - أي: ابنُ المواقِ (¬3) - نحوَ ذلِكَ أيضاً في حديثِ أبي قيسٍ: ((أنَّ عمرَاً بنَ العاصِ كانَ على سريةٍ ... )) الحديث في التيممِ من عندِ أبي داودَ (¬4) أيضاً، وكذلكَ فعلَ غيرهُ فهوَ أمرٌ واضحٌ، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (لم يسند ذلِكَ إلى عائشةَ) (¬5) هو واضحٌ في عدمِ الإسنادِ إليها. ((ولا أدركَ القصةَ)) أي: الراوي وهو عروةُ لم يدركْ زمنَ قولها ذلِكَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قالَ شيخُنا: ((الذي أستحضرُه أنَّ الذي سُئِلَ عنه أحمدُ: عن عمرةَ، عن عائشةَ -رضي الله عنها-: ((أنها كانت ترجلُ رأسَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬6) وفي ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 225. (¬2) التقييد والإيضاح: 86. (¬3) في (ب): ((ابنُ أبي المواق)) وليس بشيء. (¬4) سنن أبي داود (335). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226. (¬6) أخرجه: مالك في " الموطأ " (866) برواية يحيى الليثي، وأحمد 6/ 104 و262 و281، ومسلم 1/ 167 (297) (6)، وأبو داود (2467)، والنسائي في "الكبرى" (3374) من طريق مالك، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، به. وأخرجه: أحمد 6/ 81، والبخاري 3/ 63 (2029)، ومسلم 1/ 167 (297) (7)، وأبو داود (2468)، وابن ماجه (1776)، والترمذي (804) و (805)، والنسائي في " الكبرى " (3375)، وابن خزيمة (2230) و (2231)، والبيهقي 4/ 315 و320 من طريق الليث، عن الزهري، عن عروة وعمرة، عن عائشة -رضي الله عنها-، فذكره. قالَ الترمذي: ((هذا حديث حسن صحيح هكذا رواه غير واحد، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة، عن عائشة. ورواه بعضهم عن مالك، عن ابنِ شهاب، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة. والصحيح: عن عروة وعمرة، عن عائشة)).

لفظٍ: عن عمرةَ أنَّ عائشةَ -رضي الله عنها- (¬1): ((كانت ترجلُ)) فعمرةُ لم تدركْ زمنَ ترجيلها له صلى الله عليه / 133 ب / وسلمَ (¬2)، فإنها تابعيةٌ، وهي بنتُ عبدِ الرحمان بنِ سعدِ بنِ زرارةَ، فهو مرسلٌ لفظاً؛ فإنْ (¬3) كانتِ الطريقُ الأولى بينتْ وصله، ولا أستحضر قصةَ عروةَ، فاللهُ أعلمُ)). قوله: (فأسندَ ذلِكَ إليها بالعنعنةِ) (¬4) أي: لأنَّ التقديرَ: ((عن عائشةَ أنها قالتْ: يا (¬5) رسولَ اللهِ)) ويوضحُ ذلِكَ أنْ تضعَ موضعَ ((عن)) ((حدثني)) فلو قلت في اللفظِ الأولِ: حدثني عروةُ أنَّ عائشةَ -رضي الله عنها- قالت؛ لانتظمَ الكلامُ، وكانَ ظاهراً في أنَّ عروةَ أدركَ زمنَ قولها. ولو قلتَ: حدثني عروةُ، قالَ: حدثتني عائشةُ -رضي الله عنها - أنّها قالتْ: يا رسولَ اللهِ، لم يكن معناهُ أَنَّهُ أدركَ زمنَ قولها، وإنما هو ظاهرٌ في أَنَّهُ أدركَ تحديثَها (¬6) لهُ، وهو كذلكَ. قولهُ (¬7): 146 - وَكَثُرَ استِعْمَالُ (عَنْ) في ذَا الزَّمَنْ ... إجَازَةً وَهْوَ بِوَصْلٍ مَا قَمَنْ لما تقدّمَ الكلامُ على حكمِ اتصالِ الحديثِ وعدمهِ، إذا كانَ في سندهِ لفظةُ ((عن)) أرادَ أنْ ينبهَ على أنّا حيثُ حكمنا باتصالِ ما فيهِ ((عن)) في المتقدمينَ، فاتصاله بالسماعِ بخلافِ المتأخرينَ، فإنَّ اتصاله فيهم إنما هوَ بالإجازةِ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((أنها كانت ترجل ... )) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬2) لم ترد في (أ). (¬3) في (ف): ((وإن)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226. (¬5) ((يا)) لم ترد في (ف). (¬6) في (ب): ((بحديثها)). (¬7) لم ترد في (ف).

قوله: (فَظُنّ بهِ أَنَّهُ رواهُ بالإجازةِ) (¬1) هو فعلُ أمرٍ، وإنما أمرَ بالظنِّ ولم يطلقِ الحكمَ؛ لأنَّ في زمنهِ لَم يكن تقررَ الاصطلاحُ أنَّ ذلكَ للإجازةِ، وإنما كانَ قَد فشا ذلِكَ الاستعمالُ فيهم، وأمّا في هَذا الزمانِ فمتى وجدنا محدثاً قالَ: حدثني فلانٌ - مثلاً - عَن فلانٍ، فإنا نتحققُ أنَّ ذلِكَ إجازةٌ؛ لأنَّ الاصطلاحَ تقرّرَ على ذلِكَ. قالَ شيخُنا: ((وحكمُ ((أن)) في المتأخرينَ / 134 أ / أيضاً حكمُ ((عن)) إذا لم يُحكَ بها الإخبارُ، أو التحديثُ مسنداً إلى ضميرهِ، ونحو ذلِكَ، لكنْ استعمالهُم لها قليلٌ، فإذا قالَ المحدّثُ: أخبرني فلانٌ أنَّ فلاناً قالَ: حدثنا فلانٌ، ونحو ذلِكَ، كانَ المرادُ بـ ((أنَّ)) الإخبارَ الإجمالي، وهوَ للإجازةِ، فإنْ حُكِيَ بها الإخبارُ بأن يقولَ: حدثنا فلانٌ أن فلاناً أخبرهُ، فهوَ تصريحٌ بالسماعِ، وهذا كلُّه في المشارقةِ. وأما المغاربةُ فالأمرُ عندهم مشكلٌ جداً في ((عن)) و ((حدثنا)) و ((أخبرنا)) ونحوِها؛ فإنهم يستعملونَ كلاً من ذلِكَ في السماعِ والإجازةِ، فلا يُحملُ شيءٌ منهُ على السماعِ إلا إذا صرّحَ بأنْ يقولَ: ((قراءةً مني عليهِ))، أو ((حدثنا فلانٌ من لفظهِ))، أو نحوَ ذلِكَ)). قوله: (وقَمَن بفتح الميمِ) (¬2) أي: ليسلمَ من السنادِ، فإنه لو كسرَ الميمَ على اللغةِ الأخرى لكانَ من سنادِ التوجيهِ، وهوَ اختلافُ حركةِ ما قبلَ الروي المقيدِ، على أنَّ مثلَ هذا السنادِ كَثُرَ في أشعارِ العربِ كثرةً، حملت بعضَ علماءِ العروضِ، على منعِ كونهِ سناداً. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 226.

تعارض الوصل والإرسال، أو الرفع والوقف

قولهُ: تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ (¬1) 147 - وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ ... وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ 148 - وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ ... أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ) 149 - بِوَصْلِ ((لاَ نِكَاحَ إلاَّ بِوَلِيْ)) ... مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ 150 - وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ ... ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ 151 - يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ ... مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا 152 - أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ ... مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا كانَ الأليقُ ذكرَ هذا ضمنَ زياداتِ الثقاتِ؛ فإنهُ من جملتها؛ فإنَّ الوصلَ يستلزمُ الزيادةَ على الإرسالِ، لكنَّ الرفعَ قد لا يزيدُ على الوقفِ، مثلَ أنْ يرويَ مالكٌ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عن عمرَ حديثاً موقوفاً عليهِ، فيرويهِ غيرُ مالكٍ، عن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - / 134ب / فيرفعَهُ، ولا يذكرُ عمرَ - رضي الله عنه -، فهذا كما ترى ليسَ فيهِ زيادةٌ في العددِ على الموقوفِ، بل ربما يقضي للموقوفِ هنا ويقالُ: إنَّ مَن رفعَهُ مشى على الجادةِ، فالذي خالفها معهُ زيادةُ علمٍ، لكنَّ الأغلبَ الزيادةُ، فدمجها بمسألةِ ((زياداتِ الثقاتِ)) كانَ أنسبَ، ولم يحكِ هنا إلا أربعةَ أقوالٍ، ويمكنُ أنْ تُزَادَ من زياداتِ الثقاتِ، ثم إنَّ ابنَ الصلاحِ خلطَ هنا طريقةَ المحدّثينَ بطريقةِ الأصوليينَ، على أنَّ لحذاقِ (¬2) المحدّثينَ في هذهِ المسألةِ نظراً آخرَ لم يحكهِ، وهوَ الذي لا ينبغي أنْ يُعدلَ عنهُ، وذلكَ أنهم لا يحكمونَ فيها بحكمٍ مطّردٍ، وإنما يدورونَ في ذلِكَ معَ القرائنِ؛ ولذلكَ حكمَ البخاريُّ بوصلِ حديثِ: ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 199 - 246، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 264 وما بعدها. (¬2) في (ف): ((الحذاق)).

((لا نكاحَ إلابولي)) (¬1) لا لأنَّهُ زيادةُ ثقةٍ، ولا لأنَّ سفيانَ وشعبةَ اختلفَ عليهما، فروياهُ مرةً مرسلاً، ومرةً متصلاً، والطريقُ التي رُويَ منها مرسلاً إليهما ضعيفةٌ، بل لأنهما وإنْ كانا جبلينِ في الحفظِ فالذينَ (¬2) وصلوهُ سبعةٌ، منهم: إسرائيلُ بنُ يونسَ بنِ أبي إسحاقَ السبيعيُّ، عن جدهِ أبي إسحاق، فإذا جعلنا كلاً من شعبةَ وسفيانَ برجلينِ، أو بثلاثةٍ، كانَ الواصلونَ أكثرَ على كلِ حالٍ، وأيضاً فإنَّ يونسَ ابنَ أبي إسحاقَ سمعهُ مع (¬3) أبيهِ، من أبي بردةَ، ورواهُ متصلاً، وإسرائيلُ أثبتُ منهما في حديثِ جدهِ؛ لكثرةِ ممارستهِ له، فهذا وجهٌ مرجحٌ، فإذا تأيَّدَ بروايةِ أبيهِ يونسَ، عن أبي بردةَ صارَ / 135 أ / بمنْزلةِ روايةِ شعبةَ وسفيانَ، فيتعارضانِ ويترجحُ الوصلُ بروايةِ الستةِ الباقينَ، وأيضاً فإن شعبةَ وسفيانَ، سمعاه في مجلسٍ واحدٍ، بدليلِ روايةِ أبي داودَ الطيالسيِّ في "مسندهِ" (¬4)، قالَ: حدثنا شعبةُ، قالَ: سمعتُ سفيانَ الثوريَّ يقولُ لأبي إسحاقَ السبيعيِّ: أحدَّثَكَ أبو بردةَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؟ ... فذكرَ الحديثَ. فرجعا كأنهما واحدٌ، فإنّ (¬5) شعبةَ إنما رواهُ بالسماعِ على أبي إسحاقَ بقراءةِ سفيانَ، وحَكَمَ الترمذيُّ في "جامعهِ" (¬6) بأنَّ روايةَ الذينَ وصلوهُ أصحُّ، قالَ: ((لأنَّ سماعَهم من أبي إسحاقَ في أوقاتٍ مختلفةٍ، وإنْ كانَ شعبةُ والثوريُّ أحفظَ وأثبتَ من جميعِ هؤلاءِ، الذينَ رووا عن أبي إسحاقَ هذا الحديثَ؛ لأنَّ شعبةَ والثوريَّ سمعا هذا الحديثَ من أبي إسحاقَ (¬7) في مجلسٍ واحدٍ))، ثم استدلَّ بما تقدّمَ عنِ الطيالسي. ¬

_ (¬1) تفصيل تخريجه وطرقه في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 228 وما بعدها. (¬2) في (ب): ((فالذي)) أما في (أ) فهي: ((الذين))، وكتب تحتها علامة ((صح)). (¬3) في (ب): ((من)). (¬4) لم أقف عليه في المطبوع من المسند. (¬5) في (ب): ((قال))، أما في (أ) فهي ((فإن)) مجودة الضبط. (¬6) جامع الترمذي عقب (1102). (¬7) من قوله: ((هذا الحديث ... )) إلى هنا لم يرد في (ف).

وأيضاً فسفيانُ لم يقلْ لأبي إسحاقَ: ولم يحدثك بهِ أبو بردةَ إلا مرسلاً، فهو حدثهُ بهِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لكن بواسطةٍ، ولو أبرزَ له الواسطةَ لقالَ له (¬1): نعم، وهذا كما لو قلت لشيخٍ: أسمعتَ البخاريَّ على (¬2) فلانٍ من روايةِ الفربري؟ فقالَ: نعم، فجاءَ آخرُ فقالَ للشيخِ: أسمعتَ البخاريَّ على فلانٍ (¬3)، حدثنا فلانّ ... إلى أنْ يقولَ: حدثنا الفربري، حدثنا البخاري؟ فلا يكونُ بينَ الكلامينِ تعارضٌ، وكأنَّ سفيانَ قالَ لهُ: أسمعتَ الحديثَ من أبي بردةَ؟ فقصدهُ إنما هوَ السؤالُ عن سماعه الحديثَ، / 135 ب / لا عن كيفيةِ روايتهِ له، واللهُ أعلمُ (¬4). ويؤيدُ ما قالهُ شيخنا: ترجيحُ الدارقطني لإرسالِ حديثِ: ((كفى بالمرءِ إثماً (¬5) أنْ يحدّثَ بكلِ ما سمعَ)) (¬6)، فإنَّهُ اختلفَ فيهِ على شعبةَ: فرواهُ معاذُ بنُ معاذٍ، وابنُ مهديٍّ، وغندرُ، وحفصُ بنُ عمرَ النميري عنهُ، عن خبيبِ بنِ عبدِ الرحمان، عن حفصِ بنِ عاصمٍ، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلاً. ورواهُ عليُ بنُ حفصٍ، عن شعبةَ بهِ، فوصلهُ عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، فصارَ المرسِلونَ أربعةً والواصلُ واحداً، فلذلك قالَ الدارقطني: ((الصوابُ المرسل عن شعبةَ)) انتهى. فهذا ما عليهِ حذاقُ المحدّثينَ، وإنْ كانَ النوويُّ رجَّحَ الوصلَ (¬7) عملاً بما عليهِ الفقهاءُ، والأصوليونَ، وبعضُ أهلِ الحديثِ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب) و (ف) وهي في (أ) في الحاشية مع علامة اللحق والتصحيح. (¬2) في (ب): ((عن)). (¬3) من قوله: ((من رواية الفربري ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) انظر نحو هذا الكلام في: النكت لابن حجر 2/ 606، وبتحقيقي: 378. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) أخرجه: مسلم في مقدمة كتابه 1/ 8 (5)، وأبو داود (4992) عن أبي هريرة متصلاً. وأخرجه: مسلم في مقدمة كتابه 1/ 8 (5)، وأبو داود (4992) عن حفص بن عاصم فذكره مرسلاً. (¬7) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34.

قولهُ: (كما صححهُ الخطيب) (¬1)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وإنْ خالفهُ غيرهُ، سواءٌ كانَ المخالفُ لهُ واحداً أو جماعةً)) (¬2). قوله: (في الفقهِ وأصولهِ) (¬3)، نُقلَ عن النوويِّ أَنَّهُ عزاهُ للمحققينَ أيضاً من أصحابِ الحديثِ (¬4). قوله: (الحكمُ لمن أرسلَ) (¬5)، وكذا لمن وقفَ. قيلَ: إنَّ النوويَّ قالَ: إنَّ الخطيبَ حكاهُ أيضاً عن أكثرِ أصحابِ الحديثِ (¬6). قوله: (إنَّ الحكمَ للأكثرِ) (¬7) عن "سؤالاتِ الحاكمِ لأبي الحسنِ الدارقطني" (¬8): ((قلتُ (¬9): فخلادُ بنُ يحيى؟ قالَ: خلادٌ ثقةٌ، إنما أخطأ في حديثٍ واحدٍ: حديثِ الثوري، عن إسماعيل، عن عمرِو بنِ حريثٍ، عن عمرَ فرفعهُ، وأوقفهُ الناسُ)) وفيها (¬10): ((قلتُ: فسعيدُ بنُ عبيدِ اللهِ (¬11) الثقفي؟ قالَ: هذا ابنُ عبيدِ اللهِ بن جبيرِ بنِ حيةَ، وليسَ بالقوي، يحدّثُ / 136 أ / بأحاديثَ يسندها، ويقفها غيره)) انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 227، والكفاية (580 ت، 441 هـ‍). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 155. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 227. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬6) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 34. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬8) سؤالات الحاكم للدارقطني: 202. (¬9) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي الحاكم)). (¬10) كتب ناسخ (أ) تحتها: ((أي الأسئلة)). (¬11) في (ب): ((عبد الله)) والمثبت هو الصواب. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 150 (3234).

قالَ بعضُ أصحابنا: فقد ضعفهُ بذلكَ. انتهى. قلتُ: ولا يظنُّ أَنَّهُ إنما ضعفهُ؛ لأنَّ القاعدةَ أنَّ مَن لَم يوثقْ، وخالفَ الثقاتِ ضعفَ بذلكَ، فإنَّ سعيداً (¬1) هَذا قَد وثقهُ مِن قبل الدارقطني، فنقلَ شيخُنا في "تهذيبهِ" (¬2): ((أنَّ أحمدَ، وابنَ معينٍ، وأبا زرعةَ قالوا: ثقة. قالَ: وقالَ النسائيُّ: ليسَ بهِ بأسٌ. ثمَّ ساقَ ما (¬3) عَن الدارقطني، وقالَ: واستنكرَ البخاريُّ لَهُ حديثاً (¬4) في "تاريخهِ" (¬5))). فلم يبقَ إلا أنَّ الدارقطني قضى للأكثرِ. قوله: (في مسندهِ وفي عدالتهِ وفي أهليتهِ) (¬6) زيادةُ بيانٍ، وإلا فالقدحُ في العدالةِ مستلزمٌ للقدحِ في المسندِ، والأهليةُ هي العدالةُ، وإنما لم يقدح ذلِكَ فيهِ على الأصحِّ، لأنّا لم نردهُ إلا احتياطاً، معَ أَنَّهُ يمكنُ إمكاناً قوياً أن يكونَ الصوابُ معهُ، وأن يكونَ الأحفظُ وَهِمَ. قولهُ: (لأنَّهُ علمَ ما خفي عليهِ) (¬7)، قال (¬8) عَقِبَهُ: ((ولهذا الفصلِ تعلّقٌ بفصلِ زيادةِ الثقةِ في الحديثِ، وسيأتي)) (¬9). قولهُ: (هكذا صححهُ ابنُ الصلاحِ) (¬10) قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬11): ((وما ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب) أما في (أ) فهي في الحاشية مع علامة اللحق والتصحيح. (¬2) تهذيب التهذيب 4/ 61. (¬3) هكذا في (أ) و (ب) و (ف)، ولعل بعدها ثمة سقط. (¬4) في (ب) و (ف): ((حديثين)). (¬5) التاريخ الكبير 3/ 406. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 156. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233. (¬11) التقييد والإيضاح: 95.

صححهُ هو الذي رجحه أهلُ الحديثِ))، وعن تخريجهِ لأحاديثِ "الإحياءِ" أَنَّهُ قالَ بعدَ أن أوردَ حديثاً اختلفَ على راويهِ في رفعهِ ووقفهِ: ((فالصحيحُ (¬1) الذي عليهِ الجمهورُ أنَّ الراويَ إذا روى الحديثَ موقوفاً ومرفوعاً، فالحكمُ للرفعِ؛ لأنَّ معهُ في حالةِ الرفعِ زيادةً، وهذا هوَ المرجحُ عندَ أهلِ الحديثِ)) ثم ساقَ كلامَ الأصوليينَ. وهذا التفصيلُ عنهم قد يخالفُ ما تقدّمَ / 136 ب / من حكايتهِ عنهم أنَّ الحكمَ للوصلِ، إلا أنْ يفرقَ بينَ اختلافِ الرواةِ، واختلافِ الراوي الواحدِ. قولهُ: (وأما الأصوليونَ فصححوا أنَّ الاعتبارَ بما وقعَ منهُ أكثر) (¬2) ربما ناقضَ قبولَ الوصلِ، ولو كانَ مَن أرسلَ أكثرَ، وتبيّنا بذلكَ ملاحظتهم القرينة، فقويَ نظرُ المحدّثينَ في دورانِهم معها، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((وعن تخريجه .... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 233.

التدليس

التدليس (¬1) قولهُ: 153 - تَدلِيْسُ الاسْنَادِ كَمَنْ يُسْقِطُ مَنْ ... حَدَّثَهُ، وَيَرْتَقِي بـ (عَنْ) وَ (أَنْ) 154 - وَقَالَ: يُوْهِمُ اتِّصَالاً، وَاخْتُلِفْ ... فِي أَهْلِهِ، فَالرَّدُّ مُطْلَقاً ثُقِفْ 155 - وَالأكْثَرُوْنَ قَبِلُوْا مَا صَرَّحَا ... ثِقَاتُهُمْ بِوَصْلِهِ وَصُحِّحَا 156 - وَفي الصَّحِيْحِ عِدَّةٌ كـ (الاعْمَشِ) ... وكـ (هُشَيْمٍ) بَعْدَهُ وَفَتِّشِ التدليسُ: مأخوذٌ منَ الدَّلَسِ - بالتحريكِ - وهو اختلاطُ الظلامِ الذي هو سببٌ لتغطيةِ (¬2) الأشياءِ عن البصرِ (¬3). قالَ أبو عبدِ الله القزازُفي "ديوانهِ": ((ومنهُ التدليسُ في البيعِ، يقالُ: دلسَ فلانٌ على فلانٍ، أي ستر عنهُ العيبَ الذي في متاعهِ، كأنهُ أظلمَ عليهِ الأمر، وأصلهُ ¬

_ (¬1) انظر في التدليس: معرفة علوم الحديث: 103، والمدخل إلى الإكليل: 20، والكفاية: (508 ت، 355 هـ‍)، والتمهيد 1/ 15، ومعرفة أنواع علم الحديث: 156، وجامع الأصول 1/ 167، والإرشاد 1/ 205، والتقريب: 63، والاقتراح: 217، ورسوم التحديث: 74، والمنهل الروي: 72، والخلاصة: 74، والموقظة: 47، وجامع التحصيل: 97، واختصار علوم الحديث 1/ 172 وبتحقيقي: 129، والشذا الفياح 1/ 173، والمقنع 1/ 154، ومحاسن الاصطلاح: 77، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 234، وتنقيح الأنظار: 140، ونزهة النظر: 65، ومقدمة طبقات المدلسين: 13، والمختصر: 132، وفتح المغيث 1/ 169، وألفية السيوطي: 33، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 84، وفتح الباقي 1/ 224، وتوضيح الأفكار 1/ 346، وظفر الأماني: 373، وشرح شرح نخبة الفكر: 416، واليواقيت والدرر 2/ 10، وقواعد التحديث: 132، ولمحات في أصول الحديث: 237. (¬2) في (ب): ((تغطية)). (¬3) انظر: القاموس المحيط مادة ((دلس)).

مما ذكرنا منَ الدلسِ)). انتهى. وهو في الاصطلاحِ: راجعٌ إلى ذلِكَ من حيثُ إنَّ مَن أسقطَ منَ الإسنادِ شيئاً، فقدَ غطّى ذلِكَ الذي أسقطهُ، وزادَ في التغطيةِ في إتيانهِ بعبارةٍ موهمةٍ، وكذا تدليسُ الشيوخِ؛ فإنَّ الراويَ يغطي الوصفَ الذي يُعرفُ بهِ الشيخُ، أو يغطي الشيخَ بوصفهِ بغيرِ ما يشتهرُ بهِ. قولهُ: (على ثلاثةِ أقسامٍ) (¬1) إنْ أرادَ أصلَ التدليسِ فليسَ إلا ما ذكرَ ابنُ الصلاحِ من كونهما اثنينِ: باعتبارِ إسقاطِ الراوي (¬2)، أو ذكرهِ وتعميةِ وصفهِ (¬3)، وإنْ أرادَ الأنواعَ فهي أكثرُ من ثلاثةٍ، لما يأتي من تدليسِ القطعِ، وتدليسِ العطفِ. قولهُ: (يسقطُ اسمَ شيخهِ ويرتقي إلى شيخِ شيخهِ) (¬4) يعني: بالنسبةِ إلى هذا / 137 أ / الحديثِ بعينهِ، وإلا فشرطُ هذا الذي سماهُ شيخَ شيخهِ أنْ يكونَ شيخهُ نفسهُ حتى يحصلَ الإيهامُ، وقد يكونُ شيخهُ في هذا الحديثِ تلميذه أو قرينهُ، فالأحسنُ في العبارةِ أنْ يقولَ: ((تدليسُ الإسنادِ: أنْ يسندَ عن من لقيهُ ما لم يسمعْ منهُ بلفظٍ موهمٍ)). وعبارةُ ابن الصلاحِ: ((وهوَ أنْ يرويَ عن مَن لقيهُ ما لم يسمعهُ منهُ موهماً أَنَّهُ سمعهُ منهُ، أو عن مَن عاصَرهُ (¬5) ولم يلقهُ موهماً أَنَّهُ قد لقيهُ وسمعهُ منهُ، ثمَّ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 234. (¬2) وهو ما يسمّى بتدليس الإسناد. (¬3) وهو ما يسمى بتدليس الشيوخ. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 234. (¬5) هذا ليس من التدليس في شيء، على قول ابن حجر، بل هو من باب المرسل الخفي، وحاصل كلامهم أن من هذا الباب صوراً هي: 1 - الاتصال: وهو الرواية عمن عاصره وسمع منهُ، ما قد سمعهُ منهُ. 2 - الانقطاع: وهو الرواية عمن لم يعاصره أصلاً. =

قد يكونُ بينهما واحدٌ، وقد يكونُ أكثر)) (¬1) انتهى. والأولُ حسنٌ، والثاني جعلهُ شيخُنا إرسالاً خفياً، ولم يجعلهُ تدليساً، فإنَّ أمرَهُ فيهِ ظهورٌ بالنسبةِ إلى التدليسِ، وقالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬2): ((وقد حدّهُ غيرُ واحدٍ من الحفّاظِ بما هوَ أخصُّ من هذا - وذكرَ تعريفَ ابنِ القطانِ والبزارِ، ثمَّ قالَ -: ويقابلُ هذا القولَ في تضييقِ حدِّ التدليسِ القولُ الآخرُ (¬3) الذي حكاهُ ابنُ عبدِ البرِّ في " التمهيدِ " - فذكرهُ ثمَّ قالَ - وما ذكرهُ المصنفُ في حدِّ التدليسِ هوَ المشهورُ بينَ أهلِ الحديثِ، وإنما ذكرتُ قولَ البزارِ وابنِ القطانِ - يعني: عليَّ بنَ محمدِ بنِ عبدِ الملكِ - لئلا يغتر بهما من وقفَ عليهما، فيظنُّ موافقةَ أهلِ هذا الشأنِ لذلكِ، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (لا يقتضي الاتصالَ) (¬4)، أي: صريحاً (¬5)، أو قريباً منهُ (¬6)، ويقتضيهِ في الجملةِ، ولولا أَنَّهُ يقتضيهِ ما أوهمَ. وقولهُ: (أو قالَ فلانٌ) (¬7) يقتضي أنَّ ((عن)) و ((أنْ)) و ((قالَ)) على حدٍّ سواءٍ ¬

_ = 3 - الإرسال الخفي: وهو الرواية عمن عاصره ولم يسمع منهُ. 4. التدليس: هو الرواية عمن عاصره وسمع منهُ، ما لم يسمعه منهُ. وانظر: نكت الزركشي 2/ 68، والتقييد والإيضاح: 97، ونكت ابن حجر 2/ 614 وبتحقيقي: 385، وأثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 60 وما بعدها. (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 157. (¬2) التقييد والإيضاح: 97 - 98. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: في السعة)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 234. (¬5) بعد هذا في (ب): ((أو ظاهراً)) وهي موجودة في (أ) لكن عليها علامة الحذف، وفي (ف) لم ترد عبارة: ((أي: صريحاً)). (¬6) لفظة: ((أو قريباً منه)) لم ترد في (ب)، وقد زاد بعدها في (ف): ((وظاهراً)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 234.

في هذا / 137 ب / البابِ، وليسَ كذلكَ، فقد قالَ الخطيبُ في " الكفايةِ " (¬1) نقلاً عن أهلِ الحديثِ: ((إنَّ ((قالَ)) لا تحملُ على السماعِ أصلاً، إلا إذا عُرفَ من عادةِ الراوي أَنَّهُ لا يستعملُها إلا في السماعِ، كحجاجِ بنِ محمدٍ المصيصي)). قلتُ: وبهذا يُردُّ كلامُ ابنِ منده فيما نسبهُ إلى البخاريِّ من التدليسِ، وتأييدِ قاضي القضاةِ الحافظِ (¬2) ولي الدينِ أبي زرعةَ أحمدَ ولد المصنفِ لكلامهِ حيثُ قالَ: ((مثالهُ: - أي: التدليس - قالَ البخاري في كتابِ الجنائزِ (¬3) في بابِ ما جاءَ في قاتلِ النفسِ: وقالَ حجاجُ بنُ منهالٍ، حدثنا جريرُ بنُ حازمٍ، عنِ الحسنِ، حدثنا جندبٌ في هذا المسجدِ فما نسيناهُ، وما نخافُ أنْ يكذبَ جندبٌ على النبي - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((كانَ برجلٍ جراحٌ فقتلَ نفسَهُ ... )) الحديثَ، فحجاجٌ أحدُ شيوخهِ، سمعَ منهُ، وقد علقَ عنهُ هذا الحديثَ، ولم يسمعهُ منهُ، بدليلِ أَنَّهُ قالَ في بابِ ما ذكرَ عن بني إسرائيلَ (¬4): حدثنا محمدٌ (¬5)، حدثنا حجاجٌ، حدثنا جريرٌ، عنِ الحسنِ، حدثنا جندبٌ .. فذكرَ الحديثَ، وهذا هوَ التدليسُ. انتهى. وقد تقدّمَ هذا في التعليقِ عن " النكت " للمصنفِ على ابنِ الصلاحِ، وإنما جعلنا ما نقلهُ الخطيبُ رادَّاً لهذا من حيثُ إنَّهُ إذا كانَ الشائعُ عندَ أهلِ هذا (¬6) الفنِّ حملها على الانقطاعِ ممن ليست له عادةٌ مطرّدةٌ، فإطلاقها منهُ فيما لم يسمعهُ جارٍ على الاصطلاحِ، فأنّى يكونُ تدليساً، ولا سيّما في مَن لم يثبتْ عنهُ أَنَّهُ مدلسٌ. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في المطبوع من الكفاية. (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) صحيح البخاري 2/ 120 (1364). (¬4) صحيح البخاري 4/ 208 (3463). (¬5) قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " عقب الحديث (3463): ((هو ابن معمر، نسبه ابن السكن، عن الفربري، وقيل: هو الذهلي)). (¬6) لم ترد في (ب).

قالَ شيخُنا: ((وأما قولهُ: ((قالَ لنا)) فحكمهُ الاتصالُ، لكنْ إنما يعدلُ / 138 أ / عن قولهِ: ((حدثنا)) ونحوهِ لنكتةٍ بديعةٍ، فتارةً يكونُ الحديثُ ظاهرهُ الوقفُ، وهو لم يضع كتابهُ إلا للحديثِ المسندِ، لكن يكونُ فيهِ شائبة الرفعِ إذا دققَ النظر)). وقولهُ: (قد عاصرَ المرويَّ عنهُ) (¬1) فيهِ خلطٌ للمرسلِ الخفيِّ بالمدلسِ؛ فإنَّ المرسلَ الخفيَّ: هو أنْ يضيفَ الشخصُ إلى من عاصرهُ ولم يلقهُ حديثاً بلفظٍ موهمٍ للسماعِ (¬2). فالصوابُ في العبارةِ أنْ يقالَ: وإنما يكونُ تدليساً إذا كانَ المدلسُ قد لقيَ المرويَّ عنهُ، فيخرجُ المعاصر الذي لم يلقَ، ويدخلُ من سمعَ غيرَ ذلِكَ الحديثِ الذي دلَّسهُ. وتعريفُ أبي الحسنِ القطانِ أقربُ إلى الصوابِ، وهل يعتذرُ عن قولهِ (¬3): ((عن من قد سمعَ منهُ)) بأنَّهُ خارجٌ مخرجَ الغالبِ، والغالبُ أنَّ الاثنينِ إذا التقيا تحدّثا، حتى يدخلَ فيهِ مَن لَقيَ، وثبتَ أَنَّهُ لم يسمعْ، أو يجعلْ قيداً مخرجاً لهُ، فيلحقُ بالمرسلِ الخفيِّ؟ فيهِ نظرٌ. وكانَ ينبغي لهُ أنْ يبدلَ قوله: ((من غيرِ أنْ يذكرَ أَنَّهُ سمعهُ منهُ)) فيقولَ: ((بلفظٍ موهمٍ)) فإنَّهُ أخصرُ. وعبارةُ الشافعي في " الرسالةِ " (¬4) في باب تثبيتِ خبرِ الواحدِ: ((ولا تقومُ الحجةُ بخبرِ الخاصةِ حتى يجمعَ أموراً، منها: أنْ يكونَ - كذا إلى أنْ قالَ - بَرِيَّاً (¬5) من أنْ يكونَ مدلساً، يُحدّثُ عن مَن لَقيَ ما لم يسمعْ منهُ)) وقالَ الإمامُ أبو بكرٍ الصيرفيُّ: ((إذا عُرفَ بالتدليسِ لم يُقبلْ فيهِ حتى يقولَ: ((حدثني)) أو ((سمعتُ)) وذلكَ أَنَّهُ قد كشفَ عن حالِ بعضِهم، فكانَ إذا أظهرَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 235. (¬2) لمزيد تفصيل، انظر: كتاب المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس. (¬3) عبارة: ((عن قوله)) لم ترد في (ف). (¬4) الرسالة فقرة (1000) و (1001). (¬5) بتسهيل الهمزة وتشديد الياء.

مَن سمعهُ كانَ غيرَ ثبتٍ، فيكونُ بينه / 138ب / وبينَ الثقةِ رجلٌ غيرَ ثقةٍ، وهذهِ النكتةُ في ردِّ المرسلِ؛ لأنَّ الواسطةَ بينَ الثقةِ والثقةِ قد يجوزُ أنْ يكونَ غيرَ ثقةٍ، فإنِ اعتلَّ معتلٌ بأصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وأنَّهُ يُحدّثُ بعضُهم عن بعضٍ، وما قالَ ابنُ عباسٍ: ((ما كلُّ شيءٍ نحدّثُكم سمعناهُ منَ النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولكنْ يحدّثُ بعضُنا بعضاً)) (¬1). فإنَّ أصحابَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كلَّهم ثقاتٌ لا يُردُّ خبرُ أحدٍ منهم، ولا يكشفُ أحدٌ منهم، ولا يمتحنُ، ثمَّ قالَ: وقالَ قائلٌ: إنَّ مَن حدّثَ بحديثٍ عن مَن لقيَ ما لم يسمعْ منهُ فليسَ بتدليسٍ، وهذا إرسالٌ، قيلَ له: الإرسالُ أنْ يقولَ الرجلُ: قالَ فلانٌ، ومعلومٌ أَنَّهُ لم يلقَ، كقولِ الحسنِ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، وكقولِ مالكٍ: قالَ سعيدُ بنُ المسيبِ، وإذا لَقِيَ الرجلُ الرجلَ وسمعَ منهُ، فإذا حَكَى عنهُ ما لم يسمعْ فإنما يدرجهُ بـ ((عن)) ليكونَ في الظاهرِ كأنَّهُ سمعهُ منهُ، ألا ترى أنَّ من عُرِفَ بذلكَ وُقِفَ في حديثهِ، فقيلَ له: سمعتَهُ من فلانٍ؟ فيقولُ: لا، أخبرنيهِ فلانٌ، فربما أحالَ على ثقةٍ، وربما أحالَ على غيرِ ثقةٍ، فهذا الضربُ سُمِّيَ تدليساً، والذي بهِ وقفنا المدلس هوَ الذي رددنا بهِ المرسلَ؛ لأنَّهُ يجوزُ أنْ يكونَ ممن يرغبُ عن الروايةِ (¬2) عنهُ)). قولهُ: (فجعلوا التدليسَ ... ) (¬3) إلى آخره، هذا (¬4) هوَ الذي سيأتي تسميته تدليسَ التسويةِ، ويؤيدهُ قوله: ((فما سلمَ منَ التدليسِ / 139 أ / أحدٌ لا مالكٌ ولا غيرهُ)) يعني: فإنَّ مالكاً مثلاً يريدُ أنْ يخرجَ من حديثِ ابنِ عباسٍ، ولم يقعْ له إلا من ¬

_ (¬1) روي هذا الأثر من كلام أنس بن مالك، أخرجه: الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" 1/ 117 (100). وانظر: التمهيد لابن عبد البر 1/ 352، وتهذيب الكمال 1/ 293. (¬2) عبارة: ((عن الرواية)) تكررت في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 236. (¬4) لم ترد في (ب).

طريقِ عكرمةَ، وهوَ عندهُ ضعيفٌ فيقولُ: أخبرنا ثورٌ، عنِ ابنِ عباسٍ، ويسقطُ عكرمةَ بينَ ثورٍ وابنِ عباسٍ، وثور لم يدركِ ابنَ عباسٍ. ومرادُ ابنِ عبدِ البرِّ بهذا ردُّ قولِ مَن سمّاهُ تدليساً، والتشنيعُ عليهِ؛ فإنَّ الاتفاقَ واقعٌ على أنَّ مالكاً ليسَ مدلساً، فاقتضى أنَّ التسويةَ ليست تدليساً، ويؤيدُ ذلِكَ أنَّ ابنَ القطانِ أولُ من اخترعَ اسمَ التسويةِ، ولم يسمِّها تدليساً، ولا أدخلها في أنواعهِ، هكذا قالَ شيخُنا: إنَّ هذا (¬1) تدليسُ التسويةِ، وفيهِ نظرٌ؛ فإنَّ قولهُ: ((يحدّثُ الرجلُ (¬2) عنِ الرجلِ بما لم يسمعْهُ منهُ)) (¬3) يقتضي أنَّ المحدثَ هوَ الذي حذفَ مَن بينه وبينَ المحدَّثَ عنهُ، وهذا أعمُّ من أنْ يكونَ المحدَّثُ عنهُ شيخهُ أو لا، فغايتهُ أنْ يدخلَ فيهِ المرسلُ الخفي، والمعلقُ، وتدليسُ التسويةِ الحاذف فيهِ غيرُ من وقعَ الإيهام بأنَّهُ سمعَ ممن فوقهُ. قولهُ: (فيقولُ فلانٌ) (¬4) هذا سماهُ شيخنا حافظُ العصرِ تدليس القطعِ، فيكونُ رابعاً، وقد نظَمهُ بعضُهم فقالَ: وذِكرُهُ الشيخَ وحذفَ الآلة ... أيضاً منَ التدليسِ في الروايةِ وزاد شيخُنا تدليسَ العطفِ، فتصيرُ الأقسامُ خمسةً (¬5)، ومثَّلهُ بما فعلَ هشيمٌ، فيما نقلَ الخطيبُ أنَّ أصحابَهُ قالوا لهُ: نريدُ أنْ / 139 ب / تُحدّثَنا اليومَ شيئاً لا يكونُ فيهِ تدليسٌ، فقالَ: خذوا. ثمَّ أملَى عليهم مجلساً، يقولُ في كلِّ حديثٍ منهُ: حدثنا فلانٌ، وفلانٌ، ثمَّ يسوقُ السند والمتنَ، فلما فرغَ قالَ: هل دلستُ لكمُ اليومَ شيئاً؟ ¬

_ (¬1) بعدها في (ب): ((ليس)). (¬2) لم ترد في (ب). (¬3) التمهيد 1/ 15. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 236. (¬5) انظر: النكت لابن حجر 2/ 616 - 617، وبتحقيقي: 388 - 389.

قالوا: لا. قالَ: بلى، كلُّ ما قلتُ فيهِ: ((وفلانٌ)) فإني لم أسمعهُ منهُ، فيكونُ تقديرُ الكلامِ حينئذٍ: حدثنا فلانٌ، وفلانٌ رَوَى، قالا: حدثنا فلانٌ. أو حدثنا فلانٌ، ورَوَى فلانٌ، أو وحدثَ فلانٌ، ونحوَ ذلِكَ. قولهُ: (سمعته منَ الزهري) (¬1) قالَ العلاّمةُ شمسُ الدينِ محمدُ بنُ حسانَ القدسيُّ فيما قرأتهُ بخطهِ: ((ووقعَ لابنِ عيينةَ بإسقاطِ ثلاثةٍ، وذلكَ أَنَّهُ قالَ: الزهريُّ، ثمَّ أفصحَ بالساقطِ فقالَ: عن علي بنِ المديني، عن أبي عاصمٍ، عنِ ابنِ جريجٍ، عنِ الزهريِّ)) (¬2). قوله: (مطلقاً) (¬3)، أي: بيَّنَ السماعَ، أو لم يبينْ. قوله: (يقبلُ تدليس ابنِ عيينةَ) (¬4)، أي: فيكونُ حكمُهُ حكمَ مراسيلِ سعيدِ بنِ المسيبِ؛ لاشتراكِهما في العلةِ الموجبةِ للقبولِ، وهي أنَّ التفتيشَ أبانَ أنَّ الأمرَ لا يخرجُ عن الثقةِ، فصارَ ذلِكَ سبباً لوقوعِ الظنِّ، وهوَ كافٍ في التصحيحِ كما مرَّ، وقد نظمَ ذلِكَ بعضُ الفضلاءِ فقالَ: أمّا الإمامُ ابنُ عيينةَ فقدْ ... اغتفروا تدليسَهُ مِن غيرِ رَدّ قولهُ: (عن ثقةٍ مثل ثقتهِ) (¬5)، أي: مثل ثقة نفس ابنِ عيينةَ. قولهُ: (كبارُ التابعينَ (¬6)؛ فإنهم لا يرسلونَ إلا عن صحابي) (¬7) هذا الحصرُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 236. (¬2) انظر: تمام القصة مسندةً في المدخل إلى الإكليل (20 - 21)، والكفاية (512 ت، 359 هـ‍). (¬3) التبصرة والتذكرة (154). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 236. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237. (¬6) هكذا في النسخ، والذي في شرح التبصرة: ((الصحابة))، ويشير إلى هذا. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237.

ممنوعٌ، وإلاَّ لقُبلَتْ مراسيلُهم اتفاقاً، لكنَّ الغالبَ إرسالُهم عن الصحابةِ، وإرسالُهم عن تابعيٍّ كبيرٍ قليلٌ، وعن تابعيٍّ صغيرٍ نادرٌ جداً (¬1)، والضعيفُ في كبارِ التابعينَ نادرٌ، فإرسالُهم عن ضعيفٍ نادرٌ جداً، ثم وجدتُ في نسخةٍ (¬2) / 140 أ / ((بمراسيلِ الصحابةِ))، وفي نسخةٍ ((بمراسيلِ كبارِ الصحابةِ))، عوضَ ((كبارِ التابعينَ))، فكأنَّ الشيخَ غيَّره أخيراً، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (كانَ تدليسهُ عندَ أهلِ العلمِ مقبولاً) (¬3) غير مسلمٍ؛ فإنَّ غايتهُ أنْ يكونَ كالتوثيقِ مبهماً، كأنْ يقولَ: حدّثني الثقةُ، وقد عرفَ أنَّ ذلِكَ غيرُ مجدٍ؛ لاحتمالِ أنْ يعرفَ غيرهُ من حالهِ ما خفيَ عنهُ. قلتُ: هذا إذا قالَ: أنا لا أُرسلُ إلا عن ثقةٍ، ولم يفتشْ عنهُ، وأمّا إذا فتشَ، فأبانَ عن مثلِ حالِ ابنِ عيينةَ؛ فإنَّهُ يلتحقُ بهِ. قوله: (في كتابِ " الدلائلِ ") (¬4)، أي: "دلائل الاعلامِ في شرح رسالةِ الشافعي" (¬5)، وقولُ الشيخِ: ((وهكذا رأيتهُ)) يوهمُ أَنَّهُ مصرّحٌ بهِ في كلامِ الصيرفي ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) جاء في حاشية نسخة (أ): ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين ابن الحمصي الشافعي، بلغ الله به السؤال ونهاية المأمورة قراءة بحث وإتقان، وسمع الجماعة، كان الله لهم وكتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي الشافعي لطف الله به آمين)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237. (¬5) ذكره العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 361، والأبناسي في الشذا الفياح 1/ 255، والزركشي في البحر المحيط 1/ 4 باسم: ((الدلائل والاعلام)). وذكره ابن النديم في الفهرست: 267 باسم: ((البيان في دلائل الاعلام على أصول الأحكام))، ووافقه الزركلي في الأعلام 7/ 96، وزاد: في أصول الفقه. وذكره كحالة في معجم المؤلفين 10/ 220 باسم: ((دلائل الاعلام على أصول الأحكام في أصول الفقه)). وذكره حاجي خليفة في كشف الظنون 1/ 873 باسم: ((دلائل الاعلام)). ولم أجد من تعرض لضبط همزة ((الاعلام))، والله أعلم.

الذي حكاهُ عنهُ، وليسَ كذلكَ، بل هوَ مفهومه كما ترى. قوله: (فقيلَ: يردُّ حديثهم مطلقاً) (¬1) ينبغي: أنْ يفصلَ في شأنهم بتفصيل غيرِ ما يأتي عن ابنِ الصلاحِ، فيقالُ: إنْ حَملَ الإنسان على التدليسِ ضعفُ الراوي رُدَّ حديثُه؛ لأنَّ تغطيتَهُ محرمةٌ عليهِ؛ لكونها غشاً وغروراً، وإنْ لم يكن الحاملُ لهُ على التدليسِ ترويجَ الضعيفِ فلا. قوله: (فإنْ صرحَ بالاتصالِ) (¬2) ينبغي أنْ يزيدَ فيهِ: ولم يحملهُ على التدليسِ سترُ الضعيفِ، وترويجُ مرويهِ، قالَ الشافعيُّ في " الرسالةِ " (¬3): ((وكانَ قولُ الرجلِ سمعتُ فلاناً يقولُ: سمعتُ فلاناً، وقوله: حدثني فلانٌ عن فلانٍ، سواءً عندهم، لا يحدّثُ واحدٌ منهم عن مَن لَقيَ إلا ما سمعَ منهُ، فمَن عرفناهُ بهذا الطريقِ قَبِلنا منهُ: حدّثني فلانٌ عن فلانٍ، ومَن عرفناهُ دلّسَ مرةً فقد أبانَ لنا عورتَهُ في روايتهِ، وليسَ (¬4) تلكَ العورةُ بكذبٍ، فيردُّ (¬5) بها حديثهُ، ولا على النصيحةِ في الصدقِ فنقبلُ (¬6) منهُ ما قَبِلْنا من أهلِ / 140 ب / النصيحةِ في الصدقِ. فقلنا: لا نقبلُ (¬7) من مدلسٍ (¬8) حديثاً حتى يقولَ فيهِ: حدثني أو سمعتُ)). قالَ الصيرفيُّ: ((لأنَّ قولَ الإنسانِ: ((عن فلانٍ)) ليسَ بكذبٍ، وإنما فيه (¬9) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 237. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 238. (¬3) الرسالة فقرة (1032) - (1035). (¬4) في الرسالة: ((ليست)). (¬5) في الرسالة: ((فنرد)). (¬6) في (أ) و (ب): ((فيقبل)). (¬7) في (أ) و (ب): ((يقبل)). (¬8) في (ف): ((دلس)). (¬9) ((فيه)) من (ف) فقط.

كتمانُ مَن سمعَ منهُ، فلأنّا احتجنا إلى معرفتهِ أنْ لا يكونَ رضى. قلنا: لسنا نأمنُ منكَ ما جرّبناهُ منَ التدليسِ، فَأَبِنْهُ لنا؛ ليزولَ العيبُ الذي ظهرَ منكَ، وكحاجتِنا إلى معرفةِ المكتومِ ما بينكَ وبينَ مَن لقيتَ، فإذا قالَ: ((ليسَ بيننا أحدٌ)) قبلنا قولَهُ، وإذا قالَ: بيني وبينهُ إنسانٌ. قلنا: سَمِّهِ لنا لنعرفَ عدلَهُ من جرحِهِ)) (¬1). وقالَ الشيخُ في " نكته " (¬2): ((وقد ادّعى أبو الحسنِ بنُ القطانِ نفيَ الخلافِ فيهِ - أي: في قبولِ ما صرَّحَ المدلسُ فيهِ بالسماعِ - (¬3) فذكرَ في كتابهِ "بيانِ الوهمِ والإيهامِ" (¬4) أنَّ يحيى بنَ أبي كثيرٍ كانَ يدلسُ، وأنَّهُ ينبغي أنْ يجريَ في مُعنعَنهِ الخلافُ، ثمَّ قالَ: أمّا إذا صرّحَ بالسماعِ فلا كلامَ فيهِ، فإنَّهُ ثقةٌ حافظٌ صدوقٌ، فيقبلُ منهُ ذلِكَ بلا خلاف. انتهى كلامهُ (¬5). والمشهورُ ما ذكرهُ المصنفُ من إثباتِ الخلافِ، فقد حكاهُ الخطيبُ في "الكفايةِ" (¬6) عن فريقٍ منَ الفقهاءِ وأصحابِ الحديثِ، وهكذا حكاهُ غيرُهُ، والمثبتُ للخلافِ مقدمٌ على النافي لهُ، واللهُ أعلمُ)). قوله: (في كلامِ بعضهم) (¬7) هو الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في "شرحِ المهذبِ " (¬8)، فإنَّ الشيخَ قالَ في " نكتهِ " (¬9): ((زادَ النوويُّ على هذا - أي: حكايةِ ¬

_ (¬1) كلام الصيرفي أظنه قاله في كتابه الذي شرح فيه كتاب الرسالة للإمام الشافعي. انظر: مقدمة كتاب الرسالة: 15، تحقيق العلامة أحمد محمد شاكر. (¬2) التقييد والإيضاح: 98 - 99. (¬3) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬4) بيان الوهم والإيهام 2/ 379 عقب (378). (¬5) أي: كلام ابن القطان. (¬6) الكفاية (515 ت، 361 هـ‍). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬8) المجموع 4/ 466، وقال في شرح صحيح مسلم 2/ 199: ((وقد اتفقوا على أن المدلس لا يحتج بعنعنته)). (¬9) التقييد والإيضاح: 99 - 100.

القبولِ عن جمهورِ مَن يحتجُّ بالمرسلِ فقط المفهمة لأنَّ البعضَ يردهُ (¬1) - فحَكَى في "شرحِ المهذبِ " (¬2) الاتفاقَ على أنَّ المدلسَ لا يُحتجُّ بخبره إذا عنعنَ، وهذا / 141 أ / منهُ إفراطٌ، وكأنَّ الذي أوقعَ النوويَّ في ذلِكَ، ما ذكرهُ البيهقيُّ في " المدخلِ " (¬3) وابنُ عبدِ البرِّ في " التمهيدِ " (¬4) مما يدلُّ على ذلِكَ، أما البيهقيُّ فذكرَ ما في الشرحِ، وأمّا ابنُ عبدِ البرِّ فإنَّهُ لما ذكرَ في مقدمةِ " التمهيدِ " (¬5) الحديثَ المعنعنَ، وأنَّهُ يُقبلُ بشروطٍ ثلاثةٍ قالَ: إلا أنْ يكونَ الرجلُ معروفاً بالتدليسِ، فلا يقبلُ حديثهُ حتى يقولَ: ((حدثنا)) أو ((سمعتُ))، قالَ: ((فهذا ما لا أعلمُ فيهِ أيضاً خلافاً)) (¬6). انتهى كلامهُ. وما ذكرَ منَ الاتفاقِ لعلهُ محمولٌ على اتفاقِ من لا يحتجُّ بالمرسلِ خصوصاً. عبارةُ البيهقي: ((فإنَّ لفظَ ((سائر)) قد يطلقُ، ويرادُ بهِ الباقي لا الجميعُ)) والخلافُ معروفٌ في كلامِ غيرهما، وممن حكاهُ الحاكمُ في كتابِ " المدخلِ " فإنَّهُ قسّمَ الصحيحَ إلى عشرةِ أقسامٍ: خمسةٌ متفقٌ عليها، وخمسةٌ مختلفٌ فيها، فذكرَ منَ الخمسةِ المختلفِ فيها المراسيلَ (¬7)، وأحاديثَ المدلسينَ (¬8) إذا لم يذكروا سماعاتهم ... إلى آخرِ كلامهِ. وحَكَى الخلافَ أيضاً الحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ في كتابِ " الكفايةِ " (¬9) فحَكَى عن خلقٍ كثيرٍ من أهلِ العلمِ أنَّ خبرَ المدلسِ مقبولٌ، قالَ: ¬

_ (¬1) جملة توضيحية من البقاعي. (¬2) المجموع 4/ 546، وانظر: شرح صحيح مسلم 1/ 125 - 126. (¬3) وهو في الجزء المفقود من هذا الكتاب. انظر: مقدمة كتاب المدخل إلى السنن الكبرى: 75. (¬4) التمهيد 1/ 13. (¬5) التمهيد 1/ 13. (¬6) التمهيد 1/ 12 - 13. (¬7) المدخل: 18. (¬8) المدخل: 22. (¬9) الكفاية (515 ت، 361 هـ‍).

وزعموا أنَّ نهايةَ أمرهِ أنْ يكونَ مرسلاً، واللهُ أعلمُ)). قوله: (من لا يحتجُّ بالمرسلِ) (¬1) قلتُ: أو يخصُّ الاتفاقَ بمن بعدَ القرونِ الثلاثةِ. قولهُ: (على أنَّ بعضَ من يحتجُّ بالمرسلِ لا يقبلُ عنعنةَ المدلسِ) (¬2) ينبغي حملهُ على من يُدلِّسُ بعدَ القرونِ الثلاثةِ، أمّا مَن دلّسَ (¬3) منهم فلا فرقَ بينهُ وبينَ المرسلِ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (عدة رواة من المدلسينَ) (¬4)، أي: رويا / 141 ب / عنهم بالعنعنةِ. قالَ ابنُ الصلاحِ في هذا: ((لأنَّ التدليسَ ليسَ كذباً، وإنما هو ضربٌ منَ الإيهامِ بلفظٍ محتملٍ)) (¬5). قوله: (هُشَيم) (¬6) مصغرٌ، ابنُ بَشيرٍ - بفتحِ الموحدةِ مكبرٌ -. قولهُ عنِ النووي: (محمولٌ على ثبوتِ سماعهِ من جهةٍ أخرى (¬7)) (¬8) سأل قاضي القضاةِ شيخُ الإسلامِ تقيُ الدينِ السبكيُّ، شيخَ الزمانِ وحافظَهُ أبا الحجاجِ المزيَّ عن ذلِكَ: هل وجد في الخارجِ التصريح فيهِ بالسماعِ؟ فقالَ: ما ثمَّ لنا إلا تحسينُ الظنِّ، فإنّا نعرفُ عدةَ أحاديثَ من هذا النوعِ ليسَ لها إلا ذلِكَ الطريقُ المعنعنُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬3) في (ف): ((ذكر)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 161. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬7) التقريب: 65. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239.

قالَ شيخُنا: ((وكشفُ ذلِكَ من فوائدِ المستخرجاتِ، أي: بأنْ يرويَ ذلِكَ الحديثَ من غيرِ تلكَ الطريقِ، فيصرّحَ فيها بالسماعِ في الموضعِ المعنعنِ، واللهُ أعلمُ. واختيارُ صاحب " الصحيحِ " لطريقِ العنعنةِ على الطريقِ المصرحةِ بالسماعِ لكونِ المصرحةِ ليست على شرطهِ)) (¬1). قوله: (في " القِدحِ المعلى") (¬2)، أي: في الاعتراضِ على " المحلى " لابنِ حزمٍ الظاهري. قوله: 157 - وَذَمَّهُ (شُعْبَةُ) ذُو الرُّسُوْخِ ... وَدُوْنَهُ التَّدْليْسُ لِلشِّيُوْخِ 158 - أنْ يَصِفَ الشَّيْخَ بِمَا لا يُعْرَفُ ... بِهِ، وَذَا بِمقْصِدٍ يَخْتَلِفُ 159 - فَشَرُّهُ للضَّعْفِ وَاسْتِصْغَارا ... وَكـ (الخَطِيْبِ) يُوْهِمُ اسْتِكْثَارَا 160 - و (الشَّافِعيْ) أثْبَتَهُ بِمَرَّه ... قُلْتُ: وَشَرُّهَا أخُو التَّسْوِيَه قوله: (يصفُ الشيخ) (¬3) سيأتي ما فيهِ. قوله: (بما لا يعرفُ) (¬4) غير جيدٍ، فإنَّهُ لا بدَّ وأنْ يعرفَ بذاكَ الوصفِ في الجملةِ، فلو قالَ: أنْ يصفَ الشيخَ بشيءٍ ما اشتهر ... بهِ وبالنيةِ يحصلُ الضرر كانَ أحسنَ. ¬

_ (¬1) انظر: النكت لابن حجر 2/ 636، وبتحقيقي: 407. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 239. (¬3) التبصرة والتذكرة (158). (¬4) التبصرة والتذكرة (158).

قوله: (واستصغارا) (¬1) لو قالَ بدلهُ: واستكبارا، لحصلَ له الجناسُ الخطيُّ، فإنَّ الراويَ الذي يُعمّي ذلِكَ الراويَ بأنْ يصفَهُ بما لم يشتهرْ بهِ إذا فعلَ ذلِكَ استصغاراً لهُ، فقدِ استكبرَ نفسهُ / 142 أ / عن الروايةِ عنهُ، وإنما جعلهُ خبراً لكانَ، ولم يجعلهُ مفعولاً له؛ لئلا يفهمَ أَنَّهُ منَ الشرِّ. و (¬2) قوله: (والشافعيُّ أثبته) (¬3) كانَ ينبغي جعلُهُ صدرَ هذهِ الأبياتِ. قوله: (وقالَ: لأن أزني) (¬4) ضَبطَهُ بعضُهم بالمهملةِ ثم موحدةٍ مضموم الهمزةِ، قالَ: فإنَّ الربا أخفُّ منَ الزنا. وقالَ: وفيهِ أيضاً مناسبةٌ، وهو أنَّ الربا أصلهُ التكثرُ والزيادةُ، ومَن دلّسَ فقد كثّرَ مرويَهُ بذلكَ الشيخِ الذي ارتقَى إليهِ، وأوهمَ كثرةَ مشايخهِ عندَما عمَّى أوصافَهم. قالَ شيخُنا: ((وقوله: ((إنَّ الربا)) بالموحدةِ أخفُّ ليسَ كذلكَ، ففي بعضِ الأحاديثِ: ((لأن يأكلَ الرجلُ درهماً واحداً من رباً أشدُّ من كذا وكذا زنية)) (¬5))). قلتُ: فإنَّهُ ظلمُ الغيرِ، والزنا ظلمُ النفسِ. قالَ: فما بقيَ إلا ما قالَ ابنُ الصلاحِ منَ الحملِ على المبالغةِ في الزجرِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (159). (¬2) الواو لم ترد في (ب). (¬3) التبصرة والتذكرة (160). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 240. (¬5) روي عن أبي هريرة قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((الربا سبعونَ حوباً، أيسرها أن ينكح الرجلُ أمهُ)) أخرجه: هناد في "الزهد" (1176)، وابن ماجه (2274)، والمروزي في " السنة " (104)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (5522) من طريق أبي معشر، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، فذكره. وهو ضعيف؛ لضعف أبي معشر: نجيح ابن عبد الرحمان.

قولهُ: (ودونهُ التدليسُ للشيوخِ) (¬1) إنْ قيلَ: ليسَ كذلكَ؛ فإنَّ تدليسَ الإسنادِ فيهِ محذورٌ واحدٌ، وَهوَ أنْ يكونَ الساقطُ ضعيفاً، وبقيةُ الإسنادِ ثقاتٌ، فيتسببُ إلى قبولِ ما لَم يصحَّ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي هَذا محذورانِ: أحدهما: أنْ يصفَ ضعيفاً بغير ما يشتهرُ بهِ، مما لعلهُ يشتركُ (¬2) بهِ بعضُ من يكونُ في تلكَ الطبقةِ منَ الثقاتِ، فإذا نظرَ الناظرُ ظنَّهُ ذلِكَ الثقةَ فقَبِلَ الحديثَ. الثاني: أنْ يكونَ ثقةً، فيصفهُ بما لا يعرفُ بهِ، فيصيرُ مجهولاً فيطرحُ ذلكَ المروي، فيكونُ سبباً في تركِ حكمٍ منَ الأحكامِ، وقد حضَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - / 142 ب / على التبليغِ، وتوعدَ على الكتمانِ، وهذا في حكمِ مَن كَتمَ، فغايةُ المحذورِ في تدليسِ الإسنادِ أنْ يوازيَ هذينِ المحذورينِ، فيكونانِ سواءً. قيلَ: الحقُّ أن الأولَ أشدُّ، فإنَّ هَذا يعرفهُ الماهرُ مِن أهل الصنعةِ، وذاكَ لا يطّلعُ عليهِ إلاّ مَن قَبِلَهُ، إمَّا باعترافهِ بأنَّهُ لَم يسمعْ هَذا الحديثَ مِن ذلِكَ الشيخِ، أو بأنْ يرويَهُ مرةً أخرى فيدخلَ بينهُ وبينهُ راوياً، وينضمُّ إلى ذلِكَ مِن القرائنِ ما يعرفُ بهِ أنه لَم يسمعهُ مِن شيخهِ الذِي رواهُ عنهُ أولاً باللفظِ المحتملِ إلا بواسطةٍ. قولُهُ: (قالَ ابنُ الصلاحِ: أمرهُ أخفُّ منهُ) (¬3) لو قالَ: الأولُ أشدُّ مِن هَذا لكانَ أولَى؛ لأنهُ ليسَ في واحدٍ منهما خفةٌ، لكن تارةً يطلقونَ ((أفعلَ)) ولا يريدونَ معناها حقيقةً، إنما يجعلونَ ذلِكَ على سبيلِ الفرضِ، كحديثِ: ((لكانَ أنْ يُلقَى في النارِ أحبّ إليهِ مِن أن يعودَ في الكفرِ)) (¬4)، وليسَ في الإلقاءِ في النارِ شيءٌ مِن ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (157). (¬2) في (ف): ((يشارك)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 240، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 166. (¬4) وَهوَ جزء مِن حديث أنس بنِ مالك - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((ثلاثٌ من كن فيهِ وجدَ طعمَ الإيمانِ: منْ كانَ يحبُّ المرءَ لا يحبهُ إلاّ للهِ، ومن كانَ الله تباركَ وتعالى ورسولهُ =

الحبِّ، وإنما المعنى: لو فرضَ أن يكونَ الكفرُ محبوباً، والنارُ كذلكَ، لكانَ الإلقاءُ في النارِ أحبَّ إليهِ. ثُمَّ ظهرَ لي أنَّ مثل هَذا مجازٌ عَن ((أقلِّ)) مِن ضدِّ مأخذِ اشتقاقِ أفعل، والعلاقةُ فيهِ الضديةُ، كَما بينتُهُ في كتابي "نظمِ الدررِ في (¬1) تناسبِ الآي والسورِ" (¬2) عند قولهِ تعالى: {رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ} (¬3) فالمعنى هنا: هَذا أقلُّ شدةً مِن الأولِ، وكذا ما أتى لكَ مِن أمثالهِ، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (وهوَ / 143 أ / أنْ يصفَ المدلسُ شيخَهُ الذِي سمعَ منهُ ذلِكَ الحديثَ) (¬4) لا يختصُّ ذلِكَ بشيخهِ الذِي سَمعَ منهُ، بل لو فعلَ ذلِكَ في شيخِ شيخهِ ومَن فوقه إلى آخرِ السندِ، كانَ حكمُهُ كذلكَ، فكانَ ينبغي لهُ أنْ يقولَ: ((أنْ يصفَ الراوي)) مسكناً؛ لئلا ينكسرَ الوزنُ. قولُهُ: (السجستاني) (¬5) قالَ ابنُ الصلاح: ((ورَوَى -يعني: ابنَ مجاهدٍ، - عَن أبي بكرٍ محمدِ بنِ الحسنِ النقّاشِ (¬6) المفسرِ فقالَ: حدثنا محمدُ بنُ سندٍ، نسبهُ إلى ¬

_ = أحبَّ إليهِ مما سواهما، ومن كانَ أنْ يلقى في النارِ أحبَّ إليهِ منْ أن يرجعَ في الكفرِ بعدَ إذ أنقذهُ اللهُ - عز وجل - منهُ)). أخرجه: أحمد 3/ 172 و248 و275، والبخاري 1/ 12 (21) و8/ 17 (6041)، ومسلم 1/ 48 (43) (68)، وابن ماجه (4033)، والنسائي 8/ 96 مِن طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس، فذكره. (¬1) في (أ) و (ب): ((من)) والتصويب من كشف الظنون 2/ 1961. (¬2) نظم الدرر 4/ 35 - 36. (¬3) يوسف: 33. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬6) بفتح النون والقاف المشددة، هذه النسبة إلى من ينقش السقوف والحيطان وغيرها، وكان أبو بكر المذكور في مبدأ أمره يتعاطى هذه الصنعة فعرف بها، (ت 351 هـ‍) ترجمته في: تأريخ بغداد 2/ 201، وتأريخ دمشق 52/ 320، ووفيات الأعيان 4/ 298، وسير أعلام النبلاء 15/ 573.

جدٍّ لهُ)) (¬1). قولُهُ: (قلتُ: وللمروي أيضاً) (¬2) ليستْ زيادةً محضةً، إنما هي كالشرحِ؛ فإنه إذا ضاعَ المرويُّ عنهُ لزمَ منهُ ضياع المرويِّ. قولُهُ: (باختلافِ المقصدِ) (¬3) يجوزُ كسرُ الصادِ على إرادةِ محل القصدِ. قولُهُ: (وممن يفعلُ ذلِكَ كثيراً الخطيبُ) (¬4) قالَ: ينبغي أنْ يكونَ الخطيبُ قدوةً في ذلكَ، وأنْ يستدلَّ بفعلهِ على جوازهِ، فإنهُ إنَّما يُعمّي على غيرِ أهل الفنِّ، وأمّا (¬5) أهلُهُ فلا يخفَى ذلِكَ عليهم لمعرفتِهم بالتراجمِ، ولم يكنِ الخطيبُ يفعلُهُ إيهاماً للكثرةِ، فإنهُ مكثرٌ منَ الشيوخِ والمروياتِ، والناسُ بعدهُ عيالٌ عليهِ (¬6)، وإنما يفعلُ ذلِكَ تفنناً في العبارةِ، وربما أدتْ ضرورةُ التصنيفِ إلى تكرارِ الشيخِ الواحدِ عَن قربٍ، فينوعُ أوصافهُ لئلا يصيرَ مبتذلاً ينفرُ السمعُ منهُ؛ للتكرارِ المحضِ، واللهُ أعلمُ. قولُ ابنِ الصباغِ: ((فَقد غلطَ))، أي: الذِي فعلَ هذهِ الفعلةَ مِن تعميةِ الراوي، ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 158، وقال الزركشي في "نكته" 2/ 81: ((يقتضي كراهة ذلك، ولهذا جعله تدليساً، وحكى ابن المواق في " بغية النقاد " خلافاً في نسبة الرجل إلى جده، واختار التفصيل بين المشهور به فيجوز ذلك، وإلا فلا، لما فيه من إبهام أمرهم، وتعمية طريق معرفتهم)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 241. (¬5) من قوله: ((هذه الأبيات)) إلى هنا سقط من (ب). (¬6) قال ابن نقطة في "التقييد": 154: ((ولا شبهة عند كل لبيب، أن المتأخرين من أصحاب الحديث، عيال على أبي بكر الخطيب)).

وصورته: أنْ يكونَ شيخُهُ ضعيفاً عند الناسِ، ثقةً عندهُ، فيصفهُ بوصفٍ لا يعرفُ بهِ، /143ب/ ثُمَّ يقولُ: وَهوَ ثقةٌ، أو ثبتٌ، أو نحو ذلِكَ، ويكونُ مِن أهلِ الجرحِ والتعديلِ، فيقلّدهُ مَن لَم يطّلعْ على حقيقةِ ذلكَ. قولهُ: (وكفعلِ الخطيبِ) (¬1)، أي: ويكونُ لإيهامِ الكثرة كفعلِ الخطيبِ. قولُهُ: (أصلُ التدليسِ) (¬2) ليسَ (¬3) بجيدٍ؛ فإنَّ التدليسَ مِن حيثُ هوَ (¬4) تَشتركُ فيهِ الأقسامُ الثلاثةُ، لكن فُهمَ مرادُهُ بقولهِ: ((لا هَذا القسمَ الثاني)) فكانَ ينبغي لهُ أنْ يقولَ: أي تدليس الإسنادِ (¬5). قولهُ: (فَقد أجراهُ الشافعيُّ) (¬6) قالَ شيخُنا: ((قالَ الشافعيُّ (¬7): فَمَن عرفناهُ دلَّسَ مرةً فَقد أنبأَ ذلِكَ عَن عُوارٍ في حديثهِ، فإنْ كانَ ثقةً لَم نقبلْ (¬8) مِن حديثهِ إلا ما صرّحَ فيهِ)) (¬9). قلتُ: وقد تقدّمَ نقلي لَهُ عنِ الشافعيِّ في كِتابِ " الرسالة " قريباً بلفظِ الشافعي فيها (¬10)، وكأنَّ المصنفَ ما راجعَ "الرسالةَ"، فاحتاجَ إلى نقلهِ مِن كتابِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 242. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 242. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) ((هو)) مكررة في (أ) و (ف). (¬5) في (ف): ((للإسناد)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 242. (¬7) ((الشافعي)) تكررت في (ف). (¬8) في (أ) و (ب): ((يقبل)). (¬9) الرسالة فقرة (1033). (¬10) جاء في حاشية (أ): ((أي: في الرسالة)).

" المدخلِ " (¬1). قولُهُ: (لَم يذكرهُ ابنُ الصلاحِ وَهوَ تدليسُ التسويةِ) (¬2) قالَ: عندي أنَّ ما فعلهُ ابنُ الصلاحِ هوَ اللائقُ، والتحقيقُ أنَّهُ ليسَ لنا إلا قسمانِ: الأولُ: تدليسُ الإسنادِ، والثاني: تدليسُ الشيوخِ. ويتفرعُ على الأولِ تدليسُ العطفِ (¬3)، وتدليسُ الحذفِ (¬4). وأما تدليسُ التسويةِ، فيدخلُ في القسمينِ، فتارةً يصفُ شيوخَ السندِ بما لا يعرفونَ بهِ مِن غيرِ إسقاطٍ، فيكونُ تسويةَ الشيوخِ، وتارةً يسقطُ الضعفاءَ، فيكونُ تسويةَ السند، وهذا يُسميهِ القدماءُ: تجوِيداً، فيقولونَ (¬5): جوَّده فلانٌ، يريدونَ ذكرَ مَن فيهِ منَ الأجوادِ، وحذفَ / 144 أ / الأدنياءَ (¬6). قولُهُ: (ويجعلُ الحديثَ عَن شيخهِ الثقةِ، عنِ الثقةِ الثاني) (¬7) قالَ: شرطهُ أنْ يكونَ الثقةُ الأولُ قَد سمعَ مِن الثقةِ الثاني غيرَ هَذا الحديثِ، وأنْ يرويَهُ بلفظٍ محتملٍ، وإلاَّ فليسَ بتدليسٍ. قالَ: ووجهُ كونِ هَذا شرَّاً منَ الأولِ: أنَّ القسمَ الأولَ ¬

_ (¬1) وهو غير موجود في المطبوع من المدخل، مما يدلنا على أن الكتاب كان كاملاً لحد فترة القرن التاسع. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 242. (¬3) وهو أن يروي عن شيخين من شيوخه، ما سمعاه من شيخ اشتركا فيه، ويكون قد سمع من أحدهما دون الآخر، فيصرح من الأول بالسماع ويعطف الثاني عليه فيوهم أنه حدث عنه بالسماع أيضاً، وإنما حدث بالسماع عن الأول، ونوى القطع، فقال: وفلان، أي حدث فلان. انظر: النكت لابن حجر 2/ 617، وبتحقيقي: 388. (¬4) ويسمى أيضاً: تدليس القطع، وهو راجع إلى تدليس الإسناد. انظر: النكت لابن حجر 2/ 617، وبتحقيقي: 389. (¬5) في (ف): ((فيكون)). (¬6) انظر: تدريب الراوي 1/ 226. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 243.

يحترزُ فيهِ مِن موضعٍ واحدٍ، وَهوَ عنعنةُ ذلِكَ المدلسِ. وأمّا مَن (¬1) عُرفَ بالتسويةِ فيتحيرُ (¬2) الناظرُ في حديثهِ مِن أولِ السندِ إلى آخرهِ؛ فإنَّهُ ما مِن شيخٍ إلاّ ويحتملُ أنْ يكونَ حذفَ دونه أو فوقهُ ضعيفاً. قولُهُ: (قَد لا يكونُ معروفاً بالتدليسِ) (¬3) قالَ في " النكتِ " (¬4) عَقِبَهُ: ((ويكونُ المدلسُ قَد صرّحَ بسماعهِ مِن هَذا الشيخِ الثقةِ، وَهوَ كذلكَ، فتزولُ تهمةُ تدليسهِ، فيقفُ الواقفُ على هَذا السندِ فلا يرى فيهِ موضعَ علةٍ؛ لأنَّ المدلسَ قَد (¬5) صرّحَ باتصالهِ، والثقةُ الأولُ ليسَ مدلساً، وقد رواهُ عَن ثقةٍ آخرَ، فيحكمُ لَهُ بالصحةِ، وفيهِ ما فيهِ منَ الآفةِ التي ذكرناها، وهذا قادحٌ في مَن تعمَّدَ فعلهُ، واللهُ أعلمُ)). قولُهُ: (عَن الأوزاعي عَن نافعٍ ... ) (¬6) إلى آخرهِ، قَد سمعَ الأوزاعيُّ مِن نافعٍ، والزهريِّ، ويحيى بنِ سعيدٍ، ولهذا كانَ تدليساً. قولهُ: (ضُعفَ الأوزاعي) (¬7) قَد وقعَ ما خافهُ الهيثمُ؛ فإنَّ أحمدَ سُئِلَ عنِ الأوزاعيِّ فقالَ: رأيٌ ضعيفٌ، وحديثٌ ضعيفٌ (¬8). ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) في (ف): ((فيتخير)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 243. (¬4) التقييد والإيضاح: 97. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 244. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 244. (¬8) انظر في هذا: سير أعلام النبلاء 7/ 113 - 114.

قولُهُ: (قالَ الخطيبُ: وكانَ الأعمشُ، والثوريُّ، وبقيةُ يفعلونَ مثلَ هَذا) (¬1) وقالَ الشيخُ في " نكتهِ " (¬2) على ابنِ الصلاحِ: ((وهذا قادحٌ في مَن تعمّدَ فعلهُ)). انتهى. وسألتُ / 144 ب / شيخنا: هل تدليسُ التسويةِ جرحٌ؟، فقالَ: لا شكَّ أنَّهُ جرحٌ؛ فإنَّهُ خيانةٌ لمن ينقلُ إليهم وغرورٌ، قلتُ: فكيفَ يوصفُ بهِ الثوريُّ والأعمشُ معَ جلالتِهما؟ فقالَ: أحسنُ ما يعتذرُ (¬3) بهِ في هَذا البابِ أنَّ مثلَهما لا يفعلُ ذلِكَ إلا في حقِّ مَن يكونُ ثقةً عندهُ، ضعيفاً عندَ غيرهِ (¬4). قولُهُ (¬5): (وقد سماهُ ابنُ القطانِ تدليسَ التسويةِ) (¬6) قالَ شيخُنا: ((ليسَ كذلكَ، فإنَّ ابنَ القطانِ إنما سمّاهُ ((تسويةً)) لَم يذكرْ معهُ لفظةَ ((التدليسِ))، وإنما يقولُ: ((سواهُ فلانٌ))، و ((هذهِ تسويةٌ)) ونحو هَذا. والتحقيقُ في هَذا القسمِ، أنْ يقالَ: متى قيل: ((تدليسُ التسويةِ)) فلا بدَّ أنْ يكونَ كلٌّ منَ الثقاتِ الذينَ حُذفتْ بينهمُ الوسائطُ في ذلِكَ الإسنادِ قَد اجتمعَ الشخصُ منهمُ بشيخِ شيخهِ في ذلِكَ الحديثِ، وإنْ (¬7) قيلَ: ((تسويةٌ)) من غيرِ أنْ يُذكرَ تدليسٌ، فلا يحتاجُ إلى اجتماعِ أحدٍ مِنهُم بمن فوقه، كَما فعلَ مالكٌ رحمهُ اللهُ (¬8)، فإنَّهُ لَم يقعْ في التدليسِ أصلاً، ووقعَ في هَذا، فإنَّهُ يروي عَن ثورٍ، عنِ ابنِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 244. (¬2) التقييد والإيضاح: 97. (¬3) في (ف): ((ما يعتد)). (¬4) انظر بلا بد: تعليقي على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 244 - 245. (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 244 - 245. (¬7) في (ب) و (ف): ((ولإن)). (¬8) عبارة: ((رحمه الله)) لم ترد في (ب).

الشاذ

عباسٍ، وثورٌ لَم يلقَ ابنَ عباسٍ، وإنما رَوَى عَن عكرمةَ عنهُ، فأسقطَ مالكٌ عكرمةَ؛ لأنَّهُ غيرُ حجةٍ عندهُ. فإنْ قيلَ: ما الفرقُ بين هَذا القسمِ، وبينَ المنقطعِ؟ قيلَ: هَذا شرطُهُ أنْ يكونَ الساقطُ ضعيفاً، فهوَ منقطعٌ خاصٌ. الشَّاذُّ (¬1) قولهُ: 161 - وَذُو الشُّذُوذِ: مَا يُخَالِفُ الثِّقَهْ ... فِيهِ المَلاَ فَالشَّافِعيُّ حقَّقَهْ 162 - والحَاكِمُ الخِلاَفَ فِيهِ ما اشْتَرَطْ ... وَلِلْخَلِيليْ مُفْرَدُ الرَّاوي فَقَطْ 163 - وَرَدَّ مَا قَالاَ بِفَرْدِ الثِّقَةِ ... كالنَّهْي عَنْ بَيْعِ الوَلاَ (¬2) وَالهِبَةِ 164 - وَقَوْلُ مُسْلِمٍ: رَوَى الزُّهْرِيُّ ... تِسْعِينَ فَرْداً كُلُّهَا قَوِيُّ 165 - واخْتَارَ فِيْمَا لَمْ يُخَالِفْ أنَّ مَنْ ... يَقْرُبُ مِنْ ضَبْطٍ فَفَرْدُهُ حَسَنْ 166 - أوْ بَلَغَ الضَّبْطَ فًصَحِّحْ أَوْ بَعُدْ ... عَنْهُ فَمِمَّا شَذَّ فَاطْرَحْهُ وَرُدْ ¬

_ (¬1) انظر في الشاذ: معرفة علوم الحديث: 119، ومعرفة أنواع علم الحديث: 163، وجامع الأصول 1/ 177، والإرشاد 1/ 213، والتقريب: 67، والاقتراح: 211، ورسوم التحديث: 75، والمنهل الروي: 50، والخلاصة: 69، والموقظة: 42، ونظم الفرائد: 361، واختصار علوم الحديث 1/ 179، وبتحقيقي: 136، والشذا الفياح 1/ 180، والمقنع 1/ 165، ومحاسن الاصطلاح: 82، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 245، وتنقيح الأنظار: 150، ونزهة النظر: 84، والمختصر: 124، وفتح المغيث 1/ 185، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 87، وفتح الباقي 1/ 232، وتوضيح الأفكار 1/ 377، وظفر الأماني: 356، وشرح شرح نخبة الفكر: 330، واليواقيت والدرر 1/ 420، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 253، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 455. (¬2) بالقصر؛ لضرورة الوزن.

قولهُ: (الملأ) (¬1) همُ الأشرافُ (¬2)، ولاشكَّ أنَّ الشرفَ في كلِ شيءٍ بحسبهِ، فالأشرافُ في هَذا / 145 أ / الفنِّ همُ حفّاظُهُ، فالشرطُ مخالفةُ الثقةِ لمن هوَ أعلى منهُ صفةً، كأنْ يخالفَ واحداً هوَ أوثقُ منهُ، أو عدداً كأنْ يخالفَ اثنينِ مساويينِ لَهُ في الثقةِ فأكثرَ. قولُهُ: (والحاكم) (¬3) قالَ شيخُنا: ((أسقطَ مِن قولِ الحاكمِ قيداً لابدَّ منهُ، وَهوَ أنَّهُ قالَ: ((وينقدحُ في نفسِ الناقدِ أنَّهُ غلطٌ، ولا يقدرُ على إقامةِ الدليلِ على ذلِكَ)) ويؤيدُ هَذا قولهُ: ((وذكرَ أنَّهُ يُغايرُ المعللَ))، فظاهرهُ أنَّهُ لا يغايرُهُ إلا مِن هَذهِ الجهةِ، وهي كونُهُ لَم يطّلعْ على علتهِ، وأمّا الردُّ فهما مشتركانِ فيهِ، ويوضحهُ قولُهُ: ((والشاذُّ لَم يوقفْ فيهِ على علتهِ كذلكَ))، أي: كالمعلّلِ، يعني: بل وقفَ على علتهِ حدساً، لكن في نسخِ الشرحِ ((علته)) بالضميرِ، وفي عبارةِ ابنِ الصلاحِ: ((لَم يوقفْ فيهِ على علتهِ)) (¬4) بالتنكيرِ)). قالَ شيخُنا: ((وهذا على هَذا أدقُّ مِن المعلّلِ بكثيرٍ، فلا يتمكنُ مِن الحكمِ بهِ إلا مَن مارسَ الفنَّ غايةَ الممارسةِ، وكانَ في الذروةِ مِن الفهمِ الثاقبِ، ورسوخِ القدمِ في الصناعةِ، فرزقهُ اللهُ تعالى نهايةَ الملكةِ)). وملخصُ الأقوالِ أنَّ الشافعي قيَّدَ بقيدينِ: الثقةِ، والمخالفةِ. والحاكمُ قيَّدَ بالثقةِ فقط - على ما قالَ الشيخُ -، والخليليُّ لَم يُقيِّد بشيءٍ، فهما ناظرانِ إلى الشاذِّ مِن حيثُ اللغةُ (¬5)، وادّعيا أنَّ الاصطلاحَ كذلكَ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (161). (¬2) انظر: لسان العرب مادة (ملأ). (¬3) التبصرة والتذكرة (162). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 164. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((وهو مطلق الانفراد)).

قولُهُ: (وردَ ما قالا) (¬1)، أي: لأنَّ الصحيحَ قَد تقدّمَ أنَّ مِن جملةِ تعريفهِ أنَّ لا يكونَ شاذاً، فالشاذُ لا يكونُ صحيحاً، ومتى لَم نشترطِ المخالفةَ ورد علينا مما (¬2) في الصحيحِ منَ الأحاديثِ الغريبةِ، فيقتضي عدمُ صحتِها، أو التوقف فيها /145ب/ كَما قالَ الخليلي: ((وما كانَ عَن ثقةٍ فيتوقفُ فيهِ، ولا يحتجُّ بهِ)) (¬3). وقد حصلَ الاتفاقُ على الحكمِ بصحةِ ما في " الصحيحينِ " غيرَ (¬4) المستثنى (¬5)، فتكونُ صحيحةً غيرَ صحيحةٍ، أو معمولاً بها متوقفاً فيها، وذلكَ محالٌ، وَهوَ لازمٌ للخليلي. وأمّا الحاكمُ فبعدَ علمكَ بالقيدِ الذِي قالهُ تَعلمُ أنَّهُ لا يردُ عليهِ ذلِكَ؛ لأنَّ ما في الصحيحِ مِن ذلِكَ مما مثّلَ بهِ الشيخُ، وما شَاكلَهُ لَم يقعْ في قلبِ أحدٍ منَ النقادِ ضعفُهُ. قلتُ: والظاهرُ أنَّ كلامَ الخليليِّ مقيدٌ بما قيّدَ بهِ الحاكمُ، أو نحو ذلِكَ، وإلا كانَ كلامهُ ساقطاً؛ لأنَّهُ لَم يذكر (¬6) فيمنِ اشترطَ العددَ في الصحيحِ. قولُهُ: (أنَّ مَنْ يقرُبُ مِنْ ضبطٍ) (¬7) غيرُ وافٍ بقولِ ابنِ الصلاحِ: ((فإنْ كانَ المنفردُ بهِ غيرَ بعيدٍ مِن درجةِ الحافظِ الضابطِ المقبولِ تفردهُ)) (¬8)؛ لأنَّ الحافظَ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (163). (¬2) في (ف): ((ما)). (¬3) الإرشاد 1/ 176. (¬4) في (ف): ((هو)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((الذي تكلم عليه الدارقطني)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: الخليلي)). (¬7) التبصرة والتذكرة (165). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 167.

الموصوفَ هوَ التامُّ الضبطِ الذِي تقدّمَ تحريرُ الكلامِ فيهِ في تعريفِ الصحيحِ، فالقريبُ منهُ مَن كانَ ضابطاً، ولكنهُ في أدنى درجاتِ الضبطِ المعتبرِ، فلو قالَ: ... ... ... ... ... أنَّ مَنْ دانى تمامَ الضبطِ فرده حسنٌ لَوَفَى، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (مواضعُ التفردِ منهُ) (¬1) عبارته: ((فإنَّهُ حديثٌ فردٌ، تفرّدَ بهِ عمرُ - رضي الله عنه -، عَن رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ثُمَّ تفرّدَ بهِ عَن عمرَ: علقمةُ بنُ وقاصٍ، ثُمَّ عَن علقمةَ: محمدُ بنُ إبراهيمَ، ثُمَّ عنهُ: يحيى بنُ سعيدٍ (¬2) على ما هوَ الصحيحُ عندَ أهلِ الحديثِ)) (¬3). قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬4): ((وقد اعترضَ عليهِ بأمرينِ: أحدهما: أنَّ الخليليَّ والحاكمَ / 146أ / إنما ذكرا تفرّدَ الثقةِ، فلا يردُ عليهما ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 247. (¬2) أخرجه: ابن المبارك في "الزهد" (188)، والطيالسي (37)، والحميدي (28)، وأحمد 1/ 25 و43، والبخاري 1/ 2 (1) و1/ 21 (54) و3/ 190 (2529) و5/ 72 (3898) و7/ 4 (5070) و8/ 175 (6689) و9/ 29 (6953)، ومسلم 6/ 48 (1907)، وأبو داود (2201)، وابن ماجه (4227)، والترمذي (1647)، والبزار (257)، والنسائي 1/ 58 و6/ 158 و7/ 13 وفي " الكبرى "، لَهُ (78) و (4736) و (5630)، وابن الجارود (64)، وابن خزيمة (142) و (143) و (455)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 3/ 96 وفي "شرح مشكل الآثار"، لَهُ (5107) و (5108) و (5109) و (5110) و (5111) و (5112) و (5113) و (5114)، وابن حبان (388) و (389)، والدارقطني 1/ 50 - 51 وفي "العلل"، لَهُ 2/ 194، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1171) و (1172)، والبيهقي 1/ 41 و298 و2/ 14 و4/ 112 و235 و5/ 39 و6/ 331 و7/ 341، والبغوي في "شرح السنة" (1) و (206) مِن طريق يحيى بنِ سعيد، بهذا الإسناد. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 164. (¬4) التقييد والإيضاح: 101.

تفرّد الحافظِ لما بينهما منَ الفرقانِ (¬1). والأمرُ الثاني: أنَّ حديثَ النيةِ لَم ينفرد بهِ عمرُ، بل رواهُ أبو سعيدٍ الخدري وغيرُه، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيما ذكرهُ الدارقطني (¬2) وغيرهُ. انتهى ما اعترض بهِ. والجوابُ عنِ الأولِ: أنَّ الحاكمَ ذكرَ مطلقَ الثقةِ، والخليليَّ ذكرَ مطلقَ الراوي، فيردُ على إطلاقهما تفرّد العدلِ الحافظِ، ولكنَّ الخليليَّ يجعلُ تفرّدَ الراوي الثقةِ شاذاً صحيحاً، وتفرّدَ الراوي غيرِ الثقةِ شاذاً ضعيفاً؛ فلذلكَ استشكلهُ المصنفُ، أي: لأنَّهُ يخصُّ الشاذَّ بالمردودِ. وعَن الثاني: أنَّهُ لَم يصحَّ مِن حديثِ أبي سعيدٍ، ولا غيرهِ سوى عمرَ، وقد أشارَ المصنفُ إلى أنَّهُ قَد قيلَ: إنَّ لهُ غيرَ طريقِ عمرَ بقولهِ: ((على ما هوَ الصحيحُ عندَ أهلِ الحديثِ))، فلم يبقَ للاعتراضِ عليهِ وجهٌ، ثُمَّ إنَّ حديثَ أبي سعيدٍ الذِي ذكرهُ هَذا المعترضُ صرحوا بتغليطِ ابنِ أبي رَوَّادٍ (¬3) الذِي رواهُ عَن مالكٍ، وممن وهَّمهُ في ذلِكَ الدارقطنيُّ (¬4) وغيرهُ، وإذ قدِ اعترضَ عليهِ في حديثِ عمرَ هَذا، فهلاّ اعترضَ عليهِ في الحديثِ الذِي بعدهُ، فَقد ذكرَ المصنفُ أنَّهُ أوضحُ في التفرّدِ مِن حديثِ عمرَ، وَهوَ حديثُ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، عنِ ابنِ عمرَ في النهي عَن بيعِ الولاءِ وعن هبتهِ كَما سيأتي. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: من الفرق)). (¬2) سيأتي تخريجه قريباً. (¬3) هو عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد، بفتح الراء وتشديد الواو، صدوق يخطىء وكان مرجئاً أفرط ابن حبان فقال: متروك، من التاسعة، مات سنة (206 هـ). التقريب (4160). (¬4) في العلل 2/ 193 - 194.

ومما يستغربُ حكايتُه في حديثِ عمرَ أنيِّ رأيتُ في " المستخرجِ مِن أحاديثِ الناسِ " لعبدِ الرحمانِ / 146 ب / بنِ منده: أنَّ حديثَ الأعمالِ بالنياتِ رواهُ سبعةَ عشرَ مِن الصحابةِ، وأنَّهُ رواهُ عَن عمرَ غيرُ علقمةَ (¬1)، وعن علقمةَ غيرُ محمدِ بنِ إبراهيمَ، وعن محمدِ بنِ إبراهيمَ غيرُ يحيى بن سعيدٍ (¬2). وقد بلغني أنَّ الحافظَ أبا الحجاجِ المزيَّ سُئِلَ عَن كلامِ ابنِ منده هَذا فأنكرهُ واستبعدهُ. وقد تتبعتُ (¬3) كلامَ ابنِ منده المذكورَ، فوجدتُ أكثرَ الصحابةِ الذينَ ذكرَ حديثهم في الباب إنما لَهُم أحاديثُ أخرى في مطلقِ النيةِ، كحديثِ: ((يبعثونَ على نياتهم)) (¬4)، وكحديثِ: ((ليسَ لهُ مِن غزاتهِ إلا ما نوى)) (¬5) ونحو ذلِكَ، وهكذا يفعلُ الترمذي في "الجامعِ" (¬6) حيثُ يقولُ: ((وفي البابِ عَن فلانٍ وفلانٍ)) ¬

_ (¬1) قال العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 2/ 926 و6/ 2381: ((وأما من تابع علقمة عليه، فذكر أبو أحمد الحاكم أن موسى بن عقبة رواه عن نافع، وعلقمة)). (¬2) أخرجه: ابن عساكر 56/ 36 من طريق الربيع بن زياد الضبي، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن إبراهيم، قال الدارقطني في "العلل" 2/ 192: ((وحدث بهذا الحديث شيخ من أهل الجزيرة يقال له: سهل بن صقير عن الدراوردي، وابن عيينة، وأنس بن عياض، عن محمد ابن عمرو بن علقمة، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. ووهم على هؤلاء الثلاثة فيه، وإنما رواه هؤلاء وغيرهم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، لا عن محمد بن عمرو، وإنما رواه عن محمد بن عمرو بن علقمة، الربيع بن زياد الهمداني وحده، ولم يتابع عليه إلا من رواية سهل بن صقير، عن هؤلاء الثلاثة، وقد وهم عليه فيه)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)). (¬4) جزء من حديث، أخرجه: البخاري 3/ 86 (2118) من حديث عائشة. (¬5) أخرج نحوه: أحمد 5/ 315 و320 و329، والنسائي 6/ 24 - 25، والحاكم 2/ 109، والبيهقي 6/ 331 من حديث عبادة بن الصامت. (¬6) انظر على سبيل المثال: عقب الحديث (1) و (3) و (5).

فإنَّهُ لا يريد ذلِكَ الحديثَ المعينَ، وإنما يريد أحاديثَ أخرَ يصحُّ أنْ تكتبَ في ذلِكَ البابِ، وإنْ كانَ حديثاً آخرَ غيرَ الذِي يرويهِ في أولِ البابِ، وَهوَ عملٌ صحيحٌ، إلاّ أنَّ كثيراً مِن الناسِ يفهمونَ منْ ذلكَ: أنَّ من سُمِّي منَ الصحابةِ يروونَ ذلكَ الحديثَ الذي رواه في أولِ البابِ بعينهِ، وليس الأمرُ على ما فهموه، بل قَد يكونُ كذلكَ، وقد يكونُ حديثاً آخرَ يصحُّ إيراده في ذلِكَ البابِ، ثمَّ إني تتبعتُ الأحاديثَ التي ذكرها ابنُ منده، فلم أجدْ منها بلفظِ حديثِ عمرَ، أو قريباً مِن لفظهِ بمعناهُ إلا حديثاً لأبي سعيدٍ الخدريِّ (¬1)، وحديثاً لأبي هريرةَ (¬2)، وحديثاً لأنسِ ابنِ مالكٍ (¬3)، وحديثاً لعلي بنِ أبي طالبٍ (¬4)، وكلها ضعيفةٌ، ولذلكَ قالَ / 147 أ / الحافظُ أبو بكرٍ البزارُ في "مسنده" (¬5) بعدَ تخريجه: ((لا يصحُّ عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا مِن حديثِ عمرَ، ولا عَن ¬

_ (¬1) أخرجه: الدارقطني في "غرائب مالك" (كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين) 6/ 2381، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1173)، وابن عساكر في "غرائب مالك"، والخطابي في "معالم السنن" (كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين) 6/ 2381 من طريق عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم عن عطاء بنِ يسار، عن أبي سعيد الخدري. قال الدارقطني: ((ولم يتابع عليه. (أي على عبد المجيد) وأما أصحاب مالك الحفاظ عنه، فرووه عن مالك، عن يحيى بن سعيد، عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة ابن وقاص، عن عمر وهو الصواب)) انظر: العلل للدارقطني 2/ 193. (¬2) أخرجه: الرشيد العطار (كما في تخرج أحاديث إحياء علوم الدين) 6/ 2381. (¬3) أخرجه: ابن عساكر في "تاريخ دمشق" 7/ 219 من طريق يحيى بن سعيد، عن محمد بنِ إبراهيم، عن أنس. قال ابن عساكر: ((المحفوظ حديث محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عمر. وهذا غريب جداً)). (¬4) أخرجه: محمد بن ياسر (كما في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين) 2/ 926. (¬5) قال البزار في "البحر الزخار" 1/ 382: ((ولا نعلم يروى هذا الكلام إلا عن عمر بن الخطاب، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الإسناد)).

عمر إلا مِن حديثِ علقمةَ، ولا عن علقمةَ إلا مِن حديثِ محمدِ بنِ إبراهيمَ، ولا عَن محمدِ بنِ إبراهيمَ إلاّ مِن حديثِ يحيى بنِ سعيدٍ))، واللهُ أعلمُ. وذكرهُ المصنفُ بعدَ هَذا في النوعِ الثلاثينَ، ونبسطُ الكلامَ عليهِ هناكَ إنْ شاءَ اللهُ تعالى (¬1). قولهُ: (وأوضحُ مِن ذلِكَ) (¬2)، أي: مِن التمثيلِ بحديثِ الأعمالِ ((في ذلكَ)) أي: التمثيلِ للشذوذِ، ووجهُ أرجحيتهِ في الوضوحِ: أنَّ حديثَ الأعمالِ وردتْ لهُ متابعاتٌ، فهو ليسَ بفردٍ، وإنْ كانت تلكَ المتابعاتُ كلُّها واهيةً جداً، بخلافِ حديثِ: ((بيعِ الولاءِ)) (¬3) فلم يردْ لهُ متابعٌ، إلا في قولِ مَن أبدلَ عبدَ اللهِ بعمرٍو، وقد صرّحوا بغلطهِ (¬4). ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 101 - 103. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 247. (¬3) أخرجه: مالك في "الموطأ" ((2268) برواية يحيى الليثي)، والشافعي في "مسنده" (1086) و (1088) بتحقيقي، والطيالسي (1885)، وعبد الرزاق (16138)، والحميدي (639)، وسعيد بن منصور (276) وابن أبي شيبة (31599)، وأحمد 2/ 9 و79 و107، والدارمي (2575) و (3160) و (3161)، والبخاري 3/ 192 (2535) و8/ 192 (6756)، ومسلم 4/ 216 (1506) (16)، وأبو داود (2919)، وابن ماجه (2747)، والترمذي (1236) و (2126)، والنسائي 7/ 306 وفي "الكبرى"، له (6253) و (6254) و (6255) و (6414) و (6415) و (6416) جميعهم من طريق عبد الله بن دينار، عن ابن عمر. ولمزيد من التخاريج راجع تعليقنا على مسند الشافعي. (¬4) أخرجه: ابن حبان في "الثقات" 8/ 4، والطبراني في "الكبير" (13625) وفي "الأوسط"، له (50) مِن طريق عمرو بن دينار، عن ابن عمر. قال ابن حبان: ((عمرو بن دينار غريب بهذا الحديث)).

وأما حديثُ المِغْفرِ، فَقد قالَ القاضي أبو بكرِ بن العربي في إشبيليةَ (¬1) لما ادّعوا تفرّدَ مالكٍ بهِ: ((قَد كتبتُهُ مِن ثلاثةَ عشرَ طريقاً غيرَ طريقِ مالكٍ)) ثمَّ سألوهُ أنْ يملي عليهم ذلِكَ فأبطأَ بهِ، فقالَ قائلُهم: يا أهلَ حمصَ ومَنْ بها أوصيكُمُ ... بالبرِّ والتقوى وصيَّةَ مُشْفقِ فخُذُوا عنِ العَرَبيِّ أسمارَ الدجى ... وخُذُوا الرِّوايةَ عَن إمامٍ متَّقِ إنَّ الفتى ذَرِبُ اللسانِ مُهذَّبٌ ... إنْ لَم يَجِدْ خَبَراً صحيحاً يَخْلُقِ (¬2) وإنما قالَ: حمص؛ لأنَّ أهلَها نزلوا بإشبيليَّةَ عندما فُتحتْ، فصارتْ تُسمَّى حمص. قالَ شيخُنا: ((فإمّا أنَّه بلغَ ابن العربي / 147 ب / ذلِكَ فعلمَ تعنتَهم، فحملهُ الحنقُ على كتمانِ ذلِكَ عَنهُم، أو لَم يبلغهُ وعاقه عَن الوفاءِ عائقٌ، فَقد جمعتُ (¬3) طرقَهُ، فوصلتُها إلى سبعةَ عشرَ طريقاً، فظهرَ صدقُ ابنِ العربي)) (¬4). قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬5) بعد أنْ أوردَ كلامَ ابنِ الصلاحِ إنَّهُ (¬6) ليسَ لكلٍّ منهما إلاّ إسنادٌ واحدٌ تفرّدَ بهِ ثقةٌ (¬7): ((فيهِ أمرانِ: أحدهما: أنَّ الحديثَ الأولَ - ¬

_ (¬1) قال ياقوت الحموي: ((بالكسر ثم السكون وكسر الباء الموحدة وياء ساكنة ولام وياء خفيفة، مدينة كبيرة عظيمة وليس بالأندلس اليوم أعظم منها تسمى حمص أيضاً)). معجم البلدان 1/ 159. (¬2) هذه الأبيات قالها الشاعر خلف بن خير الأديب. انظر: سير أعلام النبلاء 20/ 202، وتذكرة الحفاظ 4/ 1296 - 1297. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)). (¬4) انظر: النكت لابن حجر 2/ 656 وبتحقيقي: 435. (¬5) التقييد والإيضاح: 103 - 105. (¬6) في (ب) و (ف): ((في أنَّهُ)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 166.

وهوَ حديثُ النهي عَن بيعِ الولاءِ وهبتهِ (¬1) - قَد رُوِيَ مِن غيرِ حديثِ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، رواهُ الترمذيُّ في كتابِ " العلل المفردِ " (¬2) حدثنا محمدُ بنُ عبدِ الملكِ بنِ أبي الشواربِ، حدثنا يحيى بنُ سليمٍ، عَن عبيدِ اللهِ بنِ عمرَ، عَن نافعٍ، عَن ابنِ عمرَ فذكرهُ، ثُمَّ (¬3) قالَ (¬4): والصحيحُ عَن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، وعبدُ الله بنُ دينارٍ قَد تفرّدَ بهذا الحديثِ عَن ابنِ عمرَ، ويحيى بنُ سليمٍ أخطأ في حديثهِ، وقال الترمذيُّ أيضاً في " الجامعِ ": إنَّ يحيى بنَ سليمٍ وَهِمَ في هَذا الحديثِ. قلت (¬5): وقد وردَ مِن غيرِ روايةِ يحيى بنِ سليمٍ، عَن نافعٍ، رواهُ ابنُ عدي في "الكاملِ" (¬6) فقالَ: حدثنا عصمةُ بنُ بجماك البخاريُّ، حدثنا إبراهيمُ بنُ فهدٍ، حدثنا مسلمٌ، عَن محمدِ ابنِ دينارٍ، عَن يونسَ -يعني: ابنَ عبيدٍ-، عَن نافعٍ، عنِ ابنِ عمرَ)) فذكرهُ، أوردهُ في ترجمةِ إبراهيمَ بنِ فهدِ بنِ حكيمٍ، وقال: ((لَم أسمعْهُ إلاَّ مِن عصمةَ عَنهُ - ثُمَّ قالَ: وسائرُ أحاديثِ إبراهيمَ بنِ فهدٍ مناكيرُ، وهوَ مظلمُ الأمرِ، وحَكَى أيضاً أنَّ ابنَ (¬7) صاعدٍ، كانَ إذا حدّثَ عَنهُ يقولُ: حدثنا إبراهيم بنُ حكيمٍ، ينسبهُ إلى جدهِ / 148 أ / لضعفهِ)). انتهى. ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) العلل الكبير (318). وأخرجه أيضاً: ابن ماجه (2748)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 4/ 292 و5/ 116 من طريق عبيد الله بن عمر، بهذا الإسناد. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) أي: الترمذي. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: العراقي)). (¬6) الكامل في ضعفاء الرجال 1/ 436. (¬7) لم ترد في (ف).

والجوابُ عنِ المصنفِ (¬1): أنه لا يصحُّ أيضاً إلا مِن روايةِ عبدِ الله بنِ دينارٍ، كَما تقدمَ في حديثِ الأعمالِ بالنياتِ، واللهُ أعلمُ. الأمرُ الثاني: إنَّ حديثَ المغفرِ قَد وردَ مِن عدةِ طرقٍ غيرَ طريقِ مالكٍ (¬2): مِن روايةِ ابنِ أخي الزهري، وأبي أويسٍ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أبي عامرٍ، ومعمرَ، والأوزاعي، كلهم عنِ الزهري، فأمّا روايةُ ابنِ أخي الزهري عنهُ، فرواها أبو بكرٍ البزار في "مسندهِ" (¬3)، وأمّا روايةُ أبي أويسٍ، فرواها ابنُ سعدٍ في " الطبقاتِ " (¬4)، وابنُ عدي في " الكاملِ " (¬5) في ترجمةِ أبي أويسٍ، فأمّا (¬6) روايةُ معمرٍ، فذكرها ابنُ عدي في " الكامل "، وأمّا روايةُ الأوزاعيِّ، فذكرها المزيُّ في " الأطرافِ " (¬7)، وقد بيّنتُ ذلِكَ في "شرحِ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬2) الحديث عند مالك في "الموطأ" (1271) برواية يحيى الليثي، وأخرجه: من طريق مالك الحميدي (1212)، وابن سعد في "الطبقات" 2/ 133 و139، وأحمد 3/ 109 و164 و180 و224 و231 و232 و240، والدارمي (1944) و (2460)، والبخاري 3/ 21 (1846) و4/ 82 (3044) و5/ 88 (4286) و7/ 88 (5808)، ومسلم 4/ 111 (1357)، وأبو داود (2685)، والترمذي (1693) وفي " الشمائل "، له (112) و (113) بتحقيقي، وابن ماجه (2805)، والنسائي 5/ 200 و201 وفي " الكبرى "، له (3850) و (3851) و (8584)، وأبو يعلى (3539) و (3541) و (3542)، وابن خزيمة (3063)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 2/ 258، وفي "شرح مشكل الآثار" (4519) و (4520)، وابن حبان (3719) و (3805) و (3806)، والبيهقي 6/ 323 و7/ 59 و8/ 205، وابن عبد البر في " التمهيد " 6/ 160، والبغوي في "شرح السنة" (2006). (¬3) لم أقف عليه في المطبوع من المسند، وذكره المزي في "تحفة الأشراف" 1/ 659 (1527). (¬4) الطبقات الكبرى 2/ 139 - 140. (¬5) الكامل 5/ 301. (¬6) في (ف): ((وأما)). (¬7) تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف 1/ 659 (1527).

الترمذي". ورَوَى ابنُ مسدي في " معجمِ شيوخهِ" أنَّ أبا بكرٍ بنَ العربيِّ قالَ لأبي جعفرَ بنِ المرخي، حينَ ذكرَ أنهُ لا يعرفُ إلا مِن حديثِ مالكٍ عنِ الزهري: قَد رويتُهُ مِن ثلاثةَ عشرَ طريقاً غيرَ طريقِ (¬1) مالكٍ، فقالوا لهُ: أفدْنا هذهِ الفوائدَ، فَوعدَهم ولم يخرجْ لَهُم شيئاً، ثُمَّ تعقبَ ابنُ مسدي هذهِ الحكايةَ بأنّ شيخَهُ فيها - وهوَ أبو العباسِ العشاب - كانَ متعصباً على ابنِ العربي؛ لكونهِ كانَ متعصباً على ابنِ حزمٍ، واللهُ أعلمُ)). قولُهُ: (وقد قالَ مسلمُ بنُ الحجاجِ) (¬2) أي: في بابِ مَن حلفَ باللاتِ والعزى مِن بابِ الأيمانِ والنذورِ (¬3). قولُهُ: (بأسانيدَ جيادٍ) (¬4) يتبادرُ منهُ قبولُ نفسِ المتونِ، فلا يقالُ: يحتملُ أنْ يرادَ جودةُ الأسانيدِ / 148ب / مِن الزهري إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، بل الظاهرُ إرادةُ الجودةِ في جميعِ السندِ مِن مسلمٍ .. إلى آخرهِ. قولُهُ: (على تفصيلٍ نبينه) (¬5) ليسَ في هَذا التفصيلِ مِن الشاذِّ إلا ما قالهُ أولاً، وهوَ الذِي عُرفَ بهِ الشافعي، وأمّا الثاني: فهو صحيحٌ غريبٌ، وأمّا الثالثُ: فهوَ حسنٌ لذاتهِ غريبٌ، وأمّا الرابعُ: فإنهُ ضعيفٌ إذا أتى ما يجبرهُ صار حسناً لغيرهِ، وتسميتهُ لَهُ شاذاً نظراً إلى محض التفرّدِ، فهوَ نظرٌ لغوي. قولُهُ: (خارماً لَهُ) (¬6) أي: للخبرِ، فإنهُ لو حصلَ لهُ متابعٌ انجبرَ، فصارَ ¬

_ (¬1) ومن هذه الطرق ما رواه الآجري في "الشريعة": 97 - 98 مِن طريق محمد بن رزيق بن جامع، قال: حدثنا أبو الحسين سفيان بن بشير، قال: حدثنا أنس بن مالك، فذكره. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248. (¬3) صحيح مسلم 5/ 82 عقب (1647). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 249.

المنكر

صحيحاً لغيرهِ، فالتفرّدُ هوَ الذِي قَصَرَ بهِ عَن درجةِ الصحيحِ. قلتُ: قولُهُ: (فينظرُ في هَذا الراوي ... ) (¬1) إلى آخرهِ، قولٌ منهُ بإمكانِ التصحيحِ في هَذا الزمانِ، وقد تقدّمَ نفيُهُ لَهُ في شرح قوله: (وعنده التصحيحُ ليسَ يمكنُ) (¬2) فكأنهُ نسيَ ما قالَ هناكَ، ولا يقالُ: إنهُ عَنَى قبولَ الخبرِ مِن جهة أنهُ حسنٌ، لا مِن جهةِ الصحةِ؛ لأنهُ لا يكونُ حينئذٍ بينهُ وبينَ منِ استحسنَ حديثهُ فرقٌ، فيتهافتُ الكلامُ، واللهُ أعلمُ. المنكر (¬3) قولهُ: 167 - وَالْمُنكَرُ: الفَرْدُ كَذَا البَرْدِيجِيْ ... أَطْلَقَ، وَالصَّوَابُ فِي التَّخْرِيْجِ 168 - إِجْرَاءُ تَفْصِيْلٍ لَدَى الشُّذُوْذِ مَرْ ... فَهْوَ بِمَعْناهُ كَذَا الشَّيْخُ ذَكَرْ 169 - نَحْوَ ((كُلُوا البَلَحَ بالتَّمْرِ)) الخَبَرْ ... وَمَالِكٍ سَمَّى ابْنَ عُثْمَانَ: عُمَرْ 170 - قُلْتُ: فَمَاذَا؟ بَلْ حَدِيْثُ ((نَزْعِهْ ... خَاتَمَهُ عِنْدَ الخَلاَ وَوَضْعِهْ)) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 248. (¬2) التبصرة والتذكرة (39). (¬3) انظر في المنكر: معرفة أنواع علم الحديث: 169، والإرشاد 1/ 219، والتقريب: 69، والاقتراح: 212، والمنهل الروي: 51، ورسوم التحديث: 77، والخلاصة: 70، والموقظة: 42، واختصار علوم الحديث 1/ 183، وبتحقيقي: 142، والشذا الفياح 1/ 185، والمقنع 1/ 179، ومحاسن الاصطلاح: 87، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 251، وتنقيح الأنظار: 155، ونزهة النظر: 52، والمختصر: 125، وفتح المغيث 1/ 190، وألفية السيوطي: 39، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 89، وفتح الباقي 1/ 237، وتوضيح الأفكار 2/ 3، وظفر الأماني: 356، وشرح شرح نخبة الفكر: 454، واليواقيت والدرر 2/ 62، وقواعد التحديث: 131، والحديث المعلول قواعد وضوابط: 66 - 77، ولمحات في أصول الحديث: 258، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 465.

قوله (¬1): (كذا البرديجي) (¬2) ما أطلقهُ البرديجيُّ موجودٌ في كلامِ أحمدَ، فإنهُ يصفُ بعضَ ما تفرّدَ بهِ بعضُ الثقاتِ بالمنكرِ، ويحكمُ على بعضِ رجالِ الصحيحينِ أنَّ لَهُم مناكيرَ، لكن يعلمُ مِن استقراءِ كلامهِ أنهُ لابدَّ معَ التفرّدِ مِن أنْ ينقدحَ في النفسِ أنَّ لَهُ علةً / 149أ /، ولا يقومُ عليها دليلٌ على نحوِ ما تقدّمَ عَن الحاكمِ في الشاذَ، ويؤيدُه قولُ مسلمٍ: ((إنَّ المنكرَ أن يَعمدَ الرجلُ إلى مثلِ الزهريِّ في كثرةِ الأصحابِ، فينفردَ مِن بينهم عَنهُ بروايةِ حرفٍ لا يوجدُ عندَ أحدٍ منهم، فمثلُ هَذا يقومُ في النفسِ فيهِ ريبةٌ لمجردِ التفرّدِ، وقد لا يقدرُ على التعبيرِ عنها)) (¬3). قولُهُ: (فهوَ بمعناهُ) (¬4) أي: فالمنكرُ بمعنى الشاذِّ، ليسَ كذلكَ، بل كلٌّ منهما اسمٌ لشيءٍ مخصوص (¬5)، فالشاذُّ: اسمٌ لما خالفَ فيهِ الثقةُ مَن هوَ أوثقُ منهُ، أو تفرّدَ بهِ الخفيفُ الضبطِ. والمنكرُ: اسمٌ لما خالفَ فيهِ الضعيفُ، أي الذِي ينجبرُ إذا تُوبعَ، أو تفرّدَ بهِ الأضعفُ، أي: الذِي لا ينجبرُ وَهيُهُ بمتابعةِ مثلهِ. قولُهُ: (ومالك) (¬6) عطفٌ على ((كلوا))، أي: نحوَ كلوا، ونحوَ مالكٍ في تسميةِ ابنِ عثمانَ عمرَ، وهوَ على حذفِ مضافٍ، أي: ونحو تسميةِ مالكٍ، فكأنهُ قيلَ: ما سَمَّى؟ قالَ: سَمَّى ابنَ عثمانَ عمرَ، أو يكونُ التقديرُ: ونحو مالكٍ في أن سَمَّى .. (¬7) فالحاصلُ أنَّ مرادَهُ: نحو هَذا الحديثِ، ونحو هَذا السندِ. ¬

_ (¬1) كلمة: ((قوله)) لم ترد في (أ) و (ب). (¬2) التبصرة والتذكرة (167). (¬3) انظر: مقدمة صحيح مسلم 1/ 7. (¬4) التبصرة والتذكرة (168). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((المنكر يقابله المعروف، والشاذ يقابله المحفوظ)). (¬6) التبصرة والتذكرة (169). (¬7) جملة: ((أو يكون التقدير ونحو مالك في أن سمى)) لم ترد في (ب) و (ف).

قولهُ: (لا مِن الوجهِ الذِي رواهُ منهُ .. ) (¬1) إلى آخرهِ، أي: لا يعرفُ إلا عَنهُ، لا بمتابعةٍ تامةٍ، ولا بمتابعةٍ قاصرةٍ، وإلى ذلِكَ أشارَ ((بالوجهِ الذِي رواهُ منهُ)) ولا بشاهدٍ، وإلى ذلِكَ أشارَ ((بالوجهِ الآخرِ)). قولُهُ: (في كلامِ كثيرٍ مِن أهل الحديثِ) (¬2) أي: كَما تقدّمَ عَن أحمدَ، ومسلمٍ، ويأتي عَن أبي داودَ. قولُهُ: (نحو كلوا البلحَ بالتمرِ، فإنَّ ابنَ آدمَ إذا أكلهُ غضبَ الشيطانُ) (¬3) وقالَ: ((عاشَ (¬4) ابنُ آدمَ حتى أكلَ الجديدَ بالخَلقِ)) (¬5) فيهِ (¬6) مِن النكارةِ / 149 ب / وجهانِ: الأول: تفرّدُ أبي زكيرٍ، وَهوَ غيرُ ضابطٍ، فإنهُ صدوقٌ يخطىءُ (¬7) كثيراً، وَهوَ وإن كانَ في عدادِ مَن ينجبرُ، لكنهُ لما أتى بهذا المتنِ الركيكِ الألفاظِ، البعيدِ مِن القواعدِ، كانَ كأنهُ خالفَ مَن هوَ أقوى منهُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 251. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 251. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252. (¬4) تكررت في (ف) عبارة: ((وقال: عاش)). (¬5) أخرجه: ابن ماجه (3330)، والنسائي في "الكبرى" (6724)، وابن حبان في "المجروحين" 3/ 120، والعقيلي في "الضعفاء" 4/ 427، وأبو يعلى (4399)، وابن عدي في "الكامل" 7/ 2698، والحاكم في "المستدرك" 4/ 21، وفي "معرفة علوم الحديث": 100 - 101، والخطيب في "تاريخه" 5/ 353 من حديث عائشة رضي الله عنها. قال أبو حاتم والذهبي: ((منكر)) وكذا استنكره العقيلي وابن عدي، وقال ابن حبان: ((وهذا الكلام لا أصل له من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) وساقه ابن الجوزي في "الموضوعات" 3/ 25 - 26، والسيوطي في "اللآليء المصنوعة" 2/ 243 - 244، وذكر أن البلية فيه من أبي زكير. (¬6) لم ترد في (ف). (¬7) انظر: تهذيب الكمال 8/ 84 - 85، وميزان الاعتدال 4/ 405 (9616).

وقوله فيهِ: (شيخٌ صالحٌ) (¬1) أخذهُ مِن الحافظِ أبي يعلى الخليليِّ القزوينيِّ في كتابهِ " الإرشادِ ". (¬2) قالهُ الشيخُ في " النكتِ " (¬3). قالَ شيخُنا: ((والمرادُ أنهُ صالحٌ في دينهِ، وليسَ مرادُهُ ما يتبادرُ إلى الذهنِ مِن أنهُ صالحُ الحديثِ (¬4)))، ويؤيدُ ذلِكَ قولهُ: ((غير أنَّهُ لَم يبلغْ مبلغَ مَن يحتملُ تفرّدهُ)) (¬5). وقوله: (أخرجَ عَنهُ مسلمٌ في كتابهِ) (¬6) أي: غيرَ هَذا الحديثِ في موضعٍ واحدٍ، وإنما ساقه متابعةً، كَما قالَ الشارحُ. قالَ الشيخُ في "النكتِ" (¬7): ((وقد أطلقَ الأئمةُ عليهِ القولَ بالتضعيفِ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ - في ما رواهُ عَنه (¬8) إسحاقُ الكوسجُ -: ((ضعيفٌ)) (¬9). وقالَ أبو حاتمِ بنُ حبانَ: ((لا يحتجُّ بهِ)) (¬10). وقالَ العقيليُّ: ((لا يتابعُ على حديثهِ)) (¬11) وأوردَ لَهُ ابنُ عدي أربعةَ أحاديثَ مناكيرَ)) (¬12) انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252. (¬2) هو في الإرشاد 1/ 173. وعبارة الخليلي فسرها الحافظ ابن حجر في النكت 2/ 680 بقوله: ((وقول الخليلي: إنه شيخ صالح: أراد به في دينه لا في حديثه؛ لأن عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك، فقالوا: صالح الحديث، فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به الديانة، واللهُ أعلم)). (¬3) التقييد والإيضاح: 108. (¬4) انظر: النكت لابن حجر 2/ 680 وبتحقيقي: 457. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 252. (¬7) التقييد والإيضاح: 109. (¬8) في (أ) و (ب) و (ف): ((عن)) والصواب ما أثبت. (¬9) انظر: الجرح والتعديل 9/ 226. (¬10) المجروحين 3/ 119 - 120. (¬11) الضعفاء 4/ 427. (¬12) الكامل 9/ 104 - 106.

الوجهُ الثاني مِن نكارتهِ (¬1): ركاكةُ معناهُ، وعدمُ انطباقهِ على محاسنِ الشريعةِ؛ لأنَّ الشيطانَ لا يغضبُ مِن مطلقِ حياةِ ابنِ آدمَ، بل من حياتِهِ مسلماً مطيعاً، بل ولا يغضبُ مِن حياتِهِ كذلكَ لطمعهِ في إغوائهِ، بل ولا نظرَ لَهُ في غضبهِ إلى الحياةِ أصلاً، إنما نظرُهُ إلى بقائهِ على الطاعةِ، ولو ماتَ عليها لأغضبهُ ذلِكَ، ولو كانَ الأمرُ إليهِ في حياتهِ لسرَّهُ أنْ يمدَ في عمرهِ رجاء استدراجهِ أيضاً (¬2)، وأيضاً (¬3) فإنهُ علّلَ غضبَهُ / 150 أ / بجمعِ الجديدِ والعتيقِ، ومجردُ دخولِ زمانِ هَذا على الآخرِ كافٍ مِن غير احتياجٍ إلى أكلهِ لهُ، أو رؤيتهِ، واللهُ أعلمُ. وتمثيلُ ابنِ الصلاحِ بحديثِ: ((لا يرثُ المسلمُ الكافرَ)) (¬4)، والشيخ بحديثِ: ((وضع الخاتمَ عند دخولِ الخلاءِ)) (¬5)، إنما يصحُّ على طريقتِهما في جعلِ المنكرِ بمعنى الشاذِّ؛ فإنَّ المثالينِ لَم تقع فيهما المخالفةُ إلا بينَ مالكٍ وهمامٍ، ومالكٌ في غايةِ الضبطِ والإتقانِ، وهمامٌ ثقةٌ احتجَّ بهِ الجماعةُ؛ فهما مِن قبيلِ الشاذِّ لا المنكرِ على الرَأي الأسدِّ، ومن الغرائبِ أنَّ مالكاً -رحمهُ اللهُ - رَوَى حديثاً مِن طريقِ معاويةَ بنِ الحكمِ السلمي - رضي الله عنه -، عنِ النبي - صلى الله عليه وسلم - فخالفَ الحفّاظَ في تسميتهِ، فقالَ عُمرُ بنُ الحكمِ - بضمِ العينِ - كَما وقعَ لَهُ في عمرو بنِ عثمانَ سواءً، ووقعَ لشعبةَ مِن هَذا القبيلِ أنهُ رَوَى عَن شخصٍ آخرَ يُسمَّى عَمرُو بنُ عثمانَ، ¬

_ (¬1) في (ف): ((نكاره)). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الشافعي الحمصي قراءة في البحث وسمع الجماعة كتبه مؤلفه إبراهيم بن عمر البقاعي الشافعي)). (¬4) الحديث في موطأ مالك (1475) رواية الليثي، وتفصيل تخريجه في تحقيقنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 170 - 171. (¬5) تفصيل تخريجه وطرقه في كتابي: ((أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء)): 89 وما بعدها.

فخالفَ الناسَ فيهِ، وقالَ: عَن محمدِ بنِ عثمانَ. قولُهُ: (وذكرَ مسلمٌ في "التمييزِ") (¬1) هوَ كتابٌ وضعهُ مسلمٌ في العللِ. قولُهُ: (وفيهِ نظر مِن حيثُ إنَّ هَذا الحديث ليسَ بمنكرٍ) (¬2) إلى آخرهِ، اعتراضٌ واهٍ جداً؛ فإنَّ ابنَ الصلاحِ لَم يدّعِ أنَّ الحديثَ شاذٌ، وإنما قالَ ما نصُّهُ: ((المنكرُ على قسمينِ (¬3): مثالُ الأولِ - وهوَ المنفردُ المخالفُ لما رواهُ الثقاتُ - روايةُ مالكٍ .. )) (¬4) إلى آخرهِ، ولا شكَّ أنَّ المنكرَ بهذا المعنى كَما يُطلقُ على المتنِ يُطلقُ على السندِ، وعلى (¬5) موضعٍ منهُ، وهذا منهُ، وَهوَ دَعوَى ابنِ الصلاحِ، وربما أوقعَ صنيعَ الشيخِ في محذورٍ آخرَ، وهوَ أنهُ / 150 ب / ربما أفهمَ أَنَّهُ يشترطُ الشذوذَ فِي السندِ والمتنِ معاً، حَتَّى يُسمَّى شاذاً، وكذا النكارةُ فيهما حَتَّى يستحقَ اسمَ النكارةِ، وليسَ كذلكَ، بل يكفي شذوذُ أحدهما أو نكارتُهُ، عَلَى أنّ هُشَيماً قَدْ شذَّ فِي متنهِ أيضاً، فرواهُ عَن الزهريِّ، عَن عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَن أسامةَ، فَقَالَ: ((لا يتوارثُ أهلُ ملتينِ)) (¬6) فخالفَ الناسَ بهذا اللفظِ. ومنَ الغريبِ فِي حديثِ مالكٍ، أنَّ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 254. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 254. (¬3) قال ابن حجر في النزهة: 99: ((وقد غفل من سوى بينهما)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 172. (¬5) في (ف): ((وهو)). (¬6) كذا فِي جميع النسخ، والصواب ما ورد في مصادر التخريج: عَن هشيم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَلِيّ بْن حسين، عَن عَمْرِو بْن عُثْمَان، عَن أسامة، بِهِ. أخرجه: سَعِيد بْن منصور (136)، وأحمد فِي "العلل" 1/ 341، والترمذي (2107)، والنسائي فِي "الكبرى" (6382)، والطحاوي 3/ 266، والطبراني فِي "المعجم الكبير" (391)، وابن عَبْد البر فِي "التمهيد" 9/ 171 وجميعهم ذكروه بهذا اللفظ عدا رِوَايَة الترمذي فَقَدْ قرن مَعَهُ طريق سُفْيَان بْن عُيَيْنَة، وأثبت لفظ سُفْيَان عَلَى الصواب. وأخرجه: النسائي فِي "الكبرى" (6381) من طريق هشيم، عَن الزُّهْرِيّ، عَن عَلِيّ بْن حسين =

الرواةَ عنهُ لَمْ يتفقوا، بل رواهُ بعضُهم عنهُ فقالَ: عمرو بنُ عُثْمَانَ - أي: بفتحِ العينِ - فوافقَ الجماعةَ، لكنهُ شذَّ عَن أصْحَابِ مَالِكٍ. قَالَ ابْنُ عَبْد البرّ: ((المحفوظُ عَن مَالِكٍ عُمَرُ بضمِّ العينِ)) (¬1). وَقَالَ الشَّيْخُ فِي " النكت " (¬2): ((رواهُ النسائيُّ فِي "سُننهِ" (¬3) من رِوَايَةِ عَبْدِ اللهِ بنِ المباركِ، وزيدِ بنِ الحبابِ، ومعاويةَ بنِ هِشَامٍ؛ ثلاثتهم عَن مَالِكٍ، فقالوا فِي روايتِهم: عمَرو بن عُثْمَان، كرواية بقيةِ أصْحَابِ الزُّهْرِيّ، لكن قَالَ النسائيُّ بعدَهُ (¬4): والصواب من حَدِيْثِ مَالِكٍ: عَن عُمرَ ابْنِ عُثْمَانَ، قَالَ: ولا نعلمُ أحداً تابعَ مالكاً عَلَى قولهِ: عُمَرَ بن عُثْمَان، انتهى. وَقَالَ ابْنُ عَبْد البر فِي "التمهيدِ" (¬5): ((إنّ يَحْيَى بن بكير، رواهُ عَن مَالِك عَلَى الشكِّ فقالَ فيهِ: عَن عَمْرِو بن عُثْمَانَ، أو عُمَرَ بنِ عُثْمَانَ)) قَالَ: ((والثابت عَن مالكٍ عُمَرُ بنُ عُثْمَان كما رَوَى يَحْيَى (¬6)، وتابَعَهُ القعنبيُّ (¬7)، وأكثرُ الرواةِ)) (¬8) انتهى. ¬

_ = وأبان بْن عُثْمَان، كذا قَالَ: عَن أسامة بْن زيد، فذكره. قَالَ النسائي: ((هَذَا خطأ))، وَقَالَ عقب (6382) كما فِي التحفة: ((وهذا هُوَ الصواب من حَدِيْث هشيم، وهشيم لَمْ يتابع عَلَى قوله: ((لا يتوارث أهل ملتين)))). وانظر: تحفة الأشراف 1/ 177 (113). (¬1) التمهيد 9/ 161. (¬2) التقييد والإيضاح: 107 - 108. (¬3) " السنن الكبرى " (6373) من طريق عبد الله بن المبارك وفي (6374) من طريق زيد بن الحباب، وفي (6375) من طريق معاوية بْن هشام. وأخرجه: الشافعي فِي "الأم" 4/ 72، وعبد الرحمان بن القاسم عند النسائي في "الكبرى" (6372) كلاهما، عن مالك، وذكرا (عمرو بن عثمان) أيضاً. (¬4) " السنن الكبرى " 4/ 81 عقب (6375) بتصرف، وانظر: تحفة الأشراف 1/ 176 (113). (¬5) التمهيد 9/ 160. (¬6) في الموطأ بروايته (1475). (¬7) عند المزي في " تهذيب الكمال " 5/ 444. (¬8) ومنهم: أبو مصعب الزهري في روايته للموطأ (3061)، ومحمد بن الحسن الشيباني فِي روايته =

وقد خالفَ مالكاً فِي ذَلِكَ: ابنُ جريجٍ (¬1)، وسفيانُ بن عيينةَ (¬2)، وهُشَيمُ ابنُ بَشيرٍ (¬3)، ويونسُ بنُ يزيدَ (¬4)، ومعمرُ / 151 أ / بنُ راشدٍ (¬5)، وابنُ الهادِ (¬6)، ومحمدُ بنُ أَبِي حفصةَ (¬7)، وغيرُهم (¬8)، فقالوا: عمرو، وهو الصوابُ، وقد رواهُ سفيانُ الثوريُّ، وشعبةُ (¬9)، عَن عَبْدِ اللهِ بنِ عيسى، عَن الزُّهْرِيِّ. فخالفا فِيهِ الفريقينِ معاً، ¬

_ = للموطأ (728)، وعبد الله بن وهب عند الطحاوي 3/ 265، ومصعب بن عبد الله الزبيري عند ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 162، وعمر بن مرزوق عند ابن عبد البر في "التمهيد" 9/ 171 - 172. (¬1) عِنْدَ عَبْد الرزاق (9852) و (19304)، وأحمد 5/ 208، والبخاري 8/ 194 (6764)، والبزار (2585)، والبيهقي 6/ 217 - 218. (¬2) عِنْدَ الشَّافِعِيّ فِي "المسند" (1346) بتحقيقي، وفي "الرسالة" فقرة (472)، والحميدي (541)، وأحمد 5/ 200، والدارمي (3005)، ومسلم 5/ 59 (1614) (1)، وأبي داود (2909)، وابن ماجه (2729)، والترمذي (2107) و (2107م)، وابن أبي عاصم فِي "الآحاد والمثاني" (454)، والبزار (2581) و (2583)، والمروزي في "السنة" (386)، والنسائي فِي "الكبرى" (6376)، وابن الجارود (954)، وغيرهم. (¬3) تقدم تخريج طريق هشيم بْن بشير. (¬4) عند ابْن ماجه (2730)، والنسائي فِي "الكبرى" (6380)، والطحاوي 3/ 265، والطبراني (412) وغيرهم. (¬5) عند أحمد 5/ 208، والدارمي (3002)، والنسائي (6379). (¬6) عند النسائي في "الكبرى" (6377)، والطبراني (412). (¬7) عند أحمد 5/ 201، والبخاري 5/ 187 (4282)، والطبراني (412). (¬8) ومنهم: عقيل بن خالد، عند النسائي (6378)، والطبراني (412)، وعبد الله بن البديل عند الطيالسي (631)، وصالح بن كيسان عند الطبراني (412) ولمزيد من التخاريج راجع تعليقاتنا على مسند الشافعِي، والرسالة له، وتعليقنا على معرفة أنواع علم الحديث لابن الصلاح: 170 - 171. (¬9) أخرجه: النسائي في "الكبرى" (6371)، والطبراني في "الأوسط" (5009) من طريق سفيان الثوري، وأخرجه: النسائي أيضاً (6370) من طريق شعبة؛ كلاهما: (سفيان، وشعبة)، عن عبد الله بن عيسى.

فأسقطا منهُ ذِكرَ عَمْرِو بن عثمانَ، وجعلاهُ من رِوَايَة عَلِيّ بن حسينٍ، عَن أسامة، والصوابُ روايةُ الجمهورِ، واللهُ أعلم)). قُلتُ: وهذا يتصورُ مِنْهُ لغز، وَهُوَ أنْ يقالَ لنا: محفوظ يوصف بالشذوذِ، فإنَّ المحفوظَ عَمْرو - بفتحِ العينِ -، ومنْ رواهُ كذلكَ عنْ مالكٍ فقد شَذَّ، واللهُ أعلمُ. وَقَالَ الشيخُ فِي "النكتِ" (¬1): ((فالمتنُ عَلَى كلِ حالٍ صحيحٌ؛ لأنَّ عُمَرَ وعَمراً؛ كلاهما ثقةٌ)). قولُهُ: (فهذا إسنادٌ معللٌ) (¬2) عبارةُ ابْن الصلاحِ: ((فهذا إسنادٌ متصلٌ بنقل العدلِ، عنِ العدلِ، وَهُوَ معللٌ غيرُ صحيحٍ)) (¬3). قولُهُ: (يعلى بن عُبَيْد فِيهِ) (¬4) أي: فِي الإسنادِ المتقدمِ فِي قولهِ: ((فهذا إسنادٌ معللٌ)) لا فِي المَتْن. قَوْل أَبِي داود فِي حديثِ همامٍ: ((منكرٌ)) جارٍ عَلَى قاعدتهِ فِي أَنَّهُ لا يميز بَيْن المنكرِ والشاذِّ تبعاً للإمامِ أحمدَ. قولُهُ: (ثُمَّ ألقاه) (¬5) نقل عَن ابنِ سعدٍ أَنَّهُ أخرجَ فِي "الطبقاتِ" (¬6) بهذا السندِ أنَّ أنسَ بنَ مالكٍ نَقَشَ فِي خاتمهِ: ((مُحَمدٌ رسولُ اللهِ))، فكان إذا أرادَ الخلاءَ وضعهُ. وقولُ النسائي: ((غيرُ محفوظٍ (¬7))) يعني: أَنَّهُ شاذٌّ، وهذا هُوَ المعتمدُ فِي وصفِ هَذَا الحديثِ. ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 107. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 255. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 189. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 255. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 256. (¬6) الطبقات 7/ 22 - 23. (¬7) " السنن الكبرى " 5/ 456 عقب (9542).

قولُهُ: (وإنما رَوَى الناسُ عَن ابْن جُرَيْجٍ الحَدِيْثَ الَّذِي أشارَ إليه أبو داودَ .. ) (¬1) إِلَى آخرهِ، يوهمُ أنَّ هماماً تفرّدَ بِهِ، وليسَ كذلكَ، فقدْ وَجدنا لهُ متابعاً عنِ ابنِ جريجٍ أخرجهُ الحَاكِمُ (¬2) منْ طريق أَبِي / 151 ب / عَقيلٍ - بفتحِ العينِ - صاحبِ بُهَيةَ - بموحدةٍ وتحتانيةٍ مصغر - واسمهُ: يَحْيَى بن المتوكلِ، [عن ابن جريجٍ] (¬3)، عنِ الزهريِّ، بِهِ. ولو كانَ أبو عقيلٍ ثقةً أزالَ عنهُ اسمَ النكارةِ، لكنَّهُ ضعيفٌ، وإنما أخرجهُ الحاكمُ متابعاً لهمامٍ، والذي عَلَى شرطِهما عندَ الحاكمِ حديثُ همامٍ، وليسَ كما ظنَّ، وإنما أُتيَ عليهِ منْ حيثُ إنَّ الشيخينِ أخرجا لجميعِ رواةِ السندِ انفراداً، وفاتَهُ أَنَّهُ لا يلزمُ أنْ يكونَ عَلَى شرطِهما إلا إذا كَانَ السندُ مركباً بالهيئةِ الَّتِيْ أخرجاهُ بِهَا، فإنَّ الرجلَ قَدْ يكونُ مَعَ ثقتهِ وجلالتهِ ضعيفاً فِي بعضِ الناسِ، كما مضى تحريرهُ فِي مراتبِ الصحيحِ، وهذا السندُ منْ ذلكَ، فإنَّ هماماً لَقِيَ ابنَ جريجٍ بالبصرةِ، وابن جريجٍ وقعَ لهُ الخطأُ فيما حدّثَ بهِ فِي البصرةِ، فليسَ لهُ حكمُ بقيةِ حديثهِ، وهذهِ فائدةٌ نفيسةٌ. وقولُ الترمذيِّ فيهِ: ((حسن)) (¬4)، أي: بالنظرِ إِلَى كونهِ منْ حديثِ ابنِ جريجٍ بالبصرةِ ((صحيحٌ)) بالنظرِ إِلَى ابنِ جريجٍ فِي حدِّ ذاتهِ ((غريبٌ)) أي: لَمْ يردْ إلا منْ هَذَا الوجهِ، وكأنهُ لَمْ يعتدَّ بمتابعةِ أَبِي عقيلٍ. وَقَالَ الشَّيْخُ فِي "النكتِ" (¬5): ((إنَّ الترمذيَّ فِي تصحيحهِ أَجرَى الأمرَ عَلَى ظاهرِ الإسنادِ)) قَالَ: ((وقولُ أَبِي داودَ والنسائيِّ أولَى بالصوابِ، إلا أَنَّهُ قَدْ (¬6) وردَ منْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 256. (¬2) " المستدرك " 1/ 187. (¬3) ما بين المعكوفتين، لم يرد في (أ) و (ب) و (ف)، وأثبته من المستدرك؛ لأن السياق يقتضيه. (¬4) " جامع الترمذي " 3/ 355 عقب (1746)، وعبارته: ((حسن صحيح غريب)). (¬5) التقييد والإيضاح: 108. (¬6) لم ترد في (ب)، وهي موجودة في (أ) و (ف) والتقييد.

غيرِ روايةِ همامٍ، رواهُ الحاكمُ فِي "المستدركِ" (¬1)، والبيهقيُّ فِي " سُننهِ " (¬2)، من رِوَايَة يَحْيَى بنِ المتوكل، عَن ابن جريجٍ. وصححهُ الحاكمُ عَلَى شرطِ الشيخينِ، وضَعَّفَهُ البيهقيُّ فَقَالَ: هَذَا شاهدٌ ضعيفٌ، وكأنّ البيهقيَّ ظنَّ أن يَحْيَى بْنَ المتوكلِ هُوَ أبو عقيلٍ صاحبُ بُهيةَ، وَهُوَ / 152 أ / ضعيفٌ عندَهم، وليس هُوَ بهِ، وإنما هُوَ باهليٌّ يُكنىَ: أَبَا بكرٍ، ذَكَرهُ ابنُ حبانَ فِي " الثقاتِ " (¬3)، ولا يَقدحُ فيهِ قولُ ابنِ معينٍ: لا أعرفهُ، فَقَدْ عرفهُ غيره، ورَوَى عنهُ نحوٌ من عشرينَ نفساً، إلا أَنَّهُ اشتهرَ تفرُّد همامٍ بهِ عَن ابن جريجٍ، واللهُ أعلم))، انتهى. وقالَ المنذريُّ فِي " مختصرِ السننِ " (¬4): ((وهمامٌ هَذَا هُوَ: أبو عبدِ اللهِ همامُ بنُ يَحْيَى بنِ دينارٍ الأزديُّ العوذيُّ، مولاهم البصريُّ، وإنْ كانَ قدْ تكلّمَ فيهِ بعضُهم فقدْ اتفقَ الشيخانِ عَلَى الاحتجاجِ بحديثهِ، وقالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: همامٌ ثبتٌ فِي كلِ المشايخِ، وقالَ ابْنُ عديٍّ الجرجانيُّ: وهمامٌ أشهرُ وأصدقُ منْ أنْ يذكرَ لهُ حديثٌ منكرٌ، وأحاديثهُ مستقيمةٌ عنْ قتادةَ، وَهُوَ مقدّمٌ أيضاً فِي يَحْيَى بنِ أَبِي كثيرٍ، وعامةُ مَا يرويهِ مستقيمٌ، هَذَا آخرُ كلامهِ. وإذا كانَ حالُ همامٍ كذلكَ فيترجحُ مَا قالهُ الترمذيُّ (¬5) وتفرّدهُ بهِ لا يوهنُ الحديثَ وإنما يكونُ غريباً، والله أعلم)). ¬

_ (¬1) " المستدرك " 1/ 187. (¬2) " السنن الكبرى " 1/ 95. (¬3) " الثقات " 7/ 612. (¬4) " مختصر السنن للمنذري " 1/ 26. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((من أنه حسن صحيح)).

الاعتبار والمتابعات والشواهد

الاعتبار والمتابعات والشواهد (¬1) قولُهُ: (الاعتبارُ والمتابعاتُ والشواهدُ) (¬2) لَوْ قَالَ: الاعتبارُ فِي المتابعاتِ والشواهدِ، أو: لأجلِ المتابعاتِ والشواهدِ، لكانَ حسناً؛ فإنَّ الاعتبارَ هو: تفتيشُ المحدّثِ عَلَى طرقِ الحديثِ؛ لأجلِ معرفةِ المتابعاتِ والشواهدِ، لا أَنَّهُ نوعٌ برأسهِ كما هُوَ المتبادرُ منْ هذهِ العبارةِ، وحقيقتهُ: أنْ تُكثرَ التأمُّلَ؛ فتعبرَ منَ الشيء إِلَى غيرهِ، فتصلَ إِلَى أمورٍ دقيقةٍ فتتعجبَ مِنْهَا، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ تدلُّ عَلَى أنَّ مرادَهُ شرحُ هذهِ الألفاظِ، فالعطفُ إذنْ / 152 ب / حسنٌ؛ فإنهُ قَالَ: ((هذهِ أمورٌ يتداولونها فِي نظرِهم فِي حالِ الحديثِ، هَلْ تفرّد بهِ راويهِ، أو لا (¬3)؟)). قولُهُ: 171 - الاعْتِبَارُ سَبْرُكَ الحَدِيْثَ هَلْ ... شَارَكَ رَاوٍ غَيْرَهُ فيْمَا حَمَلْ 172 - عَنْ شَيْخِهِ، فَإنْ يَكُنْ شُوْرِكَ مِنْ ... مُعْتَبَرٍ بِهِ، فَتَابِعٌ، وَإنْ 173 - شُورِكَ شَيْخُهُ فَفَوْقُ فَكَذَا ... وَقَدْ يُسَمَّى شَاهِداً، ثُمَّ إذَا 174 - مَتْنٌ بِمَعْنَاهُ أتَى فَالشَّاهِدُ ... وَمَا خَلاَ عَنْ كُلِّ ذَا مَفَارِدُ 175 - مِثَالُهُ ((لَوْ أَخَذُوا إهَابَهَا)) ... فَلَفْظَةُ ((الدِّبَاغِ)) مَا أتَى بِهَا ¬

_ (¬1) انظر في الاعتبار والمتابعات والشواهد: معرفة أنواع علم الحديث: 173، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 221 - 224، والتقريب: 70، والمنهل الروي: 59، والخلاصة: 57، واختصار علوم الحديث 1/ 184 وبتحقيقي: 143، ومحاسن الاصطلاح: 89، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 257، والتقييد والإيضاح: 109، ونزهة النظر: 53، والنكت لابن حجر 2/ 681 وبتحقيقي: 457، والمختصر: 142، وفتح المغيث 1/ 159، وألفية السيوطي: 51 - 52، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 94، وتوضيح الأفكار 2/ 11، وظفر الأماني: 323. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 257. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 173.

176 - عَنْ عَمْرٍو الاَّ (¬1) ابنُ عُيَيْنَةٍ (¬2) وَقَدْ ... تُوبِعَ عَمْروٌ في الدِّبَاغِ فَاعْتُضِدْ 177 - ثُمَّ وَجَدْنَا ((أَيُّمَا إِهَابِ)) ... فَكَانَ فيهِ شَاهِدٌ في البابِ قولُهُ: (معتبر بهِ) (¬3) يعني: بأنْ يكونَ أهلاً للعضدِ بأنْ يكونَ فيهِ قوةٌ، فلو قالَ: ((أهل العضدِ فهو تابعٌ)) لكانَ أوضحَ؛ لأنهُ يتبادرُ إِلَى الذهنِ أنَّ معنى معتبرٌ بهِ معنى الاعتبارِ الَّذِي هُوَ السبرُ؛ لقربِ مَا بَيْنَهُمَا. هَذَا من جهةِ كونِ هذا أدلَّ عَلَى المعنى الَّذِي أرادهُ. وأمَّا الَّذِي يظهرُ منْ تصرفاتهم فعدمُ التفرقةِ بينَ الواهي وغيرهِ في تسميةِ مشاركةِ كلٍّ منهما متابعةً، وإنْ كَانَتْ متابعةُ الواهي لا تفيدُ المقصودَ منَ الحديثِ، وَهُوَ الحجيةُ إذا كانتِ الطريقُ الأخرى غيرَ قويةٍ، وكانَ (¬4) حقُّهُ حينئذٍ أنْ يقولَ: ((طريق أخرى، فَهِي تابع)). وإنَّ قولهُ: ((وإنْ لَمْ تجد أحداً تابعهُ عليهِ عنْ شيخهِ، فانظرْ هَلْ تابعَ أحدٌ شيخَ شيخهِ)) (¬5) فيهِ مؤاخذةٌ، وهي (¬6) أنْ لا ننتقلَ إِلَى شيخِ شيخهِ إلا بعدَ فقدِ متابعةِ شيخهِ، فكانَ منْ (¬7) حقهِ أنْ يقولَ: فانظر هَلْ تابعَ أحدٌ شيخَهُ؟ فإنْ فقدَ، فانظرْ فِي شيخِ شيخهِ، وكذا إِلَى الآخرِ، كما قالَ فِي النظمِ، وكما فِي مثالِ ابْنِ حبانَ. قولُهُ: (فالحديثُ إذنْ فردٌ) (¬8) أي: مطلقٌ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فقدْ ¬

_ (¬1) بالدرج؛ لضرورة الوزن. (¬2) صرف للوزن. (¬3) التبصرة والتذكرة (172). (¬4) في (ف): ((فكان)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 258. (¬6) في (ب): ((فإنا)). (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 258.

تحققَ فيهِ التفردُ المطلقُ حينئذٍ، وينقسمُ عندَ ذلكَ إِلَى مردودٍ منكرٍ، وغيرِ مردودٍ كما سبقَ، وإذا قالوا فِي مثلِ هَذَا: تفرّدَ بهِ أبو هريرةَ، وتفرّد بهِ عن أَبِي هُرَيْرَةَ ابنُ سيرينَ، وتفرّدَ بهِ عَن ابنِ سيرينَ أيوبُ، وتفرّدَّ بهِ عَن أيوبَ حمادُ بنُ سلمةَ، كانَ فِي ذلكَ / 153 أ / إشعارٌ بانتفاءِ وجوهِ المتابعاتِ فِيهِ، ثُمَّ إنَّهُ قَدْ يدخلُ فِي بابِ المتابعةِ والاستشهاد روايةُ من لا يحتجُّ بحديثهِ وحدَهُ، بل يكونُ معدوداً فِي الضعفاءِ، وفي كتابي (¬1) البخاريِّ ومُسلمٍ جماعةٌ منَ الضعفاءِ ذَكَرَاهُم فِي المتابعاتِ والشواهدِ (¬2)، وليسَ كلُّ ضعيفٍ يصلحُ لذلكَ؛ ولهذا يقولُ الدارقطنيُّ وغيرهُ فِي الضعفاء: فلانٌ يعتبرُ (¬3) بهِ، وفلانٌ لا يعتبرُ بهِ، وقدْ تقدّمَ التنبيهُ عَلَى نحوِ ذَلِكَ)) (¬4). - أي فِي قسمِ الْحَسَن -. قولُهُ: (وقد يسمى) (¬5) أي: الحديثُ الَّذِي شُوركَ فيهِ الشيخُ (شاهداً) (¬6) أي: وهي المتابعةُ القاصرةُ، وأمّا المتابعةُ التامةُ، وهي متابعةُ الرَّاوي نفسهِ عنْ شيخهِ فلا يُسمَّى شاهداً؛ لأنها هِيَ المتابعةُ الحقيقيةُ، ومتى كَانَتِ المشاركةُ فِي ذلكَ ¬

_ (¬1) في (ف): ((كتاب)). (¬2) لا يقال: عطف الاستشهاد على المتابعة يقتضي تغايرهما، والحاكم في " المدخل " سمى المتابعات شواهد؛ لأنا نقول: المغايرة صادقة، بأن لا يسمى الشواهد متابعات، وأما تسمية المتابعة شاهداً فهوَ موجود فِي قوله: ((ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضاً)). أفاده البلقيني في محاسنه: 183، وانظر: نكت الزركشي 2/ 171. (¬3) في (ف): ((معتبر)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 174 - 175. (¬5) التبصرة والتذكرة (173). (¬6) التبصرة والتذكرة (173).

الصحابيِّ فَهِيَ متابعةٌ سواءٌ كانتْ باللفظ أو بالمعنى، تامةً أو قاصرةً (¬1). قولُهُ: (ثُمَّ إذا متنٌ بمعناه أتى) (¬2) أي: عنْ صحابيٍّ آخرَ. قالَ شيخُنا: ((وكذا مَا كَانَ باللفظِ، وإنما تَركَ ذِكرَهُ؛ لأنهُ مفهومُ موافقة، وخصَّ قومٌ المتابعةَ بما كانَ باللفظِ، سواءٌ كانَ منْ روايةِ ذلكَ الصحابيِّ، أو لا، والشاهدُ بما كَانَ بالمعنى)) (¬3)، كذلكَ قَالَ وَهُوَ الأليق. قولُهُ: (وقد توبع عَمْرو (¬4)) (¬5) هذهِ متابعةٌ قاصرةٌ، والمتابعة التامةُ: أنْ يتابعَ أحدٌ ابْنَ عيينةَ فِي الروايةِ عَن عَمْرٍو، والإتيانُ بلفظةِ ((الدباغِ)) وقد ذكرَ شيخُنا مثالاً فِي "شرحِ النخبةِ" (¬6) جمعَ المتابعةَ التامةَ والقاصرةَ والشاهدَ، وَهُوَ مَا رواهُ الشَّافِعِيّ فِي "الأم" (¬7)، عَن مَالِكٍ، عَن عَبْد الله بنِ دينارٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أنَّ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قَالَ / 153 ب /: ((الشهرُ تسعٌ وعشرونَ، فلا تصوموا حَتَّى تروا الهلالَ، ولا تفطروا حَتَّى تروهُ، فإنْ غمَّ عليكم؛ فأكملوا العدةَ ثلاثينَ)) ورواهُ عدةٌ منْ أصحابِ مالكٍ بلفظِ: ((فاقدروا لَهُ)) فظنَّ قومٌ أنَّ الشَّافِعِيّ تفرد بقولِهِ: ((فأكملوا العدةَ ثلاثينَ)) وقد تابعَهُ عَلَيْهَا عَبْدُ اللهِ بنُ مسلمةَ القعنبيُّ، عنْ مالكٍ، كذلك أخرجهُ البخاريُّ (¬8)، وله (¬9) متابعةٌ قاصرةٌ فِي "صحيحِ ¬

_ (¬1) انظر: نزهة النظر: 54، والنكت لابن حجر 2/ 682 وبتحقيقي: 458. (¬2) التبصرة والتذكرة (173) و (174). (¬3) انظر: نزهة النظر: 54، والنكت لابن حجر 2/ 682 وبتحقيقي: 458. (¬4) في (ف): ((عمر)). (¬5) التبصرة والتذكرة (176). (¬6) نزهة النظر: 100 طبعة الحلبي. (¬7) الأم 2/ 103. (¬8) صحيح البخاري 3/ 34 (1907). (¬9) جاء في حاشية (أ): ((أي للشافعي)).

ابنِ خزيمةَ" (¬1) منْ روايةِ عاصمِ بنِ مُحَمَّدٍ، عنْ أبيه مُحَمَّدِ بن زيدٍ، عَن جدهِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ، بلفظ: ((فكملوا ثلاثين)) (¬2)، وفي "صحيحِ مُسْلِمٍ" (¬3) منْ روايةِ عبيدِ الله بن عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، بلفظِ: ((فاقدروا ثلاثين)). وأخرجَ النسائيُّ (¬4) لَهُ شاهداً منْ روايةِ مُحَمَّد بن حنين، عَن ابنِ عباسٍ، عَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. فذكرَ مثلَ حَدِيْث عَبْدِ اللهِ بن دينارٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ سواءً، فهذا باللفظِ. وأخرج البخاريُّ (¬5) منْ روايةِ مُحَمَّدِ بنِ زيادٍ، عَن أَبِي هريرةَ، بلفظ: ((فإن غمي عليكم فأكملوا عدةَ شعبانَ ثلاثينَ)) فهذا بالمعنى. قولُهُ - عَن ابْن حبانَ -: (وإلاَّ فلا) (¬6)، أي: وإنْ لَمْ يوجدْ شيءٌ منْ ذلكَ لَمْ يعلمْ أنَّ للحديثِ أصلاً يرجعُ إليهِ، وظاهرُ هَذِهِ العبارةِ مشكلٌ منْ حيثُ إنهُ يوهمُ أَنَّهُ لَوْ رُوِيَ حديثٌ بمثلِ هؤلاءِ الرجالِ لا يقبلُ إذا لَمْ يوجدْ لهُ متابعٌ أصلاً؛ لأنَّ مثلَ هَذِهِ ¬

_ (¬1) مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لابن خزيمة (1909). وأخرجه أيضا: البيهقي 4/ 205 من طريق محمد بن عبيد، عن عاصم، بهذا الإسناد. (¬2) في المطبوع من مختصر المختصر: ((فأكملوا ثلاثين)). (¬3) صحيح مُسْلِم 3/ 122 (1080) (4) و (5). (¬4) في "المجتبى" 4/ 135 وفي "الكبرى"، له (2435). وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق (7302)، والحميدي (513)، وأحمد 1/ 367، والدارمي (1693)، وأبو يعلى (2388)، وابن الجارود (375) من طريق عمر بن دينار، عن محمد بن حنين، عن ابن عباس، به. وفي بعض المصادر، وفي "تحفة الأشراف" قال: عن محمد بن جبير، وأشار المزي إلى أنه محمد بن جبير. والصواب أنه محمد بْن حنين. انظر فِي ذلك: النكت الظراف بهامش تحفة الأشراف 5/ 230 (6435)، وتعليق الدكتور بشار عواد في تحقيقه لكتاب تحفة الأشراف 4/ 696 (6435). (¬5) صحيح البخاري 3/ 34 (1909). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 259.

العبارةِ تقالُ فِي استعمالهم فِي ما لا يقبلُ، ولولا تقييدُهُ بالثقاتِ لسَهُلَ الأمرُ، ولولا ذلكَ لقلنا: إنهُ يساعدُ مَنْ قَالَ: إنَّ المتابعةَ لا تكونُ إلا منْ معتبرٍ بهِ، لكنَّ تقييدَهُ منعَ منْ ذلكَ؛ فإنَّ المعتبرَ بهِ قَدْ لا يبلغُ رتبةَ الثقةِ، بأنْ يكونَ فيهِ ضعفٌ يسيرٌ. قولُهُ: (فمثالُ ماعدمتْ فيهِ المتابعاتُ منْ هَذَا / 154 أ / الوجهِ) (¬1) أي: من روايةِ حمادٍ ... إِلَى آخرهِ. قولُهُ: (ومنْ حديثِ أيوبَ عن ابنِ سيرينَ) (¬2) يتعلّقُ (¬3) بقوله بعدهُ: ((رواهُ (¬4) حمادُ بنُ سلمةَ)) وَهُوَ منْ تتمةِ كلامِ ابنِ عديٍّ، فهو معطوفٌ عَلَى الحسنِ بنِ دينارٍ فِي المعنى، أي: وإلاَّ أيوب. قولُهُ: (ويرويهِ الحسنُ بنُ أَبِي جَعْفَر .. ) (¬5) إِلَى آخرهِ. قَالَ شيخنا: ((هَذَا هُوَ المحفوظُ - يعني: كونهُ عنْ عليٍّ - لكنْ غلطَ فِي رفعهِ، فالمحفوظُ أَنَّهُ من (¬6) قوله (¬7))). قولُهُ: (فجعلهُ منْ مسندها) (¬8) قَالَ فِي " النكت " (¬9): ((منْ روايةِ ابْن عباسٍ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 259. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 259. (¬3) في (ف): ((متعلق)). (¬4) في (ف): ((ورواه)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 259. (¬6) في (ب): ((من فوق قوله)). (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي من قول علي)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 260. (¬9) التقييد والإيضاح: 109.

عَنْهَا، لا منْ روايةِ (¬1) ابنِ عباسٍ وقد رواهُ مسلمٌ (¬2) عَلَى الوجهينِ معاً منْ طريقِ ابنِ عيينةَ، فجعلهُ منْ مسندِ ابنِ عَبَّاسٍ، ومنْ طريقِ ابنِ جريجٍ فجعلهُ منْ مسندِ ميمونةَ)). قولُهُ: (فلهذا مثلتُ بإبراهيمَ) (¬3) أي: لأنهُ وافقَ ابنَ عُيَيْنَةَ فِي سندهِ، وخالفَهُ فِي المَتْنِ، فأسقطَ الدِباغَ. قولُهُ: (أيما إِهابٍ دُبغَ فَقَدْ طهر) (¬4) هَذَا لفظُ غيرِ "صحيحِ مُسْلِمٍ"، ولفظُ مُسلمٍ: ((إذا دُبغَ الإهابُ فَقَدْ طهر)) (¬5). ¬

_ (¬1) بعد هذا في التقييد: ((مسند)). (¬2) صحيح مسلم 1/ 190 (363) (100) و (101) و (102) من حديث ابن عباس، وأشار في الرواية الأولى إلى أن أبا بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عمر قالا في حديثهما عن ميمونة رضي الله عنها. وفي صحيح مسلم 1/ 190 (364) (103) من حديث ميمونة رضي الله عنها أيضاً. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 260. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 261. (¬5) صحيح مسلم 1/ 191 (366) (105) من حديث عبد الله بن عباس.

زيادات الثقات

زيادات الثقات (¬1) قولُهُ: 178 - وَاقْبَلْ زِيَادَاتِ الثِّقَاتِ مِنْهُمُ ... وَمَنْ سِوَاهُمْ فَعَلَيْهِ المُعْظَمُ 179 - وَقِيْلَ: لاَ، وَقِيْلَ: لاَ مِنْهُمْ، وَقَدْ ... قَسَّمَهُ الشَّيْخُ، فَقَالَ: مَا انْفَرَدْ 180 - دُوْنَ الثِّقَاتِ ثِقَةٌ خَالَفَهُمْ ... فِيْهِ صَرِيْحَاً فَهُوَ رَدٌّ عِنْدَهُمْ 181 - أَوْ لَمْ يُخَالِفْ، فَاقْبَلَنْهُ، وَادَّعَى ... فِيْهِ الخَطِيْبُ الاتِّفَاقَ مُجْمَعَا 182 - أَوْ خَالَفَ الاطْلاَقَ نَحْوُ ((جُعِلَتْ ... تُرْبَةُ الارْضِ)) (¬2) فَهْيَ فَرْدٌ نُقِلَتْ 183 - فَالْشَّافِعِيْ وَأَحْمَدُ احْتَجَّا بِذَا ... وَالوَصْلُ والارْسَالُ مِنْ ذَا أُخِذَا 184 - لَكِنَّ في الإرْسَالِ جَرْحاً فَاقْتَضَى ... تَقْدِيْمَهُ وَرُدَّ أنَّ مُقْتَضَى 185 - هَذَا قَبُولُ الوَصْلِ إذْ فِيْهِ وَفِيْ ... الجَرْحِ عِلْمٌ زَائِدٌ لِلْمُقْتَفِيْ ¬

_ (¬1) انظر في زيادات الثقات: معرفة علوم الحديث: 130، ومعرفة أنواع علم الحديث: 176، وجامع الأصول 1/ 103، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 225 - 231، والتقريب: 71 - 72، ورسوم التحديث: 82، والمنهل الروي: 58، والخلاصة: 56، ونظم الفرائد: 370، واختصار علوم الحديث 1/ 190 وبتحقيقي: 145، والشذا الفياح 1/ 193، ومحاسن الاصطلاح: 90، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 262، وتنقيح الأنظار: 159، ونزهة النظر: 49، والمختصر: 171، وفتح المغيث 1/ 199، وألفية السيوطي: 53 - 54، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 96، وفتح الباقي 1/ 250، وتوضيح الأفكار 2/ 16، وشرح شرح نخبة الفكر: 315، واليواقيت والدرر 1/ 410، وقواعد التحديث: 107، ولمحات في أصول الحديث: 292، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 363. (¬2) بجعل همزة القطع في ((الأرض)) همزة وصل ((الارض)) وتحريك اللام ليستقيم الوزن (وهو من ضرورات الشعر).

قولُهُ: (منهم) (¬1) تقديرهُ: منهم عليهم، أي: اقبلْ زياداتِ الثقاتِ الكائنةَ من أحدِهم عَلَى نفسهِ، بأنْ حدّثَ بحديثٍ مرةً ناقصاً، ومرةً زادَ فيهِ. (ومنْ سواهم)، أي: واقبلها أيضاً منْ سوى أنفسهم من الثقاتِ بأن يحدّثَ بهِ ثقةٌ عَلَى كيفيةٍ، فيحدّث بهِ ثقةٌ آخرُ فيزيدُ عليهِ. (وقيلَ: لا منهم) أي: وقيل: لا تقبلُ الزياداتُ من الثقةِ عَلَى نفسهِ. قولُهُ: (فِيهِ صريحاً) (¬2) يعني: منافياً منافاةً صريحةً بأنْ لا يمكنُ الجمعُ، فلو قَالَ: ((وَهُوَ منافٍ)) عوض ((فيهِ صريحاً)). لكان أصرحَ وأحسنَ. قولُهُ: (فَهي فردٌ) (¬3) لَوْ نصبهُ لكان (¬4) أحسنَ، ويكون التقديرُ: فَهي نُقِلتْ / 154 ب / فِي حالِ كونها حديثاً فرداً. قولُهُ: (والوصلُ والإرسال منْ ذا أخذا) (¬5) الإشارة بـ ((ذا)) إِلَى أصلِ هَذَا النوعِ، وَهُوَ زياداتُ الثقاتِ، لا إِلَى تفصيلِ ابنِ الصلاحِ، ولأجلِ هَذَا أعادَ اسم الإشارةِ؛ فإنهُ كَانَ يمكنهُ أنْ يقولَ: ((مِنْهُ أخذا)). قولُهُ: (وردَّ أنَّ مقتضى ... ) (¬6) إِلَى آخرهِ، صعبُ التركيبِ، تقديرهُ - واللهُ أعلمُ -: ورُدَّ هَذَا البحثُ بأنَّ مقتضاهُ عكسُ القضيةِ، وَهُوَ أَنَّهُ يقتضي قبولَ الوصلِ؛ لأنَّ فِيهِ علماً زائداً عَلَى الإرسالِ للذي قلتم إنَّهُ جرحٌ، والجرحُ إنما يقدّمُ عَلَى التعديلِ؛ لأنهُ فِي الغالبِ يكونُ فيه علمٌ زائدٌ عَلَى التعديل، فلما وُجِدَتْ فِيهِ (¬7) العلة ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (178). (¬2) التبصرة والتذكرة (180). (¬3) التبصرة والتذكرة (182). (¬4) في (ب) و (ف): ((كان)). (¬5) التبصرة والتذكرة (183). (¬6) التبصرة والتذكرة (184). (¬7) جاء فِي حاشية (أ): ((أي: في الوصل)).

التي قُدّمَ منْ أجلها مقابلهُ (¬1) قُدّمَ هُوَ. قولُهُ: (الألفاظِ فِي المتونِ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((زياداتُ الألفاظِ الفقهيةِ فِي الأحاديثِ)) (¬3). قولُهُ: (ابْن سريج) (¬4) بالمهملةِ والجيمِ، وَهُوَ الإمامُ أبو العباسِ، أحدُ أئمةِ الشافعيةِ (¬5). قولُهُ: (سواءٌ تعلقَ بِهَا حكمٌ ... ) (¬6) إِلَى آخرهِ، مقابلُ كلِّ جملةٍ منْ هذهِ قولٌ مفصلٌ بحسبِ مَا يليقُ بكلِّ واحدةٍ مِنْهَا، فمقابلُ الأولى: قول إنها لا تقبلُ إلا إنْ تعلّقَ بِهَا حكمٌ شرعيٌّ. والثانيةُ: أنَّ شرطَ القبولِ أنَ لا تُغيّرَ حكماً ثابتاً (¬7)، وهكذا إِلَى الآخرِ. وقولُ ابْنِ طاهرٍ: ((لا خلافَ نجدهُ .. )) إِلَى آخرهِ (¬8)، أي: لا نجدُ أحداً منْ أهلِ الفنّ إلا وقد قَبِلَ زيادةَ الثقاتِ، ولو فِي مكانٍ منَ الأماكنِ، فهم مُجمِعونَ بهذا الاعتبارِ بالفعلِ، ولكنّهم مختلِفونَ فِي التفاصيلِ؛ فتجدُ هَذَا يقبلُ فِي مكانٍ لا يقبلُ فيهِ الآخرُ، / 155 أ / ويقبلُ فِي آخرَ غيره، ومنْ تأمّلَ تصرّفَهم حقَّ التأمُّلِ عَلِمَ أنهم لا يحكمونَ فِي هَذِهِ المسألةِ بحكمٍ كليٍّ، ولكنّهم دائرون فِي أفرادِها مَعَ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((وهو الإرسال)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 262. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 176. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 262. (¬5) انظر: سير أعلام النبلاء 15/ 493. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 262. (¬7) في (ف): ((ثانياً)). (¬8) تمام قول ابن طاهر: ((لا خلاف تجده بين أهل الصنعة أن الزيادة من الثقة مقبولة)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263.

القرائنِ، فتارةً يرجّحونَ الوصلَ، وتارةً الإرسالَ، وتارةً روايةَ منْ زادَ، وتارةً روايةَ منْ نقصَ، ونحو ذلكَ، وهذا هُوَ المعتمدُ، وَهُوَ فِعلُ جَهابذةِ النقدِ وأعلامِهم. قولُهُ: (لا يجوزُ عليهمُ الوهمُ) (¬1) قالَ الآمديُّ: ((إذا دارَ الأمرُ بينَ أنْ يوهمَ مَنِ ادّعى وجودَ شيءٍ، ومَنِ ادّعى عدمَهُ، فتُوهيمُ مُدّعي العدمِ، أو الساكتِ عَن الوجودِ أقربُ)). قُلتُ: لأنّهُ يمكنُ الاعتذارُ عنهُ بأنّ (¬2) جزمَهُ بالعدمِ مستنِدٌ إِلَى الخفاءِ، وأمّا مُدّعى الوجودِ فتوهيمُهُ يؤدي إِلَى تكذيبهِ، والفرضُ أَنَّهُ ثقةٌ. قولُهُ: (فيما إذا روياهُ) (¬3) أي: من زادَ ومنْ نقصَ، سواءٌ كانا شخصينِ، أو أكثرَ، فالضميرُ للفريقينِ. قولُهُ: (لا ممنْ رواهُ ناقصاً) (¬4) أي: لأنَّ روايتَهُ ناقصاً أورثتْ شكَّاً ما فِي تلكَ الزيادةِ؛ لأنَّ أصلَ الحديثِ متفقٌ عليهِ عندَ مَنْ زادَ، ومَنْ نقصَ، والزيادة فِي صورةِ المختلفِ فِيهِ، وهذا القولُ قادحٌ فيما سلفَ منْ حكايةِ الاتفاقِ عَلَى قبولِ الزيادةِ من الثقةِ. قولُهُ: (وتقبل من غيرهِ) (¬5) أي: لأنّ روايةَ الشخص لهُ ناقصاً إنْ (¬6) أورثتْ شكَّاً فِي روايتهِ لَهُ مرةً أخرى بزيادةٍ، منْ حيثُ إنَّ الإنسانَ مطبوعٌ عَلَى تحسينِ حالهِ، وإِشهار علمهِ (¬7)، فاقتصارهُ عَلَى النقصِ يورثُ شكَّاً فِي الزيادةِ، لَمْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263. (¬2) في (ب): ((بل)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 263. (¬6) لم ترد في (ف). (¬7) في (ب): ((أمره)).

يورثْ (¬1) شكاً فيما إذا / 155 ب / كانتِ الزيادةُ منْ غيرهِ؛ لأنَّ تلكَ العلةَ لا تتمشَّى فِيهِ. قولُهُ: (إنْ كانتِ الزيادةُ مغيرةً) (¬2) أي: لأنَّ المحدّثَ يحكِي لفظَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا حكاهُ عَلَى صفةٍ لَمْ تُقبلْ حكايتُهُ لَهُ عَلَى مَا يخالفُها، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (إلاَّ إذا أفادتْ حكماً) (¬3) قلتُ: لأنّ الأحكامَ مدارُ الحديثِ، والراوي ثقةٌ، فلا وجه للردِّ، واللهُ أعلم. فأمّا إذا كانتْ زيادةً لفظيةً، كتأكيدٍ لشيءٍ، أو إطنابٍ فِي مختصرٍ، ونحو ذلكَ؛ فإنها تردُّ. قُلتُ: لأنهُ تصرفٌ فِي اللفظِ، وليسَ ذلكَ منْ وظيفتهِ، ويشبهُ أنْ يكونَ هَذَا قَوْلَ مَنْ يمنعُ الروايةَ بالمعنى، واللهُ أعلم. والقولُ السادسُ: نقيضُ هَذَا: وَهُوَ أنها إنْ كانتْ زيادةً لفظيةً قُبلتْ. قلتُ: لأنَّ ذَلِكَ راجعٌ إِلَى التصرفِ فِي الألفاظِ المترجمةِ عنِ المعاني، وذلكَ جائزٌ عَلَى الأصحِّ، واللهُ أعلم. وإنْ كانتْ معنويةً أفادتْ معنىً وحكماً لَمْ تقبلْ. قُلتُ: لأنَّ روايتهُ مرةً بدونها أورثتْ شكَّاً فيها، ويحتاطُ فِي المعاني ما لا يحتاطُ فِي الألفاظِ، واللهُ أعلم. قولُهُ: (اتفاق العلماءِ عليهِ) (¬4) قلتُ لشيخِنا: لِمَ لا يكونُ الحكمُ فِي هَذَا أيضاً معَ القرائنِ؟ فقالَ: لأنّ هذهِ الزيادةَ فِي حكمِ خبرٍ مفردٍ، فلا مدخلَ للقرينة فيها بالنسبةِ إِلَى بقيةِ الخبرِ. فَقُلْتُ: فماذا نفعلُ (¬5) في كلامِ الشَّافِعِيّ - رحمه الله- فِي ¬

_ (¬1) في (ف): ((تورث)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 264. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 264. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 264. (¬5) في (ف): ((يفعل)).

قوله: ((ومتى خالفَ مَا وصفتُ أضرَّ ذَلِكَ بحديثهِ)) (¬1) ومن جملتهِ أنْ يخالفَ بالزيادةِ؟ فقالَ: كلامهُ هناكَ فِي شخصٍ مَا علمنا حالَهُ، بل نريدُ أنْ نعلمَ حالَهُ منْ هَذَا التفتيشِ، وأمّا هنا فالمسألةُ مفروضةٌ فيمن عُلمتْ ثقتُهُ وأمانتُهُ وحفظُهُ منْ غيرِ / 156 أ / حديثهِ المبحوثِ عنهُ (¬2). قولُهُ: (مَا يقعُ بينَ هاتينِ المرتبتينِ) (¬3) حدٌ صحيحٌ لَوْ سكتَ عليهِ. قولُهُ: (مثلُ زيادةِ .. ) (¬4) إِلَى آخرهِ، ليسَ بجيدٍ؛ فإنهُ يدخلُ فِي كلٍ من القسمينِ الماضيينِ؛ فإنَّ اللفظةَ الَّتِي لم يذكرْها سائرُ مَن رَوَى ذلكَ الحديثَ يصلحُ أنْ تكونَ منافيةً، وأنْ لا تكونَ منافيةً أصلاً. قولُهُ: (من المُسْلِمِين) (¬5) هَذَا الحديثُ أخرجهُ الشيخانِ (¬6). قولُهُ: (فذكرَ أبو عيسى الترمذيُّ (¬7) أنَّ مالكاً انفردَ .. ) (¬8) إِلَى آخرهِ، ليسَ كذلكَ، فلفظُ الترمذيِّ: ((لا يقولُ فِي هَذَا الحديثِ: ((من المُسْلِمِين)) كبيرُ أحدٍ غيرُ مالكٍ)) (¬9). فهوَ كما تراهُ لَمْ ينفِ مَنْ دونَ ذلكَ: لأنّ قولَهُ: ((كبيرُ أحدٍ)) ينحل إِلَى ¬

_ (¬1) الرسالة فقرة (1273). (¬2) سؤاله لشيخه يوحي أنه يرى أن ليس في المسألة قاعدة مطردة إنما ينظر -بالإضافة لما تقدم- إلى القرائن الحافة بالحديث ورواته ويقرر بعد ذلك قبول الزيادة أو ردها. وانظر في تفصيل هذه المسألة كتابنا أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 372 - 373. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 265. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 265. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 265. (¬6) صحيح البخاري 2/ 161 (1504)، وصحيح مسلم 3/ 68 (984). (¬7) الجامع الكبير 2/ 54 عقب (676). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 265. (¬9) جامع الترمذي 2/ 54 عقب (676)، وانظر ما سيأتي من قول البقاعي فالذي في جامع =

أحدٍ كبيرٍ. هكذا قالَ شيخُنا. ولم أرَ هَذَا اللفظَ فِي الترمذيِّ، ولا فِي "العللِ" الَّتِيْ بآخرهِ، عَلَى أَنَّهُ لا يصلحُ اعتراضاً عَلَى ابْن الصلاح؛ فإنهُ قَالَ: ((انفردَ منْ بينِ الثقاتِ)) يعني: أَنَّهُ لَمْ يروِها من الثقات غيرُهُ، وإلا لَمْ يكنْ لقولهِ: ((منْ بَيْن الثقاتِ)) كبيرُ فائدةٍ، وكانَ حذفُه أخصرَ، وأدلَّ عَلَى الإطلاقِ، وبهذا يندفعُ أيضاً اعتراضُ الشيخِ فِي " النكتِ " بمثلِ ذلكَ في قوله: ((وكلامُ الترمذيِّ هَذَا ذَكَرَهُ فِي " العلل " (¬1) التي فِي آخرِ " الجامع "، ولم يصرّحْ بتفرّدِ مالكٍ بِهَا مطلقاً، فَقَالَ: ((ورُبَّ حديثٍ إنما يستغربُ لزيادةٍ تكونُ فِي الحديثِ، وإنما يصحُّ إذا كانتْ الزيادةُ ممن يعتمدُ عَلَى حفظهِ، مثل مَا رَوَى مالكُ بنُ أنسٍ ... فذكرَ الحديثَ، ثُمَّ قَالَ: وزادَ مالكٌ فِي هَذَا الحديثِ ((من المسلمينَ)) ورَوَى أيوبُ السختيانيُّ وعبيدُ اللهِ بنُ عمرَ وغيرُ واحدٍ من الأئمةِ هَذَا الحديثَ عنْ نافعٍ، عَن ابنِ عُمرَ، ولم يذكروا فيهِ: ((من المُسْلِمِين)) وقد رَوَى بعضُهمْ / 156 ب / عَن نافعٍ مثلَ روايةِ مالكٍ ممن لا يعتمدُ عَلَى حفظهِ)). انتهى كلامُ الترمذيِّ. فلم يذكرِ التفرّدَ مطلقاً عن مالكٍ، وإنما قيّدهُ بتفرّدِ الحافظِ كمالكٍ، ثمَّ صرّحَ بأنَّهُ رواهُ غيرُهُ، عن نافعٍ ممن لم يعتمدْ على حفظهِ، فأسقطَ المصنفُ آخرَ كلامهِ، وعلى كلِّ تقديرٍ فَلَمْ ينفردْ مَالِكٌ (¬2) بهذه الزيادةِ، بل تابَعَهُ عَلَيْهَا جماعةٌ منَ الثقاتِ: عُمَر بن نافعٍ .. إِلَى آخرِ كلامهِ، ثُمَّ قَالَ: فأمّا روايةُ ابنهِ عُمَرَ فأخرجهاُّ البخاري فِي "صحيحهِ" (¬3) من رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بنِ جعفر، عَن عُمَرَ بن نافعٍ، عَن أبيهِ، فقالَ فِيهِ: ((منَ المُسْلِمِين))، - قَالَ العلامة شمسُ الدينِ بنُ حسّانَ: ((وهو فِي أَبِي داود (¬4) ¬

_ = الترمذي: ((روى مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نحو حديث أيوب. وزاد فيه من المسلمين. ورواه غير واحد عن نافع ولم يذكر فيه: من المسلمين)). (¬1) العلل آخر الجامع 6/ 253. (¬2) ((مالك)) لم ترد في (ب) وهي من (أ) و (ف) والتقييد. (¬3) صحيح البخاري 2/ 161 (1503). (¬4) سنن أبي داود (1612).

والنسائيِّ (¬1))). انتهى. (¬2) - وأمّا رِوَايَةُ الضحاكِ بْن عُثْمَانَ: فأخرَجَها مُسْلِمٌ فِي "صحيحهِ" (¬3) من رِوَايَةِ ابنِ أبي فديك، قَالَ: أخبرنا الضحاكُ، عَن نَافِعٍ، وَقَالَ فِيهِ أيضاً: ((من المُسْلِمِين)). وأمّا روايةُ كثيرِ بنِ فرقد: فأخرَجَها الدارقطنيُّ فِي "سننهِ" (¬4) والحاكمُ فِي " المستدركِ " (¬5) من رِوَايَة الليثِ بنِ سعدٍ، عَن كثيرِ بنِ فرقد، عَن نافعٍ، فقالَ فيها أيضاً: ((منَ المُسْلِمِين))، وَقَالَ الحاكمُ بعد تخريجهِ: ((هَذَا حديثٌ صحيحٌ عَلَى شرطهما، ولم يخرجاه)). انتهى. وكثيرُ بنُ فرقد احتجَ بهِ البخاريُّ، ووثقهُ ابْنُ معينٍ وأبو حاتمٍ (¬6). وأمّا روايةُ يونسَ بنِ يزيدَ: فأخرجها أبو جَعْفَر الطحاويُّ فِي " بيانِ المشكل " (¬7) من روايةِ يَحْيَى بن أيوبَ، عَنْ يونس بن يزيدَ، أنَّ نافعاً أخبرهُ، فذكر فيهُ: ((منَ المسلمينَ)) - قَالَ ابنُ حسان: ((وَهُوَ عندَ الدارقطنيِّ وأبي داودَ)). انتهى (¬8) -. وأمّا روايةُ المعلّى بنِ إسماعيلَ: فأخرجها ابنُ حبانَ فِي " صحيحهِ " (¬9) / 157 أ /، والدارقطني فِي " سننهِ" (¬10) منْ روايةِ أرطاةِ بن ¬

_ (¬1) سنن النسائي 5/ 48، وهي كذلك في "شرح مشكل الآثار" (3426)، وصحيح ابن حبان (3303)، وسنن الدارقطني 2/ 139، و"السنن الكبرى" للبيهقي 4/ 162، و"شرح السنة" للبغوي (1594). (¬2) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي؛ لزيادة تخريج الزيادة. (¬3) صحيح مسلم 3/ 69 (984) (16). (¬4) سنن الدارقطني 2/ 140. (¬5) 1/ 410، وكذلك أخرجها: البيهقي 4/ 162، وابن عبد البر في " التمهيد " 14/ 319. (¬6) انظر: الجرح والتعديل 7/ 210، وتهذيب الكمال 6/ 160 (5541). (¬7) "شرح مشكل الآثار" (3427)، وهي كذلك فِي: "شرح معاني الآثار" 2/ 44، و"التمهيد" لابن عبد البر 14/ 319. (¬8) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي، وكلمة ((انتهى)) لم ترد في (ف). (¬9) صحيح ابن حبان (3293). (¬10) سنن الدارقطني 2/ 140.

المنذرِ، عَن المعلى بن إسماعيل، عَن نافعٍ، فَقَالَ فِيهِ: ((عنْ كلِّ مسلمٍ))، وأرطاة وثّقه أحمد بن حنبلٍ، ويحيى بنُ معينٍ وغيرُهما (¬1)، والمعلى بن إسماعيل، قَالَ فيهِ أبو حاتم الرَّازِي: ((ليسَ بحديثهِ بأسٌ، صالحُ الحديثِ لَمْ يرو عَنْهُ غيرُ أرطاة (¬2))) وذكرهُ ابن حبان فِي " الثقات " (¬3). وأمّا رِوَايَةُ عبدِ اللهِ بن عُمَرَ: فأخرجها الدارقطنيُّ فِي " سننهِ " (¬4) منْ روايةِ رَوْحٍ، وعبد الوهاب، فرقهما، كلاهما عنْ عَبْد الله بن عُمَر، عَن نافعٍ، فَقَالَ فِيهِ: ((عَلَى كلِّ مُسْلِم))، وقد رواه أبو مُحَمَّد ابن الجارود فِي " المنتقى" (¬5) فقرنَ بينه وبين مالكٍ، فرواهُ منْ طريقِ ابن وهبٍ، قال: حَدَّثَنِي عبيدُ اللهِ بنُ عُمَر (¬6) ومالكٌ، وَقَالَ فيهِ: ((منَ المُسْلِمِين)). وأمّا الاختلاف فِي زيادتها عَلَى عبيد الله بن عمرَ وأيوب، فَقَدْ ذكرتهُ فِي شرحِ الترمذي (¬7)، واللهُ أعلم (¬8))). انتهى كلامُ " النكت " (¬9). قَالَ ابنُ حسان: ((و (¬10) أورده بالزيادةِ الحاكمُ والدارقطنيُّ والطحاويُّ، وبدونها مُسْلِمٌ)). وللزيادة شاهدٌ، وَهُوَ حديثُ ابْن عَبَّاس: ((فرضَ ¬

_ (¬1) انظر: تهذيب الكمال 1/ 162. (¬2) الجرح والتعديل 8/ 332. (¬3) الثقات 7/ 493. (¬4) سنن الدارقطني 2/ 140، وهي في " مصنف عبد الرزاق " (5765)، ومسند أحمد 2/ 114. (¬5) المنتقى (356). (¬6) هكذا في النسخ الخطية، وهكذا في المنتقى كلا الطبعتين، والذي يقتضيه السياق: ((عبد الله ابن عمر)) وكذا جاء في التقييد. (¬7) تفصيلها في تحقيقنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 179 - 182. (¬8) التقييد والإيضاح: 111 - 113. (¬9) عبارة: ((انتهى كلام النكت)) لم ترد في (ف). (¬10) الواو لم يرد في (ب) و (ف).

رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - زكاةَ الفطرِ طهرةً للصائم منَ اللغوِ والرفثِ)) أخرجهُ أبو داود (¬1) والحاكمُ (¬2) والدارقطنيُّ (¬3). ووجه الدلالةِ منهُ: أنَّ الكافرَ لا طهرةَ لهُ. قولُهُ: (فهذهِ الزيادةُ) (¬4) يعني: ((وتربتها طهوراً)). (تفرّدَ (¬5) بِهَا أبو مالكٍ)، ليسَ كذلكَ، فإنهُ إنْ أرادَ أنّ غيرهُ خالفهُ عنْ ربعيّ، لَمْ يصحَّ لهُ (¬6)؛ لأنَّهُ ما رَوَى هَذَا الحديثَ عَن ربعيٍّ / 157 ب / غيرُهُ، وإنْ أرادَ أَنَّهُ انفردَ بهذهِ اللفظةِ، و (¬7) لَمْ توجدْ عندَ أحدٍ ممن رَوَى هَذَا الحديثَ، فليسَ كذلكَ، فَقَدْ رَوَى أحمدُ فِي " مسندهِ " هَذَا الحديثَ منْ حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه - بلفظِ: ((وجعلَ ترابها لنا طهوراً)) (¬8)، فَلَمْ يبقَ إلاّ ما قَالَ الشيخُ فِي " نكته " (¬9): ((إنْ تفردهُ بِهَا بالنسبةِ إِلَى حديثِ حذيفةَ، كما رواهُ مسلمٌ (¬10) منْ روايةِ أَبِي مالكٍ، عنْ ربعي، عنهُ، قال: وقد اعترضَ عَلَى المصنفِ بأنهُ يحتملُ أنْ يريدَ بالتربةِ الأرضَ منْ حيثُ هِيَ أرضٌ، لا التراب، فلا يبقى فيهِ زيادةٌ، ولا مخالفة لمنْ أطلقَ فِي سائرِ الرواياتِ (¬11). ¬

_ (¬1) في سننه (1609). (¬2) في المستدرك 1/ 409. (¬3) فِي سننه 2/ 138. وأخرجه أيضاً: ابن ماجه (1827)، والبيهقي 4/ 163. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 266. (¬5) في (أ) و (ب): ((انفرد)) والمثبت من (ف) وهو الموافق لما في شرح التبصرة والتذكرة. (¬6) في (ف): ((به)). (¬7) لم ترد في (ب). (¬8) عند أحمد في " المسند " 1/ 98 و158. (¬9) التقييد والإيضاح: 114. (¬10) صحيح مسلم 2/ 63 - 64 (522) (4). (¬11) المعترض هو العلامة مغلطاي كما جاء في النكت لابن حجر 2/ 701 وبتحقيقي: 476.

والجواب: أنَّ فِي طرقهِ (¬1) التصريحَ بالترابِ، كما فِي روايةِ البيهقيِّ: ((وجعلَ ترابها لنا طهوراً (¬2))).)) هكذا قَالَ الشيخُ. ومتى جوّزنا طروقَ الاحتمالِ المذكورِ للأولِ جازَ فِي الثاني؛ فإنَّ التربةَ والترابَ واحدٌ، والأحسنُ منعهُ منْ أصلهِ؛ لأنهُ ينحلّ إِلَى أنَّ أرضَ الأرضِ طهورٌ، وَهُوَ تقديرٌ يجلّ عنهُ كلامُ آحادِ البلغاء، فكيفَ بمن أُعطِيَ جوامعَ الكلمِ (¬3) - صلى الله عليه وسلم - (¬4). قولُهُ: (وسائر الروايات) (¬5) أي: روايات حديثِ حذيفةَ لا غيره؛ فإنهُ وردتْ كما تقدّمَ منْ حديثِ عليٍّ - رضي الله عنه -، قَالَ الشيخُ فِي " النكت " (¬6): ((وذلك فيما رواهُ أحمد فِي "مسندهِ" (¬7) منْ روايةِ عبدِ اللهِ بنِ مُحَمَّدِ بْن عقيل، عنْ مُحَمَّدِ ابْن عَلِيٍّ الأكبرِ (¬8)، أَنَّهُ سمعَ عليَّ بنَ أَبِي طالب - رضي الله عنه - (¬9) يقولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((أُعطيتُ مالمْ يُعطَهُ أحدٌ منَ الأنبياء ... )) فذكرَ الحديثَ، وفيه: ((وجعل التراب لِي طهوراً))، وهذا إسنادٌ حسنٌ (¬10) / 158 أ / وقد رواهُ البيهقيُّ أيضاً ¬

_ (¬1) في التقييد: ((في بعض طرقه)). (¬2) السنن الكبرى 1/ 213. (¬3) في (ف): ((الكلام)). (¬4) ((- صلى الله عليه وسلم -)) لم ترد في (ب). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 266. (¬6) التقييد والإيضاح: 114. (¬7) مسند الإمام أحمد 1/ 98 و158. (¬8) وهو المشهور بمحمد بن الحنفية. (¬9) ((- رضي الله عنه -)) لم ترد في (ب) وهي من (أ) و (ف) والتقييد. (¬10) وهذا منه رحمه الله على رأي من حسن الرأي فِي عبد الله بن محمد بْن عقيل، وهو رأي البخاري وتلميذه الترمذي، فقد قال البخاري: ((مقارب الحديث))، وقال الترمذي: ((صدوق))، إلا أن آخرين ضعفوه منهم مالك بن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، =

الأفراد

فِي "سننهِ" (¬1) منْ هَذَا الوجهِ)). قولُهُ: (إنَّ الحكمَ لمنْ أرسلَ) (¬2)، قَالَ ابْن الصلاحِ: ((معَ أنَّ وصلَهُ زيادةٌ من الثقةِ (¬3))) (¬4). الأفراد (¬5) قولُهُ فِي الأفراد: 186 - الفَرْدُ قِسْمَانِ، فَفَرْدٌ مُطْلَقَاْ ... وَحُكْمُهُ عِنْدَ الشُّذُوْذِ سَبَقَا 187 - وَالفَرْدُ بِالنِّسْبَةِ: مَا قَيَّدْتَهُ ... بِثِقَةٍ، أوْ بَلَدٍ ذَكَرْتَهُ 188 - أوْ عَنْ فُلانٍ نَحْوُ قَوْلِ القَائِلْ ... لَمْ يَرْوِهِ عَنْ (بَكْرٍ) الاَّ (¬6) وَائِلْ ¬

_ = وأحمد بن حنبل، ويعقوب بن شيبة، وسفيان بن عيينة، ومحمد بن سعد، والجوزجاني، وأبو زرعة وأبو حاتم الرازيان، والنسائي، وابن خزيمة، وأبو داود، وابن حبان، والدارقطني. (¬1) سنن البيهقي 1/ 213. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 232. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 177، وانظر في هذا الموطن: محاسن الاصطلاح: 186. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((بلغ على المؤلف)). (¬5) انظر في الأفراد: معرفة علوم الحديث: 96، ومعرفة أنواع علم الحديث: 183، وجامع الأصول 1/ 175، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 232 - 233، والتقريب: 73 - 74، والمنهل الروي: 51، ورسوم التحديث: 85، والخلاصة: 48، واختصار علوم الحديث 1/ 189 وبتحقيقي: 144، والشذا الفياح 1/ 199، ومحاسن الاصطلاح: 95، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 268، وتنقيح الأنظار: 156، ونزهة النظر: 36، والمختصر: 121، وفتح المغيث 1/ 205، وألفية السيوطي: 42 - 43، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 98، وفتح الباقي 1/ 256، وتوضيح الأفكار 2/ 7، وظفر الأماني: 242، وشرح شرح نخبة الفكر: 232، واليواقيت والدرر 1/ 292، وقواعد التحديث: 128، ولمحات في أصول الحديث: 283. (¬6) الأصل في ((إلاّ)) أن تكون همزتها همزة قطع، لكن الوزن لا يستقيم بها، فأدرجها المصنف ليستقيم الوزن (أي جعلها همزة وصل)، وهذه ضرورة من ضرورات الشعر.

189 - لَمْ يَرْوِهِ ثِقَةٌ الاّ (ضَمْرَهْ) ... لَمْ يَرْوِ هَذَا غيرُ أهْلِ البَصْرَهْ 190 - فَإنْ يُرِيْدُوا وَاحِدَاً مِنْ أهْلِهَا ... تَجَوُّزَاً، فاجْعَلْهُ مِنْ أوَّلهِا 191 - وَلَيْسَ في أفْرَادِهِ النِّسْبِيَّهْ ... ضَعْفٌ لَهَا مِنْ هَذِهِ الحَيْثِيَّهْ 192 - لَكِنْ إذَا قَيَّدَ ذَاكَ بِالثِّقَهْ ... فَحُكْمُهُ يَقْرُبُ مِمَّا أطْلَقَهْ قولُهُ: (فاجعله من أولها) (¬1)، أي: منْ أولِ الأقسامِ، وَهُوَ الفردُ المطلقُ، كما سيجيءُ. قولُهُ: (عَن ابنه) (¬2) هُوَ من البنوّة، أي: ابْن الرَّاوي عنهُ وائل، فإنَّ بكراً (¬3) رَوَى عنهُ هشامُ بنُ عروةَ، وَهُوَ أكبرُ مِنْهُ، وأبوهُ وائلُ بنُ داودَ (¬4) فهو منْ روايةِ الأكابرِ عن الأصاغرِ. وقد رَوَى سفيانُ بنُ عيينةَ أيضاً عنْ بكرٍ، كما رَوَى عَن أبيهِ وائل، ورَوَى عَن الزهريِّ أيضاً. قولُهُ: (غريبٌ منْ حديثِ بكرِ بنِ وائل عنهُ) (¬5) أي: عنِ الزهريِّ (¬6). قولُهُ: (تفردَ بهِ وائلُ بنُ داود) (¬7)، أي: عَن ابنه بكرٍ. قولُهُ: (محمدُ بنُ الصلتِ التَّوزَّيُّ) (¬8) بمثناةٍ، وتشديدِ الواو المفتوحةِ (¬9)، ثُمَّ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (190). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 269. (¬3) هو بكر بن وائل التيمي الكوفي، صدوق من الثانية، توفي قديماً فروى أبوه عنه. الكاشف 1/ 275 ترجمة (637)، وتقريب التهذيب (752). (¬4) هو وائل بن داود التيمي أبو بكر الكوفي، ثقة من السادسة. تقريب التهذيب (7394). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 269. (¬6) من قوله: ((قوله: غريب ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 269. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 269. (¬9) في (أ) و (ف): ((مفتوحتين)).

زايّ. قولُ الدارقطني: ((والمحفوظُ ... )) إِلَى آخره. قَالَ شيخُنا: ((هذهِ الطريقُ هِيَ المعتمدةُ، ولا يضرنا روايةُ جماعةٍ لهُ عنْ ابنِ عيينةَ، عَن الزهريِّ بلا واسطةٍ)). قولُهُ: (قَالَ شيخنا علاءُ الدينِ ابنُ التركماني (¬1) ... ) (¬2) إِلَى آخرهِ، إنْ كانَ أرادَ أَنَّهُ تفرّدَ بروايتهِ عنْ عبيدِ اللهِ، عَن أَبِي واقدٍ، فهو صحيحٌ، وإنْ أرادَ أَنَّهُ انفردَ بالحديثِ منْ أصلهِ - وَهُوَ الظاهرُ منْ كلامهِ، وإلاَّ لقالَ: طريقُ أَبِي واقد، ولم يقل: حَدِيْث - فليسَ كذلك بدليلِ روايةِ ابْنِ لهيعةَ، فإنهُ وإنْ كانَ قَدْ ضعفَ لكنْ إنما ضعفَ لأجلِ أنَّ كُتبَهُ احترقتْ، فصارَ يُحدّثُ منْ حفظهِ، فربما غلطَ، فإذا عضدتْ حديثَهُ الشواهدُ ارتقَى إِلَى رتبةِ الصحيح (¬3). قَول الحَاكِم: ((تفرّدَ بِهَا أهلُ مصرَ)) (¬4). قَالَ شيخُنا: ((لَمْ يروهِ من أهلِ مصرَ إلا / 158 ب / عَمْرو بن الحارثِ عن حَمزَة بن يَحيَى المَازِنيِّ، فأطلقَ أهلَ البلدِ وأرادَ واحداً منهم)). قولُهُ: (تفرّدَ بهِ أبو زكيرٍ إِلَى قوله: وأرادَ بهِ واحداً منهم) (¬5) أي: وَهُوَ أبو زكير، وكذا (¬6) قولُهُ: ((عَن المدنيينَ))، يعني: عَن هشامِ بنِ عروةَ؛ فإنهُ مدنيٌّ. ¬

_ (¬1) هو علي بن عثمان بن إبراهيم بن مصطفى بن سليمان قاضي القضاة علاء الدين المارديني، المعروف بابن التركماني الحنفي، له مؤلفات عدة في الحديث وغيره، توفي سنة (749 هـ‍)، وقيل: (750 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 3/ 84 - 85، ومعجم المؤلفين 7/ 146. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 270. (¬3) انظر: ميزان الاعتدال 2/ 475. (¬4) معرفة علوم الحديث: 98. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 271. (¬6) من قوله: ((قوله: تفرد ... )) إلى هنا لم يرد في (ف).

المعلل

المعلل (¬1) قولُهُ: (المعلل) (¬2) قالَ ابنُ كثيرٍ: ((هُوَ فنٌ خفيٌّ عَلَى كثيرٍ منْ علماءِ الحديثِ، حَتَّى قالَ بعضُ حُفّاظهم: معرفتُنا بهذا كهانةٌ عندَ الجاهلِ)) (¬3) انتهى. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((اعلمْ أنَّ معرفةَ عللِ الحَدِيْثِ منْ أجلِّ علومِ الحديثِ، وأدقِّها، وأشرفِها، وإنما يضطلعُ (¬4) بذلك أهلُ الحفظِ والخبرةِ، والفهمِ الثاقبِ)) (¬5). قولُهُ: (وذلك موجودٌ فِي كلامِ الترمذيِّ ... ) (¬6) إِلَى آخره. قَالَ شيخُنا: ((وفي كلامِ البخاريِّ)) كما سيأتي آخرَ شرحِ هَذِهِ الأبيات. ¬

_ (¬1) انظر في الحديث المعلل: معرفة علوم الحديث: 112، ومعرفة أنواع علم الحديث: 186، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 234 - 248، والتقريب: 75 - 77، ورسوم التحديث: 77، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 70، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث 1/ 196 وبتحقيقي: 149، والشذا الفياح 1/ 202، ومحاسن الاصطلاح: 97، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 272، وتنقيح الأنظار: 162، ونزهة النظر: 72، والمختصر: 134، وفتح المغيث 1/ 209، وألفية السيوطي: 55 - 66، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 100، وفتح الباقي 1/ 260، وتوضيح الأفكار 2/ 25، وظفر الأماني: 363، وشرح شرح نخبة الفكر: 458، واليواقيت والدرر 2/ 64، وقواعد التحديث: 131، ولمحات في أصول الحديث: 262، وراجع كتاب: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272. (¬3) اختصار علوم الحديث 1/ 196 وبتحقيقي: 149. (¬4) تضلع: امتلأ رياً حتى بلغ أضلاعه، والمراد هنا: الامتلاء من العلم، انظر: لسان العرب مادة (ضلع). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 187. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 272.

قُلتُ: وَقَالَ المصنفُ فِي " نكتهِ عَلَى ابْنِ الصلاحِ " (¬1): ((وحكاهُ جماعةٌ منْ أهلِ اللغةِ منهم: قطربُ فيما حكاهُ اللّبليُّ، والجوهريُّ فِي " الصحاحِ " (¬2)، والمطرزيُّ فِي "المغرب")) (¬3). قَالَ شيخُنا: ((والأولى عندي أنْ يقالَ: معلولٌ؛ لأنها وقعتْ فِي عباراتِ أهلِ الفنِّ كما تقدّمَ، وهي لغةٌ، كما فِي كلامِ أَبِي إسحاقَ، وعلى مَا خرّجهُ سيبويهُ، وقد فَرّ ابنُ الصلاحِ منِ استعمالِ لغةٍ، هِيَ عَلَى زعمهِ رديئةٌ، فوقعَ بقوله: ((معلل)) فِي أشدِّ منْ ذلكَ باستعمالِ ما ليسَ منْ هذَا البابِ أصلاً، بلْ منْ بابِ التعللِ، الذِي هُوَ التشاغلُ والتلهي)). قولُهُ: (قُلتُ: والأجود) (¬4) يُفهمُ أنَّ فِي استعمالِ ((معللٍ)) جودةً مَا، وليسَ كذلكَ؛ فإنهُ لا يجوزُ أصلاً، فيحمل عَلَى أنَّ مرادَ الشيخِ أَنَّهُ أجودُ منَ ((المعلولِ)). قولُهُ: (واستعمل أبو إسحاق) (¬5) هُوَ الزجاجُ (¬6)، إن شاءَ اللهُ تعالى (¬7). قُلتُ: قولُهُ: (ثُمَّ قَالَ: والمتكلمون) (¬8) الضميرُ / 159 أ / فِي ((قالَ)) لصاحبِ "المحكم" وكذا فِي (قَالَ: وبالجملة). قولُهُ: (ولا ثلج) (¬9)، وَقَالَ صاحبُ "القاموس" (¬10): ((والعِلّة -بالكسرِ- ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 116. (¬2) الصحاح مادة (علل). (¬3) المغرب في ترتيب المعرب: 326. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273. (¬6) انظر ترجمته في: تأريخ بغداد 6/ 89، ومعجم الأدباء 1/ 130. (¬7) ((تعالى)) لم ترد في (ب). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 273. (¬10) القاموس المحيط مادة (علل).

المرضُ، علّ يَعِلُّ، واعْتلَّ، وأعلَّه اللهُ، فهو مُعَلٌّ، وعليلٌ، ولا تقل: معلولٌ، والمتكلمون يستعملونها، ولستُ منهُ عَلَى ثلجٍ)). والثلجُ - بالمثلثةِ والجيمِ محرّكاً -: الطمأنينةُ، قَالَ فِي مادةِ ((ثلج)): ((وثلجَتْ نفسي كنَصَرَ وفَرحَ ثلوجاً وثلجاً: اطمأنت)) (¬1). قولُهُ: (قالوا: وإذا قالوا) (¬2) كذا هُوَ فِي جميعِ النُّسخِ الَّتِيْ وقفتُ عَلَيْهَا من هَذَا الشرحِ بلفظِ: ((قالوا))، وكذا هُوَ فِي " نكتهِ عَلَى ابنِ الصلاحِ" (¬3)، والظاهرُ أَنَّهُ سَبقُ قلمٍ، وأنهُ ((قَالَ)) والضميرُ فيهِ إما لسيبويهِ، أو لصاحبِ " المحكم ". قولُهُ: (كما قالوا: حُرِقَ وفُسِلَ) (¬4) أي: مبنيينِ للمفعولِ، والقاعدةُ أنَّ مثلَ هَذَا البناءِ لا يكونُ إلا منْ معدّىً، ولا تعديةَ هنا. قَالَ فِي " القاموس " (¬5): ((الفَسْلُ الرَّذْلُ الذِي لا مروءةَ لهُ، كالمفسولِ، فَسُل كَكَرُمَ وعلمَ وعنِيَ فَسالةً وفُسولةً)). وَقَالَ ابْنُ القطاعِ: ((وحَرِقَ الرجلُ - أي: كغنيَ -: زالَ حقُّ وركهِ)). وَقَالَ الزبيديُّ فِي " مختصر العين ": ((والحارقةُ عصبةٌ متصلةٌ بَيْنَ وابلةِ الفخذِ والعضدِ، وإذا انقطعتِ الحارقةُ لَمْ تلتئمْ)). وقيلَ: ((رجلٌ محروقٌ، وقد حرقَ)) وكذا قَالَ عَبْدُ الحقِّ في "الواعي" إلا أَنَّهُ قَالَ: ((بَيْنَ وابلة الفخذِ والوركِ)) وَقَالَ: ((فإذا انقطعتِ الحارقةُ، قيلَ: حَرِقَ الرجلُ فهو محروقٌ، ويقالُ ذَلِكَ إذا زالَ حقُ وركهِ. وحرَّقتُ الرجلَ (¬6) تحريقاً: إذا فعلت بهِ ذلكَ)). انتهى. والوابلةُ - بالموحدةِ - طرفُ رأسِ ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (ثلج). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274. (¬3) التقييد والإيضاح: 116. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274، وانظر بلابد تعليقنا هناك. (¬5) القاموس المحيط مادة (فسل). (¬6) من قوله: ((فهو محروق ... )) إلى هنا لم يرد في (ب).

العضدِ والفخذِ، أو طرفُ الكتفِ، أو عظمٌ فِي مفصلِ الركبةِ، أو مَا التفَّ منْ لحمِ الفخذِ، قاله فِي " القاموس ". (¬1) فثبتَ أنَّ هذين الفعلينِ لم يستعملا إلا لما لَمْ يسمَّ فاعلهُ، بمعنى جعلَ مِنْهُ (¬2) الحرقُ والفسلُ استغناءاً عَن / 159 ب / معداهما الَّذِي هُوَ حَرَقهُ وفَسَلهُ منْ غيرِ همزةٍ، ولا تضعيفٍ بأفعلتُ أو فعَّلتُ بهمزةِ النقلِ، أو التضعيفِ، والله أعلم. قولُهُ: (والعلةُ: عبارةٌ .. ) (¬3) إِلَى آخرهِ. قُلتُ: فإذا أردتَ تعريفَ المعلولِ منْ هَذَا التعريفِ، قلتَ: هُوَ الخبرُ الَّذِي فيهِ أسبابٌ خفيةٌ طرأتْ عليهِ، فأثّرتْ فِيهِ. قَالَ شيخُنا: ((وأحسنُ من هَذَا أنْ يقالَ: هُوَ خبرٌ ظاهرهُ السلامةُ اطلعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ عَلَى قادحِ)). فَقُلت لَهُ: فحينئذٍ يكفي أنْ يقالَ: مَا اطلعَ فيهِ بعدَ التفتيشِ عَلَى قادحٍ (¬4). ويفهمُ منَ التقييدِ بالتفتيش أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ، فقالَ: ((لا يلزمُ ذلكَ، بل قَدْ يطلعُ فِي الخبرِ الَّذِي ضعفُهُ ظاهرٌ عَلَى علةٍ خفيةٍ أيضاً، وهذهِ لا يمكنُ أنْ تكونَ قادحةً، فإنها صادفتْهُ ضعيفاً مقدوحاً فيهِ)). فَقُلْت: فحينئذٍ يخرجُ هَذَا (¬5) منْ هَذَا الحدِّ بالتقييدِ بقادحٍ، فلا يكونُ معلولاً إلاّ إذا قدحتْ فِيهِ العلةُ الخفيةُ. ويقال أيضاً فِي حدّه: هُوَ خبرٌ ظاهرهُ السلامةُ اطلعَ فيهِ عَلَى قادحٍ. ولا حاجة إِلَى ذكرِ التفتيشِ، فإنهُ يفهمُ منَ العبارةِ، والتقييدِ بظهورِ السلامةِ يخرجُ ما علّتهُ ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (وبل). (¬2) في (ف): ((فيه)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274. (¬4) من قوله: ((فقلت له: ... )) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬5) أي: الحديث الذي ضعفه ظاهر.

ظاهرةٌ، وجَعلُ الشَّيْخِ ما ذكرهُ تفسيراً للعلةِ، يُفهمُ أنها لا تسمَّى علةً إلا إذا كانتْ موصوفةً بما ذَكَرَ. قَالَ شيخنا: ((وفيه نظرٌ، وإنما هذا تفسيرٌ للمعلولِ، وهذا الوصفُ غيرُ لازمٍ للعلةِ؛ فالعلةُ أعمُّ منْ أنْ تكونَ بهَذَا الوصف أم لا)). وعبارةُ ابْن الصلاحِ: ((فالحديث المعلول (¬1): هُوَ الَّذِي اطلعَ فيهِ عَلَى علةٍ تقدحُ فِي صحتهِ، معَ أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ مِنْهَا. ويتطرقُ ذَلِكَ إِلَى الإسنادِ الَّذِي رجالهُ ثقاتٌ، الجامعِ شروطَ الصحةِ منْ حيثُ الظاهرُ (¬2). ويستعانُ / 160 أ / عَلَى إدراكها بتفرّدِ الرَّاوي .. )) (¬3) إِلَى آخر مَا فِي الشرحِ. وقالَ الحَاكِمُ: ((إنما يعلُّ الحديثُ منْ أوجهٍ ليسَ للجرحِ فيها مدخلٌ، فإنَّ حديثَ المجروحِ ساقطٌ - أي: ظاهرُ السقوطِ والمعلولُ يوجدُ فِي حديثِ الثقاتِ؛ لأنهم يحدثونَ بالحديثِ فيخفَى عليهم، والحجةُ فيهِ العلمُ والفهمُ)) (¬4). قَالَ شيخُنا: ((فعلى هَذَا لا يُسمَّى المنقطعُ، ولا المعضلُ، ولا الضعيفُ معلولاً، وإنما يُسمَّى بذلكَ إذا آلَ أمرُهُ إِلَى شيءٍ منْ ذلكَ مَعَ كونِ ظاهرهِ السلامةَ)) (¬5). وهذا الفنُّ أغمضُ الأنواعِ وأدقُّها مسلكاً، ولا ينهض بهِ إلا أئمةُ هَذَا الشأنِ وحذاقُهمُ، ولهذا لم يتكلمْ فيهِ إلاَّ أفرادٌ منهم (¬6)، وقد تقصرُ عبارةُ الواحدِ منهم، فلا ¬

_ (¬1) الذي في معرفة أنواع علم الحديث: ((المعلل)). (¬2) جاء في حاشية نسخة (أ): ((بلغ قراءة الشيخ شهاب الدين الشافعي نفع الله به قراءة بحث وسمع الجماعة، قاله مؤلفه إبراهيم البقاعي)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 187. (¬4) معرفة علوم الحديث 112 - 113. (¬5) ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله نحو هذا الكلام في نكته 2/ 710 وبتحقيقي: 484، ثم قال: ((وفي هذا رد على من زعم أن المعلول يشمل كل مردود)). (¬6) مثل: علي بن المديني، وأحمد، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، وأبي حاتم، وأبي زرعة، والدارقطني. انظر: فتح المغيث 1/ 255.

يفصحُ بما قامَ فِي نفسهِ من الترجيحِ، ومن ثمةَ يحيلُ الشافعيُّ مَعَ إمامتهِ عَلَى أئمةِ الحديثِ فِي كتبهِ. فعلى هَذَا فما جَزَمَ الواحدُ منهم بكونهِ معلولاً، ولم يخالفْ، فالأصل أن يُتبعَ، فإن خُولفَ نظرَ في الترجيح بَيْنَهُمَا، ووجوهُ الترجيح كثيرةٌ لا ضابطَ لها بالنسبةِ إِلَى جميعِ الأَحَادِيث، بلْ كلُّ حَدِيْثٍ يقومُ بهِ ترجيحٌ خاصٌّ. قولُهُ: (وأنشد الأخفش) (¬1) الشاهدُ فِي قولهِ: ((وأومتْ))، أصلهُ: وأومأتْ. قولُهُ: (وإنْ لَمْ يغلبْ عَلَى ظنهِ صحةُ التعليل .. ) (¬2) إِلَى آخره، قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكلُ ذلكَ مانعٌ منَ الحكمِ بصحة مَا وجدَ ذلكَ فيهِ)) (¬3). أي: لا يقالُ كَيْفَ يتوقفُ الجهبذ عنِ الحكمِ بصحتهِ، والحالُ أنَّ ظاهرَهُ السلامةُ، ولم يظهرْ لَهُ فيهِ قادحٌ، بل يتوقفُ عنِ الحكمِ بالصحةِ، ولو لَمْ يغلبْ عَلَى ظنهِ صحةُ كونهِ معلولاً، ويكفي فِي الإعلالِ والإيقافِ عَن الجزمِ بالصحةِ وجودُ الشكِّ، بأنْ تظهرَ قرينةٌ واهيةٌ مانعةٌ من الحكمِ بالصحةِ، وإنْ لَمْ يقدرْ عَلَى التعبير / 160 ب / عَنْهَا. وقولُهُ: (التعليل) (¬4) عُرفَ مِمَّا مضى أنَّ صوابَهُ: الإعلالُ، ومنْ أمثلةِ المعلولِ أحاديثُ رواها أهلُ الكوفةِ عنْ عبدِ الرَّحْمَانِ بنِ يزيدَ، وذلكَ أَنَّهُ كَانَ فِي الشامِ رجلانِ كلٌّ منهما يُسمَّى عَبْدَ الرَّحْمَانِ بنَ يزيدَ، وأحدُهما اسمُ جدّهِ جابرٌ وَهُوَ أزديٌّ دارانيٌّ (¬5)، ثقةٌ مشهورٌ، رَوَى عَنْهُ الستة (¬6)، والآخرُ اسم جدهِ تميمٌ وَهُوَ سلميٌّ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 274. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 188. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275. (¬5) عبارة: ((أزدي داراني)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬6) عبارة: ((روى عنه الستة)) لم ترد في (ب) و (ف).

دمشقيٌّ (¬1) ضعيفٌ، لَيْسَ لَهُ شهرةٌ رَوَى عَنْهُ النسائي، وابنُ ماجه، وليسَ لَهُ في النسائي سوى حديثٍ واحدٍ (¬2) فاتفقَ أَنَّهُ قَدِمَ الكوفةَ فحدّثَ بِهَا، فسألوهُ: مَن أنتَ؟ فَقَالَ: عَبْد الرَّحْمَان بن يزيدَ، فظنوهُ ابنَ جابرٍ الثقةَ المشهورَ، فكانَ بعضُهم (¬3) إذا رَوَى عنهُ زادَ فِي نسبهِ، فقالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بنُ يزيدَ بْنِ جابرٍ الدمشقيُّ، ويسوقُ الأحاديثَ الَّتِيْ سمعها من ابن تميمٍ، وهي ضعيفةٌ، فيجيءُ الحفَّاظُ فيروونَ تلكَ الأحاديثَ، فيضعفونَ بسببها الراوي لها عن (¬4) عَبْدِ الرَّحْمَانِ؛ لأنَّهُ ثقةٌ مشهورٌ. وأمَّا الناقدُ منهم فيعرفُ أنَّ ابنَ جابرٍ لَمْ يرحلْ منْ دمشقَ، فيتحققُ أنَّ المرويَّ عَنْهُ ابنُ تميمٍ، فينسُبُ الضعفَ إليه، ويعلمُ أنَّ الراوي عَنْهُ (¬5) غلطَ فِي نسبتهِ إِلَى ابنِ جابرٍ. وعنْ خطِّ شيخِنا، أَنَّهُ قَالَ: ((ومنَ الأمثلةِ اللطيفةِ ما ذكرهُ ابنُ أَبِي حاتمٍ فِي حَدِيْثِ حمادِ بنِ سَلَمَةَ، عَن عكرمةَ بنِ خالدٍ، عَن ابنِ عُمَرَ رفعه: ((من باعَ عبداً .. )) (¬6) الحَدِيْث، فَقَالَ: كنتُ أستحسنهُ حَتَّى رأيتَهُ فِي حَدِيْثِ بعضِ الثقاتِ: عنْ عكرمةَ بنِ خالدٍ، عَن الزهريِّ، فعادَ الحديثُ إِلَى الزهريِّ، والزهريُّ إنما رواهُ عنْ سالم، عن أبيه، وَهُوَ معلولٌ؛ لأنَّ نافعاً رواهُ عَن ابْن عُمَرَ منْ قولهِ، وهذا غايةٌ فِي الدقةِ؛ فإنَّ هذهِ الروايةَ فِي الظاهرِ كانتْ متابعةً قويةً لحديث سالمٍ، لكنّها بالتفتيشِ رجعتْ إليهِ (¬7))). ¬

_ (¬1) عبارة: ((سلمي دمشقي)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬2) من قوله: ((روى عنه النسائي ... )) إلى هنا لم يرد في (ب) و (ف). (¬3) وهؤلاء البعض هم: أبو أسامة ((حماد بن أسامة))، وحسين الجعفي. انظر: تهذيب التهذيب 6/ 261. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) كلام ابن أبي حاتم الآتي، ورد عقب حديث: ((من باع نخلاً قد أبرت فثمرتها للبائع، إلا أن يشترط المبتاع)). العلل 1/ 377 (1122). (¬7) انظر: النكت لابن حجر 2/ 712 - 713 وبتحقيقي: 487.

قولُهُ: (ويعتبر بمكانهم) (¬1)، أي: ويعتبرُ / 161 أ / الخطأُ والصوابُ بمكانِهم منَ الحفظِ. قولُهُ: (فكثرَ فيهِ لغطهُ ... ) (¬2) الحَدِيْث. تمامُهُ: ((فقالَ: سبحانكَ اللهمَّ وبحمدكَ، أستغفرُكَ، وأتوبُ إليكَ، قبلَ أنْ يقومَ منْ مقامهِ، غُفِرَ لَهُ مَا وقعَ فِي ذلكَ المجلسِ)) (¬3). قولُهُ: (حدَّثنا بِهِ موسى بنَ إسماعيلَ) (¬4) هُوَ أبو سلمةَ المنقريُّ. (حَدَّثَنَا وهيبٌ) هُوَ ابنُ خالدٍ الباهليُّ أبو بكرٍ البصريُّ، وشيخهُ سهيل بن أَبِي صالحٍ، و (عونُ بنُ عَبْد الله) هُوَ ابنُ عتبةَ بن مسعودٍ. قَالَ البخاريُّ: ((سمعَ أبا هريرةَ، وابنَ عمرَ، ويقالُ: إنَّ روايتَهُ عَن الصحابةِ مرسلةٌ)). ذكرهُ البخاريُّ فيمنْ ماتَ مَا بينَ عشرةَ إِلَى عشرينَ ومئةٍ (¬5). قولُهُ: (وغالبُ ظني أنَّ هذهِ الحكايةَ ليست بصحيحةٍ) (¬6) قَالَ شيخُنا: ((بل هِيَ صحيحةٌ، وأحمدُ بن حمدونَ القصارُ ثقةٌ حافظٌ كبيرٌ، تُكلِّمَ فيهَ بكلامٍ غيرِ قادحٍ، وَهُوَ المعروفُ: بأبي حامدٍ الأعمشيِّ، نسبة إِلَى الأعمشِ؛ لاعتنائهِ بحديثهِ)) (¬7). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 275. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276. (¬3) أخرجه: أحمد 2/ 369 و494، والترمذي (3433)، والنسائي في "الكبرى" (10230)، وفي "عمل اليوم والليلة"، له (397)، والطحاوي في "شرح المعاني" 4/ 289، وابن حبان (593)، والطبراني في "الأوسط" (77) و (6580)، وابن السني في "عمل اليوم والليلة" (447)، والبغوي (1340). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276. (¬5) انظر: التاريخ الصغير 1/ 308. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 276. (¬7) انظر: النكت لابن حجر 2/ 715 وبتحقيقي: 490.

قَالَ الحَاكِمُ: ((كَانَ من الحفّاظِ، وكانَ مزَّاحاً، وكانَ أبو عَلِيّ النيسابوريُّ، يقولُ: حدثنا أحمدُ بنُ حمدونَ إنْ حلَّتِ الروايةُ عنهُ)) قَالَ الحَاكِمُ: ((فقلتُ لَهُ: أهَذَا (¬1) الَّذِي تذكرُهُ فيهِ من جهةِ المُجُونِ، أو لشيءٍ أنكرتهُ؟ فقالَ: لشيءٍ أنكرتُهُ. فقلتُ لَهُ: مثلُ ماذا؟ فذكرَ أحاديثَ، فقلتُ لَهُ: أبو حامدٍ مظلومٌ فيما ذكرتَ كلَّهُ، وحكيتُ للحافظِ أَبِي الحسينِ الحجّاجي ذَلِكَ، فصوّبَ قولي، وَقَالَ: أحاديثُهُ كلُّها مستقيمةٌ))، وذكر أنَّ ابنَ خزيمةَ كَانَ يرجعُ إليهِ فِي حديثِ الأعمشِ، ثُمَّ ساقَ الحاكمُ عدةَ أحاديثَ مِمَّا كانَ يمزحُ بهِ، ثمَ قَالَ: وإنما سقتُ هَذَا لتعرفَ أنَّ الَّذِي أُنكِرَ عليهِ إنما سببهُ المزحُ الَّذِي كانَ فيهِ، فأمّا الانحرافُ عنِ اسمِ أهلِ / 161 ب / الصدقِ فلا. (¬2) قَالَ شيخنا: ((والحاملُ لشيخنا عَلَى تهمةِ أَبِي حامدٍ استبعادهُ أنْ يكونَ البخاريُّ قَالَ: ((لا أعرفُ فِي البابِ إلاّ هَذَا الحديثَ)) معَ أنَّ فِي البابِ جملةَ أحاديثَ عنْ جماعةٍ من الصحابةِ غيرِ (¬3) أَبِي هريرةَ)). قُلتُ: قَالَ فِي " النكت " (¬4): ((وهم: أبو برزةَ الأسلميُّ (¬5)، ورافعُ بنُ خديجٍ (¬6)، وجبيرُ بن مطعم (¬7)، والزبيرُ بن العوامِ (¬8)، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ (¬9)، ¬

_ (¬1) في (ف): ((هذا)). (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 553 - 554. (¬3) في (أ) و (ب): ((عن)). (¬4) التقييد والإيضاح: 118. (¬5) أخرجه: أبو داود (4859)، وأبو يعلى (7426)، والحاكم 1/ 537. (¬6) أخرجه: الطبراني في "الكبير" 4/ 287 (4445) وفي "الصغير"، له 1/ 222، والحاكم 1/ 537، وجود إسناده المنذري في "الترغيب والترهيب" 2/ 412. (¬7) عزاه العراقي في "تخاريج الإحياء" 3/ 1141 إلى ابن النجار، وهو عند الطبراني في "الكبير" 2/ 138 - 139 (1586) و (1587)، والحاكم في "المستدرك" 1/ 537. (¬8) عزاه الهيثمي في "المجمع" 10/ 141 للطبراني في الصغير والأوسط. (¬9) عزاه الهيثمي في "المجمع" 10/ 141 للطبراني في والأوسط.

وعبدُ اللهِ بنُ عمرٍو، وأنسُ بنُ مالكٍ، والسائبُ بن يزيدَ، وعائشةُ، وقد بيّنتُ هذهِ الطرقَ كلَّها فِي "تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ" (¬1) للغزالي)). انتهى. رجع إِلَى كلامِ شيخِنا، قَالَ: ((والحقُّ أنَّ هذهِ اللفظةَ - وهي قولهُ: ((فِي البابِ)) - وردتْ عَلَى سبيلِ الخطأ، والآفةُ فيها من الحَاكِمِ حال كتابتهِ فِي " علوم الحَدِيْثِ " (¬2)، وقد رواها خارجَ الكتابِ المذكورِ عَلَى الصوابِ، أوردَها عَنْهُ البيهقيُّ في "المدخلِ" (¬3) والخطيبُ (¬4) وغيرُهما بلفظِ: ((لا أعرفُ فِي الدنيا لهذا الإسنادِ إلا هَذَا الحديثَ))، وكذا رواها الخليليُّ في "الإرشاد" (¬5)، منْ غيرِ طريقِ الحاكمِ بهذا اللفظِ، موضعَ قوله: ((فِي هَذَا الباب))، وهذا هُوَ الصوابُ، وهي عبارةٌ صحيحةٌ غيرُ مدخولةٍ، فلعلَّ الحاكمَ اعتَمدَ فيما نقلهُ فِي " علومِ الحَدِيْثِ " عَلَى حفظهِ فَوَهِمَ)). قوله: 199 - وَهْيَ تَجِيءُ غَالِباً في السَّنَدِ ... تَقْدَحُ في المتْنِ بِقَطْعِ مُسْنَدِ 200 - أوْ وَقْفِ مَرْفُوْعٍ، وَقَدْ لاَ يَقْدَحُ ... (كَالبَيِّعَانِ بالخِيَار) صَرَّحُوا 201 - بِوَهْمِ (يَعْلَى بنِ عُبَيدٍ): أبْدَلا ... (عَمْراً) بـ (عَبْدِ اللهِ) حِيْنَ نَقَلا 202 - وَعِلَّةِ المتْنِ كَنَفْي البَسْمَلَهْ ... إذْ ظَنَّ رَاوٍ نَفْيَها فَنَقَلَهْ 203 - وَصَحَّ أنَّ أَنَساً يَقُوْلُ: ... (لا أحْفَظُ شَيْئاً فِيهِ) حِيْنَ سُئِلاَ ¬

_ (¬1) تخاريج الإحياء 2/ 818 و819 و3/ 1140. (¬2) معرفة علوم الحديث: 113 فقد قال: ((هذا حديث من تأمله لم يشك أنه من شرط الصحيح، وله علة فاحشة)). هكذا قال مع أنه أخرج الحديث في "المستدرك" 1/ 536 - 537 وقال: ((هذا الإسناد صحيح على شرط مسلم إلا أن البخاري قد علله بحديث وهيب عن موسى بن عقبة ... )). (¬3) في الجزء المفقود من هذا الكتاب، وهو الخاص بالمصطلح. (¬4) تأريخ بغداد 2/ 29 و13/ 102 - 103. (¬5) الإرشاد 3/ 960 - 961 (249).

الضميرُ فِي ((وهي)) يعودُ عَلَى العلة القادحةِ الخفيةِ. قولهُ: (قَدْ تقدحُ فِي صحةِ المَتْن ... ) (¬1) إِلَى آخرهِ، كلامٌ لا يضبطُ المرادَ، والكلامُ الضابطُ لهُ أنْ يقالَ: الحديثُ لا يخلو إما أنْ يكونَ فرداً، أو لهُ أكثرُ منْ إسنادٍ، فالأولُ: يلزمُ منَ القدحِ في سندهِ، القدحُ فِي متنهِ، وبالعكسِ. / 162أ / والثاني: لا يلزمُ منَ القدحِ فِي أحدهما القدحُ فِي الآخرِ (¬2). قوله: (فكالتعليلِ بالإرسالِ والوقفِ) (¬3) أي: بشرطِ أنْ يَقوَى ذَلِكَ عَلَى الاتصال والرفعِ، أو يستويا، وأمّا إذا كَانَ الاتصالُ مثلاً أقوى فلا عبرةَ بمخالفهِ. هَذَا مرادُ الشيخِ، وإنْ لَمْ يؤدّهِ كلامُهُ. قوله: (وأمّا علةُ الإسنادِ الَّتِيْ لا تقدحُ فِي صحةِ المتنِ فكحديثِ ... ) (¬4) إِلَى آخره، إنما لم تقدحْ فِيهِ؛ لأنهُ رُوِيَ من غيرِ هَذِهِ الطريقِ، من روايةِ من هو أحفظُ من يعلى بن عُبيدٍ بما يخالفُ روايتَهُ، فرجّحَ قولَهم عَلَى قوله، فكانتْ روايتُهُ شاذةً، وعلمَ بالتأمّلِ أنَّ سببَ وَهْمِ يعلى أَنَّهُ سلكَ الجادّةَ فِي عَمْرِو بنِ دينارٍ، فَوَهِمَ. قَالَ شيخُنا: ((وعبدُ اللهِ ليسَ أخا عَمْرِو)). قولهُ: (هكذا رواه الأئمة منْ أصحابِ سفيانَ) (¬5) أفردَ لهُ أبو نعيمٍ جزءاً منْ طريقِ عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ، فبلغَ نحوَ الخمسينَ نفساً. قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((وكلاهما - ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279. (¬2) انظر: النكت لابن حجر 2/ 746 - 748 وبتحقيقي: 515 - 516. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 279.

أي: عَمْرٌو وعبد اللهِ- ثقةٌ)) (¬1) أي: فلهذا لَمْ يقدحْ الخلفُ فيها فِي المتنِ. قُلتُ: قوله (أبدل عَمراً ... ) (¬2) إِلَى آخرهِ، ليْسَ الأمرُ فِي هَذَا كما ذَكر، وإنما تدخلُ الباءُ هنا عَلَى المأخوذِ، وكأنك قُلتَ: ((غيرّ عَمراً، وأخذ عَبْدَ اللهِ بدلَهُ))، وهذهِ المادةُ يفترقُ الحالُ فيها بَيْن الإبدالِ والتبديلِ، والاستبدالِ والتبدُّلِ، وغيرِ ذَلِكَ، وهي كثيرةُ الدورِ مشتبهةُ الأمرِ، وقد حقّقها شيخُنا محققُ زمانهِ قاضي الشافعيةِ بالديارِ المصريةِ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيّ القاياتيُّ - رحمه الله - فقالَ - فيما علّقتهُ عنهُ، وذَكَرَ أكثرَهُ فِي شرحهِ لخطبةِ "منهاجِ" النوويِّ -: اعلمْ أنَّ هَذِهِ المادةَ - أعني: الباءَ والدالَ واللامَ مَعَ / 162 ب / هَذَا الترتيب -: قدْ يذكرُ معها المتقابلانِ (¬3) فقطْ، وقد يذكرُ معهما غيرُهما، وقدْ لا يكونُ كذلكَ. فإنْ اقتصرَ عَلَيْهِمَا: فقدْ يذكرانِ مَعَ التبدل والاستبدالِ، مصحوباً أحدهما بالباءِ، كما فِي قوله تعالى: {أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ} (¬4) وفي قولهِ تعالى: {وَمَنْ يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالإيمَانِ ... } الآية (¬5). فتكون الباءُ داخلةً عَلَى المتروكِ، ويتعدَّى الفعلُ بنفسهِ للمقابلِ المتخذِ. وقد يذكرانِ مَعَ التبديلِ والإبدالِ، وأحدُهما مقرونٌ بالباءِ، فالباءُ داخلةٌ عَلَى الحاصلِ، ويتعدَّ الفعلُ بنفسهِ إِلَى المتروكِ. نقلَ الأزهريُّ، عَن ثعلبَ: بدّلتُ الخاتمَ بالحلقةِ: إذا أذبتُهُ وسويتُهُ حلقةً، وبدّلتُ الحلقةَ بالخاتمِ: إذا أذبتُها وجعلتُها خاتماً، وأبدلتَ الخاتمَ بالحلقةِ: إذا نحيتَ هَذَا، وجعلتَ هَذِهِ مكانَهُ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 189. (¬2) التبصرة والتذكرة (201). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((مثل: عَمْرو وعبد الله)). (¬4) البقرة: 61. (¬5) البقرة: 108.

وحَكَى الهرويُّ فِي "الغريبين" (¬1): عَن ابنِ عرفةَ - يعني: نفطويهِ -: أَنَّهُ قَالَ: ((التبديلُ: تغييرُ الشيء عنْ حالهِ، والإبدالُ: جعلُ الشيءِ مكانَ آخرَ)). وتحقيقهُ: أنَّ معنى التبديلِ: التغييرُ وإنْ لَمْ يؤتَ ببدلٍ، كما ذكر فِي "الصحاحِ" (¬2)، وكما هُوَ مقتضَى كلامِ ابنِ عرفةَ. فحيثُ ذكر المتقابلانِ، وقيل: بدَّلتُ هَذَا بذاك رجع حاصل ذَلِكَ: أنك أخذت ذاك وأعطيت هَذَا، فإذا قيلَ: بدّلَ الشيءَ بغيرهِ، فمعناه: غيّر الشيء بغيرهِ، أي: تركَ الأول وأخذ الثاني، فكانت الباءُ داخلةً عَلَى المأخوذ لا المنحى، ومعنى إبدال الشيء بغيرهِ يرجعُ إِلَى تنحية الشيء / 163 أ / وجعل غيره مكانهُ، فكانت الباءُ داخلةً عَلَى المتخذ مكان المنحى. وللتبديلِ - ولو مَعَ الاقتصارِ عَلَى المتقابلينِ - استعمالٌ آخرُ يتعدَّى إِلَى المفعولينِ بنفسهِ، كقولهِ تعالى: {فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (¬3)، {فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْراً مِنْهُ .. } (¬4) الآية، بمعنى: يجعلُ الحسناتِ بدلَ السيئاتِ، ويعطيهما بدلَ مَا كَانَ لهما خيراً، وقد لا يَذكرُ المذهوبَ، كما فِي قوله تعالى: {بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} (¬5)، ومعنى التبدّلِ (¬6) والاستبدالِ: أخذُ الشيءِ مكانَ غيرهِ، فإذا قُلتَ: استبدلتُ هَذَا بذاكَ، أو تبدّلتُ هَذَا بذاكَ، رجعَ حاصلُ ذَلِكَ: أنك أخذتَ هَذَا، وتركتَ ذاكَ. ¬

_ (¬1) أي: غريب القرآن والحديث. (¬2) الصحاح مادة (بدل). (¬3) الفرقان: 70. (¬4) الكهف: 81. (¬5) النساء: 56. (¬6) في (ب): ((التبديل)).

وإنْ لَمْ يقتصرْ عَلَيْهِمَا، بل ذكرَ معهما غيرَهما، وأحدُهما مصحوبٌ بالجارِّ، وذَكرَ التبديلَ، كما فِي قولهِ تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ} (¬1) تعدَّى الفعلُ بنفسهِ إِلَى المفعولينِ، يعني: إلى المفعولِ ذَلِكَ لأجلهِ، وإلى المأخوذِ بنفسهِ، وإلى المذهوبِ المبدلِ منهُ بالباء، كما في: ((بدّلهُ بخوفهِ أمناً)) معناهُ (¬2): أزالَ (¬3) خوفَهُ إلى الأمنِ. وقد يتعدَّى إِلَى المذهوبِ - والحالةُ هذهِ - بمِنْ، كما فِي ((بدّلهُ منْ خوفِهِ أمناً)) وللتبديلِ استعمالٌ آخرُ يتعدَّى إِلَى مفعولٍ واحدٍ، مثل: بدلتُ الشيءَ، أي: غيرّتَهُ، قَالَ تعالى: {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ} (¬4) عَلَى أنَّ هاهنا مَا يجبُ التنبهُ له، وَهُوَ أنَّ الشيء يكون مأخوذاً بالقياسِ والإضافةِ إِلَى شيءٍ، متروكاً بالقياسِ والإضافةِ إِلَى آخرَ، كما إذا أعطى شخصٌ شخصاً شيئاً، وأخذَ بدلَهُ مِنْهُ، فالشيءُ الأولُ مأخوذٌ للشخصِ / 163 أ / الثاني، ومتروكٌ للأولِ، والمقابلُ بالعكسِ، فيصحُّ أنْ يعبّر بالتبدّلِ والتبديلِ، ويعتبرَ فِي كلٍّ منهما مَا يناسبهُ، ولإشكالِ المقامِ قَصَدنا إِلَى بعضِ الإطنابِ. انتهى. فلو قَالَ: ((بعمرو وعبد الله)) غير مصروفٍ لاستقامَ وزناً ومعنى. قوله (¬5): (قَالَ ابْن عَبْد البر: وَهُوَ عندهم خطأ) (¬6) يعني: زيادةَ ذكرِ ((رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -)) وإنما الصوابُ المحفوظ: ((وراءَ أَبِي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ)). ¬

_ (¬1) سبأ: 16. (¬2) في (ف): ((ومعناه)). (¬3) في (ب): ((زال)). (¬4) البقرة: 181. (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281.

قوله: (وحديثُ أنسٍ قَدْ أعلهُ الشّافعيُّ) (¬1) يعني: هَذَا الَّذِي فيهِ التصريحُ بنفيِ البسملةِ. قوله: (فإنْ قَالَ قائلٌ) (¬2) هَذِهِ كيفيةُ التعبير بالسؤالِ الَّذِي أوردهُ الشافعيُّ، ثُمَّ أجابَ عَنْهُ بقوله: ((قيل لَهُ)). وقوله: (فذكرهُ) (¬3) أي: الحديثَ الَّذِي رواهُ الوليدُ، عن مالكٍ، ذَكرَهُ الشافعيُّ، واختصرَهُ الشيخُ هنا لذكرهِ لَهُ قَبْلُ. والفزاريُّ: هُوَ مروانُ بنُ معاويةَ، والثقفيُّ: هُوَ عبدُ الوهابِ بن عَبْدِ المجيدِ. قوله: (مؤتفقين) (¬4) يعني: فِي روايتِهم لهُ عنْ حُميدٍ، وهذهِ لغةُ الشافعيِّ (¬5) - رحمهُ الله - فِي مثلِ هَذِهِ اللفظةِ من كلِّ معتلٍ الفاء أتى بصيغةِ ((مُفتعِلٍ)) أنْ يفكَّ الإدغامَ، ويعوضَ من فاءِ الكلمةِ الَّتِيْ هِيَ التاءُ الأولى همزةً، رداً إِلَى الأصلِ، فإنَّ المصدرَ: ((الوفاقُ))، وكذا متصل، يَقُول فِيهِ: مؤتصل، إذ مصدرهُ ((الوصلُ)) والواو قَدْ يبدلونها همزةً، مثل: ((وُقّتَتْ))، هُوَ من الوقتِ، وقُرِىءَ: ((أُقتتْ)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 281. (¬5) انظر: الرسالة مع تعليقات أحمد شاكر فقرة 31 و211 و213 و238 و464، ونكت الحافظ ابن حجر 1/ 510 وبتحقيقي: 291. (¬6) الآية من سورة المرسلات: 11، وهي في المصحف: ((أقتت))، وقرأ أبو عمرو وحده: ((وقتت))، قال الثعالبي: ((الواو هي الأصل؛ لأنها من الوقت)). تفسير الثعالبي 5/ 537، وأحال المحقق فقال: ((ينظر: "السبعة" (666)، و"الحجة" 6/ 364، و"إعراب القراءات" 2/ 428، و"معاني القراءات" 3/ 112، و"شرح الطيبة" 6/ 92، و"العنوان" (202)، و"حجة القراءات" (742)، و"شرح شعلة" (617)، و"إتحاف" 2/ 580.

قُلتُ: قوله: (هَذَا هُوَ المحفوظُ) (¬1) أي: مَا أَوَّلَهُ بهِ الشافعيُّ هُوَ الروايةُ المحفوظةُ، كما سيأتي عندَ الدارقطنيِّ. قوله: (وكذلكَ / 164 أ / رواهُ أكثرُ أصحابِ قتادةَ) (¬2) يعني: مقتصرينَ عَلَى قوله: ((يفتتحونَ القراءةَ بالحمد للهِ ربِ العالمينَ))، ولم يذكروا ما بعدَهُ، فغَلبَ عَلَى الظنِّ أنَّ منْ زادَ تلكَ الزياداتِ (¬3)، إنما زادها لفهمِه أنَّ المرادَ الافتتاحُ بهَذَا اللفظِ دونَ البسملةِ، كما سيأتي. قوله: (وهكذا رواه إسحاق بن عَبد الله بن أَبِي طلحة) (¬4) أي: فظهرَ أنَّ قَوْلَ مسلمٍ منْ طريقه: ((أَنَّهُ سمعَ أنسَ بنَ مالكٍ يذكرُ ذَلِكَ)) (¬5)، إنما المرادُ مِنْهُ أصلُ الحديثِ، لا اللفظُ السابقُ. قَالَ الشيخُ فِي " النكت عَلَى ابْن الصلاح " (¬6): ((وعلى هَذَا فما فعلهُ مسلمٌ هنا ليسَ بجيدٍ؛ لأنهُ أحالَ بحديثٍ عَلَى آخرَ، وَهُوَ مخالفٌ لَهُ بلفظ: ((يذكرُ ذَلِكَ))، لَمْ يقلْ: ((نحو ذَلِكَ)) ولا غيرهُ))، انتهى. وسيأتي فِي آخر شرح هَذِهِ المقولةِ سياقُ ابْنِ عَبْد البرّ لها. قولهُ: (قال ابن عبد البر: فهؤلاء) (¬7) قَالَ فِي " النكت ": ((إنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي كِتَاب " الإنصاف " (¬8) فِي البسملةِ، واللهُ أعلم)) (¬9). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282. (¬3) في (ف): ((الزيادة)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 282. (¬5) انظر: صحيح مسلم 2/ 12 (399) (52). (¬6) التقييد والإيضاح: 121. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 283. (¬8) الإنصاف: 174. (¬9) التقييد والإيضاح: 121.

قوله: (وهذا اضطرابٌ لا تقومُ مَعَهُ حجةٌ) (¬1) لَيْسَ كذلكَ؛ فإنَّ الاضطرابَ الَّذِي لا تقومُ مَعَهُ حجة شرطُهُ عدمُ إمكانِ الجمعِ، وتساوي الطرقِ قوةً وضعفاً (¬2)، وهذا ليس كذلك، فإنَّ أصحَّ مَا فيهِ روايةُ: ((يفتتحونَ القراءةَ بالحمد لله ربّ العالمين))، ويليهِ: ((كانوا لا يجهرونَ ببسم الله الرحمن الرحيم))، ويليه: ((كانوا لا يذكرونَ بسم الله الرحمن الرحيم فِي أول قراءةٍ، ولا آخرها)) مَعَ أنَّ الجمعَ ممكنٌ، بحمل نفي قراءةِ البسملةِ عَلَى نفيِ الجهرِ بها، وكذا القراءةُ بالحمد لله رب العالمين، أي: / 164 ب / الفاتحة، وإنْ أريدَ اللفظُ حملَ عَلَى الجهرِ. وأمّا: ((فكانوا يجهرونَ ببسمِ الله الرحمن الرحيم)) فضعيفٌ. وأمّا: ((كانوا يسرّونَ ببسم الله الرحمن الرحيم)) فقدْ رواها ابْنُ خزيمةَ (¬3)، وفِي سندهِ راوٍ ضَعِيفٌ (¬4)، فلا يسمَّى الصحيحُ الَّذِي هُوَ فِي أعلى الدرجاتِ مضطرباً بما لا يقاويه (¬5). قوله: (إذ ظنَّ راوٍ ... ) (¬6) إِلَى آخرهِ، أي: الَّذِي قالَ: ((يستفتحونَ بالحمد للهِ ربِ العالمين))، ظنَّ أنَّ المرادَ منْ هَذَا انتفاء البسملةِ، يعني: أنهم يفتتحونَ بهَذَا اللفظِ فزادَ فِيهِ (¬7): ((لا يذكرونَ ((بسمِ الله الرحمن الرحيم)) فِي أولِ قراءةٍ، ولا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 284. (¬2) انظر: النكت لابن حجر 2/ 752 وبتحقيقي: 520. (¬3) مختصر المختصر (498). (¬4) هو سويد بن عبد العزيز. انظر: التقريب (2692). زيادة على أن فيه الحسن البصري وقد عنعن. (¬5) هكذا في (أ) و (ب) و (ف)، وقال صاحب القاموس المحيط مادة (قوي): ((وقاويته فقويته: غلبته)). (¬6) التبصرة والتذكرة (202). (¬7) في (ب): ((فيها)).

آخرِها))، قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((فعلل (¬1) قومٌ (¬2) رِوَايَةَ اللفظِ المذكورِ- يعني: فيما انفردَ بِهِ مسلمٌ. بنفيِ البسملةِ (¬3) - لما رأوا الأكثرينَ إنما قالوا فِيهِ : ((فكانوا يستفتحونَ القراءةَ بالحمد لله رب العالمين)) منْ غيرِ تعرُّضٍ لذكرِ البسملةِ، وَهُوَ الَّذِي اتفقَ البخاريُّ (¬4) ومُسلمٌ (¬5) عَلَى إخراجهِ فِي الصحيحِ، ورأوا أنَّ مَنْ رواهُ باللفظِ المذكورِ رواهُ بالمعنَى الَّذِي وقعَ لهُ (¬6)، ففَهِمَ منْ قولهِ: ((كانوا: يستفتحونَ بالحمد ... )) أنهمَّ كانوا لا يبسملونَ، فرواهُ عَلَى مَا فَهِم وأخطأَ؛ لأنَّ معناهُ: أنَّ السورةَ التي كانوا يفتتحونَ بِهَا من السورِ هِيَ الفاتحةُ، وليسَ فِيهِ تعرّض لذكرِ التسميةِ، وانضمَّ إِلَى ذَلِكَ أمورٌ، مِنْهَا: أَنَّهُ ثبتَ عنْ أنس أَنَّهُ سُئِلَ عنِ الافتتتاحِ بالتسميةِ، فَذَكرَ أَنَّهُ لا يحفظُ فيهُ شيئاً عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬7). قولُ / 165 أ / أنسٍ: ((إنكَ لتسألُني عنْ شيءٍ مَا أحفظُهُ، وما سألَني عنهُ أحدٌ قبلَكَ)) يحتملُ أنْ يكونَ المعنى مَا سألني عنْ مجموعِ هذهِ المسألةِ، ويحتملُ أن يكونَ سُئِلَ ونَسِيَ، ويحتملُ أنْ يكونَ كانَ ناسياً، ثُمَّ تذكّرَ. ¬

_ (¬1) في (ب): ((فعل))، خطأ. (¬2) أراد به الدارقطني. انظر: سننه 1/ 316، ونكت ابن حجر 2/ 766 وبتحقيقي: 532. (¬3) صحيح مسلم 2/ 12 (399) (50) و (52). (¬4) صحيح البخاري 1/ 189 (743). (¬5) صحيح مسلم 2/ 12 (399) كلاهما: (البخاري ومسلم) من طريق شعبة، عن قتادة، عن أنس، به. (¬6) في (ب): ((لهم)). (¬7) رواه الإمام أحمد في "المسند" 3/ 166، وابن خزيمة (1010) إلا أنه اختصره، وحذف منه موطن الشاهد، بدلالة رواية الدارقطني فِي "السنن" 1/ 316، قال الدارقطني: ((هَذَا إسناد صحيح))، وقال الهيثمي 2/ 108: ((رجاله ثقات)).

قولُ البيهقيِّ: ((فِي هَذَا دلالةٌ عَلَى أنَّ مقصودَ أنسٍ مَا ذَكَرهُ الشافعيُّ)) (¬1)، يعني: أنَّ هَذَا السؤالَ لهُ شقّانِ: أحدهما: السؤالُ عنِ الافتتاحِ بالبسملةِ. والثاني: الافتتاحُ بأمِّ القرآنِ، وَهُوَ المرادُ بقولهِ: ((الحمد لله رب العالمين)) فنفيهُ إنما يتسلطُ عَلَى الشقِّ الأولِ، لأنَّ الافتتاحَ بأمِّ القرآنِ قَدْ أثبتَهُ فِي غيرِ هذهِ الروايةِ. هكذا فهمتُ منْ تقديرِ شيخِنا. والذي يظهر لِي أنَّ هَذَا لا يدلُّ عَلَى مَا قالَ الشافعيُّ؛ لأنهُ لا يخلو إمّا أنْ تكونَ البسملةُ من الفاتحةِ، فيكونَ الابتداءُ بِهَا، أو لا تكونُ مِنْهَا، فيكون الابتداءُ، بقوله: ((الحمد لله رب العالمينَ)). فلا يصحُّ نفيُّ السؤالِ عنِ البسملةِ، وإثباتهُ لأمِّ القرآنِ؛ لأنَّ ذلكَ يؤدي إِلَى أنْ يكونَ جزءُ الشيء قسيماً لهُ. قولُ أَبِي شامةَ: ((قَالَ: نحنُ سألناهُ عنهُ)) (¬2) تلبيسٌ، فإنَّهُ يُفهِمُ أنَّ سؤالَ قتادةَ عنِ الاستفتاحِ بأيّ سورةٍ، وإنما سؤالهُ عنِ الجهر؛ فإنَّ مسلماً (¬3) قالَ: حَدَّثَنَا ابنُ المثنى وابنُ بشارٍ، كلاهما عنْ غندرٍ (¬4)، حَدَّثَنَا شعبةُ، سمعتُ قتادةَ يحدّثُ، عنْ أنسٍ قَالَ: ((صلّيتُ مَعَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأبي بكرٍ، وعمرَ، وعثمانَ - رضي الله عنهم - فَلَمْ أسمع أحداً منهم يقرأُ: بسم الله الرحمن الرحيم)) حَدَّثَنَا / 165ب/ محمدُ ابنُ المثنى، قَالَ: حَدَّثَنَا أبو داود، قَالَ: حَدَّثَنَا شعبةُ في هَذَا الإسنادِ، وزادَ: قَالَ شعبةُ فقلتُ لقتادةَ: أسمعتَهُ منْ أنسٍ؟ قَالَ: ((نحنُ سألناهُ عَنْهُ)). قَالَ شيخُنا: ((فهذا ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 284. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285. (¬3) صحيح مسلم 2/ 12 (399) (50) و (51). (¬4) في صحيح مسلم بعد ذلك: ((قال ابن المثنى، حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة ... )).

صريحٌ فِي أنَّ السؤالَ كَانَ عنْ عدمِ سماعِ القراءةِ، لا عَن الاستفتاحِ بأيِّ سورةٍ)). قلتُ: قولُهُ: (غير سؤالِ أَبِي مسلمةَ) (¬1) أفادَ بعضُ أصحابِنا: أنَّ شيخَنا نقلَ عنْ جزءٍ للخطيبِ فِي الجهرِ بالبسملةِ: أنَّ قتادةَ سألهُ، كما سألهُ أبو مسلمةَ، فأجابهُ: ((بالحمد لله رب العالمين)). قولُهُ: (ففيه نظرٌ) (¬2) قَالَ المصنفُ فِي " النكت " (¬3) مَا حاصلُه: ((إنَّهُ إنْ كَانَ مرادُهُ أَنَّهُ لَيْسَ صحيحاً فليسَ كذلكَ، وإنْ كانَ مرادُهُ أَنَّهُ ليسَ فِي واحدٍ من صحيحي البخاريِّ ومسلمٍ فلا يلزمُ من (¬4) ذَلِكَ كونهُ غيرَ صحيحٍ، وإنْ كَانَ مرادُهُ أَنَّهُ وإنْ كَانَ صحيحاً لا يكونُ فِيهِ قوةُ المعارضةِ لما فِي أحدِهما؛ لأنَّهُ يرجّحُ عِنْدَ التعارضِ بالأصحيةِ. فالجوابُ من وجهينِ: أحدهما: إنَّ هَذَا إذا لَمْ يمكنِ الجمعُ، وقدْ تقدّمَ الجمعُ بأنَّ المرادَ بحديثِ "الصحيحينِ" الابتداءُ بالفاتحةِ لا نفي البسملةِ. والثاني: أنهُ إنما يرجّحُ مَا فِي أحدِهما حيثُ كَانَ مِمَّا لَمْ يضعفْهُ الأئمةُ، فأمّا ماضعَّفوهُ - كهذا الحديثِ - فلا)). قولُهُ: (والبيهقيُّ لا يقولونَ بصحةِ حديثِ أنسٍ) (¬5) زادَ المصنفُ فِي "تخريجهِ لأحاديثِ الإحياء"، فَقَالَ: ((وابن عَبْد البرّ))، ولعلهُ أخذهُ مِمَّا تقدّمَ فِي قوله: ((وقد اعترضَ ابْن عَبْد البر))، وكذا قولُهُ: ((وهذا اضطرابٌ .. )) إِلَى آخرهِ. والله أعلمُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285. (¬3) التقييد والإيضاح: 124. (¬4) لم ترد فِي (ب). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 285.

قولُهُ: (وفيه دلالةٌ عَلَى الجهرِ مطلقاً .. ) (¬1) إِلَى آخرهِ، ليسَ كذلكَ، فإنهُ يحتملُ أنْ يكونَ فهمَ منهُ قرينةً تدلُ عَلَى أنَّ سؤالَهُ عنْ بعضِ الأحوالِ دونَ بعضٍ، ولا يدلُّ عَلَى إثباتِ ((بسم / 166 أ / الله الرحمن الرحيم)) فإنهُ إنما سألهُ عَن الكيفيةِ، فذكرَ لهُ كلاماً، لَوْ قرأَهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - لقرأَهُ كذلك، ولم يسأْلهُ عَن المقروءِ مَا هُوَ. وقولُ أَبِي شامةَ: ((ولنا أنْ نقولَ: الظاهرُ أنَّ السؤالَ لَمْ يكنْ إلا عنْ قراءتهِ فِي الصلاةِ، حَتَّى قَالَ: نحنُ سألناهُ عَنْهُ)). ليس كذلكَ؛ فإنَّ قتادةَ إنما قَالَ: نحن سألناهُ عنهُ، فِي الروايةِ الَّتِيْ فيها نفيُ الجهرِ، كما تقدّمَ. قولُهُ: (والخلافُ فِي الكتابةِ معروفٌ كما سيأتي) (¬2) وسيأتي أنَّ الصحيحَ العملُ بِهَا، غيرَ أنها لا تكونُ كالتحديثِ، فيقدّمُ عَلَيْهَا عندَ التعارضِ، لكنَّ هَذَا إذا كانَ الكاتبُ هُوَ الرَّاوي، وأمّا هنا فالأمرُ عَلَى غيرِ ذلكَ، فإنْ قتادةَ وُلِدَ أكمهَ، فمن الأمر المحققِ أَنَّهُ لمْ يكتبِ الكتابَ، إنما كتبهُ غيرُهُ، ولم يعرفْ ذلكَ الغيرَ مَنْ هُوَ. قَالَ شيخُنا: ((ولا ينبغي أنْ يعرجَ فِي إعلالِ هَذَا الحَدِيْث، عَلَى سوى هذهِ العلةِ، فإنَّ أمرَها راجعٌ (¬3) إِلَى أنَّ فِي السندِ مجهولاً، وكأنَّ الأوزاعيَّ، قَالَ: كتبَ إليَّ كاتبٌ عَن قتادةَ ... )) إِلَى آخرهِ. وأمّا أمرُ البسملةِ فِي إثباتها فِي الصلاةِ أولَ الفاتحة ونفيِها، فالذي تعيّنَ (¬4) - كما حرّرهُ شيخُنا -: أن يقالَ بهِ ولا يلتفتُ إِلَى سواهُ: أنْ ينظرَ إليها نَظرَ (¬5) الفقهاءِ والقراءِ، وَهُوَ أنَّ الشافعيَّ إنما أثبتَها؛ لأنهُ صرّحَ أنَّ قراءتَهُ قراءةُ عَبْدِ اللهِ بنِ كثيرٍ، وهي ثابتةٌ فِي روايتهِ قرآناً متواتراً، مَنْ جَحَدَها من ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 286. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 286. (¬3) في (ف): ((رجع)). (¬4) في (ف): ((يتعين)). (¬5) لم ترد في (ف).

روايتهِ بعد علمهِ بتواترِها كَفَرَ، كما لَوْ جحدَ مثلاً كلمة ((مِنْ)) فِي قولهِ تعالى: {تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} فِي سورةِ براءةَ (¬1)، ونحو ذَلِكَ، وإنما نفاها مالكٌ -- مثلاً-؛ لأنّ قراءتَهُ قراءةُ المدنيينَ، ولم تثبتْ فِي روايتِهم. فالذي يتحرّرُ أنَّ الشخصَ - شافعياً كانَ، أو غيرَهُ- إذا قرأَ فِي صلاةٍ أو غيرها بروايةِ مَنْ يَرى البسملةَ / 166 ب / آيةً وأَسقطَها، فَقَدْ أساءَ لمخالفتهِ للروايةِ، وإنْ قرأَ لغيرهِ وأسقطَها، فهوَ محسنٌ. وهذا واضحٌ لا غبارَ عَلِيهِ، وَهُوَ موافقٌ لما قالَ شيخُنا، إمامُ أهلِ القراءاتِ فِي عصرهِ شمسُ الدينِ أبو الخيرِ مُحَمَّدُ بنُ الجزرِيِّ فِي كتابهِ " النشرِ " الَّذِي تلقّتهُ الأمةُ بالقبولِ وأقرّ لهُ الفحولُ أَنَّهُ لَمْ تسمعِ (¬2) الأعصارُ بمثلهِ، بعدَ أنْ حَكَى الأقوالَ فِي أنها آيةٌ من الفاتحةِ أو غيرها، أو ليست بآيةٍ فإنهُ قَالَ (¬3): ((وهذه الأقوالُ ترجعُ إِلَى النفي والإثباتِ، والذي نعتقدُهُ أنَّ كليهما صحيحٌ، وأنَّ ذَلِكَ حقٌّ؛ فيكونُ الاختلافُ فيهما كاختلافِ القراءاتِ)). قَالَ السخاويُّ (¬4): ((واتفقَ القرّاءُ عَلَيْهَا فِي أولِ الفاتحةِ، فابنُ كثيرٍ، وعاصمٌ، والكسائيُّ، يعتقدونها آيةً منها ومنْ كلِّ سورةٍ، ووافقهم حَمْزَةُ عَلَى الفاتحة خاصةً، وأبو عَمْرٍو، وقالونُ، ومَنْ تابعَهُ من قرّاءِ المدينةِ لا يعتقدونَها آيةً من الفاتحةِ)). انتهى. ويحتاج إِلَى تعقّبٍ، فلو قَالَ: ((يعتقدونها من القرآنِ أول سورةٍ)) ليعمَّ كونها ¬

_ (¬1) وهي جزء من الآيتين 72، و89 من سورة التوبة. (¬2) في (ف): ((تسمح)). (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) هو أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الصمد الهمداني المصري السخاوي الشافعي، نزيل دمشق، وشيخ القراء والأدباء، له مؤلفات منها: جمال القراء، ومنير الدياجي في الآداب، توفي سنة (643 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 122، وطبقات الشافعية الكبرى للسبكي 8/ 297 - 298.

آيةً مِنْهَا أو فيها، أو بعضَ آيةٍ، لكانَ أسدَّ؛ لأنّا لا نعلمُ أحداً منهم عدَّها آيةً منْ سورةٍ سوى الفاتحة نصاً. وقولُهُ: ((إنَّ قالونَ ومَنْ تابعهُ منْ قرّاءِ المدينةِ لا يعتقدُونَها آيةً من الفاتحةِ)). فِيهِ نظرٌ، إذْ قَدْ صحَّ نصاً، أنَّ إسحاقَ (¬1) بنَ مُحَمَّدٍ المسيبيَّ، أوثقُ أصْحَابِ نافعٍ وأجلُّهم، قَالَ: سألتُ نافعاً عنْ قراءةِ ((بسم الله الرحمن الرحيم)) فأمرني بِهَا، وَقَالَ: ((أشهدُ أنها من السبعِ المثاني، وأنَّ اللهَ أنزلها)) رَوَى ذَلِكَ الحافظُ أبو عَمْرِو الدانيُّ بإسنادٍ صحيحٍ، وكذلك / 167 أ / أبو بَكْر بنُ مجاهدٍ، عنْ شيخهِ موسى بنِ إِسْحَاقَ القاضي، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ إِسْحَاقَ المسيبيِّ، عنْ أبيهِ، ورويا أيضاً عَن ابن المسيبيِّ، قَالَ: ((كنا نقرأُ بسم الله الرحمن الرحيم أول فاتحةِ الكتابِ، وفي أولِ سورةِ البقرةِ، وبينَ السورتينِ فِي العرضِ والصلاةِ (¬2)))، هَذَا كانَ مذهبَ القرّاءِ بالمدينةِ. قَالَ (¬3): ((وفقهاءُ المدينةِ لا يفعلونَ ذَلِكَ)). قُلتُ: حَكَى أبو الْقَاسِمِ الهذليُّ، عنْ مَالِكٍ: أَنَّهُ سألَ نافعاً عَن البسملةِ، فقالَ: ((السُنّةُ الجهرُ بِهَا)) فسلمَ إليه، وَقَالَ: ((كلُ عِلمٍ يُسألُ عنهُ أهلُهُ)) (¬4) انتهى. فإنْ كَانَ ماذَكرَهُ شيخُنا عنْ قالونَ صحيحاً؛ فَقَد اضطربَ النقلُ عنْ نافعٍ. والظاهرُ أنَّ أولَ من حرّرَ هذهِ المسألةَ، أبو محمدِ بنُ حزمٍ فِي كتابه "المحلى" (¬5) فَقَالَ فِي كِتَاب الصلاةِ: ((مَن كانَ يقرأُ بروايةِ مَنْ عَدَّ من القرّاءِ البسملةَ آيةً مِنْ أمّ القرآنِ، لمْ تجزئهُ الصلاةُ إلا بالبسملةِ، وهم: عاصمٌ، وحمزةُ، ¬

_ (¬1) في (ب): ((إبراهيم)). (¬2) في (ف): ((وللصلاة)). (¬3) أي: ابن المسيبي. (¬4) انظر: النشر في القراءات العشر 1/ 269. (¬5) المحلى 3/ 251.

والكسائيُّ، وابنُ كثيرٍ، وغيرُهم من الصحابةِ والتابعينَ، ومَنْ كَانَ يقرأُ بروايةِ مَنْ لا يعدُّها آيةً مِنْ أمِّ القرآنِ، فهو مُخيرٌ بَيْنَ أنْ يبسملَ، وبين أنْ لا يبسملَ، وهم: ابنُ عامرٍ، وأبو عَمْرٍو، ويعقوبُ، وفي بعضِ الرواياتِ عَن نافعٍ)) انتهى (¬1). قولُهُ: (مدلس كما تقدمَ) (¬2) أي: فِي فنِّ التدليسِ. وأفادَ شيخُنا أنَّ روايةَ الوليدِ هذهِ فِي " جزءِ القراءةِ خلفَ الإمامِ " (¬3) للبخاري، وفيها التصريحُ بالتحديثِ، لكنْ قَالَ الشيخُ فِي " النكت " (¬4): ((وإنْ كانَ قَدْ صرّحَ بسماعهِ من الأوزاعيّ، فإنهُ يدلّسُ تدليسَ التسويةِ، أي: يسقط [شيخَ] (¬5) شيخهِ الضعيفَ كما تقدّمَ نقُلهُ عَنْهُ)). قولُهُ: (وكثرَ التعليلُ بالإرسالِ) (¬6) تقدّمَ مَا فِي قولهِ: ((التعليلُ)) فلوْ / 167 ب / قال (¬7): ((الإعلالُ)) لكانَ أولى، والإرسالُ مرادُهُ بِهِ هنا ((المرسلُ))، وكذا الوصلُ مرادهُ بِهِ ((الموصولُ)) أي: وكثر إعلالُ الموصولِ بالمرسلِ. قولُهُ: (ونوع جرح) (¬8) أي: ويعلّونَهُ بأي نوعٍ كانَ منْ أنواعِ الجرحِ، لا يقالُ: لَوْ قَالَ: ((كلُ جرح)) كَانَ أحسنَ؛ لأنهُ لَوْ قَالَ كذلكَ؛ لفُهِم منهُ أَنَّهُ لا يحكمُ بالعلةِ فِي حَدِيْثٍ، إلاّ إن اجتمعَ فِيهِ كلُّ جرحٍ. ¬

_ (¬1) لم ترد فِي (ب). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287. (¬3) جزء القراءة (130). (¬4) التقييد والإيضاح: 121. (¬5) ما بين المعكوفتين لم يرد في جميع النسخ وهو من التقييد. (¬6) التبصرة والتذكرة (204). (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي فِي النظم)). (¬8) التبصرة والتذكرة (205).

قولُهُ: (وكثيراً مَا يعللونَ) (¬1) تقدّمَ أنَّ صوابَهُ: ((يعلّونَ))، منْ أعلّ. قولُهُ: (ولهذا) (¬2) أي: لمعرفة العللِ جليِّها وخفيِّها. (اشتملتْ كتبُ عللِ الحديثِ)، أي: فإنهم إذا جمعوا طرقَ الحَدِيْثِ تبينتْ عللُهُ. قولُهُ: (وقد يعلّونَ الحَدِيْثَ بأنواع الجرح) (¬3) أي: من الأشياءِ الَّتِيْ ليستْ بخفيةٍ، وذلكَ مِنْ قائلهِ إما تجوّزاً عنِ الاصطلاحِ، ونظراً إِلَى معناها اللغويِّ فَقَطْ، وإمّا أنْ يكونَ قالهَ قَبْلَ تقرّرِ الاصطلاحِ (¬4). قُلتُ: قولُهُ: (وأرسلهُ غيره) (¬5) أي: بشرط أنْ يكونَ مثلَهُ فِي الثقةِ، ولا مرجحَ، أو دونهُ، وأمّا إذا كَانَ فوقَهُ فإنهُ يكونُ الحكمُ لَهُ فيقدحُ، والله أعلمُ. قولُهُ: (صحيحٍ متفقٍ عليهِ) (¬6) ليسَ مرادُهُ بالمتفقِ عليهِ المخرجَ فِي "الصحيحينِ"، إنما مرادُهُ الَّذِي اتفق عَلَى وصفِ راويهِ بالثقةِ أهلُ الحديثِ، ولم يذكرْ أحدٌ لَهُ علةً. قولُهُ: (وصحيح معلول) (¬7) أي: كأنْ يظهر أنَّ فِيهِ علّةً، فيتبينُ بعدَ ذلكَ بالفحصِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ علةٌ، كحديثِ أَبِي هريرةَ الآتي، فيسميه معلولاً باعتبارِ مَا كانَ عَليهِ، وصحيحاً باعتبارِ ما آلَ بهِ النظرُ إليه (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 287. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288. (¬4) إن إطلاق العلة على الأمر الخفي القادح: قيد أغلبي؛ لأنا وجدنا كثيراً من الأقوال عند العلماء الجهابذة الفهماء أطلق لفظ العلة على غير الخفي. ولمزيد من الفائدة انظر تعليقنا على شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 288. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الفاضل شهاب الدين أحمد الحمصي أدام الله النفع به قراءة في البحث وسمع الجماعة كتبه جامعه إبراهيم البقاعي)).

قولُهُ: (وصحيح مختلف فِيهِ) (¬1) أي: بعضهم يَقُولُ: إنَّ راويَهُ ثقةٌ، وبعضُهم يَقُولُ: إنهُ لَيْسَ بثقةٍ، فاختلفوا / 168 أ / فِي علّتهِ، فمنهم مَنْ أثبتَها، ومنهم مَن نفاها. قولُهُ: (ثُمَّ مثل الصحيحَ المعلَّ ... ) (¬2) إلى آخرهِ، هَذَا عكسُ المعلولِ سواءً، فإنَّ المعلولَ (¬3) مَا كانَ ظاهرُهُ السلامةُ، فاطّلعَ فِيهِ بعدَ الفحصِ عَلَى عوارٍ، وهذا لما اتفق أصْحَابُ مالكٍ عَلَى روايتهِ معضلاً، كَانَ ظاهرُهُ الإعلالُ، فلما فتشَ؛ وُجِدتِ الطريقُ الموصلةُ، فتبيّنَ بِهَا صحتهُ. قُلتُ: قولُهُ: (فقدْ صار الحديثُ بتبين الإسناد صحيحاً) (¬4) أي: بالاتفاقِ، وإلا فهو قَدْ كَانَ صحيحاً عِنْدَ مَن يحتجُ بالمنقطع، ومنهم مالكٌ، واللهُ أعلم. قولُهُ: (وكانَ مالكٌ يرسلُ أحاديث) (¬5) إنما كَانَ (¬6) يفعلُ ذَلِكَ؛ لأنَّ المرسلَ ونحوَهُ عندَهُ حجةٌ (¬7)، فسواءٌ عندَهُ روايتهُ موصولاً، وغير موصولٍ. قولُهُ: (كما قالَ بعضهم: من الصحيح مَا هُوَ صحيحٌ شاذٌ) (¬8) قائلُ ذَلِكَ هُوَ الخليليُّ أيضاً (¬9)، فلو أسقطَ كلمةَ ((بعضهم)) (¬10) من البيتينِ لانتظمَ الكلامُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬3) عبارة: ((سواء فإن المعلول)) لم ترد في (ف). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬6) لم ترد فِي (ب). (¬7) زاد بعدها في (ف): ((فسواء عنده حجة)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 289. (¬9) انظر: الإرشاد للخليلي 1/ 157. (¬10) بعد هذا في (أ) و (ف): ((وما يدل عليها)).

المضطرب

قُلتُ: وكأن يقولَ فِي البيت: يقولُ معلولٌ صحيحٌ مثل مَا ... قَالَ: صحيح بشذوذٍ وُسما قولُهُ: (لأنَّ فِي الصحيحِ أحاديثَ كثيرةً) (¬1) مرادهُ صحيحُ البخاريِّ ومسلمٍ، واللهُ أعلمُ. المضطرب (¬2) قولُهُ: 209 - مُضْطَرِبُ الحَدِيثِ: مَا قَدْ وَرَدَا ... مُخْتَلِفاً مِنْ وَاحِدٍ فَأزْيَدَا 210 - في مَتْنٍ اوْ (¬3) في سَنَدٍ إنِ اتَّضَحْ ... فِيْهِ تَسَاوِي الخُلْفِ، أَمَّا إِنْ رَجَحْ 211 - بَعْضُ الوُجُوْهِ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرِبَا ... وَالحُكْمُ للرَّاجِحِ مِنْهَا وَجَبَا 212 - كَالخَطِّ للسُّتْرَةِ جَمُّ الخُلْفِ ... والاضْطِرَابُ مُوْجِبٌ للضَّعْفِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 290. (¬2) انظر في المضطرب: معرفة أنواع علم الحديث: 192، والإرشاد 1/ 249 - 253، والتقريب: 77 - 78، والاقتراح: 222، ورسوم التحديث: 85، والمنهل الروي: 52، والخلاصة: 76، والموقظة: 51، واختصار علوم الحديث 1/ 221 وبتحقيقي: 151، والمقنع: 1/ 221، والشذا الفياح 1/ 212، ومحاسن الاصطلاح: 106، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 290، وتنقيح الأنظار: 165، ونزهة النظر: 76، والمختصر: 104، وفتح المغيث 1/ 221، وألفية السيوطي: 67 - 68، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 105، وفتح الباقي 1/ 271، وتوضيح الأفكار 2/ 34، وظفر الأماني: 392، وشرح شرح نخبة الفكر: 481، واليواقيت والدرر 2/ 95، وقواعد التحديث: 132، ولمحات في أصول الحديث: 244، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 251. (¬3) باعتبار همزة (أو) همزة وصل ضرورةً؛ ليستقيم الوزن.

قولُهُ: (كالخطِّ للسترةِ) (¬1) راجعٌ إِلَى أصلِ المسألةِ، فهوَ مثالٌ للمضطربِ لا للراجحِ فِي قولهِ: (والحكم للراجح) (¬2). قُلتُ (¬3): قولهُ: (جمُّ الخلف) (¬4) أي: كثيرُ الاختلافِ، أي: كَثُرَ اختلافُ العلماءِ فِي روايتهِ، فإنَّ ((الجَمَّ)) - بفتحِ الجيمِ، وتشديدِ الميمِ - الكثيرُِ، وأمّا: تنْزيلُ ((الخُلفِ)) - بضمِ الخاءِ - عَلَى الاختلافِ عَلَى قواعدِ اللغةِ فعَسِرٌ، وقد سهلهُ اللهُ لِي / 168 ب / فله الحمدُ. قَالَ الزبيديُّ فِي "مختصرِ العينِ": ((والخُلفُ - أي: بالضم - إخلافُ الوعدِ)) (¬5) انتهى. وإخلافُ الوعدِ: هُوَ أنْ لا يقعَ الوفاءُ بِهِ - كما سيأتي - ومنْ لازمه أنْ يفعلَ مَا يخالفهُ. وقالَ ابنُ فارسٍ فِي "المجملِ" (¬6): ((وفي خُلُقِ فلانٍ خُلْفَة (¬7) (¬8) -يعني: بكسرٍ، ثُمَّ فتحٍ، ثُمَّ سكونٍ- أي: خِلافٌ، من الخُلفِ فِي الوَعدِ)) قَالَ: ((والقومُ خِلفَهٌ - أي: بالكسرِ - مُختَلِفونَ)). وَقَالَ ابنُ القطاعِ فِي " الأفعالِ" (¬9): ((وخَلَفَ الرجلُ عَن خُلُقِ أبيهِ خلوفاً، وخلافةً: تغيّر)). وَقَالَ أبو إبراهيمَ الفارابي فِي "ديوانِ الأدبِ" (¬10) فِي بَابِ الأفعالِ: ((وأخلفَهُ: مَا وعدَهُ، وَهُوَ أنْ يقولَ شيئاً، ولا ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (212). (¬2) التبصرة والتذكرة (211). (¬3) لم ترد في (ب)، والصواب إثباتها، وقد ختم البقاعي المسألة بقوله: ((والله أعلم)). (¬4) التبصرة والتذكرة (212). (¬5) انظر: القاموس المحيط مادة (خلف). (¬6) مجمل اللغة لابن فارس مادة (خلف). (¬7) في (ف): ((خلَفْنَةً)). (¬8) في مجمل اللغة: ((خُلْفَة)) بضم ثم سكون ثم فتح. (¬9) الأفعال 1/ 280. (¬10) 2/ 314.

يفعلَهُ عَلَى الاستقبالِ، وأخلَفَهُ: أي: وافقَ موعَدَهُ، وهذا الحرفُ من الأضدادِ))، وَقَالَ فِي بَاب المفاعلةِ: ((خالفهُ نقيضُ وافقهُ)) (¬1)، وقالَ فِي آخرِ الباب: ((ومصدر هَذَا الباب عَلَى مُفاعلةٍ وفِعالٍ)) (¬2). فتبيّنَ منْ هَذَا أنَّ الخلفَ، والمخالفةَ، والخلافَ، يرجعُ إِلَى معنى واحدٍ، وذلكَ منْ قولِ ابنِ فارسٍ فِي الخلفِ: ((أنَّ الخلافَ من الخلف فِي الوعدِ))، ومنْ قولِ الفارابي: ((أنَّ المخالفةَ والخلافَ واحدٌ))، فصارَ الخلفُ، والمخالفةُ، والخلافُ واحداً، وكأنهُ اسمٌ لذلك، كما أنهُ اسمٌ للإخلاف. قَالَ فِي "القاموسِ" (¬3): ((والخُلْفُ - بالضمِ - الاسمُ منَ الإخلافِ، وَهُوَ فِي المستقبلِ كالكذبِ فِي الماضي، أو هُوَ أنْ يعدَّ عدةً ولا ينجزها)) انتهى. وأيضاً: فكأنَّ العالمَ إذا قَالَ قولاً، فكأنهُ قَدْ عهدهُ إِلَى الناسِ، وتقدّم إليهم فِيهِ، فمنْ لَمْ يوافقهُ عَليهِ فقدْ أخلفَ / 169 ب/ مَا عهدهُ إليهِ، فمنْ هنا يرجعُ الاختلافُ في الأقوال إِلَى الخلفِ الَّذِي هُوَ اسمٌ لإخلافِ الوعد، ثمَّ إنَّ المادةَ عَلَى طولها تدورُ عَلَى ((خَلْف)) الَّذِي هُوَ ضدُ ((قُدَّام))، فكلُّ قَوْلٍ يخالفُكَ، فكأنه كائنٌ خلفَكَ؛ لأنهُ لَوْ لائمك لكان مواجهاً لَكَ. وترجيع مَا قالَ الفارابيُّ في أخلف: أنهُ بمعنى خالفَ، وبمعنى وافقَ إِلَى الخلف، بأنْ نقولَ: الظاهرُ أنهُ مِمَّا قَالَ ابنُ القطاعِ إنهُ يقالُ: خلف الرجلُ إذا فسد. فإذا قيلَ: أخلف الوعدَ وأريد خالفَ، فالمعنى: أدخل عَليهِ الفسادَ الَّذِي هُوَ الخلفُ الراجعُ إِلَى خلافِ المواجهة، والملامةِ الراجعِ إِلَى الفسادِ، وإذا أريدَ وافق، فالمعنى: أزالَ عنهُ هَذَا (¬4) الفسادَ؛ لأنَّ ((أفعلَ)) للتصيير والإزالةِ، وَقَالَ ابنُ القطاع: ((حيٌّ خلوفٌ، أي: غيبٌ، وحضورٌ، وَهُوَ من الأضدادِ)) (¬5) انتهى. ¬

_ (¬1) ديوان الأدب 2/ 288. (¬2) المصدر السابق 2/ 393. (¬3) القاموس المحيط مادة (خلف). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) الأفعال 1/ 277.

فترجيعهُ إِلَى الخلفِ بأنْ يقالَ: إذا كانوا غيباً فالمعنى: أنهم أهلٌ لأن تُغزَى أهلُهم؛ لأنهم يكونونَ خلفَ غازيهم، ويكونُ هُوَ خلفَهم، فيتمكنُ مِمَّا يريدُ منهم، وإذا كانوا حضوراً، فالمعنى: أنهم أهلٌ لأنْ يتنكبَ غازيهم أهلَهم، أي: يعرضَ عنهم ويوجهَ إِلَى جهةٍ غيرِ جهتِهم؛ ليكونوا خلفَهُ، أي: خلوفاً لَهُ كما كانوا خلوفاً لَهُ، لما كانوا بحيث تُغزَى أهلهم، وهم غيبٌ، واللهُ أعلم. قولُهُ: (والاضطرابُ موجبٌ للضعف) (¬1) راجعٌ إِلَى أصلها أيضاً، أي: متى وُجِدَ الاضطرابُ، وُجِدَ الضعفُ، وليسَ كذلكَ كما سيأتي البحثُ فِيهِ فِي المثالِ. قولُهُ: / 169 ب / (بكون راويها أحفظَ وأكثرَ صحبةً للمروي عنهُ) (¬2) لا يقالُ: هذهِ العلةُ إنما تأتي (¬3) فِي أكثرَ منْ راوٍ واحدٍ، فإنهُ يمكن أن يكونَ الراوي الواحدُ في بعضِ الأزمان أحفظَ منهُ في بعضِها، ويكون أكثرَ صحبةً لأحدِ الشيوخِ الذين رَوَى عَنهُم ذَلِكَ الحديثَ الذِي اضطربَ فيهِ. قلتُ (¬4): قولُهُ: (مثال الاضطرابِ في السندِ: ما رواهُ أبو داودَ (¬5) وابنُ ماجه (¬6)) (¬7) ورواهُ أحمدُ (¬8) وابنُ حبّانَ (¬9)، قالَ ابنُ عبد الهادي: ((هوَ حديثٌ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (212). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 291. (¬3) في (ف): ((تتأتى)). (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) سنن أبي داود (689) و (690). (¬6) سنن ابن ماجه (943). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 291. (¬8) المسند 2/ 249 و254 و266. (¬9) صحيح ابن حبان (2361) و (2376).

مضطربُ الإسنادِ)). وكذلكَ ضعّفهُ الشافعيُّ (¬1) وغيرُه (¬2)، أي: كالبيهقيِّ (¬3) كَما حكاه عنهما في " النكت " (¬4) وصححه ابن المديني وغيره. وقالَ ابنُ عُيينَةَ - كَما قالَ في " الشرح " (¬5) -: ((لَم نجدْ شيئاً نشدُّ بهِ هَذا الحديثَ)) كَما حكاهُ عَنهُ أبو داود في " سننهِ " (¬6). وذكرهُ النوويُّ في " الخلاصةِ " في فصلِ الضعيفِ، وقالَ: ((قالَ الحفّاظُ هوَ ضعيفٌ؛ لاضطرابهِ)). وقال البيهقيُّ: ((لا بأسَ بهذا الحديثِ في هَذا الحكمِ)) (¬7) واللهُ أعلم. قالَ شيخُنا: ((وأتقنُ هَذهِ الرواياتِ روايةُ بشرٍ، وروحٍ، وأجمعُها رواية حميدِ بنِ الأسودِ، ومنْ قالَ: ((أبو عُمرِو بنُ محمد)) أرجحُ ممنْ قالَ: ((أبو محمدِ بنُ عمرٍو))؛ فإنَّ رواةَ الأولِ أكثرُ، وقد اضطربَ منْ قالَ: ((أبو محمدٍ))، فوافقَ مرةً رواية الأكثرينَ، فقالَ: ((أبو عمرِو بنُ محمدٍ)) فتلاشَى الخلافُ)). قلت: وقالَ الشيخُ في " النكت " (¬8): ((وقولهُم - أي الأكثرينَ -: عَن جدهِ أرجحُ - أي ممنْ قالَ عَن أبيهِ - وإن كانَ أحفظَ لوجهينِ: أحدُهما: الكثرة، والثاني: أنَّ إسماعيلَ بنَ أُميةَ مكيٌّ، وابنَ عُيينةَ / 170 أ / كانَ مقيماً بمكةَ))، واللهُ أعلم. ¬

_ (¬1) السنن الكبرى 2/ 271، والمعرفة 3/ 191. (¬2) انظر: التمهيد 4/ 200، والمحلى 4/ 187، وتهذيب التهذيب 2/ 236. (¬3) السنن الكبرى 2/ 271، والمعرفة 3/ 191. (¬4) التقييد والإيضاح: 126. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 292. (¬6) سنن أبي داود (690). (¬7) السنن الكبرى 2/ 271. (¬8) التقييد والإيضاح: 126.

قال شيخُنا: ((والمضطربُ من الرواياتِ فيهِ: التي لا يمكنُ الجمعُ بينَها، روايةُ من قالَ: ((أبو عمرٍو بنُ حريثٍ)) مع روايةِ من قالَ: ((أبو محمدِ بنَ عمرِو ابنِ حريثٍ))، وروايةُ من قالَ: ((حريثُ بنُ عمّار))، وباقي الرواياتِ يمكنُ الجمعُ بينهما (¬1)، فروايةُ من قالَ: ((عن جدّهِ)) بمعنى روايةِ من قالَ: ((عن أبيهِ))؛ فإنَّ الجدَّ أبٌ، وغايته: أن من قالَ: ((عن أبيهِ)) أسقطَ الأبَ، فصارَ سياقُهُ موهماً، لكن بروايةِ غيرهِ يتبيّنُ المرادُ، وروايةُ من قالَ: ((عن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرِو ابنِ حُريثٍ)) فأدخلَ في الأثناءِ عَمراً لا ينافي روايةَ من أسقطَهُ، فإنَّهم يكثرونَ نسبةَ الشخصِ إلى جدِّهِ المشهورِ، ويسقطونَ الواسطةَ بينَهما، ومَنْ قالَ: ((سليم)) يمكنُ أنْ يكونَ اختصرَهُ منْ سليمانَ كالترخيمِ. قلتُ: تنبيهٌ: قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ورواهُ حميدُ بنُ الأسودِ، عن إسماعيلَ، عَن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ حُريثٍ بنِ سليمٍ، عَن أبيهِ، عَن أبي هرَيرَةَ)) (¬2) فَذكرَ الناظمُ في " النكتِ " (¬3) عليهِ أنَّ قولَهُ في هَذهِ الروايةِ ((عَن أبيهِ)) فيهِ نظرٌ؛ لأنّ ابنَ ماجه ساقَه عنْ حُميدٍ، بلفظ: ((عَنْ إسماعيلَ بنِ أميّةَ، عَن أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ عمرو بنِ حُريثٍ، عنْ جدّهِ حريثِ بنِ سُليمٍ، عَن أبي هريرةَ))، ثُمَّ اعتذرَ عَن ابنِ الصلاحِ بأنهُ: ((اعتمدَ على روايةِ البيهقيِّ؛ فإنَّ فيها: منْ روايةِ حميدٍ، عَن إسماعيلَ، عنْ أبي عمرِو بنِ محمدِ بنِ حريثٍ، عَن أبيهِ، عَن أبي هريرةَ))، قالَ: ((فأمّا أنْ يكونَ قَد اختُلفَ فيهِ، على حميدِ بنِ الأسودِ في قولهِ: ((عَن أبيهِ))، أو ((عنْ جَدهِ))، أو يكونَ ابنُ ماجه قَدْ حمَل / 170 ب / روايةَ حميدِ بنِ الأسود، على روايةِ سفيانَ بنِ عُيينةَ، ولم يُبينِ الاختلافَ الذِي بينهما كَما يقعُ في الأسانيدِ، على أنَّهُ قَد اختلفَ فيهِ أيضاً ¬

_ (¬1) في (ف): ((بينها)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 193. (¬3) التقييد والإيضاح: 126.

على ابنِ عيينةَ)) انتهى. وقالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقالَ عبدُ الرزاقِ (¬1)، عَن ابنِ جريجٍ: سمعَ إسماعيل، عَن حريثِ بنِ عمارٍ، عَن أبي هريرةَ. وفيهِ منَ الاضطرابِ أكثرُ مما ذكرناهُ)) (¬2). قولُهُ (ذوّاد) (¬3) -بفتحِ المعجمةِ وتشديدِ الواوِ، وبعدَ الألفِ مُهملةٌ - منَ الذَودِ، بمعنى الطّردِ. و (عُلبةَ) - بضم المهملةِ وسكونِ اللامِ وفتحِ الموحدةِ - (¬4)، والله أعلمُ. وقولُ: أبي زرعةَ ((لا نعلمُ أحداً .. )) إلى آخرهِ، إنما نَفَى علمَهُ، وقد وُجدَ مَنْ نَسبه غيرُ ذاودٍ، ولا يضرُ خَفَاؤهُ على أبي زرعةَ. قولُهُ: (وَهوَ المرادُ بقولي) (¬5) أي: والاضطرابُ في السندِ هوَ المرادُ بقولي: ((كالخطِّ)) أي كسندِ حديثِ الخطِّ للسترةِ. قالَ شيخُنا: ((والحقُّ أنَّ التمثيلَ لا يليقُ إلا بحديثٍ لولا الاضطرابُ لَم يضعُفْ، وهذا الذِي ذَكرَهُ ليسَ كذلكَ، فلا يصلحُ مثالاً لمضطربِ السندِ الذِي يوجبُ ضعفَ المتنِ؛ فإنهم اختلفوا في ذاتٍ واحدةٍ؛ فلا يخلو إمَّا أن يكونَ ثقةً أولا؛ فإنْ كانَ ثقةً، فلا يضرّ هَذا الاختلافُ في اسمهِ، أو نسبهِ، وقد وَجدَ مِثلُ ذَلِكَ في الصحيحِ، ويُفزَعُ إلى الترجيحِ، ولهذا صححهُ ابنُ حبّانَ؛ لأنهُ عِندَه ثقةٌ، وَرجّحَ أحدَ الأقوالِ في اسمهِ، واسمِ أبيهِ، وإنْ لم يكن ثقةً، فالضعفُ غيرُ حاصلٍ بجهةِ الاضطرابِ، بل بجهةِ كونهِ مجهولاً مثلاً، أو غيرِ ذَلِكَ منْ أنواعِ الضعفِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) المصنف (2286). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 193، وانظر بلا بد تعليقنا هناك. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 292. (¬4) انظر: المؤتلف والمختلف 2/ 966 و3/ 1586، والإكمال 3/ 337 و6/ 254، وتبصير المنتبه 2/ 556. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 294. (¬6) انظر: النكت لابن حجر 2/ 772 وبتحقيقي: 538.

نَعَمْ، يزدادُ بالاختلافِ ضعفاً فمثلُ هَذا داخلٌ في المضطربِ؛ لكونِ راويهِ (¬1) اختلفوا فيهِ، ولا مرجّحَ، وَهوَ واردٌ على قولِهم: الاضطرابُ / 171 أ / يُوجبُ الضعفَ. قلتُ: والواقعُ في هَذا المثالِ أنَّ الراويَ مجهولٌ. قالَ شيخُنا في " تقريبِ التهذيبِ " (¬2): ((أبو عمرِو بنُ محمدِ بنِ حُريثٍ، أو ابن محمدِ بنِ عمرِو بنِ حُريثٍ، وقيل: أبو محمدِ عَمْرُو بنُ حريثٍ: مجهولٌ)). قالَ المصنفُ في " النكت " (¬3): ((فإنهُ لَم يروِ عَنهُ في ما علمتُ، غير إسماعيلَ بنِ أميّةَ، معَ هَذا الاختلافِ في اسمهِ، واسمِ أبيهِ، وهل يرويهِ عَن أبيهِ (¬4)، أو عنْ جدِهِ، أو هوَ نَفسُهُ، عَن أبي هُريرةَ؟))، واللهُ أعلم. قولُهُ: (ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ .. ) (¬5) إلى آخرهِ، لا يصلحُ هَذا أيضاً أنْ يكونَ مثالاً لمضطربِ المتنِ، أمَّا أولاً: فلأنَّ أبا حمزةَ شيخَ شريكٍ ضعيفٌ، فَهوَ مردودٌ منْ قبلِ ضعفِ راويهِ، لا مِن قَبل اضطرابهِ. وأمّا ثانياً: فإنهُ يمكنُ تأويلُه بأنَّهُما رويا (¬6) كلاً مِنَ اللفظينِ، عَن النَبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويكونُ الحقُّ المثبتُ في اللفظِ الأولِ المرادِ بهِ الحق المستحب الذِي لَم يجبْ، كالصدقةِ النفلِ، وإكرامِ الضيفِ، ونحوِ ذَلِكَ، كَما يُقال: حَقُّكَ واجبٌ عليَّ، والحقُّ المنفيُّ في قولهِ: ليسَ في المالِ حقٌّ سوى الزكاةِ هوَ الفرْضُ. فلمْ يسلمْ لَهُ واحِدٌ منْ مثاليهِ. وأمّا المثالُ الصحيحُ لمضطربِ الإسنادِ، فحديثُ أبي بكرٍ الصديقِ رضي الله ¬

_ (¬1) في (ف): ((رواته)). (¬2) تقريب التهذيب (8272). (¬3) التقييد والإيضاح: 126. (¬4) من قوله: ((مع هذا الاختلاف ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 293. (¬6) في (ف): ((بأنها روت)).

عنه، قالَ: يا رسولَ اللهِ، أراكَ شِبتَ؟ قالَ: ((شَيبتني هُوُدٌ وأخواتُها (¬1))). قالَ الدارقطني: ((هَذا مضطربٌ؛ فإنهُ لَم يُروَ إلاَّ من طريقِ أبي إسحاقَ، وقد اختُلِفَ عليهِ فيهِ على نَحوِ عشرةِ أوجهٍ، فمنهم مَن رواهُ عَنهُ مرسلاً، ومنهم منْ رواهُ موصولاً، ومنهم من جَعَلهُ منْ مسندِ أبي بكرٍ، ومنهم من جَعَلهُ منْ مسندِ سعدٍ، ومنهم من رَواه منْ مسندِ عائشةَ، وغيرُ ذَلِكَ. ورواتُهُ ثقاتٌ، لا يُمكنُ ترجيحُ بعضِهِم على / 171ب / بعضٍ، والجمعُ متعذرٌ)) (¬2)، والمرادُ بقولهِ: ((شَيَّبتني هودٌ)) بعضُها، وَهوَ قولُهُ تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} (¬3) كَما وَرد مُفسراً في بعضِ طرقِ الحديثِ، وكذا أخواتها. ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن سعد في "الطبقات" 1/ 435، والترمذي في "الجامع الكبير" (3297)، وفي "الشمائل"، له (41) بتحقيقي، وفي "العلل الكبير"، له أيضاً (664)، والدارقطني في "العلل" 1/ 200 و201 و202 و203، والحاكم في "المستدرك" 2/ 343 و476، وأبو نعيم في "الحلية" 4/ 350، والبيهقي في "دلائل النبوة" 1/ 357، والبغوي في "شرحِ السنة" (4175) من طريق عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال أبو بكر: يارسول الله، قد شبت ... ، فذكره، وأخرجه: أبو يعلى (107) و (108)، والدارقطني في "العلل" 4/ 203 و204 و205 و206 من طريق عكرمة، قال: قال أبو بكر: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شيبك، فذكره ولم يذكر بينهما (عبد الله بن عباس). وأخرجه: الدارقطني في "العلل" 1/ 209 من طريق أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، عن أبيه. قال الدارقطني: ((ووهم. وقال مرة: عن عامر بن سعد، عن أبي بكر الصديق، وعامر بن سعد هذا هو البجلي، وليس بابن أبي وقاص، وليس هذا من حديث سعد بن أبي وقاص، وإنما هو من حديث أبي بكر الصديق)). العلل للدارقطني 4/ 347 وقد فصل الدارقطني طرق هذا الحديث في " العلل " 1/ 193 - 211. (¬2) لم أقف على كلام الدارقطني بهذا السياق في المطبوع من "العلل"، ولكن قد سرد الدارقطني طرق هذا الحديث وتفريعاته كما مر توضيحه سابقاً. انظر: العلل للدارقطني 1/ 193 - 208. (¬3) هود: 112.

ومثالُ الاضطرابِ في المتنِ: حديثُ الواهبةِ نفسَها، ففيهِ: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - صوَّبَ النظرَ فيها وَصعّده، ثُمَّ طأطأ رأسهُ، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ، زوّجْنيها إنْ لَم يكنْ لك بها حاجةٌ، فقالَ: ((هل معَكَ شيءٌ؟)) قالَ: ما معيَ إلا إزاري، فذكرَ القصةَ، وفيها: ((التمسْ ولو خاتماً منْ حديدٍ)) فلم يجدْ شيئاً، وفيها: فقالَ: ((زوجتُكَها (¬1) بما معكَ منَ القرآنِ))، فقالَ بعضُهم كذلك، وقال بعضُهم: ((زوجناكَها)) (¬2)، وقال بعضُهم: ¬

_ (¬1) هذا اللفظ عند مالك في "الموطأ" [(411) برواية عبد الرحمان بن القاسم، وفي (318) برواية سويد بن سعيد، وفي (1477) برواية أبي مصعب الزهري]، ومن طريقه أخرجه: الشافعي في "مسنده" (1117) بتحقيقي، وأحمد 5/ 336، والبخاري 9/ 151 (7417)، وأبو داود (2111)، والترمذي (1114)، والنسائي 6/ 123، في "الكبرى"، له (5524) وغيرهم. وتفرد الليثي برواية الحديث عن مالك بلفظ: ((أنكحتكها)) (1498) وقد خالف أصحاب مالك في ذلك. وأخرجه: الدارمي (2207)، والبخاري 6/ 236 (5029) من طريق عمرو بن عون، عن حماد بن زيد. وأخرجه أيضاً: البخاري 7/ 21 (5132)، والطبراني في "الكبير" (5951) من طريق الفضيل بن سليمان، وأخرجه: مسلم 4/ 144 (1425) (77) من طريق زائدة بن قدامة، وأخرجه: ابن ماجه (1889) من طريق عبد الرحمان بن مهدي، عن سفيان الثوري، وأخرجه: الحميدي (928)، والطبراني (5915)، والدارقطني 3/ 248، والبيهقي 7/ 236 من طريق سفيان بن عيينة. وأخرجه: الطبراني في "الكبير" (5750) من طريق الليث عن هشام بن سعد، وأخرجه: الدارقطني 3/ 247 من طريق الفضل بن موسى. جميعهم (مالك، وحماد بن زيد، والفضيل بن سليمان، وزائدة بن قدامة، وسفيان الثوري، وابن عيينة وهشام، والفضل بن موسى) عن أبي حازم، عن سهل بن سعد، به بلفظ : ((زوجتكها)). (¬2) وبهذا اللفظ عند البخاري 3/ 132 (2310) و7/ 22 (5135) من طريق عبد الله بن يوسف، عن مالك، وقد خالف بذلك أصحاب مالك في هذا اللفظ.

((أملكناكَها (¬1))) (¬2)، وقال غيره: ((ملكتُكَها)) (¬3)، وقالَ بعضٌ غير ذَلِكَ (¬4) فهذهِ الألفاظُ لا يمكنُ الاحتجاجُ بواحدةٍ منها، حتى لو احتجَّ حنفيٌّ مثلاً على أنَّ التمليكَ من ألفاظِ النكاحِ لَم يسغْ لَهُ ذَلِكَ (¬5)؛ لأنَّ اللفظةَ التي قالها النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -، مشكوكٌ فيها، لَم تعْرَفْ عينُها؛ بسببِ أنَّ الواقعةَ واحِدةٌ لَم تتعددْ، وأمّا بقيةُ الأحكام التي في القصةِ: كتخفيفِ الصداق، وعدمِ تَحديده بحدٍ معينٍ، ونحوِ ذَلِكَ فَهوَ كذلكَ لا مريةَ فيهِ، والله أعلم. ¬

_ (¬1) في (ف): ((أمكنَّاكها)). (¬2) بهذا اللفظ عند البخاري 7/ 17 (5121) من طريق أبي غسان، عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد، به. (¬3) بهذا اللفظ عند البخاري 7/ 24 (5141)، والطبراني (5934) من طريق حماد بن زيد، وأخرجه: البخاري 7/ 8 (5087) و7/ 201 (5871)، والطبراني (5907) من طريق عبد العزيز بنِ أبي حازم، وأخرجه: الطبراني (5961) مِن طريق معمر والثوري أربعتهم: (حماد بن زيد، وعبد العزيز بن أبي حازم، ومعمر، والثوري) عن أبي حازم، عن سهل ابن سعد، به. (¬4) ومن تلك الألفاظ الأخرى ما أخرجه: مسلم 4/ 143 (1425) (77) من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن أبي حازم، عن سهل بلفظ: ((ملكتها)). ولمزيد مِن تفصيل طرق هذا الحديث وألفاظه، راجع كتابنا: أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 334 - 336. (¬5) انظر في مذهب الحنفية لهذه المسألة: المبسوط 5/ 59، وبدائع الصنائع 2/ 229، والهداية 1/ 189 - 190، وشرح فتح القدير 2/ 346، والاختيار 3/ 83، وتبيين الحقائق 2/ 96، وحاشية ابن عابدين 3/ 17.

المدرج

المُدْرَجُ (¬1) قولُهُ: 213 - المُدْرَجُ: المُلْحَقُ آخِرَ الخَبَرْ ... مِنْ قَوْلِ راوٍ مَا، بلا فَصْلٍ ظَهَرْ 214 - نَحْوُ (إذَا قُلْتَ: التَّشَهُّدَ) وَصَلْ ... ذَاكَ (زُهَيْرٌ) وَ (ابنُ ثَوْبَانَ) فَصَلْ 215 - قُلْتُ: وَمِنْهُ مُدْرَجٌ قَبْلُ قُلِبْ ... (كأسْبِغُوا الوُضُوْءَ وَيْلٌ لِلعَقِبْ) المدرجُ قسمانِ (¬2): مدرجُ المتنِ (¬3)، ومدرجُ الإسنادِ (¬4). فالأولُ: هوَ ما أُضيفَ ¬

_ (¬1) انظر في المدرج: معرفة علوم الحديث: 39، ومعرفة أنواع علم الحديث: 194، والإرشاد 1/ 254 - 257، والتقريب: 79 - 80، والاقتراح: 224، ورسوم التحديث: 90، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 53، والموقظة: 53، واختصار علوم الحديث 1/ 224 وبتحقيقي: 152، والمقنع 1/ 227، والشذا الفياح 1/ 216، ومحاسن الاصطلاح: 107، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 294، وتنقيح الأنظار: 167، ونزهة النظر: 72، والمختصر: 145، وألفية السيوطي: 73 - 79، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 110، وفتح الباقي 1/ 275، وتوضيح الأفكار 2/ 50، وظفر الأماني: 248، وشرح شرح نخبة الفكر: 462، واليواقيت والدرر 2/ 68، وقواعد التحديث: 124، ولمحات في أصول الحديث: 294، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 474. (¬2) قال ابن حجر رحمه الله في " نكته " 2/ 811 وبتحقيقي: 571: ((وقد قسمه الخطيب الذي صنف فيه إلى سبعة أقسام، وقد لخصته ورتبته على الأبواب والمسانيد، وزدت على ما ذكره الخطيب، أكثر من القدر الذي ذكره)). (¬3) قال ابن حجر رحمه الله في " نكته " 2/ 811، وبتحقيقي: 571 - 572: ((وهو على ثلاث مراتب: أحدها: أن يكون ذلك في أول المتن وهو نادرٌ جداً. ثانيها: أن يكون في آخره وهو الأكثر. ثالثها: أن يكون في الوسط وهو القليل)). (¬4) وهو على خمسة أقسام، كما قال ابن حجر. انظر: النكت 2/ 832 وبتحقيقي: 586.

إلى الخبرِ، من غيرِ كلامِ صاحبهِ بلا تمييزٍ (¬1)، فيدخلُ فيهِ المرفوعُ، والموقوفُ، ونحوهُ، بخلافِ قولِ الشيخِ (¬2): ((ويتوهمُ أنَّ الجميعَ مرفوعٌ (¬3))). وكذا قولُ ابنِ الصَلاحِ: ((ما أدرجَ في حديث /172 أ/ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - منْ كلامِ بعضِ رواتهِ)) (¬4)، فإنَّهُ يُوهِمُ أنَّ التسميةَ خاصةٌ بالمرفوعِ وليسَ كذلكَ، فليسَ المرفوعُ شرطاً فيها. وتارةً يكونُ سببُ الإدراجِ، استنباطَ الراوي حكماً مِنَ الأحكامِ، مثل ما ذكرهُ منْ حديثِ ابنِ مسعودٍ في التشهدِ (¬5)، فإنَّهُ استنبطَ منَ الخبرِ أنَّهُ إذا فرغَ منَ التشهدِ فقدْ خرجَ منَ الصَلاةِ، وهكذا حديث عروةَ، عنْ بسرةَ (¬6) بنتِ صفوانَ: ((مَنْ مَسَّ ذَكرَهُ أو أنثييه أو رفغهُ فليتوضأ)) (¬7). فَهِمَ عروةُ منَ الخبرِ أنَّ سببَ نقضِ الوضوءِ مظنَّةُ الشهوةِ، فجعلَ حُكمَ ما قربَ منَ الذَّكرِ كذلكَ؛ لأنَّ ما قاربَ الشيءَ أُعطيَ حكمُهُ، فقالَ كلٌّ منهما ذَلِكَ، فظنَّ بعضُ الرواةِ أنَّهُ منْ صُلبِ الخبرِ فنَقلهُ مُدرجاً فيهِ، وفهمَ الآخرونَ حقيقةَ الحالِ، فَفصّلوا. وتارةً يكونُ سَببُهُ غرابةَ بعضِ الألفاظِ، فيفسرها، كحديثِ الزُهريِّ، عَنْ عائشةَ -رضي الله عنها-: ((كانَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتحنّثُ في غارِ حراءِ، -وَهوَ التعبُّد- اللياليَ ذواتِ العددِ ... )) (¬8). فقوله: ((وَهوَ التعبّد)) تفسير للتَحنّث المضمّن ليتَحنّث. ¬

_ (¬1) انظر: نزهة النظر: 73. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((فإنه قال: آخر الخبر)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 294. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 195. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 195 وهناك تفصيل تخريج الروايات. (¬6) لم ترد في (ب). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 299، وهناك تفصيل تخريجه. (¬8) صحيح البخاري 1/ 3 (3) و9/ 37 (6982)، وسيأتي قريباً.

قلتُ: قولُهُ: (مثلَ حديثِ الأعمشِ) (¬1) الذِي في نسختي منْ أبي داود: فَعلمه التشهّدَ في الصلاةِ، فذكرَ مثلَ دعاءِ حديثِ الأعمشِ، ولفظه بحديثِ الأعمشِ الذِي أحال عليهِ: حدثنا مسددٌ، قالَ: حدثنا يحيى (¬2)، عنْ سليمانَ الأعمشِ، حدثني شقيقُ بنُ سلمةَ، عنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ، قالَ: كنا إذا جلسنَا / 172 ب / معَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في الصلاةِ، قلنا: السلامُ على اللهِ قبلَ عبادِهِ، السلامُ على فلانٍ وفلانٍ، فقالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تقولوا السلامُ على اللهِ؛ فإنَّ اللهَ - عز وجل - هوَ السلامُ، ولكن إذا جلسَ أحدُكم فليقلْ: التحياتُ للهِ والصلواتُ والطيباتُ، السلامُ عليكَ أيها النبيُّ ورحمةُ اللهِ وبركاتهُ، السلامُ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحينَ - فإنَّكم إذا قلتُم ذَلِكَ أصابَ، وفي روايةِ ابنِ داسةَ: أصبتُم، كلَّ عبدٍ صالحٍ في السماءِ والأرضِ - أشهدُ أنْ لا إله إلا اللهُ، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدهُ ورسولهُ، ثُمَّ ليتخيَّرْ أحدُكم منَ الدعاءِ أعجَبَهُ إليهِ فيدعوَ بهِ)) (¬3). قالَ شيخُنا: ((ويعرفُ هَذا المدرجُ بتفصيلِ بعضِ الرواةِ، بأنْ ينسبَ كلَّ مقالةِ إلى قائلها، كحديثِ عبدِ الله بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - رَفَعَهُ: ((منْ ماتَ لا يُشرِكُ باللهِ شيئاً دَخَلَ الجَنَّةَ، ومنْ ماتَ يشركُ باللهِ شَيئاً دَخَلَ النارَ)). وجاء في روايةٍ أُخرى: قالَ النَبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: كلمةً، وقلت أَنا أُخرى: ((منْ ماتَ لا يشركُ باللهِ شَيئاً دَخَلَ الجنةَ، ومنْ ماتَ يشركُ باللهِ شيئاً دَخَلَ النارَ))، فأفادَ هَذا أنَّ إحدى الكلمتينِ منْ قولِ ابنِ مسعودٍ، لكنْ لَم يعينْها، فجاءتْ روايةٌ ثالثةٌ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - كلمةً وقلت أنا أُخرى: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : ((منْ ماتَ لا يُشركُ باللهِ شيئاً دخَلَ الجَنةَ، ومنْ ماتَ يشرِكُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 295. (¬2) أي: القطان. (¬3) سنن أبي داود (968)، وأخرجه أيضاً: البخاري 1/ 211 (831) و1/ 212 (835) و8/ 63 (6230)، ومسلم 2/ 14 (402) (58).

باللهِ شيئاً دخلَ النّارَ)) / 173 أ / فعلمنا أنَّ الثانيةَ منْ قولِ ابنِ مسعودٍ، وأكّدَ ذَلِكَ روايةٌ رابعةٌ، اقتصرَ فيها على الكلمةِ الأولى، مضافةً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - (¬1). ولا بدَّ أن تأتيَ روايةٌ غيرُ مفصّلةٍ، ثُمَّ تأتيَ أخرى مُصرّحة، فيُكتفَى بها في معرفة الإدراجِ، وتارةً يُقتصرُ عليها، وتارةً تؤكدُ بمجيءِ الحديثِ منْ طريقٍ أخرى محذوفاً منهُ القدر المدرجُ. قولُهُ: (ومالكُ بنُ إسماعيلَ النهديُّ عَنهُ) (¬2) أي: عَن زهيرٍ. قولُهُ: (ثُمَّ رواه - أي: الدارقطنيُّ - منْ روايةِ غسان) (¬3). قلت: قولُهُ: (فَرّقَهما) (¬4) أي: ذكرَ لكلٍ منهما إسناداً إلى شُعبةَ على حدتِهِ، ولم يقلْ مثلاً: حدثنا أبو قطن وشبابةُ، عنْ شعبةَ. قولُهُ: (أو رفغهُ) (¬5) الرفغُ: بالمهملةِ وآخرُهُ معجمةٌ. قالَ في " القاموسِ " (¬6): ((بضمٍ أو بفتحٍ: المغابنُ، وأصلهُ (¬7) الفخذُ، وكلُ مجتَمعِ وسخٍ منَ الجسدِ، والجمعُ: أرفاغٌ، ورفوغٌ، وبالضمِ: الإبطُ، وما حولَ فرجِ المرأةِ)). وقالَ الزبيديُّ في " مختصر العين ": ((الرفغُ باطنُ الفخذِ، والرفغُ وسخُ الظفرِ)) (¬8). وقالَ ابنُ فارسٍ في " المجمل " (¬9): ((الرُفْغُ: أصلُ الفخذينِ (¬10) وسائِرُ المغابنِ: أرفاغٌ، وكلُّ موضعٍ ¬

_ (¬1) تفصيل الروايات والطرق في كتابي: "أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء": 508 - 510. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 296. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 297. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 298. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 299. (¬6) القاموس المحيط مادة (رفغ). (¬7) في القاموس: ((أصل)). (¬8) انظر: غريب الحديث للحربي 1/ 30، والفائق في غريب الحديث 2/ 72، وأساس البلاغة: 356. (¬9) مجمل اللغة لابن فارس مادة (رفغ). (¬10) في المجمل: (الفخذ).

اجتمعَ فيهِ الوسخُ: رُفغٌ، وفي الحديثِ: كيفَ لا أُوهِمُ ورفغ أحدِكم بين ظفرهِ وأنمُلَتهِ)). وقالَ الإمامُ عبدُ الحقِ: ((والرَّفغُ والرُّفغ: أصلُ الفخذينِ، و (¬1) الفتحُ لتميمٍ، والضمُّ لأهلِ العاليةِ، والأرفاغُ: أصولُ المغابنِ كلها. وفي الحديث: ورفغ أحدكم بينَ ظفرهِ وأنمُلتهِ)). قالَ الليثُ: ((الرفغُ وسخُ الظفرِ)). / 173 ب / كأنهُ أرادَ: ووسخ رُفغ أحدِكم، فاختصرَ الكلامَ. وأرادَ - صلى الله عليه وسلم -: لا تقلمونَ أظفاركم ثُمَّ تَحكّونَ بِها أرفاغَكم، فيتعلّقَ بها ما في الأرفاغِ. وفي الحديثِ: ((إذا التقى الرُفغانِ فقَد وَجبَ الغُسلُ)) (¬2). والرفغانُ: أصلا الفخذينِ كَما تقدّمَ، يُريدُ: إذا التقى ذَلِكَ منَ الرجلِ والمرأةِ، ولا يكونُ ذَلِكَ إلا بعدَ التقاءِ الختانينِ (¬3)، انتهى. والمادةُ تدورُ على اللينِ والقَذَرَ المجتمعينِ في المغابنِ، فَمِنَ القذَرِ ما تقدّمَ، ومنهُ أيضاً: الرفْغُ الذِي هوَ: أَلأَمُ الوادي، وشرُّهُ تراباً، ومن اللينِ: رفَاغَة العيشِ ورفاغيتُهُ، أي: رفاهيتهُ (¬4). قولُهُ: (على يزيدَ بنِ زُريعٍ) (¬5) أي: فأدرجهُ أبو كاملٍ الجَحْدريُّ كَما ترى، وفَصَلهُ عَنهُ أبو الأشعثِ، وأحمدُ بنُ عبدِ اللهِ الغَنوي، وغيرُهما (¬6). قولُهُ: (الطريق إلى الحُكْمِ) (¬7) هوَ بضمِ المهملةِ، وسكونِ الكافِ، أي: أنَّ الحكمَ على أول شيءٍ في الخبرِ بالإدراجِ، حُكمٌ ضعيفٌ ليسَ إليهِ طريقٌ قويٌ، وذلكَ ¬

_ (¬1) لم ترد الواو في (ف). (¬2) ذكره ابن الجوزي في " غريب الحديث " 1/ 406، وابن الأثير في " النهاية " 2/ 244 من حديث عمر - رضي الله عنه -. (¬3) انظر: النهاية 2/ 244. (¬4) انظر: القاموس المحيط مادة (رفغ). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300. (¬6) انظر: النكت لابن حجر 2/ 830 وبتحقيقي: 584. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300.

لصراحةِ قولِ الراوي في كونهِ منْ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -؛ لكونهِ أولَ مَعْمُولٍ لقالَ مثلاً، كأَنْ يُقالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كذا، أو غيرهُ منَ العواملِ كَما سيأتي في مسَّ. وقوله: (مما يَضعُفُ فيهِ) (¬1) هوَ - واللهُ أعلمُ - خبرٌ مقدمٌ وفاعلُ ((يضعفُ)) محذوفٌ، و ((أنْ يكونَ)) هوَ المبتدأُ، تقديرهُ: ومما يضعُفُ فيهِ الحكمُ بالإدراجِ، أنْ يكونَ المحكومُ عليهِ، مُدرجاً في أثناءِ اللفظِ المتفقِ عَلى أنَّهُ لفظُ رسولِ اللهِ / 174 أ / - صلى الله عليه وسلم -، أو في أولهِ. وقوله: (لما فيهِ مِن اتصال هَذهِ اللفظةِ بالعاملِ) (¬2) أي: وَهوَ قولُهُ: ((مسّ)) وقد فُرضَ أنَّهُ منْ قولهِ - صلى الله عليه وسلم -. قلتُ: وهَذا الكَلامُ (¬3) ضعيفٌ؛ فإنَّ مَنْ رواهُ كذلكَ يمكنُ أَنْ يكونَ رواهُ بالمعنى فَقَدَّمَ وأخَّرَ، ظناً منهُ أنَّ ذلكَ كُلَّهُ منْ قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولو أدَّى لفظَ مَنْ نَقَلَهُ عَنهُ كما قالهُ؛ لكانَ المدرجُ آخرَ الخَبرِ، وأمَّا مَنْ فَصّل فإنهُ فَهِمَ الأمرَ على ما هوَ عليهِ بقرينةٍ أو تصريحٍ. قالَ شيخُنا: ((ووقعَ كثيرٌ منَ الإدراجِ في الوسطِ، كحديثِ عائشةَ في بدءِ الوَحي، فإنَّ قولَهُ: ((والتحنثُ: التعبّدُ)) مدرجٌ منْ قولِ الزهريِّ (¬4)، وحديث فَضَالةَ بنِ عُبيدٍ: أنا زعيمٌ - والزعيمُ: الحميلُ - ببْيتٍ في رَبَضِ الجنّةِ ... الحديثَ (¬5). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي كلام ابن دقيق العيد)). (¬4) انظر: فتح الباري 1/ 23، والديباج للسيوطي 1/ 141. والحديث: أخرجه: عبد الرزاق (9719)، وأحمد 2/ 232، والبخاري 1/ 3 (3) و9/ 37 (6982)، ومسلم 1/ 97 (160) (252) و1/ 98 (160) (253). (¬5) أخرجه: النسائي 6/ 21 وفي "الكبرى"، له (4341)، وابن حبان (4619)، والطبراني 18/ (801)، والحاكم 2/ 61 و71، والبيهقي 6/ 72 من طريق ابن وهب، عن أبي هانىء الخولاني، عن عمرو بن مالك، عن فضالة بن عبيد الأنصاري، به. وأخرجه: أبو داود (4800)، ومن طريقه البيهقي 10/ 249 من حديث أبي أمامة الباهلي، به.

فقولُهُ: ((والزعيمُ الحميلُ)) مدرجٌ منْ تفسيرِ ابنِ وهبٍ. وحديث أزهرَ بنِ عليٍّ التَميميِّ، عنْ مالكٍ، عنِ الزهريِّ، عنْ أنسٍ: أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - دَخَلَ مكةَ، وعلى رأسهِ المغْفَرُ وَهوَ غيرُ مُحْرمٍ ... الحديثَ. (¬1) فقولهُ: ((وَهوَ غيرُ مُحرِمٍ)) كلامُ الزهريِّ، أُدرجَ في هَذا الموصولِ، وقَدْ ذكرتُ أمثلةً غير هَذا في كِتابِ "المدرج"، واللهُ أعلم)). قولُهُ: (ولا يُعرفُ في طرقِ الحديثِ تقديمُ الأنثيين على الذَكرِ) (¬2) ليسَ كذلكَ، فقدْ وقَعَ في كتابِ " الأبوابِ " لابنِ شاهينَ منْ روايةِ محمدِ بنِ دينارٍ، عنْ هشامِ بنِ عروةَ، بهِ (¬3): مَنْ مسَّ أُنثييْهِ أو ذكَرَهُ. فقدّم الأُنثيينِ، والله أعلم. قلت: قولُهُ: 216 - وَمِنْهُ جَمْعُ مَا أتَى كُلُّ طَرَفْ ... مِنْهُ بِإسْنَادٍ بِوَاحِدٍ سَلَفْ 217 - كـ (وَائِلٍ) في صِفَةِ الصَّلاَةِ قَدْ ... أُدْرِجَ (ثُمَّ جِئْتُهُمْ) وَمَا اتَّحَدْ / 174 ب / هَذا مدرجُ الإسنادِ؛ لأنهُ لما رَوَى القطعتينِ بسندِ أحدِهما، كانَ كأنهُ أدرجَ أحدَ السندينِ في الآخرِ، حتى ساغَ لَهُ أنْ يركّبَ عليهِ القطعتينِ، ولو قالَ الشيخُ: ومنهُ جَمعُ طرفي حديث ... بسندِ الواحِدِ في التحديثِ كانَ أبينَ وأسلمَ مِنَ الحشوِ. قولُهُ: (أُدرجَ) (¬4) هوَ مبنيٌّ للمفعولِ، أي: أَدرجَ بعضُ رواةِ هَذا الحديثِ هَذا اللفظَ فيهِ، وَهوَ: ثُمَّ جئتهم ... إلى آخرهِ، وَصيَّرهُ معَ ما قبله شيئاً واحداً، والحالُ أنَّهُ ¬

_ (¬1) تقدم تخريجه. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 300. (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي بالسند)). (¬4) التبصرة والتذكرة (217).

ما اتحدَ معَ ما (¬1) قبلهُ في السندِ، وإن اتحَّدَا في الصحابيِّ، بل كلٌّ منهما بسندٍ. قولُهُ: (فرقهما) (¬2) أي: لَم يقلْ في سَندٍ واحدٍ: عَنْ زائدةَ وشريكٍ، عَن عاصمٍ، بل قالَ في تفريعِ أبوابِ الاستفتاحِ: حدثنا الحسنُ بنُ عليٍّ، حدثنا أبو الوليدِ، حدثنا زائدةُ، عنْ عاصمِ بنِ كليبٍ ... فذكرَ الحديثَ، ثُمَّ قالَ: حدثنا عثمانُ بنُ أبي شيبةَ، حدثنا شريكٌ، عنْ عاصمِ بنِ كُليَبٍ ... ، فَذَكرهُ (¬3). قولُهُ: (الحمال) (¬4) بالمهملةِ، صفةٌ لوالدِ موسى بنِ (¬5) هارون بنِ عبدِ اللهِ البغداديِّ، الثقةِ الحافِظِ الكبيرِ، ماتَ سَنةَ أربعٍ وتسعينَ ومئتينِ، وكانَ حافظَ بغدادَ في وقتهِ، قالَ الذهبيُّ في "الدُوَلِ" (¬6): قالَ الصِّبغيُّ (¬7): ((ما رأيتُ في حفّاظِ (¬8) الحديث أهْيَبَ منهُ، ولا أورَعَ (¬9))). وماتَ أبوه هارونُ الحمالُ، سنةَ أربعٍ وأربعينَ ومئتينِ (¬10). قولُهُ: (ومنهُ أنْ يُدرَجَ) (¬11) هوَ مبنيٌّ للمفعولِ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301. (¬3) تفصيل تخريج الروايات في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 406. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301. (¬5) كلمة: ((بن)) لم ترد في (أ) و (ب)، والمثبت من (ف). (¬6) دول الإسلام 1/ 178. (¬7) في (ف): ((الضبعي)). (¬8) في (ب): ((حفظ)). (¬9) انظر: تاريخ بغداد 13/ 51، وسير أعلام النبلاء 12/ 117. (¬10) وقيل: سنة ثلاث وأربعين ومئتين، وقال الذهبي: ((وأخطأ من قال: سنة تسع وأربعين)). انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 116. (¬11) التبصرة والتذكرة (218).

قولُهُ: (ولاتَنَافسُوا) (¬1) هوَ مِن النفيسِ، وَهوَ ما يُرغَبُ فيهِ ويُبخَلُ بهِ لِعزّتهِ، وَهوَ مضارعُ تنافسَ فلانٌ وفلانٌ، مثلُ: تقاتلا. وهكذا بقيةُ ألفاظِ الحديثِ، كلها أفعالٌ مضارعةٌ، حُذِفَ منها حرفُ المضارعةِ تخفيفاً. ومعنى ((تنافسُوا)): تقاسَموا النفاسةَ، بأنْ يَعُدَّ كُلٌّ مِنهُم الشيءَ نَفيساً، فيتجاذبوهُ، فيؤديَ ذَلِكَ إلى فسادٍ عريضٍ (¬2). والتجسسُ - بالجيمِ -: التفحّصُ منَ الجاسوسِ لصاحِبِ سِرِ الشرِّ. (¬3) قالَ في "القاموسِ" (¬4): ((أي: خُذوا ما ظَهرَ، ودَعوا ما سَترَ اللهُ - عز وجل -، ولا تَفْحصوا عنْ بواطنِ الأمورِ، ولا تبحثوا عنِ العوراتِ)). والتَحسسُ: بالحاءِ المهملةِ. قالَ في "القاموس" (¬5): ((الاستماعُ لحديثِ القومِ، وطلبُ خبرِهِم في الخيرِ، والحاسوسُ: الجاسوسُ، أو هوَ في الخير، وبالجيمِ في الشر)) انتهى. والمادةُ تَدورُ على تأثّرِ النفسِ بِما تدركُهُ بإحدى حواسِّها. قولُهُ: 221 - وَمِنْهُ مَتْنٌ عَنْ جَمَاعَةٍ وَرَدْ ... وَبَعْضُهُمْ خَالَفَ بَعْضاً في السَّنَدْ 222 - فَيَجْمَعُ الكُلَّ بإسْنَادٍ ذَكَرْ ... كَمَتْنِ (أيُّ الذَّنْبِ أعْظَمُ) الخَبَرْ 223 - فَإنَّ (عَمْراً) عِنْدَ (وَاصِلٍ) فَقَطْ ... بَيْنَ (شَقيْقٍ) وَ (ابْنِ مَسْعُوْدٍ) سَقَطْ 224 - وَزَادَ (الاعْمَشُ) كَذَا (مَنْصُوْرُ) ... وَعَمْدُ الادْرَاجِ لَهَا مَحْظُوْرُ قولُهُ: (وبعضُهُم ... ) (¬6) إلى آخرهِ، جُملةٌ في موضعِ الحالِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (219). (¬2) انظر: القاموس المحيط مادة (نفس). (¬3) انظر: لسان العرب مادة (جسس). (¬4) القاموس المحيط مادة (جسس). (¬5) القاموس المحيط مادة (حسس). (¬6) التبصرة والتذكرة (221).

قولُهُ: (فيجمع) (¬1) أي الراوي، وكذا ((ذكرَ)) الضمير (¬2) للراوي؛ لأنّهُ حاضرٌ في الذهنِ، وإنْ لَم يكُنْ مذكوراً باللفظِ. قولُهُ: (وزادَ الأعمش) (¬3) المفعولُ وَهوَ عمرٌو محذوفٌ لضيقِ النَّظمِ عَنهُ، فالتقديرُ: وزادهُ الأعمشُ، فلو أنَّهُ قالَ: وزادهُ الأعمشُ أو منصورٌ ... ... ... ... ... ... لكانَ أحسنَ منْ أجلِ ذكرِ المفعولِ، ولا يضرُّ الإتيانُ بأو، بل ربّما يكونُ متعيناً؛ لأنهُ سيذكرُ أنَّهُ اختلفَ على الأعمشِ في زيادةِ ((عمرو))، فلم يغلبْ على الظنِّ حينئذٍ أنَّهُ زَادهُ. قولُهُ: (وعَمدُ الإدراجِ لها) (¬4) الظاهرُ أنَّ اللامَ بمعنى في، أي: تعمّدُ الإدراج في جميعِ الأقسامِ ممنوعٌ منه. قولُهُ: (عنْ أبي وائل، عَنْ عبدِ اللهِ) (¬5) / 175 ب / أي: لأنَّ أبا وائلٍ - هوَ شقيقُ بنُ سَلَمَة الأسديُّ الكوفيُّ- أدركَ النَبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ولم يَرهُ، ورَوَى عنِ الخلفاءِ الأربعةِ وغيرِهم منَ الأكابرِ، كابنِ مسعودٍ، ورَوَى أيضاً عَن أبي مَيسرةَ عمرِو بنِ شُرحَبيلَ الهمْدانيِّ الكوفيِّ التابعيِّ الكبيرِ الراوي أيضاً، عَن الأكابرِ منَ الصحابةِ، منهُمُ: ابنُ مسعودٍ (¬6)، فإدخالُ عَمرٍو، بينَ أبي وَائِل، وبينَ ابنِ مسعودٍ ((منَ المزيدِ في متصّلِ الأسانيدِ))؛ لأنَّ أبا وائِلٍ رَوَى عنهُ، وعن ابنِ مسعودٍ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (222). (¬2) بعد هذا في (ب): ((فيه)). (¬3) التبصرة والتذكرة (224). (¬4) التبصرة والتذكرة (224). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304. (¬6) انظر ترجمته في: تهذيب التهذيب 4/ 329.

قولُهُ: (دعْهُ دَعْهُ (¬1)) (¬2) أي: اتركهُ كَما حدثتُكَ بهِ، ولا تلتفتْ إلى مخالفٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ مرادُهُ: اتركْ ما حدثتُكَ بهِ منْ إثباتِ عمرٍو، فإني تذكرتُ أنّ أبا وائِلٍ رَوَى عَن ابنِ مسعودٍ نفسهِ؛ فيكونُ مرادُهُ الأمرَ بحذفِ عمرٍو مِن السندِ. قولُهُ: (لكنْ رواهُ النسائيُّ) (¬3) استدراكٌ منَ الحَكمِ بكونِ واصلٍ، أسقطَ عَمراً في روايتهِ. قولُهُ: (وسيأتي التنبيهُ على ذَلِكَ في (¬4) موضعهِ) (¬5) يعني: في اختلافِ ألفاظِ الشيوخِ. قلتُ: قولُهُ: (أو الخمسةِ) (¬6) القسمُ الخامسُ: ما في روايةِ النسائيّ منْ إدراجِ عمرٍو مِنْ روايةِ منصورٍ، والأعمشِ في روايةِ واصلٍ منْ غيرِ ذكرٍ لهما، وكذا ما شابههُ مِنَ الاقتصارِ في روايةِ حديثٍ عَلَى بعضِ الشيوخِ المجموعينَ في سندٍ واحدٍ بلفظٍ إنما رواهُ غيرُهُ من الذينَ أُسقطوا، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (وهذا النوعُ) (¬7) أي: المدرجُ بأقسامهِ، قَد صنفَ فيهِ. عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وهذا النوعُ قَد صَنّفَ فيهِ الخطيبُ أبو بكرٍ كتابَهُ /176 أ/ الموسوم: " بالفصلِ للوصلِ المدرج في النقلِ " فشَفَى وكَفَى)) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ب): ((دع دع)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 304. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 305. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 305. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 200.

الموضوع

الموضوع (¬1) قولُهُ: (الموضوعُ) (¬2) هوَ اسمُ مفعولٍ، منْ وَضَعَ الشيءَ، يَضَعُهُ - بالفتحِ - وَضعاً: حَطَّهُ. إشارةٌ إلى أنَّ رتبتَهُ أنْ يكونَ دائماً مُلقى مطرحاً لا يستحقُّ الرفعَ أصلاً (¬3). قولُهُ: (الكذبُ المختلقُ المصنوعُ) (¬4) هَذهِ الأوصافُ بعضُ الألفاظِ التي يطلقونَها على الموضوعِ، وتوجدُ في عباراتهِم: هَذا مما عَمِلتْ يداهُ، ونَحْوُ هَذا. قولُهُ: (وهذا هوَ الصوابُ) (¬5) الإشارةُ إلى أنَّ الموضوعَ شرُ ما يُروَى عَن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قولُهُ: (هو القسمُ الأَخِرُ ... ) (¬6) إلى آخرهِ، الأخِرُ: -بقصرِ الهمزةِ وكسرِ ¬

_ (¬1) انظر في الموضوع: الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 98، ومعرفة أنواع علم الحديث: 200، وجامع الأصول 1/ 135، والإرشاد 1/ 258 - 265، والتقريب: 80 - 85، والاقتراح: 228، ورسوم التحديث: 95، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76، والموقظة: 36، واختصار علوم الحديث 1/ 237 وبتحقيقي: 153، والشذا الفياح 1/ 223، ومحاسن الاصطلاح: 111، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 305، وتنقيح الأنظار: 172، ونزهة النظر: 68، والمختصر: 149، وفتح المغيث 1/ 234، وألفية السيوطي: 79 - 93، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 116، وفتح الباقي 1/ 284، وتوضيح الأفكار 2/ 68، وظفر الأماني: 412، وشرح شرح نخبة الفكر: 435، واليواقيت والدرر 2/ 36، وقواعد التحديث: 150، ولمحات في أصول الحديث: 300. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 305. (¬3) انظر: لسان العرب مادة (وضع). (¬4) التبصرة والتذكرة (225). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 306. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 306.

المعجمةِ- قالَ الشيخُ في " النكت " (¬1) في قسمِ الضعيفِ: ((على وزنِ الفَخِذِ)) انتهى. ومعناهُ: الغائبُ. قالَ الشيخُ: ((وَهوَ بمعنَى الأرذَلِ)) (¬2) انتهى. قالَ في "ترتيبِ المحكمِ": ((يُقالُ: أبعدَ اللهُ الأخِرَ، والأخيرَ، ولا تقُولهُ للأنثى)). وحَكَى بعضُهم: أبعدَ اللهُ الآخرَ بالمدِ، والأخِرُ، والأخيرُ: الغائبُ، انتهى. وكأنَّ ذَلِكَ كنايةٌ عَنِ السقوطِ والردَاءةِ، أي: أنهُ ليسَ بأهلٍ لأن يكونَ حاضراً، بل هوَ مِنَ التقذُّرِ في حدٍّ يُنزَّهُ عَنهُ مقامُ الحضور، وهذا كَما يُقالُ أيضاً في التقذُّرِ: قالَ الأبعدُ، وجَرى كذا - حاشا مقامكم - ونحو ذَلِكَ. قولُهُ: (فَهوَ محمولٌ على أنَّهُ أرادَ ما لَم يكنْ موضوعاً ... ) (¬3) إلى آخرهِ، ليسَ كذلك، وإنما أرادَ أنَّ ما عَدِمَ جميعَ صفاتِ الحسنِ والصحيح هوَ القسمُ الآخرُ الأرذلُ الذِي ليسَ بَعدَهُ قِسمٌ أسوأُ حالاً منه، فَهوَ بالنسبةِ إلى كلِّ قسمٍ لَم تُعدمْ فيهِ جميعُ الصفاتِ أردأُ وأسوأُ حالاً، وهذا القسمُ - الذِي هوَ الآخرُ الأرذلُ - يدخلُ تَحتَه نوعانِ: الضعِيفُ / 176 ب / مُطلقاً، والموضوعُ. ولم يتعرّضْ للتفصيلِ بينَ النوعينِ هناك (¬4)، وقال هنا: إنَّ الموضوعَ شرٌّ مِن مطلقِ الضَعيفِ. فعُلِمَ أنَّهُ ليسَ بَعَدَهُ شرٌّ منهُ، وإنما أُطلِقَ عليهِ حديثٌ بالنسبةِ إلى زَعمِ واضعِهِ، وإلى ظاهِرِ الأمرِ قبلَ البحثِ، والنظرِ، وإلا فليسَ هوَ في التحقيقِ حديثاً. قلتُ: وهذا مِثلُ قولِكَ: أفضلُ عباداتِ البدنِ الصلاةُ، فعُلِمَ منْ هَذهِ العبارةِ أنَّ الصلاةَ أرفعُ رتبةً منْ كلِّ عبادةٍ تخُصُّ البدنَ، وأمّا أنواعُ الصلاةِ فلا تعرُّضَ إليها في ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 63. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 306. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 306 - 307. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي بالضعيف)).

هَذهِ العبارَةِ، فإذا أُريدَ ذَلِكَ قيل: والصلاةُ على أنواعٍ، فالفرضُ أفضلُ منَ النفلِ، والنفلُ المؤكَّدُ أفضلُ منْ غيرهِ، واللهُ أعلمُ. وكذا قولُهُ: (أو احتجاجٍ) (¬1) ليسَ مستثنىً منهُ بقولهِ: (إلا معَ بيانٍ) (¬2) وإنْ كانَ منَ الجُملِ المتعاطفةِ بأو، فإنهُ خرجَ بقرينةٍ؛ لأنهُ لا يمكنُ أنْ يحتجَّ بهِ ويبينُ أنَّهُ موضوعٌ، إذ لا فائدةَ في ذلكَ؛ فكأنهُ قيلَ: لا يجوزُ لمنْ عَلِمَ أنَّ الحديثَ موضوعٌ أنْ يحتجَّ بهِ مطلقاً، ولا يجوزُ لَهُ أنْ يرويَهُ، أو يُرغّبَ بهِ في شيءٍ، إلا أنْ يُبيّنَ أنَّهُ موضوعٌ، كذا قالَ شيخُنا. ويمكنُ أنْ يُوجَّهَ بأنْ يكونَ لفظُ الموضوعِ حسناً، ومعناهُ صحيحاً، فيحتجَّ بهِ على شيءٍ ويُبينُ أنَّهُ موضوعٌ، إعلاماً بإنَّ المُرادَ ليسَ الاحتجاجُ بنسبةِ هَذا اللفظِ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، بل نسبةُ المعنى بعدَ ذكرِ ما يعضُدُهُ منَ الشريعةِ، والله أعلم. قولُهُ: (ولقد أكثرَ الذِي جمعَ في هَذا العصرِ الموضوعاتِ) (¬3) قالَ شيخُنا: ((غالبُ ما في كتابِ ابنِ الجوزيِّ موضوعٌ، / 177 أ / والذي يُنتقَدُ عليهِ بالنسبةِ إلى ما لا يُنتقدُ قليلٌ جداً)). وَذكَرَ في "الذبِّ عنْ مُسندِ أحمدَ" (¬4): أنَّهُ ذَكرَ فيهِ حديثاً أخرجَهُ (¬5) مسلمٌ في "صحيحهِ" (¬6)، قالَ: ((وَهوَ مِن عجائبهِ))، قالَ: ((وفِيهِ منَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬4) القول المسدد: 31 - 32. (¬5) في (ف): ((خرجه)). (¬6) وهو حديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن طَالتْ بكَ مُدَّة، أوشَكتَ أن ترى قوماً يَغدُونَ في سخطِ اللهِ، ويَرُوحونَ في لَعنتِه، في أيديهم مِثلُ أذنابِ البَقرِ)). صحيح مسلم 8/ 155 (2857) (53) و (54). وهو في الموضوعات لابن الجوزي 3/ 101.

الضررِ أنْ يظنَّ ما ليسَ بموضوعٍ موضوعاً، عكسُ الضّررِ " بمستدركِ الحاكمِ " فإنهُ يظنُّ بهِ ما ليسَ بصحيح صحيحاً))، قالَ: ((ويتعيّنُ الاعتناءُ بانتقادِ الكتابينِ؛ فإنَّ الكلامَ في تساهلِهما، أعدَمَ الانتفاعَ بهما إلا لعَالِمٍ بالفنِّ؛ لأنهُ ما من حديثٍ إلا ويمكنُ أنْ يكونَ قَد وَقعَ فيهِ التساهلُ. قولُهُ: 228 - وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ ... أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا 229 - قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ ... مِنْهُمْ، رُكُوْنَاً لَهُمُ ونُقِلَتْ 230 - فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا ... فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا 231 - نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى ... زَعْمَاً نَأوْا عَنِ القُرَانِ (¬1)، فافْتَرَى 232 - لَهُمْ حَدِيْثَاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ ... عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ 233 - كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ ... رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ 234 - وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ ... - كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِىءٌ صَوَابَهْ قولُهُ: (حِسبةً) (¬2) -بكسرِ المهملةِ ونصبُهُ على أنَّهُ مفعولٌ لَهُ-، أي: للحسبةِ، والحسبةُ: الأجرُ، واسمٌ منَ الاحتسابِ، واحتسبَ بكذا أجراً عندَ اللهِ: اعتدّه ينوي بهِ وَجهَ اللهِ، واحتسبَ عليهِ: أنكرَ، ومنهُ: المحتسبُ، وفُلانٌ ابناً (¬3)، أو بنتاً: إذا ماتَ كبيراً؛ فإنْ ماتَ صغيراً، قيلَ: أفرطَهُ (¬4). قالهُ في " القاموسِ " (¬5). ¬

_ (¬1) بلا همزٍ؛ لضرورة الوزن. (¬2) التبصرة والتذكرة (229). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي احتسب)). (¬4) في القاموس: ((افترطه)). (¬5) القاموس المحيط مادة (حسب).

قولُهُ: (بحسبِ الأمرِ) (¬1) قالَ في " القاموسِ " (¬2): ((حسبَ حَسباً وحُسْباناً - بالضمِ - عَدَّ، والمعدودُ: مَحسُوبٌ، وحَسَبٌ - مُحرّكةً - ومنهُ: هَذا بحسَبِ ذا، أي: بعَدَدهِ وقدرهِ، وقدْ يُسكّنُ)). قولُهُ: (الزَنادِقة) (¬3) بفتحِ الزاي، جمعُ زنديقٍ - بكسرِها -، وَهوَ منْ لا يُؤمنُ بالآخرةِ وبالربوبيةِ، أو مَنْ يُبطنُ الكفرَ ويُظهرُ الإسلامَ. (¬4) قولُهُ: (كعبدِ الكريمِ بنِ أبي العوجاءِ) (¬5) هوَ خالُ معنِ بنِ زائدةَ، قالَ أبو الفرجِ الأصبهانيُّ في كتابِ "الأغاني" (¬6): ((عنْ جريرِ بنِ حازمٍ: كانَ بالبصرةِ ستةٌ منْ أصحابِ الكلامِ (¬7): واصلُ بنُ عطاءٍ، / 177ب / وعمرو بن عُبيدٍ، وبشارُ ابنِ بُردٍ، وصالح بنُ عبدِ القدوسِ، وعبدُ الكريمِ بنُ أبي العوجاءِ، ورجلٌ منَ الأزدِ)). قلت: أظنّهُ أبا الخطابِ الذي تُنسبُ إليهِ الفرقةُ الخطّابيةُ، انتهى. قالَ: ((فكانوا يجتمعونَ في منْزلِ الأزديِّ، فأمّا عمروُ وَوَاصِلٌ فصارَا إلى الاعتزالِ، وأمَّا عبدُ الكريمِ وصالحٌ فصحَّحا الثنويَّةَ، وأمّا بشّارٌ فبقيَ متحيراً، قالَ: وكانَ عبدُ الكريمِ يُفسدُ الأحداثَ، فتَهددهُ عمرُو بنُ عبيدٍ، فلَحقَ بالكوفةِ، فَدُلَّ عليهِ محمدُ بنُ سليمانَ - يعني: العباسيَّ الأميرَ بالبصرةِ - فقتَلهُ وَصَلبهُ، وذلكَ في زمن المهديِّ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬2) القاموس المحيط مادة (حسب). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬4) انظر: لسان العرب مادة (زندق)، وتاج العروس مادة (زندق)، والموسوعة الفقهية 24/ 48، ومعجم متن اللغة مادة (زندق). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 307. (¬6) الأغاني 3/ 146. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي علم أصول الدين)).

وفيهِ يقولُ بشّارُ بنُ بردٍ: قلْ لعبدِ الكريمِ: يا ابنَ أبي العو ... جاءِ بِعْتَ الإسلامَ بالكفرِ مُوقا لا تصلي ولا تصومُ، فإنْ صُمـ ... ـتَ فبعضَ النهارِ صوماً رقيقا ما تُبالي إذا شربتَ منَ الخمـ ... ـرِ عتيقاً، أنْ لا يكونَ عَتِيقا وقالَ أبو أحمدَ بنُ عديٍّ: لما أُخِذَ لتُضرَبَ عُنقُهُ، قالَ: وَضعتُ فيكم أربعةَ آلافِ حديثٍ، أحرّمُ فيها الحلالَ، وأُحلّلَ الحرامَ (¬1))). قولُهُ: (وكَبَيانٍ) (¬2) هوَ ابنُ سمعانَ النهديُّ، منْ بني تَميمٍ، ظهرَ بالعراقِ بعدَ المئةِ، وقالَ بإلهيّة عليٍّ، وأنَّ فيهِ جُزءاً إلهياً بناسوتهِ، ثُمَّ منْ بعدهِ في ابنهِ محمدِ ابنِ الحنفيةِ، ثُمَّ في أبي هاشمٍ وَلدِ ابنِ الحنفيةِ، ثُمَّ منْ بعدهِ في بيانٍ هَذا، وكتبَ كتاباً إلى أبي جعفر الباقِر، يدعوهُ إلى نفسهِ، وأنَّه نبيٌّ، فأخذهُ خالدٌ القسريُّ، فقتله وأحرقهُ بالنَارِ، / 178 أ / وَهوَ الذِي ينتسبُ إليهِ البيانيةُ منَ الشيعةِ (¬3). قولُهُ: (كالخَطّابيِةِ) (¬4) - بفتحِ المعجمةِ وتشديدِ المهملةِ - نسبةً إلى أبي الخطابِ الأزديِّ، وكانَ عزا نفسهُ إلى جعفر الصادقِ، فلما عَلِمَ منهُ غلوَّهُ في حقِّهِ تبرّأ منهُ ولَعَنهُ، فلما اعتزلَ عَنهُ (¬5) ادّعى الأمرَ لنفسِهِ، وافترقَ أصحابهُ منْ بعدهِ فمنهم: من ادّعى ألوهيتَهُ، ومنهم من ادّعى إمامتَهُ، ومنهم منْ قالَ بنبوتهِ (¬6). ¬

_ (¬1) هنا ينتهي كلام أبي الفرج في الأغاني. وقد ذكره ابن حجر رحمه الله في لسان الميزان 5/ 242، ويبدو أنّ البقاعي رحمه الله نقله نصاً من هذا الكتاب. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 308. (¬3) انظر في ترجمته ميزان الاعتدال 1/ 357 ترجمة (1335). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 308. (¬5) في (ب): ((اعتزله)). (¬6) انظر: الملل والنحل 1/ 179.

قالَ في " المواقف " (¬1) وشرحه: ((قالوا: الأئمةُ أنبياءٌ، وأبو الخطّابِ نبيٌّ، بل زادوا، وقالوا: الأئمةُ آلهةٌ، والحسنانِ ابنا اللهِ، وجعفرُ الصادق إلهٌ، وأبو الخطّابِ أفضلُ منهُ ومنْ عليٍّ، وهؤلاءِ يستحلونَ شهادة الزورِ لموافقيهِم على مخالفيهم)). (والرافضةُ) قالَ في " القاموسِ" (¬2): ((فرقةٌ منَ الشيعةِ؛ لأنَّهم تابعوا زيدَ ابنَ عليٍّ، ثُمَّ قالوا لَهُ: تبرّأ منَ الشيخينِ، فَأَبَى، وقالَ: كانا وَزيرَي جَدِّي، فتركوهُ ورفضوهُ والنسبة: رافضيٌّ)) انتهى. والشيعةُ: همُ الذينَ شايعُوا علياً، وقالوا: إنَّهُ الإمامُ بعدَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالنصِّ، إمّا جليّاً، وإمّا خفيّاً، وأنَّ الإمامةَ لا تخرجُ عَنهُ وعن أولادهِ، إلاّ بظلمٍ منْ خارجٍ، وتقيةً مِنهُم (¬3). ويقولونَ بعصمةِ الأئمةِ، والتولّي والتبرّي إلا في حالِ التقيةِ، وهم اثنانِ وعشرونَ فرقةً، والظاهِرُ أنَّ مرادَ الشيخِ بالرافضةِ جميعُ فِرَقِهِم؛ فإنَّ الجميعَ (¬4) قائلونَ بالتُقيةِ - يعني: جوازَ أنْ يُظهِرُوا لِخلافِ ما يبطنونَ إذا خَافوا - وهذا بابُ / 178 ب / الكذبِ. قولُهُ: (والسالميةِ) (¬5) هم ممّنْ وَقفَ معَ الحسِ، كالذينَ قالوا: إنَّهُ سبحانهُ على العرشِ بطريقِ المماسةِ، حتى قالوا: إنَّ الميِّتَ يأكلُ في قبرهِ، ويشربُ وينكحُ؛ لأنَّهم سمعوا أنَّهُ يُنعَّم في قبرِهِ، وليسَ النعيمُ عندَهم (¬6) إلا هَذا، قالهُ ابن الجوزيِّ في ¬

_ (¬1) المواقف: 420. (¬2) القاموس المحيط مادة (رفض). (¬3) انظر: الملل والنحل 1/ 146. (¬4) في (ب) و (ف): ((الكل)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 308. (¬6) في (ب) و (ف): ((وليس عندهم النعيم)).

أوائلِ " تلبيسِ إبليسَ ". (¬1) وقالَ الإمامُ أبو المظفرِ شاهفورُ بنُ طاهِرٍ الشافعيُّ (¬2) في كتابهِ " التبصرةِ (¬3) في فِرقِ الأممِ " في نصفِهِ الثاني في الكلامِ على الحلاجية: ((إنَّ السالميّة جماعةٌ منْ متكلميِّ البصرةِ، قبلوا مِن الحلاجِ بِدعَتهُ في الحلولِ، قالَ: وهم جملةُ الحشويةِ، يتكلمونَ ببدعةٍ متناقضةٍ)). قولُهُ: (كغياثِ بنِ إبراهيم وضعَ للمهديِّ) (¬4)، أمَّا غياثٌ، فإنهُ ابن إبراهيمَ النخعيُّ، رَوَى عنِ الأعمشِ وغيرهِ. نقلَ الجوزجانيُّ عنْ غيرِ واحدٍ: أنَّهُ كانَ يضعُ. (¬5) وقالَ البخاريُّ: ((يُكنَى أبا عبدِ الرحمانِ، يعدُّ في الكوفيينَ، تركوُهُ (¬6))) انتهى. رَوَى عَنهُ بقيّةُ، ومحمدُ بنُ حُمرانَ، وعليُّ بنُ الجعدِ، وبهلولُ بن حسان، وقصتهُ معَ المهديِّ ذكرها أبو خيثمةَ (¬7)، وإن المهديَّ وَصَله (¬8) فلما قامَ، قالَ : ((أشهدُ أنَّ قفاكَ قفا كذابٍ)) انتهى. ¬

_ (¬1) تلبيس إبليس: 86. (¬2) هو أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني، ثم الطوسي، الشافعي (شاهفور)، صاحب ((التفسير الكبير))، كان أحد الأعلام، توفي سنة (471 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 401. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 308. (¬5) كذبه غير واحد من الأئمة. ميزان الاعتدال 3/ 337 ترجمة (6673). (¬6) التأريخ الكبير 7/ 109. (¬7) وقصته أخرجها ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 42 و3/ 78. وانظر: تذكرة الموضوعات: 154، وتنْزيه الشريعة 2/ 239، والفوائد المجموعة: 174، والأسرار المرفوعة: 469. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي أعطاه صلة)).

وقال ابنُ عديٍّ: ((بيّنُ الأمرِ في الضعفِ، وأحاديثهُ كلُّها شبهُ الموضوعِ)) (¬1). وأمّا المهديُّ فهوَ أميرُ المؤمنينَ محمدُ بنُ أميرِ المؤمنينَ أبي جعفر عبدِ اللهِ المنصورِ بنِ محمدِ بنِ عليِّ بنِ عبدِ اللهِ بن العباسِ بنِ عبدِ المطلبِ، والمهديُّ أبو هارونَ الرشيدِ. قولهُ: (في قصصهم) (¬2) القصصُ: مصدرُ قصَّ، / 179 أ / مِنْ قولهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} (¬3)، أي: نبيّنُ لكَ أحسنَ البيانِ، والمرادُ القُصّاصُ، أي: الوعَّاظُ وزناً ومعنىً، واحدُهم قاصٌّ، مأخوذٌ مِنْ ذِكرِ القِصصِ بالكسرِ، جمع قِصّةٍ، وهي الحالُ. قولهُ: (كأبي سعيد (¬4) المدائني) (¬5) لمْ أرَهُ. وقالَ شيخُنا في " لسانِ الميزانِ " (¬6): ((ذَكرَهُ شيخُنا في " شرحِ الألفيةِ " فيمنْ كانَ يضعُ الحديثَ، فليحرّرْ ذلكَ)). قولهُ: (امتُحِنُوا) (¬7)، بالبناء للمفعولِ، أي: امتَحنَهم غيرُهمْ منَ المحنةِ، وهي البليةُ. قولهُ: (بأولادٍ لهمْ) (¬8) أيّ: كوكيعِ بنِ الجراحِ، هكذا رأيتُ بخطِّي وخطِّ ¬

_ (¬1) الكامل لابن عدي 7/ 113. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309. (¬3) إشارة إلى جزء من آية (3) من سورة يوسف. (¬4) الذي أثبتناه في شرح التبصرة: ((سعد)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309. (¬6) لسان الميزان 7/ 52، وانظر: الكشف الحثيث: 473 (869)، وتنزيه الشريعة 1/ 132. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309.

غيري منْ ثقاتِ أصحابِنَا عنْ شيخِنا، والذي رأيتُ في ترجمةِ سفيانَ بنِ وكيعٍ هذا أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ، قالَ: ((سألتُ أبا زرعةَ عَنهُ، فقالَ: لا يشتغل بهِ، كانَ يكذبُ، كانَ أبوهُ رجلاً صالحاً، قيلَ لهُ: كانَ سفيانُ يتهمُ بالكذبِ. قالَ: نَعَمْ)). وقالَ أيضاً: ((سمعتُ أبي يقولُ: كلَّمني فيهِ مشايخٌ منْ أهلِ الكوفةِ، فأتيتهُ معَ جماعةٍ منْ أهلِ الحديثِ، فقلتُ لهُ: إنَّ حقَّكَ واجبٌ علينا، لو صُنْتَ نفسكَ واقتصرتَ على كُتُبِ أبيكَ لكانتِ الرحلةُ إليكَ، فكيفَ وقدْ سمعتَ؟ فقالَ: وما الذي ينقمُ عليَّ؟ قلتُ: قد أدخلَ وَرّاقُكَ ما ليسَ منْ حديثِكَ بينَ حديثِكَ، قالَ: فكيفَ السبيلُ في هذا؟ قلت: ترمي بالمخرّجاتِ، وتقتصرُ على الأصولِ، وتنحّي هذا الورّاقَ (¬1)، وتدعو بابنِ كرامةَ، وتوليّهِ أصولَكَ، فإنَّهُ يُوثَقُ بهِ، فقالَ: مقبولاً منكَ، فما فعلَ شيئاً مما قالهُ)) (¬2). وقالَ ابنُ حبانَ: ((كانَ شيخاً فاضلاً صدوقاً، إلاَّ أنَّهُ ابتليَّ بورَّاقِهِ (¬3))) فحَكَى قصتَهُ. فهذا يقتضي أنَّ أباهُ وكيعاً / 179 ب / لم يُبتلَ بِهِ، وإنَّما ابتُلِيَ هو بورّاقِهِ، لكنَّ بليَّته بورّاقهِ صارتْ بليةً لأبيهِ بهِ (¬4)، فإنَّهُ صار يروي ما دسَّهُ ورّاقُهُ في حديثِهِ، عنْ أبيهِ. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنَا عنْ شيخِنَا: ((أنَّ حمادَ بنَ سلمةَ أيضاً ابتُلِيَ بولدِهِ، وهو وَهمٌ؛ فإنَّ حمّاداً لا ولدَ لهُ)). قالَ شهابُ بنُ المعمّرِ البلخيُّ: ((كانَ حمّادُ بنُ سلمةَ يعدُّ منَ الأبدالِ (¬5))). وعلامةُ الأبدالِ أنْ لا يُولدَ لهمْ، تزوّجَ سبعينَ امرأةً فلمْ يُولَدْ لَهُ، انتهى. غيرَ أنَّ البخاريَّ اجتنبَ حديثَهُ. قالَ شيخُنَا: ((واعتذرَ أبو الفضلِ بنُ طاهرٍ ¬

_ (¬1) في (ف): ((الأوراق)). (¬2) الجرح والتعديل 4/ 217. (¬3) المجروحين 1/ 455 - 456. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) انظر: سير أعلام النبلاء 7/ 447.

عنْ ذلكَ، لما ذكرَ أنَّ مسلماً أخرجَ أحاديثَ أقوامٍ تركَ البخاريُّ حديثهمْ، قالَ: وكذلكَ حمادُ بنُ سلمةَ، إمامٌ كبيرٌ، مدَحَهُ الأئمةُ وأطنبوا، ولما تكلمَ بعض مُنتحلي المعرفة، أنَّ بعضَ الكَذَبةِ أدخلَ في حديثِهِ ما ليسَ مِنْهُ لم يُخْرّجْ عنْهُ البخاريُّ معتمداً عليهِ، بل استشهدَ بهِ في مواضعَ لِيُبَيِّنَ أنَّهُ ثقةٌ (¬1))). وقالَ الحاكمُ (¬2): ((هوَ أحدُ أئمةِ المسلمينَ، إلاَّ أنَّهُ لما كبرَ ساءَ حفظهُ فلذا تركَهُ البخاريُّ))، وقالَ الدولابيُّ: ((حدّثنا محمدُ بنُ شجاعٍ البلخيُّ (¬3)، حدّثني إبراهيمُ بنُ عبد الرحمانِ بنِ مهديٍّ، قالَ: كانَ حمّادُ بنُ سلمةَ لا يُعرفُ بهذهِ الأحاديثِ التي في الصفاتِ، حتى خرجَ مرَّةً إلى عَبّادانَ (¬4)، فجاءَ وهو يرويها، فسمعتُ عبّادَ بنَ صُهيبٍ، /180 أ/ يقولُ: إنَّ حمّاداً كانَ لا يحفظ، وكانوا يقولونَ: إنَّها دُسّتْ في كُتبهِ، وقد قيلَ: إنَّ ابنَ أبي العوجاءِ كانَ ربيبَهُ، فكانَ يدسُّ في كتبهِ (¬5)))، قرأتُ بخطِّ الذهبيِّ: ابنُ البلخيِّ ليسَ بمصدِّقٍ على حمّادٍ وأمثالهِ، وقدْ أتُّهمَ. قلتُ: وعبّادٌ أيضاً ليسَ بشيءٍ (¬6))) انتهى كلامُ شيخِنا. ¬

_ (¬1) انظر: هدي الساري: 399، وانظر بلا بد كتابي أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 20. (¬2) هكذا في (أ) و (ب) و (ف)، والصواب: ((البيهقي)) وليس ((الحاكم)) كما جاء في تهذيب التهذيب 3/ 13، وسير أعلام النبلاء 7/ 452، ولعله سبق قلم من الناسخ والمؤلف. أما قول الحاكم فهو: ((لم يخرج مسلم لحماد بن سلمة في الأصول إلا من حديثه عن ثابت، وقد خرّج له في الشواهد عن طائفة)). (¬3) هكذا في (أ) و (ب) و (ف) وتهذيب التهذيب، ولعل الصواب: ((الثلجي))، كما جاء في الكامل 3/ 47، وتهذيب الكمال 6/ 344 (5877)، وسير أعلام النبلاء 12/ 379. (¬4) بتشديد ثانيه، وفتح أوله: جزيرة في فم دجلة العوراء، وهي الآن مدينة تقع في جنوب غرب إيران. مراصد الاطلاع 2/ 913. (¬5) انظر: الكامل لابن عدي 3/ 47. (¬6) تهذيب التهذيب 3/ 12 - 13.

فكأنَّ مستندَ مَنْ نقلَ أنَّهُ ابتُلِيَ بابنهِ، عَنَى ما نُقِلَ عنْ ربيبهِ ابنِ أبي العوجاءِ، والله أعلمُ. قولهُ: (أو ورّاقينَ) (¬1)، أي: كالقداميِّ الذي ذكرهُ، والورّاقُ: هوَ الناسخُ، ولمْ أرَ في ترجمتهِ أنَّ آفتَهُ منْ وَرّاقهِ، وإنّما قالَ شيخُنَا في " لسانِ الميزانِ " (¬2): ((عبدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ ربيعةَ بنِ قدامةَ القداميُّ المصيصيُّ، أحدُ الضعفاءِ، أتى عنْ مالكٍ بمصائبَ))، ثمَّ قالَ: ((قالَ ابنُ عديٍّ: عامةُ حديثهِ غيرُ محفوظةٍ (¬3)، ولمْ أرَ للمتقدمينَ فيهِ كلاماً (¬4)، وقالَ ابنُ حبّانَ: يقلّبُ الأخبارَ، لعلهُ قَلَبَ عنْ مالكٍ أكثرَ منْ مئةٍ وخمسينَ حديثاً، ورَوَى عن إبراهيمَ بنِ سعدٍ نسخةً أكثرُهَا مقلوبٌ (¬5)، وقالَ الحاكمُ والنقّاشُ: رَوَى عن مالكٍ أحاديثَ موضوعةً، وقال الخليليُّ: أخذَ أحاديثَ الضعفاءِ منْ أصحابِ الزهريِّ، فرواها عن مالكٍ)) (¬6)، انتهى. فهذا كلُهُ يدلُّ على أنَّ الآفةَ منْهُ نفسه، والله أعلمُ. قولهُ: (ابن دحيةَ) (¬7) هوَ عمرُ بنُ الحسنِ بنِ عليٍّ الدانيُّ الأندلسيُّ، قالَ في "لسانِ الميزانِ" (¬8): ((متهمٌ في نقلهِ، معَ / 180 ب / أنَّهُ كانَ منْ أوعيةِ العلمِ، دخلَ فيما لا يعنيهِ، قالَ الحافظُ الضياءُ: لمْ يعجبْني حالُهُ، كانَ كثيرَ الوقيعةِ في الأئمةِ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309. (¬2) 4/ 557 - 559. (¬3) في لسان الميزان: ((محفوظ)). (¬4) الكامل 5/ 424. (¬5) المجروحين 1/ 533. (¬6) الإرشاد 1/ 281. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 309. (¬8) 6/ 80 - 85، وفي النقل اختصار كثير.

ثمَّ قالَ: أخبرني السنهوريُّ: أنَّ مشايخَ المغربِ (¬1) كتبوا لهُ جرحَهُ وتضعيفَهُ، وقالَ قاضي حماةَ ابنُ واصلٍ: كانَ ابنُ دحيةَ معَ فرْطِ معرفتهِ بالحديثِ، وحفظهِ الكثير لهُ، متهماً بالمجازفةِ في النقلِ. وقالَ ابنُ نقطةَ: كانَ موصوفاً بالمعرفةِ والفضلِ، إلاَّ أنّهُ كانَ يدّعي أشياءَ لا حقيقةَ لها، وذكرَ أبو القاسمِ بنُ عبدِ السلامِ، قالَ: أقامَ عندنا ابنُ دحيةَ، فكانَ يقولُ: أحفظُ "صحيحَ مسلمٍ"، والترمذيَّ، قالَ: فأخذتُ خمسةَ أحاديثَ منَ الترمذيِّ، وخمسةً منَ المسندِ، وخمسةً منَ الموضوعاتِ، فجعلتُهَا في جزءٍ، فعرضتُ حديثاً منَ الترمذيِّ عليهِ، فقالَ: ليسَ بصحيحٍ. وآخرَ، فقالَ: لا أعرفهُ. ولمْ يعرفْ منها شيئاً. وقالَ ابنُ النجارِ: رأيتُ النَّاسَ مُجْمِعينَ على كذبهِ، وضعفهِ، وادعائهِ سماعَ ما لَم يسمعْهُ، ولقاءَ منْ لمْ يلقهُ، وكانتْ أماراتُ ذلكَ عليهِ لائحةً. وقالَ: حدّثني عليُّ بنُ الحسنِ أبو العلاءِ الأصبهانيُّ - وناهيكَ بهِ جَلالاً ونُبلاً- قالَ: لما قدِمَ علينا ابنُ دحيةَ (¬2) أصبهانَ دخلَ على أبي في الخانكاه (¬3)، فكانَ يكرمُهُ ويبجّلُهُ، فدخلَ على والدي يوماً ومعهُ سجّادةٌ، فقبّلها ووضعَها بينَ يديهِ، وقالَ: صليتُ على هذهِ السجادةِ / 181 أ / كذا وكذا ألف ركعةٍ، وختمتُ عليها القرآنَ في جوفِ الكعبةِ مراتٍ، قالَ: فأخذها والدي وقَبَّلهَا، ووضعهَا على رأسهِ، وقبِلَهَا (¬4) مبتهِجاً، فلما كانَ آخرُ النهارِ، حضرَ عندنا رجلٌ منْ أهلِ أصبهانَ، يتحدّثُ عندَهُ (¬5)، إلى أنِ اتفقَ أنَّهُ قالَ: كانَ الفقيهُ المغربيُّ الذي عندكمْ اليومَ في السوقِ، فاشترى سجادةً حسنةً بكذا وكذا، فأمرَ والدي بإحضارِ السجادةِ، فقالَ: ¬

_ (¬1) في لسان الميزان: ((الغرب)). (¬2) في (ب) و (ف): ((ابن دحية علينا))، وكذا في اللسان. (¬3) الخانكاه ويسمّى أيضاً الخانقاه: بقعة يسكنها المتصوفة. انظر: تاج العروس مادة (خنق). (¬4) زاد بعدها في (ف): ((آخر)). (¬5) في لسان الميزان: ((فتحدث عندنا)).

إي واللهِ هذه هي، فسكتَ والدي، وسقطَ ابنُ دحيةَ منْ عينهِ، وأرّخَ وفاتَهُ في ربيعٍ الأولِ سنةَ ثلاثٍ وثلاثينَ وستِّمئةٍ)). قولهُ: (فلا يمكنُ تركهم لذلكَ) (¬1)، أي: لكونهِمْ يرَونهُ قربةً، وهمْ في أنفسهِمْ متدينونَ، وقدْ جرتِ العادةُ أنَّ المتدينَ لا يكف عن قربةٍ، فهوَ مستحيلٌ عادةً. قولهُ: (جَهابذةِ الحديث) (¬2) - بفتحِ الجيمِ - جمعُ جِهبذٍ - بكسرِ الجيمِ، وآخرهُ معجمةٌ -، وهو النَّقادُ الخبيرُ (¬3). قولهُ: (ما حُمِّلوه) (¬4) هوَ مبنيٌّ للمفعولِ مثقّلٌ، مثلَ: كـ {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ} (¬5) أي: حَمَّلَهُم إياها (¬6) غيرُهم فتحمّلُوهُ، أي: ففعلوا ما أرادَ. قولهُ: (عُوَارَها) (¬7) هوَ مثلثُ العينِ، ومعناهُ: العيبُ، والخرقُ، والشقُّ في الثوبِ (¬8). قوله: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظونَ} (¬9) في اللفظِ والمعنى، ومنْ حفظهِ تعالى لمعناهُ: هتكُ منْ يكذبُ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فإنَّ أحاديثهُ هي المبيّنةُ للكتابِ. قولهُ: (نوحُ بنُ أبي مريمَ) (¬10) واسمهُ ناجيةُ، وقيلَ: يزيدُ بنُ جعُّونةَ المروزيُّ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 310. (¬3) انظر: تاج العروس مادة (جهبذ). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 310. (¬5) الجمعة: 5. (¬6) في (ف): ((إياه)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 310. (¬8) انظر: تاج العروس مادة (عور). (¬9) الحجر: 9. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 311.

أبو عصمةَ / 181 ب / القرشيُّ مولاهم، قاضي مرو، ويعرفُ بنوحٍ الجامعِ. قالَ في " تهذيبِ التهذيب " (¬1): ((وكانَ معَ ذلكَ - أي: معَ روايتهِ - عالماً بأمورِ الدنيا فسُمّيَ الجامعَ، وقيل: هوَ نوحُ بنُ يزيدَ بنِ عبدِ اللهِ))، وقالَ أبو رجاءٍ محمدُ بنُ حمدويهَ في " تأريخهِ ": ((نوحُ بنُ أبي مريمَ، كانَ أبوهُ مجوسياً منْ أهلِ هُرمُز، غلبَ عليهِ الإرجاءُ، ولم يكنْ بمحمودِ الروايةِ، وكانتْ ولايتهُ القضاءَ في خلافةِ المنصورِ))، وقالَ الحاكمُ: ((أبو عصمةَ مقدّم في علومِهِ، إلاَّ أنَّهُ ذاهبٌ بمرةٍ، وقدْ أفحشَ أئمةُ الحديثِ القولَ فيهِ ببراهينَ ظاهرةٍ))، وقالَ أيضاً: ((لقدْ كانَ جامعاً - كاسمهِ - رُزِقَ كلَّ شيءٍ إلاَّ الصدقَ، نعوذُ باللهِ منَ الخذلانِ))، وقالَ أبو عليٍّ النيسابوريُّ: ((كانَ كذاباً)) وقالَ أبو سعيدٍ النقاشُ: ((رَوَى الموضوعاتِ))، وقالَ الخليليُّ: ((أجمعوا على ضعفهِ (¬2))). وكذبهُ ابنُ عيينةَ، وما أحسنَ قولَ أبي عصمةَ: ((ما أقبحَ اللحنَ منْ متقعِّرٍ!))، وقالَ محمدُ بنُ عبدِ العزيزِ ابنِ أبي رزمةَ، عنْ أبيهِ: ماتَ سنةَ ثلاثٍ وسبعينَ ومئةٍ)). قولهُ: (ميسرةُ بنُ عبدِ ربهِ) (¬3) هوَ الفارسيُّ، ثمَّ البصريُّ التَرّاسُ الأكّالُ، كانَ يأكلُ كثيراً. قالَ الدِّينَوريُّ في "المجالسةِ" (¬4): حدّثنا ابنُ ديزيلَ (¬5)، حدّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، قالَ: سمعتُهمْ يقولونَ لميسرةَ الأكولِ: كمْ تأكلُ؟ قالَ: منْ مالي، ¬

_ (¬1) تهذيب التهذيب 10/ 434 - 435، وفي الكلام تقديم وتأخير. (¬2) الإرشاد 3/ 902. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 312. (¬4) المجالسة وجواهر العلم 6/ 243 (2604) وانظر: لسان الميزان 8/ 236. (¬5) هو أبو إسحاق إبراهيم بن الحسين بن علي الهمذاني الكسائي، يعرف بابن ديزيل، كان يلقب بدابة عفان؛ لملازمته له، ويلقب بسيفنة، وسيفنة: طائر ببلاد مصر، لا يكاد يحط على شجرة إلا أكل ورقها حتى يعريها، توفي سنة (281 هـ). انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 184، وتذكرة الحفاظ 2/ 608.

/ 182 أ / أو منْ مالِ الغيرِ؟ قالوا: مِنْ مالِكَ، قالَ: رغيفينِ، قيلَ: فمِنْ مالِ الغيرِ؟ قالَ: اخبزْ واطرحْ)). قالَ شيخُنَا: ((والذي يتبادرُ إلى ذهني أنَّ الأكّالَ غيرُهُ، فإنَّ ابنَ عبدِ ربهِ قدْ وصفهُ جماعةٌ بالزهدِ، وضعّفوهُ، وأمّا الأكّالُ فكانَ ماجناً، وقالَ مسلمةُ بنُ قاسمٍ - يعني: عن ابن عبدِ ربهِ -: كذابٌ رَوَى أحاديثَ منكرةً، وكانَ ينتحلُ الزهدَ، والعبادةَ، فإذا جاءَ الحديثُ جاءَ شيءٌ آخر)) (¬1). قالَ الذهبيُّ: ((رَوَى عنْ ليثِ بنِ أبي سُليمٍ، وابنِ جريجٍ، وموسى بنِ عبيدةَ، والأوزاعيِّ، ثمَّ قالَ: وأمّا الأكّالُ، فإن كانَ ابن عبدِ ربِهِ المذكور، فيروي عنْ غلام خليلٍ، وهو متهمٌ، قالَ: وذكرتُ في " تأريخي الكبيرِ " أنَّ بعضَ المُجّانِ (¬2) أنزلوهُ عنْ حمارهِ ثمَّ ذبحوهُ، وشووهُ وأطعموهُ إياهُ على أنَّهُ كبشٌ، ثمَّ جمعوا لهُ ثمنَ الحمارِ)) (¬3). قولهُ: (المؤمل بن إسماعيلَ) (¬4) العدوي، مولى آلِ الخطابِ، وقيلَ: مولى بني بكرٍ، ونقلَ البخاريُّ عنْ أبيه أنَّهُ قالَ: نحن منْ صليبةِ كنانةَ، أبو عبدِ الرحمانِ البصريُّ، نزيلٌ (¬5) بمكةَ، رَوَى عنْ: عكرمةَ بنِ عمّارٍ، وشعبةَ، والحمادينِ، والسفيانينِ، وغيرِهم. وعنهُ: أحمدُ بنُ حنبلٍ، وعليُّ بنُ المدينيِّ، وغيرُهما. قالَ ابنُ معينٍ: ((ثقةٌ)) (¬6). وقالَ أبو حاتمٍ: ((صدوقٌ، شديدٌ في السنةِ، كثيرُ الخطأِ (¬7))). وقالَ ¬

_ (¬1) لسان الميزان 8/ 236 - 237. (¬2) في (أ) و (ب) و (ف): ((الجان)) وهو تحريف، والتصويب من ميزان الاعتدال 4/ 231. (¬3) ميزان الاعتدال 4/ 230 - 231، وفي النقل تصرف واختصار. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 312. (¬5) في (ب): ((نزل)). (¬6) انظر: الجرح والتعديل 8/ 428. (¬7) الجرح والتعديل 8/ 428.

البخاريُّ: ((منكرُ الحديثِ (¬1))). وقالَ محمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ: ((إذا انفردَ بحديثٍ / 182 ب / يجبُ أنْ يُتوقَفَ ويُتَثبَّتَ فيهِ؛ لأنَّهُ كانَ سَيْيءَ الحفظِ كثيرَ الغلطِ)). وقالَ ابنُ حبانَ في "الثقاتِ": ((ربما أخطأَ)) (¬2)، ماتَ يومَ الأحدِ لسبعَ عشرةَ ليلةً خلتْ منْ شهرِ رمضانَ سنةَ ستٍّ ومئتينِ (¬3). قولهُ: 235 - وَجَوَّزَ الوَضْعَ - عَلَى التَّرْغِيْبِ - ... قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ قولهُ: (الكرّامية) (¬4) - بتشديدِ المهملةِ - نسبةً إلى أبي عبدِ اللهِ محمدِ بنِ كرّامٍ السجستانيِّ العابدِ المتكلّمِ، وبالتثقيلِ قيّدَهُ (¬5) ابنُ ماكولا (¬6)، والسمعانيُّ (¬7)، وغيرُ واحدٍ. قالَ الذهبيُّ: ((وهوَ الجاري على الألسنةِ)) (¬8)، وقالَ (¬9) ابنُ الصلاحِ: ¬

_ (¬1) ذكره البخاري في " التاريخ الكبير " 7/ 356، ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً. وانظر: ميزان الاعتدال 4/ 228. (¬2) الثقات 9/ 187. (¬3) انظر في تفصيل ترجمته: التأريخ الكبير8/ 49، والتأريخ الصغير 2/ 306 - 307، وتهذيب الكمال 7/ 284 (6914)، والكاشف 2/ 309 (5747)، وميزان الاعتدال 4/ 228 - 229، وسير أعلام النبلاء 10/ 110 - 111، وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال: 393، وانظر بلا بد كتابي "أثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء": 429 وما بعدها. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 313. (¬5) في (ب): ((حكاه)). (¬6) الإكمال 7/ 128. (¬7) الأنساب 4/ 132. (¬8) ميزان الاعتدال 4/ 21. (¬9) في (ب): ((قال)) من غير واو.

((إنَّهُ لا يعدل عنهُ (¬1)))، قالَ الذهبيُّ: ((وقد أنكرَ ذلكَ مُتكلِّمُهُمْ محمدُ بنُ الهيصمِ وغيرُهُ منَ الكرّاميةِ، فحَكَى فيهِ ابنُ الهيصمِ وجهينِ: أحدهما: كَرَام - بالتخفيفِ والفتحِ-، وذكرَ أنَّهُ المعروفُ في ألسنةِ مشايخِهمْ، وزعَمَ أنَّهُ بمعنى كَرُم، أو بمعنى: كرامةً. والثاني: أنَّهُ كِرَام - بالكسرِ - على لفظِ جمعِ كريم، وحَكَى هذا عنْ أهلِ سجستانَ، وأطالَ في ذلكَ (¬2))). قالَ شيخُنا: ((وقرأت بخطِّ الشيخِ تقيِّ الدّينِ السبكيِّ: أنّ (¬3) ابنَ الوكيلِ اختلفَ معَ جماعةٍ في ضبطِ ابنِ كرّام، فصمّمَ ابنُ الوكيلِ على أنَّهُ بكسرِ أولهِ والتخفيفِ، واتفقَ الآخرونَ على المشهورِ، فأنشدَهُمْ ابنُ الوكيلِ مستشهِداً على صحةِ دعواهُ قولَ الشاعرِ: الفقهُ فقهُ أبي حنيفةَ وحده ... والدينُ دينُ محمدِ بنِ كِرَامِ / 183 أ / قالَ: فظنّوا كلُّهمْ أنَّهُ اخترعهُ في الحالِ، وأنَّ البيتَ من نظمهِ، قالَ: ولما كانَ بعدَ دهرٍ طويلٍ رأيتُ الشعرَ لأبي الفتحِ البستيِّ، الشاعرِ المشهورِ، الذي يكثرُ التوليعَ (¬4) بالجناسِ وقبْله: إنَّ الذينَ بجهلِهم لمْ يقتدوا ... في الدينِ بابنِ كِرَامَ غيرُ كِرَامِ قالَ: فعرفتُ جودةَ استحضارِ ابنِ الوكيلِ)) (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) ميزان الاعتدال 4/ 22. (¬2) ميزان الاعتدال 4/ 21 - 22. (¬3) كلمة: ((أن)) لم ترد في (أ). (¬4) في (ف): ((التوابع)). (¬5) حكى هذه الحكاية الحافظ ابن حجر، عن الصفدي في نكته 2/ 860 وبتحقيقي: 612، وانظر: الوافي بالوفيات 4/ 276.

وقالَ الذهبيُّ: ((إنَّ (¬1) ابنَ كرّامٍ ساقطُ الحديثِ على بدعتهِ)) (¬2)، وقالَ ابنُ حبّانَ: ((خذِلَ حتى التقطَ منَ البراهينِ ومنَ الأحاديثِ أوهاها)) (¬3)، وقالَ أبو العباسِ السَّراجُ: ((شهدتُ البخاريَّ، ودُفِعَ إليهِ كتابٌ منْ ابنِ كرّامٍ يسألهُ عنْ أحاديثَ، منها: الزهريُّ، عنْ سالمٍ، عنْ أبيهِ مرفوعاً: الإيمانُ لا يزيدُ ولا ينقصُ. فكتبَ أبو عبدِ اللهِ على ظهرِ كتابهِ: منْ حدّثَ بهذا استوجبَ الضربَ الشديدِ، والحبسَ الطويلَ))، وقالَ (¬4) ابنُ حبانَ: ((جعلَ ابن كرَّام الإيمانَ قولاً بلا معرفةٍ))، وقالَ ابنُ حزمٍ: ((قالَ ابنُ كرَّامٍ: الإيمانُ قولٌ باللسانِ، وإنِ اعتقدَ الكفرَ بقلبهِ فهوَ مؤمنٌ))، قالَ الذهبيُّ: قلتُ: هذا منافقٌ محضٌ في الدركِ الأسفلِ منَ النَّارِ قطعَاً، فَإِيشِ ينفعُ ابنَ كرّامٍ أنْ يسميهِ مؤمناً. ومنْ بدعِ الكرّاميّةِ قولُهمْ في المعبودِ تعالى: إنَّهُ جسمٌ لا كالأجسامِ، وقدْ سجنَ بنيسابورَ لأجلِ بدعتهِ ثمانيةَ أعوامٍ (¬5))). قالَ شيخُنَا: ((وقالَ الحاكمُ: قيلَ: إنَّ /183 ب / أصلهُ منْ زَرَنْجَ (¬6)، ونشأ بسجستانَ، ثمَّ دخلَ بلادَ خراسانَ، وجاورَ بمكةَ خمسَ سنينَ، ولما شاعتْ بدعتُهُ، حَبسَهُ طاهرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ طاهرٍ، فلما أطلقوهُ توجَّه إلى الشامِ، ثمَّ رجعَ إلى نيسابورَ، فحَبسَهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ طاهرٍ، وطالَ حبسُهُ، فكانِ يتأهّبُ يومَ الجمعةِ، ويقولُ للسجّانِ: أتأذن؟ فيقولُ: لا. فيقولُ: اللهمَّ إنَّكَ تعلمُ أنَّ المنعَ منْ ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) ميزان الاعتدال 4/ 21. (¬3) المجروحين 2/ 301. (¬4) في (ب): ((قال)) بدون واو. (¬5) ميزان الاعتدال 4/ 21. (¬6) بفتح أوله وثانيه، ونون ساكنة، وجيم: مدينة هي قصبة سجستان الكورة المعروفة. مراصد الاطلاع 2/ 663.

غيري، ثمَّ لما أُطلقَ تحوّلَ فسكنَ بيتَ المقدسِ، وقالَ ابنُ عساكرَ: كانَ للكرّاميةِ رباطٌ ببيتِ المقدسِ، وكانَ هناكَ رجلاً يقالُ لهُ: هجَّامٌ، يحسنُ الظنَّ (¬1) بهمْ، فنهاهُ الفقيهُ نصرٌ (¬2)، فقالَ: إنَّما لي الظاهرُ. فرأى (¬3) هجّامٌ بعدَ ذَلِكَ أنَّ في رباطِهِمْ حائطاً فيهِ نباتُ النرجسِ، فاستحسنَهُ، فمدَّ يدَهُ فأخذَ منهُ شيئاً، فوجدَ أصولَهُ في العذرةِ، فقالَ لهُ الفقيهُ نصرٌ: الذي قلتُ لكَ تعبيرُ رؤياكَ، ظاهرُهم حسنٌ، وباطنُهمْ خبيثٌ، قالَ ابنُ عساكرَ: ولما دخلَ القدسَ، سمعَ النَّاسَ منهُ حديثاً كثيراً، فجاءهُ إنسانٌ فسألهُ عن الإيمانِ، فلمْ يجبهُ ثلاثاً، ثمَّ قالَ: الإيمانُ قولٌ. فلما سمعوا ذَلِكَ حَرَّقوا (¬4) الكتبَ التي كتبوا عنهُ، ونفاهُ والي الرملةِ إلى زُغَرٍ (¬5) فماتَ بها)) (¬6). قالَ الذهبيُّ: ((سنةَ خمسٍ وخمسينَ ومئتينِ، وعكف أصحابُهُ على قبرهِ مدةً)) (¬7). وقالّ القاضي عضدُ الدينِ في " المواقفِ " (¬8) والسيدُ في / 184 أ / " شرحهِ ": ((وقالوا - أي الكرّاميةُ -: الإيمانُ قولُ الذرِّ في الأزلِ: بلى. أي: الإيمانُ هوَ الإقرارُ الذي وُجِدَ منَ الذَرِّ حينَ قالَ تعالى لهمْ: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ} (¬9)، وهو باقٍ في الكلِّ على السويةِ، ¬

_ (¬1) كلمة: ((الظن)) لم ترد في (أ) و (ب)، وهي في (ف)، واللسان، وجاءت هذه الكلمة في تاريخ دمشق: ((ظنه)). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: المقدسي)). (¬3) أي في المنام، كما في تاريخ دمشق. (¬4) هكذا في (أ) و (ب) وتاريخ دمشق، وفي (ف) واللسان: ((خَرَّقوا)). (¬5) بوزن زُفَر، وآخره راء مهملة: قرية بمشارف الشام، في طرف البحيرة المنتنة، وتسمّى البحيرة بها، وهي قرب الكرك. مراصد الاطلاع 2/ 667. (¬6) لسان الميزان 7/ 464 - 465، وانظر: تاريخ دمشق 58/ 97 - 98. (¬7) ميزان الاعتدال 4/ 21. (¬8) المواقف: 429. (¬9) الأعراف: 172.

إلاَّ المرتدينَ، وإيمانُ المنافقِ مع كفرهِ، كإيمانِ الأنبياءِ، لاستواءِ الجميعِ في ذَلِكَ الإيمانِ، والكلمتانِ ليستا بإيمانٍ إلاَّ بعدَ الردّةِ، نسألُ اللهَ العافيةَ آمينَ)). قولهُ: (منَ الثوابِ) (¬1) ((منْ)) بيانية، أي: في المعنى الذي هوَ منَ الثوابِ والعقابِ الذي انتفى عنهُ حكمٌ، وقدْ جهلَ هؤلاءِ أنَّ الثوابَ والعقابَ حكمانِ منْ أحكامِ الشرعِ؛ فإنَّ الثوابَ إمّا أنْ يترتبَ على مُسْتحبٍ، أو واجبٍ (¬2)، والعقاب إنّما يترتبُ على الحرامِ، فهذهِ ثلاثةُ أحكامٍ منَ الخمسةِ. قولهُ: (محمد بن سعيدٍ) (¬3) بنِ حسان بنِ قيسٍ الأسديِّ، ويقالُ: محمدُ ابنُ سعيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، ويقالُ: ابنُ أبي عتبةَ، ويقالُ: ابنُ أبي قيسٍ، ويقالُ: ابنُ أبي حسان، ويقالُ: ابنُ الطبريِّ أبو عبدِ الرحمانِ، ويقالُ: أبو عبدِ اللهِ، ويقالُ: أبو قيسٍ الملائيُّ الدمشقيُّ، ويقالُ: الأزديُّ، ويقالُ: محمدُ بنُ أبي (¬4) زينبَ، وابنُ زكريا، وابنُ أبي الحسنِ. وبعضُهمْ يقولُ: عنْ أبي عبدِ الرحمانِ الشاميِّ، ويقولونَ: محمدُ بنُ حسان الطبريُّ، وربما قالوا: عبدُ اللهِ، وعبدُ / 184 ب / الرحمانِ، وعبدُ الكريمِ وغيرُ ذَلِكَ، على معنى التعبيد (¬5) فيهِ، وينسبونهُ إلى جدّهِ، ويكنونَ الجدَّ حتى يتسعَ جداً في هذا، قالهُ العقيليُّ (¬6)، وقالَ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ المصريُّ نحو ذَلِكَ، وزاد: وهوَ محمدٌ الذي نسبهُ المحاربيُّ إلى ولاءِ بني هاشمٍ، وهوَ محمدٌ الطبريُّ، ومحمدٌ الأزديُّ، وهوَمحمدُ بنُ سعيدٍ الأسديُّ، الذي رَوَى عنهُ سعيدُ بنُ هلالٍ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 313. (¬2) في (ب) و (ف): ((واجب أو مستحب)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 314. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) في (أ) و (ب) و (ف): ((التبعيد))، وهو تصحيف، والتصويب من كتاب الضعفاء وتهذيب التهذيب. (¬6) الضعفاء الكبير 4/ 72.

ولو قالَ قائلٌ: إنَّهُ أبو عبدِ اللهِ محمدٌ الأسديُّ الذي يروي عن (¬1): وابصة بن معبدٍ، وعنهُ: محمدُ بنُ صالحٍ لما دفعتُ ذَلِكَ، وقالَ ابنُ عقدةَ: ((سمعتُ أبا طالبٍ عبدَ اللهِ بنَ أحمدَ بنِ سوادةَ يقولُ: قَلَبَ أهلُ الشامِ اسمَ محمدِ بنِ سعيدٍ، على مئةِ اسمٍ، وكذا وكذا اسماً قدْ جمعتُها في كتابٍ))، وقالَ ابنُ القطانِ: ((منْ جملةِ ما قلبوهُ: محمدُ بنُ أبي سهْلٍ))، حَكَى ذَلِكَ شيخُنَا في "تهذيبهِ" (¬2)، وقالَ: ((رَوَى عنْ: نافعٍ مولى ابنِ عمرَ، والزهريِّ ومكحولٍ (¬3). رَوَى عنهُ: ابنُ عجلانَ، والثوريُّ، وسعيدُ بنُ أبي هلالٍ، وغيرهمْ، وقالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ، عنْ أبيهِ: ((قتله أبو جعفر في الزندقةِ، حديثهُ حديثٌ موضوعٌ))، وقالَ دحيمٌ: ((سمعتُ خالدَ بنَ يزيدَ الأزرقِ، يقولُ: سمعتُ محمدَ بنَ سعيدٍ الأزديَّ، يقولُ: إذا كانَ الكلامُ حسناً لمْ أُبالِ أن أجعلَ (¬4) لهُ إسناداً))، وقالَ أبو مسهرٍ: ((هوَ منْ كذابي الأردنِ)). وقالَ ابنُ رشدينَ / 185 أ /: ((سألتُ أحمدَ بنَ صالحٍ المصريَّ، فقالَ: زنديقٌ، ضربتْ عُنقُهُ، وضعَ أربعةَ آلافِ حديثٍ عندَ هؤلاءِ الحمقَى، فاحذروها)). وقالَ ابنُ حبانَ: ((كانَ يضعُ الحديثَ، لا يحلُّ ذكرُهُ إلاَّ على وجهِ القدحِ فيهِ (¬5))). قالَ أبو أحمدَ الحاكمُ: ((كانَ يضعُ الحديثَ، صُلِبَ على الزندقةِ)). وقالَ الجوزجانيُّ: ((هوَ مكشوفُ الأمرِ هالكٌ))، وقالَ الحاكمُ: ((هوَ ساقطٌ لا خلاف بينَ أئمةِ النقلِ فيهِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (أ) و (ب): ((عنه)) والتصويب من تهذيب التهذيب، وهو الذي يقتضيه السياق. (¬2) تهذيب التهذيب 9/ 158 - 159. (¬3) من قوله: ((روى عن ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) في (أ): ((أجعله)). (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) انظر: تهذيب التهذيب 9/ 158 - 159.

قولهُ: 236 - وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا ... مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا 237 - كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ ... وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ 238 - نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ ... صَلاَتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ قولهُ: (ولا أصلَ لهُ) (¬1)، أي: بإسنادٍ إلاّ منْ مراسيلِ الحسنِ، ونقلَ بعضُ أصحابِنا عنْ خطِّ شيخِنا: أنَّ إسنادَهُ إلى الحسنِ حسنٌ، وقدْ أثنَى أبو زرعةَ، وابنُ المدينيِّ على مراسيلِ الحسنِ، فلا دليلَ على وضعهِ، كذا نُقِلَ هذا عنْ خطِّ شيخِنا. ثمَّ رأيتُ في ترجمةِ الحسنِ منْ "عمدةِ الأندرشي": قالَ عليُّ بنُ المديني: ((مرسلاتُ يحيى بنِ أبي كثيرٍ، شبهُ الريحِ، ومرسلاتُ الحسنِ التي رواها عنهُ الثقاتُ صحاحٌ، ما أقلَّ ما يسقطُ منها)) (¬2)، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((سمعتُ الحسنَ بنَ عثمانَ يقولُ: كلُّ شيءٍ، قالَ الحسنُ، قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وجدتُ لهُ أصلاً يرجعُ إليهِ إلاَّ أربعةَ أحاديثَ)). وقالَ لهُ رجلٌ: إنَّكَ تقولُ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فلو كنتَ (¬3) تسندُهُ لنا؟ فقالَ: ((ما كَذَبْنا ولا كُذِبنَا))، ثمَّ ذكرَ أنَّهُ اعتذرَ ليونسَ بنِ عبيدٍ بأنّهُ يروي عنْ عليِّ بنِ أبي طالبٍ، وهو يخشَى منْ تسميتهِ في زمنِ الحجاجِ. ثمَّ قالَ: ((وقالَ ابنُ سعدٍ: كلُ ما أَسندَ منْ /185 ب / حديثهِ، ورَوَى عنْ منْ سَمِعَ منهُ، فحسنٌ حجةٌ، وما أرسلَ فليسَ بحجةٍ)) (¬4) وكذا هوَ في ترجمتهِ منْ "تهذيبِ" (¬5) شيخِنا، وقالَ: ((قالَ أبو زرعةَ: ((كلُّ شيءٍ يقولُ الحسنُ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وجدتُ لهُ أصلاً ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 315. (¬2) انظر: تهذيب الكمال 2/ 121. (¬3) في (ب): ((أنك)). (¬4) الطبقات الكبرى 7/ 157. (¬5) تهذيب التهذيب 2/ 245.

ثابتاً، ما خلا أربعةَ أحاديثَ))، وقالَ أبو زرعةَ: ((إنَّهُ لمْ يسمعْ منْ عليٍّ))، وقالَ الترمذيُّ: ((لا يُعرفُ لهُ سماعٌ منْ عليٍّ - رضي الله عنه -)) (¬1)، وقالَ الدارقطنيُّ: مراسيلهُ فيها ضعفٌ)) (¬2). وقالَ في ترجمةِ يحيى بنِ أبي كثيرٍ: ((عنْ يحيى بنِ سعيدٍ: مرسلاتُ يحيى بنِ أبي كثيرٍ (¬3) شبهُ الريحِ)) (¬4). وكذا نقلَ الأندرشيُّ في ترجمته. هذا ما وجدتُهُ ولمْ أجدْ هذهِ العبارةَ عنِ الحسنِ إلاَّ في " شرحِ الألفيةِ "، وما أدري عمنْ نقلَها، وقدْ عُرفَ منْ مجموعِ هذا الكلامِ أنَّ المرادَ بها الضعفُ، وأصرحُ منْ ذَلِكَ ما في مقدمةِ "صحيحِ مسلمٍ" في آخرِ بابِ بيانِ أنَّ الإسنادَ من الدِّينِ: ((سمعتُ يحيى بنَ سعيدٍ القطانَ، ضعّفَ حكيمَ (¬5) بنَ جبيرٍ، وعبد الأعلى، وضعّفَ يحيى بنَ موسى بنِ دينارٍ، وقالَ: حديثُهُ ريحٌ)) (¬6) انتهى. وقالَ الأندرشيُّ في " مختصرهِ للتهذيبِ " المسمى بـ" العمدةِ " في ترجمةِ سعيدِ بنِ المسيّبِ: ((عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ، أنَّهُ قالَ: عنْ سعيدٍ: لا يُرى أصحّ منْ مرسلاتهِ، قالَ: وأمّا مرسلاتُ الحسنِ وعطاءٍ فأضعفُ المرسلاتِ، كأنهما كانا يأخذانِ منْ كلٍّ)) (¬7). قولهُ: (وقالَ ابنُ الصلاحِ: إنَّهُ شبهُ الوضعِ) (¬8)، قالَ / 186 أ / المصنفُ في " النكتِ " (¬9): ((إنَّهُ حسنٌ إذ لمْ يضعهُ ثابتُ بنُ موسى، وإنْ كانَ ابنُ ¬

_ (¬1) انظر: جامع التحصيل: 163. (¬2) تهذيب التهذيب 2/ 246 - 248. (¬3) من قوله: ((عن يحيى ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) تهذيب التهذيب 11/ 235. (¬5) في (ف): ((حكم)). (¬6) مقدمة صحيح مسلم: 1/ 20. (¬7) انظر: جامع التحصيل: 87. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 316، وعبارة ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 206. (¬9) التقييد والإيضاح: 133.

معينٍ (¬1) قالَ فيهِ (¬2): إنَّهُ كذابٌ (¬3). نعَمْ، بقيةُ الطرقِ التي سرقَها مَنْ سرقَهَا موضوعةٌ، ولذلكَ جَزَمَ أبو حاتمٍ الرّازيُّ: بأنّهُ موضوعٌ فيما حكاهُ عنّهُ ابنُهُ أبو محمدٍ في " العللِ " (¬4)، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (عنِ الأعمشِ) (¬5) هوَ سليمانُ بنُ مهرانَ. وشيخهُ ((أبو سفيانَ)) هوَ طلحةُ بنُ نافعٍ القرشيُّ مولاهمُ الواسطيُّ، والأعمشُ رَاويتُهُ (¬6)، وهو صدوقٌ، رَوَى لهُ البخاريُّ مقروناً بغيرهِ، وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ: ((لمْ يسمعْ منْ جابرٍ إلاَّ أربعةَ أحاديثَ))، وكذا قالَ أبو حاتمٍ، عنْ شعبةَ (¬7). قالَ شيخُنا: ((لم يخرجْ لهُ البخاريُّ إلاَّ أربعةَ أحاديثَ عنْ جابرٍ، وأظنُّها التي عناها شيخُهُ عليُّ بنُ المدينيِّ، منها حديثانِ في الأشربةِ (¬8)، قرنهُ بأبي صالحٍ، وفي الفضائلِ (¬9) حديثُ: ((اهتزَّ العرشُ)) كذلكَ، والرابعُ في تفسيرِ سورةِ الجمعةِ (¬10)، قرنهُ بسالمِ بنِ أبي الجعدِ)) (¬11) انتهى. فتحرّرَ أنَّ هذا الحديثَ، وهو ((يعقد الشيطانُ)) ليسَ منها وهو متَفقٌ عليهِ منْ ¬

_ (¬1) زاد بعدها في (ف): ((قد)). (¬2) لم ترد في (ب)، وهي من (أ) والتقييد. (¬3) تهذيب الكمال 1/ 410 (878). (¬4) علل الحديث 1/ 174 (196). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 316. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((رواية أبي سفيان)) وفي (ف): ((روايته)). (¬7) انظر: تهذيب التهذيب 5/ 26. (¬8) صحيح البخاري 7/ 140 (5605) و141 (5606). (¬9) صحيح البخاري 5/ 44 (3803). (¬10) صحيح البخاري 6/ 189 (4899). (¬11) تهذيب التهذيب 5/ 26.

حديثِ أبي هريرةَ (¬1)، فلعلَّ الوهمَ في هذا الحديثِ منْ شيخِ ابنِ ماجه، فإنّهُ صدوقٌ يَهِمُ، أو منْ شيخهِ ثابتٍ؛ فإنّهُ ضعيفٌ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (منْ كثرتْ صلاتهُ بالليلِ) (¬2) مثلُهُ ما رويناهُ في "جزءِ لوين"، وهو أبو جعفرَ محمدُ بنُ سليمانَ المصيصيُّ: حدّثنا ابنُ أبي الزنادِ، حدّثنا هشامُ / 186 ب / ابنُ عروةَ، عنْ أبيهِ، قالَ: كانَ الزبيرُ - رضي الله عنه - قاعداً، ورجلٌ يقولُ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عامَّةُ مجلسهِ. قالَ: فسكتَ الزبيرُ - رضي الله عنه - حتى انقضتْ مقالتهُ، فقالَ الزبيرُ: ما قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - شيئاً منْ هذا، قالَ: واللهِ يا أبا عبدِ اللهِ، إنَّكَ لحاضرٌ المجلسَ يومئذٍ، قالَ: صدقتَ، إنما قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قبلَ أنْ تجيءَ، قالَ الرجلُ منْ أهلِ الكتابِ، فجعلَ يذكرُ عنهُ، فجئت وهو يذكرُ ذاكَ، فذاكَ الذي يمنعني من الحديثِ، عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. قولهُ: (عبدُ الحميدِ بنُ بحرٍ) (¬3)، قالَ في " لسانِ الميزانِ " (¬4): ((هو بصريٌّ روى عنْ مالكٍ، وقالَ ابنُ حبانَ: كانَ يسرقُ الحديثَ (¬5)، وكذا قالَ ابنُ عديٍّ)) (¬6). قولهُ: (وعبدُ اللهِ بنُ شبرمةَ الشريكيُّ) (¬7) لمْ أرَ لهُ ذكراً معَ الفحصِ عنهُ، وأظنّهُ عبدَ اللهِ بنَ شبيبٍ الرّبعيَّ، تصحّفَ على بعضِ النقلةِ، وكنيتهُ: أبو سعيدٍ، وهو ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 2/ 65 (1142)، وصحيح مسلم 2/ 187 (776) (207). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 316. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 317. (¬4) لسان الميزان 3/ 395. (¬5) المجروحين 2/ 136. (¬6) الكامل 7/ 11. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 317.

أخباريٌّ علامةٌ. قالَ شيخُنَا في " لسانِ الميزانِ " (¬1): ((يروي عنْ أصحابِ مالكٍ، وآخرُ منْ حدَّثَ عنهُ المحامليُّ، وأبو روقٍ الهزانيُّ، لكنهُ واهٍ بمرةٍ، وبالغَ فَضْلَكُ (¬2) الرّازيُّ، فقالَ: ((يحلُّ ضرب عنقهِ)) (¬3)، وقالَ الحافظُ عبدانُ: ((قلتُ لعبدِ الرحمانِ بنِ خراشٍ: هذه الأحاديثُ التي يحدّثُ بها غلامُ خليلٍ منْ أينَ لهُ؟ قالَ: / 187 أ / سرقهَا منْ عبدِ اللهِ بنِ شبيبٍ، وسَرقَها ابنُ شبيبٍ من النضرِ بنِ سلمةَ شاذانَ، ووضعها شاذانُ))، وقالَ ابنُ حبانَ: ((يقلبُ الأخبارَ ويسرقُهَا)) (¬4). لكنَّ هذا أصغرُ منْ عبدِ الحميدِ، ومنْ عدَّ معهُ، ثمَّ رأيتُ عنْ خطِّ شيخِنا على حاشيةِ " شرحِ الألفيةِ " ما صورتهُ: ((وَهِمَ بعضُ النَّاسِ فظنَّ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ شبرمةَ الشريكيَّ، هو عبدُ اللهِ بنُ شبرمةَ القاضيّ، وليسَ بهِ؛ لأنَّهُ أكبرُ منْ شريكٍ، ولمْ يلحقْهُ الراوي عن الشريكيِّ)) انتهى. قولهُ: (وإسحاق بن بشرٍ) (¬5) هوَ ابنُ مقاتلٍ، أبو يعقوبَ الكاهليُّ الكوفيُّ. قالَ في " لسانِ الميزانِ " (¬6): ((عنْ: كاملٍ أبي العلاءِ، وأبي معشرٍ السنديِّ، ومالكٍ، وغيرِهم، وعنهُ: عمرُ بنُ حفصٍ السدوسيُّ، وإسحاقُ بنُ إبراهيمَ السجستانيُّ، قالَ مُطَيَّنٌ (¬7): ((ما سمعتُ أبا بكرِ بنَ أبي شيبةَ كذَّبَ أحداً، إلاَّ إسحاقَ بنَ بشرٍ الكاهليَّ)). وكذا كذّبهُ موسى بنُ هارونَ، وأبو زرعةَ، وقالَ ¬

_ (¬1) لسان الميزان 4/ 499 - 500. (¬2) جاء في حاشية (أ): ((اسم رجل)). وهو الفضل بن العباس الرازي. سير أعلام النبلاء 12/ 630. (¬3) انظر: تاريخ بغداد 9/ 475. (¬4) المجروحين 2/ 50. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 317. (¬6) لسان الميزان 2/ 46 - 47. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((اسم حافظ)).

الدارقطنيُّ: ((هوَ في عدادِ منْ يضعُ الحديثَ)). وأرَّخَ موسى بنُ هارونَ وفاتَهُ في سنةِ ثمانٍ وعشرينَ ومئتينِ)). قولهُ: (موسى بن محمد) (¬1) في " لسانِ الميزانِ " (¬2): أنَّهُ ابنُ عطاءٍ الدمياطيُّ البلقاويُّ الرمليُّ المقدسيُّ، أبو طاهرٍ، رَوى عنْ: مالكٍ، وشريكٍ، وعنهُ: الربيعُ بنُ محمدٍ الأزديُّ، وعثمانُ بنُ سعيدٍ الدارميُّ (¬3)، وبكرُ بنُ / 187 ب / سهلٍ الدمياطيُّ، كذّبهُ أبو زرعةَ، وأبو حاتمٍ، وقالَ ابنُ حبانَ: ((لا تحلُّ الروايةُ عنهُ، كانَ يضعُ الحديثَ)) (¬4)، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((كانَ يسرقُ الحديثَ)) (¬5)، وقالَ منصورُ بنُ إسماعيلَ بنِ أبي قرةَ: ((كانَ يضعُ الحديثَ على مالكٍ والموقري))، وذكرَ عنْ أبي زرعةَ: أنَّهُ قالَ: ((لمْ يزلْ حديثُ الوليدِ ابنِ محمدٍ الموقريَّ - يعني: مقارباً - حتى ظهرَ أبو طاهرٍ المقدسيُّ لا جُزِيَ خيراً)). قولهُ: (عن زَحْمُويهِ) (¬6) هوَ زكريا بنُ يحيى بنِ صَبيحٍ - بالفتحِ - الواسطيُّ، أحدُ الثقاتِ، وزحمويهِ لقبهُ، رَوَى عنْ: أبيهِ، وهشيمٍ، وصالحِ بنِ عمرَ، وفرجِ بنِ فضالةَ، وزيادِ البكائي، وغيرِهم. وعنهُ: الحسنُ بنُ سفيانَ، وأبو زرعةَ، وأبو يعلى، وابنُ حبّانَ في " صحيحهِ "، وقالَ في الطبقةِ الرابعةِ من " ثقاتهِ " (¬7): ((كانَ من ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 317. (¬2) 8/ 216 - 218. (¬3) في (ف): ((الداري)). (¬4) المجروحين 2/ 241 - 242. (¬5) الكامل 8/ 64. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 317. (¬7) الثقات 8/ 253.

المتقنينَ في الرواياتِ))، قالَ أسلمُ: ((ماتَ سنةَ خمسٍ وثلاثينَ ومئتينِ)) انتهى (¬1). وفي الرواةِ ممنْ يقالُ لهُ: زكريا بنُ يحيى عشرةٌ فأكثرُ، متقاربو الطبقةِ، وأشدُّهم التباساً بهذا زكريا بنُ يحيى الكسائيُّ، وممنْ رَوى هذا الحديثَ منَ الضعفاءِ: يوسفُ بنُ عديٍّ، قالَ الدارقطنيُّ في " المؤتلفِ والمختلفِ " (¬2): ((وأمّا غفيرٌ - بالغينِ المعجمةِ - فهوَ الحسنُ بنُ غفيرٍ المصريُّ، منكرُ الحديثِ يروي عنْ يوسفَ بنِ عديٍّ، عنْ شريكٍ، عن الأعمشِ، عنْ أبي سفيانَ، عنْ جابرٍ / 188 أ / - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ كثرتْ صلاتهُ بالليلِ حسنَ وجههُ بالنهارِ))، وهذا حديثٌ باطلٌ، منْ حديثِ يوسفَ بنِ عديٍّ، ويأتي منْ غيرِ يوسفَ بعجائبَ. قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬3): ((وقدْ اعترضَ بعضُ المتأخرينَ على (¬4) المصنفِ بأنّهُ وَجدَ الحديثَ (¬5) منْ غيرِ روايةِ ثابتِ بنِ موسى، فذكرَ منْ " معجمِ ابنِ جُميعٍ (¬6) " قالَ: حدّثنا أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدٍ الرقيُّ، حدّثنا أبو الحسنِ محمدُ ابنُ هشامِ بنِ الوليدِ، حدّثنا جُبارةُ بنُ المغلّسِ، عنْ كثيرِ بنِ سُليمٍ، عنْ أنسٍ بالحديثِ مرفوعاً، انتهى. وهذا الاعتراضُ عجيبٌ؛ فإنَّ المصنفَ لمْ يقلْ إنَّهُ لمْ يرو إلاَّ منْ طريقِ ثابتٍ، ومعَ ذَلِكَ فهذه الطريقُ، التي اعترضَ بها هذا المعترضُ، أضعفُ منْ طريقِ ثابتِ بنِ موسى؛ لضعفِ كلٍّ منْ كثيرِ بنِ سُليمٍ، وجُبارةَ بنِ المغلّسِ، ثمَّ قالَ: ولو اعترضَ ¬

_ (¬1) انظر في ترجمته: الإكمال 4/ 179، وتبصير المنتبه 2/ 595، ونزهة الألباب 1/ 339. (¬2) المؤتلف والمختلف 3/ 1718. (¬3) التقييد والإيضاح: 133. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) في (ب): ((الحدثين)). (¬6) معجم ابن جميع: 169.

هذا المعترضُ بواحدٍ منْ هؤلاءِ الذينَ تابعوا ثابتَ بنَ موسى عليهِ، كانَ أقلَّ خطأً من اعتراضهِ بطريقِ جُبارةَ، والحديث لهُ طرقٌ كثيرةٌ، جَمَعهَا أبو الفرجِ بنُ الجوزيّ في كتابِ " العلل المتناهيةِ " (¬1) وبيّنَ ضعفهَا، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (وَهلةٌ) (¬2) أي: غفلةٌ، قالَ في " القاموسِ " (¬3): ((وَهِلَ كَفرِحَ: ضعفَ وفزعَ، فهوَ وَهِلٌ، ككتفٍ، ومستوهلٌ، وعنهُ: غَلَطَ فيهِ ونسيهُ، ووهلَ إلى الشيءِ يوهلُ - بفتحها - أي: كوجلَ يوجَلُ، ويهلُ وهلاً: ذهبَ وَهمهُ إليهِ، / 188 ب / وتوهّلهُ: عرَّضهُ؛ لأنْ يغلطَ)). قولهُ: 239 - وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالإقْرَارِ، وَمَا ... نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا 240 - يُعْرَفُ بِالرِّكَةِ، قُلْتُ: اسْتَشْكَلاَ ... (الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى 241 - ما اعترف الوَاضِعُ، إذْ قَدْ يَكْذِبُ ... بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ (¬4) قولهُ: (بالإقرارِ وما) (¬5) قافيتهُ متراكبٌ، ((وربما)) إنْ شددت فالقافيةُ متداركٌ، وإنْ خففَت فهوَ متكاوسٌ، فلو قالَ: ((بإقرارٍ وما)) لكانَ أحسنَ؛ لتوافقهِما في المتداركِ، ولو قالَ: ((يقومُ في مقامهِ)) لكانَ أخفَّ منْ ((نزلَ منْزلتَهُ))؛ لسلامتهِ من الخبلِ. قولهُ: (بالركةِ) (¬6)، قالَ في " القاموسِ " (¬7): ((الرّكيكُ: كأميرٍ، وغُرابٍ، ¬

_ (¬1) لم أجده في " العلل المتناهية "، وهو في الموضوعات 2/ 109 - 111. (¬2) التبصرة والتذكرة (238). (¬3) القاموس المحيط مادة (وهل). (¬4) قال في فتح الباقي (1/ 282): أي نعرض فلا نحتج به. وانظر: لسان العرب، مادة (ضرب). (¬5) التبصرة والتذكرة (239). (¬6) التبصرة والتذكرة (240). (¬7) القاموس المحيط مادة (ركك).

وغُرابةٍ، والأرَكُّ: الفَسْلُ الضعيفُ في عقلهِ ورأيهِ، أو منْ لا يغارُ، أو من لا يهابُهُ أهلُهُ، وهي (¬1) ركَاكةٌ ورَكِيكٌ، والجمعُ رِكاكٌ. رَكَّ يَرِكُ رَكاكةً: ضَعُفَ، ورَقَّ. واستَركّهُ: استضعفهُ، والمُرْتَكُّ: منْ تراهُ بليغاً، وإذا خاصمَ عييَ، وقد ارْتَكَّ، ومن الجمالِ: الرّخْوَ المدقوقُ (¬2)، وارْتَكَّ: ارتجَّ، وفي أمرهِ: شكَّ))، وقالَ في اللامِ (¬3): ((الفَسْلُ: الرّذلُ الذي لا مروءةَ لهُ)) (¬4) انتهى. فمادةُ ركك كما ترى تدورُ على الضعيفِ. قولهُ: (الثبجيُّ) (¬5) قالَ في " القاموسِ " (¬6): ((الثَّبَجُ - مُحرّكةً - ما بينَ الكاهلِ إلى الظهرِ، ووسطُ الشيءِ، ومُعظمهُ وصدرُ القطا)). ومادتهُ تدورُ على المعظمِ والوسطِ. قولهُ: (وعنهُ نضربُ) (¬7) أي: نُعرضُ، منْ أضربَ. قالَ الإمامُ عبدُ الحقِّ في كتابهِ " الواعي ": ((وأضربَ فلانٌ عنْ هذا الأمرِ، إذا كفَّ عنهُ، وقدْ ضربَ فلانٌ في عملهِ، أي: أخذَ فيهِ، وضربَ يدهُ إلى كذا، وَضربَ على يدِ فلانٍ، إذا أفسدَ / 189 أ / عليهِ أمراً أخذَ فيهِ (¬8)، أو أرادهُ))، وقولهُ: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ} (¬9) أي: ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي المرأة)). (¬2) في القاموس: ((الممذوق)). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي في باب اللام)). (¬4) القاموس المحيط مادة (فسل). (¬5) التبصرة والتذكرة (240). (¬6) القاموس المحيط مادة (ثبج). (¬7) التبصرة والتذكرة (241). (¬8) من قوله: ((وضرب يده إلى كذا ... )) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬9) الكهف: 11.

منعناهم السمعَ أنْ يسمعوا، أو المعنى: أنمناهمْ فمنعناهم السمعَ (¬1)، وقولهُ: {أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً} (¬2) أي: نهملُكم فلا نُعرّفكم ما يجبُ عليكم (¬3). قولهُ: (أو ما يتنزلُ منْزلة إقرارهِ) (¬4) قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬5): ((هوَ كأنْ يحدّث بحديثٍ عن شيخٍ، ثمَّ يُسألُ عنْ مولدهِ، فيذكرَ تأريخاً، يُعلمُ وفاةُ ذلكَ الشيخِ قبلهُ، ولا يوجدُ ذَلِكَ الحديثُ إلاّ عنده (¬6)، فهذا لم يعترفْ بوضعهِ، ولكنَّ (¬7) اعترافهُ بوقتِ مولدهِ يتنزلُ منْزلةَ إقرارهِ بالوضعِ؛ لأنَّ ذَلِكَ الحديثَ لا يعرفُ إلاَّ عندَ ذَلِكَ الشيخِ، ولا يُعرفُ إلاَّ بروايةِ هذا الذي حدّثَ بهِ، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (ركاكةُ ألفاظِها ومعانيها) (¬8) قالَ شيخُنا: ((إنما المدارُ على المعنى، فحيثُ ما وُجِدَتْ ركاكتُهُ، دلَّ على الوضعِ، سواءٌ كانَ وحدهُ، أو انضمتْ إليهِ ركاكةُ اللفظِ؛ فإنَّ هذا الدينَ كلَّهُ محاسنٌ، والركةُ ترجعُ إلى الرداءةِ؛ فإذن بينها وبينَ مقاصدِ الدّينِ مباينةٌ، قالَ: وركاكةُ اللفظِ لا تدلُّ على ذَلِكَ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ الراوي رواهُ بالمعنى، فغيَّر ألفاظهُ بألفاظٍ غيرِ فصيحةٍ، منْ غيرِ أنْ يُخلَّ بالمعنى، نَعَم. إنْ صرَّحَ بأنَّ هذا لفظُ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فهوَ كاذبٌ، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (تعرفُهُ) (¬9) الضميرُ المستترُ فيهِ / 189 ب / يعودُ على الضوءِ، وهو مُشدّدٌ ¬

_ (¬1) انظر: تفسير البغوي 3/ 182. (¬2) الزخرف: 5. (¬3) انظر: تفسير البغوي 4/ 154. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 318. (¬5) التقييد والإيضاح: 132. (¬6) عبارة: ((إلاّ عنده)) لم ترد في (أ) و (ب)، وهي من (ف). (¬7) في (ب): ((لكن)) بدون واو. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 318. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 318.

من التعريفِ، أي: يجعلهُ ذَلِكَ الضوءُ معروفاً، وكذا ضميرُ ((تُنْكِرُهُ)) يعودُ إلى الظلمةِ، أي: تجعلهُ تلكَ الظلمةُ نكرةً لا يُعرفُ. قولهُ: (الطالب للعلمِ) (¬1) أي: الكثير المخالطة (¬2) لأنفاسِ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، المتمكن منَ السندِ، الشديد الممارسةِ للشريعةِ، العارف بالمقبولِ منَ المردودِ، لا كلُّ طالبٍ، وعنْ خطِّ شيخِنا: مما يدخلُ في قرينةِ حالِ المرويِّ ما نقلَ عنِ الخطيبِ، عنْ أبي بكرِ بنِ الطيبِ: أنَّ من جملةِ دلائلِ الوضعِ أنْ يكونَ مخالفاً لقضيةِ العقلِ، بحيثُ لا يقبلُ التأويلَ، ويلتحقُ بهِ: ما يدفعهُ الحسُّ والمشاهدةُ، أو يكونَ منافياً لدلالةِ الكتابِ القطعيةِ، أو السنةِ المتواترةِ، أو الإجماعِ القطعيِّ. أمّا المعارضةُ الظاهرةُ معَ إمكانِ الجمعِ فلا، ومنها: ما يُصرحُ بتكذيبِ روايةِ جمعِ التواترِ، ومنها: أنْ يكونَ خبراً عنْ أمرٍ جسيمٍ، تتوفرُ الدواعي على نقلهِ، لمحضرِ العددِ الجمِّ، ثمَّ لا ينقلُهُ منهمْ إلاَّ واحدٌ، ومنها: الإفراطُ بالوعيدِ الشديدِ على الأمرِ الصغيرِ، أو الوعدِ العظيمِ على الفعلِ الحقيرِ، وهذا كثيرٌ في حديثِ القصاصِ، انتهى. وهو يرجعُ إلى رَكاكةِ المعنى. قولهُ: (وقد استشكلَ .. ) (¬3) إلى آخرهِ، لمْ يستشكل ابنُ دقيقِ العيدِ الاعتمادَ؛ لأنَّ القطعياتِ لاتشترطُ في الحكمِ، وإنما بينَ الواقعِ في نفسِ الأمرِ، وهو أنَّهُ لا ملازمةَ بينَ الوضعِ في نفسِ الأمرِ والإخبارِ بهِ، بلْ قدْ يكونُ موضوعاً / 190 أ / ولا يُخبرُ بهِ، وقدْ يُخبرُ بهِ ولا يكونُ موضوعاً. فهوَ (¬4) إنّما نَفَى القطعَ بإقرارهِ بكونهِ موضوعاً، وهو كذلكَ، واعترافهُ بذلكَ يوجبُ فسقهُ، وفسقُهُ لا يمنعُ العملَ بموجبِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 318. (¬2) في (ب): ((المحافظة)). (¬3) التبصرة والتذكرة (240). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن دقيق العيد)).

إقرارهِ كالقاتلِ عمداً، فإنَّهُ يفسقُ، إمّا لقتلهِ الثابتِ بإقرارهِ إنْ كانَ صادقاً، وإمّا بكذبهِ في إقرارهِ. وإمّا الردُّ (¬1)، فقد صرّحَ ابنُ دقيقِ العيدِ بأنَّهُ لا بد منهُ، وهذا كما تقدم في الصحيحِ، في شرحِ قولهِ: ((وبالصحيحِ والضعيفِ قصدوا في ظاهر)) منْ (¬2) أنَّهُ يحكمُ عليهِ بالصحةِ، ويجبُ قبولهُ والعملُ بهِ، ولا يفيدُ الحكمُ بذلكَ القطعَ بصحتهِ، هذا معَ التجرّدِ عن القرائنِ، أمّا إذا انضمَ إلى ذَلِكَ قرائنُ تدلُّ على ما أقرَّ بهِ قطعَ، كقصةِ الجويباري (¬3) في سماعِ الحسنِ منْ أبي هريرةَ. قالَ شيخُنا: ((وقدْ كانَ الشيخُ عَبَّرَ في النظمِ أولاً ((بالحكمِ))، فلما قرأنا ذَلِكَ عليهِ غيّرَ ((الحكمَ)) ((بالقطعِ))، فكأنَّهُ غيرَّ النظمَ ولمْ يُغيّرِ الشرحَ. قلت: وكانَ ينبغي أيضاً تغييرُ قولهِ في النظمِ ((استشكل))، فإنَّهُ لم يستشكلْ بل أوضحَ موضعَ الحكمِ، فلو قالَ بدلها: ((استرذلا)) لزال المحذور. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: رد الحديث)). (¬2) في (ب): ((أي)). (¬3) هو أحمد بن عبد الله بن خالد بن موسى، أبو علي الجويباري، من أهل هراة، قال فيه ابن حبان: ((دجّال من الدّجاجلة كذاب)). انظر: المجروحين 1/ 142، وميزان الاعتدال 1/ 106 (421).

المقلوب

المقلوب (¬1) قولهُ: (المقلوبِ) (¬2) هوَ منْ قَلَبَهُ إذا حَوّلَهُ منْ حالٍ إلى حالٍ آخرَ. قولهُ: (أبدلا) (¬3) الضميرُ فيهِ يعودُ على ((راوٍ))، أي: أتى لهُ ببدلٍ، وذلك البدلُ راوٍ آخرُ نظيرهُ في الطبقةِ، كما فسّرهُ في " الشرحِ " (¬4) قالَ في " المجملِ " (¬5): ((البدلُ: بدلُ الشيءِ وبديلُهُ، يقالُ: بدَّلتُ الشيءَ، أي: غيّرتُهُ، وإنْ لم تأتِ لهُ ببدلٍ، وأبدلتُهُ إذا أتيتَ ببدلهِ)) انتهى. فعُلِمَ أنَّ الباءَ داخلةٌ على المأخوذِ؛ لأنَّ الأولَ غُيّرَ، أي: أتى /190ب / بغيرهِ فمدخولُ الباءِ هوَ ذَلِكَ الغيرُ. قولهُ: (حمادُ بنُ عمرو النصيبيُّ) (¬6) روى عنْ: زيدِ بنِ رُفيعٍ، والأعمشِ، وسفيانَ، رَوَى عنهَ: يعقوبُ بنُ حميدِ بنِ كاسبٍ وإبراهيمُ بنُ موسى الفرّاءُ، وإسماعيلُ بنُ عيسى العطارُ، وعليُّ بنُ حربٍ، وغيرُهم. قالَ الجوزجانيُّ: ((كانَ ¬

_ (¬1) انظر في المقلوب: معرفة أنواع علم الحديث: 208، والإرشاد 1/ 266 - 272، والتقريب: 86 - 87، والاقتراح: 230، ورسوم التحديث: 91، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76، والموقظة: 60، واختصار علوم الحديث 1/ 266 وبتحقيقي: 159، والشذا الفياح 1/ 230، ومحاسن الاصطلاح: 116، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 319، وتنقيح الأنظار: 182، ونزهة النظر: 75، والمختصر: 136، وفتح المغيث 1/ 253، وألفية السيوطي: 69 - 72، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 122، وفتح الباقي 1/ 297، وتوضيح الأفكار 2/ 98، وظفر الأماني: 405، وشرح شرح نخبة الفكر: 475، واليواقيت والدرر 2/ 86، وقواعد التحديث: 130، ولمحات في أصول الحديث: 249. (¬2) التبصرة والتذكرة (242). (¬3) التبصرة والتذكرة (242). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 319. (¬5) المجمل مادة (بدل). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 320.

يكذبُ))، وقالَ البخاريُّ: ((يكنى أبا إسماعيل، منكرُ الحديثِ)) (¬1)، وقالَ ابنُ حبانَ: ((كانَ يضعُ الحديثَ وضعاً)) (¬2)، وقالَ ابنُ عمارٍ الموصليُّ: أتعجب من ابنِ المباركِ، والمعافى حيثُ رويا عنهُ، ولم يكنْ يدري إيش الحديثُ))، وقالَ ابنُ أبي مريمَ، عن يحيى بنِ معينٍ: ((منَ المعروفينَ بالكذبِ ووضعِ الحديثِ حمادُ بنُ عمرو))، وقالَ الحاكمُ: ((يروي عن جماعةٍ من الثقاتِ أحاديثَ موضوعةً))، وقالَ أبو سعيدٍ النَّقاشُ: ((يروي الموضوعاتِ عنِ الثقاتِ))، لخصتُهُ منْ " لسانِ الميزانِ " (¬3). قولهُ: (إسماعيلُ بنُ أبي حيةَ اليسعَ) (¬4) كأنّهُ أرادَ أنْ يكتبَ ((أبو إسماعيلَ)) فسقطَ ((أبو))؛ فإنَّهُ إبراهيمُ بنُ اليسعِ بنِ الأشعثِ التميميُّ المكيُّ، كنيتهُ: أبو إسماعيلَ، وكنيةُ أبيهِ: أبو حيةَ، بمهملةٍ ومثناةٍ تحت، قالَ البخاريُّ وأبو حاتمٍ: ((منكرُ الحديثِ))، وقالَ ابنُ المدينيِّ: ((ليسَ بشيءٍ))، وقالَ ابنُ حبانَ: ((رَوَى عنْ جعفرَ وهشام مناكيرَ وأوابد، يسبقُ إلى القلبِ أنّهُ المتعمدُ لها)) (¬5)، منْ " لسانِ الميزانِ " (¬6). قولهُ: (وبهلولُ بنُ عبيدٍ الكنديُّ) (¬7) / 191أ / يُكنى: أبا عُبيدٍ، وهو كوفيٌّ، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((بصريٌّ)) يروي عنْ سلمةَ بنِ كهيلٍ، وابنِ جريجٍ، وجماعةٍ، وعنهُ: الربيعُ الجيزيُّ، والحسنُ بنُ قزعةَ، وغيرُهما. ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 3/ 32. (¬2) المجروحين 1/ 252. (¬3) لسان الميزان 3/ 274 - 276. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 320. (¬5) المجروحين 1/ 103. (¬6) 1/ 272 - 273. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 320.

قالَ محمودُ بنُ غيلانَ: ((أسقطهُ أحمدُ، وابنُ معينٍ (¬1)، وأبو خيثمةَ))، وقالَ ابنُ حبانَ: ((يسرقُ الحديثَ)) (¬2)، وقالَ الحاكمُ: ((روى أحاديثَ موضوعة))، وقالَ أبو سعيدٍ البقالُ: ((رَوَى موضوعاتٍ))، من " اللسانِ " (¬3). قولهُ: (سندٍ لمتنٍ) (¬4) اللام بمعنى إلى، أي: تحويلُ سندِ متنٍ إلى متنٍ آخرَ، والمراد بالمتنِ هنا الحديثُ، وهو في الأصلِ: ما صَلُبَ من الأرضِ في ارتفاعٍ، وهو أيضاً: الظهرُ (¬5)، والمتنانِ مُكَتَنفا الصُّلبِ، أي: الظهرِ منَ العَصَبِ واللحمِ، ورجلٌ متنٌ، أي: صُلْبٌ. فكأنَّ العلماء شبهّوا المقصودَ من الكلامِ بذلكَ، فأطلقوا عليهِ المتنَ، فالحديثُ الذي هوَ قولُ النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - مثلاً هوَ المقصودُ بالذاتِ، والسندُ إنما هوَ وسيلةٌ إليهِ، وكذا (¬6) الكتابُ المشروحُ مثلاً، حيثُ يقولونَ: قالَ في المتنِ كذا، وفي الشرحِ كذا. قولهُ: (حفظ المحدِّث بذلكَ) (¬7) حرفُ (¬8) الجرِ يتعلّقُ باختبارٍ، أي: يُختبر بذلكَ القلبِ حفظَ المحدِّثِ؛ فإنْ فطنَ لهُ عُرفَ حفظُهُ، فأخذَ عنهُ واعتمدَ عليهِ، وإن خفيَ عليهِ عُرفَ ضعفهُ فلمْ يعتمدْ عليهِ. قولهُ: (التَّلقين) (¬9) المرادُ بهِ أنَّهُ إذا عَسُرَ عليهِ اسمٌ فقالَ لهُ أحدٌ: هوَ فلانٌ، ¬

_ (¬1) في (ب): ((منيع)). (¬2) المجروحين 1/ 202. (¬3) لسان الميزان 2/ 369 - 370. (¬4) التبصرة والتذكرة (244). (¬5) انظر: لسان العرب مادة (متن). (¬6) في (ب): ((وكذلك)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 321. (¬8) في (ب): ((حروف)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 321.

قالَ / 191 ب /: نَعَم، وحدّثَ بهِ، فَفِعلُهُ ذَلِكَ فعلُ المتلقنِ؛ فإنَّ التلقينَ: التفهيمُ، والمتلقنُ المتفهمُ، وهو يقبلُ على ما يفهمهُ منْ غيرِ منازعةٍ، ولا توقّفٍ. قولهُ: (وهذا يحِلُّ) (¬1) استفهامٌ، كأنَّهُ قالَ: وهل يحلّ هذا؟ ووجهُ إنكارهِ: أنَّهُ مفسدةٌ منْ غيرِ مصلحةٍ محققةٍ، وذلكَ أنَّهُ إنْ كانتْ لمصلحةٍ (¬2) فيهِ الوثوقُ بالمحدِّثِ، إذا فطنَ لهُ، وردهُ إلى الصوابِ والاعتماد عليهِ في كلِّ ما يُحدّثُ بهِ، فهي مشوبةٌ بأنَّهُ قدْ يكونُ حافظاً وكذاباً، فإذا عَلِمَ أنَّ الطالبَ قدْ وَثِقَ بهِ دَسَّ عليهِ بعدَ ذَلِكَ ما أرادَ، فقدْ فسدتْ هذهِ المصلحةُ. وأما كونُهُ مفسدةً فقدْ يكونُ ذَلِكَ الرجلُ حافظاً مأموناً، ويغفلُ عن القلبِ لعارضٍ منَ العوارضِ، فيحكمُ ذَلِكَ الفاعلُ بغفلتهِ وإسقاطِ حديثهِ، وقدْ يكونُ عندهُ حديثٌ لايوجدُ عندَ غيرهِ، فيُفَوِّتهُ على النَّاسِ، هذا معَ أنَّهُ يمكنُ معرفةُ حفظهِ بما تقدّمَ منْ قولِ الشَّافعيِّ - رحمه الله -، منْ عرضِ حديثِهِ على حديثِ الثقاتِ ونحو ذَلِكَ. وقدْ يغفلُ عنْ إعدامِ الورقةِ التي فيها الحديثُ المقلوبُ بعدَ الاستغناءِ عنها، فيعثرُ عليها منْ يُحدّث بها على القلبِ، وقدْ يكونُ حاضرَ القراءةِ على القلبِ منْ لا يعرفُ حقيقةَ الحالِ فيحفظها أو بعضهَا، فيحدّثُ بما سمعهُ كما سمعهُ، فيقعُ في الخَطَرِ وهو لا يشعرُ (¬3). ووجهُ / 192 أ / الإباحةِ: أنَّ ذَلِكَ تُعرفُ رتبتُهُ في الحفظِ بسهولةٍ، بخلافِ اختبارهِ بغيرِ ذَلِكَ، فإذا عُرفَ ذَلِكَ لم يوجبِ الوثوق بهِ في الدينِ، فيختبر فيهِ بأنواعٍ أخرى، هذا إذا فطن لذلكَ، وإنْ خفيَ عنهُ، لمْ يوجبْ ذَلِكَ سقوطهُ عندَ فاعلهِ، بل ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 321. (¬2) في (ف): ((المصلحة)). (¬3) انظر في نحو هذا ما حصل لأحد الرواة، كتابي " أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء ": 122 - 124.

يورثهُ شكّاً فيهِ يعتبرُ أمرهُ بهِ. وربما يكونُ الذي يُرامُ اختبارُهُ مشهور الثقةِ والأمانةِ والحفظِ والجلالةِ فترادُ النقلة (¬1) في أمرهِ منْ علمِ اليقينِ، إلى عينِ اليقينِ في أقربِ وقتٍ، كقصةِ البخاريِّ، ولو تُركِ ذَلِكَ لفوَّتَ الاشتغالَ باختبارهِ بغيرِ ذَلِكَ كثيراً من الأخذِ عنهُ، وربما يكونُ أحدٌ قد ادّعى اختلاطَهُ، فيرامُ بذلكَ صدقُهُ ليميزَ ما حدّثَ بهِ قبلَ ذَلِكَ فيعتمدَ، وما حدّثَ بهِ بعدهُ، فيطرح، أو كذبهُ ليستمر على رتبتهِ، والأمور بالمقاصدِ، واللهُ وليُّ التوفيقِ. قولهُ: (وقلبُ ما لم يقصدِ الرواةُ) (¬2) مثالهُ: حديثٌ رواهُ جريرٌ حتى قالَ: فلا تقوموا حتى تروني (¬3). قالَ شيخُنا: ((أخرجَ هذا الحديثَ أبو داودَ في " السننِ " (¬4)، فإنْ كانَ أراد على الصوابِ، فقد ذكر المصنفُ أنَّهُ أخرجهُ الخمسةُ (¬5). وإنْ كانَ أرادَ على الوهمِ، فلم أرهُ في روايةِ اللؤلؤيِّ، ولا ابنِ داسةَ، فلعلّهُ في غيرهما، واللهُ أعلمُ)) (¬6). قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وهو يصلحُ مثالاً للمعلل (¬7) - وعبارته -: فظنَّ أبو النَّضرِ أنَّهُ فيما حدّثنا ثابتٌ، عنْ أنسٍ)) (¬8)، وهي أوضحُ منْ عبارةِ الشيخِ في إقامةِ عذرِ أبي ¬

_ (¬1) في (ب): ((فراد النقل)). (¬2) التبصرة والتذكرة (246). (¬3) الحديث مخرج بتوسع في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 323. (¬4) سنن أبي داود (539) و (540). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 323، وانظر تعليقنا هناك. (¬6) من عبارة: ((فإن كان أراد الصواب))، إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) قال ابن حجر في نكته 2/ 874 وبتحقيقي: 624: ((لا يختص بهذا المثال، بل كل مقلوب لا يخرج عن كونه معللاً أو شاذاً؛ لأنه يظهر أمره بجمع الطرق واعتبار بعضها ببعض، ومعرفة من يوافق ممن يخالف، فصار المقلوب أخص من المعلل والشاذ. والله أعلم)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 209، وانظر: العلل ومعرفة الرجال (1172)، والمراسيل لأبي داود: 94، وجامع الترمذي (517)، والعلل الكبير (146)، والضعفاء الكبير 1/ 198.

النَّضرِ جريرِ بنِ حازمٍ، فإنَّها تفهمُ أنَّهمْ حمّلوهُ (¬1) في ذَلِكَ المجلسِ، عنْ ثابتٍ أحاديثَ عنْ أنسٍ، وحدَّثَهم /192ب/ الصوافُ (¬2) في ذَلِكَ المجلسِ أيضاً بهذا الحديثِ، فالتبسَ أمُرهُ على جريرٍ، فظنَّهُ منْ حديثِ ثابتٍ، وحَكَى عنْ خطِّ شيخِنا: أنَّ البخاريَّ أيضاً بيّنَ ذَلِكَ، فيما حكاهُ الترمذيُّ في " جامعهِ " (¬3) ثمّ رأيت ذلك فيه، في أبواب الجمعة، في بابِ ما جاءَ في الكلامِ بعدَ نزولِ الإمامِ من المنبرِ، قالَ: ((حدثنا جريرُ بنُ حازمٍ، عن ثابتٍ، عن أنسِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه -، قالَ: كانَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يتكلّمُ بالحاجةِ إذا نزلَ عن المنبرِ)). قالَ أبو عيسى: ((هذا حديثٌ لا نعرفهُ، إلاَّ من حديثِ جرير بن حازمٍ، وسمعتُ محمداً يقولُ: وَهِمَ جريرٌ في هذا الحديث، والصحيحُ ما رُوِيَ عن ثابتٍ، عن أنسٍ، قالَ: أقيمتِ الصلاةُ فأخذَ رجلٌ بيدِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فما زالَ يكلمُهُ حتى نعسَ القومُ، قالَ محمدٌ: والحديثُ هو هذا، وجرير بن حازم ربما يَهِمُ في الشيءِ، وهو صدوقٌ، قال محمدٌ: وَهِمَ جريرٌ في حديثِ ثابتٍ، عن أنسٍ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إذا أقيمتُ الصلاةُ .. ))، فذكرَ نحوَ ما في الشرحِ. ورواهُ أبو داود (¬4): حدثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، عن جريرٍ بهِ، ولفظهُ: ((رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ينْزلُ من المنبرِ فيعرض له الرجلُ الحاجةَ، فيقومُ معهُ حتى يقضيَ حاجتَهُ، ثمَّ يقوم فيصلي))، ثمَّ قالَ: ((والحديثُ ليسَ بمعروفٍ عن ثابتٍ، هو مما تفرّدَ بهِ جريرٌ)). قالَ أبو داودَ: ((وكانَ الضبطُ عن ثابتٍ شديداً، كانَ رجلاً يقصُّ، فكانَ يقولُ: عن ابنِ أبي ليلى، وعن فلانٍ، فيجعلونهُ عن أنسٍ - رضي الله عنه -)). ¬

_ (¬1) في (ف): ((حملوا)). (¬2) من قوله: ((في ذلك المجلس ... )) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬3) انظر: جامع الترمذيّ (517)، وهو في العلل الكبير عقب (144). (¬4) سنن أبي داود (1120)، وأخرجه: الطيالسي (2043)، وأحمد 3/ 119 و127 و213، والترمذي في " الجامع " (517) وفي " العلل الكبير "، له (144)، والنسائي 3/ 110.

تنبيهات

تنبيهات (¬1) قولهُ: (تنبيهات (¬2)) (¬3)، أي: إيضاحاتٌ لأشياءَ يُشعرُ بها ما قبلَ هذا منَ الأنواعِ التي حُكمَ بضعفِها منَ المقلوبِ، والموضوعِ، والمضطربِ، وغيرها، إشعاراً خفياً. قولهُ: (لبيان وجه الضعف) (¬4)، أي: بأنْ نقولَ: وجهُ ضعفهِ أنَّ راويه فلانٌ مُتَهمٌ بالكذبِ، أو هوَ سييءُ الحفظِ مثلاً، وإنْ لمْ يُبينْ فسيأتي فيهِ تفصيلٌ. قولهُ: (لا بإسنادِهما) (¬5) الضمير فيهِ للواهي والذي يشكُّ فيهِ، أي: إذا نقلتَ (¬6) الضعيفَ بغيرِ سندٍ، أو المشكوكَ في ضعفهِ بغيرِ سندٍ. قولهُ: (في غيرِ موضوعٍ رووا) (¬7)، أي: رووهُ بإسنادٍ، فهوَ قسيمُ ما قالَ فيهِ: ((لا بإسنادِهما))، والحاصلُ أنَّ الحديثَ إذا ذُكِرَ، فإمّا أنْ يذكرَ إسنادُهُ أو لا، فإنْ ذُكرَ إسنادُهُ فلا يخلو أمّا أنْ يكونَ ضعيفاً أو لا، وإذا كانَ ضعيفاً فإمّا أنْ يكونَ في الفضائلِ أو لا، على كلِّ تقديرٍ، فلا يخلو إمّا أن يكونَ موضوعاً، أو لا، فإنْ كانَ موضوعاً، فلا يحلُّ لمنْ عَلِمَ حالَهُ أنْ يذكرَهُ بروايةٍ أو غيرها في أي بابٍ كانَ إلاَّ على سبيلِ القدحِ فيهِ، وإنْ كانَ ضعيفاً غيرَ موضوعٍ، فإنْ كانَ في الفضائلِ جازتْ روايتُهُ منْ غيرِ (¬8) / 193 أ / بيانٍ، وإلاَّ فلا. ¬

_ (¬1) من قوله: ((ثم رأيت ذلك فيه)) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) تكررت في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 324. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 324. (¬5) التبصرة والتذكرة (253). (¬6) تصحف في (ف) إلى ((انقلب)). (¬7) التبصرة والتذكرة (255). (¬8) ((غير)) لم ترد في (أ).

والقسمُ الثاني منْ أصلِ التقسيمِ، وهو الذي لمْ يُذكرْ إسنادُهُ هوَ القسمُ الأولُ الذي ذكرَ الشيخُ أنَّهُ إنْ لمْ يكنْ صحيحاُ ذُكِرَ ممرضاً، وأمّا الصحيحُ فيجزمُ بهِ. قولهُ: (وممنْ نصَّ على ذَلِكَ) (¬1) أي: على جوازِ التساهلِ، فإنَّ عبارةَ ابنِ الصلاحِ: ((وممنْ رُوِّينا عنهُ التنصيص على التساهلِ في نحوِ ذَلِكَ: عبدُ الرحمانِ ابنُ مهديٍّ (¬2)، وأحمدُ بنُ حنبلٍ (¬3))) (¬4). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 325. (¬2) رواه عنه الحاكم في " المدخل إلى الإكليل ": 25، والبيهقي في " المدخل إلى دلائل النبوة " 1/ 34، والخطيب في " الجامع " 2/ 91 (1265). (¬3) رواه الخطيب في " الكفاية ": (213 ت، 134 هـ). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 211.

معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد (¬1) قولهُ: (منْ تقبلُ روايتهُ ومنْ تردُّ) (¬2). قولهُ: (أجمع) (¬3) عبارةٌ مَهُولةٌ بلفظِ الإجماعِ، ومحطُّها على قولِ الجمهورِ، ومثلهُ لا يعدُّ إجماعاً اصطلاحاً وكان هذا فيه نظرٌ فتارة (¬4) يمكنهُ أن يقول: قد قالَ: جمهور (¬5). قولهُ: (في قبولِ ناقلِ الخبرِ) (¬6) ليسَ كذلكَ، لم يشترطوا هذا في القبولِ بل في الصحةِ، وأما مطلقُ القبولِ المبيحِ للاحتجاجِ فيكفي في ناقلهِ مطلقُ اليقظةِ منْ غيرِ أنْ يشترطَ في يقظتهِ نفيُ الغفلةِ عنهُ، فلو كانَ فيهِ غفلةٌ يسيرةٌ لم يخرجهُ عن مطلقِ القبولِ، وكذا مَنْ يَهِمُ يسيراً، أو يُخالفُ (¬7) الثقاتِ كذلكَ، كما تقدّمَ في بحثِ الصحيحِ والحسنِ. ¬

_ (¬1) انظر في صفة من تقبل روايته ومن ترد: معرفة أنواع علم الحديث: 212، والإرشاد 1/ 273، والتقريب: 90 - 100، ورسوم التحديث: 99، والمنهل الروي: 63، والخلاصة: 88، واختصار علوم الحديث 1/ 280 وبتحقيقي: 161، والشذا الفياح 1/ 235، ومحاسن الاصطلاح: 119، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 326، وتنقيح الأنظار: 187، ونزهة النظر: 119، والمختصر: 155، وفتح المغيث 1/ 262، وألفية السيوطي: 96 - 112، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 127، وفتح الباقي 1/ 305، وتوضيح الأفكار 2/ 114، وظفر الأماني: 78، وشرح شرح نخبة الفكر: 725، واليواقيت والدرر 2/ 351، ولمحات في أصول الحديث: 320. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 326. (¬3) التبصرة والتذكرة (257). (¬4) عبارة: ((وكان هذا فيه نظر فتارة)) لم ترد في (ب). (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) التبصرة والتذكرة (257). (¬7) في (ف): ((يسيراً ويخالف)).

ولعلَّ الحجةَ في قولِ الشافعيِّ: ((لا تقومُ الحجةُ)) (¬1) لمعهودٍ هوَ الحجةُ الموصوفةُ بالصحةِ، فلو قالَ (¬2): ((في توثيقِ ناقلِ الخبرِ)) سَلِمَ من الاعتراضِ؛ فإنَّ الثقةَ مَن جَمعَ الوصفينِ: العدالةَ، وتمامَ الضبطِ. ومنْ نزلَ عن التمامِ إلى أوّلِ درجاتِ النقصانِ، قيلَ فيهِ: صدوقٌ، أو لا بأس بهِ ونحوُ ذلكَ، ولا يقالُ فيه (¬3) ثقةٌ، إلاّ / 193ب / مع الإردافِ بما يزيلُ اللبسَ. قولهُ: (يقظاً) (¬4)، أي: فطناً، وهو كما قالَ في " الشرح " (¬5) -بضمِّ القافِ وكسرها-، وكذا فعلهُ. قالَ في " القاموسِ " (¬6): ((يقظَ كَعَلِمَ وكَرُمَ)). وقالَ ابنُ القطاعِ في " الأفعالِ " (¬7): ((يقظَ يقظاً ويقاظةً ويقظةً تنبه للأمورِ)). قولهُ: (ذا عقل) (¬8) قالَ في " القاموسِ (¬9) " (¬10): ((الحقُ أنَّه نورٌ روحانيٌّ، به تُدْرِكُ النفسُ العلومَ الضروريةَ والنظريةَ، وابتداءُ وجودِهِ عندَ اجتنانِ الولدِ، ثمّ لا يزالُ ينمو إلى أنْ يكملَ عندَ البلوغِ)). انتهى. ومادةُ ((عقلَ)) بكلِ ترتيبٍ تدورُ على عقالِ البعيرِ، ويلزمهُ المنعُ والتعلّقُ ¬

_ (¬1) الرسالة فقرة (1000). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((أي: في النظم)). (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) التبصرة والتذكرة (258). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬6) القاموس المحيط مادة (يقظ). (¬7) الأفعال 3/ 372. (¬8) التبصرة والتذكرة (261). (¬9) من قوله: ((يقظ يقظاً ويقاظة .. )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬10) القاموس المحيط مادة ((عقل)).

والانفكاكُ والرمي إذا نشطَ، فمنَ المنعِ خصوصُ ترتيب ((عقلَ)) وقد يلزمهُ النفاسةُ والكرمُ (¬1). ومنهُ العقيلةُ للمرأةِ المخدرةِ، والعقلُ للثوبِ الأحمرِ، ومنَ المنعِ القَواعِلُ للجبالِ الطوالِ، والقلعةُ للحصنِ المعروفِ، ومنَ التعلّقِ ترتيبُ علق كله، وكذا لقعه بعينهِ إذا أصابهُ بها، وكذا ألعقَ ويلزمُ هذا الفراغُ، ومنهُ: لعقَ إصبعَه إذا ماتَ، ومن الانفكاكِ القعالُ: وهو ما تناثرَ منْ نورِ العنبِ والفاغيةِ (¬2) ونحوهِ، وترتيبُ قلعَ، ومنَ الرمي ترتيبُ لقعَ. وفي " شرحِ آدابِ البحثِ " المنسوبِ إلى الشيخِ سعدِ الدينِ التفتازاني - وقد أضفتُ إليه شيئاً من كلامهِ في غيرهِ - العقلُ عندَ الحكماءِ: ((جوهرٌ مجردٌ عن المادةِ (¬3)، متعلقٌ بالبدنِ تعلّقَ التدبيرِ والتصرفِ))، وقالَ غيرُهم: ((نورٌ في الباطنِ تدركُ بهِ حقائقُ المعلوماتِ، كما يُدرَكُ /194أ/ بالنورِ الحسي المبصراتُ))، وعرّفه الشاشيُّ: ((بأنَّه قوةٌ يحصلُ بها العلمُ بالأشياءِ، أي: هي السببُ القريبُ لحصولِ العلمِ الأعمِّ من القطعيِّ وغيرهِ))، وقالَ غيرُهُ: ((هو نورٌ يضيءُ بهِ طريق يبتدأُ بهِ منْ حيثُ ينتهي إليهِ دركُ (¬4) الحواسِ فيبتدي المطلوبُ للقلبِ، أي: نورٌ يحصلُ بإشراقِ العقلِ، الذي أخبر النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - فيما رواهُ الطبرانيُّ (¬5)، وأبو الشيخِ عنْ أبي أمامةَ - رضي الله عنه -. وأبو نعيمٍ في " الحليةِ " (¬6) عن عائشةَ - رضي اللهُ عنها - أنّهُ أولُ ¬

_ (¬1) تكررت في (ب). (¬2) الفاغية: نور الحناء، أو يغرس غصن الحناء مقلوباً، فيثمر زهراً أطيب من الحناء. القاموس المحيط مادة (فغا). (¬3) لم ترد في (أ). (¬4) في (ب): ((دراك)). (¬5) المعجم الكبير (8086). (¬6) حلية الأولياء 7/ 318.

المخلوقاتِ، فكما أنّ العينَ مدركةٌ بالقوةِ فإذا وجدَ النورُ الحسيُّ يخرجُ إدراكَها إلى الفعلِ، فكذا القلبُ، أي: النفسُ الإنسانيةُ مع هذا النورِ العقليِّ)). وقولهُ: ((يبتدأ بهِ)) فابتدَاءُ إدراك الحواسِ ارتسامُ المحسوسِ في الحاسةِ الظاهرةِ، ونهايةُ (¬1) ارتسامهِ في الحواسِ الباطنةِ (¬2)، وهيَ خمسٌ. زعم الحكماءُ أنّ الدماغَ ثلاثُ طبقاتٍ: الأولى: قسمانِ: مقدمهما الذي في الناصيةِ الحسُ المشتركُ، والثاني: خزانةُ الخيالِ. الطبقةُ الثانيةُ: المفكرةُ. الثالثةُ: قسمانِ: أولهُما: الواهمةُ، ثانيهما: الحافظة، وهي (¬3) القسمُ الأخيرُ المقابلُ للحسِ المشتركِ؛ فالحسُ المشتركُ: قوةٌ تُدرِكُ صورَ المحسوساتِ بأسرِها تتأدَى إليها منْ طرقِ الحواسِ الظاهرةِ، فتشتركُ فيها الحواسُّ الظاهرةُ والباطنةُ (¬4)، والخيالُ: قوةٌ تحفظُ تلكَ الصورَ المؤداةَ /194ب/ إليها، من الحسِ المشتركِ بعد غيبتها عنهُ (¬5)، والواهمةُ: قوةٌ تُدرِكُ المعانيَ الجزئيةَ الموجودةَ في الأمورِ المحسوسةِ، منْ غيرِ أنْ تتأدَى إليها منْ طرقِ الحواسِ، وبها تُدرِكُ الحيواناتُ مضارَها ومنافعَها، كعداوةِ الذئبِ ونحوِها. والحافظةُ: قوةٌ تحفظُ ما يُدرِكهُ الوهمُ (¬6). والمتصرفةُ: هي التي تُحلِّلُ ¬

_ (¬1) في (ف): ((ونهايته)). (¬2) في (ف): ((الباطنية)). (¬3) في (ب): ((وهم)). (¬4) انظر: التعريفات للجرجاني: 86. (¬5) انظر: التعريفات للجرجاني: 102. (¬6) انظر: التعريفات للجرجاني: 81.

وتُركبُ الصورَ المأخوذةَ عنِ الحسِ والمعاني المدركة بالوهمِ، وليسَ منْ شأنها أنْ يكونَ عملُها منتظماً، بل النفسُ تستعملُها على أيِّ نظامٍ تريدُ، فإنِ استعملَتْها بواسطةِ القوةِ العاقلةِ وحْدَها، أو معَ القوةِ الوهميةِ فهي المفكرةُ، وإنِ استعملَتها بواسطةِ القوةِ الوهميةِ فقط، فهي المتخيلةُ، ومنِ اختراعاتها أشياء لا حقائقَ لها كإنسانٍ له رأسانِ، وكأنيابِ الغولِ ونحوِ ذلكَ (¬1). هذا نهايةُ إدراكِ الحواسِ، فإذا تمَّ هذا تنتزعُ النفسُ الإنسانيةُ منَ المفكرةِ علوماً، مثلَ أنْ تنتزعَ الكلياتِ منْ تلكَ الجزيئاتِ المحسوسةِ، إذْ تدرِكُ الغائبَ منَ الشاهدِ فهاهنا بدايةُ تصرّفِها بواسطةِ إشراقِ العقلِ، ولهذا التصرّفِ مراتبُ: استعداده لهذا الانتزاعِ كما للأطفالِ، ويُسمَّى العقلُ الهيولانيُّ (¬2)، ثمَ علمُ البديهياتِ على وجهٍ يوصِلُ إلى النظرياتِ - والبديهةُ: المعرفةُ الحاصلةُ للنفسِ لا بسببِ الفكرِ - / 195أ / ويُسمَّى العقلُ بالملكةِ، ثمَ علمُ النظرياتِ منها، ويُسمَّى العقلُ بالفعلِ، ثمَ استحضارها بحيثُ لا تغيبُ (¬3) ويُسمَّى العقلُ المستفادُ (¬4). قولهُ: (الحلمَ) (¬5) هوَ - بضمِّ المهملة وإسكانِ اللامِ - قالَ في " القاموسِ " (¬6): ((الجماعُ في النومِ، والاسمُ الحُلُمُ كعُنقٍ، والحِلمُ - بالكسرِ - الأناةُ والعقلُ)). قولُ الشافعيِّ: (خبرُ الخاصةِ) (¬7)، أي: خبرُ الواحدِ، والأصلُ في خبرِ ¬

_ (¬1) انظر: التعريفات للجرجاني: 200. (¬2) في (ف): ((البيولاني))، وهو خطأ. (¬3) عبارة: ((ويسمى العقل بالفعل، ثم استحضارها بحيث لا تغيب)) تكررت في (ف). (¬4) انظر: التعريفات للجرجاني: 151 - 152. (¬5) التبصرة والتذكرة (261). (¬6) القاموس المحيط مادة (حلم). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327.

الواحدِ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - كان يُرسل رسلَهُ إلى الآفاقِ وحداناً بأوامرهِ ونواهيهِ التي تُستباح بها الدماءُ والأموالُ وغيرُها، بكُتبٍ وبغيرِ كُتبٍ، ولم يشهدْ على شيءٍ من ذلكَ اثنينِ، وكانَ يأمرُ بقبولِ أخبارهم، في كتابِ قيصرَ: ((أسلِمْ تَسلمْ، فإنْ تولَّيتَ فإنَّ عليكَ إثمَ الأرِيسِيَّين (¬1) (¬2). وقالَ لمعاذٍ - رضي الله عنه - حين أرسلهُ إلى اليمنِ: ((فادعُهم إلى شهادةِ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ فإنْ هُمْ أطاعوا لذلكَ ... )) (¬3) إلى آخرهِ، وغير ذلكَ. وأيضاً فقد قَبِلَ (¬4) - صلى الله عليه وسلم - الواحدَ في هلالِ شهرِ رمضانَ، فصامَ وأمرَ الناسَ بالصيامِ بمجرّدِ خبرهِ، مع أنَّ المرجحَ عندَنا: أنَّ الإخبارَ برؤيةِ الهلالِ شهادةٌ لا روايةٌ، فَنظَرْنا فوَجدْناها فارقتِ الشهادةَ في المعنى ووافقتِ الروايةَ أيضاً؛ لأنَّهُم عرّفوا الشهادةَ بأنها: خبرٌ يختصُ بمعينٍ / 195ب /. والروايةَ بأنها: خبرٌ لا يختصُ بمعينٍ. فلما جامعتِ الروايةُ هذا المعنى، وكانَ تعلقُ الفرضِ بالكذبِ في ما هذا سبيلهُ بعيداً، جَمعَهما الشارعُ - صلى الله عليه وسلم - (¬5) في الاكتفاءِ في كلِّ منهما بالواحدِ، ثم ألحقنا بالروايةِ ما شاركَها في هذا المعنى -وهو بُعدُ القصدِ بالكذبِ- كالإخبارِ بأنَّ المرضَ يُبيحُ التيممَ، وكذا إخبارُ القائفِ (¬6) بالنسبِ، ومثلُ ذلكَ واردٌ على منعِ تعريفِ الشهادةِ، وجمعِ تعريفِ الروايةِ الماضيينِ، فصحّحَ بأنَّ الشهادةَ: خبرٌ لتصحيحِ ¬

_ (¬1) قال النووي في شرحه لصحيح مسلم عقب الحديث (1773): ((واختلفوا في المراد بهم على أقوال: أصحها وأشهرها: أنهم الأكارون، أي: الفلاحون والزراعون ومعناه: أن عليك إثم رعاياك الذين يتبعونك وينقادون بانقيادك، ونبه بهؤلاء على جميع الرعايا؛ لأنهم الأغلب؛ ولأنهم أسرع انقياداً، فإذا أسلم أسلموا، وإذا امتنع امتنعوا، وهذا القول هو الصحيح)). (¬2) أخرجه: البخاري 1/ 5 (7)، ومسلم 5/ 163 (1773) (74)، وغيرهم من حديث أبي سفيان - رضي الله عنه -. (¬3) صحيح البخاري 2/ 130 (1395)، وصحيح مسلم 1/ 37 (19) (29) و (30). (¬4) في (ب): ((قبل النبي)). (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) هو الذي يعرف النسب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود. التعريفات للجرجاني: 171.

دعوى عندَ حاكمٍ تقدّمَ العلمُ بهِ عليها- أي: بمضمونهِ على الدعوى-فخرجَ الإخبارُ في نحوِ مسألةِ التيممِ، بقولهِ: ((لتصحيحِ دعوى))، وخرجَ مثلَ مسألةِ القائفِ، بقولهِ: ((تقدمَ العلمُ بهِ عليها))، والروايةُ خبرٌ لا لذلك. قولهُ: (عاقلاً لما يحدث بهِ) (¬1)، أي: فاهماً يقالُ: عَقلَ الشيءَ، أي: فهمهُ. ((عالماً))، أي: ذا علمٍ، أي: صفةٍ وملكةٍ راسخةٍ بذلكَ. قولهُ (وافقَ حديثَهم) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فإنْ وجدنا رواياتهِ موافقةً، ولو مِن حيثُ المعنى لرواياتِهم أو موافِقةً لها في الأغلبِ، والمخالفةُ نادرةٌ عَرفنا حينئذٍ كونَهُ ضابطاً ثَبْتاً، وإنْ وجدناهُ كثيرَ المخالفةِ لهم عَرفنا اختلالَ ضبطهِ، ولم يحتجَّ (¬3) بحديثهِ)) (¬4). قولهُ: (مثبتٌ من حَدّثهُ) (¬5) الظاهر أنَّه من ثَبتَ تثبيتاً من قولِ المحدّثينَ / 196أ /: ((حدثني فلانٌ بكذا وثبتني فيهِ فلانٌ)) إذا كانَ قد سمعَ منْ أحدٍ شيئاً فلم يتقنهُ كما يجبُ؛ فأعادَهُ له بعضُ مَنْ سمعَهُ فجعلَهُ متقِناً لهُ ثابتاً فيهِ بعدَ أنْ كانَ مزلزلاً. وقولهُ: (ومثبتٌ على من حدّث عنهُ) (¬6) هو من أثبتَ، أي: مثبتٌ عليهِ ذلكَ القولَ الذي حدّثَ بهِ عنهُ بمعنى أنَّه جعلَهُ منسوباً إليهِ لازماً لهُ ماكثاً عليهِ لا يتعدّاهُ، وكلٌّ منهما لا بدَّ فيهِ مما وصفهُ به (¬7) الشافعيُّ، وإلا لم يثبتْ بخبرهِ شيءٌ لا لمنْ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬3) المثبت في طبعتنا لمعرفة أنواع علم الحديث: ((نحتج)) بالنون أول الحروف من بعض النسخ، وكان عندنا في نسختين: ((يحتج)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 217، وانظر فيما يتعلق بالضبط: جامع الأصول 1/ 72 - 74. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬7) لم ترد في (ب).

حدّثهُ، ولا على مَن حدّثَ عنهُ. وكِلا الفعلينِ منْ ثَبتَ القولُ إذا صحَّ، وهوَ يرجعُ إلى المكثِ على حالةٍ لا تزول (¬1). قولهُ: (مما يخرمُ المروءةَ) (¬2) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((وقد اعترضَ عليهِ - أي: ابنُ الصلاحِ - (¬3) بأنَّ المروءةَ لم يشترطْها إلاّ الشافعيُّ وأصحابهُ (¬4)، وليسَ على ما ذَكَرَهُ المعترضُ، بل الذينَ لمْ يشترطوا على الإسلامِ مزيداً، لم يشترطوا ثبوتَ العدالةِ ظاهراً، بل اكتفوا بعدمِ ثبوتِ ما ينافي العدالةَ. فمَن ظَهرَ منه ما ينافي العدالةَ لم يقبلوا شهادتَهُ ولا روايتَهُ. وأمَّا مَنِ اشترطَ العدالةَ - وهُم أكثرُ العلماءِ - فاشترطوا في العدالةِ المروءةَ، ولم يختلفْ قولُ مالكٍ وأصحابهِ في اشتراطِ المروءةِ في العدالةِ مطلقاً)) (¬5). قولهُ: (بخلاف الشهادة) (¬6)، أي: فإنَّ الحريةَ شرطٌ فيها عندَ أكثر أهل العلم. قولهُ: (لمْ يشترطِ البلوغَ) (¬7)، أي: في الروايةِ. وأمّا الشهادةُ فإنَّها غيرُ مقبولةٍ من الصبيِّ المميزِ عندَ أصحابِ الشافعيِّ والجمهورِ / 196ب /، كما قالَهُ الشيخُ في " النكتِ " (¬8). قولهُ: (إلا أنّه قيد الوجهينِ في التيمُّمِ) (¬9)، أي: في مسألةِ الاعتمادِ في كونِ ¬

_ (¬1) انظر: لسان العرب مادة (ثبت)، وتاج العروس مادة (ثبت). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 327. (¬3) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬4) انظر: البحر المحيط 4/ 274. (¬5) التقييد والإيضاح: 136 - 137. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328. (¬8) التقييد والإيضاح: 137 (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328.

المرضِ مرخصاً على واحدٍ، وعبارتهُ: ((وفي وجهٍ يُقبلُ في ذلكَ خبرُ الصبيِّ المراهقِ (¬1) والفاسقِ أيضاً، ولا فرقَ بينَ الحرِّ والعبدِ والذكرِ والأنثى؛ لأنَّ طريقَهُ الخبرُ، وأخبارُهم مَقبولةٌ، ولا يشترطُ العددُ)) (¬2). فَجعلَهُ من بابِ الخبرِ لا الاجتهادِ، والذي يظهرُ أنهُ اجتهادٌ. ولم يبينْ في " الروضةِ " كونهُ خبراً أو اجتهاداً، وعبارتهُ: ((فرعٌ: يجوزُ أنْ يعتمدَ في كونِ المرضِ مرخصاً معرفةَ (¬3) نفسهِ إنْ كانَ عارفاً، ويجوزُ اعتمادُ طبيبٍ حاذقٍ، بشرطِ الإسلامِ، والبلوغِ، والعدالةِ، ويعتمدُ العبدُ والمرأةُ. ولنا وجهٌ شاذٌ: أنَّه يعتمدُ الصبيُّ المراهقُ، والفاسقُ)) (¬4). قولهُ: (وقيَّدهُ في استقبالِ القبلةِ) (¬5) ذكرَ ذلك في البابِ المذكورِ في مكانينِ: أحدهما: في أنَّ العاجزَ عن معرفةِ القبلةِ يقيناً يجوزُ لهُ الأخذُ بقولِ من يخبرُهُ عنها عن عِلمٍ، وعبارتهُ: ((ولكنَّ قبولَ الخبرِ منْ أهل الروايةِ، وليس منَ التقليدِ في شيءٍ)) ثمَّ قالَ: ((وفي الصبيِّ بعد التمييزِ وجهانِ كما في روايةِ أخبار الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -، والأكثرون على أنَّه لا يُقبلُ)) (¬6) والثاني: في تَفقّدِ ألفاظِ " الوجيزِ " في مسألةِ تقليدِ الأعمى لمكلفٍ قالَ: ((فليعلمَ لفظ المكلفِ بالواو؛ لأنَّ في كلامِ الأصحابِ وجهاً أنَّهُ يجوزُ تقليدُ / 197أ / الصبيِّ، وهو كالخلافِ المذكورِ في الرجوعِ إلى أخبارهِ)) (¬7). انتهى. ولا يلزمُ من التشبيهِ (¬8) أنْ يتساوَى الوجهانِ في الموضعينِ في القوةِ. ¬

_ (¬1) المراهق: صبيٌّ قارب البلوغ، وتحركت آلته واشتهى. التعريفات للجرجاني: 208. (¬2) انظر: فتح العزيز شرح الوجيز 2/ 275. (¬3) في الروضة: ((على معرفة)). (¬4) روضة الطالبين 1/ 103. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328. (¬6) فتح العزيز 3/ 226. (¬7) فتح العزيز 3/ 231. (¬8) في (ف): ((التنبيه)).

وعبارةُ " الروضةِ " في الموضعِ الأولِ: ((فإنْ وَجدَ مَن يخبرُهُ بالقبلةِ عن عِلمٍ اعتمدَ قولَهُ، ولم يجتهدْ، بشرطِ عدالةِ المخبرِ، يستوي (¬1) الرَّجلُ والمرأةُ والعبدُ. ولا يُقبلُ كافرٌ قطعاً ولا فاسقٌ، ولا صبيٌّ مميزٌ على الصحيحِ فيهما)) (¬2). وفي الثاني: ((وجهٌ شاذٌ، لهُ تقليدُ صبيٍّ مميزٍ، والتقليدُ قبولُ قولِ (¬3) المستندِ إلى الاجتهادِ)) (¬4). قولهُ: (كالإفتاءِ) (¬5) في جَعْلِ الإفتاءِ مِنْ قَبيلِ الإخبارِ المجرَّدِ كالروايةِ نظرٌ، بل هو وإنْ كانَ إخباراً فلهُ شبهٌ بالاجتهادِ من أجلِ احتياجهِ إلى عِلمٍ وفهمٍ تُنزَل بهِ الصورةُ المستفتَى عنها على العموماتِ التي ذَكَرها العلماءُ. قولهُ: (والذي يوجبهُ القياسُ) (¬6) زادَ في " النكتِ " (¬7) وهو قولُ أبي حنيفةَ، وكأنَّهُ يشيرُ -واللهُ أعلمُ- إلى حديثِ سؤالِ بريرةَ (¬8) فيقولُ -واللهُ أعلمُ -: لو لمْ يكنْ كلامُ بريرةَ مقبولاً في حقِ الصدِّيقةِ - رضي اللهُ عنها - في كلٍّ من الجانبينِ لما سَألها - صلى الله عليه وسلم - فعُلِمَ منْ سؤالِها قبولُ الجرحِ والتعديلِ منَ المرأةِ، ومَن حُكِمَ بعدالتهِ قُبلَت شهادتُهُ كما قُبِلَتْ روايتُهُ؛ لأنَّ العدالةَ لا تتجزأُ، فإنْ كانَ هذا الذي أشارَ إليه ففيهِ نظرٌ. ¬

_ (¬1) في الروضة: ((يستوي فيه)). (¬2) روضة الطالبين 1/ 217. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) روضة الطالبين 1/ 217. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 328. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329. (¬7) التقييد والإيضاح: 134، وعبارته: ((وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف)). (¬8) الحديث أخرجه: أحمد 6/ 194، والبخاري 5/ 148 (4141)، ومسلم 8/ 112 (2770) (56)، والنسائي في " الكبرى " (11360).

أمّا أولاً: فلا يلزمُ من سؤالِها الاعتمادُ على قولهِا، بلْ يكونُ المرادُ التنبيهَ على وجهٍ ليتتبعَ، وكذا وقعَ، فإنَّها لما أخبرَتْ بما تعرفُ من العدالةِ تأيَّد بها للاستصحابِ، فخطبَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم - وأسندَ براءَتها (¬1) إلى علمه وما سَترَهُ / 197ب / منْ أحوالِها، لا (¬2) إلى خبرِ بريرةَ - رضي اللهُ عنها - فقالَ: ما علمتُ على أهلِي إلاّ خيراً ... ، إلى آخرِ خطبتهِ - صلى الله عليه وسلم -. وأمّا ثانياً: فلا مانعَ من أنَّ العدلَ يكونُ مقبولاً في شيءٍ دونَ شيءٍ، كما تُقبلُ المرأةُ في الأموالِ وما لايطَّلعُ عليهِ الرجالُ غالباً، وتُردُّ في العقوباتِ وما يطَّلعُ عليهِ الرجالُ غالباً كالطّلاقِ والنِّكاحِ، وسيأتي التقييدُ في كلامهِ نفسهِ بما تُقبلُ شهادتُها فيهِ. قولهُ: (وهو مخالفٌ لما نقلهُ) (¬3) ليس فيهِ مخالفةٌ؛ لأنَّ النقلَ عنِ الأكثرينَ مطلقاً لا يخالفُ النقلَ عنهم بقيدِ كونهم فقهاءَ. قولهُ: (بخلافِ الشهاداتِ) (¬4)، أي: لضيقِ الأمر فيها لكونَّهِا في حقوقِ العبادِ غالباً؛ ولأنَّها محلُّ الأغراضِ. وأمّا الخبرُ فيبعدُ فيهِ الغرضُ؛ لعمومهِ، ويندرُ تعلّقُ الغرضِ مِنْ متشرّعٍ بإلزامِ جميعِ الناسِ حكماً؛ فلذا قُبِلَ فيها الواحدُ نقلاً، وكذا تزكيتُهُ، فإنْ كانَ جرحُهُ وتعديلُهُ مستنداً إلى نقلٍ، فهوَ مِنْ بابِ الخبرِ، والخبرُ يكفي فيهِ الواحدُ؛ وإنْ كانَ مستنداً إلى اجتهادهِ، فهو منْ بابِ الحكمِ، والحاكمُ لا يشترطُ تعددهُ. ¬

_ (¬1) في (ب) و (ف): ((واستند برأيها)). (¬2) لم ترد في (ب). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 329.

قولهُ: (وصححَ استغناءُ ذي الشهرةِ عن) (¬1) في نسخةٍ بخطِ شيخنا (وصححوا استغناءَ) وعَن شيخِنا البرهانِ الحلبيِّ أنَّ المصنفَ جَعَلها جمعاً بعدَ قراءتهِ الألفيةَ عليهِ / 198أ /. قولهُ في شرحهِ في قولِ ابن عبدِ البرِّ: (حَتى يتبينَ جرحهُ) (¬2) عجيبٌ مع استدلالهِ بالحديثِ، فإنَّ الحديثَ لا يدلُّ على ذلكَ إلا إذا كانَ خبراً، وإذا كانَ خبراً ثَبَتَ مضمونُهُ فلم يقدحْ فيمن عدلهُ تجريحُ أحدٍ كائناً مَنْ كانَ. قولهُ: (مُعَان بن رفاعةَ السَّلامي) (¬3) بالتخفيفِ (¬4) الدمشقي، ويقالُ: الحمصيُّ، هو منْ رجالِ ابن ماجهْ، قالَ أحمدُ: ((لا بأسَ بهِ)) (¬5)، وكذا مَشَّاهُ غيرُهُ (¬6). قالَ أبو حاتمٍ: ((حمصيٌّ يُكتبُ حديثهُ ولا يُحتجُّ بهِ)) (¬7)، وقال ابنُ معينٍ: ((ضعيفٌ)) (¬8) وقالَ الجوزجانيُّ: ((ليس بحجةٍ)) (¬9)، وقالَ يعقوبُ بنُ سفيانَ: ((لينُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (264). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 331، وكلام ابن عبد البر في التمهيد 1/ 28. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332. (¬4) أي: بتخفيف اللام كما نص عليه الحافظ ابن حجر في التقريب (6747) إذ قال: ((مُعان، بضم أوله وتخفيف المهملة، ابن رفاعة السلامي، بتخفيف اللام، الشامي: لين الحديث، كثير الإرسال)). (¬5) تهذيب الكمال 7/ 149. (¬6) ممن مشّاه على بن المديني فقال: ((ثقة، روى عنه الناس))، ودحيم فقال عنه: ((ثقة)) ومحمد بن عون فقال: ((لا بأس به))، وأبو داود فقال: ((ليس به بأس)). انظر: تهذيب الكمال 7/ 149. (¬7) الجرح والتعديل 8/ 422، وتهذيب الكمال 7/ 149. (¬8) تهذيب الكمال 7/ 149. (¬9) تهذيب الكمال 7/ 149.

الحديثِ)) (¬1)، وقالَ ابنُ حبانَ: ((منكرُ الحديثِ، يروي مراسيلَ كثيرةً، ويحدثُ عنْ أقوامٍ مجاهيلَ، لا يُشبهُ حديثهُ حديثَ الأثباتِ؛ فلما صارَ الغالبُ في حديثهِ ما ينكرُهُ الثبتُ استحقَّ تركَ الاحتجاجِ بهِ)) (¬2)، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((عامةُ ما يرويهِ لا يُتابعُ عليهِ)) (¬3). وعنِ الذهبيِّ: ((أنَّهُ ماتَ مع الأوزاعيِّ (¬4)، والأوزاعيُّ (¬5) ماتَ سنةَ سبعٍ وخمسينَ ومئةٍ)) (¬6). قولهُ: (تحريفَ الغالينَ) (¬7) التحريفُ: التغييرُ (¬8)، والغالي من غَلا في الأمرِ غلواً، أي: جاوزَ حدَّهُ (¬9). وانتحالَ من قولهم: انتحلَهُ، أي: ادّعاهُ لنفسهِ وهوَ لغيرهِ. والمبطلُ مِنْ أبطلَ إذا أتى بغيرِ الحقِ. و ((تأويلِ)) منْ آلَ إليه أولاً ومآلاً رَجَعَ. وأولهُ إليه رجعهُ وأولَ الكلامَ تأويلاً، وتأولهُ: تدبّرهُ وقدّرهُ وفسّرهُ؛ فالمعنى - واللهُ أعلم -: يبعدونَ عنهُ تغييرَ مَنْ يفسِّرُهُ بما يتجاوزُ فيهِ /198ب/ الحدَّ فيخرج بهِ عن قوانينِ الشرعِ، وادّعاء منْ يدّعي فيهِ شيئاً يكونُ باطلاً لا يطابقُهُ (¬10) الواقعُ. ¬

_ (¬1) المعرفة والتأريخ 2/ 451. (¬2) المجروحين 3/ 36، وتهذيب الكمال 7/ 149. (¬3) الكامل 8/ 37، وتهذيب الكمال 7/ 149. (¬4) ميزان الاعتدال 4/ 134، ولعل مصدر البقاعي في هذه الترجمة تهذيب الكمال، فكذا جاءت به الترجمة، ثم أضاف لذلك قول الذهبي، والله أعلم. (¬5) من قوله: ((عامة ما يرويه .. )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬6) كذا أرخ وفاته الحافظ ابن حجر في التقريب (3967). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332. (¬8) انظر: القاموس المحيط مادة (حرف). (¬9) انظر: تاج العروس مادة (غلا). (¬10) في (ف): ((لا يقابله)).

وكأنَّهُ يشيرُ بالجملةِ الأولى إلى مَنْ يفسرُ حديثَ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بغيرِ تفسيرهِ تعمُّداً وتلبيساً، وبالثانيةِ إلى منْ يكذبُ على النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّهُ بادعائهِ تحديثَ مَن لم يحدثهُ والسَماعَ ممن لم يسمعْ منهُ منتحلٌ ذلكَ باطلاً. وبالثالثةِ إلى مَنْ يفسِّرهُ، وهو غيرُ عالمٍ. قولهُ: (مرسلٌ أو معضلٌ ضعيفٌ) (¬1) أمَّا احتمالُ كونهِ مرسلاً؛ فلكونِ إبراهيمَ تابعياً، وذكرهُ ابنُ حِبانَ في "الثقاتِ" (¬2) وقالَ: ((يروي المراسيلَ)) وساقَ حديثَهُ هذا منْ طريقِ حمادِ بنِ زيدٍ، عنْ بقية، عنْ معانٍ، عنهُ. وأمّا احتمالُ كونهِ معضلاً فلكونهِ قالَ في بعضِ الرواياتِ: حدثنا الثقةُ منْ أصحابِنا، ومرةً قالَ: من مشايخنا، فَغَلبَ على الظنِّ أنَّ من حَدَّثهُ غيرُ صحابيٍّ؛ لكونهِ لم يعبرْ بما يدلُّ على أنَّ مَنْ حدَّثهُ صحابيٌّ بدلَ ما يدلُّ على أنَّهُ صاحبٌ لهُ أو شيخٌ. وأمّا كونُهُ ضعيفاً فلأنَّ الذهبيَّ وصفَ إبراهيمَ بأنَّهُ مُقلٌّ واهي لا يُدرَى مَن هو (¬3). قولهُ: (ابن القطَّانِ) (¬4)، أي: في كتابِ " بيانِ الوهمِ والإيهام " (¬5). قولهُ: (والسَّعدي) (¬6) في " النكتِ " (¬7) التعبير عنهُ بالجوزجانيِّ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332. (¬2) الثقات 4/ 10. (¬3) عبارة الذهبي في الميزان 1/ 45: ((ما علمته واهياً)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 332. (¬5) بيان الوهم والإيهام 3/ 40 عقب (691). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 333. (¬7) التقييد والإيضاح: 139.

قولهُ: (وكلُّها ضعيفةٌ) (¬1) تتمةُ كلامهِ في " النكتِ ": ((لا يثبتُ منها شيءٌ، وليسَ فيها شيءٌ يُقوّي المرسلَ المذكورَ)). (¬2) انتهى (¬3). وقد بقي عليهِ أسامة بن زيدٍ - رضي اللهُ عنهما - فقد قرأتُ بخطِّ بعضِ الفضلاءِ من أصحابنا: ((أوردَ الحافظُ صلاحُ /199أ/ الدينِ العلائيُّ هذا الحديثَ عنْ أسامةَ بنِ زيدٍ (¬4) مرفوعاً: وقالَ فيهِ: حديثٌ حسنٌ غريبٌ، وصحّحهُ ابن حِبانَ)) (¬5). قولهُ: (منْ وجهينِ) (¬6) قد أبديتُ ثالثاً: وهوَ أنَّه لو كانَ خبراً لم يُسمعِ الجرحُ أصلاً فيبقى قولهُ: ((حَتى يتبينَ جرحهُ)) مناقضاً لاستدلالهِ. قولهُ: (ابن أبي حاتمٍ) (¬7)، أي: الإمامُ أبو محمدٍ في مقدمةِ كتابِ " الجَرْحِ والتعديلِ " (¬8) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((ومما يُستغربُ (¬9) في ضبطِ هذا الحديثِ أنَّ ابنَ الصلاحِ حَكَى في " فوائدِ الرحلةِ " لهُ أنَّهُ وجدَ بنيسابورَ في كتابٍ يشتملُ على مناقبِ ابنِ كَرَّامٍ جمعُ محمد بن الهيصمِ، قالَ فيهِ: سمعتُ الشيخَ أبا جعفرَ أحمدَ بنَ جعفر (¬10) يقولُ: سمعتُ أبا عمرو محمدَ بنَ أحمدَ التميميَّ، يروي هذا الحديث ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 334. (¬2) التقييد والإيضاح: 139. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) الحديث من هذا الطريق أخرجه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (53). (¬5) بغية الملتمس: 34 للعلائي، وفي النقل تصرف. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 334. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335. (¬8) الجرح والتعديل 2/ 17. (¬9) في (ب): ((لا يستغرب)). (¬10) في المطبوع من التقييد: ((محمد أحمد بن جعفر)).

بإسنادهِ فيضمُّ الياءَ منْ قولهِ ((يُحملُ)) على أنَّه فعلٌ لما لمْ يُسمَّ فاعلُهُ، ويرفعُ الميمَ من ((العلمِ))، ويقولُ: ((منْ كلِ خلفٍ عَدولَه))، - مفتوحُ العينِ واللامِ وبالتاءِ - ومعناه أنَّ الخلفَ، هو العدولةُ بمعنى: أنَّهُ عادلٌ، كما يقالُ: شكورٌ: بمعنى: شاكرٍ، وتكونُ الهاءُ للمبالغةِ، كما يقال: رجلٌ صررورةٌ (¬1). والمعنى أنَّ العلمَ يحملُ عنْ كلِ خلفٍ كاملٍ في عدالتهِ. وأمَّا أبو بكرٍ المفيدُ فإني قد حفظتُ عنهُ: ((يَحمل)) مفتوح الياء ((منْ كل خلفٍ عُدولُهُ)) مضموم العين، واللام مرفوعاً. هكذا نقلتهُ منْ خطِّ ابنِ الصلاحِ في "رحلتهِ")) (¬2). انتهى /199ب/. قولهُ: (ومنْ يوافقْ غالباً) (¬3). قولهُ - أي: في الشرح -: (¬4) (فنادر) (¬5)، أي: فَوِفاقهُ نادرٌ. قولهُ: (وصححوا قبولَ تعديل) (¬6). قولهُ: (أن يتعدَّ) (¬7)، أي: خشيةَ أنْ تثقلَ الأسبابُ عليهِ، أي: ذكرها (¬8). ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((الصررورة هو الذي لم يحج)). (¬2) التقييد والإيضاح: 139. (¬3) التبصرة والتذكرة (267). (¬4) عبارة: ((أي: في الشرح)) من (أ) فقط، ولولا أن نسخة (أ) قرئت على البقاعي - رحمه الله - وعليها خطه لقلت: إن هذه العبارة من النساخ. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335. (¬6) التبصرة والتذكرة (268). (¬7) التبصرة والتذكرة (268). (¬8) من قوله: ((قوله: (أن يتعد) ... )) إلى هنا لم يرد في (ف).

قولهُ: (إلا مفسراً) (¬1)، أي: كلٍّ منهما. وكأنَّهُ حذفَهُ؛ لوضوحهِ، ثم رأيتُها في نسخةٍ قرئتْ على المصنِّفِ أصلحتْ مُفسَّرَينِ. قولهُ: (أهوَ قادحٌ أم لا) (¬2) تتمةُ كلامِ ابنِ الصلاحِ: ((وهذا ظاهرٌ مقررٌ في الفقهِ وأصولهِ)) (¬3) وسيأتي في آخرِ شرحِ هذه الأبياتِ: ((وذَكرَ (¬4) الخطيبُ (¬5) الحافظُ: أنَّه مذهبُ الأئمةِ منْ حُفّاظِ الحديثِ (¬6) مثل البخاريِّ ومسلمٍ، وغيرِهما، ولذا (¬7) احتجَّ البخاريُّ بجماعةٍ سَبَقَ من غيرهِ الجرحُ لهم)) (¬8) إلى آخرِ ما سيأتي في شرحِ الأبياتِ التي بعدها، ثمّ قالَ: ((وذلكَ دالٌّ على أنَّهم ذهبوا إلى أنَّ الجرحَ لا يثبُتُ إلا إذا فُسِّرَ سببُهُ. ومذاهبُ النُّقّادِ للرجالِ غامضةٌ مختلِفةٌ)) (¬9). قولهُ: (فما يلزم من ركضهِ) (¬10) ربما يلزمُ منهُ خَرْمُ مروءتهِ، وذلكَ إذا كانَ في موضعٍ أو حالٍ لا يليقُ بذلكَ، وعليهِ تُحملُ رؤيةُ شعبةَ تحسيناً للظنِّ بهِ، لما ثَبتَ منْ جلالتهِ واتساعِ معرفتهِ، حتى قالَ الإمامُ أحمدُ: ((إنَّهُ أمةٌ وحدهُ في هذا الشأنِ)) يعني: في الرجالِ وبصرِهِ بالحديثِ وتثبتهِ وتنقيتهِ للرجالِ، ولا يُحصَى مَنْ أثنى عليهِ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 335. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 336. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 217. (¬4) رجع الكلام من هنا لابن الصلاح. (¬5) الكفاية (178 - 179ت، 108هـ‍). وانظر: البرهان 1/ 560، والبحر المحيط 4/ 294. (¬6) بعد هذا في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((ونقاده)). (¬7) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((ولذلك)). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 218، وانظر: نكت الزركشي 3/ 338 وما بعدها. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 218، وانظر: الكفاية (179 - 180ت، 108 - 109هـ‍). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 336.

فحالهُ أشهرُ منْ أنْ يُذكرَ (¬1). / 200أ / قولهُ: (أن لا يعلم هو) (¬2)، أي: لأجلِ عدمِ علمهِ، أي: لأجلِ أنَّهُ يحتملُ عدمُ علمهِ بذلك، أو يكونُ التقديرُ: خشيةَ أنْ لا يعلمَ. والورعُ ما فعلَ شعبةُ؛ لأنَّ الطُّنْبورَ لا يُضربُ في بيتِ أحدٍ إلا بعلمِهِ، أو بأنْ يعرفَ أهلُهُ منه السماحَ فيما يقاربُ ذلكَ مما يخرمُ المروءةَ إنْ لم يكنْ مفسِّقاً، وهوَ جعلُ ذلكَ علةً لعدمِ سماعهِ منهُ لا لإثباتِ جرحهِ. والمنهالُ في الدرجةِ السُّفلى منَ الثقةِ؛ فلذلكَ لم يستبعدْ شُعبةُ علمَهُ بهِ. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا أنَّهُ وثّقهُ ابنُ معينٍ والنسائيُّ واحتجَّ بهِ البخاريُّ في صحيحهِ (¬3). قولهُ: (كان كثيرَ الكلامِ) (¬4) يحملُ ذلك على أنَّهُ فيما لا يعنيهِ مما يخرمُ المروءةَ، فإنَّ الحكمَ في العبادةِ والفضلِ وسعةِ العلمِ ممن لا يظنُّ بهِ إلا ذلكَ، فقد أثنى عليهِ الأكابرُ بأنَّهُ ما بينَ لابتيها أفقهُ منهُ (¬5)، وبأنَّهُ كانَ في مسجدِ الخيفِ (¬6)، وعلماءُ الناس عيالٌ عليهِ، وبأنَّهُ ما كانَ بالكوفةِ بعدَ إبراهيمَ والشعبيِّ مثلُهُ، ومثلُ حَمّادٍ. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((الحمد لله بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين بن الحمصي الشافعي قراءة في البحث وسمع الجماعة وكتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337. (¬3) انظر: فتح الباقي1/ 313، وتهذيب الكمال 7/ 239 (6805). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337. (¬5) انظر: الجرح والتعديل 3/ 124. (¬6) مسجد الخيف في منى، وهو بالقرب من الرجم، وما زال معروفاً بهذا الاسم، وقد منَّ الله عليَّ بصلوات فيه، والحمد لله رب العالمين.

وأمّا زاذانُ فهو في الدرجةِ السُّفلى من الثقةِ وفيهِ شيعيةٌ، وقد قالَ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ ": ((كانَ يخطئُ كثيراً)) (¬1) انتهى. وقد قيلَ: مَنْ كَثُرَ كلامُهُ كَثُرَ سقطُهُ، أي (¬2): ولو كانَ متحرّزاً فكيفَ إذا كانَ كثيرَ الخطأ. قولهُ: (يبول قائماً) (¬3) يُحملُ على أنَّهُ في مكانٍ يخرمُ المروءةَ البولُ فيهِ، ككونهِ في الطريقِ / 200ب / وبحيثُ يراهُ الناسُ؛ فإنَّ جريرَ بنَ عبدِ الحميدِ من سعةِ العلمِ والجلالةِ والثقةِ بحيثُ لا يُظنُّ بهِ إلاّ ذلكَ. وأمّا سِماك فإنَّهُ في الدرجة الدُّنيا من الثقةِ، وقد تغيّرَ بأخرةٍ. وبقيةُ كلامِ جريرٍ يرشدُ إلى خوفِ الاختلاطِ، فإنَّهُ قالَ: أتيتُهُ فرأيتُهُ يبولُ قائماً فرجعتُ، ولم أسألْهُ عن شيءٍ قلتُ: قد خرفَ. قولهُ: (لو رأيتَ لحيتَه .. ) (¬4) إلى آخرهِ، يُحمَلُ على أنَّ مرادَهُ أنَّكَ لمجرّدِ ذلكَ تقضي عليهِ بالعدالةِ توسّماً، فكيفَ إذا تأملتَ دينَهُ ومروءتَهُ وضبطَهُ، وهذا منْ وادي قولِ عبدِ اللهِ بنِ سلامٍ - رضي الله عنه - في النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فلما تأملتُهُ عرفتُ أنَّ وجههُ ليس بوجهِ كَذّابٍ. ومثلُ هذا كثيرٌ في كلامِ الناسِ؛ فإنَّ أحمدَ بنَ يونسَ قد أمر الإمام أحمدَ بالرحلةِ إليهِ، ووصفهُ بأنَّهُ شيخُ الإسلامِ. وأمّا عبدُ اللهِ - مكبراً - ابنُ عُمرَ بنِ حفصٍ العُمريُّ فإنَّهُ وإنْ كان الصحيحُ فيهِ أنَّهُ ضعيفٌ، ولكن أثنى عليهِ غيرُ واحدٍ، فقالَ ابنُ معينٍ - فيما نقلهُ عنهُ عثمانُ الدارميُّ -: ((إنَّهُ صالحٌ ثقةٌ))، وقالَ الحافظُ أبو يَعلَى الخليليُّ: ((ثقةٌ، غير أنَّ ¬

_ (¬1) الثقات 4/ 265. (¬2) لم ترد في (ب). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 337. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 338.

الحفاظَ لم يرضوا حفظهُ)) (¬1). وأوردَ لهُ يعقوبُ بنُ شيبةَ الفحلُ في " مسندهِ " حديثاً (¬2)، فقالَ: ((هذا حديثٌ حسنُ الإسنادِ مدنيٌّ)). وقالَ في موضعٍ آخرَ: ((هو رجلٌ صالحٌ مذكورٌ بالعلمِ والصلاحِ، وفي حديثهِ بعضُ الضعفِ والاضطرابِ (¬3)، ويزيدُ في الأسانيدِ (¬4) كثيراً)). وقالَ ابنُ حِبانَ / 201أ /: ((كانَ ممن غَلبَ عليهِ الصلاحُ حَتىّ غفلَ عن الضبطِ فاستحقَّ التركَ)) (¬5). قولهُ: (كما رواهُ الخطيبُ عنهُ في " الكفايةِ ") (¬6) قالَ في " النكتِ ": ((بإسنادهِ الصحيحِ)) (¬7). قولهُ: (فإنْ يُقلْ قَلَّ بيانُ منْ جرح) (¬8) هو على حذفِ مضافٍ، أي: بيانُ جرحِ مَنْ جَرحَ، وهوَ غيرُ مُفهِمٍ للمرادِ إلاَّ بأنْ يضافَ إليه، نحو أنْ يقالَ: واشتراطُ البيانِ مسقطٌ لكلامِهم المبهمِ، وذلك موجبٌ لردِّ الجرحِ في الأغلبِ، وهو خلافُ ما عليهِ عملُهم، كذا اشتراطُ بيانِ القادحِ مسقطٌ لقولِهم إذا قالوا المتنُ: لم يصحَّ، وأبهموا وهو مخالفٌ لعملِهم، فعملُهم في رَدِّ ذلكَ مخالفٌ لقولِهم: لا يُقبلُ الجرحُ مبهماً. ¬

_ (¬1) الإرشاد 1/ 193. (¬2) في (ف): ((حدثنا)). (¬3) في (ب): ((الاطراب)). (¬4) في (ب): ((الاسناد)). (¬5) المجروحين 2/ 7. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 339. (¬7) التقييد والإيضاح: 141. (¬8) التبصرة والتذكرة (272).

قولهُ: (وأبهموا) (¬1) حالٌ منْ فاعلِ ((قالوا))، أي: وأبهموا الجهةَ التي منْ أجلِها وصفوهُ بعدمِ الصحةِ فلم يفسّروها. قولهُ: (أنْ يجب الوقف) (¬2) هو على حذفِ الجارِّ والتأويلِ بالمصدرِ، أي: بوجوب الوقفِ، أي: بأنَّهُ يجبُ أنْ يقف للاحتجاجِ بذلكَ الراوي إذا وجدَ منْ يريدُ الاحتجاجَ بهِ فيهِ ريبةٌ، كما صَرّحوا بذلك، والجرحُ المبهمُ يوجبُ ريبةً، فعدمُ الاحتجاج للتوقفِ لا لقبولِ الجرحِ المبهمِ. قولهُ: (حَتى يُبين) (¬3) هو منْ أبانَ، و ((بحثهُ)) فاعلهُ و ((قبولهُ)) مفعولهُ، أي: حَتىّ يتبينَ بالبحثِ أنَّ راويَ ذلك الخبرِ مقبولٌ، وأنَّ ذلك الجرحَ غيرُ مؤثرٍ فيهِ. قولهُ: (كمن أولوا) (¬4) مثالٌ للراوي الذي أبانَ البحثُ قبولهُ. قولهُ: (عكرمة) (¬5) / 201ب / هو مبتدأٌ خبرُهُ ((في البخاريِّ)) و ((واحتجاجاً)) تمييزٌ. أي: فعكرمةُ مُخرجٌ لهُ في البخاريِّ من جهةِ الاحتجاجِ، لا منْ جهةِ المتابعةِ ونحوِها. قولهُ: (وغير ترجمة) (¬6) يجوزُ أنْ يكونَ مجروراً عطفاً على ((ابن مرزوقٍ))، وأنْ يكونَ مرفوعاً عطفاً على ((عكرمةَ)). والترجمةُ: الاسمُ منْ إطلاقِ السببِ على المسبَّبِ؛ فإنَّ الاسمَ سببٌ لبيانِ حالِ المسمَّى، وتفسيرُ ما أبهمَ منْ أمرهِ منْ نسبٍ، وغيرهِ من جميعِ أوصافهِ، أخذاً ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (273). (¬2) التبصرة والتذكرة (273). (¬3) التبصرة والتذكرة (274). (¬4) التبصرة والتذكرة (274). (¬5) التبصرة والتذكرة (275). (¬6) التبصرة والتذكرة (275).

من الترجمانِ: وهو المفسِّرُ للسانِ. ووزنهُ في " القاموسِ " (¬1) بثلاثةِ أوزانٍ: عُنفُوان وزَعْفَران ورَيْهُقان قالَ: وقد ترجمهُ، وعنهُ والفعلُ يدلُّ على أصالةِ التاءِ. قولهُ: (إذ (¬2) بجرْحٍ) (¬3)، أي: احتجَّ بنحو سويدٍ؛ لأنَّهُ ما اكتفى في إسقاطهِ بجرحٍ قيلَ فيهِ. قولهُ: (واختاره) (¬4) الضمير فيهِ يعودُ على المصدرِ المفهومِ منْ ((قالَ))، أي: اختارَ هذا القولَ، وهو الحكمُ بما أطلقَهُ العالمُ. قولهُ: (أنْ يحكمْ بما) (¬5) بإسكانِ الميمِ، وإخفائِها بغنةٍ عندَ الباءِ، وكذا ((العالمُ بأسبابها)) على حدِّ الإقلابِ، وهو قَلبُ النُّونِ الساكنةِ، ميماً خالصةً ساكنةً، ثمَ إخفاؤها بغنَّةٍ نحو {مِنْ بَعْدُ} (¬6)، و {صُمٌّ بُكْمٌ} (¬7) وقد سكَّنَ أبو عمرٍو (¬8) كلَّ ميمٍ تحرّكَ ما قبلها ولقيها أولَ الكلمةِ الأخرى باءٌ ثم أخفاها (¬9) بغنةٍ نحو: ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (ترجم). (¬2) تحرفت في (ف) إلى: ((إن)). (¬3) التبصرة والتذكرة (276). (¬4) التبصرة والتذكرة (277). (¬5) التبصرة والتذكرة (278). (¬6) جزء من آية في سورة البقرة آية 230، وسورة الأنفال آية: 75، وسورة الروم آية: 4، وسورة الأحزاب آية: 52، وسورة الحديد: 10. (¬7) جزء من آية في سورة البقرة 18 و171. (¬8) هو النحوي، اللغوي المقرئ: زبان، وقيل: العريان، أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري من مشايخه: أنس بن مالك، ويحيى بن معمر، ومجاهد، ومن تلامذته: شعبة، وحماد بن زيد، وعبد الله بن المبارك، قال أبو عبيدة: كان أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر. انظر: الموسوعة الميسرة في تراجم أئمة التفسير والإقراء والنحو واللغة 1/ 914 ترجمة (1265)، تأليف صديقنا الشيخ وليد الحسين نفع الله به. (¬9) المثبت من (ف) وفي باقي النسخ: ((إخفائها)).

{بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ} (¬1) وذلك لما بينَ الميمِ والباءِ منَ المجانسةِ في المخرجِ، والمقاربةِ في المخرجِ والصفةِ. قولهُ: (وهما) (¬2)، أي: هذان البيتان ردٌّ على السؤالِ، ليسَ هذا الردُّ بجيدٍ / 202أ / أمَّا أولاً: فإنَّهُ يمكن حَملُ كلامِ إمامِ الحرمينِ وَمن معهُ على ما قالَ ابنُ الصلاحِ منَ التوقفِ منْ غيرِ حكمٍ بالجرحِ. وأمَّا ثانياً: فإنَّهُ يلزمُ منه لو حَملناهُ على الحكمِ بالجرحِ أحدُ أمرينِ: إمّا تبقيةُ الأمرِ على إشكالهِ، وإمّا تصحيحُ القولِ الرابعِ في شرحِ الأبياتِ قبلهُ، وتضعيفُ القولِ الأولِ الذي عليهِ الجمهورُ؛ لأنَّهُ إنْ كانَ المعنى: الحقُ أنْ يحكمَ بما أطلقهُ، أي: ذَكَرَهُ العالم بالأسبابِ مع بيانِ السببِ، فهوَ الأمرُ الأولُ، وإنْ كانَ المعنى أنَّه يحكمُ بما ذَكرَهُ مطلقاً غيرَ مبينٍ السببَ فهوَ الأمرُ الثاني، وليس ذلكَ بجيدٍ. والحقُ في الجوابِ عنْ هذا الإشكالِ التفصيلُ في حالِ المجروحِ، فإنْ كانَ قد وثّقهُ أحدٌ من أئمةِ هذا الشأنِ لم يُقبلْ فيهِ الجرحُ منْ أحدٍ كائناً مَنْ كانَ إلا مفسَّراً؛ لأنَّهُ قد ثَبتتْ لهُ رتبةُ الثقةِ فلا يُزحزحُ عنها إلا بأمرٍ جليٍّ؛ فإنَّ أئمةَ هذا الشأنِ لا يُطلقونَ الثقةَ إلا على مَنْ اعتبروا حالَهُ في دينهِ، ثم اعتبروا حديثَهُ وعرضوهُ على حديثِ الحفّاظِ وتفقدوهُ على ما ينبغي، وهُم أيقظُ الناسِ فلا يُنقَضُ حكمُ أحدِهم إلا بأمرٍ صريحٍ تكونُ فيهِ قوةُ النقضِ، ومهما كانَ الجرحُ مبهماً كانَ محتملاً لوجوهٍ من الاحتمالاتِ يَضعفُ بها عنْ أنْ يكونَ ناقضاً لما أثبتَهُ الموثِّقُ. انظر إلى ما جُرِحَ بهِ سويدُ بنُ سعيدٍ لمّا بُحثَ عنهُ، كيفَ انكشفَ عمّا لا يقدحُ فيهِ أصلاً، ويقدحُ في بعضِ حديثهِ دونَ بعضٍ. ¬

_ (¬1) جزء من آية من سورة الأنعام: 53: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ}، وانظر: معجم القراءات القرآنية 2/ 272. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344.

وانظر إلى ما ذُكِرَ في / 202ب / شرحِ الأبياتِ التي قبلَ هذهِ منَ التفسير بركضِ البرذونِ (¬1) وغيرهِ، ولهذه العلة أخرجَ صاحبا " الصحيحِ " وغيرُهما حديثَ مَنْ طعنَ فيهِ بعضُ (¬2) الأئمة طعناً غيرَ مُفسَّرٍ؛ فعكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، قد وثّقهُ ابنُ عباسٍ -رضي اللهُ عنهما- في النقلِ عنهُ، فقالَ: ((ما حدّثكم عني عكرمةُ فصدِّقوهُ؛ فإنَّهُ لن يكذبَ عليَّ))، وقال لهُ: ((انطلقْ فَأَفتِ الناسَ)). وقال جابرُ بنُ زيدٍ: هذا عكرمةُ مولى ابنِ عباسٍ، هذا أعلمُ الناسِ، وقيلَ لسعيدِ بنِ جبيرٍ: ((تعلمُ أحداً أعلمُ منكَ؟ قالَ: نَعَم، عكرمةُ)). وقالَ يحيى بنُ أيوبَ: ((سألني ابنُ جُريجٍ: هل كَتبتُمْ عن عكرمةَ؟ قلتُ: لا قالَ: فاتكُم ثُلثا العلمِ))، وقالَ ابنُ معينٍ: ((إذا رأيتَ إنساناً (¬3) يقعُ في عكرمة فاتّهمْهُ على الإسلامِ))، وقالَ محمدُ بنُ نصرٍ المروزيُّ: ((سألتُ إسحاقَ عن الاحتجاجِ بحديثهِ فقالَ: عكرمةُ عندَنا إمامُ الدنيا، وتعجّبَ مِنْ سؤالي إياهُ))، وقالَ ابنُ منده: ((أمّا حالُ عكرمةَ في نفسهِ فقد عدّلَهُ أمةٌ منَ التابعينَ، منهم: زيادة على سبعينَ رجلاً منْ خيارِ التابعينَ، ورفعائِهم، وهذه منْزلةٌ لا تكادُ توجدُ لكبيرِ أحدٍ منَ التابعينَ، على أنَّ من جَرحَهُ منَ الأئمةِ لم يُمسكْ عن الروايةِ عنهُ))، وقالَ أبو عمرَ بنُ عبدِ البرِّ: ((عكرمةُ من جلةِ العلماءِ، ولا يقدحُ فيهِ كلامُ مَنْ تكلّمَ فيهِ، لأنَّهُ لا حجةَ معَ أحدٍ تكلّمَ فيهِ)) ذَكرَ ذلك شيخُنا في مقدمةِ / 203أ / "شرحِ البخاري" (¬4) وأشبعَ في ذلك، وذَكرَ قولَ مَن ¬

_ (¬1) البرذون: يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، ويعرف باسم (الكديش). انظر: معجم متن اللغة 1/ 269، والمعجم الوسيط: 48. والركض: هو استحثاث الدابة على العدو بأن يضرب جنبيها برجله. (¬2) ((بعض)) من (ف) فقط. (¬3) في (ب): ((أحداً)). (¬4) هدي الساري: 428 - 429.

جَرحَهُ وبيّنَ أنَّهُ لايُقدَحُ فيهِ بعد ما ثبتَ لهُ منَ الرُّتبِ السنيةِ. وإسماعيلُ بنُ أبي أويسٍ: عبد اللهِ بن عبدِ اللهِ وهو ابنُ أختِ الإمامِ مالكٍ، اختلفَ فيهِ قولُ ابنِ معينٍ فقالَ مرةً: ((لا بأسَ بهِ))، وقالَ مرةً: ((ضعيفٌ))، ومرةً: ((كانَ يسرقُ الحديثَ))، وقالَ أبو حاتمٍ: ((محلُّهُ الصدقُ وكانَ مغفلاً))، وقالَ أحمدُ بنُ حَنْبلٍ: ((لا بأسَ بهِ))، وقالَ الدارقطنيُّ: ((لا أختارُهُ في الصحيحِ))، وضعَّفهُ النسائيُّ، واختارَ شيخُنا أنَّهُ لا يُحتجُّ بشيءٍ منْ حديثهِ غيرَ ما في الصحيحِ منْ أجلِ قدحِ النَّسائيِّ وغيرهِ (¬1) إلاّ إنْ شاركهُ فيه غيرُهُ، والذي في "الصحيحِ" صحيحٌ؛ لأنَّ البخاريَّ كَتبَ عنهُ من أصولهِ فلم يكتبْ إلا ما عَلِمَ صحتَهُ. وعاصمُ بنُ عليِّ بنِ عاصمِ بنِ صُهيبٍ الواسطيُّ، قالَ أحمدُ: ((ما كان أصحَّ حديثه عن شعبةَ!))، وقالَ أيضاً: ((ما أقلَّ خطأه!))، وقالَ العجليُّ: ((شَهدتُ مجلسَ عاصمِ بن عليٍّ فحرر (¬2) مَنْ شَهدهُ، وكانوا مئةَ ألفٍ وستينَ ألفاً، وكان ثقةً، وثّقهُ ابنُ سعدٍ وقالَ المروزيُّ (¬3): قلتُ لأحمدَ: إنَّ يحيى بنَ معينٍ يقولُ: كلُّ عاصمٍ في الدنيا ضعيفٌ، فقالَ: ما أعلمُ في عاصمِ بنِ عليٍّ إلاّ خيراً، كانَ حديثُهُ صحيحاً))، وضَعّفهُ ابنُ معينٍ والنسائيُّ. وأوردَ له ابنُ عديٍّ أحاديثَ قليلةً عن شعبةَ، وقالَ: ((لا أعلمُ لهُ شيئاً منكراً إلاَّ هذه الأحاديثَ)) (¬4) انتهى. فيمكنُ حَملُ تضعيفِ مَنْ ضَعّفهُ على / 203ب / هذه الأحاديثِ خاصةً لكونهِ أخطأَ فيها، وهو معنى قولِ أحمدَ: ((ما أقلَّ خطأهُ!)). ¬

_ (¬1) هدي الساري: 391. (¬2) في جميع النسخ الخطية: ((فحرر)) برائين، وفي هدي الساري: ((فحزر)) بزاي ثم راء. (¬3) في (ف): ((المروذي)) بالذال المعجمة. (¬4) الكامل 6/ 409.

وعمرُو بنُ مرزوقٍ الباهليُّ أثنى عليهِ سليمانُ بنُ حربٍ، وأحمدُ بنُ حَنْبلٍ، قالَ ابنُ معينٍ: ((ثقةٌ مأمونٌ))، ووثّقهُ ابنُ سعدٍ، وقالَ ابنُ المدينيِّ: ((اتركوا حديثَهُ))، وعن يحيى بنِ سعيدٍ: أنَّهُ كانَ لا يرضاهُ. وقالَ الساجيُّ كانَ أبو الوليدِ يتكلّمُ فيهِ، وقالَ الدارقطنيُّ: كثيرُ الوهمِ. قالَ شيخُنا: ((لم يُخرجْ عنهُ البخاريُّ في الصحيحِ سوى حديثينِ مقروناً بغيرهِ في كلٍّ منهما)) (¬1). وأمّا تكذيبُ ابنِ معينٍ لسويدِ بنِ سعيدٍ فيحتمل أنْ يكونَ أرادَ بهِ مجرّدَ تخطئتهِ، أي: نقله ما لا يُطابقُ الواقعَ غير متعمدٍ، فإنَّهُم قد يطلقونَ الكذبَ على ذلكَ، وهو منْ إطلاقِ الاسمِ على جزءِ معناهُ بدلالةِ التضمن. قولهُ: (وقد تقدمَ نقلهُ) (¬2)، أي: في ذكرِ القولِ الثالثِ. وقولهُ: 279 - وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ ... مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ لو قالَ: وقدَّمْوا الجَرْحَ، وقيل: إنْ تجِدْ ... مَنْ عَدّلَ الأكثرَ قولهُ اعتمِد لكانَ أحسنَ. قولهُ (¬3): (ففيهِ ثلاثة أقوال) (¬4) لا بدَّ من التقييدِ بأنْ يكونَ الجرحُ مفسّراً. وأمّا إنْ كانَ مُبهماً، فإنَّهُ لا يُعارضُ التعديلَ. ¬

_ (¬1) هدي الساري: 412. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 344.

قولهُ: (مصدقٌ للمعدلِ) (¬1) ليسَ كذلكَ؛ فإنَّ مجرد الجرحِ لا يتضمنُ ذلكَ بل أكثر ما فيهِ أن يتضمنَ السكوتَ عن التعديلِ. قولهُ: 280 - وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ ... بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ) 281 - وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا: ... حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالاَ: 282 - جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ ... أُسَمِّ، لاَ يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ 283 - وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ ... مِنْ عَالِمٍ في حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ قولهُ: (بل / 204أ /لو قالا) (¬2) يُفهِمُ أنَّ الثاني أعلى منَ الأولِ كما هو مفَادُ ((بَلْ)) التي تُفتتَحُ بها الجملُ، قال الرضيُّ: ((وأما التي تليها الجملُ ففائدتها الانتقالُ منْ جملةٍ إلى أخرى أهمُّ منَ الأولى)). (¬3) انتهى. والأهميةُ هنا هي كونُ التعديلِ في الجملةِ الثانيةِ أرفعَ منه في الأولى، وليسَ الأمرُ كذلكَ هنا بل الأولُ أعلى (¬4) فإنَّهُ لا (¬5) يطرقهُ احتمالُ أن لا يكونَ المرادُ توثيقهُ، وأمّا إذا قالَ: جميعُ مَشايخي ثقاتٌ، ثم رَوَى عن شيخٍ ساكتاً عنْ توثيقِهِ بخصوصهِ، فإنَّهُ يطرقُهُ احتمالُ أن لا يكونَ أراد توثيقهُ؛ لكونهِ قالَ ذلك على سبيلِ الأغلبِ، أو لكونهِ ذاهلاً عما التزمَهُ مِنْ ذلكَ، أو طَرأَ لَهُ مَا غيّرَ الالتزامَ لأجلِهِ، ونحو ذلكَ. فلو قالَ الشيخُ: بدلَ قولهِ: (بل لو) أو أن، فقالَ: حدثني الثقةُ أو إن قالا، كانَ أحسنَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 345. (¬2) التبصرة والتذكرة (281). (¬3) شرح الكافية 2/ 379. (¬4) عبارة: ((بل الأول أعلى)) من (ف) فقط. (¬5) لم ترد في (ب).

قولهُ: (لم يردهُ) (¬1) قافيتُهُ (¬2) متداركٌ (¬3)، وقافيةُ ((قلدهُ)) متراكبٌ (¬4)، فلو قالَ: وبعضُ منْ حقق قال حَتم ... قبوله في حقِّ منْ يأتم (¬5) أو قالَ: واجبٌ في حقِّ منْ يصاحبُ. قولهُ: (من يحتجُ بالمرسلِ) (¬6)، أي: لأن الظنَّ يقعُ بأنَّ المرسلَ لو لم يكن ذلكَ الذي حذفهُ حجةً عندَهُ لما حَذفَهُ، فكأنّهُ بحذفهِ وثَّقهُ، وهذا أولى؛ لأنَّهُ صرّحَ بتوثيقهِ بخلافِ المرسلِ. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنَا أنّهُ وقعَ في عبارةِ ابنِ كثيرٍ أنّ: ((المبهمَ الذي لم يسمَّ، أو منْ سمي ولا تعرفُ عينُهُ لا يَقبلُ روايتَهُ أحدٌ عَلمناهُ، ولكنّهُ / 204ب / إذا كانَ في عصرِ التابعينَ، والقرونِ المشهودِ لها بالخيرِ فإنَّهُ يُستأنَسُ (¬7) بروايتهِ ويُستضَاءُ بها في مواطنَ، وقد وَقعَ في "مسندِ الإمامِ أحمدَ " وغيرِه منْ هذا القبيلِ كثيرٌ)) (¬8) انتهى. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (283). (¬2) القافية: هي من آخر البيت إلى أول ساكن يليه مع المتحرك الذي قبل الساكن، وقيل: هي آخر كلمة في البيت أجمع. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 149. (¬3) المتدارك: حرفان متحركان بين ساكنين. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 148. (¬4) المتراكب: ثلاثة أحرف متحركة بين ساكنين. انظر: الكافي في العروض والقوافي: 148. (¬5) في حاشية (أ) بيت شعر غير واضح نصه: وبعض من حقق قال واجب ... قبوله في حقّ من يصاحب (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346. (¬7) في (ف): ((ليستأنس)). (¬8) اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167، وفي النقل تصرف يسير.

قولهُ: (ريبةٌ توقعُ تردداً) (¬1)، أي: من جهةِ أنهُ يكونُ معتقداً؛ لأنَّهُ ثقةٌ، ويعرفُ أنهُ مجروحٌ عندَ غيرهِ فهو يُخفيهِ خوفاً منْ عدمِ قبولهِ إذا سمّاهُ، فيؤدي ذلك إلى ضياعِ ما حَمَلهُ عنهُ منَ الحديثِ، وهو يَعتقدُ أنّهُ مُصيبٌ في ثقتِهِ، وأنّ غيرَهُ مُخطىءٌ في جرحهِ. قولهُ: في الشرح (بل) تُفهمُ الانتقالَ كما سَلَفَ بالإضرابِ منْ أدنى إلى أعلى وهو مُسلّمٌ في الأولِ دونَ الثاني، وهو قولُهُ: ((بل زادَ الخطيبُ)) إلى آخرهِ، فإنَّهُ لا يشكُّ أن توثيقَ جميعِ المشايخِ على الإجمالِ يطرقُهُ منَ الاحتمالِ (¬2) مالا يطرقُ التوثيقَ للواحدِ المعينِ. قولهُ: (بخلافِ العدالةِ) (¬3) مُتعلّقٌ بـ ((نعرفه))، أي: بجوازِ أنْ نعرفَهُ بخلافِ العدالةِ إذا ذَكرهُ باسمهِ. قولهُ: (ابن أبي المخارقِ) (¬4) هو عبدُ الكريمِ بنُ أبي المخارقِ: قيسٌ (¬5)، ويقالُ: طارقٌ أبو أُميةَ المعلمُ البصريُّ (¬6)، قالَ معمرٌ: ((ما رأيتُ أيوبَ اغتابَ أحداً قطُّ إلاّ عبدَ الكريمِ أبا أميةَ فإنَّهُ ذَكرهُ، فقالَ: ((رحمه اللهُ، كانَ (¬7) غيرَ ثقةٍ، لقد سألني عن حديثٍ لعكرمةَ، ثم قالَ: سمعتُ عكرمةَ)) (¬8)، وقالَ عمرو بنُ عليٍّ: ((سألتُ عبدَ / 205أ / الرحمانِ عنْ حديثٍ منْ حديثهِ، فقالَ: دَعهُ، فلما قامَ ظننتُ أنّهُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346. (¬2) عبارة: ((يطرقه من الاحتمال)) لم ترد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 346 (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 347. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) في (ب): ((البصري المعلم)). (¬7) ((كان)) من (ف). (¬8) مقدمة صحيح مسلم: 21.

يحدّثني بهِ، فسألتُهُ، فقالَ: فأينَ التقوى؟)) (¬1)، وقالَ ابنُ عديٍّ (¬2): ((الضعفُ على رواياتهِ بيّنٌ))، وقالَ ابنُ حبانَ (¬3): ((كانَ كثيرَ الوهمِ، فاحشَ الخطأ، فلما كَثُرَ ذلكَ منهُ (¬4) بطلَ الاحتجاجُ بهِ))، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ (¬5): ((غَرَّ مالكاً سمتُهُ، ولم يكنْ منْ أهل بلدهِ، ولم يخرجْ عنهُ حكماً، إنّما ذكرَ عنهُ ترغيباً)) ونقلَ بعضهم أنَّ الشيخينِ أخرجا لهُ في كتابِ الحجِ (¬6)، وهو وهمٌ، إنما هو عبدُ الكريمِ الجزريُّ، وقال المزيُّ: ((إنَّ مسلماً رَوَى لَهُ في المتابعاتِ (¬7))) وُردَّ ذلكَ عليهِ، وقالَ الحافظُ المنذريُّ: ((لم يخرجْ له مسلمٌ شيئاً أصلاً لا متابعةً ولا غيرها وإنّما أخرجَ لعبدِ الكريمِ الجزريِّ)) (¬8) ماتَ سنةَ سبعٍ أو ستٍ وعشرينَ ومئةٍ (¬9). قولهُ: (أحدهما .. ) (¬10) إلى آخرهِ هذا القولُ هو الذي تقدّمَ آنفاً أنّ ابنَ الصباغِ حَكاهُ عن أبي حنيفةَ. قولهُ: (مخرمةَ بن بكير) (¬11) هو ابنُ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ، أبو المسورِ المدنيُّ، وهو صدوقٌ، وروايتُهُ عنْ أبيهِ وجادةً (¬12) من كتابهِ، وقالَ ابنُ المدينيِّ: ((سمعَ من ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل 6/ 76. (¬2) الكامل 7/ 37 و41 وعبارته: ((والضعف بين على كل ما يرويه)). (¬3) المجروحين 2/ 128. (¬4) ((منه)) من (ف) فقط. (¬5) التمهيد 20/ 65. (¬6) انظر: الجمع بين رجال الصحيحين لابن القيسراني 1/ 324. (¬7) تهذيب الكمال 4/ 543. (¬8) تهذيب التهذيب 6/ 332. (¬9) انظر: تهذيب الكمال 4/ 542. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 347. (¬11) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348. (¬12) جاء في حاشيةِ (أ): ((الوجادة: أن يجد بخط أحد شيئاً فيرويهِ ويقولُ: وجدتهُ بخطِ فلانٍ)).

أبيهِ قليلاً)) (¬1) ماتَ سنةَ تسعٍ وخمسينَ ومئةٍ (¬2). قولهُ: (فقيلَ: الثقةُ عبدُ اللهِ بن وهب) (¬3) هو (¬4) بخطِّ بعضِ أصحابِنا وقعَ عندَ مالكٍ: عنِ الثقةِ عندهُ، عن سليمانَ بنِ يسارٍ، في الزكاةِ (¬5)، قالَ شمسُ البِرماوي (¬6): ((وقالَ ابنُ وهبٍ: كلُّ ما في كتابِ مالكٍ: أخبرني منْ لا أتهمُ منْ أهل العلمِ فهو ليثُ بنُ سعدٍ)) (¬7). قولهُ: (فهو ابنُ أبي فديكٍ) (¬8) هو محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ مسلمِ بنِ أبي فُديكٍ - بالفاءِ مصغراً -، الديليُّ مولاهمُ المدنيُّ، أبو إسماعيلَ، صدوقٌ، ماتَ سنةَ مئتينِ، رَوَى لَهُ الجماعةُ (¬9). قولهُ: (فهو يحيى بن حسان) (¬10) يعني: التّنيسيَّ بكسرِ المثناةِ والنونِ الثقيلةِ، وسكونِ التحتانيةِ ثمَ مهملةٍ: أبو زكريا البكريُّ، أصلُهُ منَ البصرةِ، وهوَ ثقةٌ، رَوَى لَهُ ¬

_ (¬1) الكامل 8/ 178، وفي النقل تصرف يسير. (¬2) تقريب التهذيب (6526). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348. (¬4) كتب ناسخ (ف) في الحاشية: ((هنا بياض قيد سطرين)). (¬5) الموطأ (724) برواية الليثي. (¬6) هو محمد بن عبد الدائم بن موسى بن عبد الدائم، البِرماوي -بكسر أوله، نسبة إلى بِرمة وهي: بليدة ذات أسواق في كورة الغربية من أرض مصر- كان قائماً بنشر العلم تصنيفاً وإقراءاً، توفي سنة (831) هببيت المقدس. انظر: معجم البلدان 1/ 319، والضوء اللامع 7/ 280 - 282. (¬7) تاريخ بغداد 13/ 7، وفي النقل تصرف يسير، ونقل السيوطي في تدريب الراوي 1/ 312 النص كما هو هنا. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348. (¬9) تقريب التهذيب (5736). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة1/ 348.

الشيخانِ ماتَ سنةَ ثمانٍ ومئتين (¬1). قولهُ: (فهو أبو أسامة) (¬2) حمّادُ بنُ أسامةَ بنِ زيدٍ القرشيُّ مولاهم، الكوفيُّ، مشهورٌ بكنيتهِ، ثقةٌ ثَبتٌ رَوَى لهُ الجماعةُ، وربما دلّسَ، وكانَ بأخرةٍ يحدّثُ مِنْ كُتبِ غيرهِ، ماتَ سنةَ إحدى ومئتينِ (¬3). قولهُ: (فهو عمرو بن أبي سلمةَ) (¬4) يعني: التنيسيَّ، بفوقانيةٍ ثمّ نونٍ ثمّ تحتانيةٍ ثمّ مهملةٍ، أبو حفصٍ الدمشقيُّ، مولى بني هاشمٍ، أخرجَ لَهُ الجماعةُ، وهو صدوقٌ لَهُ أوهامٌ، ماتَ سنةَ ثلاثٍ وعشرينَ ومئتينِ أو بعدَها (¬5). قولهُ: (فهو مسلمُ بن خالدٍ) (¬6) هو المخزوميُّ مولاهم، المكيُّ، المعروفُ بالزنجيِّ، رَوَى لَهُ أبو داودَ، وابنُ ماجه، وهو فقيهٌ صدوقٌ / 206أ / كثيرُ الأوهامِ، ماتَ سنةَ تسعٍ وسبعينَ ومئةٍ أو بعدها (¬7). قولهُ: (فهو إبراهيم بن أبي يحيى) (¬8) هو إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي يحيى: سمعانَ الأسلميُّ مولاهم، أبو إسحاقَ المدنيُّ، متروكٌ، لم يروِ عنهُ منَ الستةِ إلاّ ابنُ ماجه، وماتَ سنةَ أربعٍ وثمانينَ ومئةٍ، وقيلَ: سنةَ إحدى وتسعينَ (¬9)، وقالَ بشرُ بنُ ¬

_ (¬1) تقريب التهذيب (7529). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 348. (¬3) تقريب التهذيب (1487). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬5) تقريب التهذيب (5043). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬7) تقريب التهذيب (6625). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬9) تقريب التهذيب (241).

المفضلِ: ((سألتُ فقهاءَ أهل المدينةِ عنهُ فكلّهم يقولُ: كذابٌ)) (¬1)، وقالَ عبدُ اللهِ بنُ أحمدَ عنْ أبيهِ: ((كانَ قدرياً معتزلياً جهمياً، كلُّ بلاءٍ فيهِ)) (¬2)، وقالَ الربيعُ: ((سمعتُ الشافعيَّ يقولُ: كانَ إبراهيمُ بنُ أبي يحيى قدرياً، قيلَ للربيعِ: فما حَملَ الشافعيَّ على أنْ رَوَى عنهُ قالَ: كانَ يقولُ: لأن يخرَّ إبراهيمُ منْ بُعدٍ أحبُّ إليهِ من أنْ يكذبَ وكانَ ثقةً في الحديثِ)) (¬3)، وقالَ أبو أحمدَ بنُ عديٍّ (¬4): ((سألتُ أحمدَ بنَ محمدِ بنِ سعيدٍ - يعني: ابنَ عقدةَ - (¬5) فقلتُ لهُ: تعلمُ أحداً أحسنَ القولِ في إبراهيمَ غيرُ الشافعيِّ؟ فقالَ: حدثنا أحمدُ بنُ يحيى الأزديُّ (¬6)، سمعتُ حمدانَ بنَ الأصبهانيِّ، قلتُ: أتدينُ بحديثِ إبراهيمَ بنِ أبي يحيى؟ قالَ: نَعَمْ، ثمّ قالَ لي أحمدُ بنُ محمدِ بنِ سعيدٍ: نظرتُ في حديثِ إبراهيمَ كثيراً، وليسَ بمنكرِ الحديثِ))، قالَ ابنُ عديٍّ: ((وهذا الذي قالهُ كما قالَ، وقد نظرتُ أنا أيضاً في حديثهِ الكثيرَ فلم أجد فيهِ منكراً / 206ب / إلاّ عنْ شيوخٍ يحتملونَ، وإنما يُروى المنكرُ منْ قِبَلِ الراوي عنهُ أو منْ قِبَلِ شيخهِ وهو في جملةِ من يكتبُ حديثهُ ولهُ الموطأ أضعافُ " موطأ مالكٍ ")) (¬7)، وقالَ عليُّ بنُ المدينيِّ: ((كذابٌ، وكانَ يقولُ بالقدرِ)) (¬8)، وقالَ ابنُ حبانَ (¬9): ((كانَ يرى القدرَ ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال 1/ 133. (¬2) تهذيب الكمال 1/ 133. (¬3) الكامل 1/ 357. (¬4) الكامل 1/ 357 - 358. (¬5) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬6) كذا في جميع النسخ الخطية والذي في المطبوع من الكامل: ((أحمد بن يحيى الأودي))، وكذلك ذكره البخاري في التأريخ الصغير 2/ 303، ولم نقف على ترجمة لأحمد بن يحيى الأزدي، ولعل الخطأ من البقاعي نفسه، والله أعلم. (¬7) الكامل 1/ 358، وفي النقل اختصار. (¬8) سؤالات محمد بن عثمان بن أبي شيبة لعلي بن المديني: 124. (¬9) المجروحين 1/ 102.

ويذهبُ إلى كلامِ جهمٍ، ويكذبُ في الحديثِ)) إلى أنْ قالَ: ((وأما الشافعيُّ فإنَّهُ كانَ يجالسُ إبراهيم في حداثتهِ ويحفظُ عنهُ، فلما دخلَ مصر في آخرِ عمرهِ وأخذ يصنفُ الكتبَ احتاجَ إلى الأخبارِ ولم تكن كتبهُ معهُ، فأكثرُ (¬1) ما أُودِعَ في الكتبِ فمن حفظهِ، وربما كنّى عن اسمهِ))، وقالَ العقيليُّ (¬2): ((قالَ إبراهيمُ بنُ سعدٍ: كُنا نُسمّي إبراهيمَ بنَ أبي يحيى ونحنُ نطلبُ الحديثَ خرافةً))، وقالَ عبدُ الغني بنُ سعيدٍ المصريُّ: ((هو إبراهيمُ بنُ محمدِ بنِ أبي عطاء الذي حدّثَ عنهُ ابنُ جريجٍ، وهو عبدُ الوهابِ الذي يحدّثُ عنهُ مروانُ بن معاوية، وهو أبو الذئبِ الذي يحدثُ عنهُ ابن جريجِ)) (¬3) (¬4)، وقال العجليُّ: ((كانَ قدرياً معتزلياً رافضياً، وكانَ منْ أحفظِ الناسِ، وكانَ قد سمعَ علماً كثيراً)) (¬5)، وقالَ البزارُ: ((كانَ يضعُ الحديثَ، وكانَ توضعُ لهُ مسائلُ فيضعُ لها إسناداً، وكانَ قدرياً (¬6)، وهو منْ أستاذِيّ الشافعيّ وعزَّ علينا))، وقالَ الشافعيُّ في كتابِ " اختلافِ الحديثِ ": ابنُ أبي يحيى أحفظُ منِ الدراورديِّ (¬7)، وقال إسحاقُ بنُ راهويه: ((ما رأيت أحداً يحتجُّ بابنِ أبي يحيى مثلَ الشافعيِّ، قلتُ للشافعيِّ: وفي الدنيا أحدٌ يحتجُّ بإبراهيمَ / 207أ / بنِ أبي يحيى!)) (¬8)، ورأيتُ بخطِّ بعضِ الآخذينَ عن شيخِنا منْ أصحابِنا: أنَّ في " مسندِ الشافعيِّ " إذا قالَ أخبرني الثقةُ فهو يحيى بنُ حسانَ (¬9)، وإذا قالَ: أخبرني منْ لا ¬

_ (¬1) في (ب): ((قلما كثر)). (¬2) الضعفاء الكبير 1/ 62. (¬3) تهذيب التهذيب 1/ 144. (¬4) من قوله: ((وهو عبد الوهاب ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬5) تهذيب التهذيب 1/ 144. (¬6) من قوله: ((رافضياً، وكان من أحفظ ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) اختلاف الحديث: 178. (¬8) تهذيب التهذيب 1/ 144 - 145. (¬9) في جميع النسخ: ((يحيى بن أبي حسان)) وهذا خطأ.

أتهمُ، فهو إبراهيمُ بنُ أبي يحيى، وقالَ: قالَ شيخنا: يوجدُ في كلامِ الشافعيِّ، أخبرني الثقةُ، عنْ يحيى بنِ كثيرٍ، والشافعيّ لم يأخذْ عنْ أحدٍ ممنْ أدركَ يحيى بنَ كثيرٍ فيحتملُ أنَّهُ أرادَ بسندهِ إلى يحيى، قالَ: وذكرَ عبد اللهِ بن أحمد (¬1): أنَّ الشافعيّ إذا قالَ: أخبرنا الثقةُ، وذكرَ أحداً منَ العراقيينَ فهو يعني: أباه (¬2). انتهى. قالَ: ثمّ رأيتُ في " منتخبِ تاريخِ ابنِ عساكرَ " للذهبيِّ بخطِّهِ: قالَ عبدُ اللهِ: كلُّ شيءٍ في كتابِ الشافعيِّ: أخبرنا الثقةُ، فهو عن أبي، رواها ابنُ أبي حاتمٍ عنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ كتابةً. انتهى ما وجدتُ بخطِّ صاحبِنا. قولهُ: (ولم يروا فتياهُ) (¬3). قولهُ: (ولم يَرَوا فتيا العالمِ على وفقِ حديثٍ، حكماً منهُ بصحةِ ذلكَ الحديثِ) (¬4) قالَ ابنُ كثيرٍ في " مختصرِ ابنِ الصلاحِ ": ((فيهِ نظرٌ إذا لم يكنْ في البابِ غيرُ ذلكَ الحديثِ إذا (¬5) تعرّضَ للاحتجاجِ بهِ في فتياه أو حكمهِ و (¬6) استشهدَ بهِ عندَ العملِ بمقتضاهُ)). (¬7) انتهى. وهو ظاهرٌ في أنَّ ذلكَ حكمٌ منه بكونهِ محتجاً بهِ أعمَ منْ أنْ يكونَ صحيحاً أو حسناً، ولا يقدحُ في ذلكَ احتمالُ أنْ يكونَ لذلكَ دليلٌ آخر منْ قياسٍ أو إجماعٍ تركَ ذكره وذكرَ هذا على سبيلِ الاستئناسِ بهِ؛ لأنَّ ذلكَ احتمالٌ ضعيفٌ، فإنَّ المسألةَ مفروضةٌ فيما إذا صرّحَ باحتجاجهِ بالحديثِ، لكنْ لا بدَّ أنْ يكونَ ذلكَ العالمُ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: أحمد بن حنبل)). (¬2) تدريب الراوي 1/ 314. (¬3) التبصرة والتذكرة (284). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬5) في اختصار علوم الحديث: ((أو)). (¬6) في اختصار علوم الحديث: ((أو)). (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 291 وبتحقيقي: 166.

/ 207ب /ممنْ لا يَرى العملَ بالحديثِ الضعيفِ مقدّماً على القياسِ، كما تقدّمَ حكايةُ ذلكَ (¬1) عنْ أبي داود تبعاً للإمامِ أحمدَ، قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((وحملَ بعضهم هذا على أنَّهُ أريدَ بالضعيفِ هنا - أي: في قولِ أحمدَ وأبي داودَ أنّهُ مقدّمٌ على رأي الرجالِ - الحديثُ الحسنُ)) (¬2) أي: فإنَّهُ دونَ الصحيحِ فهوَ ضعيفٌ بالنسبةِ إليه ضعفاً لغوياً قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وليست مخالفتهُ - أي: مخالفةُ العالمِ - للحديثِ ليستْ قدحاً في صحتهِ، ولا في راويهِ)) (¬3). قالَ بعضُ أصحابِنا: ونقلَ ابنُ كثيرٍ عبارةَ ابنِ الحاجبِ (¬4): ((أنَّ حكمَ الحاكمِ المشترطِ العدالةَ بالشهادةِ (¬5) تعديلٌ باتفاقٍ، وأما إعراضُ العالمِ عنِ الحديثِ المعينِ بعدَ العلمِ بهِ فليسَ قادحاً في الحديثِ باتفاقٍ؛ لأنَّهُ قد يعدلُ عنهُ لمعارضٍ أرجحَ عندَهُ منِ (¬6) اعتقادِهِ صحتَهُ)) (¬7). قولهُ: (الثاني: أنه تعديلٌ) (¬8) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وقالَ بعضُ أهلِ الحديثِ، وبعضُ أصحابِ الشافعيِّ: يجعلُ ذلكَ تعديلاً منهُ؛ لأنّ ذلكَ يتضمنُ التعديلَ)). (¬9) انتهى. ¬

_ (¬1) ((ذلك)) من (ف) فقط. (¬2) التقييد والإيضاح: 145. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 223. (¬4) منتهى الوصول والأمل 2/ 66. (¬5) عبارة: ((بالشهادة)) لم ترد في (ف)، وهي غير واردة في منتهى الوصول ولا في اختصار علوم الحديث. (¬6) في اختصار علوم الحديث: ((مع)). (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 292 وبتحقيقي: 166. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 222، أقول: هذا مذهب الحنفية، وإحدى الروايتين عن أحمد، وفي النقل عن الشافعيّ خلاف، ونسبه الشيرازي إلى بعض أصحاب الشافعيّ، وهو اختيار الآمدي، ونقلهُ الإسنوي عن ابن الحاجب. انظر: الكفاية (150 ت، 89هـ‍)، واللمع: 47، والتبصرة في أصول الفقهِ: 339، وإحكام الأحكام 2/ 80، ونهاية السول 3/ 48، ودراسات في الجرح والتعديل: 209.

وعبارةُ ابن حبانَ تنطبقُ على هذا بلْ على أعمِّ منهُ، فإنَّهُ قال - فيما نقلَ عنْ خطِّ شيخِنا -: ((العدلُ منْ لمْ يتقدّمهُ الجرحُ إذ الجرحُ ضدُّ التعديلِ، فمَنْ لم يُعرفْ بجرحٍ فهو عدلٌ حتى يتبيّنَ ضدُّهُ)) (¬1). قولهُ: (تعريفٌ لهُ) (¬2)، أي: مطلقُ تعريفٍ حتى كأنّهُ قالَ: في الناسِ شخصٌ يُسمّى بكذا حدّثني بكذا، وأمّا التعديلُ فلا بدّ أنْ يُعرفَ فيهِ أنّهُ اختبرَ حالهُ اختباراً / 208أ / يكونُ مثلهُ صالحاً لأنْ يعرفَ بهِ (¬3) بواطنَ أمورهِ، ولم يرَ منها إلاّ حسناً جميلاً. قولهُ: (بل ولو عدلهُ) (¬4) إلى آخرهِ، غيرُ منتظمٍ معَ ما قبلَهُ، فإنَّ الأولَ: في أنَّ مجرّدَ الروايةِ عنِ المبهمِ لا يكونُ تعديلاً، والثاني: في أنَّ تعديلَ المبهمِ لا يقبلُ؛ فالمحكومُ عليهِ وبهِ في كلٍّ منهما غيرُ ما في الآخرِ، وهو واضحٌ، ومرادُ الشيخِ -رحمهُ اللهِ -: أنّهُ إذا كان التصريحُ بتعديلهِ لم ينفعهُ كانَ الاقتصارُ على الروايةِ عنهُ أولى بأنْ لا ينفعَهُ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (واختلفوا هل يقبلُ المجهولُ) (¬5). قولهُ: (خبرةُ بعضٍ) (¬6) هو مبتدأٌ ضميرهُ (¬7) فاعلُ ((تعذرت))، التقدير: في كتبٍ من الحديثِ مشهورةٍ تعذرتْ خبرةُ بعضِ منْ ذكرَ فيها من الرواةِ في باطنِ الأمرِ. ¬

_ (¬1) الثقات 1/ 13، بتصرف يسير. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 349. (¬3) ((به)) لم ترد في (ف). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350. (¬5) التبصرة والتذكرة (286). (¬6) التبصرة والتذكرة (292). (¬7) عبارة: ((مبتدأ ضميره)) لم ترد في (ف).

قولهُ: (مستوراً) (¬1) منصوبٌ بنزعِ الخافضِ أو يُضمنُ (¬2) ((يَشْهَرُ)) معنى يُسمّي ويكونُ مفعولاً ثانياً لهُ. قولهُ: (منْ لم يرو عنهُ إلاّ راوٍ واحدٌ) (¬3)، أي: وسماهُ ذلكَ الراوي، وحكمهُ حكمُ المبهمِ الذي لم يسمَّ، وإنما جعلَ مثلَ هذا مجهولَ العينِ؛ لأنَّهُ لما كانَ مبنى الدّينِ على الاحتياطِ والتحرّي، عدَّ تعريفَ الواحدِ الذي لم يتأيّدْ بغيرهِ عدماً؛ لأنَّ الشياطينَ أعداءُ الدينِ، ولهم قوةُ التشكّلِ، فيحتملُ أنْ يكونَ هذا الذي حدّثهُ شيطاناً. قولهُ: (إنّهُ لا يقبل) (¬4)، أي: ولو كانَ الراوي عنهُ لا يروي إلاّ عنْ ثقةٍ لتلكَ الاحتمالاتِ التي تخصُّ منْ يقولُ: كلُّ منْ أروي عنهُ ثقةٌ. قولهُ: (على الإسلام) (¬5) هذا مُسلّمٌ فيمن ثبتَ إسلامهُ وأمّا / 208ب / هذا فأنّى لهُ بذلكَ؛ لأنَّهُ عُدَّ (¬6) مجهولَ العينِ، والإسلامُ حالٌ من أحوالهِ، ومعرفةُ الحالِ فرعُ معرفةِ العينِ. قولهُ: (واكتفينا (¬7) في التعديلِ بواحد) (¬8)، أي: كما سبقَ أنّهُ الصحيحُ لكنَّ الصحيحَ: أنَّ هذا ليسَ بتعديلٍ؛ لأنَّهُ ليسَ صريحاً فيهِ؛ لما يطرقهُ منَ الاحتمالاتِ التي قدّمتها. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (293). (¬2) في (ف): ((تضمن)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 350. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬6) في (ب): ((هذا عدل))، وفي (أ) بياض قبل ((عدّ)). (¬7) هكذا هي في (ف)، وشرح التبصرة والتذكرة، وفي باقي النسخ: ((اكتفينا)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351.

قولهُ: (مشهوراً في غيرِ (¬1) العلمِ بالزهدِ والنجدةِ) (¬2) أي: ونحو ذلكَ، فإدخالُ (¬3) هذا القولِ في هذه المسألةِ عجيبٌ؛ فإنَّهُا مفروضةٌ فيمن لم يرو عنهُ مطلقاً إلاّ راوٍ واحد، والمشهورُ بحالٍ من الأحوالِ لا بدَّ منْ (¬4) أنْ يكونَ رَوَى عنهُ تلكَ الحالَ منْ بلغوا الكثرةَ التي تصيّرُهُ في عدادِ المشهورينَ فلا يكونُ حينئذٍ مجهولَ العينِ، ثمّ نقولُ: إنْ كانَ في حالهِ التي اشتهرَ بها ما يتضمنُ العدالةَ فقد زالتْ عنهُ جهالةُ الحالِ أيضاً، وانطبقَ عليهِ قولهُ فيما تقدّمَ: ((وصحّحوا استغناءَ ذي الشهرةِ عن تزكيةٍ)) وإلاَّ فهوَ مجهولُ الحالِ، وسيأتي في ردّهِ لمنْ قالَ: إنَّ مرداساً وربيعةَ الأسلميينِ مجهولانِ ما يؤيدُ هذا من أنَّ الشهرةَ تزيلُ الجهالةَ. قولهُ: (وهو اختيارُ أبي الحسنِ بن القطانِ) (¬5) وهو الذي صحّحهُ شيخُنا (¬6) تلميذُ المصنّفِ، بل وصحّحَ قبولَهُ أيضاً إذا كانَ الراوي عنهُ هو المعدّلُ له، وهو الحقُّ؛ لأنَّهُ تقدّمَ أنَّ الصحيحَ الاكتفاءُ في التعديلِ بواحدٍ، ولم يفرّقوا هناكَ بينَ المجهولِ وغيرهِ. قولهُ: (ومَنْ لم يُعرفْ) (¬7) عبارتهُ في " النكتِ " نقلاً عن الخطيبِ (¬8): ((ولا عَرَفهُ العلماءُ بهِ ولم يعرفْ حديثهُ)) (¬9) فأَسقطَ ((مَن)) وهو أحسنُ. ¬

_ (¬1) سقطت من (أ). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬3) في (ب) و (ف): ((وإدخال)). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351، وانظر: بيان الوهم والإيهام 4/ 20 عقب (1438). (¬6) في نزهة النظر: 135 (طبعة الحلبي): ((فإن سمي الراوي وانفرد راوٍ واحد بالروايةِ عنه فهو مجهول العين كالمبهم، فلا يقبل حديثهُ إلا أنْ يوثقه غير من ينفرد عنه على الأصح، وكذا من ينفرد عنه إذا كان متأهلاً لذلك)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬8) الكفاية (149 - 150 ت، 88 هـ‍)، و ((من)) موجودة. (¬9) التقييد والإيضاح: 146.

قولهُ: (عمرو ذي مرٍّ) (¬1) ذُو مُرٍّ / 209أ /: كأنَّهُ لقبٌ لهُ، وهوَ ((ذو)) الذي بمعنى صاحبٍ، و ((مُر)) بضمِ الميمِ وتشديدِ الراءِ. قالَ شيخُنا في "التقريبِ": ((عمرو ذو مُرٍّ الهمدانيُّ، الكوفيُّ، مجهولٌ، من الطبقةِ الثالثةِ)) (¬2). وقالَ في أصلهِ " تهذيبِ التهذيب " عنْ علي في قصةِ غديرِ خمٍّ (¬3): ((وعنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ وحدَهُ، قالَ البخاريُّ: لا يعرفُ، وقالَ ابنُ عديٍّ: هو في جملةِ مشايخِ أبي إسحاقَ المجهولينَ الذينَ لا يحدِّثُ عنهم غيرُهُ، قالَ شيخُنا: وقال البخاريُّ: فيهِ نظرٌ، وقال مسلمٌ، وأبو حاتمٍ: لم يروِ عنهُ غيرُ أبي إسحاقَ، وقالَ ابنُ حبانَ: في حديثهِ مناكيرُ، وقالَ العجليُّ: تابعيٌ ثقةٌ)) (¬4). قولهُ: (وجَبّارُ الطائيُّ) (¬5) قال شيخُنا في " لسانِ الميزانِ": ((جبارُ بنُ فلانٍ الطائيُّ، عنْ أبي موسى (¬6)، ضعّفهُ الأزديُّ، انتهى، وقالَ ابن أبي حاتمٍ: جبارُ بن القاسمِ الطائيُّ، رَوَى عن ابنِ عباسٍ، رَوَى عنهُ أبو إسحاقَ، ولم يذكرْ فيهِ جرحاً، وكذا ذَكَرهُ ابنُ حبان في " الثقاتِ " بروايتهِ عن ابنِ عباسٍ، وكذا ذَكرَهُ البخاريُّ في التاريخِ؛ فينظرُ من أينَ للمؤلفِ أنهُ يروي عن أبي موسى الأشعريِّ، ثم وجدتهُ (¬7) تَبعَ في ذَلِكَ ابنَ الجوزيِّ، وابنُ الجوزيِّ تبعَ الأزديَّ، والأزديُّ صحّفهُ، فقالَ: جَنَان ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬2) تقريب التهذيب (5142). (¬3) هو بين مكة والمدينة، على ثلاثة أميال من الجحفة، وقيل: على ميل، وهناك مسجد للنبي - صلى الله عليه وسلم -. مراصد الاطلاع 1/ 482. (¬4) تهذيب التهذيب 8/ 120 - 121، وانظر: المجروحين 2/ 33. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬6) عبارة: ((عن أبي موسى)) تحرفت في (ف) إلى: ((عن أبي إسحاق رضي الله عنه)). (¬7) جاء في حاشية (أ): ((ابن حجر)).

بنونينِ، وقد ذَكرهُ الذهبيُ في " المشتبهِ " في جبّار، بموحدةٍ ثقيلةٍ وآخرهُ راءٌ وهذا هوَ الصواب ُ- (¬1) وذكرهُ النَّباتيُّ (¬2) في "الحافلِ" تبعاً للأزديِّ، ولم ينبه على تصحيفهِ، وأوردَ لهُ من طريقِ الثوريِّ، عن أبي إسحاقَ، عن أبي موسى، رفعهُ: ((إذا كانَ يومُ القيامةِ كنتُ أنا / 209ب / وعليٌّ وفاطمةُ والحسنُ والحسينُ في قبةٍ تحتَ العرشِ)) (¬3))) (¬4)، انتهى. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا ما صورتَهُ: ححبارُ الطائي، وعلّم تحتَ أولهِ علامة الحاءِ المهملةِ، ثم قالَ: بالجيمِ عند الدارقطنيِّ (¬5). قولهُ: (وعبد الله بن أعزّ) (¬6) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((فرقَ الخطيبُ بينهُ وبين مالك بن أعزّ، أي: الآتي، وكلاهما بالعينِ المهملةِ والزاي، وجعلهما ابنُ ماكولا في "الإكمالِ" (¬7) واحداً، وأنهُ اختلف اسمهُ على أبي إسحاق، فالله أعلم)) (¬8). ¬

_ (¬1) مابين الشارحتين جملة اعتراضية توضيحية من البقاعي. (¬2) هو الإمام الفقيه الحافظ الطبيب أبو العباس، أحمد بن محمد بن مُفرج الإشبيلي الأموي، مولاهم، الحزمي الظاهري، كان بصيراً بالحديث ورجاله، توفي سنة (637) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 58 - 59. (¬3) هذا الحديث ذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 9/ 174، وقال عنه: ((رواه الطبراني، وفيه جبار الطائي، ولم أعرفه)) وقد تحرف ((جبار)) في طبعة دار الكتاب العربي إلى: ((حيان))، وفي طبعة دار الريان للتراث تحرف إلى: ((حبان)). (¬4) لسان الميزان 2/ 94. (¬5) المؤتلف والمختلف 1/ 402. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351. (¬7) الإكمال1/ 101. (¬8) التقييد والإيضاح: 147.

قولهُ: (والهيثمُ بن حنشٍ) (¬1) يعني: بمهملةٍ، ثمَّ نونٍ، ثم معجمةٍ، قال شيخُنا في " لسانِ الميزانِ ": ((قال الخطيبُ في " الكفايةِ " (¬2): لم يروِ عنه غيرُ أبي إسحاقَ السبيعيِّ)) (¬3). انتهى. وغَفلَ عما ذَكرَ الشيخُ هنا أنَّهُ رَوَى عنه أيضاً سلمةُ ابنُ كهيلٍ (¬4) كما قالَ أبو حاتمٍ (¬5). قولهُ: (ومالك بن أعزّ) (¬6) قالَ في " لسانِ الميزانِ ": ((عنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ قالهُ في " الكفايةِ " (¬7)، قالَ: وذَكرَهُ عليُّ بن المدينيِّ في شيوخِ أبي إسحاقَ الذين لا يُعرفونَ)) (¬8). قولهُ: (وسعيد بن ذي حُدّانَ) (¬9) قال شيخُنا في " التقريبِ ": ((بضمِّ المهملةِ، وتشديدِ الدالِ، - أي: المهملةِ - كوفيٌّ مجهولٌ منَ الثالثةِ)) (¬10)، أي (¬11): ممن تُوفي بعدَ المئةِ من الهجرةِ وهوَ من الطبقةِ الوسطَى من التابعينَ، وقالَ في " التهذيبِ": ((كوفيٌّ رَوَى عن سهلِ بن حنيفٍ، وعليِّ، وقيلَ عن من سمعَ علياً، وعنْ علقمةَ، وعنهُ أبو إسحاق السبيعيُّ ذكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ" (¬12) وقالَ: ربما ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 351 - 352. (¬2) الكفاية (149 ت، 88هـ‍). (¬3) لسان الميزان 6/ 205. (¬4) في (ب): ((سهيل)) خطأ. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352، وانظر: الجرح والتعديل 9/ 79. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬7) الكفاية (149ت، 88هـ‍). (¬8) لسان الميزان 5/ 3. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬10) تقريب التهذيب (2300). (¬11) في (ب): ((أو)). (¬12) الثقات 4/ 282.

أَخطأَ، قالَ (¬1): وقالَ ابنُ المدينيِّ في حديثهِ عن سهلِ بنِ حُنيفٍ في جَعلِ الحجِّ عمرةً: لا أدري سمعَ منْ سهلِ بن حُنيفٍ أم لا؟ / 210أ / وهو رجلٌ مجهولٌ، لا أعلمُ أحداً رَوَى عنهُ إلا أبا إسحاقَ)) (¬2). قولهُ: (وقَيسُ بن كُرْكُم) (¬3)، قالَ في (¬4) " لسانِ الميزانِ ": ((الأحدبُ المخزوميُّ الكوفيُّ، قالَ الخطيبُ (¬5): تفرّدَ عنهُ أبو إسحاقَ، انتهى، وقالَ الأزديُّ: ليسَ بذاكَ لا أحفظُ لهُ حديثاً مسنداً)) (¬6). قولهُ: (خَمْر بن مَالكٍ) (¬7)، قالَ شيخُنا في "رجالِ الأئمةِ الأربعةِ" ممن (¬8) رُقمَ لهُ علامةُ الإمامِ أحمد: ((خُمير بن مالكِ - يعني: بمعجمةٍ مصغرٌ - ويقال: خَمرُ الهمدانيُّ الكوفيُّ، عنْ عليٍّ وابنِ مسعودٍ - رضي اللهُ عنهما - (¬9) وعنهُ أبو إسحاقَ السبيعيُّ وعبدُ الله بنُ قيسٍ (¬10)، وثّقهُ ابنُ حبان (¬11)، وقالَ ابنُ سعدٍ: ((لهُ حديثانِ)) (¬12) خُميرُ بنُ مالكٍ الكلاعيُّ الحميريُّ عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو - رضي الله ¬

_ (¬1) أي: ابن حجر. (¬2) تهذيب التهذيب 4/ 26. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) الكفاية (149ت، 88هـ‍). (¬6) لسان الميزان4/ 479. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬8) في (ف): ((فيمن)). (¬9) ((رضي الله عنهما)) لم ترد في (ب). (¬10) عند البخاري في " التاريخ الكبير " 3/ 194، وعند ابن حبان في "الثقات" 4/ 214: ((عبد الله بن عيسى))، وعند ابن حجر في " تعجيل المنفعة ": 118: ((عبد الله بن قيس)). (¬11) الثقات 4/ 214. (¬12) الطبقات 6/ 216.

عنهما - (¬1)، عِدادُهُ في المصريينَ قالَهُ الدارقطنيُّ (¬2)، قالَ شيخُنا: ولا يبعدُ أنْ يكونَ هو الذي قبلَهُ)) (¬3). ورَقَمَ لهذا تمييزاً. قولهُ: (و (¬4) مثلُ سمعانَ بن مُشنَّجٍ) (¬5)، قالَ في " التقريبِ ": ((بمعجمةٍ ونونٍ ثقيلةٍ)) (¬6) قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬7): ((مفتوحةٍ ثم جيمٍ))، وقيلَ: مُشَمرِج كوفيٌّ صدوقٌ من الثالثةِ (¬8)، أي: ممنْ تُوفيَ بعدَ المئةِ وهوَ منْ أوساطِ التابعينَ، وقالَ في " التهذيبِ ": ((العمريُّ، ويقالُ: العبديُّ الكوفيُّ، رَوَى عن سمرةَ بن جُندبٍ - رضي الله عنه - (¬9)، وعنهُ الشعبيُّ، قالَ البخاريُ: ((لا نعرفُ لسمعانَ سماعاً منْ سمرةَ، ولا للشعبيِّ سماعاً منهُ)) (¬10) وذَكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " (¬11)، وقالَ ابنُ مَاكُولا: ثقةٌ ليسَ لهُ غيرُ / 210ب / حديثٍ واحدٍ رواهُ أبو داودَ (¬12) والنسائيُّ (¬13)، وهوَ: أنَّ ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) المؤتلف والمختلف: 2/ 672. (¬3) تعجيل المنفعة: 118. (¬4) الواو لن ترد في (أ) و (ب). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬6) " التقريب " (2632). (¬7) انظر: التقييد والإيضاح: 147. (¬8) " التقريب " (2632). (¬9) لم ترد في (ب). (¬10) " التاريخ الكبير " 4/ 175. (¬11) " الثقات " 4/ 345. (¬12) في " سننه " (3341). (¬13) في " المجتبى " 7/ 315.

الميتَ مأسورٌ بدينِهِ (¬1)، قالَ شيخُنا: وقالَ العجليُّ: كوفيٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وقالَ الخطيبُ في " رافعِ الارتياب ": وَهِمَ فيهِ الجراحُ بن مليحٍ فقالَ: المشنّجُ بنُ سمعانَ)) (¬2). قولهُ: (والهَزْهَاز بن مَيزن) (¬3) لم أجدْهُ، وقولُ الشيخِ بعدَ ذلكَ: ((ولعلَ بعضهُم أمالَهُ)) (¬4) ذَكرَ في " النكتِ على ابنِ الصلاحِ ": أنَّ ابنَ الصلاحِ تَبعَ الخطيبَ في تسميةِ أبيهِ مَيزناً بالياءِ التحتانيةِ، ثم قالَ: ((والذي ذَكرَهُ ابنُ أبي حاتمٍ في كتابِ " الجرحِ والتعديلِ " (¬5) أنَّه مازِنٌ - بالألفِ - وفي بعضِ النُسخِ بالياءِ، ولعلَ بعضَهم أمالَهُ في اللفظِ فكتبَ بالياءِ، واللهُ أعلمُ)) (¬6). قولهُ: (ومثلُ: بَكرِ بنِ قِروَاشٍ) (¬7)، قالَ في " اللسانِ ": ((عنْ سعدِ بنِ مالكٍ - رضي الله عنه - (¬8)، لا يعرفُ، والحديثُ منكرٌ، رَوَى عنهُ أبو الطفيلِ - رضي الله عنه - (¬9)، قالَ ابنُ المدينيِّ: لم أسمعْ بذكرهِ إلا في هذا الحديثِ يعني: في ¬

_ (¬1) لفظ الحديث كما عند أبي داود في " السنن " (3341): ((عن الشعبي، عن سمعان، عن سمرة، قال: خطبنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ فلم يُجبه أحد، ثم قال: هاهنا أحدٌ من بني فُلان؟ فلم يجبه أحدٌ، ثم قال: هاهنا أحدٌ من بني فلان؟ فقام رجلٌ، فقال: أنا يا رسول الله، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منعك أن تجيبني في المرتين الأوَليَيْن، أما إني لم أنَوّه بكم إلا خيراً، إن صاحبكم مأسور بدينه))، فلقد رأيته أدى عنه حتى ما بقي أحد يطلبه بشيء)). والحديث صححه العلامة الألباني في " أحكام الجنائز ": 15. (¬2) " تهذيب التهذيب " 4/ 237 - 238. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬5) " الجرح والتعديل " 9/ 122. (¬6) " التقييد والإيضاح ": 146. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353. (¬8) لم ترد في (ب). (¬9) لم ترد في (ب).

[ذكرِ] (¬1) ذي الثُديةِ (¬2)، انتهى، قالَ: وكنتُ أظنُّ أن أبا الطفيلِ شيخهُ، وهو بينهُ وبينَ سعدٍ، وأما الذي يروي ذلكَ الحديثَ فقتادةُ، كذا ذكرهُ ابن حبان في " الثقاتِ " (¬3) ثم تبينَ أن الذي في كتابِ ابنِ حبانَ خطأٌ، والصوابُ ما في الأصلِ فقد ذَكرَ ابنُ المديني أنَّهُ لا راويَ له سوى أبي الطفيلِ، وقالَ ابنُ عديٍّ: ((ما أقلَّ مَا لهُ من الرواياتِ!)) (¬4) وروايةُ أبي الطفيلِ عنهُ منْ روايةِ الصحابةِ عن التابعينَ / 211أ / وقد ذَكَرهُ بعضُهم في الصحابةِ، فإنْ صحَّ فهي مِنَ الأقرانِ)). (¬5) انتهى. وأغفلَ ما قالَ الشيخُ في هذا الشرحِ أنَّهُ رَوَى عنهُ أيضاً قتادةُ (¬6)، وقالَ (¬7) في " النكتِ " (¬8) كما ذَكَرهُ البخاريُّ في " التاريخِ الكبيرِ " (¬9). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين من " لسان الميزان ". (¬2) الحديث هو: عن بكر بن قرواش، عن سعد بن أبي وقاص، قال: ((ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذا الثُّدَيَّةِ، فقال: شيطان الرَّدْهَةِ، راعي الجبل - أو راعي للجبل - يحتدره رجلٌ من بَجيلة، يُقال له: الأشهب - أو ابن الأشهب - علامةٌ في قومٍ ظَلَمةٍ)). أخرجه: الحميدي (74)، وأحمد 1/ 179 من طريق أبي الطفيل، عن بكر بن قرواش، به. والحديث ضعَّفه العلامة الألباني في " ضعيف الجامع الصغير " (3422). (¬3) " الثقات " 4/ 75. (¬4) " الكامل " 2/ 195. (¬5) " لسان الميزان " 2/ 56. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353. (¬7) في (ف): ((قال)). (¬8) " التقييد والإيضاح ": 147. (¬9) " التاريخ الكبير " 2/ 94.

قولهُ: (وحَلاّم بن جَزْلٍ) (¬1) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((بفتحِ الحاءِ المهملةِ وتشديدِ اللامِ وآخرُهُ ميمٌ (¬2))) (¬3). قولهُ: (عامرُ بن واثلة) (¬4) قالَ ابنُ عبدِ البرِّ في أبي الطفيلِ من الكنى: ((الكنانيُّ، وقيلَ: عَمرُو بنُ واثلةَ، قالهُ معمرٌ، والأولُ أكثرُ وأشهرُ وهوَ عامرُ بنُ واثلةَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عَمرِو بنِ جَحشِ بنِ جُريِّ بنِ سَعدٍ بن ليثِ بنِ بَكرٍ بنِ عَبدِ مناةَ بنِ (¬5) عليِّ بنِ كنانةَ، وقالَ: الليثيُّ المكيُّ وُلِدَ عامَ أُحُدٍ، وأدركَ منْ حياةِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ثمان سنينَ، نَزلَ الكوفةَ وصَحبَ علياً - رضي الله عنه - في مشاهدِهِ كلِّها، فلمَّا قُتِلَ عليٌّ - رضي الله عنه - انصرفَ إلى مكةَ، فأقامَ بها حتى ماتَ سنةَ مئةٍ، ويقالُ: إنَّهُ آخرُ مَن ماتَ ممن رَأَى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، ثم قالَ: وكانَ شاعراً محسناً وهو القائلُ: أيدعونَني شيخاً وقد عشتُ حقبةً ... وهنَّ منَ الأزواجِ نحوي نَوازعُ وما شابَ رأسي منْ سنينَ تتابعَتْ ... عليَّ ولكِنْ شَيبتْني الوَقائعُ ثمَّ قالَ: وكانَ فاضلاً عاقلاً حاضرَ الجوابِ فصيحاً، قدمَ يوماً على معاويةَ بالمدينةِ، فقالَ لهُ: كيفَ وجْدُكَ على خليلِكَ / 211ب / أبي الحسنِ؟ قالَ: كَوَجْدِ أُمِّ موسَى على موسَى، وأشكو إلى اللهِ التقصيرَ، فقالَ لهُ معاويةُ: كنتَ فيمن حَصرَ عثمانَ؟ قالَ: لا، ولكنّي كنتُ فيمنْ حَضَرَهُ، قالَ: ما مَنعَكَ منْ نَصرِهِ؟ قالَ: وأنتَ ما منعكَ منْ نصرِهِ إذْ تربصتْ بهِ ريبُ المنونِ، وأنتَ في أهلِ الشامِ، وكلُّهم تابعٌ لكَ فيما تريدُ؟ فقالَ معاويةُ: أَوَ ما تَرى طَلبي لدمِهِ نصرةً لهُ؟ قالَ: بَلَى، ولكنّكَ كما قالَ أخو بني جُعفٍ: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353. (¬2) أشار ناسخ (ف) في هذا الموضع إلى وجود بياض إذ كتب في الحاشية عبارة: ((هنا بياض متوسط)). (¬3) " التقييد والإيضاح ": 147. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((وهو))، والمثبت من " الاستيعاب ".

لا أَلفينّكَ بعدَ الموتِ تندبُني ... وفي حياتيَ مازوّدتني زادي)). (¬1) قولهُ: (ومثلُه: يَزيدٍ بن سُحَيمٍ) (¬2). قولهُ: (ومثلُ: جُرَي) (¬3) قالَ شيخُنا في " التقريبِ ": ((تَصغيرُ جروٍ، ابنُ كليب السدوسيُّ البصريُّ، عن عليِّ بنِ أبي طالبٍ - رضي الله عنه - (¬4): مقبولٌ مِن الثالثةِ)) (¬5)، أي: من الطبقةِ الوسطى من التابعينَ ممنْ ماتَ بعدَ المئةِ، وقالَ في " التهذيبِ ": ((حديثُهُ في أهلِ المدينةِ، رَوَى عن عليٍّ - رضي الله عنه - (¬6) وبشيرِ (¬7) بنِ الخصاصيةِ، وعنهُ قتادةُ وكانَ يثني عليهِ خيراً، وقالَ همامٌ، عنْ قتادةَ: حدثني جُريُّ ابنُ كليبٍ وكانَ منَ الأزارقةِ (¬8)، وقالَ ابنُ المدينيّ: مجهولٌ ما رَوَى عنهُ غيرُ قتادةَ، وقالَ العجليُّ: بصريٌّ تابعيٌّ ثقةٌ، وصحَّحَ الترمذيُّ حديثَهُ (¬9))) (¬10)، وقالَ البزارُ: ¬

_ (¬1) الاستيعاب 4/ 115 - 118. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) التقريب (920). (¬6) لم ترد في (ب). (¬7) في جميع النسخ الخطية: ((كثير))، والتصويب من " تهذيب التهذيب ". (¬8) جاء في حاشية (أ): ((من الخوارج)). (¬9) حديثه هو: ((عن قتادة، عن جُري بن كليب السدوسي، عن علي، قال: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يُضحى بأعضب القرن والأذن، قال قتادة: فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب، فقال: العَضبُ ما بلغ النصف فما فوق ذلك)). أخرجه: الترمذي (1504) وقال عنه: ((هذا حديث حسن صحيح)). وأخرجه: أحمد 1/ 83 و101 و127 و129 و137، وأبو داود (2805)، وابن ماجه (3145)، وعبد الله بن أحمد في " زياداته " 1/ 150، والبزار (875) و (876)، والنسائي 7/ 217 - 218، وأبو يعلى (270)، والطحاوي في " شرح المعاني " 4/ 169، والبيهقي 9/ 275. والحديث إسناده ضعيف؛ فإن جُري بن كليب مقبول حيث يُتابع، ولم يُتابع. (¬10) تهذيب التهذيب 2/ 78.

((لا أَعلمُ قتادةَ رَوَى عن جُريٍّ إلاَّ حديثينِ)) (¬1) يعني: حديثَ العضباءِ، أي: الأضحيةِ بعضباءِ الأذنِ، وحديثَ المتعةِ (¬2) / 212 أ /، ثم ذَكرَ عنْ أبي داودَ في ترجمةِ جُريّ بنِ كليبٍ النهديِّ الكوفيِّ أنَّهُ قالَ: ((جُريُّ بنُ كُليبٍ صاحبُ قتادةَ سدوسيٌّ بصريٌّ لم يروِ عنهُ غيرُ قتادةَ)) (¬3). قولهُ: (ومثلُ: عُمَير بن إسحاقَ) (¬4) قالَ في " التقريبِ ": ((أبو محمدٍ مولى بني هاشمٍ: مقبولٌ منَ الثالثةِ)) (¬5)، وقالَ في " التهذيبِ ": ((رَوَى عن المقدادِ بنِ الأسودِ وعمرِو بنِ العاصِ والحسنِ بنِ عليٍّ - رضي الله عنهم - (¬6) - وَعَدَّ جماعةً -، وعنهُ عبدُ اللهِ بنُ عونٍ، قالَ أبو حاتمٍ، والنسائيُّ: لا نعلمُ رَوَى عنهُ غيرُهُ، وقالَ ابنُ معينٍ: لا يُساوي شيئاً ولكنْ يُكتبُ حديثُهُ، وقالَ ابنُ عديٍّ: لا أعلمُ رَوَى عنهُ غيرُ ابنِ عونٍ ولهُ منَ الحديثِ شيءٌ يسيرٌ ويُكتبُ حديثُهُ)) (¬7). قولهُ: (رَوَى عنهُ الثوريُّ) (¬8) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((اعترضَ على المصنِّفِ بأنَّ الثوريَّ لم يروِ عن الشعبيِّ نفسِهِ، فكيفَ يروي عن شيوخهِ؟ وقد ¬

_ (¬1) البحر الزخار 3/ 97 عقب (877)، وفي النقل تصرف يسير. (¬2) الحديث هو: ((عن قتادة، عن جُري بن كليب السدوسي، قال: رأيت عثمان بن عفان ينهى عن المتعة، وعلي بن أبي طالب يأمر بها، فأتيت علياً، فقلت: إن بينكما لشراً، أنت تأمر بها وعثمان ينهى عنها، فقال: ما بيننا إلا خيراً، ولكن خيرنا اتبعنا لهذا الدين)). أخرجه: البزار في " مسنده " 3/ 97 (877). (¬3) سنن أبي داود عقب الحديث (2805). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352. (¬5) تقريب التهذيب (5179). (¬6) لم ترد في (ب). (¬7) تهذيب التهذيب 8/ 143. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 352.

يقالُ: لا يلزمُ منْ عدمِ روايتهِ عن الشعبيِّ عدمُ روايتهِ عن الهزهازِ، ولعلَّ الهزهازَ تأخّرَ بعدَ الشعبيِّ، ويقوي ذلكَ أنَّ ابنَ أبي حاتمٍ ذَكرَ في "الجرحِ والتعديلِ" أنَّهُ رَوَى عن الهزهازِ هذا: الجراحُ بنُ مليحٍ، والجراحُ أصغرُ منَ الثوريِّ وتأخّرَ بعدَهُ مدةَ سنينَ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). قولهُ: (منهم: مرداسٌ الأسلميُّ) (¬2) قالَ شيخُنا في " تهذيبِ التهذيبِ ": ((مرداسُ بنُ مالكٍ الأسلميُّ كانَ منْ أصحاب الشجرةِ (¬3) - رضي الله عنهم - (¬4)))، وقالَ ابنُ عبد البرِّ: ((كانَ ممنْ بايعَ تحتَ الشجرةِ، ثم سكنَ الكوفةَ وهو معدودٌ في أهلِها)). (¬5) انتهى. ((رَوَى (¬6) عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حديثَ: ((يذهبُ الصالحونَ)) (¬7)، وعنهُ قيسُ بنُ أبي حازمٍ وزيادُ بنُ علاقةَ، قالَ شيخُنا: مرداسُ الذي رَوَى عنهُ زيادُ ابنُ ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 146، وانظر: التاريخ الكبير 8/ 250 - 251، والجرح والتعديل 9/ 122. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353. (¬3) تهذيب التهذيب 10/ 85. (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) الاستيعاب 3/ 438 (هامش الإصابة). (¬6) تهذيب التهذيب 10/ 85 - 86. عاد البقاعي إلى كلام ابن حجر بعد أن أقحم فيه كلام ابن عبد البر. (¬7) الحديث هو: ((عن قيس بن أبي حازم، عن مرداس الأسلمي، قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: يذهب الصالحون الأول فالأول، ويبقى حُفالةٌ كحُفالةِ الشعير أو التمر لا يُباليهم الله بالةً)). أخرجه: أحمد 4/ 193، والدارمي (2722)، والبخاري 8/ 114 (6434)، مرفوعاً. وأخرجه: البخاري 5/ 157 (4156) من طريق قيس، عن مرداس الأسلمي، موقوفاً. قال ابن بطال: ((في الحديث أنَّ موت الصالحين من أشراط الساعة، وفيه الندب إلى الاقتداء بأهل الخير، والتحذير من مخالفتهم خشية أنْ يصير من خالفهم ممن لا يعبأ الله به، وفيه أنَّه يجوز انقراض أهل الخير في آخر الزمان حتى لا يبق إلا أهل الشر)). فتح الباري عقب الحديث (6434).

علاقةَ إنما هو مرداسُ بنُ عروةَ صحابيٌّ آخرُ ذكرهُ البخاريُّ (¬1) وأبو حاتمٍ (¬2) وابنُ حبانَ (¬3) / 212ب / وابنُ منده وغيرُ واحدٍ، وصرّحَ مُسلمٌ وأبو الفتحِ الأزديُّ وجماعةٌ أنَّ قيسَ بنَ أبي حازمٍ تفرّدَ بالروايةِ عنْ مرداسِ بنِ مالكٍ الأسلميِّ، وهو الصوابُ، لكنْ قالَ ابنُ السكنِ: إنَّ بعضَ أهلِ الحديثِ زعمَ أنَّ مرداسَ بنَ عروةَ هو مرداسٌ الأسلميُّ الذي رَوَى عنهُ قيسُ بنُ أبي حازمٍ، قال: والصحيحُ أنَّهما اثنانِ (¬4))). (¬5) انتهى. وقد تبيّنَ منْ ذلكَ وجهُ نظرِ الشيخِ في قولِ المزيِّ: إنَّ زيادَ بنَ علاقةَ رَوَى عنهُ (¬6). قولهُ: (منهم: ربيعةُ) (¬7) قالَ شيخُنا: ((ابنُ كعبِ بنِ مالكٍ الأسلميُّ، أبو فراسٍ المدنيُّ: كانَ منْ أصحاب الصفةِ - رضي الله عنهم - (¬8) خَدَمَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - ورَوَى (¬9) عنهُ)) (¬10). قالَ ابنُ عبدِ البرِّ (¬11): ((وكانَ يلزمُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في السفرِ والحضرِ، وصَحِبَهُ قديماً وعمَّرَ بعدَهُ، وهو الذي سألَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - مرافقتَهُ في الجنةِ، فقالَ: أَعنّي ¬

_ (¬1) التاريخ الكبير 7/ 308. (¬2) الجرح والتعديل 8/ 401. (¬3) الثقات 3/ 398. (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) تهذيب التهذيب 10/ 86. (¬6) تهذيب الكمال 7/ 67. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 353. (¬8) لم ترد في (ب). (¬9) في (ب): ((روى)). (¬10) تهذيب التهذيب 3/ 234. (¬11) الاستيعاب 1/ 506 (هامش الإصابة).

على نفسِكَ بكثرةِ السجودِ (¬1))). انتهى. قالَ (¬2) شيخنا: ((وعنهُ أبو سلمةَ بن عبدِ الرحمانِ، ومحمدُ بن عمرو بن عطاءٍ، وحنظلة بن عليٍّ الأسلميُّ، ونعيم المجمر، ويقال: إنَّهُ أبو فراسٍ الذي رَوَى عنهُ أبو عمرانَ الجوني، وقد رَوَى عن أبي عمرانَ، عنْ ربيعةَ الأسلميِّ، ذكرَ غيرُ واحدٍ أنَّهُ ماتَ سنةَ ثلاثٍ وستينَ بعد الحرَّةِ (¬3)، لهُ في الكتبِ حديثٌ واحدٌ فيهِ: ((أعنّي على نفسِكَ بكثرةِ السجودِ)) /213أ / - قالَ شيخُنا -: وصوَّبَ الحاكمُ أبو أحمدَ وابنُ عبدِ البرِّ تبعاً للبخاري أنَّ ربيعةَ بنَ كعبٍ غيرُ أبي فراسٍ الذي رَوَى عنهُ أبو عمرانَ، وذكرَ مُسلمٌ والحاكمُ في "علومِ الحديثِ" أنَّ ربيعةَ تفرّدَ بالروايةِ عنهُ أبو سلمةَ، وليسَ ذلكَ بجيدٍ لما تراهُ منْ ذكرِ روايةِ هؤلاءِ عنهُ، لكنَّ قولَ المزيِّ (¬4): إنَّ محمدَ بنَ عمرِو بنِ عطاءَ رَوَى عنه، ليس بجيدٍ لأنَّهُ لم يأخذ عنه، وإنما رَوَى عن نعيمِ المجمرِ عنهُ (¬5) كما هو في "مسندِ أحمدَ " (¬6) وغيرهِ. هكذا تعقّبهُ شيخُنا في " النكتِ " على ابنِ الصلاحِ، وقد وردتْ روايةُ محمدِ بنِ عمرِو بنِ عطاءَ، عن أبي فراسٍ الأسلميِّ عندَ ابنِ منده في "المعرفةِ " وغيرهِ، فمَنْ قالَ: إنَّ أبا فراسٍ (¬7) هو ربيعةُ فَوَحَّدهما، أثبتَ روايةَ محمدِ بنِ عمرِو بن عطاءَ ¬

_ (¬1) الحديث هو: ((عن أبي سلمة، قال: حدثني ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنتُ أبيتُ مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأتيته بوَضوئه وحاجته، فقال لي: سَلْ، فقلت: أسألك مُرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك، قلت: هو ذاك، قال: فأعني على نفسك بكثرة السجود)). أخرجه: مسلم 2/ 52 (489)، وأبو داود (1320)، والنسائي 2/ 227 وفي " الكبرى "، له (637). (¬2) في (ف): ((وقال)). (¬3) في جميع النسخ الخطية: ((الهجرة))، والتصويب من " تهذيب التهذيب ". (¬4) تهذيب الكمال 2/ 473، وانظر تعليق الدكتور بشار عواد عليه. (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) انظر: مسند الإمام أحمد 4/ 59. (¬7) في (ب): ((أبا فراس الأسلمي)).

عنهُ بهذا، ومَنْ زعمَ أنهما اثنانِ أنكرَ كما قالَ الشيخُ. لكنِ الحديثُ الذي أوردهُ ابنُ منده هو متنُ الحديثِ الذي أوردهُ مسلمٌ لربيعةَ ابنِ كعبٍ، وإنْ كان في ألفاظهِ اختلافٌ فيقوى أنَّهُ واحدٌ. وكذلك رَوَى الحاكمُ في "المستدركِ" (¬1) من طريقِ المباركِ بنِ فضالةَ، قالَ: حدثني أبو عمرانَ الجوني، قالَ: حدثني ربيعةُ بنُ كعبٍ الأسلميُّ، قالَ: كنتُ أخدمُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ لي: يا ربيعةُ، ألا تَزوَّجُ، وهذا هو الحديثُ الذي رُوِيَ عن أبي عمرانَ، عن أبي فراسٍ، فيتجهُ أنَّهُ هو، والله أعلمُ)). (¬2) انتهى. وقد تبيّنَ بهذا أنَّ الشيخينِ ما رَوَيا عن مثلِ هذينِ / 213 ب / مصيراً منهما إلى الاكتفاءِ في نفيِ الجهالةِ بروايةِ واحدٍ؛ فقد تبيّنَ أنَّ كلاً منْ هذين صُحبتُهُ مشهورةٌ، وهذا مرادُ الشيخِ محيي الدينِ --رحمهُ اللهُ - في اعتراضهِ على ابنِ الصلاحِ بأنَّ مرداساً وربيعةَ صحابيانِ، والصحابةُ كلُّهمُ عدولٌ أي صحبةُ هذينِ عندَ أهلِ الفنِّ مشهورةٌ لا كلامَ فيها، ولم يَشرِطْ أحدٌ وجهاً معيناً في شهرتهِ. قالَ الشيخُ في "النكتِ ": ((والحقُ أنَّهُ إنْ كانَ معروفاً بذكره في الغزواتِ أو في مَنْ وفدَ من الصحابةِ أو نحو ذلكَ فإنَّهُ تثبتُ صحبتهُ وإنْ لم يروِ عنهُ إلا راوٍ واحدٌ)). (¬3) انتهى. قولهُ: (غير أبي هانئ) (¬4) بل رَوَى عنهُ غيرُهُ، قال شيخُنا في "تهذيبهِ": ((عمرُو بنُ مالكٍ الهمدانيُّ المراديُّ، أبو عليٍّ الجَنْبيُّ المصريُّ، رَوَى عنْ فضالةَ بنِ عبيدٍ وأبي سعيدٍ الخدريِّ وأبي ريحانةَ على خلافٍ فيهِ، رَوَى عنهُ أبو هانىءٍ حميدُ بنُ ¬

_ (¬1) المستدرك 2/ 172 و3/ 521، وأخرجه أيضاً: أحمد 4/ 58. (¬2) تهذيب التهذيب 3/ 262 - 263. (¬3) التقييد والإيضاح: 148، وقد سقط غالب هذا النص من المطبوع. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354.

هانىءٍ ومحمدُ بنُ شميرٍ الرعيني، قالَ الدوريُّ، عن ابن معينٍ: ((ثقةٌ))، وذَكرَهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " (¬1)، قالَ ابنُ يونسَ: ((يقالُ: توفيَ سنةَ ثلاثٍ ومئةٍ))، وقالَ الحسنُ بنُ عليٍّ الخلال (¬2): ((ماتَ سنةَ اثنتينِ)) - قالَ شيخنا -: ووثقهُ العجليُّ والدارقطنيُّ، وقالَ ابنُ حبانَ: ((رَوَى عنْ عقبةَ بنِ عامرٍ الجهنيِّ)))) (¬3) انتهى. فقد /214أ / بَانَ بهذا أنَّهُ ارتفعتْ جهالتُهُ وبانَتْ عدالتُهُ بروايةِ غيرِ أبي هانىءٍ، وتوثيقِ أهلِ الفنِّ لهُ، لكنَّ المقصودَ منْ سوقِ الشيخِ لذلكَ عن ابنِ مسعودٍ إنَّما هو أنَّ منْ كانَ معروفاً في قبيلتهِ لا يكونُ مجهولاً، ولو أنَّهُ ما رَوَى عنهُ إلاَّ واحدٌ، وقالَ الشيخُ في "النكتِ": إنَّهُ جَمعَ منْ رَوَى لهُ الشيخانِ أو أحدُهما منْ غيرِ الصحابةِ، ولم يروِ عنهُ إلا راوٍ واحدٌ، وقالَ: منهم عندَ البخاريِّ جويريةُ بنُ قدامةَ تفرّدَ عنهُ أبو جمرةَ رجّحَ شيخنا في " تهذيبهِ" (¬4): أنهُ جاريةُ عمُّ الأحنفِ، وممنْ صرّح بذلك ابنُ أبي شيبةَ في مصنفهِ (¬5)، وجاريةُ بنُ قدامةَ صحابيٌّ رَوَى عنهُ الأحنفُ بنُ قيسٍ، والحسنُ البصريُّ (¬6) ثم ذكرَ عنهُ أشياءَ تدلُّ على أنَّهُ منَ الشهرةِ بمحلٍ كبيرٍ قالَ الشيخُ: وزيدُ بن رباحٍ الذي تفرّدَ عنهُ مالكٌ، قالَ أبو حاتمٍ: ((ما أرى بحديثهِ بأساً)) (¬7) وذَكرَهُ ابنُ حبان في الثقاتِ (¬8)، وقال ¬

_ (¬1) الثقات 5/ 183. (¬2) في تهذيب التهذيب: ((العداس)). (¬3) تهذيب التهذيب 8/ 95 - 96. (¬4) تهذيب التهذيب 2/ 54 و55 و125. (¬5) مصنف ابن أبي شيبة (30493) إلا أن الذي في المصنف: (( .. أبي حمزة، عن جويرية بن قدامة السعدي .. )). (¬6) في (ف): ((الحسن بن علي)). (¬7) الجرح والتعديل 3/ 563. (¬8) الثقات6/ 318.

ابنُ البَرقي (¬1) والدارقطنيُّ: ثقةٌ، وقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: ((ثقةٌ مأمونٌ)) (¬2)، فانتفتْ عنهُ الجهالةُ بتوثيقِ هؤلاءِ. قالَ: والوليدُ بنُ عبدِ الرحمانِ الجاروديُّ (¬3) تفرّدَ عنهُ ابنهُ المنذرُ بنُ الوليدِ، ذَكرَ شيخُنا أموراً تخرجهُ عن الجهالةِ منها: أنهُ نسبهُ فقالَ: ابنُ عبدِ الرحمانِ بن حبيبِ بنِ عامر بنِ حبيب بنِ الجارودِ العبديُّ /214ب / الجاروديُّ البصريُّ، ومنها: أنَّ ابنَ حبانَ ذَكرَهُ في "الثقاتِ" (¬4)، ومنها: أنَّ الدارقطنيَّ قال: ثقةٌ. قالَ الشيخُ: ومنهم عندَ مُسلمٍ جابرُ بنُ إسماعيلَ الحضرميَّ تفرَد عنهُ عبدُ الله ابنُ وهبٍ، قالَ شيخُنا: إنَّ (¬5) ابنَ حِبانَ ذَكرَهُ في " الثقاتِ" (¬6)، وإنَّ (¬7) ابنَ خزيمةَ أخرجَ له في "صحيحهِ" (¬8) وصرّحَ أنهُ ممن يحتجُّ بهِ، قالَ: وخبابُ صاحبُ المقصورةِ تفرّد عنهُ عامرُ بنُ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، قالَ شيخُنا: قال ابنُ ماكولا: أدركَ الجاهليةَ، وكذا قالَ ابنُ عبد البر في "الاستيعاب": ((خبابُ مولى فاطمةَ بنتِ عتبةَ بنِ ربيعةَ، أدركَ (¬9) الجاهليةَ واختُلِفَ في صحبتهِ)) (¬10) وذَكرَهُ ابنُ منده وأبو نعيمٍ في ¬

_ (¬1) الإمام الحافظ، أبو عبد الله، محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيد الزهري، مولاهم المصري، له كتاب " الضعفاء "، توفي سنة (249) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 46. (¬2) التمهيد 6/ 15. (¬3) في (ب): ((الجاروردي)). (¬4) 9/ 225. (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) 8/ 163. (¬7) لم ترد في (ب). (¬8) أخرج له ابن خزيمة في مختصر المختصر عند الحديثين (146) و (969). (¬9) في (ف): ((إدراك)). (¬10) الاستيعاب 1/ 424 (بهامش الإصابة).

الصحابةِ وساقَ ابنُ منده منْ طريقِ عبدِ اللهِ بنِ السائبِ بنِ خبابٍ، عنْ أبيه، عنْ جدهِ - رضي الله عنه - (¬1) قالَ: ((رأيتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - متكئاً على سريرٍ .. )) (¬2) الحديث، فهذهِ أمورٌ أخرجتْهُ عن الجهالةِ وأوجبتْ ثقتَهُ. قولهُ: (في غيرِ حملِ العلمِ) (¬3) ليس قيداً، بل بيانٌ للواقعِ؛ فإنَّ الأمرَ مفروضٌ فيمنْ لم يروِ عنهُ العلمَ غيرُ واحدٍ، على أنَّهُ يُفهمُ ارتفاعَ الجهالةِ بالشهرةِ في العلمِ منْ بابِ الأولى (¬4). قولهُ: (غير مقبولةٍ) (¬5)، أي: لأنَّ مجردَ الروايةِ عنهُ لا تكونُ تعديلاً. قولهُ: (تقبلُ مطلقاً) (¬6) هذا يُشبهُ أنْ يكونَ قولُ مَنْ يجعلُ روايةَ العدلِ / 215أ / عن الراوي تعديلاً لهُ، لكنَّ هذا أوسعُ؛ لأنَّهُ ما شَرَطَ فيهِ عدالةَ الراويينِ، ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا أنَّ ابنَ كثيرٍ عزاهُ لابنِ حبانَ (¬7)، قال: فإنَّهُ حَكَى عنِ الخطيبِ (¬8) أنَّ جهالةَ العينِ تزولُ بروايةِ اثنينِ وأنّهُ لا تثبتُ عدالتُهُ بروايتهِما، قال: ((وعلى هذا النمطِ مشى ابنُ حبانَ وغيرهُ بل حَكمَ له بالعدالةِ بمجرّدِ هذه الحالةِ)) (¬9). انتهى. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) انظر: الإصابة 2/ 260. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354. (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 354. (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167. (¬8) الكفاية (149ت، 88هـ). (¬9) اختصار علوم الحديث 1/ 293 وبتحقيقي: 167.

قولهُ: (الإمام سليم) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وهو قولُ بعض الشافعيينَ، وبهِ قَطَعَ منهم الإمامُ سُليمُ بنُ أيوبَ الرازيُ، قال: لأنَّ أمر الأخبارِ مبنيٌّ على حسنِ الظنِّ)) (¬2) إلى آخرِ كلامهِ. قولهُ: (ويشبهُ أن يكونَ العملُ على هذا) (¬3) لم يبيّنْ وجهَ الشبهِ وليسَ بيّناً، ولعلهُ بناء على مثلِ قولهِ إنَّ البخاريَّ ومسلماً رَوَيا عنْ مجهولِ العينِ مصيراً منهما إلى أنَّ الجهالةَ ترتفعُ بروايةِ واحدٍ، والبيِّنُ في كلامِ أهل الفنِّ أنهم لا يحتجونَ إلاَّ بمصرَّحٍ بتوثيقهِ، ولا فرقَ بينَ القديمِ والحديثِ، وما ذكرهُ الشيخُ بعدَهُ من كلامِ الشافعيِّ بَيِّنٌ في ذلكَ. قولهُ: (فيهِ نظر) (¬4)، أي: في تسميتهِ مستوراً، وتوجيهُه النظرَ بكلامِ الشافعيِّ ليسَ بواضحٍ، فإنَّ الحكمَ بشهادتِهما قد لا (¬5) يخرجهما عن السترِ، ولعلَّ الذي سوّغَ الحكمَ أنَّ المحاكماتِ تكونُ فيها الأخصامُ وهم (¬6) يجتهدونَ في ردِّ حججِ أخصامِهم ويزيدونَ / 215ب / في البحثِ عنْ أحوالِهمْ فالظاهرُ: أنهُ لولا عجزُهم عنْ قادحٍ لما سكتوا عنهُ، وعجزُهم مع شدةِ بحثهم قرينةٌ مقويةٌ للحكمِ عليهم بشهادتِهم، ولعلَّ هذا الذي قالهُ الشافعيُّ في جوابِ السؤالِ إنما بحثَهُ مع خصمٍ فألزمَهُ بمقتضى قولهِ. وقد أقرَّ الشيخانِ (¬7) البغويَّ (¬8) على تسميةِ من جُهِلتْ عدالتُهُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 355. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 223. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 355. (¬4) التبصرة والتذكرة (293). (¬5) لم ترد في (ب) و (ف). (¬6) في (ب): ((وهو)). (¬7) أي: الرافعي والنووي. (¬8) انظر: التهذيب في فقه الإمام الشافعي 5/ 263، وشرح السنة 1/ 269.

الباطنةُ مستوراً. وعبارةُ " الروضةِ ": ((فرعٌ: ينعقدُ النكاحُ بشهادةِ المستورينَ على الصحيحِ، والمستورُ (¬1) منْ عُرفتْ عدالتُهُ ظاهراً لا باطناً)) (¬2). قولهُ: (فعلى هذا) (¬3) ليس ذلكَ بلازمٍ كما بيّنتُ أنهُ لا منافاةَ بينَ السترِ والحكمِ بقولِ مَنِ اتصفَ بالسترِ، ولا شكَّ أنَّ مَنْ خفي باطنُ حالهِ يُسمَّى مستوراً لذلكَ. قولهُ: (نعم في كلامِ الرافعيِّ) (¬4) مرادهُ أنَّ عبارةَ الرافعيِّ موافقةٌ لقولِ البغويِّ، وقد صرّحَ بذلكَ في " النكت " (¬5) وذلكَ أنها تقتضي أنهُ لا بدَّ منَ البحثِ عنِ الباطنِ ليرجعَ فيهِ إلى المزكِّينَ، وهذا حينئذٍ يغيّرُ في وجهِ ما نظرَ فيهِ منْ قولِ ابنِ الصلاحِ في المستورِ. قولهُ: (ونقل الرويانيُّ (¬6)) (¬7) مرادهُ بذلكِ تأييدُ كلامهِ، وليسَ مؤيداً لهُ؛ فإنّ قولَ الشافعيّ: ((ولا يعرفُ حالهما)) يُحملُ على الباطنِ ليوافقَ ما قرّرهُ مِنْ (¬8) عدمِ الاحتجاجِ بالمجهولِ، ويؤيدُ ذلكَ قولُ الشافعيّ: ((انعقدَ النكاحُ بهما في الظاهرِ)) أي: كما أنهما عدلانِ في الظاهرِ نقولُ ينعقدُ / 216أ / في الظاهرِ، وقد كانَ الحالُ يقتضي عدمَ الاعتدادِ بهما لكنْ فَعَلنا ذلك؛ لأنَّ شدةَ البحثِ في مثلِ هذا تؤدي إلى ¬

_ (¬1) في (ب): ((والمستورين)). (¬2) روضة الطالبين 7/ 46. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356. (¬5) التقييد والإيضاح: 145. (¬6) هو أبو المحاسن، عبد الواحد بن إسماعيل بن أحمد الشافعي، توفي سنة (502 هـ). انظر: وفيات الأعيان 3/ 198، وسير أعلام النبلاء 19/ 210. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 356.

الحرجِ في أمرِ النكاحِ المفضي إلى العنتِ، وهو مما تعمُّ بهِ البلوى، وتكونُ في مواضعَ ليسَ بها مَنْ فيهِ أهليةُ البحثِ، ومبناهُ على التراضي بخلافِ الأحكام، ويزيدُ هذا التأييدَ وضوحاً أنَّ الشيخَ محيي الدينِ صوّبَ في "الروضةِ" (¬1) عدمَ الانعقادِ بمستورِ الظاهرِ، فإنَّهُ قال: ((قال البغويُّ: لا ينعقدُ بمنْ لا تعرفُ عدالتُهُ ظاهراً، وهذا كأنهُ تصويرٌ بما لايعرفُ إسلامُهُ وإلاّ فالظاهرُ أنّ (¬2) حالَ المسلمِ الاحترازُ منْ أسبابِ الفسقِ. قلتُ: الحقُ هو قولُ البغويِّ وأنَّ مرادَهُ منْ لا يعرفُ ظاهرُهُ بالعدالةِ وقد صرّحَ البغويُّ بهذا، وقالهُ شيخُهُ القاضي حسينٌ، ونقلهُ إبراهيمُ المروذيُّ (¬3) عن القاضي، ولم يذكر غيرهُ، واللهُ أعلم)). (¬4) انتهى كلامُ "الروضةِ". وقد بَانَ من أنَّ خفاءَ العدالةِ في الظاهرِ سَوَّغَ إطلاقَ السترِ فكذلك خفاؤها في الباطنِ (¬5). قولهُ: (والخلفُ في مبتدعٍ ما كفرا) (¬6) قالَ شيخُنا: منَ المعلومِ أنَّ كلَّ فرقةٍ ترّدُ قولَ مخالِفها، وربما كَفَّرتهُ، فينبغي التحري في ذلكَ، والذي يظهرُ أنَّ الذي يُحكمُ عليهِ بالكفرِ منْ كانَ الكفرُ صريحَ قولهِ، وكذا منْ كانَ لازمَ قوله، وعرضَ عليهِ فالتزمهُ، أمّا منْ لم يلتزمهُ (¬7)، وناضلَ عنهُ، فإنَّهُ لا يكونُ / 216ب / كافراً ولو ¬

_ (¬1) روضة الطالبين 7/ 46. (¬2) في (ب) و (ف): ((في)). (¬3) أبو إسحاق، إبراهيم بن أحمد بن محمد، صارت إليه الرحلة بمرو لتعلم المذهب، ولد سنة (453 هـ)، وتوفي (536 هـ). انظر: الأنساب 4/ 276. (¬4) روضة الطالبين 7/ 46 - 47. (¬5) من قوله: ((وقد بان)) إلى هنا لم يرد في (ب) و (ف). (¬6) التبصرة والتذكرة (294). (¬7) في (ب): ((يلزمه)).

كانَ اللازمُ كفراً. انتهى. وهو قولٌ حسنٌ، لكنْ لا بدَ أنْ يعرفَ الأمرَ الذي يكفرُ مَنْ يعتقدُهُ، ويعرفَ ما هو الصريحُ منْ ذلكَ، وحينئذٍ يعرفُ الكافرَ منْ غيرهِ، فكلُّ مَنْ جَحَدَ مُجمَعاً عليهِ، معلوماً منَ الدينِ بالضرورةِ، كفرَ، سواء كانَ فيهِ نصٌ أو لا، ومعنى العلمِ بالضرورةِ: أنْ يكونَ ذلكَ المعلومُ (¬1) منْ أمور الإسلامِ الظاهرةِ التي يشتركُ في معرفتها الخواصُ والعوامُ، كالصلاةِ، والزكاةِ، والحجِ، وتحريمِ الخمرِ، والزنا. هذا حاصلُ ما قال (¬2) شيخُ الإسلامِ النوويُّ في " الروضةِ " (¬3) في بابي الردة وتاركِ الصلاةِ، وعلّلوهُ بأنهُ لم يصدِّق الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - فيما عُلمَ بالضرورةِ أنهُ منْ دينهِ فتصديقهُ في ذلكَ داخلٌ في حقيقةِ الإيمانِ. قال الأصفهانيُّ (¬4) في أولِ تفسيرِ البقرةِ: وتحقيقُ القولِ فيهِ - أي: الكفر - أنَّ (¬5) ما نُقلَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنهُ ذهبَ إليه وقالَ بهِ، فأمّا أنْ تعرفَ (¬6) صحةَ ذلك النقلِ بالضرورةِ أو بالاستدلالِ أو بخبرِ الواحدِ. أمّا القسمُ الأولُ: فمن صدّقهُ في جميعهِ (¬7) فهوَ مؤمنٌ، ومنْ لمْ يصدّقهُ في جميعِ ذلكَ سواءٌ كانَ مصدقاً في البعضِ أو لَم يصدقهُ في شيءٍ منهُ فهو كافرٌ، ثمَّ (¬8) ¬

_ (¬1) في (ف): ((من المعلوم)). (¬2) في (ب): ((قوله)). (¬3) روضة الطالبين 2/ 146 و10/ 65. (¬4) شمس الدين، أبو الثناء، محمود بن عبد الرحمان بن أحمد بن محمد الشافعي، ولد سنة (674) هـ، كان بارعاً في العقليات، صحيح الاعتقاد، محباً لأهل الصلاح، صنف تفسيراً كبيراً، توفي سنة (749) هـ. انظر: شذرات الذهب 6/ 165. (¬5) في (ف): ((أن الكفران)). (¬6) في (ف): ((يعرف)). (¬7) ((في جميعه)): لم ترد في (ف). (¬8) لم ترد في (ب).

قالَ: وأمّا الذي عُلمَ بالدليلِ أنَّهُ منْ دينهِ مثلَ كونهِ سبحانهُ عالماً بالعلمِ، أو بذاتهِ - إلى أن قال - / 217أ / فلم يكن إنكارهُ والإقرارُ بهِ داخلاً في حقيقةِ الإيمانِ فلا يكونُ كفراً، والدليلُ عليهِ أنهُ لو كانَ داخلاً في حقيقةِ الإيمانِ لم يحكمِ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - بإيمانِ أحد حتى يعرفَ (¬1) الحقَ في تلكَ المسائلِ كلِّها، ولو كانَ الأمر كذلكَ لاشتهرَ، وهو يرجعُ إلى ما قالهُ الإمام حجةُ الإسلامِ أبو حامدٍ الغزاليُّ في كتابِ " التفرقةِ بينَ الإسلامِ والزندقةِ ": ((الكفرُ هو تكذيبُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في شيءٍ مما جاءَ بهِ، والإيمانُ تصديقُهُ في جميعِ ما جاءَ بهِ، وذلكَ لأنَّ جاحدَ ما ذُكِرَ ما كفرَ إلا لتضمّنِ قوله تكذيبُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - للعلمِ الضروري أنه قال ذلك، فإنَّ ظاهرَهُ مرادٌ فكلُّ ما كانَ تكذيباً لنبيٍّ منَ الأنبياءِ فهو كذلكَ)). بقي عليكَ أنْ تعرفَ ما الجَحدُ الذي يصيرُ فاعلُهُ كافراً، لأنَّ كلَّ فرقةٍ تنسبُ مخالفتها (¬2) إلى التكذيبِ، قال حجةُ الإسلامِ ما ملخصُهُ: فالحنبليُّ يكفّرُ الأشعريَّ زاعماً أنَّهُ كذّبَ الرسولَ في إثباتِ الفوقِ للهِ تعالى في الاستواءِ على العرشِ، والأشعريُّ يكفّرهُ زاعماً أنّهُ شبه وكذّب الرسولَ في أنّهُ ليسَ كمثلهِ شيءٌ، والأشعريُّ يكفّرُ المعتزليَّ زاعماً أنهُ كذّبَ الرسولَ - صلى الله عليه وسلم - في جوازِ رؤيةِ اللهِ / 217ب / - عز وجل - وفي إثباتِ العلمِ والقدرةِ والصفاتِ لهُ، والمعتزليُّ يكفرُ الأشعريَّ زاعماً أنَّ إثباتَ الصفاتِ تكثيرٌ للقديمِ وتكذيبٌ للرسولِ - صلى الله عليه وسلم - في التوحيدِ، ولا ينجيكَ من هذه الورطةِ إلاّ أنْ تعرفَ حدّ التكذيبِ والتصديقِ فأقولُ: التصديقُ إنما يتطرقُ إلى الخبرِ، وحقيقتهُ: الاعترافُ بوجودِ ما أخبرَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - عنْ (¬3) وجودهِ، إلا أنَّ ¬

_ (¬1) في (ف): ((حتى يعرف أنه يعرف)). (¬2) في (ب): ((مخالفيها)). (¬3) لم ترد في (ب).

للوجودِ خمسَ مراتبَ، فإنَّ الوجودَ ذاتيٌّ وحسيٌّ وخياليٌّ وعقليٌّ وشبهيٌّ، وقد نظمتُ أنا ذلك لِيهونَ حفظُهُ فقلتُ: مراتبُ الوجودِ ذاتُ حسٍ ... ثمَّ الخيالُ العقلُ شبهُ خمسٍ فمن اعترفَ بوجودِ ما أخبرَ الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - بوجودهِ بوجهٍ منْ هذه الوجوهِ الخمسةِ فليس بمكذِّبٍ على الإطلاقِ. فالذاتيُّ هو الوجود الحقيقي الثابتُ خارجَ الحسِ والعقلِ، ولكنْ يأخذ الحسُ والعقلُ صورتهُ، فيسمى أخذهُ إدراكاً، وهذا كوجودِ السماء والأرضِ والحيوانِ والنباتِ، وهو ظاهرٌ. والحسيُّ: ما يتمثلُ في القوةِ الباصرةِ منَ العينِ مما لا وجودَ لهُ خارجَ العينِ فيكون موجوداً في الحسِ، ويختصُ به الحاسُّ، ولا يشاركهُ فيهِ غيرهُ، وذلكَ كما يشاهدهُ النائمُ (¬1)، بل كما يشاهدُهُ المريضُ المتيقظُ، إذ قد / 217أ / تتمثلُ لهُ صوراً لا وجودَ لها خارجَ حسهِ، كما تأخذُ قبساً منْ نارٍ كأنه نقطةٌ، ثم تُحرّكهُ بسرعةٍ حركةً مستقيمةً فتراهُ خطاً منْ نارٍ، وتحركهُ حركةً مستديرةً فتراهُ دائرةً منْ نارٍ، ولكنَّ ذلكَ في أوقاتٍ متعاقبةٍ فلا يكونُ موجوداً في حالةٍ واحدةٍ، وهو ثابتٌ في مشاهدتِكَ في حالةٍ واحدةٍ، ومن الحسيِّ رؤيةُ جبريلَ - عليه السلام - في صورةٍ غير صورتهِ التي خَلَقهُ اللهُ عليها كصورةِ دحيةَ مثلاً؛ فإن الصورةَ المخلوقَ عليها هي الذاتيةُ الموجودةُ في الخارجِ وتلك حسيةٌ. والخياليُّ: هو صورةُ المحسوساتِ إذا غابتْ عنْ حسِّكَ فتكونُ موجودةً في خيالكَ، وذلكَ الذي في خيالِكَ (¬2) ليسَ هو الذي في الخارجِ، فإنَّ خزانةَ خيالِكَ لا تسعُ السماواتِ والأرضينَ. ¬

_ (¬1) في (ب): ((القائم)). (¬2) عبارة: ((في خيالك)) في (ف) فقط.

والعقليُّ: هو أنْ يكون للشيءِ روحٌ ومعنى، فيتلقى العقلُ مجرّدَ معناهُ دون (¬1) أن يُثبتَ صورتهُ في خيالٍ أو حسٍ أو خارجٍ، كاليدِ، فإنَّ لها صورةً محسوسةً ومتخيلةً، ولها معنى هو حقيقةُ اليد وهو القدرة على البطشِ وذلك هو اليدُ العقلي، ومعنى القلم (¬2) ماتنتقشُ بهِ العلومِ. والشبهيُّ: هو أن لا يكونَ نفسُ الشيءِ موجوداً لا بصورتهِ الحقيقيةِ لا في الخارجِ ولا في الحسِ ولا في الخيالِ ولا في العقلِ، ولكنْ يكونُ الموجودُ شيئاً آخر يشبهه في خاصيةٍ منْ خواصهِ وصفةٍ منْ صفاتهِ / 218 ب / مثل جَعلِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الحجرَ الأسودَ يمينَ اللهِ (¬3)؛ لكونهِ مثلَ اليمينِ لا في ذاتهِ ولا في صفاتِ ذاتهِ بل في عارضٍ منْ عوارضهِ؛ وذلكَ أنهُ يُقَبَّلُ تقرّباً إلى ربهِ كما أنَّ اليمينَ تقبّلُ تقرّباً إلى ربها، أي: صاحبِها، فمن نزل قولاً منْ أقوالِ صاحبِ الشرعِ - صلى الله عليه وسلم - (¬4) على درجةٍ منْ هذه الدرجاتِ فهوَ منَ المصدقينَ، والتكذيبُ أنْ ينفيَ جميعَ هذه المعاني ويزعمَ أنَّ ما قالهُ - صلى الله عليه وسلم - لا معنى لهُ وإنما هوَ كذبٌ محضٌ، وغرضهُ فيما قالهُ: التلبيسُ أو مصلحةٌ دنيويةٌ، وذلكَ هوَ الكفرُ المحضُ، والزندقةُ، ولا يلزم الكفرُ للمتأولينَ ماداموا يُلازمونَ قانونَ التأويلِ، وهو أن يقومَ البرهانُ على استحالةِ الظاهر، فالظاهرُ الأولُ ¬

_ (¬1) لم ترد في (ف). (¬2) في (ب): ((العلم)). (¬3) فيما روي عن جابر - رضي الله عنه -، قال: قال رسول - صلى الله عليه وسلم -: ((الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده)). أخرجه: ابن عدي في " الكامل " 1/ 557، والخطيب في " تاريخ بغداد " 6/ 328 بأسانيد كلها واهية، وانظر: السلسلة الضعيفة 1/ 257 (223). وأخرجه: أحمد 2/ 211، وابن خزيمة (2737)، والحاكم 1/ 457، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " (945) من طريق عبد الله بن المؤمل، قال: سمعت عطاء يحدث عن عبد الله بن عمرو، به، وهو ضعيف أيضاً لضعف عبد الله بن المؤمل. (¬4) لم ترد في (ب).

الوجودُ الذاتيُّ فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ الجميعَ، وإنْ تعذّرَ فالحسيُّ، فإنَّهُ إذا ثبتَ تضمّنَ ما بعدهُ، فإن تعذّرَ فالخياليُّ أو العقليُّ، فإن تعذرا فالوجودُ الشبهيُّ المجازيُّ، ولا رخصةَ في العدولِ عنْ درجةٍ إلى ما دونها إلا بضرورةِ البرهانِ فيرجعُ الاختلافُ على التحقيقِ إلى البرهانِ، إذ يقولُ الحنبليُّ: لا برهانَ على استحالةِ اختصاصِ الباري تعالى (¬1) بجهةِ فوق، ويقولُ الأشعريُّ - أي: للمعتزليِّ -: لا برهانَ على استحالةِ الرؤيةِ وكانَ كلُّ واحدٍ لا يرتضي ما ينكرُهُ (¬2) / 219أ / الخصمُ ولا يراهُ دليلاً قاطعاً، وكيفَ ما كانَ فلا ينبغي أنْ يكفرَ كلُّ فريقٍ خصمَهُ بأنْ يراهُ غالطاً في البرهانِ، نَعَمْ، يجوزُ أنْ يسميهِ ضالاً أو مبتدعاً، أمّا ضالاً فمن حيثُ إنّهُ ضلَّ عن الطريقِ عندَهُ، وأمّا مبتدعاً فمنْ حيثُ إنهُ أبدعَ قولاً (¬3) لم يُعهدْ منَ السلفِ التصريحُ بهِ، إذ منَ المشهورِ فيما بينَ السلفِ أنَّ اللهَ تعالى يرى، فقولُ القائلِ: لا يرى بدعةٌ، وتصريحهُ بتأويلِ الرؤيةِ بدعةٌ، ويقولُ الحنبليُّ: إثباتُ الفوقِ للهِ تعالى مشهورٌ عندَ السلفِ ولم يذكر أحدٌ (¬4) منهم أنَّ خالقَ العالَمِ ليسَ متصلاً بالعالمِ ولا منفصلاً، وأنَّ جهةَ فوق إليه كنسبةِ جهةِ تحت، وهذا قولٌ مبتدعٌ. ثم قالَ: منَ الناسِ منْ يُبادرُ إلى التأويلِ بغلباتِ الظنونِ منْ غيرِ برهانٍ قاطعٍ، فأمّا ما يتعلقُ منْ هذا الجنسِ بأصولِ العقائدِ المهمةِ فيجبُ تكفيرُ مَنْ يغيّرُ الظاهرَ بغيرِ برهانٍ قاطعٍ، كالذي يُنكرُ حشرَ الأجسادِ وينكرُ العقوباتِ الحسيةَ في الآخرةِ بظنونٍ وأوهامٍ. ثم قالَ: اعلمْ أنْ شرحَ ما يُكفَّرُ بهِ، وما لا يُكفَّر بهِ يستدعي تفصيلاً طويلاً، فاقنعِ الآنَ بوصيةٍ وقانونٍ، أمّا الوصيةُ فأن تكفَّ لسانَكَ عنْ أهلِ الملةِ ما أمكنكَ ما ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) في (ف): ((يذكره)). (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) لم ترد في (ف).

داموا قائلينَ لا إلهَ إلا الله غيرَ مناقضينَ لها، والمناقضةُ / 219ب / تجويزُهمُ الكذبَ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بعذرٍ أو بغيرِ عذرٍ، فإنّ التكفيرَ فيهِ خطرٌ والسكوتُ لا خطرَ فيهِ، وأمّا القانونُ فهو أن تعلمَ أنَّ النظرياتِ قسمان: قسمٌ يتعلّق بأصولِ العقائدِ، وقسمٌ يتعلّقُ بالفروعِ. وأصولُ الإيمانِ ثلاثةٌ: الإيمانُ باللهِ، ورسولهِ، واليومِ الآخرِ، وما عداهُ فرعٌ. ثم قالَ: ومهما كانَ التكذيبُ، وجبَ التكفيرُ، ولو كانَ في الفروعِ، فلو قالَ قائلٌ مثلاً: البيتُ الذي بمكةَ ليسَ هو الكعبةُ التي أمرَ اللهُ بحجِّها، فهذا كفرٌ، إذْ ثبتَ تواتراً عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - خلافُهُ. وقالَ شيخُنا في " شرحِ نخبتهِ ": ((فالمعتمَدُ: أنَّ الذي ترّدُ روايتُهُ، مَنْ أنكرَ أمراً متواتراً منَ الشرعِ، معلوماً منَ الدينِ بالضرورةِ (¬1)، وكذا من اعتقدَ عكسَهُ، فأمّا مَنْ لم يكنْ بهذه الصفةِ، وانضمَّ إلى ذلكَ ضبطهُ لما يرويهِ مع ورعهِ وتقواهُ، فلا مانعَ منْ قبولهِ)) (¬2)، ثم قالَ: ((نَعَمْ، الأكثرُ على قبولِ غيرِ الداعيةِ إلا أنْ يرويَ ما يقوي بدعتَهُ فيرد على المذهبِ المختار)) (¬3). وكلامهُ (¬4) أيضاً يقتضي: أنَّ الداعيةَ إذا رَوَى ما لا تعلّقَ لهُ ببدعتهِ قُبِلَ لكنِ الأكثر لا يقبلونَ الداعيةَ مطلقاً؛ لأنَّهُ قدْ يستهينُ تسويةَ كلمةٍ لترويجِ بدعتهِ يرى أنَّ ذلك معناها (¬5) / 220أ /، وحبكَ للشيءِ يعمي ويصمُ (¬6)، وقد تكونُ تلك الكلمةُ ¬

_ (¬1) انظر: مرقاة المفاتيح 1/ 147 وما بعدها. (¬2) نزهة النظر: 138 (طبعة الحلبي). (¬3) نزهة النظر: 138. (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي ابن حجر)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((بلغ صاحبه الشيخ شهاب الدين الحمصي الشافعي نفع الله به في البحث وسمع الجماعة، وكتبه مؤلفه إبراهيم البقاعي الشافعي)). (¬6) إشارة إلى حديث أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((حبك للشيءِ يعمي ويصم)). أخرجه: أحمد 5/ 194 و6/ 450، وعبد بن حميد (205)، وأبو داود (5130).

مما يخفى، فيعسر أمرُها بعدَ خروجِها عنهُ مع أنّ في الروايةِ عنهُ ترويجاً لأمرهِ وتحسيناً للظنِّ به، فَسُدّتِ الذريعةُ وحُسِمتِ المادةُ. ويؤيدُ قبولَ غيرِ الخطابيةِ مطلقاً ما قال الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في " الروضةِ " في شروطِ الأئمةِ منْ كتابِ الصلاةِ: ((وأطلقَ القفّالُ وكثيرونَ منَ الأصحابِ القولَ بجوازِ الاقتداءِ بأهلِ البدعِ، وأنهم لا يكفّرونَ، قالَ صاحبُ " العدةِ ": ((وهو ظاهرُ مذهبِ الشافعيّ)). قلتُ: هذا الذي قالهُ القفّالُ وصاحبُ " العدةِ " هو الصحيحُ، أو الصوابُ، فقد قالَ الشافعيُّ: أقبلُ شهادةَ أهلِ الأهواءِ إلا الخطابيةَ؛ لأنَّهُم يرونَ الشهادةَ بالزورِ لموافقيهم (¬1)، ولم يزلِ السلفُ والخلفُ على الصلاةِ خلفَ المعتزلةِ وغيرِهم ومناكحتِهم وموارثتِهم وإجراءِ أحكامِ الإسلامِ عليهمْ، وقد تأوّلَ الإمامُ الحافظُ الفقيهُ أبو بكرٍ البيهقيُّ وغيرهُ منْ أصحابِنا المحققينَ ما جاءَ عنِ الشافعيّ وغيرهِ منَ العلماءِ منْ تكفيرِ القائلِ بخلقِ القرآنِ على كفرانِ النعمِ لا كفر الخروجِ عن الملةِ، وحَملَهُم على هذا التأويلِ ما ذكرتهُ منْ إجراءِ أحكامِ الإسلامِ عليهمْ، واللهُ أعلم)). (¬2) انتهى كلامهُ. وهو يدلُّ على قبولِ كلِّ مبتدعٍ / 220ب / مستكملٍ للشروطِ لا يكفرُ بالقانونِ الذي تقدّمَ مطلقاً إلاّ الخطابيُّ، لكنْ ألحقوا بالخطابيةِ الداعيةَ مطلقاً وغيرَهُ إذا رَوَى ما يقوي بدعتَهُ احتياطاً لما تقدّمَ. ثمَ ذكرَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في كتابِ الشهاداتِ من كتابِ القضاءِ منَ " الروضةِ " (¬3) نحو هذا فقالَ: ((جمهورُ الفقهاءِ منْ أصحابنا وغيرِهم لا يُكفِّرونَ أحداً ¬

_ (¬1) قول الشافعيّ هذا في الأم 6/ 206، وانظر تعليقنا على كتاب: معرفة أنواع علم الحديث: 230. (¬2) روضة الطالبين 1/ 355. (¬3) روضة الطالبين 11/ 239 - 241.

منْ أهلِ القبلةِ، لكن اشتهر عن الشافعيّ - رحمهُ اللهُ - تكفيرُ الذينَ ينفونَ علمَ اللهِ تعالى بالمعدومِ، ويقولونَ: ما يعلمُ الأشياءَ حتى يخلقَها ونَقلَ العراقيونَ عنهُ (¬1) في (¬2) تكفيرِ النافينَ للرؤيةِ، والقائلينَ بخلقِ القرآنِ، وتأولّهُ الإمامُ فقالَ: ظنّي أنهُ نَاظَرَ بعضَهمْ فألزمَهم الكفرَ في الحجاج، فقيلَ: إنَّهُ كفَّرَهمْ، ثمَ قالَ: وهذا حسنٌ. وقد تأوّلهُ الإمامُ الحافظُ الفقيهُ الأصوليُّ أبو بكرٍ البيهقيُّ، وآخرونَ تأويلاتٍ متعاضدةً على أنّهُ ليسَ المرادُ بالكفرِ الإخراجَ منَ الملة وتحتمَّ الخلودِ في النارِ وهكذا تأوّلوا ما جاءَ عن جماعةٍ منَ السلفِ منْ إطلاقِ هذا اللفظِ واستدلّوا بأنهم لم يلحقوهمْ بالكفارِ بالإرثِ والأنكحةِ ووجوبِ قتلهمْ وقتالهمْ وغيرِ ذلكَ، وقالَ: أمّا تكفيرُ منكرِ العلمِ بالمعدومِ أو بالجزئياتِ فلا شكَّ فيهِ، ومنْ كفّرناهُ لم نقبلْ شهادتَهُ وأمّا منْ لم / 221 أ / نكفّرهُ فقد نصَّ في " الأم " (¬3) و" المختصرِ " (¬4) على قبولِ شهادتِهمْ إلاَّ الخطابيةَ؛ لأنَّهُمْ يرونَ شهادةَ أحدهِم لصاحبهِ إذا سمعهُ يقولُ: لي على فلانٍ كذا فيصدقهُ بيمينهِ أو غيرِها، ويشهدُ له اعتماداً على أنّه لا يكذبُ، هذا نصهُ. والأصحابُ فيهِ ثلاثُ فرقٍ: فرقةٌ جرت على ظاهرِ نصّهِ وقبلت شهادةَ جميعِهم وهذه طريقةُ الجمهورِ، منهم: ابنُ القاصِّ، وابنُ أبي هريرةَ، والقضاةُ: ابن كَج (¬5) وأبو الطيبِ (¬6) والروياني، واستدلّوا بأنهم مصيبونَ في زعمِهم ولم يظهرْ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: الشافعيّ)). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) الأم 6/ 205. (¬4) مختصر المزني: 311. (¬5) شيخ الشافعية، أبو القاسم، يوسف بن أحمد بن كَج الدِّينوري، كان يضرب به المثل في حفظ المذهب، توفي سنة (405) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 183 - 184. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((هو الطبري)).

منهم ما يسقطُ الثقةَ بقولهم. وقَبِلَ هؤلاءِ شهادةَ مَنْ سبَّ الصحابةَ والسلفَ - رضي الله عنهم -؛ لأنَّهُ يقدِمُ عليهِ عن اعتقادٍ لا عنْ عداوةِ عنادٍ، قالوا: ولو شهدَ خَطّابيٌّ وذَكرَ في شهادتهِ ما يقطعُ احتمالَ الاعتمادِ على قولِ المدّعي بأنْ قالَ: سمعتُ فلاناً يقرُّ بكذا لفلانٍ أو رأيتُهُ أقرضهُ قُبلتْ شهادتُهُ ثمَ صوّبَ ما قالتْ هذه الفرقةُ الأولى من قبولِ شهادةِ الجميعِ، قالَ: فقد قالَ الشافعيّ في " الأم " (¬1): ذهب الناس في تأويل القرآنِ والأحاديثِ إلى أمورٍ تباينوا فيها تبايناً شديداً، واستحلَّ بعضُهم منْ بعضٍ ما تطولُ حكايتُهُ وكانَ ذلكَ متقادماً منهِ، ما كانَ في عهدِ السلفِ وإلى اليومِ، فلم نعلم أحداً منْ سلف الأمةِ يُقتدَى بهِ، ولا مَنْ بعدَهم مِنَ التابعينَ ردَّ شهادةَ أحدٍ بتأويلٍ، وإن خطّأهُ وضلّلهُ، ورآهُ استحلَّ ما حرّمَ اللهُ عليهِ، فلا تُرّدُ شهادةُ أحدٍ بشيءٍ من التأويلِ كانَ لهُ وجهٌ يحتملُ وإنْ بلغ فيهِ استحلالَ المالِ والدمِ)). هذا نصّهُ بحروفهِ، وفيهِ التصريحُ بما ذكرناهُ وبيانُ ما ذكرناهُ في تأويلِ تكفيرِ القائلِ بخلقِ القرآنِ، ولكنَّ قاذفَ عائشةَ -رضي اللهُ عنها- كافرٌ لا تُقبلُ شهادتُهُ، ولنا وجهٌ أنَّ الخطابيَّ لا تُقبلُ شهادتُهُ وإن بيَّنَ ما يقطعُ الاحتمالَ؛ لاحتمالِ اعتمادهِ فيهِ على قولِ صاحبهِ. انتهى. وفيهِ اختصارٌ، وهو وما قبلَهُ يتنزلُ على ما ذَكرَهُ الغزاليُّ من ذلك القانونِ، وكلُّ ذلك يدلُّ على تصويبِ فعلِ الشيخينِ البخاريِّ ومسلمٍ في الاحتجاجِ بأخبارِهم، ولو كانوا دعاةً إلى بدعِهم، والله أعلم. قولهُ: (يردُّ مطلقاً) (¬2)، أي: سواءٌ كان داعيةً أو لا، خطابياً أو لا. قولهُ: (نُصرةَ مذهبٍ) (¬3) هو مفعولٌ له، والعاملُ فيهِ ((استحلَّ))، أي: ¬

_ (¬1) الأم 6/ 205. (¬2) التبصرة والتذكرة (294)، والذي في نسخة (ف): ((ومطلقاً)). (¬3) التبصرة والتذكرة (295).

استحلَّ الكذبَ لنصرةِ مذهبهِ، ومِن (¬1) نصرتهِ له شهادتهُ لأهلهِ؛ لاعتقادهِ صدقَهم لكونهم على ذلكَ المذهبِ. قولهُ: (منْ غيرِ خطابيةٍ) (¬2) همْ صنفٌ منَ الرافضةِ، وينبغي: أنْ يُحملَ كلامُ الشافعيّ على جميعِ الرافضةِ لقوله: ((ما في أهل الأهواءِ أشهدُ بالزور منَ الرافضةِ)) (¬3) كما سيأتي عنهُ / 222أ / ويكونُ حينئذٍ إنما عبّر عنهم بالخطابيةِ تعبيراً باسمِ الجزءِ عن (¬4) الكلِّ؛ لأنَّ ذلكَ الجزءَ هو المقصودُ الأعظمُ منْ ذلكَ الكلِّ، مثل إطلاقِ العينِ على الربيئةِ (¬5)، ويكونُ ذلكَ لأنَّ الخطابيةَ أعظمُهم كذباً، ويحتملُ أنْ يكونوا هُمُ الذينَ سنّوا لهمُ الكذبَ، وفتحوا لهمْ بابَهُ فولجوهُ، ويجوزُ أنْ يكونَ الأمرُ بالعكسِ، أطلقَ الرافضةَ على الخطابيةِ ولم يردْ غيرَهم، والله أعلمُ. والاسمُ الجامعُ لفرقِهم: الشيعةُ، ادّعوا مُشايعةَ عليٍّ - رضي الله عنه -، وقالوا: إنَّهُ الإمامُ بعدَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، واعتقدوا أنَّ الإمامةَ لا تخرجُ عنهُ، ولا عنْ أولادهِ، فإنْ خرجتْ فإمّا بظلمٍ فيكونُ منْ غيرهم، وإمّا بتقيةٍ منهُ أو منْ أولادهِ، وهم اثنانِ وعشرونَ فرقةً، يكفّرُ بعضُهمْ بعضَاً. أصولُهم ثلاثٌ: غلاةٌ، وزيديةٌ، وإماميةٌ. أمّا الغلاةُ: فثمانيةَ عشرَ، منهم: السبائيةُ: أتباعُ عبدِ اللهِ بنِ سبأ، كانَ على زمنِ عليٍّ - رضي الله عنه -، فقال له: أنتَ إلهٌ فنفاهُ عليٌّ - رضي الله عنه -، والخطّابيةُ: ويستحلّونَ شهادةَ الزور لموافقِيهم على مخالفِيهم. ومنهم: النصيريةُ، والإسماعيليةُ، ¬

_ (¬1) في (ب): ((وفي)). (¬2) التبصرة والتذكرة (296). (¬3) سنن البيهقي الكبرى 10/ 208، وسير أعلام النبلاء 10/ 89. (¬4) في (ب): ((على)). (¬5) هو العين والطليعة الذي ينظر للقوم؛ لئلا يدهمهم عدو، ولا يكون إلا على جبل، أو شَرَف ينظر منه. النهاية 2/ 179.

ولهم سبعةُ ألقابٍ، وغالبُ هؤلاءِ الغلاةِ يقولونَ بإلاهية الأئمةِ، وأضرُّهم على أهلِ الإسلامِ الإسماعيليةُ؛ فإنّ جلَّ قصدِهم نقضُ الشريعةِ ولهم في ذلكَ / 222ب /طرقٌ عظيمةٌ، وأصلهم مجوسٌ عجزوا عنْ ردِّ ما كانَ منْ دينهم بالسيفِ فسعوا في استغواءِ ضعفاءِ المسلمينَ بأنواعِ الخداعِ. والزيديةُ: نُسبوا إلى زيدِ بنِ عليٍّ زينِ العابدينَ بنِ الحسينِ، وهمْ ثلاثُ فرقٍ، وسُمّيَ منْ رفضَ زيداً هذا رافضةً. والإماميةُ: وهم الاثنى عشرية. قولهُ: (عن أهل بدع) (¬1) إنْ كانَ بالفتحِ فهو مصدرُ بَدَعَ، قالَ ابنُ القطاعِ في " الأفعالِ ": ((بَدَعَ الركيَّ بَدعاً، إذا استنبطَها، ومنْ ذلكَ ركيٌّ بديعٌ حديثةُ الحفرِ، وبَدعتُ الشيءَ، أنشأتُهُ، وأبدعَ الرجلُ، أتى ببديعٍ منْ قولٍ أو فعلٍ، وأبدعَ اللهُ تعالى الأشياءَ، ابتدأَ خلقَها بلا مثالٍ)) (¬2)، وقالَ أبو عبدِ اللهِ القزازُ: ((بدعتُ الشيءَ، أنشأتهُ ولمْ أُسبقْ إليهِ، ولا احتذيتُ فيهِ أحداً، واللهُ بديعُ السماواتِ والأرضِ لابتداعهما، وما بينهما على غير مثالٍ، وبدعتُ الركيَّ إذا انشأتها فهي بديعٌ، أي: حديثةُ الحفرِ)). والبدعةُ في الدينِ منْ هذا، وهي كلّ حدثٍ بعدَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لم تتقدّم بهِ سنةٌ قيلَ لهُ: بدعةٌ؛ لحدوثهِ، وقيلَ: سُميَ بدعةً؛ لأنَّهُ مُبتدعٌ، والابتداعُ المصدر، والبدعةُ الاسمُ لما ابتُدِعَ، فالتقديرُ: عنْ أهل إنشاءٍ لقولٍ مُخترعٍ منْ عندِ أنفسهم من غير سلفٍ سبقَ لهم فيهِ، وإنْ كانَ / 223أ / بالكسرِ فهو منْ قولهِ تعالى: {مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُل} (¬3)، قال الزبيديُّ في " مختصرِ العينِ ": ((البِدعُ: الشيءُ الذي ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (298). (¬2) الأفعال 1/ 92. (¬3) الأحقاف: 9.

يكونُ أولاً في كلِ أمرٍ)) فهو على حذفِ مضافٍ تقديرهُ عن أهل أمرٍ بدعٍ، أو قولٍ بدعٍ. قولهُ: (ما دعوا) (¬1)، أي: لم يكونوا دعاةً. قولهُ: (وأما الثانية) (¬2)، أي: وأما الصورةُ الثانيةُ فحكيتها أنا بسببِ أنَّهُ قالَ: كذا. قولهُ: (والمتكلمينَ) (¬3) كانَ ينبغي أنْ يقولَ بعدهُ: ((وقولي: والخلفُ في مبتدعٍ ما كفرا)) (¬4) إلى آخرهِ، فإنَّ ذلكَ كلّهُ من تتمةِ القولِ الرابعِ، وكأنّه قالَ: تُقبلُ أخبارُهم بخلافٍ فيهِ. قولهُ: (كعمران بن حطان) (¬5) رأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا أنَّ البخاريَّ أخرجَ لهُ موضعاً واحداً في لبسِ الحريرِ متابعةً (¬6)، وقالَ شيخُنا في " التهذيب " (¬7): ((كانَ عمرانُ داعيةً إلى مذهبِ الخوارجِ فانتقضَ قولُ منِ ادّعى أنَّ الداعيةَ يردُ بالاتفاقِ))، وقالَ في ترجمتهِ منْ " تهذيبِ التهذيب ": ((ذكر زكريا الموصليّ في " تاريخِ الموصلِ " عنْ محمدِ بنِ بشرٍ العبديِّ الموصليِّ، قالَ: لمْ يمتْ عمرانُ بنُ حطانَ حتى رجعَ عنْ رأي الخوارجِ)). انتهى. قال شيخنا: ((هذا أحسنُ ما يعتذرُ بهِ عنْ تخريجِ البخاريِّ لهُ)) (¬8)، ونُقلَ عنْ أبي داود أنه قالَ: ((ليسَ في أهلِ الأهواءِ أصحُّ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (298). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 358 - 359. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬4) التبصرة والتذكرة (294). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬6) صحيح البخاري 7/ 194 (5835)، وأخرج له حديثاً آخر 7/ 215 (5952). (¬7) ((في التهذيب)) لم ترد في (ب). (¬8) تهذيب التهذيب 8/ 128.

حديثاً منَ الخوارجِ، ثم ذكرَ عمرانَ بنَ حطانَ وغيرهُ)) (¬1) ثم قالَ: ((إنَّ ذلك ليسَ على إطلاقهِ فقد حَكَى ابنُ أبي حاتمٍ عنِ القاضي / 223ب /عبدِ اللهِ بنِ عقبةَ المصريِّ، وهو ابنُ لهيعة، عنْ بعضِ الخوارجِ ممنْ تابَ أنهمْ كانوا إذا هووا أمراً صيّروهُ حديثاً)) (¬2). وذكرَ عنْ صاحب " الأغانيِّ " أنَّه ساقَ بسندٍ صحيحٍ إلى ابن سيرين قالَ: تزوجَ عمرانُ امرأةً من الخوارجِ ليردّها عنْ مذهبها فذهبت بهِ، وسماها في روايةٍ أخرى خمرة (¬3) وإنَّ عمرانَ كانَ مشهوراً بطلبِ العلمِ والحديثِ ومَدَحَ ابنَ ملجمٍ (¬4) لعنهُ (¬5) اللهُ في قتلهِ علياً - رضي الله عنه - بقصيدةٍ منها: ياضربةً منْ تقيٍّ (¬6) ما أرادَ بها ... إلاّ ليبلغ منْ ذي العرشِ رضواناً (¬7) وكانَ الخبيثُ مُفتيَ الخوارجَ وزاهدَهم، وقالَ الشيخُ في " النكتِ على ابنِ الصلاحِ": ((وقد اعتُرضَ عليهِ بأنهما احتجّا أيضاً بالدعاةِ، فاحتجَّ البخاريُّ بعمرانَ ابنِ حطانَ، وهو منْ دُعاةِ الشراةِ (¬8)، واحتجَّ الشيخانِ بعبدِ الحميدِ بنِ عبدِ الرحمانِ الحمانيِّ، وكانَ داعيةً إلى الإرجاءِ كما قالَ أبو داودَ (¬9)، ثمّ قالَ: قلتُ: قالَ أبو داودَ: ¬

_ (¬1) الكفاية: 130. (¬2) تهذيب التهذيب 8/ 128، ولمعرفة العلاقة بين الخوارج ووضع الحديث انظر: السنة النبوية ومطاعن المبتدعة فيها: 327 - 331. (¬3) الذي في تهذيب التهذيب 8/ 129: ((حمنة)). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((اسمه عبد الرحمان)). (¬5) في (أ): ((لعنها)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أنْ يقال شقي)). (¬7) الكامل للمبرد 3/ 169. (¬8) كذا قال ابن حبان في " ثقاته " 5/ 222، وانظر: تهذيب الكمال 5/ 282 (5076). (¬9) سؤالات الآجري 3/ 177، وانظر: تهذيب الكمال 4/ 355 (3713).

وليس في أهلِ الأهواءِ أصحُّ حديثاً منَ الخوارجِ، ثم ذكرَ عمرانَ بنَ حطانَ وأبا حسانَ الأعرج (¬1) ولم يحتجَّ مسلمٌ بعبدِ الحميدِ الحمانيِّ، إنّما أخرجَ لَهُ في المقدمةِ، وقدْ وثّقهُ ابنُ معينٍ)). (¬2) انتهى كلامُ " النكتِ ". وما اعتذرَ بهِ لا يفيدُ سلامةَ القولِ بأنَّ الداعيةَ يردُّ فإنَّ توثيقَهُ لايخرجُهُ عن كونهِ داعيةً، وقولُ الشراةِ وهو جمعُ شارٍ، قالَ / 224أ / أهل اللغةِ: والشاري: واحدُ الشراةِ، وهمُ الخوارجُ، وإنما سمّوا بذلكَ لأنَّهُم زعموا أنهم شروا أنفسَهم منَ اللهِ، وقيلَ: لأنَّهُم ألجُّ الناسِ في مذهبِهم مِنْ شَرِيَ الرجلُ - بالكسرِ - في الشرِّ، إذا لجَّ فيهِ (¬3). قولهُ: (وداود بن الحصين) (¬4)، أي: الأمويُّ مولاهم، أبو سليمانَ المدنيُّ، رَوَى عنهُ مالكٌ، وأخرجَ حديثهُ الجماعةُ قالُ ابنُ معينٍ: ((ثقةٌ))، وقالَ أبو حاتم (¬5): ((ليسَ بالقويِّ، ولولا أنَّ مالكاً رَوَى عنهُ لتُرِكَ حديثُهُ))، وذكرهُ ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " (¬6)، وقالَ: ((كانَ يذهبُ مذهبَ الشراةِ - يعني: طائفةً من الخوارجِ، قالَ - وكلُّ منْ تَركَ حديثَهُ على الإطلاقِ وَهِمَ؛ لأنَّهُ لم يكنْ بداعية)) وقالَ الساجيُّ (¬7): ((منكرُ الحديثِ، متهمٌ برأي الخوارجِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال 5/ 482 (5076). (¬2) التقييد والإيضاح: 150، وانظر: الثقات لابن حبان 7/ 121، والجرح والتعديل 6/ 16. (¬3) العين مادة ((شري))، والصحاح مادة ((شري)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((أبو زرعة))، والمثبت من الجرح والتعديل 3/ 388، وتهذيب التهذيب 3/ 163 - 164، والذي قاله أبو زرعة عنه: ((لين)). (¬6) الثقات 6/ 284. (¬7) في جميع النسخ الخطية: ((النسائي))، والمثبت من تهذيب التهذيب 3/ 164، والذي قاله النسائي عنه: ((ليس به بأس)). (¬8) انظر: تهذيب الكمال 2/ 412 (1737).

قولهُ: (ابن الأخرم) (¬1) قالَ الشيخُ في أوائلِ ما وُجِدَ منْ شرحهِ الكبيرِ: ((هو الحافظُ أبو عبد اللهِ محمدُ بنُ يعقوبَ بنِ يوسفَ بنِ الأخرم الشيبانيُّ النيسابوريُّ شيخُ الحاكمِ، ذكرهُ في " التاريخِ " فقالَ: ((صدرُ أهلِ الحديثِ ببلادِنا بعدَ أبي حامدِ بنِ الشرقي وكانَ يحفظُ ويفهمُ، وصنّفَ على الكتابينِ الصحيحينِ البخاريِّ ومسلمٍ، وصنّفَ "المسندَ الكبيرَ" وكانَ أبو بكرِ بنُ خزيمةَ يرجعُ إلى فهمهِ، وقالَ محمدُ بنُ صالحٍ بنِ هانئ: ((كانَ ابنُ خزيمةَ يقدّمُهُ على كافةِ أقرانهِ وكانَ يرجعُ إليهِ، ويعتمدُ قولهُ فيما يرد عليهِ، وإذا شكَّ في /224 ب/ شيءٍ عَرَضهُ عليهِ، وتوفي في جمادى الآخرةِ سنةَ أربعٍ وأربعينَ وثلاثِ مئةٍ وهو ابنُ أربعٍ وتسعينَ سنةً)) (¬2). قولهُ: (كالمجسمة) (¬3) هذا المثالُ منْ عندِ الشيخِ لم يذكرهُ ابنُ الصلاحِ. وقولهُ: (إن قلنا بتكفيرهم) (¬4) لم أرَ ما أشارَ إليهِ منَ الخلافِ، وإنما رأيتُ في " شرحِ المهذبِ " في صفةِ الأئمةِ: ((فرعٌ: قد ذَكَرنا أنَّ مَن يُكفَّرُ ببدعتهِ لا تصحُّ الصلاةُ وراءَهُ، ومن لايُكفَّرُ تصحُّ، فمِمَّنْ يكفّرُ: مَنْ يجسّمُ تجسيماً صريحاً، ومنْ ينكرُ العلمَ بالجزئياتِ، وأمّا منْ يقولُ بخلقِ القرآنِ فهو مُبتدعٌ، واختلفَ أصحابُنا في تكفيرِهِ)) (¬5) فلعل الشيخَ سمّى التفصيلَ وما ينشأُ عنهُ من تكفيرِ المصرحِ دونَ غيرهِ خلافاً. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬2) ترجمته في سير أعلام النبلاء 15/ 466. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬5) المجموع 4/ 222.

قولهُ: (فإنَّ ابن الصلاحِ) (¬1) تَسبّبَ عن قولهِ ((احترازٌ)) لم يحكِ فيهِ، أي: في المبتدع الذي يُكفَّرُ ببدعتهِ أعمُّ منَ المجسمِ وغيرهِ. قولهُ: (ردِّ روايتهِ مُطلقاً) (¬2) أي: المبتدعِ سواءٌ كُفِّرَ ببدعتهِ، أو لا، سواءٌ اعتقدَ حرمةَ الكذبِ، أو لا. قولهُ: (وللحميدي والإمام أحمدا) (¬3) لو قالَ بعده: إنَّ الذي لِكَذبٍ تعمدا، لكانَ أحسنَ، وأبو بكرٍ الحميديُّ هذا هو صاحبُ الشافعيّ، وهو شيخُ البخاريِّ، وأبو بكر الصيرفيُّ منْ أصحابِ الوجوهِ عند الشافعيّةِ. قولهُ: (أما الكذب في حديثِ الناسِ) (¬4) /225أ/ إلى آخرهِ، قالَ الشيخُ محيي الدين في أواخر شرحِ مقدمةِ " صحيحِ مسلمٍ ": ((قالَ القاضي - يعني: عياضاً - والضرب الثاني - أي: من الكاذبينَ - من لا يَستجيزُ شيئاً منْ هذا كلّهِ في الحديثِ، ولكنهُ يكذبُ في حديث الناسِ قدْ عُرفَ بذلكَ، فهذا أيضاً لا تقبلُ روايتُهُ ولا شهادتُهُ، وتنفعُهُ التوبةُ ويرجعُ إلى القبولِ. فأمّا منْ يندر منهُ القليلُ (¬5) من الكذبِ ولم يعرفْ بهِ فلا يقطعُ بجرحهِ بمثلهِ؛ لاحتمال الغلطِ عليهِ والوهمِ، وإن (¬6) اعترفَ بتعمّدِ ذلك المرةَ الواحدةَ ما لم يضرَّ بهِ مسلماً، فلا يجرحُ بهذا، وإن كانت معصيةً لندورِها؛ ولأنَّها لا تلحقُ بالكبائرِ الموبقاتِ؛ ولأن أكثرَ الناسِ قَلَّ ما يَسلمونَ منْ مواقعاتِ بعضِ الهناتِ (¬7)، وكذلكَ لا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 359. (¬3) التبصرة والتذكرة (299). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة1/ 360. (¬5) عبارة: ((فأما من يندر منه القليل)) لم ترد في (ف). (¬6) في (ف): ((فإن)). (¬7) الهنات: الأخطاء اليسيرة البسيطة.

يسقطُها كذبهُ فيما هوَ من بابِ التعريضِ أو الغلو في القولِ، إذ ليسَ بكذبٍ في الحقيقةِ وإن كانَ في صورةِ الكذبِ؛ لأنَّهُ لا يدخلُ تحتَ حدِّ الكذبِ - يعني: لأنّ حدّ (¬1) الكذب هوَ الإخبارُ عن الشيءِ على خلافِ ما هوَ عمداً كانَ أو سهواً قالَ الشيخُ (¬2) - ولا يريدُ المتكلمُ بهِ الإخبارَ عنْ ظاهرِ لفظهِ، وقد قالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((أمّا أبو الجهمِ فلا يضعُ العصا (¬3) عن عاتقِهِ (¬4)))، وقد قالَ الخليلُ إبراهيمُ (¬5) عليهِ الصلاةُ (¬6) والسلامُ: ((هذه أختي)) (¬7) (¬8). قولهُ: (افترقت فيهِ /225ب/ الروايةُ والشهادةُ) (¬9)، أي: لأنَّ كذبَهُ ذلك انعطفَ على جميعِ رواياتهِ في ما قبلَ ذلكَ، فَهدمَها وأسقطَها؛ لأنَّها نوعٌ واحدٌ والغرضُ فيها لا يشتدُّ اختلافهُ، فكما عَمَّ الماضي فكذلكَ يَعمُّ المستقبلَ احتياطاً للروايةِ. وأمّا الشهادةُ فإنَّهُا وإنْ كانَ أمرُها أضيقَ منَ الروايةِ، أنواعُها متباينةٌ، والغرضُ ¬

_ (¬1) لم ترد في (أ) و (ف). (¬2) مابين الشارحتين جملة اعتراضية تفسيرية من البقاعي. (¬3) في (ب): ((عصاه)). (¬4) صحيح مسلم 4/ 195 (1480)، والحديث مخرج بتفصيل في تعليقنا على مسند الشافعيّ (1131) و (1132). (¬5) في " شرح النووي ": ((إبراهيم الخليل)). (¬6) لم ترد في (ب) و (ف). (¬7) إشارة إلى ما قاله إبراهيم - عليه السلام - للملك الظالم عندما سأله عن زوجته سارة، وهذا الحديث أخرجه: أحمد 2/ 403، والبخاري 3/ 105 (2217)، ومسلم 7/ 98 (2371)، والترمذي (3166) عن أبي هريرة، به. (¬8) شرح صحيح مسلم 1/ 107 - 108. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 360.

فيها يختلفُ (¬1) اختلافاً كثيراً، فلم يبطلْ ما مَضَى منها وانبرمَ الحكمُ بهِ. وأمّا ما يكونُ منها بعد التوبةِ فيقعُ عندَ الحكامِ وفي حقوقٍ لها أهلٌ يُشاححونَ (¬2) ويبحثونَ عن الخفايا، وذلك يوجبُ تحرّزَ الشاهدِ في نفسهِ، والحذرَ منهُ، والعثورَ على زَلَلِهِ وإن اجتهدَ في إخفائهِ بخلافِ الروايةِ. وإنما خفّفنا أمرَها في الابتداءِ؛ لبعدِ تعلّق الغرضِ بالكذبِ في الأمورِ العامةِ ونحوِها، ولا سيّما ممن اشتهرَ بالخيرِ، فلما وُجِدَ كذبُهُ صارَ أصلاً فيهِ، فوجبَ الاحتياطُ بعد ذلكَ بالاحترازِ منه استصحاباً لما جعلناهُ أصلاً، واللهُ أعلمُ (¬3). ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا ما نصّهُ: قال الشيخُ محيي الدين النوويُّ - رحمه الله -: ولم أرَ دليلاً لمذهبِ هؤلاءِ، ويجوزُ أنْ يوجهَ بأنَّ ذلكَ جُعلَ تغليظاً وزجراً بليغاً عن الكذبِ عليهِ - صلى الله عليه وسلم - /226أ /؛ لعظمِ مفسدتهِ؛ فإنَّهُ يَصيرُ شرعاً مُستمراً إلى يومِ القيامةِ، بخلافِ الكذبِ على غيرهِ والشهادةِ؛ فإنَّ مفسدتهما قاصرةٌ ليستْ عامةً. قالَ - أي: النوويّ -: وهذا الذي ذَكرهُ (¬4) هؤلاءِ الأئمةُ ضعيفٌ مخالفٌ للقواعدِ الشرعيةِ، والمختارُ القطع بصحةِ توبتهِ (¬5) في هذا، وقبولُ رواياتهِ بعدَها إذا صحّتْ توبتُهُ بشروطها المعروفةِ، قالَ: فهذا هو الجاري على قواعدِ الشرعِ، وقدْ أجمعوا على صحةِ روايةِ منْ كانَ كافراً فأسلمَ، قال: وأجمعوا على قبولِ شهادتهِ، ولا فرقَ بينَ الشهادةِ والروايةِ في هذا. انتهى. وهو في الكلامِ على حديثِ: ((مَنْ كذبَ عليَّ متعمداً ... )) في " شرحِ ¬

_ (¬1) في (ب) و (ف): ((مختلف)). (¬2) أي: يخاصمون. (¬3) انظر: إكمال المعلم 1/ 107، والفروق 1/ 5. (¬4) في (ب): ((ذكر)). (¬5) في (ب): ((ثبوته)).

صحيحِ مسلمٍ " في المقدمةِ (¬1). قولهُ: (فهو كاذبٌ في الأول) (¬2)، أي: الخبرِ الأولِ، أي: نجعلُهُ صادقاً في إخبارهِ عنْ نفسهِ بالكذبِ في قولهِ: عمدتُ الكذبَ، فيردُّ ذلك الخبرَ الذي قالَ: إنَّهُ كذبَ فيهِ، ثمَ نردُّ بعد ذلكَ كلَّ شيءٍ يُحدثُ بهِ، ونحملُهُ على الكذبِ ولو قالَ: إنّي صدقتُ في هذا. واستدلالُ الشيخِ على أنَّهُ أرادَ الكذبَ في حديثِ النبي - صلى الله عليه وسلم - بما قالَ ضعيفٌ، والظاهرُ ما قالَ ابنُ الصلاحِ، ويدلُّ عليهِ قولهُ: ((ومن ضعفنا نقلهُ)) (¬3) إلى آخرهِ، فإنَّهُ أعمُّ من أنْ يكونَ يكذبُ في الحديثِ /226ب/، أو في حديثِ الناسِ، أو بِوَهمٍ أو فسقٍ، لكنَّ موافقتَهُ على إدامةِ الإهدار بعد التوبةِ منْ غيرِ الكذبِ بعيدةٌ، والله أعلمُ. قولهُ: (يضاهي منْ حيث المعنى) (¬4)، أي: من أجلِ أنَّ ردَّنا لحديثهِ بعدَ الاطّلاعِ على كذبهِ إنَّما هو لاحتمالِ أنْ يكونَ كَذَبَ فيهِ كما كَذَبَ في الذي (¬5) اطّلعنا على كذبهِ فيهِ، وهذا الاحتمالُ بعينهِ سارٍ فيما تقدّمَ على ذلكَ. نهاية الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله البيت رقم (304) ¬

_ (¬1) انظر: شرح صحيح مسلم 1/ 57. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 361. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 360. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 361. (¬5) في (ف): ((في ذلك)).

الجزء 2

قولهُ: 304 - وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ ... فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ 305 - لاَ تُثْبِتَنْ بِقَوْلِ شَيْخِهِ، فَقَدْ ... كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ 306 - وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ (لاَ أذْكُرُ) أوْ ... مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا 307 - الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ ... وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِمِ 308 - كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ ... نَسِيَهُ (سُهَيْلٌ) الَّذِي أُخِذْ 309 - عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ) ... عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يُضِيْعَهْ 310 - وَ (الشَّافِعي) نَهَى (ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ) ... يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَمِ قولهُ: (وليسَ قَبولُ جرحِ كلٍّ منهما) (¬1) لو قالَ: وليس قبولُ جرحِ واحدٍ منهما، كانَ أحسنَ، وهو مرادُهُ. وأمّا ظاهرُ العبارةِ فليس قبولُ جرحِ الاثنينِ بأولى منْ قَبولِ جرح الآخر؛ لأنَّ ((كلاً)) سورٌ محيطٌ بأفرادِ ما دَخلَ عليهِ، وتارةً ينظر إلى مدخولهِ من حيثُ الإفرادُ، وتارةً منْ حيثُ الاجتماعُ، وهو مشكلٌ على كلٍّ منهما، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وليسَ قَبولُ جرحِ شيخهِ لهُ بأولى منْ قَبولِ جرحهِ لشيخهِ فتساقطا)) (¬2)، وهي عبارةٌ حسنةٌ. قولهُ: (ارددهُ منْ حيث الفرع) (¬3) قال شيخنا فيما نقلَ عنْ خطّهِ: يمكنُ أنْ يقالَ يجبُ على الفرعِ العملُ بهِ. قولهُ: (وهو الصحيحُ) (¬4) عبارةُ ابن الصلاحِ: ((والصحيحُ ما عليهِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 362. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 234. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 362. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 362.

الجمهورُ؛ لأنَّ المرويَّ عنهُ بصددِ السهوِ والنسيانِ، والراوي عنهُ ثقةٌ جازمٌ فلا تردُّ بالاحتمالِ روايتهُ، ولهذا كانَ سهيلٌ بعد ذلكَ يقولُ / 227 أ /: حدثني ربيعةُ عني)) (¬1). قال الشيخُ في " النكت ": ((وقد اعتُرضَ عليهِ بأنَّ الراويَ أيضاً معرضٌ للسهو والنسيانِ، فينبغي أنْ يتهاترا (¬2) ويُنظرَ في ترجيحِ أحدِهما منْ خارجٍ. والجواب: أنَّ الراويَ مثبتٌ جازمٌ، والمروي عنهُ ليس بنافٍ وقوعَهُ بلْ غيرُ ذاكرٍ، فَقُدِّمَ المثبتُ عليهِ، والله أعلم)) (¬3). قولهُ: (تركتُ التمثيلَ بهِ لما سأذكرهُ) (¬4) كانَ أحسن منْ ذلكَ أنْ يذكرّها بعبارةِ ابنِ الصلاحِ ثمَ ينبهُ على أنَّ التمثيلَ بحديثِ النكاحِ غيرُ صحيحٍ لما ذكرَ؛ وذلكَ لأنَّ عبارةَ ابنِ الصلاحِ يُفهمُ منها: أنَّ ردَّ الحنفيةِ للحديثِ مبنيٌ على ما أصَّلوهُ منْ أنَّ نسيانَ الأصلِ قادحٌ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ومنْ رَوَى حديثاً ثمَّ نسيهُ لم يكنْ ذلكَ مُسقِطاً للعملِ بهِ. ثم قالَ خلافاً لقومٍ منْ أصحابِ أبي حنيفةَ (¬5) صاروا إلى إسقاطهِ بذلكَ، وبنوا عليهِ ردَّهم حديثَ سليمانَ بنِ موسى (¬6). فذَكرهُ إلى أنْ قالَ: ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 237. (¬2) من الهِتر: بالكسر، وهو الباطل والسقط من الكلام. لسان العرب مادة ((هتر)). (¬3) التقييد والإيضاح: 153 - 154. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 363. (¬5) بل هو مذهب أكثر الحنفية، منهم: الكرخي والدبوسي والبزدوي، وصوبه النسفي منهم، وهو رواية عن الإمام أحمد، ونقل الرافعي عن القاضي ابن كج حكايته وجهاً لبعض الشافعيّة، وعينه شارح اللمع بأنه القاضي أبو حامد المروزي. انظر: اللمع: 48، وإحكام الأحكام2/ 92، وكشف الأسرار للبخاري 3/ 60، وفواتح الرحموت 2/ 170، ونهاية السول 3/ 156، والبحر المحيط 4/ 325. (¬6) تخريجه مفصلاً في تعليقنا على " معرفة أنواع علم الحديث ": 235.

منْ أجلِ أنَّ ابنَ جُريجٍ، قالَ: لقيتُ الزهريَّ فسألتهُ عنْ هذا الحديثِ فلمْ يعرفْهُ (¬1) - ثم قالَ - وكذا حديثُ ربيعةَ الرأي، عنْ سهيلٍ)) (¬2)، فذكرهُ، قالَ الشيخُ في " النكت ": ((وقد اعترض عليهِ بأنَّ في رواية الترمذيِّ - أي: في الحديثِ الأولِ - فسألتهُ عنهُ فأنكرهُ. والجوابُ عنهُ: أنَّ الترمذيَّ لم يروهِ وإنما ذَكرهُ بغيرِ إسنادٍ، والمعروف في الكتبِ / 227ب / المصنفةِ في العللِ: فلم يعرفهُ كما ذكرهُ المصنفُ، ومع هذا فلا يصح هذا عن ابنِ جُريجٍ لا بهذا اللفظِ، ولا بذاكَ (¬3)، فبطلَ تعلُّقُ منْ تعلَّقَ بذلكَ في ردِّ الحديثِ. وأمّا كونُ الترمذيّ لم يوصلْ إسنادَهُ فإنَّهُ رواهُ متصلاً عن ابنِ أبي عمرَ، عنْ سفيانَ بن عيينةَ، عن ابنِ جُريج، عنْ سليمانَ بنِ موسى، ثمَّ قال: وقد تكلّمَ بعضُ أهلِ الحديثِ في حديثِ الزهري، عنْ عروةَ، عنْ عائشةَ رضي الله عنها، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قالَ ابنُ جريجٍ: ثم لقيتُ الزهريَّ فسألتهُ فأنكرهُ فضعفوا هذا الحديثَ منْ أجل هذا. وأمّا كونهُ معروفاً في كتبِ العللِ باللفظِ الذي ذَكرهُ المصنِّفُ فهكذا هو في " سؤالاتِ عباسٍ الدوريِّ "، عن ابنِ معينٍ وفي " العللِ " لأحمد. وأمّا كونهُ لا يصحُّ عن ابنِ جُريجٍ فروينا في " السننِ الكبرى " للبيهقي بالسندِ الصحيحِ إلى أبي حاتمٍ الرازيِّ، قالَ: ((سمعتُ أحمدَ بنَ حنبلٍ يقولُ: وذُكرَ عندَهُ أنَّ ابنَ عليةَ يذكرُ حديثَ ابنِ جُريجٍ: ((لا نكاحَ إلا بوليٍّ)) قالَ ابنُ جُريجٍ: فلقيتُ الزهريَّ فسألته عنهُ فلم يعرفْهُ، وأثنى على سليمانَ بنِ موسى، فقالَ أحمدُ بنُ حنبلٍ: إنَّ ابنَ جريجٍ لهُ كتبٌ مدونةٌ وليسَ هذا في كتبهِ يعني: حكايةَ ابنِ عليةَ، ¬

_ (¬1) انظر بلا بد تعليقنا على " معرفة أنواع علم الحديث ": 235. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 234 - 235. (¬3) في " التقييد والإيضاح ": ((ولا بهذا اللفظ)).

عن ابنِ جريجٍ)) (¬1). وروينا في " سنن البيهقيِّ " أيضاً بإسنادهِ الصحيحِ إلى عباسٍ الدوريِّ: ((سمعتُ يحيى بنَ معينٍ / 228أ / يقولُ في حديثِ: ((لا نكاحَ إلا بوليٍّ)) الذي يرويهِ ابنُ جريجٍ، قلت: إنَّ ابنَ عليةَ يقولُ: قالَ ابنُ جريجٍ، فسألتُ عنهُ الزهريَّ؟ فقالَ: لستُ أحفظُهُ، فقالَ يحيى بنُ معينٍ: ليسَ يقولُ هذا إلا ابنُ عليةَ، وإنَّما عرضَ ابنُ عليةَ كتبَ ابنِ جريجٍ على عبد المجيدِ (¬2) بنِ عبدِ العزيزِ بنِ أبي روادٍ فأصلحها لهُ)) (¬3). وروينا في" السننِ " للبيهقيِّ أيضاً بسندهِ الصحيحِ إلى جعفرَ الطيالسيِّ: ((سمعتُ يحيى بنَ معينٍ يقولُ: روايةُ ابنِ جُريجٍ، عن الزهريِّ أنَّهُ أنكرَ معرفةَ حديثِ سليمانَ بنِ موسى فقالَ: لم يذكرهُ عن ابن جريجٍ غيرُ ابنِ عليةَ، إنما سمعَ ابنُ عليةَ من ابنِ جريجٍ سماعاً ليس بذاك إنما صحّحَ كتبَهُ على كتبِ عبد المجيدِ بنِ عبدِ العزيزِ، وضعفَ يحيى بنُ معينٍ روايةَ إسماعيلَ، عن ابنِ جُريجٍ جداً)) (¬4) وقد ذكرَ الترمذيُّ في " جامعهِ " (¬5) كلامَ يحيى هذا الأخيرَ غيرَ موصلِ الإسنادِ، فقالَ: ((وذُكر عنْ يحيى بنِ معينٍ)) إلى آخرهِ، وهو متصلُ الإسنادِ عندَ البيهقيِّ، وهذا يدلُّكَ على أنَّ المرادَ بقولهِ: فأنكرهُ، أي: إنَّهُ قال: ما أعرفهُ، كما حكاهُ المصنفُ، فإنَّهُ قال في هذه الروايةِ الأخيرةِ: إنَّهُ أنكرَ معرفةَ حديثِ سليمانَ بنِ موسى فليسَ بينَ العبارتينِ إذن اختلافٌ كما أنكرهُ من اعترضَ بذلكَ على المصنفِ، والله أعلم)) (¬6). ¬

_ (¬1) السنن الكبرى 7/ 105 - 106، وانظر: علل ابن أبي حاتم 1/ 408. (¬2) في (ب): ((عبد الحميد)) خطأ. (¬3) السنن الكبرى 7/ 106. (¬4) السنن الكبرى 7/ 106، وفي النقل تصرف يسير. (¬5) جامع الترمذي 2/ 395 عقب (1102م). (¬6) التقييد والإيضاح: 152 - 153.

قولهُ: (ما سمعَ من ابنِ جريجٍ) (¬1) كلامٌ مبتدأٌ ينفي سماعَ إسماعيلَ / 228ب / ابنِ إبراهيمَ بنِ عليةَ من ابنِ جُريجٍ. قولهُ: (وعن الشافعيّ) (¬2) قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((وقد اعترضَ عليهِ بأنَّ الشافعيَّ إنَّما نَهَى عن الروايةِ عن الأحياءِ؛ لاحتمالِ أنْ يتغيرَ المرويُّ عنهُ عن الثقةِ والعدالةِ بطارئٍ يطرأُ عليهِ يقتضي ردَّ حديثهِ المتقدّمِ، كما تقدمَ في ذكرِ مَنْ كَذَبَ في الحديثِ أنَّهُ يُسقَطُ حديثُهُ المتقدّمُ، ويكونُ ذلكَ الراوي قد رَوَى عنهُ في تصنيفٍ له فتكونُ روايتُهُ عنْ غيرِ ثقةٍ، وإنَّما يؤمَنُ ذلكَ بموتهِ على ثقتهِ وعدالتهِ؛ فلذلكَ كرهَ الشافعيُّ الروايةَ عن الحيِّ. والجواب: إنَّ هذا حدسٌ وظنٌ غيرُ موافقٍ لما أرادهُ الشافعيّ، وقد فهمَ الخطيبُ منْ ذلكَ ما فهمهُ المصنفُ فقالَ في " الكفايةِ " (¬3): ((ولأجلِ أنَّ النسيانَ غيرُ مأمونٍ على الإنسانِ، فيبادرُ إلى جحودِ ما رُوِيَ عنهُ وتكذيبِ الراوي لهُ، كرهَ منْ كرهَ من العلماءِ التحديثَ عنِ الأحياءِ)) وقد بيَّنَ الشافعيُّ مرادَهُ بذلك كما رواهُ البيهقيُّ في " المدخلِ " (¬4) بإسنادهِ إليهِ أنَّه قالَ: ((لا تُحدّثْ عنْ حيٍّ؛ فإنَّ الحيَّ لا يؤمنُ عليهِ النسيانُ)) قالهُ لابنِ عبدِ الحكمِ (¬5)، وقد رَوَى عنهُ حكايةً فأَنكرَها ثمَّ ذَكرَها، وما قالهُ سَبَقهُ إليه الشعبيُّ ومعمرٌ فرَوَى الخطيبُ في " الكفايةِ " (¬6) بإسنادهِ إلى الشعبيِّ، أنهُ قالَ لابنِ عونٍ: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 364. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 364. (¬3) الكفاية (222ت، 139هـ‍). (¬4) المدخل: 166، وهو في الكفاية أيضاً (222ت، 140هـ). (¬5) هو محمد بن عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث، أبو عبد الله الفقيه المصري، ولد سنة (182) هـ، كان عالم الديار المصرية في عصره مع المزني، توفي سنة (268) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 12/ 497 - 501. (¬6) الكفاية (222ت، 140هـ‍).

((لا تحدّثني عن الأحياءِ)) وبإسنادهِ إلى معمرٍ (¬1) أنهُ قالَ لعبدِ الرزاقِ: إن قدرتَ ألا تحدّثَ عنْ رجلٍ حيٍّ فافعلْ)) (¬2). /229أ / انتهى. وفيهِ تلخيصٌ (¬3). قولهُ: (يخرم من) (¬4) لو قال: لكنهُ مروءة الإنسانِ ... تخرمُ مع أنَّ الدكينيَّ أخذ لزالَ الإيهامُ الذي سيأتي احترازهُ عنهُ في الشرحِ. قولهُ: (أبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دكينٍ) (¬5) قال شيخُنا في " تهذيبهِ ": ((وهوَ لقبٌ واسمهُ عمرُو بن حماد بنِ زهيرِ بنِ درهمٍ التيميُّ مولى آلِ طلحةَ الملائيُّ الكوفيُّ الأحولُ - وعدَّ خَلقاً منْ مشايخهِ كالأعمشِ، والثوريِّ، ثمَّ قالَ - رَوَى عنهُ البخاريُّ فأكثر - وذَكرَ خَلقاً منَ الرواةِ عنهُ كالإمام أحمدَ، وإسحاقَ بنِ راهويه، وعبد اللهِ بنِ المباركِ، وعليِّ بنِ عبدِ العزيزِ البغويِّ - قال المروذيُّ عن الإمام أحمدَ: ((يحيى، وعبدُ الرحمانِ، وأبو نعيمٍ الحجةُ الثبتُ، كانَ أبو نعيمٍ ثبتاً)) وقالَ عبدُ الصمدِ بنُ سليمانَ البلخيُّ: ((سمعتُ أحمدَ يقولُ: ما رأيتُ أحفظَ من وكيعٍ، وكفاكَ بعبدِ الرحمانِ إتقاناً، وما رأيتُ أشدَّ تثبتاً في الرجالِ منْ يحيى وأبي نعيمٍ (¬6)، وأبو نعيمٍ أقلُ الأربعةِ خطأً، قلتُ: يا أبا عبد اللهِ يعطي فيأخذ، فقالَ: أبو نعيمٍ صدوقٌ موضعٌ للحجةِ في الحديثِ)) وقالَ الحسينُ بنُ إدريسَ: ((خرجَ علينا عثمان ابنُ أبي شيبةَ، فقالَ: حدّثنا الأسدُ، فقلنا: مَنْ هو؟ فقالَ: الفضلُ بنُ دكينٍ))، (¬7) وقال ¬

_ (¬1) الكفاية (223ت، 141هـ‍). (¬2) التقييد والإيضاح: 154 - 155. (¬3) وكذلك فيه تقديم وتأخير. (¬4) التبصرة والتذكرة (312). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 365. (¬6) ((وأبي نعيم)) لم ترد في تهذيب التهذيب. (¬7) تاريخ بغداد 12/ 354.

الآجُريُّ: ((قلتُ لأبي داودَ: كانَ أبو نعيمٍ حافظاً، قالَ: جداً)) وقالَ حنبلُ ابنُ إسحاقَ: ((سمعتُ أبا عبدِ اللهِ يقولُ: شيخانِ / 229ب / كانَ الناسُ يتكلمونَ فيهما ويذكرونهما وكنا نلقى من الناسِ في أمرهما ما اللهُ بهِ عليمٌ قاما للهِ بأمرٍ لم يقمْ بهِ أحدٌ أو كبيرُ أحدٍ مثلَ ما قاما به عفانٌ وأبو نعيمٍ)) يعني: في الكلامِ (¬1) فيهما؛ لأنَّهُما (¬2) كانا يأخذانِ الأجرةَ على التحديثِ وبقيامِهما عدم الإجابةِ في المحنةِ. قالَ عليُّ بنُ خَشرمٍ: ((سمعتُ أبا نعيمٍ يقولُ: يلومونني على الأخذِ (¬3)، وفي بيتي ثلاثةَ عشرَ وما في بيتي رغيفٌ)) (¬4)، ورَوَى الحاكمُ في "تاريخهِ" أنَّ أبا أحمدَ الفراءَ، قالَ: سمعتُهم يقولونَ بالكوفةِ: قالَ أميرُ المؤمنينَ، وإنما يعنونَ الفضلَ بنَ دكينٍ، وقالَ يعقوبُ بنُ سفيانَ: ((أجمعَ أصحابُنا أنَّ أبا نعيمٍ كانَ في غايةِ الإتقانِ)) (¬5)، وقالَ أحمدُ بنُ منصورٍ الرماديُّ: ((خرجتُ مع أحمدَ ويحيى بن معينٍ (¬6) إلى عبدِ الرزاقِ أخدمُهما، فلما عُدنا إلى الكوفةِ قالَ يحيى لأحمدَ: أُريدُ أختبرُ أبا نعيمٍ، قالَ له أحمدُ: لا يريدُ الرجلُ ثقةً، فقالَ يحيى: لا بدَّ لي، فأخذَ ورقةً فكتبَ فيها ثلاثينَ حديثاً منْ حديثِ أبي نعيمٍ وجعلَ على رأسِ كلِّ عشرةٍ منها حديثاً ليسَ منْ حديثهِ، ثمَّ جاؤوا إلى أبي نعيمٍ، فخرجَ فجلسَ على دكانٍ (¬7)، فأخرجَ ¬

_ (¬1) في (ف): ((بالكلام)). (¬2) في (ف): ((أنهما)). (¬3) في التهذيب ((الأجر)) وكلاهما بمعنى. (¬4) تهذيب الكمال 6/ 35. (¬5) المعرفة والتاريخ 2/ 633. (¬6) ((ابن معين)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬7) الدكان: الدكة المبنية للجلوس عليها، والنون مختلف فيها، فمنهم من يجعلها أصلاً، ومنهم من يجعلها زائدة. لسان العرب مادة (دكن).

يحيى الطبقةَ (¬1) فقرأَ عليهِ عشرةً، ثمَّ قرأَ الحادي عشرَ، فقالَ لهُ (¬2) أبو نعيمٍ: ليسَ منْ حديثي اضربْ عليهِ، ثمَّ قرأَ العشرَ الثاني، وأبو نعيمٍ ساكتٌ فقرأ الحديثَ الثاني، فقالَ: ليسَ منْ حديثي اضربْ عليهِ؛ ثم قرأَ العشرَ الثالثَ وقرأ الحديثَ الثالثَ /230أ / فانقلبتْ عيناهُ وأقبلَ على يحيى، فقالَ: أمّا هذا - وذراعُ أحمدَ في يدهِ - فأورعُ منْ أنْ يعملَ هذا، وأما هذا - يريدني - فأقلُّ مِنْ أنْ يعملَ هذا، ولكنَّ هذا منْ فعلِكَ يا فاعلُ، ثمَّ أخرجَ رجلَهُ فرفسَهُ فرمَى بهِ، وقامَ فدخلَ دارَهُ، فقالَ أحمدُ ليحيى: ألمْ أقلْ لكَ إنَّهُ ثبتٌ، قالَ: واللهِ لرفستُهُ أحبُّ إليّ منْ سفرتي)) (¬3)، وقالَ الخطيبُ في "تاريخهِ": ((كانَ أبو نعيمٍ مزاحاً ذا دعابةٍ مع تدينهِ وثقتهِ وأمانتهِ)) (¬4)، وقال يعقوبُ بنُ سفيانَ: ((ماتَ أبو نعيمٍ سنةَ ثمانِ عشرةَ ومئتينِ، وكانَ مولدُهُ سنةَ ثلاثينَ ومئةٍ)) (¬5)، وقالَ حنبلُ بنُ إسحاقَ وغيرُ واحدٍ: ((ماتَ سنةَ تسعَ (¬6) عشرةَ ومئتينِ)) (¬7)، قالَ بعضُهم: ((في سلخِ شعبانَ)) (¬8) - رحمه الله - (¬9). قولهُ: (وعليُّ بنُ عبد العزيز البغوي) (¬10) قال في "لسانِ الميزانِ" (¬11): ¬

_ (¬1) في (ف): ((الطبق)). (¬2) لم ترد في (ب) و (ف). (¬3) تاريخ بغداد 12/ 353 - 354. (¬4) تاريخ بغداد 12/ 347. (¬5) المعرفة والتاريخ 1/ 202. (¬6) لم ترد في (ف). (¬7) تاريخ بغداد 12/ 356. (¬8) تاريخ بغداد 12/ 356. (¬9) تهذيب التهذيب 8/ 270 - 276. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 365. (¬11) عبارة: ((قال في لسان الميزان)) لم ترد في (ب).

((الحافظُ المجاورُ بمكةَ: ثقةٌ ولكنّهُ (¬1) كانَ يطلبُ على التحديثِ ويعتذرُ بأنهُ محتاجٌ، قالَ الدارقطنيُّ: ثقةٌ مأمونٌ، ثم حَكَى عنْ عبدِ الملكِ بنِ أيمنَ أنهُ سألَ: هل كنتُم تعيبونَ هذا؟ - يعني: أخذَهُ الأجرةَ --قال: لا، إنما العيبُ عندهمُ الكذبُ، وهذا كانَ ثقةً، قالَ: وكانَ أهلُ خراسانَ إذا تناومَ رشّوا في وجههِ الماءَ)) (¬2). قولهُ: (بأخذ الأجرةِ على تعليم القرآنِ ونحوهِ) (¬3)، أي: أنَّ آخذَ الأجرةِ على التحديثِ منْ هذا الوادي، فإنَّهُم لما ذَكروا أنّ منْ شروطِ الإجارةِ حصولَ المنفعةِ للمستأجرِ ذَكروا القربَ / 230ب / وذَكروا أنَّ إمامَ الحرمينِ ضَبطَها بأنها قسمانِ: أحدُهما: تتوقفُ صحتُهُ على النيةِ فتجوزُ الإجارةُ على ما يُستنابُ فيهِ كالحجِّ وتفرقةِ الزكاةِ دونَ غيرهِ. والثاني: لا يتوقفُ، وهذا الثاني: نوعانِ: فرضُ كفايةٍ، وشعارٌ غيرُ فرضٍ. والأولُ منَ الثاني ضربانِ: أحدُهما: يختصُ افتراضهُ بشخصٍ وموضع معينٍ، ثمَّ يُؤمرُ بهِ غيرُهُ إنْ عجزَ، كتجهيزِ الميتِ، فإنَّهُ يلزمُ منَ التركةِ، فإنْ لم يكنْ فعَلَى الناسِ، فمثلُ هذا لا (¬4) يجوزُ الاستئجارُ عليهِ؛ لأنَّ الأجيرَ غيرُ مقصودٍ بفعلهِ حتى يقعَ عليهِ. الضربُ الثاني: ما ثبتَ فرضُهُ في الأصلِ شائعاً غيرَ مختصٍّ كالجهادِ، فلا يجوزُ استئجارُ المسلمِ عليهِ؛ لأنَّهُ مأمورٌ بهِ فيقعُ عنهُ، ويجوزُ استئجارُ الذميِّ عليهِ؛ لأنَّهُ لا يقعُ عنهُ (¬5). ¬

_ (¬1) في " لسان الميزان ": ((لكنه)). (¬2) لسان الميزان 4/ 241. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 365. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) في (ف): ((عليه)).

النوع الثاني من القسمِ الثاني: شعارٌ غيرُ فرضٍ كالأذانِ، تفريعاً على الأصحِّ أنَّه سُنةٌ، فيجوزُ أخذُ الأجرةِ عليهِ؛ لأنَّهُ عملٌ معلومٌ يجوزُ أخذُ الرزقِ من بيتِ المالِ عليهِ، ومنفعةٌ تحصلُ للناسِ في طَلبِ وقتِ الصلاةِ، فيجوزُ أَخذُ الأجرةِ عليهِ ككَتَبةِ المصاحفِ. وأمّا تعليمُ القرآنِ فمترددٌ بينَ الجهادِ - لأنَّهُ منْ فروضِ الكفاياتِ - وبينَ الأذانِ؛ لأنَّ فائدَتهُ تختصُّ بالآحادِ، وأيضاً فهوَ منْ بابِ تجهيزِ الميتِ؛ لأنَّ وجوبَ تعليمِ كلِّ أحدٍ يكونُ أولاً على وليّهِ / 231أ / مثلاً، فإذا فُقِدَ انتقلَ إلى الكافةِ، هذا كلُّهُ إذا لم يتعينْ واحدٌ لمباشرةِ مثلِ هذا العملِ. قالَ الشيخُ محيي الدين في " الروضةِ ": ((فإنْ تعيّنَ واحدٌ لتجهيزِ الميتِ، أو لتعليمِ الفاتحةِ، جازَ استئجارُهُ أيضاً على الأصحِّ، كالمضطرِّ (¬1) يجبُ إطعامُهُ ببدلهِ، وقيلَ: لا كفرضِ العينِ ابتداءً)) (¬2). وقالَ في " الوسيطِ ": ((أمّا الاستئجارُ على تعليمِ مسألةٍ معينةٍ في شخصٍ معينٍ فلا خلافَ في جوازهِ إلا إذا تعيّنَ، كامرأةٍ أَسلمَتْ ولَزمَها تعلّمُ الفاتحةِ فَنكحَها رجلٌ على التعليمِ، ولم يحضرْ سوى ذَلِكَ الرجلُ ففيهِ خلافٌ، والأصحُّ: الصحةُ، إذ ليسَ يتعيّنُ عليهِ التعبُ مجاناً بل يجبُ ببذلٍ، كما في بذلِ المالِ في ضرورةِ المخمصةِ، قالَ: وبالجملةِ فكلُّ عملٍ معلومٍ مباحٍ يلحقُ العاملَ فيهِ كلفةٌ ويتطوعُ بهِ الغيرُ عن الغيرِ يجوزُ الاستئجارُ عليهِ، ويجوزُ جعلهُ صداقاً)) (¬3). وقالَ في " البسيطِ ": ((أَسلَمتِ امرأةٌ وتعيّنَ عليها تعلّمُ الفاتحةِ ولا معلمَ بالحضرةِ إلاّ رجلٌ، فأَصدقَها تعليم الفاتحةِ فهوَ صحيحٌ، وحقّقَ بعضُ الأصحابِ (¬4)، ¬

_ (¬1) في (ب): ((المضطرب))، وهو تحريف. (¬2) الروضة 5/ 187. (¬3) الوسيط 4/ 165، (ط دار السلام). (¬4) في (ب): ((الصحابة)).

وقالَ: لا يصحُّ؛ لأنَّهُ وَجبَ عليهِ التعليمُ وتعيّنَ بحكمِ الحالِ وهذا فاسدٌ؛ فإنَّهُ يجبُ عليهِ التعليمُ بعوضٍ لا مجاناً، فهوَ كما لو وجدَ مالكُ الطعامِ مضطراً في مخمصةٍ يجبُ عليهِ تسليمُ الطعامِ إليه، ولكنْ / 231ب / بعوضٍ، حتى لو باعَ صحَّ. وهذا النظرُ يجري في الإجارةِ كما يجري في الصداقِ)). انتهى. فعُلِمَ من هذا أنّ التحديثَ شبيهٌ بتعليمِ القرآنِ؛ لأنَّهُ منْ نشرِ العلمِ وهو فرضُ كفايةٍ، وتارةً يشاركهُ في ما يحدثُ بهِ غيرُهُ، كمنْ سمعَ معهُ فلا يتعيّنُ عليهِ، وتارةً لا يوجدُ ذلكَ إلا عندَهُ فيتعيّنُ، ويجوزُ أَخذُ الأجرِ عليهِ على كلِ حالٍ؛ لأنَّهُ داخلٌ في الضابطِ الماضي ونقلَ الحافظُ عمادُ الدينِ إسماعيلُ بنُ كثيرٍ الدمشقيُّ الشافعيُّ في تاريخِهِ في سنةِ سبعينَ وأربعمئةٍ أنَّ الشيخَ أبَا إسحاقَ الشيرازيَّ أفتى أبا الحسينِ أحمدَ بنَ محمدِ بنِ النَّقُور بجوازِ أخذِها؛ لاشتغالِهِ بالإسماعِ عنِ التكسبِ (¬1). وقولهُ: (ونحوهُ) (¬2)، أي: مثل التدريسِ والأذانِ وتجهيزِ الموتى. هذا بيانُ إلحاقِ التحديثِ بما يجوزُ أخذُ الأجرةِ عليهِ، وأمّا بيانُ كونهِ مفارقاً لهُ منْ جهةِ أنَّهُ يخرمُ المروءةَ دونَ ما أُلحقَ بهِ، فلأنَّ ما أُلحقَ بهِ جَرتِ العادةُ فيهِ (¬3) بأخذ العوضِ عليهِ وشاعَ، بحيثُ أنَّهُ صارَ لا يعدُ خارماً للمروءةِ. ¬

_ (¬1) من قوله: ((ونقل الحافظ عماد الدين ... )) إلى هنا من (ف) فقط، ونص الترجمة من كتاب البداية والنهاية لابن كثير 16/ 67 طبعة التركي: ((أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، أبو الحسين بن النَّقور البزاز، أحد المسندِين المعمرين، تفرَّد بنسخ كثيرة عن ابن حبابة، عن البغوي، عن أشياخِه؛ كنسخة هدبة، وكامل بن طلحة، وعمر بن زُرارة، وأبي السكن البلدي، وكان مكثراً متحرِّياً، وكان يأخُذُ على إسماع حديث طالوت بن عبَّاد ديناراً، وقد أفتاه الشيخ أبو إسحاق الشيرازي بجواز أخذ الأجرة على إسماع الحديث؛ لاشتغاله به عن الكسب. توفي عن تسع وثمانين سنة، رحمه الله تعالى))، وانظر في ترجمة ابن النقور: تاريخ بغداد 4/ 381، والمنتظم 16/ 193، وسير أعلام النبلاء 18/ 372، والوافي بالوفيات 8/ 35. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 365. (¬3) لم ترد في (ف).

وأمّا التحديثُ: فالشائعُ بينَ أهلهِ علوُّ الهِمَمِ، وطهارةُ الشِّيَمِ، وتنْزيهُ العرضِ، عنْ مدِّ العينِ إلى شيءٍ منْ أعراضِ الدنيا، فمنْ خرجَ عنهم بمثلِ ذلكَ بغيرِ عذرٍ دَلَّ حالهُ على دناءةٍ، وذلك هوَ خرمُ المروءةِ، فإنَّ المروءةَ ملكةٌ تحمل على مُلازمةِ الشخصِ لما عليهِ أمثالهُ من المحاسنِ، وخَرمُها بالخروجِ عنْ ذلكَ، كأنْ يخرجَ عنْ حسنِ العِشرةِ للأهلِ والجيرانِ والمعاملينَ، ويضايق في اليسيرِ الذي لا يستقصَى فيهِ، وأن يبتذلَ الرجلُ المعتبرُ نفسَهُ بنقلِ الماءِ والأطعمةِ إلى بيتهِ إذا كانَ ذلكَ عنْ شحٍّ، فإنْ / 232أ / فَعَلَهُ استكانةً (¬1) واقتداءً بالسلفِ التاركينَ للتكلفِ لم يَقدحْ في المروءةِ، وكذا لو كانَ يلبسُ ما يجدُ ويأكلُ، وهذا يُعرفُ بحالِ الشخصِ في الأعمال والأخلاقِ، وظهورُ مخايل الصدقِ فيما يُبديهِ، ذَكرَهُ في " الروضةِ " (¬2). قولهُ: (كالنومِ) (¬3)، أي: كالمتحملِ حالَ النومِ الحاصلِ منهُ أو منْ شيخهِ. قولهُ: (كَلا منْ أصل) (¬4)، أي: وَرُدَّ ذو تَساهلٍ في الأداءِ، كالمؤدي أداءً لا يكونُ منْ أصلٍ صحيحٍ. قولهُ: (أو قبلَ) (¬5) عطفٌ على شَرطٍ مَحذوفٍ دَلَّ عليهِ الكلامُ السابقُ، تقديرهُ: وَرُدَّ (¬6) ذو تَساهلٍ في كذا وكذا إنْ فعلهُ، وَرُدَّ المتساهل بالتلقينِ إنْ قبلهُ. والتلقينُ في اللغةِ: التفهيمُ. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: خشوع)). (¬2) روضة الطالبين 1/ 233. (¬3) التبصرة والتذكرة (315). (¬4) التبصرة والتذكرة (315). (¬5) التبصرة والتذكرة (316). (¬6) في (ف): ((رد)).

وفي العرفِ: إلقاءُ كلامٍ إلى الغيرِ (¬1) ابتداءً، كما تراهُ في ترجمةِ ابنِ دينارٍ، أو يكونُ ذلكَ عندَ غيابِ شيءٍ مما يحدثُ بهِ عنهُ فيتوقفُ، يدّعي منْ يلقنهُ أنَّ ذلك الذي لقنهُ له هو الذي غابَ عنهُ، فقبولُ كل ما يلقى منْ ذلكَ قادحٌ (¬2) في الراوي. قولهُ: (كثرةً) (¬3) يجوزُ أن يكونَ حالاً، أي: ذاتَ كثرةٍ، وأنْ يكونَ تمييزاً، أي: منْ جهةِ كثرةِ وقوعها منهُ. قولهُ: (فهو ردٌّ) (¬4) جزاء لذلكَ الشرطِ المقدرِ، أي: إنْ فعل شيئاً من ذلك (¬5) فهوَ مردودٌ. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ولا يُقبلُ منْ عُرِفَ (¬6) بكثرةِ السهوِ في رواياتهِ إذا لم يُحدّثْ مِن أصلٍ صحيحٍ (¬7)، وكل هذا يخرمُ الثقةَ بالراوي وبضبطهِ)) (¬8) يشير إلى ما في هذه المسألة وما قبلها. قولهُ: (بُيِّن / 232أ / لهُ) (¬9) هو فعلٌ ماضٍ مبنيٌ للمجهولِ، سُكّنتْ نونُهُ وأُدغمتْ في اللامِ للمجانسةِ في المخرجِ، والمقاربةِ فيهِ وفي الصفات، كما فعلَ أبو عمُرو بنُ العلاءِ في كلِّ نونٍ متطرفةٍ تحرّكَ ما قبلَها ولقيها لامٌ (¬10)، نحو: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ} (¬11) {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ} (¬12). ¬

_ (¬1) توضيح الأفكار 2/ 257. (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) التبصرة والتذكرة (316). (¬4) التبصرة والتذكرة (317). (¬5) عبارة: ((من ذلك)) من (ف) فقط. (¬6) الذي في معرفة أنواع علم الحديث: ((ولا تقبل رواية من عرف)). (¬7) انظر بلا بد تعليقنا على " معرفة أنواع علم الحديث ": 239 - 240. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 239. (¬9) التبصرة والتذكرة (318). (¬10) النشر في القراءات العشر 1/ 294. (¬11) البقرة: 55. (¬12) البقرة: 109.

قولهُ: (جُمَعْ) (¬1) بوزنِ صُرَدَ، وهو تأكيدُ جمعِ المؤنثِ، وحَسُنَ إيرادُهُ هنا؛ لأَنَّ الحديثَ المرادَ بهِ الجنسُ، فهو بمعنى أحاديثهِ. قولهُ: (كانَ عناداً) (¬2)، أي: كانَ ذلكَ منه، أي: عدم رجوعهِ، وهوَ يرجعُ إلى تقييدِ بعضِ المتأخرينَ لهُ بأنْ يكونَ ذلك الذي بَيَّنَ لهُ غلطَهُ عالماً يَعتقِدُ المُبيَّنُ لهُ علمُهُ، أما إذا كانَ ليسَ بهذه المثابةِ عندَهُ فلا حرجَ إذن، نقلهُ المؤلف في " نكتهِ " (¬3) وهو ظاهرٌ. قولهُ: (كموسى بنِ دينار) (¬4) قال في " لسانِ الميزانِ ": ((مكيٌّ، عنْ سعيدِ بنِ جُبيرٍ وجَماعةٍ، قالَ البخاريُّ: ((ضعيفٌ)) كانَ حفصُ بنُ غياثٍ يكذبهُ (¬5)، وأسند العقيليُّ عن عمرو بنِ عليٍّ، عنْ يحيى القطانِ، قالَ: ((كتبنا عنْ شيخٍ منْ أهلِ مكةَ أنا وحفصُ بنُ غياثٍ، وأبو شيخٍ (¬6) يكتبُ عنهُ، فجعلَ حفصٌ يضعُ لهُ الحديثَ، فيقول: حدَّثتْكَ عائشةُ بنتُ طلحةَ، عن عائشةَ بكذا وكذا، فيقول: حدّثتْني عائشةُ به، وحدّثكَ القاسمُ بنُ محمدٍ، عنْ عائشةَ بمثلهِ، فيقولُ: حدّثَني القاسمُ بنُ محمدٍ، عنْ عائشةَ بمثلهِ، ويقولُ: حدَّثكَ سعيدُ بنُ جبيرٍ، عن ابنِ عباسٍ بمثلهِ، فيقولُ: حدّثَني سعيدُ بنُ جبيرٍ، عن ابنِ / 233أ / عباسٍ، بمثلهِ. فلما فَرغَ مدَّ حفصٌ بيدهِ إلى ألواحِ أبي شيخٍ فمحا ما فيها، فقال: تحسدوني بهِ، فقالَ حفصٌ: لا، ولكنَّ هذا يكذبُ، قيلَ ليحيى: مَنِ الرجلُ؟ فلم يسمّهِ، فقلتُ: ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (318). (¬2) التبصرة والتذكرة (320). (¬3) التقييد والإيضاح: 157. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 366. (¬5) الجرح والتعديل 8/ 163. (¬6) جارية بن هرم، أبو شيخ الفُقَيمي، بصري، قال عنه النسائي: ليس بالقوي، وقال عنه الدارقطني: متروك. ميزان الاعتدال 1/ 385.

يا أبا سعيدٍ، لعلَّ عندي عنْ هذا الشيخِ شيئاً ولا أعرفهُ، فقالَ: هو موسى بنُ دينارٍ)) (¬1). وأخرجَ الحكايةَ بطولها الخطيبُ في "المؤتلفِ" من طريقِ الحاكمِ بسندٍ آخرَ، عن عمرٍو بنِ عليٍّ (¬2). قولهُ: (أصل كتابٍ صحيحٍ) (¬3) هوَ بالإضافةِ، وهو من بابِ إضافةِ العامِ إلى الخاصِ؛ لأنَّ الأصلَ أعمُّ من أنْ يكونَ كتاباً أو غيرَهُ فهو مثلُ يومِ الأحدِ، ويجوزُ أنْ يكونَ ((أصلٌ)) منوناً، و ((كتابٌ صحيحٌ)) بياناً لهُ، واللهُ أعلم. قولهُ: (بعلمٍ صحيحٍ) (¬4) مُرادُ الشيخِ بسوقِ (¬5) ذلك عن ابن حبانَ، وغيرهِ، أنَّ الذي بحثَهُ ابنُ الصلاحِ صادفَ المنقولَ عنْ أهلِ الفنِّ، قالَ في " النكتِ " : ((وقيّدَ أيضاً بعضُ المتأخرينَ ذلكَ بأنْ يكونَ الذي بَيَّنَ لهُ غلطهُ عالماً عندَ المبيَّنِ لهُ. أمّا إذا كانَ ليس بهذهِ المثابةِ عندهُ فلا حرجَ إذن)) (¬6). انتهى كلامُ " النكتِ ". وهذا لا يحتاجُ إليه بعدَ التقييدِ بأنْ يعلمَ الغلطَ. وقولُ ابنِ حبانَ: ((إنَّهُ كذابٌ)) وجههُ: أنَّ الكذبَ هو الإخبارُ بما لا يطابقُ الواقعَ، وهذا إذا عَلِمَ الخطأَ ثم ذَكرَهُ بعدَ ذلكِ فقد تعمّدَ حكايةَ ما لا يطابقُ الواقعَ (¬7)، وهذا هوَ الكذِبُ بعينهِ. قولهُ: (هذه الشروطُ) (¬8) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((عن / 233 ب / اعتبارِ مجموعِ ما بيّنا منَ الشروطِ في رواةِ الحديثِ ومشايخهِ فلمْ يتقيدوا بها في رواياتِهم لتعذّرِ ¬

_ (¬1) الضعفاء 4/ 156 - 157، وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 385 - 386. (¬2) لسان الميزان 6/ 116 - 117. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 367. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 367. (¬5) في (ف): ((يسوق)). (¬6) التقييد والإيضاح: 157. (¬7) من قوله: ((وهذا إذا علم الخطأ .. )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368.

الوفاءِ بذلكَ على نحو ما تقدّمَ، وكانَ عليهِ منْ تقدّمَ ووجهُ ذلكَ ما قدّمناهُ في أولِ كتابِنا هذا منْ كونِ المقصودِ آلَ آخراً إلى المحافظةِ على خصيصةِ هذه الأمةِ في الأسانيدِ والمحاذرةِ من انقطاعِ سلسلتِها، فليعتبر منَ الشروطِ المذكورةِ ما يليقُ بهذا الغرضِ على تجرّدهِ، وليكتفِ في أهليةِ الشيخِ)) (¬1) إلى آخرهِ. قولهُ: (على ما تقدمَ) (¬2)، أي: في ضبطِ العدالةِ في أولِ هذا النوعِ. قولهُ: (التي جمعها أئمة الحديثِ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وَوَجَّهَ ذلكَ - يعني: البيهقي - بأنَّ الأحاديثَ التي قدْ صَحَّتْ أو وقفتْ بينَ الصحةِ والسقمِ قدْ دُوِّنتْ في الجوامعِ التي جَمعَها أئمةُ الحديثِ، ولا يجوزُ أنْ يذهبَ شيءٌ منها على جَميعِهم، وإن جازَ أنْ يذهبَ على بعضِهم لضمانِ صاحبِ الشريعةِ حِفظَها)) (¬4). قولهُ: (إلاّ على وجهِ المتابعةِ) (¬5) أرادَ بهذا أنَّ الشيخينِ يروونَ عنْ جماعةٍ ليسوا منْ شَرطهما في الاحتجاجِ، تارةً مقرونينَ بغيرهم منَ الثقاتِ، وتكونُ العمدةُ على منْ قرنوا بهِ، وتارةً يذكرُ مسلمٌ حديثاً هو مُرادهُ بالذاتِ ثم يذكرُ لهُ طرقاً أخرى يكونُ فيها مَنْ ليسَ منْ شرطهِ في الاحتجاجِ، ولكنهما لا يريانِ كلَّ أحدٍ صالحاً للمتابعةِ / 234أ / كما ذكرَ ذلك في الكلامِ على شرطِهما فيما مضى، وهؤلاءِ الذينَ اختلَّ فيهم شيءٌ منْ شروطِ الثقةِ كأولئكَ لو خُلُّوا وأنفسَهم لما جازَ ذِكرُهم إلاّ على وجهِ المتابعةِ، وشهادةُ المفيدِ الثقةِ لهم رَقَّى رواياتِهمْ إلى درجةِ الاحتجاجِ، واللهُ أعلم. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 241. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 241. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368.

قولهُ: (من صونِ الراوي وسترهِ) (¬1)، أي: لا بدَّ منْ أنْ يكونَ صائناً لعرضهِ، ساتراً لنفسهِ عنِ الأدناسِ وما يعيبهُ عليهِ الأكياسُ (¬2) من الناسِ (¬3). قولهُ: (مراتب التعديلِ) (¬4) كانَ ينبغي أنْ يقولَ: ألفاظُ التعديلِ، فإنَّ المراتبَ هي الطبقاتِ، فينحلُ إلى أنَّ المراتبَ لها مراتبُ، والطبقاتِ لها (¬5) طبقاتٌ ثمَّ ظهرَ أنَّ الكلامَ صحيحٌ بتقديرِ مراتبِ ألفاظِ التعديلِ، واللهُ أعلم (¬6). قولهُ: (فأرفعُ التعديلِ ما كَرَّرتهُ) (¬7) جعلَ شيخنا حافظُ العصرِ ابنُ حجر -وهو الحقُّ - أعلى المراتبِ صيغةَ أفعل؛ لما تدلُ عليهِ منَ الزيادةِ، كأن يُقال: فلانٌ أوثقُ الناسِ أو أثبتُ الناسِ. قولهُ: (إلى الصدقِ ما هو) (¬8) معناهُ عندَ أهلِ الفنِّ أنَّهُ غيرُ مدفوعٍ عنِ الصدقِ. وتحقيق معناها في اللغةِ: أنَّ حرفَ الجرِّ يتعلّقُ بما يصلحُ لتعلقهِ، وهو هنا قريب، فالمعنى: فلانٌ قريبٌ (¬9) إلى الصدقِ، وتحتمل (¬10) ((ما)) أنْ تكونَ نافيةً وحينئذٍ يجوزُ أنْ يكونَ المعنى ما هو قريبٌ منه، فيكونَ نفياً لما أثبتتهُ الجملةُ الأولى، فيفيد مجموعُ العبارةِ في (¬11) التَّردُّد في أمرهِ، ويجوزُ أن يكونَ ما هو بعيداً فيكونُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 368. (¬2) الأكياس: جمع كيِّس، وهو العاقل. انظر: لسان العرب مادة (كيس). (¬3) توضيح الأفكار 2/ 260. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 369. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) من قوله: ((ثم ظهر)) إلى هنا من (أ) فقط. (¬7) التبصرة والتذكرة (328). (¬8) التبصرة والتذكرة (331) و (332). (¬9) عبارة: ((فالمعنى: فلان قريب)) لم ترد في (ف). (¬10) في (ف): ((ويحتمل)). (¬11) لم ترد في (ف).

تأكيداً للجملةِ / 234ب / الأولى بنفي ضدِّها على نحوِ ما قيلَ في: إنَّما زيدٌ قائمٌ، ويحتملُ أنْ تكونَ ((ما)) استفهاميةً ويرجعُ المعنى إلى الشكِّ أيضاً، فكأنهُ قيل: هو قريبٌ إلى الصدقِ، ثمَّ سألَ عنْ مقدارِ القربِ فقالَ: ما هو؟ أقليلٌ أم كثيرٌ، وهو نحو قوله - صلى الله عليه وسلم - في الدّجالِ في آخرِ خبرِ الجسّاسةِ: ((ألا إنَّهُ في بحرِ الشامِ، أو بحرِ اليمنِ، لا بلْ منْ قبلِ المشرقِ، ما هوَ. منْ قبلِ المشرقِ، ما هوَ، منْ قبلِ المشرقِ، ما هوَ، وأومأ بيدهِ إلى المشرقِ)) أخرجهُ مسلمٌ (¬1) في أواخرِ "الصحيحِ" وغيرُهُ (¬2). قال الشيخُ محيي الدينِ في " شرحهِ ": ((قالَ القاضي: لفظةُ ((ما)) هنا زائدةٌ صلةٌ للكلامِ، ليستْ بنافيةٍ، والمرادُ إثباتُ أنَّهُ في جهةِ المشرقِ)) (¬3). انتهى. وهذا المعنى يرجعُ إلى التجويزِ الثاني منَ الاحتمالِ الأولِ الذي ظهرَ لي، ويوضحُ تجويزَ الاحتمالينِ الأخيرينِ أنَّ في روايةِ أبي يعلى: ((ثمَّ قالَ: في بحرِ فارسٍ ما هو في بحرِ الرومِ، ما هو، ثلاثاً، ثم ضَرَبَ بكفهِ اليُمنى على اليُسرى ثلاثاً)) (¬4). قولهُ: (انْ (¬5) شاءَ اللهُ) و (بأس عراه) (¬6) بزيادةِ ساكنِ ثامن يُسمى تذييلاً وإذالةً، لكن لم يُجيزوه في هذا البحرِ، ولا أجازوه في المشطورِ (¬7)، وإنَّما خصّوهُ بمجْزوءِ البسيطِ والكاملِ فيحملُ عملُ الشيخِ هنا على ذلكَ ضرورةً؛ لأنّهم ارتكبوا في ضروراتِ الشعرِ أشياء كثيرةً لا تُسوَّغُ في النثرِ، وإنْ / 235 أ / كانَ الشاعرُ مطلقَ ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 8/ 203 - 204 (2942). (¬2) منهم: الحميدي (364)، وأحمد 6/ 373 و374 و413، وأبو داود (4326) و (4327)، وابن ماجه (4074) وغيرهم. (¬3) شرح صحيح مسلم عقب الحديث (2942). (¬4) مسند أبي يعلى (2164) من حديث جابر - رضي الله عنه -. (¬5) بدرج همزة ((إنْ))؛ لضرورة الوزن. (¬6) التبصرة والتذكرة (334). (¬7) المشطور: هو ما سقط منه شطره. الكافي في العروض والقوافي: 145.

العَنانِ غيرَ مُقيدٍ بشيءٍ، فكيفَ إذا كانَ مقيداً بنوعٍ، وبألفاظٍ في ذلكَ النوعِ (¬1) لا يقدرُ على الخروجِ عنها. هذا وفي قولهِ: ((إن شاء الله)) علةٌ أخرى وهي القطعُ: وهو حَذفُ ساكِنِ الوتدِ منْ مستفعلن، وتسكينُ ما قبلهُ، ولا يُجعلُ هذا البيتُ الأولُ من الإذالةِ، بل من الوقفِ، ويُنقلُ إلى بحرِ السريعِ؛ لِتقارُبِ البحرينِ كما يأتي قريباً. والوقفُ إسكانُ السابعِ المحرّكِ. قولهُ: (فهذهِ المرتبةُ أعلى العباراتِ) (¬2) هو على حَذفِ مُضافٍ، أي: فألفاظُ هذهِ المرتبةِ، قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((لأنَّ التأكيدَ الحاصلَ بالتكرار لابدَّ أنْ يكونَ لهُ مزيةٌ على الكلامِ الخالي عن التأكيدِ، والله أعلم)) (¬3). قولهُ: (لا مطلقَ تكرارِ التوثيقِ) (¬4)، أي: صدوقٌ صالحٌ مثلاً، كما يأتي عن عبدِ الرحمانِ بن مهديّ الإمامِ القدوةِ في هذا الشأنِ، وكلامُهُ يدلُّ على أنَّ الأوصافَ من رُتبةٍ وإنْ تكررتْ لا تَرقى إلى الرُّتبةِ التي قبلَها، فإنّهُ ذَكرَ لأبي خَلْدةَ (¬5) كما يأتي في " الشرحِ" في الأبياتِ التي بعد هذه عدةَ أوصافٍ منَ المرتبةِ الثالثةِ، ولم يُبلّغْهُ معها إلى الرتبةِ الثانيةِ. قولهُ: (وكذا إذا قيلَ: ثَبتٌ) (¬6) قال في " النكتِ ": ((وقد اعتُرِضَ عليهِ بأنَّ قولَهُ ((ثبْتٌ)) ذكرها ابنُ أبي حاتِمٍ فلا زيادةَ عليه إذنْ. انتهى. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((هو علم الحديث)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 370. (¬3) التقييد والإيضاح: 157. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371. (¬5) هو خالد بن دينار التميمي السعدي، أبو خلدة البصري الخياط، تابعي صغير، ثقة، توفي سنة 152 هـ. انظر: الكاشف 1/ 363. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371.

وليسَ في بَعضِ النُّسَخِ الصحيحةِ / 235 ب / من كتابهِ (¬1) إلا ما نقلهُ المصنفُ عنه كما تقدّمَ، ليسَ فيه ذكرُ ثبتٍ، وفي بعضِ النسخِ: إذا قيلَ للواحدِ: إنَّهُ ثقةٌ أو متقنٌ ثبتٌ، فهو ممن يُحتجُّ بحديثهِ، قالَ: هكذا في نسختي منه، أو مُتقِنٌ ثبتٌ، لم يقلْ فيه أو ثبتٌ، فالله أعلم)) (¬2). انتهى كلامُ " النكتِ ". ولو قيلَ: إنَّ المرادَ الجمعُ بينهما لكان له وَجهٌ؛ لأنَّ المُتقِنَ هوَ الضابطُ الجيّدُ الضبطِ، فلا بدّ حينئذٍ مما يَدلُّ على العدالةِ، فإذا قالَ: ثبتٌ أفادَ ذَلِكَ وزيادةً؛ فإنَّ معناهُ يرجعُ إلى ما تطمئِنُّ به النفسُ وتقنعُ به فيَثْبُتُ عندها، أي: لا تطلبُ عليهِ مَزيداً، وذلك لا يكونُ إلاَّ بمنْ جَمعَ إلى الضبطِ العدالةَ، قال في " القاموس": ((وأثبتَهُ عرَفَهُ حقَّ المعرفةِ، والأثباتُ الثقاتُ)) (¬3). وقالَ في " النهايةِ ": ((الثَّبَتُ بالتحريكِ: الحجةُ والبينةُ)) (¬4) فحينئذٍ يكونُ كالألفاظِ التي قبلَها. قولهُ في المرتبة الثالثة (¬5): (المرتبة الثانية) (¬6). قولهُ: (هذه) (¬7) مفعولُ ((جعلَ)) الأولُ، ويجوزُ أنْ تكونَ ((المرتبةُ)) المفعولَ الثاني، ((والثانية صفةٌ)) (¬8)، ويجوزُ أنْ تكونَ ((المرتبةُ)) صفةَ ((هذه))، و ((الثانية)) المفعول الثاني. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن أبي حاتم)). (¬2) التقييد والإيضاح: 158. (¬3) القاموس المحيط مادة (ثبت). (¬4) النهاية 1/ 206. (¬5) لم ترد في (ب) و (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371. (¬8) في (ب): ((للصفة)).

قولهُ: (وينظرُ فيه) (¬1) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((هذا كما قالَ؛ لأنَّ هذه العباراتِ لا تُشعرُ بشريطةِ الضبطِ، فيُنظرُ حديثُهُ ويُختبرُ حتى يُعرَفَ ضبطُهُ، وقد تقدّمَ بيانُ طريقهِ في أولِ هذا النوعِ - أي: مَن تُقبلُ روايتُهُ ومَنْ تُردُّ، وهو المذكورُ في قول الشيخِ: ((ومن يوافِقْ غالباً ذا الضبطِ)) (¬2) - وإن لمْ يستوفِ النظرَ المعرِّفَ لكونِ ذَلِكَ المُحدّثِ / 236 أ / في نفسهِ ضابطاً مطلقاً، واحتجنا إلى حديثٍ منْ حديثِهِ، اعتبرنا ذَلِكَ الحديثَ ونظرنا: هل لهُ أصلٌ من روايةِ غيرهِ؟ كما تقدّم بيانُ طريقِ الاعتبارِ في النّوعِ الخامسِ عَشر)) (¬3). قولهُ: (وأخّرتُ هذه اللفظة) (¬4)، أي: لأنَّ الدرجةَ الثالثةَ من ألفاظِها: صدوقٌ، وهو وصفٌ بالصدقِ على طريق المبالغةِ، وأمّا هذه اللفظةُ، فدالةٌ على أنَّ صاحبَها محلُّهُ، ومرتبتُهُ مُطلقُ الصدقِ (¬5)، ولا يُقالُ فحينئذٍ يكونُ لا بأسَ بهِ أعلى مِن ليسَ به بأسٌ؛ لأنّها أعرقُ (¬6) منها في النفي؛ لأنَّه يُقالُ: إنَّ بأسَ في الأخرى نكرَةٌ في سياقِ النفي فَتَعُمُّ، وليس بينهما كبيرُ فَرقٍ في العبارةِ بخلافِ: محلهُ الصدقُ؛ فإنَّه يُفهمُ أنَّ المتكلمَ ما عدلَ عن صدوقٍ، وهي أخصرُ إليها إلاّ لنُكتةٍ وهي ما تقدّمَ. قولهُ: (أو مُقارب الحديثِ - بفتح الراء وكسرها-) (¬7) قال الشيخُ في " النكت ": ((ضُبِطَ في الأصول الصحيحةِ المسموعةِ على المصنّفِ (¬8) بكسر الراء، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371. (¬2) التبصرة والتذكرة (267). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 243. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 371. (¬5) تدريب الراوي 1/ 345، وتوضيح الأفكار 2/ 265. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((بالقاف)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 372. (¬8) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)).

وكذا ضَبَطهُ الشيخُ محيي الدين النوويُّ في " مختصريه " (¬1)، وقد اعترضَ بعضُ المتأخرينَ بأنَّ ابنَ (¬2) السيد حَكَى فيه الوجهينِ: الكسرَ والفتحَ، وأنَّ اللفظينِ حينئذٍ لا يستويانِ؛ لأنَّ كسرَ الراءِ من ألفاظِ التعديلِ، وفَتْحَها من ألفاظِ التجريحِ. انتهى. وهذا الاعتراضُ والدعوى ليسا صحيحينِ، بل الوجهانِ: فتحُ الراءِ وكسرُها معروفانِ، وقد حكاهُما ابنُ العربيِّ في كتابهِ " الأحوذيِّ " (¬3) وهما على كُلِّ حَالٍ / 236 ب / من ألفاظِ التوثيقِ، وقد ضُبِطَ أيضاً في النُّسخِ الصحيحةِ عنِ البخاريِّ بالوجهينِ، وممّنْ ذكرهُ في ألفاظِ التوثيقِ الحافظُ أبو عبد الله الذهبيُّ في مقدمةِ "الميزانِ" (¬4) وكأنَّ المعترِضَ فَهِمَ من فَتحِ الراءِ أنّ الشيءَ المقارَبَ هوَ الرَّديءُ، وهذا فهمٌ عجيبٌ، فإنَّ هذا ليسَ مَعروفاً في اللغةِ، وإنَّما هوَ في ألفاظِ العوامِّ، وإنَّما هوَ على الوجهينِ من قولهِ: ((سدّدوا وقارِبوا)) (¬5) فمَن كَسَرَ، قالَ: إنَّ معناهُ أنَّ حديثَهُ مُقارِبٌ لحديثِ غيرهِ، ومَنْ فَتَحَ قالَ: إنَّ معناه أنَّ حديثَهُ يُقارِبهُ حديثُ غيرِهِ. ومادّة فاعَلَ تقتضي المشاركةَ إلا في مواضعَ قليلةٍ، والله أعلم. ¬

_ (¬1) جاء في المطبوع من كتاب "التقييد والإيضاح": 162: ((مُختَصَرِهِ)). والمختصران هما: إرشاد طلاب الحقائق إلى معرفة سنن خير الخلائق، والتقريب والتيسير لمعرفة سنن البشير النذير. (¬2) لم ترد في (ب). (¬3) عارضة الأحوذي 1/ 17. (¬4) ميزان الاعتدال 1/ 4. (¬5) هو جزء من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لن ينجي أحداً منكم عمله)) قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ((ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمةٍ. سددوا وقاربوا، وأغدوا وروحوا، وشيءٌ من الدُّلجةِ، والقصد القصد تبلغوا)). أخرجه: أحمد 2/ 514 و537، والبخاري 8/ 122 (6463) وفي "الأدب المفرد"، له (461)، وغيرهما.

واعلمْ: أنَّ ابنَ سيده حَكَى في الرجلِ المقارِبِ الكسرَ فقط، فقالَ: ((ورجلٌ مُقارِبٌ ومتاعٌ مقارِبٌ، ليس بنفيسٍ، وقالَ بعضُهم: دينٌ مقارِبٌ بالكسرِ، ومتاعٌ مقارَبٌ بالفتح)) (¬1) هذه عبارتُهُ في " المحُكمِ " فلم يحكِ الفتحَ إلا في المتاعِ فقط. وأمّا الجوهريُّ فجعلَ الكلَّ بالكسر، فقالَ: ((فلا تقُلْ مقارَبٌ)) (¬2) بالفتح)) (¬3). انتهى. وقالَ في " القاموس ": ((وشيءٌ مقارِبٌ - بالكسرِ - بينَ الجيِّدِ والرديءِ، أو دَينٌ مقارِبٌ - بالكسرِ -، ومتاعٌ مقارَبٌ - بالفتح -)) (¬4). واعتراضُ الشيخِ على المعترضِ في نقلهِ وقوله حسنٌ، وأمّا فيما كأنهُ فهمَهُ فلا. والتحقيقُ أنَّ ما نزلَ عن أعلى المراتِبِ يصحُّ في اللغةِ أنْ يُقالَ: إنَّه / 237أ / تجريحٌ باعتبارِ أنَّه نَزلَ بصاحبِهِ عنِ الرتبةِ العُليا، وتوثيقٌ نظراً إلى أنَّه لم يُنْزِلْ صاحبَهُ إلى درجةِ مَن يُرَدُّ حديثُهُ، والمقارِبُ يستوي معناهُ عند العلماءِ والعوامِّ في أنَّهُ ما بينَ الجيِّدِ والرديءِ، وإنْ أطَلقَ أحدٌ عليه الرداءةَ فمرادُهُ بالنسبة إلى الجيّدِ، وكلما قَرُبَ اللفظُ من أولِ مراتِبِ الردِّ كانَ إطلاقُ التجريحِ عليه أسوغَ. واعتراضُ الشيخِ على القائلِ لتنْزيلِهِ ذلك على استعمالِ أهلِ الفنِّ حقيقةً، ولو ادّعى التجوّزَ لم يُشاحِحهُ، والله أعلم. ثم إنَّ هذه اللفظةَ منَ الألفاظِ التي قالَ ابنُ الصلاحِ (¬5) إنَّ ابنَ أبي حاتمٍ وغيرَهُ لم يشرحوها، ومرادُهُ كما ذكرَ في "النكتِ" (¬6) أنَّهم لم يُبيِّنوا منْ أيِّ رُتبةٍ هي، وأمّا ¬

_ (¬1) المحكم مادة (قرب). (¬2) الصحاح مادة (قرب). (¬3) التقييد والإيضاح: 162. (¬4) القاموس المحيط مادة (قرب). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 246. (¬6) التقييد والإيضاح: 161.

تمييزُ ألفاظِ التّوثيقِ منْ ألفاظِ التجريحِ فأمرٌ لا يخفَى على أحدٍ منْ أهلِ الحديثِ، ثم إنَّ الشيخَ رأى أنّ ما أُضيفَ إلى هذه اللفظةِ منْ ألفاظِ التوثيقِ مِنَ الرتبةِ الرابعةِ، ويأتي الكلامُ على ألفاظِ التجريحِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، ومعنى قولِ المعترضِ: إنَّ اللفظينِ حينئذٍ لا يستويانِ، أنَّ اختلافَ الحركاتِ هنا ملزومٌ لاختلافِ المعنى؛ لأنَّهُ لا شكَّ في التفرقةِ بين الفاعلِ والمفعولِ فيكونُ كلٌّ منهما من بابٍ بخِلافِ ما يَلزمُ على ضَبطِهِ بالكسرِ فقط من (¬1) توحيدِ (¬2) المعنى / 237 أ / الملزومِ لأنْ يكونَ منْ بابٍ واحدٍ. هذا تقديرُ اعتراضِهِ. ورَدَّ عليه الشيخُ بأنَّ الوجهينِ معروفانِ عند أهلِ الفنِّ وإنْ ضَبَطَهُ المصنفُ بوجهٍ واحدٍ خِلافاً لما أفهَمَهُ كلامُ المُعترِضِ مِن أنَّ أهلَ الحديثِ اقتصروا على وجهٍ واحدٍ، ومعَ الضبطِ بالوجهينِ جعلوا المعنى واحداً وجعلوا اللفظةَ بتقديرِها منْ ألفاظِ التوثيقِ فقط، فتوحيدُهمُ البابَ على تقديرِ الضبطينِ (¬3) فرعُ توحيدِهمُ المعنى؛ وذلك لأنَّ المقاربَةَ أمرٌ نِسبيٌّ فمن قَارَبَكَ فقد قاربتَهُ، فكلُّ مَنْ كانَ مقارِباً - بالكسرِ (¬4) - كان مقارَباً - بالفتحِ - فلا فرقَ في المآل، والله أعلم. قولهُ: (واقتَصَرَ في الرابعةِ على قولِهم: صالحُ الحديثِ) (¬5) سيأتي عن ابنِ مهديٍّ في آخرِ شَرحِ الأبياتِ التي بعدَها ما يقتضي أنْ تكونَ هذه اللفظةُ عندَهُ في الرتبةِ الثالثةِ؛ لأنَّهُ يُطلِقُها على منِ اتّصفَ بِصَدُوقٍ. قولهُ: (وهوَ دونَ قولِهم: لا بأسَ به) (¬6) وهو كذلكَ؛ لأنَّ الثانيةَ ظاهرةٌ في ¬

_ (¬1) في (ب): ((في)). (¬2) في (ف): ((توجيه)). (¬3) في (ب): ((الضبطي)). (¬4) في (ف): ((لك)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 372. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 372.

أنَّهُ على وُثوقٍ من حُكمِهِ بذلك، محتملة احتمالاً قوياً لأنْ يكونَ جارَى غيرَهُ منْ علماءِ الفنِّ فَوافَقَهُ بِخِلافِ الأولى في الأمرَينِ. قولهُ: (وشيخ) (¬1) ليس زيادةً فإنَّه في كلامِ ابنِ أبي حاتمٍ (¬2). قولهُ: 335. ... وَ (ابْنُ مَعِيْنٍ) قال: مَنْ أَقُوْلُ: (لاَ ... بَأْسَ بِهِ) فَثِقَةٌ وَنُقِلاَ 336. ... أَنَّ ابْنَ مَهْدِيٍّ أَجَابَ مَنْ سَأَلْ: ... أَثِقَةٌ كَاَنَ أبو خَلْدَةَ؟ بَلْ 337. ... كَانَ (صَدُوْقاً) (خَيِّراً) (مَأْمُوْنَا) ... الثِّقَةُ (الثُّوْرِيُّ) لَوْ تَعُوْنَا 338. ... وَرُبَّمَا وَصَفَ ذَا الصِّدْقِ وَسَمْ ... ضُعْفاً بِ (صَالِحِ الْحَدِيْثِ) إِذْ يَسِمْ قولهُ: (إلى نفسهِ خاصةً) (¬3) سيأتي أنَّ دُحَيماً قالَ به أيضاً، وعِبارةُ دُحَيم: رُبما تُفْهِمُ شيوعَهُ عن أهلِ / 238 أ / الفنِّ. قولهُ: (حتى يلزمَ منهُ التساوي) (¬4) بلِ الذي قالَهُ يَلزمُ منه التساوي؛ فإنَّه حَكَمَ أنَّ هذا ذاكَ، فإمّا أنْ يكونَ الموضوعُ الذي هو ليس به بأسٌ مُساوياً لِثقةٍ أو أخصَّ، وعلى كُلِّ حالٍ يكونُ حُكمُهُ حكمَهُ، بخلافِ ما لو قالَ كقولي: ثقةٌ، فإنَّه يُفهمُ حينئذٍ أنَّ ليس به بأسٌ أنْزل رُتبةً؛ لأنَّهُ مشبّهٌ من ثقةٍ لأنه مشبهٌ (¬5) به نبَّهَ عليه شيخُنا، ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا الآخرينَ عنه أنَّهُ قد يُعتَذَرُ عنِ الشيخِ بأنّهم يُطلِقونَ في بابِ التَّوثيقِ والتَّجريحِ لفظَ الثقةِ على مَنْ كانَ مقبولاً ولا يُريدونَ أنَّهُ تامُّ الضَّبطِ، وقولُ ابنِ معينٍ من هذا القبيلِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 373. (¬2) الجرح والتعديل 2/ 37. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 373. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 373 - 374. (¬5) عبارة: ((لأنه مشبه)) من (ف) فقط.

قولهُ: (فالتعبيرُ عنه بقولهم: ثقةٌ أرفعُ) (¬1) قد يقالُ: إنَّه إنَّما يدلُّ على أنَّهُ أرفَعُ منْ قولهم: صدوقٌ، ويُدَّعى أنَّه لا بأسَ بهِ أعلى من ذلك، فإنَّها نافيةٌ لِكُلِّ بأسٍ. وأمّا الصدوقُ فقد يكونُ فيهِ بأسٌ في غير الكذبِ، وقد يُجابُ بأنَّ هذا بالنَّظرِ إلى مفهومِ ذلك لغةً، وأما اصطلاحاً فلا. قولهُ: (لعبدِ الرحمان بن إبراهيم) (¬2) قال شيخُنا: هو دُحَيمٌ، وكانَ في أهلِ الشامِ كأبي حاتمٍ في أهل المشرقِ، وكلامُهُ إنَّما يدلُّ على تساوي اللفظينِ في اصطلاحه خاصةً (¬3)، وسؤالُ أبي زُرعةَ له منبهٌ على ذلك، فإنَّهُ يدلُّ على أنَّ الشائِعَ بين أهلِ الحديثِ أنَّ لا بأسَ به أَنْزَلُ رُتبةً من ثقةٍ وإلا لما سألَ. / 238 ب / قولهُ: (الثقةُ: شعبةُ، وسفيانُ) (¬4) قال في " النكتِ ": ((وقد اعتُرِضَ عليهِ بأنَّ الذي في كتابِ الخطيبِ، وغيرِهِ: الثقةُ شعبةُ، ومسعرٌ (¬5)، لم يذكرْ سفيانَ جملةً. انتهى. والجوابُ: أنَّ المصنِّفَ لم يحكِ ذلك عن الخطيبِ، وعلى تقديرِ كونهِ في كتابِ الخطيبِ هكذا، فيحتملُ أنَّهُ منَ النُّسَّاخِ فليسَ غلطُ المصنِّفِ بأولى منْ تغليطِهم، على أنَّ المشهورَ عنِ ابنِ مهديٍّ ما ذكرهُ المصنِّفُ، وهكذا حَكاهُ عمرو ابنُ عليٍّ الفلاّسُ، وكذا رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ في " الجرحِ والتعديلِ " (¬6)، وكذلكَ ذَكرَهُ الحافظُ أبو الحجاجِ المزيُّ في " تهذيبِ الكمالِ " (¬7) في ترجمةِ أبي خَلْدَةَ - وهو ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 374. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 374. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 374. (¬5) الكفاية (60ت، 22 هـ‍)، والذي في المطبوع من الكفاية: ((شعبة، وسفيان)). (¬6) الجرح والتعديل 3/ 328. (¬7) تهذيب الكمال 2/ 342.

خالدُ بنُ دينارٍ التميميُّ الخيّاطُ - ونقلَ في ترجمةِ مِسعَر منْ روايةِ الفلاّسِ أيضاً عنِ ابنِ مهديٍّ: ((الثقةُ شعبةُ، ومِسعَرٌ)) (¬1)، وعلى هذا: فلعلهُ سُئِلَ عنهُ مرَّتينِ: فإنَّ المنقولَ في هذه الروايةِ، أنَّ أحمدَ بنَ حَنبلٍ سأله، ولَعلهُ قال: الثقةُ شعبةُ، وسفيانُ، ومِسعرٌ، فاقتصر الفَلاَّسُ على التمثيلِ باثنينِ فمرَّةً ذكرَ سفيانَ، ومرَّةً ذكر مِسعراً، والله أعلم)) (¬2). قولهُ في المتن: (مراتبُ التجريحِ) (¬3). قولهُ: (يضَع) (¬4)، أي: يصنعُ (¬5) حديثاً، ويعزوهُ إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، ومادةُ وَضَعَ تدورُ على مُلازمةِ الموضعِ، ويلزمُها في الأغلبِ: الخِسَّةُ، والدَّناءةُ، والحطُّ والسفولُ (¬6)؛ لأنَّ الجيدَ منْ شأنهِ / 239 أ / أنْ يُرغَبَ فيهِ فيتناقلَ، والرديءُ وإنِ انتقَلَ بالفعلِ فشأنهُ غيرُ ذلكَ؛ للإعراضِ عنه، فكأنَّ هذا لما كذبَ وضعَ ما يأتي منْ قِبَلِهِ فَجعلَهُ بحيثُ لا يُلتفتُ إليهِ، وقد يلزمُها الترتيبُ والتصنيفُ، ومنهُ: وضعَ فلانٌ في الفَنِّ الفُلانيِّ كتاباً، أي: أنشأهُ فرتَّبَهُ وهذَّبهُ، ومنهُ: الوضيعةُ لكتابٍ يُكتبُ في الحِكمةِ، وقد يلزمها الشرفُ، ومنه: الواضعةُ للرَّوضَةِ؛ كأنَّها لحُسنِها توجبُ لمن رآها الانقطاع إليها، وأنْ لا يعدوها. قولهُ: (واهٍ بمرّةٍ) (¬7)، قال شيخُنا: أي قولاً واحداً لا تَردُدَ فيهِ. انتهى. وكأنَّ الباءَ زِيدَتْ تأكيداً. ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال 7/ 88. (¬2) التقييد والإيضاح: 158 - 159. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 375. (¬4) التبصرة والتذكرة (239). (¬5) في (ب): ((يضع)). (¬6) انظر: لسان العرب مادة (وضع). (¬7) التبصرة والتذكرة (343).

قولهُ: (تنكرُ وتعرفُ) (¬1) أي: يأتي مرَّةً بالمناكيرِ، ومرَّةً بالمشاهيرِ، فينبغي أنْ يُنظرَ في حديثِهِ، ولا يؤخذُ ما رواهُ مُسَلَّماً وهو قريبٌ منْ قولهم في التوثيقِ: محلُّهُ الصدقُ، وما معها منْ ألفاظِ المرتبةِ الرابعةِ، ثم اعلَمْ: أنَّ البيتَ مكسورٌ؛ لأنَّهُ كُفَّ الجُزء الثاني، أي: أُسقطَ ساكنُهُ السابعُ، وهو لا يجوزُ في هذا البحرِ؛ لأنَّ مُستَفْعِلُن فيهِ ذو وتدٍ مجموع (¬2)، والزِّحافُ لا يكونُ إلا في ثواني الأسبابِ، فلو قالَ: تنكرُه، بزيادةِ هاءٍ ساكنةٍ لاَسْتَقَامَ (¬3)، وتعرفُ مُستَفعِلُنْ، لكنّهُ مخبونٌ مقطوعٌ بحذفِ ساكنِ وَتَدِهِ، وإسكان متحركِهِ، ونَقَلَ / 239ب / لي صاحبُنا العلامةُ نجمُ الدينِ محمدُ بنُ قاضي عجلون - أدامَ اللهُ تعالى النفعَ به -، عن شيخِنا علاّمةِ زمانِهِ الشيخ أبي الفَضْل المغربيِّ المشدالي البجائيِّ: أنَّ بعضَهم جَعَلَ هذا المقطوعَ في مثلِ هذا مِنَ السريعِ، مِنْ ضَربهِ المخبون المكشوف، فإنَّ القطعَ لم يردْ في مَشطورِ الرَّجزِ، وجَوَّزوا هذا في مُزدوجِ الرَّجزِ؛ لقُربِهِ منَ السريعِ؛ فإنَّ وزنَهُ: مُسْتَفعِلُنْ مُسْتَفعِلُنْ مَفْعولات، فلا مُخالفةَ بينهما إلا بالوتدِ المفروق لا غير. قولهُ: (للضعف ما هو) (¬4) مثلُ قوله: ((إلى الصدق ما هو)) فإنَّ اللامَ هنا بمعنى إلى (¬5)، ويحتملُ أنْ تكونَ على بابِها، فيكونُ التقديرُ: فلانٌ كائنٌ للضعفِ، وأما ((ما هو)) فكما مَضَى. قولهُ: (وكلُّ مَنْ ذُكِرْ) (¬6) مبتدأٌ مضافٌ إلى ((من))، و ((بعدُ)) مجرورٌ بـ ((مِنْ))، ومضافٌ إلى ((شيئاً))، ولفظُهُ محكيٌّ، والجرُّ في محلِّهِ، و ((اعتبرَ)) خبرُ المبتدأِ، و ((بحديثِهِ)) متعلقٌ بالخبرِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (346). (¬2) الوتد المجموع: حرفان متحركان بعدهما حرف ساكن. الكافي في العروض والقوافي: 18. (¬3) فتح الباقي 1/ 351. (¬4) التبصرة والتذكرة (348). (¬5) توضيح الأفكار 2/ 270. (¬6) التبصرة والتذكرة (349).

قولهُ في "الشرحِ": (مراتبُ ألفاظِ التجريحِ) (¬1) عجيبٌ؛ لأنَّ المراتبَ ليس لها مراتبُ بل الألفاظُ هي المرتَّبةُ، فلو أسقطَ لفظةَ ((مراتبَ)) (¬2) لكان حسناً. قولهُ: (على خمسِ مراتبَ) (¬3) بل كانَ يتعيَّنُ على نحوِ ما مضى في التعديلِ أنْ تكونَ ستاً؛ فإنَّ تكريرَ الألفاظِ مثلَ قولِ الخطيبِ: ((كذابٌ ساقطٌ)) أعلى منْ إفرادِها، فكانَ ينْبغي أنْ تكونَ هي الأولى، وعلى ما مَضى عنْ شيخِنا صيغةَ / 240أ / ((أفعلَ)) هي الأولى فتكونُ سبعاً. قولهُ: (وجعلها ابنُ أبي حاتمٍ (¬4)، وتبعَهُ ابنُ الصلاحِ (¬5)، أربعَ مراتبَ) (¬6) يَنبغي أنْ يُعلمَ أنَّهما ابتدءا بآخرِ المراتبِ التي ذَكرَها الشيخُ؛ لأنَّهما رَتَّبا ذلك على سَبيلِ التدلِّي في الصفاتِ المحمودةِ؛ لأنَّهما بدءا بأعلى مَراتبِ التوثيقِ عندَهما، واستمرا يتنَزلانِ في ما قاربَ ذلك، والشيخُ تبعهما في التعديلِ، وبَدءَ في التجريحِ بالأَخسِّ الأنزلِ، وخَتمَهُ بالأقربِ إلى أدنى التوثيقِ، فبَدءَ في التوثيقِ بالأعلى، وفي التجريحِ بالأدنى. وأسندَ ابنُ الصلاحِ (¬7) بعد ما نقلهُ عنِ ابنِ أبي حاتمٍ، منْ طريقِ البَيْهَقيِّ، إلى أحمدَ بنِ صالحٍ، قالَ: ((لا يُتركُ حديثُ رَجُلٍ حتى يجتمعَ الجميعُ على تَركِ حديثهِ، قد يُقالُ: فلانٌ ضعيفٌ، فأمّا أنْ يُقالَ: فلانٌ متروكٌ، فلا، إلا أنْ يُجْمِعَ الجميعُ على تركِ حديثهِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 376. (¬2) بعد هذا في (أ): ((الأولى)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 376. (¬4) الجرح والتعديل 2/ 37. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 244 - 245. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 376 (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 246. (¬8) هو في الكفاية (181 ت، 110 هـ‍).

واعلَمْ: أنَّ سبيلَ التجريحِ سبيلُ التوثيقِ في أنَّ أدْوَنَ مراتِبِهِ - أعني: أعظمَها قدحاً وأقبَحَها جَرْحاً - صيغةُ ((أفعلَ))، كأكذبُ الناسِ، كما قالَهُ شيخُنا، فتصيرُ المراتبُ سِتاً، بل سَبعاً على ما مَضى (¬1). قولهُ: (وقد فَرَّقْتُ بينَ بعضِ (¬2) هذه الألفاظِ) (¬3) قال ابنُ الأثيرِ في "النهاية": ((والتفرقُ والافتراقُ سواءٌ، ومنهم مَنْ يجعلُ التفرُّقَ بالأبدانِ، والافتراقُ في الكلامِ، يُقالُ: فرَّقتُ بينَ الكلامينِ فافترقا، وفرَّقتُ بين الرجلينِ فتفَرَّقا)) (¬4). وعلى هذا يمكنُ قراءة / 240ب / هذه اللفظةِ - مُخففةً - بمعنى: أنَّه فَرَّق بينَ معاني هذه الألفاظِ ومشدَّدةً؛ لأنَّها إذا تباينتْ معانيها صارتْ كلُّ واحدةٍ منْ رُتبةٍ، غيرِ رُتبةِ الأخرى، فتباعدَ ما بين الألفاظِ، وذلكَ هو تفرُّقُ الأبدانِ. قولهُ: (فيمنْ تركوا حديثَهُ) (¬5) قالَ بعضُ أصحابِنا: عبارةُ ابنِ كثيرٍ: ((فإنَّهُ يكونُ في أدنى المنازلِ عندَهُ وأردئِها)) (¬6). قولهُ: (المراتب الثلاثةُ) (¬7) أصلحهُ المصنفُ بعدَ قراءةِ شيخِنا البُرهانِ الحلبيِّ عليهِ ((الثلاث)) فأسقطَ تاء التأنيثِ كما هو دأبُ العددِ المؤنثِ. قولهُ: (حديثُهُ منكرٌ) (¬8) قالَ شيخُنا: كانَ ينبغي أنْ يُنبِّهَ على أنَّ البخاريَّ قال: ((مَنْ قُلتُ: حديثُهُ منكرٌ فلا يحلُّ الاحتجاج به)) كما بيَّنَ اصطلاحَهُ في ¬

_ (¬1) عبارة: ((بل سبعاً على ما مضى)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 377. (¬4) النهاية 3/ 439. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 377. (¬6) اختصار علوم الحديث 1/ 320 وبتحقيقي: 174. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 377. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 378.

قولهِ: ((فيه نظرٌ)) و ((سكتوا عنه)) لكنَّ العُذرَ عنِ الشيخِ أنَّهُ أوردها في مرتبةِ منْ يُعتَبَرُ بحديثهِ؛ لأنَّ البخاريَّ إنَّما نَفَى أنْ يُحتجَّ به، وذلكَ لا ينفي أنْ يُستَشْهَدَ به ويُعتبرَ بحديثِهِ، قالَ بعضُ أصحابِنا: لكن حَكَى المصنِّفُ كلامَ البخاريِّ في "التخريجِ الكبيرِ للإحياءِ"، أنَّه قال: ((كلُّ مَنْ قلتُ فيه: منكرُ الحديثِ فلا تحلُّ الروايةُ عنه)) (¬1). انتهى. قلتُ: فيُحملُ كلامُهُ على عَدمِ حِلِّ الروايةِ للاحتجاجِ جمعاً بينَ كلاميهِ. قالَ صاحبُنا: ثم قالَ المؤلفُ بعد نقلِهِ كلامَ البخاريِّ، قلتُ: كثيراً ما يُطلقون على راوٍ أنَّه منكرُ الحديثِ / 241أ / ويريدون بذلك حديثاً رواهُ مُنكراً. انتهى. وكأنَّهُ يريد بذلك أنَّ الموصوفَ بأنَّه مُنكرُ الحديثِ لا يكونُ مِنْ أهلِ هذه الرُّتبةِ، إلا إنْ كانتِ النَّكارَةُ مِنْ قِبَلِهِ. ويؤيدُه ما رأيتُهُ بخطِّ بعضِ الآخذينَ عنْ شيخِنا أنَّ في "سؤالاتِ الحاكمِ" لأبي الحسنِ الدارقطنيِّ: قلتُ: فسليمانُ بنُ بنتِ شرَحبيلَ، قال: ثقةٌ، قلتُ: أليسَ عندهُ مناكيرٌ؟ قال: يحدّثُ بها عنْ قومٍ ضُعفاء، فأمّا هو فهو ثقةٌ. (¬2) قولهُ: (وليسَ بالقويِّ) (¬3) في " سؤالاتِ الحاكمِ للدارقطنيِّ "، قلت: فأبو سفيان سعيدُ بنُ يحيى الحِمْيَريُّ؟ قال: هذا متوسطُ الحالِ، ليسَ بالقويِّ (¬4). انتهى ما بخطِّ صاحبِنا. ¬

_ (¬1) ميزان الاعتدال 1/ 6. (¬2) سؤالات الحاكم للدارقطني: 217 - 218. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 378. (¬4) سؤالات الحاكم للدارقطني: 216.

قولهُ: (متى يصحُّ تحملُ الحديثِ، أو يستحبُّ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((معرفةُ كيفيةِ سَمَاعِ الحديثِ وتحمُّلِهِ وصفةِ ضبطِهِ. اعلَمْ: أنَّ طُرقَ نقلِ الحديثِ وتحمُّلِهِ على أنواعٍ مُتعدِّدةٍ، ولنُقَدِّمْ على بَيانِها، بيانَ أمورٍ: أحدُها: يَصحُّ التحمُّلُ قبلَ وجودِ الأهليةِ، فتقبلُ رواية مَنْ تَحمَّلَ قبلَ الإسلامِ، ورَوَى بعدَهُ (¬2)، وكذا (¬3) مَنْ سمعَ قبلَ البلوغِ ورَوَى بعدَهُ (¬4))) (¬5). قولهُ: (وكذلك) (¬6)، أي: ومثلُ ما قَبِلَ أهلُ العلمِ رواياتِ هؤلاءِ الصحابةِ منْ غيرِ فَرقٍ (كانَ أهلُ العلمِ يُحْضِرُونَ الصبيانَ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ولم يزالوا قديماً وحديثاً يُحضِرونَ الصبيانَ /241 ب/ مجالسَ التحديثِ والسماعِ، ويعتدُّون بروايتهم (¬8) لذلكَ، والله أعلم)) (¬9)، وهي أصرحُ منْ عبارةِ الشيخِ في سَوقِها مَساقَ الدليلِ على جوازِ تحمُّلِ مَنْ بعدَ عَصرِ الصَّحابةِ منَ الصبيانِ. قولهُ: (بالضبط) (¬10) في محلِ نصبٍ على أنَّهُ حالٌ، أي: كتبهُ مضبوطاً، أي: ضبط (¬11) بالكتابةِ، فلو قالَ: فكتبهُ والضبطُ والسماعُ، لكانَ أولى، وأتبعُ لعبارةِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 379. (¬2) للتمثيل على ذلك انظر: نكت الزركشي 3/ 459. (¬3) في طبعتنا لابن الصلاح: ((وكذلك رواية)). (¬4) انظر: نكت الزركشي 3/ 461 - 462. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 247. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 380. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 380. (¬8) في (ب): ((برواتهم)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 247. (¬10) التبصرة والتذكرة (356). (¬11) في (ف): ((ضبطه)).

ابنِ الصلاحِ كما يأتي، وسيأتي هناكَ تجويزُ تقديرٍ آخرَ، وهو أنْ يكونَ ((بالضبطِ)) خبرُ ((كتبهُ)) لكنْ يصيرُ حينئذٍ عطفٌ ((والسماعُ)) عليهِ منْ عطفِ الجُمَلِ، فيقدحُ فيهِ ظاهرُ قولِ الشيخِ: أنّهُ معطوفٌ على ((فَكتْبهُ)). قولهُ: (حيثُ يصح) (¬1) هو خبر ((كَتْبهُ)) أي: يكونُ في هذه الحالةِ حينَ، ولو قالَ: حينَ يصحُّ لكانَ أيضاً أحسنَ وأتبعَ. قولهُ: (سنةٌ متبعة) (¬2)، أي: ليسَ في حَديثِ محمودٍ (¬3) ما يدلُّ على شيءٍ بعينِهِ لا يختلفُ فيجبُ اتباعُهُ، بل الصوابُ في ضبطِ وقتِ الطلبِ الذي لا يختلفُ هو كونُ الطالبِ بالحيثيةِ التي ذَكرَها. قولهُ: (والفرائض) (¬4) قالَ شيخُنا: ((المرادُ ما يجبُ على الشخصِ وجوبَ عينٍ، لا علمُ المواريثِ)). قولهُ: (وقالَ موسى) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وقيلَ لموسى بن إسحاقَ: كيف لم تكتبْ عن أبي نُعيمٍ؟ فقالَ: كانَ أهلُ الكوفةِ .. )) (¬6) إلى آخرهِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (356). (¬2) التبصرة والتذكرة (358). (¬3) حديثه هو: قال محمود بن الربيع - رضي الله عنه -: ((عَقَلتُ من النبي - صلى الله عليه وسلم - مَجَّةً مَجَّها في وجهي وأنا ابنُ خَمسِ سنينَ من دَلْوٍ)). أخرجه: البخاري 1/ 29 (77) و2/ 74 (1185) و8/ 95 (6354) و8/ 111 (6422)، ومسلم 2/ 127 (657) (265)، وابن ماجه (660) و (754)، والنسائي في " الكبرى " (5865) و (10947) وفي " عمل اليوم والليلة "، له (1108)، وابن خزيمة (1709). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 381. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 381. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 248.

قولهُ: (أي: طلبٍ) (¬1) مجرورٌ؛ لأنَّهُ / 242 أ / تفسيرُ الضميرِ المجرورِ في ((تَقييدِه))، أي: تَقييدِ طَلبِ الحديثِ، وتقييدِ كتابتهِ ((بالضبطِ))، أي: مضبوطاً بالكتابةِ كما مضى تقديرُه، وتقييدِ ((سماعِهِ))، أي: وَقتِ سَماعِهِ ((من حيثُ يصحُّ))، أي: يُقيدُ ذلك بالحيثيةِ التي يصحُّ فيها، وذلكَ وقتُ الفهمِ، ويجوزُ أنْ يكونَ المعنى: وتقييدُ كتابتهِ يكونُ ((بالضبطِ))، أي: بالوقتِ الذي يكونُ فيه ضابطاً للحديث لفظاً ومعنىً، ويكون ((سماعُهُ)) مبتدأً خبرهُ ((منْ حيثُ))، أي: وسماعُهُ يكونُ ((من حيثُ يصحُّ)) (¬2)، أي: منَ الوقتِ الذي يصحُّ فيه، وذلك بأحدِ الأوقاتِ (¬3) الأربعةِ التي يأتي ذكرُها عنِ العلماءِ. قولهُ: (بكتبِهِ الحديثَ) (¬4) يجوزُ فيه وجهانِ: أحدهما: أنْ تكونَ الهاءُ ضَميراً يعودُ على المحدّثِ، فيكونَ ((الحديث)) منصوباً بالمصدرِ. والثاني: أنْ تكونَ هاءَ تأنيثٍ، فتكونَ الكافُ مكسورةً، و ((الحديثُ)) مجروراً، فإنَّ الكِتْبَةَ - بالكسرِ - اكتِتابُهُ كتابَهُ ينسخُهُ، قالهُ في "القاموسِ" (¬5). قولهُ: (فمن حيثُ يتأهَّلُ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((حينَ)) (¬7). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 381. (¬2) من قوله: ((أي: بالوقت الذي يكون فيه ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬3) جاء في حاشية (أ): ((أي: الأقوال)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 382. (¬5) القاموس المحيط مادة (كتب). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 382. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 248.

قولهُ: (وابن ماجه) (¬1)، قالَ شيخُنا: إنْ كانَ مقصودُهُ من خَرَّجَ أصلَ الحديثِ فمُسلِمٌ (¬2) خرَّجهُ فكانَ ينبغي ذكرُهُ، وإنْ كانَ مقصودُهُ مَنْ نَصَّ في روايتِهِ على السنِّ فابنُ ماجه لم يذكرْها (¬3)، فكانَ ينبغي طرحُهُ. قولهُ: (وهو ابنُ أربع) (¬4)، قالَ: يجمعُ بين الاختلافِ في أنَّها أربعٌ أو خمسٌ / 242ب / بأنَّها كانتْ أربعاً وكسراً، وذلكَ ينفي أنْ يُقالَ: إنَّها كانتْ خمساً وكسراً، فأسقطَ الكسرَ وأطلقَ عليها أنَّها خمسٌ مجازاً. قولهُ: (وسنُهُ أقلُّ منْ ذلكَ) (¬5)، أي: كعبدِ اللهِ بنِ الزبيرِ، فإنَّهُ عَقَلَ تَرددَ والدِهِ إلى بني قريظةَ يومَ الأحزابِ كما في "صحيح البخاري" في مناقبِ الزبيرِ (¬6)، وكانتِ الأحزابُ سنةَ أربعٍ، وقيلَ: سنةَ خمسٍ؛ فيكونُ لهُ منَ العمرِ سنتانِ، أو ثلاثٌ وأشهرٌ (¬7)؛ لأنّهُ وُلِدَ في الثانيةِ منَ الهجرةِ، عَزَى ذلكَ إلى الزركشيِّ، ونقلَ عن شيخِنا أنَّهُ قالَ: ((الذي يظهرُ أنَّه ولِدَ في الأولى))، وأمّا الأحزابُ فذكرَ أيضاً أنَّها كانتْ سنةَ ستٍّ. قولهُ: (فرجلُ) (¬8) في الكلامِ تقديمٌ وتأخيرٌ تقديرُهُ، وقيلَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ: متى يجوزُ سماعُ الصبيِّ للحديثِ (¬9)؟ قالَ: إذا عقلَهُ وضبطَ، قيل له: فرجلٌ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 382. (¬2) صحيح مسلم 2/ 127 (657) (265). (¬3) لفظ الحديث عند ابن ماجه: ((عن محمود بن الربيع وكان قد عَقَلَ مَجَّةً مَجَّها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دَلْوٍ من بئرٍ لهم)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 383. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 383. (¬6) صحيح البخاري 5/ 27 (3720)، وأخرجه أيضاً: مسلم 7/ 128 (2416). (¬7) انظر: فتح الباري عقب الحديث (3720). (¬8) التبصرة والتذكرة (360). (¬9) ارجع إلى تفصيل ذلك في نكت الزركشي 3/ 468 - 470.

قال ... إلى آخرِه. قالَ شيخُنا: ((وهذا الرجلُ يحيى بنُ معينٍ، ذَكرهُ الخطيبُ)) (¬1) هكذا حفظتُهُ من شيخِنا، ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابِنا عنْ شيخِنا أنَّهُ يحيى بنُ سعيدٍ، فالله أعلم. قولهُ: (بينَ البقرةِ والحمارِ) (¬2) قالَ شيخُنا: ((الذي يظهرُ أنَّهُ على سبيلِ المثالِ)) (¬3) وبقيَ في المسألةِ قولٌ خامسٌ، وهو التفرقةُ بينَ العربيِّ والعجميِّ حكاهُ السِلفيُّ في كتابِهِ في " الإجازةِ " ولفظُهُ على ما نُقلَ عنهُ: ((وأكثرُهم على أنَّ العربيَّ يصحُّ سماعُهُ إذا بلغَ أربعَ سنينَ، واحتجوا بحديثِ محمودِ بنِ / 243أ / الربيعِ، وأنَّ العجميَّ إذا بلغَ ستّ سنينَ)) (¬4) وكتابه هذا مرويٌّ منْ طريقِ الدمياطي، أخبرنا (¬5) ابنُ رَوَاج (¬6) سماعاً، أخبرنا السِلفيُّ سماعاً بالثغر. وفيها قولٌ سادسٌ نقلَ عنِ الإمامِ سراجِ الدينِ عمرَ بنِ الملقنِ في كتابِ الصلاةِ منْ (¬7) شرحِهِ " للتنبيهِ " قال: ((وحُكيَ عن اليحصبيِّ أنَّه إذا صارَ الصبيُّ يعدُّ منْ واحدٍ إلى عشرينَ كان مُميزاً)) وفي " شرحهِ للمنهاجِ " قالَ القاضي أبو الطيبِ: ومنْ أصحابِنا مَنْ قال: لا يتقدر ذلكَ بمدَّةٍ -يعني: أمرَ الصبيِّ بالصلاةِ- بل متى حصلَ التمييزُ، وهو كما قالَ بعضُهم: أنْ يعدَّ ¬

_ (¬1) الكفاية (113ت، 61هـ‍). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 384. (¬3) توضيح الأفكار 2/ 294. (¬4) نكت الزركشي 3/ 464، ولكن الذي فيه أنَّ العجمي يصح سماعه إذا بلغ سبع سنين، أما في " تدريب الراوي " 2/ 7 فقد نقل عن السلفي أنَّ العجمي يصح سماعه إذا بلغ ست سنين. (¬5) القائل: ((أخبرنا)) هو الدمياطي، رحمه الله. (¬6) مُسند الإسكندرية، رشيد الدين أبو محمد عبد الوهاب بن رواج، ولد سنة (554) هـ، كان فقيهاً فطناً، متواضعاً، صحيح السماع، انقطع بموته شيء كثير، توفي سنة (648) هـ بالثغر. انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 237 - 238. (¬7) في (ف): ((في)).

منْ واحدٍ إلى عشرينَ (¬1)، أُمرَ بها، وضُربَ عليها، وإنَّما قدَّرهُ في الحديثِ بسبعٍ؛ لأنَّ التمييزَ غالباً يَحصلُ عندَها، وبهذا جزمَ ابنُ الفِركاحِ (¬2) في "الإقليدِ" (¬3). قولهُ: (والذي يغلبُ على الظنِّ) (¬4) قالَ في " النكتِ ": ((أحسنَ المصنفُ (¬5) بالتعبيرِ عن هذه الحكايةِ بقولهِ: بلغنا، ولمْ يجزمْ بنقلها، فقد رأيتُ بعضَ الأئمةِ منْ شيوخِنا يَستبعدُ صحتَها، ويقولُ على تقديرِ وقوعِها: لم يكنِ ابنَ أربعِ سنينَ، وإنَّما كانَ ضئيلَ الخِلقةِ فيُظنُّ صِغَرُهُ لذلك، والذي يغلبُ على الظنِّ ... )) (¬6) إلى آخرِه. قولهُ: (كانَ متساهلاً) (¬7) قالَ في " النكت " بعدَهُ: ((رُبَّما حدَّثَ مِن حفظِهِ بما ليس عندَه في كتابِهِ، وأهلكهُ العُجْبُ، فإنَّه كانَ يختارُ، ولا يضعُ لأحدٍ منَ العلماءِ الأئمةِ أصلاً / 243ب /، وقال صاحبُ " الميزانِ ": ((كانَ يعتمدُ على حفظِهِ فَيَهِمُ)) (¬8))) (¬9). ¬

_ (¬1) تدريب الراوي 2/ 7. (¬2) اضطُربَ في ترجمته: فالذهبي في " العبر " 3/ 373، وابن كثير في " البداية والنهاية " 17/ 641، لم يذكرا لقبه، وإنَّما ترجما له فقط، وابن العماد الحنبلي في " شذرات الذهب " 5/ 413 ذكر أنَّه: ((الفركاح))، والبغدادي في " هدية العارفين " 5/ 525 - 526 ذكر أنَّه: ((ابن الفركاح)) وذكر في 5/ 14 أنَّ ابنه إبراهيم يلقب بـ ((ابن الفركاح)) أيضاً. (¬3) هوَ كتاب: ((الإقليد لدرر التقليد)) أو: ((في درأ التقليد)) أو: ((في درر التقليد)) على اختلاف في اسمه شرح فيهِ التنبيه لأبي إسحاق الشيرازي، ولم يتمه. انظر: طبقات الشافعية الكبرى 8/ 163، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 225، ومرآة الجنان 4/ 218، وطبقات الشافعية للإسنوي 2/ 288. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 385. (¬5) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬6) التقييد والإيضاح: 165. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 385. (¬8) ميزان الاعتدال 1/ 129. (¬9) التقييد والإيضاح: 165.

أقسام التحمل

أقسام التحمل (¬1) قولهُ: (أقسامُ التحمل) (¬2). قولهُ: (كتاباً أو حفظاً) (¬3) منصوبان بنزعِ الخافضِ، أي: لفظُ الشيخِ من كتابهِ أو حفظِهِ، ويصحُّ جعلُهُ حالاً، أي: ذا كتابٍ أو ذا حفظٍ، وأن يجعلَ تمييزاً، أي: من جهةِ الكتابِ أو الحفظِ، أي: لفظ كتابِ الشيخِ أو حفظه. قولهُ: (حدَّثنا حدَّثني) (¬4) لا شكَّ أنَّ ((حدّثني)) و ((أخبرني)) أدَلُّ على المرادِ وأبعدُ منَ التجوُّزِ مما أسندَ إلى ((نا)) فلو قدّمها لدَلَّ على أنَّها أرفعُ ولم يختلّ النظمُ. قولهُ: (عندَ الأكثرينَ) (¬5) وقالَ بعضُهم: هو والعرضُ سواءٌ، وقال بعضُهم: العرضُ أعلى، وسيأتي ذلك في البابِ الذي بعدهُ. قولهُ: (أو غير إملاءٍ) (¬6) لكنَّ الإملاءَ أعلى (¬7)، وإنْ استويا في أصل الرتبةِ. ¬

_ (¬1) انظر في أقسام التحمل: المحدّث الفاصل: 185، والكفاية (103 ت، 54 هـ‍)، والإلماع: 62، ومعرفة أنواع علم الحديث: 247، والإرشاد 1/ 334 - 423، والتقريب: 100 - 121، والاقتراح: 231، والمنهل الروي: 79، والخلاصة: 98، والموقظة: 61، ومحاسن الاصطلاح: 136، والتقييد والإيضاح: 165، ونزهة النظر: 101، وظفر الأماني: 473. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 385. (¬3) التبصرة والتذكرة (365). (¬4) التبصرة والتذكرة (367). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 386. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 386. (¬7) قال ابن حجر في " فتح الباري " عقب الحديث (63): ((ومن ثم كان السماع من لفظه في الإملاء أرفع الدرجات؛ لما يلزم منه من تحرز الشيخ والطالب، والله أعلم)). وكذا قال الأنصاري في " فتح الباقي " 1/ 359 - 360.

قولهُ: (قال القاضي عياضٌ) (¬1) إلى آخرهِ، عبارةُ ابنِ الصلاحِ (¬2): ((وفيما نَرويهِ عنِ القاضي عياض بنِ موسى السبْتيِّ (¬3) -أحد المتأخرينَ المطلعينَ- قولهُ: ((لا خلافَ)) ... إلى آخرِهِ)) (¬4). قولهُ: (أرفعُ العباراتِ: سمعتُ) (¬5)، أي: بالإفرادِ، أمّا سمعنا بطريقِ الجمعِ فيطرُقُه احتمالُ سماعِ أهلِ بلدٍ هو فيهم ونحو ذلك. قولهُ: (حدّثنا شديدٌ) (¬6) ينبغي أنْ يحملَ هذا على ما إذا شكَّ هلْ سمعَ منْ لفظِ الشيخِ، أو بالعرضِ عليه، فيكون منَ المسألةِ الآتيةِ في التفريعاتِ لا من هذه. قولهُ: (فقدْ أخطأ) (¬7)، قالَ شيخُنا كما نقلَهُ بعضُ أصحابِنا: ((معناهُ أنَّه لم يَرِدْ سندٌ صحيحٌ عن الحسنِ / 244أ / بصيغةِ التحديثِ)). انتهى. وإذا انتفى ورودُ التحديثِ انتفَى ما تَفَرَّعَ عليه منَ التأويلِ، وما بعدَهُ. قولهُ: (الرازيين) (¬8) زادَ ابنُ الصلاحِ في المذكورينَ اثنينِ، وهما: عبدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ، ويزيدُ بنُ هارونَ، وقال: ((وغيرهم)) (¬9)، وعَنْ خَطِّ شيخِنا: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 386. (¬2) عبارة: ((ابن الصلاح)) لم ترد في (ف). (¬3) في (ب): ((البستي))، والمثبت من (أ)، وهو الموافق للمعرفة. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 251. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 387. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 387، وقارن بـ: الكفاية (415ت، 286 هـ‍). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 387. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 388. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 252، ومصدره الكفاية (413 - 414ت، 284 - 285 هـ‍).

والنسائيّ وابن منده وابن حبانَ، قال: وعكسهُ أبو نعيمٍ فكانَ يقولُ فيما قرأهُ على الشيوخِ أو سمعه: حدثنا، وفي (¬1) الإجازةِ: أخبرنا. قولهُ: (وذُكِرَ عن محمدٍ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وذكرَ الخطيبُ)) (¬3). قولهُ: (مما سمعتَ) (¬4)، أي: قالَ محمدُ بنُ رافعٍ: فما سمعتَ معَ هؤلاءِ، قالَ فيه عبد الرزاق: حدثنا. قولهُ: (بما قُرئَ على الشيخِ) (¬5)، قالَ ابنُ الصلاحِ بعدَهُ: ((ثمَّ يتلو قولَ ((أخبرنا)) قولُ ((أنبأنا)) و ((نبَّأنا))، وهو قليلٌ في الاستعمالِ، وقالَ: ((حدثنا)) و ((أخبرنا)) أرفعُ منْ ((سمعتُ)) منْ جهةٍ أخرى، وهي: أنَّه ليسَ في ((سمعتُ)) دلالةٌ على أنَّ الشيخَ روَّاهُ (¬6) الحديثَ وخاطبهُ بهِ، وفي ((حدَّثنا)) و ((أخبرنا)) دلالةٌ على أنَّهُ خاطبَهُ بهِ وروَّاه له، أو هو ممنْ فُعلَ به ذلك. سألَ الخطيبُ (¬7) شيخَهُ أبا بكرٍ البَرْقانيَّ (¬8) الفقيهَ الحافظَ عن السرِّ في كونِهِ يقولُ لهم فيما رواهُ عن أبي القاسمِ عبدِ اللهِ بنِ إبراهيمَ الجُرْجاني ¬

_ (¬1) في (ب): ((في)) بدون الواو. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 389. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 252، وانظر: الكفاية (415 ت، 286 هـ‍). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 389. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 389. (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أي: أذن له أنْ يرويه عنه)). (¬7) الكفاية (417 ت، 287 هـ‍). (¬8) قال الزركشي في " نكته " 3/ 487: ((مثل هذه الحكاية ما روي عن النسائي أنه فيما رواه عن الحارث بن مسكين يقول: قراءة عليه وأنا أسمع، ولا يقول: أخبرنا، ولا حدثنا، فإن الحارث كان يتولى قضاء مصر، وبينه وبين النسائي خشونة لم يمكنه حضور مجلسه، فكان يتستر في موضع، ويسمع حيث لا يراه أحد، فلذلك تورع وتحرى)).

الآبَنْدُونيِّ (¬1) - يعني: وآبنْدون قريةٌ من قرى جرجانَ - ((سمعتُ)) ولا يقولُ: ((حدثنا)) ولا ((أخبرنا)) فذكرَ لهُ أنَّ أبا القاسِم كانَ معَ ثقتِهِ وصلاحِهِ عَسِرَاً في الرِّوايةِ، فكانَ البَرْقانيُّ يجلسُ حيثُ لا يراهُ / 244ب / أبو القاسمِ، ولا يَعلمُ بحضورِهِ، فيسمعُ منهُ ما يحدثُ به الشخصَ الداخلَ إليه، فلذلكَ يقولُ: ((سمعتُ)) ولا يقولُ: ((حدَّثنا))، ولا ((أخبرَنا))؛ لأنَّ قصدَهُ كانَ الرواية للداخلِ إليه وحدَهُ)) (¬2). قولهُ: (حيثُ قالَ: قالَ لي فلانٌ) (¬3)، قال شيخُنا: قالوا: إنَّ ما قالَ البخاريُّ فيه: ((قالَ لنا فلانٌ)) فهو مما حَملَهُ إجازةً، واستقرَّ بنا ذلك فوجدناهُ في بعضِ ما قالَ فيهِ ذلك يصرّحُ فيهِ بالتحديثِ في موضعٍ آخرَ (¬4). قولهُ: (وخصصَ الخطيبُ) (¬5) إلى آخرهِ، قالَ ابنُ الصلاحِ بعد: ((والمحفوظُ المعروفُ ما قدَّمنا ذِكرَه، والله أعلمُ)) (¬6). قولهُ في الثاني القراءةُ على الشيخِ: (يحفظُهُ) (¬7) مفسرٌ لشرط ((إنْ)) في قوله ((كذا إنْ))؛ لأنَّ تقديرَهُ: كذا إنْ يحفظْه ثقةٌ ممنْ سمعَ بحفظِهِ، فهو مجزومٌ كمفسرهِ، ولا يتزنُ البيتُ معَ جزمِهِ، فكانَ ينبغي أنْ يَقولَ: حفظهُ ماضياً، فيكونَ الجزءُ مخبولاً، أو يقولَ: يحفظُهُ مع إصغاءِ سَمْعٍ فاقتنعْ. ¬

_ (¬1) بالهمزة الممدودة، والباء الموحدة، وسكون النون، وضم الدال المهملة، وفي آخرها النون، هذه النسبة إلى آبندون، وهي قرية من قرى جرجان. انظر: الأنساب 1/ 51، ومعجم البلدان 1/ 50، وترجمته في السير 16/ 261. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 252 - 253. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 390. (¬4) بمعناه في فتح الباري عقب الحديث (65). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 390، وانظر: الكفاية (418ت، 289 هـ‍). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 253. (¬7) التبصرة والتذكرة (378).

قولهُ: (يعرضُ على الشيخِ ذلك) (¬1)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((كما يعرضُ القرآن على المُقرئِ)) (¬2). قولهُ: (ولا فرقَ بينَ إمساكِ الثقةِ) (¬3) إلى آخرهِ، قال شيخُنا: ((لو سَوّى بينَ إمساكِ الشيخِ وإمساكِ غيرِهِ، وبينَ حفظِهِ وحفظِ غيرِهِ، لكانَ مُتجهاً، وأمّا التسويةُ بينَ إمساكِ الأصلِ والحفظِ فمحلُّ نزاعٍ، والظاهرُ ترجيحُ الإمساكِ؛ إذ الحفظُ خَوَّانٌ)). ثم يَنبغي أنْ تعلَمَ / 245أ / أنّ شيخَنا - رحمه اللهُ - كانَ يقولُ وهو الحقُّ: ((إنَّ ذلك ينبغي أنْ يكونَ محلُّهُ ما إذا كانَ الشيخُ والطالبُ بمستويينِ، فإنْ كانَ أحدُهما أعلمَ كانَ سماعُهُ بقراءةِ المفضولِ أرجحَ؛ لأنَّ قراءةَ المفضولِ أضبطُ له، والفاضلُ أوعى لما يسمعُ، والله الموفقُ)). قولهُ في شرحِ قولهِ: (وأجمعوا أخذاً بها) (¬4): (أبو عاصم النَّبيلُ) (¬5) في " صحيحِ البخاريِّ " (¬6) في كتابِ العلمِ، قالَ البخاريُّ: ((سمعتُ أبا عاصمٍ يذكرُ عن سفيانَ الثوريِّ ومالكٍ أنَّهما كانا يريانِ القراءةَ والسماعَ جائزاً)). انتهى. ظاهرُ ذلكَ منْ سكوتِهِ عليه أنَّه يراهُ، ويحتملُ أنَّه نقلَهُ وهو لا يراهُ، والله أعلمُ. قولهُ: (فلم يسمعْ منه لذلك) (¬7)، قالَ بعضُ أصحابِنا: قالَ الإمامُ عبدُ العظيمِ المنذريُّ في كتابهِ " الإعلامِ بأخبارِ شيخِ البخاريِّ محمدِ بنِ سلامٍ" بعدَ أنْ ذَكرَ ما ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 391. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 254. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 392. (¬4) التبصرة والتذكرة (379). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 392. (¬6) صحيح البخاري 1/ 24. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 393.

قالهُ الشيخُ هنا منْ عدمِ سماعِهِ منْ مالكٍ: ((وقد ذكرَ الأميرُ أبو نصرِ بنُ ماكولا: أنَّ محمدَ بنَ سلامٍ سمعَ منْ مالكِ بنِ أنسٍ)) (¬1)، قالَ: ويمكنُ الجمعُ بينَهما بأنْ يكونَ سمعَ منه بعد ذلك ما حدّث به منْ لفظِهِ. قولهُ: (بحديثِ ضِمامِ بنِ ثعلبةَ) (¬2) وهوَ ما رَواهُ الشيخانِ (¬3) وغيرهما (¬4) عن أنسِ بنِ مالكٍ، وغيرهِ (¬5) من الصحابة - رضي الله عنهم -، قال: ((بَينما نَحنُ جُلوسٌ مع النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في المسجدِ دخلَ رجلٌ على جملٍ فأناخَهُ في /245 ب/ المسجدِ، ثُمّ عَقَلَهُ، ثم قالَ: أيُّكم محمدٌ؟ - والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - متكئٌ بين ظَهرانيهم - فقلنا: هذا الرجلُ الأبيضُ المتكئُ، فقالَ لهُ الرجلُ: ابنُ عبدِ المطلبِ، فقالَ لهُ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: قد أجبتُكَ، فقالَ الرجلُ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬6): إنِّي سائلُكَ فَمُشددٌ عَليكَ في المسألةِ فلا تجدْ عليَّ في نفسِكَ، فقالَ: سلْ عما بدا لكَ، فقالَ: أسألُكَ بربِّكَ وربِّ (¬7) مَنْ قبلكَ آللهُ أرسلكَ إلى الناسِ كلهم؟ قالَ: اللهمَّ نَعَم ... )) الحديثَ في سؤالِهِ عن شرائعِ الدينِ والإجابةِ عنها، فلما فَرغَ قالَ: ((آمنتُ بما جئتَ بهِ، وأنا رسولُ مَنْ ورائي من قومي وأنا ضِمامُ بنُ ثعلبةَ أخو بني سعدِ بنِ بكرٍ))، وفي روايةٍ للإمامِ أحمدَ (¬8) عن ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: أنَّهُ لما رجعَ إلى قومِهِ اجتمعوا إليه فأبلغهم، قالَ: فواللهِ ما أمسى منْ ذَلِكَ اليومِ في حاضِرِه رجلٌ ولا امرأةٌ إلا مُسلماً. ¬

_ (¬1) انظر: الإكمال 4/ 405. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 393. (¬3) صحيح البخاري 1/ 24 (62)، وصحيح مسلم 1/ 32 (12) (10). (¬4) منهم: أحمد 3/ 168، وأبو داود (486)، وابن ماجه (1402). (¬5) منهم: ابن عباس - رضي الله عنه -. (¬6) من قوله: ((قد أجبتك ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) في (ب): ((وبرب)). (¬8) مسند أحمد 1/ 264.

يقولُ ابنُ عباسٍ: فما سمعنا بوافِدِ قومٍ كانَ أفضلَ منْ ضِمامِ بنِ ثعلبةَ - رضي الله عنه -. ولفظُ البخاريِّ في كتابِ العلمِ من " صحيحهِ ": ((واحتجَّ بعضُهم في القراءةِ على العالِمِ (¬1) بحديثِ ضِمامِ بن ثَعلبةَ، قالَ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((آللهُ أمركَ أنْ تُصليَ الصلاةَ قالَ: نعمْ))، قالَ: فهذه قراءةٌ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬2) أخبرَ ضِمامٌ قومَه بذلك فأجازوهُ (¬3) / 246أ /، قالَ شيخُنا في " المقدمةِ ": ((وقد وصلَهُ أبو داودَ (¬4) من حديثِ ابنِ عباسٍ - رَضيَ اللهُ عنهما- فقالَ: إنَّ ضِماماً - رضي الله عنه - قالَ لقومهِ عندما (¬5) رَجعَ إليهم: إنَّ اللهَ قد بعثَ رسولاً ... الحديث (¬6). قولهُ: (وهو الصحيحُ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((والصحيحُ ترجيحُ السماعِ (¬8) من لفظِ الشيخِ، والحكمُ بأنَّ القراءةَ عليهِ مرتبةٌ ثانيةٌ)) (¬9). انتهى. وقد عرفتَ ما في ذلك من التفصيلِ الذي ذَكرهُ شيخُنا. قولهُ: (وجودوا فيه) (¬10)، أي: في العرضِ المذكورِ في قولهِ: (عَرْضاً) (¬11). ¬

_ (¬1) من قوله: ((من صحيحه ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬2) من قوله: ((آلله أمرك أن تصلي ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬3) صحيح البخاري 1/ 24 عقب (62). (¬4) سنن أبي داود (487). (¬5) في (ب): ((بعدما)). (¬6) هدي الساري: 21. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 394. (¬8) انظر: نكت الزركشي 3/ 482. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 254. (¬10) التبصرة والتذكرة (384). (¬11) التبصرة والتذكرة (375).

قولهُ: (وأنا) (¬1) بإثبات الألفِ؛ لضرورةِ الوزنِ معَ جوازِ ذلك في السعةِ؛ لأنَّ بعدَها همزةٌ في مثلِ قراءةِ المدنيينِ: نافعٍ وأبي جعفر ٍ {أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ} (¬2) {وَأَنَا أَوَّلُ} (¬3) سواءٌ كانت مضمومةً أو مفتوحةً، وأمّا المكسورةُ مثل: {أَنَا إِلاَّ} (¬4) ففيها خلافٌ عَنْ قالون (¬5)، هذا في الوصلِ، وأمّا في الوقفِ فلا خلافَ في إثباتها لجميعِ القرّاءِ. قولهُ: (الشافعي) (¬6) مخالفٌ في القافية للذي قبلَهُ فإنَّ هذا من المتداركِ، وهو مؤسسٌ، و ((الأوزاعيُّ)) منَ المتواترِ (¬7) المردفِ، والمخالفةُ في القافيةِ تقعُ كثيراً لهُ ولغيرِهِ من ناظمي العلم. قولهُ: (لأهله) (¬8) الضميرُ للتجويزِ المضمن لقولهِ: ((قد جوّزوا)) (¬9) وأبدلَ منَ المضافِ ((أهلَ الأثرِ)) لكثرةِ القائلينَ بهذا، كأنَّ غيرَهم لا عبرةَ بهم، فإنَّ محمدَ بنَ الحسنِ التميميَّ الجوهريَّ المصريَّ قالَ كما نقلَهُ عنهُ ابنُ الصلاحِ: ((إنَّ هذا مذهبُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (384). (¬2) البقرة: 258، وانظر: معجم القراءات القرآنية 1/ 197. (¬3) الأنعام: 163، وانظر: معجم القراءات القرآنية 2/ 341. (¬4) الأعراف: 188، وانظر: معجم القراءات القرآنية 2/ 427. (¬5) مقريء المدينة، الإمام المجود النحوي، أبو موسى، عيسى بن مِينا، مولى بني زريق، يقال: كان ربيب نافع، فلقبه قالون؛ لجودة قراءته، كان شديد الصمم، وكان ينظر إلى شفتي القاريء ويَرُدُّ، توفي سنة (220) هـ. انظر: سير أعلام النبلاء 10/ 326 - 327. (¬6) التبصرة والتذكرة (391). (¬7) المتواتر: حرف متحرك بين ساكنين. الكافي في العروض والقوافي: 148. (¬8) التبصرة والتذكرة (394). (¬9) التبصرة والتذكرة (392).

الأكثرِ من أصحابِ الحديثِ الذينَ لا يُحصيهم أحدٌ، وإنَّهم جعلوا أخبرنا، علماً / 246ب / يقومُ مقامَ قولِ قائلِهِ (¬1): ((أنا قرأتُهُ عليهِ، لا أنَّهُ لَفَظَ به لي))، قالَ: وممنْ كانَ يقولُ به من أهلِ زمانِنا أبو عبدِ الرحمانِ النسائيُّ في جماعةٍ مثلِهِ من مُحدِّثينا)) (¬2). قولهُ: (بالدالِ) (¬3)، أي: لا بالزاي فالمرادُ أنَّه جائزٌ جوازاً موصوفاً بالجودةِ. قولهُ: (وأنا أسمعُ) (¬4) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((أجودُها أنْ يقولَ: قرأتُ على فلانٍ، أو: قُرئَ على فُلانٍ وأنا أسمعُ فأقرَّ به، فهذا سائغٌ من غيرِ إشكالٍ)) (¬5). قولهُ: (منَ التفرقةِ) (¬6)، أي: كما سيأتي نقلُ ذلك عنه قريباً. قولهُ: (وذهبَ أبو بكرِ بنُ شهابٍ) (¬7) إلى أنْ قالَ: (إلى جوازِ إطلاقهما) (¬8)، أي: حدّثنا، وأخبرنا من غيرِ تقييدٍ، نُقِلَ عن " طبقات ابنِ سعدٍ " (¬9) عن الواقديِّ، قالَ: ((حدَّثنا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بن أخي ابنِ شِهابٍ، سمعتُ عمي ما لا أحصي يقولُ: ما أُبالي قرأتُ على المحدّثِ أو حدَّثني، كلاهما أقولُ: حدَّثنا)). انتهى. ¬

_ (¬1) في (ب) كلمة غير مقروءة. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 256. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 396. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 396. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 255. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 397. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 397. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 398. (¬9) طبقات ابن سعد 1/ 174 (القسم المتمم).

قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ومن هؤلاءِ مَنْ أجازَ فيها أيضاً - أي: في العبارةِ عن القراءةِ - أنْ يقولَ: سمعتُ فلاناً)) (¬1) وقالَ في مذهبِ الفَرقِ بينَ أخبرنا، فيجوزُ دونَ حدَّثنا: ((وهو منقولٌ عن مسلمٍ صاحبِ الصحيحِ)) (¬2). انتهى. قالَ النوويُّ فيما نُقلَ عنه: ((وكانَ من مذهبِهِ - أي: مُسلِمٍ - الفرقُ بينَهما، وأنَّ حدّثنا لا يجوزُ إطلاقُهُ إلاّ لما سمعَهُ من لفظِ الشيخِ خاصةً، وأخبرنا لما قُرِئَ على الشيخِ، وهذا الفرقُ هو مذهبُ الشافعيِّ)) (¬3) إلى آخرِ كلامهِ. انتهى. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقد قيلَ: إنَّ أوَّلَ مَنْ أحدثَ الفرقَ بينَ هذينِ اللفظينِ / 247أ / ابنُ وَهْبٍ بمصرَ، وهذا يدفعُهُ أنَّ ذلك مرويٌّ عن ابنِ جُرَيجٍ والأوزاعيِّ، حكاهُ عنهما الخطيبُ أبو بكرٍ (¬4) إلا أنْ يعني أنَّه أوَّلُ مَنْ فعلَ ذلك بمصرَ)) (¬5). قولهُ: (أكثرُ علمائِنا) (¬6) نُقلَ عن " طبقاتِ ابنِ سعدٍ " (¬7) في ترجمةِ عبدِ الرحمانِ بنِ هرمزَ الأعرجِ بسندٍ فيه الواقديُّ، عن عثمانَ بنِ عبيدِ الله بنِ رافعٍ، قالَ: ((رأيتُ مَنْ يقرأُ على الأعرجِ حديثَهُ عن أبي هُريرةَ، عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فيقولُ: هذا حديثُكَ يا أبا داودَ - وهي كنيةُ الأعرجِ -، فيقولُ: نَعَم، قالَ: فيقولُ: فأقولُ: حدَّثني عبدُ الرحمانِ، وقد قرأتُ عليكَ؟ قالَ: نَعَم، قُلْ: حدَّثني عبدُ الرحمانِ بنُ هرمزَ)). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 256، قال البلقيني: ((وممن جوَّز إطلاق حدَّثنا في ذلك عطاء، والحسن، وأبو حنيفة، وصاحباه، وزفر، ومنصور)). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 256. (¬3) شرح صحيح مسلم 1/ 22، والذي بعدها: ((وأصحابه وجمهور أهل العلم بالمشرق)). (¬4) الكفاية (434 ت، 302 هـ‍). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 256. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 398. (¬7) طبقات ابن سعد 5/ 283.

قولهُ: (وهو الشائعُ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((الفرقُ بينهما صارَ هو الشائعَ الغالبَ على أهلِ الحديثِ، والاحتجاجُ لذلك منْ حيثُ اللغةُ عناءٌ وتكلُّفٌ، وخيرُ ما يُقالُ فيه: إنَّه اصطلاحٌ أرادوا به التمييزَ بينَ النوعينِ، ثمَّ خُصِّصَ النوعُ الأولُ بقولهِ (¬2): حدثنا؛ لقوَّةِ إشعارِهِ بالنطقِ والمشافهةِ)) (¬3). قولهُ: (وبعضُ مَنْ قالَ) (¬4)، ثم قالَ: (الهرويُّ) (¬5) قال ابنُ الصلاحِ: ((أحدُ رؤساءِ أهلِ الحديثِ بخُراسانَ)) (¬6). قولهُ: (تفريعات) (¬7)، أي: على ما تأصَّلَ من (¬8) أقسامِ التحملِ. عبارةُ ابنِ الصلاحِ عن الأولِ: ((إذا كان أصلُ الشيخِ عندَ القراءةِ عليهِ بيدِ غيرِهِ، وهو موثوقٌ به مُراعٍ لِما يَقرَأُ، أهلٌ لذلك، فإنْ كان الشيخُ يحفظُ ما يُقرأُ عليه فهوَ كما لو كان أصلُهُ بيدِ نفسِهِ، بل أولى لتعاضُدِ ذهني / 247ب / شخصينِ عليه - ثم ذكرَ فيما إذا أمسكهُ بعضُ السامعينَ نحو ما قالَ الشيخُ، ثمَّ قالَ - وإذا كان الأصلُ بيدِ القارئ وهو موثوقٌ به دِيناً ومعرفةً، فكذلكَ الحكمُ فيهِ، وأولى بالصِّحةِ)) (¬9)، أي: مما لو كان الأصلُ بيدِ سامعٍ آخرَ؛ لأنَّ القراءةَ في هذه الصورةِ أضبطُ في اتباعِ ما حملَهُ الشيخُ، والذهولُ فيها أقلُّ، وأمّا إمساكُ غيرِ الأهلِ، فقالَ فيه ابنُ الصلاحِ: ((فسواءٌ كانَ بيدِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 399. (¬2) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((بقول)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 256. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 399. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 399. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 257. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 400. (¬8) في (ف): ((فيه)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 257.

القارئِ أو بيدِ غيرِهِ في أنَّه سماعٌ غيرُ معتدٍّ به إذا كان الشيخُ غيرَ حافظٍ للمقروءِ عليه)) (¬1). قولهُ: (وأكثرُ ميلِهِ إلى المنعِ) (¬2) إلى آخره، قال الشيخُ في " النكتِ ": ((وَوهَّنَ السِّلفيُّ هذا الاختلافَ؛ لاتفاقِ العلماءِ على العملِ بخلافِهِ، فإنَّهُ ذكرَ ما حاصلُهُ: أنَّ الطالبَ إذا أرادَ أنْ يقرأَ على شيخٍ شيئاً منْ سماعِهِ هل يجبُ أنْ يُريَهُ سماعَهُ في ذلك الجزءِ، أم يكفيَ إعلامُ الطالبِ الثقةِ للشيخِ أنَّ هذا الجزءَ سماعُهُ (¬3) على فلانٍ؟ فقالَ السِّلفيُّ: هما سِيَّان، على هذا عَهِدْنا علماءَنا عن آخرِهم، قالَ: ولم تزلِ الحُفّاظُ قديماً وحديثاً يخرجونَ للشيوخِ منَ الأصولِ فتصيرُ تلكَ الفروعُ بعدَ المقابلةِ أصولاً، وهل كانت الأصولُ أولاً إلا فروعاً)) (¬4). انتهى. قولهُ: (غيرُ شرطٍ) (¬5) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وإنَّ سكوتَ الشيخِ على الوجهِ المذكورِ نازلٌ منْزلةَ تصريحِهِ بتصديقِ القارئِ اكتفاءً بالقرائنِ الظاهرةِ)) (¬6). قولهُ: (وشَرَطَهُ بعضُ الظاهريةِ) (¬7) قال ابنُ الصلاحِ: ((وفي / 248أ / حكايةِ بعضِ المصنفينَ للخلافِ في ذلكَ أنَّ بعضَ الظاهريةِ شَرَطَ إقرارَ الشيخِ عندَ تمامِ السماعِ بأنْ يَقولَ القارئُ للشيخِ: هو كما قرأتُهُ عليكَ، فيقولُ: نَعَم)) (¬8). وعبارة ابنِ الصلاحِ في النقلِ عن هذا الشرطِ قريبةٌ من عبارةِ الشيخِ، وهي غيرُ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 257. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 400. (¬3) من قوله: ((في ذلك الجزء ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) التقييد والإيضاح: 171. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 401. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 258. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 401. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 258.

مبينةٍ، فإنْ كانَ المرادُ أنَّ الشرطَ في صحةِ السماعِ بحيثُ إنَّه إذا انتفى التلفظُ بالإقرارِ لا يصحُّ إسنادُ السماعِ إلى الشيخِ بلفظٍ منَ الألفاظِ، فذلك ممكنٌ في غيرِ ابنِ الصباغِ؛ لعدمِ المعرفةِ لعباراتِهم، وأمّا ابنُ الصباغِ فكلامُهُ ظاهرٌ في أنَّ السماعَ في نفسِهِ صحيحٌ، وأنَّ التلفظَ بالإقرار إنَّما هو شرطٌ في جوازِ الروايةِ بحدثنا، وأخبرنا، ونحوِهما، وأمّا بصيغةِ تَفهم الواقعَ فلا، وهوَ قولُ الغزاليِّ (¬1) ومنْ ذُكِرَ معه. قولهُ: (والعَرْضِ) (¬2) بالجرِّ عطفاً على قولهِ: ((اللفظ)) (¬3)، والمفعولُ محذوفٌ، أي: واختارَ في العرضِ هذا التفصيلَ، وهو أنَّك: إن تسمعَ بقراءةِ غيرِكَ ... إلى آخرهِ، ويجوز أنْ يُرفعَ على أنَّه مبتدأٌ، وخبرُهُ جملةُ الشرطِ بتقديرِ رابطٍ، أي: إنْ تسمعْ فيه، أي: إنْ تكنْ سامعاً، فَقلْ: أخبرنا، أو تكنْ قارئاً فقُلْ: أخبرني. قولهُ: (فسوَّى بينَ مسألَتي) (¬4)، أي: لأنَّه إذا حدّث الشيخُ من لفظِهِ وسَمعَ جماعةٌ يقولُ كلٌ منهم: حدَّثنا فحصلتِ التسويةُ. قولهُ: (فجائزٌ لمنْ سمعَ وحدَهُ أنْ يقولَ: أخبرنا وحدَّثنا) (¬5)، قالَ صاحبُنا العلامةُ شمسُ الدينِ محمدُ بنُ / 248ب / حسان القدسيُّ - رحمه الله - فيما وجدتُهُ بخطِّهِ: ((وَجَدْتُ السِّلفيَّ يفعلُ ذلك؛ فيقولُ: أخبرنا، وإنْ سَمعَ وحدَهُ، وطريقُ معرفتي لذلك أنَّهُ يفردُ نفسَهُ في كتابةِ التسميعِ، ويكتبُ أولَ الجُزءِ: أخبرنا، ¬

_ (¬1) المستصفى 1/ 165. (¬2) التبصرة والتذكرة (407). (¬3) التبصرة والتذكرة (406). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 403. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 403.

ومن عادتِهِ كتابةُ مَنْ شارَكهُ في السماعِ (¬1)، وهذا هو اللائقُ بكلِّ أحدٍ فضلاً عنهُ)) يعني: أنَّه لو كان سمعَ معه أحدٌ لَكَتَبهُ في الطبقةِ. قولهُ: (ونحو ذلك) (¬2)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((لأنَّ المحدِّثَ حدَّثهُ وحدَّثَ غيرَهُ)) (¬3). قولهُ: (والشَّكُّ في الأخذِ) (¬4) إلى آخره، أي: إنْ وقعَ فاعتبارُ الوحدةِ ... إلى آخرهِ. قولهُ: (لأنَّ عدمَ غيرِهِ هو الأصلُ) (¬5)، قالَ ابنُ الصلاحِ عقِبَهُ: ((ولكنْ ذَكرَ عليُّ بنُ عبدِ اللهِ المدينيُّ الإمامُ عنْ شيخِهِ يحيى بنِ سعيدِ القطَّان)) (¬6) فذكرَهُ إلى قولهِ: ((على الناقصِ)) فقالَ: ((لأنَّ عدم الزائدِ هو الأصل)) (¬7)، وهذا لطيفٌ. انتهى (¬8). لكنْ يمنعُ من هذا أنَّ الألفاظَ صارتْ - بعدَ تخصيصِ كلٍّ منها بمعنى - متباينةَ المعاني، فمتى أبدلَ منها لفظاً بآخرَ احتملَ أنْ يخبرَ بهِ عما لم يكنْ، مثلاً إذا غَيَّرَ ((حدَّثنا)) بـ ((حدّثني)) كانَ كأنَّه قال: حدَّثني من لفظِهِ وأنا وحدي، وقد يكونُ ذلك كذباً، وكذا عكسُهُ؛ فإنَّ معناهُ: حدَّثني من لفظِهِ وأنا في جماعةٍ، والفرضُ أنَّه ¬

_ (¬1) عبارة: ((في السماع)) لم ترد في (ف). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 403. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 259. (¬4) التبصرة والتذكرة (409). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 404. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 259. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 259. (¬8) لم ترد في (ب) و (ف).

شاكٌّ، فقد يكونُ كذباً، وكذا ((أخبرنا)) و ((أخبرني)) فالاحتياط أنْ يقولَ إذا شكَّ في ((حدثنا)) و ((حدثني)): حدَّثَ فلانٌ من لفظِهِ وأنا / 249أ / أسمعُ، وإذا شكَّ في ((أخبرنا)) و ((أخبرني)) فَلْيَقُلْ: قُرِئ على فلانٍ وأنا أسمعُ، وهو أحسنُ عندي من ((قَرَأْنا)). قولهُ: (والأصل: أنَّه لم يَقرَأْ) (¬1) قال الشيخُ في " النكت ": ((هذا إذا مشينا على ما ذَكرَهُ المصنفُ تبعاً للحاكم: أنَّ القارئ يقولُ: أخبرني، سواءٌ سمعَ بقراءتِهِ غيره (¬2) أم لا، أمّا إذا قُلنا: بما جزمَ به ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬3) من أنَّ القارئَ إذا كانَ معه غيرُهُ يقولُ: أخبرنا، فيتجهُ (¬4) أنْ يُقالَ: الأصلُ عدمُ الزائدِ، لكن الذي ذَكرَهُ ابنُ الصلاحِ هوَ الذي قالَه عبدُ اللهِ بنُ وهبٍ، وأبو عبدِ اللهِ الحاكمُ، وهو المشهورُ، والله أعلمُ)) (¬5). قولهُ: (فيقولُ فيه: قرأنا على فلانٍ) (¬6) قالَ في " النكت " (¬7): ((فإنَّه يصحُّ (¬8) إتيانُهُ بهذه الصيغةِ فيما قرأهُ بنفسه، وفيما سمعَهُ بقراءةِ غيرِهِ)). انتهى. وفيه أنَّه يكونُ مُعظِّماً (¬9) لنفسِهِ إذا كان الواقعُ أنَّه وحدهُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 404. (¬2) في " التقييد والإيضاح ": ((بقراءته معه غيره)). (¬3) الاقتراح: 226 و228. (¬4) في " التقييد والإيضاح ": ((فيتجه حينئذٍ)). (¬5) التقييد والإيضاح: 173. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 404. (¬7) التقييد والإيضاح: 173 - 174. (¬8) في " التقييد والإيضاح ": ((يسوغ)). (¬9) في (ب): ((تعظيماً)).

قولهُ في قولِهِ: (وقال أحمدُ): (¬1) (ولا تَعَدْ) (¬2) أصلها: تتعدَّى، فحذفت التاءُ الأولى تخفيفاً، ولامُ الفعلِ للجزمِ بالنهي. قولهُ: (بأنَّه) (¬3) متعلقٌ بـ ((عُرف))، أي: عُرفَ بالتسويةِ بينَ اللفظينِ: البدلُ والمبدلُ. وقولهُ: (فيرى) (¬4)، أي: ابنُ الصلاحِ يقولُ بهذا. قولهُ: (لا يرى التسوية) (¬5) قالَ في " النكت ": ((تعليلُ المصنفِ المنعَ، باحتمالِ أنْ يكونَ مَنْ قالَ ذلك ممن لا يرى التسويةَ بينَ ((أخبرنا)) و ((حدَّثنا)) ليسَ بجيدٍ من حيثُ إنَّ الحكمَ لا يختلفُ في الجائزِ والممتنعِ بأنْ يَكونَ الشيخُ / 249 ب / يرى الجائزَ مُمتنعاً، أو الممتنعَ جائزاً، وقد صَرَّحَ أهلُ الحديثِ بذلك في مواضعَ، منها: أنْ يكونَ الشيخُ يرى (¬6) جوازَ إطلاقِ ((حدَّثنا)) و ((أخبرنا)) (¬7) في الإجازةِ، وأَذِنَ للطالبِ أن يقولَ ذلك إذا رَوَى عنه بالإجازةِ، فإنَّه لا يجوزُ ذلك للطالبِ، وإنْ أَذِنَ له الشيخُ، وقد صَرَّحَ به المصنفُ كما سيأتي - أي: في الكلامِ على المناولةِ - وكذلك أيضاً لم يشترطوا في جوازِ الروايةِ بالمعنى أنْ لا يكونَ في الإسنادِ مَنْ يَمنعُ ذلك، كابنِ سيرينَ، بل جَوَّزوا الروايةَ بالمعنى بشروطٍ ليس منها هذا)) (¬8). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (412). (¬2) التبصرة والتذكرة (412). (¬3) التبصرة والتذكرة (414). (¬4) التبصرة والتذكرة (414). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 406. (¬6) في المطبوع من " التقييد والإيضاح ": ((ممن يرى)). (¬7) في المطبوع من " التقييد والإيضاح ": ((حدثنا وأنبأنا)). (¬8) التقييد والإيضاح: 177.

قولهُ: (أنَّ قائلَ ذلك) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ولو وجدتَ من ذلك إسناداً عرفتَ من مذهبِ رجالِهِ التسويةَ بينهما، فإقامَتكَ أحدَهما مقامَ الآخرِ من بابِ تجويزِ الروايةِ بالمعنى، وذلك وإنْ كان فيه خلافٌ معروفٌ، فالذي نراه: الامتناعُ)) (¬2) إلى آخرهِ. قولهُ: (وما ذكره الخطيبُ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعدَهُ: ((في "كفايتهِ" (¬4) من إجراء ذلك الخلافَ في هذا فمحمولٌ عندنا)) (¬5) إلى آخره. قولهُ: (وأقلُّ ما فيهِ) (¬6)، أي: في كلام ابنِ الصلاحِ مما يدلُّ على ضعفِهِ أنْ يقتضيَ تجويزَ هذا .. إلى آخره، إنما يقتضي ذلك إذا عللَ بأنَّ فيه تغييرَ التصنيفِ المنقولِ منه، وليسَ في كلامِ ابنِ الصلاحِ هنا التعليلُ بذلكَ، نَعَم، قالَ في الروايةِ بالمعنى: إنَّه رخصَ فيها لما كان عليهم في ضبطِ الألفاظِ والجمودِ عليها منَ الحرجِ والنَّصبِ، وذلك غيرُ موجودٍ فيما اشتملتْ عليه /250 أ/ بطونُ الأوراقِ والكتبِ؛ ولأنَّه إنْ ملكَ تغييرَ اللفظِ، فليسَ يملكُ تغييرَ (¬7) تصنيفِ غيرِهِ، فلمْ يقتصرْ على تلك العلةِ حتى يلزمَهُ ما ألزمهُ. لكنّ ابنَ دقيقِ العيدِ لم يصرّحْ بابنِ الصلاحِ فقد يكونُ الذي يُشيرُ إليه غيرَهُ، فإنّه قالَ في "الاقتراحِ" (¬8) كما نَقَلهُ الشيخُ في "النكتِ" (¬9): ((ومما وَقعَ في ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 406. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 260. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 406. (¬4) الكفاية (422 ت، 292 هـ‍). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 260. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 407. (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) الاقتراح: 242 - 245. (¬9) التقييد والإيضاح: 176.

اصطلاحِ المتأخرينَ: أنَّه إذا رُوِيَ كتابٌ مصنفٌ بيننا وبينَه وسائطُ، تَصرَّفوا في أسماءِ الرواةِ وقَلَّبوها على أنواعٍ إلى أنْ يَصِلُوا إلى المصنفِ، فإذا وصلوا إليه تبعوا لفظَهُ من غيرِ تغييرٍ، إلى أنْ قالَ: ينبغي أنْ ينظرَ فيهِ هل هوَ على سبيلِ الوجوبِ، أو هوَ اصطلاحٌ على سبيلِ الأَولى، وفي كلامِ بعضِهم ما يشيرُ إلى أنَّه ممتنعٌ؛ لأنَّه وإنْ كانَ لهُ الروايةُ بالمعنى، فليسَ لهُ تغييرُ التصنيفِ)). انتهى. فلم يُسمِّ المعترضَ عليهِ وذكرَ أنَّه عُللَ بهذه العلةِ المقتضيةِ لأنْ يُتصرفَ فيه كل تصرفٍ ما عدا أنَّا ننسخُهُ كاملاً مع تغييرِ ألفاظِهِ كلِّها أو بعضِها، فإنَّه لا يكونُ تَغييرُهُ إلا بذلك، وأمّا تغييرُ شيءٍ ينقلُ منه (¬1) لفظاً أو إلى تخاريجِنا فلا يُسمى تغييرَ التصنيفِ وإنْ كانَ فيه تغييرُ عبارةِ المصنفِ. قولهُ: (وليس هذا) (¬2)، أي: كلامُ الذي اعترضَ عليه جارياً على الاصطلاحِ، تتمةُ كلامِ ابنِ دقيقِ العيدِ كما قالَ في " النكتِ " (¬3): ((فإنَّ الاصطلاحَ على أن لا تُغَيَّرَ الألفاظُ بعدَ الانتهاءِ إلى الكتبِ المصنفةِ سواءٌ رويناها /250 ب / فيها أو نقلناها منها)). انتهى. قولهُ: (لا نُسلِّمُ أنَّه) (¬4)، أي: كلامَ ابنِ الصلاحِ يقتضي ذلك ... إلى آخرهِ، فيه نظرٌ؛ لأنَّه إذا سُلِّمَ له أنَّه عللَ بما ذَكَرَ لَزمهُ ما ألزمَهُ، ولا يقدحُ فيهِ الإشعارُ بما أرادَهُ من قولهِ آخر الكلامِ: وما ذكرهُ محمولٌ ... إلى آخرهِ، فكان ينبغي أنْ يُعللَ بأنَّه لم يُعللْ هنا بذلكَ، وحيثُ عَلَّلَ به (¬5) لم يقتصرْ عليه، بل ضمَّ إليه ما يقتضي الامتناعَ على كلِّ حالٍ. ¬

_ (¬1) في (ب): ((عنه)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 407. (¬3) التقييد والإيضاح: 176. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 407. (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((بأنَّه))، ولعل الصواب ما أثبتنا؛ ليستقيم النص.

قولهُ: (الإسفراييني) (¬1)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الفقيهُ الأصوليُّ)) (¬2). قولهُ: (الصِّبْغيِّ) (¬3)، قالَ (¬4): ((أحدُ أئمةِ الشافعيينَ بخراسانَ)) (¬5). قولهُ: (عارم) (¬6) هو محمدُ بنُ الفَضْلِ، و ((عارمٌ)) لقبُ سوءٍ وقعَ على رجلٍ صالحٍ؛ فإنَّ العَرامَةَ شَراسةُ الأخلاقِ والأذى، عَرَمَ كنَصَرَ وضَرَبَ وكَرُمَ وعَلِمَ، فهو عارِمٌ، وعَرِم الصبيُّ أشِرَ ومَرِحَ، أو بطرَ، أو فَسَدَ، ذَكرَهُ في " القاموس " (¬7). قولهُ: (ويصحُّ بحيثُ) (¬8) الصوابُ كما هو عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ويَصحُّ إذا كان بحيثُ لا يمتنعُ معه الفَهْمُ)) (¬9). قولهُ: (أو كانَ السامعُ بعيداً) (¬10) نُقلَ عن ابنِ كثيرٍ: أنَّه حَكَى عن شَيخِهِ الحافظِ جمالِ الدينِ المزيِّ أنَّه كان يكتبُ في (¬11) مجلسِ السَّماعِ وينعسُ في بعضِ الأحيانِ، ويَردُّ على القارئ رَداً جَيداً بَيّناً وَاضحاً بحيثُ يتعجّبُ القارئُ، ثم حَكى أنّه كان يحضرُ عند المزيِّ مَن يفهمُ ومَنْ لا يفهمُ، والبعيدُ منَ القارِئ، والناعسُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (417). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 260. (¬3) التبصرة والتذكرة (417). (¬4) جاء في حاشية (أ): ((أي: ابن الصلاح)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 260. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 408. (¬7) القاموس المحيط مادة (عرم). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 408. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 261. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 409. (¬11) لم ترد في (ب).

والمتحدِّثُ، والصبيانُ الذينَ لا ينضبطُ أمرُهم بل يلعبونَ غالباً، ولا يشتغلونَ / 251أ / بمجرّدِ السماعِ، ويُكتبُ للكلِّ بحضورِ المزيِّ السماعَ، قال: ((وبَلغني عنِ القاضي تقي الدينِ سليمانَ: أنَّه زُجرَ في مجلسِهِ الصبيانُ عنِ اللعبِ، فقال: لا تزجروهم فإنَّا إنَّما سَمعنا مِثلَهم)) (¬1). قولهُ: (نحو الكلمةِ والكلمتينِ) (¬2)، قالَ شيخُنا: ((ينبغي أنْ يكونَ الأمرُ دائراً على ما لا يكونُ فَوتُهُ والذهولُ عنه مُخلاً بفهمِ الباقي)). قلتُ: ويدلُّ على ما قالَهُ شيخُنا ما يأتي عنِ الإمام أحمدَ، والله أعلم. قولهُ في قولهِ: (وينبغي) (¬3): (في سَنِّهِ) (¬4) هو (¬5) مصدرٌ مُضافٌ إلى ضميرِ ((الأنماطيِّ)). قولهُ: (لا غِنَى في السماعِ عن الإجازةِ) (¬6) هذا على سبيلِ التأكيدِ، لا أنَّه شرطٌ في صحةِ السماعِ، فإنّ هذا الاحتمالَ موجودٌ في كُلِّ عَصرٍ، ولم يَكُنِ المتقدمونَ يَقفونَ الرِّوايةَ على ذلكَ. قولهُ في قولهِ: (وسُئِلَ ابنُ حَنبلٍ) (¬7): (الشيخُ يُدْغِمُ الحرفَ يُعرفُ) (¬8) ((الشيخُ)) مبتدأٌ، ((يدغمُ)) خبرهُ، ((يعرفُ)) مبنيٌّ للمفعول. قولهُ: (وإنَّما فَهَّمهُ) (¬9) منَ التفهيمِ. ¬

_ (¬1) اختصار علوم الحديث 1/ 340 - 342 وبتحقيقي: 184. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 409. (¬3) التبصرة والتذكرة (424). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 410. (¬5) في (ب): ((وهو)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 410. (¬7) التبصرة والتذكرة (426). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 410. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 411.

قولهُ في قولهِ: (وخَلَفُ بنُ سالِمٍ) (¬1): (إذ فاتهُ) (¬2) ضميرُهُ لـ ((خلفٍ)). وقولهُ: (منْ قولِ سفيانَ) (¬3) متعلقٌ ب ((فَاتَهُ))، وليسَ الأمرُ كذلك، لم يفتْ خلفاً شيءٌ مما حَدَّثه به سُفيانُ، وإنَّما حَقُّ الضمير أنْ يكونَ ل ((سفيانَ))؛ فهوَ الذي فاتهُ ذلك منْ قولِ عمرٍو، فصوابهُ أنْ يقولَ: وخلفٌ قد قال عنْ سفيانَ نا ... منْ قولِ عمرٍو ثم سفيانُ اكتفى وقولهُ: (اقتفى) (¬4) صفةُ ((مُستملٍ))، تقديرُه: بلفظٍ اتبعَ ذلكَ المستملي اللفظَ عنِ المملي. قولهُ: (أفتى: إستَفْهمِ) (¬5) هذا الأمرُ تعليلٌ للتشبيهِ، أي: لأجلِ أنَّهُ قالَ لمنْ سألَهُ أنْ / 251 ب / يُعيدَ لهُ: استفهمِ الذي يَليكَ. قولهُ: (كلٌّ ينقلُ) (¬6)، أي: ثم كلٌ منهم ينقلُ ما سمعَه منَ المملي، وما استفهمَهُ من بعضِ أصحابِهِ عن المملي، ولو قدَّمَ الناظمُ ((ثم)) وأخَّر ((عنه)) (¬7) لكانَ أحسنَ. قولهُ: (المُخَرِّمي) (¬8) نسبةً إلى المُخَرِّمِ، بضمِّ الميمِ، وفتحِ المعجمةِ، وكسرِ المهملةِ المشددةِ، محلةٌ ببغدادَ (¬9). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (429). (¬2) التبصرة والتذكرة (429). (¬3) التبصرة والتذكرة (430). (¬4) التبصرة والتذكرة (430). (¬5) التبصرة والتذكرة (431). (¬6) التبصرة والتذكرة (433). (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 412. (¬9) الأنساب 4/ 248.

قولهُ: (وهي حَدَّثَ) (¬1)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((قد كان كثيرٌ من أكابرِ المحدِّثينَ يَعْظُمُ الجمعُ في مجالِسِهم جدَّاً حتى بَلغَ أُلُوفاً مؤلَّفةً، ويُبَلِّغُهم عنهم المستَملونَ، فيكتُبُونَ عنهم (¬2) بواسطةِ المستملينَ، فأجازَ غيرُ واحدٍ لهم روايةَ ذلك عنِ المملي، رُوِّينا عنِ الأعمشِ - إلى أنْ قالَ -: وأبى آخرونَ ذلك)) (¬3). قالَ الشيخُ في " النكتِ ": ((أطلقَ المصنفُ حكايةَ الخلافِ من غيرِ تقييدٍ بكونِ المملي يسمعُ لفظَ المستملي أم لا، والصوابُ التقييدُ، فإنْ كان الشيخُ صَحيحَ السمْعِ بحيثُ يسمعُ المستملي الذي يُملي عليهِ، فالسَّماعُ صَحيحٌ، ويجوزُ له أنْ يرويَهُ عنِ المملي دونَ ذِكرِ الواسطةِ كما لو سمعَ على (¬4) الشيخِ بقراءةِ غيرِهِ، فإنَّ القارئَ والمستمليَ واحدٌ، وإنْ كان في سَمعِ الشيخِ ثقلٌ بحيثُ لا يسمعُ لفظَ المستملي فإنَّه لا يسوغُ لمن لم يسمعْ لفظَ الشيخِ أنْ يَرويَهُ عنه إلا بواسطةِ المستملي، أو المبلغِ له عنِ الشيخِ أو المفهمِ للسامعِ ما لم يبلغْهُ كما ثَبتَ في "الصحيحينِ" منْ روايةِ عبدِ الملكِ بنِ عميرٍ، عن جابرِ بنِ سمرةَ - رضي الله عنه -، قالَ: سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - / 252أ / يقولُ: ((يكونُ اثنا عشرَ أميراً، فقالَ كلمةً لم أسمعْها، فقالَ أبي: إنَّه قال: كُلُّهم من قريشٍ)) لفظُ البخاريِّ (¬5)، وقالَ مسلِمٌ (¬6): ((ثم تكلمَ بكلمةٍ خفيتْ عليَّ، فسألتُ أبي: ماذا قال؟ قالَ: كلُّهم من قريش))، فلم يروِ جابرُ بنُ سمرةَ الكلمةَ التي خَفِيَتْ عليهِ إلا بواسطةِ أبيهِ، ويمكنُ أنْ يُستدلَّ للقائلينَ (¬7) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 412. (¬2) في (ب): ((عليهم)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 262 و263. (¬4) في (ب): ((عن)). (¬5) صحيح البخاري 9/ 111 (2723). (¬6) صحيح مسلم 6/ 2 (1821). (¬7) في "التقييد والإيضاح": ((القائلون)).

بالجوازِ بما رواهُ مُسلِمٌ (¬1) في " صحيحهِ " من روايةِ عامرِ بنِ سعدِ بنِ أبي وقاصٍ، قالَ: ((كتبتُ إلى جابرِ بنِ سَمُرةَ - رضي الله عنه - معَ غُلامي نافعٍ، أنْ أخبرني بشيءٍ سمعتَهُ من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فكتبَ إليَّ: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يومَ جمعةٍ عَشيَّةَ رَجْمِ الأسلميِّ - رضي الله عنه -، قالَ: لا يزالُ الدينُ قائماً حتى تقومَ الساعةُ، أو يكونَ عليكم اثنا عشرَ خليفةً كُلُّهم من قريشٍ)) فلم يفصلْ جابرُ بنُ سَمُرةَ الكلمةَ التي لم يسمعْها، وقد يجابُ عنه بأمورٍ: أحدها: إنَّه يحتملُ أنَّ بعضَ الرواةِ أدرجَهُ وفصلها الجمهورُ، وهم: عبدُ الملك بنُ عميرٍ، والشعبيُّ، وحُصينٌ، وسماكُ بنُ حربٍ، ووصلَهُ عامرٌ. والثاني: إنَّه قَدِ اتفقَ الشيخانِ على روايةِ الفصلِ، وانفردَ مسلمٌ بروايةِ الوصلِ. والثالث: إنَّ روايةَ الجمهورِ سماعٌ لهم من جابرِ بنِ سَمُرةَ - رضي الله عنه -، وروايةَ عامر بنِ سعدٍ كتابةٌ ليستْ مُتَّصلةً بالسماعِ. والرابع: إنَّ الإرسالَ جائزٌ خصوصاً إرسال الصحابةِ / 252ب / عن بَعضِهم، فإنَّ الصحابةَ كُلَّهم عدولٌ، ولهذا كانتْ مراسيلُهم حُجةً، خِلافاً للأستاذِ أبي إسحاقَ الإسفرايينيِّ؛ لأنَّ الصحابةَ قد يَروونَ عنِ التابعينَ، والله أعلم)). (¬2) انتهى. والجوابُ عن هذه الأجوبةِ: أنَّ تفصيلَهُ كانَ لمن كانَ يشافهُهُ تبرعاً بما لا يلزمُهُ، فلما كَتبَ وكانتِ الكتابةُ أضيقَ أمراً منَ المشافهةِ فترَكَ التفصيلَ، عُلمَ أنَّه يرى أنَّه غيرُ لازمٍ. ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 6/ 2 (1821). (¬2) التقييد والإيضاح: 178.

وأمّا مراسيلُ الصحابةِ فإنَّهم لا يُعبرونَ عنها بلفظِ السماعِ، فافترقَ الحالُ، والله أعلم. قولهُ: (منَ الحديثِ شَمُّهُ) (¬1) قالَ ابنُ الصلاحِ لما ذكرَ أنَّ مثلَ ذلك تساهلٌ بعيدٌ: ((وقد رُوِّينا عن أبي عبدِ اللهِ بنِ منده الحافظِ الأصبهانيِّ أنَّه قال لواحدٍ من أصحابهِ: يا فلانُ، يكفيكَ منَ السَّماعِ شمُّهُ، وهذا إمَّا متأولٌ أو متروكٌ على قائلهِ، ثم وجدتُ عن عبدِ الغنيِّ بنِ سعيدٍ الحافظِ، عن حمزةَ بنِ محمدٍ الحافظِ بإسنادِهِ، عن عبدِ الرحمانِ بنِ مهديِّ أنَّه قالَ: يَكفيكَ منَ الحديثِ شَمُّهُ. قال عبدُ الغنيِّ: قال لنا حمزةُ: يعني: إذا سُئلَ عن أولِ شيءٍ عرفهُ، وليس يعني التَّسَهُّلَ في السَّماعِ)). (¬2) انتهى. وهو يَرجِعُ إلى الحَثِّ على الحفظِ والفَهْمِ بحيثُ إنَّه يَصيرُ إذا سُئِلَ عن حَديثٍ يَكفيهِ في مَعرفتِهِ ذكرُ طَرفِهِ، فإذا ذُكِرَ له طَرفٌ منه عرفَ ذلك الحديثَ المرادَ بالسؤالِ عنه، وبادرَ إلى ما أريدَ منَ جوابِهِ. قولهُ: (إذا أوّل شيءٍ سئلاً عرفَهُ) (¬3) ((أولُ)) مَرفوعٍ بفعلٍ مَحذوفٍ يَدلُّ عليه الشرطُ الذي هو ((سُئلَ))، أي: إذا ذُكرَ له أولُ شيءٍ منَ الحديثِ على جهةِ السؤالِ عنه عَرفَ الحديثَ كلَّه، ويجوزُ أنْ يكونَ منصوباً بنزعِ الخافضِ، أي: إذا سُئل عَن أوَّلِ شيءٍ منَ الحديثِ عرفَ الحديثَ. قولهُ في قولهِ: (وإنْ يُحدِّثْ) (¬4): (عرفتَهُ) (¬5) الضميرُ المنصوبُ فيه للمُحدِّثِ، فالتقديرُ: وإنْ يحدِّثْ من وراءِ سترٍ محدِّثٌ عرفتَهُ. هذا على تقديرِ أنَّ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (434). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 263. (¬3) التبصرة والتذكرة (435). (¬4) التبصرة والتذكرة (436). (¬5) التبصرة والتذكرة (436).

((مِنْ)) جارةٌ، ويجوزُ أنْ تفتحَ ميمُها فتكونَ نكرةً موصوفةً ف ((عرفتَهُ)) أيضاً صفتُها، أو تكون موصولةً ف ((عرفته)) حالٌ. قولهُ: (بصوتهِ (¬1)) (¬2)، أي: إذا كان يحدِّثُ من لفظِهِ، وهو يَعرفُ صوتَهُ. قولهُ: (أو (¬3) ذي خُبْرٍ) (¬4)، أي: إذا كان لا يعرفُ صوتَهُ فَعرَّفهُ ثقةٌ أو عرفَهُ بأنَّ هذا (¬5) بصوتِهِ فيما إذا حدَّثهَ بلفظِهِ أو بحضورهِ لما يقرأ، وسماعه (¬6) فيما إذا قُرئَ عليه، صَحَّ السماعُ. قولهُ: (وإنَّ بلالاً) (¬7) بكسرِ الهمزةِ على الحكايةِ، قال ابنُ الصلاحِ: ((واحتجَّ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ الحافظُ في ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ بلالاً ... )) الحديث (¬8)، ثم قالَ: ورَوَى بإسنادهِ عن شُعْبةَ أنّه قالَ: إذا حدَّثَكَ)) (¬9) إلى آخرهِ. قولهُ في قولهِ: (ولا يَضُرُّ) (¬10): (أنْ يمنعَهُ) (¬11) في مَوضعِ رَفعٍ على أنَّه فاعلُ ((يضرُّ))، و ((الشيخُ)) فاعلُ ((يمنعُ))، و ((أنْ يروي)) مفعولُهُ. ¬

_ (¬1) في (أ) و (ف): ((بصوت)). (¬2) التبصرة والتذكرة (436). (¬3) في (ب): ((وذي)). (¬4) التبصرة والتذكرة (436). (¬5) عبارة: ((أو عرفه بأن هذا)) لم ترد في (ب). (¬6) عبارة: ((لما يقرأ، وسماعه)) لم ترد في (ب). (¬7) التبصرة والتذكرة (437). (¬8) الحديث في صحيح البخاري1/ 160 (617) و3/ 37 (1918)، وصحيح مسلم 2/ 3 (380) (7). وانظر: تمام تخريجه في تحقيقنا لمعرفة أنواع علم الحديث: 264 هامش (4). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 264. (¬10) التبصرة والتذكرة (438). (¬11) التبصرة والتذكرة (438).

قولهُ: (كما صَرَّحَ به الأستاذُ) (¬1) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وسألَ الحافظُ أبو سعدِ بنُ علَّيكٍ (¬2) النيسابوريُّ الأستاذ أبا / 253ب/ إسحاقَ الإسفرايينيَّ عن مُحدِّثٍ خَصَّ بالسماعِ قوماً، فجاءَ غيرُهم وسمعَ منه من غيرِ علمِ المحدّثِ به، هل يجوزُ لهُ روايةُ ذلك عنهُ؟ فأجابَ بأنَّه يجوزُ، ولو قالَ المحدِّثُ: إني أخبركم ولا أخبرُ فلاناً، لم يضرَّهُ)) (¬3). قولهُ في قولهِ: (ثم الإجازة) (¬4): (قَطْ) (¬5) بفتحِ القافِ وسكونِ المهملةِ، بمعنى: حسب، والجزءُ مخبولٌ، فالقافيةُ منَ المتكاوسِ (¬6)، وهي مخالفةٌ لقافيةِ البيتِ الأولِ، فإنَّها منَ المتراكبِ (¬7). قولهُ: (بأنْ للشافعيّ) (¬8) مخففةٌ منَ الثقيلةِ، أي: بأنَّه. قولهُ: (القاضي) (¬9) بدلٌ من قولهِ (¬10) ((بعض)) (¬11) ((حسينٌ)) (¬12) في نسخةٍ مُنكر فهو مُنوَّنٌ، والجزء الأخيرُ مطويٌّ، وفي نسخةٍ ((الحسينُ مَنَعا)) مخبولٌ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 415. (¬2) هو الحافظ أبو سعد، عبد الرحمان بن الحسين بن عليك النيسابوري، توفي سنة (431 هـ‍). سير أعلام النبلاء 17/ 509، وقد حصل خلاف في ضبط لفظة "عليك" انظره في: الإكمال 6/ 262، وتبصير المنتبه 3/ 966، ونزهة الألباب 2/ 35. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 265. (¬4) التبصرة والتذكرة (440). (¬5) التبصرة والتذكرة (443). (¬6) جاء في حاشية نسخة (أ): ((أربع متحركات بين ساكنين)). (¬7) جاء في حاشية نسخة (أ): ((أي: ثلاث متحركات بين ساكنين)). (¬8) التبصرة والتذكرة (444). (¬9) التبصرة والتذكرة (445). (¬10) لم ترد في (ب) و (ف). (¬11) التبصرة والتذكرة (444). (¬12) التبصرة والتذكرة (445).

لاجتماعِ الخبنِ فيه، والطيِّ، فيخالفُ حينئذٍ قافيةَ البيتِ الثاني، فالتنكيرُ أحسنُ للموافقةِ. قولهُ: (لبطلتْ رحلةُ) (¬1) بالضمِّ وبالكسرِ، أي: انتقالُهم من بلدٍ إلى بلدٍ، قالَ في " القاموسِ ": ((وارتحلَ البعيرُ: سارَ فمضى (¬2)، والقومُ عنِ المكانِ انتقلوا كترحَّلوا، والاسمُ: الرحلةُ بالضمِّ والكسرِ، أو بالكسرِ الارتحالُ، و (¬3) بالضمِّ: الوجهُ الذي تقصدُهُ، والسفرةُ الواحدةُ)) (¬4). قولهُ: (والأكثرونَ طُراً) (¬5)، أي: جمعاً. قالَ الإمامُ أبو عبدِ اللهِ القَزَّازُ في " ديوانهِ ": ((وطر وبرُ البعيرِ: إذا تَساقطَ ثم نَبتَ، وأصلُهُ القطعُ، ثم قالَ: ويُقالُ: طررتُ القومَ إذا مررتُ بهم جميعاً، ومنه يقالُ: مررتُ بالقومِ طُراً، أي: جمعاً، وهو اسمٌ موضوعٌ موضعَ المصدرِ)). قولهُ: (فهرَسَتي) (¬6) قالَ في " القاموس " / 254 أ /: ((الفِهْرِسُ - بالكسرِ -: الكتابُ الذي تُجمعُ فيه الكتبُ، مُعَرَّبُ فِهْرِسْت (¬7)، وقد فَهرَسَ كتابَهُ)) (¬8). قولهُ: (ولم يُفصِّلْ) (¬9)، أي: أطلقَ نفيَ الخلافِ في الإجازةِ من غيرِ تَقييدٍ بكونِها لمعيَّنٍ في مُعينٍ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (446). (¬2) في " القاموس المحيط ": ((ومضى)). . (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) القاموس المحيط مادة (رحل). (¬5) التبصرة والتذكرة (448). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 416. (¬7) في نسخة (أ) ضبطت: ((فَهْرَسْت))، والمثبت من " القاموس المحيط ". (¬8) القاموس المحيط مادة (فهرس). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 416.

قولهُ: (عنِ الشافعيِّ) (¬1) قال ابنُ الصلاحِ: ((ورُويَ عن صاحبِهِ الرّبيعِ ابنِ سُليمانَ، قال: كان الشافعيُّ لا يرى الإجازةَ في الحديثِ. قال الربيعُ: أنا (¬2) أخالفُ الشافعيَّ (¬3) في هذا)) (¬4). قولهُ: (وقَطَعَ) (¬5) لم يحكِ ابنُ الصلاحِ القطعَ عنِ القاضي، إنَّما حكاهُ عنِ الماورديِّ كما وقعَ في النظمِ (¬6) فإنَّ عبارتَهُ: ((وقد قالَ بإبطالِها جماعةٌ منَ الشافعيينَ منهم القاضيانِ حسينُ بنُ محمدٍ المَرْوَرُّوذيُّ (¬7)، وأبو الحسنِ الماورديُّ (¬8)، وبه قطعَ الماورديُّ في كتابهِ " الحاوي " (¬9))) (¬10) إلى آخرهِ. قولهُ: (أبو نَصرِ الوائليُّ السجزيُّ) (¬11) قال ابنُ الصلاحِ: ((وحَكَى أبو نصرٍ فسادَها عن بعضِ مَنْ لقيَهُ. قالَ أبو نصرٍ: وسمعتُ جماعةً من أهلِ العلمِ يقولون: قولُ المحدِّثِ: قد أجزتُ لكَ أنْ ترويَ عنِّي، تقديرُهُ: أجزتُ لك ما لا يجوزُ لي في ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417. (¬2) في (ب): ((وأنا)). (¬3) انظر: محاسن الاصطلاح: 262. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 266. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417. (¬6) التبصرة والتذكرة (445). (¬7) نسبة إلى مَرْوَرُّوذ: بفتح الميم، وسكون الراء المهملة، وفتح الواو، وتشديد الراء المهملة المضمومة، وبعد الواو ذال معجمة، وهي من أشهر مدن خراسان. وفيات الأعيان 1/ 69، والأنساب 5/ 145. (¬8) بفتح الميم وسكون الألف وفتح الواو وسكون الراء، وفي آخرها دال مهملة، وهذه النسبة إلى بيع ماء الورد وعمله. انظر: الأنساب 5/ 61، واللباب 3/ 165. (¬9) الحاوي 20/ 146، وأدب القاضي، له 1/ 387 - 389، وروضة الطالبين 11/ 157. (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 266. (¬11) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417.

الشَّرْعِ؛ لأنّ الشرعَ لا يُبيحُ روايةَ ما لم يَسمعْ (¬1)، قالَ: ويُشبهُ هذا ما حَكاهُ أبو بكرٍ محمدُ بنُ ثابتٍ الخُجنديُّ (¬2) أحدُ مَنْ أَبطلَ الإجازةَ منَ الشافعيةِ، عن أبي طاهِرٍ الدّباسِ -أحد أئمة الحنفيةِ - قالَ: مَنْ قالَ لغيرِهِ: أجزتُ لك أنْ ترويَ عنِّي ما لم تسمع، فكأنَّهُ يقولُ: أجزتُ لك أن تكذبَ عليَّ)) (¬3). قولهُ: (وإجازةِ الروايةِ بها) (¬4) قال ابنُ الصلاحِ: ((وفي الاحتجاجِ لذلك غُموضٌ ويتجهُ: أن / 254 ب/ نقولَ: إذا أجازَ له أنْ يَرويَ عنه مَرْوياتِهِ فقد أخبرهُ بها جُملةً، فهو كما أخبَرَهُ تفصيلاً، وإخبارُهُ بها غيرُ مُتوقِّفٍ على التصريحِ نُطقاً كما في القراءةِ على الشيخِ - كما سَبَقَ - وإنَّما الغرضُ حُصُولُ الإفهامِ والفَهْمِ، وذلك يحصلُ بالإجازةِ المفهمةِ، والله أعلم)) (¬5). قولهُ: (والثانِ: أن يُعيِّنَ) (¬6) حذفَ الياءَ من الثاني؛ لضرورةِ الوزنِ. قولهُ: (بشرطه) (¬7)، أي: من ثقة رجالِهِ واتصالِه ونحوِ ذلكَ من شروطِ الصحيحِ، وأنْ لا يمنعَ منه مانعٌ كنسخٍ أو معارضةٍ لما هو أقوى منه، ونحو ذلك. قولهُ: (أقوى منَ الخلافِ) (¬8)، أي: لأنَّ الانتشارَ في هذا أقوى بعدمِ الضبطِ والتعيينِ في الشيء المجازِ له، وتعيينُهُ أضبطُ من تعيينِ المجازِ؛ لأنَّ الراويَ ¬

_ (¬1) قال الزركشي 6/ 506: ((وهذه مصادفة على المطلوب؛ لأن الذي يبيح الإجازة والرواية بالإجازة يمنع هذه المقدمة، وهذا عين النِزاعِ الذي جعله السجزي دليلاً على منع الرواية بالإجازة، وهذا القول خارج من دأب العلماء)). (¬2) بضم الخاء المعجمة، وفتح الجيم، وسكون النون. انظر: الأنساب 2/ 377. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 266 - 267. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 267 - 268. (¬6) التبصرة والتذكرة (450). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 418. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 418.

إذا تعيّنَ لم تُقبلِ (¬1) الجهالةُ بوجهٍ بخلافِ المرويِّ، فإنّهم جعلوا من تَعيينِهِ أنْ يقولَ: الكتابُ الفلانيُّ، وهو ينقسمُ إلى أبوابٍ، وفصولٍ وأحاديثَ لا تستحضرُ كلّها وقتَ الإجازةِ. قولهُ في الثالث: (فاحذر) (¬2)، أي: السماعَ بها والروايةَ. قولهُ: (ونحو ذلك) (¬3) قالَ ابنُ الصلاحِ عَقِبَهُ: ((فهذا نوعٌ تكلَّمَ فيه المتأخِّرونَ ممن جَوَّز (¬4) أصلَ الإجازةِ واختلفوا في جوازِهِ)) (¬5). قولهُ: (لم نرَ، ولم نسمعْ) (¬6) لا يردُ عليه أنَّه استعملها من تَقدَّمَ عليه كالحافظِ أبي بكرِ بنِ محمدِ بنِ خيرِ بن عُمرَ الأمويِّ - بفتحِ الهمزةِ - الأشبيليِّ - خالِ أبي القاسمِ السهيليِّ - فإنَّه / 255أ / رَوَى في برنامجِهِ المشهورِ بالإجازةِ العامةِ فإنَّه قد يخفَى ذلك على ابنِ الصلاح. قولهُ: (إنَّه استعملَ) (¬7)، أي: وإنْ كانَ يَرى صحتَها استغناءً عنها بالسماعِ احتياطاً للخروجِ من الخلافِ، ولما قالَ ابنُ الصلاحِ من كَراهةِ الاسترسالِ في التوسعِ، أشارَ إلى ذلك في " النكتِ "، وقالَ: ((ما رجَّحَهُ المصنفُ من عدم صحتِها، خالفَهُ فيه جمهورُ المتأخرينَ، وصحّحهُ النوويُّ في " الروضةِ " (¬8))) (¬9)، ¬

_ (¬1) في (ف): ((يقبل)). (¬2) التبصرة والتذكرة (454). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 418. (¬4) في (ف): ((جوزوا)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 268. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419. (¬8) روضة الطالبين 11/ 158. (¬9) التقييد والإيضاح: 182.

وعدَّ مَنْ ذَكرَهُ في الشرحِ (¬1)، وعبارةُ النوويِّ في " الروضةِ " في الطرفِ الثاني في مستندِ قضاءِ القاضي منَ البابِ الثاني في " جامعِ آدابِ القضاءِ " بعدَ أنْ ذَكرَ أنّ مِن صُورِها أن تقولَ (¬2) أجزتُ كلَّ أحدٍ: ((فالصحيحُ (¬3) أيضاً جوازُها، وبه قطعَ القاضي أبو الطيبِ، وصاحبُهُ الخطيبُ البغداديُّ، وغيرُهما من أصحابِنا، وغيرُهم منَ الحفّاظِ، ونقلَ الحافظُ أبو بكرٍ الحازميُّ المتأخرُ منْ أصحابِنا، أنَّ الذينَ أدرَكهم منَ الحفَّاظِ، كانوا يَميلونَ إلى جَوازِها)). قولهُ: (والسِّبطُ) (¬4)، أي: سبطُ الحافظِ أبي طاهرٍ السِّلفيِّ، وهو أبو القاسمِ عبدُ الرحمانِ بنُ مكيِّ بن الحاسبِ (¬5). قولهُ: (وأنا أتوقفُ) (¬6) عبارتُهُ في " النكتِ ": ((والاحتياطُ تركُ الروايةِ بها، واللهُ أعلمُ)) (¬7). قولهُ في قولهِ: (وما يَعُمُّ) (¬8): (قالَهُ ابنُ الصلاحِ (¬9)) قالَ في " النكتِ ": ((تقدّمَ أنَّ المصنفَ اختارَ عدمَ صحةِ الإجازةِ العامةِ، وقالَ في هذه الصورةِ منها: إنَّها أقربُ / 255 ب / إلى الجوازِ فلم يظهرْ من كلامِهِ في هذه الصورةِ المنعُ أو الصحةُ، والصحيحُ في هذه الصورةِ الصحةُ، فقد قالَ القاضي عياضٌ في كتابِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419. (¬2) في (ف): ((يقول)). (¬3) في الروضة: ((فالأصح)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 425. (¬5) انظر: ترجمته في سير أعلام النبلاء 23/ 278. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420. (¬7) التقييد والإيضاح: 183. (¬8) التبصرة والتذكرة (457). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420.

" الإلماعِ " (¬1): ما أحسبهم اختلفوا ... )) (¬2) إلى آخرهِ. قولهُ في قولهِ: (والرابعُ) (¬3): (جَمَلَهُم) (¬4)، أي: جَمَعَهُم، يُقالُ: جملَ الشيءَ إذا جمعَهُ، والحسابَ، أي: ردَّهُ إلى الجملةِ (¬5). قوله: (في قصة خطبة عائشة رضي الله عنها) (¬6) قالَ شيخُنا: ((خُطبتُها في مسندِ الحارثِ بنِ أبي أسامةَ)). انتهى. وقد راجعتُ زوائدَ المسانيدِ العشرةِ لشيخِنا الإمامِ شهابِ البوصيريِّ التي منها مسندُ الحارثِ فلمْ أرَ فيها هذا اللفظَ، والذي ظننتُ أنَّه هذه الخُطبةُ ما عزاهُ إلى مُسندي الحارثِ وإلى ابن أبي عُمرَ، أنَّ عائشةَ رضي اللهُ عنها قالتْ: ((لما قُبضَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ارتدت العربُ قاطبةً واشرأَبَّ النفاقُ في المدينةِ، وعادَ أصحابُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - كأنَّهم معزى مطيرةٌ في حفشٍ، فواللهِ لو نزلَ بالجبالِ الراسياتِ ما نزلَ بأبي لهاضها، فواللهِ ما اختلفوا في نقطةٍ إلا طارَ أبي بحظِها وغنائِها في الإسلامِ، وذكرَتْ عمرَ - رضي الله عنه -، فقالت: ومَنْ رأى ابنَ الخطابِ عَلِمَ أنَّه خُلقَ غناءً للإسلامِ، كانَ واللهِ أحوذياً (¬7)، نسيجَ وحدِهِ، قد أعدَّ للأمورِ أقرانَها، ما رأيتُ مثلَ خُلُقِهِ، حَتَّى عَدَّتْ سبعَ خصالٍ)) قالَ الراوي: لا أحفظُها (¬8). (¬9) ¬

_ (¬1) الإلماع: 101. (¬2) التقييد والإيضاح: 182. (¬3) التبصرة والتذكرة (458). (¬4) التبصرة والتذكرة (462). (¬5) القاموس المحيط مادة: ((جمل)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 421. (¬7) رجل أحوذي: أي: يسوق الأمور أحسن مساق؛ لعلمه بها. أساس البلاغة مادة ((حوذ)). (¬8) خطبة عائشة رضي الله عنها أخرجها: الطبراني في " الكبير " 23/ (300) مطولة. وأخرجها: البيهقي في " السنن الكبرى " 8/ 200 مختصرة. (¬9) من قوله: ((قوله: في قصة خطبة)) إلى هنا لم يرد في (ف).

قولهُ: (غيرُ صحيحة) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فهذه إجازةٌ فاسدةٌ لا فائدةَ لها)). (¬2) انتهى. وقد جزمَ النوويُّ بعدمِ صحتِها في أوائلِ كتابِ " القضاءِ " منْ زوائدِ " الروضةِ " وعبارتُهُ: ((فهذه باطلةٌ)) (¬3). قولهُ: (واحداً واحداً) (¬4)، أي: ولم يعرفْهم بأعيانِهم ولا بأنسابِهم، كما ذَكرَهُ ابنُ الصلاحِ (¬5). قولهُ: (منْ سمعَ منه) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((مَنْ حَضرَ مجلسَهُ للسماعِ منه، وإنْ لم يعرفْهم أصلاً، ولم يعرفْ عددَهم، ولا تَصفَّحَ أشخاصَهم واحداً واحداً)) (¬7). قولهُ في قولهِ: (والخامسُ) (¬8): (بمن يشاؤها) (¬9)، أي: بمشيئةِ المجازِ له الذي يشاؤُها، وذلك كقولهِ: من شاءَ أنْ أجيزَ له فقد أجزتُ له، فإنَّ تقديرَه: إن شاء أحدٌ أنْ أجيزَ له فقد أجزتُ له، فالإجازةُ مُعلّقةٌ بمشيئةِ ذلك الأحدِ. قولهُ: (وأجازَ الكُلا) (¬10) فيه نظرٌ؛ فإنَّ الذي يأتي (¬11) عن أبي يعلى وابن ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 422. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 269. (¬3) الروضة 11/ 158. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 422. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 270. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 422. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 270. (¬8) التبصرة والتذكرة (463). (¬9) التبصرة والتذكرة (463). (¬10) التبصرة والتذكرة (464). (¬11) بعد هذا في (ب): ((أي: في الشرح)).

عُمروس (¬1) إنَّما هو في الثانيةِ وهي المعلّقةُ بمشيئةِ مُعينٍ غيرِ المجازِ له. / 256أ / قولهُ: (وأدخلَهُ في النَّوعِ قبلهُ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((الرابعُ: الإجازةُ للمجهولِ أو بالمجهولِ ويتشبثُ بذيلِها الإجازةُ المعلّقةُ بالشرطِ)) (¬3). قولهُ: (بمشيئةِ المجازِ) (¬4) لو قال: المجاز له، لكانَ أحسنَ، وأصرحَ في المقصودِ، وكذا قولهُ بعدُ: ((بمشيئةِ المجازِ)) (¬5) مبهماً، وكذا قولهُ: ((بمشيئةِ غير المجازِ)) (¬6). قولهُ: (أكثرُ جَهالةً) (¬7)، أي: لأنَّ المجازَ له فيها مبهمٌ مع عمومهِ، وهو المعلّقُ على مشيئتِهِ؛ فصارَ الإبهامُ في المعلّقِ على مشيئتِهِ، والمجاز له، وأمّا الصورةُ الثانيةُ فالمعلّقُ على مشيئةٍ (¬8) مُعيَّنٌ، فإذا أجازَ مُعيَّناً صَحَّ، وإنْ أجازَ مَحصوراً صارَ من بابِ النَّوعِ الثالثِ، وهو التعميمُ في المجازِ له. قولهُ: (ونحو ذلك) (¬9) عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعدَهُ: ((فهذا فيه جَهالةٌ وتَعليقٌ بشرطٍ، فالظاهرُ أنَّهُ لا يَصحُّ)) (¬10) إلى آخرهِ. ¬

_ (¬1) عمروس: ضبطه السمعاني في الأنساب 4/ 210 بفتح العين، ومثله في فتح المغيث 2/ 81، وفتح الباقي 1/ 398 - 399، وضبطه الزبيدي بضمها، ثم نقل عن الفيروزآبادي قوله: ((وفتحه من لحن المحدّثين)). انظر: تاج العروس مادة (عمرس)، وسير أعلام النبلاء 18/ 73. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 269. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬8) في (ف): ((مشيئته)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 270.

قولهُ: (عُمروس) (¬1) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((المالكيُّ، ثم قالَ: وهؤلاءِ الثلاثةُ - يعني: ابنَ عُمروس والفرّاءَ وأبا الطيبِ وهم في عصرٍ واحدٍ - كانوا مشايخَ مذاهبِهم ببغدادَ إذ ذاكَ (¬2). وهذه الجهالةُ ترتفعُ ... إلى آخرهِ ... بخلافِ الجهالةِ الواقعةِ فيما إذا أجازَ لبعضِ الناسِ)) (¬3). قولهُ: (واستُدلَّ لهما) (¬4) مبنيٌّ للمفعولِ، فإنّ ظاهرَ عبارةِ ابنِ الصلاحِ: أنَّ التعليلَ له. قولهُ: (ولختَنِهِ) (¬5) هو بفتحِ المعجمةِ، والمثناةِ مِنْ فوق، مَنْ / 256ب / كانَ مِنْ قبلِ المرأةِ مثل الأبِ والأخِ وهم الأختانُ، هكذا عندَ العربِ، وأمّا العامةُ فَخَتَنُ الرجلِ عندَهم زوجُ ابنتِهِ، قالَه في " الصحاحِ " (¬6). قولهُ: (فيقولُ: قبلتُ) (¬7) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((ولم يُبيِّنِ المصنِّفُ أيضاً تصحيحاً في هذه الصورةِ، بل جَعلَها أولى بالجوازِ - أي: كما قالَ في العامةِ مع وصفِ حصرٍ، قالَ الشيخُ -: والصحيحُ فيها عدمُ الصحةِ)) (¬8). قولهُ: (نعم وِزَانَهُ (¬9)) (¬10) إلى آخرهِ، قالَ في " النكتِ ": ((الأظهرُ الأقوى في هذه الصورةِ الجوازُ كما ذَكرَهُ المصنفُ بعدَ ذلكَ في مسألةِ البيعِ التي قاسَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬2) الإجازة للمعدوم والمجهول: 81، وانظر: الإلماع: 102. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 270. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 423. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 424. (¬6) الصحاح مادة ((ختن)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 425. (¬8) التقييد والإيضاح: 185. (¬9) أي: مثله، ونظيره وحذاؤه وقبالته. انظر: اللسان مادة (وزن)، ومتن اللغة مادة (وزن). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 425.

عليها المصنفُ مسألةَ الإجازةِ، وجهانِ حكاهما الرافعيُّ، وقالَ: أظهرهما أنَّهُ ينعقدُ)) (¬1). وينبغي أنْ يُعلمَ أنَّ ما ذَكرَهُ الشيخُ، ليس أيضاً وِزان مسألةِ البيعِ، فإنَّ المُجازَ به (¬2) مبهمٌ، والتعيينُ في صورةِ البيعِ منَ الجانبينِ وإنَّما وِزانُهُ أجزتُ لك أنْ ترويَ عني الكتابَ الفلانيَّ إنْ شئتَ. قولهُ في قولهِ: (والسادسُ) (¬3): (أجزتُ لفلانِ) (¬4) مكسورٌ؛ لأنَّ الكفَّ لا يدخلُ هذا البحرَ، فلو قالَ: أجزتُ منْ فلان، لاتَّزنَ، لكنْ في توجيههِ تكلفٌ فإنَّ التقديرَ يكونُ: أجزتُ الروايةَ الكائنةَ من فلانٍ عني، وقالَ العلاّمةُ (¬5) نجمُ الدينِ بنُ قاضي عجلونَ: ((كان ينبغي أنْ يقالَ كما إذا أجازَ للإنسانِ مع))، وهو حَسنٌ جداً. قولهُ: (المعدومَ به) (¬6)، أي (¬7): بالإذنِ من غيرِ أنْ يعطفَ على موجودٍ بل جَعَلَ الإذنَ مقصوراً على المعدومِ؛ لأنَّ المعدومَ لما خَصَّهُ المُجيزُ بالإذنِ صارَ فاعلَ الاختصاصِ، أي: الانفراد بالإذنِ لا يشاركُهُ فيها الموجودُ. قولهُ: (وهو مُثِّلا) (¬8)، أي: وهذا النوعُ، وهو إجازةُ المعدومِ، مستقلاً مُثِّلَ، أي: شُبِّهَ بالوقفِ على المعدومِ، وهو مُنقطعُ الأولِ ك: وَقفتُهُ على مَن سَيُولَدُ لي، ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 185. (¬2) ((به)) لم ترد في (أ). (¬3) التبصرة والتذكرة (470). (¬4) التبصرة والتذكرة (470). (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) التبصرة والتذكرة (471). (¬7) في (ب): ((إن)). (¬8) التبصرة والتذكرة (472).

وهوَ باطلٌ على المذهبِ (¬1)، فيكونُ المشبّهُ به منَ الإجازةِ باطلاً. وقضيةُ هذا صحةُ الأولِ، وهو المعطوفُ على موجودٍ، فلذلك قالَ بعدَهُ: ((لكنّ أبا الطيبِ رَدَّ كليهما))، أي: نَوعَي الإجازةِ: المعطوفَ على الموجودِ، والمستقلَ المنفردَ بالإذنِ. قولهُ: (على استواءِ) (¬2)، أي: سَوَّى بينَ القسمينِ في الوقفِ أتباعُ أبي حنيفةَ ومالكٍ. وقولهُ: (في صحته) (¬3) بدلٌ منَ ((الوقفِ)) (¬4)، قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقد أجازَ أصحابُ مالكٍ، وأبي حنيفةَ، أو مَنْ قالَ ذلكَ منهم في الوقفِ القسمينِ كليهما)) (¬5). انتهى. وكأنَّ هذا إشارةٌ إلى أنّه يلزمُ مَن جوَّزَ (¬6) ذلك، وهو مجوّزٌ لمطلقِ الإجازةِ، أنْ يُجيزَها للمعدومِ سواءٌ كان مفرداً أو معطوفاً، بل الإجازة أولى بالجوازِ؛ لأنَّ أمرَها أوسعُ منَ الوقفِ الذي هو تَصرفٌ ماليٌّ، وقد تقدّمَ النقلُ عن أبي حنيفةَ وأبي يوسفَ وأبي طاهرٍ الدباسِ بإبطالِ الإجازةِ، ولهم أنْ يفرقوا / 257 ب / بأنَّ منْ ضَرورةِ الوقفِ امتدادَ الزمانِ إلى حدٍّ يشملُ المعدومَ حينَ الإيقافِ بخلافِ الإجازةِ. قولهُ: (ولِحَبَلِ الحَبَلةِ) (¬7) وقد أجازهُ أصحابُ الشافعيِّ، أي: الوقفَ في القسمِ الأولِ، أي: على المعدومِ المعطوفِ على الموجودِ دونَ الثاني المنقطع الأولِ، ¬

_ (¬1) روضة الطالبين 5/ 327. (¬2) التبصرة والتذكرة (475). (¬3) التبصرة والتذكرة (476). (¬4) في (ب): ((في الوقف)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 272. (¬6) في (ب): ((جواز)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 426.

تفسيرُهُ لذلك يدخلُ فيه من هو حَمل عندَ الإجازةِ، وهو خِلافُ تَفسيرِ أهلِ اللغةِ، فإنَّهم قالوا: هي ولدُ الولدِ الذي في البطنِ، وقالَ أبو عبيدٍ في النهي عن حَبَلِ الحَبَلةِ: ((هو بيعُ نتاجِ النتاجِ، قبلَ أنْ ينتجَ))، وقال الشافعيُّ: ((هو بيعُ السلعةِ إلى أنْ تلدَ الناقةُ، ويلِدَ حملُها)) ذَكرَ ذلك في " شمسِ العلوم "، وقد عُلِمَ مِن مَجموعه ومن كُلِّ قَوْلٍ منه أنَّه لا يطلقُ على ما هو حَملٌ عند الإجازةِ كما أفهمَه كلامُ الشيخِ. قولهُ: (أنْ يُخَصِّصَ المعدومَ بالإجازةِ) (¬1)، أي: فيجعلَ الإجازةَ مَقصورةً، عليه، كما تقولُ: نخصُّكَ يا اللهُ بالعبادةِ، أي: نجعلُ العبادةَ خاصةً بكَ ومقصورةً عليكَ. قولهُ: (وقد أجازهُ) (¬2)، أي: الوقفَ على المعدومِ. قولهُ: (ابن الصباغِ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعد أنْ حَكَى تجويزَ الإجازةِ للمعدومِ عنِ الخطيبِ (¬4)، وأنَّه سمعَ أبا عليٍّ وابنَ عُمروس يجيزانِ ذلك: ((وحَكَى جوازَ ذلك أيضاً أبو نصرِ بنُ الصباغِ الفقيهُ (¬5)، فقال (¬6): ذهبَ قومٌ إلى أنَّه يجوزُ أنْ يُجيزَ لمنْ لم يخلقْ، قالَ: وهذا إنَّما ذَهبَ إليه مَنْ يعتقِدُ أنَّ الإجازةَ إذنٌ في الروايةِ / 258 أ / لا محادَثَةٌ، ثمَّ بَيَّنَ بطلانَ هذه الإجازةِ، وهو الذي استقرَّ عليه رأيُ شيخِهِ القاضي أبي الطيِّبِ الطبريِّ الإمامِ)) (¬7). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 427. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 427. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 427. (¬4) الكفاية (466ت، 325 - 326 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 81. (¬5) البحر المحيط 4/ 401. (¬6) في (ف): ((وقال)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 273، وانظر: الكفاية (466ت، 325 هـ‍)، والإجازة للمعدوم والمجهول: 80.

قولهُ: (فكما لا يصحُّ) (¬1) إلى آخرهِ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولو قدّرنا أنَّ الإجازةَ إذنٌ فلا يصحُّ أيضاً ذلك للمعدومِ، كما لا يَصحُّ الإذنُ في بابِ الوكالةِ للمعدومِ؛ لوقوعِهِ في حالةٍ لا يصحُّ فيها المأذونُ فيه منَ المأذونِ له، وهذا أيضاً يوجبُ بُطلانَ الإجازةِ للطفلِ الصغيرِ الذي لا يَصحُّ سَماعُهُ)) (¬2). قولهُ في قولهِ: (والسابعُ) (¬3): (رأى أبو الطيِّبِ) (¬4)، أي: رآهُ، أي (¬5): رأى صحتَهُ (¬6). قولهُ: (تَتْرَا) (¬7)، أي: متتابعاً، أي: غيرَ مرةٍ (¬8) في أجزاء مُتعددةٍ. قولهُ: (وهذا أظهرُ) (¬9)، أي: أنَّهُ يُعلمُ، أي: يُعاملُ مُعاملةَ المعلومِ. قولهُ: (للأداءِ) (¬10) يتعلّقُ ((بأهلٍ)). قولهُ: (نقلُ خلافٍ ضعيفٍ) (¬11)، أي: في شرحِ قولهِ: ((وقيل لابنِ حنبلٍ فرجلُ)) (¬12). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 427. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 275. (¬3) التبصرة والتذكرة (477). (¬4) التبصرة والتذكرة (478). (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) فتح الباقي 1/ 403 - 404. (¬7) التبصرة والتذكرة (479). (¬8) عبارة: ((أي: غير مرة)) من (ف) فقط. (¬9) التبصرة والتذكرة (483). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428. (¬11) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428. (¬12) التبصرة والتذكرة (360).

قولهُ: (سنّه أو تمييزُهُ) (¬1) السؤالُ في حيز ((أو)) عنْ كُلٍّ منَ الأمرينِ، أو أحدِهِما مبهماً، أي: يعتبرُ ذلك، أو شيءٌ منه؛ فلذلك كانَ الجوابُ بالنفيِ، وهذا بخلافِ ما لو عطفَ بأم، فإنَّ الطلبَ معها لأحدِ الأمرينِ اللذينِ عُلِمَ ثبوتُ أحدِهما منْ غيرِ تعيينٍ، فالجوابُ فيها يكونُ بالتعيينِ دونَ الإثباتِ أو النفيِ. قولهُ: (واحتجّ) (¬2)، أي: الخطيبُ لصحتِها. قولهُ: (والإجازة) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ نقلاً عنِ الخطيبِ (¬4)، وهوَ الصوابُ: ((والإباحةُ تصحُّ للعاقلِ، وغيرِ العاقلِ)) (¬5)، أي: ليتركبَ منه قياسٌ ترتيبُه: الإجازةُ إباحةٌ، والإباحةُ تصحُّ لغيرِ العاقلِ؛ فالإجازةُ تصحُّ لغيرِ العاقلِ. قولهُ: (هذا النوع) (¬6)، أي: وهو الإجازةُ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((هذا النوعُ منْ أنواعِ تحملِ الحديثِ ليؤدِّيَ بهِ بعدَ حصولِ أهليتهِ حرصاً على توسيعِ السبيلِ إلى بقاءِ الإسنادِ الذي اختصتْ بهِ الأمةُ وتقريبه منْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬7). قولهُ: (وقد تقدم ذكرها) (¬8) لعلهُ في عمومِ جوابِ القاضي أبي الطيبِ في نصهِ آنفاً (¬9) على أنَّ التمييزَ ليسَ بشرطٍ، وقولهُ: ((تَصحُّ للعاقلِ وغيرِ العاقلِ)) (¬10). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 429. (¬4) الكفاية (466 ت، 325 هـ‍). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 274. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 274. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 429. (¬9) ((آنفاً)) من (ف) فقط. (¬10) انظر: الكفاية (466 ت، 325 هـ‍).

قولهُ: (ما اصَّفَّحَ أسماءَ الإجازةِ) (¬1)، أي: ما نظرَ فيهم، يُقالُ: صَفحَ وَرقَ المصحفِ والكتاب، قلبَ أوراقَهما، والقومَ عَرَضهم واحداً بعدَ واحدٍ، والناسُ نظرَ في وجوهِهم، وفي الأمرِ نَظَرَ كتصفحَ، وأصلُها: تَصفَّحَ قلبت تاء تفعّل صاداً للتقاربِ في المخرجِ، ثمَّ أدغمت في فاء الفعلِ بعد إسكانها فاجتلبتْ همزةُ الوصلِ للتوصل إلى النطقِ بها (¬2). قولهُ: (كالإجازةِ للمجهولِ) (¬3) رأيتُ بخطِّ الإمامِ شمسِ الدينِ السلاميِّ الحلبيِّ الشافعيِّ على حاشيةِ نسخةٍ بخطهِ، وقد قَرأَها على شيخِنا الإمامِ الحافظِ برهانِ الدينِ المحدِّثِ الحلبيِّ أنَّ المصنفَ أصلحها بعدَ قراءتهِ للشرحِ عليهِ، فجعلَ مكانَها: للمعدومِ، يعني: لأنَّ المجهولَ قد لا يكونُ معدوماً فتصحُّ إجازتُهُ قطعاً، كما إذا قيلَ لشيخٍ: أجزتَ لمن في هذا الاستدعاءِ؟ فقالَ: نَعَم، من غيرِ أنْ يَعرفَ اسمَ أحدٍ منهم، وأيضاً إذا قلنا: لا يعلمُ لم يكنْ كالمجهولِ، بل هوَ مجهولٌ. قولهُ في قولهِ: (والثامن) (¬4): (من فهرسةِ) (¬5) كذا رأيتُها في النسخِ بهاءٍ مربوطةٍ، فقرأتُها بفتحِ السينِ تأنيثَ: فِهرسٍ، معرب: فهرست (¬6)، وقد تقدّمَ الكلامُ فيهِ قريباً، ويجوزُ أنْ تكونَ التاءُ ممدودةً مجرورةً محلولةً، وتكونَ منطوقاً بها على ما ينطقُ بهِ العجمُ، وتكونَ حينئذٍ ساكنةً بعدَ سكونِ السينِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430. (¬2) انظر: لسان العرب مادة (صفح). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430، والذي فيه: ((كالإجازة للمعدوم)). (¬4) التبصرة والتذكرة (484). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 431، وعبارة العراقي فيها: ((في فهرسة)). (¬6) عبارة: ((معرب: فهرست)) لم ترد في (ف).

قولهُ: (انبنى على الإذن في الوكالةِ) (¬1) منَ المعلومِ أنَّهم جعلوا بابَ الروايةِ أوسعَ منْ بابِ الشهادةِ، وأنَّهم تسمَّحوا فيها ما لم يتسمحوا فيما يرجعُ إلى الحقوقِ والأموالِ، فكانَ ينبغي إلحاقُ هذهِ المسألةِ بمسألتينِ، نُقلَ عن ابنِ الرفعةِ في " المطلبِ " أنه استثناهما منَ الوكالةِ بالمعلومِ: إحداهما: في القراضِ: يصحُّ إذنُ المالكِ لعامله في بيعِ ما سيملكُهُ منَ العروضِ، إذ لا تتم مصالح العقدِ إلاَّ بهِ. الثانية: ما لو قالَ: وكلتكَ في بيعِ كذا، وأنْ تشتريَ بثمنهِ كذا، فأشهرُ القولينِ صحةُ التوكيلِ بالشراء، فقولهُ: أذنتُ لكَ أنْ تَرويَ عني ما رويتُهُ وما سأرويهِ، أشبهُ بهذا، والله أعلمُ. قولهُ: (أنَّه سماعهُ) (¬2)، أي: سواء كانَ عرفانه لذلكَ حالةَ الإجازةِ أو بعدَها. قولهُ (¬3): (والتاسعُ) (¬4) (لم يخط) (¬5) مضارعُ خَطَّاهُ تَخطيةً، مُعدَّى خَطا خَطواً، إذا مَشَى، منَ الخطوةِ، وهي ما بينَ القدمينِ، أو أنَّه بمعنى تَخطَّى، كما أنَّ قَدَّم بمعنى تقَدَّمَ، أي: لم يتعدَّ، ولم يتجاوزْ ما صحَّ عندَ شيخهِ أنَّ شيخَهُ يرويه إلى ما لم يطلعْ عليهِ شيخُهُ، منْ مرويِّ شيخِهِ، ولو صحَّ عندَ هذا التلميذِ أنَّهُ دخلَ في عمومِ الإجازةِ لشيخهِ (¬6)، وكذا ما اطّلعَ عليهِ شيخُهُ بوجهٍ (¬7) غيرِ صحيحٍ أنَّ شيخَهُ رواهُ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 432. (¬2) التبصرة والتذكرة 1/ 432. (¬3) بعدها في (ف): ((في قاله)) ولا يستقيم بها السياق. (¬4) التبصرة والتذكرة (488). (¬5) التبصرة والتذكرة (493). (¬6) من قوله: ((ولو صح ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬7) من قوله: ((تصح لغير العاقل)) إلى هنا لم يرد في (أ).

وهو معنى قولهِ في الشرحِ: ((فليسَ للمجازِ الثاني)) (¬1) ... إلى آخرهِ. قولهُ: (وقد أبهمَهُ ابنُ الصلاحِ) (¬2)، أي: أبهمَ المانعَ من ذلك، وعبارته: ((فمنع من ذلك بعض من لا يُعتدُّ به)) (¬3). قولهُ: (ولا يُشبهُ ذلك) (¬4)، أي: لأنَّ الوكالةَ حقُّ الموكلِ، وهي (¬5) تَصرّفٌ في مالِهِ؛ ولذلك ينفذُ عزلُه للوكيلِ، بخلافِ الإجازةِ فإنَّها صارتْ مختصةً بالمُجازِ له، ولو رجعَ المجيزُ عنها لم يُعملْ برجوعهِ. قولهُ: (أنْ يكونَ نصرٌ معطوفاً) (¬6)، أي: فيكونُ ((وَالَى)) (¬7) تعليلاً لتجويزِ ((نَصْر))، أو يكونُ (¬8) على تقديرِ جوابِ سؤالِ من، كأنَّهُ قالَ: فهل رَوَى بها فإنَّه كان ورعاً (¬9)، فقيلَ: نَعَم، وَالَى، إلى آخرهِ. قولهُ: (وعثر) (¬10) مِنَ العِثَارِ، ولفظُ ابنِ الصلاحِ عن هذه المسألةِ: ((فإذا كان مثلاً صورةُ إجازةِ شيخِ شيخِهِ: أجزتُ له ما صَحَّ عندَهُ من سماعاتي، فرأى شيئاً منْ مسموعاتِ شيخِ شيخِهِ فليسَ له أنْ يرويَ ذلك عن شيخِهِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 434. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 433. (¬3) من قوله: ((قوله: وقد أبهمه)) إلى هنا لم يرد في (ب). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 275. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 433. (¬5) في (ب): ((من)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 434. (¬7) التبصرة والتذكرة (491). (¬8) عبارة: ((تعليلاً لتجويز نصر، أو يكون)) لم ترد في (ب). (¬9) عبارة: ((فإنه كان ورعاً)) لم ترد في (ب). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 434.

عنه (¬1) حتى يستبينَ أنَّه مما كان قد صَحَّ عند شيخِه كونُهُ من سماعاتِ شيخِهِ الذي تلكَ إجازتُهُ، ولا يكتفي بمجردِ صحةِ ذلك عندَهُ الآن، عملاً بلفظِهِ وتقييدِه، ومن لا يتفطنُ لهذا وأمثالِه يكثرُ عثارُهُ، والله أعلم)) (¬2). قولهُ: (ابن ينال) (¬3) هو بنونٍ ولامٍ، وزنُ مضارعِ: نالَ، المبني للفاعلِ. قولهُ: (ووجهُ الغلطِ) (¬4) إلى آخرهِ، المرادُ من هذه العبارةِ أنَّ الحدَّادَ لم يَسمع الترمذيَّ، أي: لم يسمعْ كتابَ (¬5) الترمذيِّ من ابنِ ينالَ، فهو إنَّما يرويهِ عنه إجازةً فلم يدخلْ فيما أجازَهُ للسِّلفيِّ، فإنَّهُ إنَّما أجازَ لهُ أنْ يرويَ عنه ما سمعَهُ على مشايخِهِ، وهذا لم يسمعْهُ من / 259أ / شيخِهِ ابنِ ينالَ. قولهُ: (في فهرسته) (¬6) بفتحِ السينِ إنْ نُطقَ به مُعرّباً، وبإسكانها إنْ كانَ على ما تنطقُ به العجمُ كما تقدّمَ. قولهُ: (لفظُ الإجازةِ) (¬7) قالَ ابنُ الصلاحِ بعدَ فراغهِ مما مضى: ((هذه أنواعُ الإجازةِ التي تمسُّ الحاجةُ (¬8) إلى بيانها، ويتركبُ منها أنواعٌ أخرُ سيتَعَرَّفُ المتأمِّلُ حكمَها بما أمليناهُ إن شاء اللهُ تعالى، ثم إنا نُنَبِّهُ على أُمورٍ: أحدها ... )) (¬9) ثم ذَكَرَ الكلامَ في لفظِ الإجازةِ وما بعدَهُ. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 276. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 435. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 435. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 431. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 436. (¬8) في (ف): ((الإجازة)). (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 276.

قولهُ: (استجزتُ فلاناً) (¬1)، أي: طلبتُ منه أن يُجيزَ إليَّ الماءَ، أي (¬2): يُنفذهُ ويُمضيهِ. قولهُ: (سقاكَ ماءً) (¬3) هكذا في نسخِ الشرحِ، وهي في ابنِ الصلاحِ: ((أسقاكَ)) (¬4) بألفٍ، وهو أحسنُ، قالَ في "القاموسِ" (¬5): (([سَقاهُ يَسقيهِ] (¬6) وسَقَّاهُ وأسقَاهُ، أو سَقَاهُ وسَقَّاهُ في الشفةِ (¬7)، وأسقاهُ دَلَّهُ على الماءِ، أو سقى ماشيتَهُ، أو أرضَهُ، أو كلاهما - أي: سقى وأسقى - جعلَ له ماءً))؛ ولذلك كتبَ (¬8) فوقَ الألفِ صورةَ "صح" في نسخةٍ قُرِئَتْ على المؤلفِ مرتينِ. فهذا هو المعتمدُ، ولا التفاتَ إلى ما في أكثرِ النسخِ، ثم راجعتُ نسخةً من " المجمل " (¬9) لابنِ فارسٍ قديمةً معتمدةً جداً فإذا هي: أسقاكَ بالهمزةِ، مثلُ ما في كتابِ ابنِ الصلاحِ. قولهُ: (أن يجيزهُ علمُهُ (¬10)) (¬11)، أي: يجيزُ إليه علمَهُ ليرويَهُ عنه، هذا هو الأصلُ، وذلك كما يجيزُ الماءَ للسقيِ فيرويَ به الأرضَ أو غيرَها، وكلُّ ذلك بمعنى التخفيفِ والتيسيرِ والإنفاذِ والإمضاءِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 436. (¬2) في (ب): ((أن)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 436. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 277 (¬5) القاموس المحيط مادة (سقى). (¬6) ما بين المعكوفتين زيادة من " القاموس المحيط ". (¬7) في (ف): ((بالشفة)). (¬8) لم ترد في (ب). (¬9) مجمل اللغة مادة (جوز). (¬10) لم ترد في (ف). (¬11) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 436.

قالَ ابنُ القطاعِ: ((جازَ الواديَ جوازاً وإجازةً / 259ب / قَطَعهُ وخلَّفَهُ، وأيضاً أنفذهُ كذلك، وأيضاً استقى كذلك، وجازَ القولُ قُبِلَ ونفذَ، وأجازَ الرجلُ استقى الماءَ، وأيضاً أسقاكَهُ لأرضِكَ أو ماشيتكَ، وأيضاً سوَّغَ له ما صنعَ وجوَّزَ له أيضاً)) (¬1). وقالَ في " شمسِ العلومِ " (¬2): ((وأجازَ له الشيءَ، أي: جوّزهُ)). وفي " القاموسِ " (¬3): ((وقد استجزتُهُ فأجازَ إذا سَقَى أرضَكَ أو ماشيتَكَ، وأجازَ له: سوَّغَ له، وله البيعَ: أمضاهُ، واستجازَ: طلبَ الإجازةَ)). انتهى. فالمجيزُ سُميَّ بذلك؛ لتيسيره على المجازِ له روايةَ ما يرويهِ من غيرِ مُعاناةٍ ولا قراءةٍ، وتخفيفه عليه لذلك؛ لأنَّ هذه المادةَ واويَّةٌ ويائيّةٌ مهموزةٌ وغيرُ مهموزةٍ، لها عشرُ تراكيبَ مستعملةٌ، وهي: جوز، جزو، وجز، زوج، زجو، أجز، أزج، جزا، جأزَ، زأج، وكلُّها تدورُ على العدلِ، ويلزمُهُ الخفةُ واليُسرُ، فمنَ الجوزِ وسطُ الشيءِ ومعظمُهُ؛ لأنَّه أعدلُهُ، والجوزُ: الحجازُ نفسُهُ، وثمرٌ معروفٌ معرّبٌ كوزٍ (¬4) وجائزُ البيتِ: الخشبةُ المعترضةُ بين الحائطينِ، فارسيتهُ (¬5) تير، والجوزاءُ: برجٌ في السماءِ كأنَّها في وَسطِها، والشاةُ السوداءُ التي ضُرِبَ وَسطُها ببياضٍ، والوسطُ الجوزُ، ومن الخفةِ واليسرِ: الجواز، وهو الذي يُسقاهُ المالُ منَ الماشيةِ والحَرثِ، وقد استجزتهُ فأجاز، إذا سَقَى أرضَكَ أو ماشيتَكَ وجَوَّزَ / 260أ / لهم إبلَهم تجويزاً: قادها بعيراً بعيراً، وجوائز الأشعارِ والأمثالِ: ما جازَ من بلدٍ إلى بلدٍ؛ لأنَّ ما سارَ أخفُّ وأيسرُ مما لم يَسِرْ، وأجازَ لهُ: سَوَّغَ، وتجوّزَهُ في هذا: احتملَهُ، وعن ذنبِهِ لم يؤاخِذهُ به، وفي ¬

_ (¬1) الأفعال 1/ 186. (¬2) شمس العلوم 1/ 359. (¬3) القاموس المحيط مادة (جوز). (¬4) في (ب): ((لوز)). (¬5) في (أ): ((فارسية)).

الصلاةِ خَفَّفَ، وفي كلامِهِ تكلّمَ بالمجازِ؛ لأنَّ ما جازَ موضعَهُ أخفَّ مما لزمَ الحقيقة (¬1). والمجازةُ: الطريقةُ في السبخةِ لما يحصلُ بها من اليُسرِ في الحفظِ منَ الضياعِ وغيرِهِ. والجائزةُ: العطيةُ والتحفةُ، ومقامُ الساقي من البئرِ؛ لأنَّه موضعُ اليُسرِ. والجائزُ: المارُّ على القومِ عطشاناً سُقيَ أو لا، لأنَّه محلُّ التيسيرِ بالسقي. والجوازُ كغراب العطش، وتجاوزَ عنه، وأمّا تجاوزَ فيه بمعنى: أفرطَ، فإنَّ معناهُ أنَّهُ تجاوزَ الحدَّ وكلُّ ما تجاوزَ الحدَّ خارجٌ عن اليُسرِ، وجَوَّزَ إبلَهُ: سقاها، والأمرَ جعلَهُ جائزاً، والجيزةُ الناحيةُ، والجيزُ جانبُ الوادي، والإجازةُ في الشِّعرِ: مخالفةُ حركاتِ الحرفِ الذي يلي حرفَ الرويِّ، أو كونُ القافيةِ طاءً، والأخرى دالاً، كذا في " القاموس " ((القافيةُ))، ولعله ((الرويُّ))؛ وذلك لأنّ ما تغيَّرَ أخفُّ وأيسرُ مما لزمَ حركةً واحدةً، أو حرفاً واحداً، والإجازةُ أيضاً: أنْ تُتمّ مِصراعَ (¬2) غيرِكَ فتيسرَ عليه وتُمشِّي شِعرهُ (¬3)، وذو المجازِ سوقٌ كانت لهم، والمُجيزُ: الوليُّ والقيمُ بأمرِ اليتيمِ / 260ب / والعبدُ المأذونُ له في التجارةِ، والتِجوازُ بالكسر: بُرُدٌ موشىً، وأجزتُ على الجريحِ أجهزتُ؛ لأنَّ ذلك أيسرُ من أنْ يموتَ بالجراحةِ موتات. ومِنْ مقلوبهِ واوياً: زَجا الشيءَ: ساقَهُ ودفعَهُ، وزَجا الأمرَ: تيسّرَ واستقامَ، والزجاءُ: النفاذُ في الأمرِ، وزجا فلانٌ: انقطعَ ضحكُهُ؛ لأنَّه أيسرُ له منَ الاستغراقِ فيه، وزَجَا الخراجُ: تيسّرتْ جبايتُهُ، والبضاعَةُ المزجاةُ: القليلةُ، أو التي لم يتمَّ ¬

_ (¬1) في (ف): ((تحقيقه)). (¬2) في (ب): ((مصارع)). (¬3) في (ف): ((غيره)).

صلاحُها كأنّه منَ السلبِ (¬1)، ومن مقلوبِه كذلك الوجزُ: السريعُ والخفيفُ من الكلامِ والأمرِ، وأوجزَ العطيةَ: عَجَّلَها، وأوجزَ في الأمرِ: اختصرَ، ومنْ مقلوبِهِ الزوجُ: امرأةُ الرجلِ، ويقال: زوجةٌ، والزوجُ البعلُ؛ لأنَّ كلاً منَ الزوجينِ مُيسِّرٌ على صاحبِهِ، والزوجُ: خلافُ الفردِ من ذلك، ومنَ العدلِ؛ لانقسامِهِ بمتساويينِ، والنمطُ يطرحُ على الهودجِ، ويقالُ للاثنين هما زوجانِ، وهما زوجٌ، والزوجُ: اللونُ من الثيابِ، والزوجُ الساجُ، والأزواجُ: القرناءُ، ويلزمُ منَ المقارنَةِ الخلطةُ (¬2)، ومنه: تزوجَهُ النومُ بمعنى: خالطهُ. والزاجُ: ملحٌ معروفٌ، والزيج خَيطُ البَنَّاءِ مُعرَّبانِ. (¬3) ومن يائيهِ: جزيتُهُ: كافأتُهُ، وجزيتُ عن كذا: أغنيتُ عنه، والجِزيَةُ: خراجُ الأرضِ وما يُؤخذُ منَ الذميِّ، وتجازيتُ ديني وبديني: تقاضيتُهُ، واجتزأ: طلبَ منه الجزاءَ، وجَزَى الشيءُ: كَفَى / 261أ / وعنه قضى، وأجزى عن كذا: قام مقامَهُ، ولم يكفِ (¬4). ومنْ مهموزِهِ: الجزءُ: بعضُ الشيءِ؛ لأنَّ كلَّ جزءٍ منَ الجسمِ يرتفقُ بأخيهِ، وجزأتُ الإبلَ: اجتزأتُ بالرُطبِ عنِ اليابسِ، ومنه: قيل للوحشِ الجوازي؛ لأنَّها تجتزئ بالمرعى، وأجزأني الشيءُ: كفاني، وجزأ الشيءَ: شَدَّهُ فتيسرَ لما يُرادُ منه، والمِخْصَفَ جعلَ له جُزاءةً، أي: نصاباً، والخاتمَ في أصبعِهِ أدخله (¬5)، والمرعى التفَ نبتُهُ فصارَ سبباً لليسرِ، وجزأتِ الأمُ: ولدتِ الإناثَ، إمّا لما يُرجى من مهورهنَّ، وإمّا لأنَّها جزءُ رجلٍ؛ لأنَّ كلَّ ثنتينِ برجلٍ، أو لأنَّ الأنثى خُلقتْ من آدمَ ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((أي: سلب التيسير)). (¬2) في (ب): ((الخلط)). (¬3) انظر: لسان العرب مادة (زوج)، والقاموس المحيط مادة (زوج). (¬4) انظر: لسان العرب مادة (جزي)، والقاموس المحيط مادة (جزي). (¬5) من قوله: ((والمخصف جعل له جزاءه .... )) إلى هنا لم يرد في (ف).

فهي جزؤُهُ، وإمّا للسلبِ، وجازئكَ من رجلٍ: ناهيكَ مدحٌ بما فيه منْ أسبابِ اليسرِ (¬1). ومن مقلوبِهِ: استأجزتُ عنِ الوِسادةِ (¬2) تحنيت عليها ولم تَتكئ (¬3). ومن مقلوبِهِ: الجأزُ: غصصٌ يأخذُ في الصدرِ، وإنَّما يكونُ بالماءِ، وقد جَيِزَ، كَفَرِحَ، كأنَّهُ للسلبِ (¬4). ومنْ مقلوبِهِ: زأجَ بينَهم، كمنعَ: حرَّش، كأنَّه للسلبِ أيضاً (¬5)، وكذا مقلوبُهُ أزجَ، كنَصرَ، وفرحَ عني: تثاقل حينَ استعنتهُ وتخلفَ، والأزجُ بيتٌ يُبنى طولاً كأنَّ صنعتهُ أيسرُ من صنعةِ المربعِ وغيرِهِ (¬6)، والله أعلم. قولهُ: (أجزتُ فلاناً مسموعاتي) (¬7)، أي: جعلتُهُ جائزاً إليها، أو جعلتُها جائزةً - أي: مباحةً - له بمعنى: أنَّه يَرويها كما أرويها أنا. قولهُ في قولهِ: (وإنَّما) (¬8): (من عالمٍ) (¬9) متعلّقٌ / 261ب / بـ ((تُستحسَنُ))، ((ومن أجازَهُ)) في موضعِ الحالِ، أي: والحالُ أنَّ المجازَ لهُ ((طالب علمٍ))، أي: من أهلِ العلمِ، فإنَّ الإنسانَ لا يزالُ طالباً للعلمِ، ولو كانَ أعلمَ الناسِ {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً} (¬10). ¬

_ (¬1) انظر: لسان العرب مادة (جزأ)، وتاج العروس مادة (جزأ). (¬2) في (ب): ((الوساد)). (¬3) انظر: لسان العرب مادة (أجز). (¬4) انظر: لسان العرب مادة (جأز). (¬5) انظر: لسان العرب مادة (زأج). (¬6) انظر: لسان العرب مادة (أزج). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 437. (¬8) التبصرة والتذكرة (495). (¬9) التبصرة والتذكرة (495). (¬10) طه: 114.

قولهُ: (توسعٌ) (¬1)، أي: من (¬2) المجيزِ والمجازِ لهُ (¬3)؛ لينتفعَ كلٌّ منهما (¬4) في الإمامةِ في العلمِ، المحثوثِ عليها بقولهِ تعالى: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} (¬5) ((وترخيصٌ))، أي: منَ المجيزِ للمجازِ له. ولم ينظم الشيخُ مسألةَ خلوِّ الكتابةِ عنِ النيَّةِ فنظمَها شيخُنا الحافظُ برهانُ الدينِ الحلبيُّ تلميذُ المصنفِ، فقالَ: وحيثُ لا نيةَ قدْ جوَّزَها ... ابنُ الصلاحِ باحثاً أبرزَها قولهُ: (الرابعُ: المناولةُ) (¬6) أصلُها (¬7) ما عَلَّقهُ البخاريُّ في كتابِ العلمِ بصيغةِ الجزمِ، فقالَ: ((واحتجَّ بعضُ أهلِ الحجازِ في المناولةِ بحديثِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حيثُ كتبَ لأميرِ السَّريَّةِ كِتاباً، وقالَ: لا تقرأهُ حتى تبلغَ مكانَ كذا وكذا، فلما بلغَ ذلكَ المكانَ قرأهُ على النَّاسِ، وأخبرَهم بأمرِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -)) (¬8). قالَ شيخُنا في المقدمةِ: ((رواهُ (¬9) ابنُ إسحاقَ في المغازي مُرسلاً، ووصلَهُ الطبرانيُّ (¬10) من طريقٍ أخرى منْ حديثِ جندبِ بنِ عبدِ اللهِ، وإسنادُهُ حسنٌ)) (¬11)، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 437. (¬2) لم ترد في (ب). (¬3) عبارة: ((والمجاز له)) لم ترد في (ب). (¬4) عبارة: ((كل منهما)) لم ترد في (ب). (¬5) الفرقان: 74. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 438. (¬7) جاء في حاشية (أ): ((أي: دليلها)). (¬8) صحيح البخاري 1/ 5 عقب (63). (¬9) في (ب): ((ورواه)). (¬10) المعجم الكبير (1670). (¬11) هدي الساري: 21.

قالَ السهيليُّ: ((وكذلكَ العالِمُ إذا ناولَ التِّلميذَ كتاباً جازَ لهُ أنْ يرويَ عنه ما فيه، وهو فقهٌ صحيحٌ، غيرَ أنَّ الناسَ جعلوا المناولةَ اليومَ على غيرِ هذهِ الصورةِ، يأتي الطالبُ الشيخَ فيقولُ: ناولني كتبَكَ فيناولهُ، ثم يمسكُ متاعَهُ عندَهُ، ثم / 262 أ / ينصرفُ الطالبُ، فيقولُ: حدَّثني فلانٌ مناولةً، وهذه روايةٌ لا تصحُّ على هذا الوجهِ حتى يذهبَ بالكتابِ معهُ، وقد أذنَ له أنْ يُحدِّثَ عنه بما فيه، وممنْ قالَ بصحةِ المناولةِ على الوجهِ الذي ذكرناهُ: مالكُ بنُ أنسٍ، رَوَى إسماعيلُ بنُ صالحٍ عنهُ أنَّه أخرجَ لهم كتباً مشدودةً، فقالَ: هذه كُتبي صححتُها ورويتُها فارووها عني، فقالَ له إسماعيلُ بنُ صالحٍ: فنقول: حَدَّثنا مالكٌ، قالَ: نَعَم، ورَوَى قصةَ إسماعيلَ هذه الدارقطنيُّ في كتابِ " رواةِ مالكٍ ")) (¬1). انتهى. وقد استدلَّ كما ترى بما لا يَنهضُ بما قالَهُ؛ فإنَّ القصةَ ليس فيها أنَّ مالكاً مَلَّكها لهم، وعلى تقديرِ ذلك فالمأذونُ له جماعةٌ، وليسَ في القصةِ أنَّه فَرَّقها عليهم، وعلى تقديرِ ذلك فلمْ يَخصَّ كلاً بما أعطاهُ له، بل أَذِنَ للكلِّ في روايةِ الكلِّ (¬2)، فإمَّا أنْ تكونَ عندَ بعضِهم فيرويَ منها ما أحبَّ، وإذا أرادَ غيرُهُ الروايةَ أتى إليهِ فأخرجَها لهُ فكتبَ منها ما أرادَ ورواهُ، وإمَّا أن يَكونَ عندَ كلِّ واحدٍ منها شيءٌ فيرويَهُ، وإذا أرادَ روايةَ غيرِهِ ذهبَ إلى مَنْ هو عندَهُ فكَتَبهُ أو حَفظَهُ ورواهُ، وهذا هو الذي يقولهُ مَنْ يرى المناولةَ على الوجهِ الذي أنكرهُ السهيليُّ مِن أنَّه إذا أرادَ الروايةَ جاءَ إلى الشيخِ فأخذَ كتابَهُ فنقلَ منه وَرَوَى، أو أخذَ فَرْعاً له موثوقاً به، فرَوَى منه، والله الموفقُ. قولهُ: (عَرضاً) (¬3) يجوزُ أنْ يكونَ مفعولاً له، أي: /262ب/ يحضرُ به للشيخِ؛ لأجلِ عرضِهِ على الشيخِ بمعنى: أنَّ الشيخَ يتصفحُهُ وينظرُهُ؛ ليعلمَ هل هو ¬

_ (¬1) الروض الأنف 5/ 78 - 79. (¬2) عبارة: ((في رواية الكل)) لم ترد في (ف). (¬3) التبصرة والتذكرة (501).

روايتُهُ؟ وهل هو صحيحٌ؟ وغيرُ ذلك منَ الأحوالِ التي ينبغي اعتبارُها، ويجوزُ أنْ يكونَ حالاً منَ الطالبِ، فيكونُ مصدراً في موضعِ اسمِ الفاعلِ، أي: عارضاً أو ذا عَرْضٍ. قولهُ: (والشيخُ) (¬1) في موضعِ الحالِ منْ ضميرِ ((له))، أي: للشيخِ حالَ كونِهِ عارفاً ((فينظرَه)) بالنصبِ عطفاً على ((يحضُرَ)) وضميرُهُ المستترُ للشيخِ، و ((يُناول)) عطفٌ عليهِ. قولهُ: (يقولُ) (¬2) بيانٌ لذلك على سبيلِ الاستئنافِ. قولهُ: (امتناعاً) (¬3) مصدرٌ منَ معنى ((أبَى))، ويجوزُ كونُهُ (¬4) حالاً منَ ((المفتينَ))، أي: ذوي امتناعٍ (¬5). قولهُ: (مُعْتَمَداً) (¬6)، أي: ((حكوا إجماعَهم)) بسبب أنَّ اعتمادَها، أي: قَصدَها، والاعتمادُ (¬7) عليها صحيحٌ لا فسادَ فيه، فالتمييزُ محوَّلٌ عنِ اسمِ ((أنَّ)). قولهُ: (عَرْضُ السَّماعِ) (¬8) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وقد سبقتْ حكايتُنا في القراءةِ على الشيخِ أنَّها (¬9) تُسمى عَرْضاً أيضاً، فَلْنُسَمِّ (¬10) ذلك عرضَ القراءةِ، وهذا ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (502). (¬2) التبصرة والتذكرة (503). (¬3) التبصرة والتذكرة (504). (¬4) في (ف): ((ويجوز أن يكون)). (¬5) جاء في (ف): ((ويجوز أن يكون حالاً من ((المفتين))، أي: ذوي امتناعٍ، مصدر من معنى: ((أبى)).)). بالتقديم والتأخير. (¬6) التبصرة والتذكرة (507). (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 439. (¬9) في (ف): ((لأنها)) خطأ. (¬10) في (ف): ((فليمّ)) وهو تحريف.

عرضَ المناولةِ)) (¬1). قولهُ: (ومالكٍ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ومالكُ بنُ أنسٍ الإمامُ في آخرينَ منَ المدنيِّينَ، ومجاهدٌ، وأبو الزُّبيرِ، وابنُ عيينةَ في جماعةٍ منَ المكيِّينَ، وعلقمةُ وإبراهيمُ النَّخعيَّانِ، والشَّعبيُّ في جماعةٍ منَ الكُوفيِّينَ، وقتادةُ، وأبو العاليةِ، وأبو المتَوكلِ النَّاجي في طائفةٍ / 263أ / منَ البصريِّينَ، وابنُ وَهْبٍ، وابنُ القاسمِ، وأشهَبُ في طائفةٍ منَ المِصريينَ، وآخرونَ منَ الشاميِّينَ والخُراسانيِّينَ. ورأى الحاكمُ طائفةً منْ مشايِخِهِ على ذلك (¬3). وفي كلامِهِ - يعني: الحاكمَ - بعضُ التَّخليطِ من حيثُ كونُهُ خَلَطَ بعضَ ما وردَ في عَرْضِ القراءةِ بما وردَ في عرضِ المناولةِ، وساقَ الجميعَ مَسَاقاً واحداً، والصحيحُ أنَّ ذلك غيرُ حالٍّ محلَّ السماعِ)) (¬4) إلى آخرهِ. قولهُ: (وأبو حنيفةَ) (¬5) قالَ المصنِّفُ في " النكتِ ": ((اعتُرضَ على المصنفِ بذكرِ أبي حنيفةَ معَ المذكورينَ، فإنَّ منْ عدا أبا حنيفةَ يرى صحةَ المناولةِ، وأنَّها دونَ السماعِ، وأمَّا أبو حنيفةَ (¬6) فلا يَرى صحتَها كما ذكرَهُ صاحبُ " القِنْية " فقال: إذا أعطاهُ المحدّثُ الكتابَ، وأجازَ له فيه ولم يسمعْ ذلك ولم يعرفْهُ فعندَ أبي حنيفةَ ومحمدٍ: لا يجوزُ روايتُهُ، وعندَ أبي يوسفَ: يجوزُ. انتهى. قلتُ: لم يكتفِ صاحبُ " القنية " في نقلِهِ عن أبي حنيفةَ لعدمِ الصحةِ بكونِهِ لم يسمعْهُ فقط، بل زادَ على ذلك بقولهِ: ولم يعرفْهُ، فإنْ كانَ الضميرُ في: يعرفْهُ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 278. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 439. (¬3) راجع: محاسن الاصطلاح: 279. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 279. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 440. (¬6) عبارة: ((المناولة، وأنها دون السماع، وأما أبو حنيفة)) تكررت في (ف).

عائداً على المجازِ - وهو الظاهرُ - لتتفقَ الضمائرُ، فمقتضاهُ أنَّه إذا عرفَ المُجاز ما أُجيزَ له أنَّه يَصحُّ، بخلافِ ما ذكَرَ المعترضُ أنَّه لا يرى صحتَها أصلاً - يعني: أنَّه علقَ الحكمَ عندَ أبي حنيفةَ بعدمِ الصحةِ على أمرينِ، فإذا زالَ أحدُهما انتفى الحكمُ، قال (¬1) - (¬2): وإنْ كانَ الضميرُ يعودُ على الشيخِ المُجيزِ فقدْ ذكرَ المصنفُ بعدَ هذا / 263 ب / أنَّ الشيخَ إذا لم ينظرْ فيه ويتحقق روايَتَهُ لجميعِهِ لا يجوزُ ولا يصحُّ، ثم استثنى ما إذا كانَ الطالبُ موثوقاً بخبرِهِ، فإنَّه يجوزُ الاعتمادُ عليه. انتهى. وهذه الصورةُ لا يوافِقُ على صحتِها أبو حنيفةَ، بل لابدَّ أنْ يكونَ الشيخُ حافظاً لحديثِهِ أو ممسكاً لأصلِهِ، وهذا الذي صححهُ إمامُ الحرمينِ كما تَقدَّمَ، بل أطلقَ الآمديُّ النقلَ عن أبي حنيفةَ، وأبي يوسفَ: أنَّ الإجازةَ غيرُ صحيحةٍ، والله أعلم. ويجوزُ أنْ يكونَ أبو حنيفة وأبو يوسفَ إنَّما يَمنعانِ صحةَ الإجازةِ الخاليةِ عنِ المناولةِ، فقد حَكَى القاضي عياضٌ في كتابِ " الإلماعِ " (¬3) عن كافةِ أهلِ النقلِ والأداءِ والتحقيقِ من أهلِ النظرِ القولَ بصحةِ المناولةِ المقرونةِ بالإجازةِ)) (¬4). انتهى ما في " النكتِ ". قولهُ: (إنَّه الصحيحُ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((والصحيحُ أنَّ ذلك غيرُ حالٍّ محلَّ السماعِ، وأنّهُ منحطٌّ عن درجةِ التّحديثِ لفظاً، والإجازة (¬6) قراءةً)) (¬7). ¬

_ (¬1) ((قال)) لم ترد في (ف). (¬2) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬3) الإلماع: 80. (¬4) التقييد والإيضاح: 192 - 193. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 440. (¬6) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((والإخبار)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 279.

قولهُ في قولهِ: (أمّا إذا ناولَ) (¬1): (آخر وَقِدْمَا) (¬2) هو بضمِّ القافِ أو فتحِها أو كسرِها مع سكونِ الدالِ في الكلِّ، وهو بمعنى قديماً. أمّا الضمُّ فمنْ قولهِ في " القاموس " (¬3): ((القَدَمُ - محرّكةً - السابقةُ في الأمرِ كالقُدْمةِ بالضمِّ، وكعِنبٍ، فهو على هذا مذكرُ القُدمةِ، فالمعنى في آخرِ الزمانِ وسابِقِهِ. وأمّا الفتحُ فمنْ قولهِ: قَدَمَهُم قدْماً وقُدُوماً تقدمَ، فالمعنى في آخرِ الزمانِ وتَقدمَهُ، أي: متقدمه. وأمّا على الكسرِ فيكونُ مخففاً منَ القِدمِ كعِنب / 264أ / لضدّ الحدوثِ)) والشطرانِ كلاهما على هذا منَ الضربِ الثاني منَ العروضِ الأُولى (¬4) منْ مسدسِ الرجزِ، والقافية متواترٌ (¬5)، ويجوزُ تحريكُ دالِ ((قدما)) مع كسرِ القافِ، فيكونُ الجزءُ مخبولاً، وتصيرُ قافيةُ الأولِ من المتكاوسِ (¬6)، فيبعدُ جداً منَ الثاني، ولو قالَ فيهِ (¬7): لا ينظرُ ما، لكانَ (¬8) منَ المتراكب (¬9)، فيكونُ أقربَ. قولهُ: (الذي تقدمَ الوعدُ بذكرِهِ) (¬10)، أي: في أولِ شرحِ الأبياتِ التي قبلَها. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (508). (¬2) التبصرة والتذكرة (511). (¬3) القاموس المحيط مادة (قدم). (¬4) في (ب): ((الأَول)). (¬5) جاء في حاشية (أ): ((متحرك بين ساكنين)). (¬6) جاء في حاشية (أ): ((أربع متحركات بين ساكنين)). (¬7) كتب تحتها في (أ): ((أي: الشطر)). (¬8) عبارة: ((لا ينظر ما، لكان)) تحرفت في (ف) إلى: ((لا ينظر مالكاً)). (¬9) جاء في حاشية (أ): ((ثلاث متحركات بين ساكنين)). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 441.

قولهُ: (وغيبته) (¬1) عطفٌ على ((عدمِ)) لا على ((احتواءِ)). قولهُ: (مع غلبةِ ظنّهِ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وجائزٌ له روايةُ ذلك عنه إذا ظفرَ بالكتابِ، أو بما هو مقابَلٌ به على وجهِ يثقُ (¬3) معه بموافقتِهِ لما تناولتْهُ الإجازةُ على ما هو معتبرٌ في الإجازاتِ المجرَّدةِ عنِ المناولةِ)) (¬4). قولهُ: (بكتابٍ مُعَيَّنٍ) (¬5) عنِ ابنِ كثيرٍ الحافظِ، قالَ: ((أمّا إذا كانَ الكتابُ مشهوراً، كالبُخاريِّ، أو (¬6) مُسلمٍ، أو شيءٍ من الكُتبِ المشهورةِ فهو كما لو ملَّكَهُ أو أعارَهُ)) (¬7) انتهى. قولهُ: (صحتِ المناولةُ) (¬8)، أي: إنْ فعلَ ذلك فأجابَهُ، صحّتْ، فيكونُ جزاءً لشرطٍ مَحذوفٍ دَلَّ عليه السياقُ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((جاز الاعتمادُ عليه في ذلك، وكان ذلك إجازةً جائزةً كما جازَ في القراءةِ على الشيخِ الاعتمادُ على الطالبِ حتّى يكونَ هو القارئ منَ الأصلِ إذا كانَ موثُوقاً به معرفةً ودِيناً)) (¬9). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 441. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 441. (¬3) بعدها في (ف): ((به)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 279. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 441. (¬6) في جميع النسخ الخطية: ((ومسلم))، والمثبت من " اختصار علوم الحديث ". (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 360، وبتحقيقي: 191. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 442. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 280. قال البلقيني في محاسن الاصطلاح: 282: ((لاسيما إذا كان الكتاب مشهوراً كالبخاري أو مسلم أو نحوهما، فإنّه يقرب من تمليكه له أو إعارته)).

ونقلَ عنْ "طبقات ابن سعدٍ": ((أخبرنا أنسُ بنُ عياضٍ / 264ب /، عن عبيد اللهِ (¬1) بنِ عمرَ، قالَ: رأيتُ ابنَ شهابٍ يُؤتَى بالكتابِ، فيقالُ له: يا أبا بكرٍ، هذا كتابُكَ، نرويهِ عنكَ؟ فيقولُ: نَعَمْ، ما قرأهُ، ولا قرئ عليه)) (¬2). انتهى. قولهُ: (أنَّ ذلك لا يصحُّ) (¬3) بل كلامُهُ يَقتضي الصحةَ؛ فإنَّ تعاليلَهُ تدلُّ على الدورانِ معَ الوثوقِ والتحققِ، فحيثُ حصلَ صحّتِ الإجازةُ. قولهُ في شرحِ قولهِ: (وإنْ خلت من إذنِ (¬4)) (¬5): (بالإذن (¬6) في الرواية) (¬7)، أي: فيلزمُ منْ صحّحَ الروايةَ بمجرد الإعلامِ، وهم طوائفُ منَ المحدّثينَ والأصوليينَ كما يأتي أنْ يُصَححوا هذه بطريقِ الأَولى؛ لأنَّ هذه أرجحُ بزيادةِ المناولةِ. قولهُ (¬8) في قولهِ: (كيفَ يقولُ) (¬9): (نُووِلا) (¬10) منَ النوْلِ بمعنى العطاءِ، كما في حديثِ الخِضرِ: ((فحملوهما بغيرِ نولٍ)) (¬11)، وقالَ في ¬

_ (¬1) في جميع النسخ الخطية: ((عبد الله))، والمثبت من " طبقات ابن سعد ". (¬2) الطبقات الكبرى 1/ 173. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 442. (¬4) عبارة: ((من إذن)) لم ترد في (ب). (¬5) التبصرة والتذكرة (515). (¬6) في نسخة (أ) تحت هذه الكلمة: ((أي: في الشرح)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 444. (¬8) جاء في حاشية (ف) عنواناً نصه: ((كيف يقول من روى بالمناولة والإجازة)) وقد خلت منهُ جميع النسخ. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 444. (¬10) التبصرة والتذكرة (516). (¬11) أخرجه: البخاري 1/ 41 (122)، ومسلم 7/ 103 (2380) (170) من حديث أُبي بن كعب - رضي الله عنه -.

" شمسِ العلومِ ": ((النولُ: النوالُ وهو مصدرٌ))، وفي "القاموسِ" (¬1): ((النوالُ، والنالُ، والنائل، العطاءُ)). قولهُ: (وأطلق أبو نعيم) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وكان الحافظُ أبو نعيم الأصبهانيُّ (¬3) صاحبُ التصانيفِ الكثيرةِ في علمِ الحديثِ يطلقُ ((أخبرنا)) فيما يَرْويهِ بالإجازةِ (¬4)، رُوِّينا عنه أنَّه قال: أنا (¬5) إذا قلتُ: ((حدثنا)) فهو سَمَاعي، وإذا قلتُ: ((أخبرنا)) على الإطلاقِ، فهو إجازةٌ من غيرِ أنْ أذكرَ فيه إجازةً، أو كتابةً، أو كَتَبَ إليَّ، أو أَذِنَ لي في الروايةِ عنه، وكانَ أبو عبيد الله المَرْزُبانيُّ (¬6) الأخباريُّ - صاحبُ التّصانيفِ في علمِ الخبرِ - يَرْوي أكثرَ ما في كُتبِهِ إجازةً من غيرِ سَماعٍ ويقول / 265 أ / في الإجازة: ((أخبرنا))، ولا يُبيِّنها)) (¬7). انتهى. ووجدتُ بخطِّ بعضِ الفضلاءِ من تلاميذِ شيخِنا الحافِظِ برهانِ الدينِ الحلبيِّ: ((رأيتُ عن خطِّ الحافظِ المزِّيِّ ما صورته: إنَّما يقولُ ذلك - يعني: أبا نعيم - في شيخٍ قد عُرفَ أنَّه لم يلقهُ)). انتهى. ولمَّا قرأت " الحليةَ " للحافظِ أبي نعيمٍ على شيخِنا شيخِ الإسلامِ ابنِ حجرٍ فمررتُ بقوله في ترجمةِ محمدِ بنِ يوسفَ الأصبهانيِّ: ((أخبرنا عبدُ اللهِ بنُ جعفرَ - ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (نول). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 445. (¬3) انظر بلابد تعليقنا على هذا الموضع في معرفة أنواع علم الحديث: 281 هامش (4). (¬4) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 416، وتذكرة الحفاظ 3/ 1096، وميزان الاعتدال 1/ 111، وطبقات السبكي 4/ 24، والوافي بالوفيات 7/ 83. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي، انظر: الأنساب 5/ 139، ووفيات الأعيان 4/ 354. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 282.

فيما قُرِئَ عليه - وحدثني عنه أبو محمدِ بن حيان)) (¬1)، سألتهُ عنه، فقال: هو إجازةٌ لما ذكر من مذهبِهِ، وقولهُ فيما قُرئ عليه لا ينافيها؛ فإنّه لم يقُل (¬2): وأنا أسمعُ، ونبَّه على سماعِهِ بنُزولٍ بقولهِ: وحدثني عنه، إلى آخره، ومما يُحقِّق ذلك، قولهُ بعده في ترجمةِ عبدِ الرحمان بنِ مهديٍّ: ((أخبرنا عبدُ اللهِ بنُ جعفرَ فيما قُرئَ عليهِ، وأذَنَ لي فيه)) (¬3)، وهذا اصطلاحٌ لأبي نعيم، وهو يوهمُ من لا علمَ له بالاصطلاحِ أنَّه سمعَهُ. وقولهُ (¬4): ((وأذَنَ لي فيه)) يوهمُ أنَّ الشيخَ أجاز له بعد الفراغِ منَ السَّماعِ كما هو عادةُ المحدّثينَ، ومن اصطلاحِه: أنَّ ((حدَّثنا)) للسَّماعِ على الشيخِ منْ غيرِ لفظِهِ، والمَرْزُباني قالَ صاحبُنا الإمامُ شمسُ الدينِ بنُ حسان - رحمه الله - فيما وجدتُهُ بخطِّهِ: ((قَيَّدهُ بعضُ مشايخِنا في بعضِ كتبِهِ بفتحِ الزاي، ووجدتُهُ بخطِّ المزّيِّ بضمِّها)). قولهُ: (أو أجاز (¬5) لي) (¬6) قدِ استعملَ ذلك الحسنُ / 265ب / بنُ محمدِ ابنِ الحسنِ الخلاّلِ في كتابِهِ " اشتقاقِ الأسماءِ "، فقالَ: أجازَ لنا محمدُ بنُ أحمدَ الواعظُ، أنَّ عبدَ اللهِ بنَ محمدٍ (¬7) البغويَّ أخبرَهم، وكذا استعملَ أخبرنا إجازةً. قولهُ: (كما يفعلُهُ بعضُ المشايخِ) (¬8) قال شيخُنا: ((يوجدُ ذلك في إجازاتِ المغاربةِ)). انتهى ما بخطِّ ابنِ حسّان. ¬

_ (¬1) حلية الأولياء 8/ 233. (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) حلية الأولياء 9/ 14. (¬4) من قوله: ((وهذا اصطلاح)) إلى هنا لم يرد في (ب). (¬5) في (ب): ((وأجاز)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 446. (¬7) في (ب): ((محمود)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 446.

قولهُ في قولهِ: (وبعضُهم أتى) (¬1): (فمشتركٌ) (¬2) لو قالَ: سماعُهُ منْ شيخِه فيه يُشَكّ ... وحرفُ عن بينهما قد اشترك استراحَ منَ الفاءِ والاعتذارِ عنها. قولهُ: (وإنِ استعملها طائفةٌ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((فهذا وإنْ تعارَفَهُ في ذلك طائفةٌ منَ المحدثينَ المتأخرينَ فلا يخلو عن طَرَفٍ منَ التدليسِ؛ لما فيه منَ الاشتراكِ والاشتباهِ بما إذا كَتَبَ إليه ذلك الحديثَ بعينِهِ)) (¬4). قولهُ: (وهو بعيدٌ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((بعيدٌ بعيدٌ عن الإشعارِ)) (¬6)، أي: هو بعيدٌ عن مقاصدِ أهلِ الأفكارِ القويمةِ منْ أهلِ الاصطلاحِ؛ لبعدِهِ عنِ الإشعارِ بالإجازةِ. قال بعضُ أصحابنا: ويَشكلُ على الإتيانِ بها في محلِّ الإجازةِ ما سيأتي حكايتُهُ في الزيادةِ في نسبِ الشيخِ عن ابنِ المدينيِّ أنَّ الراويَ إذا زادَ في نسبِ شيخِهِ أتى بلفظِ ((أنَّ))، فإنَّ في ذلكَ التباساً في الاصطلاحِ، إلا أنْ يُقالَ: أكثرُ ما فيه - أي: فيما هنا، وفيما يأتي - حكايةُ المذاهبِ. انتهى. قولهُ: (الوجازة) (¬7)، أي: / 266 أ / في تجويزِ الإجازةِ (¬8)، وهو أبو العباسِ الوليدُ بنُ بكرٍ (¬9) الغَمريُّ - بفتحِ المعجمةِ - المالكيُّ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (523). (¬2) التبصرة والتذكرة (530). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 446. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 282. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 447. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 284. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 447. (¬8) وكذا في تدريب الراوي 2/ 30، ومعجم المؤلفين 13/ 170. (¬9) لم ترد في (ف).

ذكرَ أبو سَعدٍ السَّمعانيُّ: أنَّه مَنسوبٌ إلى بني الغَمر بطنٌ من غافقٍ (¬1). والوجازةُ: مصدرُ وَجز في منطقِهِ، ككرمَ، ووعدَ، وجْزاً ووجازةً، ووجوزاً، إذا خَفَّ فيه، وأوجزَ في كلامِهِ: قَلَّلهُ، وأوجزَ الكلام نفسهُ قَلَّ (¬2). قولهُ (¬3): (في الإجازةِ: أنبأنا) (¬4) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وقد كانَ ((أنبأنا)) عندَ القومِ فيما تَقدَّمَ بمنْزلةِ ((أخبرَنا))، وإلى هذا نحا الحافظُ المتقنُ أبو بكرٍ البيهقيُّ إذ كانَ يقولُ: أنبأني فلانٌ إجازةً، وفيه أيضاً رعايةٌ لاصطلاحِ المتأخرينَ)) (¬5). قولهُ: (فقالَ أبو عمرو) (¬6) إنَّما ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ، عن أبيهِ، وعبارتُهُ: ((ورُوِّينا عن أبي عَمرِو بن أبي جعفرَ بن حَمْدانَ النَّيْسابوريِّ، قالَ: سمعتُ أبي يقولُ: كلما قال البخاريُّ)) (¬7) إلى آخرهِ. قولهُ (¬8) في قولهِ: (الخامسُ: المكاتبةُ) (¬9): (عنه) (¬10) يتعلّقُ بما تَعلّقَ به ((بإذنِهِ))، وهو الكتابةُ، أي: الكتابةُ بخطِّ الشيخِ، والكتابةُ عنه بإذنِهِ للكاتبِ في الكتابةِ لغائبٍ أو حاضرٍ. ¬

_ (¬1) الأنساب 3/ 409. (¬2) انظر: القاموس المحيط مادة (وجز). (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 447. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 283. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 448. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 283. (¬8) جاء في حاشية (ف): ((الخامس: المكاتبة)) وقد جعلها عنواناً وخلت باقي النسخ منه. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 449. (¬10) التبصرة والتذكرة (532).

قولهُ: (أجازَ مَعَها) (¬1) لو قال: عندَها، لوافقَ رويَّ الشطرِ الثاني. قولهُ: (وهي شبيهةٌ) (¬2) بل هي أقوى من هذه المناولةِ فإنَّها تزيدُ عليها بأنَّ المكتوبَ ما كُتبَ إلا لأجلِ المكتوبِ إليهِ، وفي ذلك زيادةُ اعتناءٍ بهِ في تسليطِهِ على روايتهِ، والانتفاع به. قولهُ: (فإنَّها صحيحةٌ) (¬3)، أي: الروايةُ / 266 ب / بالكتابةِ المجردةِ عنِ الإجازةِ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((أمّا الأولُ: وهو ما إذا اقتصرَ على المكاتبةِ فقد أجازَ الروايةَ بها كثيرٌ)) (¬4) إلى آخره. قولهُ: (بينَ أهلِ الحديثِ) (¬5) قال ابنُ الصلاحِ: ((وكثيراً ما يوجدُ في مَسانيدِهم ومُصنفاتهم قولهُم: كتبَ إليَّ فلانٌ، حدثنا فلانٌ، والمرادُ به هذا، وذلك معمولٌ به عندَهُم معدودٌ في المسندِ الموصولِ، وفيها إشعارٌ قويٌّ بمعنى الإجازةِ فهي وإنْ لم تقترنْ بالإجازةِ لفظاً، فقد تضمنتِ الإجازةَ معنىً)) (¬6). انتهى. قلتُ: لأنَّ الكتابةَ (¬7) كنايةٌ، فإذا اقترنتْ بالإرسالِ إلى المكتوبِ إليهِ وتسليطِهِ عليهِ كانَ كأنَّه لَفَظَ له به، وإذا كانَ كذلكَ لم يحتجْ إلى إجازةٍ كما تقدّمَ. قولهُ: (وإليه صارَ جماعةٌ) (¬8)، أي: إلى أنَّها أقوى منَ الإجازةِ. قولهُ: (منها عندَ مسلمٍ) (¬9) الأحسنُ في ذلك أنْ يوردَ ما اتفقا عليه لا ما انفردَ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (533). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 449. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 449. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 285. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 449. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 285. (¬7) في (ب): ((لا والكتابة)). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 450. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 450.

به أحدُهما؛ ليكونَ أدلَّ على الجوازِ، وأقوى في الاعتمادِ كما أخرجاهُ (¬1) عن وَرَّاد (¬2)، قالَ: كتبَ معاويةُ إلى المغيرةِ أنِ اكتبْ إليَّ ما سمعتَ منْ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فكتبَ إليه أنَّ نبيَّ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كانَ يقولُ في دُبرِ كلِّ صَلاةٍ: ((لا إلهَ إلا الله وحدَهُ لا شريكَ لهُ .. )) الحديثَ، وهو في أبي داود (¬3) والنسائيِّ (¬4) أيضاً. وكما أخرجهُ الشيخانِ (¬5) أيضاً والنسائيُّ (¬6)، قال ابنُ عَونٍ: كتبتُ إلى نافعٍ فكتبَ إليَّ أنَّ النبيَّ صلى الله عليه / 267أ / وسلم أغارَ على بني المصطلقِ، وهم غارُّون ... الحديث، وفي آخرهِ: حدَّثني به عبدُ اللهِ بنُ عمرَ وكانَ في ذلك الجيشِ. ورَوى الشيخانِ (¬7) وأبو داود (¬8) عن سالمٍ أبي النَّضْرِ، عن كتابِ رجلٍ من أسلمَ من أصحابِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - يقالُ له: عبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى: كتبَ إلى عمرَ بنِ عبيدِ اللهِ حينَ سارَ إلى الحروريةِ يخبرُهُ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -. وفي روايةٍ (¬9): كتبَ فقرأتُهُ: أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - (¬10) في بعضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فيها العدوَّ انتظرَ حتى إذا مالتِ الشمسُ قامَ فيهم فقالَ: يا (¬11) أيها الناسُ، لا تَتمنوا لقاءَ العدو ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 9/ 117 (7292)، وصحيح مسلم 2/ 95 (593). (¬2) في (ب): ((رواد)). (¬3) سنن أبي داود (1505). (¬4) المجتبى 3/ 70 و 71، وفي الكبرى (1264) و (1265) و (1266). (¬5) صحيح البخاري 3/ 194 (2541)، وصحيح مسلم 5/ 139 (1730). (¬6) في السنن الكبرى (8585)، وأخرجه: أبو داود (2633). (¬7) صحيح البخاري 4/ 26 (2818) و4/ 77 (3024) و9/ 105 (7237)، وصحيح مسلم 5/ 143 (1742). (¬8) في سننه (2631). (¬9) عند البخاري 4/ 30 (2833). (¬10) عبارة: ((وفي رواية: كتب فقرأته: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) لم ترد في (ف). (¬11) لم ترد في (ب).

الحديثَ، وللشيخين (¬1)، وأبي داود (¬2)، والترمذي (¬3)، والنسائي (¬4)، عن هشام، قال: - وفي بعضِ طرقِ البخاريِّ قال: كتبَ إليَّ يحيى بنُ أبي كثيرٍ - عن عبدِ الله بنِ أبي قتادةَ، عن أبيهِ، قالَ: قالَ رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا أقيمتِ الصلاةُ فلا تقوموا حتى تروني)). وعن شيخِنا الحافظِ برهانِ الدينِ الحلبيِّ أنَّ في "صحيح مسلمٍ" زيادةً على عشرَةِ أحاديثَ مكاتبةً. قولهُ: (كتب إليَّ محمدُ بنُ بشَّارٍ) (¬5) يعني: حديثَ البراءِ في الذبحِ قبلَ صلاة العيدِ وأمرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (¬6) له بالإعادةِ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، عندي عناقٌ جذعٌ (¬7)، وفي آخرِهِ عنِ ابنِ سيرينَ: فلا أدري أبلغتِ الرخصةُ غيرَهُ أم لا (¬8). وعن (¬9) شيخِنا البرهانِ (¬10) الحلبيِّ (¬11) المذكورِ - رحمه الله - أنَّه ليسَ في / 267ب / "صحيحِ البخاري" حديثٌ رواهُ عن شيخٍ من مشايخِهِ كتابةً إلا هذا الحديثَ، وأمّا الروايةُ مكاتبةً في أثناءِ الأسانيدِ ففيه كثيرٌ منها. ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 1/ 164 (637) و (638) و2/ 9 (909)، وصحيح مسلم 2/ 101 (604). (¬2) سنن أبي داود (539) و (540). (¬3) جامع الترمذي (592). (¬4) في المجتبى 2/ 31 و81، وفي الكبرى (865) و (1651). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 450. (¬6) عبارة: ((وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم -)) جاءت مكررة في (أ). (¬7) هي الأنثى من أولاد المعز ما لم يتم له سنة. العين مادة (عنق)، والنهاية 3/ 311. (¬8) صحيح البخاري 8/ 170 (6673). (¬9) في (ف): ((عن)). (¬10) في (ب): ((برهان الدين)). (¬11) لم ترد في (ف).

قولهُ: (أبو عبدِ الله بن الموَّاقِ) (¬1) في نسخةٍ: أبو بكر، وهو والدُ أبي عبدِ اللهِ، فاللهُ أعلمُ أيُّهما المرادُ. قولهُ في شرحِ قولهِ: (ويَكْتَفي) (¬2): (وإن لم تَقُمِ البينةُ عليهِ) (¬3)، أي: بشهادةِ اثنينِ أنَّهما رأياهُ يكتبُ ذلك، فتكونُ شَهادةً على الفعلِ لا بالتخمينِ، بأنَّ هذا يُشبهُ خطَّهُ، فهوَ هوَ؛ لأنَّهُ يبعدُ كلَّ البعدِ أنْ يوجدَ خطٌّ غيرُ خطِّهِ يُحاكيهِ مُحاكاةً يبعدُ معها التمييزُ. قولهُ: (والنَّزاهَةُ) (¬4) هي البُعدُ عنِ الرذائِلِ، منَ التنَزُّهِ: وهو التباعدُ، يقالُ: نَزَّهَ نفسَهُ عنِ القبيحِ: نَحَّاها، وهو بنُزهةٍ منَ الماءِ: ببعدٍ، وأرضٌ نَزْهَةٌ - بفتحٍ، ثم سكونٍ، وتكسرُ الزاي - بعيدةٌ عنِ الريفِ وغَمَقِ (¬5) المياهِ وذُبان القرى، وَومد البحارِ، وفسادِ الهواء. والوَمَدُ: محرّكةً: الحرُّ الشديدُ مع سكونِ الريحِ، أو نَدىً يجيءُ في صَميمِ الحرِّ من قبلِ البحرِ، أو شدة حرِّ الليلِ (¬6)، نَزُهَ ككرُمَ نزاهةً ونزاهيةً مخففاً (¬7). قولهُ في: (السادسُ: إعلامُ الشيخِ) (¬8): (وعدّةٌ) (¬9) مبتدأٌ سوّغَ الابتداءَ به وَصْفُه في المعنى، أي: منَ الناسِ معَ أنَّهُ مفيدٌ معَ كونِهِ نكرةً أنَّ جماعةً قالوا به، وقد قالَ الرضيُّ بعدَ حكايتِهِ أنّ الجمهورَ اشترطوا تخصُّصَ النكرةِ : ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 451. (¬2) التبصرة والتذكرة (537). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 451. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 452. (¬5) في (ف): ((عمق)). (¬6) انظر: لسان العرب مادة (ومد). (¬7) انظر: القاموس المحيط مادة (نزه). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 452. (¬9) التبصرة والتذكرة (542).

((وقالَ ابنُ الدَّهانِ: وما أحسنَ ما قالَ إذا حَصلتِ (¬1) / 268أ / الفائدةُ فأَخْبِرْ عن أيِّ نكرةٍ شئتَ؛ وذلك لأنَّ الغرضَ منَ الكلامِ إفادةُ المخاطبِ، فإذا حَصلتْ جازَ الحكمُ سواءٌ تخصَّصَ المحكوم عليه بشيءٍ أو لا)) (¬2) وأطالَ في توجيهِ ذلك بما ينبغي حفظُهُ. قولهُ: (لخللٍ يَعرفُهُ فيه) (¬3) قالَ ابنُ الصلاحِ عَقِبَهُ: ((ولم يوجدْ منه التلفظُ به، ولا ما يَتَنَزلُ منْزلةَ تلفظِهِ به، وهو تَلفُّظُ القارئِ عليه وهو يسمعُ، ويُقِرُّ بهِ حتى يكونَ قولُ الراوي عنه السَّامع ذلك ((حدَّثنا وأخبرنا)) صدقاً، وإنْ لم يأذَنْ له فيه، وإنَّما هذا كالشاهدِ)) (¬4) إلى آخر ما يأتي عنه. قولهُ: (وقد تقدمَ) (¬5)، أي: في النَّوعِ الذي قَبْلَهُ حيثُ قالَ: لا يرويهِ إلا بتسليطٍ (¬6) منَ الشيخِ، وذكرَهُ أيضاً في المناولةِ الخاليةِ عن إذنٍ. قولهُ: (واختارَهُ أبو محمدٍ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وحكى القاضي أبو محمدِ بنُ خلاَّدٍ الرَّامَهُرْمُزيُّ (¬8) في كتابِهِ " المحدث الفاصل بينَ الرَّاوي والوَاعي " (¬9) ¬

_ (¬1) مكررة في (أ). (¬2) شرح الكافية 1/ 88 - 89. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 453. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 287. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 453. (¬6) في (ف): ((بتسلط)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 453. (¬8) بفتح الراء والميم بينهما الألف، وضم الهاء وسكون الأخرى، وضم الميم، وفي آخرها الزاي، هذه النسبة إلى رامهرمز، وهي مدينة مشهورة بنواحي خوزستان. الأنساب 3/ 32، ومعجم البلدان 3/ 17. (¬9) انظر في اسم هذا الكتاب: سير أعلام النبلاء 16/ 73، ونزهة النظر: 47، وتدريب الراوي 1/ 52، ومعجم الأدباء 9/ 5، والرسالة المستطرفة: 55 و142.

عن بعضِ أهلِ الظاهرِ أنَّه ذهبَ إلى ذلك واحتجَّ له، وزادَ فقالَ: ((لو قال: هذه رِوايتي عن فلانٍ لكن لا تَروِها عنِّي، كانَ له أنْ يَرْويها كما لو سَمعَ منه حديثاً، ثم قال له: لا تَروِهِ عنِّي، ولا أُجيزُهُ لكَ، لم يَضُرَّهُ ذلك، وَوَجْهُ مذهبِ هؤلاءِ اعتبارُ ذلكَ بالقراءةِ على الشيخِ فإنَّهُ إذا قرأ عليه شيئاً مِنْ حديثِهِ وأقرَّ بأنَّه روايتُهُ عن فُلانِ بنِ فلانٍ جازَ له أن يَرويهُ عنه، وإن لم يسمعْهُ منْ لفظِهِ ولم يقلْ له: اروهِ عني أو أذنتُ لكَ في روايتِه عنِّي)) (¬1). انتهى. ولا جامعَ فيهما، فإنَّ هذا للتيسير عليه، حَديثٌ سمعه عليه واعترف بأنَّه يَرويه، وهذا اعترافٌ بروايةِ شيءٍ لم يسمعْهُ عليه بقراءتهِ ولا قَرأَهُ غيرُهُ، فالأمر الصدق فيه أنْ يقولَ: أخبرني فلانٌ أنَّه يروي الشيءَ الفلاني عَنْ فلانٍ، ومتى زادَ على هذا فهو كاذبٌ (¬2). قولهُ: (لأنَّه قد / 268ب / حَدَّثهُ) (¬3)، أي: حدَّثهُ به جملةً بقوله: هذه روايتي عنْ فلانٍ، فصارَ كما لو قالَ له: نَعَمْ، بعدَ سماعِهِ له عليه، فلا يرجعُ هنا كما لا يرجعُ هناكَ. قولهُ: (لأنَّ المعنى يجمعُ بينَهما في ذلك (¬4)، وإنِ افترقتا في غيرِه) (¬5) المعنى هو: أنَّهُ ذكرَ روايتَهُ في غيرِ مجلسِ الروايةِ التي جرتِ العادةُ بها من تحديثٍ أو قراءةٍ أو إجازةٍ، ونحوِ ذلك، ثم تبعَ الإقرارَ بعدَهُ أنَّه روايتهُ وما أثبتَ ذلك (¬6)، مما ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 286 - 287، وانظر: المحدّث الفاصل: 451 - 452، ونقله عنه الخطيب في "الكفاية" (498 - 499 ت، 348 هـ‍)، والقاضي عياض في "الإلماع": 110. (¬2) من قوله: ((انتهى ولا جامع فيها ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 454. (¬4) في " شرح التبصرة ": ((فيه)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 454. (¬6) عبارة: ((ثم تبع الإقرار بعده أنه روايته وما أثبت ذلك)) لم ترد في (ف).

يفهمُ أنَّ هذا معمولٌ به سائغٌ نقلُهُ كما في الشهادةِ عندَ الحاكمِ. وإنَّما ذلك (¬1) مجردُ إعلامٍ تختلفُ الأغراضُ به من غير سماعٍ للمروي (¬2)، هذا أنهى ما يقالُ، على أنَّ ما قالَ عياضٌ في هدمِهِ قويٌّ متينٌ، غير أنَّ الورعَ الكفُّ عنِ الإمعانِ في الانتشارِ في هذا المضمارِ، على أنَّ قولَهُ أيضاً منظورٌ فيه من جهة أنَّ السماعَ الذي لا يحتاج للإذنِ سماعُ الحديثِ نفسهِ لا سماعَ حكايةِ الشيخِ أنَّه يرويه عن فلان فقط (¬3)، والله الموفقُ. قولهُ: (كما جزمَ به ابنُ الصلاحِ) (¬4) عبارتُهُ: ((ثم إنَّه يجبُ عليهِ العَمَلُ بما ذَكَرَهُ له إذا صحَّ إسنادُهُ، وإن لم تَجُزْ له روايتُهُ عنه؛ لأنَّ ذلك يَكفي فيه صحتُهُ في نفسِهِ، والله أعلمُ)) (¬5). قولهُ في قولهِ: (السَّابِعُ: الوصيَّةُ) (¬6): (من راوٍ) (¬7) يتعلقُ بـ ((الموصَى))، أي: للذي أُوصِيَ له بجزءٍ من راوي وصية مُبتدئة من راوٍ ماتَ. قولهُ: (يَرْويهِ) (¬8) هو في موضعِ المفعولِ لـ ((أجاز))، أي: أجازَ له أنْ يَرويَهُ. قولهُ: (أو لِسَفَرٍ) (¬9) عطفٌ على مقَدَّرٍ تقديرهُ: أوصى لأجلِ موتِهِ، أو: لأجلِ سفرٍ أرادَهُ. ¬

_ (¬1) في (ب): ((ذكر)). (¬2) عبارة: ((من غير سماع للمروي)) لم ترد في (ب) و (ف). (¬3) من قوله: ((على أن قوله ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 455. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 287. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 455. (¬7) التبصرة والتذكرة (546). (¬8) التبصرة والتذكرة (547). (¬9) التبصرة والتذكرة (547).

قولهُ: (فروى الرامهُرمُزيُّ) (¬1) إلى آخره، الذي عندَ ابنِ الصلاحِ موضعُ هذا ما نصّهُ: ((فَرُويَ عن بعضِ السَّلفِ (¬2) أنّه جوَّزَ بذلك روايةَ المُوصى له لذلك عنِ الموصِي الراوي)) (¬3). وأمّا ما ذكرَهُ الشيخُ عنِ ابنِ سيرينَ منْ / 269 أ / عندِ الرامهرمزيِّ في كتابِهِ " المحدّثِ الفاصلِ " فَقد آلَ إلى التوقفِ، وأمّا ما ذكرَهُ عنْ أبي قِلابةَ فليسَ فيه أكثرُ منَ الوصيةِ، وأمّا الروايةُ فلا ذِكرَ لها بنفيٍ ولا بإثباتٍ (¬4)، ورأيتُ بخطِّ صاحبِنا العلامةِ شمسِ الدينِ بنِ حسَّان: أخرجَ ابنُ سعدٍ، قال: ((وقالَ إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ: حدَّثنا أيوبُ، قالَ: أوصى إليَّ أبو قِلابةَ بكُتُبِهِ فأتيتُ بها منَ الشامِ فأعطيتُ كراءها بضعةَ عشرَ درهماً (¬5)))، ثم رأيتُ ذلك في " المحدّثِ الفاصلِ " (¬6) منْ طريقِ ابنِ عُليةَ - وهو إسماعيلُ هذا -، عنْ أيوبَ، قال: أوصى إليَّ أبو قِلابةَ في كتبهِ فبعثتُ فجيء بها إليَّ، وأنفقتُ بضعةَ عشرَ درهماً. قولهُ: (وإلا فاحرقُوهَا) (¬7) مثلُ هذا ما قرأتُ في " الحليةِ " (¬8) للحافظِ أبي نُعيمٍ على شيخِنا حافِظِ عصرِهِ أبي الفَضْل أحمدَ بنِ عليِّ بنِ حجرٍ - رحمه الله - في ترجمةِ أحمدَ بنِ أبي الحواري: ((سمعتُ أبا بكرٍ محمدَ بنَ عبد الله بنِ عبدِ العزيزِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 455. (¬2) منهم: ابن سيرين وأبو قلابة. ينظر: المحدّث الفاصل: 459 - 460، والكفاية (503 - 504ت، 352 هـ‍)، والإلماع: 115 - 116، ونكت الزركشي 3/ 551. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 288. (¬4) في (ف): ((إثبات)). (¬5) طبقات ابن سعد 7/ 251. (¬6) المحدِّث الفاصل: 460. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 456. (¬8) حلية الأولياء 10/ 6.

الرازيَّ المُذكر، سمعتُ أبا عمرٍو البيكنديَّ يقولُ: لما (¬1) فرغَ أحمدُ بنُ أبي الحواريِّ منَ التَعَلُّمِ جلسَ للناسِ فخطرَ بقلبِهِ ذاتَ يومٍ خاطرٌ منْ قبلِ الحقِّ، فحملَ كُتُبَهُ إلى شطِّ الفراتِ فجلسَ يَبكي ساعةً طويلةً، ثم قال: نعْم الدليلُ كنتِ لي على ربي، ولكنْ لما ظفرتُ بالمدلولِ كان (¬2) الاشتغالُ بالدليلِ محالٌ فغسلَ كُتُبَهُ بالفراتِ)) فسألتُ شيخَنا عن فِعلِهِ وفعلِ غيرِهِ كداودٍ الطائيِّ من إعدامِ كتبِهم ما سببُهُ؟ وما الذي سَوَّغهُ؟ فقال: لم يكونوا / 269ب / يرونَ أنَّه يجوزُ لأحدٍ روايتُها لا بالإجازةِ ولا بالوجادةِ، بل يرونَ أنَّه إذا رواها أحدٌ بالوجادَةِ يضعَّفُ، فرأوا أنّ مَفسدةَ إتلافِها أخفُّ منْ مفسدةِ تضعيفِ أحدٍ بسببهم، والله أعلمُ بمرادِهم، ثم رأيتُ في ترجمةِ أحمدَ بنِ أبي الحواري من " طبقات الأولياء " (¬3) لابن الملقن ما نصه: ((وقد رُويَ نحو هذا عن سفيانَ الثوري الإمامِ: أنَّه أوصى بدفنِ كتبِهِ، وكانَ ندمَ على أشياءَ كتبها عنِ الضعفاءِ، وقالَ: حَملني عليها شهوةُ الحديثِ. فكأنَّه لما عَسُرَ عليه التمييزُ بينَ الصحيحِ وغيرِهِ أوصى أن (¬4) تُدفنَ كلَّها)). انتهى. ومن ذلك ما قال الحافظُ أبو القاسمِ بنُ عساكر في الكنى من " تاريخ دمشقَ " (¬5): ((أخبرتنا أمُّ البهاءِ بنتُ البغداديِّ، أخبرنا أبو بكرٍ الباطِرقاني، أخبرنا أبو عبد الله بنُ منده، أخبرنا عمرُ بنُ الحسنِ، حدَّثنا محمدُ بنُ القاسمِ، حدّثنا أبو عبيدةَ معمرُ بنُ المثنى، قال: كانَ أبو عمرو بنُ العلاءِ أعلم الناسِ بالقرآنِ والعربيةِ، والعربِ وأيامِها، والشعر وأيامِ الناسِ، وكانَ ينْزلُ خلفَ دارِ جعفر بنِ سُليمانَ الهاشميِّ، وكانت دفاترُهُ ملءَ بيتٍ إلى السقفِ، ثم تنسكَ، وأحرقها)). انتهى. ¬

_ (¬1) لم ترد في (ب). (¬2) زيادة من الحلية. (¬3) طبقات الأولياء: 32. (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) تاريخ دمشق 67/ 108.

وسيأتي في كتابةِ الحديثِ في المذهبِ الثالثِ ما ينفعُ هنا. قولهُ: (وعلَّلهُ) (¬1)، أي: جوازَ الروايةِ بالوصيةِ، وقد علمَ أنَّهُ لا دلالةَ عليهِ فيما مضى، ولكنْ علمَ منْ كلامِ القاضي أنَّ الضميرَ للجوازِ، والله أعلم. قولهُ: (وهذا بعيدٌ) (¬2)، أي: قولُ بعضِ السَّلفِ في تجويزِ الروايةِ بمجردِ الوصيةِ (¬3)، ثم قال: ((وقد احتجَّ بعضُهم لذلك فشبهه بقسم الإعلامِ، وقِسْمِ المناولَةِ، ولا يَصحُّ ذلك؛ فإنَّ لقولِ من جوَّزَ الروايةَ بمجرَّدِ الإعلامِ، والمناولةِ مُستنداً ذكرناهُ لا يتقررُ مثلُهُ، ولا قريبٌ منه هاهنا، والله أعلم)) (¬4). انتهى. والمستندُ الذي أشارَ إليهِ هو / 270أ / اعتبارُ الإعلامِ بالقراءةِ على الشيخِ مع إقرارهِ بأنَّ ذلك روايتُهُ. قولهُ في قوله: (الثامنُ: الوجادةُ) (¬5): (عُهد) (¬6) عطفٌ على ((عاصرتُ))، أي: بخطِّ منْ عاصرتُهُ، أو بخطِّ منْ عهدَ قبلُ، أي: قبلَ زمنٍ يُمكنُ فيه معاصرتُكَ له. قولهُ: (ما) (¬7) هو مفعولُ ((تجد)) (¬8). قولهُ: (مولداً) (¬9) عبارةُ ابنِ الصلاحِ بعدَهُ: ((غيرُ مسموعٍ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 456. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 456. (¬3) من قوله: ((وقد علم أنه لا دلالة ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 288. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 456. (¬6) التبصرة والتذكرة (549). (¬7) التبصرة والتذكرة (550). (¬8) عبارة: ((قوله: (ما) هو مفعول تجد)) لم ترد في (ف). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 456.

منَ العربِ (¬1). روِّينا عنِ المُعافى بنِ زَكريا النَّهروانيِّ (¬2) العلاَّمة في العلومِ)) (¬3). قولهُ: (منْ تفريقٍ) (¬4) متعلق ب ((فرَّعوا))، أي: فرَّعوا هذا المصدرَ منْ تفريق، أي: من نفسِ التفريقِ، بمعنى: أنَّهم لما فرَّقوا بينَ المصادرِ للتفرقةِ بين المعاني ذكروا مَصْدراً غير تلك المصادرِ لمعنىً خاصٍّ عندهم، أو يَكونُ المعنى منْ أجلِ تفريقِ العربِ. قولهُ: (وإجْدَان - بكسرِ الهمزةِ -) (¬5)، قال في " النكت ": ((في الضالةِ، وفي المطلوبِ أيضاً حكاها صاحبُ " المحكمِ " في الضالةِ فقط)) (¬6). قولهُ: (بمعنى حَزِنَ) (¬7) لكنَّ ماضيَّهُ بالكسرِ. قولهُ: (فلهُ مصدرانِ) (¬8) بل له ستةٌ، قال في " القاموسِ " (¬9): ((وجَدَ المطلوبَ كوَعَدَ، وورِمَ: يجِدهُ ويجُدهُ بضم الجيم ولا نظيرَ لها، وَجْداً وجِدةً ¬

_ (¬1) قال العلامة أحمد شاكر: ((وإنما ذكر العلماء الوجادة في هذا الباب إلحاقاً به لبيان حكمها وما يتخذه الناقل في سبيلها)) اختصار علوم الحديث: 128 وما بعدها، طبعة أحمد شاكر. (¬2) بفتح النون وسكون الهاء وفتح الراء المهملة والواو، وفي آخرها نون أخرى. الأنساب 5/ 446، وانظر: ترجمته في: تاريخ بغداد 13/ 230، ومعجم الأدباء 19/ 151، وسير أعلام النبلاء 16/ 544. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 288. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 457. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 457. (¬6) التقييد والإيضاح: 200. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 457. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 457. (¬9) القاموس المحيط مادة (وجد).

ووُجْدَاً ووجوداً ووجْداناً وإجداناً بكسرِهما: أدركهُ، والمال وغيره يجدُهُ وَجْداً مثلثةً وَجِدَةً: استغنى، وعليهِ يَجِدُ ويجُدُ وَجْداً وجِدَةً وموجِدَةً: غضبَ، وبه وَجْداً في الحبِّ فقط، وكذا في الحزنِ لكنْ يكسرُ ماضيهُ)) وقد عُلمَ بهذا ما تقدَّمَ، وعُلمَ أنَّ تخريجَ المصدرِ الذي ولَّدهُ المحدثونَ من الماضي المكسورِ العينِ على وزنِ وَرِمَ، فيكونُ كوَرِثَ وراثةً، وَوَليَ / 270 ب / ولايةً، أو منْ مَفتوحِها مثل: وَفَدَ وِفادَةً ووَلَدَ ولادةً، ونحوها. قولهُ: (وقُرئَ بالثلاثةِ) (¬1) لم أرَ فيها قراءةً بالفتحِ، وإنَّما قرأ روحٌ، عن يعقوبَ بالكسرِ، وقَرأ الباقونَ بالضمِّ (¬2). ثم وجدتُ الشمس الهرويَّ في كتابٍ له جَمعَهُ في القراءةِ الشاذةِ والمستعملةِ فهو بخطِّه نَقلَ الفتح عن ابنِ أبي عَبْلة وَالأعرجِ (¬3). قولهُ: (ونحو ذلك) (¬4) كما قالَ ابنُ الصلاحِ: ((قرأتُ بخطِّ فلانٍ أو في كتابِ فلانٍ بخطِّهِ)) (¬5). انتهى. رَوَى (¬6) الرامهرمزيُّ في " المحدثِ الفاصلِ " (¬7) بسنَدِهِ إلى محمدِ بنِ سعيدٍ، قال: ((لما ماتَ محمدُ بنُ مسلمةَ الأنصاريُّ - رضي الله عنه - وجَدْنا في ذؤابةِ سيفِهِ كتاباً: بسم الله الرحمنِ الرحيمِ، سمعتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((إنّ لِربكمْ في بقيةِ دهرِكم نفحاتٍ فتعرضوا لها، لعلَّ دعوةً أنْ توافقَ رحمةً يُسْعَدُ بها صاحبُها سعادةً ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 458. (¬2) معجم القراءات القرآنية 7/ 168. (¬3) من قوله: ((ثم وجدت ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 458. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 289. (¬6) في (ب): ((وروى)). (¬7) المحدّث الفاصل: 497.

لا يخسرُ بعدَها أبداً)))) (¬1). قولهُ: (ولذلك) (¬2) بلامِ الجرِّ، أي: لأجلِ استعمالِ غيرِ واحدٍ، ويؤيدُ ذلكَ قولُ الشيخِ في " النكتِ ": ((اشتراطُ المصنفِ في الوجادةِ أنْ يكونَ ذلكَ الشيخُ الذي وَجَدَ ذلك الموجودَ بخطِّهِ لا إجازةَ له منه ليس بجيدٍ، ولذلك لم يذكره القاضي عياضٌ (¬3) في حد الوجادةِ)) (¬4). قولهُ: (ونحو ذلك) (¬5) كما قالَ ابنُ الصلاحِ: ((قرأتُ بخطِّ فلانٍ أو في كتابِ فلانٍ بخطِّهِ)) (¬6) (¬7). قولهُ: (وكله منقطعٌ) (¬8) قال ابنُ كثيرٍ فيما نُقلَ عنهُ: ((الوجادةُ ليستْ من بابِ الروايةِ، وإنَّما هي حكايةٌ عما وجدَهُ في الكتابِ)) (¬9). قولهُ: (دُلْسَهْ) (¬10) قال في " القاموسِ " (¬11): ((الدَّلَسُ - بالتحريكِ -: الظلمةُ كالدُّلْسَةِ بالضمِّ، والتَّدْليسُ: كتمانُ عيبِ المُشْتَرَى (¬12) عنِ المشتري، ومنهُ التدليسُ ¬

_ (¬1) أخرجه: الطبراني في " الكبير " 19/ (519)، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 10/ 231: ((وفيه من لم أعرفهم، ومن عرفتهم وثقوا)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 458. (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) التقييد والإيضاح: 201، وانظر: الإلماع: 116 - 117. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 458. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 289. (¬7) من قوله: ((قوله: (ونحو ذلك))) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬8) التبصرة والتذكرة (552). (¬9) اختصار علوم الحديث 1/ 368 وبتحقيقي: 195. (¬10) التبصرة والتذكرة (553). (¬11) القاموس المحيط مادة (دلس). (¬12) في " القاموس المحيط ": ((السلعة)).

في الإسنادِ)). / 271أ / قولهُ: (إنْ أوهم) (¬1)، أي: بأنْ كانَ (¬2) معاصراً له، فإنَّ روايتَهُ على تلكَ الصورةِ توهمُ من اطّلعَ عليها أنَّه سمعَ ذلك منه أو أجازهُ به، بخلافِ ما إذا لم يكنْ معاصراً. قولهُ: (بلفظةِ عَنْ) (¬3)، أي: أو نحوها مثلُ: قالَ فلانٌ (¬4)، ونحوُ ذلك مما يوهمُ أخذهُ عنه إجازةً أو سماعاً. قولهُ: (جوازُ العملِ به) (¬5) كانَ شيخُنا يتوقفُ في كونِ الجوازِ هنا على بابهِ، وذلك هو الحقُّ إنْ شاءَ اللهُ تعالى، ويَشبَهُ أنْ يكونَ الشافعيُّ إنَّما عَبَّرَ بهذا؛ لأنَّ أدنى مراتب العملِ الإباحةُ، فكأنَّهُ قالَ إنَّهُ يعملُ بها، ثم ما اقتضاهُ الدليلُ من إباحةٍ أو نَدبٍ أو غيرِهما (¬6)، كانَ العملُ على حسبِهِ. وقدِ استدلَّ الحافظُ عمادُ الدينِ بنُ كثيرٍ (¬7) فيما نقلَ عنه للعملِ بها بحديثِ عمرو بنِ شعيبٍ، عنْ أبيهِ، عن جدِّهِ - رضي الله عنه -، قالَ: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أيُّ الخَلْقِ أعجبُ إليكمْ إيماناً؟ قالوا: الملائكةُ، قالَ: وكيفَ لا يُؤمنون وهم عندَ ربِّهم؟ وذكروا الأنبياءَ، قالَ: وكيفَ لا يُؤمنونَ والوحيُ يَنْزِلُ عليهم؟ قالوا: فنحنُ، قالَ: وكيفَ لا تُؤمنونَ وأنا بينَ أظهُرِكُمْ؟ قالوا: فَمَنْ يا رسول الله؟ قالَ: قومٌ يأتونَ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (553). (¬2) لم ترد في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 459. (¬4) جاء في حاشية (ب): ((أي: مكان وجدنا)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 459. (¬6) في (ب): ((غيرها)). (¬7) اختصار علوم الحديث 1/ 369 - 370 وبتحقيقي: 196.

من (¬1) بعدِكمْ يجدُونَ صُحُفاً فيها كتابٌ يُؤمنونَ بما فيها)). أخرجَهُ الحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ في كتابِ " شَرفِ أصحابِ الحديثِ " (¬2) بسندِه، وأخرجهُ أيضاً بسندِهِ (¬3) منْ طريقِ أبي يعلى أحمدَ بنِ عليٍّ الموصليِّ (¬4)، عن عمرَ بنِ الخطابِ - رضي الله عنه -، قالَ: سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((أنبئوني بأفضلِ أهلِ الإيمانِ إيماناً)) / 271ب / قلنا: يا رسولَ اللهِ، الملائكةُ، قالَ: ((هُم كذلك ويحقُّ لهم وما يَمنعُهم، وقد أنزلهم اللهُ المنْزلةَ التي أنزلَهم بها؟ بل غيرُهم))، قلنا: يا رسولَ الله، فالأنبياءُ الذين أكرمَهم اللهُ بالنبوةِ والرسالةِ، قالَ: ((هم كذلك، ويحقُّ لهم ذَلِكَ وما يمنعُهم، وقد أكرمهم اللهُ بالنبوةِ والرسالةِ؟ بل غيرُهم))، قلنا: يا رسول الله، الشهداءُ الذينَ أكرمهم الله تعالى بالشهادةِ مع الأنبياءِ؟ قال: ((هم كذلك ويحقُّ لهم وما يمنعهم، وقد أكرمهم اللهُ تعالى (¬5) بالشهادةِ، بل غيرُهم))، قلنا: يا رسول الله فمنْ؟ قال: ((أقوامٌ في أصلابِ الرجالِ يأتونَ من بعدي يؤمنونَ بي ولم يروني، ويصدقونَ بي ولم يروني، يرون الورقَ المعلقَ فيعملونَ بما فيه)). قولهُ: (لأبَوْهُ) (¬6) يعني: لما تقدمَ منْ أنَّ معظَمَهم لا يرون العملَ به، هذا على تقديرِ كونِهِ بالباءِ الموحدةِ، ويحتملُ أنْ تكونَ بالمثناةِ الفوقانيةِ من الإتيان، يعني: لعملوا بهِ؛ لوضوحِ دليلِهِ، وهو أنَّ مدارَ وجوبِ العملِ بالحديثِ الوثوقُ (¬7) ¬

_ (¬1) لم ترد في (أ) و (ف). (¬2) شرف أصحاب الحديث: 33 (61). (¬3) شرف أصحاب الحديث: 33 (62). (¬4) مسند أبي يعلى الموصلي (160). (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460. (¬7) في " توضيح الأفكار ": ((المسوق))، وهو خطأ.

بنسبتِهِ إلى الشارِعِ - صلى الله عليه وسلم - لا اتصالهُ بالروايةِ (¬1). قولهُ: (المتأخِّرةِ) (¬2) قال ابنُ الصلاحِ: ((فإنَّهُ لو توقفَ العملُ فيها على الروايةِ لانسدَّ بابُ العَمَلِ بالمنقُولِ؛ لتعذُّرِ شرطِ الروايةِ فيها على ما تقدَّمَ في النَّوعِ الأوَّلِ)) (¬3) انتهى. وأيضاً فربما انقطعتِ الروايةُ (¬4) ببعضِ الأجزاءِ لقلةِ الهِممِ في الأعصارِ المتأخرةِ، وربما كانَ فيه حديثٌ ليس في غيرِهِ مما يرويهِ فلولا هذا الطريقُ لضاعَ ما فيه منَ الحكمِ، وأمّا العصرُ القديمُ فكانتِ الأحاديثُ فيه محفوظةً في الصدورِ والطروس (¬5)، وشدة الرغبةِ في ذلك فوقَ الوصفِ، فمتى رأينا حديثاً لا يُعرفُ، وليسَ لأحدٍ به رواية غلبَ على الظن أنَّه مصنوعٌ، والله أعلم. قولهُ في قولهِ: (وإنْ يكنْ) (¬6): (على ما تقدَّمَ) (¬7)، أي: في نقلِ الحديثِ من الكتبِ المعتمدةِ. قولهُ: (مما لا يقتضي الجزم) (¬8) قال ابنُ الصلاحِ: ((وقد تسامحَ أكثرُ الناسِ (¬9) في هذه الأزمانِ بإطلاقِ اللفظِ الجازمِ في ذلك من غيرِ تحرٍّ وتثبيتٍ، فيطالعُ أحدُهم كتاباً منسوباً إلى مُصنِّفٍ مُعيَّنٍ، وينقلُ منه من غيرِ أنْ يثقَ بصحةِ النُّسْخةِ ¬

_ (¬1) انظر: توضيح الأفكار 2/ 348. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 291. (¬4) من قوله: ((فيها على ما تقدم ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬5) الطِّرْسُ: الصحيفة، ويُقال: هيَ التي مُحيت ثم كتبت. لسان العرب مادة (طرس). (¬6) التبصرة والتذكرة (557). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460 - 461. (¬9) تحرفت في (ف) إلى: ((الحديث)).

قائلاً: قال فلانٌ كذا وكذا، والصوابُ ما قدَّمناهُ)) (¬1). قولهُ: (ومواضعُ الإسقاطِ) (¬2) بالكسرِ، مصدر أسقطَ الشيءَ إذا ألقاهُ، فالمرادُ المواضعُ التي تركَ فيها كلامٌ اختلَّ به المعنى (¬3). والسَّقَطُ - مُحرّكاً - الرديءُ والخطأُ في الكلامِ والكتابِ والحسابِ (¬4). وقولهُ: (أوما (¬5) أُحِيلَ عنْ جهتِهِ) (¬6)، أي: بضربٍ منَ التأويلِ. وقولهُ: (من غيرِها) (¬7) الجارُّ فيه يتعلّقُ بـ ((يخفى)) في قوله: ((لا يخفى)) والضميرُ في ((غيرِها)) للمواضعِ. قولهُ في: (كتابةِ الحديثِ وضبطِهِ) (¬8): (الصِحاب) (¬9) بكسرِ الصادِ وتُفتحُ، ولو قال: الأصحاب لاتَّزَنَ، وكلاهُما جمعُ صاحبٍ، قال في "القاموسِ" (¬10): ((صَحِبَهُ كسَمِعَهُ صَحابةً ويُكسر، وصُحبةً: عاشره (¬11)، وهم أصحابٌ وأصاحيبُ وصُحبانٌ وصِحابٌ وصَحابةٌ، وصِحابةٌ (¬12)، وصَحْبٌ)). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 290. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460. (¬3) لم ترد في (ف). (¬4) انظر: القاموس المحيط مادة (سقط). (¬5) في (ف): ((وما)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 460 - 461. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 461. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 461. (¬9) التبصرة والتذكرة (559). (¬10) القاموس المحيط مادة (صحب). (¬11) من قوله: ((قلنا: يا رسول الله الملائكة)) إلى هنا لم يرد في (أ). (¬12) زيادة من " القاموس المحيط ".

وقال ابنُ مكتومٍ في " الجمع بينَ العُباب (¬1) والمحكم" (¬2): ((وأكثرُ الناسِ على الكسرِ دونَ الهاءِ وعلى الفتحِ معها. قال ابنُ سيده: ولا يمتنعُ أنْ تكونَ الهاءُ مع الكسر من جهةِ القياسِ على أنْ تزادَ لتأنيثِ الجمعِ، فأمّا الصُحبةُ والصَّحبُ فاسمانِ للجمعِ، وقال الأخفشُ: الصحبُ جمعٌ خلافُ قولِ سيبويه، وقالوا في النساءِ: هنَّ صواحبُ، وحكى الفارسيُّ: هُنَّ صواحباتٌ، جمعوا صواحبَ جمْعَ السلامةِ)) (¬3). قوله (كِتْبَةِ الحديثِ) (¬4) بكسر الكاف، أي: نسخ الحديث، قال في " الجمع بين العُباب والمحكم ": ((والكِتبة - أي: بالكسر - الحالة، والكِتبة: الاكتتاب في الفرض والرزق، والكِتبة: اكتتابك كتاباً تنسخه)) (¬5). قوله (بالجزمِ) (¬6) يتعلقُ بما تَعَلَّقَ به ((على))، وهو في موضع الحال، أي: الإجماعُ استقرَّ على الجواز مجزوماً به. قولهُ: (فكرهَهُ ابنُ عمرَ) (¬7) إنَّما في كتابِ ابنِ الصلاحِ (¬8) عُمر، ولم يذكر ابنه في شيءٍ منَ القسمينِ، ولا ذُكر عمر في المجيزينَ، فالله أعلمُ. ¬

_ (¬1) جاء في حاشية (أ): ((للصغاني)). (¬2) جاء في حاشية (أ): ((لابن سيده)). (¬3) انظر: المحكم مادة (صحب). (¬4) التبصرة والتذكرة (559). (¬5) انظر: المحكم مادة (كتب). (¬6) التبصرة والتذكرة (560). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 461، والرواية عن ابن عمر في "تقييد العلم" للخطيب: 44، و"جامع بيان العلم" لابن عبد البر 1/ 66. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 292. قال الزركشي في "نكته" 3/ 556: ((هكذا قال ابن شاهين في كتاب "الناسخ والمنسوخ": وقد جاء عن عمر الجواز)). وقال الحاكم في "المستدرك" 1/ 106: ((قد صحت الرواية عن عمر بن الخطاب أنه قال: قيدوا العلم بالكتابة)).

لعلَّ هؤلاءِ الذينَ كَرِهوهُ استندوا إلى النَّهيِ كحديثِ أبي سعيدٍ الذي ذكرَهُ، رواهُ مسلم في أواخرِ كتابِهِ قبلَ كتابِ التفسيرِ بقليلٍ (¬1)، ولم يبلغهُم خبرُ الإباحةِ. قولهُ: / 272أ / (وجَوَّزهُ أو (¬2) فَعلهُ) (¬3)، أي: وجَوَّزَهُ بالقولِ أو الفعلِ ((جماعةٌ))، أي: قالَ بعضُهم: إنَّه جائزٌ وفعلَهُ بعضُهم فعلمنا بفعلِهم له أنَّه عندَهم جائزٌ؛ لأنَّهم كانوا لا يُقدمونَ على غيرِ الجائزِ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وممنْ روِّينا عنه إباحةَ ذلكَ، أو فعلَهُ)) (¬4) إلى آخره. قولهُ: (لأبي شاهٍ) (¬5) رأيتُ على حاشيةِ كتابِ ابنِ الصلاحِ بخطٍّ لا أعرفهُ ما صورتُهُ: ((وقعَ في " المشارقِ " المقروءِ على الصغاني، والترمذيِّ المقروءِ على القاضي عياضٍ، وعليهما خطَّاهما بالتاءِ المثناةِ من فوق، والمحدثونَ من فضلاءِ مصرَ لا يروونَهُ إلا بالهاءِ، وكذا سمعَهُ الحافظُ زينُ الدينِ العراقيُّ)) (¬6). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 8/ 229 (3004) (72). وأخرجه أيضاً: أحمد 3/ 12 و21 و39 و46 و56، والدارمي (456)، والنسائي في الكبرى (8008)، وفي فضائل القرآن، له (33). (¬2) في (ب): ((إذ)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 462. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 292. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 463. (¬6) قال النووي في " شرح صحيح مسلم " 3/ 506: ((هو بهاء تكون هاء الوقف والدرج، ولا يقال بالتاء ... )). وقال الحافظ ابن حجر في الفتح 1/ 206: ((هو بهاء منونة))، وقال في مكان آخر 12/ 208: ((وحكى السلفي أن بعضهم نطق بها بتاء في آخره وغلّطه، وقال: هو فارسيٌّ من فرسان الفرس الذين بعثهم كسرى إلى اليمن)). وانظر: الإصابة 4/ 100.

قولهُ: (وزالَ ذلك الخلافُ) (¬1) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ولولا تَدوينُهُ في الكتبِ لدرسَ في الأعصرِ الآخرةِ)) (¬2). قولهُ: (فقالَ له: اكتبْ) (¬3) في بعضِ الرواياتِ بيانُ سببِ السؤالِ كما سيأتي قريباً، وأخرجَ ابنُ سعد (¬4) هذا الحديثَ وزادَ أنَّه كانَ يُسمي صحيفتَهُ تلكَ الصادقةَ، رأيتُهُ بخطِّ بعضِ أصحابنا، وقال البلقينيُّ في " محاسنِ الاصطلاحِ": ((أعلى من رُوي ذلك عنه من الصحابةِ: عمرُ بنُ الخطابِ، ثم عثمانُ بنُ عفان. أسند الرامهرمزيُّ في كتابِه " الفاصل " (¬5) بإسنادٍ ذكرَهُ عن عمرَ بن أبي سُفيانَ: أنَّه سمع عمرَ بنَ الخطابِ يقولُ: ((قيِّدوا العلمَ بالكتابِ))، وفي كتابِ المَرْزُبانيِّ من حديثِ عبدِ اللهِ بن راشدٍ، قال: قال / 272 ب / عثمانُ بنُ عفانَ - رضي الله عنه - (¬6): ((قيِّدوا العلمَ، قلنا: وما تقييدُهُ؟ قالَ: تعلَّموهُ وعلِّموهُ واستنسخوهُ))، وجاء عن طلحةَ بنِ عبيدِ اللهِ ما يقتضي جوازَ كتابةِ غيرِ القرآنِ، وأسندَ الرامهرمزيُّ عن عبدِ اللهِ بنِ محمدِ بنِ عقيلٍ، قالَ: ((كنتُ أذهبُ أنا وجعفرُ إلى جابرِ بنِ عبدِ اللهِ ومعنا ألواحٌ صغارٌ نكتبُ فيها الحديث)) (¬7)، وأسندَ المَرْزُبانيُّ بسندٍ - قيل: إنَّه جيدٌ - عن عبدِ اللهِ بنِ بريدةَ: ((أنَّ أناساً (¬8) من أهلِ الكوفةِ كانوا في سَفرٍ، ومعهم شَدَّادُ بنُ أوس، فقالَ رجلٌ: حَدِّثْنا ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 463. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 294. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 463. (¬4) الطبقات 2/ 373 و 4/ 262 و7/ 494. (¬5) المحدّث الفاصل: 377. (¬6) لم ترد في (ب). (¬7) المحدّث الفاصل: 370 - 371. (¬8) في (ف): ((ناساً)).

عن رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: ائتوني بصحيفةٍ ودواةٍ، فأتوه بِهما فقالَ: اكتبْ: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثاً))، وجاء نحوُ ذَلِكَ عنِ ابنِ عباسٍ، وأبي أمامةَ، وعتبانَ - رضي الله عنهم -، وقد سبقَ في الأصلِ ذكرُ أنسٍ، وعنهُ رواياتٌ، إحداها: أسندَها الرامهرمزيُّ (¬1) وغيرُهُ (¬2)، أنَّه كانَ يأمرُ بنيهِ أنْ يُقيِّدوا العلمَ بالكتابِ. وأخرى أسندَها الرامهرمزيُّ (¬3) وغيرُهُ (¬4)، عن هبيرةَ بنِ عبد الرحمانِ، وأسندها البغويُّ في " معجمه الكبير " عن يزيد الرقاشيِّ: ((كنا إذا أكثرنا على أنسِ بنِ مالكٍ ألقى إلينا مخلاةً)) (¬5)، وفي روايةِ الرّقاشيِّ: ((أتانا (¬6) بمخالٍ فألقاها إلينا، وقال: هذه أحاديثُ كتبتُها عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -))، وفي / 273 أ / روايةِ الرقاشيِّ: ((سمعتُها من رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وكتبتُها (¬7) وعرضتُها)). وعن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - نحو ذَلِكَ، وعن أنسٍ أيضاً: ((كَتْبُ العلمِ فريضةٌ)). وأمّا عبدُ اللهِ بنُ عمرو بنِ العاصِ فإنَّه إنَّما كتبَ بإذنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، جاءتْ عنه رواياتٌ مسندةٌ: منها من روايةِ عمرو بنِ شعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو: ((قلت: يا رسول اللهِ، أكتُبُ ما أسمعُهُ منك؟ قالَ: نعمْ، قلتُ: في الغَضَبِ والرضا؟ قال: نعم، فإني لا أقولُ إلا حقَّاً)). ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 368. (¬2) ابن سعد في " الطبقات " 7/ 22. (¬3) المحدّث الفاصل: 368. (¬4) بحشل في " تاريخ واسط ": 71. (¬5) هي ما يوضع فيه الحشيش والنبات إذا قُطع. لسان العرب مادة (خلا). (¬6) في جميع النسخ الخطية: ((ألقي إلينا)) ولعل الصواب ما أثبتنا، والله أعلم. (¬7) لم ترد في (ب).

وأسندَهُ الرامهرمزيُّ (¬1) بنحوِهِ، وفي بعضِ طرقِهِ: ((قالتْ لي قريشٌ: إنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يتكلمُ في الرِّضا والغَضبِ، فلا تكتُب، فسألتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: اكتُبْ فوالذي نفسي بيدِهِ ما يخرُجُ مني إلا حقٌّ))، وحديثُ عبدِ اللهِ بنِ عمرو صحيحٌ، ولذلكَ خَرَّجَهُ الحاكمُ في " مستدركِهِ " (¬2) وله شواهدُ. وقد جاءَ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرٍو - رضي الله عنه - (¬3) أنَّه قال: ((ما آسى (¬4) على شيءٍ إلاَّ على الصادقةِ، والصادقةُ صحيفةٌ استأذنتُ فيها النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - أنْ أكتبَ فيها ما أسمعُ منه فأَذِنَ لي)) رواهُ الرامهرمزيُّ (¬5) منْ طريقِ ليثِ بنِ أبي سُليمٍ، عن مجاهدٍ، وأسند عن مجاهد، قال: ((رأيتُ عندَ عبدِ اللهِ بنِ عمرو صحيفةً فذهبتُ أتناوَلُها، فقال: مَهْ يا غلامَ بَني مخزومٍ، قلتُ: ما كنتَ تَمنَعُني شيئاً، قالَ: هذه / 273ب / الصادقةُ فيها ما سمعتُهُ من رسول اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ليس بيني وبينَهُ فيها أحدٌ))، وكانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرو بسببِ الكتابةِ كثيرَ الحديثِ؛ ولذلك قالَ أبو هريرةَ: ((ما أحد ... )) الأثرَ (¬6)، وقال: ((كنتُ (¬7) أعي بِقلبي، وكانَ يَعي هوَ بقلبِهِ ويكتُبُ بيدِهِ)) (¬8)، ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 365. (¬2) المستدرك 1/ 105. (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) في " محاسن الاصطلاح ": ((أتينا))، وهو خطأ. (¬5) المحدّث الفاصل: 367. (¬6) أخرجه: البخاري 1/ 26 (113)، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 368. (¬7) في (ف): ((أنت)). (¬8) أخرجه: أحمد 2/ 403، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 369.

ومنها: عن عمرِو بنِ شُعيبٍ، عن أبيهِ، عن جدِّهِ، عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: (قيِّدوا العلمَ بالكتابِ)) (¬1). ومنها: ما رواهُ عبدُ اللهِ بنُ المؤملِ، عن ابنِ جُريجٍ، عن عطاءٍ، عن عبدِ اللهِ بن عمرو رضي الله عنهما: ((قلتُ: يا رسولَ اللهِ، أُقيِّدُ العلمَ؟ قالَ: نعمْ، قلتُ: وما تقييدُهُ؟ قال: الكتابُ)) (¬2)، ورواهُ ابنُ فارسٍ في كتابِ " مآخذ العلم "، ثم قالَ: ((لم يروِه عنِ ابنِ جريجٍ - يعني: عن عطاءٍ - إلا عبد اللهِ بن المؤمَّلِ))، وقد رُوي ذلك عن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال الرامهرمزيُّ في " الفاصل " (¬3): ((حدَّثنا محمدُ ابنُ بهرامٍ الأرجانيُّ، حدثنا لوين، حدثنا عبدُ الحميدِ بنُ سليمانَ، عن عبدِ اللهِ بنِ المثنى، عن عمِّهِ ثمامةَ، عن أنسٍ - رضي الله عنه -، قال: قالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((قيدوا العلم بالكتابِ)). قال لُوين: لم يروِهِ غيرُ هذا الشيخ)). وما جاءَ في السُّنةِ جاء في القرآنِ أيضاً، قالَ ابنُ فارسٍ: ((أعلى ما يحتجُّ به في ذلك قولهُ تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ} (¬4)، قال الحسنُ البَصريُّ: ن: الدواةُ، والقلمُ: القلمُ)) (¬5). وقد ندبَ اللهُ إلى الكتابةِ في قوله: {فَاكْتُبُوه} (¬6)، وفي ¬

_ (¬1) أخرجه: الرامهرمزي في "المحدّث الفاصل": 365، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" 1/ 78. (¬2) أخرجه: الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 364. (¬3) المحدّث الفاصل: 368. (¬4) القلم: 1. (¬5) هذا الأثر أسنده إلى الحسن البصري الطبري في " تفسيره " (2769) وكذا أسنده عن ابن عباس وقتادة (26768) و (26769). وأسنده عبد الرزاق في " تفسيره " (3272) إلى الحسن وقتادة أيضاً وكذا أسنده إلى ابن عباس (3273) مطولاً. (¬6) البقرة: 282.

قوله: {وَلا تَسْأَمُوا أَنْ/274أ / تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ} (¬1))). انتهى ذلك (¬2). قلتُ: وعنِ ابنِ سعدٍ في " الطبقات " (¬3): ((أخبرنا موسى بنُ إسماعيلَ، حدَّثنا أبو هلالٍ، قالَ: قيلَ لقتادَةَ: يا أبا الخطابِ أنكتبُ ما نسمعُ؟ قالَ: وما يمنعُكَ أنْ تكتبَ وقد أنبأكَ اللطيفُ الخبيرُ: أنَّه قد كتبَ، وقرأ {فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} (¬4))). وقد تقدّمَ في الوجادةِ حديثُ عمرَ، وعمرو بنِ شُعيب، عن أبيهِ، عن جَدِّهِ: ((أيُّ الخَلقِ أعجبُ إيماناً؟))، وفي آخرهِ: ((يجدونَ صحفاً فيها كتابٌ يؤمنونَ بما فيها)). انتهى. رجعَ إلى المحاسنِ: ((ومن صحيحِ حديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - في ذلك حديثُ: ((اكتُبوا لأبي شاهٍ)) في " الصحيحينِ " (¬5))). قلتُ: خَرَّجَهُ البخاريُّ في كتاب " العلم " (¬6) عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - بلفظِ: ((اكتبوا لأبي فلانٍ))، وفيه (¬7) من حديثِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما-، قال: لما اشتدَّ برسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وجعُهُ قال: ((ائتوني بكتابٍ اكتبْ لكمْ كتاباً لا تضلوا بعدَه ... )) الحديثَ. انتهى. ¬

_ (¬1) البقرة: 282. (¬2) أي: انتهى كلام البلقيني، وهو في محاسن الاصطلاح: 296 - 299. (¬3) طبقات ابن سعد 7/ 230. (¬4) طه: 52. (¬5) صحيح البخاري 1/ 38 - 39 (112)، وصحيح مسلم 4/ 110 - 111 (1355)، وتفصيل طرقه في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 463. (¬6) صحيح البخاري 1/ 38 - 39 (112). (¬7) أي: في كتاب العلم من صحيح البخاري، وهو فيه 1/ 39 (114).

رجعَ. لكنَّ الأحاديثَ السابقةَ أصرحُ من حديثِ أبي شاهٍ في تعميمِ الإذنِ لجوازِ (¬1) أنْ يُدَّعى فيهِ أنَّه واقعةُ عينٍ. وأسندَ الرامهرمزي (¬2) وغيرُهُ (¬3) عن عَبَّاية بنِ رفاعة (¬4)، عن (¬5) رافع بن خديج - رضي الله عنه -، قالَ: مرَّ علينا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يوماً ونحنُ نتحدثُ ... فذكرهُ إلى أنْ قالَ: قلتُ: يا رسولَ اللهِ، إنّا نسمعُ منكَ أشياءَ أفنكتبُها؟ قالَ: ((اكتبوا ذَلِكَ ولا حرجَ))، وعن عائشة رضي الله عنها، قالتْ: دعا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - علياً - رضي الله عنه - بأديمٍ ودواةٍ فأملى عليهِ وكتبَ حتَّى ملأَ الأديمَ / 274ب /، وعن عليٍّ - رضي الله عنه -: إذا كتبتُمُ الحديثَ فاكتبوهُ بسندِهِ (¬6)، وقال بعضُ مَنْ صنَّفَ منَ المتأخرينَ في اعتراضاتٍ على ابنِ الصلاحِ: ((وفي " أدبِ الدنيا والدين " (¬7) للماورديِّ: رُوِيَ أنَّ رجُلاً شكا إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - النِّسيانَ، فقالَ: ((استعملْ يدكَ)) أي: اكتبْ حتى ترجعَ إذا نسيتَ إلى ما كتبتَ))، والعجبُ من محدثٍ يتركُ نقلَ الحديثِ من كتبِهِ، ويعدلُ إلى غيرها، فالحديثُ أخرجَهُ الترمذيُّ (¬8) في باب (¬9) " الرخصة في كتابةِ العلمِ " ¬

_ (¬1) في (ب): ((بجواز)). (¬2) المحدّث الفاصل: 369. (¬3) الطبراني في " الكبير " (4410)، وقال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/ 151: ((وفيه أبو مدرك، روى عن رفاعة بن رافع، وعنه بقية، ولم أرَ من ذكره)). (¬4) في جميع النسخ الخطية و" المحدّث الفاصل ": ((رافع))، والصواب ما أثبته تبعاً لتهذيب الكمال 4/ 80 (3137). (¬5) في جميع النسخ الخطية زيادة: ((أبيه))، والصواب ما أثبته تبعاً لمعجم الطبراني. (¬6) أخرجه الذهبي في " ميزان الاعتدال " 4/ 98، وحكم عليه بالوضع. (¬7) أدب الدنيا والدين: 66. (¬8) الجامع الكبير (2666)، وأخرجه الخطيب في " تقييد العلم ": 66 و67. (¬9) في (أ) و (ب): ((كتاب))، والتصويب من (ف) و" جامع الترمذي ".

فقالَ: ((حدَّثنا قتيبةُ، حدَّثنا الليثُ، عنِ الخليلِ بنِ مرةَ، عن يحيى بنِ أبي صالحٍ، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، قالَ: كانَ رجلٌ من الأنصارِ يجلسُ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فيسمعُ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - الحديثَ فيعجبُهُ، ولا يحفظُهُ فشكا ذَلِكَ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ: يا رسولَ اللهِ، إني أسمعُ منك الحديثَ فيعجبني ولا أحفظُهُ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((استعنْ بيمينكَ وأومأ بيدِهِ إلى الخطِّ)). قالَ الترمذيُّ: وفي البابِ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرو، وهذا حديثٌ ليسَ إسنادُهُ بذلك (¬1) القائمِ، سمعتُ محمدَ بنَ إسماعيلَ يقولُ: الخليلُ بنُ مُرَّةَ منكرُ الحديثِ)). وفي المسألةِ مذهبٌ ثالثٌ: وهو أنْ يكتبَ، فإذا حفظَ محاهُ، رواهُ الرامهرمزيُّ (¬2) (¬3) عن عبدِ الرحمانِ بنِ سلمةَ الجُمحيِّ. ومحمد بن سيرينَ كان لا يرى بكتابةِ الحديثِ بأساً، فإذا حفظَهُ محاهُ (¬4). وعاصمُ بنُ ضمرةَ كانَ يسمعُ الحديثَ ويكتُبُه / 275 أ / (¬5) فإذا حفظَهُ دعا بمقراضٍ فقرضهُ (¬6). وهشامُ بنُ حسَّان اتفقَ له أنَّه لم يكتبْ إلا حديثاً واحداً ثم محاهُ (¬7)، وكذا جرى لخالدٍ الحذَّاءِ، وحماد بن سلمةَ (¬8)، وممنْ أباحَ ذلك مطلقاً أبو المَليحِ (¬9)، ومنْ مُلح ما قال: ¬

_ (¬1) في (ف): ((بذاك)). (¬2) من قوله: ((وفي المسألة مذهب ثالث ... )) إلى هنا تكرر في (ف). (¬3) المحدّث الفاصل: 382. (¬4) المحدّث الفاصل: 382. (¬5) من قوله: ((بأساً، فإذا حفظه ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬6) المحدّث الفاصل: 382. (¬7) المحدّث الفاصل: 383. (¬8) المحدّث الفاصل: 383. (¬9) أبو المَليح بن أسامة بن عمير، أو عامر بن عمير بن حنيف بن ناجيه الهذلي، اسمه عامر، وقيل: زيد، وقيل: زياد، ثقة، توفي سنة (98 هـ‍)، وقيل: (108 هـ‍). التقريب (8390).

يعيبونَ (¬1) علينا أن نكتبَ العلمَ وندوِّنَهُ، وقد قال الله - عز وجل -: {عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنْسَى} (¬2)، ورَوَى الرامهرمزيُّ (¬3) ذلك عن قتادةَ. وجاء عن معاويةَ بنِ قرةَ: ((مَن لم يكتبِ العلمَ لم يُعدَّ علمُهُ علماً)) (¬4)، وأسندَ الرامهرمزيُّ (¬5) إلى عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ قال: ((كتبَ عمرُ بنُ عبدِ العزيزِ إلى أهلِ المدينةِ: انظروا ما كانَ من حديثِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فاكتبوهُ فإني خفتُ دروسَ العلمِ وذهابَ العلماءِ))، وعن يزيدَ الرقاشيِّ: ((حججتُ مع عمرَ بنِ عبدِ العزيزِ فحدَّثتُهُ بأحاديثَ عن أنسِ بنِ مالكٍ فكتبها، وقال: ليس عندي مالٌ فأعطيكَ، ولكنْ أفرضُ لكَ في الديوانِ، ففرضَ له أربعَ مئةِ دِرهمٍ (¬6))). انتهى كلامُ البلقينيِّ (¬7) وتصرّفتُ في بعضِهِ. قولهُ: (وهذا الاستدلالُ) (¬8)، أي: ما يتعلقُ بالسَّهميِّ ((منَ الزوائدِ))، وأمّا حديث أبي شاهٍ ففي كتابِ ابنِ الصلاحِ (¬9). قولهُ: (أنَّ أبا هُريرةَ كانَ يكتُبُ) (¬10) يحتملُ أنْ تكونَ الكتابةُ على حقيقتِها، ¬

_ (¬1) في جميع النسخ الخطية: ((يعتبون))، والتصويب من مصادر التخريج. (¬2) طه: 52. وهذا الأثر أخرجه: الخطيب في " تقييد العلم ": 110، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 73. (¬3) المحدّث الفاصل: 372. (¬4) تقييد العلم: 109. (¬5) المحدّث الفاصل: 373 - 374. (¬6) المحدّث الفاصل: 372. (¬7) محاسن الاصطلاح: 300 - 302. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 464. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 293. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 464.

وأنَّه كتبَ بعد موتِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويحتملُ أنْ تكون مجازاً بأنَّه أمر من يكتب (¬1)، ويحتملُ أنْ يكونَ من نقلَ عنهُ أنَّه كتبَ استند إلى / 275ب / قولهِ: ((حفظتُ عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - جِرابينِ ... )) (¬2) الأثرَ، وهذا لا يدلُّ على كتابتِهِ حقيقةً، فإنَّه محمولٌ على أنَّ علمهُ نوعانِ: منه ما يُبلِّغهُ، ومنه ما يخشى الفتنةَ من تبليغِهِ، ويحتملُ أنَّه يريدُ أنّ كل نوعٍ منهما لو كُتبَ لكانَ ملءَ (¬3) جرابٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ مكتوباً مَحشوَّاً في جرابٍ حقيقةً، ولكنْ بخطِّ غيرِهِ، والله أعلم. قولهُ: (لخوفِ اختلاطِهِ بالقرآنِ) (¬4)، أي: بسبب أنَّه لم يكن اشتدَّ إلفُ الناسِ له، وكثرَ حُفَّاظُهُ والمعتنونَ به، فلما ألفَهُ الناسُ وعرفوا أساليبَهُ وكمالَ بلاغاتِهِ، وحسنَ تناسُبِ فواصلِهِ وغاياتِهِ، صارتْ لهم ملكةٌ يميزونَهُ بها عن غيرِهِ، فلم يُخشَ اختلاطُهُ بعدَ ذلك (¬5). قولهُ (¬6): (وخيفَ اتكالُهُ) (¬7) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وأخبرنا أبو الفتحِ بنُ عبدِ المُنْعمِ الفُرَاوِيُّ (¬8) قراءةً عليهِ بنيسابورَ - جَبَرها الله -، قال: أخبرنا أبو المعالي الفارسيُّ، أخبرنا الحافظُ أبو بكرٍ البَيْهَقيُّ، أخبرنا أبو الحسينِ بنُ بِشْرانَ، أخبرنا أبو عمرو ¬

_ (¬1) من قوله: ((ويحتمل أن تكون مجازاً بأنه أمر من يكتب)) لم ترد في (ف). (¬2) أخرجه: البخاري 1/ 41 (120)، والحديث هو: ((حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعاءين فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم)). (¬3) في (أ): ((ملء الأرض)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 464. (¬5) توضيح الأفكار 2/ 365 - 366. (¬6) لم ترد في (ب). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 464. (¬8) هذه النسبة إلى فراوة، وهي بليدة مما يلي خوارزم، وضبطها بعضهم: بضم الفاء، وبعضهم ... بفتحها. انظر: الأنساب 4/ 615، ووفيات الأعيان 4/ 291، وتبصير المنتبه 3/ 1100، ومعجم البلدان 4/ 245.

بن السَّماك، حدَّثنا حَنبلُ بنُ إسحاقَ، حدَّثنا سليمانُ بنُ أحمدَ، حدَّثنا الوليدُ هو ابنُ مسلمٍ، قال: كان الأوزاعيُّ يقولُ: كانَ هذا العلمُ كريماً يَتَلاقاهُ الرجالُ بينَهم فلما دَخَل في الكُتُبِ دَخَل فيه غيرُ أهلِهِ)) (¬1). قولهُ: (فربَّما كتبوهُ معهُ) (¬2) قال شيخُنا: ((الذي يظهرُ لي أنَّ من ذلك قراءةَ بعضِ الشواذِّ: ((فلما خرَّ تبينتِ الجنُّ (¬3) أنْ (¬4) لو / 276أ / كانُوا يعلمونَ الغيبَ ما لبثوا حولاً في العذابِ المهينِ))، والله أعلم)) (¬5). قولهُ: (ما يُستعجَمُ) (¬6)، أي: يوجدُ مُشكلاً شديداً على الفَهْمِ غيرَ (¬7) منقادٍ له، كما يشتدُ العجمُ - أي: النَّوى - على المضغ، فيكونُ بذلك كأنّه طالبٌ لإعجامِ نفسِهِ بأن لا يفهمَ. قولهُ: (لا ما يفهم) (¬8)، أي: مِنْ غيرِ إشكالٍ (¬9). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 294. والأثر أخرجه من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي: الخطيب في " تقييد العلم ": 64، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 68، وأخرجه: الدارمي (473) من طريق ابن المبارك، عن الأوزاعي. وانظر: محاسن الاصطلاح: 302. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 464. (¬3) في (ب) و (ف): ((تبينت الإنس أنَّ الجنَّ .. )). (¬4) لم ترد في (ب). (¬5) الآية من سورة سبأ: 17، وانظر: معجم القراءات القرآنية 5/ 150. (¬6) التبصرة والتذكرة (561). (¬7) لم ترد في (ب). (¬8) التبصرة والتذكرة (561). (¬9) عبارة: ((قوله: (لا ما يفهم)، أي: من غير إشكال)) لم ترد في (ف).

قولهُ: (وَليكُ) (¬1)، أي: وليكنْ ضبطُ المشكلِ في الأصلِ، وفي الهامشِ بأنْ تُعادَ كتابتُهُ في الهامشِ (¬2) مع تقطيعِ حروفِهِ، فضبطُهُ فيه مُصاحباً لتقطيعِ الحروفِ أنفعُ منْ ضَبْطِهِ فيه مجتمعَ الحروفِ. قلتُ: والمتبادرُ إلى الذِّهنِ أنَّ الشيخَ زادَ تقطيعَ الحروفِ، وأسقطَ قولَ ابنِ الصلاحِ أنَّ الكلمةَ تكتبُ في الهامشِ مفردةً - أي: غيرَ (¬3) مقطّعةِ الحروفِ - (¬4) لكنْ يمكنُ تحميلُ كلامِهِ ذلكَ بتأويلٍ دلّنا عليه قولهُ: ((فهو أنفع))، أي: وليكنِ الضبطُ للمشكلِ في الأصلِ، وفي الهامشِ، وبعدَ (¬5) كتابتِهِ فيه مجتمعَ الحروفِ. قلتُ: يكتُبُه في الهامشِ مع تقطيعِهِ لحروفِهِ؛ فإنَّ تقطيعَهُ لها أنفعُ من كتابتِهِ إياها مجتمعةً كما قال ابنُ الصلاحِ (¬6)، ولو قال: وفي الهامشِ بل يقطّعُ الحروفَ فهو أكملُ كانَ أحسنَ، أي: وليكنْ ضبطُهُ في الأصلِ وفي الهامشِ مجتمعاً، كما قالَ ابنُ الصلاحِ، ولا يقتصرُ على ذلك بل إذا أرادَ المبالغةَ في البيانِ فإنَّه يقطعُ الحروفَ، فتقطيعُها أكملُ بياناً من كتابتِها مجموعةً. قولهُ: (يَنبغي لطالبِ العلم) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ثم إنَّ على كَتَبَةِ الحديثِ وَطَلَبتِهِ / 276ب / صَرْفَ الهِمَّةِ إلى ضَبْطِ ما يكتبونَهُ، أو يُحصِّلونَهُ بخطِّ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (563). (¬2) في (ب) و (ف) بعد كلمة الهامش: ((مضبوطاً كائناً ضبطه في الهامش)). (¬3) لم ترد في (ب). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬5) في (ب) و (ف): ((بعد)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465.

الغَيرِ (¬1) من مرويَّاتِهم على الوجْهِ الذي رووهُ شَكلاً ونَقْطاً يُؤمَنُ معها (¬2) الالتباسُ، - قال: - وإعْجامُ المكتوبِ يَمنعُ من استِعجامِهِ، وشَكْلُهُ يَمْنعُ من إشْكالِهِ)) (¬3). انتهى. والإعجامُ: إزالةُ العجمةِ، وهي الاستغلاقُ، والاستغلاقُ (¬4): إيجادُها أو طلبُهُ. قولهُ: (والصوابُ الإعجامُ) (¬5) ليسَ كلامُ الأوزاعيِّ خطأ ففي " الصحاحِ" (¬6): ((العَجْمُ النَقْطُ بالسوادِ مثل التاءِ عليه نقطتانِ، يقال: أعجمتُ الكتاب)) (¬7)، وقال صاحبُ " القاموسِ " (¬8): ((وأعجمَ فلانٌ الكلام (¬9) ذهبَ به إلى العُجْمةِ، والكتابَ نَقَطَهُ كعَجَمه وعَجَّمه، وقولُ الجوهريِّ: لا تَقُلْ (¬10): عجمتُ، وهمٌ)). انتهى. فأعجمهُ للإزالةِ، وعَجَمهُ جعلَ له عَجْماً، أي: نَقْطاً، فمرادُ الأوزاعيِّ أنَّ ¬

_ (¬1) قال الزركشي في " نكته " 3/ 568: ((قد استنكر بعض أهلِ اللغة إدخال الألف واللام على غير ... )). أقول: انظر بيان ذلك في " تهذيب الأسماء واللغات " 3/ 65. (¬2) في (ف): ((معهما)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 294. (¬4) في (ف): ((الاستعجام)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465. (¬6) الصحاح مادة (عجم). (¬7) في " الصحاح ": ((الحرف)). (¬8) القاموس المحيط مادة (عجم). (¬9) زيادة من " القاموس المحيط ". (¬10) في جميع النسخ الخطية: ((لا يقال))، والمثبت من " القاموس المحيط ".

النَّقْطَ نفسُهُ نورٌ، لا المصدر الذي هو الإعجامُ، قال شيخُنا: ((ولا يمنعُ (¬1) إطلاقُ العَجْمِ على الإعجامِ، غايتُهُ: أنْ يكونَ مصدراً جارياً على غيرِ فعلِهِ كالنباتِ مع الإنباتِ في قوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتاً} (¬2) ونحو ذلك)). قولهُ: (أي: يُبيِّنُ) (¬3) بدلٌ منَ النَّقْطِ. قولهُ: (والشَّكْلُ) (¬4) يقال: شَكَلَ الكتابَ: أعْجَمَهُ وقَيَّدَهُ بالإعرابِ كأشكَلَه، كأنَّهُ أزالَ عنه الإشكالَ، هكذا في " القاموسِ " (¬5) و" الصحاح " (¬6)، وفي " المُجمل " (¬7): ((شَكلتُ الكتابَ أشْكلُهُ شَكْلاً، إذا قيدتُهُ بعلاماتِ الإعرابِ))، وقالَ أبو عبدِ اللهِ القزازُ: ((وشكلتُ الدابةَ أشكلُهُ شكلاً: شددْتُ / 277أ / قوائمَهُ بالشكالِ، ومنْ هذا أخذ شكل الحروفِ؛ لأنَّه ضبطُها وتقييدُها فلا يلتبسُ إعرابُها، وأشكلتُ الشيءَ إذا أزلتُ إشكالَهُ)). قولهُ: (لا تُضْبَطُ) (¬8) إلى آخره. هذا الحصرُ ليسَ على بابِهِ، بل مثلُ ((الحجُّ عرفة)) (¬9)، فإنَّ نَفْعَ النَّقطِ أعظمُ وأعمُّ من نفعِ الشكلِ. ¬

_ (¬1) في (ف): ((يمتنع)). (¬2) نوح: 17. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465. (¬5) القاموس المحيط مادة (شكل). (¬6) الصحاح مادة (شكل). (¬7) مجمل اللغة مادة (شكل). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465. (¬9) أخرجه: الطيالسي (1309) و (1310)، والحميدي (899)، وأحمد 4/ 309 و310 و335، وأبو داود (1949)، والترمذي (889) و (890)، وابن ماجه (3015)، والنسائي 5/ 264 من حديث عبد الرحمان بن يعمر.

قولهُ: (إنما يُشْكَلُ ما يُشْكِلُ) (¬1) حسَّنَهُ ابنُ الصلاحِ وأتبعَهُ بقوله: ((وقرأتُ بخَطِّ صاحبِ كتابِ " سماتِ الخطِّ ورُقُومِهِ ")) (¬2) فذكرهُ دليلاً عليه، فإنَّ قولهُ: ((أهلُ العلمِ)) (¬3) يقربُ منَ الإجماعِ. قولهُ: (يُشكلُ الجميعُ) (¬4) وجدتُ بخطِّ العلامةِ شمسِ الدينِ بنِ حَسَّانَ - رحمه الله -: ((وجدتُ الحافظينِ شيخَ الإسلامِ السِّلفيَّ والمزِّيَّ يضبطانِ الأمورَ الواضحةَ، حتى أنَّ السِّلفيَّ تكررَ له ضبطُ الخاءِ من ((أخبرنا))، والمزيُّ قد يسكِّنُ النُّونَ منْ ((عن))))، وقد يُقالُ: إنَّ مثلَ ذلك يكونُ عن غَيرِ قَصدٍ، بل تسبقُ إليه اليدُ، لكنَّ مُراعاةَ ضبطِ غيرِ ذلكَ مع الكثرةِ والوضوحِ مما يُقوي الاعتناءَ بهِ. قولهُ: (وربَّما ظُنَّ أنَّ الشيءَ غيرُ مُشْكِلٍ) (¬5) قال ابنُ الصلاحِ: ((وكثيراً ما يَتهاونُ بذلك الواثِقُ بذهنِهِ وتيقُّظِهِ، وذلك وخيمُ العاقبةِ؛ فإنَّ الإنسانَ مُعرَّضٌ للنِّسْيانِ، وأولُ ناسٍ أولُ الناسِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465، وانظر: المحدّث الفاصل: 608، والإلماع: 15، ونكت الزركشي 3/ 569. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 465. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 466. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 294. وآخر قول ابن الصلاح إشارة إلى عجز بيت لأبي الفتح البستي، أوله: نسيتُ وعدكَ، والنسيان مُغتفر ... فاغفر فأول ناسٍ أول الناس انظر: الغيث المنسجم في شرح لامية العجم للصفدي 2/ 208، ونكت الزركشي 3/ 565، وفتح المغيث 2/ 148.

قولهُ: (الجَنين) (¬1) رأيتُ عن " تهذيبِ الأسماءِ واللغاتِ " لشيخِ الإسلامِ النوويِّ ما نصُّهُ: ((الروايةُ / 277ب / المشهورةُ برفعِ ((ذكاة))، وبعضُ الناسِ ينصبُها، ويجعلُهُا بالنصبِ دليلاً لأصحابِ أبي حَنيفةَ في أنَّه لا يحلُّ، ويقولون (¬2) تقديرُهُ كذكاةِ أمهِ، حذفت الكافُ فانتصبَ، وهذا ليسَ بشيءٍ؛ لأنَّ الروايةَ المعروفةَ بالرفعِ، وكذا نقلهُ الخطابيُّ وغيرُهُ، وتقديرُهُ على الرفعِ يحتملُ أوجهاً، أحسنُها: أنّ ((ذكاة الجنينِ)) خبرٌ مقدمٌ، و ((ذكاة أمِّهِ)) مبتدأٌ، والتقديرُ: ذكاةُ أمِّ الجنينِ ذكاةٌ لهُ، ثمَّ ذكر شاهداً، ثمَّ قال: وذلك لأنَّ الخبر ما حصلتْ به الفائدةُ، ولا تحصلُ إلا بما ذكرناهُ، وأما روايةُ النصبِ على تقديرِ صحتِها، فتقديرُها: ذكاةُ الجنينِ حاصلةٌ وقتَ ذكاةِ أمه، وأما قولهُم: تقديرُهُ: كذكاةِ أمِّهِ، فلا يصحُّ عندَ النحويينَ، بل هو لحنٌ، وإنمَّا جاءَ النصبُ بإسقاطِ الخافضِ في مواضعَ معروفةٍ عندَ الكوفيينَ بشرطٍ ليسَ موجوداً هاهنا، والله أعلم)) (¬3). قولهُ: (ولا قبلَهُ ولا بَعْدَهُ) (¬4) إلى آخرِهِ. إنْ قيلَ: الراوي والشيخُ مما يدلُّ على الشخصِ، قيل: ذلكَ نادرٌ، والكلامُ في عمومِ الناسِ. قولهُ: (بضبط) (¬5) متعلقٌ بـ ((الالتباسِ))، أي: لأنَّهُ إذا ضبطَهُ في أثناءِ الأسطرِ ربما داخَلَهُ نقطُ غيرِهِ وشكلُهُ مما فوقَهُ وتحتَهُ، لاسيما عندَ دقةِ الخطِّ وضيقِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 466. (¬2) في جميع النسخ الخطية: ((ويقول))، والمثبت من " تهذيب الأسماء واللغات ". (¬3) تهذيب الأسماء 3/ 111 - 112، وانظر في المسألة: الإلماع: 150، والنهاية في غريب الحديث 2/ 164، وفيض القدير 3/ 563، وعون المعبود 3/ 23، وبذل المجهود 13/ 68 - 69، وسبل السلام 4/ 1855 - 1856، ونيل الأوطار 8/ 145 - 146. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 466. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 467.

الأسطرِ، فيصيرُ بسببِ ذلك مشكلاً. قولهُ: (ولم يَتَعَرضا لتقطيعِ حروفِ الكلمةِ) (¬1) رُبَّما يشاحَحُ في هذا بأنَّ القاضي قال (¬2): ((في الحروفِ / 278أ / المشكلة)) (¬3)، فقد صرَّحَ بالحروفِ بدليلِ عطفِ الكلماتِ عليها، أي: إذا كانَ في الكلمة حرفٌ مشكلٌ أو حرفان كُتِبَ ذلك الحرفُ على الهامشِ، مثل: عبس، تكتبُ الباء في الهامشِ مفردةً لئلا يظنَّ أنَّها نونٌ، وكذا إذا كانت حروفُ الكلمةِ كلُّها مشتبهةٌ فإنَّهُ يرسمُ ذلك الحرفَ المشتبَهَ مفرداً، وكلُّ حَرفٍ فَرضناهُ منها وجدناهُ مشكلاً فيلزمُ أنْ نكتبَ جميعَ حروفِها مقطعةً، وإنمَّا قال: ((أنْ يرسمَ ذلك الحرفَ)) فوحد ليشملَ الواحدَ، ويفهمَ منهُ ما فوقَهُ؛ لأنَّه لا يخرجُ عن كونِهِ حرفاً بانضمام غيرِه إليه. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((يُستحبُّ في الألفاظِ المشكلةِ أنْ يُكرَّرَ (¬4) ضَبْطُها، بأن يَضبطَها (¬5) في مَتْنِ الكتابِ ثم يكتُبُها قُبالةَ ذلك في الحاشيةِ مفردةً مضبوطةً، فإنَّ ذلك أبلغُ في إبانتِها وأبعدُ من التِباسِها)) (¬6). فقولهُ (¬7): ((مفردةً)) يمكن حملُهُ (¬8) على إفرادِ الكلمةِ نفسِها، ولو كانتْ مجتمعةَ الحروفِ، وعلى إفرادها مفردةَ الحروفِ، والله أعلم. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 467. (¬2) لم ترد في (أ). (¬3) الإلماع: 156 - 157. (¬4) في (ف): ((يكون)). (¬5) انظر: الاقتراح: 386، ونكت الزركشي 3/ 572. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 295. (¬7) من قوله: ((مفردة مضبوطة ... )) إلى هنا لم يرد في (ف). (¬8) في (ف): ((حملها)).

قولهُ: 564 - وَيُكْرَهُ الْخَطُّ الرَّقِيْقُ إِلاَّ ... لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلا 565 - وَشَرُّهُ التَّعْلِيْقُ وَالْمَشْقُ، كَمَا ... شَرُّ الْقِرَاءةِ إذا مَا هَذْرَمَا المراد بالكراهةِ كراهةُ التنْزيهِ، ويستدلُّ لها بقولِ عمرَ - رضي الله عنه - في المشقِ، قياساً على المشق؛ لأنَّه لم يكره إلا لما يؤدي إليه منَ الإلباسِ باختلاطِ الحروفِ فلا يقرؤهُ إلا الفطنُ كما أنَّه لا يقرأ الدقيقَ إلا قويُّ البصرِ. قولهُ: (أو لرحالٍ / 278ب / فلا) (¬1) كانَ يجبُ عليهِ إسقاطُ الفاءِ من ((فلا)) ليوافقَ الضرب العروضَ في القطعِ؛ فإنَّ العروض في الرجزِ إذا كانتْ مقطوعةً لزمَ أنْ يكونَ الضربُ مثلَها، إنْ كان الشطرانِ بيتاً واحداً، وإنْ كانا بيتينِ فلتوافقِ القافية، فإنَّ قافيةَ الأولِ متواترٌ، والثاني على ما استعملَهُ متراكبٌ، اللهمَّ إلا أنْ يدّعى مع ذلك أنَّ كلَّ بيتٍ بمنْزلةِ القصيدةِ الكاملةِ حتى لا تعتبرَ موافقتُهُ لما قبلَهُ ولا لما بعدَهُ. قولهُ: (التعليقُ) (¬2) الذي يظهرُ في تفسيرِهِ أنَّهُ خلطُ الحروفِ التي ينبغي تفرقتُها، وذهابُ (¬3) أسنانِ ما ينبغي إقامةُ أسنانِهِ، وطمسُ ما ينبغي إظهارُ بياضِهِ، ونحو ذلكَ، وكأنَّ المَشْقَ إنما كُرِهَ؛ لأنَّهُ يجرُّ غالباً إلى التعليقِ، وكأنَّ الهذرمةَ كُرهتْ خوفاً مما تؤدي إليه غالباً من خَفاءِ بعضِ الحروفِ. قولهُ: (لابنِ أخيهِ حنبل) (¬4) ليسَ هو ابنُ أخيهِ، وإنَّما هو ابنُ عمهِ، فإنَّهُ حَنبلُ بنُ إسحاقَ بنِ حَنْبلٍ، وأحمدُ بنُ محمدِ بنِ حَنْبلٍ، فإسحاقُ ومحمد - والدُ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (565). (¬2) التبصرة والتذكرة (565). (¬3) في (ف): ((وإذهاب)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 469.

أحمدَ - أخوانِ (¬1)، وقد ذكرَ الشيخُ هذا على الصوابِ في " تاريخِ الوفياتِ ". قال شيخُنا: ((قال بعضُهم ما معناهُ: إنَّ الذي يكتبُ الخطَّ الدقيقَ يكونُ قصيرَ الأملِ، أي: لا يأملُ أنْ يعيشَ طويلاً؛ لأنَّه لو أمَّلَ ذلك خافَ ضعفَ البصرِ)). قولهُ: (يَخُونُكَ) (¬2) قال ابنُ الصلاحِ عقَبهُ: ((وبَلَغَنا عن بعضِ المشايخِ أنَّهُ كانَ إذا رأى خطَّاً دقيقاً / 279أ / قال: هذا خطُّ مَنْ لا يُوقِنُ بالخَلَفِ (¬3) من الله تعالى (¬4))) (¬5). قولهُ: (الوَرَق أو الرِّق) (¬6) لم يذكرِ ابنُ الصلاحِ إلا الورَقَ، وهو في كلامِهِ بفتحِ الراءِ مراداً بهِ القرطاسُ، وأما في كلامِ الشيخِ فالظاهرُ أنَّه أرادَ بالوَرقِ الدراهمَ فيكونُ مكسور الراءِ، والرقُّ القرطاسُ، وقد لا يلزمُ من ضيقِ أحدهما ضيق الآخرِ. قولهُ: (تحقيقُ الخَطِّ) (¬7) يعني: يكتبُ كلَّ حرفٍ على ما يحقُّ له منَ التجويدِ. ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 51. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 468. (¬3) قال الزركشي في " نكته " 3/ 572: ((بفتحتين - أي: الخلف - ما يخلف من بعد، يشير إلى أن داعيته الرص على ما عنده من الكاغد، إذ لو كان يعلم أنه مستخلف لوسع)). وانظر عن معنى الخلف: لسان العرب مادة (خلف)، وتاج العروس مادة (خلف). (¬4) لم ترد في (ف). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 295 - 296. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 468. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 468.

قولهُ في قولهِ: (ويُنْقَطُ المُهْمَلُ) (¬1): (أسفلا) (¬2) هو ظَرفٌ حُذفَ ما يُضافُ إليه، ولم يُنوَ لفظُهُ ولا معناهُ، فهو نكرةٌ منونٌ لذلك، كما قرئ {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلٍ وَمِنْ بَعْدٍ} (¬3) بالجرِّ والتنوينِ، وهو في هذه الحالةِ مسلوخٌ منَ الظرفيةِ، قال سيبويه بعد النصفِ من كتابِهِ في بابِ الظروفِ المتمكنةِ: ((أجروا هذا (¬4) - يعني: حالَ التنوينِ مجرى الأسماءِ المتمكنة - لأنَّها تضافُ، وتستعملُ غيرَ ظرفٍ)) (¬5). انتهى. ويجوزُ أنْ يكونَ نَوَى لفظَ المضافِ إليهِ فيكون منصوباً، كما لو كانَ المضافُ إليهِ منطوقاً فهو غيرُ مُنوَّنٍ كما قرئ {لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلِ وَمِنْ بَعْدِ} (¬6) مكسوراً بغيرِ تنوينٍ، فيكون التقديرُ هنا أسفله، ويجوزُ أنْ يكونَ تَركَ تنوينَهُ في الوجهِ الأولِ؛ لأنَّه غيرُ منصرفٍ للوصفِ ووزنِ الفعلِ، فتكون الألفُ للإطلاقِ، ويجوزُ أنْ يكونَ منوَّناً؛ لأنَّ الشعرَ يصرفُ فيه الممنوعُ وتكون الألفُ بدلَ التنوينِ، وهو في هاتينِ الحالتينِ معربٌ، كما أنَّه معربٌ إذا لفظَ بالمضافِ إليه لبقائه في هذه الحالاتِ الثلاثِ على الأصلِ؛ لأنَّهُ لم يكملْ فيها شبههُ بالحرفِ، ولو نُوي المعنى دونَ اللفظِ بُنيَ على الضمِّ. قال المراديُّ: ((للشبهِ بحرفِ الجوابِ / 279ب / في الاستغناءِ به عما بعدَهُ مع ما فيهِ منْ شبهِ الحرفِ بالجمودِ، والافتقار)). انتهى. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (566). (¬2) التبصرة والتذكرة (566). (¬3) الروم: 4. (¬4) في (أ) و (ب): ((هذه)). (¬5) الكتاب 3/ 289. (¬6) الروم: 4.

واختير الضمُّ للبناءِ؛ لأنَّها حركةٌ لا تكونُ له في حالةِ إعرابِهِ فلا تلبسُ. قولهُ: (صَفّاً) (¬1) هو منصوبٌ على الحالِ منْ ضميرِ خبر المبتدأ، أي: والبعضُ قالوا: نقطُ السينِ تحتها ((صفاً))، أو يكونُ مصدراً دالاً على خبر العاملِ فيه، وسادَّاً مَسَدَّهُ، تقديرُهُ: يصفُ تحتَها صفّاً. قولهُ: (كالأثافي) (¬2) هو جمعُ أُثفيَّةٍ بضمِّ الهمزةِ وبكسرِها وتشديدِ الياءِ التحتانيةِ، الحجرُ توضعُ عليه القدرُ، جمعُهُ: أثافيّ بتشديد الياءِ، وآثافٍ منقوصاً (¬3). قولهُ عنِ الحاءِ (¬4): (ولم يستثنِها ابنُ الصلاحِ) (¬5) إنْ كان مَعناهُ: لم يُصرِّحْ باستثنائِها فمسلمٌ وإلا فَلا، فإنّهُ قال: ((فَيَنقطُ تحتَ الرَّاءِ والصَّادِ والطَّاءِ والعينِ ونحوِها منَ المهملاتِ)) (¬6)، أي: مما له مثلٌ واحد، ثم ذكرَ بعدُ: أنه يجعلُ تحتَ الحاءِ حاءً صغيرةً تحتها (¬7) فالذي تحصَّل منْ كلامِهِ استثناؤها. قال البلقينيُّ: ((وقد أسندَ المَرْزُبانيُّ، عن محمدِ بنِ عبيدٍ الغَسانيِّ، قال: حدَّثني أبي، قال: كتبتُ بينَ يدي معاويةَ كتاباً، فقال لي: يا عبيدُ ارقشْ كتابَكَ، قلتُ: وما رقشُهُ يا أميرَ المؤمنينَ؟ قال: اعطِ كلَّ حرفٍ ما ينوبُهُ منَ النقطِ، وهذا عامٌ في كلِّ حرفٍ (¬8) كما قدمناه (¬9)، ويستدلُ بهِ لهذا الطريقِ)). انتهى. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (567). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 469. (¬3) انظر: لسان العرب مادة (أثف)، وتاج العروس مادة (أثف). (¬4) عبارة: ((عن الحاء)) لم ترد في (ف). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 470. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 296. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 297. (¬8) تدريب الراوي 2/ 71، مع تصرف بسيط في النقل. (¬9) في (ف): ((قدمنا)).

قولهُ: (مُضْجَعةً على قَفَاها) (¬1) ما ألطفَ قولَ شيخِنا: ((إذا اضجعت / 280أ / على قفاها اشتالتْ رجلاها)). قولهُ: (القديمة) (¬2) في الموضعين، وجعلَهُ منَ الخفيِّ الذي ليسَ بشائعٍ في الخطِّ الصغيرِ، والذي يُشبهُ الهمزةَ. قولهُ: (يفطِنَ له) (¬3) هو بضمِّ العينِ وكسرِها. قال في " القاموس " (¬4): ((الفِطنةُ بالكسرِ: الحذقُ، فطنَ به وإليهِ ولهُ، كفرحَ ونصرَ وكرمَ)) وذكرَ الشيخُ في " النكت " أنَّ ابنَ الصلاحِ إنَّما أخذَ هذا الضبطَ بهذهِ العلاماتِ منَ "الإلماعِ" (¬5) للقاضي عياضٍ، وأنَّه قيدَ العلامةَ بخطٍّ صغيرٍ بقوله: ((يشبهُ النَّبْرَةَ))، وإنَّ حَذْفَ ابنِ الصلاحِ لها ليس بجيدٍ؛ لأنَّهُ يقتضي أنْ يكونَ كالنصبةِ، وكلامُ القاضي يقتضي أن يكونَ كالهمزةِ (¬6)، والذي ظهرَ من حكايةِ الشيخِ في ((رضوانِ)) أنَّهما علامتان: إحداهما كالفتحةِ، والأخرى كالهمزةِ، وأخذُ ابنِ الصلاحِ منَ " الإلماعِ " لا يستلزمُ أنْ لا ينظرَ غيرَهُ، والله أعلم. قولهُ: (وذكرَ القاضي عياضٌ) (¬7) هو إسنادٌ لقولِ ابنِ الصلاحِ لا مُغايرٌ له. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 470. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 470. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 470. (¬4) القاموس المحيط مادة (فطن). (¬5) الإلماع: 157. (¬6) التقييد والإيضاح: 207. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 471.

قولهُ: 569 - وَإِنْ أَتَى بِرَمْزِ رَاوٍ مَيَّزَا ... مُرَادَهُ وَاخْتِيْرَ أَنْ لاَ يَرْمِزَا إنَّما اختيرَ عدمُ الرمزِ مُطلقاً؛ لأنَّ بيانَ الرمزِ، إمّا أنْ يكونَ في أوَّلِ الكتابِ أو آخرِهِ، وقد تسقطُ الورقةُ التي هوَ فيها، فيرجعُ إلى الوقوعِ في الحيرةِ، وأيضاً إنْ كانَ ذَلِكَ في تصنيفٍ، وهو أكثرُ منْ مجلدٍ فإنَّما يكون بيانُ الرمزِ في خطبتِهِ فإذا وقعَ المجلدُ الثاني فقطْ في يدِ أحدٍ لم يعرفِ المرادَ من الرمزِ. قولهُ: (يُبيِّنوا (¬1)) (¬2) في نُسخةٍ مُعتمدةٍ بالثاء المثلثةِ، ثم موحدةٍ، ثم مثناةٍ منْ / 280ب / فوق، منَ الثباتِ، وفي بعضِ ما قُرئَ على ابنِ المصنفِ الشيخِ ولي الدينِ أحمدَ، بالباءِ الموحدةِ، ثم ياءٍ مثناةٍ منْ تحتُ، ثمَّ نونٌ، منَ البيانِ، وكلاهما حسنٌ كالقراءتينِ في السبعِ في: {فَتَبَيَّنُوا} (¬3). قولهُ: (كما فَعَلَ اليونينيُّ) (¬4) إنَّما مثلَ بهِ؛ لقربِ عهدِهِ وشُهرتِهِ في هذا الزمانِ وإلا فأبو ذرٍّ قد سبقَ إلى ذلك فرمزَ لشيوخِهِ الثلاثةِ، وأيضاً فرمز أبي ذرٍّ داخلٌ في رموزِ اليونينيِّ. قولهُ في شرح قوله: (وتَنْبغي (¬5) الدَّارةُ) (¬6): (وحُكيَ ذلك أيضاً) (¬7) نُقلَ عنِ ابنِ كثيرٍ، أنَّهُ قال: ((إنَّه رآهُ كذلك في خَطِّ الإمامِ أحمدَ)) (¬8). ¬

_ (¬1) في (ف): ((ويبينوا)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 471. (¬3) الحجرات: 6. وانظر: معجم القراءات القرآنية 6/ 220. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 471. (¬5) في (ف): ((وينبغي)). (¬6) التبصرة والتذكرة (570). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 472. (¬8) اختصار علوم الحديث 2/ 386 وبتحقيقي: 200.

قولهُ: (فإذا عارضَ) (¬1)، أي: قابلَ أصلَهُ بأصلٍ آخرَ، أي: عرضَهُ عليهِ، أي: قايسَ بينَهُما في الصحةِ، وكأنَّ أصلهُ أنْ يَضَعَ عرضَ شيءٍ على عرضِ شيءٍ آخرَ لينظرَ هل هما مُتساويانِ. قولهُ: 571 - وَكَرِهُوْا فَصْلَ مُضَافِ اسْمِ اللهْ ... مِنْهُ بِسَطْرٍ إِنْ يُنَافِ مَا تَلاَهْ حصلَ في هذا البيتِ أمران: الأول: الإذالةُ. والثاني: قطعُ عروضِهِ دونَ ضربهِ. فأما القطعُ فالكلامُ فيه مثلُ الكلامِ في قوله (¬2): ويكرهُ الخطُّ الدَّقيقُ إِلاَّ ... لِضِيْقِ رَقٍّ أَوْ لِرَحَّالٍ فَلا (¬3) ويمكنُ انفصالُهُ عن قَطعِها، بأنْ يقولَ: اسمُ الإلهِ، وأمّا الإذالةُ وهي زيادةُ ساكنٍ في مستفعلنْ فيبقى مستفعلانِ فهي ممتنعةٌ في هذا البحرِ، وإنَّما يدخلُ مستفعلن في مسدس (¬4) البسيطِ، ومتفاعلنْ في مُربَّعِ الكاملِ، وذلك عندَ جَزْءِ كلِّ منهما، ويمكنُ انفصالُهُ عنه بأنْ يقولَ: وكرِهوا فصلَ مضافِ اسمِ العلي ... منه بسطرٍ أنْ يُنافِ ما يلي قولهُ: (عن أبي عبد اللهِ بنِ بَطَّة) (¬5) هو عبيدُ اللهِ بنُ محمدِ بنِ حمدانَ / 281أ / العكبريُّ الحنبليُّ، وبطةُ بفتحِ الموحدةِ، قال ابنُ كثيرٍ في ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 472. (¬2) ((في قوله)) لم ترد في (ف). (¬3) التبصرة والتذكرة (564). (¬4) في (ف): ((مستدير)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 473.

" تاريخِهِ " (¬1): ((أحدُ علماء الحنابلةِ، ومَنْ له التصانيفُ الكثيرةُ الحافلةُ في فنونٍ منَ العلمِ، سمعَ منَ البغويِّ وأبي بكرٍ النيسابوريِّ، وابنِ صاعدٍ وخلقٍ)). انتهى. وقد ذكرهُ الذهبيُّ في " الميزانِ " (¬2) بالضعفِ ونقلَ عنه شيخُنا ابنُ حجرٍ في " لسانِهِ " أنه زوَّرَ سماعَه لـ" معجمِ الصحابةِ " (¬3) للبغويِّ، وأنَّه نسبَ إلى غيرِهِ سماعَ مالم يسمعْ، وغير ذلك (¬4)، وماتَ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وثلاث مئةٍ. قولهُ: (غَلَطٌ) (¬5) هو (¬6) مصدرُ غَلَطَ غَلَطاً، ومعناهُ: أخطأ الصوابَ في كلامِهِ، قاله ابنُ القطاعِ، وقال القزازُ: ((الغلطُ كلُّ شيءٍ يَعيا الإنسانُ عن وجهِهِ وإصابة صوابِهِ غيرُ مُتعمدٍ (¬7)))، وفي " القاموسِ " (¬8): ((الغَلَطُ - محُركةٌ - أنْ تعيا بالشيء فلا تعرفَ وَجهَ الصوابِ فيه)). قولهُ: (فعلى هذا تحملُ الكراهةُ) (¬9) قال شيخُنا: ((هذا ليس ظاهراً وليسَ الواجبُ (¬10) في كلامِ ابنِ بَطَّةَ والخطيبِ على بابِهِ، بلِ المرادُ به تأكيدُ المنعِ، ¬

_ (¬1) البداية والنهاية 11/ 275. (¬2) ميزان الاعتدال 3/ 15 نقل تضعيفه عن أبي القاسم الأزهري، ثم قال: ((ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية، فكان إماماً في السنة، وإماماً في الفقه)). (¬3) في (ف): ((بمعجم الصحابة)). (¬4) لسان الميزان 4/ 112 - 115. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 473. (¬6) في (ف): ((معناه هو)). (¬7) في (ف): ((متعبد)). (¬8) القاموس المحيط مادة (غلط). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 473. (¬10) في (ف): ((الوجوب)).

نَعَم، يمكنُ الوجوبُ فيما إذا كانَ شيءٌ من هذه الكلماتِ آخرَ الصفحةِ اليسرى، والكلمةُ الأخرى وما ينافي معناها في أول اليمنى، فإنّ الناظرَ إذا رآهُ ربمَّا لم يقلبِ الورقةَ وظنَّ أنَّ ذلك أول الكلام، وأمّا ما هو أولُ الصفحةِ اليسرى فليسَ كذلك إذ آخِرُ الصفحة اليمنى قريبٌ منه وكلُّهُ تجاهُ وجهِهِ، لا يحتاجُ إلى قلبِ شيءٍ منَ الورقِ)). قلت: هذا إذا كانَ الكتابُ محبوكاً، أمّا (¬1) إذا كان مفرطاً فربمَّا تقلبُ الأوراقُ، وربمَّا سقطَ الكراسُ الأولُ أو الورقةُ الأولى / 281ب / فيَصيرُ أشدَّ مما تقدمَ، ومع ذلك كلهِ فينبغي أنْ يخرَّجَ على ما قالَهُ القراءُ في مسألةِ الوقفِ القبيحِ، حتى لا يحرمَ منه الإ ما له سببٌ من قصد (¬2) فاسدٍ، ويكونُ الأدبُ عدمَ فعلِهِ مطلقاً كما قالَهُ الشيخُ تقيُّ الدينِ في " الاقتراح " (¬3) لكنَّ الكراهةَ والقبحَ في الكتابةِ أشد مما لا يخفى. قولهُ: 572 - وَاكْتُبْ ثَنَاءَ (اللهِ) وَالتَّسْلِيْمَا ... مَعَ الصَّلاَةِ للِنَّبِي تَعْظِيْمَا 573 - وَإِنْ يَكُنْ أُسْقِطَ فِي الأَصْلِ وَقَدْ ... خُوْلِفَ فِي سَقْطِ الصَّلاَةِ (أَحْمَدْ) 574 - وَعَلَّهُ قَيَّدَ بِالرَّوَايَهْ ... مَعْ نُطْقِهِ، كَمَا رَوَوْا حِكَايَهْ 575 - وَالْعَنْبَرِيْ وَابْنُ الْمُدِيْنِيْ بَيَّضَا ... لَهَا لإِعْجَالٍ وَعَادَا عَوَّضَا 576 - وَاجْتَنِبِ الرَّمْزَ لَهَا وَالْحَذْفَا ... مِنْهَا صَلاَةً أَوْ سَلاَماً تُكْفَى ¬

_ (¬1) في (ف): ((فأما)). (¬2) في (أ): ((قاصد)). (¬3) الاقتراح: 289.

قولهُ: (وإنْ يكُنْ أُسقِطَ) (¬1) البيت ((أسقطَ)) (¬2) عروضَهُ تامةً، وكانَ (¬3) يلزمُ في الضربِ أنْ يكونَ مثلها؛ لأنَّه مُقفَّى، وقد قطعَ الضربَ فصارتْ قافيتُهُ منَ المتواترِ، وقافيةُ العروضِ منَ المتداركِ، هذا على تقديرِ كونِ الشطرينِ بيتاً كما تقدَّمَ غيرَ مرةٍ، وإن كانا بيتينِ في حكمِ قصيدةِ واحدةٍ، فالقافيةُ مختلفةٌ، وإنْ كانَ كلٌّ منهما منفرداً بحكمٍ فلا حجرَ، ولم أرَ لـ ((سقط)) منَ المصادرِ إلاّ ((سقوطاً)) فكانَ ينبغي أنْ يقولَ: وإنْ يكُنْ في الأصلِ ليسَ يوجَدُ ... وشَذَّ في تركِ الصلاةِ أحمدُ قولهُ: (وعَلَّهُ قَيَّدَ) (¬4) ((علَّ)) لغةٌ في ((لعلَّ)) (¬5)، و ((قيَّدَ)) مبنيٌّ للمفعولِ، أي: ولعلَّهُ إنمَّا تركَ كتابَتها؛ لأنَّه تَقيَّدَ في ذلكَ بالروايةِ، أي: بوجودها مرويةً، فلم يجدْ ذَلِكَ فتورعَ؛ لأنَّهُ إذا دارَ الأمرُ معَ الشكِّ بينَ الزيادةِ والنقصِ، استعملَ النقصَ احتياطاً؛ لأنَّ غايتَهُ أنْ يكونَ اقتصرَ على بعضِ الحديثِ وذلك جائزٌ. بخلافِ الزيادةِ؛ فإنَّها ربما كانتْ غيرَ مقولةٍ في نفسِ الأمرِ فيقع بسببها ... / 282أ / في نسبةِ قولٍ إلى منْ لم يقلْهُ، ويجوزُ أنْ يكونَ ((قَيَّدَ)) مبنياً للفاعل، أي: قَيَّدَ أحمد الجوازَ بوجودها في الروايةِ، وهو أوفقُ لقولِهِ في الشرحِ: ((يرى التقييدَ)) بصيغةِ التفعيلِ وسيأتي لذلكَ مزيدُ بيانٍ، وإنمَّا احتاجَ إلى اتصالها في جميع من فوقه منَ الرواةِ، ولم يكتفِ بذكرِ شيخهِ لها مثلاً، بخلاف بقيةِ ألفاظِ الحديثِ؛ لأنَّ الصلاةَ ونحوها في مظنةِ أنْ يزيدَ (¬6) الراوي من قبل نفسهِ، بخلافِ غير ذلك؛ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (573). (¬2) في (ف): ((استعمل)). (¬3) في (ف): ((فكان)). (¬4) التبصرة والتذكرة (574). (¬5) انظر: الصحاح مادة (علل). (¬6) في (ف): ((يزيده)).

فإنَّ زيادتَه محضُ كذبٍ. قوله: (مع نطقه) (¬1) متعلقٌ بمحذوفٍ، أي: ولعله تَقيَّدَ في ذكرِها بالروايةِ فلمْ يجدْ فحذفها كتابةً، حالَ كونِ حذفِهِ لها مصاحباً لنطقِهِ بها إذا قرأَ، كما رووا ذلك عنه حالَ كونِه حكايةً، أي: محكياً عن صريحِ نطقِهِ. قولهُ: (وعادا عَوّضا) (¬2)، أي: ورجعا إلى التعويضِ، أي: ورجعا بعد انقضاءِ سببِ العجلةِ إلى التداركِ فكتبا عوضَ الذي حذفاهُ وفوتاهُ في ذلك الوقتِ. قولهُ: (تُكفى) (¬3)، أي: تُكفي (¬4) همَّكَ، إشارةٌ إلى حديثِ أُبي بن كعب (¬5) - رضي الله عنه - في " الصحيح " حيثُ قال (¬6) للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أجعلُ لكَ صَلاتي كلَّها؟ قال (¬7): ((إذنْ تُكفْى هَمَّكَ ويُغفرُ ذنبُكَ)) (¬8) و ((تُكفى)) في النَّظمِ (¬9) مجزومٌ على الجوابِ للأمرِ في ((اجتنبْ))، فألفُهُ حينئذٍ للإطلاقِ، وليستْ بلامِ الكلمةِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (574). (¬2) التبصرة والتذكرة (575). (¬3) التبصرة والتذكرة (576). (¬4) ((تكفي)) من (ف) فقط. (¬5) في جميع النسخ الخطية: ((كعب بن عجرة))، والتصويب من مصادر التخريج. (¬6) عبارة: ((حيث قال)) لم ترد في (ف) ومكانها كلمة ضرب عليها. (¬7) في (ب): ((فقال)). (¬8) أخرجه: أحمد 5/ 136، وعبد بن حميد (170)، والترمذي (2457)، والحاكم 2/ 421 و513، وأبو نعيم في " الحلية " 1/ 256 و8/ 377، وقد حسَّنه الترمذي. وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة للعلامة الألباني (954). (¬9) في (ف): ((النجم)) خطأ.

قولهُ: (ولا يسأمْ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((منْ تكريرِ ذلكَ عندَ تكرُّرِهِ، فإنَّ ذلك منْ أكبرِ الفوائدِ التي يتعجلها / 282ب / طَلَبةُ الحديثِ وكَتَبَتُهُ، ومنْ أغفلَ ذلك حُرِمَ حَظَّاً عظيماً، وقد رُوِّينا لأهلِ ذلك مناماتٍ صالحةً)) (¬2). قولهُ: (إنَّهم أهلُ الحديثِ) (¬3) قال شيخُنا: بَوَّبَ له أبو نُعيم بقوله: ((بابٌ: إنَّ أقربَ الناسِ منَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - منْزلةً يومَ القيامةِ هم أهلُ الحديث)). وقال البلقينيُّ في " محاسن الاصطلاح " (¬4): ((فائدة: في كتابِ " أنوار الآثار المختصةِ في فضلِ الصلاةِ على النبيِّ المختارِ " للحافظِ التُجيبِيِّ: وكما تُصلي على نبيِّكَ - صلى الله عليه وسلم - بلسانِكَ، فكذلكَ تخطُّ الصلاةَ عليهِ ببنانِكَ مهما كتبْتَ اسمَهُ المبارك - صلى الله عليه وسلم - (¬5) في كتابٍ؛ فإنَّ لك في ذلك أعظمَ الثوابِ، فقد رُوِيَ عن أبي بكرٍ الصِّدِّيقِ - رضي الله عنه -، قال: قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ كتبَ عني عِلماً، وكتبَ معهُ صلاتَهُ عليَّ لم يزلْ في أجرٍ ما قُرئَ ذلك الكتابُ)) (¬6)، ورُوِيَ عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((مَنْ صَلَّى عَليَّ في كتابٍ لم تزلِ الملائكةُ تستغفِرُ له ما دامَ اسمي في ذلك الكتابِ)) (¬7)، ولذلك قال سفيانُ الثوريُّ: ((لو لم يكنْ لصاحبِ الحديثِ فائدةٌ إلا الصلاةُ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فإنَّهُ يُصلَّى عليه ما دامَ في ذلكَ الكتابِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 475. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 298، وانظر بعض تلك المنامات في " الجامع لأخلاق الراوي " 1/ 271 (565) و (566) و (567). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 475 - 476. (¬4) محاسن الاصطلاح: 307 - 308. (¬5) لم ترد في (ب). (¬6) أخرجه: ابن الجوزي في " الموضوعات " 1/ 228، وحكم عليه بالوضع. (¬7) أخرجه: ابن الجوزي في " الموضوعات " 1/ 228، وحكم عليه بالوضع. (¬8) شرف أصحاب الحديث: 36.

ثم حَكَى (¬1) مناماتٍ في ذلك عن محمدِ بنِ أبي سليمانَ، وعن عبيد الله الفزاريِّ، وعن سفيانَ بنِ عيينةَ، وعن عبد الله بنِ / 283أ / عبد (¬2) الحكم لما رأى الشافعيَّ في المنامِ، وإنَّما لم يذكرها (¬3)؛ لأنَّ ابنَ الصلاحِ قد أشارَ إليها، ثم إنمَّا يُستدلُّ بما رُويَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - كما تقدمَ، وقد جاء بإسنادٍ صَحيحٍ منْ طريقِ عبدِ الرزاقِ، عن معمر، عن ابنِ شهابٍ، عن أنسٍ يرفعُهُ: ((إذا كانَ يومُ القيامةِ جاءَ أصحابُ الحديثِ وبأيديهم المحابرُ فيرسلُ اللهُ - عز وجل - إليهم جبريلُ - عليه السلام - فيسألُهم من أنتم؟ - وهو أعلمُ - فيقولون: أصحابُ الحديثِ، فيقولُ الربُّ جل وعلا: ادخلوا الجنةَ فطالَما كُنتمْ تُصلُّونَ على نبيي في دارِ الدنيا - صلى الله عليه وسلم -)) (¬4)، وهذا يَعُمُّ صلاتَهم بلسانِهم وبكتابِهم (¬5)، وفي " تاريخ أصبهانَ " (¬6) للحافظِ أبي نعيم الأصبهانيِّ في ترجمةِ جعفرِ بنِ (¬7) محمدٍ الخَشابِ (¬8)، أسندَ إلى أبي ضمرة أنس بنِ عياضٍ، عن هشامِ بنِ عروةَ، عن أبيهِ، عن عائشةَ رضي الله عنها: أنها قالتْ: قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: ((ما منْ كتابٍ يُكتبُ فيهِ: صلى الله على محمدٍ، إلا صلى الله وملائكتُهُ على مَنْ كتبَ ذَلِكَ ما دام اسمي في ذَلِكَ الكتابِ))، - صلى الله عليه وسلم - أفضلَ الصلاةِ والسلامِ. انتهى. ¬

_ (¬1) أي: التجيبي. (¬2) لفظة ((عبد)) لم ترد في " محاسن الاصطلاح ". (¬3) في " محاسن الاصطلاح ": ((نذكرها)). (¬4) أخرجه: الخطيب في " تاريخه " 3/ 409 - 410، ومن طريقه ابن الجوزي في " الموضوعات " 1/ 260، وقال عنه الخطيب: ((هذا حديث موضوع)). (¬5) في " محاسن الاصطلاح ": ((وبكتابهم)). (¬6) تاريخ أصبهان 2/ 36. (¬7) ((جعفر بن)) لم ترد في (ف). (¬8) هو في ترجمة عبد الله بن جعفر بن محمد الخشاب.

وأمّا الحديثُ الذي ذكرهُ الشيخُ فأخرجَهُ الحافظُ أبو عليٍّ الحسينُ بنُ محمدٍ الغسانيُّ في أوائلِ كتابِهِ " شرفِ أصحابِ الحديثِ ": ((أخبرنا أبو عمر بن عبد البرِّ، حدَّثنا خلفُ بنُ قاسمٍ الحافظُ، حدَّثنا أبو أحمدَ عبدُ اللهِ بنُ المفسِّرِ الدِّمشقيُّ، حدَّثنا أحمدُ بنُ عليٍّ القاضي / 283ب /، حدَّثنا يحيى بنُ معينٍ، أخبرنا خالدُ بنُ مخلدٍ، حدَّثنا موسى بنُ يعقوبَ الزمعيُّ، حدثنا عبدُ الله بنُ كيسانَ (¬1)، أخبرنا عبد الله بن شداد بن الهاد (¬2)، عن عبد اللهِ بن مسعودٍ - رضي الله عنه -، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ أولى الناسِ بي يومَ القيامةِ أكثرُهم صلاةً عليَّ)) (¬3). وأخرجهُ الحافظُ أبو بكرٍ الخطيبُ في كتابِهِ " شرفِ أصحابِ الحديثِ " (¬4) عن شيخِهِ الحافظِ أبي نعيم بسندِهِ إلى أبي بكرِ بنِ أبي شيبةَ، ومنْ وجهٍ آخرَ منْ طريقِ يحيى بنِ معينٍ، قالا: حدَّثنا خالدُ بنُ مخلدٍ، بهِ. قال أبو نُعيم، وكذا أبو عليٍّ: ((وهذه (¬5) منقبةٌ شريفةٌ يختصُّ بها رواةُ الآثارِ، ونقلتُها؛ لأنَّه لا يُعرفُ لعصابةٍ منَ العلماءِ منَ الصلاةِ على رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أكثر مما يُعرفُ لهذه العصابةِ نسخاً وذكراً)) (¬6). قولهُ: (يرى التقييدَ في ذلك بالرِّوايةِ) (¬7) رأيتُهُ في عدةِ نسخٍ هكذا، فإنْ صحت فهو بمعنى: التقيدِ، من بابِ تفعّلَ، لا منْ بابِ فعَّلَ، ويمكنُ جعلُهُ على بابِهِ ¬

_ (¬1) في جميع النسخ الخطية: ((عبيد بن كيسان))، والتصويب من تهذيب الكمال 4/ 251 (3497). (¬2) بعدها في (ف): ((عن أبيه)). (¬3) تخريج الحديث وعلله في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 1/ 475. (¬4) شرف أصحاب الحديث: 34 - 35. (¬5) في (ب): ((هذه)). (¬6) شرف أصحاب الحديث: 35. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 476.

بمعنى: تقييدِ الراوي بما وصلَ إليهِ منَ الروايةِ، فحينئذٍ يقيدُ نفسهُ بذلكَ؛ لأنَّهُ راوٍ لكنَّهُ في كتابِ ابنِ الصلاحِ: التقيُّدُ، منْ بابِ التفعُّلِ. قولهُ: (وعزَّ عليه اتصالُها في جميعِ منْ فوقَهُ منَ الرواةِ) (¬1) قال البلقينيُّ: ((لا يقالُ: لعل سبَبَهُ أنَّهُ كانَ يكتبُ عَجِلاً لأمرٍ اعتادهُ، فتركَ (¬2) ذلك للعجلةِ لا للتقيُّدِ بالروايةِ وشبهِها؛ لأنَّا نقولُ: / 284أ / تركُ مِثل هذا النَّوالِ (¬3) بسببِ الاستعجالِ لا يَنبغي أنْ يُنْسبَ للعلماءِ الجبال)) (¬4). انتهى. وقد تقدَّمَ بيانُ وجهِ الاحتياجِ (¬5) في ثبوتِ اتصالِها بكلِّ واحدٍ منْ رجالِ السندِ دونَ غيرِها. قولهُ: (فقالَ في " الاقتراحِ ") (¬6) قال شيخُنا: ((لا شكَّ أنَّ ذلك أحوطُ كما تَقدَّمَ، وإن كانتِ الكتابةُ جائزةً؛ لأنَّ غايتَها أنْ تكونَ روايةً بالمعنى)). قلت: وقد كانَ نَقَلَ شخصٌ بحضرةِ شيخِنا أنَّ في خيالِهِ أنَّ الشافعيَّ نصَّ في " الرسالةِ " على كراهةِ إفرادِ الصلاةِ عنِ السلامِ، فقالَ شيخُنا: ((ليسَ كذلكَ فإنَّ الشافعيَّ أفردَ في خطبةِ " الرسالةِ " الصلاةَ عنِ السلامِ)) (¬7)، فلما أيَّدَ شيخُنا كلامَ ابنِ دقيقِ العيدِ، قلتُ له: ومما يُظهرُ ثمرةَ ذلك ما تقدَّمَ منَ النقْلِ عن خطبةِ " الرسالةِ " فإنَّ المحافظةَ على الروايةِ أفادتنا حُكماً منَ الأحكامِ عنْ إمامنا، وهو عدمُ كَراهةِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 476. (¬2) في " محاسن الاصطلاح ": ((فيترك)). (¬3) في المحاسن: ((الثواب)). (¬4) محاسن الاصطلاح: 308. (¬5) في (ب): ((الاحتجاج)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 476. (¬7) الرسالة (39).

الإفرادِ لكراهةِ (¬1) المصطلحِ عليها، ولو تصرَّفَ النُّساخُ في كلامِهِ لفاتَ ذلك فاستحسنَهُ، وكذا صنعَ الحافظُ أبو الحسينِ اليونينيُّ في نسختِهِ بالبخاريِّ لما رمزَ عليها لرواياتِ (¬2) شيوخِهِ، فإنَّه يرمزُ على الثناءِ والصلاةِ لمنْ هو في روايتِهِ، وربما كتبَ: لا ... إلى، على أولِهِ وآخرِهِ إشارةً إلى أنَّ ذلك محذوفٌ في روايةِ منْ رمزَ له. قولهُ: (أنْ يُصحَبَها) (¬3) مضمومُ الياءِ منْ أصحَبَ المعدّى بالهمزةِ، قال الفارابيُّ في " ديوانِ الأدبِ " (¬4) في بابِ الأفعالِ / 284ب /: ((وأصحبتُهُ الشيءَ، أي: جعلتُهُ له صاحباً))، وما ذكرتُ ذلك مع وضوحِهِ (¬5) إلا لأمرٍ. قولهُ: (في كلِّ حديثٍ سمعناهُ) (¬6) المرادُ به عمومُ السلبِ، لا سلبُ العمومِ، وطريقُهُ أنَّك في الأولِ تعتبرُ النفيَ أولاً ثم تَنسبهُ إلى الكل، فيعمُّ النفيُ كلَّ فردٍ، فالمعنى هنا: انتفى تَرْكُنا للصلاةِ في كل حديثٍ، فإنِ اعتبرتَ النسبةَ إلى الكلِّ أولاً ثم نفيتَ كانَ لسلب العموم، فلا ينصبُ إلا إلى المجموعِ، حرَّرَ ذلكَ العلامةُ سعدُ الدينِ التفتازانيُّ في "شرحِ المقاصدِ" في بحثِ الرؤيةِ. قولهُ: (ويكرهُ أنْ يرمزَ) (¬7) ليستْ هذه الكراهةُ على بابِها، إنمَّا المرادُ أنَّ ذلك خلافُ الأولى بالمعنى اللغوي، فإنَّ الإتيانَ بها فيه أجرٌ، وحذفها مخل بذلكَ ¬

_ (¬1) في (ف): ((الكراهة)). (¬2) في (ف): ((الراويات)) خطأ. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 476. (¬4) ديوان الأدب 2/ 282. (¬5) في (ب): ((لوضوحه)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 476 - 477. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 477.

الأجرِ، وتارِكُهُ تاركٌ للأولى بهذا المعنى، لا بمعنى اندراجِهِ تحتَ عمومِ نهيٍ، وكذا قولهُ: (ويكرهُ حذفُ واحدٍ) (¬1) إلى آخرِهِ، قال شيخُنا: ((ويحتاجُ النوويُّ في إثباتِ الكراهةِ إلى دليلٍ؛ لأنَّهُ يُفرِّقُ بينَ الكَراهةِ وخلافِ الأولى، فحيثُ أطلقَ أحدَهما لم يحسنْ حملُهُ على الآخرِ، ولا يصحُّ الاستدلالُ بقوله تعالى (¬2): {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (¬3)؛ لأنَّ أكثرَ ما في الواوِ التشريكُ في الحكمِ، فمنْ صلى ثم مكثَ مدةً طالتْ أو قصرتْ ثم سلمَ فقد امتثلَ))، وقالَ شيخُنا محققُ الزمانِ شمسُ الدين القاياتيُّ: ((دليل النوويِّ نقلَهُ عنِ العلماءِ، فإنَّ ذلك ظاهرٌ في الإجماعِ))، والله أعلم. قولهُ: / 285أ / (وليسَ بمرضيٍّ فقد قال حمزةُ الكنانيُّ) (¬4) غيرُ مَرضيٍّ، فإنَّ المناماتِ لا تصلحُ أنْ تكونَ أدلةً لحكمٍ شرعيٍّ، وما أحسنَ تعبيرَ ابنِ الصلاحِ عنْ ذلكَ كُلِّهِ بقولهُ: ((ثم ليجتنبْ في إثباتِها نقصينِ: أحدهما: أنْ يكتُبَها مَنقوصةً صُورةً رامِزاً إليها بحرفينِ، أو نحوِ ذلكَ. والثاني: أنْ يَكتُبَها مَنقوصةً معنىً بأنْ لا يكتبَ ((وسلمَ))، وإن وُجدَ ذلك في خطِّ بعضِ المتقدمينَ (¬5)، سمعتُ أبا القاسمِ منصورَ بنَ عبدِ المنعمِ)) (¬6) ثم ذكرَ مَنَامَ حمزةَ الكنانيِّ، فساق ذلك سياقاً يُفهمُ أنَّهُ من المرغبات في إثباتِ ذلك، لا أنَّه دليلٌ على الكراهةِ أو خلافُ الأولى، والله أعلم. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 477. (¬2) ((تعالى)) لم ترد في (أ). (¬3) الأحزاب: 56. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 477. (¬5) المقصود به: الخطيب البغدادي. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 299.

قولهُ: 577 - ثُمَّ عَلَيْهِ الْعَرْضُ بِالأَصْلِ وَلَوْ ... إِجَازَةً أَوْ أَصْلِ أَصْلِ الشَّيْخِ أَوْ 578 - فَرْعٍ مُقَابَلٍ، وَخَيْرُ الْعَرْضِ مَعْ ... أُسْتَاذِهِ بِنَفْسِهِ إِذْ يَسْمَعْ 579 - وَقِيْلَ: بَلْ مَعْ نَفْسِهِ وَاشْتَرَطَا ... بَعْضُهُمُ (¬1) هَذَا، وَفِيْهِ غُلِّطَا 580 - وَلْيَنْظُرِ السَّامِعُ حِيْنَ يَطْلُبُ ... فِي نُسْخَةٍ وَقالَ (يَحْيَى): يَجِبُ قولهُ: (إذْ يَسْمَعْ) (¬2) مقطوعٌ معَ تمامِ العروضِ، وقدْ تقدمَ ما فيهِ، فلو قال: إذا استمعَ، كانَ أحسنَ. قولهُ: (المشروطة) (¬3) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وجائزٌ أنْ تكونَ مقابلتُهُ بفَرْعٍ قد قُوبِلَ المقابلةَ المشروطةَ بأصلِ شيخِهِ أصْلِ السَّماعِ، وكذلكَ إذا قابلَ بأصلِ أصْلِ الشيخِ (¬4) المقابَل به أصلُ الشيخِ (¬5)؛ لأنَّ الغرضَ المطلوبَ أنْ يكونَ كتابُ الطالبِ مُطابقاً لأصلِ سَماعِهِ، وكتابِ شيخِهِ، فَسَواءٌ حَصَلَ ذلك بواسطةٍ أو بغيرِ واسطةٍ)) (¬6). قولهُ: (لم تكتُبْ) (¬7) يحتملُ - وهو أظهرُ - أنْ تكونَ ((لم)) حرفَ جزمٍ؛ فيكونُ المعنى: إنَّ ما كتبَهُ عدمٌ؛ لعدمِ نفعِهِ، ويحتملُ أنْ تكونَ استفهاميةً، وهو قريبٌ منَ الأولِ. ¬

_ (¬1) بضم الميم؛ لضرورة الوزن. (¬2) التبصرة والتذكرة (578). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 478. (¬4) انظر: الاقتراح: 297 - 298، ونكت الزركشي 3/ 585. (¬5) تكررت عبارة: ((المقابل به أصل الشيخ)) في (أ). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 302. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 478.

/ 285ب / قولهُ: (وقالَ الأوزاعيُّ) (¬1) عندَ ابنِ الصلاحِ الشافعيِّ بدل ((الأوزاعيِّ))، فإنَّهُ قال: ((رُوِّينا عنِ الشافعيِّ الإمامِ، وعن يحيى بن أبي كثيرٍ، قالا: منْ كَتَبَ ولم يُعارضْ كمنْ دخلَ الخلاءَ ولم يَستَنْجِ)) (¬2). قال الشيخُ في " النكتِ ": ((هكذا ذكرهُ المصنفُ عنِ الشافعيِّ، وإنَّما هو معروفٌ عنِ الأوزاعيِّ، وعن يحيى بن أبي كثيرٍ، وقد رواهُ عنِ الأوزاعيِّ أبو عمر ابنُ عبد البر في كتابِ " جامع بيان العلمِ " (¬3) منْ روايةِ بقيةَ، عنِ الأوزاعيِّ، ومنْ (¬4) طريقِ ابنِ عبد البرِ رواه القاضي عياضٌ في كتابِ " الإلماعِ " (¬5) بإسنادِهِ، ومنه يأخذُ المصنفُ كثيراً، وكأنَّهُ سَبَقَ قلمُهُ من الأوزاعيِّ إلى الشافعيِّ، وأما قولُ يحيى ابن أبي (¬6) كثيرٍ، فرواهُ ابنُ عبدِ البرِّ أيضاً (¬7)، والخطيبُ في كتابِ "الكفايةِ" (¬8)، وفي كتاب " الجامع " (¬9) من روايةِ أبان بنِ يزيدَ، عن يحيى بن أبي كثيرٍ، ولم أرَ لهذا ذِكراً عن الشافعيِّ في شيءٍ منَ الكتبِ المصنفةِ في علومِ الحديثِ، ولا في شيءٍ منْ مناقبِ الشافعيِّ، والله أعلم)) (¬10). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 478. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 301. (¬3) جامع بيان العلم 1/ 78. (¬4) في (ف): ((من)). (¬5) الإلماع: 160. (¬6) لم ترد في (ف). (¬7) جامع بيان العلم 1/ 77. (¬8) الكفاية (350ت، 237هـ). (¬9) الجامع لأخلاق الراوي 1/ 275. (¬10) التقييد والإيضاح: 210.

ووجهُ الشَّبهِ أنَّ كُلاً منهما تُركَ فيه التمام، ولا يستنكرُ هذا بكونِهِ شَبَّه المكتوب معَ شرفه بالخارجِ مع قَذَرِهِ؛ لأنّ العربَ إذا شَبَّهتْ شيئاً بشيءٍ لا ينظرُ إلا إلى وجهِ الشبهِ معَ قطعِ النظرِ عن عوارضِ كُلٍّ منَ الشيئينِ، ألا ترى إلى تشبيهِ الوحيِ بصَلصَلةِ الجرسِ (¬1). قال البلقينيُّ: ((فائدةٌ: أقدمُ من نُقلَ ذلك عنه عروةُ، وقد أسندَ كلامَهُ / 286أ / وكلامَ يحيى بن أبي كثيرٍ الرامهرمزيُّ في كتابِهِ " الفاصلِ " (¬2) في بابِ المعارضةِ، وفي المسألةِ حديثانِ مرويانِ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: أحدهما: من طريقِ عُقيلٍ، عنِ ابنِ شهابٍ، عن سليمانَ بنِ زيدِ بن ثابت، عن أبيه، عن جدِّهِ (¬3) - رضي الله عنه -، قال: ((كنتُ أكتبُ الوحيَ عندَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا فرغتُ قال: اقرأهُ فأقرؤهُ، فإنْ كانَ فيه سَقطٌ أقامَهُ))، ذكره المرزبانيُّ في كتابهِ. الحديث الثاني: ذكرهُ السمعانيُّ في كتاب " أدب (¬4) الإملاءِ " (¬5) من حديث عطاء بنِ يسارٍ، قال: ((كتبَ رجلٌ عندَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فقال له: ((كتبتَ))؟ قالَ: نعم، قالَ: ((عرضتَ))؟ قال: لا، قال: ((لم تكتُبْ حتى تَعرضهُ فيصحَّ))، وهذا أصرَحُ في المقصودِ إلا أنَّهُ مرسلٌ)) (¬6). انتهى. ¬

_ (¬1) إشارة إلى ما رواه البخاري في "صحيحه" 1/ 2 (2) عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام - رضي الله عنه - سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: يا رسول الله، كيف يأتيك الوحي؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أحياناً يأتيني مثل صلصلة الجرسِ، وهو أشده عليَّ، فيفصمُ عني وقد وعيتُ عنه ما قال ... )). (¬2) المحدّث الفاصل: 544. (¬3) عبارة: ((بن ثابت، عن أبيه)) لم ترد في (أ). (¬4) في (أ) و (ب): ((آداب))، وهو خطأ. (¬5) أدب الإملاء: 77. (¬6) محاسن الاصطلاح: 310.

والحديثُ الذي ذكَرَهُ عن المرزبانيِّ ذكرَهُ الحافظُ نورُ الدينِ الهيثميُّ (¬1) في زوائد (¬2) المعجمينِ الأصغر والأوسط (¬3) للطبراني، فقال: ((حدَّثنا أحمدُ بنُ محمدِ ابنِ نافعٍ، حدَّثنا أبو الطاهرِ بنُ السرحِ، قال: وجدتُ في كتابِ خالي، حدَّثني عقيل بنُ خالدٍ، عنِ ابنِ شهابٍ، حدَّثني سعيدُ بنُ سليمانَ، عن أبيه، عن زيدِ بنِ ثابتٍ - رضي الله عنه -، قال: كنتُ أكتبُ الوحيَ لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وكانَ إذا نزلَ عليه أخذتهُ بُرحَاءُ شديدةٌ، وعرقَ عرقاً شديداً مثل الجمان (¬4)، ثم سُريَ عنه / 286ب /، فكنتُ أدخلُ عليهِ بقطعةِ الكتفِ أو كسرةٍ فأكتبُ وهو يملي عليَّ، فما أفرغُ حتى تكادُ رِجلي تنكسرُ من ثقل القرآنِ، وحتى أقولَ: لا أمشي على رِجلي أبداً، فإذا فرغتُ، قال: اقرأهُ، فأقرؤهُ، فإنْ كانَ فيه سَقطٌ أقامهُ، ثم أخرجُ به إلى الناسِ)). فعُلمَ من هذا أنَّه سقطَ من روايةِ المرزبانيِّ: سعيد (¬5)، والله الموفقُ. قولهُ: (معَ شيخِهِ بكتابهِ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((بكتابِ (¬7) الشيخِ معَ الشيخِ في حالِ تحديثهِ إيَّاهُ من كتابهِ، لما يجمعُ ذلك من وجوهِ الاحتياطِ والاتقانِ منَ ¬

_ (¬1) مجمع البحرين (233). وانظر: مجمع الزوائد 1/ 152 و2/ 257 قال الهيثمي: ((رواه الطبراني ورجاله موثوقون، إلا أن فيه: وجدت في كتاب خالي، فهو وجادة)) وقال مرة أخرى: ((رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات)). (¬2) في (أ): ((رواية)). (¬3) المعجم الأوسط (1934). (¬4) هو اللؤلؤ الصغار، وقيل: حبٌّ يتخذ من الفضة أمثال اللؤلؤ. النهاية 1/ 301. (¬5) بعدها في (ف): ((ابن)) ويأتي بعدها بياض. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬7) انظر: محاسن الاصطلاح: 310.

الجانبينِ، وما لم تجتمعْ فيه هذه الأوصافُ نَقَصَ من مرتبتِهِ بقدرِ ما فاتهُ منها، وما ذكرناهُ أولى من إطلاقِ أبي الفضلِ الجاروديِّ (¬1) الحافظ الهرويِّ)) (¬2) إلى آخره. قولهُ: (أصدقُ المعارضةِ) (¬3) لا يُقالُ: ليسَ بينَ ((أصدقَ)) و ((أفضلَ)) معارضةٌ؛ لأنَّا نقولُ للكلامِ (¬4) في أفضليةِ المقابلةِ إنمَّا هو في ما يصيرُ الكتابُ موثوقاً به، وهذا معنى ((أصدقُ))، وإنمَّا كانتِ الطريقُ الأولى أفضلُ؛ لأنّ المقابلةَ معَ النفس تتفرقُ فيها الفكرةُ الواحدةُ في كتابينِ، فأعلى أحوالها أنْ تكونَ كالنسخِ، وهو يحصلُ فيه السقطُ الكثيرُ وغيرُهُ، بخلافِ الأولى، فإنَّ كل الفكرةِ مجتمعةٌ في كتابٍ واحدٍ. قولهُ: (ويُستحبُّ للطالبِ) (¬5) إلى آخره، عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ويستحبُّ أنْ ينظرَ معه في نُسختِهِ من حضَرَ منَ السَّامعينَ ممَّنْ ليس معهُ نُسخَةٌ، لاسيما إنْ أرادَ النَّقْلَ مِنْها)) (¬6) / 287أ /. انتهى. وعلةُ ذلكَ أنَّه أجدرُ أنْ يُفهمَ معهُ جميعُ ما يسمعُ، وحتى يصلَ ذلك المسموعُ إلى قلبِهِ منْ طريقين: السمع والبصر، كما قالَ الزبيرُ بنُ بكارٍ لولدهِ ورآه ينظرُ في كتابِ: ((يا بُني إذا نظرتَ في كتابٍ فتكلم بهِ، ليكونَ أثبتَ في قلبكَ، فإنَّه يصلُ إليكَ منْ طريقين))، (¬7) أو كما قال. ¬

_ (¬1) في (ف): ((الجاروزدي)) خطأ. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 301. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬4) في (ف): ((الكلام)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 301. (¬7) من قوله: ((السمع والبصر)) إلى هنا لم يرد في (أ).

وأما منِ اشترطَ ذلك ونحوهُ فإنمَّا كان ذلك قبلَ حدوثِ الإجازةِ عقبَ كلِّ مجلسٍ، وأمّا بعدَ وجودِها فإنَّ الأمرَ هان باعتبارِ انجبارِ ما عساهُ أنْ يفوتَ سماعَهُ بالإجازةِ، وهكذا القولُ في قوله: ((ولا يَكونَنَّ كمن إذا رأى سماعَ شيخٍ لكتابٍ قرأهُ عليه منْ أيِّ نسخةٍ اتفقت))، والله أعلمُ. قولهُ: (التشديد في الروايةِ) (¬1) قال ابنُ الصلاحِ: ((وسيأتي ذكرُ مذهبهم (¬2) إنْ شاءَ اللهُ تعالى)) (¬3). قولهُ: (على يَدَي غيرِهِ) (¬4) كأنّهُ ثنى اليدَ إشارة إلى الاعتناءِ بالمقابلةِ. قولهُ: (ثقةً موثوقاً بضبطِهِ) (¬5)، أي: قد يكون الإنسانُ ثقةً، أي: عدلاً ضابطاً لما يرويه وهو ضعيفٌ في الكتابةِ، أو لا يعلمها أصلاً، فلا بدَّ معَ ذلك منْ كونِهِ موثوقاً بضبطِهِ في المقابلةِ، أي: قد جُرِّبَ أمرهُ فيها فوجدَ شديداً. قولهُ: (على ما ينظرُ فيه) (¬6) متعلقٌ بـ " المأمون "، أي: يكونُ مأموناً على الكتابِ الذي ينظرُ فيه، بسببِ صحةِ المقابلةِ. قولهُ: (وأجازهُ الخطيبُ بشرطِ) (¬7) إلى آخره، قال ابنُ الصلاحِ: ((وحكى - أي: الخطيبُ - عن شيخِهِ أبي بكر البرقانيِّ أنَّه سألَ أبا بكر الإسماعيليَّ، فذكرهُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬2) في (ف): ((مذاهبهم)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 302. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 479. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480.

قال - أي: الخطيبُ -: وهذا هو مذهبُ أبي بكرٍ البَرْقانيِّ فإنَّه رَوَى لنا أحاديثَ كثيرةً، قال فيها: أخبرنا فلانٌ، ولم أعارِضْ بالأصلِ)) (¬1). / 287ب / قولهُ: (وأنْ يُبيِّنَ عندَ الروايةِ أنَّه لم يُعارضْ) (¬2)، أي: فمنْ ثمراتِ هذا أنَّه لا يتهمُ إذا ظهرَ الأمرُ بخلافِ ما رَوَى. قولهُ: (قليل السَّقطِ) (¬3) رأيتُها مضبوطةً بخطِّ العلامةِ نجمِ الدينِ محمدِ بنِ محمدِ بنِ عبدِ الدائمِ الباهيِّ الحنبليِّ في نسخةٍ بخطِّهِ، قرأها على شيخِهِ العلامةِ الحافظ تقيِّ الدينِ الدُّجْوي (¬4) بالتحريكِ، وقال الصغانيُّ في " مجمع البحرين ": ((والسقطُ - بالفتحِ - السُّقوطُ))، وضبطتْ في النسخةِ بالقلمِ بفتحِ القافِ، فلعلَّ مرادَهُ ((بالفتحِ)) فتحُ أوّلِهِ، وثانيهِ الذي يعبرُ عنهُ " القاموسُ " بـ ((التحريكِ)) ثم راجعتُ " القاموس " فرأيتُهُ قال: ((والسَّقطُ - مثلثةٌ -: الولدُ لغير تمامٍ، - ثم قال: - وبالتحريكِ ما أسقطَ منَ الشيءِ)) (¬5). قولهُ: (كمنْ إذا رأى) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ولا يَكونَنَّ كطائفةٍ (¬7) منَ الطلبةِ إذا رأوا)) (¬8) إلى آخره. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 303. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬4) أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمان بن حيدرة الشافعي الدُّجْوي - بضم الدال المهملة، وسكون الجيم، نسبةً إلى دجوة: قرية على شط النيل الشرقي على بحر رشيد - ولد سنة (737 هـ‍)، كان كثير الاستحضار، سمع منه ابن حجر وغيره، وحدث مراراً بصحيح مسلم، توفي سنة (809 هـ‍). شذرات الذهب 7/ 86 - 87. (¬5) القاموس المحيط مادة (سقط). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬7) هنا انتهت نسخة (ب). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 303.

قولهُ: (والتَّهَوُّرُ) (¬1) هو كذلك أيضاً عندَ غيرِ الجوهريِّ، لكنْ هو من: تَفعَّلَ تَفعُّلاً، والذي في النَّظْمِ من بابِ: فعَّلَ تَفعيلاً، وهو يؤول إلى ما في الشرح؛ لأنَّه من: هوَّر فلاناً: إذا صرعَهُ، وهوَّر البناء: إذا نقضَهُ، فمعنى التهويرِ: الإيقاعُ، فالمعنى: لا تكنْ مهوِّراً لنفسِكَ بأنْ تجعلها بسببِ التهاونِ والتسرعِ كالشيء الساقطِ لا اختيار له في كفِّهِ عنِ الوقوعِ، والله أعلم. قولهُ: (تخريجُ الساقط) (¬2)، أي: ((ويكتبُ الساقطَ، وهو اللحقُ)) في ((حاشيةِ)) الكتابِ، / 288أ / ((يلحقُ)) ذلكَ السقطَ ((إلى)) جهةِ ((اليمينِ)) من حاشيتي الورقةِ ((مالم يكنْ آخرَ سطرٍ)) فإنَّه يلحقُ دائماً في جهةِ اليسارِ، أي: في الحاشيةِ اليُسرى، ((وليكنِ)) الساقطُ ذاهباً إلى ((فوقٍ)) أي: إلى الجهةِ العليا منَ الورقةِ، وهو طرفها الذي يلي أولَ سطرٍ فيها، ولتكنِ ((السطورُ)) في ((أعلى)) الحاشيةِ التي يكتبُ فيها بعدَ تحويلك الورقةِ، لكتابةِ الساقطِ؛ فإنَّه قد ((حسنَ)) هذا الفعل، وأعلى الحاشيةِ اليُمنى هو طرفُ الورقةِ في الصفحةِ اليمنى، وما يلي الخياطةَ في الصفحةِ اليسرى، وأعلى الحاشيةِ اليسرى بالعكسِ منْ هذا. وخَرِّجن لأجلِ هذا ((السَّقطِ)) الذي كتبتهُ خَطاً يكونُ ابتداؤهُ ((منَ)) الموضعِ الذي ((سقطَ)) الساقطُ منه ((منعطفاً)) رأسُ ذلك الخطِّ إلى جهةِ ذلك السقطِ، ((وقيلَ: صل)) أولَ السقطِ ((بخطٍ)) ممتدٍّ منَ الخطِّ الذي خرَّجْتهُ لأجلِهِ، وبعد انتهاءِ كتابةِ السَّقطِ ((اكتبْ صحَّ، أو زدْ)) بعدَ كتابكَ ((صحَّ)) ((رجعَ أو كرِّرْ)) كتابةَ ((الكلمةِ)) التي لم تسقطْ مصاحبةً للكلمة التي قبلَها منَ السَّاقطِ، يعني: اكتبْ هذه الكلمةَ التي كررتَها، وهي في الأصلِ معَ السَّاقطِ لا في مكانٍ آخرَ فـ " مع " ظرفٌ، وهي هُنا للمكانِ، وهي منصوبةٌ على الظرفيةِ، وقيلَ: الحاليةُ، منونةٌ لأجلِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 481.

ذكر المصطحبين قبلها، فلم يبقَ بعدَها شيءٌ تضافُ إليهِ؛ لأنَّ معنى ((كرّر الكلمةَ)) اكتبْها مَرَّةً أخرى، أي: اكتبْ الكلمةَ / 288ب / التي لم تسقطْ - وهي التي تلي آخر الساقطِ - مع أختِها التي في الأصلِ؛ لتكونَ كلُّ واحدةٍ منهما مع أختِها في مكانٍ واحدٍ، والله أعلم. قولهُ: (وأمّا اشتقاقُهُ) (¬1)، أي: هذا الذي ذكرتُهُ هو اصطلاحُ أهلِ الحديثِ والكتابِ، وأمّا اشتقاقُ هذا اللفظِ من حيثُ اللغةُ، ((فيحتملُ أنَّهُ منَ الإلحاقِ))، أي: لأنَّ السَّاقِطَ لا يمكنُ أنْ يلحقَ بنفسِهِ، بل لابدَّ له منْ مُلحِقٍ، أي: ويحتملُ احتمالاً ضعيفاً أنَّهُ من ((لحقَ))؛ لأنَّه إذا ألحقَ فقد لحقَ. قولهُ: (قالَ الجوهريُّ) (¬2) هوَ ابتداءُ كلامٍ آخرَ يتعلقُ بمعناهُ، لا مدخلَ لهُ في الاشتقاقِ، ويجوزُ أنْ يكونَ تأييداً؛ لاحتمالِ أنَّهُ منَ الإلحاقِ، ويكونُ يلحقُ في قوله: ((شيءٌ يلحقُ)) مبنياً للمفعولِ، وقولُ المحكمِ يدلُّ على الاحتمالينِ. قولهُ: (ويحتملُ أنَّهُ مِنَ الزيادةِ) (¬3) عطفٌ على ((قال الجوهريُّ))، أي: قال الجوهريُّ: معناه كذا، ويحتملُ عِندي غير ما قالَ الجوهريُّ، وأنَّ معناهُ الزيادةُ لقولِ صاحبِ "المحكمِ" كذا، ولا تتوهم أنَّه معطوفٌ على ((يحتملُ أنَّه من الإلحاقِ)) فتقعُ في الخبطِ. قولهُ: (قال ابنُ عيينةَ) (¬4) يَنبغي كشفُ المحكمِ ليتحققَ، هل هو ابنُ عيينةَ المحدِّثُ أو غيرُهُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 481. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 480.

قولهُ في الشِّعر: (وبِزَّتَهُ) (¬1) قال في "الصحاحِ" (¬2): ((البزةُ - بالكسرِ - الهيئةُ))، وزادَ في "ديوان الأدبِ " (¬3): ((والبزةُ الخِلْعةُ))، والظاهرُ أنَّ المرادَ بهذا أليقُ، فيكون من عطفِ الخاصِ على العامِ، وفي " القاموسِ " (¬4): ((البزّ: الثيابُ، أو متاعُ البيتِ منَ الثيابِ ونحوها)) / 289أ /، فيكون من عطفِ العامِ على الخاصِ وهو أليقُ، والله أعلم. قولهُ: (من وسطِ السطرِ) (¬5) لو قالَ: منْ أثناءِ، كانَ أحسنَ. قولهُ: (وربما التقيا) (¬6) فقد يُقالُ: إنَّهُ لا حاجةَ إلى هذا التقييدِ، فإنَّ أحدَ وجوهِ الضربِ أنْ يجعلَ أولَهُ نصفَ دائرةٍ، وآخرَهُ كذلك، وهو شبيهٌ بالتخريجِ، وقد يقالُ: إنَّه أرادَ التنبيهَ على الوجهينِ، أو إنَّ الالتقاءَ أبعدُ من صورةِ التخريجِ، فالالتباسُ فيه أشدُّ. أو إنَّ نصفَ الدائرةِ تكونُ محيطة بالكلمةِ من أعلاها وأسفلِها، بخلافِ التخريجِ فإنَّه شبيهٌ بالانعطافِ في الضربِ الذي أشارَ إليه المصنفُ. قولهُ: (ضَرْبٌ على ما بينهما) (¬7) يدفعُ هذا الظنَّ كتابةَ السَّقطِ، ولا يقالُ: يحتملُ أنْ يظنَّ أنَّ ما على الحاشيةِ بدل ما في الأصلِ؛ لأنَّ ذلك الظنَّ تدفعُهُ الكتابةُ منَ الجانبينِ، والله أعلم. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 482. (¬2) الصحاح مادة (بزز). (¬3) ديوان الأدب 3/ 36. (¬4) القاموس المحيط مادة (بزز). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 482. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 482. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 483.

قولهُ: (من أعلى) (¬1)، أي: يبتدئ أولَ سَطرٍ من الساقطِ من طرفِ الورقةِ في الصفحةِ اليمنى، وهو أبعدُ حاشيتها عن الأسطرِ التي في الأصلِ، ويصفُّ كلماتِ السطرِ؛ لينتهي في آخر الورقةِ من جهةِ الحاشيةِ الممتدةِ مع طولِ أولِ سطرٍ في الصفحةِ، ثم يكتبُ السطرَ الثاني - إنْ كانَ - تحتَ الأولِ، وهكذا حتى يكونَ ظهرَ آخر سطرٍ من الساقطِ على أوائلِ سطورِ تلكَ الصفحةِ، ولهُ أنْ يجعلَ السَّطرَ الثاني بعرضِ الحاشية الممتدة معَ أولِ سطرٍ، إنْ كانتْ خاليةً، وهكذا حتى ينتهي /289ب/، ويوفرَ ما تحتَ بقيةِ السطرِ الأعلى منَ الحاشيةِ لسقطٍ آخرَ. قولهُ: (إلى جهةِ باطنِ الورقةِ) (¬2)، أي: فيكونُ آخرُ سطرٍ فيها أقربَها إلى أوائلِ الأسطرِ التي في أصلِها. قولهُ: (بتخريجٍ) (¬3)، أي: غيرِ متصلٍ بالساقطِ، أو بتخريجٍ مع اتصال، هذا إنْ كانتِ الحاشيةُ الممتدةُ مع أولِ سطرٍ في الصفحةِ مشغولةً، وإنْ كانتْ خاليةً كتبَ فيها، وهو حسنٌ جداً. قولهُ: (فحسن) (¬4)، أي: فإنَّ ذلك قد حسن. قولهُ: (إلى جهةِ التخريجِ) (¬5) صوابُهُ: إلى جهةِ المخرجِ لهُ، وأمَّا التخريجُ فهو فعلُ كاتبِ التخريجةِ، وهي الخطُّ المشيرُ إلى الساقطِ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ثم يعطفُه بينَ السطرينِ عطفةً يسيرةً إلى جهةِ الحاشيةِ التي يكتُبُ فيها اللحقَ، ويبدأُ في الحاشيةِ بكتبِهِ اللحقَ مُقابلاً للخطِّ المنعطفِ)) (¬6) وهي عبارةٌ حسنةٌ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 483. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 483. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 484. (¬4) التبصرة والتذكرة (585). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 482. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 303 - 304.

قولهُ: (حرفٌ واحدٌ) (¬1)، أي: كلمةٌ واحدةٌ (¬2). قولهُ: (مما يتصلُ به الدفترُ) (¬3)، أي: الكتاب، قال في " القاموسِ " (¬4): ((الدفترُ، وقد تُكسرُ الدال: جماعةُ الصحفِ المضمومةِ)). قولهُ: (فربَّ (¬5) كلمةٍ) (¬6) إلى آخرهِ، قال شيخُنا: ((وكذلك القولُ في ((صح))، ربما انتظمَ الكلامُ بعدَها بها فيظنُّ أنّها منَ الكتابِ، والأحسنُ الرمزُ بشيءٍ لا يُقرأُ)). قلتُ: كأنْ يكتبَ صاد ((صح)) مطموساً، ولا يجعلُ لحائها تعريفةً على هذه الصورةِ ((صحـ)). قولهُ: (كالضبةِ) (¬7) هذا غيرُ مرضيٍّ؛ لإشكالِهِ بالتضبيبِ الذي للتمريضِ، كما يأتي في الذي بعدَهُ. قولهُ: (وأدلُّ) (¬8) قال / 290أ / ابنُ الصلاحِ عقبه: ((وفي نفسِ هذا المخرجِ ما يمنعُ الإلباسَ، ثم هذا التخريجُ يخالفُ التخريجَ لما هو مِنْ نفسِ الأصلِ في أنَّ خطَّ ذلك التخريجِ يقعُ بينَ الكلمتينِ اللتينِ بينَهما سقطَ السَّاقطُ، وخطُّ هذا التَّخريج يقعُ على نفسِ الكلمةِ التي من أجلِها خُرِّجَ المُخَرَّجُ في الحاشيةِ)) (¬9). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 485. (¬2) عبارة: ((قوله: (حرف واحد)، أي: كلمة واحدة)) تكررت في (ف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 485. (¬4) القاموس المحيط مادة (دفتر). (¬5) في (ف): ((فردت)) خطأ. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 485. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 486. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 486. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 305.

قولهُ: (التصحيحُ) (¬1) إلى آخرِهِ، قال ابنُ الصلاحِ: ((منْ شأنِ الحُذَّاقِ المُتقنينَ العنايةُ بالتصحيحِ والتضبيبِ)) (¬2). انتهى. ولعلَّهم خصوا هذه الصورةَ بالكتابةِ على المضبَّبِ؛ لأنَّه ربما يتجهُ المعنى فيُلحقُ بها ((حاء)) فتصيرُ علامةَ التصحيحِ هكذا ((صح)). قولهُ: (الإفْلِيلي) هو أبو القاسمِ إبراهيمُ بنُ محمد بن زكريا القرشيُّ الزهريُّ من أهلِ قُرطبةَ، قال ابنُ خلكان: ((كانَ من أئمَّةِ النحوِ واللغةِ، وله معرفةٌ تامةٌ بالكلامِ على معاني الشِّعرِ، ورَوَى عن أبي بكرٍ الزبيديِّ، وكانَ مُتصدراً بالأندلسِ لإقراء الأدبِ، وُلِدَ في شوال سنة اثنتينِ وخمسينَ وثلاثمئةٍ، وماتَ آخر يوم السبتِ ثالثَ عشرَ ذي القعدةِ سنةَ إحدى وأربعينَ وأربعمئةٍ، ودُفِنَ يومَ الأحدِ بعدَ العصرِ في صحنِ مسجد خرب عندَ بابِ عامرٍ بقرطبةَ، والإفْلِيليُّ: بكسرِ الهمزةِ، وسكونِ الفاءِ، وكسر اللامِ، وسكونِ التحتيةِ، ثم لام ثانية، نسبةً إلى قرية بالشام كان أصله منها)) (¬3). قولهُ: (منْ أهلِ المغربِ) (¬4) قال شيخُنا: ((يمكنُ الجمعُ، وهو أنَّ قائلَ ذلك مِنْ / 290ب / أهلِ الأدب من أهلِ المغربِ)). قولهُ: (هذا بعيدٌ) (¬5) ليس ببعيدٍ؛ لأنَّه قد تقدمَ عندَ تشبيهِ الكتابةِ مع عدمِ المقابلةِ بدخول الخلاءِ مع عدمِ الاستنجاءِ أنَّ المقصودَ منَ التشبيهِ إنمَّا هوَ المعنى ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 485. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 306. (¬3) وفيات الأعيان 1/ 51، وشذرات الذهب 3/ 266، وضبط القرية ياقوت في "معجم البلدان": ((أفليلاء - بفتح الهمزة -))، وكذا في " مراصد الاطلاع " 1/ 102. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 485. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 487.

الذي شبَّهَ من أجلِهِ لا المشابهةَ للمشبهِ به في جميعِ عوارِضِهِ، ووضحَ ذَلِكَ بتشبيهِ الوحي بصلصلةِ الجرسِ، والله أعلم. قولهُ: (جُعلت للجبر) (¬1) مسلّمٌ، لكنْ جَعْلُها لهُ لا يمنعُ دِلالتَها على الخللِ الذي تحتَها، وهو المرادُ منَ الاستعارةِ هنا، فهما متساويانِ في أنَّ كلاً منهما جُعلَ على خللٍ في المضببِ، وأنَّ كلا ذو خَللٍ، وصحةُ الكلمةِ من جهةِ صحةِ ورودها وفسادِ مَعناها، والإناءُ من جهةِ خَللِهِ الذي كانَ وصحته الآنَ. قولهُ: (ولم يتَّجِهْ وجْهُها) (¬2) قال الشيخُ في " النكتِ ": ((فهي بضبةِ البابِ أشبه، كما تقدمَ نقلُ المصنفِ له عن أبي القاسمِ بن الإفليليِّ)) (¬3). قولهُ: (بعضُ المتجاسرينَ) (¬4) لعلهُ يُشيرُ إلى ما ذكرَ القاضي عياضٌ منْ أنَّ شيخَهُ هشامَ بنَ أحمدَ الوقشيَّ كانَ منْ أكابرِ العلماءِ وأهلِ اللغةِ، فكانَ إذا مَرَّ بهِ شيءٌ لم يتجهْ لهُ وجههُ أصلحهُ بما يظنُّهُ وجهاً، اعتماداً على وثوقهِ بعلمهِ في العربيةِ واللغةِ وغيرها، ثمَّ يظهرُ أنَّ الصوابَ ما كانَ في الكتابِ، ويتبيَّنُ وجههُ، وأنَّ ما غيَّرهُ إليهِ خطأٌ، وقدْ أشارَ ابنُ الصلاحِ / 291أ / إلى ذَلِكَ في " إصلاحِ الخطأ ". قولهُ: (ابنُ الصلاحِ أيضاً) (¬5) عبارتهُ: ((كُتبتْ - أي: الضبَّةُ - كذلكَ، ليُفرَّقَ بينَ ما صَحَّ مُطلقاً منْ جهةِ الرِّوايةِ وغيرها، وبينَ ما صحَّ منْ جهةِ الروايةِ دونَ غيرها، فلم يُكمَّلْ عليهِ التصحيحُ، وكُتبَ حَرفٌ ناقصٌ [على حرفٍ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 487. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 487. (¬3) التقييد والإيضاح: 214. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 487. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 488.

ناقصٍ] (¬1)، إشعاراً بنقصهِ ومرضهِ معَ صحةِ نقلهِ وروايتهِ وتنبيهاً بذلكَ لمن ينظرُ في كتابهِ على أنَّهُ قدْ وقفَ عليهِ ونقلهُ على (¬2) ما هوَ عليهِ، ولعلَّ غيرهُ قدْ يُخرِّجُ لهُ وَجهاً صَحيحاً، أو يظهرُ لهُ بعدَ ذَلِكَ في صحتهِ ما لم يظهرْ لهُ الآنَ، ولو غيَّرَ ذَلِكَ وأصلحهُ على ما عندهُ لكانَ متعرِّضاً لما وقعَ فيهِ غيرُ واحدٍ من المتجاسرينَ الذينَ غيَّروا، وظهرَ الصوابُ فيما أنكروه (¬3) والفسادُ فيما أصلحوه (¬4))) (¬5). قولهُ: (على (¬6) الوجهِ) (¬7) عبارة ابنِ الصلاحِ: ((على ذَلِكَ الوجهِ)) (¬8). قولهُ: (منْ جهةِ المعنى) (¬9) إلى آخرهِ، الذي منْ جِهةِ المعنى ولفظهُ وخَطهُ صحيحٌ واضحٌ، والذي منْ جهةِ اللفظِ فقط فكما لو قيل: إنَّ الشيءَ الفلانيَّ لَم غفلَ عنهُ، بالماضي بعدَ ((لم)) الجازمةِ، وهذا ما لم يصحَّ في العربيةِ، أو مثل ((الأجْلَلِ)) في ((الأجَلِّ)) وهو مثالٌ شاذٌ (¬10). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين زيادة من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬2) عبارة: ((ونقله على)) لم ترد في (ف). (¬3) في (أ) و (ب): ((أنكروا)). (¬4) في (أ) و (ب): ((أصلحوا)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 306. (¬6) في (ف): ((وعلى)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 488. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 306. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 488. (¬10) في (ف): ((الشاذ)).

قولهُ: (لئلاَّ يُظَنَّ ضرباً) (¬1) إنْ قيلَ: أهل الاصطلاحِ يميزونَ بينَ الضبَّةِ والضربِ؛ لأنَّهُ ليسَ في أقسامهِ ما يشبهُ الضبَّةَ، وغيرُهم يظنُّ، سواءً اتصلَ الصادُ بالكلمةِ، أو انفصلَ، قيلَ: أمَّا منْ لا يعرفُ فلا شكَّ أنَّ ظنَّهُ عندَ / 291ب / الاتصالِ يكونُ أقوى، وأمَّا العارفُ فيظنُّ أنَّ هذا ضربٌ، وأنَّهُ ممن لا يعرفُ، فلا يرفعُ عنهُ اللبسُ جَعْلُ رأسهِ كالصادِ؛ لأنَّهُ لا يتوقَّى مثلَ هذا إلاَّ العارفُ بالمصطلحِ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: 595 - وَمَا يزِيْدُ فِي الْكِتَابِ يُبْعَدُ ... كَشْطاً َوَمَحْواً وَبِضَرْبٍ أَجْوَدُ 596 - وَصِلْهُ بِالْحُرُوْفِ خَطّاً أَوْ لاَ ... مَعْ عَطْفِهِ أَوْ كَتْبَ (لاَ) ثُمَّ إلى 597 - أَوْ نِصْفَ دَارَةٍ وَإِلاَّ صِفْرَا ... فِي كُلِّ جَانِبٍ وَعَلِّمْ سَطْرَا 598 - سَطْراً إذا مَا كَثُرَتْ سُطُوْرُهْ ... أَوْلا وَإِنْ حَرْفٌ أتَى تَكْرِيْرَهْ 599 - فَأَبْقِ مَا أَوَّلُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا ... اخِرُ سَطْرٍ ثُمَّ مَا تَقَدَّمَا 600 - أَوِ (¬2) اسْتَجِدْ قَوْلاَنِ مَا لَمْ يُضِفِ ... أَوْ يُوْصَفُ اوْ (¬3) نَحْوُهُمَا فَأَلِفِ الكَشْطُ: القَشْطُ، قالَ الصغانيُّ في "مجمعِ البحرينِ": ((كشطتُ الجُلَّ عنْ ظهرِ الفرسِ، والغطاءَ عنِ الشيءِ: إذا كشفتهُ عنهُ، والقشطُ لغةٌ فيهِ، وفي قراءةِ عبد اللهِ: {وإِذَا السَّمَاءُ قشِطَتْ} (¬4)، قالَ الزجاجُ: قشطتْ وكشطتْ معناهما جميعاً: قلعتْ، وكشطتُ البعيرَ كشطاً: نزعتُ جلدهُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 488. (¬2) كسرت الواو؛ لالتقاء الساكنين. (¬3) بوصل همزة (أو)؛ لضرورة الوزن. (¬4) الآية من سورة التكوير: 11، وانظر في قراءة عبد الله: تفسير القرطبي 8/ 7026.

والمحوُ: إزالةُ المكتوبِ منْ غيرِ أخذِ شيءٍ منْ ظاهرِ المكتوبِ فيهِ. قولهُ: (كشطاً ومحواً) (¬1) الأحسنُ نصبُها على الحالِ، أي: ذا كشطٍ وذا محوٍ. قولهُ: (خطاً) (¬2)، أي: وصلُ الضربِ بالحروفِ حالَ كونهِ خطاً. قولهُ: (أوْ لا) (¬3) فيهِ ما تقدمَ منْ قطعهِ وتمامِ ضربِ السطرِ بعدهُ، ولو قالَ: أو فلا، لتمَّ، أي: صِل خَطَّ الضربِ بحروفِ الكلماتِ المضروبِ عليها، أو لا، فلا تصلهُ بها بلْ ارفعهُ عنها لكنَّ الإتيانَ بالفاءِ ليسَ لهُ فائدة إلا تمام النظمِ. وتقدير الكلام: أو إنْ كُنتَ لا تريدُ وصلَه فلا تَصلْه. قولهُ: (سطراً سطراً) (¬4) حالٌ منَ المفعولِ المحذوفِ، أي: عَلِّم الزائدَ مرتباً هذا الترتيبَ. قولهُ: (بالكشطِ وهو الحكُّ) (¬5) قالَ في "القاموسِ" (¬6): ((الحكُّ: إمرارُ جرمٍ على جرمٍ صَكاً)) / 292 أ /. انتهى. وهو لا يلزمُ منه أَخذُ شيءٍ منَ الورَقِ، فتفسيرُ الكشطِ بهِ فيهِ نظرٌ؛ لأنَّ الكشطَ هوَ السلخُ، وهو أنْ يقلعَ الكتابةَ معَ ما تشرَّبها منَ المكتوبِ عليهِ، ولا يفرقُ ما تحتهُ منْ أجزاءِ الورقِ، ويرخيها، وينفشها، بل يبقى بحيثُ يكتبُ عليهِ، ولا يظهرُ فيهِ فسادٌ، هذا إذا كانَ الورقُ جيداً، والسكينُ حادةً، والحكُّ ربَّما فرَّقَ الأجزاءَ وأرخاها ونفشها، فمنعَ منَ الكتابةِ على موضعهِ وإنْ كتبَ نفذَ وكانَ منظرهُ بشعاً، فكأنَّهم ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (595). (¬2) التبصرة والتذكرة (596). (¬3) التبصرة والتذكرة (596). (¬4) التبصرة والتذكرة (597) و (598). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 489. (¬6) القاموس المحيط مادة (حكك).

إنمَّا قالوا ذلكَ إشارةً إلى الرفقِ بالورقِ، إنْ أمكنَ ذَلِكَ؛ لأنَّ القصدَ يحصلُ بإزالةِ الكتابةِ فقطْ. قولهُ: (عنْ سُحْنُونَ) (¬1) هوَ بضمِّ السينِ وحُكيَ فتحُها (¬2)، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ في آخرِ الكلامِ في هذا: ((وأمّا المحوُ فيقاربُ الكشطَ في حكمهِ الذي تقدَّمَ ذِكرُهُ، وتتنوعُ طرُقُهُ، ومنْ أغربِها - معَ أنَّهُ أسلمُها - ما رُويَ عن سُحنون بن سعيدٍ التنُوخيِّ الإمامِ المالكيِّ: أنَّهُ كانَ ربما كتبَ الشيءَ ثمَّ لعقَهُ (¬3)، وإلى هذا يومىءُ ما رُوِّينا عن إبراهيمَ النَّخعيِّ (¬4) أنَّهُ كانَ يقولُ: منَ المروءةِ أنْ يُرى في ثوبِ الرجلِ وشفتيهِ مدادٌ)) (¬5). قوله: (وَرُوِّينا) (¬6) مضبوطٌ في نسخٍ عديدةٍ بضمِ الراءِ وتشديدِ الواوِ مكسورةً، وهذا اصطلاحٌ لابنِ الصلاحِ سلكهُ؛ لشدةِ التَّحري، وهو أنَّهُ إذا حدَّثَ بما حملهُ، قالَ: ((رَويْنَا)) بالفتحِ والتخفيفِ، أي: نقلنا / 292 ب / لغيرنا، وإلا قالَ بالضمِّ، أي: نقل لنا شيوخُنا. قولهُ: (وقدْ أُنبئتُ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وأخبرني منْ أُخبرَ عنِ القاضي عياضٍ)) (¬8)، فعبارتهُ دالةٌ على أنَّ بينهُ وبينَ عياضٍ اثنينِ، وعبارةُ الشيخِ عنها تدلُّ على ثلاثةٍ فهما غيرُ متساويتينِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 489. (¬2) وفيات الأعيان 3/ 182. (¬3) الإلماع: 173. (¬4) انظر: وفيات الأعيان 3/ 182، نسبته إلى النَّخع - بفتح النون والخاء المعجمة وبعدها عين مهملة - وهي قبيلة كبيرة من مَذْحِج باليمن. انظر: وفيات الأعيان 1/ 21. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 310. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 489. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 490. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 307.

قولهُ: (يخطُّ منْ فوقهِ) (¬1)، أي: بحيثُ يشقُّ الكلماتِ نصفينِ بدليلِ قولهِ: ((ويقرأُ منْ تحتهِ)) كما سيأتي. قولهُ: (سفيانُ بنُ العاصِ) (¬2) قالَ: هذا الاسمُ تارةً يكونُ منْ عصى يعصي، وتارةً منْ عصا يعصو، وبنو أميَّةَ أسماؤهم منَ الثاني وكتابتهُ بغيرِ ياءٍ. قلت: أمّا عَصَى يَعصي فمن العصيانِ الذي هوَ خلافُ الطاعةِ، وأمّا عصا يعصو فمن معانٍ شتى. قالَ في "القاموسِ" (¬3) ما حاصلهُ: ((عصيَ بالعصا كَرَضِيَ: أخذها، وبسيفهِ أخَذَهُ أخْذَها، أو ضَرَبَ بهِ ضَرْبَهُ بها كعصا كدعا، أو عصوتُ بالسيفِ، وعصيتُ بالعصا، أو عكسهُ، وكلاهما (¬4) في كليهما، وعصاني فعَصوْتهُ: ضاربني بها فغلبتهُ، وعَصوتُ الجُرحَ: شددتهُ، والقومَ جمعتُهم على خيرٍ أو شرٍّ))، ولا يظهرُ عندي فرقٌ في الكتابةِ، فإنَّ الواويَّ واوهُ متطرفةٌ قبلها كسرةٌ، فيجبُ أن تُقلبَ ياءً، وإذا صارتْ ياءً جازَ فيها ما جَازَ في الذي منَ العصيانِ منَ الحذفِ، إلاَّ أنْ يُقالَ: إنَّ التي أصلُها الواو أولى بالحذفِ؛ لعدمِ أصالتها. قولهُ: (حتى لا يُبْشَرَ) (¬5) البَشرُ القشْرُ، وهو أخذُ وجهِ / 293 أ / البشرةِ وهو حقيقةُ الكشْطِ، وما فسّروهُ بالحكِّ إلاَّ حثاً على الرفقِ بالورقِ كما مضى، وقدْ مضى بيانُ أنَّهُ يكونُ في الغالبِ أجود منَ الحكِّ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 490. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 490. (¬3) القاموس المحيط مادة (عصا). (¬4) في (ف): ((أو كلاهما)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 490.

قولهُ: (لكنْ يكونُ الخطُّ مختلطاً) (¬1) هذا الاستدراكُ غيرُ جيِّدٍ؛ لأنَّهُ يفهم أنَّه زائدٌ على ما قالَ الرامهرمزيُّ، وليسَ كذلكَ كما مضى، ويأتي، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ تُفهمُ أنَّ كلامَ القاضي موافقٌ لكلامِ الرامهُرمزيِّ، فإنَّهُ بعدَ أنْ حَكى عبارةَ الرامهرمزيِّ، قالَ: ((وَرُوِّيْنا عنِ القاضي عياضٍ ما معناهُ: أنَّ اختياراتِ الضابطينَ اختلفتْ في الضربِ، فأكثرُهم على مَدِّ الخطِّ على المضروبِ عليهِ مختلطاً بالكلماتِ المضروبِ عليها، ويُسمى ذَلِكَ ((الشَّق)) أيضاً، ومنهم منْ لا يخلطُهُ)) (¬2) فلمْ يَسُقْهُ على وجهِ الاستدراكِ، فإنْ كانتْ عبارةُ القاضي في "الإلماعِ" خاليةً عنهُ فهوَ وجهٌ آخرُ في مؤاخذةِ الشيخِ، وإنْ كانتْ مستدركةً فحذفهُ لها يكادُ أنْ يكونَ مصرِّحاً بأنَّهُ يرى أنَّهُ لا اختلافَ بينَ قولهِ، وقولِ ابنِ خَلاَّدٍ. قولهُ: (وهو الذي يُسمَّى: الضَّربَ والشَّقَّ) (¬3) قالَ المصنفُ في "نكتهِ" على ابنِ الصلاحِ: ((الشَقُّ: بفتحِ الشينِ المعجمةِ، وتشديدِ القافِ، وهذا الاصطلاحُ لا يعرفهُ أهلُ المشرقِ (¬4)، ولم يذكرهُ الخطيبُ في "الجامعِ"، ولا في "الكفايةِ"، وهو اصطلاحٌ لأهلِ المغربِ، وذكرهُ القاضي عياضٌ في "الإلماعِ" (¬5) ومنهُ أخذهُ المصنفُ، وكأنَّهُ مأخوذٌ منَ الشقِّ وهو الصدعُ (¬6)، أو منْ شقِّ / 293ب / العصا، وهو التفريقُ فكأنَّهُ فرَّقَ بينَ الكلمةِ الزائدةِ، وبينَ ما قبلها وبعدها منَ الصحيحِ الثابتِ بالضربِ عليها، والله أعلمُ)). (¬7) انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 308 - 309. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491. (¬4) في (ف): ((الشرق)). (¬5) الإلماع: 170 - 171. (¬6) في (ف): ((الصداع)). (¬7) التقييد والإيضاح: 216.

قلتُ: أو يكونُ كأنَّهُ فَصلَ كلَّ حرفٍ وقعَ عليهِ الضربُ فشقَّهُ باثنينِ، وإنمَّا لَم يعرِّجِ المصنفُ على هذا؛ لأنَّهُ فهمَ منْ قولِ ابنِ خلادٍ: ((يخطُّ منْ فوقهِ)) أنّ الضربَ يكونُ على رأسِ الحروفِ لا على وسطها بدليلِ قولهِ في القولِ الثاني: ((أنْ لا يخلطَ الضرب بأوائلِ الكلماتِ))، وظاهرُ كلامهِ إنمَّا هوَ الثاني، وإلاَّ لم يكنْ لقولهِ: ((ويقرأ منْ تحتهِ)) كبيرُ فائدةٍ. قالَ المصنفُ: ((ويوجدُ في بعضِ نسخِ "علومِ الحديثِ": النشقُ، بزيادةِ نونٍ مفتوحةٍ في أولهِ، وسكونِ الشينِ، فإنْ لمْ يكنْ تَصحيفاً وتغييراً منَ النساخِ، فكأنَّهُ مأخوذٌ منْ: نشقَ الظبيُّ في حبالته إذا علقَ فيها، فكأنَّهُ إبطالٌ لحركةِ الكلمةِ وإهمالها بجعلِها في صورةِ وثاقٍ يمنعها منَ التصرفِ، واللهُ أعلمُ)) (¬1). قولهُ: (يعطفُ طرفي الخطِّ) (¬2)، أي: حتى يكونَ كالباءِ المقلوبةِ. قولهُ: (ومثلُ هذا يصلحُ فيما صحَّ) (¬3) إلى آخرهِ، كذا فعلَ اليونينيُّ في نسختهِ منَ البخاريِّ، فإنَّهُ يكتبُ على أولِ بعضِ الجملِ ((لا)) وعلى آخرِها ((إلى))، ويكتبُ عليها فيما بينَ ذَلِكَ رمزَ (¬4) بعضِ الرُّواةِ، فيفهمُ أنَّ هذا الكلامَ ساقطٌ في روايةِ صاحبِ الرمزِ، ثابتٌ في روايةِ منْ سواهُ. قولهُ: (قالَ: وقد يكتفي) (¬5) إلى آخرهِ / 294 أ /، أي: بأنْ تُمدَّ العلامةُ إلى آخر ما اختصَّ صاحبُ العلامةِ بروايتِهِ. ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 216. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491. (¬4) في (ف): ((من)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491.

قولهُ: (وآخرهُ منصوبٌ) (¬1)، أي: آخرُ حروفِ كلمةِ ((كُتبَ)) وهوَ الباءُ، ولو قالَ: وهو مصدرٌ منصوبٌ على نزعِ الخافضِ كانَ أحسنَ، وكذا القولُ في قولهِ: ((والفاءُ منهُ منصوبةٌ)) على أنَّ الأحسنَ في ((كُتب)) الجرُّ عطفاً على ((بضرب))، أي: وإبعادُهُ بضربٍ أجودُ أو بكتبِ ((لا)) و ((إلى))؛ لأنَّ النصبَ بنزعِ الخافضِ مذهبٌ كوفيٌ (¬2). قولهُ: (والقولُ الرابعُ) (¬3) عبارةُ القاضي عياضٍ عنهُ: ((ومنهم منْ يستقبحُ هذا (أي: الضربَ بقسميهِ -، ويراهُ تسويداً وتطليساً [في الكتاب] (¬4) بل يحوِّق على أولِ الكلامِ المضروبِ عليهِ بنصفِ دائرةٍ، وكذلكَ في آخرهِ)) (¬5). قولهُ: (والفاءُ منهُ منصوبةٌ) (¬6) تقدمَ أنَّهُ لو قالَ: وهو منصوبٌ، كانَ أولى، و ((المضافُ إليهِ)) ((لا))، أي: أو بأنْ يكتبَ ((لا))، أو نصف دارةٍ. قولهُ: (ويسمِّيها صفراً) (¬7) فينبغي كتابةُ الصفرينِ فوقَ أولِ الزائدِ وآخرهِ، ككتابةِ ((لا)) و ((إلى))، فإنَّ في كتابتهِ إلباساً بإرادةِ الفصلِ بينَ رؤوسِ المسائلِ، ويقوَى الإلباسُ بجعلهِ بينَ الكلماتِ معَ اختلاطهِ ببعضِ الأحرفِ غالباً، بخلافِ نصفِ الدائرةِ، فإنَّ الخطَّ لا يعسر غالباً إدخالهُ بينَ الحروفِ ثمَّ يقوسُ فوقها. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 491. (¬2) انظر: شرح قطر الندى: 197. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 492. (¬4) ما بين المعكوفتين زيادة من " الإلماع ". (¬5) الإلماع: 171. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 492. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 492.

قولهُ: (إنَّهُ رُبَّما اكتفى) (¬1) هوَ بيانٌ للضميرِ البارز في قولهِ: ((حكاهُ)) (¬2). قولهُ: (وقدْ أطلقَ ابنُ خلاّدٍ) (¬3) هذا تكريرٌ، كانَ يغني عنهُ أنْ يقولَ: ولم يراعِ ابنُ خلاّدٍ أيضاً المضافَ ونحوَهُ، وأنْ يقولَ: وقالَ القاضي / 294 ب / بالواوِ؛ فإنَّ حذفَها غيرُ جيّدٍ. قولهُ: (ويضرب بعدُ) (¬4) معطوفٌ على ((أنْ لا يفصلَ)) (¬5) أي: فينبغي أنْ لا يفصلَ بينَ المتلائمين في الخطِّ، وأنْ لا يضربَ بعدَ الانتقالِ عنِ الكلمةِ الأولى على الكلمةِ الثانيةِ، وهي المتكررةُ، بل يضربُ على الأولى إنْ كانتْ هي المتكررةُ، وكذا على الثانيةِ لئلا يفرقَ بينَ المتضايفين المتواصفينِ، سواءٌ كانتِ الكلمةُ المكررةُ أولَ السطرِ أو آخرهُ. قولهُ في قولهِ: (العملُ في اختلافِ الرواياتِ) (¬6): (وَلْيَبْنِ) (¬7)، أي: يجعلُ كما عَبّرَ بِهِ ابنُ الصلاحِ شبّهَ كتابةَ سطورهِ، وجمعَ حروفهِ بالبناءِ. قولهُ: (أولاً) (¬8) ظرفٌ منصوبٌ (¬9)، أي: في أوّلِ كتابتهِ للكتابِ، أو أوّلِ مقابلتهِ لهُ على الأصلِ المعتمدِ، ولا يجعلهُ ملفقاً منْ روايتين فأكثر؛ فإنَّ ذَلِكَ يكون ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 492. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 492. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 493. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 493. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 493. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 493. (¬7) التبصرة والتذكرة (601). (¬8) التبصرة والتذكرة (601). (¬9) ((منصوب)) من (ف) فقط.

مُلبساً، وقد تقدّمَ غير بعيدٍ أنَّ مثل هَذَا الظرفِ إِذَا قُطِعَ عَن الإضافة ولم يُنو معناها فِيهِ يكونُ معرباً، فإنْ لَمْ يُنوَ معناها (¬1) ولا لفظها كَانَ الظرفُ نكرةً منونةً. قولهُ: (بكتبِ راوٍ) (¬2)، أي: ليُحسن العناية بغير الرواية التي بنى عَلَيْهَا كتابَهُ، وإحسانهُ للعناية يكونُ بكتب مَا خالف رِوَايَة الأصلِ عَلَى الهامشِ، معَ كتبِ راوي ذَلِكَ عَلِيهِ حالَ كونهِ سمي فِي الكتابةِ باسمهِ صريحاً. قولهُ: (أَوْ رَمزاً) (¬3) عطفٌ عَلَى محل ((راوٍ)) أَو على صفةِ المصدرِ المعلوم مِنْ سمي، أي: تسميةً صريحةً، أَوْ رمزاً، أي: ذاتَ رمزٍ إلى الرَّاوي بكتابة حرف من اسمه أَوْ أكثر يفعلُ هكذا (¬4) أَوْ يكتبها فِي الأصل بحمرةٍ معَ كتابةِ اسمِ / 295أ / راويها فوقَها صريحاً أَوْ رمزاً، هَذَا إنْ كَانَت الرواية التي بنى عَلَيْهَا الكتابَ ناقصةً، وأمّا إنْ كانتْ هِيَ الزائدةُ، فإنَّهُ يجعل عَلَى أول الزيادةِ دارةً وعلى آخرها دارةً، ويكتب فيها بَيْن الدارتينِ اسمَ الراوي الذي بُني الأصلُ عَلَى روايته. والدارةُ هِيَ المرادُ بـ ((حوَّق))، وَهُوَ فعلٌ ماضٍ بمعنى حلَّقَ، أي: جعلَ حلقةً منْ قولهم: ((حَوَّقَ عَليهِ تحويقاً)) عرّجَ (¬5) عَليهِ الكَلامَ، ومنْ حاقَ بِهِ أَوْ أحاقَ، أي: أحاطَ. قولهُ: (ويقعُ الاختلافُ) (¬6) المرادُ حصولُ الوقوعِ، لا يفيدُ استقبالاً ولا غيرَهُ، فإنَّ المضارعَ قَدْ يرادُ بِهِ ذَلِكَ كما ذكرهُ أبو حَيّان فِي تَفسيرِ (¬7) سورة الحجِ ¬

_ (¬1) عبارة: ((فإن لم ينو معناها)) لم ترد في (ف). (¬2) التبصرة والتذكرة (602). (¬3) التبصرة والتذكرة (602). (¬4) في (ف): ((هذا)). (¬5) في (ف): ((عوج)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬7) البحر المحيط 6/ 362.

عندَ قولهِ تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَام} (¬1). قولهُ: (وإنْ كَانَ الاختلافُ بالنقصِ) (¬2)، أي: بأنْ كانتِ الزيادةُ فِي روايةِ الأصلِ أعلمَ عَلَى تلكَ الزيادةِ التي فِي أصلهِ، أمَّا بأنْ يكتبَ أول اسمِ راويها صريحاً، أَوْ رمزاً عَلَى أولها، ويمدَّهُ حَتَّى يكونَ آخرُهُ عَلَى آخرِها، أَوْ بأن يحوِّق عَلَى أولها وآخرها، وَيكتُبَ اسم الراوي بَيْن الدّارتينِ، أَوْ بغيرِ ذَلِكَ. وكانَ ينبغي أنْ يَقُولَ: وإنْ كانتْ نقصاً أعلمَ، أي: ذاتَ نقصٍ كما قَالَ ((زيادةً))، ولو قَالَ: وإنْ كانتْ ناقصةً لكانَ أحسنَ منْ جهةِ الوضوحِ ... والاختصارِ، وإنْ كانتْ عبارتُهُ وافيةً بالمعنى؛ لأنَّ الاختلافَ بالنقصِ يشملُ مَا إِذَا كانتْ روايةُ الأصلِ ناقصةً، وقد تقدمَ فِي قولهِ: ((إن / 295 ب / كانتْ زيادةً)) (¬3) فتعيّنَ مَا إِذَا كانتْ زائدةً. قولهُ: (وما نقص مِنْهَا) (¬4)، أي: منَ الروايةِ الَّتِيْ يقابلُ كتابه عَلَيْهَا عنِ الروايةِ التي بنى كتابهُ عَلَيْهَا: ((حوّقَ عَليهِ))، أي: حلَّقَ وأَحاطَ بحلقةٍ ودائرةٍ ((عَليهِ))، أي: فوقهُ. قولهُ: (فَقَدْ حكاهُ) (¬5)، أي: كتابةَ الزائدِ بالحمرةِ كأبي ذَرٍّ الهرويِّ قَالَ ابنُ الصَلاحِ: ((مَن المشارقةِ والقابسيُّ (¬6)، قَالَ: منَ المغاربةِ)) (¬7). ¬

_ (¬1) الحج: 25. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬6) هو الإمام الحافظ الفقيه أبو الحسن علي بن محمد بن خلف المعافري توفي سنة (403 هـ‍). انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1079 (982). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 311.

قولهُ: (وذِكرِهِ) (¬1) هُوَ بالكسرِ: الحفظُ للشيءِ، وبالضمِ وبكسرٍ (¬2) أَيْضاً التذكر. قولهُ: (الإشارةُ بالرمزِ) (¬3) هُوَ بالفتحِ، قَالَ فِي " القاموس ": ((ويضم ويحركُ: الإشارة والإيماءِ بالشفتينِ أَوْ العينينِ أَوْ الحاجبينِ أَوْ الفمِ أَوْ اليدِ أَوْ اللسانِ)) انتهى. وأصلهُ الاضطرابُ منَ الثقلِ منَ الراموزِ، وَهُوَ البحرُ، وهذهِ ناقةٌ ترمزُ، أي: لا تكادُ تمشي منْ ثقلها، وذلكَ؛ لأنّ الإنسانَ إِذَا أشارَ إلى الشيءِ بشيءٍ، لا يدلُ عَلِيهِ دلالةً واضحةً وجبَ (¬4) للمطَّلع عَلَى تلكَ الإشارة ثقلاً أوجبَ لَهُ اضطراباً فِي فهمِ المعنى، والله أعلم. قولهُ: (جرت) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((غلبَ عَلَى كَتَبَةِ الحَدِيْث الاقتصارُ عَلَى الرَّمزِ فِي ((حدثَنا)) و ((أخبرنا))، غيرَ أَنَّهُ شاعَ ذَلِكَ، وظهرَ حَتَّى لا يكادُ يلتبسُ)) (¬6). قولهُ: (فقالوا: ((نا))) (¬7) ضمّنَ القول معنى الفعلِ، أي: فكتبوا ((نا))، وأمّا القولُ الحقيقيُّ الَّذِي هُوَ النطقُ فَقَدْ تقدمَ أنهَّم لا يختصرونَ فِيهِ شيئاً منَ الحروفِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 494. (¬2) في (ف): ((ويكسر)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 495. (¬4) في (ف): ((أوجب)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 495. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 311. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 495.

قولهُ: (قَالَ ابنُ الصلاحِ: وليسَ ذَلِكَ بحسن) (¬1)، أي: لأنَّهُ ربما أوهم الرّائي أنَّ الكلمةَ ((أنبأنا)) سقطَ مِنها لفظُ ((نا)) فزيادةُ / 296 أ / الباء مضرّة. قَالَ بعضُ أصحابنا: ((ورأيتُ فِي خطِ بعض المغاربةِ اختصارَ الباءِ والراءِ وكتابتها هكذا أخ نا)). قولهُ: (قلتُ) (¬2) زيادتهُ إنَّما هِيَ في (¬3) مسألةِ الرمزِ، وأمّا باقي المسألةِ فذكرهُ ابنُ الصلاحِ، لكنْ بعدَ هَذَا بأوراقٍ فِي النَّوعِ الثالِث عشرَ منَ التفريعاتِ. قولهُ: (قيلَ لَهُ) (¬4) ربَّما أوهمتْ أنَّ الضميرَ لابن الصلاحِ، فلو قال: قدْ حَذَفوا قيلَ لَهُ وانطقْ بذا كَانَ أحسن. قلتُ: والذي يقتضيه الذوقُ والصناعةُ عدمُ ذكر ((قيل لَهُ))؛ لأنَّ قولهُ: ((أخبركَ فلانٌ)) منْ قولهِ: ((قُرئ عَلَى فلانٍ، أخبركَ فلانٌ)) هُوَ المقروء، وَهُوَ النائبُ عَن الفاعلِ، فكأنَّهُ قيلَ: قريءَ عَليهِ هَذَا اللفظ، فلو قَالَ: قيلَ لَهُ لكانَ إعادةً لمعنى ((قرئَ عَلَى فلانٍ)) ليس فِيهِ زيادةٌ ولا حاجةٌ إلى الإعادة. أمّا قولهُ: ((قُرئ عَلَى فلان)) حَدَّثَنَا فلانٌ فَذِكرُ قَالَ فِيهِ، متّجهٌ؛ فإنَّهُ لا يقرأ عَليهِ: ((حَدَّثَنَا فلان)) بدونِ شيءٍ قبلها؛ لأنَّهُ يصيرُ الفعلُ مستنداً (¬5) إلى ضمير القارئِ فينقلبُ المعنى، وإنمَّا يقولُ لَهُ: قلتم: حدَّثنا فلانٌ، أَوْ يقال لَهُ: حدَّثكم فلانٌ فيقولُ: نَعَمْ، فيصيرُ بمنْزلةِ مَا لَوْ قَالَ: حَدَّثَنَا فلانٌ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 495. (¬2) التبصرة والتذكرة (606). (¬3) ((في)) من (ف) فقط. (¬4) التبصرة والتذكرة (607). (¬5) في (ف): ((مسنداً)).

قولهُ (فِي الخطِّ) (¬1)، أي: منْ غيرِ إشارةٍ إليها برمزٍ أَوْ حذفِها كاملةً، والإشارةُ إليها بالرمزِ. قولهُ: (فهذا يذكرُ فِيهِ: قَالَ) (¬2) تتمةُ كلامِ ابنِ الصلاحِ: ((فيقال: قرئَ عَلَى فلانٍ، وقد جاءَ هَذَا مصرَّحاً بِهِ خطأً، هكذا فِي بعض مَا رُوِّيناهُ)) (¬3). قولهُ: (وما أدري مَا وجهُ / 269 ب / إنكارهِ) (¬4) قَالَ شيخُنا: ((بلى إنّ وجهَ إنكارهِ لمعروفٌ، وَهُوَ أنَّ ((حدَّثَ)) بمنْزلةِ، ((قَالَ))، و ((نا)) بمنْزلةِ ((لنا)) وَهُوَ إِذَا نطقَ بـ ((قالَ)) لا يكررُها، إنما يَقُول: ((قَالَ (¬5) لنا فلانٌ: حدَّثنا فلانٌ)) فليكن ((حدثنا)) كذلك يقول: ((حدثنا فلان حدثنا فلان))، وكانَ شيخُنا ينصرُ هَذَا القولَ ويرجحهُ. ويقدحُ فِيهِ أنَّ ((قَالَ)) موضوعةٌ لتحكى بِهَا الجملُ، بخلافِ ((حدّثَ)) فلا بُد لها منْ آلةٍ تهيئها لحكايةِ الجملةِ فتأملْ ذَلِكَ)). ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا: أنَّ الشهابَ بنَ المرحل عبدَ اللطيفِ بنَ عبدِ العزيزِ بنِ يوسفَ بن أَبِي العزِ عزيزِ بنِ يعقوبَ بنِ يغمور، وبخطِّ بعضهمِ: عزيز بن دؤالةَ الحمدانيُّ الحربيُّ أخو شيخ شيخنا، يَعني: البرهانَ الحلبيَّ، وشيخهُ هُوَ أَبو العباسِ أحمد بنُ المُرَحلُ. ثُمَّ قَالَ: عنْ عَبْد اللطيفِ: ((إمامٌ نحويٌّ مقرئٌ، كَانَ فِي النحو علامةً، وكانَ يترددُ بينَ مصرَ وحلبَ فِي تجارةِ الكتبِ توفي بالقاهرةِ (¬6) سنةَ أربعٍ وأربعينَ وسبعِ مئةٍ))، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 495. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 496. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 312. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 496. (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) لم ترد في (ف).

وقالَ الصلاحُ الصفديُّ: ((كَانَ فِيهِ جمودٌ يسيرٌ، وما أعتقدُ ذَلِكَ منْ بَلادةٍ، ولكنَّهُ كانَ شديدَ التثبُتِ فِي النقلِ)). (¬1) انتهى. وقولُ الشَّيْخ: (والإضمارُ خلافُ الأصلِ) (¬2) غايتهُ أنْ يكونَ مرجحاً للذكرِ، وأمّا أنْ يكونَ موجباً للاشتراطِ الذِي أنكرهُ ابنُ المُرحّلِ فلا. قولهُ فِي (¬3) قولهِ: (وكتبوا) (¬4): (قط (¬5)) (¬6)، أي: حسبْ، أي: فلا يقالُ: ((حا)) ولا ((تحويلَ)) ولا / 297 أ / ((صح)) ولا غيرَ ذلكَ، وهي بفتحِ القافِ، وإسكانِ الطاءِ المهملةِ. قَالَ الصغانيُّ فِي " مجمع البحرين ": ((قطُّ، أي: بالتشديدِ معناها الزمانُ، فإذا كانتْ بمعنى حَسبُ وَهُوَ الاكتفاءُ فَهِي مفتوحةٌ ساكنةُ الطاءِ: تقولُ: رأيتهُ مرةً واحدةً فقطْ، فإذا أضفت: قلتَ: قطكَ هَذَا الشيءُ، أي: حسبكَ وقَطْني وقطِي وقط، وإنمَّا دَخلتِ النُّون ليسلمَ السكونُ الَّذِي بُني الاسمُ عَليهِ، وهذه النُّونُ لا تدخلُ الأسماءَ، وإنمَّا تدخلُ الفعلَ الماضي))، ثُمَّ قَالَ: ((وإنما أدخلوها فِي أسماءٍ مخصوصةٍ نحو قطني وقَدني ولدني، ولا يقاسُ عَلَيْهَا، فلو كانتِ النُّونُ منْ أصلِ ¬

_ (¬1) راجع في ترجمته: الوفيات لابن رافع 1/ 446، وطبقات الشافعية للإسنوي 2/ 465، والدرر 3/ 20، والوافي 19/ 119، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 36، والسلوك 2/ 3، ودرة الحجال 3/ 170، وشذرات الذهب 8/ 244، وأعيان العصر 2/ 121، والموسوعة الميسرة 2/ 1314 بعناية أخينا الشيخ وليد الحسين - رعاه الله -. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 496. (¬3) عبارة: ((قوله في)) لم ترد في (ف). (¬4) التبصرة والتذكرة (608). (¬5) لم ترد في (ف). (¬6) التبصرة والتذكرة (610).

الكلمةِ لقالوا: قطنُكَ، ويقالُ: قطاط مثل قِطام، أي: حسبي)). وقالَ فِي " القاموس " (¬1): ((وإذا كانتْ بمعنى حَسْبُ، فقط، كعن)). انتهى. ورأيتُ بخطِ الإمامِ الطيبيِّ أنَّها بمعنى لا غيرَ (¬2) عَن المطرّزيِّ (¬3). قوله: (الرَّهاويُّ) (¬4) وَهُوَ بفتحِ الراءِ نسبةً إلى القبيلة (¬5) (¬6). قَالَ فِي "القاموسِ" (¬7) فِي الكلام عَلَى الرهوِ: ((وكسماءٍ حيٌّ منْ مِذحجِ منهم، فذكرَ منهم جماعةً، ثُمَّ قَالَ: الرهاويُّونَ)). انتهى. وكذا ذكرَ فتح رائِهِ الحافظُ عبدُ الغنيِّ بن سعيدٍ المصريُّ كما نقلهُ عَنْهُ بعضُ أصحابنا، وضمَّه " الصحاحُ " (¬8) فإنَّهُ قَالَ: ((ورُها بالضمِ حيٌ منْ مِذحج، والنسبةُ إليهم رُهاويُّ))، وأما " القاموسُ " (¬9) فَلَمْ يذكر الضمَّ إلا فِي البلدِ فإنَّهُ قَالَ: ((وكهُدى بلد))، وعدَّ جماعةً مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: ((الرّهاوّيون)). ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (قط). (¬2) عبارة: ((لا غير)) تحرفت في (ف) إلى: ((إلا غير)). (¬3) هو النحوي اللغوي ناصر بن عبد السيد بن علي الخوارزمي المطرزي، أبو الفتح بن أبي المكارم الحنفي، ولد سنة (538 هـ‍)، وتوفي سنة (610 هـ‍)، كان ذا علم بالنحو واللغة والشعر والفقه، وكان حنفياً معتزلياً داعياً. انظر في ترجمته: الموسوعة الميسرة 3/ 2747 ترجمة (3635). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 497. (¬5) في (أ): ((قبيلة)). (¬6) وهو بضم الراء نسبة للبلد كما في " معجم البلدان " 3/ 106. (¬7) القاموس المحيط مادة (رها). (¬8) الصحاح مادة (رها). (¬9) القاموس المحيط مادة (رها).

قولهُ: (إِذَا وصلَ إليها / 297 ب /: الحديثَ) (¬1) تتمةُ حكايةِ ابنِ الصلاحِ عنْ هَذَا المغربيِّ: ((وذكرَ لِي أنَّهُ سمعَ بعض البَغداديِّيْنَ يذكرُ أَيْضاً أنَّها حاءٌ مهملةٌ، وأنَّ منهم من يقولُ: إِذَا انتهى إليها فِي القراءةِ ((حا)) ويمرُّ)) (¬2) (¬3). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 497. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 312. (¬3) من قوله: ((قوله في قوله: (وكتبوا): (قط) أي حسب)) إلى هنا قدمها ناسخ (ف) ووضعها في غير موضعها قبل ما يقرب خمسة أسطر.

كتابة التسميع

كتابة التَّسْمِيعِ قولهُ: (التَّسميعُ) (¬1) هُوَ من سَمَّعهُ تَسْميعاً إِذَا نَسبهُ إلى السَّماعِ، مثل: فسّقهُ إِذَا نسبه إلى الفسقِ، والمعنى أنَّ الضابطَ يكتب أسماءَ السامعينَ مثبتاً لهم السماعَ وناسباً لَهُ إليهم. قولهُ: (أَوْ جَنْبَها) (¬2)، أي: إلى جنبِ البسملةِ منْ يمينها أَوْ يسارِها. قولهُ: (الطُّرَّةُ) (¬3) هُوَ بضمّ الطاءِ المهملةِ، ثُمَّ راءٍ مهملةٍ مشدّدةٍ. هِيَ حاشيةُ الكتابِ، قَالَ فِي "القاموسِ" (¬4): ((وبالضمِّ جانبُ الثوبِ الَّذِي لا هُدْبَ لَهُ وشفيرُ النَّهرِ والوادي، وطرفُ كلِّ شيءٍ وحرفهُ)). قولهُ: (آخرَ الجزءِ) (¬5)، أي: عقبَ الكتابةِ، وإنْ لم يكتبْ ذَلِكَ عقبَ الكتابةِ كتبَ فِي ظهرِ الورقةِ التي فِي آخرهِ أَوْ التي فِي أوّلِهِ. قولهُ: (بخطٍّ عرفا) (¬6) بدل أي: بخطِّ منْ يثقُ بِهِ منَ (¬7) الناسِ بخطٍّ مِنْهُ معروفٌ لهم أَنَّهُ خطُّهُ؛ لأنَّهُ ربما يكونُ موثوقاً بِهِ فِي نفسهِ ولا يكون خطُّهُ معروفاً بأنْ لا يكتبَ اسمهُ مبيّناً أنَّ الخطَّ لَهُ فلا يُعرفُ أَنَّهُ هُوَ الكاتبُ. قولهُ: (فينبغي أنْ يكتبَ فوقَ ظهر (¬8) التسمية) (¬9)، أي: التي فِي أولِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 498. (¬2) التبصرة والتذكرة (613). (¬3) التبصرة والتذكرة (613). (¬4) القاموس المحيط مادة (طرر). (¬5) التبصرة والتذكرة (613). (¬6) التبصرة والتذكرة (614). (¬7) لم ترد في (ف). (¬8) في (ف)، وشرح التبصرة والتذكرة: ((سطر)). (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 498.

الكتابِ كما يوجدُ فِي بعضِ الكتبِ القديمةِ. قَالَ شيخُنا: ((يكتُبُ أسماءهم مجرّدةً عندَ الشروعِ فِي القراءةِ، فإذا فرغَ القراءةَ كتبَ قبلَ أسمائِهم: سمعَ هَذَا / 298 أ / الجُزءَ، ويكتبُ بعدَ أسمائِهم: عَلَى فلانٍ الفلانيِّ بقراءةِ فلانٍ فِي تأريخِ كذا، ومكانِ كذا، وإنْ شاءَ لَمْ يذكر المسمع. وتكونُ كتابتهُ لَهُ فِي أولِ الجزءِ بعدَ البسملةِ كافياً فِي تعريفِ أنَّ السّماعَ عَليهِ، وإن شاء كتبَ اسمَ الشَّيْخ قَبْلَ أسماءِ السامعينَ بعدَ الفراغِ منَ القراءةِ)). قولهُ: (معهُ) (¬1) لا يُقالُ: إنَّهُ يفهمُ أَنَّهُ إِذَا انفردَ بالسَّماعِ فلمْ يسمعْ معهُ أحدٌ، لا يكتبُ سماعهُ، بل يكتبهُ وإنْ لَمْ يشاركهُ أحدٌ. فعلَ ذَلِكَ الحافظُ أبو طاهرٍ السِّلفيُّ. قولهُ: (فكلاهما) (¬2)، أي: الكتابةُ قبلَ البسملةِ، والكتابةُ فِي الحاشيةِ سواء كَانَتْ اليُمنى أَوْ اليسرى، وكذا نُقِلَ الأمرانِ عنِ السِّلفيِّ، وربما كتب فيما هُوَ كالوقايةِ للجُزء، وَهُوَ المرادُ بقولهِ: ((ظهرهُ)). قولهُ: (فِي الَّذِي يليهِ) (¬3) المرادُ الَّذِي يلي آخر المجالسِ، أي: بعدَ المجلسِ الأخيرِ، وإنْ كانتِ العبارةُ بعيدةً منْ ذلكَ، ويدلُ عَلَى أنَّ المرادَ ذَلِكَ: قولهُ: (كما حكيتُ فِي أول الجزء) (¬4)، أي: يفعلُ فِي آخرهِ إنْ شاءَ، أَوْ فِي أوّلِهِ. قولهُ: (بكتبتهِ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((كتبةُ التَّسميعِ حيثُ ذكرهُ - ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 498. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499.

يعني: الخطيبَ - أحوطُ، وأحرى أنْ لا يخفى عَلَى منْ يحتاجُ إِلَيْهِ، ولا بأسَ بكتبتهِ)) (¬1) إلى آخرهِ. قولهُ: (أي: التسميعِ) (¬2)، أي: كتابتهُ أسماءَ السامعينَ منسوباً إليها سماعُ مَا لكلٍ مِنْهَا كما تقدَّمَ أنَّ المرادَ بالتسميعِ نسبةُ السامعينَ إلى السماعِ. قولهُ: (الحذرُ (¬3)) (¬4) قَالَ ابنُ الصلاحِ قبلهُ: ((ثُمَّ إنَّ عَلَى كاتبِ التَّسميعِ التحرِّيَّ / 298 ب / والاحتياطَ، وبيانَ السَّامعِ والمسموعِ، والمسموع مِنْهُ، بلفظٍ غيرِ مُحْتَمل، ومجانبةِ التساهلِ فيمنْ يثبتُ اسمهُ، والحذرَ منْ إسقاطِ)) (¬5) إلى آخره. قولهُ: (الثقاتُ) (¬6) قَالَ ابنُ الصلاحِ عقبهُ: ((وقد حدَّثني بمروَ الشيخُ أبو المُظفَّرِ بنُ الحافظِ أَبِي سَعْدٍ المروزيُّ (¬7)، عَن أَبِيه، عَمَّن حدَّثهُ منَ الأصبهانيَّةِ: أنَّ عبدَ الرَّحْمَان بنَ أَبِي عَبْد اللهِ بن منده قرأ ببغدادَ جُزءاً عَلَى أَبِي أحمدَ الفَرَضيِّ (¬8)، وسألهُ خطَّهُ ليكونَ حُجَّةً لَهُ، فَقَالَ له أبو أحمد: يَا بُنيَّ عليكَ بالصِّدقِ، فإنَّكَ إِذَا عرفْتَ بِهِ لا يُكذِّبُكَ أحدٌ، وتُصدَّقُ فيما تقولُ وتنقلُ، وإذا كانَ غير ذَلِكَ فلو قيل ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 313. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499. (¬3) في (ف): ((احذر)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 499. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 314. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 500. (¬7) بفتح الميم، وسكون الراء، وفتح الواو، وبعدها زاي معجمة، نسبة إلى مَرْو. الأنساب 5/ 149، ومراصد الاطلاع 3/ 1262. (¬8) يقال للعالم بالفرائض: الفارض والفريض والفرضي. وترجمته في تأريخ بغداد 10/ 380، وسير أعلام النبلاء 17/ 212.

لََكَ: مَا هَذَا خطُّ أَبِي أحمدَ الفرضيِّ مَاذا تقولُ لهم؟)) (¬1). قولهُ: (وَليُعرِ) (¬2) اللامُ فِيهِ للأمر الندبيِّ و ((المسمى بِهِ)) بإسكانِ السينِ منْ أسمى بمعنى: سمَّى. قَالَ فِي "الصحاحِ" (¬3): ((سميتُ فلاناً زيداً، وسميتهُ بزيدٍ ... بمعنىً، وأسميتهُ مثلهُ)). والباء فِي ((بِهِ)) (¬4) ظرفيّة، أي: يندبُ لَهُ أنْ يعيرَ كتابهُ ممن كتبَ اسمهُ فِيهِ. قولهُ: (وإنْ يَكُنْ) شرطٌ جَزَاؤهُ ((فَقَدْ رأى))، والمعنى هَذَا إنْ كَانَ سماعُهُ مكتوباً بخطِ غير المالكِ، وإنْ يكنْ بخطِهِ إلى آخرهِ. قولهُ: (فرضها) (¬5)، أي: العارية. قولهُ: (سِيْلوا) (¬6) بكسرِ السينِ، وسكونِ الياء، أصلهُ سُئلوا بضمٍ ثُمَّ ... همزٍ، وزنِ قُتلِوا ثُمَّ خُففَ بحذفِ الهمزةِ فبقيت الياءُ مكسورةً فنقلتْ حركتُها لثقلِها عَلَيْهَا إلى السِّين، هَذَا عَلَى مذهبِ سيبويه (¬7)، / 299 أ / وأما منْ يكتُبها بالواو فيحذف ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 314. (¬2) التبصرة والتذكرة (616). (¬3) الصحاح مادة ((سما)). (¬4) التبصرة والتذكرة (616). (¬5) التبصرة والتذكرة (617). (¬6) التبصرة والتذكرة (617). (¬7) هو النحوي اللغوي عمرو بن عثمان بن قنبر، أبو بشر الفارسي، ثم البصري ويعرف بسيبويه ولد سنة (148 هـ‍)، وتوفي سنة (180 هـ‍)، من مشايخه: الخليل بن أحمد الفراهيدي، وعيسى بن عمر، ويونس بن حبيب، ومن تلامذته: سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط، ومحمد بن المستنير قطرب، كان يطلب الآثار والفقه، ثم صحب الخليل بن أحمد فبرع بالنحو، وكان أفهم الناس بالنحو. انظر: الموسوعة الميسرة 2/ 1787 ترجمة (2489).

الهمزةَ فتصير عَلَى الواو، فيفعَل مَا فُعِلَ (¬1) فِي ((قول)). قولهُ: (عَلَى الرِّضَا بِهِ) (¬2)، أي: يضبطُ سماعَهُ، وإنْ لَمْ يتقدمْ لَهُ ذكرٌ ليعودَ عَليهِ الضميرُ، وإذا رضي بضبطِ سماعهِ عندَهُ فكأنَّهُ قَدْ تحمّلَ لَهُ شهادةً، وإذا تَحمّلَ لَهُ شهادةً وجبَ عَليهِ أداؤها فِي وقتِ الحاجةِ. قولهُ: (دلّ) (¬3) و (تحَمَّلَ) (¬4) فيهما القطعُ وَهُوَ حذفُ ساكنِ الوتد منْ مُستفعلن، وإسكانُ متحرّكهِ، وَهُوَ جائزٌ فِي مشطورِ (¬5) الرجزِ، لكنَّهُ مَعَ الخَبنِ ثقيلٌ. فلو قَالَ ((بدلَ))، وَقَالَ فِي آخر قسيمه ((لَهُ حمل)) لسلمَ منْ ذَلِكَ فكانَ أخفَّ. قولهُ: (مَا لَمْ يُبنْ) (¬6) رأيتُها فِي غير نسخةٍ - مِنْهَا واحدةٌ عَلَيْهَا خطُ المصنف - بالمقابلةِ مضبوطةٌ بضمِ حرفِ المضارعةِ مبنياً للمفعول، منْ أبانَ ليسلمَ من التوجيهِ، وَهُوَ اخْتِلاَف حركةِ مَا قبلِ الرويِّ المقيَّدِ. قولهُ: (استحباباً) (¬7) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ثُمَّ إنْ ثبت (¬8) سماعهُ فِي كتابهِ فقبيحٌ بِهِ كتمانهُ إيَّاهُ، ومنعهُ منْ نَقلِ سماعِهِ، ومن نَسْخِ الكتابِ)) (¬9). ¬

_ (¬1) في (ف): ((يفعل)). (¬2) التبصرة والتذكرة (618). (¬3) التبصرة والتذكرة (618). (¬4) التبصرة والتذكرة (618). (¬5) في (ف): ((مسطور)). (¬6) التبصرة والتذكرة (619). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 500. (¬8) في (ف): ((ثم إن من ثبت))، وكذلك هي في " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 314.

قولهُ: (لا يجيءُ فِي هَذَا البابِ حُكمٌ أحسنُ منْ هَذَا) (¬1) قَالَ شيخُنا: ... ((لا يقتضي هَذَا ترجيحاً لإمكانِ أنْ يكونَ رأى تساويَ القولِ بالوجوبِ، والقول بعدمهِ عندهُ، ولَمْ يرجحْ أحدَهما فإنَّهُ لَمْ ينف بقولهِ: ((أحسنَ)) إلا الزائدَ فِي الحسنِ، وربما أرشدتْ علتهُ إلى ذَلِكَ؛ لأنَّ رضاهُ فِي أول الأمرِ لا يوجبُ الدوامَ ولا يكونُ سبباً / 299 ب / فِي إيجابِ بذلِ مالهِ)) (¬2). قلتُ: وقد تقدمَ فِي أولِ منْ صنّفَ فِي الصحيحِ أنَّ مثلَ هَذَا صارَ فِي العرفِ اللغويِّ مفهماً للتفصيلِ. قولهُ: (ألزمناكَ) (¬3)، أي: بإعارتهِ لَهُ لينقلَهُ مِن كتابكَ. قولُهُ (أعفيناكَ مِنهُ)، أي: منَ الإلزامِ، بأنْ تُعِيرَهُ كتابَكَ لينقلَ مِنْهُ سماعه. لا يقالُ: يلزمهُ وإنْ كانَ بخطِ غيرهِ؛ لأنَّ تمكينَهُ منْ وضعهِ فِي كتابهِ دالٌ عَلَى رضاهُ فهو المسلِّطُ حينئذٍ لكاتبهِ عَلَى كتابتهِ فيصيرُ كما لَوْ كانَ بخطهِ سواءٌ؛ لأنَّهُ يُقالُ: قَدْ يكتبُ فِي كتابهِ بغيرِ إذنهِ فيحتاجُ إلى بيانِ إذنٍ والرضا. قولهُ: (وَقَالَ غيرهُ) (¬4)، أي: غيرُ الزبيريِّ: ((ليس بشيءٍ)) (¬5)، أي: إنَّ كتابتَهُ بيدهِ اسمُ غيرهِ فِي كتابهِ، لا يوجبُ عَليهِ إعارتَهُ لَهُ؛ لأنَّ إعارتَهُ توجبُ إسقاطَ روايةِ المعيرِ منْ كتابهِ بعدَ إخراجهِ منْ يدهِ عندَ منْ يُشدّدُ فِي ذَلِكَ لا سيّما إنْ كَانَ ضريراً، وإنْ كَانَ الصوابُ خلافَ هَذَا المذهبِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 501. (¬2) هذا النص واحد من نصوص كثيرة انفرد البقاعي بنقلها عن شيخه ابن حجر، ولا توجد في موضع آخر فيما أعلم. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 501. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 501. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 501.

قولهُ: (بما حَوتْهُ) (¬1)، أي: مَعَ مَا حوَتْهُ منْ بذلِ مالٍ ونفسٍ. قولهُ: (بالسّعيِّ إلى مجلسِ الحُكمِ) (¬2) قَدْ يفرقُ بَيْنَهُمَا بأنَّ الشهادةَ يلزمُ تحمُّلُها، وإنْ لَمْ يرضَ السامعُ ولا استُرعي فِي أمرها، بل إِذَا سمعَ شخصٌ شخصاً يُقرُّ لآخرَ بدينٍ وجبَ عَليهِ الأداءُ بخلافِ السّماع فإنَّ الاتفاقَ عَلَى أَنَّهُ إنْ لَم يكتبْ بخطِ صاحبِ الكتابِ لا تجبُ إعارتهُ. قولهُ فِي كلامِ الفضيلِ: (ليس منْ فَعال) (¬3) بفتحِ الفاءِ اسمُ الفِعْل الحسنِ والكَرمِ قالهُ فِي / 300 أ / "القاموسِ" (¬4)، وَقَالَ: ((أَوْ يكون فِي الخيرِ والشرِّ وَهُوَ مخلصٌ لفاعلٍ واحدٍ، وإذا كَانَ بينَ فاعلينِ، فهو فِعالٌ بالكسرِ، وَهُوَ أَيْضاً جمعُ فِعْلٍ)). قَالَ فِي "العُباب": ((مثلُ قَدَحٍ وقداحٍ وبئرِ وبِئارٍ، والفَعَال، أي: بالفتحِ أَيْضاً مصدرٌ مثلَ ذهبَ ذهاباً)). وَقَالَ ابنُ الأعرابيِّ: ((الفَعال: بالفتحِ فعلُ الواحدِ خاصةً فِي الخيرِ والشرِ، يقال: فلانٌ كريمُ الفعالِ، وفلانٌ لئيمُ الفَعالِ، قَالَ: والفِعالُ بكسرِ الفاءِ إِذَا كانَ الفعلُ بَيْن الاثنين يعني مثلَ القتالِ، والذي ذكرُهُ الجوهريُّ منْ قصرِ الفَعالِ بالفتحِ عَلَى الكرمِ، قولُ الليثِ)). وقالَ الأزهريُّ: ((وهذا الَّذِي قالَهُ ابنُ الأعرابيِّ هُوَ الصوابُ، لا مَا قالَهُ الليثُ، يقال: فلانٌ حسنُ الفَعالِ، وفلانٌ سيءُ الفعالِ)) قالَ: ((ولستُ أدري لم قَصَرَ الليثُ الفَعالَ عَلَى الحسنِ دون القبيحِ؟)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 501. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 502. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 502. (¬4) القاموس المحيط مادة (فعل).

وقالَ المبردُ: ((الفَعَالُ يكونُ فِي المدحِ والذمِ))، قَالَ: ((وَهُوَ مخلص لفاعلٍ واحدٍ)). وعبارةُ الفضيل عَلَى مَا حكاهُ ابنُ الصلاحِ: ((ليس فعال (¬1) أهلِ الورعِ، ولا منْ فعالِ الحُكماءِ أنْ يأخذَ سماعَ رجلٍ فَيَحبسَهُ، ومنْ فعلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نفسَهُ)) (¬2)، وفي روايةٍ: ((ولا منْ فعال العلماءِ أنْ يأخذَ سماعَ رجلٍ وكتابَهُ فيحبسهُ عَليهِ (¬3) ومنْ فعلَ ذَلِكَ فَقَدْ ظلمَ نفسَهُ)) (¬4). قَالَ الشيخُ محيي الدين النوويُّ فِي مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " (¬5) فِي فصلٍ فِي آداب مشتركةٍ بَيْن العالمِ والمتعلمِ: ((ولا يرتضي الاستعارة مَعَ إمكانِ التحصيلِ بالملكِ، فإنِ استعاره / 330 ب / لَمْ يبطءْ بِهِ لئلا يفوّتَ الانتفاعَ بِهِ عَلَى صاحبهِ، ولئلا يكسلَ عنْ تحصيلِ الفائدةِ مِنْهُ، ولئلا يمتنعَ منْ إعارتهِ غيرهُ)). وقد جاءَ فِي ذمِ الإبطاءِ بردِّ الكُتبِ المستعارةِ عَنِ السَّلفِ أشياءُ كثيرةٌ نثراً ونظماً رَويناها فِي كتابِ الخطيبِ "الجامعُ لآدابِ الراوي والسامعِ" قَالَ الخطيبُ: ((وبسببِ حبسِها امتنعَ غيرُ واحدٍ منْ إعارتها)) ثُمَّ رَوَى فِي ذَلِكَ جُملاً عَن السَّلَفِ وأنشدَ فِيهِ أشياءَ كثيرةً، والمختارُ استحبابُ الإعارةِ لمنْ لا ضررَ عَليهِ فِي ذَلِكَ؛ لأنَّهُ إعانةٌ عَلَى العلمِ مع مَا فِي مطلق العارية منَ الفضلِ. روينا عَن وكيع: ((إنَّ بركةَ الحَدِيْث إعارةُ الكتبِ)) وعنْ سفيانَ الثَوريِّ: ((منْ بخلَ بالعلمِ ابتُلي بإحدى ثلاثٍ: أنْ ينساهُ، أَوْ يموتَ ولا ينتفعُ بِهِ، أَوْ تذهبَ كتبهُ)). ¬

_ (¬1) في (ف): ((من فعال)) وكذلك هي في "الجامع لأخلاق الراوي" و"معرفة أنواع علم الحديث". (¬2) الجامع لأخلاق الرَّاوي (485). (¬3) الجامع لأخلاق الرَّاوي (485). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 315. (¬5) المجموع 1/ 39.

وَقَالَ رجلٌ لأبي العتاهية: ((أعرني كتابكَ، قَالَ: إني أكرهُ ذَلِكَ، فَقَالَ: أما علمتَ أنَّ المكارمَ موصولةٌ بالمكارِهِ))، فأعارهُ. ويستحبُّ شكرُ المعير لإحسانِهِ)) انتهى مَا فِي "شرحِ المهذبِ". قولهُ: (وكذلكَ لا ينبغي) (¬1) عبارةُ ابن الصلاحِ: ((وهكذا لا يَنبغي لأحدٍ أنْ ينقلَ سماعاً إلى شيءٍ منَ النُسخِ أَوْ يثبتَهُ فيها عندَ السَّماعِ ابتداءً إلا بعدَ المقابلةِ المرضيَّةِ بالمسموعِ، لئلا يغتَرَّ أحدٌ بتلكَ النُّسخةِ غيرِ المقابلةِ، إلا أنْ يُبيِّن مَعَ النَّقلِ، وعندهُ كَوَن النُسخةِ غيرَ مقابلةٍ، والله أعلم)) (¬2) (¬3). قوله: (رواية الحديث وأدائه) (¬4) الظاهرُ أنّ معناهما واحدٌ من حيثُ صدقُهما على تبليغِ الحديث إلى الغيرِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 502. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 316. (¬3) جاء في آخر نسخة (أ) ما نصه: ((آخر الجزء الأول، ويتلوه في الثاني إن شاء الله تعالى / 301أ /: ((صفة رواية الحديث وآدابه))، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين، فرغ منْ كتابته، فِي يوم الأحد المبارك الخامس من شهر ذي الحجة الحرام من شهور سنة ثمانين وثمان مئة، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم على سيدنا محمد وآله وسلم)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 502. انظر في ذلك: معرفة أنواع علم الحديث: 317، وإرشاد طلاب الحقائق 1/ 273، والتقريب: 90 - 100، والمنهل الروي: 63، والخلاصة: 88، واختصار علوم الحديث 2/ 394، وبتحقيقي: 202، ومحاسن الاصطلاح: 218، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 502، والتقييد والإيضاح: 136، ونزهة النظر: 119، والمختصر: 155، وفتح المغيث 1/ 262، وألفية السيوطي: 96 - 112، وفتح الباقي 2/ 67، وتوضيح الأفكار 2/ 114، وظفر الأماني: 78.

قالَ في "القاموسِ" (¬1): ((أدَّاهُ تَأدِيَةً أوصَلهُ، وَقَضَاهُ، والاسمُ: الأداءُ)). وقالَ ابنُ طريف (¬2) في كتابِ " الأفعالِ " (¬3): ((رَوَى الحديثَ والشعرَ روايةً، حفظهُ ونقلهُ)). وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وشرط أدائِهِ، ومَا يَتَعلَّقُ بذلكَ، وقدْ سبقَ بيانُ كثيرٍ منهُ في ضمنِ النَّوعينِ قَبلهُ)) (¬4). انتهى. وهي عبارةٌ حسنةٌ جداً في الجمعِ بين الروايةِ والأداءِ. والنوعانِ: التسميعُ، والرمزُ، ثم قالَ: ((شدَّدَ قَومٌ في الرِّوايةِ فأفرطُوا، وتَساهَلَ فيها آخرونَ فَفرَّطُوا، ومِنْ مذاهبِ التَّشدِيدِ - فَذكرَ ما ذكره الشيخُ عن أبي حنيفةَ ومن معهُ (¬5) -، ثم قالَ: وقدْ سَبقَتْ حِكَايتُنا لِمذاهِبَ عنْ أهلِ التَّسَاهُلِ، وإبطَالُها، في ضمنِ ما تقدَّمَ منْ شرحِ وجوهِ الأخذِ والتَّحمُّلِ. ومِن أهلِ التَّساهُلِ قومٌ سمِعُوا كُتباً مُصنَّفةً وتَهَاونُوا، حتى إذا طَعنُوا في السِّنِّ واحتيجَ إليهمْ، حَملَهمُ الجهلُ والشَّرَهُ على أن رَوَوْهَا منْ نسخٍ مُشتَراةٍ أو مُسْتَعارةٍ غيرِ مُقَابَلَةٍ، فَعَدَّهُمُ الحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ الحافظُ في طبقاتِ المجروحينَ. قالَ: ((وهُمْ يتوهَّمُونَ أنَّهم في روَايَتِها صَادِقُونَ. وقال: هذا مِمَّا كَثُرَ في الناسِ، وتعاطَاهُ قومٌ منْ أكابرِ العلماءِ والمعرُوفينَ بالصَّلاحِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (أدّى). (¬2) هو عبد الملك بن طريف الأندلسي، توفي سنة (400هـ‍) تقريباً. انظر: الصلة لابن بشكوال 1/ 357، وبغية الوعاة 2/ 111. (¬3) وهو كتاب هذب فيه كتاب الأفعال لابن قوطية. انظر: كشف الظنون 2/ 1394. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 317. (¬5) وهم: مالك وأبو بكر الصيدلاني. (¬6) المدخل إلى الإكليل: 57، ونقله عنه ابن الأثير في " جامع الأصول " 1/ 143.

قال: ((ومنَ المتَسَاهلينَ: عبدُ اللهِ بنُ لهيعَةَ (¬1) المصريُّ تُرِكَ الاحتجَاجُ بهِ معَ جلالَتهِ؛ لِتَسَاهُلِهِ. ذُكرَ عن يَحيَى بنِ حَسَّانَ (¬2): أنَّهُ رَأَى قَوْماً مَعَهُمْ جُزْءٌ سَمِعُوهُ مِن ابنِ لهيعَةَ، فنظرَ فيهِ فإذا ليسَ فيهِ حديثٌ واحدٌ منْ حديثِ ابنِ لهيعَةَ، فجاءَ إلى ابن لهيعَة فأخبرَهُ بذلكَ، فقالَ: ما أصنَعُ، يَجِيئونَ بِكتابٍ فَيقُولونَ هَذا مِنْ حديثكَ؛ فأحَدّثُهُمْ بهِ (¬3). ومثلُ هذا واقِعٌ منْ شُيُوخ زَمَانِنا (¬4) يجيءُ إلى أحَدِهِمْ الطَّالِبُ / 210 أ / بِجُزْءٍ أو كتابٍ فيقولُ: هذا روايتُكَ، فَيُمَكِّنُهُ من قراءتِهِ عليهِ مُقلِّداً لهُ من غيرِ أنْ يَبحثَ بحيثُ تحصُلُ لهُ الثِّقَةُ بصِحَّةِ ذلكَ. والصَّوابُ ما عليهِ الجمهورُ، وهوَ التَّوسُّطُ بينَ الإفْرَاطِ والتَّفريطِ)) (¬5). قولهُ: (المَنْعُ) (¬6)، أي: منعُ الروايةِ للكتابِ دون الحفظِ، وإن رأى سماعَهُ في كتابٍ وتذكّرَهُ جازتِ الروايةُ، بأن يحفظَ حينئذٍ المسموعَ إن لم يكنْ يحفظُهُ ويرويهِ، وإن لم يذكرْهُ لم يجزَ لهُ روايةَ المسموعِ، لا حفظاً ولا غيرَهُ، كالشّهادةِ. ¬

_ (¬1) بفتح اللام وكسر الهاء، على وزن شريعة. انظر: التقريب (3563). (¬2) نقل الزركشي في " نكته " 3/ 600 عن المزي قوله: ((هذه الحكاية فيها نظر؛ لأن ابن لهيعة من الأئمة الحفاظ لا يكاد يخفى عليه مثل هذا، وإنما تكلم فيه من تكلم بسبب من الرواة عنه فمنهم من هو عدل كابن المبارك ونحوه، ومنهم من هو غير عدل)). هذه الحكاية وإن توقف فيها المزي؛ لكن ذكر الكثير في شأن تلقين ابن لهيعة. انظر: تهذيب التهذيب 5/ 334 - 335. (¬3) انظر: كتاب المجروحين 2/ 13. (¬4) قال الزركشي في " نكته " 3/ 601: ((إلحاقه شيوخ زماننا بمن سلف فيه نظر؛ لأن المقصود منهم بقاء السلسلة فقط، وأما الإسناد فغير منظور إليه في هذا الزمان)). وانظر: محاسن الاصطلاح: 186. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 317 - 319. (¬6) التبصرة والتذكرة (621).

قولُه: (الوَاسِعِ) (¬1)، أي: إنّ هذا البابَ أوسعُ من بابِ الشَّهادةِ. قوله: (وثبوتِ الحجَّةِ بهِ) (¬2) زيادةٌ زادَها الشّيخُ [على] (¬3) ابن الصلاح، وهي لا تتأتَى على مذهبهِ، إلا إنْ كانَ صحّحَ ذلكَ الحديثَ إمامٌ بالشرطِ الذي تقدَّمَ عنه في بحثِ الصَّحيحِ. قوله: (أنَّهُ لا حجَّةَ) (¬4)، أي: وإذا لم يكن فيه حجةٌ، فلا تجوزُ لهُ روايتُهُ؛ لِئلا يوقعَ غيرَهُ في الاحتجاجِ بهِ، اللهمَّ إلاّ أن يُبيِّنَ الحالَ عندَ روايتهِ. قولهُ: (وتذكُّرِه) (¬5)، أي: يجمعُ بينَ الحفظِ وتذكُّرِ تحمُّلهِ عندَ أدائهِ. لا أنه يكونُ مُستديماً لذلكَ من حينِ التحمُّلِ إلى حينِ الأداءِ، فإذا تحمّلَهُ ثم رأى سماعَهُ له بعدَ حينٍ، فإن كانَ حافظاً للمسموعِ غيرَ ذاكرٍ للسَّماعِ لم تجز الروايةُ، وإنْ كان ذاكراً غيرَ حافظٍ، وأراد أنْ يرويَ، تحفّظ ورَوَى من حفظهِ. هذا الذي تعطيه هذهِ العبارةُ، وكنتُ سمعتُ عن أبي حنيفة: - وهو المرادُ في النّظمِ بقولهِ: ((نُعْمَانٍ)) (¬6) - أنَّه يشترطُ أنْ يدومَ حافظاً للحديثِ، ذاكراً للسّماعِ، من حينِ التحمّلِ، إلى حينِ الأداءِ، فاللهُ أعلم. قوله: (والصوابُ كما قالَ ابنُ الصلاح: الأولُ) (¬7) وهو ما عليه الجمهور، ولم ينظمِ الشَّيخُ ذلكَ، ورأيتُ عن شَيخِنا الحافظِ برهانِ الدِّينِ الحلبيِّ أنَّه نظمَهُ فقالَ: ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (623). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 502. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬6) التبصرة والتذكرة (622). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503.

وَصَوَّبَ الشَّيخُ لِقَولِ الأكثَرِ ... وَهوَ الصوابُ ليسَ فيه نَمترِي (¬1) ولو قالَ: ((مَقَالَ الأكثرِ)) لكانَ أحسنَ، وأحسنُ منهُ أنْ يقولَ: إنْ كانَ قدْ قابلَهُ لا يمتري [قولُه] (¬2): (لا تجوزُ لهُ روايتهُ) (¬3)، أي: وإنْ كانَ حافظاً للمسموعِ دونَ السَّماعِ. قولهُ: (ينبني) (¬4)، أي: جوازُ روايتهِ لما وَجدَ سماعَهُ بهِ، ولم يتذكّرْ أنَّه سمعَهُ (على الخلافِ في جواز اعتِمادِ الراوي على كتابهِ في ضَبْطِ ما سمعَه) (¬5)، أي: بأنْ يرويَ جميعَ أحاديثهِ بتذَّكرِهِ أنهُ سمعَ الكتابَ عموماً، وإنْ لم يتذكَّر في كلِّ حديثٍ / 210 ب / منها أنَّه سمعَهُ بخصوصهِ. وبأنْ يرويَ ما كانَ محتَمِلاً من ألفاظهِ لأكثرِ من وجهٍ، على ما رآهُ مضبوطاً بالشكلِ والنّقطِ في كتابهِ، كما إذا رَأى: ((ذكاةُ الجنينِ ذكاةُ أُمّه)) (¬6) مضبوطاً ¬

_ (¬1) انظر: فتح المغيث 2/ 199. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف) والسياق يقتضيه. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬4) في " شرح التبصرة والتذكرة " 1/ 503: ((يُبْنَى)) وكذا هو أيضاً في " معرفة أنواع علم الحديث ": 322. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬6) أخرجه: عبد الرزاق (8649)، وابن أبي شيبة (36139)، وأحمد 3/ 31 و39 و53، وأبو داود (2827)، وابن ماجه (3199)، والترمذي (1476)، وابن الجارود (900)، وأبو يعلى (992)، وابن حبان (5898)، والدارقطني 4/ 272 و273 = و274، والبيهقي 9/ 335، والبغوي (2789) من طريق أبي الوداك، عن أبي سعيد، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقال الترمذي: ((حديث حسن)). وأخرجه: أحمد 3/ 45، والطبراني في " الأوسط " (3631) وفي " الصغير "، له (242) =

بالرفعِ (¬1) فإنَّه يرويها كذلكَ ويجزمُ بسماعهِ لها كذلكَ. ¬

_ = و (467)، والخطيب في " تاريخه " 8/ 412 من طريق عطية العوفي، عن أبي سعيد. وحديث جابر: أخرجه: الدارمي (1985)، وأبو داود (2828)، والحاكم 4/ 114، والبيهقي 9/ 335 من طريق أبي الزبير، عن جابر. وحديث كعب بن مالك: أخرجه: الطبراني في " الكبير " 19/ (157) وفي " الأوسط "، له (3711) من طريق ابن كعب بن مالك، عن أبيه. وحديث علي: أخرجه: الدارقطني 4/ 274، والبيهقي 9/ 336 من طريق الحارث الأعور، عن علي بن أبي طالب. وحديث أبي هريرة: أخرجه: الدارقطني 4/ 274 من طريق طاووس، عن أبي هريرة. وأخرجه: الحاكم 4/ 114 من طريق عبد الله بن سعيد المقبري، عن جده، عن أبي هريرة. وحديث ابن عباس: أخرجه: الدارقطني 4/ 275 من طريق عكرمة، عن ابن عباس. وحديث أبي أيوب: أخرجه: الطبراني في " الكبير " (4010)، والحاكم 4/ 114 من طريق عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبي أيوب. وحديث عبد الله بن مسعود: أخرجه: الدارقطني 4/ 274 من طريق علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: أراه رفعه. وحديث عبد الله بن عمر: أخرجه: الطبراني في " الأوسط " (8234)، والدارقطني 4/ 271، والبيهقي 9/ 335 من طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر. وأخرجه: الطبراني في "الأوسط" (9453) من طريق أيوب بن موسى، عن نافع، عن ابن عمر. (¬1) أشار الشارح رحمه الله إلى الاختلاف في رواية الرفع والنصب وفصّل ابن الأثير ذلك في كتابه النهاية 2/ 164 فقال: ((ويروى هذا الحديث بالرفع والنصب، فمن رفعه جعله خبر المبتدأ الذي هو ذكاة الجنين، فتكون ذكاة الأم هي ذكاة الجنين فلا يحتاج إلى ذبح مستأنف، ومن نصب كان التقدير: ذكاة الجنين كذكاة أمه، فلما حُذِفَ الجارُ نُصِبَ، أو على تقدير يذكى تذكيةً مثل ذكاة أمه، فحذف المصدر وصفته وأقام المضاف إليه مقامه، فلا بد عنده من ذبح الجنين إذا خرج حياً. ومنهم من يرويه بنصب الذَّكاتين، أي: ذكوا الجنين ذكاةَ أمه)). وانظر: الحاوي الكبير 15/ 149.

قوله: (حديثاً حديثاً) (¬1) نُقِلَ عَن ابنِ كَثيرٍ (¬2) أنَّهُ قالَ: ((وهذا يشبهُ ما إذا نَسيَ الراوي سماعَهُ، فإنَّه تجوزُ روايتهُ عنه لمن سمعَهُ منه ولا يضرُّ نسيانهُ)). انتهى. وفيه نظرٌ؛ لأنَّ القصدَ ضبطهُ بالحفظِ وهو موجودٌ الآنَ بحفظِ هذا الفرعِ وإنْ كانَ الأصلُ قد نُسي، بخلافِ هذا فإنَّهُ لا يحفظُ السَّماعَ (¬3). قولهُ: (كذلكَ ليكنْ) (¬4) خبرٌ، عن قولهِ: ((فكما كانَ الصحيحُ)) (¬5)، أي: فلما كانَ الصحيحُ تجويزَ الاعتمادِ على كذا، كذلكَ ليكن هذا، أي: السَّماعُ. قوله: (والكتابُ مصونٌ) (¬6) قال ابن الصّلاحِ بعدَهُ: ((بَحيْثُ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ سَلامةُ ذَلكَ مِنْ تَطَرُّقِ التَّزوِيرِ والتَّغْييرِ إليهِ، وهذا إذا لَمْ يَتَشَكَّكَ فيهِ (¬7) وسَكَنتْ نفسُهُ إلى صِحَّتِهِ ... )) (¬8) إلى آخره. قوله: (وَإنْ يَغِبْ) (¬9)، أي: الكتاب. قوله: (وَأَوْلَى) (¬10)، أي: والخُلفُ في جوازِ روايةِ الضَّريرِ في هذهِ الحالةِ، أقوى من الخلافِ في روايةِ البصيرِ منها. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503 حكاه العراقي عن ابن الصلاح. (¬2) نقله السخاوي في " فتح المغيث " 2/ 200. (¬3) سبقه إلى ذلك البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 188. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 503. (¬7) انظر: محاسن الاصطلاح: 188، ونكت الزركشي 3/ 607. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 322. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة (624). (¬10) شرح التبصرة والتذكرة (626).

والقولُ بالجوازِ في الضَّريرِ؛ لأنَّ المدارَ القربَ من الضبطِ وغلبةِ ظنِّ الصحةِ، ووجودُ ذلكَ في البصيرِ أقربُ؛ لأنَّهُ إذا تكرَّرَ نظرهُ في الكتابِ يصيرُ يعرفُ هيئتَهُ، فإذا غُيَّرَ منهُ شيءٌ بعدَ ذلكَ عرفَهُ (¬1). قولهُ: (جازتْ لهُ الروايةُ) (¬2)، قال ابنُ الصَّلاحِ عَقِبهُ: ((وإنْ أعَارَهُ وغابَ عنهُ، إذا كان الغالبُ منْ أمرهِ سَلامَتهُ ... - إلى قوله: - عَلَى غالبِ الظَّنِّ، فإذا حَصَلَ أجزَأَ، وَلَمْ يُشْترَطْ مَزِيدٌ عليهِ، والله أعلمُ)) (¬3). قولُهُ: (في القِرَاءةِ) ناظرٌ إلى قولِهِ: ((في ضَبْطِ)) (¬4) والضمير في ((منه)) لكتابهِ، وفي ((عَليهِ)) للضريرِ، أي: واستعانَ ذلك الضَّريرُ عندَ روايتهِ بالمأمونين في القراءةِ من كتابهِ عليهِ. ((واحتاطَ)) عطف على ((لَمْ يحفظْ)) أو ((استعانَ)) (¬5). 627 - وَلْيَرْوِ مِنْ أَصْلٍ أَوِ الْمُقَابَلِ ... بِهِ وَلاَ يَجُوْزُ بِالتَّسَاهُلِ 628 - مِمَّا بِهِ اسْمُ شَيْخِهِ أَوْ أُخِذَا ... عَنْهُ لَدَى الْجُمْهُوْرِ وَأَجَازَ ذَا ¬

_ (¬1) قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 187: ((قد يمنع الأولوية من جهة تقصير البصير، فيكون الأعمى أولى بالجواز؛ لأنه أتى باستطاعته)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 504. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 319، وانظر: الكفاية: 236، والإرشاد 1/ 459، وتدريب الراوي 1/ 94 - 95. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 504. (¬5) نقله العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 1/ 504 عن ابن الصلاح: ((وقال ابن الصلاح في الضرير الذي لم يحفظ حديثه من فم مَنْ حدَّثه واستعان بالمأمونين في ضبط سماعه وحفظ كتابه، ثُمَّ عند روايته في القراءة منه عليه، واحتاط في ذلك على حسب حاله بحيث يحصل معه الظن بالسلامة من التغيير صحت روايتهُ غير أنه أولى بالخلاف من مثل ذلك في البصير)). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 319.

قولُه في قولهِ: (الرِّوَاية من الأَصلِ) (¬1): (وَلاَ يَجُوزُ بالتَّساهُلِ) (¬2) ذَكَرَ الذهبيُّ في " مِيزانِهِ " (¬3) غَيرَ واحدٍ ممن جُرحَ، بكونهِ يحدِّثُ من غيرِ أصلهِ، منهم: أبو عبدِ اللهِ محمّدُ بنُ أحمدَ بنِ محمّد السَاويُّ، قال: صدوقٌ، وقالَ ابنُ طاهرٍ: ((حدّثَ " بمسندِ الشافعيِّ " من غيرِ أصلِ سماعِهِ، ثم قالَ: ترخّصَ المتأخّرونَ في هذا كثيراً)). وقالَ في ترجمةِ محمدِ بنِ / 211أ / إسماعيلَ بنِ العباسِ، أبي بكر الورَّاقِ (¬4): ((مُحدِّثٌ، فاضلٌ، مُكْثِرٌ، لكنهُ يُحدِّثُ من غيرِ أصولٍ، ذهبت أصولُهُ، وهذا التساهلُ قد عَمَّ وطَمَّ)) (¬5). وقال في ترجمةِ عيسى الطُّوْمَاريِّ (¬6): ((آخر أصحاب ابن أبي الدُّنيا تُكلمَ فيه لكونهِ رَوَى من غيرِ أصلٍ. وقالَ ابنُ ماكولا (¬7): لم يكونُوا يَرتضونَهُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 505. (¬2) التبصرة والتذكرة (627). (¬3) ميزان الاعتدال 3/ 467. ونقل ابن حجر في " لسان الميزان " 6/ 543 عن ابن السمعاني: ((هو محدّث فهم معروفٌ بالطلب، رحل وسمع بنفسه))، ونقل عن ابن طاهر قوله: ((لما دخل أبو عبد الله الكَامَخِي الرَّيَّ أرادوا أن يقرؤوا عليه "مسند الشافعي"، فسألت عن أصله، فقيل لي: لم يكن له أصلٌ، وإنما أمَرَ أن تشترى له نسخة، فهو يقرأ منها، وقال ابن طاهر: فامتنعت من سماعه منه، وكان سماعُه في غيره صحيحاً)). (¬4) ميزان الاعتدال 3/ 484، وقال ابن حجر في " لسان الميزان " 6/ 573: ((قال ابن أبي الفوارس: كان متيقظاً، حسن المعرفة، وكان فيه بعض التساهل، كانت كتبه ضاعَتْ، فاستحدث أصولاً)). (¬5) قال الذهبي في " السير " 16/ 389: ((التحديث من غير أصل، قد عمَّ اليوم وطمَّ فنرجو أن يكون واسعاً بانضمامه إلى الإجازة)). (¬6) ميزان الاعتدال 3/ 322، وقال ابن حجر في "لسان الميزان" 6/ 279: ((إلاّ أنه لم يظهر له أصول، ولم يكن بذاك، وخلط في آخر أمره)). (¬7) الإكمال 2/ 67 وعبارته: ((لم أرهم يرتضونه)).

[قولهُ] (¬1): (أَوْ أُخِذَا) (¬2) مبنيٌ للمفعولِ. قولهُ: (وَأَجَازَ) مكسورٌ، ولو قالَ: واستجَازَ، لكانَ صحيحاً. قولهُ: (الترخيصُ) (¬3) نُقِلَ عن الحافظِ عمادِ الدِّينِ بنِ كثيرٍ (¬4) أنَّهُ مالَ إلى قولِ البُرسَانيِّ (¬5) هذا. قولهُ: (من نسخةٍ سمِعَ منها على شيخِهِ) (¬6) مبنيٌّ للمفعولِ، أي: وقعَ سماعُ غيرهِ منها على شيخهِ، ولم يسمعْ هو على شيخهِ منها. قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وكذلكَ لو كانَ فيها سَماعُ شَيخهِ أو رَوَى منها ثِقةٌ عنْ شَيخِهِ، فلا تَجُوزُ له الروايةُ منها اعْتِماداً عَلَى مجرَّدِ ذلكَ، إذ لا يُؤْمَنُ (¬7) ... )) إلى آخره. قالَ الشَّيخ في " النُّكتِ " (¬8): ((وقد اعتُرِضَ عليهِ: بأنَّهُ ذَكَرَ في النوعِ الذي قبلهُ أنَّ الخطيبَ، والإسفرائيني جوَّزا الروايةَ من كتابٍ لم يقابلْ أصلاً، ولم ينكرْهُ الشَّيخُ، بل أقَرَّهُ)). انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيها. (¬2) التبصرة والتذكرة (628). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 505. (¬4) اختصار علوم الحديث 2/ 395 - 396 وبتحقيقي: 204. وعبارته فيه: ((وإلى هذا أجنح))، وكلام البرساني وأيوب نقله عنهما الخطيب في " الكفاية ": 257. (¬5) هو أبو عبد الله محمد بن بكر البرساني الأزدي، وبُرسان: بطن من الأزد، قال عنه يحيى بن معين: وكان - والله - ظريفاً صاحب أدب ثقة، توفي سنة (203 هـ). انظر: تاريخ بغداد 2/ 443، وسير أعلام النبلاء 9/ 421. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 505. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 320. (¬8) التقييد والإيضاح: 222.

قالَ الشَّيخُ (¬1): ((قلتُ: الصورةُ التي تقدَّمتْ، هي فيما إذا نُقِلَ كتابُهُ من الأصلِ، فإنَّ الخطيبَ (¬2) شَرَطَ في جوازِ ذلكَ، أنْ تكونَ نُسختُه نُقلتْ من الأصلِ، وأن يُبيِّن عند الروايةِ أنَّه لم يعارض. وزادَ ابنُ الصَّلاحِ (¬3) على ذلكَ شرطاً آخرَ وهوَ: ((أنْ يَكُونَ ناقِلُ النُّسْخَةِ غيرَ سَقِيمِ النَّقْلِ، بلْ صحيحَ النَّقْلِ قَليلَ السَّقْطِ)). وأمَّا الصُّورةُ التي في هذا النوعِ، فإنَّ الراويَ منها، ليسَ على ثقةٍ من موافقتِها للأصلِ. وقد أشارَ المصنِّفُ هنا إلى التعليلِ بذلكَ، فقالَ: ((إذ (¬4) لا يُؤْمَنُ أنْ يكُونَ فيها زَوَائِدُ ليسَتْ في نسخَةِ سَماعهِ)) (¬5)، والله أعلم)) (¬6). قوله: (من غيرِ بيانٍ للإجازَةِ) (¬7)، أي: في تلكَ الزياداتِ بعينِها. وأمَّا البيانُ عموماً فلا بدَّ منهُ بأنْ يقولَ مثلاً: ((حَدَّثَني فلانٌ، ونقلتُهُ من أصلِ سَماعهِ لكنّي لم ¬

_ (¬1) أي: العراقي، وكلامه في " التقييد والإيضاح ": 222. (¬2) انظر: الكفاية: 237 - 239. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 303، ونقل الزركشي في "نكته" 3/ 586 اعتراض ابن أبي الدم على ابن الصلاح فقال: ((قلت الذي عندي في هذا أنه لا يجوز له رواية ما نقله بخطه، ولا نقل غيره بخطه من كتاب داخل في روايته، ما لم يكن مقابلاً، إما بالأصل المسموع على الشيخ، أو بفرع مقابل بأصل المسموع على الشيخ؛ لأن الغالب أنه لا يخلو نقله من غلط وإن قل، وهذا معروف بالعرف والتجربة، فكيف يجوز له أن يروي عن شيخه شيئاً سمعه عليه من كتاب هل هو كل الذي سمعه أو بعضه، وهل هو على وجهه أو غير وجهه)). (¬4) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((إذا)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 320. (¬6) إلى هنا انتهى كلام العراقي في " التقييد والإيضاح ": 222. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 505، وهذا الكلام هو لابن الصلاح انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 320.

أسمعْ من ذلكَ الأصلِ))، أو: ((حَدَّثني فلانٌ سماعاً وإجازةً لما خالفَ أصل سَماعي عليهِ: إنْ خالفَ)). قولُه: (في محلِّ التَّسَامحِ) (¬1)، قال ابنُ الصَّلاح بعدَهُ: ((وقدْ حَكَيْنا فِيْمَا تَقَدَّمَ أنَّه لاَ غِنَى في كُلِّ سَمَاعٍ عَنِ الإجازَةِ؛ لِيَقَعَ فيما (¬2) يَسْقُطُ في السَّماعِ عَلَى وجهِ السَّهْوِ وغيرِهِ مِنْ كَلماتٍ أو أكْثَرَ، مَرويِّاً بالإجازةِ، وإنْ لم يُذْكَرْ لَفْظُها)) (¬3). قولهُ: / 211 ب / (هَدَانا اللهُ لهُ) (¬4) قالَ عَقِبَهُ: ((والحاجَةُ إليهِ مَاسَّةٌ في زَمَانِنا جِدَّاً، واللهُ أعلمُ)) (¬5). قولُه في شرحِ قولِهِ: (وَإِنْ يُخَالِفْ) (¬6): (وهو غيرُ شاكٍّ) (¬7) لا يتوهمُ أنَّه لا ينفي الظنَّ، حتى يكونَ غيرَ موفٍ بقولهِ في النَّظمِ: ((مَع تَيَقُّنٍ)) فإنَّ المراد باليقينِ القطعُ؛ لأنَّ نفيَهُ لما فوقَ الشكِّ مفهوم مُوافقَة؛ لأنَّ العبارةَ تُفهِم أنَّهُ إذا كانَ شاكَّاً لا يَعتمِدُ حفظَهُ، وإذا كانَ لا يعتمدُهُ في حالِ الشكِّ، فلأن لا يعتمدُهُ في حال الظنِّ مثلاً بطريق الأولى، نَعَمْ، قد يُقالُ: إنَّه لا ينفي الوهمَ، فلو قالَ: غير متردِّدٍ لكانَ صَريحاً؛ لأنَّ نفي الأعمِّ نفيٌ للأخصِّ. ¬

_ (¬1) انظر: المصدر السابق. (¬2) في المعرفة: ((ما)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 320 - 321. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 506، وهذا الكلام هو لابن الصلاح. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 321. وقال السخاوي في " فتح المغيث " 2/ 205 عقب هذا: ((يعني: لمزيد التوسع والتساهل فيه بناء على أن المطلوب بقاء السلسلة خاصة، حتى إنه صار كما قال ابن الصلاح، بمجرد قول الطالب للشيخ: هذا الكتاب، أو الجزء من روايتك يمكنه من قراءته من غير تثبت، ولا نظر في النسخة، ولا تفقد طبقة سماع .. )). (¬6) التبصرة والتذكرة (630). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 506.

قولهُ: (الرِّوَايَةُ بِالمَعْنَى) (¬1) هو شاملٌ لروايةِ الحديثِ، والأثرِ، والتصنيفِ. قولهُ: (وَغَيْرُهُ) (¬2) هو عطفُ (¬3) جملةٍ على أخرى قسيمةٍ لها، لا عطفَ مفردٍ على مفردٍ. فالمعنى: الراوي إنْ كانَ لا يعلمُ مدلولاتِ الألفاظِ، وجبَ عليهِ أنْ يرويَ ما يرويه بلفظهِ (¬4). وأمَّا غيرُهُ: وهوَ مَن يعلم مدلولاتِ الألفاظِ، وما يُساوي مَعنى ما سَمعهُ، وما يزيدُ عليهِ وينقصُ عنهُ، فقد أجازَ لهُ الروايةَ بالمعنى معظمُ العلماءِ. وقيلَ: لا يجوزُ لهُ أنْ يرويَ الجزءَ الواردَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بالمعنى، ويجوزُ لهُ أنْ يرويَ غيرَهُ بالمعنَى (¬5). وابنُ الصَّلاحِ منعَ الروايةَ بالمعنى مطلقاً في تصانيفِ النَّاسِ (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 506 (¬2) التبصرة والتذكرة (632). (¬3) قال العراقي: ((ليست الواو للعطف؛ بل للاستئناف، أي: وأما غيره، وهو الذي يعلم مدلول الألفاظ)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507، وانظر ما سيأتي من تعليق البقاعي. (¬4) وممن نقل هذا: الشافعي في " الرسالة ": فقرة (753) - (755) والخطيب في "الكفاية": 198، والقاضي عياض في " الإلماع ": 174، وابن الصلاح: 322، والنووي في "الإرشاد" 1/ 465 - 466. (¬5) وهذا هو المشهور من مذهب مالك، وقد رواه عنه: الخطيب في " الكفاية ": 188 - 189، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 81، والقاضي عياض في " الإلماع ": 180، وقد رجَّحه القاضي عياض. وانظر: فتح المغيث 2/ 212 - 213. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 323، وعبارته فيه: ((فإن الرواية في المعنى رخّص فيها من رخّص، لما كان عليهم في ضبط الألفاظ، والجمود عليها من الحرج والنصب، وذلك غير موجود فيما اشتملت عليه بطون الأوراق والكتب؛ ولأنه إن ملك تغيير اللفظ فليس يملك تغيير تصنيف غيره)). وضعفه ابن دقيق العيد في "الاقتراح": 245، وقال: ((إنه كلام فيه ضعف)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508 وتعليقي عليه.

ثم إذا رَوَى الراوي بالمعنَى، فالمُستحبُّ له استحباباً مُتأكداً، أنْ يقولَ بعدَ ذكرِهِ لما ذَكَرَهُ بالمعنى: أو ((كما قالَ))، أو ((نحو ذلكَ)) كأنْ يقولَ: ((هذا معنى ما قالَ)) أو ((قَربتُ منهُ)) أو ((شبهُهُ)) أو ((نحوُهُ)) (¬1). وهكذا يصنعُ عندَ شكٍّ أَبهمَ عليهِ في لفظينِ، أو جملتينِ، أو غيرِ ذلكَ، فلم يدرِ بأيِّهمَا نَطَقَ مَن حدَّثَهُ، وهذا الذي قررتُهُ في العطفِ، هو مرادُ الشَّيخِ بقولهِ: ((إنَّ الواو للاستئنافِ)) (¬2)، أي: لابتداءِ ذكرِ جملةٍ، ولا يهولنّكَ قولُهُ: ((ليستْ للعطفِ)) (¬3) فإنَّ المرادَ نفيُ عطفٍ مقيدٍ بالمفردِ؛ ليكونَ ما قبلها وما بعدها جملةً واحدةً، وإنْ لم يحملْ على هذا كانَ المعنى أنَّ الواوَ لا فائدةَ لها أصلاً بلْ وجودها كعدمِها، وهذا لا يقولُ بهِ مَن له مُسْكَةٌ (¬4)، فإيّاكَ أن تَجنحَ إليه، فإنَّ كثيراً من الناسِ يجترئُ على مثلهِ من كتابِ اللهِ تعالى فيما يُشكلُ عليه تنزيلُه / 212 أ / على معنىً مستقيمٍ؛ لعدمِ معرفتهِ المعطوف عليهِ، لضيقِ الحظيرةِ عن إيساعِ الفكرِ والإمعانِ في النظر، فيقعُ في أمرٍ عظيمٍ، لو تدبَّرهُ لتمنّى أن يكونَ خَرِسَ قبلَ أن يقولَ ما قالَ من ذلكَ المحالِ، واللهُ الهادي. على أنَّ الشيخَ لو قالَ: ((مدلولها، وقد أجازَ المعظمُ للغيرِ بالمعنى)) لاستراحَ من هذا. قولهُ: (لا يجوزُ لمنْ لا يعلمُ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ (¬6): ((إذا أرادَ روايةَ ما ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 323، والإرشاد 1/ 467، وفتح المغيث 2/ 216. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬4) مُسكة: بالضم، أي: بقية، يقال: فيه مُسكة من خير، أي: بقية، وفيه مسكة عقل، أو علم، أي: بقية. انظر: الصحاح مادة (مسك)، ولسان العرب مادة (مسك). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 506. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 322، وتتمة كلام ابن الصلاح: ((وأصحاب الحديث وأرباب الفقه وأصوله)). وانظر: نكت الزركشي 3/ 607 - 608.

سَمِعَهُ على معناهُ دونَ لَفظهِ، فإنْ لَمْ يَكُنْ عالِماً عارفاً بالألفاظِ ومقاصِدِها، خبيراً بِما يُحيلُ مَعَانِيها، بَصِيْراً بِمَقَاديرِ التَّفَاوتِ بَينَهَا، فلا خِلافَ أنَّهُ لا يَجُوزُ له ذلكَ، وعليهِ أنْ لا يَرويَ ما سَمِعَهُ إلا على اللفظِ الذي سَمِعهُ مِن غيرِ تَغييرٍ. فأمَّا إذا كانَ عَالِماً عارِفاً بذلِكَ، فَهَذا ما (¬1) اخْتَلَفَ فيهِ السَّلَفُ)). انتهى. قالَ شيخُنا: ((وفي المسألة قولٌ: إنَّهُ لا تجوزُ الروايةُ بالمعنى، إلاّ لمن يحفظُ اللفظَ حالَ الروايةِ بالمعنى، ليكونَ متمكِّناً من التعبيرِ عنهُ بمعناهُ، وقولٌ آخرُ بعكسِ هذا، وهو أنَّهُ لا يجوزُ ذلكَ إلاّ لمنْ نسيَ اللّفظَ؛ لأنَّ حالتَهُ حالةٌ ضرورة، وروايتَهُ له بالمعنى خيرٌ من ضياعهِ)) (¬2). قولُهُ: (والأصولِ) (¬3)، أي: على الإطلاقِ، سواءٌ في ذلكَ الحديثُ وغيرُهُ. وممّا يحثُّ على الروايةِ باللفظِ ويصلحُ أن يُلمحَ منهُ تجويزُ الروايةِ بالمعنَى حديثٌ رَواهَ الإمامُ أحمدُ (¬4)، وابنُ ماجَه (¬5)، والدّارميُّ (¬6)، وأبو يَعلَى (¬7)، والبزّارُ (¬8)، وابنُ حِبّانَ (¬9)، عن عدةٍ من الصحابةِ منهُم: أنسٌ - رضي الله عنه -، وحديثُهُ عندَ ¬

_ (¬1) في " المعرفة " ((مِمَّا)). (¬2) لم نعثر عليه بهذه الصورة. وانظر شرح نخبة الفكر: 499 - 502، وتدريب الراوي 2/ 98 - 99. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬4) في " مسنده " 4/ 80 و82 من حديث جبير بن مطعم، و5/ 183 من حديث زيد بن ثابت، و1/ 436 من حديث عبد الله بن مسعود. (¬5) في "سننه" (232) من حديث عبد الله بن مسعود، و (236) من حديث أنس بن مالك. (¬6) في " سننه " (230) من حديث أبي الدرداء. (¬7) في " مسنده " (5126) و (5296) من حديث عبد الله بن مسعود. (¬8) كما في " كشف الأستار " (141) من حديث أبي سعيد الخدري. (¬9) في " صحيحه " (66) و (68) و (69) من حديث عبد الله بن مسعود، و (67) من حديث زيد بن ثابت.

أحمدَ (¬1)، والطَّبرانيِّ (¬2)، أنّ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((نَضَّرَ (¬3) اللهُ امرءاً سَمعَ مِنَّا حديثاً فبلَّغهُ كما سمعهُ، فرُبَّ مُبلَّغٍ أوْعَى من سامعٍ)) (¬4). وفي روايةٍ: ((فرُبَّ حاملِ فقهٍ ولا فقهَ لهُ، ورُبَّ حامل فقهٍ إلى مَنْ هوَ أفقهُ منهُ)) فقالَ: ((كَما سَمعَهُ)) أي: بلفظهِ، وقالَ: ((فرُبَّ مبلَّغٍ أوعى لهُ))، أي: رُبَّما لم يفهمهُ من سمعَهُ حقَّ الفهمِ، فغيّرَهُ فَنقَصَ بعضَ أحكامهِ، ولو بلَّغَهُ بلفظهِ، لربما ظهرَ للسامعِ منهُ ذلكَ الحكمُ الذي سَقَطَ بالتغييرِ. وأمَّا لَمحُ التجويزِ منهُ فمن حيثُ لم يؤتَ فيهِ بصيغةِ الأمرِ، بل سِيقَ ذلكَ مَساقَ الترغيبِ بصيغةِ الدُّعاءِ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (ومنعَ بعضُ أهل الحديثِ) (¬5) نقلَ أنَّ مِنهُم / 212 ب / ابن سيرين (¬6) ولم يَذكرِ الأصوليينَ (¬7)؛ إمَّا لقلةِ القائلِ منهم بذلكَ؛ أو لدخولهِم في الفقهاءِ؛ لأنَّ الأقدمينَ من الفقهاءِ كانوا جامعينَ للعِلمَيْنِ؛ أو لأنَّ ذلك قد فُهمَ من تعبيرهِ أولاً بالأكثرِ، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) في " مسنده " 3/ 225. (¬2) في " معجمه الأوسط " (9444). (¬3) نَضَره ونَضَّره وأنْضَره، أي نَعمه، ويروى بالتخفيف والتشديد من النَّضارة، وهي في الأصل: حسن الوجه، والبريق، وإنما أراد حَسَّن خُلُقَه وقَدْرَه. النهاية 5/ 71. (¬4) قال ابن دقيق العيد: ((ولا خفاء بما في تبليغ العلم من الأجور لاسيما، وبرواية الحديث يدخل الراوي في دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم -، حيث قال: ((نضر الله امرءاً سمعَ مقالتي فوعَاها، ثم أدّاها إلى مَنْ لم يسمعها)))). الاقتراح: 264. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬6) انظر: الكفاية: 206، والبحر المحيط للزركشي 3/ 414. (¬7) لم يذكر العراقي الأصوليين في شرحه وذكرهم ابن الصلاح والنووي والزركشي والسخاوي.

قولُه: (مطلقاً) (¬1)، أي: سواءً الراوي كانَ عالماً بمدلولاتِ الألفاظِ كما تقدَّمَ، أم لا. [قوله] (¬2): (وهو حديثُ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -) (¬3)، أي: لأنَّه - صلى الله عليه وسلم - أُوْتِيَ جوامعَ الكلم (¬4)، وغيرُهُ ليسَ كذلكَ. والجوابُ: أنَّ المقصودَ أداءُ المعنَى، وإنْ كانَ اللفظُ المؤَدَّى به أكثرَ من الأصلِ، ولا يشكلُ عليه حديثُ ((مَن قالَ عليَّ ما لم أقلْ)) (¬5) فيكونَ نهياً عن الروايةِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيها. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬4) قال الزركشي في " البحر المحيط " 3/ 413: ((أن لا يكون - أي: الحديث - من جوامع الكلم؛ فإن كان كقوله عليه الصلاة والسلام: ((الخراج بالضمان))، ((البينة على المدعي))، ((العجماء جبار))، ((لا ضرر ولا ضرار))، ونحوه لم يجز؛ لأنّه لا يمكن درك معاني جوامع الكلم حكاه بعض الحنفية)) وقال في موضع آخر 3/ 416: ((والأصح عندي أنّه لا يجوز لاختصاصه - صلى الله عليه وسلم - بهذا النظم)). (¬5) أخرجه: أحمد 2/ 158 و171 من حديث عبد الله بن عمرو. وأخرجه: الطيالسي (80)، وأحمد 1/ 65، والبزار (383) من حديث عثمان بن عفان. وأخرجه: أحمد 4/ 334، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (2626)، والطبراني في " الكبير " 19/ (659) من حديث أبي موسى الغافقي. وأخرجه: الشافعي في " مسنده " (1810) بتحقيقي، وأحمد 5/ 297 و310، والدارمي (237)، والبخاري في " الأدب المفرد " (904)، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل " (745)، والحاكم 1/ 111 - 112 من حديث أبي قتادة. قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " عقب الحديث (110) بعد أن تكلم عن التخريجات ومن خرَّجها: ((فهؤلاء ثلاثة وثلاثون نفساً من الصحابة، وورد أيضاً عن نحو خمسين غيرهم بأسانيد ضعيفة، وعن نحو من عشرين آخرين بأسانيد ساقطة، وقد اعتنى جماعة من الحفاظ بجمع طرقه، فأول من وقفت على كلامه في ذلك: علي بن المديني، وتبعه يعقوب بن شيبة، فقال: روي هذا الحديث من عشرين وجهاً عن الصحابة من الحجازيين وغيرهم، ثم إبراهيم الحربي، وأبو بكر =

بالمعنى؛ لأنّه - صلى الله عليه وسلم - لم يقل ذلك اللّفظَ. وإنما كانَ لا يشكلُ؛ لأن ترجمةَ الكلامِ بغيرِ لفظِ القائلِ مَعَ نسبةِ ذلكَ الكلامِ إلى ذلكَ القائلِ أمرٌ مشهورٌ في الكتابِ والسُّنةِ والعُرفِ، فهو معترفٌ أنَّ القصدَ إنّما هو المعنى، واللهُ أعلمُ. قولُه: (والقولُ الأولُ هو الصحيحُ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((والأصَحُّ جَوَازُ ذلكَ في الجميعِ إذا كانَ عالِماً بمَا وَصَفْناهُ، قَاطِعاً بأنَّهُ أدَّى مَعنَى اللَّفْظِ الذي بَلَغَهُ؛ لأنَّ ذلكَ هو الذي تَشْهَدُ بهِ أحوالُ الصَّحَابَةِ والسَّلَفِ الأوَّلِينَ)) (¬2) رضي اللهُ عنهم أجمعينَ. قولهُ: (غيرِ واحدٍ من الصحابةِ) (¬3) سَتأتي تَسميتُهم آخرَ هذه القولةِ. قولهُ: (حديثٌ مرفوعٌ) (¬4) قالَ شَيخُنا: ((هو موضوعٌ؛ في سندهِ راوٍ كذابٌ)) هكذا حفظتُهُ منهُ. وقالَ في كتابهِ " الإصابةِ في الصحابةِ " (¬5) في ترجمةِ راوي هذا الحديثِ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - سليمِ بنِ أُكَيمٍ (¬6) الليثيِّ: ((رَوَى الطَّبرانيُّ (¬7) من طريقِ الوليدِ بنِ سلمةَ، ¬

_ = البزار، فقال كل منهما: إنه ورد من حديث أربعين من الصحابة ... وقال أبو بكر الصيرفي شارح "رسالة الشافعي": رواه ستون نفساً من الصحابة ... وقال أبو القاسم ابن منده رواه أكثر من ثمانين نفساً ... )). (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬2) إلى هنا ينتهي كلام ابن الصلاح في المعرفة: 323، وتتمة كلامه: ((وكثيراً ما كانوا ينقلون معنى واحداً في أمرٍ واحدٍ بألفاظ مختلفة)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 507. (¬5) الإصابة في تمييز الصحابة 2/ 384 (3430). (¬6) في المطبوع من " الإصابة "، ومعرفة الصحابة لأبي نعيم 2/ 487: ((أكيمة)). (¬7) في " الكبير " (6491). =

قال: حَدَّثَني يعقوبُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ سليمِ بنِ أُكَيمٍ، عَن أبيهِ، عَن جدهِ قالَ: أتَيْنَا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فَذكرَهُ))، ثُم قالَ: ((ورواهُ من وجه آخر عنهُ، فقالُ: ((سُلَيمانُ)) بدل ((سُليمٍ)). وأوردَهُ ابنُ الجوزيّ في " الموضوعاتِ " (¬1)، واتّهمَ به الوليدَ بنَ سلمةَ، وليسَ كما زَعمَ. فقد أخرجَهُ: ابنُ مَنْدَه (¬2) من طريقِ عمرَ بنِ إبراهيمَ، عن محمدِ ابن إسحاقَ، عن (¬3) سُليمِ بن أُكيمٍ، عن أبيهِ، عن جدهِ نحوه. ولكنّ عُمرَ في وزن (¬4) الوليدِ. وأخرجَهُ: ابنُ مَندَه (¬5) من طريقٍ أخرى، عن عمرَ بنِ إبراهيمَ، فقالَ: عن محمدِ / 213 أ / بنِ إسحاقَ بنِ (¬6) عبدِ اللهِ بنِ سليمٍ، زاد في نسبه ((عبد الله)). ثم أوردَهُ في ترجمةِ: ((عبدِ اللهِ)) بهذا النسبِ. ¬

_ = وأخرجه أيضاً: الجورقاني في " الأباطيل " 1/ 97 من طريق الوليد بن سلمة، وقال: حدثني يعقوب بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي، عن أبيه، عن جده، فذكره. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/ 154: ((ولم أر من ذكر يعقوب ولا أباه)). وقال الجورقاني: ((هذا حديث باطل، وفي إسناده اضطراب)). (¬1) لم أجده في المطبوع من " الموضوعات ". (¬2) في كتابه " معرفة الصحابة " كما قال العراقي في " شرحه " 1/ 507. (¬3) كذا في (ف) و" معرفة الصحابة " لأبي نعيم 2/ 487 (3469)، والذي في " الإصابة ": ((محمد بن إسحاق بن سليم بن أكيم ... )). (¬4) في الإصابة: ((زمن)) خطأ. (¬5) أخرجه: الجورقاني في "الأباطيل والمناكير" 1/ 97 من طريق ابن منده، بهذا الإسناد. (¬6) في (ف): ((محمد بن إسحاق عن عبد الله بن سليم ... ))، والمثبت من الإصابة، والأباطيل والمناكير؛ إذ أخرجه الجورقاني من طريق ابن منده، وقال فيه: عن محمد بن إسحاق بن عبد الله بن سليم.

وأخرجَهُ: أبو القاسمِ بنُ مَندَه في " كتابِ الوصيةِ " من وجهينِ إلى الوليدِ ابنِ سلمةَ، فقالَ: ((عن إسحاقَ بنِ يعقوبَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أُكيمٍ، عن أبيهِ، عن جدهِ)). وفيه اختلافٌ آخرُ يأتي في ترجمةِ: محمدِ بنِ عبدِ اللهِ بن سُليمِ بن أكيمٍ (¬1). انتهى. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في " الإصابة " 5/ 280 (8525) في ترجمة: محمد بن عبد الله بن سليمان ابن أكيمة الليثي: ((ذكره ابن قانع في "الصحابة"، وأخرج من طريق أحمد بن مصعب، عن عمر بن إبراهيم، عن محمد بن إسحاق، عن أبيه، عن جده محمد بن عبد الله بن سليمان بن أكيمة الليثي، قال: قلت: يا رسول الله، إنّا نسمع منك شيئاً لا نستطيع نرويه كما نسمعه، قال: ((إذا لم تحلوا حراماً ولا تحرّموا حلالاً وأصبتم المعنى فلا بأس))، وعمر مذكور بوضع الحديث، وقد اضطرب في تسمية آبائه في هذا الحديث، فأخرجه: ابن منده من طريق عمر ابن إبراهيم، فقال: عن محمد بن سليم بن أكيمة، وأورده في حرف السين في سُليم ليس في آخر الاسم ألف، ولا نون، ثم أورده من طريق أخرى عن عمر، فقال: عن محمد بن إسحاق ابن عبد الله بن سُليم، وزاد في النسب عبد الله، فأورده كذلك في حرف العين، وهذا لا يمكن الجمع بينه وبين الذي قبله، بأن يكون الضمير في قوله: عن جده يعود على إسحاق، فيكون سُليم هو الصحابي، وأورده أبو موسى في الذيل من طريق عبدان المروزي، ثم من روايته عن عمر بن إبراهيم الهاشمي، عن محمد بن إسحاق بن أكيمة وأورده كذلك في الألف. وكذا أخرجه: ابن مردويه في " كتاب العلم " من الطريق التي أوردها عبدان، وكذا أخرج ابن السكن بهذا السند حديثاً آخر في ترجمة أكيمة، وجاء فيه اختلاف آخر من غير رواية عمر ابن إبراهيم، فأخرجه: الطبراني من طريق يعقوب بن عبد الله بن سُليم بن أكيمة، عن أبيه، عن جده، وأورده في سليم من حرف السين، ورواه الطبراني من طريق الوليد بن سلمة، عن إسحاق بن يعقوب بن عبد الله بن أكيمة، عن أبيه، عن جده، وكل هذه الطرق لا توافق رواية ابن قانع بوجه من الوجوه والذي أظنّه أنه وقع فيه تقديم وتأخير، وأنّه كان من محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن سُليم بن أكيمة، عن أبيه، عن جده، فتقدم قوله: عن أبيه، عن جده، على قوله: ابن عبد الله بن سُليم، فخرج منه هذا الوهم، والله أعلم)).

والوليدُ الذي وازنَ بينَهُ وبين عمرَ هو الوليدُ بنُ سلمةَ الطبريُّ (¬1) الأزديُّ أبو العبّاسِ قاضي طبريّةَ. قالَ أبو حاتِمٍ: ((ذاهبُ الحديثِ)) (¬2). وقالَ دحيمٌ وغيرُهُ: ((كذابٌ)) (¬3). وقالَ ابنُ حبانَ: ((يضعُ الحديثَ)) (¬4). وأمَّا عمرُ، فلم يذكر في " لسانِ الميزانِ " (¬5) مَن يصلحُ أنْ يكونَ هذا إلاّ عمرُ بنُ إبراهيمَ بنِ خالدٍ الكرديُّ الهاشميُّ مولاهم، وقالَ: ((عن عبدِ الملكِ بنِ عميرٍ، وعن ابنِ أبي ذئبٍ، وشعبةَ، وبقيَ إلى العشرينَ ومئتينِ)) - وقالَ في آخرِ ترجمتهِ: - ((قالَ ابنُ عقدةَ: ضعيفٌ. وقالَ الخطيبُ: يروي المناكيرَ عن الأثباتِ (¬6)، ولم يعرفْهُ ابنُ القطانِ: فقالَ: مجهولٌ)). هذا الذي قالَهُ (¬7). ولا يظهرُ منهُ أنَّهُ في ميزانِ الوليدِ، ذاكَ وُصِفَ بالكذبِ (¬8)، فاللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) انظر ترجمته في: الكامل 8/ 358، والجرح والتعديل 9/ 9، والكشف الحثيث (825)، ولسان الميزان 8/ 383 (8357). وقد وقع في المطبوع من " الكامل "، و" ميزان الاعتدال "، و" كشف الحثيث ": ((الطبراني)). (¬2) الجرح والتعديل 9/ 9 (15682). (¬3) الجرح والتعديل 9/ 9 (15682)، وميزان الاعتدال 4/ 339. (¬4) المجروحين 3/ 80. (¬5) 6/ 61 - 62، وانظر: ميزان الاعتدال 3/ 179. (¬6) تاريخ بغداد 13/ 36 (5858) ونص كلامه: ((وكان غير ثقة، يروي المناكير عن الأثبات)). (¬7) أي: الحافظ ابن حجر رحمه الله. (¬8) وعمر هذا وصف أيضاً بالكذب، فقد وصفه الدارقطني كما نقله برهان الدين الحلبي في "كشف الحثيث" (537)، ونقله أيضاً ابن حجر في " لسان الميزان " 6/ 61 (5573).

وأمَّا عبدُ اللهِ بنُ سليمانَ فحمّرهُ الذهبيُّ في ((تجريدِ الصحابةِ)) (¬1) وقالَ في الخطبةِ: ((فَمَن حُمر على اسمهِ فهو تابعيٌّ، لا رؤيةَ لهُ))، وقالَ: ((وقيلَ: الصحبةُ لأبيهِ)). ورأيتُ عن شَيخِنا الحافظِ برهانِ الدِّينِ الحلبيِّ، أنَّه قالَ: ((رأيتُ بخطِّ بعضِ شيوخِي في منتقى من " الطبرانيِّ الكبيرِ " (¬2) عن يغوثَ بنِ عبدِ اللهِ بنِ سُليمانَ ابن أُكيمةَ الليثيِّ، عن أبيهِ، عن جدهِ، قالَ: أتينا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، فقالَ (¬3): بآبائِنا أنتَ وأمهاتِنا يا (¬4) رسولَ اللهِ، إنَّا نسمعُ منكَ الحديثَ، ولا نَقدرُ أن نؤدِّيه كما سمعناهُ، قالَ: ((إذا لم تحلُّوا حراماً، ولم تُحرِّموا حلالاً، وأصبتُمُ المعنى، فلا بأسَ)). هكذا وجدتُ عن شَيخِنا البرهانِ: ((يغوثَ)) بمعجمةٍ بعد التحتانيةِ وآخره مُثلثة، وقد سَبقَ أنَّ شيخَنا ابنَ حجر قالَ في " الإصابةِ " (¬5): ((يعقوب)) بمهملةٍ، ثم قافٍ، وآخره مُوحَدة. فاللهُ أعلمُ. قالَ شيخُنا البرهانُ: ((ورَوَى ابنُ عساكرَ في ترجمةِ واثلةَ من " تاريخهِ " (¬6) من طريقِ أبي نُعيمٍ الحنفيِّ، عن العلاءِ بنِ كثيرٍ أبي سعدٍ الشاميِّ، عن مكحولٍ: أنَّهُ سمعَ واثلةَ - رضي الله عنه - يقولُ: سمعتُ / 213ب / رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((لا بأسَ بالحديثِ قدَّمتَ فيهِ، أو أخَّرتَ إذا أصبتَ معناهُ)). انتهى. ¬

_ (¬1) 1/ 316. (¬2) الحديث (6491). (¬3) في " معجم الطبراني ": ((فقلنا له)). (¬4) في (ف): ((برسول الله))، والمثبت من " المعجم الكبير ". (¬5) 2/ 384. (¬6) تاريخ دمشق 65/ 275.

قولهُ: (بَدَلَهُ فيهِ) (¬1)، أي: في ذلكَ التصنيفِ، بأنْ ينسخَهُ ويغيرَّ ألفاظَهُ أو بعضَها. قولهُ: (والجمودِ عليها من الحَرَجِ) (¬2) يدلُّكَ على أنَّ هذهِ المسألةَ منتزعةٌ من قولِ مَن شَرطَ في الروايةِ بالمعنى نسيانَ اللفظِ، واللهُ أعلمُ. ويرشدُ أيضاً إلى أنّه إنْ غابَ عنه ذلكَ الكتابُ غيبةً لا تمكنُهُ معها مراجعته، أو تمكنهُ بعد مَشقةٍ، جازَ النقلُ منهُ بالمعنى. قولهُ: (وأقلُّ ما فيهِ) (¬3) قالَ شيخُنا (¬4): ((لم يذكرْ أكثرَ ما فيهِ، وهوَ جعلُ المحافظةِ على ألفاظِ المصنفينَ أعظمُ من المحافظةِ على ألفاظِ الحديثِ النبويِّ، ويشبهُ أن تكونَ روايةُ الحديثِ، قبلَ الوصولِ إلى المصنفاتِ وبعدَه، وروايةُ غيرِ الحديثِ سواءٌ، لا فرقَ بينَ شيءٍ من ذلكَ فمتى رَوَى شيئاً منهُ بعبارةٍ تدلُّ اصطلاحاً، أو لغةً، أو عُرفاً على أنَّ ما ذكرَهُ لفظَ المنقولِ عنهُ، لم يحلَّ له أن يتصرَّفَ فيهِ، وإلاّ جازَ، فإنْ صرَّحَ بأنَّهُ نَقَلَ بالمعنى فهو أحسنُ)). قالَ: ((والذي لا أشكُّ فيهِ، أنّ دندنتهم ترجعُ إلى هذا، وأنَّهُ لا يخالفُ فيه أحدٌ ولا تغترَّ بأنَّ قولَ ابنِ دقيقِ العيدِ: ((سواءٌ رَوَيناها فيها أو نَقَلناها منها)) (¬5) ظاهرهُ المنعُ مطلقاً، واللهُ أعلمُ)). قولهُ: (أو نَقَلْناها منها) (¬6) يوجدُ بعدَهُ في بعضِ النُّسخِ: (قلتُ: لا نسلِّمُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬3) هذا كلام ابن دقيق العيد، نقله العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 1/ 508، وانظر: الاقتراح: 245 - 246. (¬4) انظر: فتح المغيث للسخاوي 2/ 216، وفيه إقرار الحافظ ابن حجر لكلام ابن دقيق العيد. (¬5) الاقتراح: 246. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508.

أنَّهُ يقتضي جوازَ التغييرِ فيما نقلناهُ إلى تخاريجنا، بلْ لا يجوزُ نقلهُ عن ذلكَ الكتابِ، إلاَّ بلفظهِ دونَ معناهُ، سواءٌ في مُصنفاتِنا (¬1) وغيرِها، واللهُ أعلمُ) (¬2). وأكثرُ النُّسخِ خاليةٌ عن ذلكَ (¬3)، وكأنَّها حاشيةٌ اشتبهتْ على بعضِ النُّسَّاخ، وهي غيرُ صحيحةِ المعنَى، فإنَّ ما قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ ظاهرٌ جداً، من عبارةِ ابنِ الصّلاحِ من قولهِ: ((ويُثْبِتَ بدلَهُ فيه لفظاً آخرَ بمعناهُ)) (¬4) فَقَّيدَ بقولهِ: ((فيهِ))، ومن قولهِ: ((فليسَ يملكُ تغييرَ تصنيفِ غيرهِ)) (¬5) ومتى لم يكنِ التغييرُ في صلبِ التصنيفِ، لم يكنْ تغييراً لهُ، واللهُ الهادي. قولهُ: (وما أَشبهَ ذلكَ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصَّلاح بـ ((أو))، فقالَ: ((ينبغِي لِمَنْ روى حديثاً بالمعنى أنْ يُتبِعَهُ بأنْ يقولَ: ((أوْ كَما قالَ))، أو ((نحوِ هذا))، أو ما أشبه ذلك مِنَ الألفاظِ)) (¬7). قولهُ: (وأنسٍ) (¬8) قالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬9) بعدَهُ: ((قالَ الخطيبُ (¬10): ¬

_ (¬1) في شرح التبصرة والتذكرة: ((في تصانيفنا أو غيرها)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬3) انظر بلا بد تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 1/ 508. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 323، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 323، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 508. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 323. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 509، وحديثه رواه ابن ماجه (24)، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 550، والخطيب في " الكفاية ": 206، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 79. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 323. (¬10) الجامع لأخلاق الراوي 2/ 34.

والصَّحابةُ (¬1) رضي الله / 214 أ / عنهم أربابُ اللسانِ وأعلمُ الخلقِ بمعاني الكلامِ، فلم يكونُوا يقولونَ ذلكَ إلاَّ تَخَوُّفاً من الزللِ؛ لمعرفتهم بما في الروايةِ على المعنى من الخَطَرِ)) (¬2). قوله: (على الشكِّ) (¬3) عبارة ابن الصلاح: ((وإذا اشْتَبَهَ على القارىءِ فيما يَقْرَؤهُ لفظةٌ: يقرؤها (¬4) على وجهٍ يَشُكُّ فيهِ)) (¬5). قوله: (في روايةِ) (¬6) هو مضافٌ إلى (صوابِها) (¬7)، أي: في أنْ يرويَها على الصَّوابِ عندَ تحقُّقِ ذلكَ. قولهُ: (بَيَّنَّاهُ قريباً) (¬8)، أي: في شرحِ قولهِ: ((الروايةُ منَ الأصلِ)). ¬

_ (¬1) نقل عن ابن عمر: عدم تجويز الرواية بالمعنى، ونقل عن عبد الله بن مسعود، وأبي الدرداء: أنَّهم كانوا يحتاطون فيقولون بعد الحديث ((كما قال))، أو ((نحو هذا)). انظر: الكامل 1/ 94، وجامع بيان العلم 1/ 79، والكفاية: 205 هـ، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 508 - 509. (¬2) قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 333: ((ليس في النقل عن هؤلاء أنهم جوَّزوا نقل الحديث بالمعنى كما فهمه بعض من لا يصح فهمه)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 509. (¬4) في المعرفة: ((فَقَرَأَها)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 323. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 509، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 323. (¬7) انظر ما سبق. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 509، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 323.

الاقتصار على بعض الحديث

الاقتِصَارُ عَلَى بَعضِ الحدَيِثِ قولُهُ: (الاقتصارُ على بعضِ الحديثِ) (¬1) لما كانَ للحذفِ من الحديثِ تعلّقٌ بالمعنَى، عقَّبَ الروايةَ بالمعنَى بهِ. قولُهُ: (فَامْنعَ) (¬2) هوَ على تقديرِ شرطٍ، أيْ ((حَذف بعضِ المتنِ إنْ أرادَهُ أحدٌ فامنعْ منهُ مطلقاً))، أي: سواءٌ كان قد رَوَى قبلَ ذلكَ تامَّاً أم لا. قالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬3)، بناءً على القولِ بالمنعِ من النقلِ بالمعنى مطلقاً. قولُهُ: (او أجِزْ) (¬4) أي: أجِزِ الحذفَ مطلقاً. وعبارةُ ابنِ الصَّلاحِ عن هذا القولِ: ((ومنهمْ مَنْ جَوَّزَ ذلكَ وأطلقَ ولم يُفصِّلْ)) (¬5) - أي: بينَ أنْ يكونَ الحديثُ قد رويَ تاماً قبلَ ذلكَ أو لا، ولا بينَ أنْ تجوزَ الروايةُ بالمعنى أو لا، قالَ -: ((وقد رُوِّيْنا عَنْ مُجَاهِدٍ أنَّهُ قالَ: انقُصْ منَ الحديثِ ما شِئتَ ولا تزِدْ فيهِ (¬6))). انتهى. ونُقِلَ عن الشيخِ محيي الدّينِ النوويِّ (¬7) أنَّه قالَ: ((إنَّ القاضِي عياضاً، نسبَ هذا القولَ، إلى مسلمِ بنِ الحجاجِ صاحبِ الصَّحيحِ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 509. (¬2) التبصرة والتذكرة (635). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬4) التبصرة والتذكرة (635) بتسهيل همزة (أو). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬6) هذا الأثر أسنده الخطيب في " الكفاية ": 189 هـ، وفي " المحدث الفاصل " للرامهرمزي: 543 بلفظ: ((لأن أنقص من الحديث، أحب إليَّ من أنْ أزيد فيه)). (¬7) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 52، وقال النووي: ((والصحيح الذي ذهب إليه الجماهير والمحققون من أصحاب الحديث والفقه والأصول: التفضيل وجواز ذلك من العارف إذا كان ما تركه غير متعلق بما رواه، بحيث لا يختل البيان ولا تختلف الدلالة بتركه، سواء جوّزنا الرواية بالمعنى أم لا، وسواء رواه قَبْلُ تاماً أم لا؟ هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأمّا من رواه =

قوله: (أَوْ لِعَالِمٍ) (¬1) قال شَيخُنا رحمهُ اللهُ: ((يَنبغي أنْ لا يكونَ هذا قولاً برأسهِ، بلْ يجعلُ شَرطاً لقولِ من أجازَ، فإنَّ منعَ غيرِ العَالمِ منَ التصرُّفِ في مثلِ ذلكَ، لا يخالفُ فيه أحدٌ)). وقولهُ: (إِنْ يَكُنْ مَا اخْتَصَرَهُ ... ) (¬2) إلى آخره شرطٌ لا بدَّ من وجودهِ، لكنْ لا يحتاجُ إلى ذكرهِ هنا؛ لأنَّهُ قد عرفَ من القولةِ التي قبلَ هذهِ (¬3) أنَّ التغييرَ مشروطٌ بالإتيانِ بتمامِ المعنى. قالَ شيخُنا: ((وينبغِي أن يقيَّدَ ذلكَ بمن يقصدُ الاحتجاجَ، كما سَيأتي في آخرِ هذهِ القولةِ)). ويَستثني من غرضهِ الأعظم، تحريرَ السندِ كأصحابِ الأطرافِ، فإنَّهُ لا يشترطُ في حقّهِ أن يذكرَ من الحديثِ جملةً مفيدةً، بل يأتي بكلامٍ يُعرفُ منه تمامُ الحديثِ؛ ليدلَّ على أنّ هذا السندَ، للحديثِ / 214 ب / الذي ذكرَ طرفَهُ كأنْ يقولَ حديثَ: ((لو يُعطَى النَّاسُ بدعواهُم)) (¬4). ¬

_ = تاماً، ثم خاف إن رواه ثانياً ناقصاً أن يتهم بزيادة أوّلاً، أو نسيان لغفلة وقلة ضبط ثانياً، فلا يجوز له النقصان ولا ابتداء إن كان قد تعين عليه أداؤه. وأما تقطيع المصنفين الحديث الواحد في الأبواب، فهو بالجواز أولى، بل يبعد طرد الخلاف فيه، وقد استمر عليه عمل الأئمة الحفاظ الجلّة من المحدّثين وغيرهم، من أصناف العلماء، وهذا معنى قول مسلم رحمه الله: أو أن يفصل ذلك المعنى ... إلى آخره)). (¬1) التبصرة والتذكرة (635). (¬2) التبصرة والتذكرة (636). (¬3) إشارة إلى قوله في البيت (635): وَحَذْفَ بَعْضِ الْمَتْنِ فَامْنعَ او أَجِزْ ... أَوْ إِنْ أُتِمَّ أَوْ لِعَالِمٍ وَمِزْ (¬4) أخرجه: البخاري 6/ 43 (4552)، ومسلم 5/ 128 (1711) (1) من حديث ابن عباس. ولفظ البخاري: ((لو يُعطى الناس بدعواهم، لذهب دماء قومٍ وأموالهم)).

قوله: (هو أو غيرُهُ لم يَجُزْ) (¬1) أي: وإن جازت الرواية بالمعنى، كما قال ابن الصلاح (¬2). وقد يُسأل عن علة ذلك، فإن قيل: إنّها الخوف من أن يُتهم بأنّه زاد فيه لو رواه بعد ذلك تاماً. فالخوف من أن يُتهم بأنّه زاد أوّل مرةٍ إذا رواه ثانياً ناقصاً موجودٌ. وقد يقالُ: إنّما ذلكَ لأجلِ الخوفِ من أنَّه قد يموتُ قبلَ أنْ يُحدِّثَ به تاماً، فَيفُوتَ بذلك حكمٌ من الأحكامِ أو نحو ذلك. قوله: (إنْ أَتَمَّ مرَّةً ما، منهُ أو من غيرِهِ) (¬3) مُقيّدٌ بمن لا يُتّهمُ. أمّا مَن يَخشَى ذلكَ، فسيأتي أنَّهُ إذا رواهُ تامَّاً لا يسوغُ له بعدَ ذلكَ أن يروَيهُ ناقصاً؛ لِئلا يُظَنَّ به ظنّ السوءِ (¬4). قولُهُ: (لأنَّ ذلكَ بمنزِلةِ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ بعدَ ما تقدَّمَ: ((لأنَّ الذي نَقلَهُ والذي تركَهُ - والحالَةُ هذهِ - بمنزلَةِ خَبَرَينِ منفصلينِ في أمرينِ لا تَعَلُّقَ لأحدِهِما ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 510. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 510. (¬4) قال الخطيب في " الكفاية ": 193: ((وإنْ خاف من روى حديثاً على التمام، إذا أراد روايته مرة أخرى على النقصان لمن رواه له قبل تاماً، أن يتهمه بأنه زاد في أول مرة مالم يكن سمعه، أو أنه نسي في الثاني باقي الحديث؛ لقلة ضبطه وكثرة غلطه، وجب عليه أن ينفي هذه الظنة عن نفسه؛ لأنّ في الناس من يعتقد في رواية الحديث كذلك أنه ربما زاد في الحديث ما ليس منه، وأنّه يغفل ويسهو عن ذكر ما هو منه، وأنّه لا يؤمن أن يكون أكثر حديثه ناقصاً مبتوراً، فمتى ظنَّ الراوي اتهام السامع منه بذلك، وجب عليه نفيه عن نفسه)). وقال أبو الفتح سليم الرازي: ((إن من روى بعض الخبر، ثم أراد أن ينقل تمامه، وكان ممَّن يتهم بأنّه زاد في حديثه، كان ذلك عذراً له في ترك الزيادة وكتمانها)). انظر: البحر المحيط 4/ 362، ومعرفة أنواع علم الحديث: 325، والمقنع 1/ 377، وشرح صحيح مسلم للنووي 1/ 52، وشرح التبصرة 1/ 510. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 510.

بالآخَرِ، ثمَّ هذا إذا كانَ رفيعَ المنزلةِ بحيثُ لا يتطرَّقُ إليهِ من ذلكَ تُهمَةُ نَقلهِ أوَّلاً تماماً ثمَّ نَقْلِهِ ناقصاً، أو نقلِهِ أوَّلاً نَاقِصاً ثمَّ نَقلِهِ تامَّاً)) (¬1). وعبارةُ ابنِ دَقيقِ العيدِ (¬2) فيما إذا اقتصرَ على واحدٍ من لَفظينِ مُستقلينِ في معنيينِ، ولا تغير للمعنى، فالأقربُ الجوازُ؛ لأنَّ عمدةَ الروايةِ في التجويزِ هو الصدقُ، وعُمدتها في التحريمِ هو الكذبُ، وفي مثلِ ما ذكرناهُ: الصدقُ حاصلٌ فلا وجهَ للمنعِ، فإن احتاجَ ذلكَ إلى تغييرٍ لا يُخِلُّ بالمعنى، فهو خارجٌ على جوازِ الروايةِ بالمعنى. قولُهُ: (أَدَاءُ تمامِهِ) (¬3) ينبغي أنْ لا يرويَهُ ناقصَاً، بل لا يرويه إلا تامَّاً مُطلقاً؛ لأنَّه إما أنْ يتعينَ ذلكَ عليهِ، وإمّا أنْ يكونَ بصددِ أنْ يؤخذَ عاضِداً عندَ المعارضةِ، أو شَاهِداً، أو متابعاً بحيثُ يتمُّ به وبما تابعه الحُجَّة، ولو لم تكن هناكَ معارضةٌ، فيندبَ له أنْ لا يرويَهُ إلا تاماً نَدباً متأكداً، وقد يقالُ: إنَّ هذه الصورةَ داخلةٌ في كلامِ الشَّرحِ. قولُهُ: (إلى الجوازِ أقربُ) (¬4) قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((ومنَ المنعِ أبعَدُ)) (¬5) ونُقِلَ عن النوويِّ (¬6) أنَّه يبعدُ طرد الخلافِ فيهِ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 324. (¬2) الاقتراح: 238 - 239، وأول عبارته: ((إن كان اختصاره، مما يغير المعنى لو لم يُختصر لم يجز. وإن لم يغير المعنى، مثل أن يذكر لفظين مستقلين ... )). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 511، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 325. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 511، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 325. قلت: وقد فعله بعض الأئمة منهم: مالك، وأحمد، ونعيم بن حماد، والبخاري، وأبو داود، والنسائي. انظر: الكفاية 193 - 194، ومعرفة أنواع علم الحديث: 325، والمقنع 1/ 377، والإرشاد 1/ 470، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 511. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 325. (¬6) انظر: صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 38 - 39.

قولُهُ: (ولا يَخْلُو منْ كَراهِيَةٍ) (¬1) ليسَ المرادُ الكراهةَ الاصطلاحيةَ، وإنّما المرادُ أنَّ سوقَهُ تامَّاً أحسنُ وأولَى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 511، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 325. وقد نازعه النووي في " التقريب ": 135، فقال: ((وما أظنه يوافق عليه))، وقد عقد الخطيب في " الكفاية ": 193 - 194 باباً سماه: ((ما جاء في تقطيع المتن الواحد وتفريقه في الأبواب)). ونقل فيه آثاراً عن الأئمة في جواز ذلك. وقال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 190 ((فائدة وزيادة. قال النووي في مختصره: ((ما أظنُّ أنَّ ابن الصلاح يوافق على الكراهية))، وأطلق هو وابن الصلاح الخلاف في الفرع، ثم أردفاه بالتفصيل. وهو يقتضي أن لنا قولاً بجوازه مطلقاً، حتى يترك الشرط، والاستثناء، والغاية. وهذا مما لا يقوله أحد، وإنما يحمل التفصيل على جملة حالاته، ويتقيد القولان قبله بما إذا لم يكن للمحذوف تعلق بالمروي. ومن ثم قال ابن الحاجب في مختصره: حذف بعض الخبر جائز عند الأكثر، إلاّ في الغاية والاستثناء ونحوه. وما تقدم من صنيع البخاري لم يفعله الإمام مسلم، بل يسوق الحديث بتمامه ولا يقطعه وقد تقدم أنّ ذلك من جملة أسباب ترجيحه عند جماعة)).

: (التسميع بقراءة اللحان والمصحف)

التسميعُ بقراءةِ اللحَّانِ (¬1) والمصحِّفِ (¬2) قولُهُ: (التَّسميعُ بقراءةِ اللحَّانِ والمصحِّفِ) (¬3)، أي: إيجادُ الإسماعِ أو السماعِ / 215 أ / بقراءةِ اللحانِ، وهوَ مَن يُخطئُ بحالِ قراءتهِ صوابَ الإعرابِ إمّا بكونهِ لا يعرفُ العربيةَ، أو بكونهِ لا يقيمُ لسانَهُ وقتَ القراءةِ على الصوابِ، وإنْ كانَ يعرفُ النحوَ (¬4). ¬

_ (¬1) قال ابن فارس: ((اللّحْنُ - بسكون الحاء - إمالة الكلام عن جهته الصحيحة في العربية، يقال: لحن لحناً ... )). مقاييس اللغة مادة (لحن). وفي الصحاح مادة (لحن): ((اللحن: الخطأ في الإعراب، يقال: فلان لحان ولحانة، أي: كثير الخطأ)). وانظر: فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث: 22. (¬2) التصحيف: هو تغيير حرف أو حروف من الكلمة بالنسبة إلى النقط مع بقاء صورة الخط. شرح شرح نخبة الفكر: 488 - 489 بتصرف، وقال الجعبري: هو تغيير اللفظ أو المعنى. رسوم التحديث في علوم الحديث: 92. وانظر في المصحف: معرفة علوم الحديث: 146 - 152، ومعرفة أنواع علم الحديث: 383، والإرشاد 2/ 566 - 570، والتقريب: 158 - 159، واختصار علوم الحديث 2/ 470 وبتحقيقي: 232، والشذا الفياح 2/ 467 - 470، والمقنع 2/ 469 - 479، ومحاسن الاصطلاح: 233، وتنقيح الأنظار: 257، ونزهة النظر: 77، وفتح المغيث 3/ 67 - 74، وتدريب الراوي 2/ 193 - 195، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 279، وفتح الباقي 2/ 174، واليواقيت والدرر 2/ 104، وتوضيح الأفكار 2/ 419 - 422، وظفر الأماني: 282 - 287، والموجز في مصطلح الحديث: 130، وأثر اختلاف الأسانيد والمتون في اختلاف الفقهاء: 552 - 553. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 511. (¬4) انظر: فتح المغيث بحكم اللحن في الحديث: 26 - 31.

والمصحِّفُ: مَن يخطئُ بغيرِ اللحنِ، بلْ بتبديلِ بعضِ الحروفِ، مثل: أنْ يجعلَ الجيمَ في ((أجمدَ)) حاءً مهملةً، وزايَ البزارِ مهملةً، هكذا هو في الاصطلاحِ. وإنْ كانَ في اللغةِ أعمُّ. قالَ في " القاموسِ " (¬1): ((الصَّحَفِيُّ مُحرَّكةً: مَنْ يُخطئُ في قِرَاءةِ الصَّحِيفةِ. والتَّصحيفُ: الخَطَأُ في الصَّحيفةِ)). وقالَ الصغانيُّ في " مجمعِ البحرينِ " (¬2): ((وقولُ العامةِ: صُحُفي بضمَّتينِ لحنٌ، والنسبةُ إلى الجمعِ نسبةٌ إلى الواحدِ؛ لأنَّ الغرضَ الدلالةُ على الجنسِ، والواحدُ يَكفي. وأمَّا ما كانَ علماً ((كأنماريٍّ)) و ((كلابيٍّ)) و ((معافريٍّ)) و ((مدائنيٍّ)) فإنَّهُ لا يرد وكذا ما كان جارياً مجرى العَلَمِ ((كأنصاريٍّ)) و ((أعرابيٍّ)) ... )). وقال أبو عبيد الله (¬3) القزَّاز (¬4) في ديوانهِ " الجامعِ " (¬5): ((وَقولُهم صحَّفَ ¬

_ (¬1) انظر: القاموس المحيط مادة (صحف). (¬2) هو كتاب في اللغة في اثني عشر مجلداً للإمام حسن بن محمد الصغاني المتوفي سنة (650 هـ‍). انظر: كشف الظنون 2/ 1599. (¬3) في مصادر ترجمته: ((عبد الله)). (¬4) هو إمام الأدب أبو عبد الله محمد بن جعفر التميمي القيرواني النحوي القزاز، كان مهيباً عالي المكانة لا يخوض إلاّ في علم دين أو دنيا. توفي سنة (412 هـ‍). انظر: وفيات الأعيان 2/ 406 (652)، وسير أعلام النبلاء 17/ 326، ومعجم الأدباء 18/ 105. (¬5) قال عنه الذهبي: ((وهو من نفائس الكتب)). وقال ابن خلكان: ((وهو من الكتب الكبار المختارة المشهورة)). وقال ياقوت الحموي: ((وهو كتاب كبير حسن متقن يقارب كتاب التهذيب لأبي منصور الأزهري، رتبه على حروف المعجم)). انظر: وفيات الأعيان 2/ 406 (652)، وسير أعلام النبلاء 17/ 326، ومعجم الأدباء 18/ 105.

فلانٌ هذا الحرفَ، وفلانٌ كثيرُ التصحيفِ، وهو مصحِّفٌ، إنما أصلُهُ قرأهُ في الصُّحُفِ ولم يسمعْهُ من العلماءِ، فهو يغلطُ فيهِ ولا يدري، فنُسبَ إلى الصحيفةِ، يعني: كما نُسب المدينيُّ إلى المدينة، وقد بان بما قاله أنّ اللغة مساوية للاصطلاح في هذا المعنى، والله أعلم)). قوله: (رَعُفَ، فانتَهرني) (¬1) تبين أنَّ سيبويهَ ليسَ مخطئاً، فإنّ ضَمَّ العينِ من رَعُفَ لغةٌ، لكن قالَ في " الصحاحِ " (¬2): ((إنها ضعيفةٌ)). فلعلَّ حماداً أنكرَ عليهِ نطقهُ بغيرِ الفُصحَى، أو أنَّهُ لم يعرفْها، وحُكِىَ فيهِ التثليثُ عن ابنِ سيده في " المُحكم " (¬3)، وابنِ السيِّدِ (¬4)، وابنِ مالك في " مثلثيهما ". قال المُطَرِّزَيُّ: ((والكسرُ أضعفُها)) (¬5). وفي " القاموسِ " (¬6): (((رَعَفَ) كنَصَرَ، ومَنَعَ، وكَرُمَ وعَنِيَ، وسَمِعَ: خَرَجَ من أنِفِه الدَّمُ)). وقالَ ابنُ القطَّاعِ في " الأفعالِ " (¬7): ((رَعَفَ الرجل رعْفاً سالَ دَمُهُ، والدمُ جَرَى، ورعُفَ يعني: بالضمِّ لغةٌ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 512. (¬2) 4/ 1365 (رعف). (¬3) مادة (رعف). (¬4) المثلث 2/ 30. (¬5) كلامه في " المغرب ": 191: ((وفتح العين الفصيح (وقول الحلوائي) في الشهيد لو كان (مرعوفاً) مبني على رعف بضم الراء، وهو لحن)). (¬6) القاموس المحيط مادة (رعف). (¬7) 2/ 40.

قولُهُ: (والتَّحرِيف) (¬1) هو أن تختلف الكلمةُ بهيئة النُّطقِ بالتحريكِ والإسكانِ، والصورةُ بحالها من غيرِ تقديمٍ لبعضِ الحروفِ ولا تأخُّرٍ. مثل ((حجر)) بمهملةٍ ثم جيمٍ وراءٍ مهملةٍ تارةً محركاً وتارةً / 215 ب / مضموم الأولِ ساكن الثاني. والتصحيفُ مثله إلا أنَّ الاختلافَ فيهِ بالنقطِ لا بالضبطِ في الشكلِ. كالمِزِّي بكسرِ الميمِ ثم زاي، والمُرّي بضمِّ الميمِ ثم راءٍ مهملةٍ. واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (عليه بُرْنُس وليسَ له رأسٌ) (¬2) وجهُ الشبهِ عدمُ المقصودِ الأعظمِ في كل منهما، فإنَّ منفعةَ البُرنُس العُظمى تغطيةُ الرأسِ وثمرة قراءةِ الحديثِ فهمُ معناهُ، وهو تابعٌ للإعرابِ أو الأجرُ المرتَّب على قراءتهِ، وهو قريبٌ على صحةِ الأداءِ ليكونَ صادقاً. وكذا القولُ في ((الحمارِ والمخلاةِ)) (¬3) فإنَّ المقصودَ من تعليقِها في رأسه هو الشعيرُ. قولُهُ: (فقلّما سَلِمَ) (¬4) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((فإنَّ مَنْ حُرمَ ذلكَ، وكانَ أخذهُ وتعلُمُه من بطونِ الكتبِ، كانَ من شأنهِ التحريفُ، ولم يُفلِتْ من التبديلِ والتصحيفِ)) (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 512، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 326. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 512، وهذا الأثر لشعبة أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " 2/ 26 (1082). (¬3) أشار إلى ما رواه الخطيب في " الجامع " 2/ 26 (1083) عن حماد بن سلمة قال: ((مثل الذي يطلب الحديث ولا يعرف النحو، مثل الحمار عليه مخلاة لا شعير فيها)). والمخلاة: ما يجعل فيه الحشيش ونحوه. الصحاح مادة (خلا). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 512، وجاء في المطبوع: ((فقل ما سلم)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 327.

وَذَكَرَ ابنُ كثيرٍ في سنةِ خمسمئةٍ من " تاريخهِ " (¬1): ((أنَّهُ توفي فيها عبدُ الوهابِ بنُ محمدِ بنِ عبدِ الوهابِ أبو محمدٍ الشيرازيُّ الفارسيُّ وأنَّهُ سمعَ الحديثَ الكثيرَ وتفقَّهَ، وولاهُ نظامُ الملكِ تدريسَ النظاميةِ ببغدادَ، وأنَّهُ كانَ يملي أحاديثَ، وكانَ كثيرَ التصحيفِ وأنَّهُ رَوَى حديثَ: ((صلاةٌ في إثرِ صلاةٍ كتابٌ في علِّيين)) (¬2) فقال: ((كنار في غَلَسٍ)) (¬3) وقالَ: ((هو أكثرُ لإضائتِها)). انتهى. وروينَا في جزءِ " الانتصارِ لإمامَي (¬4) الأمصار " (¬5) يعني: البخاري ومسلماً: أنَّ وكيعاً: قال: ((خلق الله للحديث رجالاً، ورجالاً لإصلاح التصحيف)). ¬

_ (¬1) البداية والنهاية 6/ 170. (¬2) أخرجه: أحمد 5/ 263 - 264 و268، وأبو داود (558) و (1288)، والطبراني في " الكبير " (7734) و (7735) و (7741) و (7753) و (7754) و (7755) و (7764) وفي " الأوسط "، له (3286) وفي " مسند الشاميين "، له (878)، والبيهقي 3/ 63، والبغوي (472) من حديث أبي أمامة. (¬3) وقع في المطبوع من كتاب البداية والنهاية: ((كتاب))، لكن في طبعة التركي 16/ 199 مثل ما أثبته، وقال في الحاشية: ((في (خ) و (م): كتاب في غلس، وفي (ص) كمار في عليين)). (¬4) في (ف): ((لأماني)) والمثبت من " المعجم المفهرس "، و" المجمع المؤسس ". (¬5) ذكره ابن حجر في كتابيه " المعجم المفهرس ": 160 (594)، و" المجمع المؤسس ": 352.

إصلاح اللحن والخطأ

إصلاحُ اللَّحنِ والخَطَأ قولُهُ: (إصلاحُ اللَّحْنِ وَالخَطأِ) (¬1) لما ذَكَرَ اللحَّانَ والمُصَحِّفَ أتبعَهُ إصلاحَ ما يحصلُ منهما. قولُهُ: (مِنْ متنٍ) (¬2)، أي: وأصلحُ الإصلاحِ ما كانَ من متنٍ آخرَ قد وردَ عنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -. قولُهُ: (أو تحريفٌ) (¬3) ليسَ المرادُ بهِ معناهُ الاصطلاحيَّ، بل اللغويَّ، وهو أنْ يقعَ الخطأُ في حرفٍ من الكلمةِ أعمُّ من أنْ يكونَ آخرها أو غيرَ ذلكَ. فَسَاوَى حينئذٍ الخطأَ الذي ذكرهُ في النظمُ ليكونَ مُقابلاً للَّحنِ الذي هو الخطأُ في حرفِ الإعرابِ. قولُهُ: (يُروَى عَلى الخطأِ) (¬4) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ (¬5): ((وذهبَ إلى ذلكَ مِنَ التابعينَ محمدُ بنُ سيرينَ (¬6)، وأبو معمرٍ عبدُ اللهِ بنُ سَخْبرةَ (¬7)، وهذا غُلوٌّ في مَذهبِ اتّباعِ اللَّفظِ، والمنعِ مِنَ الروايةِ / 216 أ / بالمعنى)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513. (¬2) التبصرة والتذكرة (646). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 327. (¬6) انظر: مذهبه في: العلم لأبي خيثمة (134)، والمحدّث الفاصل: 538 عقب (701)، والجامع لأخلاق الراوي (1065)، والكفاية: 186، وجامع بيان العلم 1/ 80. (¬7) سخبرة: بفتح المهملة وسكون المعجمة وفتح الموحدة. التقريب (3341)، والخلاصة: 199. وانظر: مذهبه في " المحدّث الفاصل ": 540 (707)، و" الكفاية ": 186، و" الجامع لأخلاق الراوي " (1062) و (1063)، و" جامع بيان العلم " 1/ 81.

قوله: (وإليه ذهب الأوزاعيُّ) (¬1) عبارته: ((رُوِّينا ذلك عنِ الأوزاعيِّ (¬2)، وابنِ المباركِ (¬3) وغيرِهما (¬4)، وهوَ مذهبُ المحصِّلينَ والعلماءِ مِنَ المحدّثينَ. والقولُ بهِ في اللّحنِ الذي لا يختلفُ بهِ المعنى وأمثالِهِ، لازمٌ على مذهبِ تجويزِ الروايةِ بالمعنى. وقدْ سَبَقَ أنَّهُ قولُ الأكثرينَ)) (¬5). وقالَ في المسألةِ التي بعدها (¬6): ((إذا كانَ الإصلاحُ بزيادةِ شيءٍ قدْ سَقَطَ، فإنْ لم يَكُنْ في ذلكَ مُغايرةٌ في المعنى، فالأمرُ فيهِ على مَا سَبقَ، وذلكَ كنحوِ ما رُوِيَ عَنْ مالكٍ)) (¬7) فَذكرَ ما يأتي عنهُ من زيادةِ الواوِ، والألفِ، والمعنى واحدٌ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513. (¬2) مذهبه في " المحدث الفاصل ": 524 (663)، و" الكفاية ": 195، و" الجامع لأخلاق الراوي " (1069) و (1070)، و" جامع بيان العلم " 1/ 81. (¬3) مذهبه في " الكفاية ": 196، و" جامع بيان العلم " 1/ 81. (¬4) وإليه ذهب الأعمش، والشعبي، وحماد بن سلمة، ويحيى بن معين، وأحمد بن صالح، والحسين بن محمد الزعفراني، وعلي بن المديني، والقاسم بن محمد، وأبو جعفر محمد بن علي ابن الحسين. انظر: الكفاية 194 - 197، ومحاسن الاصطلاح: 192، وفتح المغيث بحكم اللحن في الحديث: 28. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 327 - 328. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 329. (¬7) الأثر الذي أشار إليه أن الإمام مالكاً قيل له: ((أرأيت حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - يزاد فيه الواو والألف، والمعنى واحد؟)) فقال: ((أرجو أن يكون ذلك خفيفاً)). وهذا الأثر أخرجه: ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 80 - 81، و" الخطيب في الكفاية ": 250.

قولُهُ: (لا سِيَّمَا في اللَّحْنِ الذي لا يختلفُ المعنى بهِ) (¬1) معناه أنَّ إصلاحَ هذا آكدُ من إصلاحِ غيرِهِ. وهذا معنى قولهِ في النظمِ: ((وَهْوَ الأَرْجَحُ)) (¬2)، أي: أنَّ الاصطلاحَ جائزٌ أعمُّ من أن يكون مغيراً للمعنى أو لا، وإصلاح ما لا يُغَيِّر أرجحُ. قولُهُ: (لازمٌ) (¬3) فيه نظرٌ؛ لأنَّ أكثرَ ما فيهِ أنْ يتأكدَ الجوازُ؛ لأنَّ الغرضَ أنَّهُ لا يغيرُ المعنى، فردُّهُ إلى الصوابِ جائزٌ عندَ من أجازَ الروايةَ بالمعنى، وروايتهُ على ما وجدَ من اللحنِ مؤديةٌ إلى الكذبِ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وأمَّا اللزومُ فمن أينَ؟ لا يحصلُ الخلاصُ بأنْ يرويهِ على ما هو عليهِ، ثم يقولَ: هكذا وقعَ في روايتنا، كما سيأتي عن الإمامِ أحمدَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513. (¬2) التبصرة والتذكرة (643). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 513، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 328. وقال السخاوي في " فتح المغيث " 2/ 233: ((فقوله لازم يحتمل الوجوب؛ لأنه إذا جاز التغيير في صواب اللفظ فلا يمتنع أن يجب في خطئه؛ ولكن الظاهر أنه إنما أراد مجرد إلزامهم القول به لكونه آكد، لا سيما وقد صرح الخطيب بالجواز فقال: وقد أجاز بعض العلماء أن لا يذكر الخطأ الحاصل في الكتاب إذا كان متيقناً، بل يروى على الصواب، بل كلامهم في الكفاية قد يشير إلى الاتفاق عليها؛ فإنه قال: إذا كان اللحن يحيل المعنى فلا بد من تغييره وكثير من الرواة يحرفون الكلام عن وجهه ويزيلون الخطاب عن موضعه، وليس يلزم من أخذ عمن هذه سبيله أن يحكي لفظه إذا عرف وجه الصواب، وخاصة إذا كان الحديث معروفاً، ولفظ العربية به ظاهراً معلوماً، ألا ترى أن المحدّث لو قال: ((لا يؤم المسافر المقيم)) بنصب المسافر ورفع المقيم، كان قد أحال المعنى فلا يلزم اتباع لفظه)). انظر: الكفاية: 188.

ويجوزُ تأويلُهُ على أن القولَ بجوازِ الإصلاحِ في هذهِ الحالةِ لازمٌ على ذلكَ القولِ وإلا تدافعَ اللزومُ مع تفريعهِ على الجوازِ وهذا كلُّهُ في الإصلاحِ باللفظِ، وأمَّا الإصلاحُ بالكتابةِ فسيأتي الكلامُ عليهِ. قولُهُ: (اللَّفظ المحتَمل) (¬1) صوابُه المختلُّ، بخاءٍ مُعجمةٍ، وإسقاطِ الميمِ معَ تشديدِ اللامِ لأنَّ المحتملَ لوجهِ صوابٍ لا يجوزُ إصلاحهُ، وكذلكَ هوَ في النُّسَخِ الصّحاحِ من " الاقتراح " (¬2)، وعبارتُهُ: ((وسمعتُ من شيخِنا أبي محمدِ بنِ عبدِ السلامِ (¬3) - وكَانَ أحدَ سلاطينِ العلماءِ (¬4) - يَرى في هذه المسألةِ ... )) إلى آخرِهِ. ومن الغريبِ أنْ يقعَ هذا الاختلافُ في مسألةِ الروايةِ لما يقعَ فيهِ من الاختلالِ. قولُهُ: (في الحاشِيةِ) (¬5) تتمةُ كلامِ ابنِ الصَّلاحِ: ((فإنَّ ذلكَ أجمعُ للمصلحةِ وأنفَى للمفسدةِ. وقد روينا أنَّ بعضَ أصحابِ الحديثِ رُئيَ / 216 ب / في المنام وكأنه مرَّ من شفتِهِ ولسانهِ شيءٌ، فقيلَ لهُ في ذلكَ: فقالَ: ((لفظةٌ من حديثِ رسولِ اللهِ ... - صلى الله عليه وسلم - غيرَّتُها بِرأيي فَفُعِلَ بي هذا)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 514 من كلام ابن دقيق العيد عن أبي محمد بن عبد السلام. (¬2) الاقتراح: 262. (¬3) هو الإمام العلامة عبد العزيز بن عبد السلام الدمشقي السلمي، كان عالماً مجتهداً ورعاً زاهداً، له عدة مؤلفات منها: " قواعد الأحكام في مصالح الأنام "، توفي سنة (660 هـ‍). انظر: طبقات الشافعية للسبكي 8/ 209، وشذرات الذهب 5/ 301. (¬4) الذي لقبه بسلطان العلماء تلميذه ابن دقيق العيد كما في " شذرات الذهب " 5/ 301. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 514، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 328. (¬6) انظر: المقنع 1/ 379.

وكثيراً ما نَرى ما يتوهمُه كثيرٌ من أهلِ العلمِ [خطأ] (¬1) - وربما غيرَّوهُ- صواباً ذا وجهٍ صحيح، وإنْ خَفِيَ استُغْرِبَ، لا سِيَّما فيما يعدونَهُ خطأً من جهةِ العربيةِ، وذلكَ لكثرةِ لُغاتِ العربِ وتشعُّبِها. وروينا عَن عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حنبلٍ قالَ: ((كانَ إذا مرَّ بأبي لحنٌ فاحشٌ غيرَّه، وإذا كانَ لحناً سهلاً تَركَهُ، وقالَ: كذا قالَ الشَّيخُ)) (¬2). وأخبرني بعضُ أشياخنا عمّن أخبرهُ عن الحافظِ عياضٍ (¬3) بما معناهُ واختصاره: ((أنَّ الذي استمرَّ عليهِ عملُ (¬4) أكثر الأشياخ أنْ ينقلُوا الروايةَ كما وصلتْ إليهم ولا يُغيِّرُوها في كتبهم، حتى في أحرفٍ من القرآنِ، استمرتِ الروايةُ فيها في الكُتبِ على خلافِ التلاوةِ المجمعِ عليها، ومن غيرِ أنْ يجيء ذلكَ في الشواذِّ، ومنْ ذلكَ ما وقعَ في " الصحيحينِ " و" الموطأ " وغيرها، لكنَّ أهلَ المعرفةِ منهم ينبهونَ على خطئِها عندَ السَّماعِ والقراءةِ وفي حواشي الكُتبِ، مع تقريرهم ما في الأصولِ على ما بلغَهُم. ومنهُم من جَسرَ على تغييرِ الكُتبِ وإصلاحِها. منهم: الوليدُ بنُ هشامِ بنِ أحمدَ الكنانيُّ الوَقَّشِيُّ (¬5)، فإنَّهُ لكثرةِ مطالعتهِ وافتنانهِ وثقوبِ فهمهِ وحِدّةِ ذهنهِ جَسرَ على الإصلاح كثيراً، وغلطَ في أشياءَ من ذلكَ. وكذلكَ غيرُهُ ممن سلكَ مسلكَهُ. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬2) أخرجه: الخطيب في " الكفاية ": 187. (¬3) انظر: الإلماع: 185 - 187. (¬4) في (ف): ((على))، والمثبت من " الإلماع " و" معرفة أنواع علم الحديث ". (¬5) نسبه إلى وقّش - بالفتح وتشديد القاف - وهي مدينة بالأندلس. انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 135، ومراصد الاطلاع 3/ 1442.

والأولَى سدُّ باب التغييرِ والإصلاحِ؛ لئلا يَجْسُرَ على ذلك من لا يحسن وهوَ أسلمُ مع التبيُّنِ، فيذكر ذلك عند السماعِ كما وقعَ، ثم يذكر وجهَ صوابهِ: إمَّا من جهةِ العربيةِ، وإمَّا من جهةِ الروايةِ. وإنْ شاءَ قَرأَهُ أولاً على الصَّوابِ، ثمَّ قالَ: وقعَ عندَ شيخِنا، أو: في روايتِنا، أو: من طريقِ فلان، كذا وكذا)) (¬1). ثم قالَ في الإصلاحِ بزيادةٍ (¬2): ((وإنْ كانَ الإصلاحُ بزيادةٍ يشتملُ على معنىً مغايرٍ لما وَقَعَ في الأصلِ، تأكّدَ فيه الحكمُ بأنّه يذكرُ ما في الأصلِ مقروناً بالتنبيهِ على ما سقطَ، ليسلمَ من معرَّةِ (¬3) الخطأِ، ومن أنْ يقولَ على شيخهِ ما لم يقلْ. حدَّثَ أبو نعيمٍ الفضلُ بنُ دُكينٍ عن شيخٍ لهُ بحديثٍ قالَ فيهِ: / 217 أ / عن بُحَيْنَة، فقال أبو نعيم: إنما هو ((ابن بُحَيْنَة))، ولكنه قال: بُحَيْنَة (¬4). قولُهُ: (القارئُ عليهِ) (¬5)، أي: على الرَّاوي. قولُهُ: (قدْ وردَ في أحاديثَ) (¬6) لو قالَ: ((في حديثٍ آخرَ)) كان أحسنَ، لا يقال: إنَّ الكلامَ في الأصلحِ لا في مُطلقِ الصالحِ، ولا شكَّ أنَّهُ إذا وردَ في عدةِ أحاديثَ، يحصلُ من الوثوق بِهِ، ما لا يحصلُ لو وَرَدَ في حديثٍ واحدٍ؛ لأنَّ الإصلاحَ على مراتبَ: أولها: ما لم تُعلمْ موافقتُهُ للفظِ حديثٍ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 328 - 329. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 330. (¬3) المعرة هي الجناية، والمسبة، والإثم، والأمر القبيح المكروه. انظر: تاج العروس مادة (معر). (¬4) أخرجه: الخطيب في " الكفاية ": 251. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 515. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 515، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 329.

الثانية: ما وافقَ لفظَ حديثٍ واحدٍ. الثالثة: ما وافقَ أكثر. وهي مراتبُ متصاعدةٌ، فما وافقَ حديثاً كانَ أصلحَ مما لم يوافقْ، على أنَّا لو اجتهدنا في تأويلِ الشَّرحِ، لم نقدرْ على مثلِ ذلكَ في النظمِ فإنّ عبارتَهُ ((منْ متنٍ)) (¬1). قولُهُ: (وليأتِ في الأصلِ) (¬2) لا يعرفُ من النظمِ، أنَّ هذا فيما ظنَّ أنَّهُ سقطَ من الأصلِ. فلو قالَ: يَزيدُ عندَ السقطِ ما لا يكثرُ ... في الأصلِ كابن حيثُ لا يُغيّرُ لكانَ أحسنَ، وفُهمَ منهُ الحرفُ بطريقِ الأولى. قولُهُ: (إذا كانَ الساقطُ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ بعدَ مسألةٍ - يعني: الآتيةَ آخر الكلامِ على هذينِ البيتينِ - ((هذا إذا كانَ شيخُهُ قدْ رواهُ [لهُ] (¬4) على الخطأ، فأمَّا إذا وجَدَ ذلكَ في كتابِهِ وَغَلبَ على ظنِّهِ أنَّ ذلكَ منَ الكتابِ لا مِنْ شيخِهِ، فيتَّجِه هاهنا إصلاحُ ذلكَ في كتابِهِ وفي روايتِهِ عند تحديثِهِ بِهِ معاً (¬5)، ذكرَ أبو داودَ أنَّهُ قالَ لأحمدَ بنِ حنبلٍ: وجدتُ (¬6) ... )) إلى آخره. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (646). (¬2) التبصرة والتذكرة (647). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 515. (¬4) ما بين المعكوفتين زيادة من " المعرفة ". (¬5) في المعرفة: ((معه)). (¬6) بقية الأثر: ((في كتابي: ((حجاج، عن جريج، عن أبي الزبير، يجوز لي أن أصلحه: ابن جريج؟، فقال: أرجو أن يكون هذا لا بأس به)). معرفة أنواع علم الحديث: 331. والأثر أسنده الخطيب في " الكفاية ": 251.

قولُهُ: (يُزادُ فيهِ الواوُ والألفُ) (¬1) الظاهرُ أنَّ المرادَ إذا ظنَّ سقوطَ ذلكَ من الكتابِ، إمّا من الناسخِ، أو بالتجليدِ، أو الأرضةِ، أو غيرِ ذلكَ، لا بالتّشهِي. قولُهُ في قولِهِ: 649 - وَصَحَّحُوْا اسْتِدْرَاكَ مَا دَرَسَ في ... كِتَابِهِ مِنْ غَيْرِهِ إِنْ يَعْرِفِ يتعلقُ باستدراكٍ. و ((مِنْ بَعْضِ)) (¬2) بيانٌ لما دَرَسَ. قولُهُ: (كَمَا) (¬3)، أي: صَحَّحُوا هذا، كما صحَّحُوا اعتمادَهُ على ما سَمعَهُ، فَخفيَ عليهِ بعضُه فلم يثبتُه كما يجبُ، فأعادهُ لهُ غيرُهُ ممن يعتمدُ حتى ثَبتَ عندهُ. قولُهُ: (بعضُ المتنِ) (¬4) في التقييدِ بالبعضِ نظرٌ، فالذي ينبغي جوازُ إصلاحِ الحديثِ الكاملِ متناً وسنداً، إذا كانَ الأصلُ المصلحُ منهُ، كما ذَكَرَ في الاعتمادِ؛ لأنَّهم صرَّحوا باعتمادِ مثلهِ في المقابلةِ والروايةِ والعملِ، ولم يقيدُوا ذلكَ بالبعضِ / 217 ب /. قولُهُ: (إذا عرفَ صحَتهُ) (¬5) قالَ ابنُ الصلاحِ عَقِبَهُ: ((وسكنَتْ نفسُهُ إلى أنَّ ذلكَ هوَ الساقِطُ مِنْ كِتابهِ)) (¬6). قولُهُ: (ووثِقَ بصاحبِ الكتابِ) (¬7) وثوقَهُ من الأسبابِ التي تُعرفُ بها الصحةُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 515. (¬2) التبصرة والتذكرة (650). (¬3) التبصرة والتذكرة (650). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 516. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 516. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 331. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 516.

قولُهُ: (نُعيمُ بن حمَّادٍ) (¬1) قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((فيما رُوِيَ عنْ يَحيَى بنِ معينٍ عنهُ)) (¬2). قوله: (ولو بيَّنَ ذلكَ) (¬3) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((في حالِ الروايةِ)) (¬4). قوله: (الكُلَفِيِّ) (¬5) نِسبةً إلى كُلفَةَ بطنٌ من تميم، قالَهُ غيرُ واحدٍ (¬6). وقالَ ابنُ حَزمٍ في " الجمهرةِ " (¬7): ((إنّهم من البُراجُمِ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 516. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 331، والأثر أخرجه: الخطيب في "الكفاية": 254. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 517، والعراقي نقله من كلام الخطيب، وانظر: كلام الخطيب في "الكفاية": 254. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 331، وهذه الزيادة تتمة لكلام الخطيب. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 517، والكُلَفي: بضم الكاف وفتح اللام وفي آخرها الفاء. انظر: الأنساب 4/ 161. (¬6) منهم: البخاري. انظر: التاريخ الكبير 2/ 317 (2649)، والأنساب 4/ 161، والإصابة 1/ 512 (1765). ونقل ابن حجر في " الإصابة " عن خليفة أنه: من بني كلفة بن عوف بن نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن. وهو ما صححه ابن الأثير في " اللباب " 2/ 259. (¬7) جمهرة أنساب العرب: 222 و467. البُراجم: - بضم الباء المنقوطة بواحدة، وسكون الراء، وضم الجيم - وهي قبيلة من بني تميم ابن مر، وذكر الكلبي في " الألقاب ": قال: إنّما سموا البراجم من بني حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم وهم خمسة: عمرو، والظليم، وقيس، وكلفة، وغالب بنو حنظلة؛ لأنّه قال لهم رجل منهم يقال له حارثة بن عامر بن عمرو بن حنظلة: أيتها القبائل التي ذهب عددها تعالوا فلنجتمع فلنكن مثل براجم يدي هذه، ففعلوا فسموا البراجم. قاله السمعاني في " الأنساب " 1/ 215.

قالَ ابنُ مَاكُولا: ((كُلفةُ بضمِّ الكافِ وبالفاءِ، فجماعةٌ، منهم: كُلْفَةُ بنُ حنظلةَ بنِ مالكِ بنِ زيدِ مناةَ بنِ تَميم)) (¬1). ولامُه ساكنة؛ لأنّه ذكر بعده ((كَلْبة))، فقال: ((بفتح الكاف وبالموحدة)) (¬2)، ولو كانت اللام مختلفة لضبطها، وكذا نقل عن ضبط ابن الأمينِ (¬3) بخطّهِ في " الاستيعابِ " في ترجمةِ الحكمِ المذكورِ. ¬

_ (¬1) الإكمال 7/ 136. (¬2) الإكمال 7/ 136، وذكر ابن الأثير في "اللباب" 2/ 259 أنّ الذي يعرفه هو بسكون اللام. (¬3) هو إبراهيم بن يحيى بن إبراهيم أبو إسحاق بن الأمين، مؤرخ أندلسي من أهل قرطبة، واسم كتابه " الإعلام بالخيرة الأعلام من أصحاب النبي - عليه السلام - " وهو استدراك على كتاب الاستيعاب لابن عبد البر. انظر: الأعلام للزركلي 1/ 79.

اختلاف ألفاظ الشيوخ

اختِلافُ ألفَاظِ الشُّيوخِ قولُه في اختلافِ ألفاظِ الشيوخِ: (بلفظٍ) (¬1)، أي: بذكرِ لفظِ أحدِهما، أو أحدِهم، كما قالَ الشيخُ. قولُه: (وَقالاَ اقتَرَبا) (¬2) لا يوهمُ أنَّ الألفَ في ((قالا)) ضميرُ البخاريِّ ومسلمٍ، بل هي للإطلاقِ، كما قالَ الشيخُ (¬3). ولا أنَّ الضميرَ المستترَ لابنِ الصّلاحِ، بقرينةِ قولهِ: ((أوْ لَمْ يَقُل)) (¬4). واعلمْ أنَّ ((لم يقل)) قافيتُه متراكبٌ (¬5) فهو مخالفٌ لتقابلٍ في القافيةِ من جهةِ أنَّها متداركٌ ومن جهة التأسيسِ. قولُه: (يُسْمِى) (¬6) مخففٌ من أسْمى، وقد تقدَّمَ أنها لغةٌ في سمى. قوله: (للخروجِ منَ الخلافِ) (¬7)، أي: في جوازِ الروايةِ بالمعنَى. قولُه: (واستُحْسِنَ) (¬8) رأيتُها في نسخةٍ مقرؤةٍ على المصنِّفِ، مضبوطةً بضمِّ التاءِ، للبناءِ للمجهولِ. إشارةً إلى أنّه وافقَ ابنَ الصّلاحِ هوَ أو غيرهُ على استحسانِ ذلكَ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (652). (¬2) التبصرة والتذكرة (654) و (655). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6. (¬4) التبصرة والتذكرة (655). (¬5) التراكب: هو أن تتوالى ثلاث حركات بين ساكنيها؛ وسمي متراكباً؛ لأن الحركات توالت ... فركب بعضها بعضاً. انظر: ميزان الذهب: 121. (¬6) التبصرة والتذكرة (656)، وسكنت السين؛ لضرورة الوزن. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.

فإنَّ عبارةَ ابنِ الصّلاحِ (¬1): ((ولمسلمٍ صاحبِ " الصحيحِ " معَ هذا في ذلكَ عبارةٌ أخرى حسنةٌ، مثلُ قولِهِ: حدَّثنا أبو بكر (¬2) ... )) إلخ، وقولهُ: ((معَ هذا)) يعني: مع قولهِ: ((واللفظ لفلانٍ)) ونحوه فإنَّهُ يعبرُ بذلكَ، مثل قولهِ: حَدّثنا أبو بكر بنُ أبي شيبةَ، وأبو كريبٍ، واللفظُ لأبي كريبٍ، قالا: حَدّثنا أبو معاويةَ، فَذَكرَ حديثَ أبي هريرةَ: ((لكلِ نبيٍّ دعوةٌ مُستجابةٌ)) في كتابِ الإيمانِ (¬3). وكذا ما أدّى مَعنَى هذا، مثلَ قولهِ أولَ كتابِ الإيمانِ (¬4): حَدّثَني أبو خيثمةَ / 218 أ / زهيرُ بنُ حَربٍ، قالَ: حَدّثنا وكيعٌ، عن كَهْمَسَ، عن عبدِ اللهِ ابنِ بُريدةَ، عَن يَحيَى بن يَعْمَرَ. وحَدّثنا عبيدُ اللهِ بنُ معاذٍ العنبريُّ، وهذا حديثهُ، قال: حَدَثنا أبي، قالَ: حَدّثنا كَهمَسُ، فذكَرهُ. قولُه: (بأنَّ اللفظَ) (¬5)، أي: لفظَ الحديثِ بسندهِ، لا لفظَ أحدِهما وحدَهُ. قولُه: (قلتُ: ويحتملُ) (¬6) هذا الاحتمالُ هو الراجحُ المتبادرُ إلى الفهمِ، ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 333. (¬2) تتمة كلام مسلم: ((ابن أبي شيبة، وأبو سعيد الأشج؛ كلاهما عن أبي خالد، قال أبو بكر: حدثنا أبو الأحمر، عن الأعمش وساق الحديث))، ثم قال ابن الصلاح عقبه: ((فإعادته ثانياً ذكر أحدهما خاصة إشعار بأن اللفظ المذكور له)). وقال العراقي عقب نقل كلام ابن الصلاح: ((قلت: ويحتمل أنه أراد بإعادته بيان التصريح فيه بالتحديث، وأن الأشج لم يصرح في روايته بالتحديث، والله أعلم)). انظر: صحيح مسلم 2/ 133 (673)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 333، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 5 - 6. (¬3) صحيح مسلم 1/ 131 (199) (338). (¬4) صحيح مسلم 1/ 28 (8) (1)، وانظر: ما قاله النووي في " شرحه "1/ 141 - 142. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 333. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.

ويحتملُ أيضاً أنَّه أرادَ تخصيصَ أبي بكرٍ بذكرِ اللقبِ وهو الأحمرُ (¬1). قولُه: (ممّا عِيبَ) (¬2) قالَ ابنُ الصّلاحِ قبلَهُ: ((وقولُ أبي داودَ صاحبِ السُّننِ: حدَّثنا مُسَدَّدٌ، وأبو توبةَ - المعنى - قالا: حدّثنا أبو الأحوصِ. (¬3) معَ أشباهٍ (¬4) لهذا في كتابِهِ، يحتملُ أنْ يكونَ منْ قبيلِ الأولِ - أي: وهوَ أنْ يكونَ التفاوتُ بينَ الروايتينِ في اللفظِ والمعنى واحداً، قال: - فيكونَ اللفظُ لمسدّدٍ ويوافقهُ أبو تَوبَةَ في المعنى. ويحتملُ أنْ يكونَ منْ قبيلِ الثاني، فلا يكونُ قدْ أوردَ لفظَ أحدِهما خاصّةً، بلْ رواهُ بالمعنى عنْ كليهِمَا (¬5)، وهذا الاحتمالُ يَقْرُبُ في قوله (¬6): حدّثنا مسلمُ بنُ إبراهيمَ، وموسى بنُ إسماعيلَ - المعنى واحدٌ - قالا: حدَّثنا أبانُ. وأمّا إذا جمَعَ بينَ جماعةِ رواةٍ قدِ اتَّفقوا في المعنى (¬7)، وليسَ مَا أوْرَدَهُ لفظَ كلِّ ¬

_ (¬1) لأنّ أبا بكر، قال: حدثنا أبو خالد الأحمر، بينما أبو سعيد لم يذكر اللقب، والله أعلم. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334. (¬3) سنن أبي داود (375). (¬4) انظر: لهذه الأشباه على سبيل المثال (603) و (1094). (¬5) قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 195: ((هذا الاحتمال الثاني عجيب، إذ يلزم عليه ألا يكون رواه بلفظ لواحدٍ من شيخيه، وهو بعيد. وكذلك إذا قال: ((أنبأنا فلان وفلان، وتقاربا في اللفظ)) فليس هو منحصراً في أن روايته عن كل منهما بالمعنى، وأن المأتي به لفظ ثالث غير لفظيهما، والأحوال كلها آيلة في الغالب، إلى أنّه لا بدّ أن يسوق الحديث على لفظ مروي له برواية واحد، والباقي بمعناه)). وبهذا المعنى قال الزركشي في " نكته " 3/ 626. (¬6) سنن أبي داود (31). (¬7) قال الزركشي في " نكته " 3/ 626 - 627 معقباً: ((في الإرشاد للخليلي: ((ذاكرت يوماً بعض الحفاظ، فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح، وهو زاهد ثقة، قال: لأنّه يجمع بين حديث أصحاب أنس، فيقول: أخبرنا قتادة، وثابت، وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف =

واحدٍ منهم، وسكتَ عنِ البيانِ لذلكَ، فهذا ممّا عيبَ بِهِ البخاريُّ ... )) (¬1) إلى آخرهِ. قولهُ: (أو غيرُهُ) (¬2) بإثباتِ الألفِ قبلَ الواوِ، كأنَّه كانَ يحفظُ أنَّ بعضَ العلماءِ عابَ بعضَ المصنِّفينَ بهذا، وغلبَ على ظَنّهِ أنّه البخاريُّ، معَ قيامِ الاحتمالِ فصرّحَ بهِ وعطفَ غيرَهُ بـ ((أو))، وهذا ليسَ عيباً؛ لأنَّ مذهبَ البخاريّ جوازُ الرِّوايةِ بالمعنىَ؛ وهو أستاذُ مَن يعرفُ معانيَ الألفاظِ، ويتقنُ ما يحيلُ المعنى من غيرهِ، فهو لم يخرجْ عن مذهبهِ فجهل هذا أن يكونَ خلافَ الأولى. ¬

_ في بعض ذلك، فقلت: أليس ابن وهب اتّفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك، وعمرو بن الحارث، والليث بن سعد، والأوزاعي - رحمة الله تعالى عليهم - في أحاديث ويجمع بين غيرهم؟ فقال: ((ابن وهب اتقن لما يرويه وأحفظ له)). انتهى. وفي هذا ما يجاب به عما ذكره ابن الصلاح أنّه عيب على البخاري)). وانظر: الإرشاد للخليلي 1/ 417. وأجاب السخاوي في "فتح المغيث" 2/ 245 عن البخاري قائلاً: ((على أن البخاري، وإن كان لا يعرج على البيان، ولا يلتفت إليه، هو كما قال ابن كثير في الغالب، وإلاّ فقد تعاطى البيان في بعض الأحايين، كقوله في تفسير البقرة: حدثنا يوسف بن راشد، قال: حدثنا جرير، وأبو أسامة، واللفظ لجرير، فذكر حديثاً. وفي " الصيد والذبائح ". حدثنا يوسف بن راشد - أيضاً - قال: أنبأنا وكيع، ويزيد بن هارون، واللفظ ليزيد)). انظر: اختصار علوم الحديث 2/ 413، وبتحقيقي: 210. والحديث الأول في تفسير سورة البقرة أخرجه: البخاري 6/ 25 - 26 (4487). والحديث الثاني أخرجه: البخاري 7/ 112 (5479). (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 333 - 334. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334 وعند تحقيقي لشرح التبصرة، ومعرفة أنواع علم الحديث أثبتت ((أو)) وهو ما اتفقت عليه نسخي؛ لكن في المطبوع من الشذا الفياح ((وغيره)) بالواو والمقصود بـ ((غيره)): حماد بن سلمة كما أشرت إليه قبل قليل في نقل كلام الخليلي.

قولهُ: (كالأوّلِ) (¬1)، أي: وهو ما إذا سمعَ الحديثَ من شيخينِ فأكثرَ، بلفظٍ مختلفٍ ومعنىً متحدٍ. ثُمّ اعلمْ أنَّ احتمالَ عدم الجوازِ في هذا ينبغي أنْ يخصَّ بما إذا لم يبينْ أنّ روايتَهُم للحديثِ الذي أوردَهُ من الكتابِ الفلانيِّ، أمّا إذا بيّنَ فالأصلُ في الكُتبِ المصنَّفةِ إذا لم يعلمْ اختلافُ رواياتِها عدمُ الاختلافِ، ولو فرضَ فهو في الغالبِ يسيرٌ، تَجبرُ مثلَهُ الإجازةُ (¬2). / 218 ب / قولهُ: (فإنَّهُ اطّلَعَ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((اطَّلَعَ عَلَى روايةِ غيرِ مَنْ نَسَبَ اللفظ إليهِ وَعَلَى مُوافَقَتِها مِنْ حيثُ المعنى، فأخبَرَ بذلكَ)) (¬4). انتهى. ثُم اعلمْ أنّ هذا كلَّهُ فيما للراوي أن يفعلَ في الروايةِ، وأمّا الاحتجاجُ: فإن كان كلٌ من الشيخينِ، أو الشيوخِ ثقةً، فإنّ عدمَ التمييزِ حينئذٍ لا محذورَ فيهِ. قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((فإنّ الحجةَ قائمةٌ بروايةِ العدلِ، ولا يضرُّنا جهالتُهُ بعينهِ بعدَ معرفةِ ثقتهِ)) (¬5). وإنْ كانَ أحدٌ من رواتهِ مجروحاً، قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((لم يحتج بلفظٍ معينٍ؛ لاحتمالِ أنْ يكونَ عن المجروحِ، واللهُ أعلمُ)) (¬6). وسيأتي التنبيهُ على هذا في آخرِ هذه التفريعاتِ قبلَ آدابِ المُحدِّثِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334. (¬2) بنحو هذا القول قاله السخاوي ونقله عن بعض المتأخرين. انظر: فتح المغيث 1/ 247. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 334، وانظر: محاسن الاصطلاح: 195. (¬5) الاقتراح: 243. (¬6) الاقتراح: 243.

الزيادة في نسب الشيخ

الزِّيادَةُ في نَسَبِ الشَّيخِ قولهُ في قولهِ: (الزّيادة في نسبِ الشيخِ) (¬1): (فَلا تَزِدْ) (¬2) أمّا إذا مَنعنَا الروايةَ بالمعنى، فواضحٌ في أنّ ذلك لم يجزْ كما قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (¬3). وأمّا عندَ مَن أجازَهَا ففيهِ نظرٌ. والذي يتجهُ أنّه لا مانعَ من جوازِ الزيادةِ عندَهُ. وهذه المسألةُ شبيهةٌ بما يأتي من إبدالِ الرسولِ بالنبيِّ في السّندِ وعكسهِ، ولا يقالُ: شرطُ الروايةِ بالمعنى، تَساوي اللفظينِ في الصدقِ، ومفهومُ النبيِّ غيرُ مفهومِ الرسولِ، وما بعد الذي ذَكرَهُ الشيخُ من نَسَبِ الرَّاوي، أو صفتهِ، لا إشعارَ للَّفظِ بهِ لأنّا نقولُ: الموصوفُ ذات واحدة، ونحنُ نتحقّقُ أنَّ ذلكَ مرادُ الشّيخِ، وأنّهُ لو عُرِضَ عليه رَضِيَهُ. وأمّا الأولويةُ فلا نزاعَ أنّ البيانَ أولَى وأشدُّ؛ لما فيهِ من التّحرّي. قولهُ: (نَحو هُوْ) (¬4)، أي: واجتنبِ الزيادةَ على ما أتى بهِ الشّيخُ بكلِّ حالٍ، إلاَّ حالاً كائنةً، مع فصلٍ بينَ كلامِ الشيخِ، وما زادَ عليهِ نحو ((هو)). قولهُ: (أوْجِىْء) (¬5) عُطِفَ على ((اجْتَنِبْ))، أو على جملة الاستئنافِ - أي: ((إلاَّ بِفَصْلٍ)) - فإنَّه يجوزُ، ((أوْجِئْ بأنَّ)) فإنَّ ذلكَ يجوزُ أيضاً، من غيرِ تمييزٍ لكلامِ الشَّيخِ من كلامِكَ. فإنَّكَ إذا قلتَ: ((حدَّثنا فلانٌ: أنَّ فلانَ بنَ فلانٍ الفلانيَّ حدَّثَهُ)) لم يكنْ هناكَ شَيئاً مُشعِراً بأنَّ ذلكَ الذي بعد ((أنَّ)) أو شيئاً منه من كلامِ الشَّيخِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 6. (¬2) التبصرة والتذكرة (657). (¬3) انظر: الاقتراح: 237. (¬4) التبصرة والتذكرة (658)، وسكنت الواو؛ لضرورة الوزن. (¬5) التبصرة والتذكرة (658).

قولهُ: (يُبَيِّنُ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((مُميَّز، فإنْ أتى بِفَصلٍ جَازَ، مثلُ أنْ يَقُولَ: هُوَ ... )) (¬2) إلخ. قولهُ: (وأحببتَ) (¬3) هو من الحُبِّ، أي: فأردتَ ذلكَ فاستعنْ ((بأنَّ)) وهيَ في كتابِ ابنِ الصّلاحِ: ((فأحبَبتَ)) (¬4) بالفاءِ على أنّه مسببٌ عن عدمِ إتمامِ النَسَبِ. والواو لا تفيدُ مَعناها فلا يتركُ بها. قولهُ: (أنَّ فلانَ بنَ فلانٍ حدّثَهُ) (¬5) لعلَّهُ بشرطِ أن يُبيّنَ أنّه حَدّثَهُ إجازةً، أو يقولَ: أخبرَهُ إجازةً، أو يقولَ: أنبأَهُ / 219 أ /، أو نحو ذلك، مما يُبيّنُ الحالَ من أنّهُ بطريقِ الإجازةِ أو غيرِها، فقد تَقدّمَ في كيفَ يقولُ مَن رَوَى بالمناولةِ والإجازةِ: أنَّ الصَّحيحَ المختارَ الذي عليهِ عملُ الجمهورِ واختارَهُ أهلُ التّحرّي والورعِ المنعُ من إطلاقِ: حَدّثَنا وأخبرَنَا ونحوهما في المناولةِ والإجازةِ. ويُقيّدُ ذلكَ بعبارةٍ تُبيّنُ الواقعَ في كيفيةِ التحمُّلِ وتُشعِرُ بهِ. قولهُ: (نَسَبَ شيَخهِ) (¬6) قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وأمّا إذا كانَ شيخُهُ قدْ ذَكرَ نَسَبَ شيخِه أوْ صفتَهُ في أولِ كتابٍ أو جزءٍ)) (¬7). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 334، وتمام كلامه: ((ابن فلان الفلاني)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 334. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334. وهذا الأثر هو لعلي بن المديني قال: إذا حدثك الرجل فقال: حدثنا فلان ولم ينسبه، وأحببتَ أن تنسبه، فقل: حدثنا فلان أن فلان بن فلان بن فلان حدثه)). أخرجه: البرقاني في كتابه " اللفظ " كما قال ابن الصلاح والعراقي والخطيب في "الكفاية": 215، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 334، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 335.

وهذه المسألةُ - من صورِ مَسألةِ الروايةِ من النسخِ التي إسنادُها واحدٌ - الآتيةُ. قولهُ: (عَلَى اسمِ الشَّيخِ) (¬1) قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((عَلى ذكرِ الشيخِ أوْ بعضِ نَسَبهِ مثالُهُ أنْ أروِيَ جُزْءاً عنِ الفَرَاوِيِّ، وأقولَ في أولِهِ: أخبرَنا أبو بكرٍ منصورُ بنُ عبدِ المنعمِ بنِ عبدِ اللهِ الفَرَاوِيُّ، قالَ: أخبرَنا فلانٌ، وأقولَ في باقي أحاديثِهِ: أخبرَنا منصورٌ (¬2)، أخبرَنا منصورٌ. فهلْ يجوزُ لمنْ سمعَ ذلكَ الجزءَ منّي أنْ يرويَ عنّي الأحاديثَ التي بعدَ الحديثِ الأولِ مُتَفَرقةً، ويقول في كُلِّ واحدٍ منها: أخبرَنا فلانٌ، قالَ: أخبرَنا منصورُ بنُ عبدِ المنعمِ بنِ عبدِ اللهِ الفراويُّ، قالَ: أخبرَنا فلانٌ، وإنْ لَم أذكرْ لَهُ ذَلكَ في كُلِّ واحدٍ منها اعتماداً عَلَى ذِكْري لَهُ أولاً؟ فهذا قدْ حَكَى الخطيبُ (¬3) الحافظُ عنْ أكثرِ أهلِ العلمِ أنّهمْ أجازوهُ. وعنْ بعضِهمْ [أنّ] (¬4) الأولى أنْ يقولَ: يعني: ابنَ فلانٍ)) (¬5). قولهُ: (معَ إتمامِ نسبِ شيخِ شيخِهِ) (¬6)، أي: لأنَّه معطوفٌ عَلَى مَا قبله، وحُكمُ المتعاطفينِ واحدٌ. قولهُ: (الأصبهانيّ) (¬7) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ (¬8): ((ثُمَّ ذَكَرَ - الخطيبُ - (¬9) أنَّهُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬2) من قوله: ((بن عبد المنعم)) إلى هنا تكرر في (ف). (¬3) الكفاية: 215. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 335. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7. (¬7) المصدر نفسه. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 335 - 336. (¬9) عبارة اعتراضية من البقاعي.

هكذا - يعني: في الاستعانةِ على الزيادةِ (¬1) - بأن (¬2) رَأَى الشّيخَ (¬3) أبا بكرٍ أحمدَ بنَ عليٍّ الأصبهانيَّ (¬4) نزيلَ نَيسابورَ يفعلُ - وكانَ أحدَ الحُفّاظِ المجوِّدينَ ومنْ أهلِ الورعِ والدينِ - وأنَّهُ سألَهُ عنْ أحاديثَ كثيرةٍ رَوَاها لَهُ قالَ فيها: ((أخبرنا أبو عمرو بنُ حمدانَ، أنَّ أبا يَعْلَى أحمدَ بنَ عليِّ بنِ المثنَّى الموصليَّ أخبَرَهُمْ، وأخبرَنا أبو بكرٍ بنُ المقرىءِ / 219 ب / أنَّ إسحاقَ بنَ أحمدَ بنِ نافعٍ حدَّثَهم، وَأخبرَنا أبو أحمدَ الحافظُ أنَّ أبا يوسفَ محمدَ بنَ سُفيانَ الصفَّارَ أخبرَهمْ، فَذَكَرَ لَهُ أنَّها أحاديثُ سمعَهَا قراءةً عَلَى شُيُوخِهِ في جملةِ نُسَخٍ، نَسبوا الذينَ حدَّثُوهمْ بِهِا في أوَّلِها، واقتصرُوا في بقيَّتِها عَلَى ذِكرِ أسمائِهِم (¬5). قالَ: وكانَ غيرُهُ يَقولُ في مِثلِ هذا: أخبرَنا فُلانٌ، قالَ: أخبرَنا فلانٌ، هو ابنُ فلانٍ (¬6)، ثمَّ يَسُوقُ نَسَبَهُ إلى مُنتهَاهُ)) (¬7). قولهُ: (وهَذا الذي أسْتَحبُّهُ) (¬8) يعني: الاستعانةَ في الزيادة بلفظِ ((هو)) ظاهرهُ أنَّهُ أحبُّ عندَهُ منْ جميعِ مَا عداهُ. ويعلّلُ حينئذٍ بأنّ ((هو)) أظهرُ في فهمِ أنَّ الكلامَ منَ الراوي من لفظِ ((يعني))؛ لأنَّ ضميرَ الفاعلِ فيها يحتملُ أنْ يكونَ له، وأنْ يكون لشيخهِ، ونحو ذلك. ¬

_ (¬1) جملة اعتراضية من البقاعي. (¬2) لم ترد في " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬3) لم ترد في " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬4) توفي سنة (428 هـ‍). السير 17/ 438. (¬5) الكفاية: 216. (¬6) الكفاية: 216. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 335 - 336. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7، وانظر الكفاية: 215.

لكنَّ تعليلَهُ ربما أفهمَ أنَّهُ لا يُفضلُّها إلاّ على ((أنَّ فلاناً))، وسيأتي في ترتيبِهِ لأولويةِ الصيغِ ما يؤيدهُ. ثُمَّ وراء ذلك ((أن)). قولهُ في تعليلهِ: (فيما أُجيزَ لهم) (¬1) إلخ فيهِ أمورٌ: أَحَدُها: أنَّه لا يتجهُ أنَ تكونَ الإجازةُ للراوي نفسِهِ بلْ لشيخهِ، إذ فرضُ المسألةِ أن يقولَ: ((أخبرنا فلانٌ أنَّ فلاناً)) فهو قدْ صَرّحَ بإخبارِ شيخهِ لهُ، أو استعمالهِ لـ ((أنّ)) إنما هو بالنسبةِ إلى شيخهِ في حقِّ مَن فوقَهُ فكانَ حقُّ العبارةِ ((فيما أُجيز لمشايِخهم)). الثاني: قولهُ: (أنَّ فلاناً حدَّثَهُم) (¬2) يُحيلُ المسألةَ، فإنَّ شرطَها: أنْ لا يصرحَ بعد ((أنَّ)) بالتحديثِ ونحوه، مما يدلُّ على السّماعِ، فإنَّه يكونُ كاذباً إنْ عُدِمَ ذلكَ. وإنّما صورةُ المسألةِ أنْ يقولَ: ((أنَّ فلاناً قالَ كذا)). الثالثُ: قولهُ: (حدَّثَهُم) إنْ عادَ الضميرُ فيهِ على ((قَومٍ)) كانَ صحيحَ اللفظِ فاسدَ المعنى؛ لأنَّ التَّحديثَ إنّما هو لمشايخِهِم، وإنْ عادَ على ((فلانٍ)) كانَ فاسداً في اللفظِ؛ لأنَّه ضميرُ جمعٍ يعودُ على مفردٍ والمعنى صحيحٌ إنْ أريدَ ما يصحُّ أنْ يُطلقُ عليهِ ((فلانٌ)) على البدلِ لا بقيدِ البدلِ. قولهُ: (ولعلَّهُ فيما أُجيزَ لِشيوخِهم) (¬3) هذا هو الصوابُ، واللهُ أعلمُ. والنقلُ المشارُ إليهِ عن الخطابيِّ في كيفَ يقولُ مَن رَوَى بالمناولةِ والإجازةِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7، والذي فيه: ((فيما أُجيز لشيوخهم)) وانظر: الكفاية: 216. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7، وانظر: الكفاية: 216. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 7.

ثُم رَتّبَ ابنُ الصّلاحِ أولويةَ الألفاظِ التي يستعانُ بها فقالَ: ((جميعُ هذه الوجوهِ جائزٌ. وأولاَها أنْ يقولَ: ((هو ابنُ فُلانٍ))، أو ((يعني: ابنَ فُلانٍ))، ثمّ أنْ يقولَ: ((إنّ فُلانَ بنَ فُلانٍ))، ثمّ أنْ يذكرَ المذكورَ في أولِ الجزءِ بعينهِ منْ غيرِ /220 أ / فصلٍ؛ والله أعلمُ)) (¬1). ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 336.

الرواية من النسخ التي إسنادها واحد

الرِّوَايةُ مِنَ النُّسَخِ التي إسنَادُها واحدٌ قولهُ في الروايةِ من النُّسَخِ: (قَطُ) (¬1) مَعناها حَسب. وقد تَقدّمَ الكلامُ عليها في الكلامِ على الرمزِ وأنَّها مبنيةٌ على السكونِ وقدْ حُرِّكتْ هنا لاجتماعِ سُكونِها مع سُكونِ واوِ الإطلاقِ واختِيرَ ضَمُّها لمناسبةِ الواوِ. قولهُ: (لآخِذٍ كَذَا) (¬2)، أي: لمن أَخَذَ الحديثَ بالإسنادِ المذكورِ أولاً، مِن غيرِ إعادتِه معَ كلِّ حديثٍ. قولهُ: (مَعَ آخِرِهِ) (¬3)، أي: بأنْ يقولَ لشيخِهِ: أخبرك بجميعِ الصحيفةِ فلانٌ إلى آخرِ السَّندِ. ومنْ فوائدهِ: أنْ يسمعَهُ مَن لم يكنْ سَمعَهُ في أوَّلِ الكتابِ. وهكذا الحكمُ في الكُتبِ المصنَّفةِ لا فرقَ بينَها وبينَ الصحيفةِ في ذكرِ السّندِ أوَّلاً وآخراً. ووجهُ الاحتياطِ بهذا أنَّ السّندَ صارَ مُحيطاً بالصّحيفةِ، أو الكتابِ المصنَّفِ في الأوَّلِ والآخرِ، ولكنَّهُ لا يرفعُ خلافَ مَنْ يَقولُ بوجوبِ ذِكرِ السندِ مع كلِّ حديثٍ، حتى لا يجيزَ روايةً ما، لم يذكرِ السندَ في أوَّلهِ، بسندهِ المذكورِ قبل إلاَّ بالطريقِ الآتي عنِ ابنِ الصَّلاحِ (¬4). ووجهُ عدمِ رَفعهِ أنَّ تلكَ الإحاطةَ إنّما تقطعُ النزاعَ لو لم يكنِ الشيءُ ذا أجزاءٍ، وأمّا معَ كونهِ ذا أجزاءٍ فلا يَرْفَعُ الخلافَ إلا إحاطةٌ تُحيطُ بكلِّ جزءٍ من تلكَ الأجزاءِ وذلكَ بأنْ يعادَ السندُ مع كُلِّ حديثٍ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (661). (¬2) التبصرة والتذكرة (663). (¬3) التبصرة والتذكرة (664). (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 337.

قولهُ: (ويوجدُ ذلكَ) (¬1)، أي: إعادةُ السَّندِ مع كلِّ حديثٍ، فلا يُتوهمُ غيرُ ذلكَ. والذي قُلتهُ صريحُ عِبارةِ ابنِ الصّلاحِ فإنَّهُ قالَ: ((منهم منْ يُجوِّزُ (¬2) ذِكْرَ الإسْنادِ في أوَّلِ كُلِّ حديثٍ منها، ويوجدُ هذا في كثيرٍ منَ الأصولِ القديمةِ، وذلِكَ أحْوَطُ)) (¬3). قولهُ: (وأوجبَ ذلكَ بعضُهم) (¬4) هوَ القائلُ بالمنعِ من أنْ يُروَى بالإسنادِ حديثٌ مما رُوِيَ مُدرَجاً من غيرِ ذكرٍ للسَّندِ حالَ القراءةِ في أولهِ بخصوصهِ. قولهُ: (لأنَّ المعطوفَ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وهذا لأنَّ الجميعَ معطوفٌ على الأولِ، فالإسنادُ المذكورُ أولاً في حُكمِ المذكورِ في كلِّ حديثٍ، وهو بمثابةِ ... )) إلخ (¬6). قولهُ: (تَقطيع المتنِ) (¬7) الجامعُ بينَهما أنَّ كُلاً مِنهُما جُملٌ رُكِّبتْ على إسنادٍ واحدٍ، معَ عدمِ إعادةِ السندِ قبلَ كلِّ جُملةٍ بخصوصِها اكتفاءً بذكرهِ في الأوَّلِ، فإذا قَطَعَ من المتنِ ما بعد الجملةِ الأولَى وركَّبَها /220 ب/ على الإسنادِ، كانَ بمنزلةِ ما إذا ساقَ ما بعدَ الحديثِ الأوَّلِ من الصحيفةِ ورَكَّبَهُ على الإسنادِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8. (¬2) في " المعرفة ": ((يجدد)). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 337. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8، وفيه: ((وأوجب بعضهم ذلك)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 337. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8، وهو من كلام ابن الصلاح السابق.

قولهُ: (إلاَّ مَع بيانٍ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وسَألَ بعضُ أهلِ الحديثِ الأستاذَ أبا إسحاقَ الإسفرايينيَّ الفقيهَ الأصُوليَّ عنْ ذلكَ؟ فقالَ: ((لا يَجُوزُ)) (¬2). وعَلَى هذا مَنْ كانَ سماعُهُ على هذا الوجهِ فطريقُهُ أنْ يُبَيِّنَ ويحكيَ [ذلكَ] (¬3) كمَا جَرى، كمَا فَعلَهُ مُسلِمٌ (¬4) في صحيفةِ همَّامٍ)) (¬5). وَمِن هُنا تعلمُ أنَّ هذا مُفرّعٌ على القولِ بالمنعِ، وهوَ غيرُ المسألةِ التي قالَ الشيخُ فيها: ((وعلى القولِ بالجوازِ، فالأحسنُ البيانُ)) (¬6) فإنَّ تلكَ - فيما تفيدُ - الحُسْنَ؛ خروجاً من الخلاف. وَمسألة ابنِ الصّلاحِ فيما يفيدُ الجوازَ، وبسوقِ عبارةِ ابنِ الصّلاحِ، ظَهَرَ أنَّ تجويزَ المانعينَ الروايةَ معَ بيانِ كيفيةِ التحمُّلِ من كلامِ ابنِ الصّلاحِ (¬7)، لا مِن كلامِ المانعينَ بخلافِ ما أفادتهُ عبارةُ الشّيخِ. وظَهَرَ أيضاً أنَّ مُسلِماً من المانعينَ، وكلامُ الشيخِ يُفهِمُ أنَّه من المُجيزِينَ، واللهُ أعلمُ. قولهُ: (في الجنَّةِ ... الحديثَ) (¬8) فِعْلُ مُسلمٍ واضحٌ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8. (¬2) قال السخاوي في "فتح المغيث" 2/ 252: ((ومنع منه الأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني في الأسئلة التي سأله عنها الحافظ أبو سعد بن عليك، وقال: إنه لا يجوز أن يذكر الإسناد في كل حديث منها لمن سماعه على هذا الوصف)). (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬4) انظر على سبيل المثال: صحيح مسلم 1/ 114 عقب (182). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 337 - 338. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 8 - 9. (¬7) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 338. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9، والحديث أخرجه: عبد الرزاق (20885)، وأحمد 2/ 315، وأبو يعلى (6316)، وابن حبان (6158) و (7418)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 2/ 17، وبحشل في " تأريخ واسط ": 160، وعبد الله بن أحمد في = = زياداته على " الزهد ": 22 من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن أدنى مقعد أحدكم في الجنة ... )).

وقد سَلَكَ البُخاريُّ هذا المسلَكَ (¬1)، لكنْ معَ خَفاءِ الإشارةِ كعادتهِ. فيذكرُ السَّندَ، وقليلاً منْ أولِ أحاديثِ الصحيفةِ، ثمّ يذكرُ مُرادَهُ منْ غيرِ بيانٍ كما قالَ في كتابِ الطّهارةِ (¬2): حَدَّثَنا أبو اليمَانِ، قالَ: أخبرَنَا شُعَيبٌ، قالَ: أخبرَنا أبو الزِّنَادِ: أنَّ عبدَ الرحمانِ بنَ هُرمُز الأعرجَ حدَّثه [أنَّه سمِعَ أبا هريرةَ] (¬3): أنَّهُ سمعَ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((نحنُ الآخِرونَ السابقونَ))، وبإسنادهِ قالَ: ((لا يَبولنَّ أحدُكُم في الماءِ الدائمِ الذي لا يَجري ثُمَّ يغتسلُ فيهِ)). وأوقعَ ذلكَ بعضَ الشارحينَ في وهمٍ، وهو أنَّهُ ظنَّ أنَّهُ إنما ذَكرَ ((نحنُ الآخرونَ)) لمناسبةٍ لَهُ بالبابِ وتمحّل مناسبة بعيدة وهي: أنَّهُ لا فرقَ في استعمالِ الماءِ بينَ أولهِ وآخرهِ، أو نحوَ ذلكَ (¬4). قولهُ: (الخلافُ في إفرادِ) (¬5)، أي: جوازُ إفرادِ كُلِّ حديثٍ، بل المانعُ لهُ أنْ يَطَّرِدَ الخلافُ فيه فيقولَ: لا تجوزُ روايتهُ بخصوصهِ بذلكَ السندِ مفرداً. ¬

_ (¬1) قال الزركشي في " نكته " 3/ 629: ((واعلم أن البخاري - رحمه الله تعالى - قد صنع ما يقتضي الاحتياط في ذلك، فأشكل على الناس (ثم ذكر الحديث الآتي وقال عقبه) فكأن البخاري سمعه من أبي اليمان في الأول مردفاً عليه قائلاً: وبإسناده حديث البول فأورده كما سمعه، ولو ذكر حديث البول بالسند لأوهم أنه سمعه بالسند ولم يقع ذلك ... وهذا الاحتياط يحتمل أن يكون للورع والخروج من الخلاف المذكور، ويحتمل أن يكون من مذهب البخاري أنه لا يجوز)). (¬2) صحيح البخاري 1/ 68 - 69 (238) و (239). (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " صحيح البخاري ". (¬4) هذا الشرح نقله الكرماني عن بعض علماء عصره. وانظر المناقشات عن هذا الصنيع: عمدة القاري 3/ 166، وفتح الباري 1/ 450. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9.

تقديم المتن على السند

تَقدِيمُ المتنِ على السَّنَدِ قولُهُ: (تَقْدِيمُ المَتنِ) (¬1) (وَسَبْقُ مَتْنٍ) (¬2)، أي: مِن المتُونِ في حالِ الروايةِ بسندهِ لو كانَ مُلتبِساً ببعضِ سَندِ ذلكَ المتنِ، لا يمنعُ الحكمَ عليهِ بالوصلِ، ولا يمنعُ ((أنْ يَبْتَدِي رَاوٍ)) تحمَّلَهُ ((كَذَا)) (¬3)، أي: سبقَ المتنِ مُلتبساً ببعضِ /221 أ/ السَّندِ على بعضِ السَّندِ الآخرِ ((بِسَنَدٍ))، أي: لا يمنعُهُ ذلكَ أنْ يَبتَدئَ حالَ الأداءِ بالسندِ كلِّهِ ويركِّبَ عليهِ ذلكَ المتنِ. فإنَّ ابتداءَهُ بالسّندِ كلِّهِ مرتَّباً على أخذِ كل شيخٍ عن شيخهِ، وتركيبَ المتنِ عليه مُتَّصلاً بهِ مُتَّجِهٌ وإنْ كانَ ذلك مُخالفاً لهيئةِ سَماعهِ (¬4). وقولهُ: (كَذَا) (¬5) مفعولُ اسمِ الفاعلِ الذي هوَ راوٍ، أي: الذي رواهُ الراوي روايةً كائنةً مثلَ هذا الذي ذكرنَاهُ مِن تقديمِ المتنِ مُلتبِساً ببعضِ السَّندِ، يمكنُ أنْ يكونَ هذا مرادَ النَّاظِمِ، ويمكنُ أنْ يكونَ الواوُ محذوفاً وهو مرادٌ قبل ((لَو)) (¬6) فيكونَ التقديرُ حينئذٍ: وسَبقُ مَتنٍ عَلى جميعٍ بسندٍ، لا يمنعُ الحكمَ على ذلكَ الحديثِ بالوصلِ، ولا يمنعُ الراويَ أنْ يبتدئَ بسندهِ، ثُمَّ يركّبَ متنَهُ عليهِ، ولو كانَ سبقُ المتنِ على السّندِ مُلتبساً ببعضِ السّندِ. ¬

_ (¬1) هذا مأخوذ من العنوان في شرح التبصرة 2/ 9. (¬2) التبصرة والتذكرة (665). (¬3) التبصرة والتذكرة (665) - (666). (¬4) قال النووي في " الإرشاد " 1/ 488 - 489: ((فقد جوزه بعض المتقدمين))، وقال السخاوي في فتح المغيث 1/ 256: ((كما جوزه بعض المتقدمين من المحدّثين، وكلام أحمد يشعر به، فإن أبا داود سأله هل لمن سمع كذلك أن يؤلف بينهما؟ قال: نعم)). وقال ابن كثير في "اختصار علوم الحديث": 212 بتحقيقي: ((والأشبه عندي جواز ذلك)). (¬5) التبصرة والتذكرة (666). (¬6) التبصرة والتذكرة (665).

وعبارةُ الشرحِ واضحةٌ في إرادةِ هذا الثاني (¬1). وظاهر قوله: (لَو بِبعضِ سَنَد) (¬2) على كلِّ تقديرٍ أنَّه جَعلَ سبقَ المتنِ معَ بعضِ السندِ للبعضِ الآخرِ أشدَّ من سبقِ المتنِ جميعهِ على السندِ جِميعهِ، حتى يكونَ جوازُ البداءةِ بالسندِ في هذه الصورةِ وإيصاله بالمتنِ مفهوماً من بابِ الأولَى. قالَ شيخُنا (¬3): ((ويمكنُ أن يوجهَ ذلكَ بأنَّ بعضَ أئمةِ الحديث وهو ابنُ خزيمةَ اصطلحَ على أن تقديمَ المتنِ - معَ بعضِ السندِ - على بعضِ السندِ الآخرِ دليلُ عُوارٍ في ذلكَ السّندِ بخلافِ تقديمِ جميعِ المتنِ على جميعِ السّندِ، فإنّهُ ليسَ لأحدٍ فيهِ اصطلاحٌ. وينبغي أن يستثنى اصطلاحُ ابن خزيمةَ من إطلاقِ تجويزِ تقديم السّندِ على متنٍ سمعهُ مقدَّماً على بعضِ سندهِ فإنّهُ قالَ: ((لا أحلُّ لأحدٍ أن يرويَ حديثاً منها على غيرِ سِياقي)) (¬4) أو نحوَ ذلكَ. ¬

_ (¬1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9. (¬2) التبصرة والتذكرة (665). (¬3) أشار إلى بعضه السخاوي في فتح المغيث 2/ 257. وانظر: تدريب الراوي 2/ 119. (¬4) صحيح ابن خزيمة عقب (445)، وعبارته: ((ولا أحلّ لأحد أن يروي عني هذا الخبر إلاّ على هذه الصفة؛ فإن هذا إسناد مقلوب)) وعند تحقيقي لكتاب مختصر المختصر من المسند الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وجدتُ ابن خزيمة في بعض الأحاديث يقدم المتن على السند ثم يسوق الإسناد وهذا منه إشارة إلى ضعف الحديث أو أنه ليس على شرطه وقد وجدتُ ابن خزيمة قد التزم بهذا في الأعم الأغلب انظر الأحاديث التالية: 210 وهو صحيح، 429 وهو حسن، 433 وهو صحيح، 441 وهو ضعيف، 442 وهو ضعيف، 443 وهو ضعيف، 444 وهو ضعيف، 445 وهو ضعيف، 468 وهو ضعيف وأشار إلى علته، 469 وهو ضعيف وأشار إلى علته، 470 وهو ضعيف وأشار إلى علته، 560 وهو ضعيف، 835 وهو صحيح، 836 وهو صحيح، 837 وهو صحيح، 838 وهو ضعيف،

فإنّه لا يعدلُ عن سياقِ أحاديثِ كتابهِ إلا لشكٍ عندهُ في لحاقِ ذلكَ الحديثِ بشرطهِ، كأنْ يكونَ رجالُ الإسنادِ كلهم على شرطهِ إلا واحداً فلا يعلمُ فيه جَرحَاً ولا تَعديلاً. وكذا إذا عَلِمَ فيه جَرحاً فإنّهُ قد يخرجهُ لبيانِ شيء فيهِ، كأنْ يكونَ الحديثُ فيهِ حكمٌ مطلقٌ، وفي تلكَ الروايةِ قيدٌ زائدٌ فيخرجهُ على هذا السياقِ / 221 ب / ليبينَ أنَّ الحديثَ على إطلاقهِ، ولا التفاتَ إلى هذا القيدِ؛ لأنَّ سندَهُ ضعيفٌ. وفي بعضِ الأحيانِ يقولُ: بيانُ كذا وكذا إنْ صَحَّ الحديثُ (¬1) كما فعلَ في ¬

_ = 1138 وهو ضعيف، 1212 وهو ضعيف، 1213 وهو ضعيف، 1214 وهو ضعيف، 1215 وهو ضعيف، 1692 وهو ضعيف، 1254 وهو ضعيف، 1342 وهو صحيح، 1972 وهو ضعيف، 1973، وهو ضعيف، 2007 وهو ضعيف، 2317 وهو ضعيف، 2328 وهو حسن، 2462 وهو صحيح، 2642 فيه لفظتان شاذتان ضعفها المصنف، 2691 وهو ضعيف، 2697 وهو ضعيف، 2773 وهو ضعيف، 2833 وهو ضعيف، 2840 وهو ضعيف، 2841 وهو ضعيف، 2886 وهو صحيح، 2908 وهو حسن، 3068 وهو ضعيف. ومنهج ابن خزيمة هذا نقلهُ عنه أهل العلم قال الحافظ ابن حجر: ((وقاعدة ابن خزيمة إذ علق الخبر لا يكون على شرطه في الصحة ولو أسنده بعد أن يعلقهُ)) إتحاف المهرة 2/ 365 (1975)، وقال في 6/ 477 (6849): ((هذا اصطلاح ابن خزيمة في الأحاديث الضعيفة والمعللة يقطع أسانيدها ويعلقها ثم يوصلها، وقد بين ذلك غير مرة)). وقد قال الحافظ ابن حجر أيضاً: ((تقديم الحديث على السند يقع لابن خزيمة إذا كان في السند من فيه مقال فيبتدئ به، ثم بعد الفراغ يذكر السند، وقد صرح ابن خزيمة بأن من رواه على غير ذلك الوجه لا يكون في حل منهُ)) تدريب الراوي 2/ 119. (¬1) أحاديث ابن خزيمة محكوم بصحتها عند ابن خزيمة، ويستثنى من ذلك الأحاديث التي توقف فيها أو التي ضعفها أو التي صدر المتن على السند وهذه أرقامها: (37) و (38) و (122) و (137) و (467) و (468) و (469) و (470) و (560) و (564) و (565) =

صَلاةِ التَّسبيحِ (¬1). وهوَ في ذلك كلِّه يبتدئُ من السندِ بالرجلِ الذي يتوقفُ فيهِ، ويسوقُ الحديثَ. ¬

_ = و (773) و (808) و (1005) و (1138) و (1172) و (1173) و (1174) و (1212) و (1213) و (1214) و (1215) و (1216) و (1224) و (1254) و (1298) و (1402) و (1403) و (1404) و (1409) و (1422) و (1431) و (1464) و (1478) و (1577) و (1592) و (1622) و (1643) و (1683) و (1692) و (1722) و (1728) و (1766) و (1780) و (1840) و (1860) و (1861) و (1866) و (1872) و (1885) و (1866) و (1939) و (1954) و (1972) و (1973) و (1974) و (1977) و (1984) و (1987) و (1988) و (2003) و (2007) و (2008) و (2040) و (2041) و (2056) و (2057) و (2136) و (2137) و (2192) و (2235) و (2282) و (2306) و (2310) و (2315) و (2317) و (2323) و (2362) و (2379) و (2433) و (2434) و (2450) و (2457) و (2496) و (2497) و (2503) و (2548) و (2549) و (2579) و (2580) و (2642) و (2652) و (2691) و (2697) و (2703) و (2712) و (2732) و (2748) و (2753) و (2791) و (2792) و (2834) و (2838) و (2840) و (2841) و (2891) وقد سجلتُ جميع الأحاديث الضعيفة التي في " مختصر المختصر " وقد بلغت (429) مع بيان ما توقف فيه أو ما ضعفه أو ما صدر المتن قبل السند ومجموعها يبلغ (143) حديثاً، وما لم يتوقف فيه من الأحاديث الضعيفة أو يضعفه أو يصدر المتن على السند فهذا مما ينتقد به ابن خزيمة وهي تبلغ (286). (¬1) قال ابن خزيمة في " صحيحه " قبيل (1216): ((باب صلاة التسبيح إن صحّ الخبر؛ فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً)). ووقع مثل هذا كثير في صحيح ابن خزيمة، وانظر على سبيل المثال قبيل حديث (1402)، وقبيل حديث (1431)، وقبيل حديث (1464).

ثمَّ بعدَ الفراغِ منهُ، يذكرُ بقيةَ السندِ من أوَّلهِ إلى ذلكَ الرجلِ، ثمّ يبينُ ما عندَهُ في ذلكَ الرجلِ (¬1). فليتنبه لهذا، فإنّ بعضَ الفقهاءِ عزا بعض هذهِ الأحاديثِ إلى " صحيحِ ابنِ خزيمةَ " غير مُبيِّنٍ لهذهِ العلةِ)) انتهى كلامُ شيخِنا. وقد أفهمَ آخرُ كلامهِ: أنّه لو بينَ الحالَ لم يكنْ مُسيئاً في عزوهِ إلى ابنِ خزيمةَ وذلكَ بأنْ يقولَ مثلاً: رواهُ ابن خزيمةَ مقدِّماً من السندِ من فُلانٍ إلى منتهاهُ ومؤخِّراً الباقي، ومن عادتهِ أنّهُ لا يفعلُ ذلكَ إلاّ لخللٍ في الحديثِ فلا يكونُ على شرطهِ في الصِّحةِ، وينتظم من هذا العزوِ فيقال: حديثٌ متصلُ السندِ، وليسَ موضوعاً لا تجوزُ روايتهُ معزواً إلى مخرجهِ إلا مقروناً ببيانِ حالهِ. وعبارةُ ابنِ الصلاحِ عن أصلِ هذهِ المسألةِ: ((إذا قُدِّمَ ذكرُ المتنِ عَلى الإسنادِ أو ذكرُ المتنِ وبعضِ الإسنادِ، ثمّ ذَكرَ الإسنادَ عَقيبَهُ عَلى الاتّصَال، مثلُ أنْ يقولَ: ((قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذا وَكَذا))؛ أوْ يقولَ: ((رَوَى عمرُ، عنْ جابِرٍ (¬2)، عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - كَذا وَكَذا))، ثمّ يقولَ: ((أخْبرَنَا بِهِ فلانٌ، قالَ: أخبرنَا فلانٌ))، ويسوقَ الإسنادَ حتى يتَّصِلَ بِمَا قدَّمَهُ. فهذا يَلتحقُ بِمَا إذا قدَّمَ الإسنادَ في كَونهِ يَصيرُ بهِ مُسنِداً للحديثِ لا مُرسِلاً لهُ. فلوْ أرادَ مَنْ سمعَهُ مِنهُ هَكذا أنْ يُقدّمَ الإسنادَ ويُؤخِّرَ المتنَ ويُلَفِّقَهُ كَذلكَ، فقدْ وَردَ عنْ بعضِ مَنْ تقدَّمَ مِنَ المحدِّثينَ أنَّهُ جوَّزَ ذلكَ)) (¬3). انتهى. ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال الأحاديث: (210) و (382) و (387) و (441) و (445). (¬2) في (ف): ((عمرو بن خالد))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث " و" شرح التبصرة والتذكرة ". (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 338.

فقد ذَكَرَ التَّعقيبَ على الاتصالِ، ويمكنُ أن يكونَ شَرَطَه بهِ؛ لأنَّه إذا طالَ الزمانُ صارَ في مَظَنَّةِ أنْ لا يعرفَ أنَّ هذا السَّندَ لهذا المتنِ فلا تسوغُ الروايةُ. وقولُهُ: ((لا مُرسِلاً لهُ)) (¬1) ليسَ مُرادُهُ الإرسالَ الاصطلاحيَّ، بلَ عدمَ الإسنادِ. وهوَ مُطلقُ الانقطاعِ بلسانِ الفقهاءِ وأهلِ الأُصولِ (¬2) وبعضِ أهلِ الحديثِ كما تَقدَّمَ / 222 أ / في موضعهِ. قولُهُ: (في تَقديمِ بعضِ المتنِ عَلى بعضٍ) (¬3) نُقِل عنِ الشّيخِ مُحيي الدّينِ النوويِّ أنَّه قالَ: ((الصحيحُ الذي قالَهُ بعضُ المتقدّمينَ القطعُ بجوازهِ. وقيلَ: فيه خلافٌ كتقديمِ (¬4) بعضِ المتنِ على بعضٍ)) (¬5). قولُهُ: (المنعَ مِنْ ذلكَ) (¬6)، أي: من تقديمِ بعضِ المتنِ على بعضٍ. قولُهُ: (عَلَى المعنى تَجوزُ) (¬7) وكذا قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ وعبارتهُ: ((وهوَ خارجٌ على الروايةِ بالمعنى إنْ لم يخلَّ بهِ)) (¬8). انتهى. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 338. (¬2) نقل العلائي في " جامع التحصيل ": 26 - 27 عن أبي العباس القرطبي أنه قال: ((المرسل عند الأصوليين والفقهاء عبارة عن الخبر الذي يكون في سنده انقطاع)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 338، ونكت الزركشي 3/ 630 - 631. (¬4) في (ف): ((تقديم))، والمثبت من " شرح صحيح مسلم للنووي ". (¬5) صحيح مسلم بشرح النووي 1/ 38. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9 وهو كلام الخطيب الذي نقله عنه ابن الصلاح في معرفته: 338، وعقد الخطيب في الكفاية: 175 باباً في ذكر الرواية عمن لم يجز تقديم كلمة على كلمة. (¬7) انظر ما سبق. (¬8) الاقتراح: 239، وعبارته: ((وهو خارج على جواز الرواية بالمعنى إنْ لم يخلَّ به)).

ويمكن أنْ يكونَ قولهُ: ((إنْ لم يخلَّ بهِ)) احترازٌ عن تغييرٍ، نحو صَنيع ابنِ خزيمةَ. قولُهُ: (ولا فَرقَ بينهُمَا) (¬1)، أي: بينَ ترتيب جُملِ المتنِ، وترتيبِ السّندِ والمتنِ لا يقالُ: بل بينهما فرقٌ (¬2)، وهو أنَّ المتنَ المحتويَ على جملٍ ربما كانَ لتقديمِ بَعضِها على بعضٍ نُكتةٌ لا (¬3) تظهر إلا بمراعاةِ ترتيبهِ، فإذا قَدَّمَ بعضَهُ على بعضٍ فاتَتْ؛ لأنَّا نقولُ: هذه نكتةٌ بديعةٌ ينبغي أنْ يَتَيقَّظَ لها مَن يَروي بالمعنى، ولا يقفُ عندَ مُجرَّدِ مَعاني الألفاظِ. ومتى فرضنَا أنَّ الراويَ فَوَّتَ شيئاً من المعنى استحالتِ المسألةُ سواءٌ كانَ ذلكَ من معاني السياقِ، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 338. (¬2) قال البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 199: ((ما ذكره ابن الصلاح من التخريج الممنوع والفرق أن تقديم بعض الألفاظ على بعض قد يؤدي إلى الإخلال بالمقصود، في العطف وعَودِ الضمير ونحو ذلك. بخلاف السند: فإن تأخر بعضه أو كله على المتن، في حكم المقدم فلذلك جاز تقديمه ولم يتخرج على الخلاف. وقد ذكر ابن الصلاح أنه يجري فيه ما تقدم من الخلاف، ولم يتقدم له ذلك)). (¬3) في (ف): ((إلا))، ولا يستقيم السياق بها.

قول الشيخ: مثله أو نحوه

قولُ الشّيخِ: مثلهُ أو نحوهُ 668 - وَقَوْلُهُ مَعْ حَذْفِ مَتْنٍ مِثْلَهُ ... أَوْ نَحْوَهُ يُرِيْدُ مَتْنَاً قَبْلَهُ 669 - فَالأَظْهَرُ الْمَنْعُ مِنْ انْ يُكَمِّلَهْ ... بِسَنَدِ الثَّاني وَقِيْلَ: بَلْ لَهْ 670 - إِنْ عَرَفَ الرَّاوِيَّ بِالتَّحَفُّظِ ... وَالضَّبْطِ وَالتَّمْيِيْزِ لِلتَّلَفُّظِ قولُهُ في قولِهِ: (مِثْلَهُ أوْ نَحْوَهُ) (¬1): (إنْ عَرَفَ) (¬2) مبنيٌ للفاعلِ وهو السامعُ الذي يريدُ الروايةَ. ((الرّاويَ)) مَفعولهُ، وهو الشيخُ الذي سَمِعَ منهُ، أي: يجوزُ لهُ الإكمالُ للحديثِ الأوَّلِ بسندِ الثاني إنْ عَرَفَ أنَّ شيخَهُ بهذه الصفةِ. قولُهُ: (في نَحْوٍ) (¬3)، أي: فيما عُبِّرَ بهذهِ اللفظةِ، مضافةً إلى ما قدَّمَهُ من حَديثٍ، أو أَثَرٍ، أو نحوه، وقد استعملها منونةً غيرَ مضافةٍ وهو قليلٌ. قولُهُ: (عَلَى السندِ الثاني) (¬4) ومثلُهُ ما لو أوردَهُ بعدَ إيرادِ الحديثِ الأوَّلِ بسندهِ. ولعلَّ الشَّيخَ لم يذكرْهُ؛ لأنَّ الغالبَ عدمُ إعادةِ المتنِ في المكانِ الواحدِ، لا سِيَّما باللفظِ، أمّا إذا سَاقَ السَّندينِ من غيرِ ذِكرِ المتنِ - لا سِيَّما إذا أخَّرَ سندَ المتنِ - ثم أوردَ المتنَ، فيحتملُ القطعَ بالجوازِ لإيرادِهِ المتنَ عقبَ سندهِ. ويحتملُ المنعَ؛ لأنّهُ موهمٌ أنَّ المتنَ بلفظهِ للسّندينِ معاً من غيرِ رجحانٍ لأحدِهما في ذلكَ على الآخرِ، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (لا يُجْزِىءُ) (¬5)، أي: لأنّه يمكنُ أنْ يكونَ أرادَ المماثلةَ في المعنى فقطْ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (668). (¬2) التبصرة والتذكرة (670). (¬3) التبصرة والتذكرة (671). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10.

وإذا طَرَقَهُ هذا الاحتمالُ وَقَعَ الشكُّ / 222 ب / فيهِ، فيصيرَ كما لو قالَ: ((نحوهُ)) فإنّها ظاهرةٌ في المقاربةِ في اللفظِ، أو في المعنى، فهوَ أقعدُ في الشَّكِّ من مثله، فقد اتفقا في عدمِ الإجزاءِ للشكِّ في المساواةِ، وإنْ كانَ ((النحوُ)) أعرقَ في ذلكَ فهوَ أولى بالمنعِ. ومن منع شُعبة (¬1) في التعبيرِ بالمثلِ، يعلمُ أنّه لا يجيزُ الروايةَ بالمعنى، هذا على أنَّهُ تعليلٌ لعدمِ روايةِ الحديثِ الذي قيلَ فيهِ ذلكَ، ويُمكنُ أنْ يكونَ مُرادُهُ تعليلَ المنعِ من الروايةِ بالمعنى مُطلقاً، فيكونَ المعنى قولَ الراوي: ((مثله)) لا يُغني في تجويزِ الروايةِ، فإنَّ غايتَهُ أنْ تكونَ شهادةٌ من ذلك الشَّيخِ، أنَّ ما حذفَهُ بمعنى ما تقدَّمهُ، ولو أبرزَهُ لجازَ أنْ يظهرَ لغيرهِ من المعنى ما خَفِيَ عليهِ، فيعلمَ أنَّه ما وفى، وأنَّ روايتَهُ له - بما ظنَّ أنّه معناهُ - لا تسوغُ عندَ الفريقينِ، فيصيرَ مثلَ المبهمِ. ومَعنَى قولهِ في: ((نحوه)) أنَّه ((شكَّ)) (¬2) أن الشَّيخَ الذي رَواهُ شَكَّ في مماثلةِ المعنى؛ لأنَّه ما عَدَلَ عَن أنْ يقول: ((مثله)) إلاّ لشكٍّ حصلَ عندَهُ في المماثلةِ، فهوَ أبعدُ في المنعِ من الروايةِ، وذلك يُفْهِم - على كلا التقديرينِ أنَّ شعبةَ ممَّن يمنعُ الروايةَ بالمعنى، وهذا المعنى الذي لحظَهُ في ((نحوهِ)) هو الذي لحظَهُ سُفيانُ (¬3) فَحَكَمَ بأنَّهُ حديثٌ غيرُ الأوَّلِ، أي: غيرُ مساوٍ لهُ في المعنى وإنْ كانَ قريباً منهُ. ¬

_ (¬1) انظر قول شعبة في: المحدّث الفاصل: 590 (840)، والكفاية: 213، والتمهيد 1/ 12 - 13. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10، وهو كلام شعبة، وقد أخرج قوله الخطيب في " الكفاية ": 213. (¬3) الكفاية: 213. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 340، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 10.

قولُهُ: (مِثْلَهُ يُجْزىءُ) (¬1)، أي: لأنَّ المثليةَ ظاهرةٌ في المساواةِ، فإنْ كانتْ في اللفظِ، فالمعنى تبعٌ لهُ. وإنْ كانتْ في المعنى فهوَ المرادُ. ومن هنا تعلمُ أنَّه ممن يجيز الرواية بالمعنى (¬2). وقولُهُ في: ((نحوه)): ((حديث)) (¬3) يُريد أنَّ ((نحوه)) ظاهرةٌ في أنَّ المرادَ بهِ المقاربةُ، لا المماثلةُ. قال في " القاموس " (¬4): ((النَّحْوُ: الطريقُ والجهةُ والقَصْدُ)). فالحديثُ الذي قِيلَ فيهِ (¬5) ذلكَ، حديثٌ آخرُ غيرُ المذكورِ، بمعنى أنّهُ لا يتحدُ معهُ لا (¬6) لفظاً ولا معنى، فلا يجوزُ تركيبُ المذكورِ على السندِ الثاني؛ لأنَّ ذلكَ يقتضي أنْ يكونا سواءً، والغرضُ أنّهُ قد قالَ إنّهُ مقاربُهُ لا مُساويه. وهذا الذي فَهمتَهُ هو الذي يَقتضيهِ تنكير ((حديث)) في عبارةِ سُفيانَ. ولم أدرِ ما وجهُ مَن فَهِمَ أنَّ مرادَهُ بهِ الحديثُ الذي ساقَ متنهُ ليكونَ قولُهُ: ((يُجزئُهُ)) وقولُهُ: ((حديث)) سواءً، كما هو / 223 أ / ظاهرُ صَنيعِ ابنِ الصّلاحِ (¬7) فإنَّه سَاقَ سندَهُ إلى وكيعٍ أنَّه قالَ: ((قالَ شُعبةُ: فلانٌ عنْ فُلانٍ، مثلَهُ لا يُجْزِىءُ، قال وكيعٌ (¬8): وقالَ سفيانُ: يُجزىءُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬2) نقل الخطيب في " الكفاية ": 29 عن سفيان الثوري جواز الرواية بالمعنى. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬4) القاموس المحيط مادة (نحو). (¬5) في (ف): ((فلهه))، والمثبت أصوب. (¬6) في (ف): ((إلا))، المثبت أصوب. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 340. (¬8) عبارة: ((قال وكيع)) تكررت في (ف).

وأمّا إذا قالَ: ((نحوَهُ)) فهوَ في ذلكَ عندَ بعضِهِمْ كما إذا قالَ: ((مِثلَهُ)). نُبِّئنا بإسنادٍ عن وكيعٍ، قالَ: قالَ سفيانُ: إذا قالَ: نَحوَهُ، فهوَ حديثٌ)). فهذا ظاهرُهُ أنّ تعبيرَ سُفيانَ بقولِهِ: ((حديث)) تسويةٌ منهُ بينَ ((نحوهِ))، و ((مثلهِ)) (¬1). وتابعهُ الشَّيخُ (¬2) على هذا الفهمِ، فَساقَ عبارةَ سفيانَ في ((مثلهِ))، و ((نحوهِ)) في القولِ الثاني. فإنَّ ظاهرَ ذلكَ أنَّهُ فَهِمَ أنهما سواءٌ، وليسَ كذلكَ، بلْ الظاهر أنَّ التعبيرَ ((يُجزيءُ)) معناهُ: يَكفي التعبيرُ بالمثلِ في تسويغِ الروايةِ لمتنِ السَّندِ الأولِ، بالسَّندِ الثاني. وقولُهُ: (فهوَ حديثٌ) (¬3)، أي: آخرُ (¬4)، كما هو مُقتضَى التنوينِ، فهوَ موازنٌ لقولِ شُعبةَ: ((شَكّ)). ثمّ إنَّ هذا القولَ الثاني جَعَلهُ الشَّيخُ شاملاً لـ ((نحوهِ))، ولم يذكرْهُ ابنُ الصَّلاحِ إلا في مثلهِ خاصة، فإنّهُ قالَ: ((إذا رَوَى المحدِّثُ الحديثَ بإسنادٍ ثمّ أتبعَهُ بإسنادٍ آخرَ، وَقالَ عندَ انتهائِهِ: ((مثلَهُ)) فأرادَ الراوي عنهُ أنْ يَقتصرَ عَلَى ¬

_ (¬1) قال النووي في " الإرشاد " 1/ 491: ((ففرق ابن معين بين مثله، ونحوه)). وانظر: الاقتراح: 241، وجواهر الأصول في علم حديث الرسول: 123، وتدريب الراوي: 120. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬4) قال السخاوي في " فتح المغيث " 2/ 261: ((وعن عبد الرزاق، قال: قال النووي: إذا كان مثله، يعني: حديثاً قد تقدم، فقال: مثل هذا الحديث الذي تقدم، فإن شئت فحدث بالمثل على لفظ الأول))، وهذا الأثر نقله الخطيب بسنده في " الكفاية ": 212 - 213، ثم قال عقبه: ((قال عبد الرزاق: وكان شعبة لا يرى ذلك)). ومن هذا النقل عن النووي تبين أنه لم يرد حديثاً آخر غيره، والله أعلم.

الإسنادِ الثاني وَيسوقَ لفظَ الحديثِ المذكورِ عقيبَ الإسنادِ الأوَّلِ فالأظهرُ المنعُ (¬1) مِنْ ذَلِكَ، وَروِّينَا عَن أبي بكرٍ الخطيبِ الحافظِ، قالَ: كانَ شعبةُ لا يُجيزُ ذَلكَ. وَقالَ بعضُ أهلِ العلمِ: يجوزُ ذَلكَ إذا عُرِفَ أنَّ المحدِّثَ ضابطٌ مُتحفظٌ يَذهبُ إلى تمييزِ الألفاظِ وعدِّ الحروفِ، فإنْ لمْ يُعْرَفْ ذَلِكَ مِنهُ، لم يَجُزْ ذَلكَ، وكانَ غيرُ واحدٍ من أهلِ العلمِ ... )) (¬2) الخ (¬3). هذا لفظُهُ بحروفهِ. ويؤيدُ ما فهمتهُ من الفرقِ بينَ ((مثلهِ))، و ((نحوهِ)) تعليقُهُ الأمرَ بتمييزِ الألفاظِ وعدِّ الحروفِ، فهوَ ظاهرٌ جداً في الروايةِ باللفظِ، ويؤيدهُ أيضاً ما رأيتُ بخطِّ صَاحبِنا العلامة شمسِ الدِّينِ بنِ حسانَ (¬4) أنَّ قولَ الخطيبِ هذا جعلهُ النوويُّ (¬5)، وكذا الحافظُ عمادُ الدِّينِ بنُ كثير قولَ سفيانَ الثوريِّ. أي: لأنّهُ قالَ: إنَّ قولَ الراوي ((مثلَهُ)) يجزئُ / 223 ب /، أي: لأنّهُ لا يقولُ ذلكَ إلاّ منْ علمَ أنَّ لَفظَي الحديثِ سواءٌ، لا ينقصُ أحدُهُما عن الآخرِ حرفاً فما فوقه؛ لأنَّ المماثلةَ ظاهرةٌ في ذلكَ، ويؤيدهُ ما نقلهُ مسعودٌ، عن الحاكمِ. ¬

_ (¬1) قال ابن دقيق: ((والأظهر أنه لا يجوز)). الاقتراح: 240. وقال النووي: ((فالأظهر منعه)). الإرشاد 1/ 490، وشرح صحيح مسلم 1/ 38. وعلق البلقيني والزركشي بكلام طويل على جملة: ((فالأظهر المنع)). انظر: محاسن الاصطلاح: 199، ونكت الزركشي 3/ 631 - 632. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 339. (¬3) الكفاية: 212. وتتمة كلامه: ((إذا روى مثل هذا يورد الإسناد، ويقول: مثل حديث قبله متنه كذا وكذا، ثم يسوقه)). (¬4) هو محمد بن محمد بن علي بن محمد بن حسان الشمس بن الشمس، الموصلي الأصل، المقدسي، الشافعي، ويعرف بابن حسان، ولد سنة (800 هـ‍)، وتوفي سنة (855 هـ‍). انظر: الضوء اللامع 9/ 152 - 154. (¬5) انظر: شرح صحيح مسلم 1/ 38.

وأمَّا قولُهُ: ((إذا قالَ: نحوَهُ)) (¬1) فهيَ مسألةٌ أُخرَى، لم يتعرضْ لها النَّوويُّ (¬2). لكنْ يبعدُ إطلاقُ المثلِ على المتحدِ باللفظِ؛ إذ المماثلة ظاهرةٌ جداً في المشابهةِ، والمتحدُ باللفظِ هوَ ذلكَ الحديثُ نفسُهُ لا أنَّهُ مُشبههُ، واللهُ أعلمُ. ومن مؤيداتِ ما فهمتهُ أيضاً، ما قالهُ النَّوويُّ في ((بابِ صفةِ الوضوءِ)) وكمالهِ من " شرحِ مُسلِم " في قولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((منْ تَوضَّأَ بِنَحوِ وضُوئي هَذا)) (¬3). وإنّما قالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((نحوَ))، ولم يقلْ: ((مثلَ))؛ لأنَّ حقيقةَ مماثلتهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يقدرُ عليها غيرُهُ)) (¬4). انتهى. وَمَن وَقَعَ في روايتهِ ((مثلَ وضوئي))، فالظاهرُ أنّه رَوَى بالمعنى، فلم يوفِ بالمرادِ؛ لأنَّ ((نحوَ)) أوسعُ، والنبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يحبُّ التوسعةَ لأمتهِ. قولُهُ: (وهو قولُ يحيى) (¬5) وكذا قولُ سفيانَ، كما عَلمتَهُ فكانَ يتعينُ أنْ يُؤخِّرَ ما سَاقَهُ عنه في القولِ الثاني إلى الثالثِ، وعن الحافظِ عمادِ الدِّينِ إسماعيلَ بنِ كثيرٍ أنّهُ اختارَ قولَ يحيى هذا. قولُهُ: (وَعَليهِ يَدلُّ كَلامُ الحاكمِ) (¬6) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((هذا - أي: قولُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 10. (¬2) تعرَّض النووي لهذا، فقال في " الإرشاد " 1/ 491: ((وأما إذا قال: نحوه فقد أجازه سفيان، ومنعه شعبة)). وانظر: شرح صحيح مسلم 1/ 38. (¬3) أخرجه: أحمد 1/ 59 و60، والدارمي (699)، والبخاري 1/ 51 (159) و1/ 52 (164) و3/ 40 (1934)، ومسلم 1/ 141 (226) (3) و (4) من حديث عثمان ابن عفان - رضي الله عنه -. (¬4) شرح صحيح مسلم 2/ 94. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11.

الخطيبِ أنَّه على مذهبِ من لم يُجزِ الروايةَ على المعنى (¬1) - لهُ تعلّقٌ بمَا رُوِّينَاهُ عنْ مَسعودِ بنِ عليٍّ السجزيِّ (¬2) أنَّهُ سَمِعَ الحاكمَ أبا عبدِ اللهِ الحافظَ يقولُ: إنَّ أوّلَ مَا (¬3) يلزمُ الحديثيَّ مِنَ الضبطِ وَالإتقانِ أنْ يُفرِّقَ بينَ أنْ يقولَ: ((مثلَهُ)) أوْ يقولَ: ((نحوَهُ))، فلا يَحِلُّ لَهُ أنْ يقولَ: ... )) (¬4) إلخ. وقد عُلمَ ما تَقدَّمِ عن سفيانَ ويحيى في التجويزِ في ((مثلِه)) دونَ ((نحوهِ))، وأنَّ ظاهرَ قولِ سُفيانَ ((نحوه)) أنَّهُ ((حديث)) أنَّ مرادَهُ حديثٌ آخرُ مقاربٌ، لا أنَّه مساوٍ، لا في اللفظِ ولا في المعنَى، وذلكَ يقدحُ في تجويزِ التركيبِ عندَ التعبيرِ ((بنحوهِ))، على المذهبينِ قطعاً، وإنْ كانَ يحيى وسُفيانُ ممن يُجيزان الروايةَ بالمعنى تأكَّدَ ما فهمتهُ عنهُما، ويؤيدُه أيضاً: أنَّ ابنَ دقيقِ العيدِ قالَ: ((ويشترط أنْ يكون - أي: الشَّيخُ الذي ذَكَرَ السَّندَ، ثُم قالَ: ((مثلَهُ)) أو ((نحوَهُ)) - ممّن يُفرِّقُ بينَ مدلولِ قولهِ / 224 أ /: ((مثله))، أو ((نحوه))، فإنَّه قد يتسامحُ بعضُ النَّاسِ في ذلكَ، واللهُ أعلمُ)) (¬5). قولُهُ: (وَهذَا عَلَى مَذهَب ... ) (¬6) إلخ، الإشارةُ إلى قولِ ابنِ مَعينٍ، كما هوَ ظاهرُ العبارةِ. ونُقِلَ عن النَّوويِّ (¬7) التصريحُ بهِ، وعِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ أشدُّ ظهوراً في ذلكَ من عبارةِ الشَّيخِ، فإنَّه قالَ: ((وعن ابنِ معينٍ أنّه أجازَ ما قدَّمنَا ذِكرَهُ - أي: مِنْ ¬

_ (¬1) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬2) سؤالات مسعود: 123. (¬3) في " المعرفة ": ((مما))، بدل ((أول ما)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 340، وتتمة القول: ((مثله إلا بعد أن يعلم أنهما على لفظٍ واحد، ويحل أن يقول: نحوه إذا كان على مثل معانيه)). (¬5) الاقتراح: 241. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11، وهو من كلام الخطيب. (¬7) انظر: الإرشاد 1/ 491.

أنَّ الراويَ يَقتصرُ على الإسنادِ الثاني، ويَسوقُ لفظَ الحديثِ المذكورِ، عَقِبَ الإسنادِ الأوَّلِ في قولهِ: أي أجازَ ما قَدَّمناهُ - (¬1) في قولهِ: ((مِثْلهُ))، ولم يُجزْهُ في قولهِ: ((نحوهُ)))) (¬2). قالَ الخطيبُ: ((وهذا القولُ على مَذهَب ... )) (¬3) الخ. وهذا ذهابٌ منهم إلى أنّ ((المثلَ)) عندَ سُفيانَ، ويَحيَى بمعنى: ((العينِ))، وهذا كلُّهُ فيما إذا أَدرَجَ المتنَ على السّندِ الثاني، ولم يُبيّنْ أنّه لسندٍ آخرَ. وأمّا إذا بَيّنَ فقد تَقدّمَ ما نَقَلَهُ الخطيبُ في تجويزِ غيرِ واحدٍ من أهلِ العلمِ لهُ وأنَّه اختارَهُ. وعلى كُلِّ تقديرٍ ففي ذلكَ نَظَرٌ؛ لأنَّ قولَهُ أنَّه على مَذهَبِ مَن مَنَعَ الروايةَ بالمعنى، إن كانتِ الإشارةُ فيهِ إلى قولِ مَن شَرَطَ التَّحفُّظَ بتمييزِ الألفاظِ، وعدِّ الحروفِ، وكذا ما جَعَلَ ابنُ الصَّلاحِ له بهِ تعلُّقاً ممّا نَقَلهُ مَسعودٌ، عن الحاكمِ، فهوَ واضحٌ مُنتظِمٌ. فإنَّ مَن كانَ كذلكَ لم يطلقْ ((مثلَهُ)) إلا فيما قابلهُ فوافقَتْ حروفُهُ حروفَ المتنِ المذكورِ فكانَ إياهُ، فَجازَ نقلُهُ؛ لأنَّه هو المتنُ المتقدِّمُ بعينهِ، وأمَّا مَن لم يُعرفْ منهُ هذا التحفُّظ لم يجزْ مثلَ ذلكَ فيما قالَ فيهِ: ((مثلهُ)) لأنَّه لم يوثقْ بكونهِ عينَ الحديثِ المذكورِ، فدَارَ الأمرُ على أنَّ الجوازَ تابعٌ للعلمِ باتّحادِ اللفظِ، والمنعَ تابعٌ للشكِّ فيهِ. وإنْ كانتِ الإشارةُ فيهِ إلى قولِ ابنِ مَعينٍ ونحوهِ لم يصحَّ؛ لأنَّهم لو كانُوا يمنعونَ الروايةَ بالمعنى لما اختلفوا في ((مثلِ)) فَمَنعَ فيها شعبةُ وأجازَ فيها غيرُهُ. ¬

_ (¬1) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 340. (¬3) الكفاية: 214.

فالظاهرُ أنَّ المنعَ فيها لِظهورِها في إرادةِ المعنى؛ لأنَّ الموافقَ في اللفظِ يمكنُ أنْ يُقالَ فيهِ: ((قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحديثَ))، أو ((بهذا))، أو ((قد ذَكَرَهُ))، أو ((بهِ))، أو ((بلفظهِ سَواء)). وما أدَّى هذا المعنى من نحوِ هذه الألفاظِ، فلا يعدلُ عن الأوَّلِ إلى ما هوَ دونه / 224 ب /، فلا يعدلُ عن مثلِ هذه الألفاظِ، إلى قولهِ: ((مثلهِ)) إلا لما هوَ ظاهرٌ فيهِ من التَّشابهِ في المعنى، وأكثر الألفاظِ لا للاتحادِ في الذَّاتِ (¬1). ومُسلمٌ أكثرُ النَّاسِ ذكراً لذلكَ، فتارةً يقولُ بعدَ ذِكرِ الحديثِ: حَدَّثَنا فُلانٌ بهذا الإسنادِ ((نحوه))، وتارةً يقولُ: ((مثلهُ))، وتارةً: قالَ فُلانٌ ((هذا))، أو ((نحوه))، وتارةً قالَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - ((بهذا الحديثِ))، ((نحو حديثِ فُلانٍ))، وتارةً ((وسَاقَ الحديثَ بمثلهِ))، وتارةً عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ((بهذا الحديثِ)) إلى غيرِ ذلكَ من العباراتِ. ويمكنُ على بعدٍ أنْ يُنزَلَ كلامُ شُعبةَ على مَن شَكَّ في حالهِ، وكلامُ المجيزِ على مَن عَلمَ من حالهِ التحفظَ في عدِّ الحروفِ. ووجهُ البُعدِ إطلاقُ كلٍّ من الفريقينِ قولهُ من غير تقييدِ وقتٍ ما، واللهُ أعلمُ. وأوَّلُ دليلٍ على أنَّ الظاهرَ في إطلاقِ ((المثلِ))، الشَّبَهُ لا العينُ، أنَّ مَن يَتقيَّدُ باللفظِ مَنَعَ بعضهم من الروايةِ بها مُطلقاً. واشترطَ آخرُ أنْ يُعرفَ من عادةِ المحدِّثِ الضابطِ، تَمييزُ الألفاظِ وعدِّ الحروفِ (¬2). ¬

_ (¬1) قال أبو زكريا الأنصاري في "فتح الباقي" 2/ 92: ((إذ ظاهر ((مثله)) يفيد التساوي في اللفظ دون ظاهر ((نحوه)))). (¬2) اشترط هذا سفيان الثوري، ويحيى بن معين. انظر: الإرشاد 1/ 490، ونسب الخطيب في "الكفاية": 212 هذا القول لبعض أهل العلم.

واشترطَ آخرُ (¬1) في الراوي أنْ يعرفَ الفرقَ بينَ معنى ((مثلهِ))، ومعنى ((نحوهِ))، وهذا هوَ الذي يَنبغي أنْ يُقطَعَ بهِ ولا يُعدَلَ عنهُ: أنَّ من عُرِفَ من عادتهِ أنَّه لا يقولُ: ((مثلَهُ))، إلاّ عندَ اتحادِ اللفظِ، وكان ثقةً عارفاً بصيراً، جازَ أنْ يُركِّبَ المتنَ المذكورَ، على ما ذَكَر من السّندِ، وقالَ فيهِ: ((مثلَهُ))، واللهُ أعلمُ. قولُه: (مثلُ حديثٍ قبلَهُ، متنُهُ) (¬2) لا يقالُ: إنَّ هذا يُوهِمُ أنَّه سَمِعَ المتنَ الثاني، وأنَّه إنَّما تَركَهُ لنسيانٍ أو غيرهِ، فلا يَخلو عن احتمالِ المنعِ؛ لإيهامهِ أنَّه سَمعَهُ بخصوصهِ، فيكونُ إيهاماً لما لو قِيلَ كانَ كاذباً؛ لأنَّا نقولُ: إنّ هذا الإيهامَ غيرُ مؤثِّرٍ بوجهٍ؛ لأنَّه لم يزدْ على ما سَمِعَ وهوَ موجودٌ، ولو لَم يُركِّب متنَ السَّندِ الأوَّلِ عليهِ. قولُه: (وَهذا الذي أَختارُهُ) (¬3) نُقِلَ عن النّوويِّ أنّه قالَ: ((ولا شَكَّ في حُسنهِ)) (¬4). قولهُ: (وَذَكَرَ الحَدِيْثَ) (¬5). وقولُه: (إذْ بَعْض مَتْنٍ) (¬6)، ((بعضُ)) نكرةٌ في سياقِ النفي، فيقتضي ذلكَ أنّه لم يَسقْ شيئاً من المتنِ، وليسَ هوَ المراد؛ لأنَّ المسألةَ مفروضةٌ فيمن ذَكَرَ المتنَ، ¬

_ (¬1) هو الحاكم النيسابوري كما نقل عنه قبل قليل في "سؤالات مسعود": 123. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11، وهو كلام الخطيب نقلاً عن بعض أهل العلم. انظر: الكفاية: 212. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11، وهو كلام الخطيب في "الكفاية": 212. (¬4) شرح صحيح مسلم 1/ 38. (¬5) التبصرة والتذكرة (673). (¬6) التبصرة والتذكرة (673).

وحَذفَ بعضهُ، فلو / 225 أ / قالَ الشَّيخُ: ((كل متنٍ)) لكانَ أقربَ، وكانَ المعنى: ((وقولُ المحدّثِ حينَ لم يَسقْ كلَّ المتنِ بل سَاقَ بعضَهُ)). وقالَ: ((وَذَكَرَ))، أي: الشَّيخُ الذي حَدَّثَني الحديثَ. ((فالمنعُ)) للرَّاوي عن ذلكَ الشّيخِ من إكمالِ الحديثِ ((أحقّ)) من المنعِ في المسألةِ التي قبلها، وهي ما إذا سَاقَ الحديثَ، ثُم سَاقَ إسناداً آخرَ لهُ، ثُم قالَ: ((فَذَكرَ مثلَهُ)). قولهُ: (إذا أتى الشَّيخُ الراوي) (¬1) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((إذا ذَكَرَ الشَّيخُ إسنادَ الحديثِ، ولمْ يَذكرْ مِنْ مَتْنهِ إلاّ طَرفاً ثُمَّ قالَ: ((وَذكرَ الحديثَ))، أو قالَ: وذكرَ الحديثَ بطولِهِ)) (¬2). قولهُ: (وبالمنعِ أجابَ الأستاذُ) (¬3) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وسألَ بعضُ [أهلِ] (¬4) الحديثِ أبا إسحاقَ إبراهيمَ بنَ محمدٍ الشّافعيَّ المقدَّمَ في الفقهِ والأصولِ عنْ ذَلكَ، فقالَ: لا يجوزُ لمنْ سمعَ عَلى هذا الوصفِ، أنْ يرويَ الحديثَ بما فيهِ مِنَ الألفاظِ عَلَى التفصيلِ، وَسألَ أبو بكرٍ البَرْقَانيُّ (¬5) الحافظُ الفقيهُ أبا بَكرٍ الإسماعيليَّ الحافظَ الفقيهَ عمَّنْ قَرَأَ إسنادَ حديثٍ عَلَى الشَّيخِ، ثمَّ قالَ: ((وَذَكرَ الحديثَ))، هَل يجوزُ أنْ يُحدِّثَ بجميعِ الحديثِ؟ فقالَ: إذا عَرَفَ ... )) (¬6) إلخ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 11. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 340. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 12. (¬4) ما بين المعكوفتين زيادة من "المعرفة". (¬5) الكفاية: 311. وتتمة كلامه الذي نقله ابن الصلاح: ((فقال: إذا عرف المحدّث والقارىء ذلك الحديث، فأرجو أن يجوز ذلك، والبيان أولى أن يقول: كما كان)). وانظر: الإرشاد 1/ 492، وشرح صحيح مسلم 1/ 38، والمقنع 1/ 189. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 341، وانظر: الإرشاد 1/ 492، وشرح صحيح مسلم 1/ 38، والمقنع 1/ 389.

وعَن ابنِ كَثير أنَّه قالَ: ((إنْ كانَ - أي: الراوي - قدْ سمعَ الحديثَ المشارَ إليهِ قبلَ ذلكَ عَلَى الشَّيخِ في ذَلكَ المجلسِ، أوْ في غيرِهِ، فتجوزُ الرواية، وتكونُ الإشارةُ إلى شيءٍ قد سَلَفَ بيانهُ وتحقّقُ سماعه)) (¬1). انتهى. وهوَ في غايةِ الظُّهورِ والحُسنِ، وإليهِ يَرشدُ قَولُ ابنِ الصَّلاحِ الآتي: ((فالتحقيقُ أنَّه بطريقِ الإجازةِ فيما لمْ يذكُرهُ الشَّيخُ)) (¬2) فإنَّ مَفهومَهُ أنّه إذا ذَكَرَهُ الشيخُ كانَ سَماعاً. قولهُ: (ثمَّ يقولُ:) (¬3)، أي: السَّامعُ (قالَ) (¬4)، أي: الشَّيخُ (وَذَكَرَ) (¬5)، أي: الذي حدَّثهُ الحديثَ. صورةُ ذلكَ أنْ يقولَ الشّيخُ مثلاً: حَدَّثَنا فُلانٌ ... إلى أنْ يقولَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّما الأعمالُ)) (¬6). ((قالَ)) يعني: شَيخَهُ، ((وَذَكَرَ))، أي: الذي حَدَّثني الحديثَ بطولهِ، أو كلَّهُ، ونحو ذلكَ. ¬

_ (¬1) اختصار علوم الحديث 2/ 419، وبتحقيقي: 214، وزاد السخاوي في نقله عن ابن كثير: ((وإلا فلا)). فتح المغيث 2/ 264. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 341. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 12. (¬4) المصدر السابق. (¬5) المصدر نفسه. (¬6) إشارة إلى حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي أخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (188)، والطيالسي (37)، والحميدي (28)، وأحمد 1/ 25 و43، والبخاري 1/ 2 (1) و1/ 21 (54) و3/ 190 (2529) و5/ 72 (3898) و7/ 4 (5070) و8/ 175 (6689) و9/ 29 (6953)، ومسلم 6/ 48 (1907) (155)، وأبو داود (2201)، وابن ماجه (4227)، والترمذي (1647)، والبزار (257)، والنسائي 1/ 58 و6/ 158 و7/ 13 وفي " الكبرى "، له (78)، وابن خزيمة (142) و (143) و (455)، وابن الجارود (64)، والطحاوي في " شرح المعاني " 3/ 96 وفي " شرح المشكل "، له (5107) و (5108) و (5109) و (5110) و =

قولهُ: (إجازةٌ أكيدةٌ) (¬1)، أي: لكونِها إجازةَ شيءٍ مُعيَّنٍ لشخصٍ مُعيَّنٍ، وفي المسموعِ ما يدلُّ على المجازِ معَ معرفةِ المجازِ لهُ، كما قالَ الإسماعيليُّ. ¬

_ = و (5111) و (5112) و (5113) و (5114)، وابن حبان (388) و (389)، والدارقطني 1/ 50 - 51 وفي " العلل "، له 2/ 194، وأبو نعيم في " الحلية " 8/ 42 وفي " أخبار أصفهان "، له 2/ 115، والبيهقي 1/ 41 و298 و2/ 14 و4/ 112 و235 و5/ 39 و6/ 331 و7/ 341، والخطيب في "تأريخه" 4/ 244 و6/ 153، والبغوي (1) و (206). (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 12، وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 341، وقال البلقيني في "محاسن الاصطلاح": 201: ((وعلى تقدير الإجازة، لا يكون أولى بالمنع عن: ((مثله)) و ((نحوه)) إذا كان الحديث بطوله معلوماً لهما، كما ذكر الإسماعيلي بل يكون أولى بالجواز)).

إبدال الرسول بالنبي وعكسه

إِبدَالُ الرَّسولِ بالنَّبيِّ وَعكْسُهُ قولهُ: (إبدالُ الرسولِ بالنَّبيِّ) (¬1) /225 ب/ قد عُلِمَ من القاعدةِ التي قدَّمتُها في الكلامِ على المعلَّلِ أنَّ الباءَ داخلةٌ في الإبدالِ على المأخوذِ. فالمعنى: أنَّه غَيَّرَ لفظَ الرسولِ فتركَهُ، وأتى مَكانَهُ بلفظِ النبيِّ وعَكَسَهُ، هذا ما في المتنِ، والذي في الشرحِ عَكسُهُ. قولهُ: (وكانَ أحمدُ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وثبتَ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنَّهُ رَأى أبَاهُ إذا كَانَ في الكتابِ ((النَّبيُّ)) (¬3) فَذَكَرهُ إلى أنْ قالَ: وإنمّا استحبَّ أحمدُ اتّباعَ المحدِّثِ في لفظِهِ)) (¬4). انتهى. وهذهِ المسألةُ مثلُ مسألةِ الزيادةِ في نَسَبِ الشّيخِ، كما مَضَى قَريباً. قولهُ: (وقالَ حمادُ) (¬5) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وَذكرَ الخطيبُ بسندِهِ (¬6) عنْ حَمَّادِ بنِ سَلمةَ أنَّهُ كَانَ يُحدِّثُ وَبينَ يَديهِ عفانُ وبَهْزٌ، فجعلا يُغيّرانِ: ((النّبيَّ)) منْ ((رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -))، فقالَ لهمَا حَمادٌ: أما أنتما فلا تَفْقَهانِ أبداً (¬7))) (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 12. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 12، ومذهب أحمد أسنده الخطيب في " الكفاية ": 244. (¬3) وتتمة كلام ابن الصلاح: ((فقال المحدّث: عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ضرب وكتب: ((عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -))، وقال الخطيب أبو بكر: ((هذا غير لازم)))). وانظر: الكفاية: 244. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 341. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13. (¬6) الكفاية: 244 - 245. (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 341 - 342. (¬8) قال البلقيني في "محاسن الاصطلاح": 201: ((هذا أولى من جواز رواية الحديث بالمعنى، خلافاً لما تقدم. واختلاف المعنى لا يضر في الألفاظ المنقولة، فالذي رويت عنه واحد - صلى الله عليه وسلم - بخلاف الرواية بالمعنى، فقد يطرقها في التغيير ما لا يفهم الراوي، ولا يرد ذلك بحديث البراء في " الصحيحين "، في حديث: ((ونبيك الذي أرسلت)) للتعبد بالألفاظ في ذلك الباب مع ما فيه من حسن الإتيان بالصفتين العظيمتين)).

السماع على نوع من الوهن

ظاهرُ صَنيعِ الشَّيخِ وابنِ الصَّلاحِ: أنَّ حماداً يقولُ بالجوازِ، وعبارتُهُ ظاهرةٌ في المنعِ، واللهُ أعلمُ. السَّماعُ عَلى نوعِ مِنَ الوهْنِ قولهُ في قولهِ: (السَّماعُ عَلَى نوعٍ مِنَ الوهنِ، أوْ عَنْ رَجُلينِ) (¬1)، أي: كائنينِ في السَّندِ في أيِّ موضعٍ كانَ؛ مِن أولهِ أو آخرهِ أو أثنائهِ. فالمعنى: السّماعُ المنقولُ عن رجلينِ، وليسَ الأمرُ مُنحصِراً في أنْ يكونَا شيخي الراوي، ليكونَ حقُّ العبارةِ: ((على رجلينِ)). قولهُ: (كَنَوْعِ) (¬2)، أي: عليهِ البيانُ إذا ((خَامَرَ))، أي: خَالَطَ سَماعَهُ نوعُ ((وهنٍ))، أي: ضَعفٍ. ثُمَّ إنَّ عبارةَ الشَّيخِ تُفهِم أنَّ هذا نظيرٌ لما قبلَهُ، وليسَ كذلكَ، بل السَّماعُ في المذاكرةِ من صُورِ السَّماعِ على نوعٍ من الوهنِ، وعِبارة ابنِ الصّلاحِ واضحةٌ في ذلكَ كما يأتي. وقد اعترفَ الشَّيخُ في " الشَّرحِ " (¬3) بأنَّه مثالُ قولهِ: ((أو في المذاكرةِ)). قالَ ابنُ الصَّلاحِ عَقِبَهُ: ((فقدْ كانَ غيرُ واحدٍ منْ مُتَقدِّمي العُلماءِ يفعلُ ذَلكَ، وكانَ جماعةٌ مِنْ حُفَّاظِهِمْ يمنعونَ مِنْ أنْ يُحمَلَ عنهمْ في المذاكرةِ شيءٌ، منهم: عبدُ الرحمانِ ... )) (¬4) إلخ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13. (¬2) التبصرة والتذكرة (678). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 342، وتتمة كلامه: ((ابن مهدي، وأبو زرعة الرازي رويناه عن ابن المبارك وغيره، وذلك لما يقع فيها من المساهلة مع أن الحفظ خَوَّان)). وانظر هذه الآثار في: الجامع لأخلاق الراوي (1110) و (1111) و (1112) و (1113).

قولهُ: (كانَ أحمدُ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((ولذلكَ امتنعَ جماعةٌ مِنْ أعلامِ الحُفَّاظِ مِنْ روايةِ مَا يحفَظونَهُ إلاّ مِنْ كُتُبِهِمْ، منْهُم: أحمدُ بنُ حنبلٍ (¬2))) (¬3). قولهُ: (ليسَ بحتمٍ) (¬4) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ ليستْ صريحةً في الوجوبِ وستأتي، بل هيَ ظاهرة في الاستحبابِ بقرينةِ جَعلِ ذلكَ نوعاً / 226 أ / من التدليسِ، ولم يقلْ أحدٌ أنَّه يجبُ على المحدّثِ تَركُ مُطلقِ التدليسِ الذي هذا نوعٌ منهُ وهو الخفاءُ الذي هوَ مَعنَى التدليسِ لغةً؛ لأنّه لا يتأتَّى إرادةُ المعنى الاصطلاحيِّ هنا، ولو فرضت إرادته لكانَ كذلكَ. قولهُ: (مِن غيرِ أصلٍ ... ) (¬5) إلخ هوَ مما دَخلَ في قولِ ابنِ الصَّلاحِ: ((إذا كانَ سماعُهُ عَلَى صفةٍ فيها بعضُ الوهنِ (¬6)، فعليهِ أنْ يذكُرَهَا في حالةِ الروايةِ، فإنَّ في إغفالها نوعاً مِنَ التدليسِ، وَفيمَا مَضى لنا أمثلةٌ لِذَلكَ. وَمِنْ أمثلتِهِ مَا إذا حدَّثَهُ المحدّثُ مِنْ حِفْظِهِ في حَالَةِ المذاكرةِ)) (¬7). انتهى. ومن ذلكَ ما إذا رَوَى من أصلٍ غيرِ مُقابلٍ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 342. (¬3) الجامع لأخلاق الراوي (1030) و (1031)، وأثنى عليه الإمام علي بن المديني قائلاً: ((ليس في أصحابنا أحفظ من أبي عبد الله أحمد بن حنبل، وبلغني أنّه لا يحدّث إلاّ من كتاب، ولنا فيه أسوة)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬6) قال الزركشي في "نكته" 3/ 634: ((ظاهره الوجوب، وعبارة الخطيب: استحب أنْ يقول: حدثناه في المذاكرة)). (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 342، وتتمة كلامه: ((فليقل: حدثنا فلان مذاكرة، أو حدثناه في المذاكرة)).

قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((وليقلْ مثلاً: أخبرَنا فُلانٌ مع الحاجةِ إلى المقابلةِ، أو المعارضةِ)) (¬1). قولهُ: (بخطِّ مَنْ فيهِ نَظَرٌ) (¬2) هذا إذا كانَ هذا الخطُ عمدةَ الراوي في نقلهِ لهُ، وهو غيرُ ذاكرٍ للسّماعِ، أمَّا إذا كانَ ذاكراً لسماعهِ فالاعتمادُ حينئذٍ عليهِ، لا على كاتبِ السَّماعِ. قولهُ: (التَّدليسِ) (¬3) ليسَ المرادُ بهِ المعنى الاصطلاحي، بل معناهُ اللغوي، وهوَ: الإخفاءُ الناشىءُ عن معنى الدَّلَسِ بالتَّحريكِ: وهو الظلامُ والمشابهةُ، والتدليسُ أيضاً: كتمانُ عيبِ السلعةِ عن المشترِي (¬4). قولهُ: (فَهْوَ أَخَفْ) (¬5) الفاءُ فيه زائدةٌ ويمكنُ أنْ يكونَ على تقديرِ شَرطٍ، أي: إنْ أردتَهُ فهوَ أخفُّ، وقافيتُهُ مع ذلكَ من المتراكبِ، وهيَ مخالفةٌ لقافيةِ الأوَّلِ، فإنّها من المتداركِ، فلو أسقطَ الفاءَ وحَرَّكَ الهاءَ لاسْتَقَامَ، ويكون الجزءُ مخبولاً والقافيةُ من المتكاوسِ، وهو - وإنْ كانتِ المخالفةُ فيه أكثرُ - أحسنُ لأجلِ الرَّاحةِ من الفاءِ، ولو قالَ: ... ... ... ... ... ... وَالحَذفُ إنْ كُلٌ مُوثَّقٌ أَخفْ لم يكنْ فيهِ محذورٌ. ¬

_ (¬1) الاقتراح: 242. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬4) انظر: العين مادة (دلس)، وأساس البلاغة مادة (دلس)، ولسان العرب مادة (دلس)، ونكت الزركشي 2/ 67، ونكت ابن حجر 2/ 614، وبتحقيقي: 385. (¬5) التبصرة والتذكرة (680).

قولهُ: (على ثابت) (¬1) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((عَلَى ذِكرِ الثِّقةِ، خوفاً مِنْ أنْ يكونَ فيهِ عَنِ المجروحِ شيءٌ لمْ يذكُرْهُ الثقةُ، قالَ نحواً منْ ذلكَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ (¬2)، والخطيبُ (¬3))) (¬4). انتهى. ومن أمثلتهِ ما نُقِلَ عن البخاريِّ، والنسائيِّ: أنّهما رَوَيا أحاديثَ لعبدِ اللهِ بنِ لهيعةَ (¬5) مَقرُوناً بثقةٍ من غيرِ تصريحٍ بهِ، ففي بعضِها: ابنُ وَهبٍ، عن حَيْوَةَ (¬6) بنِ شُرَيحٍ، وفُلانٍ. وفي بَعضِها: عَن عمرِو بنِ الحارثِ، ورجلٍ آخرَ (¬7). وَوَقَعَ للبخاريِّ، عن مالكٍ /226 ب/ وابنِ فُلانٍ (¬8)، ومثلُ ذلكَ للنسائيِّ كثيرٌ (¬9). وعن شَيخِنا: أنَّ وقوعَ مثلَ ذلكَ لمسلمٍ قليلٌ (¬10). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬2) الكفاية: 378. (¬3) الكفاية: 377 - 378. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 342 - 343. (¬5) بفتح اللام وكسر الهاء. التقريب (3563). (¬6) بفتح أوله، وسكون التحتانية، وفتح الواو. التقريب (1600). (¬7) سنن النسائي 1/ 148، وفيها: ((عن عمرو بن الحارث وذكر آخر)). (¬8) صحيح البخاري 3/ 197 (2559)، وفيه: ((قال: حدثني مالك بن أنس، قال: وأخبرني ابن فلان)). (¬9) انظر: تهذيب الكمال 4/ 255 - 256 ترجمة عبد الله بن لهيعة. (¬10) لم أجد شيئاً من هذا القليل عند الإمام مسلم، وكان شيخنا العلامة الشيخ عبد الله السعد - رعاه الله - يذكر من دقة الإمام مسلم أنه يسمي الراوي الضعيف الوارد بالإسناد إذا لم يكن مقصوداً بالرواية؛ إذا كانت الرواية عمن هو مقرون به كما حصل في حديث 2/ 110 (624) (197) فقال: ((وقال المرادي: حدثنا ابن وهب عن ابن لهيعة وعمرو بن الحارث، في هذا الحديث)) فالإمام مسلم -رحمه الله -لم يبهم ابن لهيعة كما صنع البخاري والنسائي؛ لأن الرواية ثابتة عنده =

قولهُ: (وحملُ لفظِ) (¬1) هوَ فعلٌ ماضٍ مَبنيٌ للمجهولِ، أي: وأَدرَجَ لفظَ أَحدِهما على لفظِ الآخرِ. قولهُ: (إنّهُ لا يَمتنعُ) (¬2) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ - بعد ذكرِ الصورتينِ في الثقتينِ والثقةِ والمجروحِ -: ((ثُمَّ لا يَمتنعُ ذلكَ في الصورتينِ امتناعَ تحريمٍ (¬3)؛ لأنَّ الظاهرَ اتّفاقُ الروايتينِ وما ذُكِرَ مِنَ الاحتمالِ - أي: من أنَّ فيهِ عنِ المجروحِ شيئاً لم يذكرْهُ الثقةُ - نادرٌ بعيدٌ، فإنّهُ مِنَ الإدراجِ الذي لا يجوزُ تَعمّدُهُ، كَمَا سَبَقَ في نوعِ المدرجِ)) (¬4). قوله: عَن الخطيبِ: (وَهذا القولُ - أي: قولُ مُسلمٍ - لا فائدةَ فِيهِ) (¬5) الظاهرُ أنَّ معناهُ مَعنَى ما تقدَّمَهُ، من أنَّ إسقاطَ المجروحِ لا يحسُنُ فإنَّه إذا انتفى ¬

_ = من حديث غيره، وهو مقرون بعمرو بن الحارث الثقة؛ لذا كان كلام المزي دقيقاً حينما قال في تهذيب الكمال 4/ 255: ((روى له مسلم مقروناً بعمرو بن الحارث)). (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14 - 15، وهو من كلام ابن الصلاح الآتي. (¬3) قال الخطيب في "الكفاية": 378: ((ولا يستحب للطالب أن يسقط المجروح ويجعل الحديث عن الثقة وحده خوفاً من أن يكون في حديث المجروح ما ليس في حديث الثقة، وربما كان الراوي قد أدخل أحد اللفظين في الآخر، أو حمل عليه)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 343. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 15، وكلام الخطيب في " الكفاية ": 378، وقد تعقبه الزركشي في " نكته " 3/ 634، فقال: ((بل له فائدة وهو الإعلام بأنه رواه عن رجلين، وأن المذكور لم ينفرد، وفيه تتبع الطرق)). وذكر السخاوي فائدتين، فقال في "فتح المغيث" 2/ 270: ((ولهذا الصنيع حينئذ فائدتان، وهما الإشعار بضعف المبهم، وكونه ليس من شرط وكثرة الطرق التي يرجّح بها عند المعارضة)). وانظر: محاسن الاصطلاح: 202.

مُطلقُ الفائدةِ، انتفى الحسنُ؛ وذلك لأجلِ ما ذُكِرَ من الاحتمالِ، وإنْ كانَ نادراً كما ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ، واللهُ أعلمُ. 681 - وَإِنْ يَكُنْ عَنْ كُلِّ رَاوٍ قِطْعَهْ ... أَجِزْ بِلاَ مَيْزٍ بِخَلْطِ جَمْعَهْ 682 - مَعَ الْبَيَانِ كَحَدِيْثِ الإِفْكِ ... وَجَرْحُ بَعْضٍ مُقْتَضٍ لِلتَّرْكِ 683 - وَحَذْفَ وَاحِدٍ مِنَ الإِسْنَادِ ... فِي الصُّوْرَتَيْنِ امْنَعْ لِلاِزْدِيَادِ قولهُ في قولهِ: (وإنْ يَكُن) (¬1) (للازديادِ) (¬2)، أي: لأنَّ ذلكَ الصنيعَ يُوجبُ أنْ يصيرَ بعضُ الرواةِ كأنَّهُ ازدادَ من حديثِ غيرهِ على حديثهِ ما ليسَ منهُ فتكونَ نسبتُهُ إليهِ نسبةً كاذبةً. قولهُ: (لحديثِ بعضهِم) (¬3) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وكلٌّ (¬4) حَدَّثَني طائفةً مِنْ حَديثِها، قالوا: قَالتْ ... الحديثَ)) (¬5). انتهى. هذا قاضٍ بأنَّ نسبةَ الحديثِ إليهم كُلِّهم على حد سواء، وهوَ في أكثرِ الرواياتِ كذلكَ. لكنّهُ في تفسيرِ سورةِ النُّورِ ساقَهُ سياقةً تقتضي أنَّه كُلَّهُ عن عروةَ، عَنها رَضِيَ اللهُ عَنها. فيجوز أنْ يسندَ ما وَافقَ ذلكَ من تلكَ الطُّرقِ إلى عروةَ وَحدَهُ لكن بعدَ تحريرِ لفظهِ في سورةِ النُّورِ (¬6) وضبطهِ، فإنَّه قالَ: حدَّثنَا يَحيَى بنُ بكيرٍ، قالَ: حدَّثنا ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (681). (¬2) التبصرة والتذكرة (683). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 16، وهو من كلام الزهري. (¬4) في " المعرفة ": ((وكلهم)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 343. (¬6) صحيح البخاري 6/ 127 (4750). وانظر: فتح الباري 8/ 579. وأخرجه بهذا السند: عبد الرزاق (9748)، وأحمد 6/ 194 و197، والبخاري 3/ 219 =

الليثُ، عن يونسَ، عن ابن شهابٍ، قالَ: أخبرَنَي عروةُ بنُ الزُّبيرِ وسعيدُ ابنُ المسيبِ وعلقمةُ بنُ وقَّاصٍ الليثيُّ وعُبيدُ اللهِ بنُ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ، عن حديثِ عائشةَ زوجِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - حينَ قالَ لها أهلُ الإفكِ (¬1) ما قالوا، فَبرَّأها اللهُ مما قالوا، وكلٌ حَدَّثَني طائفةً من الحديثِ، وبعضُ حديثِهم يصدّقُ بعضاً وإنْ كانَ بعضُهُم أوعَى لهُ من بعض، الذي حَدَّثَني عروةُ، عن عائشةَ زوجِ النبيِّ / 227 أ / - صلى الله عليه وسلم - قالَتْ: كانَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - إذا أرادَ أن يخرجَ أقرَعَ بينَ أزواجهِ رَضِيَ اللهُ عنهن فَذَكَرَ الحديثَ ... إلخ مطولاً جداً. وَصنيعُهُ في هذه الروايةِ على ما تَقدَّمَ من الأحسنِ الراجحِ في اختلافِ ألفاظِ الشّيوخِ. قولهُ: (في الصورتينِ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وغيرُ جائزٍ لأحدٍ بَعدَ اختلاطِ ذلكَ، أنْ يُسْقِطَ ذِكْرَ أحدِ الراويينِ)) (¬3). ¬

_ = (2637) و3/ 227 (2661) و4/ 40 (2879) و5/ 110 (4025) و5/ 148 (4141) و6/ 95 (4690) و8/ 168 (6662) و8/ 172 (6679) و9/ 139 (7369) و9/ 176 (7500) و9/ 193 (7545) وفي "خلق أفعال العباد"، له (35)، ومسلم 8/ 112 (2770) (56)، وأبو داود (4735)، والنسائي في "الكبرى" كما في "تحفة الأشراف" 11/ (16126) و (16129)، وأبو يعلى (4927)، وابن حبان (4212) و (7099)، والطبراني في " الكبير " 23/ (134) و (135) و (139) و (140) و (141) و (142) و (143) و (144) و (145) و (146)، والبيهقي 7/ 302. (¬1) الإفك: هو الكذب، وأراد به هاهنا ما كذب عليها مما رميت به. النهاية 1/ 56. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 16. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 343.

قالَ الشّيخُ في " النكتِ ": ((وقدِ اعتُرِضَ عليهِ بأنَّ البخاريَّ أسقَطَ ذِكرَ أحدِ شَيخيهِ أو شيوخهِ في مثلِ هذه الصورةِ واقتصَرَ على ذِكرِ شيخٍ واحدٍ، فقالَ في كتابِ الرقاقِ من " صَحيحهِ " (¬1) في بابِ كيفَ كانَ عَيشُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابهِ وتخلِّيهم عن (¬2) الدُّنيا: حَدَّثَني أبو نُعيمٍ بنصفٍ من هذا الحديثِ، قالَ: حدَّثَنا عُمرُ ابنُ ذَرٍ، قالَ: حدّثنا مُجاهدٌ: أنَّ أبا هريرةَ - رضي الله عنه - كانَ يقولُ: ((آللهُ الذي لا إلهَ إلا هوَ إنْ كنتُ لأعتمدُ بكبدِي على الأرضِ مِنَ الجوعِ ... )) الحديث. انتهى. والجوابُ أنَّ الممتنعَ إنما هو إسقاطُ بعضِ شيوخهِ، وإيرادُ جميعِ الحديثِ عن بعضِهم؛ لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ قد حَدّثَ عن بعضِ (¬3) المذكورينَ (¬4) ببعضِ ما لم يسمعهُ منهُ، فأمّا إذا بَيَّنَ أنّه لم يسمعْ منهُ إلاّ بعضَ الحديثِ كما فَعَلَ البخاريُّ هنا فليسَ بممتنعٍ. وقد بَيَّنَ البُخاريُّ في موضعٍ آخرَ من " صَحيحهِ " القدرَ الذي سمعَهُ من أبي نُعيمٍ من هذا الحديثِ أو بعضِ ما سَمعَهُ منهُ فقالَ في كتابِ الاستئذانِ (¬5): ((حَدَّثنا أبو نُعيمٍ، قالَ: حدّثنا عُمرُ بنُ ذرٍ، (ح) وَحَدَّثَنا مُحمدُ بنُ مُقاتلٍ، قالَ: أخبَرَنا عبدُ اللهِ - قالَ شَيخُنا في " شرحِ البخاريِّ " (¬6): ((هو ابنُ المُبارَكِ)) - (¬7)، قالَ: أخبرَنا عمرُ بنُ ذرٍ، قالَ: أخبرنا مجاهدٌ، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: دخلتُ مع النبيِّ (¬8) - صلى الله عليه وسلم - فَوجدَ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 8/ 119 (6452). (¬2) في المطبوع من " التقييد ": ((من)). (¬3) ليست في " التقييد ". (¬4) في " التقييد ": ((المذكور)). (¬5) 8/ 67 (6246). (¬6) فتح الباري 11/ 342. (¬7) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬8) في "التقييد"، و"الصحيح": ((رسول الله)).

لَبناً في قدحٍ، فقالَ: أبا هرٍ الحقْ أهلَ الصُّفّةِ (¬1) فادعُهُم إليَّ (¬2)، فَأتيتُهم فَدعوتُهم، فَأقبلُوا فَاستأذنُوا فَأَذِنَ لهم فَدخلوا)). انتهى. فهذا هوَ بعضُ حديثِ أبي نُعيمٍ الذي ذَكرَهُ في الرقاقِ، وأمَّا بقيةُ الحديثِ فيحتملُ أنَّ البخاريَّ أخذَهُ من كتابِ أبي نعيمٍ وِجادةً، أو إجازةً لهُ، أو (¬3) سَمعَهُ من شيخٍ آخرَ غيرِ أبي نُعيمٍ. أمَّا مُحمدُ بنُ مُقاتلٍ الذي رَوَى عنهُ في الاستئذانِ / 227 ب / بعضَهُ أو غيرهُ، ولم يُبيّنْ ذلكَ، بل اقتصَرَ على اتصالِ بعضِ الحديثِ من غيرِ بيانٍ؛ ولكنْ ما مِن قِطعةٍ منهُ إلا وهي مُحتمِلةٌ لأنَّها غيرُ متصلةِ السَّماعِ، إلا القِطعة التي صَرَّحَ البُخاريُّ في الاستئذانِ باتّصالِها، واللهُ أعلمُ)). انتهَى كلامُ الشَّيخِ (¬4). وَسبقَهُ إليهِ شَيخُهُ مُغْلَطاي وهوَ حسنٌ إلا أنَّ لفظَ البخاريِّ: ((حَدَّثَنا أبو نُعيمٍ بنحو من نصفِ هذا الحديثِ)). وقد اعترضَ على مُغْلَطاي فيه الكرمانيُّ (¬5) بأنّه ليسَ نِصفَ الحديثِ الذي في الرقاقِ ولا ثُلُثَهُ ولا رُبعَهُ مع أنَّ المحذورَ وهوَ خلوُّ البعضِ عن إسنادٍ لازمٍ كما كانَ. قالَ: ((نَعَم، أفادَ تقريرهُ أنَّ بعضَهُ مكرَّرُ الإسنادِ والكلام فيهِ)). قالَ شَيخُنا في " شرحهِ " (¬6): ((وفيه نَظَرٌ من وجهينِ آخرينِ: ¬

_ (¬1) هم فقراء المهاجرين، ومن لم يكن له منهم منزل يسكنه فكانوا يأوون إلى موضع مظلل في مسجد المدينة يسكنونه. النهاية 3/ 37. (¬2) بعد هذا في "التقييد"، و"الصحيح": ((قال)). (¬3) ((أو)) لم ترد في "التقييد". (¬4) التقييد والإيضاح: 242. (¬5) نقله ابن حجر في " فتح الباري "11/ 342. (¬6) فتح الباري 11/ 342.

أَحَدُهما: احتمالُ أنْ يكونَ هذا السياقُ لابنِ المُبارَكِ فإنَّهُ لا يتعينُ كونه لفظَ أبي نُعيمٍ. ثانيهُما: أنَّهُ مُنتزَعٌ من أثناءِ الحديثِ فإنَّهُ ليسَ فيه القصةُ الأولى المتعلقةُ بأبي هريرةَ ولا ما في آخرهِ من حصولِ البركةِ في اللبنِ إلى آخرهِ، نَعَم، المحررُ قولُ شَيخِنا في " النّكتِ على ابنِ الصّلاحِ " ما نصُّهُ: ((القدرُ المذكورُ في الاستئذانِ بعضُ الحديثِ المذكورِ في الرقاقِ)) (¬1). قلتُ: فهوَ مما حَدّثَهُ به أبو نُعيمٍ سواءٌ كانَ بلفظهِ أم بمعناهُ)). انتهى. وفيه نظرٌ؛ لأن غايةَ ما فيهِ إذا كانَ السّياقُ لابنِ المُباركِ احتمال أنْ يكونَ فيهِ مما سَمعهُ البخاريُّ من أبي نُعيمٍ، وفيه مما لم يسمعْهُ منهُ، وأمّا أن يكونَ فيهِ شيءٌ ليسَ من حديثهِ فلا، كما أقرَّ به شَيخُنا، ولم يخرجْ عن لفظِ حديثِ أبي نُعيمٍ ولا معناهُ. وغايتهُ أنّه لفقَ ما سَاقَهُ منه فاقتصرَ على بعضهِ وتركَ بعضَهُ فينتقلُ حينئذٍ إلى نظرٍ آخرَ وهوَ أن يكونَ البخاريُّ ممن يَرى إطلاقَ ((حَدَّثنا)) في الإجازةِ، هذا ما في الوجهِ الأوّلِ. وأمّا الوجهُ الآخرُ فلمْ يفدْ شيئاً زائداً على أنّ الذي في الاستئذانِ بعضُ الذي في الرقاقِ، سوى أنّهُ من أثنائهِ، ولا محذورَ في هذا غيرُ ما ذُكِرَ في الوجهِ الأولِ، وليسَ هوَ خارجاً عن كلامِ البخاريِّ، فإنّهُ لم يُعيِّنِ النصفَ في الأولِ ولا في الآخرِ / 228 أ / فيحتملَ أنْ يكونَ من الأثناءِ، واللهُ أعلمُ. وأجابَ الكرمانيُّ (¬2): بأنّ النصفَ الذي لم يسمعْهُ من أبي نُعيمٍ ذُكرَ في كتابِ الأطعمةِ من طريقِ يوسفَ بنِ عيِسى المروزيِّ، وهو قريبٌ من نصفِ ¬

_ (¬1) انظر: التقييد والإيضاح: 242 باختصار شديد. (¬2) الكواكب الدراري 22/ 216.

الحديثِ - وقالَ -: ((فلعلَّ البخاريَّ أرادَ بالنصفِ المذكورِ لأبي نعيمٍ ما لم يذكرْهُ ثَمةَ فيصيرَ الكُلُّ مُسنداً بعضُه بطريقِ يوسفَ والبعضُ الآخرُ بطريقِ أبي نعيمٍ، واللهُ أعلمُ)). انتهى. والذي ذَكَرَ أنّهُ في الأطعمةِ قول البخاريِّ (¬1): حدَّثنا يوسفُ بنُ عِيسَى، قالَ: حَدَّثنا مُحمدُ بنُ فُضيلِ، عن أبيهِ، عن أبي حازم، عن أبي هريرةَ - رضي الله عنه - قالَ: ((ما شَبعَ آلُ محمدٍ - صلى الله عليه وسلم - من طعامٍ ثلاثةَ أيام حتى قُبِضَ)). وعن أبي حازمٍ (¬2)، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قالَ: ((أصابَني جَهْدٌ شديدٌ فلقيتُ عُمرَ بنَ الخطابِ - رضي الله عنه - فاستقرأتُهُ آيةً من كتابِ اللهِ، فدخلَ دارَهُ وفتحَها عليَّ، فمشيتُ غيرَ بعيدٍ فخررتُ لوجهي من الجَهْدِ فإذا رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قائمٌ على رأسي فقالَ: يا أبا هرٍّ. قلتُ: لبيكَ رسولَ اللهِ وسعديكَ، فأخذَ بيدي فأقامني وعرفَ الذي بي، فانطلقَ بي إلى رحلهِ فأمرَ لي بِعُسٍّ (¬3) من لبنٍ فشربتُ منهُ، ثم قالَ: [عُدْ] (¬4) يا أبا هرّ [فَعُدْتُ] (¬5) فشربتُ ثمَّ قالَ: عُد فعدتُ فشربتُ حتى استوى بَطني فصار كالقِدْح (¬6). قالَ: فلقيتُ عُمرَ - رضي الله عنه - وذكرتُ لهُ الذي كانَ من أمري، وقلتُ له: فَولَّى الله ذلكَ من كانَ أحقَّ به منك يا عمرُ، واللهِ لقد استقرأتُكَ الآيةَ ولأنا أقرأُ لها منكَ. قالَ عمرُ: والله لأن أكون أدخلتُك أحبَّ إليَّ ¬

_ (¬1) صحيح البخاري 7/ 87 (5374). (¬2) صحيح البخاري 7/ 87 (5375). (¬3) العُس: بضم العين المهملة القدح الكبير. انظر: النهاية 3/ 236، وفتح الباري 9/ 644. (¬4) ما بين المعكوفتين من " صحيح البخاري ". (¬5) ما بين المعكوفتين من " صحيح البخاري ". (¬6) بكسر القاف وسكون الدال بعدها حاء مهملة هو السهم الذي لا ريش له. فتح الباري 9/ 644.

من أن يكونَ لي مثل حُمرِ النَّعم)) هذا الذي في الأطعمةِ، وإرادة البخاريِّ لهُ بالنصفِ الذي فاتهُ من أبي نُعيم من الحديثِ الذي ذكرهُ في الرقاقِ في غايةِ البعدِ؛ لأنّهُ مغايرٌ لحديثِ أبي نُعيمٍ في السندِ واللفظِ والمعنَى (¬1). أمَّا السَّندُ: فليسَ دونَ أبي هريرةَ أحدٌ من سَندِ حديثِ الرقاقِ لا أبو نعيمٍ ولا من فَوقهُ. وأمَّا اللفظُ والمعنى: فإنَّهُ ليسَ فيهِ شيءٌ بلفظ من ذلكَ الحديثِ على سياقِهِ ولا بمعناهُ المساوي لألفاظهِ ليكونَ منَ الروايةِ بالمعنى عندَ من أجازَهَا؛ لأنَّ لفظَ الذي عينه /228ب/ بالإشارةِ في الرقاقِ: ((آللهُ الذي لا إله إلا هوَ، إن كُنتُ لأعتمدُ بكبدي على الأرضِ من الجوعِ، وإنْ كنتُ لأشدُّ الحجرَ على بطني من الجوعِ، ولقد قعدتُ يوماً على طريقهم الذي يخرجونَ منهُ، فمرّ أبو بَكرٍ - رضي الله عنه - فسألتُهُ عن آيةٍ من كتابِ اللهِ ما سألتُهُ إلا ليُشبِعَني فمرَّ فلم يفعلْ، ثم مرَّ بي عُمرُ - رضي الله عنه - فسألتهُ عن آيةٍ من كتابِ اللهِ، ما سألتُهُ إلا ليشبِعَني فمرَّ فلم يفعلْ، ثمَّ مرَّ بي أبو القاسمِ - صلى الله عليه وسلم - فتبسمَ حينَ رآني وعَرفَ ما في نفسي وما في وَجهي، ثمَّ قالَ: أبا هرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: الحقْ، ومضى. فاتبعتهُ فدخلَ فاستأذنَ فَأَذِنَ لي، فدخَلَ فوجدَ لبناً في قدحٍ فقالَ: من أينَ هذا اللبنُ؟ قالوا: أهداهُ لكَ فلانٌ (أو فُلانة (قالَ: أبا هِرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: الحقَ إلى أهلِ الصُّفَّةِ فادعُهم لي. قالَ: وأهل الصُّفَّة أضيافُ الإسلامِ، لا يأوونَ على أهلٍ ولا مالٍ ولا عَلَى أحدٍ، إذا أتتْهُ صدقةٌ بَعثَ بها إليهم ولم يتناولْ منها شَيئاً، وإذا أتتْهُ هَديةٌ أرسلَ إليهم وأصابَ منها وأشركَهُم فيها، فساءَني ذلكَ، فقلتُ: وما هذا اللبنُ في أهلِ الصُّفَّةِ؟ كنتُ أحقَّ أن أصيبَ من هذا اللبنِ شربةً أتقوَّى بها، فإذا جاءَ أمرني فكنتُ أنا أعطِيهِم، ومَا عسى أن يَبلُغَني من هذا اللبنِ، ولم يكنْ من طاعةِ اللهِ وطاعةِ رسولهِ بُدٌّ، فأتيتُهم ¬

_ (¬1) وسبقه إلى هذا المعنى شيخه ابن حجر في " فتح الباري " 11/ 342.

فدعوتُهم، فأقبلوا فاستأذنوا فَأَذِنَ لهم وأخذوا مجالِسَهُم من البيتِ. قالَ: يا أبا هرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: خذ فاعطهم، فأخذتُ القدحَ فجعلتُ أعطيهِ الرجلَ فيشربُ حتى يَروَى، ثم يردُّ عليَّ القدَحَ فأعطيهِ الرجلَ فيشربُ حتى يَروَى، ثم يرد عليَّ القدَحَ حتى انتهيتُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وقد رَوَى القومُ كُلّهم، فأخذَ القدَحَ فوضعَهُ على يدِهِ، فنظرَ إليَّ فتبسمَ فقالَ: أبا هِرٍّ، قلتُ: لبيكَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: بقيتُ أنا وأنتَ، قلتُ: صدقتَ يا رسولَ اللهِ، قالَ: اقعدْ فاشربْ، فقعدتُ فشربتُ، فقالَ: اشربْ، فشربتُ فما زال يقولُ: اشربْ، حتى قلتُ: لا والذي بعثكَ بالحقِّ، لا أجدُ لهُ / 229 أ / مسلكاً. قالَ: فأرني، فأعطيتهُ القدَحَ، فحمدَ اللهَ وسَمَّى وشربَ الفضلَةَ)) هذا آخرُ الحديثِ. وإذ قد عرفتَ لفظَهُ عرفتَ أمرينِ: أحدهما: أنَّ الذي في الأطعمةِ ليسَ بلفظِ نحو نصفهِ ولا بمعناهُ المساوِي لألفاظهِ، فانتفى أنْ يكونَ شيءٌ منهُ متصلاً بسندِ ما ذكرَهُ في الأطعمةِ. ثانيهما: أنَّ الذي ذُكِرَ في الاستئذانِ نحو نصفهِ من جهةِ المعنى لا من جهةِ اللفظِ؛ لأنَّ معناهُ ما كانَ حصلَ لأبي هريرة - رضي الله عنه - من الجهدِ بالجوعِ، ثم ما حَصَلَ لهُ بواسطةِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من البركةِ والشبعِ، وهوَ مُوَفٍّ بقريبٍ منَ النصفِ الثاني، مع أنّهُ لم يخرجْ عن لفظهِ، ومن هذا تعلمُ أنَّ تكررَ إسنادهِ لا كلامَ فيهِ، وأمّا كونُ النصفِ الآخرِ غيرَ متّصلٍ بالسماعِ فصحيحٌ، ويحتملُ كما قالَ الشَّيخُ: أنْ يكونَ البخاريُّ حَمَلَهُ عن أبي نعيمٍ إجازةً وَوجادةً، وجوَّزَ شيخُنا (¬1) مع ذلكَ أنْ يكونَ سَمعَ بقيةَ الحديثِ من شيخٍ سمعهُ من أبي نُعيمٍ، وقالَ إنّهُ أوردَهُ في كتابهِ " تَغليقِ التَّعليقِ " (¬2) ¬

_ (¬1) انظر: فتح الباري 11/ 342. (¬2) 5/ 169 (6452)، وقال ابن حجر عقبه: ((هذا الحديث ليس من شرطنا؛ وإنما أوردته لأن النصف الذي لم يسمعه البخاري من أبي نعيم شبه المعلق)).

من طريقِ عليِّ بنِ عبدِ العزيزِ، عن أبي نعيم تاماً، قالَ: ومن طريقهِ أخرجَهُ أبو نعيمٍ في " المستخرجِ " (¬1)، والبيهقيُّ في " الدلائلِ " (¬2)، وأخرجَهُ النسائيُّ في " السننِ الكُبرَى " (¬3) عن أحمدَ بنِ يَحيَى الصوفيِّ، وعن أبي نُعيمٍ بتمامهِ، واللهُ أعلمُ. ¬

_ (¬1) لم أقف عليه في " المسند المستخرج "، وهو في " حلية الأولياء " 1/ 338 - 339. (¬2) دلائل النبوة 6/ 101. وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 515، وهناد في " الزهد " (764)، والترمذي (2477)، والفريابي في " دلائل النبوة " (16)، وابن حبان (6535)، وأبو الشيخ في " أخلاق النبي - صلى الله عليه وسلم - ": 77 - 78، والحاكم 3/ 15 - 16، والبغوي (3321). (¬3) في " الرقاق " كما في " تحفة الأشراف " 10/ (14344).

آداب المحدث

آدابُ المحدّثِ قوله: (آدابُ المحدِّثِ) (¬1) قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((مضَى طَرفٌ منها اقتضتْهُ الأنواعُ التي قَبلَهُ. علمُ الحديثِ علمٌ شَريفٌ، يناسِبُ مكارِمَ الأخلاقِ، وَمحَاسِنَ الشِّيَمِ (¬2)، وَينافرُ مساوىءَ (¬3) الأخلاقِ، وَمشَايِنَ الشّيمِ، وهوَ مِنْ عُلومِ الآخرةِ، لا مِنْ عُلومِ الدنيا)) (¬4). (¬5) انتهى. وقدِّم بحثَ المحدّث على بحثِ الطالبِ؛ لتقدُّمِهِ في المرتبةِ والوجودِ. قولُهُ: (وَاحْرِصْ) (¬6) من جملةِ أفرادِ الحرصِ على النشرِ أن يكونَ للهِ، فإذا كانَ كذلكَ كانَ من جملةِ أفرادِ تَصحيحِ النيةِ. قوله: (ثمَّ تَوضَّأ) (¬7)، ((ثُمَّ)) لترتيبِ الكمالِ، أي: الأَكمَل أن يكونَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 16. (¬2) تعقبه الزركشي على قوله: ((محاسن الشيم ... ومشاين الشيم))، فقالَ في " نكته " 3/ 636: ((هذه مقالة معنوية، وإلا فالذي يقابل الشين الزين لا المحاسن، قالَ في "الصحاح": الشين خلاف الزين، يقالَ: شانة يشينه، والمشاين: المعايب والمقابح. انتهى. وقد كرر الشيم ثلاث مرات، مرتين باللفظ، ومرة بالمعنى، وهو الأخلاق؛ لكن قيل: الشيم: الطبائع)). وانظر: الصحاح مادة (شيم). (¬3) قالَ الزركشي في " نكته " 3/ 637: ((قالَ صاحب " تثقيف اللسان ": يقولون: ظهرت مساويه، والصواب: مساوئه بالهمز، وقد استدرك أبو إسحاق الأجدابي عليه، قالَ: الأصل الهمز كما ذكرته، وترك الهمزة جائز على لغة من يقول في الخاطئين: الخاطين، وهي لغة معروفة)). (¬4) قالَ الزركشي في " نكته " 3/ 637: ((مراده أنه عبادة لذاته لا صناعة)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 344. (¬6) التبصرة والتذكرة (684). (¬7) التبصرة والتذكرة (685).

الوضوءُ لأجلِ التّحديثِ (¬1)، ولا يكونَ لأجلهِ على جهةِ الكمالِ، إلاّ بعدَ تصحيحِ النيةِ. قولُهُ: (عَلَى الحديْثِ) (¬2) عَبَّرَ بها؛ لأنَّ مَن رَفَعَ صوتَهُ في حَالِ قراءَةِ الحديثِ فقد استعلَى عليهِ (¬3). قولُهُ: (أوْ إنْ تَقُمْ) (¬4) / 229 ب / معناهُ: لا تُحدِّثْ إن كنتَ في حالِ العَجَلةِ، أو إن كنتَ قائماً، أي: لا تُحدِّثْ في واحدةٍ من هاتينِ الحالتينِ. قولُهُ: (مَنْ تصدَّى) (¬5) عِبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((مَنْ أرادَ التصدِّيَ لإسْمَاعِ الحديثِ)) (¬6). وهيَ أشملُ من عِبارةِ الشّيخِ، فإنَّ التصديَ إرادةٌ مَعَ نوعِ غرضٍ ودعاءٍ، فعبارةُ الشيخِ أحسنُ؛ لأنَّ تقدُّمَ النيةِ على التصدي، لا على إرادتهِ. ¬

_ (¬1) روى الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 585، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 6/ 318، والخطيب في " جامعه " 2/ 2 (913) عن منصور أبي سلمة الخزاعي قالَ: ((كانَ مالك بن أنس إذا أراد أن يخرج يحدّث، توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ولبس قلنسوة، ومشط لحيته، فقيل له في ذلك، فقالَ: أُوقِّرُ حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)). (¬2) التبصرة والتذكرة (686). (¬3) روى الخطيب بسنده في " الجامع ": 223 (971) عن معن بن عيسى القَزَّاز أنه قالَ: ((كانَ مالك بن أنس، إذا أراد أن يجلس للحديث، اغتسل وتبخّر وتطيب، فإن رفع أحد صوته في مجلسه زَبَرَهُ، وقالَ: قالَ الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيّ} فمن رفع صوته عند حديث رسول الله، فكأنَما رفع صوته فوق صوت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)). (¬4) التبصرة والتذكرة (687). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 344.

قولُهُ: (وإخلاصَها) (¬1) قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَليُطهّرْ قلبَهُ مِنَ الأغراضِ الدُّنيويَّةِ وأدنَاسها، وَليَحذرْ بَلِيَّةَ حُبِّ الرِّيَاسَةِ ورُعُوناتها)) (¬2). انتهى. وقالَ العلامةُ شهابُ الدّينِ الأندَرَشيُّ (¬3) في " عمدتهِ ": ((إخلاصُ النيةِ، وتطهيرُ القلبِ من الأغراضِ التي لا يُرادُ بها وجهُ اللهِ، كرئاسةٍ، وتحصيلِ مالٍ، ونحوِهما)). قالَ الثوريُّ: ((كانَ الرجلُ إذا أرادَ طَلَبَ الحديثِ، تعبَّدَ قبلَ ذلكَ عِشرينَ سنةً)) (¬4). انتهى. قولُهُ: (فإنَّمَا الأعمالُ بالنِّيَّاتِ) (¬5)، أي: لحديثِ عُمرَ - رضي الله عنه - المتفقِ عليهِ (¬6)، وهوُ مجمعٌ على جلالتِهِ، وأنّهُ أحدُ قواعدِ الدِّينِ. ونَقَلَ الشَّيخُ مُحيي الدينِ في مقدمةِ " شرحِ المهذّبِ " (¬7) ويأتي في آدابِ المتعلِّمِ ما يتّصلُ بهِ. وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬8): ((العمدةُ العُظمَى في كلِّ عبادةٍ تصحيحُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 344. (¬3) هو أحمد بن سعد بن عبد الله العسكري الأندرشي النحوي، شرح التسهيل ونسخ بخطّه تهذيب الكمال، ثم اختصره مع المعرفة لابن الصلاح، وتحفة الأشراف وسمّى كتابه المختصر بـ " العمدة "، توفي سنة (750 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 1/ 135، وشذرات الذهب 6/ 166، وكشف الظنون 2/ 1510. (¬4) حلية الأولياء 6/ 361، وانظر: جواهر الأصول في علم حديث الرسول: 125. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. (¬6) سبق تخريجه. (¬7) المجموع شرح المهذب 1/ 46 - 47، ونقل عن الشافعي قوله: ((يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه، وقالَ أيضاً: هو ثلث العلم ... وهو أحد الأحاديث التي عليها مدار الإسلام)). (¬8) الاقتراح: 244.

النيةِ، ومن أحسنِ ما يُقصدُ في هذا العلمِ شيئانِ: أحدُهما: التعبُّدُ بكثرةِ الصلاةِ على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، كُلَّما تكرَّرَ ذكرُهُ، ويحتاجُ أنْ (¬1) يكونَ مقصوداً عندَ اللفظِ بهِ، ولا يخرجَ على وجهِ العادةِ. والثاني: قَصدُ الانتفاعِ والنفعِ للعبدِ. قالَ ابنُ المبارَكِ (¬2): - وقد استُكثِرَ كثرةُ الكتابةِ منهُ -: ((لَعلَّ الكلمةَ التي فيها نَجاتي، لم أَسمعْها إلى الآنَ)) ... )). انتهى. وفي جزءِ أبي الحُسينِ مُحمّدِ بنِ عليِّ بنِ محمدِ بنِ مخلدٍ الورَّاقِ، سمعتُ أبا بكر بنَ مُجاهدٍ، يقولُ: قالَ ابنُ مُنَاذِر لأبي عمرو بنِ العلاءِ: ((إلى متى يحسنُ بالرجلِ أن يتعلّمَ؟ قالَ: ما حَسُنتْ به الحياةُ)) (¬3). قولهُ: (بالتبليغِ عنهُ) (¬4) قالَ الشّيخُ مُحيي الدِّينِ في مُقدّمةِ " شرحِ المهذبِ " (¬5): ((رَوَى الشّيخانِ: عن ابنِ مَسعودٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((لا حَسَدَ إلاّ في اثنتينِ: رجلٌ آتاه اللهُ مالاً فسلَّطَهُ على هلكتهِ في الحقِّ، ورجلٌ آتاهُ اللهُ الحكمةَ فهو يقضي بها ويُعلِّمُها)) (¬6). ¬

_ (¬1) في " الاقتراح ": ((ذلك أن)). (¬2) شرف أصحاب الحديث: 68. (¬3) أسنده ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 96. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. (¬5) المجموع شرح المهذب 1/ 51. (¬6) أخرجه: الحميدي (99)، وأحمد 1/ 385 و432، والبخاري 1/ 28 (73) و2/ 134 (1409) و9/ 78 (7141) و9/ 126 (7316)، ومسلم 2/ 201 (816) (268)، وابن ماجه (4208)، والنسائي في " الكبرى " (5840)، وابن حبان (90)، والطبراني في " الأوسط " (1733)، وأبو نعيم في " الحلية " 7/ 363، والبيهقي 10/ 88، والبغوي (138).

والمرادُ بالحَسَدِ: الغِبطةُ (¬1)، وهوَ أن يتمنىَّ مثلَهُ. وعَن / 230 أ / أبي هريرةَ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((مَن دَعَا إلى هُدىً، كانَ لهُ من الأجرِ مثل أُجورِ مَن تَبعَهُ لا ينقصُ من أُجورِهم شَيئاً)) (¬2). ورَوَى الترمذيُّ: - وقالَ: حسن - عَن أبي أمامةَ الباهليِّ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنّ اللهَ، وملائكتَهُ، وأهلَ السماواتِ والأرضِ، حتى النملةَ في جحرِها، وحتى الحوتَ، يُصلّونَ على مُعلِّمِي الناسِ الخيرَ)) (¬3). وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬4): ((ولا خَفاءَ بما في تبليغِ العلمِ من الأجورِ، لاسِيَّما بروايةِ الحديثِ (¬5) يدخلُ الرّاوي في دعوةِ النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حيثُ قالَ: ((نَضَّرَ اللهُ امرءاً سَمِعَ مَقالَتي فَوعَاها، ثُمَّ أدَاها (¬6) إلى مَن لم يَسمعْها)) (¬7). وقالَ الشيخُ (¬8): ((وعَن عليٍّ - رضي الله عنه - قالَ: كَفَى بالعلمِ شَرَفاً أن يدَّعيه مَن لا يحسنُهُ، ويفرحَ إذا نُسِبَ إليهِ، وكَفَى بالجهلِ ذمَّاً أن يتبرّأَ منهُ مَن هوَ فيهِ)) (¬9). ¬

_ (¬1) قالَ الأزهري: الغبط: ضرب من الحسد، وهو أخف منه. لسان العرب مادة (حسد). (¬2) أخرجه: أحمد 2/ 197، والدارمي (519)، ومسلم 8/ 62 (2674) (16)، وأبو داود (4609)، وابن ماجه (206)، والترمذي (2674)، وابن حبان (112)، والبغوي (109). (¬3) أخرجه: الترمذي (2685)، وقالَ: ((هذا حديث حسن صحيح غريب)). وأخرجه: الطبراني في " الكبير " (7911) و (7912)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 38. (¬4) الاقتراح: 245. (¬5) في (ف): ((برواية الحديث))، والمثبت من " الاقتراح ". (¬6) في " الاقتراح ": ((فأداها)). (¬7) تقدم تخريجه. (¬8) المجموع 1/ 53. (¬9) أخرجه بنفس اللفظ أبو نعيم في " الحلية " 9/ 146 من كلام الشافعي.

قالَ: ((وعَن وهب بنِ منبه، قالَ: يَتشعّبُ من العلمِ الشّرفُ، وإنْ كانَ صاحبُه دنيئاً، والعزُّ وإن كانَ مهيناً، والقربُ وإن كانَ قَصيَّاً، والغِنَى وإن كانَ فقيراً، والنُّبلُ وإن كانَ حقيراً، والمهابةُ وإن كانَ وضيعاً، والسّلامةُ وإن كانَ سَفيهاً)) (¬1). وقالَ الشّافعيُّ: ((طَلَبُ العلمِ أفضلُ من صلاةِ النّافلةِ)) (¬2). ¬

_ (¬1) ذكره المناوي في " فيض القدير " 1/ 542. (¬2) أخرجه: ابن أبي حاتم في " آداب الشافعي ": 97، وأبو نعيم في " الحلية " 9/ 119، والبيهقي في "المدخل": 310 (474)، والخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 113. ونقله عنه البغوي في "شرح السنة" 1/ 280، والنووي في " تهذيب الأسماء واللغات " 1/ 74، والمجموع 1/ 54 وقول الإمام الشافعي هذا ورد بنحوه من قول عبد الله بن الشخير فقد روى الحافظ أبو خثيمة زهير بن حرب النسائي عن جرير، عن الأعمش، قالَ: بلغني عن مطرف ابن عبد الله بن الشخير أنه قالَ: ((فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة، وخير دينكم الورع)). وقد روي هذا المعنى مرفوعاً ولا يصح وقد أخرجه الطبراني في " الكبير " (10969) وابن عدي في " الكامل " 4/ 534، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 23، والخطيب في " تأريخ بغداد " 4/ 436 و6/ 124 طبعة دار الغرب الإسلامي، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (77)، من حديث سوار بن مصعب عن ليث بن أبي سُليم، عن طاووس، عن ابن عباس مرفوعاً. وهذا إسناد تالف فإن سوار بن مصعب متروك الحديث وشيخه ليث ابن أبي سُليم ضعيف. وقد روي الحديث من حديث سعد بن أبي وقاص أخرجهُ الحاكم 1/ 92، والبيهقي في " المدخل " (454) وفي " الزهد الكبير " (817) وفي " الآداب "، له (1149) من طريق الأعمش، عن مصعب بن سعد، عن أبيه سعد، وهذا إسناد لا يصح؛ لانقطاعه؛ فإن الأعمش لم يسمع من مصعب بن سعد كما نصّ عليه أبو حاتم الرازي في " المراسيل ": 83. وأخرجه: الترمذي في " العلل " 2/ 860 ترتيب القاضي، والبزار (2969)، والطبراني في " الأوسط " (3960)، وابن عدي في " الكامل " 5/ 329 - 330، والحاكم 1/ 92 - 93، وأبو نعيم في " الحلية " =

وقالَ: ((مَن أرادَ الدُّنيا فعليهِ بالعلمِ، ومَن أرادَ الآخرةَ فعليهِ بالعلمِ)) (¬1). وقالَ: ((مَن لا يحبُّ العلمَ فلا خيرَ فيهِ، و [لا] (¬2) يكونُ بينكَ وبينهُ معرفةٌ ولا صداقةٌ)) (¬3). وقالَ: (([العلمُ] (¬4) مروءةُ مَن لا مروءةَ لهُ (¬5))). ¬

_ = 2/ 211 - 212. من حديث عبد الله بن عبد القدوس، عن الأعمش، عن مطرّف، عن حذيفة، به مرفوعاً. قالَ الترمذي: ((سألتُ محمداً عن هذا الحديث فلم يعد هذا الحديث محفوظاً ولم يعرف هذا عن حذيفة)). وقالَ البزار: ((هذا الكلام لا نعلمهُ يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلاّ من هذا الوجه، وإنما يُعرف هذا الكلام من كلام مطرّف ولا نعلم رواه عن الأعمش إلا عبد القدوس)). أخرجه: ابن عدي في "الكامل" 5/ 217، وابن الجوزي في " العلل المتناهية " 1/ 77 (78). وأخرجه الطبراني في " الأوسط " (6166)، والدارقطني 3/ 79، وأبو نعيم في " الحلية " 2/ 192 من طريق يزيد بن عياض، عن صفوان بن سليم، عن عطاء بن يسار، عن أبي هريرة، مرفوعاً بلفظ ((ما عبد الله بشيء أفضل من فقه بالدين ... )) وهذا سند ضعيف جداً لشدة ضعف يزيد بن عياض فهو متروك، وقالَ الطبراني: ((لم يروِ هذا الحديث عن صفوان بن سليم إلا يزيد بن عياض)). وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " (9264) وفي " الصغير "، له (1086)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1290) من حديث محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن الشعبي، عن ابن عمر بلفظ: ((أفضل العبادة الفقه، وأفضل الدين الورع)) وهذا سند ضعيف لضعف محمد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى قالَ الطبراني: ((لم يرو هذا الحديث عن الشعبي إلا ابن أبي ليلى)). وأخرجه: البيهقي في " شعب الإيمان " (1711) من حديث عيسى بن زياد الدورفي عن مسلمة بن قعنب عن نافع عن ابن عمر، به مرفوعاً بلفظ: ((ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين)) وقالَ البيهقي: ((روي هذا من وجه آخر ضعيف، والمحفوظ هذا اللفظ من قول الزهري)). (¬1) انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 74، والمجموع 1/ 54. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " تهذيب الأسماء واللغات " و" المجموع ". (¬3) انظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 74، والمجموع 1/ 54. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ". (¬5) المجموع 1/ 54.

وقالَ: ((إن لم يكنِ الفُقهاءُ العَامِلونَ أولياءَ اللهِ، فليسَ للهِ وليٌ)) (¬1). وقالَ: ((مَن تَعلَّمَ القرآنَ عظُمتْ قيمتُهُ، ومَن نَظرَ في الفقهِ نَبُلَ قدرهُ، ومن نَظَرَ في اللغةِ رَقَّ طبعُهُ، ومَن نَظرَ في الحسابِ جَزَلَ رأيهُ، ومن كتبَ الحديثَ قويتْ حجَّتهُ، ومن لم يَصُنْ نفسَهُ لم ينفعهُ علمهُ)) (¬2). وعَن سُفيانَ الثوريِّ، والشَّافعيِّ: ((ليسَ شيءٌ بعدَ الفرائضِ أفضلَ من طَلبِ العلمِ)) (¬3). قالَ الشيخُ (¬4): ((وعَن أبي ذَرٍّ، وأبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنهُما، قالا: بابٌ من العلمِ نتعلّمهُ أحبُ إلينا من ألفِ ركعةٍ تَطوّعاً، وبابٌ من العلمِ نُعلِّمه، عُمِلَ بهِ أو لم يُعملْ بهِ أحبُّ إلينا من مئةِ ركعةٍ /230 ب/ تطوّعاً، وقالا: سَمعنا رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يقولُ: ((إذا جاء الموتُ طالبَ العلمِ وهو على هذه الحالةِ مات وهوَ شهيدٌ)) (¬5). ¬

_ (¬1) المجموع 1/ 54. (¬2) انظر: المدخل: 324 (511)، والفقيه والمتفقه 1/ 26، والمجموع 1/ 54. (¬3) انظر: المدخل: 310 (475). (¬4) المجموع 1/ 55. (¬5) رواه الفسوي في " المعرفة والتاريخ " 3/ 499 - 500، والبزار في " كشف الأستار " (138)، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 1/ 16. وقالَ الهيثمي في " مجمع الزوائد "1/ 124: ((رواه البزار وفيه هلال بن عبد الرحمان الحنفي، وهو متروك))، وانظر: المجموع 1/ 55.

وعَن أبي هريرةَ - رضي الله عنه -: ((لأنْ أُعلِّمَ باباً من العلمِ في أمرٍ ونهي، أحبُّ إليَّ من سبعينَ غزوة في سبيلِ اللهِ)) (¬1). وعَن سَهل التسْتَرِيِّ: ((من أرادَ النّظرَ إلى محاسنِ الأنبياءِ، فَلينظُرْ إلى مجالسِ العُلماءِ، فاعرِفُوا لهم ذلكَ)) (¬2). قالَ الشّيخُ: ((وجاءَ عن جَماعاتٍ من السّلفِ، ممَّن لم أذكرهُ نحو ما ذكرتهُ، والحاصلُ أنّهم مُتّفقونَ على أنَّ الاشتغالَ بالعلمِ أفضلُ من الاشتغالِ بنوافلِ الصّومِ، والصلاةِ، والتّسبيحِ، ونحوِ ذلكَ)) (¬3). وذَكَرَ من أدلَّةِ ذلكَ: أنّ العلمَ الذي كلامُنا فيه فرضُ كفايةٍ. وقد قالَ إمامُ الحرَمَينِ في كتابهِ " الغَياثي " (¬4): إنّ فرضَ الكفايةِ أفضلُ من فرضِ العينِ، من حيثُ إنّ فاعلَهُ يَسدُّ مَسَدَّ الأمةِ، ويُسقِطُ الحَرَجَ عَنهُم [و] (¬5) فَرضُ العينِ قاصرٌ عليهِ)). وقالَ في " الروضةِ " (¬6): ((قلتُ: للقائمِ بفرضِ الكفايةِ مزيةٌ على القائمِ بفرضِ العينِ)). انتهى. وعَن سُفيانَ: ((ما ازدادَ عَبدٌ عِلماً فازدادَ في الدُّنيا رغبةً إلا ازدادَ من اللهِ بُعداً)). وإذا وَصلَ إلى محلِّ الدَّرسِ صَلَّى ركعتينِ، فإن كانَ مَسجداً تأكَّد الحثُّ على الصّلاةِ، ويقعدُ مُستقبِلَ القبلةِ على طهارةٍ مُتَربِّعاً إن شاءَ، ويَرتعُ مجلسَ الفضلاءِ منهم، ¬

_ (¬1) انظر: المجموع 1/ 56. (¬2) المصدر نفسه. (¬3) المصدر نفسه. (¬4) انظر: غياث الأمم: 237. (¬5) ما بين المعكوفتين زيادة يقتضيها السياق. (¬6) انظر: روضة الطالبين 7/ 427.

وأشرافِهم، ويصونُ يديهِ عن العَبثِ، وإذا سُئِلَ عما لا يعلمُهُ فليقلْ: لا أعلمُ. قالَ ابنُ مسعودٍ - رضي الله عنه -: ((إنَّ مِن العلمِ أنْ يقُولَ لما لا يعلمُ: اللهُ أعلمُ)) (¬1). وقالوا: يَنبغي للعالمِ أن يُورثَ أصحابهُ ((لا أدري))، أي: يُكثرُ منها حتى يُؤخذَ عنهُ. وقولُه: ((لا أَدرِي)) لا يضعُ مَنزلتهُ، بل يدلُّ على عِظَمِ مَحلِّهِ وتقواهُ، وإنّما يمتنعُ منها مَن قلَّ علمُهُ؛ لأنّه يخافُ لقصورهِ أن يَسقُطَ من أعينِ الحاضرينَ، وذلكَ من جهالتهِ، فإنّ ذلكَ يُستدلُّ بهِ على قصورهِ. وفي الصّحيحِ: ((المُتَشَبِّعُ بما لم يُعْطَ، كلابس ثَوبي زُورٍ)) (¬2). وعَن ابنِ عَبّاسٍ، وابنِ مَسعودٍ - رضي الله عنهم -: ((مَن أَفتَى في كُلِّ ما يُسألُ فهوَ مجنونٌ)) (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه: البخاري 6/ 142 (4774)، والبيهقي في " المدخل ": 432 (797)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 2/ 51. (¬2) أخرجه: أحمد 6/ 345 و346، والبخاري 7/ 44 (5219)، ومسلم 6/ 169 (2130) (127)، وأبو داود (4997)، والنسائي في " الكبرى " (8922) وفي " عشرة النساء "، له (36)، وابن حبان (5739)، والطبراني في " الكبير " 24/ (322) و (323) و (324) و (326) و (327) و (328)، وأبو الشيخ في " الأمثال " (59)، والحاكم في " معرفة علوم الحديث ": 77 - 78، والقضاعي في " مسند الشهاب " (308) و (309)، والبيهقي 7/ 307 وفي " شعب الإيمان " (4824) وفي " الآداب "، له (392)، والبغوي في " شرح السنة " (2331) من حديث أسماء بنت أبي بكر. (¬3) أثر عبد الله بن عباس، أخرجه: البيهقي في " المدخل ": 433، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 2/ 164. وأثر عبد الله بن مسعود، أخرجه: الخطيب في " الفقيه والمتفقه " 1/ 197 - 198، والبيهقي في " المدخل ": 432 (798)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 2/ 165.

وعَن ابنِ عَبّاسٍ رَضِي اللهُ عنهُما، ومحمدِ بنِ عَجلانَ: ((إذا أَغفَلَ العَالمُ ((لا أدري)) أُصِيبَتْ مَقَاتِلُهُ)) (¬1). وعَن الشّافعيِّ وقد سُئِلَ عن مسألةٍ فلمْ يُجِبْ، فقيلَ لهُ: فقالَ / 231 أ /: ((حتى أَدري أن الفضلَ في السكوتِ أو في الجوابِ)) (¬2). وعَن الأَثرَمِ: ((سَمعتُ أحمدَ بنَ حَنبَلٍ يُكثرُ أن يقولَ: لا أَدري)) (¬3). وعَن الهيثمِ بنِ جَميلٍ: ((شَهدتُ مَالكاً سُئِلَ عن ثمانٍ وأربعينَ مَسألة، فقالَ في ثنتينِ وثلاثينَ منها: لا أدري)) (¬4). وعَن مالكٍ أيضاً أنّه رُبّما كانَ يُسئَلُ عَن خمسينَ مسألة، فلا يُجيبُ في واحدةٍ منها، وكانَ يقولُ: ((مَن أجابَ في مسألةٍ، فينبغي قبل الجوابِ يعرضُ نفسَهُ على الجنّةِ والنّارِ، وكيفَ خَلاصُهُ، ثُمَّ يُجيبُ)) (¬5). وَسُئِلَ عَن مسألةٍ فقالَ: [((لا أدري))، فقيلَ: هيَ] (¬6) مسألةٌ خفيفةٌ، فقالَ: ((ليسَ من العلم شيءٌ خفيفٌ)) (¬7). وقالَ الصَّيْمَريُّ (¬8) والخطيبُ: ((قَلَّ مَن حَرَصَ على الفتيا، وسَابقَ إليها، وثَابرَ ¬

_ (¬1) أخرجه: البيهقي في " المدخل ": 436 (813)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 2/ 54، وانظر: الفقيه والمتفقه 2/ 172، والمجموع 1/ 93. (¬2) المجموع 1/ 93. (¬3) انظر: الفقيه والمتفقه 2/ 174 - 175، والمجموع 1/ 93. (¬4) التمهيد 1/ 73، والمجموع 1/ 93. (¬5) المجموع 1/ 93. (¬6) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ". (¬7) المجموع 1/ 93 - 94. (¬8) هو القاضي أبو القاسم عبد الواحد بن الحسين الصيمري الشافعي، له مصنفات منها: " الإيضاح في المذهب " و" القياس والعلل ". والصيمري بصاد مهملة مفتوحة، ثم ياء ساكنة، بعدها ميم مفتوحة، وبعضهم يضمها: نسبة إلى صيمرة نهر من أنهار البصرة عليه عدة قرى. انظر: معجم البلدان 5/ 214، وسير أعلام النبلاء 17/ 14.

عَليها، إلاّ قَلَّ توفيقُهُ، واضطربَ أمرهُ، وإذا كانَ كارهاً لذلكَ غيرَ مؤثرٍ لهُ - مَا وَجَدَ عنهُ مندُوحَة وأحالَ الأمرَ فيهِ على غيرهِ - كانَتِ المعرفةُ له من اللهِ أكثرَ، والصلاحُ في جوابهِ أغلبَ)) (¬1). وَاستدَلا بقولِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الحديثِ: ((لا تَسألِ الإمارةَ، فإنّكَ إن أُعطيتَها عن مسألةٍ وُكِلتَ إليها، وإن أُعطيتَها عن غَيرِ مسألةٍ، أُعِنتَ عليها)) (¬2). ويطرحُ على أصحابهِ ما يختبرُ بهِ أذهانَهم، ولا يَتأذَّى إذا قَرأَ أحدُهُم على غيرهِ، إلاّ إنْ كانَ ذلكَ الغيرُ جاهلاً، أو فاسقاً، أو مُبتدعِاً، فَليحذَرْ منهُ. انتهى. قولُه: (وَقدْ كانَ عروةُ) (¬3) عِبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وقدْ كانَ في السَّلفِ، مَنْ يَتألّفُ النّاسَ عَلَى حَديثِهِ، منهم: عروةُ بنُ الزبيرِ (¬4))) (¬5). قولُه: (خُيلاءَ) (¬6) إشارةٌ إلى أنّ السَّلفَ كانَوا يَتحرّزونَ من العجبِ، ¬

_ (¬1) الفقيه والمتفقه 2/ 166، والمجموع 1/ 94. (¬2) أخرجه: أحمد 5/ 62 و63، والبخاري 8/ 159 (6622) و8/ 183 (6722) و9/ 79 (7146) و (7147)، ومسلم 5/ 86 (1652) (19) و6/ 5 (1652) (13)، وأبو داود (2929) و (3277) و (3278)، والترمذي (1529)، والنسائي 7/ 10 و11 و8/ 225 وفي الكبرى، له (5930)، والطحاوي في " شرح المشكل " (59)، وابن حبان (4348)، والبيهقي 10/ 53 و100 من حديث عبد الرحمان بن سمرة. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 348. (¬5) روى الخطيب في " جامعه " (787) عن الزهري، قال: ((كانَ عروة يتألف الناس على حديثه)). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17. قال العراقي: ((وروينا عن حماد بن زيد أنه قال: استغفر الله، إن لذكر الإسناد في القلب خيلاء)). وحكاه الخطيب في "الجامع" (775)، والذهبي في " السير " 10/ 470 - 471.

ويَتفقّدونَ أعمالَهم وأحوالَهم، لِيقيمُوا منها ما اعْوَجَّ. عَن " الرسالةِ " (¬1) للقُشَيريِّ أنَّه قالَ: ((ويَصحُّ أن يُقالَ: الإخلاصُ: تَصفيةُ الفعلِ عن ملاحظةِ المخلوقينَ))، ونُقِلَ عنهُ عن أبي عليٍّ الدقاقِ أنَّهُ قالَ: ((المخُلصُ لا رِياءَ لهُ، والصَّادقُ لا إعجابَ لهُ)) (¬2). قالَ: ((وعَن أبي عليِّ الفُضيلِ بنِ عياضٍ أنه قالَ: تركُ العملِ لأجلِ النّاسِ رِياءٌ، والعَملُ لأجلِ النّاسِ شِركٌ، والإخلاصُ أن يعافيكَ اللهُ منهُما)) (¬3). قالَ: ((وعَن سَهل بنِ عبدِ اللهِ التُستَريِّ، قالَ: لا يَشمُّ رائحةَ الصّدقِ عبدٌ دَاهنَ نَفسَهُ، أو غيرَهُ)) (¬4). وعَن ذِي النّونِ (¬5)، قالَ: ((الصّدقُ سَيفُ اللهِ / 231 ب / ما وُضِعَ عَلى شيءٍ إلا قَطعَهُ)) (¬6). انتهى ما نَقلتُهُ من " شَرحِ المهذبِ " (¬7). قولهُ: (في الطريقِ وَهوَ قائِمٌ) (¬8) صَوابهُ: ((أو قائم))، كَما في ¬

_ (¬1) الرسالة للقشيري: 95. (¬2) المصدر نفسه. (¬3) الرسالة للقشيري: 96، وانظر: حلية الأولياء 8/ 95، وسير أعلام النبلاء 8/ 427. (¬4) الرسالة للقشيري: 97. (¬5) هو ثوبان بن إبراهيم، وقيل اسمه: فيض بن أحمد، وقيل: فيض بن إبراهيم النوبي، توفي سنة (245) هـ، وقيل: (246) هـ. انظر: حلية الأولياء 9/ 331، وسير أعلام النبلاء 11/ 532. (¬6) الرسالة للقشيري: 97، وانظر: الحلية 9/ 395. (¬7) المجموع 1/ 49. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 17، قالَ العراقي: ((وكانَ يكره - أي: الإمام مالك - أن يحدِّث في الطريق، أو وهو قائم)). انظر: حلية الأولياء 6/ 318. وعَند تحقيقي لشرح التبصرة والتذكرة جاء في نسخة (ق): ((أو هو قائم)) وفي نسخة (ص): ((وهو قائم)) وجاء في نسخة (ص) في الحاشية تصويبه إلى: ((أو وهو قائم)) وفي النسخة (ن) صوبه إلى ((أو هو قائم)) وجاء في نسخة (س) والنسخ المطبوعة: ((وهو قائم)) فلعل البقاعي كانَ معتمداً على نسخة (ق) و (ن)، والله أعلم.

النّظمِ (¬1) وَكذا سَاقَهُ ابنُ الصّلاحِ (¬2) عَن مالكٍ، ولا يصحُّ إسقاطُ الألفِ؛ لأنَّ المعنى يَصيرُ أنه يَكرهُ تحديثهُ في الطريقِ في حالِ قيامهِ، لا حَال قعودهِ مثلاً. قولهُ: (مَا كانَ في النّاسِ) (¬3) هي التامةُ، أي: وُجِدَ ولا شكَّ أنَّ أوَّلَ مَن طَلبَ الحديثَ الصحابةُ - رضي الله عنهم -، ثم خَيرُ النّاسِ بعدهُم في كلِّ عصرٍ مَن طَلَبَ على طريقِهم، وهي أن يحفظهُ مع العلمِ بأداوتِ فهمهِ، ولا يَصحُّ أن تكونَ ناقصةً لأنَّه لا يصحُّ - على تقديرهِ - كلامُ ابنِ مَهديّ؛ لأنَّه لا اطّلاعَ له على ما كانَ قبلَ عصرهِ، وعلى تقديرِ التّسليمِ، فذلكَ غيرُ مُمكنٍ في الصحابةِ - رضي الله عنهم -، معَ شهادةِ اللهِ لهم بالخيّريةِ، ويَكفيكَ من شَرفِ الحديثِ انتهاؤهُ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، الآخذُ عن اللهِ من غيرِ شريكٍ، بل بالأمرِ القاطعِ الثابتِ بالمعجزةِ. وأمّا غيرهُ فإنْ لم يكنْ له أصلٌ من قولهِ فهوَ رَدٌّ على صاحبهِ، وإن كانَ لهُ أصلٌ فهوَ إنَّما يدورُ عليهِ بالقياسِ، وما أحسنَ ما قالَ الإمامُ أبو الحَسَنِ الطّبريُّ المعروفُ بِالكيَا الهَرَّاسي: ((إذا جَالَتْ فُرسانُ الأحاديثِ في ميادينِ الكفاحِ، طارَتْ رؤوسُ المقاييسِ في مهابِ الرياحِ)) (¬4). وَرَوينا في كتابِ " شَرفِ أصحابِ الحديثِ " (¬5) للحافظِ أبي بكرٍ الخطيبِ، عن سُفيانَ الثّوريِّ أنه كانَ يقولُ: ((الملائكةُ حُرّاسُ السّماءِ، وأصحابُ الحديثِ ¬

_ (¬1) قالَ في النظم: لَمْ يُخْلِصِ النِّيَّةَ طَالِبُ فَعُمْ ... وَلاَ تُحَدِّثْ عَجِلاً أَوْ إِنْ تَقُمْ (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 348، وقالَ فيه ابن الصلاح: ((أو هو قائم)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18 وحكاه العراقي عن سفيان الثوري أنه قالَ: ((ما كانَ في الناس أفضل من طلبة الحديث، فقالَ له ابن مهدي: يطلبونه بغير نية. فقالَ: طلبهم إياه نية)). ورواه عنه الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 183. (¬4) انظر: ذيل تذكرة الحفاظ 1/ 261. (¬5) شرف أصحاب الحديث: 44.

حُرّاسُ الأرضِ)). وأنّ الشّافعيَّ كانَ يقولُ: ((إذا رأيتُ رجلاً من أصحابِ الحديثِ، فكأنّي رأيتُ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - حَيِّاً)) (¬1). وعَن أميرِ المؤمنينَ هارونَ الرشيد أنهُ قالَ: ((طَلبتُ أربعةً فَوجدتُها في أربعةٍ: طَلبتُ الكُفرَ فوجدتهُ في الجهميةِ، وطلبتُ الكلامَ والشّغبَ فوجدتهُ في المعتزلةِ، وطَلبتُ الكَذبَ فوجدتهُ عندَ الرافضةِ، وطلبتُ الحقَّ فوجدتهُ معَ أصحابِ الحديثِ)) (¬2). وعَن إبراهيمَ بن أدهمَ أنه قالَ: ((إنَّ اللهَ تعالى يرفعُ البلاءَ عن هذهِ الأمةِ برحلةِ أصحابِ الحديثِ)) (¬3). وعَن الزهريِّ أنه قالَ: ((لا يَطلبُ الحديثَ / 232 أ / من النّاسِ إلا ذُكرانُها، ولا يزهدُ فيهِ إلا مُؤنّثوها)) (¬4). وَرُوِيَ (¬5) عن أبي الفَضلِ العبّاسِ بنِ مُحمدٍ الخُرَاسانيِّ أنه أَنشدَ في معنَى ذلكَ: لا يَطلبُ العلمَ إلا بازلٌ (¬6) ذكرٌ ... وليسَ يُبغضُهُ إلا المخانيثُ وعَن أبي بكرٍ أحمدَ بن عبدِ الرحمانِ النَّسَفيِّ أنه قالَ: ((كانَ مشايخُنا يسمونَ أبا بكر بنَ إسماعيلَ: ثمودَ؛ لأنّه كانَ من أصحابِ الحديثِ، فصارَ من أصحابِ ¬

_ (¬1) أخرجه: أبو نعيم في " حلية الأولياء " 9/ 109، والبيهقي في " المدخل ": 391 (689)، والخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 46. (¬2) أخرجه عنه الخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 55. (¬3) أخرجه: الخطيب في "الرحلة في طلب الحديث": 89، وفي "شرف أصحاب الحديث"، له: 59. (¬4) أخرجه: الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 179 (31)، والحاكم في " المدخل إلى الإكليل ": 23، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 3/ 365، والخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 71. (¬5) رواه الخطيب في "الرحلة في طلب الحديث": 96، وفي "شرف أصحاب الحديث"، له: 71. (¬6) هو الرجل الكامل في تجربته. القاموس المحيط مادة (بزل).

الرأي، قالَ تَعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى} (¬1). وعَن أبي زيدٍ الفقيهِ أنه أنشدَ لبعضِ عُلماءِ الشّاشِ (¬2): كلُّ الكلامِ سوى القرآنِ زَندَقَةٌ ... إلاّ الحديثَ وإلاّ الفقهَ في الدِّينِ وَالعِلمُ مُتَّبَعٌ مَّا كانَ ((حَدَّثَنا)) ... وما سوى ذاكَ وسوَاسُ الشّياطينِ (¬3) وعَن حَوْثَرةَ بنِ مُحمدٍ المنقريِّ البَصريِّ، قالَ: ((رأيتُ يزيدَ بنَ هارونَ الواسطيَّ في المنامِ بعدَ موتهِ بأربعِ ليالٍ، فقلتُ: ما فَعَلَ اللهُ بكَ؟ قالَ: تَقبَّلَ مني الحسناتِ وتَجاوزَ عني السيئاتِ، وَوَهَبَ لي التبعاتِ، قلتُ: وما كانَ بعدَ ذلكَ؟ قالَ: وهلْ يكونُ من الكريمِ إلا الكَرَم! غَفَرَ لي ذنوبي وأَدخلَني الجنةَ، قلتُ: بِمَ نِلْتَ الذي نلتَ؟ قالَ: بمجالسِ الذّكرِ، وقَوليَ الحقَّ، وصِدقِيَ في الحديثِ، وطولِ قِياميَ في الصلاةِ، وَصَبريَ على الفَقرِ، قلتُ: ومُنكَرٌ ونَكيرٌ عليهما السّلامُ حقٌ؟ قالَ: إي واللهِ الذي لا إلهَ إلا هوَ، لقد أَقعدَاني وسَألاني مَنْ رَبُّكَ؟ وما دينُكَ؟ ومن نبيُّكَ؟ فجعلتُ أنفضُ لحيَتي البيضاءَ من الترابِ، فقلتُ: مِثلي يُسئلُ؟ أنا يزيدُ بُن هارونَ الواسطيُّ، وكنتُ في دارِ الدُّنيا ستينَ سنةً أعلمَ النّاسِ، قالَ أَحدُهما: صَدَقَ، هو يزيدُ بنُ هارونَ، نَمْ نَومةَ العَروسِ، فلا رَوْعَةَ عليكَ بعدُ، قالَ أحدُهما: أَكتَبتَ عن حَرِيز بن عُثمانَ (¬4)؟ قلتُ: نَعَمْ، وكانَ ثقةً في الحديثِ، قالَ: ثقةً، ¬

_ (¬1) فصلت: 17، والخبر في شرف أصحاب الحديث: 75. (¬2) هي بلدة بما وراء النهر تقع وراء نهر سيحون. مراصد الاطلاع 2/ 774. (¬3) شرف أصحاب الحديث: 79، والإلماع: 41. (¬4) قال العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 234: ((بفتح الحاء المهملة وكسر الراء بعدها ياء مثناة من تحت ساكنة وأخره زاي، وهو: حريز بن عثمان الرحبي الحمصي)). قلت: والحديثان اللذان أخرجهما البخاري: الأول: 4/ 219 - 220 (3509): إن من أعظم الفرى أن يدعي الرجل إلى غير أبيه. والثاني: 4/ 227 (3546)، قال: حدثنا عصام بن خالد، قال: حدثنا حريز بن عثمان أنه =

ولكنّهُ كانَ يُبغِضُ عليّاً أبغضَهُ اللهُ - عز وجل -)) (¬1). ورَوينا في " المجالسِ المكيةِ " للمَيّانِشيِّ (¬2)، عن أبي المُظفّرِ السَّمعَانيِّ أنهُ أنشدَ لأبي بكرِ بنِ أبي داودَ السَّجَستَانيِّ: تَمسَّكْ بحبلِ اللهِ واتَّبعِ الهُدَى ... ولا تَكُ بِدْعِياً لَعلَّكَ تُفلِحُ وَلُذْ بِكتابِ اللهِ والسُّنَنِ التي ... أَتتْ عن رسولِ اللهِ تنجو وتربحُ /232ب/ ودَعْ عنكَ آراء الرِّجالِ وقولَهم ... فقولُ رسولِ اللهِ أَزكَى وأَشرحُ ¬

_ = سأل عبد الله بن بسر صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - كان شيخاً، قال: كان في عنفقته شعرات بيض. قال ماهر: ما ذكر من نصب حريز بن عثمان الرحبي فهذا ما نقله جماعة، لكن نقل علي بن عياش رجوعه عن ذلك كما في المجروحين 1/ 268 وكذا نقل البخاري في تأريخه الكبير 3/ 103 (356) عن أبي اليمان أنَّه رجع عن ذلك، وقال المزي في تهذيب الكمال 2/ 91: ((وقال مكحول البيروتي: حدثنا جعفر بن أبان، قال: سمعت علي بن عياش وسأله رجل من أهل خراسان، عن حريز: هل كان يتناول علياً؟، فقال: أنا سمعته يقول: إن أقواماً يزعمون أني أتناول علياً معاذ الله أن أفعل ذلك، حسيبهم الله)). (¬1) أخرجه عنه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 107 - 108. (¬2) هو أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي، صاحب كتاب " ما لا يسع المحدث جهله "، توفي سنة (581) هـ. والميانشي: بالفتح وتشديد الثاني وبعد الألف نون مكسورة وشين معجمة وهي قرية من قرى المهدية بأفريقية. انظر: معجم البلدان 5/ 239، والعبر 4/ 245، ونكت الزركشي 1/ 190. وجاء في مصادر ترجمته الأخرى نسبته إلى ((ميانجي)) بالفتح، والتحتية، وفتح النون، وجيم: نسبة إلى ميانج موضع بالشام، وإلى ميانه بلد بأذربيجان. انظر: الأنساب 5/ 320، واللباب 3/ 278، ومعجم البلدان 5/ 240، ومراصد الاطلاع 3/ 1341.

ولا تَكُ من قومٍ تَلَهَّوا بدِينِهم ... فَتطعنَ في أهلِ الحديثِ وتَقدحُ إذا ما اعتقدْتَ الدّهرَ يا صَاحِ هذهِ ... فأنتَ على خيرٍ تَبيتُ وتُصبحُ (¬1) وعَن محمد بنِ عبدِ اللهِ بن أحمدَ اللخميِّ النحويِّ أنه أنشدَ لابنِ الأنبارِي: أهلاً وسهلاً بالَّذين أودُّهم ... وأحبُّهم في اللهِ ذي الآلاءِ أهلاً بقومٍ صالحينَ ذوي تُقىً ... خيرِ الرجالِ وزَينِ كلّ ملاءِ يَسعونَ في طلبِ الحديثِ بعفةٍ ... وتوقّرٍ وسكينةٍ وحياءِ لَهُم المهابةُ والجلالةُ والتُّقى ... وفضائلٌ جلَّتْ عن الإحصاءِ ومدادُ ما تَجري بهِ أقلامُهم ... أَزكَى وأفضلُ من دمِ الشُّهداءِ يا طَالبي عِلمَ النَّبيِّ محمدٍ ... مَا أنتُمُ وسوَاكم بسواءِ (¬2) ورَوينا في آخرِ " مَسألةِ العلوِّ والنّزولِ " (¬3)، لأبي الفَضلِ بنِ طَاهرٍ المقدسيِّ الحافظِ: أنّ الرّشيدَ قالَ لابنِ أَكثمَ: ((ما أَنبلُ المراتبِ؟ قالَ: قلتُ: ما أنتَ فيه يا أميرَ المؤمنينَ، قالَ: فتعرفُ أجلَّ مني؟ قلتُ: لا. قالَ: لكنّي أعرفهُ: رَجلٌ في حَلقَةٍ يقولُ: حدَّثَنا فُلانٌ، عن فُلانٍ، عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، قلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ هذا خَيرٌ منكَ، وأنتَ ابنُ عمِّ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ووليُّ عهدهِ؟ قالَ: نَعَمْ. ¬

_ (¬1) انظر: طبقات الحنابلة 2/ 53 - 54، وسير أعلام النبلاء 13/ 233 - 236. وهذه الأبيات ملفقة من قصيدة طويلة. (¬2) هذه الأبيات ذكرها ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 31 ونسبها لأبي بكر بن دريد. وذكر قسماً منها أيضاً ياقوت الحموي في "معجم البلدان" 3/ 100 ونسب قولها للحسين بن محمد الغسّاني الجياني، وذكر قسماً منها أيضاً العجلوني في "كشف الخفاء" 2/ 262 و543 ولم ينسبها لأحد. (¬3) مسألة العلو والنزول: 45.

وَيلكَ، هذا خير مني؛ لأنَّ اسمَهُ مقرونٌ باسمِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، لا يموتُ أبداً نحنُ نموتُ ونَفنَى، والعلماءُ باقونَ ما بَقِيَ الدهرُ)) (¬1). وعَن عليِّ بن عبدِ السّلام الأَرْمَنَازِيِّ (¬2) أنه أنشدَ بصُور لنفسهِ. ألا إنَّ خيرَ النَّاسِ بعدَ مُحمّدٍ ... وأصحابهِ والتابعينَ بإحسانِ أُناسٌ أرادَ اللهُ إحياءَ دينَهُ ... بحفظِ الذي يَروي - عن الأوّلِ - الثاني أَقاموا حدودَ الشّرعِ شَرعِ مُحمدٍ ... بما أوضحوا مِن دليلٍ وبرهانِ وَسارُوا مَسيرَ الشّمسِ في جمعِ علمهِ ... فَأوطانُهم أَضحتْ لهم غيرَ أوطانِ إذا عَالمٌ عَالي الحديثِ تَسَامَعُوا ... بهِ جَاءَهُ القاصِي من القومِ والدَّاني / 233 أ / وروينا في جزء ابن قُطرال (¬3)، عن أبي زرعة الرازي أنه قالَ: دِينُ النَّبيِّ مُحمّدٍ أَخبارُ ... نِعْمَ المطية للفتَى الآثارُ لا تغفلَنَّ عن الحديثِ وأهلهِ ... فالرأيُ ليلٌ والحديثُ نَهارُ وَلَرُبما أخطا الفتى سُبُلَ الهدَى ... والشمسُ واضحةٌ لها أنوارُ (¬4) ¬

_ (¬1) أخرجه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 99 - 100، والسمعاني في "أدب الإملاء والاستملاء ": 26. (¬2) أرمناز قرية من قرى بلدة صور من بلاد ساحل الشام. الأنساب 1/ 81 - 82. وقالَ ياقوت: ((أرمناز بالفتح، ثم السكون، وفتح الميم والنون وألف وزاي: بليدة قديمة من نواحي حلب، بينهما نحو خمسة فراسخ يعمل بها قدور)). معجم البلدان 1/ 131. (¬3) هو القاضي أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن يوسف الأنصاري المالكي القرطبي، ولد سنة (563 هـ‍)، وتوفي سنة (651 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 304، وشذرات الذهب 5/ 254. (¬4) هذه الأبيات اختُلفَ في نسبتها فقد نسبها الخطيب في " شرف أصحاب الحديث ": 76 لعبدة بن زياد الأصبهاني، ونسبها ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله ": 34 - 35 لأحمد بن حنبل، وكذلك نسبها له السيوطي في " مفتاح الجنة ": 66، ونسبها القاضي عياض في "الإلماع": 38 لمحمد بن الزبرقان. وذكرها القاسمي في " قواعد التحديث ": 50.

قولُهُ: (فيأبَى عليه العلمُ حتى يكونَ للهِ) (¬1)، أي: أنَّ اللهَ تعالى يريدُ للخيرِ من وَفَّقَهُ لطلبِ أحبِّ الأشياءِ إليه وهو العلمُ، وإذا أرادَهُ لذلكَ، لم يزلْ يمتحنُهُ ويصفيه ويرقُّ قلبَهُ، حتى يهديَهُ لأن يُقْبِلَ بكليتهِ إليهِ ويخلصَ النِّيَّةَ في طلبهِ. قالَ الشيخُ مُحيي الدّينِ النوويُّ في مقدمةِ " شَرحِ المهذبِ " (¬2): ((وَرُبَّما عَسُرَ - في كثيرٍ من المبتدئينَ بالاشتغالِ - تَصحيحُ النيةِ؛ لضعفِ نُفُوسِهم؛ وقلَّةِ أُنسِهِم بموجباتِ تَصحيحِ النِّيَّةِ، والامتناعُ من (¬3) تَعليمِهم، يُؤدِّي إلى تفويتِ كثيرٍ من العلمِ، مَعَ أنَّه يُترجَّى (¬4) ببركةِ العلمِ تَصحيحُها. ويَنبغي أن يُؤَدِّبَ المتعلِّمَ على التدريجِ، فَيحرضَهُ بأقوالِهِ وأفعالهِ المتكررةِ على الإخلاصِ، والصدقِ، وحسنِ النِّيَّاتِ، ومراقبةِ اللهِ، ويُزهدَهُ في الدُّنيا، ويُرغِبَهُ في العلمِ، بتذكيرِ فضائلهِ، ويعتنيَ بمصالحهِ كاعتنائهِ بمصالحِ ولدهِ. وعَن ابنِ عباسٍ رَضيَ اللهُ عنهما قالَ: ((أكرمُ الناسِ عليَّ جَليسَي الذي يتخطَّى الناسَ حتى يجلسَ إليّ، لو استطعتُ أن لا يَقعَ الذبابُ على وجههِ لفعلتُ)) (¬5). وينبغي أن يكونَ سَمحَاً، ببذلِ ما حَصَّلَهُ من العلمِ، ولا يُلقِى شَيئاً إلى مَن لم يتأهّل لهُ ولو سَألَ عنهُ، لم يُجبْهُ ويعرِّفْهُ أنّ ذلكَ يضرُّهُ، ويَتَواضعَ للمتعلمينَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18، وهو قول معمر: ((إنّ الرجل ليطلب العلم لغير الله، فيأبى عليه العلم حتى يكون لله - عز وجل -)). انظر: الجامع لأخلاق الراوي (784). (¬2) المجموع 1/ 72 - 74 بتصرف. (¬3) في (ف): ((في))، والمثبت من " المجموع ". (¬4) في المطبوع من " المجموع ": ((يرجى)). (¬5) المجموع 1/ 73، والأثر أخرجه: البخاري في " الأدب المفرد " (1145) و (1146)، وفي " التاريخ الكبير "، له 6/ 197 (8818).

رَوَى مُسلمٌ (¬1): عن عياضِ بنِ حمارٍ - رضي الله عنه -: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((إنَّ الله أَوحَى إليّ أن تَواضَعُوا)) (¬2). انتهى. قولُهُ: (بيانٌ للوقتِ) (¬3) مُرادُهُ السّنَّ كَما قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وقَدِ اختُلِفَ في السِّنِّ الذي إذا بلغَهُ استُحِبَّ له التصدِّي لإسماعِ الحديثِ والانتصابِ لروايتهِ)) (¬4). قولُهُ: (فَقَد اختلفَ فيهِ كَلامُ الخطيبِ وابنِ الصَّلاحِ) (¬5) ليسَ بينَهما اختلافٌ في التَّحقيقِ، فإنَّ كلامَ الخطيبِ محمولٌ على ما إذا طُلبَ منهُ أن يُحدِّثَ عندَ الاحتياجِ إليهِ، بدليلِ قولهِ: ((وَلاَ يَمتَنع)) (¬6) وَكَلامَ ابنِ / 233 ب / الصَّلاحِ (¬7) عَلَى مَا إذا لَم يُطلَبْ ذَلكَ مِنهُ، بَلْ ولَمْ يَكُنْ يَعرِف أنَّ الحَديثَ عِندهُ، فَإنَّهُ يُستَحبُّ لَهُ أنْ يَتَصدَّى، أي: يَتعرَّضَ للنَّاسِ ليُعرفَ أنَّ ذلكَ الحديثَ عندَهُ. ¬

_ (¬1) 8/ 160 (2865) (64). (¬2) أخرجه أيضاً: أحمد 4/ 162 و266، والبخاري في " خلق أفعال العباد ": 48، وأبو داود (4895)، وابن ماجه (4179)، والنسائي في " فضائل القرآن " (95) و (96)، وأبو نعيم في " الحلية " 2/ 17. وانظر: المجموع 1/ 74. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 344. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19. (¬6) قالَ الخطيب في " الجامع ": 169 عقب (726): ((فإن احتيج إليه في رواية الحديث قبل أن تعلو سنه، فيجب عليه أن يحدّث ولا يمتنع؛ لأن نشر العلم عند الحاجة إليه لازم، والممتنع من ذلك عاص آثم)). (¬7) قالَ ابن الصلاح في " معرفته ": 344: ((والذي نقوله: إنه متى احتيج إلى ما عنده، استحب له التصدي لروايته ونشره في أي سن كانَ)). ومن كلام ابن الصلاح هذا وكلام الخطيب الذي سبق، تبين أنه لا يوجد اختلاف بين كلاميهما، وما ذهب إليه البقاعي من عدم وجود اختلاف هو الأصح، والله أعلم.

قولُهُ: (انتِهَاء الكُهُولَةِ) (¬1) قالَ ابنُ الأثيرِ في " النهايةِ " (¬2): ((الكَهْلُ منَ الرِّجالِ: منْ زادَ على ثَلاثينَ سَنَةً إلى الأربعينَ. وقِيل: مِن ثَلاثٍ وثلاثينَ إلى الخَمسينَ)). وقالَ في " القاموسِ " (¬3): ((الكَهْلُ: مَن وَخَطَهُ الشَّيبُ ورأيتَ له بَجالَةً، أو من جاوزَ الثلاثينَ أو أربعاً وثلاثينَ إلى إحدَى وخمسينَ، وهي بهاءٍ)). وقالَ الإمامُ أبو الحسنِ الحَرَالي: ((إنهُ مَن كانَ سِنُّهُ ما بينَ اثنتينِ وأربعينَ إلى ثلاثٍ وستينَ)). قالَ ابنُ الصَّلاحِ (¬4): ((قالَ سُحَيمُ بنُ وُثَيل (¬5): أخُو خمسينَ مُجتمِعٌ أَشُدِّي ... وَنَجَّذَنِي مُدَاوَرَةُ الشؤونِ (¬6) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19، وهو كلام الرامهرمزي نقله عنه العراقي فقالَ: ((وروينا عن أبي محمد بن خلاد الرامهرمزي في كتابه " المحدّث الفاصل ": 352 رقم (287)، قالَ: الذي يصح عندي من طريق الأثر والنظر في الحد الذي إذا بلغه الناقل حسن به أن يحدث، هو أن يستوفي الخمسين؛ لأنها انتهاء الكهولة)). (¬2) النهاية 4/ 213. (¬3) القاموس المحيط مادة (كهل). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 345. (¬5) هو سحيم بن وثيل - بالمثلثة مصغّر - الرياحي، شاعر مخضرم، قالَ ابن دريد: عاش في الجاهلية أربعين وفي الإسلام ستين. انظر: الإصابة 2/ 439 (3663). (¬6) هو في الكامل 1/ 304، والإصابة 2/ 440، وقوله: ((أخو خمسين))، أي: أنا أخو خمسين سنة، واجتماع الأشد: عبارة عن كمال القوى في البدن والعقل، ومعنى: نجذني، أي: جعلني ذا تجربة وخبرة، يقالَ: رجل منجذ - بضم الميم وفتح الجيم أو كسرها - الذي جرّب الأمور وعرفها وأحكمها، وهو المجرب، قالَ اللحياني: المنجذ هو الذي أصابته البلايا. والمداورة: المعالجة والمزاولة، والشؤون: الأمور، يعني: مداولة الأمور ومعالجتها. انظر: اللسان مادة (دري) و (دور)، وحاشية الإلماع: 200.

أي: جَعلَني دَوَرَاني معَ الشّؤونِ معَ شَأن وهي الأمورُ واحتِيالي فيهَا نَجداً، أي: دَليلاً مَاهراً شُجاعاً مَاضياً فيمَا يعجزُ غَيري. قولهُ: (وَتعقّبَهُ القَاضِي عِيَاضٌ) (¬1) كلامُ ابنِ خَلاد ليسَ بمتعقّبٍ، فإنّه محمولٌ على ما إذا لم يُحتجْ إليهِ وعَدُّه لعمرَ بنِ عبدِ العزيزِ ومَن بعدهُ لا يقدحُ فيهِ، بل يؤيدُهُ، فإنّ كلاً منهُم لم يُحدّث حتى احتيجَ في الفقهِ أو غيرهِ إليهِ. وقد أجابَ عنهُ ابنُ الصّلاح بهذا، كما نقلهُ عنه الشيخُ (¬2) في آخرِ هذه المقولةِ والحاصلُ أنّ ذلكَ موقوفٌ على الحاجةِ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ويختلفُ ذلكَ بحسبِ الزمانِ والمكانَ، فَرُبَّ بلادٍ مهجورةٍ يقعُ إليها مَن يُحتاجُ إلى روايتهِ هناكَ، ولا يحتاجُ إلى روايتهِ في البلادِ التي يكثرُ فيها العلماءُ)) (¬3). قوله: (العِلْمُ والحَدِيثُ) (¬4) هوَ من عطفِ الخاصِّ على العامِّ، ويحتملُ أن يكونَ المرادُ بالعلمِ: الكلامُ على الحديثِ مَتناً وسَنداً، وأن يكونَ المرادُ بالحديثِ اللفظُ كذلكَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19، وكلام القاضي عياض في " الإلماع ": 200 - 202. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 21، وقول ابن الصلاح في " معرفته ": 346: ((قلت: ما ذكره ابن خلاد غير مستنكر، وهو محمول على أنه قاله فيمن يتصدى للتحديث ابتداءً من نفسه غير براعة في العلم تعجلت له قبل السن الذي ذكر، فهذا إنما ينبغي له ذلك بعد استيفاء السن المذكور فإنه مظنة الاحتياج إلى ما عنده)). (¬3) الاقتراح: 245. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19 حكاه العراقي عن القاضي عياض قالَ: ((وكم من السلف المتقدمين ومن بعدهم من المحدثين من لم ينته إلى هذا السن ولا استوفى هذا العمر، ومات قبله وقد نشر من العلم والحديث ما لا يحصى .. )). وانظر: الإلماع: 200 - 202.

قولهُ: (حَدِيثُ الفُرَيعَةِ) (¬1) الظَّاهرُ أنها بنتُ مَالكِ بنِ سِنَان أُختُ أبي سَعيد الخُدْري، ويُقالَ لها: الفَارِعة (¬2) أيضاً وحَديثُها هذا في سُكنى المتوفَى عَنها زوجُها في بيتِها حتى يبلُغَ الكتابُ أَجلَهُ، رَواهُ في الطّلاقِ أبو داودَ (¬3) والتّرمِذِي (¬4) والنّسَائي (¬5) وابنُ مَاجه (¬6)، وليسَ لها في الكُتبِ سِواهُ. قوله: (وَلِيَ (¬7) عُشرُونَ سَنَةً) (¬8) نُقِلَ عَن شَيخِنا أنَّهُ قالَ: / 234 أ / إنَّ الخطيبَ شَرعَ في علمِ الحديثِ قبلَ ذلكَ بقليلٍ. وعَن " المُنتَقَى من تَاريخِ ابنِ عَسَاكِرَ " للذَّهبي، عَن الخطيبِ (¬9) أنه قالَ: ((أوّلَ ما سمعتُ الحديثَ وَلي إحدَى عَشرَةَ سَنَةً)). قوله: (ابنُ مُظَفَّر) (¬10) هو شِهَابُ الدّينِ النَّابُلُسِي سبطُ الشّيخِ خَالِد، وُلِدَ سَنةَ أربعٍ أو خمسٍ وسبعينَ وستمئةٍ وسمعَ فأكثرَ (¬11). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20، والفريعة - بالتصغير -. انظر: التقريب (8660). (¬2) التقريب (8660). (¬3) في " سننه " (2300). (¬4) في " جامعه " (1204) و (1204م). (¬5) في " المجتبى " 6/ 199 و200. (¬6) في " سننه " (2031). وأخرجه أيضاً: عبد الرزاق (12076)، وأحمد 6/ 370 و420، وسعيد بن منصور (1365)، والدارمي (2292)، وابن الجارود (759)، وابن حبان (4292)، والطبراني في " الكبير " 24/ (1079) و (1080) و (1081) و (1082) و (1083) و (1084) و (1085) و (1088) و (1089) و (1091) و (1092)، والحاكم 2/ 208، والبيهقي 7/ 434 و435، والبغوي (2386). (¬7) في (ف): ((وفي))، والمثبت من "الجامع لأخلاق الراوي" و" شرح التبصرة والتذكرة ". (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20، وقول الخطيب في " الجامع ": 170 عقب (732). (¬9) ذكره الدكتور بشار في دراسته لكتاب " تاريخ مدينة السلام " 1/ 19. (¬10) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20. (¬11) وتوفي ساجداً سنة (758 هـ‍). الدرر الكامنة 1/ 317 - 318.

قالَ الذّهبي في " المعجمِ المُختصّ " (¬1): ((الحافظُ المحررُ، أَكبَّ على الطّلبِ زماناً وترافَقنَا مدةً، وفي خُلُقهِ زعارةٌ وفي طباعهِ نُفورٌ)). وقالَ في " المُعجَمِ الكَبيرِ " (¬2): ((لهُ معرفةٌ وحفظٌ، على شَراسةِ خُلُقٍ، ثمَّ صلُحَ حالهُ)). وقالَ البرزاليُّ (¬3): ((وَلَم يتزوجْ قَط، وكانَ يحبُّ الخَلوةَ والانجماعَ)) (¬4). وقالَ الحُسينيُّ: ((وكانَ يقولُ: أشتَهي أن أموتَ وأنا ساجدٌ، فدخلَ بيتَهُ يوماً وأغلقَ بابَهُ وفُقِدَ ثلاثةَ أيامٍ فَدخلوا عليهِ فوجدُوهُ ميتاً وهو سَاجدٌ، وذلك في ربيعِ الأوّلِ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ، وله تخاريجٌ)) (¬5). انتهى. ومنَ الكراماتِ أنه لم يُذكَرْ أنهُ تغيَّر رَحمهُ اللهُ. قوله: (سَنَةَ ثلاثٍ وتسعينَ) (¬6) نُقلَ عن شيخِنَا: ((أنها السنةُ التي ابتدأَ الذّهبيُّ فيهَا طلبَ الحديثِ)). قوله: (المَنْبَجِي) (¬7) هو شمسُ الدّينِ الدّمشقيُّ التّاجرُ وُلدَ سنةَ ستٍ، أو سبعٍ وثمانينَ وستمئةٍ، وأُحضِرَ على جَماعةٍ، وسمعَ فأكثَرَ، وأجازَ لهُ الفَخرُ بنُ البخاري في جَماعةٍ. ¬

_ (¬1) المعجم المختص بالمحدّثين: 42. (¬2) المعجم الكبير 1/ 104. (¬3) هو أبو محمد القاسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الإشبيلي الشافعي توفي سنة (739 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 3/ 237. (¬4) نقله عنه ابن حجر في " الدرر الكامنة " 1/ 317. (¬5) نقله عنه ابن حجر في " الدرر الكامنة " 1/ 318. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20، وانظر ترجمته في: الدرر الكامنة 4/ 323.

قالَ البرزاليُّ، والذّهبيُّ (¬1) في " مُعجَميهِمَا ": ((العدلُ المحدّثُ الفاضِلُ الصادقُ)) (¬2). وعاشَ بعدَ الذَّهبي نحواً مِن عشرينَ سنةً فماتَ بدمشقَ في ذي الحجّةِ سنَة سبعٍ وستينَ وسبعمِئةٍ، وماتَ الذهبيُّ في ذي القعدَةِ سنةَ ثمانٍ وأربعينَ. قوله: (أبو مَحمُودٍ مُحمَّدُ بنُ إبراهيمَ المقدِسِيُّ) (¬3) صَوابُهُ: أحمدُ بن مُحمّدِ بنِ إبراهيمَ بنِ هلال (¬4). قالَ شيخُنَا في المِئةِ الثامنةِ (¬5): ((وُلِدَ سَنةَ أربعَ عَشرةَ وسَبعمِئةٍ، وعَنيَ بالحديثِ، فَسمعَ من أصحابِ ابنِ عبدِ الدّائمِ، والنّجيبِ، وابنِ عَلاَّق فأكثرَ وبَرعَ وجَمعَ، وشَرعَ في شَرحِ " سُنَنِ أبي دَاودَ "، ومَاتَ بالقُدسِ سنةَ خمسٍ وستينَ وسبعمِئةٍ)). قولهُ: (إذ يَخشَى الهَرَمَ) (¬6)، في / 234 ب / نُسخةٍ ((إن))، والظّاهرُ أنَّ المعنى قَريبٌ ويجبُ أنْ يُحذفَ معَ ((إن)) ألفُ ((يَخشَى))، والمعنى: إن خافَ الهَرَمَ على نفسِهِ. قالَ في " القَاموسِ " (¬7): ((الهَرَمُ مُحرّكةً أقصَى الكبرِ)). انتهى. والمرادُ: لازِمهُ مِن تَغيّرِ العقلِ، واللهُ أعلمُ. قولُهُ: (ابنُ خَلاّدٍ جَزَم) (¬8) لم يجزمِ ابنُ خَلاّدٍ بِشيءٍ، إنّما قالَ: ((أَعجَبُ ¬

_ (¬1) المعجم الكبير 2/ 327. (¬2) انظر: الدرر الكامنة 4/ 323. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20. (¬4) كذا ذكر في "المعجم المختص": 33، و"لحظ الألحاظ": 148، و"الدرر الكامنة" 1/ 242. (¬5) الدرر الكامنة 1/ 242. (¬6) التبصرة والتذكرة (691). (¬7) القاموس المحيط مادة (هرم). (¬8) التبصرة والتذكرة (691).

إليَّ - أي: أَعجبُ الأمرينِ إليَّ - أن يُمسِكَ)) (¬1). فَأفعلُ التّفضيلِ يَقتضِي المُشَاركةَ بين التَّحديثِ والإمسَاكِ في الإعجَابِ، والإمسَاكُ أعجَبُهُما، أي: أحبهُما إليه؛ لأنَّ الإنسَانَ لا يعجبُ غَالباً إلا مما يراهُ فَائقاً. قوله: (لَمْ يُبَلْ) (¬2) قالَ في " تَرتيبِ المُحكَمِ " (¬3): ((قالَ سِيبوَيه: وسألتُ الخليلَ رَحمهُ الله عَن قولِهِم: لَم أُبَلْ؟ فقالَ: هي مِن بَاليتُ، ولكنّهم لما أَسكنُوا اللاَّمَ حَذَفوا الألفَ لِئلاَّ يلتَقِي سَاكِنَانِ، وإنما فَعلوا ذلكَ بالجزمِ؛ لأنّه موضعُ حَذفٍ، فَلمّا حذَفوا الألفَ التي هي مِن نفسِ الحرفِ بعدَ اللاَّم صارتْ عندهُم بمنزلةِ نونِ ((يَكنْ)) حيثُ أُسكنت، فإسكانَ اللامِ هنا بمنزلةِ حَذفِ النونِ، وإنما فَعلوا هذا بهذينِ حيثُ كَثرَ في كَلامِهم حذفُ النونِ والحركاتِ وذلكَ نحو ((مُذْ)) و ((لُدْ))، وإنما الأصلُ ((لَدُنْ)) و ((مُنذُ)) وهذا مِن الشَّواذِّ، وليسَ مما يقاسُ ويطّردُ، وزعمَ أنّ ناسَاً مِن العرَبِ يقولونَ: ((أَبلَه)) لا يزيدونَ على حَذفِ الألفِ حيثُ كثرَ الحذفُ في كلامٍ، كما حذفُوا ألفَ ((أحمَرَ)) وألفَ ((غَلِيظ)) وواوَ ((غَدٍ))، وكذلكَ فعلوا بقولهِ: بَاله كابن أباليه بمنزلةِ العاقبةِ ولم يحذفُوا ((لا أُبَالي))؛ لأنَّ الحذفَ لا يَقوَى هنا، وَلاَ يَلزمُهم حذفٌ. ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 354 (289). وقالَ ابن الصلاح عقب نقله كلام الرامهرمزي: ((ووجه ما قاله أن من بلغ الثمانين ضعف حاله في الغالب، وخيف عليه الاختلال والإخلال أو أن لا يفطن له إلا بعد أن يخلط كما اتفق لغير واحد من الثقات)). انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 346. (¬2) التبصرة والتذكرة (692). (¬3) قالَ حاجي خليفة بعد أن ذكر كتاب " المحكم " لابن سيده: ((وقد هذبه صفي الدين محمود ابن محمد الأرموي العراقي المتوفى سنة (723 هـ‍))). انظر: كشف الظنون 2/ 1617.

كَما أنَّهم إذا قَالُوا: ((لَم يَكُنِ الرّجلُ)) فكانَتْ في موضعٍ تُحرّكُ لَم يحذفْ وَجَعلوا الألفَ معَ الحركةِ، أَلا ترى أنّها لا تحذفُ في ((أُبالي)) في غيرِ موضِعِ الجزمِ، وإنما تُحذفُ في الموضعِ الذي تحذفُ مِنهُ الحركةُ)). انتهى. قوله: (وَفِئَه) (¬1) قالَ في " القَاموسِ " (¬2): ((الفِئَةُ: الطّائفةُ أصلُها فِيءٌ كَفِيعٍ جمعهُ فِيئُونَ وفِيآتٌ)). قولهُ في شرحِ ذلكَ الحدِّ (¬3): (التّغيّرُ) (¬4) وهوَ على حذفِ مُضافٍ، أي: خَوف التّغيّرِ بِدليلِ مَا بعدهُ. والخرفُ: هو فَسادُ / 235 أ / العقلِ. قالَ في " القاموسِ " (¬5): ((خَرَفَ كَنَصَرَ وفَرِحَ وكرُمَ، فهو خَرِفَ ككرم (¬6): فَسَدَ عَقْلُهُ، وأَخْرَفهُ: أفسدَهْ)). كذا قالَ: ((ككرمَ))، وقالَ الصَّغَاني في " المجمَعِ ": ((والخَرَفُ بالتحريكِ: فسادُ العقلِ منَ الكِبرِ، وقد خَرِفَ الرجلُ - بالكسرِ - فهو خَرِفٌ، قالَ أبو النَّجمِ العجْليُّ: أقبَلتُ مِن عند زيادٍ كالخَرِف ... تَخُطُّ رِجلايَ بِخَطٍّ مُختَلِفْ [و] (¬7) تَكتبانِ في الطريقِ لامَ الِفْ (¬8) ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (693). (¬2) القاموس المحيط مادة (فئ). (¬3) قالَ العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 21: ((قالَ القاضي عياض: الحد في ترك الشيخ التحديث التغير وخوف الخرف)). وكلام القاضي في " الإلماع ": 204. (¬4) في (ف): ((الحديث أخبره التغير ... )). (¬5) القاموس المحيط مادة (خرف). (¬6) الذي في " القاموس المحيط ": ((ككتف)). (¬7) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الصحاح ". (¬8) الأبيات نقلها الجوهري في " الصحاح "مادة (خرف).

وخُرَافةُ: اسمُ رجل من عُذْرَةَ استهوتْهُ الجنُّ، فكانَ يُحدِّثُ بما رَأى، فكذَّبوهُ وقالوا: ((حديثُ خُرَافَة)). ورُويَ عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنَّه قالَ: ((وخُرافَةُ حَقّ)) (¬1). والرَّاءُ فيه مخففةٌ، ولا تدخلهُ الألفُ واللامُ؛ لأنَّه معرفةٌ، إلا أنْ تريدَ به الخُرَافَاتِ الموضُوعةِ من حديثِ الليلِ)) (¬2). انتهى. قوله: (وكَذَا قالَ ابنُ الصَّلاحِ) (¬3) عبارتهُ: ((وَأمّا السِّنُّ الذِي إذا بلغَهُ المحدِّثُ يَنبغي (¬4) لهُ الإمسَاكُ عن التَّحديثِ، فَهو السِّنُّ ... )) (¬5) الخ. ¬

_ (¬1) هذا الحديث أخرجه: أحمد 6/ 157، والترمذي في " الشمائل " (252) بتحقيقي، وأبو يعلى (4442) من حديث مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: حدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نساءه ذات ليلة حديثاً، فقالت امرأة منهن: يا رسول الله، كأنَ الحديث حديث خرافة؟ فقالَ: ((أتدرين ما خرافة؟ إن خرافة كانَ رجلاً من عذرة، أسرته الجن في الجاهلية، فمكث فيهم دهراً طويلاً ثم ردوه إلى الإنس، فكانَ يحدث الناس بما رآى فيهم من الأعاجيب، فقالَ الناس: حديث خرافة)) وإسناده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد، وقد اختلف عليه فيه؛ إذ روي عنه مرسلاً، والمرسل هو الصواب كما نص عليه الدارقطني في العلل. وبنحوه أخرجه الطبراني في " الأوسط " (6068). وقالَ الهيثمي في " مجمع الزوائد " 4/ 315: ((رواه أحمد وأبو يعلى والبزار وروى الطبراني في " الأوسط " عن عائشة ... ورجال أحمد ثقات، وفي بعضهم كلام لا يقدح، وفي إسناد الطبراني علي بن أبي سارة وهو ضعيف)). (¬2) انظر: الصحاح مادة (خرف). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 21. (¬4) في " المعرفة ": ((انبغى)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 346.

قوله: (وَيَخَافُ [عَلَيهِ] (¬1) فيهِ أنْ يخلُطَ) (¬2) قالَ ابنُ كثيرٍ: ((إذا كانَ الاعتمادُ على حفظِ الشّيخِ الرّاوي، فَينبغي الاحتِرَازُ مِن اختلاطِهِ إذا طَعَنَ في السِّنِّ وأمَّا إذا كانَ الاعتمادُ على حفظِ غيرهِ وخطِّهِ وضَبطهِ، فَهاهُنا كُلّما كانَ السنُّ عَالياً كانَ [النّاسُ] (¬3) أرغَبَ في السّماعِ عليهِ كما اتفقَ لشيخنَا أبي العبّاسِ أحمدَ ابن أبي طَالبٍ الحَجَّارِ (¬4)، فإنّه جاوزَ المِئةَ محققاً، سَمعَ على الزَّبيدي سنةَ ثلاثينَ وستمِئةٍ " صحيحَ البُّخارِيِّ " وأسمعَهُ سَنةَ ثلاثينَ وسبعمِئةٍ)). قلتُ: وفيهَا ماتَ (¬5) وكانَ شيخُنا كبيراً عامّياً، ولا يضبطُ شَيئاً ولا يتعقلُ كثيراً مِن المعَاني الظّاهرةِ، ومعَ هذا تَداعى النّاسُ إلى السماعِ منهُ عند تفرّدِهِ عن الزبيدي، فسمع منهُ نحو مِئةِ ألفٍ أو يزيدونَ)) (¬6). قولهُ: (وَتَحرّى) (¬7)، أي: تعمّدَ وتطلّبَ ما هو أَحرَى، أي: أجدَر وأولىَ بالاشتغالِ. والمعنى أنَّه اجتهدَ في الإمسَاكِ والتّحديثِ، فرأى التحديثَ أولى بهِ. قوله: (احتِسَابَاً) (¬8)، أي: مِن غيرِ أجرةٍ بَل طَلباً للثَّوابِ. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " شرح التبصرة والتذكرة ". (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 21، وهو من كلام ابن الصلاح. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " اختصار علوم الحديث ". (¬4) في (ف): ((الحجاز)) بالزاي المعجمة، والصواب ما أثبته. انظر: ترجمته في البداية والنهاية 18/ 327، والدرر الكامنة 1/ 142، وشذرات الذهب 6/ 93. (¬5) هذا استدراك من البقاعي. (¬6) اختصار علوم الحديث: 217 بتحقيقي، وانظر: شذرات الذهب 6/ 93. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22، وهو من كلام ابن خلاد الرامهرمزي. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22، وهو من كلام ابن خلاد أيضاً ونص كلامه: ((فإذا تناهى العمر بالمحدّث فأعجب إلي أن يمسك في الثمانين؛ فإنه حد الهرم. قالَ: والتسبيح والذكر وتلاوة القرآن أولى بأبناء الثمانين فإن كانَ عقله ثابتاً ورأيه مجتمعاً يعرف حديثه ويقوم به وتحرى أن يحدث احتساباً)). المحدّث الفاصل: 354 (289).

وقيَّدهُ بذلك؛ لأنَّه إذا قبِلَ بجوازِ أخذِ الأُجرةِ وحدّثَ في هذا السنِ / 235 ب / بالأُجرةِ خِيفَ عليهِ التَّساهلُ لأجلِهَا، مع تساهلِ الآخِذِ رغبةً في العُلُو. و ((حبُّكَ للشيء يُعْمِي ويُصِمُّ)) (¬1). قولهُ: (كَالحَضرَميِّ) (¬2) هو محُمّدُ بنُ عبدِ اللهِ مُطَيَّن، (ومُوسَى) (¬3) هو ابنُ هَارُونَ الحَمّالُ، (وعَبْدَان) (¬4) هو ابنُ أحمدَ الجَوَالِيقي، ثلاثتُهم من شُيوخِ الطّبراني وابن عديٍّ. قولُه: (وَلَم أَرَ بِفَهمِ أبي خَليفَةَ) (¬5) هو الفَضلُ بنُ الحُبَابِ الجُمَحيُّ البَصْريُّ، مُحدّثُ البصرةِ من شُيوخِ ابنِ حِبَّانَ وابن خَلاَّد، كانَ من المعمّرينَ المكثرينَ الصادقينَ ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد 5/ 194، وعبد بن حميد (205)، والبخاري في " التاريخ الكبير " 2/ 93 (1853)، وأبو داود (5130)، والطبراني في " المعجم الأوسط " (4359) وفي " مسند الشاميين "، له (1454) و (1468)، وابن عدي في "الكامل " 2/ 212، والقضاعي في " مسند الشهاب " (219)، والبيهقي في " الشعب " (411) من حديث أبي بكر بن عبد بن أبي مريم الغساني، عن خالد بن محمد الثقفي، عن بلال بن أبي الدرداء، عن أبي الدرداء، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإسناده ضعيف؛ لضعف أبي بكر بن أبي مريم. وروي موقوفاً على أبي الدرداء. أخرجه: البخاري في " التاريخ الكبير " 2/ 93 (1853)، والبيهقي (412)، وهو أشبه بالصواب. قالَ البيهقي في " شعب الإيمان " عقب (412): ((قالَ الحليمي رحمه الله: ((فقد يفهم من هذا أن من أحب الله تعالى لم يعد المصائب التي يقضيها عليه إساءة منه إليه، ولم يستثقل وظائف عبادته، وتكاليفه المكتوبة عليه كما أن من أحب أحداً من جنسه لم يكد يبصر منه إلاّ ما يستحسنه، ويزيده إعجاباً به ولا يصدّق من خبر المخبرين عنه إلا ما يتخذه سبباً للولوع به والغلو في محبته)))). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 22.

العارفينَ، عاشَ مِئةَ سنةٍ غير أشهُرٍ، وماتَ في جمادى الأولى سنةَ خمسٍ وثَلاثمئةٍ (¬1). قالَ شيخُنا: ((وإنّما أخّره لشيءٍ مَا قيلَ في ضَبطِهِ)). قولهُ: (جِلدهُ بِرَوْقِهِ) (¬2) هُو مِن أبياتٍ قَالها عامرُ بنُ فُهيرةَ - رضي الله عنه - (حينَ أصابتهُ الحُمَّى عندَ قُدومِهم المدينةَ في الهجرةِ، وأصابتْ معهُ أبا بكرٍ وبِلالاً رَضي اللهُ عنهم أجمعينَ، وكانَ كلٌ منهم يُنشدُ - إذا أخذتهُ الحُمّى - شَيئاً. روتْ ذلكَ عنهم عائشةُ رضيَ اللهُ عنها، وكانَ ذلكَ قبلَ أن ينزلَ الحجابُ قالت: فقلتُ لهُ: كيفَ تجدُكَ؟ فقالَ: قد وجدتُ المَوتَ قبلَ ذوقِهِ ... إنَّ الجبانَ حَتفُهُ مِن فَوقِهِ كُلُّ امرِئ مُجَاهِدٌ بِطَوقِهِ ... كَالثّورِ يَحمِي جِلْدَهُ بِرَوقِهِ (¬3) بِطَوْقهِ، أي: بطاقتِهِ، فيما قالَ ابنُ هِشَام (¬4). قالت رضي الله عنها: فقلتُ: واللهِ مَا يدري عامرُ ما يقولُ. قوله: (والذِّكْرُ) (¬5) قالَ في " القاموسِ " (¬6): ((الذِّكْرُ، بالكسر: الحفظُ للشّيءِ كالتَّذْكارِ، والشّيءُ يَجْري على اللسانِ، وما زالَ مِنِّي على ذُكْرِ، ويكسر أي: تَذَكُّرِ)). ¬

_ (¬1) انظر: سير أعلام النبلاء 14/ 7 - 11. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23. (¬3) انظر: الإصابة 3/ 124 (4413)، والفتح 7/ 328 عقب (3926)، وأحد البيتين ذكره مالك في الموطأ (2604) رواية الليثي عن يحيى بن سعيد: أن عائشة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: وكانَ عامر بن فهيرة يقول: قد رأيت الموت قبل ذوقه ... إن الجبان حتفه من فوقه (¬4) السيرة النبوية 2/ 237. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23. (¬6) القاموس المحيط مادة (ذكر)، وانظر: اللسان مادة (ذكر)، ومتن اللغة مادة (ذكر).

قوله: (وَتَغيير الفَهمِ) (¬1) هَكذا رأيتُهُ في غيرِ مَا نُسخَة، وصوابُهُ (التَّغيرُ) (¬2)؛ لأنَّه يَتغيرُ مِنْ غَيرِ اختيارِهِ، لا أنّهُ هو يُغيِّرُ نفسَهُ، وَيجوزُ أنْ يَكونَ المرادُ: تَغييرُ اللهِ لعقلِهِ، وَالأوّلُ أحسنُ؛ لأنَّهُ المتبادرُ. قوله: (مَخَافَةَ أنْ يَبدأَ بِهِ) (¬3) هو بدلٌ منْ قولِهِ: ((لأنَّ الغالِبَ)). ويجوزُ أنْ يكونَ مهموزاً فيكونَ معنَاهُ: يَبتديءُ، وَأنْ يَكون غَيرَ مهموزٍ فيكونَ بمعنى: يَظهرُ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬4): ((وهذا - أي: الإمساك - عندمَا تظهرُ أَمَارةُ الاختلالِ، وَيخافُ منهَا، فأمّا منْ لمْ يظهرْ ذَلكَ فيهِ فَلا يَنبغي الامتناعُ؛ لأنَّهُ هذا الوقتُ أحوَجُ مَا يكونُ الناسُ إلى روايتِهِ. وَهكذا القولُ في الأعمَى، إذا خِيْفَ مِنْهُ التَّخْلِيطُ)). انتهى. وهو حسنٌ إذا كانَ لَهُ منْ / 236 أ / يَثقُ بِهِ في مثلِ هذا، وأوصَاهُ أنَّهُ إذا رأى مِنْهُ أَمَارَةَ التّخليطِ منعَهُ، وإنْ لم يجدْ كانَ ما قالَ الجماعةُ هو المَظنَّةُ، فالحكمُ لَهُ كمَا دلَّ عليهِ كلامُ ابنِ خلاّدٍ، وما وجَّههُ بِهِ القاضي عياضٌ وابنُ الصلاحِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((ووجهُ مَا قالَ - يعني: ابنَ خلاّدٍ - أنَّ منْ بلغَ الثَّمانينَ ضَعُفَ حَالُهُ في الغالبِ، وَخِيفَ عَليهِ الاختلالُ والإخلالُ، وأنْ لا يُفطَنَ لهُ إلاّ بعدَ أنْ يخلِطَ، كمَا اتفقَ لغيرِ واحدٍ مِنَ الثّقاتِ منهم: عبدُ الرزاقِ، وسَعيدُ بنُ أبي عَروبةَ))، ثمَّ قالَ: ((وقدْ حدَّثَ خلقٌ بعدَ مجاوَزةِ هذا السّنِّ فساعدَهُمُ التوفيقُ وصَحِبَتْهُمُ السّلامةُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23، وهو من كلام القاضي عياض. (¬2) وهو كذلك في " شرح التبصرة والتذكرة ". (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23، وهو من كلام القاضي عياض. (¬4) الاقتراح: 246.

إلى أنْ قالَ: ((وعليُّ بنُ الجعدِّ وَجمعٌ جمٌّ مِنَ المتقدّمينَ وَالمتأخرينَ)) (¬1). قوله: (إنْ جَازتْ عَليهِ أشياءُ) (¬2)، أي: منَ الخطأِ فيختَلط حديثُهُ وربما لا يَدري السَّابقُ واللاحق فيسقطَ الكُلُّ. قوله: (إنْ يخف) في قوله: (وَيَنبغِي إمسَاكُ الأعمَى) (¬3)، أي: فإن لمْ يخف، بأنْ كانَ لهُ ثقةٌ مخبورٌ يُمسكُ أصلَهُ كانَ كمَا لو أمسكَ هُوَ. قوله: (منْ سِيْلَ) (¬4) هو فعلٌ ماضٍ مبنيٌ للمفعولِ من السؤالِ، فهو في الأصلِ مضمومٌ، والأوّلُ مَكسورُ الهمزةِ، فحُذفت الهمزةُ تَخفيفاً، ثُمَّ فعلَ فيهِ ما فعلَ بالمبني للمفعولِ من ((قالَ)) و ((باعَ)) بأنْ كَسَرَ ما قبلَ العينِ المُعتلّةِ لِيَخِفَّ النُّطقُ بها. قوله: (دَلَّ) (¬5)، أي: دلَّ ذلك السَائلُ له في التَّحديثِ على ذلكَ الذي علِمَ رجحانَهُ عليهِ في ذلكَ الجزءِ، بسببِ أنَّ ذلك حقٌّ عليهِ، ولو عَلِمَ أنَّ الطالبَ يعلمُ أنَّ ذلك الجزءَ أو الكتابَ عندَ المدلولِ عليهِ، فإنَّهُ لا بأسَ بأنْ يذكرَهُ لَهُ على سبيلِ التّنبيهِ، فإن تَركَهُ بعدَ تنبيهِهِ حدّثَهُ، فإنَّ في ذلكَ أمرينِ مندوبَينِ: أحدهما: النَّصحيةُ للطالبِ. والثاني: التّألف للمدلول عليه. ومعنى: (ينبغي) (¬6)، أي: يُستحبُّ استحبَاباً مُؤَكَّداً. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 346. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23، وهو من كلام القاضي عياض. (¬3) التبصرة والتذكرة (694). (¬4) التبصرة والتذكرة (694). (¬5) التبصرة والتذكرة (695). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 23.

قولُهُ: (بِحَضرَةِ الأحَقِّ) (¬1)، أي: في مَجلسِهِ. قولُهُ: 696 - وَبَعْضُهُمْ كَرِهَ الأَخْذَ عَنْهُ ... بِبَلَدٍ وَفِيْهِ أَوْلَى مِنْهُ حصلَ للجُزءِ الثاني منهُ خَبلٌ، وهو اجتمَاعُ الخَبنِ والطَّي، وذلكَ حذفُ ساكِني مُستَفعِلُن الثّاني والرّابع فَتَوالتْ فيه أَربعُ حركاتٍ، ثُمَّ حصلَ للجزءِ الثالثِ وهو مع الضربِ الثاني منَ الرّجزِ القطعُ معَ الخبنِ. والقَطعُ حَذفُ ساكنِ الوَتدِ، وتَسكينُ المُتَحرّكِ / 236 ب / قبلَهُ، والخبنُ حَذفُ الساكنِ الثاني ويبتدئ. لا خيرَ فيمَنْ كَفَّ عنَّا شَرَّهُ ... إنْ كَانَ لا يُرجَى لِيومٍ خَيرهُ فلذلكَ صارَ البيتُ ثقيلاً. قولُهُ في شرحِهِ: (مِنَ النَّصيحةِ في العلمِ) (¬2) وينبغي لهُ أنْ يَدلَّهُ عَلَى منْ هو أولى منهُ بذلكَ الجزءِ في بلدٍ أُخْرَى، لكنْ ينبَغي لهُ حينئذٍ أنْ يَقرُنَ تلكَ الدلالةَ بالإجازةِ مِنهُ لاحتمَالِ اخترام المنية للدّالِّ والمدَلولِ عليهِ قَبلَ أخذِ الطّالبِ لَهُ عنِ المدلولِ عليهِ، لا سِيَّمَا إذا بَعُدَتِ المسَافةُ بينهما. قولُهُ: (أوْلى مِنْهُ لِسِنِّهِ) (¬3)، أي: إذا استوَيا في حملهِ منْ جهةِ قِدَمِ السّماعِ، وَمِنْ جهةِ كونِ الإسنَادِ سَمَاعَاً أو إجَازةً، وغير ذلكَ منْ فهمِ العلمِ، وضبطِهِ، والورعِ وغيرِهِ، وزادَ أحدُهُما بالسّنِّ الصحيحِ، وأمَّا التّرجيحُ بمُطلقِ السِّنِّ فلا ينبغي الاعتدادُ بهِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (695). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24.

وإلى هذا يرشدُ قولُ ابنِ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬1): ((وينبغي أن يكون عندَ الاستواءِ فيما عَدا الصفةِ المرجحةِ، أمَّا معَ التفاوتِ بأنْ يكونَ الأعلى إسناداً عَامياً لا معرفةَ لَهُ بالصنعةِ، والأنزلُ (¬2) إسناداً عارفاً ضابطاً، فهذا يتوقفُ فيه بالنسبةِ إلى الإرشادِ المذكورِ؛ لأنَّه قد يكونُ في الروايةِ عن هذا الشَّخصِ العامِّي ما يُوجبُ خَللاً)). قولُهُ في شَرح قَولهِ: (وَلا تقُم) (¬3): (يُكتَبُ عَليهِ خَطِيئةٌ) (¬4)، أي: لأنَّ عليهِ المبالغة في تعظيمِ حديثِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فإذا قَامَ لأحدٍ تعظيماً لهُ فقدْ غيَّرَ في وجهِ تعظيمِ الحديثِ؛ لأنَّه فَعَلَ ما يَقتضي قطعهُ والاشتغالُ بغيرِهِ، ولكن هذا القولُ مِنَ الإمامِ أبي زيدٍ (¬5) - رَحِمهُ اللهُ - إنّمَا هو عَلى سبيلِ المبالغةِ في التّغليظِ، والحثِّ عَلى تبجيلِ الحديثِ، فإنَّهُ مما يمكنُ دخولُهُ تحتَ قولِهِ تعالى: {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِي} (¬6) الآية. وكذا ينبغي للسامعينَ تركُ ذلكَ، وكذا جميع ما يشغلُهُم عن بعض السماعِ، ويتأكدُ ذلكَ في حقِّ الشّيخِ المسمعِ. ¬

_ (¬1) الاقتراح: 247. (¬2) في (ف): ((الأنزال))، والمثبت من " الاقتراح ". (¬3) التبصرة والتذكرة (697). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24، وهو من كلام أبي زيد المروزي: ((القارئ لحديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا قام لأحد فإنّه تكتب عليه خطيئة)). (¬5) هو الإمام محمد بن أحمد بن عبد الله المروزي، راوي " صحيح البخاري " عن الفربري، توفي سنة (371 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 313 - 315. (¬6) الحجرات: 2.

قولُهُ: (مِنْ إدْرَاكِ بَعْضِهِ) (¬1) الاستدلالُ على هذا بالحديثِ (¬2) منْ مفهومِ الموافقةِ بطريقِ الأولى، فإنّ منَ المعلومِ الذي لا يُشكُّ فيهِ أنَّ الصحابةَ - رضي الله عنهم - لم يكونوا يسردونَ الحديثَ سَرداً يمنعُ من إدراكِ بعضِهِ، وقد قالتْ عائشةُ - رضي اللهُ عنها - فيهمْ ذلكَ، فما الظنُّ بِسردٍ يمنعُ من إدراكِ البعضِ. قالَ ابنُ دَقيقِ العيدِ: ((ولقد تسامحَ / 237 أ / الناسُ في هذه الأعصَارِ، فيستعجلُ القُرَّاءُ استعجالاً يمنعُ من إدراكِ حروفٍ كثيرةٍ، بل كلماتٍ، وهذا عندنا شديدٌ، لأنَّ عمدةَ الروايةِ الصدقُ، ومُطابقةُ ما يُخبرُ بهِ للواقعِ، وإذا قالَ السامعُ على هذا الوجهِ: قُرِىءَ على فُلانٍ وأنا أسمعُ، أو أخبرنا فلانٌ قراءةً عليه وأنا أسمعُ، فهذا إخبارٌ غيرُ مطابقٍ، فيكونُ كذباً، وما قيلَ في هذا من أنَّه يدخلُ في الإجازةِ [المقرونةِ بالسّماعِ، ويكونُ ذلك روايةً لبعضِ الألفاظِ بالإجازةِ] (¬3) من غير بيانٍ، فهو تسامحٌ لا أرضَاهُ، لما أَشَرنا إليهِ من بُعدِ لَفظِ الإجازةِ من معنى الإخبارِ، بل هَاهُنا أمرٌ زائدٌ، وهو دلالةُ اللفظِ على أنَّه سمعَ جميعَ ما يرويهِ من الشيخِ، ولم يكنِ المتقدّمونَ على هذا التساهلِ. هذا أبو عبدِ الرحمانِ النّسَائيُّ يقولُ فيما لا يُحصَى من المواضعِ في كتابهِ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 25، وانظر: نكت الزركشي 3/ 645. (¬2) إشارة إلى حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: ((إن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يكن يسرد الحديث كسردكم، ولكنه كان يتكلم بكلام بين فصل، يحفظه من جلس)). وهذا الحديث أخرجه: الحميدي (247)، وأحمد 6/ 118 و137 و157 و257، ومسلم 7/ 167 (2493)، وأبو داود (3654) و (3655) و (4839)، والترمذي (3639) وفي " الشمائل "، له (223)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (413)، وأبو يعلى (4393) و (4677)، وابن حبان (7153). (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الاقتراح ".

وذَكرَ كلمةً معناها كذا وكذا (¬1)، والذي أراهُ في مثلِ هذا أن يُستَقرَأَ الشّيخُ بروايةِ جميعِ الجزءِ، فإذا وقعَ مثلُ هذا في السّماعِ، أطلقَ الراوي عنهُ الإخبارَ قائلاً: أخبرنا فلانٌ، من غيرِ أن يقولَ قراءةً [عليهِ] (¬2)؛ لأنَّا قد قُلنا: إنَّ الإخبارَ الجمليَّ في هذا كافٍ لمطابقةِ الواقعِ، وكونه على قانونِ الصّدقِ، [و] (¬3) غايةُ ما في البابِ أن تكونَ بعضُ تلكَ الألفاظِ التي لم يسمعها داخلةً في هذا الإخبارِ الجُمليِّ، وذلكَ صدق. وإنما كَرهنَا ذلكَ فيما إذا لم يسمعِ الجزءَ أصلاً لمخالفتِهِ العادةَ، أو لكونهِ قد يُوقعُ تهمةً إذا علمَ أنّهُ لم يسمعِ الجزءَ من الشّيخِ، وهذا معدومٌ في هذه الصورةِ، لا سيما إذا أثبتَ السماعَ بغيرِ خطّهِ، فانتفتِ الريبةُ من كلِّ وجهٍ)) (¬4). انتهى. قولُهُ: (ودُعَاءٌ يَليقُ بِالحَالِ) (¬5) قالَ الإمامُ شهابُ الدينِ أحمدُ بنُ سعدِ الأنْدَرَشِيُّ في تلخيصِ عُلومِ الحديثِ في أوّلِ كتابهِ " العُمْدَةِ " (¬6) الذي اختصَرَ فيهِ " تَهذيبَ الكَمالِ " و" الأَطرافَ ": ((وزادَ بعضُهُم قراءةَ القُرآنِ، يعني: في الافتتاحِ كما سيأتي ذكرهُ في مجلسِ الإملاءِ ليكونَ مُطلق التّحديثِ كالإملاءِ)). ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال: المجتبى 1/ 178 و189 و214 و2/ 82 و3/ 229 و232. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الاقتراح ". (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الاقتراح ". (¬4) الاقتراح: 248 - 250. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 25. (¬6) قال حاجي خليفة 2/ 1170: ((العمدة في مختصر تهذيب الكمال والأطراف لشهاب الدين أحمد بن سعد الأندرشي الصوفي المتوفى سنة (750 هـ‍)))، وكلا الأصلين للإمام المزي رحمه الله.

قولُهُ في قولِهِ: (وَاعقِد للإملاءِ): (مِنْ أرفعِ الإسماعِ) (¬1) بَلْ هو أعلى أنواعِ السَّماعِ عندَ الأكثرينَ، وإنْ كانَ بعضُهُم رجّحَ القراءةَ عَلى الشّيخِ عَلى السّماعِ منه كمَا مَضَى. وعبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((فإنّهُ - أي: الإملاءَ - منْ أعْلى مراتبِ الرّاوينَ، والسّماع فيه منْ أحسنِ / 237 ب / وجوهِ التحمُّلِ وأقواهَا)) (¬2). انتهى. قالَ الأنْدَرَشِيُّ: ((لاقتضاءِ ذلكَ التّدبرِ منَ الشّيخِ، وَالتحققِ منَ الكاتبِ)). انتهى. وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في استحبابِ الإملاءِ: ((تأسِّياً بالسّلفِ الماضينَ؛ ولأنّهُ لا يقومُ بذلكَ إلاّ أهلُ المعرفةِ؛ ولأنَّ السّماعَ يكونُ محققاً مبيَّنَ الألفاظِ، معَ العادةِ في قراءتِهِ للمُقابلةِ بعدَ الإملاءِ)) (¬3). وقدْ قالَ الحافظُ أبو طاهرٍ السِّلفيُّ شِعراً فيهِ: فأَجلُّ أنَواعِ الحديثِ بأسرِهَا ... مَا يَكتُبُ الإنسانُ في الإِملاءِ (¬4) قوله: (مُبَلِّغاً) (¬5)، أي: مَنْ لمْ يَسمعْ أصلاً. (أوْ مُفْهِمَاً) (¬6)، أي: منْ سَمعَ شيئاً، وَخَفِيَ عَليهِ بعضُ الكلماتِ، أوِ الحروفِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (699): وَاعْقِدْ لِلاِمْلاَ مَجْلِساً فَذَاكَ مِنْ ... أَرْفَعِ الاسْمَاعِ وَالاَخْذِ ثُمَّ إِنْ (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 349. (¬3) الاقتراح: 250. (¬4) أخرجه: السمعاني في " أدب الإملاء والاستملاء ": 18، لكن بدل لفظة الحديث: ((السماع)). وذكره ابن دقيق العيد في " الاقتراح ": 251. (¬5) التبصرة والتذكرة (701). (¬6) المصدر نفسه.

قولُهُ في شرحِ ذلكَ: (ابن فَقَدْتُكَ) (¬1) هو تَضَجّرٌ وَقعَ منَ المُملي في حقِّ المستَملي؛ لقلّةِ فهمِهِ، مِع جراءتِهِ واتّساعِ صدرِهِ، معَ الجهلِ حيثُ ظنَّ ((عِدَّةً)) اسمَ رجلٍ فدعَا عليهِ بأنْ يفقدَهُ فلا يراهُ ولا يسمَعُ بِهِ، فهوَ خبرٌ مرادٌ بِهِ الدعاءُ. قوله: (أنْ لا يُخَالِفَ لَفْظُهُ) (¬2) يعني: إذا قُلنا بجوازِ الروايةِ بالمعنى، استحبَّ ذلكَ، وإلاّ فالوجوبُ. قوله: (وَفَائِدتُهُ) (¬3) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وَالفائدةُ في استملاءِ المستمِلي تَوصُّلُ مَنْ يسمع لَفظَ المملي عَلى بُعْدٍ منهُ إلى تفهّمِهِ وتحققِهِ بإبلاغِ المستملي وأمَا مَن لم يسمعْ [إلاّ لفظَ المستملي] (¬4) فليسَ يستفيدُ بذلكَ جوازَ روايتِهِ لذلكَ عنِ المملي مُطلقاً منْ غيرِ بَيانٍ للحالِ فيهِ، وفي هذا كلامٌ قدْ تقدّمَ في النوعِ الرابعِ والعشرينَ)) (¬5)، يعني: وهو في معرفةِ كيفيةِ سماعِ الحديثِ. قالَ الشّيخُ في " النكتِ " (¬6): ((والذي قدّمهُ هنَاكَ أنّهُ حَكى قولينِ: الجواز والمنع، وقالَ: إنّ الأولَ بعيدٌ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27، والكلام من قصة يزيد بن هارون عندما سأله المستملي بعد قوله: حدثنا به عدّة، فسأله المستملي: يا أبا خالد عدّة ابن من؟ فقال له: عدّة ابن فقدتك. والأثر أخرجه: الخطيب في " الجامع ": 274 (1210)، والسمعاني في " أدب الإملاء والاستملاء ": 107. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27، حكاه العراقي عن الخطيب حيث قال: ((يستحب له أن لا يخالف لفظه)). وانظر: الجامع: 274 قبيل (1212). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 350. (¬6) التقييد والإيضاح: 247 - 248.

فاقتضى كلامُهُ هناكَ رجحانَ الامتناعِ، والصوابُ كمَا قدّمتُهُ هنُاكَ أنَّهُ إنْ كَانَ المملي يسمعُ لفظَ المستمِلي فحُكمُ المستملي حُكمُ القارئ عَلى الشّيخِ، فيجوزُ لسامعِ المستملي، أنْ يَرويَهُ عنِ المملِي لكنْ لا يَجوزُ أنْ يقولَ: سمعتُ، ولا أخبرني فلانٌ إملاءً، إنّما يجوزُ ذلكَ لمنْ سمعَ لفظَ المملي، ويجوزُ أنْ يقولَ: أخبرنا فلانٌ، ويطلقُ ذلكَ على الصحيحِ. وهلْ يجوزُ أنْ يقيدَ ذلكَ بقولِهِ: قراءةً عليهِ؟ يحتملُ أنْ يقالَ بالجوازِ؛ لأنَّ المستملي كالقارىء عَلَى الشّيخِ وَيحتملُ أنْ لا يجوزَ ذَلكَ؛ لأنَّ موضوعَ المستملي تتبُّعُ ألفاظِ الشّيخِ، وَليسَ قصدهُ القراءةَ عَلى الشّيخِ، والأوَّلُ أظهرُ كما تقدّمَ هُنَاكَ، واللهُ أعلمُ)). ومُرادُهُ بموضوعِ المستملي المرادُ منهُ والمقصودُ بِهِ. قولُهُ: (وَاستَحسَنُوا البَدْءَ / 238 أ / بقارىءٍ تَلا) (¬1)، قالَ شيخُنَا - رحمهُ الله -: ((كانَ شيخُنَا العراقيُّ يقرأُ بسورةِ ((سَبَّحَ))، وفيهَا منَ المناسبةِ: {سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسَى} (¬2))). قلتُ: وكذا: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} (¬3)، وكذا: {قَدَّرَ فَهَدَى} (¬4)، و: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} (¬5) وغيرِ ذلكَ. قولُهُ: (فَالصَّلاةُ والسَّلامُ) (¬6) وإنّما اقتصرَ عَليها؛ لاشتهارِهَا في المجموعِ نحو ((لا إلهَ إلاَّ اللهُ)) في كلمةِ الإسلامِ، وهي الشَّهادتانِ. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (702). (¬2) الأعلى: 6. (¬3) الأعلى: 8. (¬4) الأعلى: 3. (¬5) الأعلى: 9. (¬6) التبصرة والتذكرة (703) ولفظة: ((والسلام)) غير موجودة في المتن ولا في الشرح.

قولُهُ في شرحِ ذلكَ: (وَدعَا لَهُ) (¬1)، أي: الشَّيخُ المملي. قولُهُ: (وَيدَعُو)، أي: الممِلي (لَهُمْ) (¬2)، أي: مشَايخهُ الذين رَوَى عنهمْ حالَ الإملاءِ، وَكذلكَ يُثني عَليهِ، وَهو مرادُ الشّيخِ بقولِهِ بعدَ ذلكَ (¬3) : ((يَذكُرُ أنسَابَهُمْ وَبعْضَ مناقِبِهمْ)). قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وَيَحسُنُ بالمحدّثِ الثناءُ عَلَى شيخِهِ في حَالةِ الروايةِ عنْهُ بما هُو أهلٌ لَهُ، فقدْ فَعلَ ذلكَ غيرُ واحدٍ منَ السّلفِ والعلماءِ، كَما رُوي عنْ عطاء ابنِ أبي رباحٍ: أنَّهُ كانَ إذا حدّثَ عنِ ابنِ عباسٍ -رضي الله عنهما - قالَ: حدّثني البحرُ)) (¬4). ثمَّ قالَ: ((وأهمُّ مِنْ ذلكَ الدّعاءُ لَهُ عندَ ذكرِهِ، فَلا يغفلنَّ عنْهُ)) (¬5). انتهى. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولا يَتجاوزُ - أي: في الثناءِ - إلى أنْ يَأتيَ في ذلكَ بما لا يستحقُهُ الشّيخُ، فإنّ معرفةَ مراتبِ الرواةِ منَ المهماتِ، فمتى وصفَ غيرَ الحافظِ بالحفظِ فقدْ نزَّلَهُ منزلةً يترتبُ عليها حُكمٌ)) (¬6). انتهى. قوله: (وَلا حَرْفَ) (¬7) معطوفٌ عَلى ((مَا)) تقديرُهُ: لا أحدثُكَ شيئاً، و ((لا حرفَ أذكرُهُ لَكَ)) فهي ((لا)) النافيةُ للجنسِ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 28. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 29. (¬3) قال هذا قبل كلامه الأول وليس بعده. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 29. (¬4) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1256). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 351. (¬6) الاقتراح: 252. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 28، وهو كلام الربيع كما نقله الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي (1327).

قوله: (وَكَالشَّعبيِّ) (¬1) أعادَ الكافَ؛ لانتقالِهِ منَ الأبناءِ إلى الأنسابِ. قوله: (ثمَّ ذَكرَ منِ اشتَهَرَ) (¬2) معطوفٌ عَلى ما ذكرَ في قولِهِ: ((قد اكْتُفِيَ في كثيرٍ منَ الرواةِ (¬3) بذكر ... )) (¬4). 705 - وَذِكْرُ مَعْرُوْفٍ بِشَيءٍ مِنْ لَقَبْ ... كَغُنْدَرٍ أَوْ وَصْفِ نَقْصٍ أَوْ نَسَبْ 706 - لأُمِّهِ فَجَائِزٌ مَا لَمْ يَكُنْ ... يَكْرَهُهُ كَابْنِ عُلَيَّةٍ فَصُنْ قولُهُ في قولِهِ: (وَذِكرُ مَعْروفٍ) (¬5): (فَجَائزٌ) (¬6) لا موقعَ لفائِهِ إلاّ أنْ يُحملَ على أنَّهُ جوابٌ لأمّا محذوفة، فلو قالَ: مُجَوَّزٌ، كانَ أحسن. قوله: (مَا لمْ يَكُنْ يَكْرَهُهُ) (¬7) فُهِمَ أنَّه إذا كانَ يَكرَهُهُ لا يجوزُ ذكرُهُ مطلقاً، بل ربما كانَ منطوقاً؛ فإنَّ تقديرَ الكلامِ: يجوزُ ذلكَ ما لمْ يكنْ يكرهُهُ، فإنْ كانَ يكرهُهُ ((كَابنِ عُلَيّةَ، فَصُنْ)) لسانَكَ عنِ النطقِ بِهِ فإنّهُ لا يجوزُ، ولا محيصَ عنْ هذا التقديرِ فإنّ ابنَ عُلَيّةَ لا يصلحُ مثالاً لقولِهِ: ((مَا لم يكنْ يكرهُهُ)) فإنَّهُ كان يكرهُ نسبتهُ لذلكَ (¬8)، وهذا هو الذي قالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (¬9)، كما أشَارَ إليهِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 29، وانظر: الجامع لأخلاق الراوي: 279. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 29 وقد عني بذلك الخطيب. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 279. (¬3) في (ف): ((الروايات))، والمثبت من " شرح التبصرة والتذكرة ". (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 29. (¬5) التبصرة والتذكرة (705). (¬6) التبصرة والتذكرة (706). (¬7) التبصرة والتذكرة (706). (¬8) انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 283 (1248)، ونقل الذهبي عنه أنه قال: ((من قال ابن علية فقد اغتابني)). سير أعلام النبلاء 9/ 108. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 352.

المصنِّفُ بقولِهِ بعدَ: ((وَاستثنى ابنُ الصّلاحِ منَ الجوازِ / 238 ب / مَا يكرَهُهُ الملقّبُ)) (¬1). وأمَّا الخطيبُ فإنّه لم يستثنِ منْ ذلكَ، بلْ كلامُهُ يدلُّ على جوازِهِ مُطلقاً (¬2)، إلاّ إنّ ذلكَ لا يمنعُ الكراهةَ، وخِلافُ الأولى في بعضِهِ، وعليهِ ينزلُ استثناءُ ابنِ الصَّلاحِ، وممنْ نُقِلَ عنهُ كراهةُ مَا يشهرُ بهِ الإمامُ الجليلُ سعيدُ بنُ المُسيَّبِ، قالَ الإمامُ النوويُّ في " شَرحِ مُقدمةِ صحيحِ مسلمِ " (¬3) في الكلامِ على الطواعين : ((وأمّا المسيّبُ والدُ سعيدٍ، فصحابيٌّ مشهورٌ وهو بفتحِ الياءِ، هذا هو المشهورُ. وَحَكى صاحبُ " مطالعِ الأنوارِ " عنْ عليِّ بنِ المدينيِّ أنَّه قالَ: أهلُ العراقِ يفتحونَ الياءَ، وأهلُ المدينةِ يكسرونهَا. قالَ: وَحُكِيَ أنَّ سعيداً كانَ يكرهُ الفتحَ)) (¬4). انتهى. وقالَ ابنُ خَلِّكانَ في تَرجمةِ سعيدٍ منْ " وفياتِهِ " (¬5): ((وروِيَ عنهُ أنّه كانَ يقولُ بكسرِ الياءِ، وَيقولُ: سَيَّبَ اللهُ منْ سيّبَ أبي)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 32. (¬2) قال الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 282: ((إذا كان الراوي معروفاً باسم أمه وهو الغالب عليه، جاز نسبته إليه)) ثم ذكر أمثلة على رواة ينسبون إلى أمهاتهم وذكر منهم إسماعيل ابن علية. ولكنه عقب ذلك بنهي الإمام أحمد يحيى بن معين عن تسمية إسماعيل بن إبراهيم بابن علية. (¬3) شرح صحيح مسلم 1/ 107. (¬4) جاء في القاموس وشرحه تاج العروس 3/ 90: ((المسيب كمحدث: والد الإمام التابعي سعيد، ويفتح. قال بعض المحدّثين: أهل العراق يفتحون، وأهل المدينة يكسرون، ويحكون عنه أنه يقول: سيب الله من سيب أبي. والكسر حكاه عياض وابن المديني)). (¬5) وفيات الأعيان 1/ 370.

قوله: (مَعرُوفٌ بِاسْمِ أمِّهِ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((أوْ نسبةٍ إلى أمٍّ عُرِفَ بها، كَيَعْلى بنِ مُنْيَة الصحابيِّ، وهو ابنُ منيةَ، ومنيةُ أمّهُ، وقيلَ: جدتهُ أمّ أبيهِ)) (¬2). قالَ الشَّيخُ في " النكتِ " (¬3): ((رَجّحَ المصنِّفُ هنا أنَّ مُنْيَةَ أمُّ يعلى، واقتصرَ في النوعِ السابعِ والخمسينَ - يعني: وهو في المنسوبينَ إلى غيرِ آبائِهِم (¬4) - عَلى كونها جَدتَهُ (¬5)، وحَكَاهُ عنِ الزبيرِ بنِ بَكّارٍ، وأنّها جدتُهُ أمُّ أبيهِ، ومَا قَالهُ الزبيرُ هو الذي جَزمَ بهِ أبو نصرِ بنُ ماكولا (¬6)، ولكن قالَ ابنُ عبدِ البرِّ: ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 31، والكلام للخطيب كما في "الجامع لأخلاق الراوي": 282. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 351. (¬3) التقييد والإيضاح: 249. (¬4) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 475. (¬6) الذي في " الإكمال " 6/ 46 يدل على أن ابن ماكولا يذهب إلى أن منية أم يعلى بن أمية؛ إذ قال هناك: ((يعلى بن أمية بن أبي عبيدة بن زيد مناة بن تميم، وأمه منية بنت جابر بن أهيب ... )). ولكن في موضع آخر من " الإكمال " 7/ 228 في ترجمة منية بنت الحارث بن جابر بن وهب. قال ابن ماكولا: ((وهي جدة يعلى بن أمية التميمي حليف بني نوفل، أم أبيه الأدنى، وبها يعرف، يقال له: يعلى بن منية. قاله الزبير)) ... وقال بعد ذلك: ((وقال الطبري: يعلى بن أمية بن أبي عبيدة، وأمه منية بنت جابر، عمه عتبة بن غزوان بن جابر ... )). فتبين أن ابن ماكولا في الموضع الأخير كان ينقل كلام أهل العلم، ولم يبدِ رأيه في المسألة. ولكنه في الموضع الأول جاء بكلام مطلق دون أن ينسبهُ لأحد، فكأنه قد عبر عن رأيه في الموضع الأول، أي أنه يقول: إن منية هي أم يعلى. فإذا كان الأمر على هذا النحو فإن نقل العراقي عن ابن ماكولا أنه يقول: إن منية جدة يعلى؛ فيه نظر. ولعل العراقي قد اطلع على الموضع الأخير، والذي فيه تقديم لقول الزبير فظن أن ابن ماكولا قد ارتضى كلام الزبير؛ لكونه قد قدمه في النقل، ولم يطلع على الموضع الأول الذي فيه كلام ابن ماكولا ورأيه.

لم يُصب الزبيرُ (¬1). انتهى. والذي ذكرَهُ الطبريُّ ورَجَّحهُ أبو الحجاجِ المزيُّ أنّها أمُّ يعلى لا جدتهُ (¬2) فما رجّحَ المصنِّفُ هنا هو الراجِحُ، والله أعلمُ)). قولُهُ: (وَكذلِكَ يَجُوزُ وَصْفُهُ بالعَرَجِ) (¬3) التشبيهُ في الجوازِ فقط، لا في عدمِ اختلافِ العلماءِ. قولُهُ: (ولم يُردْ عَيْبه فَلا بأسَ) (¬4) هذا يقتضي الجوازَ بلا كراهةٍ، سواءٌ ذَكرَهُ بشيءٍ منْ هذه الصفاتِ ونحوها، أو بلقبٍ؛ لأنَّ مناطَ الحُكمِ الإيذاءُ تحققاً أو ظناً، وسواءٌ عُرفَ منْهُ كراهةُ ذلكَ أو لا، وسواءٌ كانَ يمكنُهُ تعريفَهُ بغيرِ ذلكَ أوْ لا، هذا مقتضى كلامِ ابنِ المباركِ. وقدْ يفرقُ بينَ الصفاتِ - كالأعمشِ - والألقابِ، فيباحُ في الصفةِ لأنَّها فيه، بخلافِ اللقبِ. وقدْ يُفرقُ بينَ منْ عُرِفَ عنهُ الكراهةُ فيمنعُ، بخلافِ غيرِهِ. وهذا الذي قالَهُ ابنُ الصّلاحِ هو نصُّ أحمدَ كما سيأتي، إلاّ أنْ يُحملَ علَى الأدبِ كما قالَ الشّيخُ (¬5)، وقدْ يُفرقُ بينَ مَا تعينَ طريقاً للتعريفِ وغيرِهِ. وقولُ الشّافعيِّ: حدّثنا إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ / 239أ / الذي يقالُ لَهُ: ابنُ عليةَ (¬6)، لا ينفي ذكرهُ بِمَا يكرهُ، لكنّهُ قَصدَ بقلبِهِ تعريفَهُ ولمْ يُرِدْ عيبَهُ، وأقامَ على مُرادِهِ قرينةً ¬

_ (¬1) الاستيعاب: 765 (2778). (¬2) تهذيب الكمال 8/ 181 (7705). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 31. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 31، وهو كلام ابن المبارك. (¬5) قال العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 32: ((والظاهر أن ما قاله أحمد هو على طريق الأدب، لا اللزوم)). (¬6) قال الشافعي في "مسنده" (847) بتحقيقي: ((أخبرنا إسماعيل الذي يعرف بابن علية)). وقال أيضاً في حديث (1136): ((أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن علية)).

لفظيةً، فجمعَ في إرادتِهِ مجردَ التعريفِ بينَ القلبِ واللفظِ، وعُرِفَ أنَّ المذكورَ يكرهُ ذلكَ، وأنَّهُ يكرهُ مَا يكرهُهُ، ولكنّهُ اضطرَ إلى ذكرِهِ خوفاً منْ ضياعِ المرويِّ. وابنُ عليةَ هذا هو: إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ بنِ سهمِ بنِ مِقْسَمٍ مولى عبدِ الرحمانِ بنِ قُطْبةَ الأسديِّ أسد خزيمةَ، منْ أهلِ الكوفةِ (¬1). قالَ ابنُ سعدٍ: ((وكانَ مِقْسَمٌ منْ سبي القِيقانِيَّةِ ما بينَ خراسانَ وزَابُلِستانَ، وكانَ إبراهيمُ بنُ مِقْسَمٍ تاجراً منْ أهلِ الكوفةِ، وكانَ يَقْدُمُ البصرةَ بتجارتِهِ فيبيعُ ويرجعُ، فتخلّفَ فتزوّجَ عُليّةَ بنتَ حسّان مولاةً لبني شيبانَ))، قالَ: ((وكانتِ امرأةً نبيلةً عاقلةً بَرْزَةً، لها دارٌ بالعَوَقَةِ بالبصرةِ تُعرفُ بها، وكانَ صالحُ المُرَّيُّ وغيرُهُ منْ وجوِهِ أهلِ البصرةِ وفقهائِهِا يدخلونَ عليها فَتَبْرُزُ لهم، وتحدّثُهمْ وتسائلهُم، فولدتْ لإبراهيمَ: إسماعيلَ سنةَ عشرٍ ومئةٍ فنُسبَ إليها)). قالَ: ((وكانَ إسماعيلُ يُكنى أبا بشرٍ، وكانَ ثقةً ثبتاً في الحديثِ حجةً)). قالَ: ((وتوفي ببغدادَ يومَ الثلاثاءِ لثلاث عشرةَ خلتْ منْ ذي القعدةِ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ ومئةٍ، ودُفِنَ [منَ] (¬2) الغدِّ يومَ الأربعاءِ)) (¬3). نقلتُ ذلكَ منْ خطِّ بعضِ أصحابِنَا وقالَ: ((ليسَ عندَ ابنِ سعدٍ في نسبِهِ ((سَهمٌ)) (¬4)، وإنما زِيدَ منْ " شرحِ مسلمٍ للنووي " (¬5). ¬

_ (¬1) انظر: الثقات 6/ 44 - 45، وتاريخ بغداد 6/ 20 (3054)، وتهذيب الكمال 1/ 216 (410). (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الطبقات الكبرى ". (¬3) الطبقات الكبرى 7/ 235 - 236 (3467). (¬4) وكذلك الحال عند ابن أبي حاتم في " الجرح والتعديل " 2/ 96، وعند الخطيب في " تاريخ بغداد " 6/ 20، وعند المزي في " تهذيب الكمال " 1/ 216. (¬5) شرح صحيح مسلم 1/ 65. قلت: قد وجِدتْ هذه الزيادة في نسبه عند: ابن حبان في " الثقات " 6/ 45، والباجي في " التعديل والتجريح " 1/ 361، وابن منجويه في "رجال مسلم" 1/ 54، وجميع هؤلاء قد سبقوا الإمام النووي.

قولُهُ: في شرح قولِهِ: (وَاروِ في الإملاءِ) (¬1): (منْ وَجْهٍ آخَرَ) (¬2) قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((يُقدّمُ منْ يستحقُّ التقديمَ الأعلى إسناداً، أو الأحفظَ، وتقديمُ الأحفظِ والأتقنِ أولى)) (¬3). قولُهُ: (وَيَنْتَقي مَا يُمْلِيهِ) (¬4)، أي: فلا يذكرُ إلاّ نقاوةَ مَا عندَهُ مِنَ العلو، والصحةِ، والغرابةِ ونحو ذلكَ. قولُهُ: (وَيَتحرّى المُستَفَادَ مِنْهُ) (¬5)، أي: ما فيهِ فائدةٌ جديدةٌ منَ الذي يمليهِ من الحديثِ، يعني: أنَّهُ إذا ساقَ حديثاً، وأرادَ أنْ يمليَ بعدَهُ آخرَ فليتحرَّ أنْ لا يكون بمعنى الحديثِ الذي قبلَهُ، بلْ يكون مفيداً فائدةً جديدةً، إمّا بأنْ يكونَ مغايراً لهُ منْ كلِّ وجهٍ، أو يَكونَ شرحاً لما قبلَهُ، أو مقيِّداً لَهُ، أو مبيناً لشيءٍ مِنْهُ، ونحو ذلك، والله أعلمُ. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ / 239 ب /: ((وكانَ الحفّاظُ المتقدّمونَ يختارونَ ما فيهِ فَائدةٌ تخصُّهُ بالنسبةِ إلى غيرهِ، كزيادةٍ في المتنِ، أو غرابةٍ في السندِ، أو تبيينٍ لمجملٍ، ولهذا كانَ يُختار للانتقاء الحفاظُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (707). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 32، وهي عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 352. (¬3) الاقتراح: 252. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 32، وهي عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 352. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 32 - 33، وهي عبارة ابن الصلاح في "معرفة أنواع علم الحديث": 352. (¬6) الاقتراح: 252.

قولُهُ: (عُلُوَاً مُتَفَاوِتَاً) (¬1)، أي: بالنسبةِ إلى إسنادينِ فأكثرَ، بدرجةٍ أو درجتينِ فإجازةٍ وسماعٍ، وكون الإجازةِ في موضعٍ أو أكثرَ، ونحو ذلك. فلو أُعريَ عن الوصفِ لَحُمِلَ على أدنى الدرجاتِ فلم تُعرفْ عينُ الدرجةِ التي عَلاَ بها. قولُهُ: (إِعْلامُهُ) (¬2)، أي: ضَبطُهُ بما يزيلُ عُجمتَهُ، أي: لَبسَهَ بما يمنعُ فهمَهُ. قولُهُ: (أَعَمَّ للفَائِدَةِ) (¬3)، أي: لأنَّ ذِكرَ شيخٍ جديدٍ، مثلَ ذكرِ حديثٍ جديدٍ في تَجدُّدِ الفائدةِ، وربما يسافرُ الطالبُ الذي سمعَ مجلسَهُ فيكونُ قد استفادَ مشايخ، ولو اقتصرَ على شيخٍ واحدٍ لكانت فائدتُهُ قاصرةً. قولُهُ: (وقَصُرَ مَتْنُهُ) (¬4) قالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((فَإنّهُ أحسنُ وأليقُ)) (¬5). انتهى. ولعلّ الأحسنيةَ من حيث إنّه تكثرُ أحاديثُ الإملاءِ، فتكثرُ الفائدةُ. وإلاّ لهيئتِهِ من حيثُ إنّ أهلَ الإِملاءِ يحبونَ سرعةَ الانتقالِ إلى حديثٍ جديدٍ، هذا إذا كانَ الطولُ بسببِ قصةٍ ونحوها مما يفيدُ شيئاً واحداً. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 33، وهي عبارة الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 309 - 310 عقب (1371). (¬2) في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 33: ((إعجامه))، وهذه عبارة " الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي ": 297 عقب (1313). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 33، وهي عبارة الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 288 عقب (1269). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 33، وهي عبارة الخطيب أيضاً في " الجامع لأخلاق الراوي ": 288 عقب (1269). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 352.

فإنْ كانَ بسببِ اشتمالهِ على أحكامٍ كثيرةٍ فلا بأسَ بإيرادِهِ إذ كلُّ حكمٍ منها بمنزلةِ حديثٍ مستقلٍ. قولُهُ: (وَظِيفتُنَا) (¬1) البيتين هما من المتقاربِ، وهو: فَعُولُنْ ثماني مراتٍ من عَروضِهِ الأولى، وهي محذوفةٌ وخبرُها تامٌ والحذفُ وهو إسقاطُ سببٍ خفيفٍ من العللِ الجائزةِ في عَروضِهِ وإنْ كانت تامةً. وكان عليُّ بن حُجْر هذا قد تفرّدَ بشريكٍ وهشيمٍ (¬2). قولُهُ: (عُقُولُ العَوَام) (¬3) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((عُقُولُ الحَاضرينَ، وما يخشى فيه من دخولِ الوهمِ عليهِ في حديثِهِ (¬4))) (¬5). وعبارةُ ابنِ دقيقِ العيدِ: ((أو (¬6) ما يقعُ لهم فيه شبهةٌ أو إشكالٌ)). قالَ: ((وينبغي أن يَتخيرَ لجمهورِ الناسِ أحاديثَ فضائلِ الأعمالِ وما يُناسبُها وللمتفقهةِ أحاديثَ الأحكامِ، وليَجْتَنِبِ الموضوعاتِ، فإن كانَ ولا بد فمع بيانِ أمرِهَا)) (¬7). قولهُ: (حَدِيْث أبي هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه -) (¬8) رواهُ مسلمٌ في مُقدّمةِ " كتابِهِ " عن أبي هريرةَ، وعن ابنِ عمرَ - رضي الله عنهم - / 240 أ /، ولفظُهُ عن أبي هريرةَ رضي الله ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34، وهذه الكلمة هي مطلع البيتين اللذين نقلهما العراقي عن علي بن حجر. (¬2) في (ف): ((وهو هشيم)) وكلمة: ((هو)) مقحمة لا داعي لها. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34، وهذه عبارة الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي": 300. (¬4) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((عليهم في فهمه)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 352. (¬6) في " الاقتراح ": ((و)). (¬7) الاقتراح: 253. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34.

عنه، قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((كَفَى بالمرءِ كَذِبَاً أنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ)) (¬1). وأسندَهُ عن عبدِ اللهِ موقوفاً عليهِ قالَ: ((بِحَسْبِ المرءِ من الكَذِبِ أنْ يُحدّثَ بِكلِّ ما سَمعَ)) (¬2). وعن أبيهِ عمرَ - رضي الله عنه - مثله (¬3). وأسندَهُ صاحبُ " الفردوسِ " عن أبي أمامةَ - رضي الله عنه - مرفوعاً (¬4). ورَوَى مسلمٌ في مقدمةِ " صحيحِهِ " (¬5): عن ابنِ وهبٍ قالَ: قالَ لي مالكٌ: ((اعْلَمْ أنَّهُ ليْسَ يَسْلمُ رجُلٌ حَدَّثَ بكلِّ ما سَمِعَ، ولا يَكُونُ إِماماً أبداً وهُو يُحَدِّثُ بِكُلِّ ما سَمِعَ)). وعن عبدِ الرحمانِ بنِ مهدي قالَ: ((لا يكُونُ الرَّجُلُ إماماً يقتدى بِهِ، حَتَّى يُمْسِكَ عَنْ بَعْض ما سَمِعَ)) (¬6). قولُهُ: (وَقَول عَلِيٍّ - رضي الله عنه -) (¬7) رواهُ البخاريُّ في أواخرِ كتابِ العلمِ من " صحيحِهِ " (¬8) موقوفاً عليهِ. ورفعهُ صاحبُ " الفردوسِ " (¬9). ¬

_ (¬1) صحيح مسلم 1/ 8 (5). (¬2) صحيح مسلم 1/ 8 عقيب (5). (¬3) صحيح مسلم 1/ 8 عقيب (5). (¬4) الفردوس بمأثور الخطاب 3/ 286 (4858). (¬5) صحيح مسلم 1/ 8. (¬6) صحيح مسلم 1/ 8 - 9. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34. (¬8) صحيح البخاري 1/ 44 (127) عن عبيد الله بن موسى، عن معروف بن خربوذ، عن أبي الطفيل، عن علي - رضي الله عنه -، به. وأخرجه: البيهقي في المدخل إلى " السنن الكبرى " (610)، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 300 (1329)، والسمعاني في " أدب الإملاء والاستملاء ": 74 جميعهم من طريق عبيد الله بن موسى، به. (¬9) ورد في " الفردوس بمأثور الخطاب " 2/ 129 (2656) ولكن من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما.

قولُهُ: (وَقَول ابْنِ مَسْعُوْدٍ - رضي الله عنه -) (¬1) أخرجَهُ مُسلمٌ في المقدّمةِ (¬2) ولفظُهُ: ((مَا أَنتَ بمُحدِّثٍ قَومْاً حديثاً لا تَبْلُغُهُ عُقُولُهُمْ، إلاَّ كانَ لِبعْضِهِمْ فِتْنَةً)). وَرَوى أيضاً عن أبي هُريرةَ - رضي الله عنه - عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((سَيَكُونُ في آخِرِ أُمَّتي أُناسٌ يُحَدِّثُونَكُمْ مَا لَمْ تَسْمَعُوا أَنْتُمْ وَلا آباؤُكُمْ، فإياكُمْ وَإِيَّاهُمْ)) (¬3). قولُهُ: (وَمِمَّا رَأَى) (¬4) خَبرُ المبتدأ الذي هو قولهُ: ((أحاديثُ الرُّخصِ)). وَ (أَولَى) خَبرُ ((أَنّ))، و (الصُّدُوفَ) اسمُها، وهو بضمِّ المُهمَلَتينِ وآخرُهُ فَاءٌ، ومعناهُ: الإعراضُ (¬5). قولهُ: (كَرَاهِيَةُ رِوَايَةِ أَحَادِيثِ بَني إِسْرائِيْلَ) (¬6) اعْلَم أنّ أحاديثَ بني إسرائيلَ على أقسامٍ: الأولى: أن يُعرفَ صدقُهُ بإخبارِ نَبيِّنا - صلى الله عليه وسلم - فلا ريبَ في حُسنِ روايته وعدمِ الحرجِ فيها. والثاني: أن يُعرفَ كَذبُهُ، فلا ريبَ في تحريمِ روايتِهِ إلاّ على وجهِ البيانِ لحالهِ. والثالث: ما يُظنُّ كَذبُهُ وهو يَحتملُ الصدقَ فَلا تنبغي روايتهُ. وتحملُ الكراهةُ بالنسبةِ إلى هذا القسمِ على ظاهرِهَا. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34. (¬2) صحيح مسلم 1/ 9. (¬3) صحيح مسلم 1/ 9 (6). وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 321، وأبو يعلى (6384)، وابن حبان (6766)، والحاكم 1/ 103، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/ 550، والبغوي في " شرح السنة " (107). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 35، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 302. (¬5) انظر: تاج العروس مادة (صدف). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 35.

وبالنسبةِ إلى الذي قبلَهُ على التحريمِ استعمالاً للمشتركِ في معنييهِ. والرابع: أن يتساوى فيه الاحتمالانِ فهذا هو المرادُ بقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((حَدّثوا عن بني إسرائيلَ ولا حَرجَ)) (¬1). ¬

_ (¬1) هو جزء من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. أخرجه: عبد الرزاق (10157)، وأحمد 2/ 159 و202 و214، والدارمي (548)، والبخاري 4/ 207 (3461)، والترمذي (2669)، والطحاوي في " شرح المعاني " 4/ 128 وفي " شرح المشكل "، له (133) و (398)، وابن حبان (6256)، والقضاعي في " مسند الشهاب " (662)، والبغوي في " شرح السنة " (113) من طريق حسان بن عطية، عن أبي كبشة السلولي، عن عبد الله بن عمرو، به. ومن حديث أبي سعيد الخدري. أخرجه: أحمد 3/ 56، والنسائي في " الكبرى " (5848) من طريق عفان، عن همام، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، به. ومن حديث أبي هريرة أخرجه: الحميدي (1165)، وأحمد 2/ 474 و502، وأبو داود (3662) من طريق محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، به. قال البغوي في " شرح السنة " 1/ 244 عقب (113): ((ليس على معنى إباحة الكذب على بني إسرائيل، بل معناه: الرخصة في الحديث عنهم على معنى البلاغ من غير أن يصح ذلك بنقل الإسناد؛ لأنه أمر قد تعذر في أخبارهم، لطول المدة ووقوع الفترة)). قال ابن حجر في " فتح الباري " عقب (3461): ((وقال مالك: المراد جواز التحدث عنهم بما كان من أمر حسن، أما ما علم كذبه فلا. وقيل: المعنى حدثوا عنهم بمثل ما ورد في القرآن والحديث الصحيح. وقيل: المراد جواز التحدث عنهم بأي صورة وقعت من انقطاع أو بلاغ لتعذر الاتصال في التحدث عنهم، بخلاف الأحكام الإسلامية فإن الأصل في التحدث بها الاتصال، ولا يتعذر ذلك لقرب العهد. قال الشافعي: من المعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يجيز التحدث بالكذب، فالمعنى حدثوا عن بني إسرائيل بما لا تعلمون كذبه، وأما ما تجوزونه فلا حرج عليكم في التحدث به عنهم، وهو نظير قوله: ((إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم)) ولم يرد الإذن ولا المنع من التحدث بما يقطع بصدقه)).

قولُهُ: / 240 ب / (فَتَأكُلُ القُرْبَانَ) (¬1) إن قيلَ: هذا قد عُلمَ صدقُهُ بإخبارِ نبينا - صلى الله عليه وسلم -، قيلَ: ليسَ المرادُ من ذكرهِ بيانَ حكمِ روايتِهِ، وإنما المرادُ تمثيلُ ما يستحيلُ عادةً في هذه الأمةِ. 710 - وَاسْتُحْسِنَ الإِنْشَادُ فِي الأَوَاخِرِ ... بَعْدَ الْحِكَايَاتِ مَعَ النَّوَادِرِ قولُهُ في قولِهِ: (وَاسْتُحْسِنَ): (بَعدَ الحِكَايَاتِ) (¬2)، أي: أنّ العادةَ جرتْ بأن يختموا بالإنشادِ، إلا أنْ يكونَ في الحكايةِ شيءٌ يتعلقُ بتفسيرِ غريبِ الشِّعرِ، أو غيرِ ذلك مما يقتضي تَأخيرُهَا. قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((فإنْ كانتْ مناسبةً لما تقدَّم من الأحاديثِ فهو أحسنُ)) (¬3). قولهُ في شرحِ ذلكَ: (بِأَسَانِيدِهَا) (¬4)، أي: لا تَكملُ فائدةُ ذلكَ إلا بذكرِ الإسنادِ؛ لأنَّ ما يذكَرُ بغير إسنادٍ لا فرقَ فيهِ بين الطالبِ والشيخِ، وإنما تحصلُ المزيةُ للشيخِ بذكرِ الإسنادِ. قالَ الأَنْدَرَشِيُّ: ((وأولى ذلكَ ما كانَ في الزهدِ ومكارمِ الأخلاقِ)) (¬5). قولهُ: (طُرَف الحِكْمَةِ) (¬6) جمعُ طُرْفَةٍ مثل غُرْفَةٍ، وهي الشيءُ الحديثُ، من اطَّرَفْتُ الشيءَ اشْتَرَيْتُهُ حديثاً. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 35، وانظر: " الجامع لأخلاق الراوي ": 307 (1362). (¬2) التبصرة والتذكرة (710). (¬3) الاقتراح: 253. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 36. (¬5) انظر: التقريب للنووي المطبوع مع تدريب الراوي 2/ 138. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهذه العبارة مما نسب إلى الإمام علي - رضي الله عنه -. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 316 (1399).

واسْتَطْرَفتُ الشيءَ: اسْتَحْدثْتُهُ، كأنّهُ قالَ: اطلبوا لها أخباراً طريفةً، أي: حَديثةً، من الحكمِ، أي: لم تسمعْهَا قبلَ ذلكَ، ليكونَ ذلكَ أنشطَ لها فيما ينفعُها. قولهُ: (الأُذُنَ مَجَّة) (¬1)، أي: إذا كَرّرتْ عليها شَيئاً مَجَّتْهُ، أي: صارتْ كأنّها تدفعُهُ وترمي بهِ. قولهُ: (والقَلْب حَمِض) (¬2) بفتحِ المهمَلَةِ وكسرِ الميمِ وآخره ضَاد معجمة، صفةٌ مشبهةٌ من الحمض، أي: يَكِلُّ من سماعِ الجدّ ويتوقُ إلى التّرويحِ بالنّوادرِ. كما أنَّ الإبلَ تَكِلُّ من المرْعَى فَتَتَفَكَّهُ (¬3) بالحمضِ حتى تُقبلَ عليهِ. قالَ في " الصّحاحِ " (¬4): ((والحَمْضُ: ما مَلُحَ وأَمَرَّ من النباتِ، كالرِمْثِ والأثْلِ والطَرْفَاءِ ونحوها، والخُلَّةُ من النبت: ما كان حُلواً، تقولُ العربُ: الخُلَّةُ خبزُ الإبلِ، والحَمْضُ فاكهتُها، ويقالُ: لحمُهَا، ومنهُ قولُهم للرجلِ إذا جاءَ مُتَهَدِّداً: أنت مُختلٌّ فَتَحمَّضْ، والحَمْضَةُ: الشهوةُ للشيء، وفي حديثِ الزهريِّ: الأذنُ مَجَّاجةٌ (¬5) وللنّفسِ حَمْضَةٌ، وإنما أُخِذَتْ من شهوة الإبل للحَمْضِ؛ لأنَّها إذا مَلَّتِ الخُلَّةَ اشتهتِ الحَمْضَ فتُحَوَّلُ إليه)). قولهُ: (أَبزَار الجَنَّةِ) (¬6)، أي: الحِكَايَاتُ التي تكونُ للعلمِ النافعِ الموصلِ إلى ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهو كلام الزهري انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 316 (1402). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهو كلام الزهري أيضاً. (¬3) في (ف): ((فتتكفه)) بتقديم الكاف على الفاء، والصواب ما أثبته بدليل كلام المصنف الأتي من نقله عن " الصحاح " إن الحمض فاكهة الإبل. (¬4) الصحاح مادة (حمض). (¬5) في الصحاح: ((محاجة)) بالحاء المهملة. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهو كلام حماد بن زيد. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 317 (1408). والبزر: الحَبُّ، وكذلك هو: التَّابلُ الذي يُطَيَّب به الغداء، جمع أبْزَار. يقالُ: بزَّر الطعامَ، وكلامَهُ: حسَّنهُ وزَوَّقَهُ. انظر: تاج العروس مادة (بزر).

الجنةِ كالأبْزَار للطّعامِ، تُطيّبهُ وتُشَهِّيه وتشوّقُ النفس إليه. قولهُ: (مِنْ أهْلِ المَعْرِفَةِ) (¬1) / 241أ / عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((وإذا قصرَ المحدّثُ عن تخريج ما يُمليهِ فاستعانَ ببعضِ حُفّاظِ وقتِهِ فخرَّج لهُ، فلا بأسَ بذلكَ)) (¬2). قولهُ: (وَإِذَا نَجِزَ الإِمْلاَءُ) (¬3) قالَ الشيخُ في " النكتِ " (¬4): ((هو بكسرِ الجيمِ على المشهورِ، وبه جَزمَ الجوهريُّ فقالَ: ((نَجِزَ الشيءُ ينجزُ نَجزاً، أي: انقضى وفَنِيَ)) انتهى. وهذا هو الذي قُيِّدَ عن المصنِّفِ في حاشيةِ " علومِ الحديثِ " حين قُرِىءَ عليهِ، والذي صَدّرَ به صاحبُ " المحكمِ " كلامهُ بالفتحِ، فقالَ: نجزَ الكلامُ - بالفتح - انقطعَ، ونجزَ الوعدُ، ينجزُ نَجْزاً: حَضَر قالَ: وقد يقالُ: نجِزَ. قالَ ابنُ السِّكِّيتِ: ((كأنّ نَجِز: فَنيَ، وكأن نَجَز: قضى حاجتَهُ)) (¬5). انتهى)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 288 عقب (1270). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 352. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37، وهي عبارة ابن الصلاح في "معرفة أنواع علم الحديث": 352. (¬4) التقييد والإيضاح: 250. (¬5) وهو يعقوب بن إسحاق السكيت، أبو يوسف النحوي اللغوي، والسكيت لقب أبيه، وكان أبوه من أصحاب الكسائي عالماً بالعربية واللغة والشعر، وكان يعقوب يؤدب الصبيان مع أبيه في درب القنطرة بمدينة السلام، قال ياقوت: ((لم يكن بعد ابن الأعرابي مثله))، أي: مثل ابن السكيت له عدة مصنفات منها: إصلاح المنطق، والقلب والإبدال، وكتاب النوادر، وكتاب الأضداد، وكتاب الفرق، توفي سنة (244 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 14/ 273، ومعجم الأدباء 20/ 50، وسير أعلام النبلاء 12/ 16.

وقالَ في " القاموسِ " (¬1): ((نَجِزَ، كفَرِحَ ونَصَرَ: انقضى، وفَنِيَ، والوعدُ: حَضَرَ، والكلامُ: انْقَطعَ، ونَجَزَ حاجَتَه، قَضاها، كأَنْجَزَهَا)). وقال ابنُ القَطَّاع: ((نَجزتِ الحاجةُ نجازاً، وأنجزتُها قضيتُها فَنجزتْ (¬2))). وقالُوا: نَجَزَ ونَجِزَ وكأنّ نَجَزَ: قضى حَاجتَهُ، وكأن نَجِزَ - أي: بالكسر -: فَنِيَ ونَجَزَ الشيء نجازاً: حضرَ، وأيضاً ذَهَبَ. قولهُ: (وَقَدْ تَقَدَّمَ في كَلامِهِ) (¬3)، أي: في النوعِ الخامسِ والعشرينَ: وهو في كتابةِ الحديثِ وكيفيةِ ضبطِ الكتابِ وتقييدهِ (¬4). قولهُ: (لاَ عَلَى أُصُولِهِ) (¬5) هذا الحصرُ ممنوعٌ. أمّا أولاً: فلإمكانِ المقابلةِ على الأُصولِ. وأمّا ثانياً: فلأنّ العادةَ في المقابلةِ أن تكونَ على الورقِ المنقولِ إليهِ تلكَ الأَحَادِيث المُجمّعة من الأُصولِ، وناقلُ تلكَ الأحاديثِ إنما يكونُ حافظاً فلا يغيرُ شيئاً في الغالبِ، والغالبُ أنَّه يتفقدُها بعد النقلِ ويتحفظُ المُملِي ما يمليهِ منها، فإن وقعَ لهُ شيءٌ تنبَّهَ لهُ هذا المُملي إذا لم يقابلْ ما ينقلُهُ وربما قابلَهُ فينتفي المحذورُ. وترجمةُ الخطيبِ تؤيدُ ذلك فإنّه قالَ: ((المعارضةُ بالمجلسِ المكتوبِ)) (¬6)، أي: المعارضةُ الكائنةُ لما كَتبهُ الطالبُ بالمجلسِ المكتوبِ الذي أملاهُ الشيخُ. ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (نجز). (¬2) الأفعال لابن القطاع 3/ 112. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 303. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬6) الجامع لأخلاق الراوي: 318.

قولهُ: (زَيْغُ القَلَمِ) (¬1)، أي: قَلَم الطالبِ. قولُهُ: (إلى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ) (¬2) الحديث أخرجَهُ (¬3). وقد رَوى ابنُ جَريرٍ الطَّبريُّ في مُقدّمةِ " التّفسيرِ " (¬4) حديثَ زيدِ بنِ ثَابتِ في أمرِ أبي بكرٍ رضي اللهُ عنهما لهُ بجمعِ القُرآنِ، وأنّهُ جمعَهُ ثم ذكرَ ما وقعَ من الاختلافِ حتى أمرهُ عثمانُ / 241ب / - رضي الله عنه - فجمعَ تلكَ الصحف مصحفاً واحداً، وفي آخرهِ أنَّه عَرضهُ مرةً بعدَ أُخرى حتى أكملَ ثلاثَ عرضاتٍ، ثم طَلبَ عثمانُ - رضي الله عنه - من حفصةَ رضي الله عنها صَحيفةً كانَ أبوها عمرُ - رضي الله عنه - جمعَ فيها القرآنَ، فعرضَ المصحفَ الذي كتَبهُ زيدُ عليها عرضةً رابعةً، ورجالُ إسنادِهِ رجالُ الصحيحِ. قولهُ: (ثُمَّ يُخرَجُ بهِ) (¬5)، أي: إلى النَّاسِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ في آخرها: ((هذه عُيُونٌ من آدابِ المحدِّثِ اجتَزَأنا بها، مُعرضينَ عَن التّطويلِ بما ليسَ من مُهمَّاتها، أو هوَ ظَاهرٌ ليسَ من مشتَبهاتِها، واللهُ الموفقُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬3) ترك في (ف) بياض قدر نصف سطر، دليل أن البقاعي أراد أن يكتب من أخرج الحديث. وحديث زيد بن ثابت في كتابة الوحي أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 318 - 319 (1416). وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/ 152 وقال: ((رواه الطبراني في " الأوسط " ورجاله موثوقون إلا أن فيه: وجدت في كتاب خالي، فهو وجادة)). (¬4) جامع البيان عن تأويل آي القرآن 1/ 56. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 353.

آداب طالب الحديث

[آدَابُ] (¬1) طَالبِ الحديثِ (¬2) قولُهُ: (أدب (¬3) طالبِ الحديثِ) (¬4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وقدِ اندرجَ طرفٌ منهُ في ضمنِ ما تقدَّمَ)) (¬5). قولُهُ: (وَجِدَّ) (¬6) يجوزُ فيهِ كسرُ الجيم، مِنْ فَعَلَ يَفعلُ بفتحِ العينِ في الماضي وكسرها في المستقبلِ، وضم الجيمِ، من فَعَلَ يفعلُ بضمِّها في المستقبلِ، ومعناه الاجتهادُ في طلبِ العلمِ. قالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " في بابِ أقسامِ العلمِ الشرعيِّ (¬7): ((وهي ثلاثةٌ: فرضُ العينِ، وعليهِ حملَ جماعاتٌ الحديثَ ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " شرح التبصرة والتذكرة ". (¬2) انظر في معرفة آداب طالب الحديث: الإلماع: 45 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 353، والإرشاد 1/ 521 - 528، والتقريب: 146 - 149، والاقتراح: 257، ورسوم التحديث: 97، والمنهل الروي: 108، واختصار علوم الحديث 2/ 438 وبتحقيقي: 219، والشذا الفياح 1/ 400 - 418، والمقنع 1/ 407 - 418، ونزهة النظر: 129، وفتح المغيث 2/ 311 - 346، وتدريب الراوي 2/ 140 - 158، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 255، وفتح الباقي 2/ 117، وشرح شرح نخبة الفكر: 786، واليواقيت والدرر 2/ 423، وقواعد التحديث: 233 - 236. (¬3) كذا في (ف) وفي " شرح التبصرة والتذكرة ": ((آداب)) إلا أن في نسخة من نسخ شرح التبصرة والتذكرة التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب كانت الكلمة ((أدب))، وكذلك أشار القاضي زكريا الأنصاري في "فتح الباقي" 2/ 117 إلى اختلاف نسخ الكتاب في هذه الكلمة. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 353. (¬6) التبصرة والتذكرة (713). (¬7) المجموع شرح المهذب 1/ 62 - 66.

المرويَّ في مسندِ أبي يعلى الموصليِّ (¬1) عنْ أنسٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((طلبُ العلمِ فريضةٌ على كُلِّ مُسلمٍ)). وهذا الحديثُ وإنْ لم يكنْ ثابتاً (¬2) فمعناهُ صَحيحٌ. فأولُ ذلكَ تصحيحُ العقيدةِ ويكفي فيها التصديقُ بكلِّ ما جاءَ بهِ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - واعتقادُهُ اعتقاداً جازمَاً سالماً منْ كلِّ شكٍ، ولا يتعينُ لهذا أدلة المتكلمينَ على الصحيحِ. وآياتُ الصفاتِ وأخبارها لأهلِ الإسلامِ فيها مذهبانِ: التأويلُ: وهو الأشهرُ، وعدمُهُ، مع أنَّه لا بد عندَ الكُلِّ من تقديمِ اعتقادِ التنزيهِ عنْ سماتِ الحدثِ، وأنَّه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} (¬3). ¬

_ (¬1) الحديث في مسند أبي يعلى (2837) من طريق ابن سيرين، وفي (2903) من طريق قتادة، وفي (4035) من طريق زياد، ثلاثتهم: عن أنس بن مالك، به. (¬2) روي هذا الحديث بأسانيد كثيرة حتى إن السيوطي ألفَّ كتاباً حوى طرق هذا الحديث، ولكن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة لا يحتج بها، لذا ضعف الحفاظ المتقدمون هذا الحديث، إذ قال الإمام أحمد في " المنتخب من علل الخلال " 199/أ: ((لا يثبت عندنا فيه شيء)). وقال إسحاق بن راهويه: ((لم يصح فيه الخبر)). انظر: " جامع بيان العلم وفضله " 1/ 9، وقال العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/ 58: ((الرواية في هذا الباب فيها لين))، وقال البيهقي في "المدخل إلى السنن الكبرى": (325): ((هذا حديث متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة، لا أعرف له إسناداً يثبت بمثله الحديث)). وقد أطنب ابن الجوزي بذكر طرق هذا الحديث وتضعيفها في كتابه " العلل المتناهية " 1/ 64 - 75. وقد ضعف ابن القطان هذا الحديث أيضاً في كتابه "بيان الوهم والإيهام" 5/ 124 (2373). وانظر: تعليق أخينا الشيخ إبراهيم الميلي على كتاب " رسوم التحديث ": 79. (¬3) الشورى: 11، وعقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله تعالى: هو إثباتها كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، لا يؤولونها عن ظاهرها، =

والثاني: فرضُ الكفايةِ، وهو تحصيلُ ما لا بد للنَّاسِ منهُ في إقامةِ دينهم من العلومِ الشرعيةِ كحفظِ القرآنِ والأحاديثِ وعلومها، ولو اشتغلَ بعلمٍ فظهرتْ نجابتُه فيه لم يتعيَّنْ عليهِ على الأصحِّ؛ لأنَّ الشروعَ لا يُعيِّنُ المشروعَ فيهِ عندنا إلا الحجَّ والعمرةَ. والثالثُ: نفلٌ مندوبٌ إليهِ مستحبٌّ لهُ، وهو التبحُّرُ في الأدلةِ، والإمعانُ في القدرِ الذي يحصلُ بهِ فرضُ الكفايةِ)). انتهى ملخصاً. قولُهُ: (ولا تساهلَ حملاً) (¬1) هو فعلٌ مضارعٌ خُفِّفَ / 242 أ / بإسقاطِ إحدى التائينِ؛ لأجلِ الوزنِ وتمييزِ ((حَمْلاً)) محولٌ عن الفاعلِ بالإسنادِ المجازي، أي: ولا يتساهلُ حملكَ عن المشايخِ، أي: ولا تتساهل أنتَ في الحملِ عنهم. قولُهُ: (إخلاص النيةِ) (¬2) قال الشيخُ محيي الدينِ في مقدمةِ "شرحِ المهذبِ": ((يقصدُ بتعلمِهِ وتعليمِهِ وجهَ اللهِ، ولا يقصدُ توصُّلاً إلى عَرَضٍ دُنيويٍ كتحصيلِ مالٍ، أو جاهٍ، أو شهرةٍ، أو تميُّزٍ عن الأشباهِ، أو تكثرٍ بالمشتغلينَ عليهِ)) (¬3). ((ويُطهرُ قلبَهُ من جميعِ الأدناسِ لتصلحَ أحوالُهُ. ففي " الصحيحينِ " (¬4) عن رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((إنَّ في الجسدِ مضغةً إذا صلحتْ صلحَ الجسدُ كلُّهُ، وإذا فسدتْ فسدَ الجسدُ كلُّهُ، ألا وهي القلبُ)). ¬

_ = ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها، ولا يشبهون صفات الله بصفات المخلوقين، ولا يعتبرون نصوص الأسماء والصفات من المتشابه الذي يفوض معناه، وإنما هي من المحكم الذي يفهم معناه ويفسر، ولكن يفوض كيفية الصفات إلى الله تعالى، ولا يبحثون عنها. انظر: شرح العقيدة الطحاوية: 117 - 119، وعقيدة التوحيد للشيخ الدكتور صالح بن فوزان: 63. (¬1) التبصرة والتذكرة (714). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38. (¬3) المجموع شرح المهذب 1/ 68. (¬4) صحيح البخاري 1/ 20 (52)، وصحيح مسلم 5/ 50 (1599) (107).

وقالوا: تَطبيبُ القلبِ للعلمِ، كتَطبيبِ الأرضِ للزَّرعِ)) (¬1). ويتخلقُ بالمحاسنِ التي وردَ الشرعُ بها وحثَّ عليها، منَ الزهدِ في الدنيا، والتقلّلِ منها وعدمِ المبالاةِ بفواتِها، والسخاءِ، والجودِ، والحلمِ، والصبرِ، ومكارمِ الأخلاقِ، وطلاقةِ الوجهِ، من غيرِ خروجٍ إلى حدِّ الخلاعةِ، مع اجتنابِ الضحكِ، والإكثارِ من المزحِ، وملازمةِ الآدابِ الشرعيةِ من التنظُّفِ بإزالةِ الأوساخِ والروائحِ الكريهةِ، والحذرِ من الحسدِ، والرياءِ، والإعجابِ، والاحتقارِ لمنْ دونهُ؛ لأنَّ حكمةَ اللهِ اقتضتْ إقامةَ كلٍّ فيما أقامهُ. ومن علمَ أنَّ الخلقَ لا ينفعونَهُ لم يُرائِهمْ، وَمَنْ علمَ أنَّ نِعَمَهُ من اللهِ لم يُعْجَبْ، ولا يُذِلُّ العلمَ بذهابهِ إلى من يتعلمُهُ، وإنْ [كانَ المتعلم] (¬2) كبيرَ القدرِ، فإن اقتضتهُ مصلحةٌ راجحةٌ على مفسدةِ ابتذالهِ رجونا أنه لا بأسَ بهِ)) (¬3). قالَ حمدانُ بنُ الأصبهانيّ: ((كنتُ عندَ شَرِيكٍ - رحمهُ الله -، فأتاهُ بعضُ أولادِ المهدي، فاستندَ إلى الحائِطِ، وسألهُ عن حديثٍ، فلم يلتفتْ إليهِ، وأقبلَ علينا، ثم عادَ، فأعادَ بمثلِ ذلكَ، فقالَ: كأنّكَ تستخِفُّ بأولادِ الخلفاءِ؟ فقالَ شريكٌ: لا، ولكنَّ العلمَ عندَ اللهِ أجلُّ منْ أنْ أضعَهُ، فجثا على ركبتيهِ، فقال شريكٌ: هكذا يُطلبُ العلمُ)) (¬4). قولُهُ: (عزمَ الله) (¬5)، أي: أراد وقدَّرَ، إرادةً وتقديراً أنفذَهما وأمضاهما، بأنْ خلقَ القدرة على الفعلِ وجعلَ للفاعلِ عزماً على ذلكَ ماضياً / 242ب / لا أنَّه أرادَ ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب 1/ 82. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ". (¬3) المجموع شرح المهذب 1/ 68 - 70 باختصار. (¬4) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 87 (343). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 32.

أن يفعلَ (¬1) ذلكَ في المستقبلِ فهيَّأهُ لهُ ولم يشرع فيهِ. قولُهُ: (ويحرَص على ذلكَ) (¬2) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ورُوِّينَا عنْ سفيانَ الثوريِّ قالَ: ما أعلمُ عملاً هو أفضلُ من طلبِ الحديثِ لمنْ أرادَ اللهَ بهِ (¬3))) (¬4). ورَوينَا نحوه عن ابنِ المباركِ. ومنْ أقربِ الوجوهِ في إصلاحِ النِّيةِ، ما رَوينا عن أبي عمرٍو إسماعيلَ بنِ نجيدٍ أنَّه سألَ أبا جعفرٍ أحمدَ بنَ حمدان - وكانا عبدينِ صالحينِ - فقالَ لهُ: بأيِّ نيةٍ أكتبُ الحديثَ؟ فقالَ: ألستم ترونَ أنَّ عندَ ذكرِ الصالحينَ تَنْزِلُ الرحمةُ؟ قالَ: نعمْ، قالَ: فرسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - رأسُ الصالحينَ (¬5). ولْيَسْألِ اللهَ التيسيرَ والتأييدَ والتوفيقَ والتسديدَ، وليأخذْ نفسهُ بالأخلاقِ الزكيةِ، والآدابِ المرضيةِ، فقدْ رَوينا عنْ أبي عاصمٍ النبيلِ أنَّهُ قالَ: ((منَ طلبَ هذا الحديثَ فقدْ طلبَ أعلى أمورِ الدينِ، فيجبُ أنْ يكونَ خيرَ الناسِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف): ((تفعل))، وما أثبته أصوب، والله أعلم. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو أيضاً من كلام الخطيب. (¬3) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 11 (14)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله "1/ 124 من طريق وكيع، قال: ((سمعت سفيان يقول: ما من شيء أخوف عندي من الحديث، وما من شيء أفضل منه لمن أراد به الله - عز وجل -)). (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 353. (¬5) أخرجه: أبو نعيم في "الحلية" 7/ 285 من طريق محمد بن حسان، قال: سمعت ابن عيينة يقول: ((عند ذكر الصالحين تنزل الرحمة)). قال العراقي في " تخريج أحاديث الإحياء " (1929): ((ليس له أصل في الحديث المرفوع، وإنما هو قول سفيان بن عيينة كذا رواه ابن الجوزي في مقدمة " صفة الصفوة ": 22)). (¬6) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 8 (6).

ثمَّ أشارَ إلى ما سبقَ في النوعِ الرابعِ والعشرينَ، وهو: معرفةُ كيفيةِ سماعِ الحديثِ وتحملِهِ وصفةِ ضبطهِ، في السنِّ الذي ينبغي فيهِ الابتداءُ بالطلبِ (¬1). قولُهُ: (بِرَاحةِ الجسَدِ) (¬2) رواهُ مسلمٌ في أوائلِ أوقاتِ الصلاةِ من " صحيحِهِ " (¬3) وفي روايةٍ: ((براحةِ الجسمِ)) (¬4). ورأيتُ بخطِ صاحبنا العلاّمةِ شمسِ الدينِ بنِ حسّان أنّ شيخَنا أفادَ أنَّه رُويَ مرفوعاً. قولُهُ: (وبالتملُّلِ) (¬5) يصلحُ أنْ يكونَ بالكافِ من الملُكِ المفيدِ للعزِّ. ويقابلهُ ذلةُ النفسِ الملازمِ للفقرِ، وأنْ يكونَ باللامِ من الملالِ ويقابلهُ المداومةُ على خدمةِ العلم. ويؤيدُ هذا أنَّ الشيخَ محيي الدينِ نقلَهُ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " (¬6) فقالَ: بالمللِ بلامينِ دونَ تاءٍ قبلَ الميمِ، وعلى كلا التقديرينِ، المرادُ الاجتهادُ في الطلبِ والنشاط والنّهي عن ضدِهِ، فروايةُ اللامِ واضحةٌ في ذلكَ، وروايةُ الكافِ تتضمنُهُ فإنَّه يلزمُ من الملكِ - سواءٌ كانَ بكسرِ اللامِ، أو ضمِّها - الترفُ الملازمُ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 247 - 250. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو من كلام يحيى بن أبي كثير. (¬3) صحيح مسلم 2/ 105 (612) (175). وأخرجه أيضاً: ابن عدي في " الكامل " 5/ 361، وأبو نعيم في "الحلية" 3/ 66، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (400)، والخطيب في "تاريخ بغداد" 10/ 143. (¬4) كذا هو في رواية مسلم، والبيهقي، وفي رواية أبي نعيم في " الحلية "، وابن عدي، والخطيب: ((الجسد)). (¬5) في (ف): ((بالتملك)) والمثبت من " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 39، وهو كلام الشافعي، انظر: المحدّث الفاصل: 202 (84)، والحلية 9/ 119. (¬6) المجموع شرح المهذب 1/ 82 - 83.

للفتورِ والكسلِ عن مثلِ ذلكَ بالميلِ إلى (¬1) الشهواتِ لا سيما للشباب كما قيلَ: إنَّ الشبَابَ والفَراغَ والجدَة ... مفسَدة للمرءِ أيُّ مَفْسَدة (¬2) وقالَ الشيخُ محيي الدينِ: ((وقالَ - يعني: الشافعيَّ - أيضاً: / 243 أ / لا يُدرَك العلمُ إلا بالصبرِ على الذّلِ. وقالَ أيضاً: لا يصلحُ طلبُ العلمِ إلا لمفلسٍ، فقيلَ: ولا الغنيّ المَكْفِي؟ فقال: ولا الغنيّ المكفي)) (¬3). وقالَ مالكُ بنُ أنسٍ: لا يبلغُ أحدٌ من هذا العلمِ ما يريدُ، حتى يضربَهُ الفقرُ ويُؤثرَهُ على كلِّ شيءٍ. وقال أبو حنيفةَ: لِيُسْتَعَانَ على الفقهِ (¬4) بجمعِ الهمِّ، ويستعانَ على حذَفِ العلائقِ بأخذِ اليسيرِ عندَ الحاجةِ، ولا يزِدْ. وقالَ إبراهيمُ الآجُريُّ: من طلبَ العلمَ بالفاقةِ ورثَ الفهمَ. قالَ الخطيبُ البغداديُّ في كتابهِ " الجامعُ لآدابِ الراوي والسامعِ " (¬5): ((يستحبُّ للطالبِ أنْ يكونَ عزبَاً ما أمكنهُ لئلا يقطعهُ الاشتغالُ بحقوقِ الزوجةِ، والاهتمامُ بالمعيشةِ عن إكمالِ طلبِ العلمِ، واحتجَّ بحديثِ: خيركم بعد المئتينِ خفيفُ الحَاذ وهو الذي لا أهلَ لهُ ولا ولد)) (¬6). ¬

_ (¬1) في (ف): ((وإلى)) بزيادة واو، ولا داعي لها. (¬2) البيت لأبي العتاهية، وهو على بحر الرجز. (¬3) الجامع لأخلاق الراوي: 25 (72). (¬4) في (ف): ((الفقيه))، والمثبت من " المجموع ". (¬5) الجامع لأخلاق الراوي: 23. (¬6) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 123 (61)، وفي " تاريخ بغداد "، له 6/ 197 و11/ 225 من طريق عباس بن عبد الله الترقفي، عن رواد بن الجراح، عن سفيان، عن منصور، عن ربعي، عن حذيفة، به. = = ... وأخرجه أيضاً: العقيلي في " الضعفاء الكبير " 2/ 69، وأبو سعيد بن درهم في "الزهد وصفة الزاهدين" 1/ 61 (106)، وابن عدي في " الكامل " 4/ 115، والبيهقي في "شعب الإيمان" (10350)، والخليلي في " الإرشاد " 2/ 471 (129) من طريق رواد، به. قال ابن أبي حاتم في " العلل " (1890): ((قال أبي: هذا حديث باطل))، وقال في (2765): ((قال أبي: هذا حديث منكر)). وسبب ضعفه رواد بن الجراح العسقلاني. قال عنه أحمد: لا بأس به، صاحب سنة، إلا أنه حدث عن سفيان بمناكير، وقال أبو حاتم: هو مضطرب الحديث، تغير حفظه في آخر عمره، وكان محله الصدق. وقال الحافظ ابن حجر: صدوق اختلط بأخرة فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد. انظر: الجرح والتعديل 3/ 473 (2368)، وميزان الاعتدال 2/ 55، والتقريب (1958).

وقالَ إبراهيمُ بن أدهمَ: منْ تعوّدَ أفخاذَ النساءِ لم يفلحْ (¬1)، يعني: اشتغلَ بهنَّ، وهذا في غالبِ النَّاس لا في الخواصِّ. وعنْ سفيانَ الثوريِّ: إذا تزوّجَ [الفقيه] (¬2) فقدْ ركبَ البحرَ، فإنْ وُلِدَ لهُ فقدْ كُسِرَ بهِ (¬3). وقالَ سفيانُ لرجلٍ: تزوجتَ؟ قالَ: لا. قالَ: ما تدري ما أنتَ فيهِ من العافيةِ (¬4). وفي " الصحيحينِ " (¬5) عنْ أسامة بن زيدٍ رضي الله عنهما، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: ((ما تركتُ فتنةً هي أضرُّ على الرجالِ منَ النساءِ)). ¬

_ (¬1) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (64). (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المجموع ". (¬3) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (66) وفيه: ((إذا تزوج الرجل)). (¬4) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 24 (65). (¬5) صحيح البخاري 7/ 11 (5096)، وصحيح مسلم 8/ 89 (2740) و (2741) من طريق سليمان التيمي، عن عثمان، عن عبد الرحمان بن ملّ، عن أسامة بن زيد، به. وأخرجه أيضاً: ابن ماجه (3998)، والترمذي (2780)، والنسائي في " الكبرى " (9153) و (9270) من طريق سليمان، به.

وينبغي أنْ يكونَ حريصاً على التعلمِ مواظباً عليهِ في جميعِ أوقاتهِ ليلاً ونهاراً، حضراً وسفراً، ولا يُذْهِبْ من أوقاتِهِ شيئاً في غيرِ العلمِ إلاَّ بقدرِ الضرورةِ لأكلٍ ونومٍ، قدراً لا بدَّ منهُ ونحوهما كاستراحةٍ يسيرةٍ لإزالةِ المللِ وشبهِ ذلكَ، وليسَ بعاقلٍ من أمكنهُ درجةَ ورثةِ الأنبياءِ ثمَّ فَوَّتَها. وقد قالَ الشافعيُّ في " رسالتهِ " (¬1): ((حُقَّ على طلبةِ العلمِ بلوغُ غايةِ جُهدِهم في الاستكثارِ من علمِهِ، والصبرُ على كلِّ عارضٍ دونَ طِلْبَتِه، وإخلاصُ النيةِ للهِ تعالى في إدراكِ علمهِ، نصاً واستنباطاً، والرغبةُ إلى اللهِ في العونِ عليهِ)). قالَ الخطيبُ البغداديُّ: ((أجودُ أوقاتِ الحفظِ الأسحارُ، ثمَّ نصفُ النهارِ، ثمَّ الغداةُ، وحفظُ الليلِ أنفعُ منْ حفظِ النهارِ، ووقتُ / 243 ب / الجوعِ أنفعُ منْ وقتِ الشبعِ))، قالَ: ((وأجودُ أماكنِ الحفظِ الغرفُ، وكلُّ موضعٍ بَعُدَ عن الملهياتِ))، قالَ: ((وليسَ يجودُ الحفظُ بحضرةِ النباتِ، والخضرةِ، والأنهارِ، لأنها تمنعُ (¬2) غالباً خلو القلبِ)) (¬3). قالَ الشيخُ (¬4): ((ومنْ آدابهِ - أي: الطالبِ - الحلمُ والأناةُ وأنْ تكونَ همتُهُ عاليةً فلا يرضى باليسيرِ مع إمكانِ كثيرٍ، وأن لا يسوّفَ (¬5) في اشتغالِهِ، ولا يؤخِّرَ تحصيلَ فائدةٍ وإنْ قلَّتْ إذا تمكنَ منها، وإنْ أمنَ حصولهَا بعد ساعةٍ؛ لأنَّ للتأخيرِ آفاتاً، ولأنَّهُ في الزمنِ الثاني يُحصّل غيرهَا. عن الربيعِ قالَ: لم أر الشافعيَّ آكلاً بنهارٍ، ولا نائماً بليلٍ؛ لاهتمامهِ بالتصنيفِ. ¬

_ (¬1) الرسالة للشافعي: 19 (45). (¬2) في (ف): ((تضع))، والمثبت من " الفقيه والمتفقه ". (¬3) الفقيه والمتفقه 2/ 103 - 104. (¬4) يعني: النووي. (¬5) في (ف): ((يسرف))، والمثبت من " المجموع ".

ولا يُحمّلُ نفسهُ ما لا يطيقُ مخافةَ المللِ، وهذا يختلفُ باختلافِ الناسِ. وينبغي أنْ يغتنمَ التحصيلَ في وقتِ الفراغِ والنشاطِ، وحالِ الشبابِ، وقوةِ البدنِ، ونباهةِ الخاطرِ، وقلةِ الشواغلِ قبلَ عوارضِ البطالةِ وارتفاعِ المنزلةِ. فقد رَوينا عنْ عمرَ - رضي الله عنه -: تفقّهوا قبلَ أن تُسَوَّدوا (¬1). وقالَ الشافعيُّ: تفقه قبلَ أنْ ترأسَ، فإذا رأستَ فلا سبيلَ إلى التَّفقُّهِ (¬2))) (¬3). انتهى. وهذهِ المعاني كلها تدورُ على بذلِ الجهدِ في الطلبِ وعدمِ الفتورِ (¬4) مما يشتغلُ عنهُ، ووجودُ البواعثِ للدلالةِ على عشقهِ وإيثارهِ على كلِّ شيءٍ، ولا يكونُ هذا إلا بعنايةٍ منَ اللهِ، واللهُ الموفقُ. قولُهُ: (ويعمدُ إلى أسندِ شُيُوخ) (¬5) هو أفعلُ تَفضيل منَ السَّنَدِ، فيحتملُ أنْ يكونَ: أعلاهمْ سَنداً، أو أتقنهم سَنداً، أو أعرفهمْ بالأسانيدِ ونحوه، وينبغي مع ذلك البداءةُ بالأفرادِ فمن تفرّدَ بشيءٍ أخذهُ عنه أولاً، وإنْ لمْ يكنْ أسنَدهُم. قولُهُ: (أنْ يتخيَّرَ المشهُورَ مِنهُمْ) (¬6) قالَ الشيخُ محيي الدينِ: ((قالُوا: وَلا يأخذُ إلا ممن كملتْ أهليتُهُ، وظهرتْ ديانتُهُ، وتحققتْ معرفتُهُ، واشتهرتْ صيانتُهُ ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة (26116)، والدارمي (250) طبعة دار الكتاب، وابن حجر في تغليق التعليق 2/ 81 و82، وذكره ابن حجر معلقاً، وانظر: المجموع شرح المهذب1/ 87 - 88. (¬2) أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (375). (¬3) أخرجه: ابن أبي شيبة (26116)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (1669)، وفي " المدخل إلى السنن الكبرى " (373) من طريق عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن الأحنف بن قيس، عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، به. وعلقه البخاري في صحيحه 1/ 28 باب الاغتباط في العلم والحكمة. (¬4) بعد هذا في (ف): ((بعدم)) وهي مقحمة. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39، وهو قول الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 32. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 39.

وسيادتُهُ، فقدْ قالَ ابنُ سيرينَ ومالكٌ وخلائقٌ من السّلفِ: هذا العلمُ دينٌ، فانظروا عمنْ تأخذونَ دينكُم)) (¬1). رَوَى أثرَ ابنِ سيرينَ مسلمٌ في مقدمةِ " صحيحِهِ " (¬2)، قالَ (¬3) / 244 أ /: ((ولا يكفِي في أهليةِ التعليمِ أنْ يكونَ كثيرَ العلمِ، بل ينبغي مع كثرةِ علمهِ بذاكَ الفنِّ، كونه له معرفةٌ في الجملةِ بغيرِهِ من الفنونِ الشَّرعيةِ فإنها مرتبطةٌ، ويكونَ لهُ دربَةٌ ودينٌ وخلقٌ جميلٌ وذهنٌ صحيحٌ واطلاعٌ تامٌ. قالوا: فلا يأخذُ العلمَ عمَّن كانَ أَخْذهُ لهُ من بطونِ الكتبِ من غيرِ قراءةٍ على شيوخٍ، أو شيخٍ حاذقٍ. فمن لم يأخذهُ إلا منَ الكتبِ يقعُ في التصحيفِ ويكثرُ منهُ الغلطُ والتحريفُ)) (¬4). انتهى. وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((والنَّاسُ اليومَ منهمكونَ على طلبِ العالي، وهو عندي الذي أضَرَّ بالصنعةِ، فإنَّهُ اقتضى الإضرابَ عن طلبِ المتقنينَ والحُفّاظِ، ولو لم يكن فيه إلا الإعراضُ عن من طلبَ العلمَ بنفسِهِ، وضبطَهُ بتمييزِهِ، إلى منْ أجلسَ في المجلسِ صغيراً لا تمييزَ لهُ ولا ضبطٍ ولا فهمٍ، طلباً للعلوّ بقِدَم السَّماعِ)) (¬5). انتهى. قولُهُ: (بكَتْبِ حديثِ بلدهِ) (¬6) بفتحِ الكافِ وإسكانِ الفوقانيةِ، مصدرٌ ¬

_ (¬1) المجموع شرح المهذب 1/ 83 - 84. (¬2) صحيح مسلم 1/ 11. (¬3) أي: النووي. (¬4) المجموع شرح المهذب 1/ 84. (¬5) الاقتراح: 253. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام الحافظ أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 378 (1692).

مجردٌ، وضمير ((صحيحهَا وسقيمها)) عائدٌ إليهِ، وضميرُ ((أهلِهِ)) للبلدِ، ((ومنهُم)) لمحدِّثي أهلِ بلدِهِ. قولُهُ: (مَن أهلُ) (¬1) مبتدأٌ وخبرٌ ((وَمَنْ)) استفهاميةٌ ((وأحوالَهم)) مفعولُ ((يَعرفَ)). قولُهُ: (قديماً وحديثاً) (¬2) يتعلَّقُ بـ ((أحوالِهم))، أي: قديم أحوالهِم وحديثها، فهو تمييزٌ. قولُهُ: (ثم يشتَغِلُ بعدُ) (¬3)، أي: بعدَ أنْ يفرغَ من سماعِ العوالي والمُهمَّاتِ، التي ببلدِهِ. قولُهُ: (وقِدَم السَّمَاعِ) (¬4)، أي: علوِّ الإسنادِ حساً، بقلةِ رجالِ السّندِ، أو معنىً بِقدمِ السّماعِ، أو اتصالِ السَّماعِ. قوله: (ضَيِّعْ ورقةً) (¬5)، أي: مِن الأحاديثِ المكررةِ، أيْ: التي سَمعتها ولها طرقٌ أُخرى عندَ غير مَن سمعتَها منهُ من مشايخكَ فلا تشتغل بسماعها ممن لم تسمعْهَا منهُ تَكثيراً للطرقِ فيكونَ سماعُكَ لها سببَاً لتفويتِ لقائِكَ لشيخٍ جديدٍ عندَهُ فوائدُ جديدةٌ. قولُهُ: (يشامُّ الناسَ) (¬6) هو مفاعلةٌ منَ الشَّمِّ، أي: يشمُّهم ويشمونَهُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو من كلام أبي الفضل أيضاً. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي": 378. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40، وهو كلام لبعض أصحاب الخطيب كما نقله الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي": 379 (1693). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 41، وهو كلام الإمام أحمد كما نقله عنه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 379 (1695)، وفي " الرحلة ": 46، وفي ط عتر: 88 (12). ووقع عند الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": ((بشام)) بالباء الموحدة. وانظر تعليقنا على شرح التبصرة.

وهو كنايةٌ عن تَعَرُّفِ ما عندَهم بغايةِ اللطافةِ لأخذهِ عنهم؛ لأنَّ مَنْ شمَّ شيئاً عرفَ ما هوَ، من حيثُ لا يشعرُ بهِ / 244 ب /. قولُهُ: (ابْن معينٍ أربعَة) (¬1) عبارتُهُ كما قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((حارسُ الدَّرْبِ، ومنادِي القَاضي، وابنُ المحدِّثِ، ورجلٌ ... )) (¬2) إلخ. قال: ((وَرُوِّينا عنْ أحمدَ بنِ حنبلٍ أنَّهُ قيلَ لهُ: أيرحَلُ الرجلُ في طلبِ العلوِّ؟ فقالَ: بلى واللهُ شديداً، لقد كانَ علقمةُ والأسودُ يبلغهما الحديثُ عن عُمرَ - رضي الله عنه - فلا يقنعهما حتى يخرُجا إلى عمرَ - رضي الله عنه - فيسمعانه منه)) (¬3). انتهى. ورأيتُ بخطِّ العلاَّمةِ نجمِ الدينِ مُحمدِ بنِ الشمسِ محمدِ بنِ النجمِ محمدِ السيبي (¬4) العبدريِّ الباهيِّ الحنبليِّ على حاشيةِ كتابهِ من " علومِ الحديثِ " بخطهِ: ((قال حمادُ بنُ زيدٍ - وذكرَ لهُ أصحابُ الحديثِ - {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} (¬5). وعن ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما في قولِهِ: {السَّائِحُونَ} (¬6) قالَ: ((هم طلبةُ الحديثِ)) (¬7). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 41، وكلام ابن معين أخرجه الحاكم في "معرفة علوم الحديث": 9. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 354. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 354. (¬4) كذا في (ف)، ولم أجد أحداً ممن ترجم له يضع هذه النسبة في نسبه. انظر: المجمع المؤسس: 503 (590)، والضوء اللامع 9/ 224، وشذرات الذهب 7/ 20، وهدية العارفين 6/ 149. (¬5) التوبة: 122. وأخرج هذه الرواية الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (119). (¬6) التوبة: 112. (¬7) أخرجه: الخطيب في " شرف أصحاب الحديث " (122).

وقد رَحلَ موسَى وفَتَاهُ يوشَعُ عليهمَا السلامُ في طلبِ العلمِ (¬1). 715 - وَاعْمَلْ بِمَا تَسْمَعُ فِي الْفَضَائِلِ ... وَالشَّيْخَ بَجِّلْهُ وَلاَ تَثَاقَلِ 716 - عَلَيْه تَطْويْلاَ بِحَيْثُ يَضْجُرُ ... وَلاَ تَكُنْ يَمْنَعُكَ التَّكَبُّرُ 717 - أَو الْحَيَا عَنْ طَلَبٍ وَاجْتَنِبِ ... كَتْمَ السَّمَاعِ فَهْوَ لُؤْمٌ وَاكْتُبِ 718 - مَا تَسْتَفيْدُ عَالِياً وَنَاِزلاَ ... لاَ كَثْرَةَ الشُّيُوْخِ صِيْتاً عَاطلاَ 719 - وَمَنْ يَقُلْ إذا كَتَبْتَ قَمِّشِ ... ثُمَّ إذا رَوَيْتَهُ فَفَتِّشِ 720 - فَلَيْسَ مِنْ ذَا وَالْكتَابَ تَمِّمِ ... سَمَاَعَهُ لاَ تَنْتَخِبه تَنْدَمِ 721 - وَإِنْ يَضِقْ حَالٌ عَنِ اسْتِيْعَابهِ ... لِعَارِفٍ أَجَادَ فِي انْتِخَابهِ 722 - أَوْ قَصَّرَ اسْتَعَانَ ذَا حِفْظٍ فَقَدْ ... كَانَ مِنَ الحُفَّاظِ مَنْ لَهُ يُعدْ قولهُ في قولهِ: (وَاعمَلْ بِمَا تَسمَعُ): (وَلا تَثَاقَل) (¬2) أصلُهُ: تَتَثَاقَل فَحذفَ تاءَ الثانية، أو حركَتَها للوَزنِ، فإنْ حذفت كانَ الجزءُ مخَبوناً وهو أنسبُ لقافيةٍ قسيمةٍ، وإن سُكِّنَتْ وأُدغمَتْ في الثَّاء لقربِ المخرجِ كانَ سالماً. قوله: (عَاطِلاً) (¬3)، أي: خَالياً من نفعِ دُنيا وأُخرى. قولهُ: (أَجَادَ في انتِخَابِهِ) (¬4) صفةٌ ((لعارفٍ))، والجزاءُ محذوفٌ تقديرهُ: انتَخِبهُ. ¬

_ (¬1) انظر: صحيح البخاري 1/ 28 (74) و1/ 29 (78) و1/ 41 (122) و3/ 117 (2267) و3/ 251 (2728) و4/ 150 (3278) و4/ 187 (3400) و4/ 188 (3401) و6/ 110 (4725) و6/ 112 (4726) و6/ 115 (4727) و8/ 170 (6672) و9/ 171 (7478)، وصحيح مسلم 7/ 103 - 107 (2380) (170) و (171) و (172) و (174). وانظر: جامع البيان للطبري 15/ 308. (¬2) التبصرة والتذكرة (715). (¬3) التبصرة والتذكرة (718). (¬4) التبصرة والتذكرة (721).

(أَوْ قَصَّرَ) (¬1)، أي: أو لِغَيرِ عَارفٍ، بأنْ قَصّرَ عَن درجةِ المعرفةِ للانتخابِ، ((استعانَ)) بِمَن ينتخبُ لهُ، فالعبارةُ من الاحتباكِ ذِكرُ العارفِ أولاً، دَليلٌ على حذفِ ضدِهِ ثانياً، وذِكرُ الجزاء وهو ((استعانَ)) ثانياً، دليل على حذفِ ضدهِ أولاً. قولهُ: (مَنْ لَهُ يُعَدُّ) (¬2)، أي: مَن يُعَدُّ لحُسنِ الانتقاءِ. قولهُ في شَرحِ ذلكَ: (وَليُجِلَّ (¬3) الطَّالِبُ الشَّيخَ) (¬4) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وَلْيُعَظِّمْ شيخَهُ ومَن يسمعُ منهُ، فذلكَ من إِجلالِ الحديثِ والعلمِ)) (¬5). وقالَ الشّيخُ مُحيي الدّينِ: ((وَينبَغي له أنْ يتواضعَ للعلمِ والمعلّمِ فبتواضعِهِ لهُ ينالُهُ. وقد أُمِرنا بالتواضعِ مطلقاً فهنا أولَى. وقد قالوا: العِلمُ حَربٌ [لِلفَتَى] (¬6) المُتَعَالِي ... كَالسَّيلِ حَربٌ لِلمَكَانِ العَالِي وينقادُ لِمُعَلِّمِهِ، ويُشاورهُ في أمورهِ، ويَأتمرُ بأمرِهِ كما ينقادُ المريضُ لطبيبٍ حاذقٍ ناصحٍ، وهذا أولَى لتفاوتِ ثَمرتَيهِمَا (¬7) .. ويَنبَغي أنْ يَنظُرَ معلمهُ بعينِ الاحترامِ، ويعتقدَ كمالَ أهليَّتِهِ، ورجاحَتِهِ على أهلِ / 245 أ / طبقتِهِ، وهو أقربُ إلى انتفاعِهِ بهِ، ورُسوخِ ما يسمعهُ منه في ذهنهِ، وقد كانَ بعضُ المتقدّمينَ إذا ذهبَ إلى معلمهِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (722). (¬2) التبصرة والتذكرة (722). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة: ((وليبجل)). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 355. (¬6) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف). (¬7) في " المجموع ": ((مرتبتهما)).

تصدّقَ بشيءٍ، وقال: اللهُمَّ غيِّبْ (¬1) عيبَ مُعلّمي عَني، ولا تُذهِبْ بركةَ عِلمِهِ مني. وقالَ الشّافعيُّ: كنتُ أَصَّفَّحُ الورقةَ بين يدي مالكٍ تَصفُّحاً رقيقاً (¬2)؛ هيبةً لهُ؛ لِئلاَّ يسمعُ وقعَها. وقالَ الربيعُ: واللهِ، ما اجترأتُ أنْ أشربَ الماءَ والشَّافعيُّ ينظرُ إليَّ؛ هيبةً لهُ (¬3). وقالَ عليُّ بنُ أبي طالبٍ - رضي الله عنه -: ((مِن حقِّ العَالمِ أن تُسلِّمَ على القومِ عامةً وتَخُصَّهُ بالتحيةِ، وأن تجلسَ أمامَهُ، ولا تُشيرنَّ عندهُ بيدِكَ، ولا تَعمِدَنَّ بعينكَ غيرهُ، ولا تقولَنَّ: قالَ فلانٌ خلافَ قولهِ، ولا تغتابَنَّ عندهُ أحداً، ولا تُسَارِرْ في مجلسهِ، ولا تأخذهُ بثوبهِ، ولا تُلِحَّ عليهِ إذا كَسُلَ، ولا تشبعُ من طولِ صُحبتهِ، فإنما هو كالنّخلةِ تنتظرُ متى يسقطُ عليكَ منها شيءٌ)) (¬4). ومن آدابِ المُتعلِّم: أنْ يَتحرَّى رضَا المُعلِّمِ وإنْ خالفَ رأيَ نفسهِ، ولا يُفشيَ لهُ سِرّاً، ويردَّ غيبتهُ إذا سَمعَها، فإنْ عجزَ فارقَ ذلك المجلسَ، وأنْ لا يدخلَ عليهِ بغيرِ إذنٍ. وإذا دخلَ جماعةٌ قدَّموا أفضلَهُم وأسنَّهُم، وأنْ يدخلَ كاملَ الهيبةِ، فارغَ القلبِ من الشواغلِ، مُتطهِّراً، مُتنظِّفاً بسواكٍ، وقصِّ شَاربٍ وظُفرٍ، وإزالةِ كريهِ رائحةٍ. ويعتني بتصحيحِ درسهِ الذي يتحفظهُ تصحيحاً مُتقناً على الشَّيخِ، ثم يحفظهُ حفظاً محكماً، ثم بعدَ حفظهِ يُكرِّرهُ مراتٍ؛ ليرسخَ، ويبتدىء (¬5) درسَهُ بالحمدِ للهِ، ¬

_ (¬1) في " المجموع ": ((استر)). (¬2) في " المجموع ": ((صفحاً رفيقاً)). (¬3) أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (684). (¬4) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 88 (347). (¬5) في " المجموع ": ((ويبدأ)).

والصلاةِ على رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، والدعاءِ للعُلماءِ ومشايخِهِ ووالديهِ وسائرِ المسلمينَ، ويُبكر بدرسهِ لحديثِ: ((اللهُمَّ بارِكْ لأمتي في بُكورِهَا)) (¬1). ويُداوم على تكريرِ (¬2) محفوظاتِهِ، ولا يحفظُ حتى يُصَحِّحَ على الشَّيخِ، فالاستقلالُ من أضرِّ المفاسدِ، وإلى هذا أشارَ الشّافعيُّ بقولهِ: ((مَن تفقَّهَ من الكُتبِ ضَيَّعَ [الأحكامَ] (¬3))). وَليُذاكرْ بمحفوظاتهِ، وينبغي أنْ يبدأ بالأهمِّ فالأهمِّ. وأوَّلُ ما يبتدئُ بهِ حفظُ القرآنِ العزيزِ وهو أهمُّ العلومِ، وكانَ السلفُ لا يُعَلِّمونَ الحديثَ والفقهَ إلا لمن حفظَ القرآنَ. ثم يحفظُ في كلِّ فنٍ / 245 ب / مُختصراً ويبدؤُهُ بالأهمِّ، ومن أهمِّها الفقهُ والنحوُ، ثم الحديثُ والأصولُ، ثم الباقي على ما تَيسَّرَ، ثم يشتغلُ باستشراحِ ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد 3/ 416 و417 و431 و432 و4/ 384 و390، وعبد بن حميد (432)، والدارمي (2440)، وأبو داود (2606)، وابن ماجه (2236)، والترمذي (1212)، والنسائي في الكبرى (8833) من طريق يعلى بن عطاء، عن عُمارة بن حديد، عن صخر بن وداعة الغامدي، به. وأخرجه: عبد بن حميد (757) من طريق عبيد الله بن عمر بن حفص، وابن ماجه (2238) من طريق عبد الرحمان بن أبي بكر بن الجدعاني، كلاهما عن نافع، عن ابن عمر، به. وأخرجه: ابن ماجه (2237) عن محمد بن عثمان العثماني، عن محمد بن ميمون، عن عبد الرحمان بن أبي الزناد، عن أبيه، عن الأعرج، عن أبي هريرة، به. قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2300): ((قال أبي: لا أعلم في: اللهم بارك لأمتي في بكورها، حديثاً صحيحاً)). وانظر: التلخيص الحبير 4/ 259 (1845). (¬2) في " المجموع ": ((تكرار)). (¬3) ما بين المعكوفتين زيادة من " المجموع "، وهي تتمة كلام الشافعي.

محفوظاتِهِ، ويعتمدُ من الشيوخِ في كلِّ فنٍ أكملُهم، وإنْ أمكنهُ شرحَ درسِهِ كلَّ يومٍ فعلَ، وإلا اقتصرَ على الممكنِ من درسينِ ونحوهما. وإذا اعتمدَ شيخاً في فنٍ، وكان لا يتأذَّى بقراءتِهِ ذلكَ الفنَّ على ثانٍ وثالثٍ وأكثرَ فليفعلْ ما لم يتأذّوا، فإنْ تأذَّى المُعتمدُ اقتصرَ عليهِ، وراعَى قلبَهُ، وهو أقربُ إلى انتفاعهِ. وإذا بحثَ المختصراتِ، انتقلَ إلى بحثٍ أكبرَ منها، مع المطالعةِ المتقنةِ، والعنايةِ الدائمةِ المحكمةِ، وتعليقِ ما يراهُ من النفائسِ والغرائبِ، وحل المشكلاتِ، بما يراهُ في المطالعةِ أو يسمعهُ من الشيخِ، ولا يحتقرَنَّ فائدةً يراها أو يسمعها في أيِّ فنٍ كانَ، بل يبادرُ إلى كتابتِها، ثم يواظبُ على مطالعةِ ما كَتبهُ، وليُلازمْ حلقةَ الشيخِ ولْيَعْتَنِ بكلِّ الدّروسِ، ويعلقُ عليها ما أمكنَ فإن عَجزَ اعتنى بالأهمِّ، ولا يُؤْثِرُ بنوبتِهِ فإنّ الإيثارَ بالقُرَبِ مكروهٌ، فإن رَأى الشيخُ المصلحةَ في ذلك في وقتٍ فأشار به امتثلَ ... أمرهُ. وينبغي أنْ يرشدَ رفقتَهُ وغيرهُم من الطلبةِ إلى مواطنِ الاشتغالِ والفائدةِ، ويذكر لهم ما استفادَهُ على جهةِ النصيحةِ والمذاكرةِ، وبإرشادِهِم يباركُ لهُ في علمِهِ (¬1) ويستنيرُ قلبُهُ وتتأكدُ المسائلُ معهُ مع جزيلِ ثوابِ اللهِ تَعالى. ومن بخلَ بذلك كانَ بِضِدِّهِ، فلا يثبت معهُ، وإنْ ثبتَ لم يثمر. ولا يحسدُ أحداً، ولا يحتقرهُ، ولا يعجبُ بفهمِهِ. وكما يُسَلِّمُ إذا أتى يُسلِّمُ إذا انصرفَ، ففي الحديث الأمرُ بذلكَ (¬2)، ولا ¬

_ (¬1) في (ف): ((علمه))، والمثبت من " المجموع ". (¬2) وفي هذا إشارة لحديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم، فليست الأولى بأحق من الآخرة)). أخرجه: أحمد 2/ 230 و287 و439، والبخاري في " الأدب المفرد " (1008)، وأبو داود =

التفاتَ إلى من أنكرَهُ (¬1). ويجلسُ حيثُ انتهى بهِ المجلسُ إلا أنْ يُصرِّحُ له الشيخُ، أو الحاضرونَ بالتقدُّمِ والتخطّي، أو يَعلمَ من حَالهم إيثارَ ذلكَ، ويتأدبُ مع رفقتِهِ فإنّ ذلكَ تأدّبٌ معَ الشيخِ، ويقعدُ قعدةَ المتعلمينَ، ولا يرفعُ صوتهُ رفعاً بليغاً من غير حاجةٍ، ويُقبلُ على الشيخِ مُصغياً إليهِ، ولا يَسبقهُ إلى شرحِ مسألةٍ، أو جوابِ سؤالٍ، إلاَّ أنْ يعلمَ من حالِ الشيخِ إيثارَ ذلكَ، ليستدلَّ به على فضيلتهِ، ويغتنمَ سؤالهُ عندَ طيبِ نفسهِ وفراغِهِ / 246 أ / ويتلطّفَ في سؤالهِ، ويحسنَ خطابَهُ، ويصبرَ على جفوتهِ، وسُوءِ خُلُقِهِ، ولا يَصده ذلك عن ملازمتِهِ، واعتقادِ كمالهِ، ويتأوَّل لأفعالِهِ التي ظاهرُها الفسادُ تأويلاتٍ صحيحةً، فما يعجزُ عن ذلكَ إلاّ قليلُ التوفيقِ. وإذا جفاهُ الشيخُ ابتدأ هو بالاعتذارِ، وأظهرَ أنَّ الذنبَ لهُ، والعتبَ عليهِ، فذلكَ أنفعُ له دِيناً ودُنيا، وأنقى لقلبِ شيخهِ. وقد قالُوا: ((مَن لَمْ يصبرْ على ذُلِّ التّعلمِ، بقي عمرهُ في عمايةِ الجهلِ، ومَن صبرَ عليه، آل أمرهُ إلى عزِّ الآخرةِ والدنيا))، ومنه الأثرُ المشهورُ عن ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما: ((ذُلِلتُ طالباً فعززتُ مَطلوباً)) (¬2). وإذا جاءَ مجلسَ الشيخِ فلم يجدهُ انتظرهُ، ولا يفوِّتُ درسَهُ إلاَّ أنْ يخافَ كراهيةَ الشيخِ لذلكَ، بأنْ يعلمَ من حالهِ الإقراءَ في وقتٍ بعينهِ، فلا يَشقُق عليهِ ¬

_ = (5208)، والترمذي (2706)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (369) و (371)، وأبو يعلى (6566) و (6567)، والطحاوي في " شرح مشكل الآثار " (1350) - (1354)، وابن حبان (493) - (496)، والبغوي (3328) من طريق سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة، به. قال الترمذي: ((هذا حديث حسنٌ)). (¬1) انظر: الأذكار للنووي: 357 (644). (¬2) أخرجه: الدينوري في " المجالسة وجواهر العلم " (1635)، وابن عبد البر في " جامع بيان العلم " 1/ 474.

بطلبِ القراءةِ في غيرهِ. قال الخطيبُ: ((وإذا وجدهُ نائماً لا يستأذنُ عليهِ بل يصبرُ حتى يستيقظَ، أو ينصرفَ)). والاختيارُ: الصّبرُ، كما كانَ ابنُ عبَّاسٍ رضي اللهُ عنهما (¬1) والسلفُ يفعلونَ. ومن الآدابِ المشتركةِ بين العالمِ والمُتعلِّمِ، أن لا يُخِلَّ بوظيفتهِ لِعُروضِ مَرضٍ خفيفٍ ونحوه مما يمكنُ معهُ الاشتغالُ، ويستشفي بالعلمِ. ولا يَسألَ تعنُّتاً، فإنْ سأل كذلك لم يستحقَّ جواباً، وفي الحديثِ النهيُ عن غلوطاتِ المسائلِ (¬2). ¬

_ (¬1) إشارة لحديث ابن عباس رضي الله عنهما الذي فيه قوله: ((كان ليبلغني الحديث عن الرجل فآتي بابه وهو قائل فأتوسد ردائي على بابه تسفي الريحُ عليَّ الترابَ، فيخرج فيراني، فيقول لي: يا ابن عم رسول الله ما جاء بك؟ ألا أرسلت إلي فآتيك؟ فأقول: لا أنا أحق أن آتيك، فأسأله عن الحديث ... )). أخرجه: ابن سعد في الطبقات 2/ 281، والحاكم في المستدرك 1/ 106، والبيهقي في المدخل إلى السنن الكبرى (673)، والخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 61 (215). (¬2) وهو حديث معاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه -، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه نهى عن الغلوطات. أخرجه: سعيد بن منصور (1179)، وأحمد 5/ 435، والبخاري في " التاريخ الكبير " 5/ 16 (6378)، وأبو داود (3656)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 1/ 305، والآجري في " اختلاف العلماء " 116 - 117، والطبراني في " المعجم الكبير " 19/ (892)، والخطابي في " غريب الحديث " 1/ 354، وتمام في " فوائده " كما في " الروض البسام " (114) - (116)، والبيهقي في " المدخل " (305)، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 11 من طريق عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن معاوية بن أبي سفيان، به. وإسناده ضعيف؛ لجهالة عبد الله بن سعد، قال دحيم: لا أعرفه. =

ويعتني بتحصيلِ الكُتبِ شراءً واستعارةً، ولا يشتغلُ بنسخِها بنفسهِ إنْ حصلتْ بالشراءِ؛ لأنَّ الاشتغالَ أهمُّ إلاّ أن يتعذرَ الشّراءُ لعدمِ الثمنِ، أو عدمِ الكتابِ لنفاستِهِ فيستنسخهُ. ولا يهتمُّ بحسنِ الخط بل بصحيحِهِ، ولا يَرتَضي الاستعارةَ مع إمكانِ تحصيلِهِ ملكاً، فإن استعارَهُ لم يبطء بهِ)). انتهى ما في مقدمةِ "شرحِ المهذبِ" (¬1). قولهُ: (أوْقَرَ) (¬2) هو أفعلُ تفضيلٍ، ويحتملُ أنْ يكونَ من وَقُرَ بالضمِّ والفتحِ، أي: كانَ وقوراً في نفسهِ، أي: رَزِيناً غير طَاِئشٍ ولا عَجِلٍ، بل عليهِ سكينةٌ وهيبةٌ، فيكون معناهُ أشدُّ وَقاراً. ويحتملُ أنْ يكونَ من وقَّرَ غيرهُ، مُعدَّى بالتَّضعيفِ على وجهِ الشّذوذِ، حَملاً لَهُ على أفعلِ المعدى بالهمزةِ فإنّ سيبويهَ أجازَهُ مَقيسَاً / 246 ب / نحو: هو أعطى للدّراهمِ من زيدٍ، وأولَى بالمعروفِ، وفي الحديث: ((فَهُوَ لما سواها أضيعُ)) (¬3). ¬

_ = انظر: ميزان الاعتدال 2/ 428 (4348). وأخرجه: أحمد 5/ 435، والبيهقي في " المدخل " (303)، والخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 10 - 11 من طريق روح بن عبادة، عن الأوزاعي، عن عبد الله بن سعد، عن الصنابحي، عن رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، به. وهذا الإسناد ضعيف كسابقه. وأخرجه: الطبراني في " المعجم الكبير " 19/ (913) من طريق سليمان بن داود الشاذكوني، قال: حدثنا عبد الملك بن عبد الله الكفاني، قال: حدثنا إبراهيم بن أبي علية، عن رجاء بن حيوة، عن معاوية، به. وسليمان الشاذكوني ضعيف. انظر: الجرح والتعديل 4/ 112 (498)، وميزان الاعتدال 2/ 205 (3451). (¬1) نقله المؤلف هنا باختصار وتصرف يسير، وتقديم وتأخير. انظر: المجموع شرح المهذب 1/ 83 - 90. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43، وهو من كلام البخاري في يحيى بن معين. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 77 (290). (¬3) وهذا جزء من حديث موقوف عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. =

وقالوا: هذا أخصرُ من ذلكَ، والفعلُ اختصرَ. قولهُ: (العَفْو) (¬1) هو الفضلُ، ومن الماءِ: ما فَضَلَ عن الشاربَةِ، أي: أقنعَ منهُ بما لا كلفة عليهِ في بذلهِ، ولا يُضيعُ عليهِ وقتهُ في مهمٍ لهُ، ولا يُكدِّرُهُ سُؤالهُ فيهِ، قال ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولا يَستعملُ ما قالَهُ بعضُ الشّعراءِ أعنتِ الشَّيخَ بالسُّؤالِ تجِدْهُ ... سَلِساً يلتقيكَ بالرَّاحتينِ وإذا لم تَصِحْ صِيَاحَ الثكالى ... رُحْتَ عنه وأنتَ صِفْرُ اليدينِ (¬2))) (¬3). انتهى. والذي يظهرُ لي من هذا الشعرِ، أنه غيرُ مخالفٍ لما مضى من التّخفيفِ، فإنّ الناسَ متفاوتونَ، فبعضُهم يحبُّ أنْ يُكثرَ الطالبُ من سؤالهِ. والأمرُ الفاصل في هذا: أنَّك ما دُمتَ ترى الشيخَ على ما وصفهُ هذا الشاعرُ من السَّلاسةِ والانبساطِ فاسألْ، فإذا رأيتَهُ أخذَ في الضَّجرِ فاتركْ واعتذرْ بما يَبْسُطُ الشيخَ مما لعله حصلَ من قبضٍ، وكذا في البحثِ، واللهُ الموفقُ. ¬

_ = أخرجه: مالك في الموطأ (6) برواية الليثي، ومن طريقه أخرجه: عبد الرزاق (2038)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" 1/ 193، والبيهقي في "السنن الكبرى" 1/ 445 عن نافع مولى ابن عمر: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله، فذكره، وهذا الطريق ضعيف؛ لانقطاعه؛ لأن نافعاً لم يلق عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. ولكن صح هذا الأثر من طريق آخر أخرجه: عبد الرزاق (2037) و (2039) من طريقين عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر رضي الله عنهما، به. (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43، وهو كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 99. (¬2) الاقتراح: 254. (¬3) هذان البيتان للإمام عبد الله بن المبارك، وهما على البحر الخفيف. أسند ذلك إليه الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 361 (309).

قوله: (يُحرَمَ الانْتِفاعَ) (¬1) تتمةُ كلامِهِ: ((وقد رُوِّينَا عن الزُّهريِّ أنّه قالَ: إذا طالَ المجلسُ كانَ للشيطانِ فيه نَصيبٌ)) (¬2). قولهُ: (مِن ابنِ عَبدِ الدَّائِمِ) (¬3) هو أحمدُ بروايتِهِ عن المؤلِّفِ الحافظِ عبدِ الغني بنِ عبدِ الواحدِ المقدسيِّ (¬4). وأنا أروي " العُمدةَ " (¬5) عن عبدِ الرحمانِ بن عمرَ القِبَابِيِّ (¬6) بموحدتينِ، وفاطمةَ بنتِ خليلٍ العَسقلانيةِ (¬7)، كلاهما عن ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44، وهو من كلام ابن الصلاح. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 355، وكلام الزهري أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 315 (1395). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44. (¬4) هو الإمام الحافظ العالم عبد الغني بن عبد الواحد بن علي بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي الحنبلي، صاحب التصانيف الماتعة منها: " الأحكام الكبرى " و" الصغرى " و" الكمال في معرفة رجال الكتب الستة " توفي سنة (600 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 443 - 471، وشذرات الذهب 4/ 345. (¬5) وهو كتاب " عمدة الأحكام عن سير الأنام " في ثلاث مجلدات عز نظيرها. وفيه : ((وحصرت الكلام في خمسة أقسام الأول: التعريف بمن ذكر من رواة الحديث إجمالاً، الثاني: في أحاديثه، الثالث: في بيان ما وقع فيه المهمات، الرابع: في ضبط لفظه، الخامس: الإشارة إلى بعض ما يستنبط)). انظر: كشف الظنون 2/ 1164. (¬6) وهو عبد الرحمان بن عمر بن عبد الرحمان بن حسن بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن اللخمي المصري، الحموي الأصل ويعرف بالقِبابي -بكسر القاف وموحدتين- نسبة لقباب حماة لا للقباب الكبرى من قرى أشموم الرمان بالصعيد، وإن جزم به بعض المقادسة توفي سنة (838 هـ‍). انظر: الضوء اللامع 4/ 113 (302)، وشذرات الذهب 7/ 227 - 228. (¬7) وهي فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن إسماعيل، ابنة الصلاح الكناني المقدسي العسقلاني القاهري الحنبلي، وابنة أخي القاضي ناصر الدين نصر الله. توفيت سنة (838 هـ‍). انظر: الضوء اللامع 12/ 91 (564).

المرْدَاوِي (¬1) المذكورِ وهو ابنُ جبارةَ، به. فكَأَنّي أرويهَا عن الشَّيخِ زَينِ الدينِ العراقيِّ النَّاظِمِ، وماتَ قبلَ مولدي بمدةٍ (¬2). قوله: (أنْ يَمنَعَهُ التَّكَبُّرُ) (¬3) قال ابنُ الصَّلاحِ: ((ورُوِّينَا عن عمرَ ابنِ الخطَّابِ وابنهِ رضي اللهُ عنهما، أنَّهما قالا: ((مَنْ رقَّ وجهُهُ رَقَّ عِلمُهُ (¬4))) (¬5). وقال الشَّيخُ مُحيي الدّينِ: ((وَلْيكُنْ في غايةِ الجدِّ، ولا يَستنكفُ عن التعلمِ ممن هو دونَهُ في سِنٍّ أو نَسبٍ أو شُهرةٍ أو دِينٍ، ولا يَستحي من السّؤالِ عمّا لا يعلمُهُ، ففي " الصحيحِ " في آخرِ كتابِ العلمِ (¬6): ((نِعْمَ النّساءُ نساءُ الأنصارِ، لم يمنعْهنَّ الحياءُ أن يتفقَّهنَ في الدّين ... )). ¬

_ (¬1) وهو أحمد بن عبد الرحمان بن محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود المرداوي الحنبلي قاضي حماة. توفي سنة (787 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 1/ 168 (429)، وشذرات الذهب 6/ 295 - 296. (¬2) وهذه المدة ليست بالطويلة؛ إذ توفي العراقي سنة (806 هـ‍)، وولد البقاعي سنة (809 هـ‍). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44. (¬4) أخرجه: الدارمي (556)، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (408) من طريق حفص بن عمر، عن عمر بن الخطاب، به. وأخرجه: يعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 3/ 113، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (407) من طريق سفيان الثوري، عن رجل سماه لي بندار، عن أبي محمد رجل من بني نصر، عن ابن عمر، به. وأخرجه: الدارمي أيضاً (556) من قول الشعبي. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 356. (¬6) صحيح البخاري 1/ 44 باب الحياء في العلم عن عائشة رضي الله عنها، معلقاً. قال ابن حجر في فتح الباري عقيب (130): ((هذا التعليق وصله مسلم (1/ 179 (332) (61)) من طريق إبراهيم بن مهاجر، عن صفية بنت شيبة، عن عائشة في حديث أوله أن أسماء بنت يزيد الأنصاري سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن غسل الميض)). قلت: وأخرجه أيضاً أبو داود (316)، وابن ماجه (642). وانظر: تغليق التعليق 2/ 94.

وثبتَ في " الصَّحيحينِ " (¬1): أنّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَرَأَ: {لَمْ يَكُن} (¬2) على أُبيٍّ - رضي الله عنه -)) (¬3). ((فمَن رَقَّ وجهُهُ عندَ /247أ/ السُؤالِ، ظهرَ نقصهُ عندَ اجتماعِ الرّجالِ. وإذا قال له الشّيخُ: أَفَهِمْتَ؟ فلا يقلْ: نَعَمْ، حتى يتضحَ لهُ المقصودُ اتضاحاً جليلاً؛ لئلا يكذبَ ويفوتهُ الفهمُ. ولا يَستَحيي من قولهِ: ((لِمَ))؟، ومن قولهِ: ((لم أفهمْ))؛ لأنّ استثباتَهُ يُحصِّلُ لهُ مصالحَ عاجلةً وآجلةً، فمن العاجلةِ: حفظهُ للمسألةِ، وسلامتُهُ من كَذبٍ ونِفاقٍ، بإظهارِ فهمِ ما لم يكنْ فهمَهُ. ومنها: اعتقادُ الشّيخِ اعتناؤهُ، ورغبتهُ، وكمالُ عقلهِ، وورعهُ، ومُلْكُهُ لنفسِهِ. ومن الآجلةِ: ثبوتُ الصوابِ في قلبهِ دائماً، واعتيادهِ هذهِ الطريقةِ المرضيةِ والأخلاقِ الرضيةِ. وعَن الخليلِ بنِ أحمدَ: منزلةُ الجهلِ بينَ الحياءِ والأنفةِ. وإذا سمعَ الشيخَ يقولُ مسألةً أو يَحكيَ حكايةً وهو يحفظُها: يُصغي لها إصغاءَ مَن لا يحفظُها إلا إذا عَلِمَ من حالِ الشيخِ إيثارَهُ عليهِ بأنّ المتعلِّمَ حافِظُها)) (¬4). ¬

_ (¬1) هو في صحيح البخاري 5/ 45 (3809) و6/ 216 (4958) و6/ 217 (4960) و (4961)، وصحيح مسلم 2/ 150 (799) (122) و2/ 195 (799) (246) من حديث أنس بن مالك - رضي الله عنه -. (¬2) البينة: 1. (¬3) المجموع شرح المهذب 1/ 70 - 71، والكلام بعده للنووي أيضاً، لكن في موضع آخر كما سيأتي. (¬4) المجموع شرح المهذب 1/ 86.

قولُهُ: (فَذَلِكَ لُؤمٌ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((وَمَنْ ظَفرَ من الطلبةِ بسَماعِ شَيخٍ فيكتُمهُ غيرَهُ لينفردَ بهِ عَنهُم، كانَ جديراً بأنْ لا ينتفعَ بهِ، وذلكَ من اللُّؤمِ الذي يقعُ فيهِ جَهَلَةُ الطَّلبةِ الوُضَعَاء، وَمِن أوَّلِ فَائدةِ [طلبِ] (¬2) الحديثِ: الإفادةُ)) (¬3). انتهى. واللُّؤمُ: بالضّمِّ مَهموزاً، قالَ في " القاموسِ " (¬4): ((ضِدُّ الكَرَمِ لَؤُمَ ككَرُمَ لُؤْمَاً)). وقالَ أبو عبدِ اللهِ القَزَّازُ: ((ومَلأمَةٌ عَلى مَفعَلَةٍ، فَهوَ لَئيمٌ، واللّئيمُ عندَ العَربِ هوَ البخيلُ المهينُ النَّفس، الخسيسُ الأباء، فإذا كانَ شحيحاً ولمْ تجتمعْ لَهُ هذه الخصالُ، قيلَ لهُ: بخيلٌ، ولم يُقَل: لئيمٌ)). قوله: (فاللهُ أعلمُ بمَقاصِدِهِمْ) (¬5)، أي: أنَّهُ لا يُظَنَّ بأحدٍ منهُمْ - معَ مَا كانوا فيهِ منَ الورعِ، والاجتهادِ في الخيرِ - أنّه قصدَ الانفرادَ عنِ الأضرابِ فقطْ منْ غيرِ قصدٍ صالحٍ وخَفِيَ عنّا ذلكَ، فاللهُ أعلمُ، فإنّهُ لا يسعنَا إلاّ تحسينُ الظنِّ بهمْ، وستأتي الوجوهُ التي تصلحُ للاعتذارِ عنهمْ في كلامِ الشّيخِ. قوله: (وَرُوّينَا عنْ إسْحَاقَ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ: ((ورُوِّيْنا عَنْ إسْحاقَ ابنِ إبراهيِمَ [بنِ] (¬7) راهَوَيْه أنَّهُ قالَ لبعضِ مَنْ سَمِعَ منهُ في جماعَةٍ (¬8): انْسَخْ من كِتابِهم ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 355. (¬4) القاموس المحيط مادة (لؤم). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 44. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 45. (¬7) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬8) أخرجه: البيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى " (585).

ما قد قَرَأتُ، فقالَ: إنهم لا يُمَكَّنونني، قالَ: إذَنْ واللهِ لا يُفْلحُون / 247 ب / قد رأينا ... )) الخ. ثمَّ قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وقدْ رأيْنا نحن أقْواماً مَنَعُوا السَّماع فما أفْلَحوا ولا أنْجَحُوا، ونَسْأَلُ اللهَ العافيةَ)) (¬1). انتهى. ومعنى أنجحُوا: صاروا ذَوي نُجْحٍ، أي: ظَفَرٍ بالمرادِ. قولُهُ: (غَير مُؤَنَّبٍ وَلا مَلُومٍ) (¬2) هما للمفعولِ، والتأنيبُ: التبكيتُ، وهو أنْ يُستقبلَ الإنسان بما يكرهُ (¬3). واللَّوْمُ: وهو بالفتح غير مهموز، وهو العَذْلُ (¬4). وقولُهُ: (مَلوم مِنْهُ) (¬5)، أي: مَعْذُولٌ. قوله: (تَكْثير الشّيُوخِ) (¬6) ليسَ فيه مخالفةٌ لما تقدّمَ من قولِهِ: ((ضَيِّعْ وَرَقةً وَلا تُضَيِّعْ شَيْخَاً)) (¬7) فإنّ هذا فيما إذا كانَ تكثيرُ الشيوخِ لمجرَّدِ الصِّيتِ. وذاكَ محمولٌ عَلَى ما فيهِ فائدةٌ جديدةٌ، بأنْ يرجو أنْ يرى عندَ الشّيخِ الثاني، مَا ليسَ عندَ منْ تَقدِّمَهُ، منْ حديثٍ يَستزيدُهُ، أو خُلُقٍ صَالحٍ يَستفيدُهُ، أو نحو ذلكَ. قوله: (قدْرَ خمسةِ آلافِ حديثٍ) (¬8) إنْ قيلَ: المرادُ الاستدلالُ عَلَى النهي ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 355 - 356. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 45، وهو كلام الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 331. (¬3) انظر: القاموس المحيط مادة (بكت). (¬4) انظر: القاموس المحيط مادة (لوم). (¬5) الذي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 45 من كلام الخطيب: ((معلوم)) فقط وليس فيه كلمة: ((منه)) ولا توجد هذه الكلمة فيما بعده، ولا في الذي قبله. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46. (¬7) ذكره الخطيب عن بعض أصحابه في " الجامع لأخلاق الراوي ": 379 (1693). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 40. (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو كلام عفان. أخرجه الرامهرمزي في "المحدّث الفاصل" (761)، ومن طريقه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 391 (1752).

عنْ تكثيرِ الشّيوخِ لمجردِ الصّيتِ، والدَّليلُ ظاهرُهُ النهي عنْ تكثيرِ المروي. قيلَ: المرادُ النهيُ عنْ تكثيرِ المروي المكررِ الذي ليسَ فيهِ إلاّ تكثيرُ الطرقِ المستلزمُ لتكثيرِ المشايخِ، العريِّ عنْ غيرِ قصدِ الاستكثارِ لمجردِ الصّيتِ بدليلِ قولِهِ أولاً: ((كنّا نَأتي هذا فنسمعُ منهُ مَا ليسَ عندَ هذا)) (¬1). فإنِ انضمَّ إلى قصدِ الصّيتِ، تكثيرُ الطرقِ لجمعِ الألفاظِ المختلفةِ التي بهَا يَظهرُ معنى الحديثِ، أو لألفاظٍ زائدةٍ في بعضِ الطرقِ تفيدُ معنى زائداً فلا منعَ، فإنْ تجردَ ذلكَ عنْ قصدِ الصِّيتِ كانَ عدمُ المنعِ منْ بابِ الأولى. قولُهُ: (وَمَا رَضِينَا مِنْ أحدٍ إلاّ بِالإمْلاءِ) (¬2) من تتمةِ القصَّةِ، وَليسَ منْ تتمةِ الدّليلِ. قولُهُ: (وَليسَ مِنْ ذَلكَ) (¬3)، أي: منْ تكثيرِ الشّيوخِ لمجردِ الصّيتِ، وإلاّ لم يكنْ للتفتيشِ فائدةٌ، فإنّه إذا لم يكنْ في الاستكثارِ فائدةٌ، لمْ يتأتَ الانتقاءُ، فإنّ الانتقاءَ هو اختيارُ مَنْ هُوَ أكثرُ فائدةً، والغرضُ أنّهُ لا فائدةَ ولا قصدَ إلاَّ مجردِ الصِّيتِ. قولُهُ: (فَإذَا حَدّثْتَ فَفَتِّشْ) (¬4) قرأتُ بخطِّ صاحبِنَا العلامةِ شمسِ الدّينِ بنِ حسّانَ، وَكذلكَ رواهُ السلفيُّ فيمَا قرأتُهُ بخطِّهِ في كتَابِهِ " شرطِ (¬5) القراءةِ عَلَى الشّيوخِ "، عنْ يحيى بنِ معينٍ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو كلام عفان أيضاً. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهو من كلام عفان أيضاً. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 46، وهذه عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 356. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47، وهذا من كلام أبي حاتم الرازي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 376 (1681). (¬5) في (ف): ((شروط))، والمثبت من " كشف الظنون " 2/ 1044.

وَرُويَ عنِ ابنِ صَاعدٍ (¬1) قالَ: ((قالَ لي إبراهيمُ بنُ أُوْرَمَةَ (¬2): اكتُبْ عنْ كُلِّ إنسانٍ فإذا حَدَّثتَ / 248 أ /، فأنتَ بالخيارِ)). قولُهُ: (بِالإكْثَارِ منَ الشّيوخِ) (¬3) قالَ شيخُنَا الحافظُ برهانُ الدينِ الحلبيُّ الشافعيُّ: ((أصحابُ الألوفِ فمَا زادَ منَ المحدّثينَ الذينَ وقفتُ عَلَى شيوخِهِمْ: الطَّبرانيُّ: أكثرُ منْ ألفِ شَيخٍ (¬4). أبو الفِتْيَانِ (¬5): ثَلاثةُ آلافِ شيخٍ وسبعِ مئةِ شيخٍ (¬6). أبو القَاسِمِ بنُ عَسَاكرَ: ألفٌ وَثلاثمئةٍ وثمانونَ شيخاً (¬7). ¬

_ (¬1) وهو الإمام الحافظ يحيى بن محمد بن صاعد الكاتب، محدث العراق، أبو محمد الهاشمي البغدادي، رحال جوال، عالم بالعلل والرجال، توفي سنة (318 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 14/ 231، وسير أعلام النبلاء 14/ 501. (¬2) الإمام الحافظ إبراهيم بن أُورمة، أبو إسحاق الأصبهاني، قال عنه الدارقطني: هو ثقة حافظ نبيل، توفي سنة (266 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 6/ 42، وسير أعلام النبلاء 13/ 145. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47. (¬4) انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 120. وألفَّ الشيخ حماد بن محمد الأنصاري رحمه الله كتاباً جمع فيه شيوخ الطبراني وسماه " بلغة القاصي والداني في تراجم شيوخ الطبراني " وهو مطبوع. (¬5) وهو عمر بن أبي الحسن عبد الكريم بن سعدويه الدهستاني الرواسي من أهل دهستان أحد حفاظ عصره ممن رحل وجمع وكتب بخراسان والعراق والشام والحجاز ومصر، توفي سنة (503 هـ‍). انظر: الأنساب 2/ 328، وسير أعلام النبلاء 19/ 317. (¬6) قال ابن نقطة: ((سمعت غير واحد يقول: إن أبا الفتيان سمع من ثلاثة آلاف وستمئة شيخ)). انظر: سير أعلام النبلاء 19/ 318. (¬7) قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 20/ 556: ((وعدد شيوخه الذي في معجمه ألف وثلاث مئة شيخ بالسماع، وستة وأربعون شيخاً أنشدوه، وعن مئتين وتسعين شيخاً بالإجازة، الكل في معجمه، وبضع وثمانون امرأة لهن معجم صغير سمعناه)).

أبو سعدِ بنُ السَّمعانيِّ: سَبعةُ آلافِ شيخٍ، وَهذا شيءٌ لمْ يبلغْهُ غيرُهُ (¬1). الدّمياطيُّ (¬2): ألفٌ وثلاثمئةِ شيخٍ (¬3). قالَ: ورأيتُ في موضعٍ آخرَ أنَّ لَهُ ألفَ شيخٍ ومئتي شيخٍ وَخمسينَ شيخاً (¬4). عمرُ بنُ الحاجبِ (¬5): ألفُ شيخٍ ومئةٌ وثمانونَ (¬6). الوليدُ بنُ بكرٍ الغَمْريُّ (¬7): لقي في رحلتِهِ أكثرَ مِنْ ألفِ شيخٍ (¬8). ابنُ البخاريِّ (¬9): ثلاثةُ آلافِ شيخٍ. أبو صالحٍ المؤذنُ (¬10): ألفُ شيخٍ (¬11). ¬

_ (¬1) انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1316. (¬2) وهو الشيخ الإمام الحافظ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن بن خلف بن أبي الحسن التوني الدمياطي الشافعي صاحب التصانيف، توفي سنة (705 هـ‍). انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1477 - 1479، وشذرات الذهب 6/ 12. (¬3) انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1478. (¬4) انظر: شذرات الذهب 6/ 12. (¬5) وهو الحافظ العالم عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن منصور الأميني الدمشقي، كان ديناً خيراً ثبتاً متيقظاً قد فهم وجمع، توفي سنة (630 هـ‍). انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1455، وشذرات الذهب 5/ 138. (¬6) قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" 4/ 1455: ((وعمل المعجم عن ألف ومئة وثمانين شيخاً)). (¬7) وهو الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي دُبار الحافظ اللغوي، أحد الرحالة في الحديث، توفي سنة (392 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 13/ 481، وسير أعلام النبلاء 17/ 65. (¬8) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 65. (¬9) وهو مسند الدنيا الفخر بن البخاري أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمان السعدي المقدسي، توفي سنة (690هـ‍). انظر: العبر 3/ 373، وشذرات الذهب 5/ 414. (¬10) وهو الحافظ المتقن أبو صالح أحمد بن عبد الملك بن علي بن أحمد النيسابوري محدث وقته في خراسان، توفي سنة (470 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 4/ 267، وتذكرة الحفاظ 3/ 1162. (¬11) انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1163.

الحاكمُ أبو عبدِ اللهِ: سَمِعَ منْ قَريبٍ مِنْ ألفي شيخٍ (¬1). أبو عبدِ اللهِ بنُ مندَه: ألفٌ وسبعُمئةِ شيخٍ (¬2). أبو أحمدَ بنُ عديٍّ: يزيدُ عَلى ألفِ شيخٍ (¬3). ابنُ حبانَ: كتبَ عنْ أكثرِ مِنْ ألفي شيخٍ (¬4). عبدُ اللهِ بنُ المباركِ: عنْ ألفِ شيخٍ ومئةِ شيخٍ (¬5). البخاريُّ: كَتبَ عنْ أكثرِ منْ ألفِ شيخٍ (¬6). محمدُ بنُ يونسَ الكُديميُّ (¬7) قالَ: ((كتبتُ عنْ ألفٍ ومئةٍ وستةٍ وثمانينَ نفساً منَ البَصْريينَ)) (¬8). انتهى. وهو كذّابٌ وضّاعٌ (¬9). ¬

_ (¬1) انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1039. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 30. (¬3) انظر: سير أعلام النبلاء 16/ 155. (¬4) قال ابن حبان في مقدمة كتابه " التقاسيم والأنواع " كما في " الإحسان " 1/ 152: ((ولعلنا قد كتبنا عن أكثر من ألفي شيخ من إسبيجاب - وتقع إلى الشمال من طشقند عاصمة جمهورية كازخستان - إلى الإسكندرية)). (¬5) انظر: سير أعلام النبلاء 8/ 397. (¬6) قال البخاري: ((كتبت عن ألف شيخ أو أكثر وما عندي حديث إلا أذكر إسنادهُ)). انظر: تاريخ بغداد 2/ 10. (¬7) وهو محمد بن يونس بن موسى القرشي السامي الكديمي البصري أحد المتروكين، قال ابن حبان: ((كان يضع على الثقات الحديث موضعاً، ولعله قد وضع أكثر من ألف حديث)) وقال ابن عدي: ((اتهم بوضع الحديث وسرقته، وادعى رؤية قوم لم يرهم، ورواية عن قوم لا يعرفون، وترك عامة مشايخنا الرواية عنه))، توفي سنة (286 هـ‍). انظر: المجروحين لابن حبان 2/ 305 - 306، والكامل لابن عدي 7/ 553، وميزان الاعتدال 4/ 74 (8353). (¬8) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 386 (1687). (¬9) كذا قال ابن حبان وابن عدي، كما سبق في ترجمته.

أحمدُ بنُ جعْفَر الحافظُ (¬1): كتبَ عنْ أكثر مِنْ ألفِ شيخٍ (¬2). إسحاقُ بنُ إبراهيمَ القَرّابُ (¬3): زادَ عَلى ألفٍ ومئتي شيخٍ (¬4). وقرأتُ بخطِّ بعضِ فُضَلاءِ المحدّثينَ الحلبيينَ تجاه تَرجمةِ الشّيخِ قطبِ الدّينِ عبدِ الكريمِ الحلبيِّ (¬5) في " معجمِ ابنِ رافعٍ " أنَّ الصّلاحَ الصفديَّ قالَ: ((إنَّ مَشايخَ القطبِ تَبلُغُ الألفَ)) (¬6). قوله: (وَالقَاسِمُ بنُ دَاودَ) (¬7) قالَ الذهبيُّ في " الميزانِ " (¬8): ((طيرٌ غريبٌ، [أو] (¬9) لا وجودَ لهُ، انفردَ عنهُ أبو بكرٍ النقّاشُ ذاكَ التالفُ (¬10)، فقالَ: سمعتهُ يَقولُ: ¬

_ (¬1) لعله الحافظ أحمد بن جعفر بن محمد بن جعفر بن مهران أبو بكر الأصبهاني، توفي سنة (442 هـ‍). انظر: تاريخ الإسلام وفيات 442/ 58. (¬2) قال أحمد بن جعفر الأصبهاني كما نقله الذهبي في " تاريخ الإسلام " صفحة: 323 وفيات (395): ((كتبت عن أكثر من ألف شيخ، ما فيهم أحفظ من أبي عبد الله بن منده)). (¬3) وهو الإمام الحافظ أبو يعقوب إسحاق بن أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمان السرخسي محدّث هراة، صاحب التواليف الكثيرة، توفي سنة (429 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 570، وتذكرة الحفاظ 3/ 1100. (¬4) انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 571. (¬5) وهو الحافظ الكبير قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي، وتوفي سنة (735 هـ‍). انظر: تذكرة الحفاظ 4/ 1502، والدرر الكامنة 2/ 398، وشذرات الذهب 6/ 110. (¬6) انظر: الدرر الكامنة 2/ 398. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 47. (¬8) 3/ 370 (6804). (¬9) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " ميزان الاعتدال ". (¬10) وهو شيخ القراء أبو بكر محمد بن الحسن بن محمد بن زياد الموصلي ثم البغدادي النقاش، قال البرقاني: كل حديث النقاش منكر، وقال طلحة بن محمد الشاهر: كان النقاش يكذب في الحديث، قال الذهبي: وهو في القراءات أقوى منه في الروايات. انظر: تاريخ بغداد 2/ 201، وسير أعلام النبلاء 15/ 573، وميزان الاعتدال 3/ 520 (7404).

كَتَبتُ عنْ ستةِ آلافِ شَيخٍ (¬1)، وَحدّثنَاهُ (¬2) عَنْ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ العلاء)). قولُهُ: (مِنْ مُنْتَقٍ خيرُ) (¬3) اسم فاعلٍ منَ الانتقاءِ، وهو للتنفيرِ. قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((ورُوِّيْنا عنهُ أنَّهُ قالَ: لا يَنْتَخِبُ على عالمٍ إلاَّ مذنبٌ (¬4). ورُوِّيْنا عَنْ يَحْيَى بن مَعِينٍ أنَّهُ قال: سَيَنْدَمُ المنْتَخِبُ في حين لا تَنْفَعُهُ النَّدامةُ (¬5))) (¬6). قولُهُ: (وَصاحبُ النَّسْخِ لا يَنْدمُ) (¬7) هو مصدر لنسخ، والمرادُ بهِ الذي ينسخُ الكتابَ كمَا هو منْ غيرِ انتخابٍ. قولُهُ: (بحُسْنِ الانْتِقَاءِ) (¬8) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ / 248 ب /: ((وقدْ كانَ جماعةٌ مِنَ الحُفَّاظِ مُتَصدِّين للانْتِقاءِ على الشُّيُوخِ، والطَّلَبَةُ تَسْمَعُ وتَكْتُبُ، بانْتِخابِهمْ مِنْهم: إبراهيمُ بنُ أورمَةَ الأصْبَهانيُّ، وأبو عبدِ اللهِ الحُسَيْنُ بنُ مُحمَّدٍ المعروفُ بِعُبَيْدٍ العِجْل (¬9))) (¬10). ¬

_ (¬1) أسند ذلك عنه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي: 377 (1689). (¬2) كذا في " ميزان الاعتدال " وفي الأصل والمطبوع: ((حدثنا)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 48، وهو كلام عبد الله بن المبارك. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 353 (1577). (¬4) في " المعرفة ": ((بذنب)). (¬5) أخرجه: الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 11/ 85. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 357. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 48، وهو كلام يحيى بن معين. انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 353 (1578). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49. وانظر: الجامع لأخلاق الراوي: 333. (¬9) وهو الحافظ الإمام المجود، أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم البغدادي، قال الخطيب: كان ثقة متقناً حافظاً، توفي سنة (294 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 8/ 93، وسير أعلام النبلاء 14/ 90. وانظر تعليقنا على " معرفة أنواع علم الحديث ": 357 هامش (4). (¬10) معرفة أنواع علم الحديث: 357.

قولُهُ: (أوْ لِيُمسكَ الشّيخُ أَصلَهُ) (¬1)، أي: فتحصلَ المعارضةُ بإمساكِ غيرِ الشّيخِ - أو مَا كانَ معها بإمساكِهِ - مُنضمَّة إلى حصولِ الرّوايةِ عنِ الشّيخِ، والمرادُ بالمعارضةِ: مَا خلا عنِ الروايةِ فيكون منْ عطفِ الخاصِ عَلى العامِ. وتعليمُهُ عَلى الأصلِ المنتخبِ منهُ يكونُ باستئذانِ صاحبِهِ أو بعلمِهِ برضاهُ، إما لصحتهِ، أو لكونِ العرفِ جارياً بينَ النَّاسِ بذلكَ. قولُهُ: (الفَلَكِيُّ) (¬2) هو بالفاءِ محرَّكاً (¬3). 724 - وَلاَ تَكُنْ مُقْتَصِراً أَنْ تَسْمَعَا ... وَكَتْبَهُ مِنْ دُوْن فَهْم نَفَعَا قولُهُ في قولِهِ: (ولا تَكُنْ مُقتَصِراً): (نَفَعا) (¬4) هو صفةٌ لـ ((فَهْمٍ))، وهو يحتملُ لأن يكونَ صفةً كاشفةً لازمةً؛ لأنّ كلّ فهمٍ نافعٌ. ويحتملُ أنْ تكونَ مقيدة فإنَّه ربما فَهمَ الشيء على غيرِ وجهِهِ، فكانَ فهماً ضارَّاً كفهمِ أهلِ الإلحادِ لآياتِ الصفاتِ وأحاديثِهَا عَلى ظواهرِهَا، فإنَّ ذلكَ فهمٌ ضارٌ بلْ هوَ أضرُّ الأشياءِ، فإنَّه حالقٌ للدينِ منْ أصلِهِ؛ لأنَّ أهلَ الإسلامِ اتفقوا على صرفِهَا عنِ الظاهرِ الذي يلزمُ منهُ التشبيهُ أولَ كلِّ شيءٍ، ثمَّ انقسموا بعدَ ذلكَ إلى ساكتٍ مفوضٍ وإلى قائلٍ مؤولٍ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49. (¬3) قال السمعاني: ((بفتح الفاء واللام وفي آخرها كاف هذه نسبة إلى الفلك ومعرفته وحسابه))، والفلكي هذا هو الحافظ أبو الفضل علي بن الحسين بن أحمد بن الحسن الهمذاني عرف بالفلكي؛ لأن جده كان بارعاً في علم الفلك والحساب، توفي سنة (427 هـ‍). انظر: الأنساب 3/ 464، وسير أعلام النبلاء 17/ 502. (¬4) التبصرة والتذكرة (724).

فمَنْ حملَ عَلى الظاهرِ فقدْ خالفَ الأمةَ واتبعَ غيرَ سبيلِ المؤمنينَ وشاققَ اللهَ ورسولَهُ من بعدِ مَا تبينَ لَهُ الهدى (¬1). قولُهُ: في شرحه: (وَفَهْمِهِ) (¬2) تتمةُ عبارةِ ابنِ الصّلاحِ: ((فيكون قدْ أتعبَ نَفْسهُ مِن غيرِ أن يظفرَ بطائلٍ، وبغيرِ أن يَحْصُلَ في عدادِ أهلِ الحديثِ، بل لَمْ يَزد على أن صارَ مِنَ المتشبهينَ المنقوصينَ المُتَحَلّينَ بما هُمْ منهُ عاطِلونَ)) (¬3). قولُهُ: (نَذْلة) (¬4) بنونٍ مفتوحةٍ، ثمّ ذالٍ معجمةٍ ساكنةٍ، منَ النذالةِ وهي الخسةُ. قالَ في " القاموسِ " (¬5): ((النَّذيلُ: الخَسيسُ من الناسِ المُحْتَقَرُ في جَميع أحْوالِهِ، والجمعُ أنْذَالٌ ونُذولٌ ونُذَلاءُ ونِذالٌ، وقدْ نَذُلَ ككَرُمَ، نَذَالَةً ونُذولَةً)). قوله: (القدَريّة) (¬6) هو بفتحِ الدَّالِ، وهمُ الذينَ يقولونَ: إنَّ العبدَ يقدرُ عَلَى ¬

_ (¬1) قد ذكرت فيما سبق أن عقيدة أهل السنة والجماعة في صفات الله - عز وجل - هي: إثباتها كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني، لا يؤولونها عن ظاهرها، ولا يحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها، ولا يشبهونها بصفات المخلوقين. فإطلاق المؤلف هنا فيه تجاوز وتخليط إنما يثبت أهل السنة والجماعة ما أثبت الله من صفاته وينفون عنه ما نفى، ولا يخوضون في الكيفية فالصفة معلومة، والكيفية مجهولة، والإيمان بالصفة واجب، والسؤال عنها بدعة. انظر: شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (644) و (928)، وشرح العقيدة الواسطية: 142. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 358. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهذا كلام أبي عاصم النبيل. انظر: المحدّث الفاصل: 253 (161). (¬5) القاموس المحيط مادة (نذل). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهذا من كلام الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي": 349.

خلقِ فعلِ نفسِهِ (¬1). قولُهُ: (بالحشْوِيَّةِ) (¬2) نسبةً إلى الحشْوِ بإسكانِ الشينِ المعجمةِ، وهو الوقوفُ عندَ الظاهرِ منْ غيرِ معرفةٍ للأسرارِ، أخذاً منَ الحشْوِ منَ النّاسِ (¬3) وهمُ / 249 أ / الذينَ لا يعتدُّ بهمْ، وفلان مِنْ حَشوةِ بني فُلانٍ، أي: منْ رُذَّالهم. والحشوُ منَ الكلامِ مَا كانَ فضلاً لا يعتمدُ عليهِ (¬4). وقدْ ذَكرَ ابنُ خلاّدٍ في كتابِهِ " المحدّثِ الفاصلِ " (¬5) أشياءَ حسنةً تبعثُ ذا الهمةِ العاليةِ عَلى بذلِ الجَهدِ في التفهمِ في بابٍ عقدَهُ في أوائلِ كتابِهِ في فضلِ منْ جمعَ بينَ الروايةِ والدرايةِ. ¬

_ (¬1) ذكر ابن الجوزي في كتابه " تلبيس إبليس ": أن القدرية انقسمت إلى اثنتي عشرة فرقة، وذكر منها المعتزلة، في حين أطلق أصحاب كتب الفرق الآخرين القدرية على المعتزلة، وانظر على سبيل المثال: الفرق بين الفرق: 131، والملل والنحل 1/ 49، ومنهاج السنة 6/ 396، وغيرها. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 50، وهو من كلام الخطيب أيضاً. (¬3) الحَشَوِيَّة - بالتحريك والتسكين -: طائفة من المبتدعة، تمسكوا بالظواهر وذهبوا إلى التجسيم، وغيره، سموا بذلك، نسبة إلى الحشو أو الحشا، أي: الجانب؛ لأنهم ردوا إلى حشا حلقة الحسن البصري، أي: جانبها. وقد أطلقت بعض الفرق الضالة على أهل الحديث اسم الحشوية وذلك لميل هذه الفرق عن الحق والعدل، ورحم الله الإمام أبا حاتم الرازي الذي قال: ((علامة الجهمية: تسميتهم أهل السنة مشبهة، وعلامة القدرية: تسميتهم أهل السنة مجبرة، وعلامة المرجئة: تسميتهم أهل السنة نقصانية، وعلامة المعتزلة: تسميتهم أهل السنة حشوية، وعلامة الرافضة: تسميتهم أهل السنة نابتة)). انظر: متن اللغة 2/ 99، وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة (939)، ومجموعة الفتاوى لابن تيمية 4/ 55 و12/ 97، والمعجم الوسيط مادة (حشا). (¬4) انظر: لسان العرب مادة (حشا). (¬5) المحدّث الفاصل: 238.

منها: أنَّ امرأةً وقفتْ عَلَى مجلسٍ فيهِ يحيى بنُ معينٍ وأبو خيثمةَ وخلفُ بنُ سالمٍ في جماعةٍ يتذاكرونَ الحديثَ، فسمعتهم يقولونَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وسمعتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ورواهُ فلانٌ، ومَا حدَّثَ بهِ غيرُ فلانٍ، فَسألتْهُمُ المرأةُ عنِ الحائضِ تُغسّلُ الموتى؟ وكَانتْ غاسلة، فلمْ يُجبْهَا أحدٌ منهم، وجعلَ بعضُهم ينظرُ إلى بعضٍ، فأقبلَ أبو ثورٍ (¬1)، فقيلَ لها: عليكِ بالمقْبِلِ، فالتفتَتْ إليهِ فسألتْهُ، فقالَ: تُغَسِّلُهُ لحديثِ عثمانَ بنِ الأحنفِ، عنِ القاسمِ، عنْ عائشةَ - رضي الله عنها - أنَّ النّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ لها: ((أمَا إنَّ حيضَتكِ ليستْ في يدكِ)) (¬2). ولقولها: ((كنتُ أفرُقُ رأسَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - بالماءِ وأنا حائضٌ)) (¬3)، فإذا فرقتْ رأسَ الحيِّ بالماءِ فالميتُ أولى بهِ. ¬

_ (¬1) وهو مفتي العراق أبو عبد الله إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الإمام الحافظ الحجة المجتهد صاحب الشافعي، قال ابن حبان: كان أحد أئمة الدنيا فقهاً وعلماً وورعاً وفضلاً، توفي سنة (240 هـ‍). انظر: الثقات لابن حبان 8/ 74، وتاريخ بغداد 6/ 56، وسير أعلام النبلاء 12/ 72. (¬2) لم أقف عليه من طريق عثمان بن الأحنف هذا، والحديث في صحيح مسلم 1/ 168 (298) (11) و (12)، وسنن أبي داود (261)، والجامع الكبير للترمذي (134)، والمجتبى للنسائي 1/ 146 من طريق ثابت بن عبيد، عن القاسم بن محمد، عن عائشة قالت: ((قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ناوليني الخمرة من المسجد، قالت: قلت: إني حائض، قال: إن حيضتك ليست في يدك)). (¬3) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها. صحيح البخاري 3/ 63 (2029)، وصحيح مسلم 1/ 167 (297) (7) من طريق الليث، عن ابن شهاب، عن عروة، وعمرة، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((وإن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأُرجله ... ))، وزيد في روايات أخرى، ((وأنا حائض)) وترجله: تمشطه وتدهنه. انظر: فتح الباري عقب (2028).

فقالوا: نعمْ، رواهُ فلانٌ، وحدّثنَاهُ فلانٌ، ونعرفُهُ منْ طريقِ كَذا، وخَاضُوا في الطرقِ والرواياتِ، فقالتِ المرأةُ: فأينَ كنتمْ إلى الآن)) (¬1). ومنها مما يحثُّ عَلى الاجتهادِ في ضمِّ الدّينِ إلى ذلكَ: وقالَ سعيدُ بنُ وهبٍ يَذكرُ مالكَ بنَ أنسٍ: يأبَى الجوابَ فما يُراجَعُ هَيْبَةً ... والسَّائلونَ نَواكِسُ الأَذقانِ هدْيُ التقيِّ وعِزُّ سلطانِ الهدى ... فَهو العزِيزُ ولَيسَ ذا سُلْطانِ (¬2) قوله: (حِفْظَاً أوْ تَفَهُّماً) (¬3) لا يخفى أنّ مجردَ الحفظِ لا يكفي. فالمرادُ حفظاً معَ تَفَهُّمٍ، وهوَ أعلى الدرجاتِ، أوْ تفهّماً منْ غيرِ حفظٍ وهوَ دونَهُ في الدرجةِ. فالعبارةُ منَ الاحتباكِ: إثباتُ ((حفظاً)) أولاً دليلٌ عَلى حذفِ ضده ثانياً، وإثباتُ ((تفهماً)) ثانياً دليلٌ عَلى حذفِ ((معَ تفهّمٍ)) أولاً، بدليلِ تعليلِهِ لذلك بقولهِ: ((لِيَعرِفَ مُصْطَلحَ أهْلِهِ)) (¬4)، ومَن لا فهمَ لَهُ لا معرفةَ لَهُ وإنْ حفظَ ألفَ كتابٍ. ¬

_ (¬1) هذه القصة أخرجها الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 249 - 250 (157) وفي الإسناد ضعف. عقب محقق كتاب " المحدّث الفاصل " في الحاشية فقال: ((في سند هذا الخبر رجل مجهول، وإن رجح الرامهرمزي أنه يوسف بن الصاد، ولكن لم نعثر له على ترجمة، فالخبر ضعيف، ولو سلمنا جدلاً بكونه ثقة، وأن الخبر صحيح فيرجح أن المرأة سألتهم وهم صغار في أول طلبهم العلم ولا يرد علينا بأن أبا ثور قد أجابها وهو من طبقتهم؛ ذلك لأن أبا ثور أسن منهم، ثم إنه كان ملازماً للشافعي ويتفقه به، ومثل هذه المسائل يمكن أن يتلقاها طلاب الفقه في أول طلبهم له، ولا يمكن حمل هذا الخبر على غير ذلك؛ لأن جلالة ابن معين، وأبي خيثمة في العلم تتنافى مع حمل هذا الخبر على غير هذين الوجهين ... )). (¬2) ذكره الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 247 (155). وذكره الجاحظ في " كتاب الحيوان ": 1566 ونسبه إلى ابن الخياط. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51.

/ 249 ب / قولُهُ: (وبِالصَّحِيْحَيْنِ ابدَأنْ) (¬1) الذي يقتضيهِ شرحُ النّاظمِ أنّ المرادَ البداءةُ بالسماعِ. والذي يقتضيهِ صنيعُ ابنِ الصّلاحِ أنّ المرادَ هنا البداءةُ بالتفهمِ بعدَ السّماعِ، أي: أنّهُ يرتّبُ طلبَهُ للكتبِ في التفهمِ كمَا يُرتِّبُ طلبَهُ لها في السَّماعِ؛ لأنَّهُ قالَ: ((ثُمَّ لا ينْبَغِي لطالبِ الحديثِ أنْ يقتصرَ عَلَى سَماعِ الحديثِ وكَتْبِه دونَ مَعْرفَتِهِ)) (¬2) فهو في معرضِ الحثِّ على التفهمِ، وأمَّا الحثُّ على السّماعِ والأمرُ بتقديمِ مَا ينبغي، فقدْ قدّمَهُ في قولِهِ قبلَ ذلكَ بقليلٍ: ((وإذا أخذَ فيهِ - أي: في السّماعِ (¬3) - فَلْيُشَمِّرْ عَنْ ساقِ جُهْدِهِ واجْتِهادِهِ، ويَبْدأْ بالسَّماعِ مِنْ أسْنَدِ شُيوخِ مِصْرهِ ... )) الخ (¬4). وقولُهُ هنا: (وليُقَدِّم العنايَةَ بالصحِيحَين، ثُمَّ بسنَنِ أبي داودَ، وسُنَن النَّسائِيِّ، وكتاب التِّرمذِيِّ، ضَبْطَاً لِمُشْكِلِها وَفَهْماً لخفيِّ مَعانيها ... ) إلى آخر كلامه (¬5). ظاهرٌ في ذلكَ، فإنّ ((ضبطاً)) تمييزٌ، أي: يقدّمُ هذهِ الكتبَ منْ هذهِ الجهةِ وهوَ محوّلٌ عنِ المفعولِ، أي: يقدّمُ العنايةَ بضبطِ كذا، ويقدّمُ ضبطَ ذلكَ، ويمكنُ ((الاعتناءُ)) بما فهمَهُ الشّيخُ: فيُجعل المصدرانِ حالينِ منَ الضميرِ في: ليقدّم فيكونانِ بمعنى اسمِ الفاعلِ، والتقديرُ: يقدّم ذلكَ في السّماعِ حالَ كونهِ ضابطاً ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (726). (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 358. (¬3) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 354. (¬5) هذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359، ولم ينقل العراقي في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 52 إلا قوله: ((ضبطاً لمشكلها وفهماً لخفي معانيها ... )) إلى آخره.

وفاهماً، والله أعلمُ. قولُهُ: (ثَنِّ) (¬1) هو ثانٍ بالنسبةِ إلى القسمِ المرتَّبِ على الأبوابِ، وإنْ كانَ ظاهرُ العبارةِ أنَّهُ ثالثٌ فإنّهُ ذكرَ الصحيحينِ قسماً وبعدَهما بقيةَ السُّننِ وبعدَ ذلكَ المسانيدَ. قولُهُ في شرحه: (ولا تُخْدَعنَّ) (¬2) بالخاءِ المعجمةِ مؤكداً بالنونِ الثقيلةِ منَ الخدعِ، وهوَ إرادةُ المكروهِ على وجهِ الخفاءِ منْ حيث لا يعلم، والاسم الخديعةُ. كذا رأيتُها مضبوطةً في نسختي بـ " علومِ الحديثِ "، وهي بخطِّ العلامةِ نجمِ الدّينِ الباهِيِّ الحنبليِّ وعليها خطُّ النّاظمِ بقراءتِهِ لها عليهِ مجلساً بعدَ مجلسٍ إلى آخرِهَا، وبعدهَا عنْ حرفُ جرٍ، ورأيتُهَا مضبوطةً في غيرِ نسخةٍ منْ "شرحِ الألفيةِ" بفتحِ التاءِ وكسرِ الحاءِ المهملةِ منَ الحيدةِ، وهي الميلُ، وعنْ حرفُ جرٍ غيرُ مكرّرٍ. قولُهُ: (ثُمَّ بسائرِ) (¬3) يتعلقُ: ((بالعنايةِ)) في قولِ [ابنِ] (¬4) الصّلاحِ في أولِ كلامِهِ الذي سَاقَهُ عنهُ: ((وليقدمِ العنايةَ بالصحيحينِ)) إلى أنْ قالَ: ((ثمَّ بسائرِ)). قولُهُ: (وإسمَاعِيل القَاضِي) (¬5) رأيتُ بخطِّ العلامةِ / 250 أ / شمسِ الدّينِ ابنِ حسّانَ عنْ شيخِنَا أنّهُ وَجدَ منهُ القليلَ، وأنَّ كتابَ محمدِ بنِ ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (726). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359، والذي في شرح التبصرة ومعرفة أنواع علم الحديث: ((يخدعنّ)). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيها. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، وهو من كلام الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي": 352.

أيوبَ (¬1) لا يوجدُ الآن. قولُهُ: (ومِن كُتُبِ الضّبطِ لمُشْكِلِ (¬2) الأسماءِ) (¬3) عطف عَلى قولِهِ: ((مِنْ كتبِ المسانيدِ)) في قولِهِ: ((ثُمَّ بسائرِ ما تمسُّ حاجةُ صاحبِ الحديثِ إليهِ من كُتُبِ المسانيد)) (¬4). قوله: (ابن مَاكُولا) (¬5) قالَ ابنُ الصّلاحِ عقبَهُ: ((وليَكُنْ كُلَّما مَرَّ بهِ اسمٌ مشكلٌ، أوْ كلمةٌ منْ حديثٍ مشكلةٌ بحثَ عنهَا وأودعَهَا قلبَهُ، فإنّهُ يجتمعُ لَهُ بذلكَ علمٌ كثيرٌ في يسرٍ)) (¬6). 731 - وَاحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ ثُمَّ ذَاكِرِ ... بِهِ وَالاتْقَانَ اصْحَبَنْ وَبَادِرِ 732 - إذا تَأَهَّلْتَ إلى التَّأْلِيْفِ ... تَمْهَرْ وَتُذْكَرْ وَهْوَ في التَّصْنِيْفِ 733 - طَرِيْقَتَانِ جَمْعُهُ أبوابَا ... أَوْ مُسْنَدَاً تُفْرِدهُ صِحَابَا 734 - وَجَمْعُهُ مُعَلَّلاً كَمَا فَعَلْ ... يَعْقُوْبُ أَعْلَى رُتْبَةً وَمَاكَمَلْ قولُهُ في قولِهِ: (واحْفَظْهُ بِالتَّدْرِيْجِ) (¬7): (تَمْهَر) (¬8) مبني للفاعلِ، وهو بفتحِ ¬

_ (¬1) وهو الحافظ المحدّث محمد بن أيوب بن يحيى بن ضُرَيس أبو عبد الله البَجَلي الرازي صاحب كتاب فضائل القرآن، توفي سنة (294 هـ‍). انظر: الثقات لابن حبان 9/ 152، وسير أعلام النبلاء 13/ 449. (¬2) في (ف): ((المشكل))، والمثبت من " شرح التبصرة والتذكرة ". (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، نقلاً عن ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 52، نقلاً عن ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 359. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، وهو من كلام ابن الصلاح أيضاً. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 359. (¬7) التبصرة والتذكرة (731). (¬8) التبصرة والتذكرة (732).

الهاءِ منْ مهرَ الشيءَ، وفيهِ، وبِهِ، كَمَنَعَ قالَهُ في " القاموسِ " (¬1)، وَمعنَاهُ تَصِرْ مَاهِراً، أي حَاذِقاً فَطناً، وهو مجزومٌ عَلَى أنّهُ جوابُ الأمرِ. قوله: (وتُذْكَر) (¬2) مبني للمفعولِ، أي: يَصِرْ لَكَ ذكرٌ بينَ طلبةِ الفنِّ بما صنفتَهُ. قوله: (في التَّصْنيفِ) (¬3) هو أخصُّ منَ التأليفِ؛ لأنّه جعل كُل صنفٍ عَلى حدة، والتأليفُ: مطلقُ الضمِّ. وبعضُهم يراهُ مثلَهُ، ويقولُ: لا يكونُ تأليفاً حتى يضمَّ الشيءَ إلى شكلِهِ فيكونَ المشاكلُ للشئ كأنّه إلفٌ لَهُ؛ مشابهتهُ تدعوهُ إلى إلفهِ، وعَلَى كلِّ حالٍ فليسَ في كلامِ النظمِ ما يُعابُ بِهِ. أمّا إنْ جعلناهما أعمّ وأخصّ فواضحٌ، وأمّا إنْ جعلناهما بمعنى واحدٍ فيقالُ: إنّهُ سلخَ التأليفَ عنِ المعنى الخاصِّ، فيصيرُ كأنّهُ قالَ: بادِرْ إلى التأليفِ، والتأليفُ الذي هو ضمُّ الشيءِ إلى الشيءِ مطلقاً في التصنيفِ الذي هو ضمُّ كلِّ صنفٍ عَلى حدته ((طريقتانِ)) (¬4). قوله: (جَمْعُه أبواباً) (¬5) منصوبٌ عَلَى التمييزِ، وكَذا ((صِحَابَا)). و ((تُفْرِدَهُ)) منصوبٌ عطفاً عَلَى ((جَمْعُهُ)) نحو: للُبْسُ عَبَاءةٍ وتَقَرَّ عيني (¬6) ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (مهر). (¬2) التبصرة والتذكرة (732). (¬3) التبصرة والتذكرة (732). (¬4) التبصرة والتذكرة (733). (¬5) التبصرة والتذكرة (733). (¬6) هذا صدر بيت لميسون بنت بحدل الكلبية والتي تزوجت بمعاوية بن أبي سفيان - رضي الله عنه - فلما زفت إليه تشوقت إلى البادية فأنشدت وهذا البيت منها. وعجز هذا البيت: ... ... ... ... ... ... ... أحب إليَّ من لبس الشُفوفِ انظر: التذكرة الحمدونية: 4970، ودرة الغواص في أوهام الخواص: 58، وغرر الخصائص الواضحة وعرر النقائض الفاضحة: 83 - 85.

و ((مُسْنَداً)) (¬1) حالٌ من ضميرِهِ، أي: وتأليفُ الحديثِ في حالِ التصنيفِ، أي: جعلُهُ أصنافاً طريقتانِ: إحداهما: جمعُ الحديثِ إلى شكلِهِ منْ جهةِ الأبوابِ، أو إفرادُهُ بأنْ تذكرَ الحديثَ وحدَهُ، أي: منْ غيرِ ضمِّ ما يناسبُهُ في الحكمِ إليهِ حالَ كونهِ مسنداً منْ جهةِ الصحابةِ لا منْ جهةِ الشيوخِ مثلاً، أي: النظر فيهِ إلى الإسنادِ في ضمِّ شكلهِ إليهِ منْ جهةِ كونهِ يُروى بِهِ حديثٌ آخرُ لهذا الصحابيِّ. فالأسانيدُ في المسندِ / 250 ب / كالمتونِ في الأبوابِ، والأسانيدُ في الأبوابِ كالمتونِ في المسندِ (¬2)، والله أعلمُ. ويجوزُ أنْ يكونَ نصبُ ((أبواباً)) و ((مسنداً)) بنزعِ الخافضِ، أي: جمعُهُ على الأبوابِ أو على المسانيدِ، ولا يضرُّ إفرادُ مسندٍ؛ لأنَّهُ صارَ علماً على هذا النوعِ. و ((تُفْرِدهُ)) استئنافٌ أو صفةٌ لـ ((مسنداً))، أي: تفردُ كل مسندٍ على حدة من جهةِ الصحابةِ لا الشيوخِ. ويجوزُ أنْ يكونَ ((أبواباً)) حالٌ، أي: ذا أبوابٍ أو مُبَوَّباً. قولُهُ: (وجمعُهُ معللاً) (¬3) نُقِلَ عن شيخِنا أنهُ قالَ: ((إنّ ضميرَهُ ليسَ عائداً على قولهِ ((مسنداً)) وإن كانَ قد مثلَ بـ ((مسندِ يعقوبَ)) بل عائد على ((التأليفِ))، يعني: أنَّ الأعلى في التصنيفِ جمعُ التأليفِ كلّ شكلٍ إلى شكلهِ حالَ كونهِ مُعَلَّلاً، بأن يجمعَ طرقَ الحديثِ كلَّها ويُبيِّنَ ما فيهِ من علةٍ إن كانت، سواءٌ كانَ على الأبوابِ أو الأسماءِ، صحابةً أو شيوخاً. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (733). (¬2) انظر: فتح الباقي 2/ 133 - 134. (¬3) التبصرة والتذكرة (734).

قولُهُ: (معللاً) (¬1) هذا لا يخصُّ واحدةً من الطريقتينِ، بل يمكنُ جمعُهُ على المسانيدِ معللاً، وهذا فعلُ يعقوبَ بنِ شيبةَ (¬2) فإنّه يذكرُ الصحابيَّ، ثمُّ يسوقُ ترجمتهُ بأسانيدِهِ، ثم يسوقُ أحاديثهُ، ويذكرُ عللها. ويمكنُ جمعُهُ على الأبوابِ معللاً وهو أحسنُ، فإنّه لا يأتي فيه تكرارٌ لأنَّ النظرَ فيهِ إلى المتنِ، فلا يضرُّ الاختلافُ في صحابيهِ على الراوي بخلافِ الأولِ، فإنّه إذا اختُلفَ في صحابيهِ عليهِ وذُكِرَ في مسندِ أحدِهما فإنْ أعيدَ في مسندِ الآخرِ حصلَ التكرارُ، وإلا كانَ إخلالاً ببعضِ أحاديثهِ. قالَ شيخُنا: ((ومنِ ثم استخرجتُ مسندَ ابنِ عباسٍ رضي اللهُ عنهما من " عللِ الدارقطنيِّ " ولم يفردْهُ، والشائعُ بينَ طلبةِ الفنِّ أنَّه ليسَ فيهِ فقصدتُ إلى ترتيبهِ فوجدتُهُ يذكرُ في أثناءِ المسانيدِ أحاديث لابنِ عباسٍ رضي الله عنهما اختلفَ فيها على الرواةِ، فكنتُ كلما مرَّ بي حديثٌ لهُ أفردتُهُ، فما كملَ حتى تمَّ مسندُ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما)). ولا يُقالُ: إنَّ أحاديثَ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما كلَّها مُعلَّلةٌ، بلْ المعَللُ منها الأحاديثُ الواردةُ في كتابهِ، فإنَّ المُعلِّلَ لا يلزمُهُ أن يذكرَ جميعَ أحاديثِ الصحابيِّ، وإنما يلزمُهُ ذكرُ ما أُعلَّ من حديثهِ، فإنْ أتى بغيرِهِ كان مُتَبَرِّعاً. / 251أ / قولهُ في شرحهِ: (قليلاً قليلاً) (¬3) قالَ ابنُ الصلاحِ عقبهُ: ((معَ الأيامِ والليَالي فذلكَ أَحرى بأنْ يُمَتَّعَ بمحفوظهِ)) (¬4). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (734). (¬2) هو الحافظ الكبير الثقة يعقوب بن شيبة بن الصلت بن عُصفور، أبو يوسف السَّدُوسي البصري ثم البغدادي. قال الذهبي: ((صاحب المسند الكبير، العديم النظير المعلل، الذي تمَّ من مسانيده نحو من ثلاثين مجلداً. ولو كَمُل لجاء في مئة مجلد))، توفي سنة (262 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 14/ 281، وسير أعلام النبلاء 12/ 476. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 359.

قولُهُ: (أربعةَ أحاديثَ خمسةً) (¬1)، أيْ: أو خمسةً فإنّ ((أو)) تحذفُ إذا دلَّ السياقُ عليها (¬2) كما تقدمَ في بحثِ الحسنِ. قولُهُ: (يُدْرَكُ العلمُ حديثٌ وحديثانِ) (¬3) ببناءِ ((يدرك)) للمفعولِ، ورفعِ ((حديث)) على أنه بدلُ بعض. قولُهُ: (المُذَاكَرَةُ) (¬4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ثُمَّ إنّ المذاكرةَ بما يتحفَّظُهُ منْ أَقوى أسبابِ الإمتاعِ بهِ، رُوِّينا عنْ عَلْقمةَ النَّخَعيِّ - وهو صاحبُ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - (¬5) قالَ: تَذَاكَروا الحديثَ، فإنَّ حياتَهُ ذِكْرُهُ (¬6)، وعنْ إبراهيم النَّخَعيِّ قالَ: مَنْ سَرَّهُ أن يَحْفَظَ الحديثَ فليُحدِّثْ بهِ، وَلَو أنْ يُحَدِّثُ بهِ مَنْ لا يشْتهيهِ (¬7))) (¬8). انتهى. وقالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " (¬9): ((قالَ الخطيبُ: وأفضلُ المُذَاكرةِ مُذَاكرةُ الليلِ، وكانَ جماعةٌ مِنَ السلفِ يَبدأونَ مِنَ العِشاءَ، وربما لمْ يقوموا حتى يسمعوا أذان الصبح)) (¬10). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53، وهو كلام الثوري. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (448). (¬2) ((أو)) موجودة في "شرح التبصرة والتذكرة"، ولكنها غير موجودة في "الجامع لأخلاق الراوي". (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54، وهو كلام الزهري. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (450). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54. (¬5) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬6) أخرجه: الرامهرمزي في " المحدث الفاصل ": 546، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1832). (¬7) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1833). (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 360. (¬9) المجموع شرح المهذب 1/ 88. (¬10) كلام الخطيب في " الفقيه والمتفقه " 2/ 128. وقال الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 405: ((وإنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإنَّ خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا قال حماد بن زيد عندما سئل: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم، وليس يكون قلة الغم إلا مع خلو السر، وفراغ القلب. والليل أقرب الأوقات من ذلك)).

قولُهُ: (يَدْرُسْ) (¬1) هو بضمِّ الراءِ مبنياً للفاعلِ، بمعنى أنَّهُ ينطمسُ وتذهبُ أعلامهُ فلا يبقى لهُ أثرٌ، يقالُ: درسَ الرسمُ دروساً: عفَا، ودرستْهُ الريحُ، لازمٌ متعدٍ (¬2). قولُهُ: (تَذَكَّرْ ما عِندكَ) (¬3) مضارعٌ محذوفُ تاء المضارعةِ مشدّداً من التَّفعلِ، أي: تتذكر ما في محفوظكَ، وقد كادَ أنْ يعزبَ عنكَ. قولُهُ: (عن عبدِ اللهِ بنِ المعتزِّ) (¬4) هو الخليفةُ العباسيُّ، الشاعرُ المشهورُ (¬5)، وهذا كلامُ حكمة يؤخذُ عمن رُويَ عنهُ، وإن كانَ مشهوراً بغيرِ الوعظِ (¬6). قولُهُ: (مُصَاحباً للإِتقانِ) (¬7) هو إحْكامُ الأمرِ، من التِّقْنِ، بالكسرِ وهو الطبيعَةُ، والرجلُ الحَاذِقُ (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54 وهذا من كلام علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -. انظر: المحدّث الفاصل: 545، والجامع لأخلاق الراوي (465) و (466). (¬2) انظر: القاموس المحيط مادة (درس). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54، وهو من كلام الخليل بن أحمد. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1845). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54. (¬5) وهو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، كان أديباً بليغاً شاعراً مطبوعاً مقتدراً على الشعر، اتفق معه جماعة من رؤوس الأجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر وبايعوا عبد الله بن المعتز، وأقام يوم وليلة ثم رجع أصحاب المقتدر فتجمعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز، فأعادوا المقتدر إلى دسته، فأخذه المقتدر وسلمه إلى مؤنس الخادم فقتله وسلمه إلى أهله، وذلك في يوم الخميس الثاني من شهر ربيع الآخر سنة (296 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 10/ 95، ووفيات الأعيان 2/ 37. (¬6) نقل عنه العراقي قوله: ((من أكثر من مذاكرة العلماء، لم ينسَ ما علم، واستفاد ما لم يعلم)). أخرجه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1852). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54. (¬8) القاموس المحيط مادة (تقن).

رأيتُ بخطِّ الشيخِ شمسِ الدينِ بنِ حسانَ أنَّه رواهُ الحافظ أبو طاهرٍ السلفيُّ في كتابهِ " شرطِ القراءةِ على الشيوخِ " وعبارته: ((وليكنِ المحدّث مصاحباً للإتقانِ ولا يكون إماماً مَنْ حدّثَ عنْ كلِّ منْ رأى، ولا حدثَّ بكلِّ ما سمعَ)). قولُهُ: (ويقِفُ على غوامضِهِ) (¬1) قالَ الشيخُ محيي الدينِ النوويُّ في مقدمةِ " شرحِ المهذبِ " (¬2): ((ويصنفُ إذا تأهلَ فيهِ، فتكاملتْ أهليتُهُ واشتهرتْ فضيلتُهُ، فإنَّهُ بالتصنيفِ والجدِّ في الجمعِ والتأليفِ / 251 ب / يطلعُ على حقائقِ العلمِ، ودقائقِ الفنونِ، لأنَّهُ يضطرهُ إلى كثرةِ التفتيشِ والمطالعةِ والتحقيقِ والمراجعةِ. وليحذرْ كلَّ الحذرِ أنْ يشرعَ في تصنيف ما لم يتأهلْ لهُ، ولا يُخرجُ تصنيفهُ حتى يهذبهُ، ولا يوضحُ إيضاحاً ينتهي إلى الركاكةِ، ولا يوجزُ إيجازاً يُفضي إلى المحقِ والاستغلاقِ. ويكونُ اعتناؤهُ بما لم يُسبقْ إليهِ أكثرَ، مُحَقِّقاً فيما يَذكرُ، متثبِّتاً في نقلهِ واستنباطهِ، متحرياً إيضاحَ العباراتِ وبيانَ المشكلاتِ، مجتنباً العباراتِ الركيكاتِ والأدلةَ الواهياتِ، مستوعباً معظمَ ذاكَ الفنِّ، غيرَ مُخِلٍّ بشيءٍ من أصولهِ، مُنَبِّهاً على القواعدِ، فبذلكَ تنكشفُ له المشكلاتُ، ويطَّلعُ على الغوامضِ وحلِّ المعْضِلاتِ، ويعرفُ مذاهبَ العلماءِ، والراجحَ من المرجوحِ، ويرتفعُ عن الجمودِ على محضِ التقليدِ ويلحقُ بالأئمةِ المجتهدينَ، أو يقاربهم إن وُفِّقَ لذلك، وباللهِ التوفيقُ)). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55، وهو من كلام الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 415. (¬2) المجموع شرح المهذب 1/ 89 - 90، بتصرف.

قولُهُ: (ويَشْحَذُ) (¬1) بالشينِ والذالِ المعجمتينِ والحاءِ المهملةِ، أي: يُحدُّهُ ويجيدُ تصورَهُ وتصرفَهُ، من شَحَذَ السكّينَ كمَنَعَ: أحَدَّها، أي: سنَّها حتى صارتْ حادَّةً، والجوعُ المعدةَ: ضَرَمها، والمِشْحَذُ: المِسَنُّ، والسائِقُ العَنِيفُ، والشَّحْذُ كالمنْعِ: السَّوْقُ الشَّديدُ والغَضَبُ، والقَشْرُ، والإلحاحُ في السؤالِ، وهو شحَّاذٌ مُلِحُّ، ولا تَقُلْ: شحَّاثٌ، قاله في " القاموس " (¬2). قوله: (يَمُوْتُ قَوْمٌ) (¬3) البيت، مما يستحسنُ من ذلكَ قولُ بعضهم: عليكَ بجمعِ العلمِ فالجهلُ سُبَّةٌ ... وعيبٌ على المرءِ اللبيبِ وعارُ وما حسنُ أنْ تملك الأرضَ كلها ... وتحوي ما فيها وأنتَ حمارُ وقالَ آخرُ: العلمُ أفضلُ شيءٍ أنتَ كاسبهُ ... فكن له طالباً - ما عشتَ - مكتسِباً فالجاهلُ الحيُّ ميتٌ حينَ تنسبُهُ ... والعالمُ الميتُ حي كلَّما نُسِبَا قولُهُ: (وليأخُذْ قلمَ التَّخْرِيجِ) (¬4)، أي: لأنَّ الناسخَ لا يتأمَّلُ في الغالبِ ما يكتبُهُ، وإنْ تأمَّلَ لم يُمْعِنْ، بخلافِ المُخَرِّج، فإنّه يحتاجُ أن يتأمّلَ حقَّ التأملِ. قولُهُ: (كُلُّ مُسْنَدٍ على حدَةٍ) (¬5) قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((وجمعُ حديثِ كُلِّ صَحابيٍّ وَحْدَهُ وإن اخْتَلَفتْ أنواعُهُ)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55، وهو من كلام الخطيب أيضاً. (¬2) القاموس المحيط مادة (شحذ). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55. إشارة إالى قول الشاعر: يموتُ قومٌ فيحيى العلم ذكرهم ... والجهل يلحق أحياء بأموات انظر: الجامع لأخلاق الراوي 2/ 280 (1853). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 55. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 361.

قولُهُ: (نُعَيمُ بنُ حمَّادٍ) (¬1) قال شيخُنا: ((ولا يَرِدُ عليه " مُسندُ أبي داودَ الطيالسيِّ "؛ لتقدمهِ / 252 أ /. فإنَّهُ لم يجمع المسندَ المنسوبَ إليهِ حتى يقالَ: إنَّهُ أولُ من صنَّفَ على المسانيدِ، بل الجامعُ لهُ غيرُهُ جَمعهُ بحسبِ ما وقعَ لهُ من حديثهِ (¬2)، وإلا فهوَ مكثرٌ جداً، فلو جُمِعَ كلُّ حديثِهِ، أو جمعَ هو مسنداً وانتقاهُ لكانَ أضعافَ هذا)). قولُهُ: (ثُمَّ بالنّساءِ) (¬3)، أي: إذا فرغَ منَ الرجالِ شرعَ في ذكرِ النِّساءِ مُرَتِّباً لهنّ كما رتّبَ الرجالَ، وهذهِ الطريقةُ أحدُ محتملي كلامِ الخطيبِ (¬4). والاحتمالُ الآخرُ أن يذكرَ النساءَ في أواخرِ هذه الطبقاتِ، فإذا ذكرَ بني هاشمٍ الرجالَ ذكرَ النساءَ منهم، ثم انتقلَ إلى غيرهم فذكرَ رجالهم، ثم نساءهم وهكذا إلى الآخرِ. أو يذكرَ العشرةَ - رضي الله عنهم -، ثمَّ يذكرَ ذَوات السبقِ منَ النساءِ، ثمَّ أهلَ بدرٍ، ثمَّ من يوازي تلكَ الطبقة منَ النساءِ وهكذا. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهذا من كلام الدارقطني. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1900). (¬2) إذ إن مسند الطيالسي جمعه يونس بن حبيب تلميذ الطيالسي، ويونس بن حبيب هو المحدّث الحجة، أبو بشر، يونس بن حبيب العجلي، مولاهم الأصبهاني توفي سنة سبع وستين ومئتين، انظر ترجمته في: الجرح والتعديل9/ 237، وذكر أخبار أصبهان 2/ 345، وسير أعلام النبلاء 12/ 596، والعبر 2/ 37، وغاية النهاية 2/ 406، وشذرات الذهب 2/ 152. وقال أبو بكر الخطيب: قال لنا أبو نعيم: صنف أبو مسعود الرازي ليونس بن حبيب مسند أبي داود. وقال حفص بن عمر المهرقاني: كان وكيع يقول: أبو داود جبل العلم. انظر: سير أعلام النبلاء 9/ 382. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 361. (¬4) انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 423 - 424.

قولُهُ: (وهذا أحْسَنُ) (¬1)، أي: مِنْ جِهةِ تنزيلِ النَّاسِ مَنَازِلهم وتَقْديم أولاهم بالتقديمِ فأَولاهم، محاذياً بالتصنيفِ الواقعِ في الوجودِ، والأولُ أسهلُ في الكشفِ. قال ابن الصلاح: ((وفي ذَلِكَ مِنْ وجوهِ التَّرْتيبِ غيرُ ذَلِكَ، ثُمَّ إنَّ مِنْ أعلى المراتبِ في تَصنيفِهِ، تَصنيفَهُ مُعَلَّلاً، بأنْ يَجْمَعَ في كُلِّ حديثٍ طُرُقَهُ، واخْتِلافَ الرواةِ فيهِ، كما فَعَلَ يَعْقُوبُ بنُ شَيْبَةَ في " مسنده ")) (¬2). قولُهُ: (لأنْ أَعْرفَ عِلَّةَ حديثٍ هو عِنْدي) (¬3)، أيْ: حديثٍ مرويٍّ عندي، بمعنى: أنّ لهُ بهِ روايةً؛ لأنَّ معرفتَه لذلكَ الحديثِ تصيرُ كاملةً؛ بخلافِ ما إذا رَوَى وهو لا يعرفُ ما في مرويِّهِ من الدسائسِ فإنَّ ذلكَ يكونُ سبباً إلى وقوعهِ فيما لا يليقُ، أو إيقاعِ غيرهِ في ذلكَ. وإنما خصّهُ بما عندَهُ؛ لأنَّ الغالبَ من حالهِم ذلك، وهو أنَّ أحدَهم لا يعرفُ حديثاً إلا وهو مرويٌّ لهُ؛ لشدةِ حرصِهم على التحصيلِ أو لا يوجدُ غير ذلكَ. قولُهُ: (يعقوبُ بنُ شيبةَ) (¬4) هو: ابنُ الصَّلتِ بنِ عصفُورٍ أبو يوسُفَ السدوسيُّ، كانَ فقيهاً على مذهبِ مالكٍ، توفي سنة اثنتينِ وستينَ ومئتينِ (¬5). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهو من كلام ابن الصلاح أيضاً. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 361. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56، وهو من كلام عبد الرحمان بن مهدي. انظر: علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 9، ومعرفة علوم الحديث: 112، والجامع لأخلاق الراوي (1911)، وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 470. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 56. (¬5) تقدمت ترجمته. انظر: تذكرة الحفاظ 2/ 577.

قولُهُ: (عَشرةُ آلافِ دينارٍ) (¬1)، أي: على نسخهِ وتحريرهِ، فقد رُويَ أنَّهُ كانَ في بيتهِ أربعونَ فِراشاً للحفَّاظِ الذينَ يُعينونَهُ / 252 ب / على جمعهِ ويذاكرهم فيهِ (¬2). قولُهُ: (هَذَا الذي رأَيْنا من مُسْندِهِ) (¬3)، أي: وأمَّا مسندُ أبي هريرةَ فإنَّ الخطيبَ لم يرهُ ولا شيخَهُ الأزهريّ، بل قيلَ لهُ: إنَّ نُسخةً منهُ شُوهِدَتْ بمصرَ (¬4). قالَ شيخنا: ((والذي وقع لنا مَروياً منهُ الجزء الثالثُ من "مسندِ عمَّارٍ")). هكذا حفظتُ من شَيخِنَا. ورأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا عنهُ أنَّهُ لم يتصلْ إلا قطعةٌ من الجزءِ الثالثِ من " مسندِ عمارٍ "، فالله أعلمُ (¬5). قالَ شيخُنا: ((ورأينا من غيرهِ قليلاً لم تقع لنا روايتُهُ)). قولُهُ: (وَجَمَعُوْا أبواباً) (¬6) الذي تقدَّمَ في قصدِ استيعابِ الأبوابِ، أو المسانيدِ، وهذا في تخصيصِ أشيَاء بعينها، ونصبَ ((أبواباً)) وما بعدَهُ مفعولاتٍ لـ ((جَمَعُوْا)) وهو على حذفِ مضافٍ. (أوْ طُرُقاً (¬7)) (¬8)، أي: وجمعَ المحدثونَ الحديثَ على أنواعٍ أخرَ أو طرقٍ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57، وهو من كلام الأزهري انظر: تاريخ بغداد 14/ 281. (¬2) نقل ذلك الخطيب، عن الأزهري أنه قال: بلغني أن يعقوب كان في منزله أربعون لحافاً ... إلخ. انظر: تأريخ بغداد 14/ 281. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57، وهذا من كلام الخطيب في " تاريخ بغداد " 14/ 281. (¬4) انظر: تاريخ بغداد 14/ 281. (¬5) قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 12/ 479: ((وقع لي جزء واحد من مسند عمار له)). (¬6) التبصرة والتذكرة (735). (¬7) في (ف): ((إلا طرقاً))، والمثبت من " التبصرة والتذكرة ". (¬8) التبصرة والتذكرة (735).

أخرى، إمّا أن يؤلفوا أحاديثَ أبوابٍ خاصةٍ؛ مُفردينَ بالجمعِ كلَّ بابٍ منها على حدةٍ، أو جامعينَ معهُ باباً أو بابينِ ونحو ذلكَ (¬1)، أو أحاديثَ شيوخٍ مُعَيَّنينَ (¬2)، أو أحاديثَ تراجمَ معينةٍ. والمرادُ هنا بالترجمةِ إسنادٌ واحدٌ رُويَ بهِ أحاديثُ كثيرةٌ أو طرقُ أحاديثَ (¬3). ويجوزُ أنْ يكونَ نصبُهُ على الحالِ، أي: وقعَ جمعهم للحديثِ حالَ كونِهِ ذا أبوابٍ أو كذا، وأن يكونَ تمييزاً: أي جمعوهُ من جهةِ الأبوابِ، أو كذا، أي: جمعوا أبوابَهُ أو شيوخَهُ ... إلخ. قولُهُ في شرحهِ: (ككتابِ رَفعِ) (¬4) هو هكذا في النسخِ التي وقفتُ عليها، والظاهرُ أنهُ ((كَبَابِ)) بالموحدةِ وكافٍ واحدةٍ، سبق القلم إلى زيادة كاف في أوله فظنَّ أنَّه كتاب بالمثناة فوق، وإلا لما حَسُنَ أنْ يعطف عليه ((بابَ القراءةِ)) وما بعدهُ (¬5). قولُهُ: (وأمَّا جَمعُ الشيوخِ) (¬6) قال شيخُنا: لم أرَ لهم في جمعِ الشيوخِ طريقةً مُطَّردةً، بل تارةً يجمعونَ حديثَ الرجلِ لكونهِ مكثراً، وتارةً يجمعونهُ لكونهِ مُقِلاً، ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 361، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 57. (¬2) قال ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 361: ((أي: جمع حديث شيوخ مخصوصين كُل واحد منهم على انفراده. قال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال من لم يجمع حديث هؤلاء الخمسة فهو مفلس في الحديث: سفيان، وشعبة، ومالك، وحماد بن زيد، وابن عيينة، وهم أصول الدين)). انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 427 - 428 (1918)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 57 - 58. (¬3) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 361، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 58. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57. (¬5) ويؤيدُ هذا الكلام قول ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 361: (( ... نحو باب رؤية الله - عز وجل -، وباب رفع اليدين ... )) إلخ. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 57.

وإلى ذلكَ الإشارة بقولهِ: ((مخصوصينَ))، أي: شهرةً سواءٌ كانتِ الشهرةُ بإكثارٍ أو بقلةٍ، ولا يتقيَّدُ ذلكَ بشيوخِ الجامعِ، بل هو أعمُّ من شيوخهِ وشيوخِ غيرهِ من عصرهِ ومن قبلهِ. وقد يريدونَ بالشيوخِ المعجمَ، وهو - والله أعلمُ - الذي قصدَهُ الحافظُ أبو بكرٍ أحمدُ بنُ / 253 أ / محمدٍ البَرْقانيُّ (¬1) في ما أوردَ لهُ الحافظُ عمادُ الدينِ إسماعيلُ ابنُ كثيرٍ في " تاريخهِ " (¬2) في سنةِ خمسٍ وعشرينَ وأربعمئة عن الحافظِ ابنِ عَسَاكرَ، من شعرهِ (¬3): أُعلِّلُ نَفسي بكَتْبِ الحديثِ ... وأَجْمِلُ فيه لها الموْعِدَا وأَشْغَلُ نَفسي بتَصْنيفِهِ ... وتَخْريجِه دائِماً سَرْمَدَاً فطَوْراً أُصَنِّفُه في الشيوخِ ... وطَوْراً أُصَنِّفُه مُسْنَدَاً (¬4) قولُهُ: (وهم أصولُ الدينِ) (¬5)، أي: الأحاديثُ المرويةُ عنهم أصولُ هذه الشريعةِ جمعتْ أنواعَ العلومِ الشرعيةِ. قولُهُ: (طَلبُ العِلمِ) (¬6) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((وحديث الغُسْلِ يَومَ الجُمُعَةِ، وغير ذَلِكَ، - قال (¬7): - وكَثيرٌ مِنْ أَنواعِ كِتابِنا هذا قَدْ أفرَدُوا أحاديثَه بالجَمْعِ ¬

_ (¬1) هو الإمام العلامة الفقيه أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمي صاحب التصانيف، قال الخطيب: ((كان البرقاني ثقةً، ورعاً، ثبتاً، فهماً، لم نر في شيوخنا أثبت منه ... )). انظر: تاريخ بغداد 4/ 373، وسير أعلام النبلاء 17/ 464. (¬2) البداية والنهاية 15/ 650 - 651. (¬3) أي: من شعر البرقاني. (¬4) ذكره ابن عساكر في " تأريخ دمشق " 5/ 248. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58، وهذا من كلام عثمان بن سعيد الدارمي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58. (¬7) أي: ابن الصلاح.

والتَّصنيِفِ، وعليهِ في كُلِّ ذَلِكَ تَصْحِيحُ القَصْدِ والْحَذَرُ مِنْ قَصْدِ المكاثَرَةِ ونَحْوِهِ، بَلَغَنا عَنْ حَمْزَةَ بنِ مُحَمَّدٍ الكِنانيِّ أنَّهُ خَرَّجَ حَديثاً واحِداً مِنْ نَحوِ مِئتَي طريقٍ فأعْجَبهُ ذلِكَ، فرأى يَحْيى بنَ مَعينٍ في مَنامِهِ فَذَكَرَ لهُ ذَلِكَ، فقالَ لهُ: أخشى أنْ يَدْخُلَ هذا تَحْتَ {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} (¬1))) (¬2). قولُهُ: (رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بنِ المدينيِّ) (¬3) إنما جعلَ هذا كالدليلِ لكراهةِ جمعِ المقصرِ من حيثُ إنّه قيّده بأولِ كتابتهِ فإنَّ الإنسانَ إذا أخذَ في طلبِ علمٍ من العلومِ يكونُ عنهُ كالأجنبيِّ، فلا تكونُ لهُ فيهِ ملكةٌ إلا بعد ممارسةٍ كثيرةٍ، وتخصيصهُ هذينِ الحديثينِ لكثرةِ طرقهما، وإنما قالَ: ((قفَاهُ)) إشارة إلى إدبارِهِ عن الخيرِ. عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وَلْيَتَّقِ أنْ يَجْمَعَ ما لَمْ يَتَأَهَّلْ بَعْدُ لاجْتِناءِ ثَمَرتِهِ واقْتِنَاصِ فائِدة جَمْعِهِ، لئَلا (¬4) يَكونَ حُكْمُهُ مَا رُوِّيْنا عَنْ عليِّ بن المدينيِّ)) فذكره. وقال عَقِبَهُ: ((ثُمَّ إنَّ هذا الكتابَ مَدخلٌ إلى هذا الشَّأنِ، مُفْصِحٌ عَنْ أصُولِهِ وفُروعِهِ، شارِحٌ لمصطلحاتِ أَهلهِ ومقاصِدِهم وَمُهِمَّاتِهم التي ينْقُصُ المحَدِّثُ بالجهلِ بِها نقْصاً فاحِشاً، فهو إن شاءَ الله جَديرٌ بأنْ تُقَدَّمَ العنايةُ بهِ)) (¬5). انتهى. وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((ولتكنْ عنايتهُ بالأَولى فالأَولى مِنْ علومِ الحديثِ، ومِنَ الخَطأ الاشتغالُ بالتَّتِمَّاتِ والتكميلاتِ مِنْ هذه العلوم وغيرِها مع تَضييعِ المهماتِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) التكاثر: 1، أخرج هذا الأثر ابن عبد البر في جامع بيان العلم 2/ 132، والذهبي في سير أعلام النبلاء 16/ 180. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 362. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58، قال علي بن المديني: ((إذا رأيت المحدث أول ما يكتب الحديث يجمع حديث الغسل، وحديث من كذب عليَّ، فاكتب على قفاه: لا يفلح)). انظر: الجامع لأخلاق الراوي (1923). (¬4) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((كيلا)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 362. (¬6) الاقتراح: 256.

العالي والنازل

العَالي [والنّازل] (¬1) قولُهُ: (العَالي والنّازل) (¬2) لما حثَّ عَلى السَّماعِ وَأشارَ إلى ترتيبِ المسموعاتِ ومَا يتصلُ بذلكَ حسُنَ ذكرُ العالي / 253 ب / وتقسيمُهُ. قالَ ابنُ الصلاحِ: ((الإسْنادُ أوَّلاً خَصِيصَةٌ فاضِلَةٌ مِنْ خَصَائِصِ هذهِ الأُمَّةِ (¬3)، وسُنَّةٌ بالِغَةٌ مِنَ السُّنَنِ المؤَكَّدة، رُوِّيْنا مِنْ غيرِ وَجْهٍ عَنْ عبدِ اللهِ بنِ المبارَكِ أنَّهُ قالَ: الإسْنادُ مِنَ الدِّيْنِ، ولَوْلاَ الإسْنادُ لَقَالَ مَنْ شَاءَ ما شَاءَ (¬4). وطَلَبُ العُلُوِّ سُنَّةٌ (¬5) أيضاً، ولِذَلِكَ اسْتُحِبَّتِ الرِّحْلَةُ فيهِ عَلَى ما سَبَقَ ذكْرُهُ)) (¬6)، أي: في آدابِ الطالبِ. انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من" شرح التبصرة والتذكرة ". انظر في العالي والنازل: معرفة علوم الحديث: 5 - 14، والجامع لأخلاق الراوي 1/ 115 وما بعدها، ومعرفة أنواع علم الحديث: 363، وجامع الأصول 1/ 110 - 115، والإرشاد: 529 - 537، والتقريب: 150 - 152، والاقتراح: 266، ورسوم التحديث: 134، واختصار علوم الحديث 1/ 443، وبتحقيقي: 222، والشذا الفياح 2/ 419 - 434، والمقنع 2/ 421 - 426، ومحاسن الاصطلاح: 212، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وتنقيح الأنظار: 250، ونزهة النظر: 97 - 100، وفتح المغيث 3/ 3 - 26، وتدريب الراوي 2/ 159 - 172، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 63، وفتح الباقي 2/ 136، وشرح شرح نخبة الفكر: 614 - 629، واليواقيت والدرر 2/ 232 و248، وتوضيح الأفكار 2/ 395 - 401. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59. (¬3) انظر: شرف أصحاب الحديث: 40 - 43، والملل والنحل 2/ 81 - 84، والإرشاد للنووي 2/ 529. (¬4) أخرجه: مسلم في " مقدمة صحيحه " 1/ 12، والرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 209، والحاكم في "معرفة علوم الحديث": 6، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1645)، وفي " شرف أصحاب الحديث "، له: 41، وابن عبد البر في " التمهيد " 1/ 56. (¬5) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((العلو فيه سنة)). (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 363.

وسبقَ هُناكَ أيضاً ذمّ الانهماكِ فيهِ عنِ الإمامِ تقيِّ الدّينِ بنِ دقيقِ العيدِ (¬1). قولُهُ في "النظم": (وَقَسَّمُوْهُ) (¬2)، أي: أهلُ الحديثِ؛ لأنّ ابنَ طاهرٍ (¬3)، وابنَ الصّلاحِ (¬4) صَرّحَا بهِ وَغيرهُمَا قَبِلَه عنهما. قولُهُ: (وَقِسْمُ القُرْبِ) (¬5)، أي: الأولُ: قسمُ القربِ منَ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم -. والثاني: قسمُ القرب منْ إمامٍ منْ أئمةِ الحديثِ، سواءٌ كانَ منْ أصحابِ الكتبِ الستةِ أو لا. وظاهرُ نظمِهِ وَشرحِهِ أنّهُ منَ العلوِّ المطلقِ. والثالثُ منَ الأقسامِ: علوٌّ نسبيٌّ، إنما حصلَ بسببِ نسبتهِ إلى روايتِهِ لَهُ منَ الكتبِ الستةِ، وقت أنْ ينزلَ ذلكَ المتنُ - لو أُخِذ منْ طريقهَا - عنْ تلكَ الطريقِ التي رواهُ بها عنْ غيرِ واحدٍ منَ الستّةِ، فهذا القسمُ علوّ على أحدِ أصحابِ الكتبِ السّتةِ منْ طرقِ كتبهم، والذي قبلهُ علوّ إلى الإمامِ الذي في الطريقِ نفسِهِ، لا بالنسبةِ إلى كتابٍ. قولُهُ: (سُنَّةٌ عمَّنْ سلفَ) (¬6)، أي: كالصّحابةِ منهم: جابرٌ (¬7) ¬

_ (¬1) الاقتراح: 253 و266. (¬2) التبصرة والتذكرة (738). (¬3) العلو والنزول لابن طاهر: 57. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 364 - 368، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 65. (¬5) التبصرة والتذكرة (739). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهذا من قول الإمام أحمد. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (177). (¬7) إشارة لحديث جابر بن عبد الله الذي قال فيه: ((بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فاشتريتُ بعيراً، ثم شددت عليه رحلي فسرتُ إليه شهراً حتى قدمت عليه الشام، فإذا عبد الله بن أُنيس ... )) فذكر الحديث. =

وغيرُهُ (¬1) ممن رَحلَ منهم في الحديثِ - رضي الله عنهم -. وهذا حجةٌ لمنْ يحتجُّ بفعلِ الصحابيِّ. ولو قيلَ: إنَّهُ إجماعٌ لسكوتِ الباقينَ فيصلحُ حجةً للجميعِ، لمْ يكنْ بعيداً. تتمةُ كلامِ ابنِ الصّلاحِ: ((وقَدْ رُوِّيْنا أنَّ يحْيَى بنَ معينٍ قيلَ لهُ - في مرَضِهِ الذي ماتَ فيهِ -: ما تَشْتَهِي؟ قالَ: بَيتٌ خالٍ وإسْنادٌ عالٍ)) (¬2). قالَ ابنُ الصّلاحِ: ((العُلُوُّ يُبْعِدُ الإسْنادَ مِنَ الخللِ، لأنَّ كُلَّ رَجُلٍ مِنْ رِجالِهِ يحتملُ أنْ يَقَعَ الخللُ مِنْ جِهَتِهِ سَهْواً أوْ عَمْداً، ففي قِلَّتِهِمْ قِلَّةُ جِهاتِ الخللِ وفي كَثْرتِهمْ كَثْرَةُ جِهات الخللِ، وهذا جَلِيٌّ واضِحٌ)) (¬3). قولُهُ: (قُرْبٌ أو قُرْبَةٌ) (¬4) إن كانتْ هذه عبارةُ ابنِ أسلمَ (¬5) فهي مانعةُ خُلوٍّ، بمعنى: أنّهُ لا يخلو الواقعُ عنهما، وقدْ يجتمعانِ إذا صلُحتِ النّيةُ، وإنْ كانتْ عبارةُ ¬

_ = أخرجه: أحمد 3/ 495، والبخاري في " الأدب المفرد " (970)، وابن أبي عاصم في " الآحاد والمثاني " (2034) وفي " السنة "، له (514)، والحاكم 2/ 437، والبيهقي في " الأسماء والصفات ": 78 و273، والخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي " (1698) وفي " الرحلة في طلب الحديث "، له (31) من طريق همام بن يحيى، عن القاسم بن عبد الواحد المكي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر بن عبد الله، به. (¬1) انظر: الرحلة في طلب الحديث: 118 وما بعدها. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 363. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 364. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهي من كلام محمد بن أسلم الطوسي. انظر: الجامع لأخلاق الراوي (115). (¬5) وهو الإمام الحافظ الرباني محمد بن أسلم بن سالم بن يزيد، أبو الحسن الكندي، مولاهم الخراساني الطوسي، صنف المسند والأربعين وغير ذلك، توفي سنة (242 هـ‍). انظر: الثقات لابن حبان 9/ 79، وسير أعلام النبلاء 12/ 195.

الرّاوي عنهُ لشكٍّ حصلَ لَهُ في عبارتِهِ فيمكنُ أنْ يكونَ أرادَ بالقربِ قلّةَ الوسائطِ. وبالقربةِ: المحصلِ للثوابِ وأنْ يكونَ معناهُ في كلا اللفظينِ التقرّبَ الذي يُوصِلُ إلى الثوابِ، وهوَ في لفظِ القربةِ / 254 أ / أظهرُ، ويمكنُ أنْ يكونَ المرادُ بكلٍّ: قلّةَ الوسائطِ بينَهُ وبينَ اللهِ تعالى؛ لأنّ مَا أُخِذَ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - فهو مأخوذٌ عن جبريلَ - عليه السلام -، عن اللهِ ربِّ العالمينَ. ولفظُ القربِ بهِ أجدرُ، وكلامُ ابنِ الصلاحِ ظاهرٌ في هذا الثاني فإنّهُ قالَ: ((وهذا كَما قالَ؛ لأنَّ قُرْبَ الإسْنادِ قُرْبٌ إلى رَسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، والقُرْبُ إليه قُربٌ إلى اللهِ - عز وجل -)) (¬1). وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ: ((قدْ عظُمتْ رغبةُ المتأخرينَ في طلبِ العلوِّ، حتى كانَ ذلكَ سَبباً لخللٍ كثيرٍ في الصنعةِ، وقالوا: العُلوُّ قرب مِنَ اللهِ تعالى، وهذا كلامٌ يحتاجُ إلى تحقيقٍ وبحثٍ - كأنَّه يُشيرُ إلى أنَّا إن حملناهُ على قلةِ عددِ الرجالِ فكذلكَ، فدارَ الأمرُ على الصحةِ فلا يَنْبغي البحثُ عَنْ غيرِها (¬2) - وقالَ بعضُ الزُّهادِ: طلبُ العُلوِّ منْ زينةِ الدُنيا (¬3). وهذا كلامٌ واقعٌ، وهو الغالبُ عَلَى الطَّالبين لذلكَ، ولا أعلمُ وجهاً جيِّداً لترجيحِ العلوِّ، إلا أنَّهُ أقربُ إلى الصحةِ وقلةِ الخَطأ، فإنَّ الطالبينَ يتفاوتونَ في الإتقان، والغالبُ عَدَم الإتقان في أبناءِ الزمانِ، فإذا كثُرت الوسائطُ ووقَعَ مِن كُلِّ واسطةٍ تساهلٌ ما، كثُر الخطأُ والزَللُ)) (¬4). قولُهُ: (في مَجيءِ الأعْرَابيِّ) (¬5) هو ضِمامُ بنُ ثعلبةَ (¬6) روى حديثَهُ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 364. (¬2) ما بين الشارحتين جملة اعتراضية من البقاعي. (¬3) انظر: الجامع لأخلاق الراوي: 38 - 39، وفتح المغيث 3/ 7. (¬4) الاقتراح: 266 - 267. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59. (¬6) انظر: الاستيعاب: 355 - 356 (1253).

الشّيخانِ (¬1) وغيرُهُمَا (¬2) عنْ أنسٍ - رضي الله عنه - وهذا لفظُ مسلمٍ قالَ: ((كنا نُهِينَا في القُرآنِ أَنْ نَسْأَلَ رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنْ شَيءٍ، فَكَانَ يُعْجِبُنَا أَنْ يَجِيءَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْل البَادِيَةِ، العَاقِلُ فَيَسْأَلَهُ وَنَحْنُ نَسْمعُ. فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ، فَقَالَ: ياَ مُحَمَّدُ، أتانَا رَسُولُكَ، فَزَعَمَ لَنَا أَنَّكَ [تَزْعُمُ] (¬3) أَنَّ الله أَرْسلَكَ؟ قَالَ: صَدَقَ ... )) الحديث. قوله: (لأنكرَ عليهِ) (¬4) إنْ قيلَ عدمُ إنكارِهِ إنّمَا يفيدُ جوازَهُ، قيلَ: لما كانت الرحلةُ لهذا - المصاحبةُ لإجهادِ النّفسِ وإنفاقِ المالِ وإنضاءِ الظهرِ بعدَ إخبارِ رسولِهِ العدلِ - تشبهُ أنْ تكونَ تعنّتاً، وأقرّهُ عليها - صلى الله عليه وسلم - ولمْ ينهَ عنها، معَ تضمُنِهَا لفتحِ مَا ربما جرَّ إلى مفسدةِ التعنّتِ، عُلِمَ أنْ الإقرارَ لمصلحةٍ راجحةٍ وهي علوُّ الإسنادِ والانتقالُ منَ الظنِّ إلى القطعِ، وهكذا كلّ سندٍ، فإنَّ الراويَ / 254 ب / إذا سَمِعَ الحديثَ عنْ موجودٍ أفادَهُ سماعُهُ الظنَّ بأنَّ ذلكَ الموجودَ قالَهُ، فإذا رَحَلَ إليهِ وسمعَهُ منهُ قطعَ بأنّهُ قالَهُ، فإنْ قيلَ: إنّمَا جاءَ ليتشرفَ برؤيةِ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم -، قيلَ: لا يمنعُ أنْ يكونَ ذلكَ منْ مقاصدِهِ لكنَّ ابتداءهُ قدومهِ بالسؤالِ وهوَ واقفٌ، ورجوعه عقبَ فراغهِ منْ غيرِ مُكثٍ لحظةً واحدةً بعدَهُ يدلُّ على أنَّ المقصودَ الأعظمَ إنّما هو علوّ الإسنادِ. ¬

_ (¬1) الحديث في: صحيح البخاري 1/ 24 (63)، وصحيح مسلم 1/ 32 (10) و (11) و (12). (¬2) إذ أخرجه: أحمد 3/ 143 و168 و193، وعبد بن حميد (1285)، والدارمي (656)، وأبو داود (486)، وابن ماجه (1402)، والترمذي (619)، والنسائي 4/ 121 و122 وفي " الكبرى "، له (2401) و (5863)، وابن خزيمة (2358)، وابن حبان (154) من طريقين عن أنس بن مالك، به. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " صحيح مسلم ". (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وهو من كلام الحاكم في " معرفة علوم الحديث ": 6.

واستدلّ الحاكمُ بقولِهِ تعالى: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (¬1). ووجهُ الدلالةِ أنّهُ حثّهُمْ على السّماعِ منه - صلى الله عليه وسلم -، معَ أنّهم غيرُ محتاجينَ إلى السّفرِ لذلكَ؛ لأنّ المقصودَ علمُهم بذلكَ، والنّبيّ - صلى الله عليه وسلم - مأمورٌ بالتبليغِ لكلّ أحدٍ قربَ أو بَعُدَ، فلو أقاموا لأتتْهُم رسلُه، لكنَّ الظاهرَ أنَّ أمرَهُم بذلكَ إنّما هو للتخفيفِ عَلَى النّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بكونِ أصحابِهِ - رضي الله عنهم - عندَهُ يعينونَهُ عَلَى غيرِ ذلكَ منْ مهماتِ الدّينِ وَليقوَى إيمانُ منْ رآهُ - صلى الله عليه وسلم - وشاهدَ تلكَ الأحوالَ وكحّلَ عينيِهِ برؤيةِ ذلكَ الجمالِ، وتشنّفَ سمعُهُ بِدُرِّ ذلكَ المقالِ، فسمِعَ بأُذنِهِ منهُ - صلى الله عليه وسلم - القرآنَ، وشاهدَهُ بعينهِ في حركاتِهِ وسكناتِهِ في السّرِ والإعلانِ ففاضتْ عليهِ تلكَ الأسرارُ، وغمرتهُ هاتيكَ الأنوارُ، فلعلهُ يكونُ مانعاً لكثيرٍ منْ قومِهِ منَ الردّةِ أوْ غيرِهَا، ممَا لعله يَهمّ بمواقعتِهِ منَ العظائمِ. قوله: (مَنْ يَزعُمُ أَنَّ الخبرَ أقوى مِنَ القياسِ) (¬2)، أي: منْ يزعمُ أنّهُ لا يسوغُ القياس معَ إمكانِ الوصولِ إلى الخبرِ، فيمعن في الفحصِ عنهُ إلى أنْ يصلَ إلى اليأسِ منْ وجودِهِ، ليكونَ المعنى حينئذٍ أنّهُ يجبُ عليهِ أنْ يجتهدَ في تحصيلِ متنِ الحديثِ وفي معرفةِ تأويلهِ؛ لأنّهُ لا يسوغُ لَهُ استعمالُ الضعيفِ بحضرةِ القويِّ، ومَا دامَ مترجياً لَهُ فهو يعدهُ حاضراً، لكنَّ هذا التعليلَ لا يخصُّ النّزولَ، بلْ تارةً يترجاهُ بعلوٍّ، وتارةً بنزولٍ وهوَ معَ القناعةِ بالنّزولِ أقربُ إلى ضعفِ الخبرِ؛ لأنَّ مظانَّ الخللِ فيهِ أكثرُ فلمْ يُفدْ هذا التعليلُ شيئاً. هذا مَا قالَهُ / 255 أ / شيخُنَا أو نحوه. ¬

_ (¬1) التوبة: 122. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60، وهذا من كلام الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 216 (106).

وأحسنُ منه فيما يظهرُ لي أنْ تكونَ العبارةُ على ظاهرِهَا، ويعللَ بأنّ العلوَّ قلَّ أنْ يوجدَ معَ غايةِ الإتقانِ؛ لأنّهُ يتوقفُ عَلى حداثةِ الآخذِ وعلوّ سنِّ المأخوذِ عنهُ، وقلّ أنْ يوجدَ في واحدٍ منَ السِّنَّينِ تمامُ الضبطِ، ويؤيدُ هذا ما رَوَى ابنُ خلاّدٍ بعدَ هذا في مَن لا يرى الرحلةَ، عنْ عمرَ (¬1) بنِ يزيدَ السّيّاريِّ أنّهُ قالَ: ((دخلتُ عَلى حماد بنِ زيدٍ وهوَ شاكٍ فقلتُ: حدَّثني بحديثِ غيلانَ بنِ جريرٍ (¬2)، فقالَ: يا فتى، سألتُ غيلانَ بنَ جريرٍ وهو شيخٌ، ولكن حَدَّثَني أيوبُ، قلتُ: حدّثني بهِ عنْ أيوبَ، فَحَدَّثَني)) (¬3). فهذا وجهُ تفضيلِ النّزولِ في الجملةِ. وأمّا أنّهُ يخصُّ منْ يجعلُ الخبرَ أقوى منَ القياسِ وهم الجمهورُ، فلا يظهرُ وجهُهُ، ولا حُسن العبارةِ عندَ إرادتِهِ، وقد راجعتُ نسختينِ منَ "المحدّثِ الفاصلِ"، إحديهما بخطِّ الحافظِ أبي طاهرٍ أحمدَ بنِ محمدٍ السِّلفيِّ، فوجدتُ العبارةَ كمَا نُقِلَ عنه، والذي أكادُ أقطع بهِ معَ ذلكَ أنها مقلوبةٌ وأنّ أصلَهَا ((هذا مذهبُ منْ يزعمُ أنَّ القياسَ أقوى منَ الخبرِ)) فإنَّ مَا يعبرُ فيهِ بـ ((الزعمِ)) يكونُ مرذولاً، وقائلُهُ قليلاً، والذينَ يقدّمونَ القياسَ ويجوّزونَ فسخَهُ بهِ قليلٌ جداً، وأمّا ¬

_ (¬1) في (ف): ((عمرو))، والصواب ما أثبته؛ إذ هو عمر بن يزيد السياري، أبو حفص الصفار البصري نزيل الثَّغر قال ابن حبان: مستقيم الحديث، وقال الدارقطني: لا بأس به. انظر: الثقات لابن حبان 8/ 446، وتهذيب الكمال 5/ 391 (4910)، وتهذيب التهذيب 7/ 506. (¬2) حديث غيلان بن جرير أخرجه: أحمد 2/ 296 و306 و488، ومسلم 6/ 20 (1848) (53) و (54)، وابن ماجه (3948)، والبيهقي 8/ 156 من طرق عن غيلان بن جرير، عن أبي قيس بن رياح، عن أبي هريرة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: ((من خرج من الطاعة وفارق الجماعة، فمات، مات ميتة الجاهلية ... )). (¬3) المحدّث الفاصل: 236 - 237 (138).

الأولُ فالقائلُ بهِ جمهورُ النّاسِ وهوَ الصحيحُ الذي لا يعدلُ عنهُ، فلا يصلحُ التعبير في جانبِهِ بـ ((زعمَ)) عَلَى مَا تعورفَ، ويكونُ مرادُ ابنُ خلاّدٍ التشنيع عليهِ بأنَّ مرادَهُ إسقاطُ خبرِ الواحدِ، فإنّه إذا فضّلَ النّزولَ أبطلَ الرحلةَ، ومتى بطلتِ الرحلةُ، قلَّتِ الرغبةُ في الخبرِ وسقطَ كثيرٌ منهُ وضعفَ أمرهُ فآلَ ذلكَ إلى عدمهِ، وعدمِ التعويلِ عليهِ. ويدلُّ على هذا أنهُ قالَ عقبهُ: ((وفي الاقتصارِ على التنزيلِ [في الإسنادِ] (¬1) إبطالُ الرحلةِ))، قالَ: ((وقالَ بعضُ متأخري الفقهاءِ يذمُّ أهلَ الرحلةِ)) فذكرَ ما حاصلُهُ: إنَّهم بغوا على غيرهِم فبدَّعوهُم، ونسبوهُم إلى الرأيِ، وجعلوا الرأيَ في الدورانِ فضيعوا ما وجبَ عليهم من حق مَن يلزمهم حقُّهُ، وحرموا أنفسهُم الراحةَ فحُرِموا لذةَ الدنيا واستوجَبُوا العقابَ / 255 ب / في الآخرَة (¬2) لخبرٍ لا يفيدُ طائلاً، وأثرٍ لا يورثُ نفعاً، وذكرَ أنّ بعضَ المحدثينَ عارضَهُ بأنَّه من قومٍ صعبَ عليهم اختيارُ الأحاديثِ ونقدُ الرجالِ، فاستلذوا الراحةَ، وعادَوْا ما جهلوا، واقتصروا على المباهاةِ بالملابسِ، ولزومِ أبوابِ الرؤساءِ والخدمةِ للأغتام (¬3)، وصيدِ الأموالِ، واقتصُروا على الأخذِ من الصحفِ وإن كانتْ مضادةً للسننِ، ولو عرفَ لذةَ الراحلِ وما يحصلُ لهُ منَ النَّشاطِ عندَ جوبِ الأقطارِ، والاطلاعِ على الأمصارِ، وخلطةِ المخالفينَ في اللسانِ والأخلاقِ والألوانِ في ذاتِ اللهِ، وكنهَ ما يصلُ إليهِ عندَ ظفرهِ ببغيتهِ من ضبطِ الشريعةِ وجمعها، واستنباطِها من معادنِها التي أوجبتْ لهذا الطاعنِ التصدُّرَ إلى السواري وعقدَ المجالسِ للفتيا، لعلمَ أنَّهُ أعظمُ لذاتِ الدنيا، ثمَّ وصفهم بأنَّ الله حفظَ بهم القرآنَ الذي ضمنَ حفظَهُ فقالَ: ((ووكلَ بالآثارِ المفسِّرةِ للقرآنِ ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المحدّث الفاصل ". (¬2) في (ف): ((الأخرى))، والمثبت من " المحدّث الفاصل ". (¬3) من الغتمة: العجمة، والأغْتَمُ: الذي لا يفصح شيئاً. الصحاح مادة (غتم).

والسننِ القويةِ الأركانِ: عِصابةً منتخبةً، وفقهم لطِلاَبِها وكِتابِها، وقوَّاهم على رعايتِها وحراستِها، وحببَ إليهمْ قراءتَها ودراستَها، وهوّنَ عليهم الدأبَ والكلالَ، والحلَ والترحالَ، وبذلَ النفوسِ والأموالِ، وركوب المخوفِ منَ الأهوالِ، فهم يرحلونَ من بلادٍ إلى بلادٍ، خائضينَ منَ العلمِ في كلِّ وادٍ، شُعثَ الرؤوسِ، خلقانَ الثيابِ، خُمْصَ البُطونِ، ذُبْلَ الشفاهِ، شحبَ الألوانِ، نُحُلَ الأبدانِ، قد جعلوا الهمَّ همَّاً واحداً، ورضوا بالعلمِ دليلاً ورائداً، لا يقطعهم عنهُ جوعٌ ولا ظمأٌ، ولا يُمِلُّهمْ منهُ صيفٌ ولا شتاءٌ، مائزينَ الأثرَ: صحيحَهُ من سقيمِهِ، وقويَّهِ من ضعيفِهِ، بألبابٍ حازمةٍ، وآراءٍ ثاقبةٍ، وقلوبٍ للحقِّ واعيةٍ، فأمنت تمويهَ المموهينَ، واختراعَ الملحدينَ، وافتراءَ الكاذبينَ، فلو رأيتهم في ليلهم وقد انتصبوا لنسخِ ما سمعُوا، وتصحيحِ ما جمعوا، هاجرين لِلفَرشِ الوطيّ، والمضجعِ الشهيِّ، قد غشيهُم النُّعاسُ فأنامهم، وأسقطَ من أكفهم أقلامَهم، فانتبهوا مذعورينَ، قد أوجع الكدُّ أصلابهم، وتيِّه الكلالُ ألبابهم، فتمطوا ليريحوا الأبدانَ، وتحولوا ليفقدوا النومَ من مكانٍ إلى مكانٍ، ودلَّكوا بأيديهم عيونهم، ثمَّ عادوا إلى الكتابةِ حرصَاً عليها / 256 أ /، وميلاً بقلوبِهم إليها، لعلمتَ أنَّهم حرسُ الإسلامِ، وخُزّانِ الملكِ العلامِ، فإذا قضوا من بعضِ ما راموا أوطارهم، انصرفوا قاصدينَ ديارهم، فَلزموا المساجِدَ، وعمَّرُوا المشاهدَ، لابسين ثوبَ الخضوعِ، مسالمينَ ومسلمينَ، يمشونَ على الأرضِ هوناً، لا يؤذونَ جَاراً، ولا يقارفونَ عَاراً حتى إذا زاغَ زائغٌ، أو مرقَ في الدينِ مارقٌ، خرجوا خروجَ الأُسْدِ من الآجامِ، يناضلونَ عن معالمِ الإسلامِ. في كلامٍ غيرِ هذا يطولُ (¬1). وقالَ بعضُ الشعراءِ (¬2) المحدّثِين: ¬

_ (¬1) المحدث الفاصل: 217 - 221 باختصار وتصرف. (¬2) الأبيات للسّري الرّفاء ت (366 هـ‍) وهي على بحر الكامل.

ولقد غدوتُ على المحدّثِ آنفاً ... فإذا بحضْرَتهِ ظباءٌ رُتعُ يتجاذبون الحِبْرَ من ملمومَةٍ ... بيضاءَ تحمِلُها عَلائِقُ أربعُ من خالصِ البلّورِ غُيِّرَ لونُها ... فكأنها سبَحٌ يَلوحُ فيَلْمَعُ فمتى أمالوهَا لِرَشْفِ رُضابها ... أدَّاهُ فُوهَا وهي لا تتمنَّعُ فكأنَّها قَلبي يُظنُ بسرِّه ... أبداً ويُكْتَمُ كل ما يُسْتودعُ يَمْتَاحُها ماضِي الشَّباةِ مُدلقٌ ... يجري بميدَانِ الطُروس فيُسرعُ فكأنّه والحبْرُ يْخضِبُ رأسَهُ ... شيخٌ لوصَل خريدةٍ يتصَنَّعُ ألا ألاحظه بعَيْنِ جلالةٍ ... وبه إلى اللهِ الصحائف تُرفعُ (¬1) ورُويَ عن رجلٍ يقالُ له: الحطيم، قالَ في سفيانَ بن عيينةَ وكانَ مع هارونَ: سيري نجاءً وقاكِ اللهُ من عطبٍ ... حتى تُلاقي بعدَ البيتِ سُفيانا شيخُ الأنامِ ومَنْ جلتْ مناقبُهُ ... لاقى الرجالَ وحازَ العلمَ أزمانا حَوَى البيانَ وفهماً عالياً عجباً ... إذا يَنُصُّ حديثاً نصَّ برهانَا قد زانهُ الله أنْ دانَ الرجالَ لهُ ... فقد يراهُ رواةُ العلمِ رَيحانَا ترى الكهُولَ جميعاً عندَ مشهدهِ ... مستنصتينَ وشيخاناً وشُبَّانا يضُمُّ عَمْراً إلى الزهريِّ يسندُه ... وبعدَ عمرٍو إلى الزهريِّ صفوانا وعبدة وعبيدَ اللهِ ضمهما ... وابنَ السبيعيَّ أيضاً وابنَ جُدْعَانا فعنهُمُ عن رسول الله يوسِعُنا ... علماً وحكماً وتأويلاً وتبيانا (¬2) ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 221 - 222 (110)، وانظر: أدب الكتاب: 124، وزهرة الآداب وثمر الألباب: 1055. (¬2) المحدّث الفاصل: 224 - 226 (117).

وُرويَ عن الأصمعيِّ أنُّه قالَ يرثي سفيانَ بنَ عيينةَ: ليبكِ (¬1) سفيانَ باغي سُنة درستْ ... ومُستبينُ أثاراتٍ وآثارِ أمست منازلُهُ وُحْشاً معطلة ... من قاطنينَ وحُجاجٍ وعُمّارِ فالشِّعبُ شِعبُ عليٍّ بعدَ بهجتهِ ... قد ظلَّ منهُ خلاءٌ موحش الدارِ مَنْ للحديث عن الزهريِّ يُسندُهُ ... وللأحاديثِ عن عمرِو بن دينارِ ما قامَ مِنْ بعدهِ من قالَ حدثنا الـ ... ـزهري في أهلِ بدوٍ أو بإحضارِ وقد أراهُ قريباً من ثلاثِ منىً ... قد حُفَّ مجلسه من كُلِّ أقطارِ بنو المحابرِ والأقلام مُرْهَفَة/256ب/ ... وسا سماتٍ فَرَاهَا كُلُّ نجَّارِ (¬2) وأنشد لرجلٍ وَفدَ على يزيدَ بنِ هاورنَ منْ حرّانَ: أقبلتُ أهوي على حيزوم طافيةٍ ... في لجةِ اليمِّ لا ألوي على سكنِ حتى أتيتُ إمامَ النَّاسِ كلِّهم ... في الدينِ والعلمِ والآثارِ والسننِ أبغي بهِ اللهَ لا الدنيا وزهرتَها ... ومن تغنَّى بدينِ الله لم يَهُنِ يا لذةَ العيشِ لما (¬3) قلتُ حدَّثنا ... عوفٌ وبشرٌ عن الشعبيِّ والحسنِ (¬4) وأنشدَ في ذمِّ تركِ الروايةِ: ومن بطونِ كراريس روايتهم ... لو ناظروا باقلاً يوماً لما غُلبوا والعلمُ إنْ فاتَهُ إسنادُ مسندهِ ... كالبيتِ ليسَ لهُ سقفٌ ولا طُنُبُ (¬5) ¬

_ (¬1) الذي في " المحدّث الفاصل ": ((لبيك))، ولا يستقيم بها سياق الكلام، ولعله تصحيف. (¬2) المحدّث الفاصل: 226 - 227 (118). (¬3) في (ف): ((أما))، والمثبت من " المحدّث الفاصل ". (¬4) المحدّث الفاصل: 227 - 228 (119). (¬5) المحدّث الفاصل: 212.

وقالَ بعضُ أصحابنا وأنشدنَاه: توقفْ ولا تُقدِمْ على العلمِ حادِسَاً ... فحدسُ الفتى في العلمِ يُبدي المعايبا فليسَ طلابُ العلمِ بالحدسِ مدركَاً ... ولو كانَ فهمُ المرءِ كالنجمِ ثاقبَاً ولكنْ بترحالٍ ورحْلٍ منَ الفتى ... وانضائِهِ في الحالتينِ الركائبَا وقضقضةُ الأوجالِ منه ضلوعَهُ ... وخلخلةِ الأهوالِ منهُ الترائبَا وإصباحِهِ في المشرقين مشارقاً ... لِشمسيهما والمغربين مغاربَا (¬1) وقالَ سعيدُ بنُ وهب في الإمامِ مالكِ بن أنسٍ: يَأبى الجوابَ فما يراجعُ هيبةً ... والسائلونَ نواكسُ الأذقانِ هديُ التقيِّ وعزُّ سلطانِ الهدى ... فهوَ العزيزُ وليسَ ذا سلطانِ (¬2) انتهى قولُ ابنِ خلادٍ. وقلتُ أنا: هذا بتعظيمِ الملوكِ العلمَ لا ... مثلَ الملوكِ بهذهِ الأزمانِ قولُهُ: (وهذا مَذْهَبٌ ضَعِيفُ الحجَّةِ) (¬3)، أي: مذهبُ مَن فَضَّلَ النزولَ. وعبارُة ابنِ الصّلاح: ((فَكُلَّما زادُوا - أي: الرواةُ (¬4) - كانَ الاجتهِادُ أكثَرَ، وكانَ الأجْرُ أكثرَ، وهذا مَذْهَبٌ ضَعِيفٌ، ضعيفُ الحجَّةِ)) (¬5). ¬

_ (¬1) المحدّث الفاصل: 212 - 213. (¬2) المحدّث الفاصل: 247 (155)، وقد تقدم ذكر هذين البيتين. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60، وهذه عبارة ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 369. (¬4) ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 369.

قولُهُ: (الجماعة التي هي المقصودُ) (¬1) هذا تشبيهُ شيئينِ بشيئينِ، وهما طريقُ الحديثِ بطريقِ المسجدِ، وصحةُ الحديثِ الذي هو المعنى المقصود منَ الطريقِ بالجماعةِ التي هي جُلُّ المعنى المقصودِ من المسجدِ. فهذا السالكُ للطريقِ البعيدةِ أقربُ إلى فواتِ الجماعةِ من سالكِ القريبةِ، كما أنَّ الراوي بالسندِ النازلِ أقربُ إلى الوقوعِ في الضعفِ، وفَوات الحديثِ بفواتِ صحتهِ من الراوي بالسندِ العالي؛ لأنَّ كثرةَ الوسائطِ مظنَّةٌ لحصولِ نوعٍ من (¬2) الضعفِ والعللِ / 257 أ /. قولُهُ: (عَلَى ما سيأتي) (¬3)، أي: عن السِّلَفيِّ في أبياتهِ الداليةِ (¬4) وعن غيرهِ. قولُهُ: (غير ضعيفٍ) (¬5) صفةٌ كاشفةٌ لمعنى ((نَظيفٍ)) لا مقيِّدة. قولُهُ: (ويَغْنَمُ) (¬6) هو بالغينِ المعجمةِ كالفعلِ المضارعِ من الغنيمةِ (¬7). قولُهُ: (فلا التفاتَ إلى هذا العلوِّ لا سِيَّمَا إنْ كانَ فيهِ بعضُ الكذَّابينَ المتأخِّرِينَ مِمَّن ادَّعَى سماعاً من الصحابةِ) (¬8) السِيّ: بكسرِ السينِ وتشديدِ التحتانيةِ، المثلُ، و ((مَا)) يمكنُ أنْ تكونَ زائدةً، وأنْ تكونَ موصولةً، وأن تكونَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60. (¬2) في (ف): ((من نوع)) والصواب ما أثبته. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 60. (¬4) ذكر العراقي هذه الأبيات في " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 71. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 364. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61. (¬7) انظر تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 61 هامش (1). (¬8) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61.

موصوفةَ المذكورِ بعدَ ((لا سيما)) مخرجٌ مما قبلَها من حيثُ كونُه أولى بحكمهِ فهوَ مستثنى من هذه الحيثيةِ، ويجوزُ جرُّ ما بعدها بإضافةِ ((سيّ)) إليهِ، و ((ما)) زائدةٌ أو نكرةٌ غيرُ موصوفةٍ، والاسمُ بعدَها بدلٌ منها، ويجوزُ رفعُه بقلَّةٍ وهو خبرُ مبتدأ محذوف، و ((ما)) بمعنى الذي، ويُنصبُ الاسمُ بعدَهَا سماعَاً. ورُويَ بالأوجهِ الثلاثةِ قولُ امرئ القيسِ: ... ... ... ... ... ... ... ولا سِيما يوماً بدَارةِ جُلْجُلِ (¬1) وتكلّفوا له وجوهاً: منها تقديرُ فعلٍ نحو: أعني. وتصرَّفوا في هذه اللفظةِ تصرفاتٍ كثيرةً، لكثرةِ دَوْرِها، فربما حُذفت لامُها، وربما دخلتْ عليه مُخففة، أو مُثقلة مع حذفِ ((لا)) ووجودِها [مع] (¬2) واوٍ كهذا البيت، وهي اعتراضيةٌ؛ لأنَّها معَ ما بعدها بتقديرِ جملةٍ مستقلةٍ نحو: فأنتِ طالقٌ، والطلاقُ البتةُ ثلاثاً. فمعنى جاءني القومُ لا سيما زيدٌ: لا مثلهُ موجودٌ بين القومِ الجائينَ، أي: أنَّه كانَ أخصَّ بي وأشدَّ إخلاصاً في المجيءِ، وخبرُ ((لا)) - وهي للتبرئةِ - محذوفٌ، وقد يحذفُ بعدها ك: أنا أحبُّ زيداً لا سيما راكباً، أو إن رَكبَ، فيصيرُ من باب الاختصاصِ، أي: أخصُّهُ بالمحبةِ خصوصاً حالَ كونهِ راكباً. وجوابُ الشّرطِ - إنْ كانَ ما بعدها شرطاً - مدلولٌ خصوصاً. فتقديرُ ((ما)) هنا على الجر لا مثل كونِ بعض المتأخرينَ، وعلى الرفعِ لا مثل الذي هو كونُ بعضِهِم فيهِ، وعلى تقديرِ الواوِ لا مثل الذي هو معرضٌ عنهُ أو غيرُ ملتفتٍ إليه إن كانَ إلى آخرهِ وعلى الاختصاصِ. ¬

_ (¬1) هذا عجز بيت لأمرئ القيس. وصدره: ألا رُبَّ يومٍ لي مِنَ البيضِ صالحٍ انظر: جمهرة أشعار العرب: 148، والصاحبي في فقه اللغة لابن فارس: 217. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه.

وأعرضَ عنهُ خصوصاً إنْ كانَ فيهِ كذا فخصَّهُ بمزيدِ إعراضٍ (¬1). قولُهُ: (بعَوالي أَبي هُدْبَةَ) (¬2) هي كنيةُ إبراهيمَ بن هدبةَ (¬3) الماضي. قولُهُ: (ثمانيةُ) (¬4) فإذا روينا نحنُ من طريقهِ يكونُ أقلُّ / 257 ب / ما بيننا وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أحدَ عشرَ، فإنّا أخذنا عن أصحابِ أصحابهِ. قولُهُ: (إمام مِنْ أئِمَّةِ الحديثِ) (¬5) تتمةُ كلامِ ابنِ الصّلاح: ((وإنْ كَثُرَ العددُ مِنْ ذَلِكَ الإمام إلى رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا وُجِدَ ذَلِكَ في إسْنادٍ وُصِفَ بالعُلُوِّ، نُظِرَ إلى قُرْبهِ مِنْ ذَلِكَ الإمامِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ عالياً بالنسْبَةِ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وكلامُ الحاكِمِ يُوهِمُ أنّ القُرْبَ مِنْ رسُولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - لا يُعَدُّ مِنَ العُلُوِّ المطلوبِ أصْلاً وهذا غَلَطٌ مِنْ قائِلِهِ؛ لأنَّ القُرْبَ منهُ - صلى الله عليه وسلم - بإسْنادٍ نَظِيْفٍ غيرِ ضَعِيْفٍ أوْلَى بذلكَ، ولا يُنازِعُ في هذا مَنْ لهُ مُسْكَةٌ (¬6) مِنْ مَعرفةٍ، وكأنَّ الحاكِمَ أرادَ بكلامِهِ [ذَلِكَ] (¬7) إثباتَ العُلُوِّ للإسْنادِ بِقُرْبِهِ مِنْ إمامٍ، وإنْ لَمْ يكُنْ قَريباً إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، والإنكارَ عَلَى مَنْ يُراعي في ذَلِكَ مُجَرَّدَ قُرْبِ الإسنادِ إلى رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - وإنْ كانَ إسناداً ¬

_ (¬1) انظر: مغني اللبيب 1/ 122، ومنحة الجليل بتحقيق شرح ابن عقيل 1/ 166. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهذا من كلام الذهبي. (¬3) وهو إبراهيم بن هدبة، أبو هدبة الفارسي ثم البصري، حدث ببغداد وغيرها بالأباطيل. انظر: تاريخ بغداد 6/ 200، وميزان الاعتدال 1/ 71 (242). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وهو من كلام الذهبي. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬6) يقال: رجل ذو مُسْكَةٍ، ومُسْكٍ، أي: رأي وعقل يرجع إليه، وفلان لا مسكة له، أي: لا عقل له، ويقال: ما بفلان مسكة، أي: ما به قوة ولا عقل، ويقال: فيه مسكة من خير، أي: بقية، وليس لأمره مسكة، أي: أثر أو أصل يعول عليه. انظر: لسان العرب مادة (مسك)، والمعجم الوسيط مادة (مسك). (¬7) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ".

ضَعِيْفاً، ولهذا مَثَّلَ بحديثِ أبي هُدْبَةَ، ودِينارٍ (¬1)، [و] (¬2) الأشَجِّ (¬3) وأشْبَاهِهِمْ، والله أعلم)) (¬4). وقالَ الأَنْدَرشيُّ (¬5) في اختصارِ كتابِ ابنِ الصَّلاحِ (¬6) في مقدمةِ كتابه " العُمدةِ " في اختصارهِ لتهذيبِ الكمالِ والأطرافِ للمزيِّ: ((وما أحسنَ قولَ من قالَ: طلبُ العلوِّ من زينةِ الدنيا)). هذا معَ ما انضمَّ إلى هذا بسببِ ملاحظتهِ من خللٍ كثيرٍ في الصنعةِ، وللالتفاتِ إلى هذا قالَ بعضهم: إنَّ الروايةَ بالنّزولِ عنِ الثقاتِ الأعدَلِينا ... خيرٌ من العَالي عن الجُهَّالِ والمستضعفينَا قولُهُ: (يشيرُ إلى ترجيحِ هذا القِسم عَلَى غيرِهِ) (¬7)، أي: غيره مما ساواهُ في العددِ، لا ما هو أنزلُ منهُ؛ لأنَّ ذلكَ تحصيلٌ للحاصلِ؛ إذ قد قُررَ في أصلِ المسألةِ رجحانُ العالي على النازلِ، ولا ما هو أعلى منهُ؛ لأنَّهُ خلافُ صريحِ القاعدةِ، فتعيَّنَ ¬

_ (¬1) وهو دينار أبو مِكْيَس الحبشي. قال ابن حبان: يروي عن أنس أشياء موضوعة، وقال ابن عدي: ضعيف ذاهب، وقال الذهبي: ذاك التالف المتهم. انظر: المجروحين 1/ 295، وميزان الاعتدال 2/ 30. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬3) وهو عثمان بن خطاب، أبو عمرو البلوي المغربي، أبو الدنيا الأشج، طير طرأ على أهل بغداد، وحدَّث بقلةِ حياءٍ بعد الثلاثمئة عن علي بن أبي طالب فافتضح بذلك وكذبه النقاد. انظر: ميزان الاعتدال 3/ 33. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 364 - 365، وانظر: محاسن الاصطلاح: 215. (¬5) وهو أحمد بن سعد بن عبد الله العسكري الأندرشي النحوي، نسخ بخطه " تهذيب الكمال "، ثم اختصره، كان ديناً منقبضاً عن الناس، شارك في الفضائل، توفي سنة (750 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 1/ 135 (379)، وشذرات الذهب 6/ 166. (¬6) انظر: كشف الظنون 2/ 1162. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62.

حملهُ على المساوي الصحيحِ الذي ليسَ فيهِ إمامٌ من هؤلاءِ. وقولُهُ: (وإنَّهُ المقصودُ من العلُوِّ) (¬1)، أي: لأنَّ الوصولَ إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - هو المقصودُ لذاتهِ، وأما العلوُّ إلى غيرهِ فليسَ مقصوداً لذاتِهِ، فهذا أرجحُ منهُ، ويكفي في تفضيلهِ أنَّه الذي إذا أطلقَ لم يفهم غيرُه، وإذا أُريدَ غيرهُ وجبَ عندَ أهلِ الفنِّ تقييدُهُ، فإنَّهُ إنَّما سُمي عُلواً بالنسبةِ إلى ذلكَ الإمامِ. قولُهُ: (وأَعلى ما يَقعُ ... ) (¬2) إلخ أصلُ الكلام: أعلى الواقعِ / 258 أ / من الرواةِ - بين الرواةِ الموجودينَ في زماننا وبينَ شيوخِنا ومن [في] (¬3) رتبتِهم - كائنٌ على تفصيلٍ، هو: أن بينَهم وبينَ الأعمشِ كذا، وبينَهم وبينَ غيرهِ كذا. قولُهُ: (وهشيمٍ) (¬4) وقعَ في بعضِ النُّسخِ عدُّهُ في الجماعةِ الأولينَ الذين بين الشيوخِ وبينهم ثمانيةٌ، وهو غلطٌ، والنسخةُ المعتمدةُ أنَّهُ في الجماعةِ التي تليها ممن بينهم وبينهم سبعةٌ، فالتعبيرُ في الثاني بثمانيةٍ غلطٌ أيضاً في تلك النسخةِ (¬5). قولُهُ: (علوَّ التَنزيلِ) (¬6)، أي: لسببٍ: أنَّا إذا نَسبْنا إسنادَنَا إلى إسنادِ ذلكَ الكتابِ نَزلنا - في رتبةِ كلِّ راوٍ من رواةِ هذا السندِ - راوياً من رواةِ ذلكَ السندِ حتى نعلمَ هل هو أعلى، أو مساوٍ، أو أنزلُ. وعبارةُ ابنِ دقيقِ العيدِ عنهُ: ((علوُّ التنزيلِ، وهو الذي يُولعونَ بهِ، وذلك أن تنظرَ إلى عددِ الرجالِ بالنسبةِ إلى غايةٍ: إمَّا إلى النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، أو إلى بعضِ رواةِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬5) انظر تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 62 هامش (2). (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62، وهو من كلام ابن دقيق العيد في " الاقتراح ": 269.

الحديثِ، ويُنظر العددُ بالنسبةِ إلى هؤلاءِ الأئمةِ وتلكَ الغايةِ، فَتُنزل بعض الرواةِ منَ الطريقِ التي تُوصلُنا إلى المصنفينَ منزلةَ بعضِ الرواةِ منَ الطريق التي ليستْ من جهتهم)) (¬1). قولُهُ: (وقد يكونُ عالياً مطلقاً أَيضاً) (¬2)، أي: بأنْ يكونَ طريقُهُ إلى أحدِ الكتبِ الستةِ مثلاً كالطريقِ إلى غيرها، لا يوجدُ شيءٌ أعلى من ذلك، أو يكونَ علوُّهُ ليسَ بالنسبةِ إلى نزولِهِ منْ طريقِ أحدِ الستةِ فقطْ، بلْ وإلى غيرِ ذلكَ منَ الطرق، فلا توجدُ طريق أعلى من ذلك. ففي هذا الاعتبارِ هو أعلى من غيرهِ، وفي الأولِ ليسَ غيرُهُ أعلى منهُ. وعبارتُهُ في " النكتِ " (¬3): ((أطلقَ المصنفُ أنّ هذا النوعَ من العلوِّ تابعٌ لنزولٍ وليسَ ذلكَ على إطلاقهِ وإنَّما هو الغالبُ، وقد يكونُ غيرَ تابعٍ لنزولٍ بلْ يكونُ عالياً من حديثِ ذلكَ الإمامِ أيضاً. مثالُ ذلكَ: حديثُ ابن مسعودٍ - رضي الله عنه -، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((كانَ على موسى يومَ كَلَّمَهُ اللهُ كساء صوفٍ وجُبَّةُ صوفٍ ... )) الحديثَ. رَواهُ التِّرمذيُّ (¬4) عن علي بنِ حُجرٍ، عَن خَلَفِ بنِ خليفةَ، عَن حميدٍ الأعرَجِ، عَن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ، عَن ابن مسعود - رضي الله عنه -. وقد وقعَ لنا عالياً ¬

_ (¬1) الاقتراح: 269. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬3) التقييد والإيضاح: 258 - 259. (¬4) في " الجامع الكبير " (1734)، وقال عقبه: ((هذا حديثٌ غريبٌ لا نعرفه إلا من حديث حميد الأعرج)). وأخرجه: أبو يعلى (4983)، وابن عدي في " الكامل " 3/ 74، والحاكم في "المستدرك" 1/ 28 و2/ 379 من طريق حميد الأعرج، عن عبد الله بن الحارث، عن ابن مسعود، به مرفوعاً. وهو حديث ضعيف جداً؛ لشدة ضعف حميد الأعرج، وهو ابن علي الكوفي. قال الترمذي: ((وحميد هو: ابن علي الكوفي منكر الحديث)). وانظر: ميزان الاعتدال 1/ 614.

بدرجتينِ. أخبَرني بهِ أبو الفتحِ محمدُ بنُ محمدِ / 258 ب / بنِ إبراهيمَ الميدوميُّ (¬1)، قالَ: أخبرنا أبو الفرجِ عبدُ اللطيفِ بنُ عبدِ المنعمِ الحرانيُّ (¬2)، ح. وأخبرني أبو عبدِ اللهِ محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ الأنصاريُّ (¬3) بقراءتي عليهِ (¬4) في الرحلةِ الأولَى، قال: أخبرنا أحمدُ بنُ عبدِ الدّائمِ المقدسيُّ (¬5) قراءةً عليهِ وأنا حاضرٌ، قالا: أخبرنا عبدُ المنعمِ بنُ عبدِ الوهابِ (¬6)، قالَ: أخبرنا عليُّ بن ¬

_ (¬1) وهو محمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي القاسم بن عنان الميدومي، صدر الدين، أبو الفتح، ولد سنة (664 هـ‍)، وهو أعلى شيخ عند العراقي من المصريين توفي سنة (754 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 4/ 158. (¬2) وهو النجيب عبد اللطيف بن عبد المنعم بن الصيقل، أبو الفرج الحراني الحنبلي التاجر، مسند الديار المصرية، ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، توفي سنة (672 هـ‍). انظر: العبر 3/ 324، وشذرات الذهب 5/ 336. (¬3) وهو محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات الدمشقي الأنصاري العبادي من ولد عبادة بن الصامت المعروف بابن الخباز، أكثر عنه العراقي، وكان صدوقاً مأموناً، محباً للحديث وأهله. انظر: الدرر الكامنة 3/ 384 (1016)، وشذرات الذهب 6/ 181. (¬4) في " التقييد ": ((بدمشق)). (¬5) تقدمت ترجمته. (¬6) وهو الشيخ الجليل الأمين، مسند العصر، أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد بن صدقة بن خضر بن كليب الحراني الآجري لسكناه في درب الآجر. قال الذهبي: ((انتهى إليه علو الإسناد، ومتع بحواسه وذهنه، وكان صبوراً محباً للرواية)) توفي سنة (596 هـ‍). انظر: الكامل في التاريخ 12/ 159، وسير أعلام النبلاء 21/ 258.

أحمدَ بنِ محمدِ بن بَيَانٍ (¬1)، قالَ: أخبرنا محمدُ بنُ محمدِ بنِ إبراهيمَ بنِ مخلدٍ (¬2)، قالَ: أخبرنا إسماعيلُ بنُ محمدٍ الصَّفَّارُ (¬3)، قالَ: أخبرنا الحسنُ بنُ عرفةَ (¬4)، قالَ: حدثنا خلفُ بنُ خليفةَ، عن حميدٍ الأعرجِ، [عن عبدِ اللهِ بنِ الحارثِ] (¬5)، عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ - رضي الله عنه - قالَ: قالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((يومَ كلَّمَ اللهُ موسى - عليه السلام - كانت عليهِ جُبّةُ صوفٍ، وسراويلُ صوفٍ، وكساءُ صوفٍ، وكمّةُ صوفٍ، ونعلاهُ من جلدِ حمارٍ غيرِ ذَكِيٍّ (¬6))). فهذا الحديثُ بهذا الإسنادِ لا يقعُ لأحدٍ في هذه الأزمانِ أعلى منهُ على وجهِ الدنيا من حيث العددُ، وهو علوٌّ مطلقٌ ليسَ تابعاً لنزولٍ فإنَّه عالٍ للترمذيِّ أيضاً ¬

_ (¬1) وهو الشيخ الصدوق المسند أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن بيان بن الرزاز البغدادي، راوي جزء ابن عرفة، توفي سنة (510 هـ‍). انظر: الكامل في التاريخ 10/ 523، وسير أعلام النبلاء 19/ 257. (¬2) وهو الشيخ المعمر الصدوق، مسند وقته، أبو الحسن محمد بن محمد بن محمد بن إبراهيم بن مخلد، البغدادي البزاز، قال الخطيب: ((كان صدوقاً ... ))، توفي سنة (419 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 3/ 231، وسير أعلام النبلاء 17/ 370 - 371. (¬3) وهو الإمام النحوي الأديب، مسند العراق أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل بن صالح البغدادي الصفار، قال الذهبي: ((انتهى إليه علوُّ الإسناد ... )) توفي سنة (341 هـ‍). انظر: تاريخ بغداد 6/ 302، وسير أعلام النبلاء 15/ 440. (¬4) هو الإمام المحدّث الثقة الحسن بن عرفة بن يزيد، أبو علي العبدي البغدادي المؤدب، مسند وقته، قال الذهبي: ((انتهى علو الإسناد اليوم، وهو عام خمسة وثلاثين إلى حديث الحسن بن عرفة، كما أنه كان سنة نيف وستين وست مئة أعلى شيء يكون، وكان رحمه الله، صاحب سنة واتباع))، توفي سنة (257 هـ‍). انظر: تهذيب الكمال 2/ 139 (1227)، وسير أعلام النبلاء 11/ 547 - 551. (¬5) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته مما تقدم ومن مصادر التخريج. (¬6) غير ذكي: هو ما زهقت نفسه قبل أن يدركه فيذَكيه. انظر: النهاية 2/ 164.

فإنّ خلفَ بنَ خليفةَ من التابعينَ وأعلى ما يقعُ للترمذيِّ روايتُهُ عن أتباعِ التابعينَ، وأمّا علوُّ طريقنا فأمرٌ واضحٌ فإنّ شيخَنا أبا الفتحِ آخِرُ من رَوَى عن النجيبِ عبدِ اللطيفِ بالسَّماعِ، والنجيبُ آخرُ من رَوَى عن عبدِ المنعمِ بنِ كليبٍ بالسماعِ، وابنُ كليبٍ آخِرُ من رَوَى عن ابنِ بيانٍ، وابنُ بيانٍ آخِرُ من رَوَى عن ابنِ مَخْلدٍ، وابنُ مخلدٍ آخِر من رَوَى عن الصَّفَّارِ، والصَّفَّارُ آخِرُ مَن رَوَى عن ابنِ عرفةَ، وابنُ عرفةَ آخِرُ من رَوَى عن خلفِ بنِ خليفةَ، وخلفُ بنُ خليفةَ آخِرُ من رأى الصحابةَ - رضي الله عنهم - فهو علوٌ مطلقٌ، والله أعلمُ)). وهو غيرُ مسلمٍ لهُ. والصوابُ ما قالَ ابنُ الصّلاحِ (¬1)، لأنَّ العلوَ منَ الأمورِ النسبيةِ التي لا يتحققُ مفهومها إلا بالنسبةِ إلى شيئينِ، فلولا النُّزولُ ما عُقِلَ معنى العلوِّ، وعلى التَّنَزُّلِ فيكفي في كونِ هذا المثال تابعاً لنزول من جهةِ الشيخِ، أنَّهُ لو رواهُ من طريقِ الترمذيِّ لكانَ إسنادُهُ نازلاً عن إسنادهِ هذا الذي من طريقِ ابنِ عرفةَ بدرجتينِ كما قالَ، وهذا هو الذي أرادهُ ابنُ الصّلاحِ كما أفادَهُ شيخنا فكلامهُ مُطَّرِدٌ لا خللَ فيهِ. وأمّا مِن جهةِ الترمذيِّ نفسهِ فلا يوصفُ بعلوٍّ ولا نزولٍ / 259 أ / لأنَّهُ مساوٍ لابنِ عرفةَ، وإن اعتبرَ بأسانيدِ الترمذيِّ التي وقعتْ لهُ مطلقاً - ولا يمكن فيها - فخلفٌ شيخُ شيخهِ تابعيٌّ صغيرٌ، وقد روى عن جماعةٍ من أكابرِ التابعينَ (¬2) كأبيهِ (¬3)، وكذا شيخهُ في هذا السندِ حميدٌ الأعرجُ، وحفصُ بنُ أخي أنسِ بنِ ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 365. (¬2) انظر: ترجمة خلف بن خليفة في " تهذيب الكمال " 2/ 391 (1691). (¬3) وهو خليفة بن صاعد بن برام الأشجعي، والد خلف بن خليفة، روى عن عبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر. انظر: تهذيب الكمال 2/ 398 (1704)، والتقريب (1745).

مالكٍ (¬1)، وإسماعيلُ بنُ أبي خالدٍ (¬2)، وأبو مالكٍ سعدُ بنُ طارقٍ الأشجعيُّ (¬3). فلو رُويَ هذا الحديثُ عن أحدٍ منهم عن صحابيٍّ لكانَ أعلى من طريقهِ هذا، ومن ابنِ عرفةَ بدرجةٍ. وقولُ الشيخِ: ((هو أعلى ما يقع للترمذيِّ روايتُهُ عن أتباعِ التابعينَ)) (¬4) كلامٌ لا مدخلَ لهُ في المنعِ، فإنَّهُ قد يقعُ لغيرِ الترمذيِّ روايتُه عن التابعينَ، وقد يكونُ ذلكَ للترمذيِّ نفسِهِ، ولم يطّلع عليهِ فيكون أعلى مِن هذا. وللترمذيِّ في كتابهِ أسانيدُ من غيرِ طريقِ خلفٍ أعلى مِن هذا (¬5). ¬

_ (¬1) وهو حفص بن أخي أنس بن مالك الأنصاري، أبو عمر المدني، روى عن أنس بن مالك، قال أبو حاتم: صالح الحديث، ووثقه الدارقطني. انظر: تهذيب الكمال 2/ 237 - 238 (1404)، والتقريب (1436). (¬2) إسماعيل بن أبي خالد البجلي الأحمسي، مولاهم، أبو عبد الله الكوفي، رأى أنس وسلمة بن الأكوع، وروى عن عمرو بن حريث المخزومي. انظر: تهذيب الكمال 1/ 227 (432)، والتقريب (438). (¬3) وهو سعد بن طارق بن أشيم، أبو مالك الأشجعي الكوفي، قال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه، قال النسائي: ليس به بأس. انظر: الثقات لابن حبان 4/ 294، وتهذيب الكمال 3/ 121 (2195). (¬4) التقييد والإيضاح: 259. (¬5) أعلى إسناد يقع للترمذي ما كان بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ثلاثة رواة، كما صرح بذلك العراقي بقوله: ((أعلى ما يقع للترمذي روايته عن أتباع التابعين)) ومثال ذلك ما رواه الترمذي في الجامع الكبير (2260) قال: حدثنا إسماعيل بن موسى الفزاري ابن بنت السدي الكوفي، قال: حدثنا عمر بن شاكر، عن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((يأتي على الناس زمانٌ الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر)). قال المزي في " تهذيب الكمال " 5/ 358: ((وليس في كتاب الترمذي حديث ثلاثي بينه وبين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه ثلاثة أنفس غير هذا الحديث ... )).

وقولُهُ: ((إنَّ خلفَاً آخرُ من رأى الصحابةَ)) (¬1) لا دخلَ لهُ في العلوِّ أيضاً، فإنَّ العلوَّ يتعلقُ بالروايةِ لا بالرؤيةِ، وهو في روايةِ هذا الحديثِ بينَه وبينَهم اثنانِ، وقد كانَ يمكنُ أن يكونَ بينهُ وبينهم واحدٌ فهو نازلٌ. ولأجلِ هذا قالَ شيخنا في شرحهِ لكتابهِ " النخبةِ " (¬2): ((ويقابلُ العلوَّ بأقسامِهِ المذكورةِ النزولُ، فيكونُ كلُّ قسمٍ من أقسامِ العلوِّ يقابلُهُ قسمٌ من أقسامِ النزولِ خلافاً لمن زَعمَ [أنّ] (¬3) العلوَّ قد يقعُ غيرَ تابعٍ لنزولٍ)). قولُهُ: (مثالُهُ) (¬4)، أي: مثالُ العلوِّ النسبيِّ الذي إنَّما سُميَ عالياً بالنسبةِ إلى نزولِ طريقهِ إلى أحدِ أصحابِ الكتبِ الستةِ. قولُهُ: (آخرُ مَنْ رواه عن شيخِهِ بالسَّماعِ) (¬5) مُسَلَّمٌ في غير إسماعيل الصَّفَّارِ، وأمَّا إسماعيلُ فإنَّهُ ليسَ آخرَ من روى عن ابنِ عرفةَ مطلقَاً، نَعَم، هو آخرُ من رَوَى عنهُ جزءهُ المذكورَ، وقد نبهَ الشيخُ على ذلكَ وقيَّدهُ بالجزءِ في بعضِ تصانيفِهِ. هكذا قالَ شيخُنا. وقد رأيتهُ أنا مقيداً بذلكَ في بعضِ نسخِ هذا الشرحِ، فإنَّهُ قال: ((بالسَّماعِ من الجزءِ المذكورِ)) (¬6) فكأنَّهُ ألحقَهُ بعدَ قراءةِ شيخنا لهُ عليهِ. ¬

_ (¬1) التقييد والإيضاح: 259. (¬2) نزهة النظر: 100. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " نزهة النظر ". (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 62. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63. (¬6) وهذه العبارة موجودة في جميع النسخ التي اعتمدنا عليها في تحقيقنا لشرح التبصرة والتذكرة 2/ 63.

قولُهُ: (وعالٍ لنا) (¬1) هو مسلَّم باعتبارِ أنَّهُ ربما ساوتِ الطريقُ من جهةِ الكتبِ الستةِ / 259 ب / الطريقَ من جهةِ غيرهِا، لكنَّ هذا المثال غيرُ صحيحٍ فإنَّ روايتَهُ لهُ من طريقِ الترمذيِّ كما تقدمَ آنفاً أنزلُ من روايتهِ لهُ منَ الجزءِ. وتقدّمَ أنَّ هذا مرادُ ابنِ الصلاحِ بالنُّزولِ. قولُهُ: (والمُصَافَحَاتُ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصّلاحِ عن ذلك: ((وذَلِكَ - أي: النوع (¬3) - ما اشتهرَ آخِراً مِنَ الموافَقاتِ، والأبدالِ، والمسَاواةِ، والمصافحةِ، وقَدْ كَثُرَ اعْتِناءُ المحدِّثينَ المتأخِّرينَ بهذا النوعِ، ومِمَّنْ وجدْتُ هذا النوعَ في كَلامِهِ أبو بكرٍ الخطيبُ الحافِظُ وبعضُ شُيُوخِهِ، وأبو نَصْرِ بنُ مَاكُوْلا، وأبو عبدِ اللهِ الحميديُّ وغيرُهُمْ مِنْ طَبَقتهِمْ، ومِمَّنْ جاءَ بَعْدَهُمْ)) (¬4). قولُهُ: (فَإنْ يَكُنْ فِي شَيْخِهِ) (¬5)، أي: فَتسبب عن العلوِّ الذي يكونُ للحديثِ بالنسبةِ إلى أحد الأئمةِ، كأصحابِ الكتبِ الستةِ أنّه يقالُ: أنَّ يكونَ الراوي قد وافقَ المصنِّفَ الذي يريد العلوَّ بالنسبةِ إلى روايتهِ من طريقه في شيخِ ذلكَ المصنفِ مع العلوِّ الكائنِ في طريقهِ - التي رَوَى الحديثَ منها من غيرِ طريقِ ذلكَ الإمامِ - على طريقهِ لو رواهُ من طريقِ الإمامِ، فهذا النوعُ هو الموافقةُ. أو إنْ يكنْ قد وافقهُ في شيخِ شيخهِ، مثلَ الموافقةِ في الأولِ فهذا النوعُ هو البدلُ. وإنْ يكنْ قد ساواهُ في عددٍ حصلَ لهُ في إسنادِ ذلكَ الحديثِ فكانَ عددُ ما بينهُ فيهِ وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - من الرواةِ كعددِ ما بينَ ذلكَ الإمامِ وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فهو المساواةُ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 63. (¬3) ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي. (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 365. (¬5) التبصرة والتذكرة (741).

وحيثُ وقعتِ المراجحةُ بينهُ وبينَ الأصلِ - في قلةِ عددِ الإسنادِ الأصلِ - أنقصَ من عددِ إسنادِ المخرجِ الذي يريدُ أحدَ هذه الأنواعِ، فهذا النوعُ هو المصافحةُ (¬1). قولُهُ: (مَعَ عُلُوٍ) (¬2) لو قالَ: مع العلوِّ كانَ أخفَّ، فإنَّهُ يصيرُ مخبوناً بعدَ أنْ كانَ مخبولاً. قولُهُ: (سَاوَاهُ عَدَّاً) (¬3) لو قالَ: ((في عَدٍ حَصَلْ)) وأسقط ((قَدْ)) كانَ أحسنَ. قولُهُ: (رَاجَحَه) (¬4) فَاعَلَ - فيه - بمعنى فَعَل نحو: سافَرَ. قولُهُ: (جزءِ الأَنصاريِّ) (¬5) قالَ شيخُنا: ((هذا بالنسبةِ إلى الشيخِ، فإنَّ البخاريَّ وقعَ لهُ نازلاً، وأما نحن فوقعَ لنا البخاريُّ عالياً، وجزءُ الأنصاريِّ / 260 أ / عن الشيخِ، فالإسنادانِ بالنسبةِ إلينا متساويانِ)). قولُهُ: (تقعُ موافقةً) (¬6)، أي: تقعُ الروايةُ لنا حالَ كونها ذاتَ موافقةٍ، أو السندُ حالَ كونهِ ذا موافقةٍ. قولُهُ: (فسَمَّاهُ موافقةً) (¬7) الضميرُ المستترُ في ((فَسمَّاهُ)) للناظمِ، يعني: على طريقِ التَّجريدِ، أي: لما قلتُ: أو ((شَيخ شَيخِهِ)) عطفَاً على ((شيخِهِ)) المتعلقِ بـ ((وافقهُ))، علمَ أنَّهُ لا يمتنعُ تسميتُهُ موافقةً مع التقييدِ بشيخِ الشَّيخِ؛ لأنّي كذلكَ ¬

_ (¬1) انظر: نزهة النظر: 98 - 100. (¬2) التبصرة والتذكرة (741). (¬3) التبصرة والتذكرة (742). (¬4) التبصرة والتذكرة (743). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.

استعملتهُ، تقديرُ كلامي: أو وافقَهُ في شيخِ شيخهِ ولو لم يكن ذلكَ سائغَاً لما ساغَ لي تعليقهُ بـ ((وافقَهُ)). ويجوزُ أنْ يكونَ الضميرُ للنظمِ على الإسنادِ المجازي. قولُهُ: (قلتُ: وفي كَلامِ غيرِهِ) (¬1) هو فائدةٌ زائدةٌ، وأمّا أنَّ ذلكَ يردُّ على ابنِ الصلاحِ فلا؛ لتأخر من ذُكِر عنهُ (¬2)، وابنُ الصلاحِ إنما نفى استعمالَ من تقدمَهُ لذلكَ وهو كذلكَ. قولُهُ: (أو يَكونُ بينَهُ وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -) (¬3) ذلكَ الصحابيُّ أم غيرُهُ، وسواءٌ كانَ الراوي عن الصحابيِّ ذلكَ التابعيَّ أو غيرَهُ وكذا دونَهُ. وأما ما قبلَه (¬4) فينظر فيهِ إلى المتنِ من روايةِ ذلكَ الصحابيِّ، إنْ كانَ الوصولُ إليهِ، أو من روايةِ التابعيِّ، إنْ كانَ الوصولُ إليهِ، وكذا مَن دونهُ، ولا شكَّ أنَّهُ إذا كانَ مساوياً مع التقييدِ بالصحابيِّ، أو من دونهُ يكونُ أقعدَ في هذا البابِ. قولُهُ: (إلاَّ بأنْ يَكونَ) (¬5) تقييدُ الاستثناءِ باليومِ يُفهِمُ أنَّ الحكمَ في المساواةِ في العددِ في هذا الأوانِ يخالفُ ما مضى من الزمانِ في غيرِ القسمِ الذي ذكرهُ، وهو أنَّ الاعتبارَ في ذلكَ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - لا بمن دونَهُ، وأنَّ اعتبارَ من دونَهُ - صلى الله عليه وسلم - ما كانَ يتأتَّى إلا في الزمانِ المتقدمِ المقاربِ للأئمةِ، وأمَّا الآنَ فالأسانيدُ مِنَّا إليهم طويلةٌ فتعذَّرَ ذلكَ لذلكَ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64. (¬2) ذكر جمال الدين الظاهري والذهبي: أن اسم الموافقة والبدل يطلقان مع عدم العلو، فإن علا قالوا: موافقة عالية أو بدلاً عالياً. فذكر المؤلف هنا أن كلام الظاهري والذهبي ليس فيما يرد على كلام ابن الصلاح. لأنهما تأخرا عن ابن الصلاح. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64. (¬4) في (ف): ((قبلها))، ولعل المثبت أكثر موافقة للسياق. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64.

قولُهُ: (حدَيثُ النَهيِّ عَنْ نِكاحِ المتْعَةِ) (¬1) مثالٌ لما النظرُ فيهِ إلى الصحابيِّ فمن دونهُ إلى الشيخِ الذي تلاقيا فيه بالنسبةِ إلى الروايةِ الأولى. ومثالٌ لما النظرُ فيه إلى المتنِ مع قطعِ النظرِ عنِ الصحابيِّ فمن دونهُ، فإنَّ الروايةَ الأولى من حديثِ سبرةَ (¬2) / 260 ب / والثانيةَ من حديثِ عليٍّ (¬3) رضي اللهُ عنهما، وكذا الرواةُ عن كلٍّ منهما غيرُ الرواةِ عن (¬4) الآخرِ. قولُهُ: (الفَارفَانيةُ) (¬5) بفائينِ وراءٍ مهملةٍ. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 64. (¬2) حديث سبرة أخرجه: عبد الرزاق (14041)، والحميدي (847)، وأحمد 3/ 404، والدارمي (2201)، ومسلم 4/ 131 (1406) (19) و (20) و4/ 132 (1406) (21) و (22) و4/ 133 (1406) (23) - (27) و4/ 134 (1406) (28)، وأبو داود (2072) و (2073)، وابن ماجه (1962)، والنسائي 6/ 126 وفي " الكبرى "، له (5541) - (5546) و (5550)، وابن الجارود (699)، وأبو يعلى (939)، والطحاوي في " شرح معاني الآثار " 3/ 25، وابن حبان (4147) و (4148) و (4150)، والبيهقي 7/ 203 من طريق الربيع بن سبرة الجهني، عن أبيه سبرة أنه قال: أذن لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمتعة. فانطلقت أنا ورجل إلى امرأة من بني عامر ... فذكر الحديث. (¬3) أخرجه: مالك في " الموطأ " (1560) برواية الليثي، والبخاري 5/ 172 (4216) و7/ 123 (5523)، ومسلم 4/ 134 (1407) (29) و (30) و (31) و (32) و6/ 63 (1407) (22) من طريق الزهري، عن الحسن وعبد الله ابني محمد بن علي، عن أبيهما، أنه سمع علي بن أبي طالب يقول لابن عباس: ((نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن متعة النساء يوم خيبر، وعن أكل لحوم الحمر الإنسية)). (¬4) في (ف): ((غير))، والمثبت أصوب، والله أعلم. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 65. وهي نسبة إلى فارفان - قرية من قرى أصبهان - بفتح الفاء، وسكون الألف والراء، وفتح الفاء الثانية، وسكون الألف الثانية وفي آخرها نون. كذا قيدت في " الأنساب " 3/ 425 و" اللباب " 2/ 159، وذكر الذهبي في " سير أعلام النبلاء " 21/ 482: أنها بفاءين، وكذا ذكر الزكي المنذري في " التكملة لوفيات النقلة " 2/ 1132، إلا أن ياقوت الحموي =

قولُهُ: (بَدلاً) (¬1)، أي: فوقعَ السّندُ لنا ذا بدلٍ، وكذا الموافقةُ. قولُهُ: (خيَّاط السُّنَّة) (¬2) نقلَ عن شيخنا أنَّهُ قالَ: ((ويمكنُ أنْ يكونَ على حذفِ مضافٍ، تقديرُهُ: خياط أهلِ السُّنَّةِ، بأنْ كانَ يخيطُ لهم ملبوسَهُم)). قولُهُ: (كأنَّ شيخَنا سَاوَى) (¬3) إنْ قيلَ: كانَ ينبغي الجزمُ بحقيقةِ المساواةِ؛ لأنَّ عددَ الإسنادينِ واحدٌ، قيلَ: إنما جاءَ التشبيهُ من جهةِ اعتبارِ ذلكَ الإسنادِ الخاصِّ والزمانِ، فكأنَّ شيخنا كانَ في زمانِ النسائيِّ، ورَوى هذا الحديثَ عن شيخهِ فصاعداً فساواهُ في سندهِ الذي رَوى هذا الحديثَ بهِ. وأمَّا الآن فإنَّما ساواهُ في عدِّ ما بينه وبينَ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا المتنِ، من غيرِ اعتبارِ أنْ يكونَ الإسنادُ واحداً. قولُهُ: (وأمَّا المصَافحةُ فَهوَ) (¬4)، أي: وقوعُها. ¬

_ = في " معجم البلدان " 4/ 228 قيدها بكسر الراء المهملة، مثله في " مراصد الاطلاع " 3/ 1013. والفارفانية هذه: هي الشيخة الجليلة مسندة أصبهان عفيفة بنت أبي أحمد بن عبد الله بن محمد ابن عبد الله بن حسن بن مهران، أم هانئ الأصبهانية، انتهى إليها علوُّ الإسناد، توفيت سنة (606 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 21/ 482، وشذرات الذهب 5/ 19 - 20. (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66. وخياط السنة هو: زكريا بن يحيى بن إياس بن سلمة بن حنظلة بن قرة السجزي، أبو عبد الرحمان، المعروف بخياط السنة، وثقه النسائي وغيره، توفي سنة (289 هـ‍). انظر: تهذيب الكمال 3/ 28 - 29 (1983)، والتقريب (2028). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 66.

وعبارةُ ابنِ الصلاحِ عنها: ((فهيَ أنْ تَقَعَ هذهِ المساواةُ - التي وصفناها -، لشَيخِكَ لا لكَ فيقع ذَلِكَ لكَ مُصَافحَةً، إذْ يَكُونُ كَأَنَّكَ لَقِيْتَ مُسْلِماً في ذَلِكَ الحديثِ وصَافحتَهُ بهِ، لِكَوْنكَ قدْ لَقِيْتَ شَيْخَكَ المساوي لِمُسْلِمٍ، فإنْ كانتْ المساواةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ، كانتِ المصَافَحةُ لِشَيْخِكَ، فَتَقُولُ: كأنَّ شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِماً وصَافَحَهُ، وإنْ كانَ المسَاواةُ لِشَيْخِ شَيْخِ شَيْخِكَ، فالمصَافَحةُ لِشَيْخِ شَيْخِكَ فتَقولُ فيها: كأنَّ شَيْخَ (¬1) شَيْخِي سَمِعَ مُسْلِماً وصَافَحَهُ. ولكَ أنْ لا تَذكرَ في ذَلِكَ نِسْبَةً بلْ تَقُولُ: كأنَّ فُلاناً سَمِعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ، مِنْ غيرِ أنْ تَقُولَ فيهِ: شَيْخِي، أو شَيْخُ شَيْخِي. ثُمَّ لا يخفَى عَلَى المتأَمِّلِ أنَّ في المساواةِ والمصَافَحةِ الواقِعَتَينِ لكَ، لا يَلْتَقِي إسْنادُكَ وإسْنادُ مُسْلِمٍ أو نحوِهِ إلا بَعيداً عَنْ شَيْخِ مُسْلِمٍ، فيلْتَقِيانِ في الصحابيِّ أو قَرِيْباً منهُ، فإنْ كَانتِ المصَافَحَةُ التي تَذْكُرُها ليستْ لكَ بلْ لِمَنْ فَوقَكَ مِنْ رِجالِ إسْنادِكَ، أمْكَنَ التِقَاءُ الإسْنادَيْنِ فيها في شَيْخِ مُسْلِمٍ أو أشْباهِهِ، وداخَلَتِ (¬2) المصَافَحةُ حِيْنَئذٍ الموافقةُ، فإنَّ مَعْنَى الموافقةِ راجِعٌ إلى مُسَاواةٍ ومصَافَحةٍ مَخْصُوصَةٍ / 261 أ / إذْ حاصِلُها أنَّ بعضَ مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ رواةِ إسْنادِكَ العاِلي سَاوَى أو صَافَحَ مُسْلِماً، أو البخَارِيَّ لِكَونِهِ سَمِعَ ممَّنْ سَمِعَ مِنْ شَيْخِهِما مَعَ تَأَخُّرِ طَبَقَتِهِ عَنْ طَبَقَتِهِما. ويوجدُ في كَثيرٍ مِنَ العوالي المخرَّجةِ - لِمَنْ تَكَلَّمَ أوَّلاً في هذا النوعِ وطَبَقَتِهِم المصافَحَاتُ مَعَ الموافَقَاتِ والأبدالِ لما ذَكَرْناهُ (¬3))) (¬4). قولُهُ في شرحِ قولِهِ: (ثُمَّ عُلُوُّ قِدَمِ الْوَفَاِة) (¬5) مثالُهُ قالَ ابنُ الصلاحِ: ((ما أرويهِ ¬

_ (¬1) في (ف): ((لشيخ))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬2) في (ف): ((ودخلت))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬3) في (ف): ((ذكرنا))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬4) معرفة أنواع علم الحديث: 366. (¬5) التبصرة والتذكرة (744).

عن شيخٍ أخبرني بهِ، عن واحدٍ، عن البيهقيِّ الحافظِ، عن الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ الحافظِ، أعلى من روايتي لذلكَ، عن شيخٍ أخبرني بهِ، عن واحدٍ، عن أبي بكر بن خلفٍ (¬1)، عن الحاكمِ، وإنْ تَساوى الإسنادانِ في العددِ لتقدمِ وفاةِ البيهقيِّ على وفاةِ ابن خلفٍ؛ لأنَّ البيهقيَّ ماتَ سنةَ ثمانٍ وخمسينَ وأربعِمئةٍ، وماتَ ابنُ خلفٍ سنةَ سبعٍ وثمانينَ وأربعِمئةٍ)) (¬2). قولُهُ: (عَلَى مَنْ بَعْدَهُ) (¬3) هما ابنُ خطيبِ المزَّةِ (¬4) والفخرُ (¬5). قولُهُ: (الخَليليّ) (¬6) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ورُوِّينا عن أبي يعلى بنِ عبدِ اللهِ الخليليِّ (¬7) الحافظِ قالَ: ((قد يكونُ الإسنادُ يعلو على غيرِهِ، بتقدُّمِ موتِ راويهِ، وإن كانا متساويين في العددِ)) (¬8). ومثّلَ ذلكَ من حديثِ نفسهِ بمثلِ ما ذكرنَاهُ. ثمَّ إنَّ هذا الكلام في العلوِّ المنبني على تقدمِ الوفاةِ المستفادِ من نسبةِ شيخٍ إلى شيخٍ، وقياس راوٍ براوٍ)) (¬9). ¬

_ (¬1) وهو الإمام أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف الشيرازي، ثم النيسابوري، مسند وقته، توفي سنة (487 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 18/ 478، وشذرات الذهب 3/ 379. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 367. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 67. (¬4) وهو شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي، ثم الدمشقي كان فاضلاً ديناً، ثقة، توفي سنة (687 هـ‍). انظر: العبر 3/ 364، وشذرات الذهب 5/ 401. (¬5) وهو ابن البخاري. تقدمت ترجمته. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68. (¬7) في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((أبي يعلى الخليل)). (¬8) إلى هنا انتهى كلام الخليلي في " الإرشاد " 1/ 179. (¬9) معرفة أنواع علم الحديث: 367.

قولُهُ: (عَنْ ابنِ جَوْصَا: إسنادُ خَمسينَ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((وأمَّا العلوُّ المستفادُ من مجرَّدِ تقدُّمِ وفاةِ شيخكَ، من غيرِ نظرٍ إلى قياسهِ براوٍ آخرَ، فقد حدَّهُ بعضُ أهلِ [هَذَا] (¬2) الشأنِ بخمسينَ سنة، وذلكَ فيما رويناهُ عن أبي عليٍّ الحافظِ النيسابوريِّ قالَ: ((سمعتُ أحمدَ بنَ عميرٍ الدمشقيَّ - وكانَ من أركانِ الحديثِ - يقولُ: إسنادُ خمسينَ [سنةً] (¬3) - من موتِ الشيخِ - إسنادُ علوٍّ (¬4). وفيما يُروى عَنْ أبي عبدِ اللهِ بنِ مَنْدَه الحافِظِ، قالَ: إذا مَرَّ عَلَى الإسنادِ ثَلاثونَ سَنَةً فهوَ عالٍ (¬5). وهذا أوسَعُ مِنَ الأوَّلِ)) (¬6). انتهى. وابنُ عميرٍ الذي ذكرَهُ ابنُ الصلاحِ هو ابنُ جَوْصَا بالجيمِ والصادِ المهملةِ الذي ذكرهُ الشيخُ زينُ الدينِ وهو أحمدُ بنُ عميرِ بنِ يوسفَ بنِ موسى بنِ جَوْصَا الحافظُ شيخُ الشامِ، توفي في جمادى الأولى سنةَ عشرينَ وثلاثِمئةٍ (¬7) /. 261 ب / وقالَ ابنُ دقيقِ العيدِ في مثالِ قِدَم الوفاةِ: ((كما إذا روى شيخٌ من شيوخنا حديثاً عن شيخٍ قديمِ الوفاةِ كالحافظِ أبي الحسنِ المقْدِسيِّ (¬8) عن السلفيِّ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68. (¬2) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف) وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف) وأثبته من " معرفة أنواع علم الحديث ". وفي " تاريخ دمشق ": ((بخمسين سند)). (¬4) رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 5/ 189. (¬5) انظر: إرشاد طلاب الحقائق 2/ 535. (¬6) معرفة أنواع علم الحديث: 367 - 368. (¬7) انظر ترجمته في: تاريخ دمشق 5/ 186، وسير أعلام النبلاء 15/ 15، وشذرات الذهب 2/ 285. وانظر: تعليقنا على " شرح التبصرة والتذكرة " 2/ 68 هامش (2). (¬8) هو الشيخ الإمام المفتي الحافظ علي بن المفضل بن علي بن مفرج بن حاتم بن حسن بن جعفر، شرف الدين أبو الحسن بن القاضي الأنجب أبي المكارم المقدسي، ثم الإسكندراني المالكي، له كتاب " الصيام " و" الأربعون في طبقات الحفاظ "، توفي سنة (611 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 66، وشذرات الذهب 5/ 47 - 48.

وروينا نحنُ ذلكَ الحديثَ عمَّن تأخرت وفاتهُ كابنِ بنتِ السِّلفي (¬1)، فإنَّ المقدسيَّ توفي سنةَ إحدى عشرةَ وستمئةٍ، وتوفي السِّبطُ سنةَ إحدَى وخمسينَ، فالعددُ بالنسبةِ إلى السِّلَفي واحدٌ، إلاّ أنَّ الأولَ أقدمُ، فهذا يَعُدُّونَهُ علوَّاً، ويُثبتونَ له مَزِيَّةً في الروايةِ. ومِنَ الناسِ مَنْ يَعُدُّ العلوَّ هو الإتقان والضبط وإنْ كان نازلاً في العددِ، وهذا علوٌّ معنويٌّ، والأولُ صوريٌّ، ورعايةُ الثاني - إذا تعارضا - أولى)) (¬2). قولُهُ: (آخرَ مَنْ كانَ يَرويه) (¬3)، أيْ: عن ابنِ الزبيديِّ (¬4). قولُهُ في قوله: (ثُمَّ عُلُوُّ قِدمِ السَّمَاعِ): (كَالأَنْوَاعِ) (¬5)، أي: أنواعهِ كالأنواعِ المذكورةِ في العلوِّ، فهي: موافقةٌ وبدلٌ بنزولٍ. وأمَّا تصويرُ المساواةِ والمصافحةِ بالنزولِ ففيهِ نظرٌ. قولُهُ: (والصِّحَّةُ العُلُوُّ) (¬6)، أي: فإذا وجدتِ الصحةُ لم يُعدَل عنها، سواء كانت معَ نزولٍ أم لا، فإنها هي العلوُّ، للوثوقِ بذلكَ السندِ لا قربَ الرجالِ الخَالي ¬

_ (¬1) وهو الشيخ المسند المعمر أبو القاسم عبد الرحمان بن الحاسب مكي بن عبد الرحمان بن أبي سعيد بن عتيق، جمال الدين الطرابلسي ثم الإسكندراني سبط الحافظ السلفي، توفي سنة (651 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 23/ 278، وشذرات الذهب 5/ 253. (¬2) الاقتراح: 270. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 68، وفيه: ((كان آخر من يرويه ... )). (¬4) وهو الشيخ الإمام الفقيه الكبير، مسند الشام، سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر المبارك بن محمد بن يحيى بن مسلم الرَّبعِي الزبيدي. مدرس مدرسة الوزير عون الدين بن هبيرة، كان إماماً، ديناً، خيراً، متواضعاً، صادقاً، توفي سنة (631 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 22/ 357، وشذرات الذهب 5/ 144. (¬5) التبصرة والتذكرة (746). (¬6) التبصرة والتذكرة (747).

عن الصحةِ فإنَّهُ ليسَ بعلوٍّ لعدمِ الوثوقِ، فلا فرقَ حينئذٍ بينَ أنْ تقولَ هذا إسنادٌ عالٍ أو صحيحٌ، فإنَّكَ [إن] (¬1) أطلقتَ ذلكَ عُرفَ أنك تريدُ العلوَّ، سواءٌ عبرتَ عنهُ بالصحةِ أو بالعلوِّ. وقد مرَّ كلامُ ابنِ دقيقِ العيدِ آنفاً. قولُهُ في شرحهِ: (المتأخِّرُ أرجحَ) (¬2) عبارةُ ابنِ الصلاحِ تخالفُهُ فإنَّه قالَ: ((فإِذا تساوى السندُ إليهِما في العَدَدِ، فالإسنادُ إلى الأوَّلِ الذي تقدّمَ سماعُهُ أَعلى، فهذِهِ أنواعُ العُلوِّ عَلَى الاستقصاءِ والإِيضاحِ الشَافي)) (¬3). انتهى. والذي قالهُ الشيخُ حسنٌ، فإنَّهُ بيَّنهُ على معنىً شريفٍ، وهو: النظرُ في حالِ الشيخِ عندَ السماعينِ، فإنْ كانَ متساوياً رجحنا الأولَ، وإنْ كان متقارباً رجحنا ما كانت حالهُ فيهِ أعلى سواءٌ كانَ متأخراً أو متقدماً. وكذا حالُ السامعِ، فقد يكونُ من سمعَ متقدِّماً متيقِّظاً ضابطاً إلى غيرِ ذلكَ من الصفاتِ المرجِّحةِ، ومن سمعَ متأخراً / 262 أ / قاصراً عن درجتهِ، فيأتي من ذلكَ أنواعٌ بالنظرِ إلى حالِ السامعِ وحالِ الشيخِ مقتضيةً للترجيحِ، فقد يتَّفقُ حالُ الشيخِ والسامعِ في الترجيحِ وعدمهِ، وقد يختلفُ فيحصلُ لكلِ واحدٍ مقتضى للترجيحِ فيأتي الاجتهادُ حينئذٍ في الأنسبِ. قولُهُ: (مالكٍ، لِمَعنىً فيهِ) (¬4) هو تصريحُ مالكٍ بالتحديثِ. قولُهُ: (تَفْصيلاً مبيناً) (¬5) رأيتُ بخطِّ بعضِ أصحابنا الحلبيينَ أنَّ المصنفَ ألحقَ ((مبيناً)) بعد قراءةِ شيخنا الحافظِ برهانِ الدينِ عليهِ. انتهى. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 69. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 368. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 69، وهو من كلام ابن طاهر. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70، وهذا من كلام ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 369.

ولم أرَهَا أنا فيما رأيتهُ من نسخِ ابنِ الصلاحِ (¬1) فلم أدْرِ لم زادهَا؟! قولُهُ: (عَنْ وكيعٍ قالَ: الأَعمشُ أحبُّ) (¬2) أخرجهُ السِّلَفيُّ في كتابهِ " شرطِ القراءةِ على الشيوخِ "، من طريقِ محمدِ بنِ إسحاقَ بنِ خزيمةَ النيسابوريِّ، قال: ((سمعتُ عبدَ اللهِ بنَ هاشمٍ الطوسيَّ يقولُ: كنا عندَ وكيعٍ فقالَ: الأعمشُ ... فذكرهُ)) (¬3). وكذا أخرجَ قول ابنِ المباركِ (¬4). قولُهُ: (عَنْ فقيهٍ) (¬5) عن شيخنا أنهُ قالَ: إنَّ لابنِ حبانَ تفصيلاً حسناً وهو: أنَّ النظرَ إنْ كانَ للسندِ فالشيوخُ، وإنْ كان للمتنِ فالفقهاءُ (¬6). قولُهُ: (عِندَ النظرِ والتَحقيقِ) (¬7) ورَوى السِّلفيُّ عن يحيى بن معينٍ قالَ: ¬

_ (¬1) إذ هي في " معرفة أنواع علم الحديث ": ((تفصيلاً مفهماً)). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70. (¬3) أخرجه: الرامهرمزي في " المحدّث الفاصل ": 238 (139)، والحاكم في " معرفة علوم الحديث": 11، والبيهقي في " المدخل إلى السنن الكبرى ": 94 - 96 (14) و (15)، والخطيب في " الكفاية ": 436 من طريقين عن وكيع قال: ((الأعمش أحب إليكم، عن أبي وائل، عن عبد الله؟ أو سفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله؟ فقلنا: الأعمش، عن أبي وائل أقرب. فقال: الأعمش، عن أبي وائل شيخٌ، وسفيان، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة فقيه، عن فقيه، عن فقيه، عن فقيه ... )). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 70 - 71. (¬4) قول ابن المبارك هو: ((ليس جودة الحديث قرب الإسناد بل جودة الحديث صحة الرجال)). أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 296 (1308). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من قول وكيع المتقدم. (¬6) انظر: الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ 159. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من كلام السلفي.

((الحديثُ النزولُ [عن ثبتٍ] (¬1) خيرٌ من علوٍّ عن غيرِ ثبتٍ)) (¬2). قالَ: وأنشدهُ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ زفر في معناه: علمُ النزولِ اكتبوهُ فهو ينفعكم ... وتَرْكُكُم ذاكم ضَرْبٌ مِن العَنَت إنَّ النزولَ إذا ما كَانَ عَنْ ثبتٍ ... أعلى لكم مِنْ علو غَيرِ ذي ثَبَتِ (¬3) قولُهُ: (نِظامِ الملْكِ) (¬4) قال ابن كثير: ((وهَذَا اصطلاحٌ [خَاصٌّ] (¬5)، وماذا يَقولُ إذَا صَحَّ الإسنادَانِ، وهَذَا أقْرَبُ رِجَالاً؟!)) (¬6). قولُهُ: (مِنْ نَظمهِ) (¬7) قالَ بعضُ أصحابنا: رأيتُ بخطِّ السِّلفيِّ أنَّهُ نظمَ هذهِ الأبيات (¬8) جنزة، قال في "القاموس" (¬9): ((وجَنْزَةُ -أَي: بجيمٍ ونونٍ وزاي - (¬10): أعْظَمُ بَلَدٍ بأرَّانَ وقرية (¬11) بأصْبَهَان، منْ أحدِهمَا أبو الفَضْلِ الجَنْزَويُّ)). ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الجامع لأخلاق الراوي ". (¬2) أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 38 (121). (¬3) أخرج الخطيب هذين البيتين في " الجامع لأخلاق الراوي ": 39 (134)، ونسبهما لأبي بكر ابن الأنباري. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71، وهو من كلام السلفي أيضاً، ونظام الملك هذا هو الوزير الكبير نظام الملك، قوام الدين أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد، وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس توفي سنة (485 هـ‍). انظر: الكامل في التاريخ 10/ 204، وسير أعلام النبلاء 19/ 94. (¬5) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " اختصار علوم الحديث ". (¬6) اختصار علوم الحديث 2/ 452 وبتحقيقي: 224. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 71. (¬8) بعد هذا في (ف) كلمة غير واضحة. (¬9) القاموس المحيط مادة (جنز). (¬10) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي. (¬11) رسمت في (ف): " وقر"، وفي القاموس المحيط: "ة بأصبهان" والرمز (ة) يعني: قرية.

الغريب والعزيز [والمشهور]

الغريب والعزيز [والمشهور] (¬1) قولُهُ: (الغَرِيْبُ وَالْعَزِيْزُ وَالمشْهُوْرُ) (¬2) لما ذكرَ الأنواعَ التي يفهمُ قبول الحديث أو ردّه، وذكرَ ما يتعلقُ بالقبولِ والردِ، وذكرَ أدبَ الشيخِ والطالبِ في طلبِ الحديثِ، وتقاضي ذلكَ الحث على طلبِ العلو، فذكرهُ كذا على بقايا من اصطلاحِ القومِ يدخلُ في الأنواعِ الماضيةِ، ولا يخص / 262 ب / نوعاً منها، فإنْ قيل: إنَّ هذا الوجه ممّا يُقال، ولكن الأليق: تقديم هذا النَّوع وأضرابه؛ لتكون الأنواع كلُّها مجتمعة؛ قيل: إنَّ ابنَ الصلاحِ أملى كتابه إملاءً، فكتبه في حالِ الإملاء جمع جمّ، فلم يقع مرتَّباً على ما في نفسه، وصارَ إذا ظهر له أنّ غير ما وقعَ له أحسن ترتيباً، يراعي ما كتب منَ النَّسخ، ويحفظ قلوبَ أصحابها، فلا يغيرها، وربّما غابَ بعضُها، فلو غير ترتيبَ غيرِهِ تخالفت النُّسخُ، فتركها على أولِ خاطر (¬3)، والشيخ تابع له، ثمّ لا يخفى وجهُ تقديمِ الغريبِ على العزيزِ، وهو المشهورُ للمترقي. ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " شرح التبصرة والتذكرة ". وانظر في العزيز والغريب والمشهور: معرفة علوم الحديث: 92 و94، ومعرفة أنواع علم الحديث: 370 و374، وجامع الأصول 1/ 174، وإرشاد طلاب الحقائق 2/ 538 و545، والتقريب: 152 و153، والاقتراح: 271 و272، والموقظة: 43، ورسوم التحديث: 79 و80، واختصار علوم الحديث 2/ 455 و460 وبتحقيقي: 225 و229، والشذى الفياح 2/ 434 و446، والمقنع 2/ 427 و441، ومحاسن الاصطلاح: 220 و223، وتنقيح الأنظار: 251، ونزهة النظر: 27 و28، وفتح المغيث 3/ 28، وتدريب الراوي 2/ 173 و180، وشرح ألفية العراقي للسيوطي: 267، وفتح الباقي 2/ 150 - 155، وشرح شرح نخبة الفكر: 192 و197، واليواقيت والدرر 1/ 272 و280، وتوضيح الأفكار 2/ 401، وظفر الأماني: 39 و68، ولمحات في أصول الحديث: 283 و289. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 72. (¬3) انظر: فتح المغيث 3/ 28.

قولُهُ: (وَمَا بِهِ مُطْلَقاً) (¬1)، أي: سواء كانَ انفراده بالنِّسبة إلى إمامٍ يجمع حديثه كما قيَّده به ابنُ منده أولاً. قولُهُ: (فَحَدْ) (¬2) هو ناظر في مئةٍ إلى قولِهِ: ((فَهْوَ))؛ ليكون التقدير، فهوَ الغريبُ على ما حدَّهُ بهِ الأئمةُ، إلا ابنَ منده، وابنُ منده ما وقعَ بهِ الانفرادُ مِنْ ذلك، فإنَّهُ حدّ الغريب منه، مخصص له بما انفردَ به الراوي عنْ إمام بجمعِ حديثهِ، والحاصلُ أنَّ التقديرَ: وابن منده خالفَ هذا الرسم، فحد الغريب بأنَّهُ: انفراد راوٍ عَنْ إمام (¬3) يجمعِ حديثه، وكان ابن منده يُسمّي الغريب في عُرْفِنا فرداً. قولُهُ: (يَغْرُبُ) (¬4) - بضم الراء - سواءٌ كانَ ماضيه بالضمِّ أو الفتح. قال في " الجمع بين العباب والمحكم "، وفي " القاموس "، وفي " الأفعال " لابن طريف: والغريب: الغامض في الكلام، ورجل غريب: ليسَ من القومِ، وكلمةٌ غريبةٌ، وقد غرُبتِ، أي: بالضمِّ، وغربتِ الشمسُ تغرب غروباً: غابت في المغربِ، قالَ تعالى: {وَإِذَا غَرَبَتْ} (¬5) وقال: {تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} (¬6) وكذلك: غرب النَّجم، والغرب: الذهاب والتنحِّي عن النَّاسِ، وقد غَرب عنّا، أي: بالفتح النّوى والبعد، وقد تغرّب ونوى غربة بعيدة، وهل أطرفتنا من مغرّبة خبره، ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (748). (¬2) التبصرة والتذكرة (748). (¬3) وكلام ابن منده: ((فأما الغريب من الحديث كحديث الزهري وقتادة وأشباههما من الأئمة ممن يجمع حديثه إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث يسمى غريباً، فإذا روى عنهم رجلان وثلاثة اشتركوا في الحديث يسمى عزيزاً، فإذا روى الجماعة عنه حديثاً سمي مشهوراً))، أسند هذا الكلام لابن منده الحافظ ابن طاهر المقدسي في " شروط الأئمة الستة ": 23. (¬4) التبصرة والتذكرة (751). (¬5) الكهف: 17. (¬6) الكهف: 86.

وهل جاءتك مغربة خبر، وهو الخبرُ الذي يطرأُ عليك منْ بلد سوى بلدكَ، والتغربُ: التروحُ عنِ الوطن، وقد غرّبهُ الدهرُ، والغُربةُ والغُرب - بالضمِّ - والاغترابُ، ووجه تسمية الفردِ في الاصطلاحِ بالغريبِ، والمناسبةِ المصححةِ لنقلهِ من اللغةِ إليهِ، أنَّ الغريب مِنْ شأنه: الانفراد عن أهله، ومَنْ يعاشره كما انفردَ عن وطنهِ، وغريبُ الحديثِ / 263 أ / كذلكَ في الانفرادِ. قولُهُ: (مُطْلَقاً) (¬1) حال لضمير ((يغرب))، أي: ذلك الحديثُ حالَ كونِهِ مطلقاً في غرابته، غير مقيد بشيخٍ، ولا إسنادٍ، ولا متنٍ، بل يكونُ في غرابتهِ أعمَّ مِنْ ذلك كلّهِ، وإسناداً تميز، أي: من جهةِ الإسناد. قولُهُ: (فَقَدْ) (¬2)، أي: فقط، بمعنى: فحسب، قال أهل اللغة: ويكون قد بمعنى حسب، فالمعنى فغرابتهُ من جهةِ الإسناد كافيةٌ في تسميتهِ غريباً، ولا يحتاجُ في ذلك إلى وجودِ غرابةٍ فيه مِنْ غير جهة الإسناد. قولُهُ في شرحِ ذلكَ: (في متنِهِ) (¬3)، أي: يزيد بعض الرواة فيه لفظة فما فوقها منفرداً بها عنْ غيره منْ رواته، وكذا في السند، قال ابنُ كثير: ((قَدْ تكُونُ فِي المَتْنِ كأنْ يَنفرد (¬4) بِرِوايَتِهِ واحدٌ أو مِنْ بَعْضِهِ، كَمَا إِذَا زَادَ فِيهِ وَاحِدٌ زِيَادَةً لَمْ يَقُلْهَا غَيْرهُ، وَقَدْ تكوُنُ في الإسْنَادِ كَمَا إذَا كَانَ أصْلُ الحَدِيثِ مَحْفُوظاً مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، أوْ وُجُُهٍ، وَلَكنَّهُ بِهَذَا الإِسْنَاد غَرِيبٌ)). (¬5) انتهى. وفي ما تقدّمَ في أول الكتابِ من الشاذ، وما والاه أمثلة لذلك. ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (751). (¬2) التبصرة والتذكرة (751). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 72، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 374. (¬4) في " اختصار علوم الحديث ": ((بأن يتفرد)). (¬5) اختصار علوم الحديث 2/ 460 وبتحقيقي: 227.

قولُهُ: (ممَّنْ يُجْمَعُ حديثه) (¬1)، أي: ممّن هو في جلالتِهِ في إمامتِهِ، وكثرة حديثه، بحيث يُجمع حديثُهُ، وإنْ لم يجمع بالفعلِ، وليسَ المعنى ممّن جرتْ عادة المحدّثينَ بأنْ جمعوا حديثهم حَتّى يكون قيداً. قولُهُ: (فإِذَا رَوى الجَماعةُ عَنهم) (¬2)، أي: إذا رَوى عنْ هؤلاءِ الأئمةِ، الذينَ هم، بحيثُ يجمع حديثَهم الجماعة الثلاثة فما فوقها، سمي ذلكَ الحديث مشهوراً، هكذا كنت فهمته ثمّ رأيتُ في تعاليق عَنْ شيخنا: أنَّ اللامَ في الجماعةِ، وإنْ كانتْ للجنسِ، فإنّها للأربعةِ فصاعداً؛ لأنَّه قد تقدّم أنّه سمى ما رواه ثلاثةٌ عزيزاً، ولم يتعقبه ابنُ الصلاح ولا الشيخُ، والذي استقرَّ عليهِ الاصطلاحُ، وهو الذي في النظمِ، أنَّ العزيزَ: ما انفردَ بروايتِهِ اثنانِ في موضعٍ ما من سندِهِ، هكذا قال. ويمكن ردُّ كلام ابن منده إليه، فإنَّهُ ذكر أنَّه إذا انفردَ راويان كانَ عزيزاً، وإنّما ذَكَرَ الثلاثةَ في العزيز تنبيهاً على أنَّهُ يكفي في تسميتهِ عزيزاً أنْ ينفردَ به اثنانِ في موضعٍ واحدٍ مِنْ سنده، وإن كان مشهوراً في باقي السندِ كلّه؛ لئلا يتوهم أنَّه يشترط في تسميتِهِ عزيزاً، أنْ يرويه اثنان عن اثنين في جميعِ سندهِ منْ غير زيادةٍ، فإنَّ بعضهم شَرَطَ ذلك، وأنكره ابنُ حبانَ / 263 ب / شرطاً ووجوداً، قالَ شيخُنا في شرحه " للنّخبة " (¬3): ((وسمِّي بذلك؛ إمّا لقلَّةِ وجودِهِ؛ وإمّا لكونِهِ عَزَّ، أي: قوي بمجيئِهِ مِنْ طريقٍ أُخرى، ولَيْسَ شَرْطاً لِلصَّحِيحِ، خِلافاً لِمَنْ زَعَمَهُ، وهُو أبو عليٍّ الجُبَّائي (¬4) من المعتزلة، وإِليه يومئ كلامُ الحاكمِ أبي عبدِ اللهِ في "علوم الحديث" ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73 وفيه: ((ممن يجمع حديثهم))، وهذا من كلام ابن منده الذي تقدم نقله. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73، وهو أيضاً من كلام ابن منده. (¬3) نزهة النظر: 28 - 30. (¬4) وهو شيخ المعتزلة أبو علي محمد بن عبد الوهاب البصري، له تصانيف عدة منها: " النهي عن المنكر " و" التعديل والتجويز " و" التفسير الكبير "، توفي سنة (303 هـ‍). انظر: الأنساب 1/ 383، وسير أعلام النبلاء 14/ 183.

حيثُ قالَ: ((الصحيحُ أنْ يرويَهُ الصحابيُّ الزائلُ عنهُ اسمُ الجهالةِ، بأنْ يكونَ له راويانِ، ثمّ يتداولَه أهلُ الحديثِ إلى وقتِنا، كالشهادةِ على الشهادة)) (¬1)، وصرَّح القاضي أبو بكر بنُ العربيِّ (¬2) في شرحِ البخاريِّ: بأنَّ ذلك شرط البخاريِّ، وأجابَ - أي: ابن العربي - عما أوردَ مِنْ ذلكَ بجوابٍ فيه نظرٌ؛ لأنَّه قال: فإنْ قيل حديث ((الأعمال بالنِّياتِ)) (¬3) فردٌ لم يروهِ عنْ عمرَ - رضي الله عنه - إلا علقمةُ، قال: قلنا: قد خطبَ به عمرُ على المنبرِ بحضرةِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، فلولا أنَّهم يعرفونه لأنكروهُ كذا قالَ، وتعقب: بأنّه لا يلزمُ مِنْ كونهم سكتوا عنْه، أنْ يكونوا سمعوه مِنْ غيرهِ، وبأنَّ هذا لو سلمَ في عمرَ - رضي الله عنه -، مُنعَ في تفرد علقمةَ - أي: ابنِ وقاصٍ الليثيّ (¬4) - ثمّ تفرّدَ محمّدُ بنُ إبراهيمَ - يعني: التيميَّ (¬5) - عنْ علقمةَ، ثمّ تفرّدَ يحيى بنُ سعيدٍ به، عنْ محمّدٍ على ما هو الصحيحُ المعروفُ عندَ المحدِّثينَ، وقد وردتْ لهم متابعاتٌ لا يُعتبرُ بها، وكذا لا نُسلِّم جوابَه في غير حديث عمرَ - رضي الله عنه -. قال ابنُ رُشَيْدٍ (¬6): ولقد كان يكفي القاضي في بطلانِ ما ادَّعى أنّه شرطُ البخاري [أنه] (¬7) أول حديث مذكور فيه، وادّعى ابن حبّان نقيض دعواه، فقال: إنَّ ¬

_ (¬1) معرفة علوم الحديث: 62. (¬2) وهو الإمام العلامة الحافظ القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن العربي الأندلسي الإشبيلي، صاحب كتاب " عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي "، توفي سنة (543 هـ‍). (¬3) تقدم تخريجه. (¬4) ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي. (¬5) ما بين الشارحتين عبارة توضيحية من البقاعي. (¬6) وهو أبو عبد الله محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس بن سعيد بن مسعود بن حسن، ابن رشيد السبتي الفهري، توفي سنة (721 هـ‍). انظر: الدرر الكامنة 4/ 111 - 112. (¬7) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، والسياق يقتضيه.

روايةَ اثنين فقط، عن اثنين فقط لا يوجدَ أصلاً، قلتُ: إنْ أراد أنَّ روايةَ اثنين فقط، عن اثنينِ فقط لا توجد أصلاً فيمكن أن يُسلّم، وأمّا صورة العزيز التي حررناها لوجودهِ، بأنْ لا يرويه أقلّ من اثنين، عنْ أقلِّ من اثنين، مثالهُ: ما رواه الشيخانِ (¬1) مِنْ حديثِ أنسٍ - رضي الله عنه -، والبخاريُّ (¬2) مِنْ حديثِ أبي هريرةَ - رضي الله عنه -: أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا يؤمنُ أحدُكم حَتَّى أكونَ أحبّ إليه مِنْ والده وولده ... )) الحديث، ورواهُ عنْ أنسٍ - رضي الله عنه -: قتادةُ وعبدُ العزيز بنُ صهيبٍ، ورواهُ عنْ قتادةَ: شعبةُ (¬3) وسعيدٌ (¬4)، ورواه / 264 أ / عَنْ عبد العزيز: إسماعيلُ بنُ عُلَيّة (¬5)، وعبدُ الوارث (¬6)، ورواه عنْ كلّ جماعةٌ)). (¬7) انتهى. وقولُهُ (¬8): ((وتُعُقِّبَ ... )) (¬9) إلى آخره غير مصيب للمجيز (¬10) والصوابُ في تعقبهِ ¬

_ (¬1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (15)، ومسلم 1/ 49 (44) (69)، وسيأتي تخريجه بتفصيل. (¬2) صحيح البخاري 1/ 10 (14)، وأخرجه أيضاً: النسائي 8/ 115 وفي " الكبرى "، له (11746). (¬3) أخرجه من هذا الطريق: أحمد 3/ 177 و275، وعبد بن حميد (1176)، والدارمي (2744)، والبخاري 1/ 10 (15)، ومسلم 1/ 49 (44) (70)، وابن ماجه (67)، والنسائي 8/ 114، وأبو يعلى (3049) و (3258)، وابن حبان (179)، وابن منده في " الإيمان " (284)، والبيهقي في " شعب الإيمان " (1374)، والبغوي في " شرح السنة " (22). (¬4) وهو سعيد بن بشير. وحديثه عند الطبراني في " الأوسط " (8854). (¬5) حديثه عند البخاري 1/ 10 (15)، ومسلم 1/ 49 (44) (69)، والنسائي 8/ 115. (¬6) وهو عبد الوارث بن سعيد. وحديثه عند مسلم 1/ 49 (44) (69)، والنسائي 8/ 115. (¬7) نزهة النظر: 28 - 30. (¬8) أي: ابن حجر. (¬9) نزهة النظر: 29. (¬10) كذا في (ف).

أنْ يقالَ: أنتَ فرضتَ أنَّ المعترض أوردَ عليكَ تفرد علقمةَ به، عنْ عمرَ - رضي الله عنه -، ثمَّ أجبتَ بما ظننت أنَّه ينفي تفرّدَ عمر به، فلا أنت أجبت عمّا أوردهُ السائلُ، ولا أصبتُ فيما ظننتُ، فإنَّ سكوت المُخْبِر عندَ إخبار مخبرِهِ له بقبولِ الخبرِ، لا لكونهِ شاركه في روايتهِ عمّن رواه عنه. وقولُهُ: ((أوَّلُ حديثٍ مَذكورٍ فيهِ)) (¬1)، يعني: فإنَّهُ مرويٌّ بالآحادِ، وهو حديثُ الأعمال، وكذا آخر حديثٍ مذكور فيه، وهو: ((كلمتانِ خفيفتانِ على اللسانِ)) (¬2)، فإنَّ أبا هريرةَ تفرّدَ بهِ عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وتفرّدَ به عنه أبو زرعةَ، وتفرّد عنه عمارة بن القعقاع، وتفرّد به عنه محمّد بن فضيل، وعنهُ انتشرَ، فرواهُ عنه ابن إشكابَ (¬3) وغيره، أفادهُ شيخنا في شرحِهِ (¬4). قولُهُ: (سُمّي مَشهوراً) (¬5) قالَ ابنُ الصَّلاحِ بعده: ((الحديثُ الذي يَنْفَردُ بهِ بعضُ الرواةِ يُوصَفُ بالغَريبِ (¬6)، وكَذلكَ الحديثُ الذي يَنْفَردُ بهِ بعضُهُمْ بأمْرٍ لا يذكُرُهُ فيهِ غيرُهُ، إمَّا في مَتْنهِ، وإمَّا في إسْنادِهِ، وليسَ كُلُّ ما يُعَدُّ مِنْ أنواعِ ... الأَفْرادِ مَعْدُوداً مِنْ أنْواعِ الغَريبِ، كَما في الأفرادِ المضافةِ إلى البلادِ عَلَى ما سَبَقَ)) (¬7) يعني: في معرفة الأفرادِ في أوائلِ الكتابِ (¬8). وقولُهُ: ((في الأفرادِ المضافةِ إلى البلادِ)) أنّها ¬

_ (¬1) نزهة النظر: 29. (¬2) أخرجه: أحمد 2/ 232، والبخاري 8/ 107 (6406) و8/ 173 (6682)، ومسلم 8/ 70 (2694)، وابن ماجه (3806)، والترمذي (3467)، والنسائي في " عمل اليوم والليلة " (830) جميعهم من طريق محمد بن فضيل، به. (¬3) رواية أحمد بن إشكاب عند البخاري 9/ 198 (7563). (¬4) انظر: فتح الباري 13/ 662 عقيب (7563). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73. من كلام ابن منده المتقدم. (¬6) في (ف): ((بالغريب))، والمثبت من " معرفة أنواع علم الحديث ". (¬7) معرفة أنواع علم الحديث: 374. (¬8) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 185.

لا تسمّى غريبةً على وجهِ الإطلاقِ، وأمّا بالنِّسبة إلى البلادِ أو الشيوخِ، أو غير ذلكَ منَ التقيداتِ، فلا مانعَ مِنهُ معَ التقييدِ، كما سبقَ ذكرُهُ لهُ في الأفرادَ (¬1). قولُهُ: (وَلَم يَذكر ابنُ الصَلاحِ) (¬2) بل قد ذكرهُ بذكرِ المشهورِ، فإنَّ مِنْ أمثلةِ المشهورِ ما يُسمّى عزيزاً، بأنْ يكونَ جميعُ السندِ مشهوراً إلا موضعاً منه لم يروهِ فيه إلا اثنانِ عنِ اثنينِ منْ روايةٍ، وأيضاً فإنّه يفهمُ بطريقِ الأولِ؛ لأنّه إذا كانَ ذلك في الغريبِ والمشهورِ، كانَ هو أجدرُ بذلكَ؛ لأنَّه ذكر أقلّ ما يمكن، وهو الغريبُ، وأكثره ما لم يكنْ متواتراً، وهو المشهورُ، ومتى انقسمَ / 264 ب / ذلكَ إلى الضعيفِ والصحيحِ انقسمَ العزيزُ؛ لأنَّه بينَهما، وهو أولى منَ الغريبِ يكونُ الصحيحُ منْ أنواعِهِ، وَمنَ المشهورِ يكونُ الضعيفُ مِنْ أنواعه. قولُهُ: (وأوَّلُ الإسنادِ فردٌ) (¬3)، أي: فالحكم له، لأنَّ الأقلَ في هذا العلمِ يقضي على الأكثرِ، حَتَّى لو بلغتْ طرقُ حديثِهِ التواتر في جميعِ طبقاتِهِ، إلا واحدةً انفردَ بروايتِهِ فيها راوٍ واحدٍ، سمي فرداً وغريباً. قولُهُ: (كَما تقدَّمَ) (¬4)، أي: في آخر شرح الحسن (¬5). قولُهُ: (الحادي والثلاثين) (¬6)، أي: وهو الغريبُ والعزيزُ، وستأتي حكايتُهُ عنِ ابنِ الصَّلاحِ في تقسيمِهِ الغريبَ في أواخرِ شرحِ هذهِ الأبياتِ. ¬

_ (¬1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 185. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 174. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73.

وقولُهُ: (وهُو الذي يَلي نوعَ المشهورِ) (¬1) زيادة في الإيضاح غير محتاج إليها، وفي الاعتذارِ عنها بأنَّ ابنَ الصَّلاحِ لم يعد هذه الأنواع نظر، فإنَّه عدّها. قولُهُ: (لا يَقبضُ العِلمَ انْتِزَاعاً) (¬2) رأيت بخط الشيخ شمس الدين بن حَسَّان أنَّ شيخنا ذكر أنَّه لم يرتقِ إلى حدّ الشهرة. قولُهُ: (طلبُ العلمِ فريضةٌ) (¬3) قالَ الشيخُ في تخريجِ أحاديثِ الإحياءِ: ((رواهُ ابنُ ماجه منْ حديثِ أنسٍ - رضي الله عنه -، وضعّفه أحمدُ، والبيهقيُّ، وغيرهما)) (¬4) هذا ما في نُسختي مِنْ غيرِ زيادةٍ، فلعلهُ بينَ صحتَهُ في التخريجِ الكبيرِ، وقالَ شيخُنا في تخريجِ أحاديثِ " الفردوسِ ": ((وأسندهُ - يعني: ابن ماجه - عنْ عليِّ بن أبي طالب، ثُمّ قال: وفي البابِ: عن ابنِ مسعودٍ، وابنِ عباسٍ، وابنِ عمرَ، وجابرٍ، ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 73 - 74. والحديث أخرجه: الطيالسي (2292)، وعبد الرزاق (20471)، والحميدي (581)، وأحمد 2/ 162 و190 و203، والدارمي (245)، والبخاري 1/ 36 (100) و9/ 123 (7307)، ومسلم 8/ 60 (2673)، وابن ماجه (52)، والترمذي (2652)، والنسائي في " الكبرى " (5907)، وابن حبان (4571)، والطبراني في " الأوسط " (992)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 2/ 181 و10/ 25، والبيهقي في " دلائل النبوة " 6/ 543، والخطيب في " تاريخ بغداد " 3/ 74 و5/ 460 و8/ 368 و10/ 375 من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. وأخرجه: الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " 1/ 201 من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -. وأخرجه: الخطيب في " تاريخ بغداد " 5/ 313 من حديث عائشة رضي الله عنها. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 74، وقد تقدم تخريج هذا الحديث. (¬4) قال العراقي في " تخريج أحاديث إحياء علوم الدين " 1/ 57 (43): ((قد صحح بعض الأئمة طرقه)).

وأبي سعيدٍ (¬1) - رضي الله عنهم -، ثمّ قالَ: حديثُ طلبِ العلمِ حتمٌ واجبٌ على كلِ مسلمٍ، أسندهُ، يعني: صاحب " الفردوس "، عن أنسٍ - رضي الله عنه -، وقالَ شيخُنا: ويحتملُ أنْ يكون المصحِّح ممَّنْ تأخّر عصرهُ عنِ الأئمةِ الذين سدَّ ابنُ الصلاحِ بابَ التصحيحِ بعدهم، فلا يرى ابنُ الصلاحِ تصحيحه نفياً، فليراجع تخريج الإحياء)) (¬2). انتهى. ومِنْ أمثلته أيضاً: ((اطلبوا العلمَ ولو بالصينِ)) رواه ابنُ عديٍّ (¬3)، والبيهقي في " المدخلِ " (¬4) و" الشعبِ " (¬5) منْ حديث أنسٍ، وقال البيهقي: ((متنه مشهور، وأسانيده ضعيفة)) (¬6). قولُهُ: (وهذا لا يصحُّ عَنْ أحمدَ) (¬7) قالَ شيخُنا: يعني بهذه الصورةِ المجموعةِ، والذي صحَّ عنْ أحمدَ ثلاثةُ أحاديثَ وهي: الأول منْ هذه (¬8) والثالث منها (¬9)، والثالث حديث السائل / 265 أ / لكنْ بلفظ: ((لو صدقَ السائلُ ما أفلح ¬

_ (¬1) انظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 1/ 55. (¬2) 1/ 55 - 57. (¬3) في " الكامل في الضعفاء " 5/ 118. (¬4) المدخل إلى السنن الكبرى (324). (¬5) شعب الإيمان (1663) جميعهم من طريق الحسن بن عطية، عن أبي عاتكة طريف بن سليمان، عن أنس، به وطريف بن سليمان: منكر الحديث. انظر: ميزان الاعتدال 2/ 335. (¬6) المدخل إلى السنن الكبرى (325)، وتمام كلامه: ((لا أعرف له إسناداً يثبت بمثله الحديث، والله أعلم))، وقال في " شعب الإيمان ": ((هذا الحديث شبه مشهور وإسناده ضعيف، وقد روي من أوجه كلها ضعيفة)). (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 76. (¬8) وهو حديث: ((من بشرني بخروج آذار بشرته بالجنة)) وهو حديث لا أصل له. انظر: تذكرة الموضوعات: 116، واللآلئ المصنوعة 2/ 78. (¬9) وهو حديث: ((يوم نحركم يوم صومكم)) وهو حديث لا أصل له أيضاً. انظر: كشف الخفاء 2/ 540 (3263).

مَنْ ردَّه)) (¬1). قولُهُ: (جَهَّلَهُ أبو حاتِمٍ) (¬2)، أي: جعله مجهولاً (¬3)، وأبو حاتم هو الرازي. قولُهُ: (أبو حاتِمِ بن حبَّانِ) (¬4) أفادَ شيخُنا: أنّ لابنِ حبانَ طريقةً في التوفيقِ: وهي أنَّ الراوي إذا كان كلٌ منْ شيخهِ والراوي عنه ثقةً، ولم يكنْ حديثهُ منكراً، فهو عندهَ ثقةٌ، وإنْ كان مَجهولَ العينِ. قولُهُ: (وأخرجهُ أبو داودَ في " سُنَنِهِ ") (¬5) قالَ الشيخُ في " النُّكت ": ((أمّا حديثُ الحسينِ بن عليِّ بنِ أبي طالب، فأخرجهُ أبو داودَ (¬6) منْ رواية يعلى ابن أبي يحيى، عنْ فاطمةَ بنتِ الحسينِ، عنْ حسينِ بنِ عليٍّ، قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((للسائلِ حقٌ وإنْ جاءَ على فرسٍ))، ورواه أحمدَ (¬7))) فذكره، ثمّ قال: ((ويعلى هذا، ¬

_ (¬1) أخرجه: العقيلي في " الضعفاء الكبير " 3/ 59 من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، به. وقال: ((ولا يصح في هذا الباب شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم -)). وانظر: التذكرة في الأحاديث المشتهرة: 31 و32، والأسرار المرفوعة: 190 (741)، وكشف الخفاء 2/ 203 (2100). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 76. (¬3) انظر: الجرح والتعديل 9/ 369 (1304). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 76. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 76. (¬6) في " سننه " (1665). (¬7) في " مسنده " 1/ 201. وأخرجه أيضاً: البخاري في " التاريخ الكبير " 8/ 416، وأبو يعلى (6784)، وابن خزيمة (2468)، والطبراني (2893)، وأبو نعيم في " حلية الأولياء " 8/ 379، والبيهقي في " السنن الكبرى " 7/ 23، وابن عبد البر في " التمهيد " 5/ 296 من طرق عن سفيان، عن مصعب بن محمد، عن يعلى بن أبي يحيى، به، ويعلى ضعيفٌ.

ذكره (¬1) ابنُ حبانَ في " الثقاتِ " (¬2)، وجهلّه أبو حاتمٍ (¬3)، وباقي رجاله ثقاتٌ. وأمّا حديثُ عليٍّ: فأخرجهُ أبو داودَ (¬4) أيضاً منْ روايةِ زهيرٍ، عنْ شيخٍ، قالَ: رأيتُ سفيانَ عندهُ، عَنْ فاطمةَ بنتِ حسينٍ، عنْ أبيها، عنْ عليٍّ - رضي الله عنه -، عن النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، مثله. وأمّا حديثُ ابنِ عبّاسِ رضي الله عنهما، فرواهُ [ابن] (¬5) عدي في " الكامل " (¬6) مِنْ روايةِ إبراهيمَ بن يزيدَ، عنْ سليمانَ الأحولِ، عنْ طاووسٍ، عنِ ابنِ عباسٍ رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم -، مثله، أوردَهُ في ترجمةِ إبراهيمَ بنِ عبد السلامِ المكيِّ المخزوميِّ (¬7) رواية عنْ إبراهيمَ بنِ يزيد، سرقه هو ممّن معروفٌ به. قال: ((وإبراهيمُ بنُ عبد السلامِ في جملةِ الضعفاءِ المجهولين)). وأمَّا حديث الهرمّاسِ بنِ زياد (¬8)، فرواه الطبرانيُّ (¬9) مِنْ رواية عثمانَ بنِ فائد، عنْ عكرمةَ بنِ عمار، عنِ الهرمّاسِ بنِ زياد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فذكره، ¬

_ (¬1) في (ف): ((ذكر))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". (¬2) الثقات 7/ 652. (¬3) الجرح والتعديل 9/ 369 (1304). (¬4) في " سننه " (1666). وأخرجه: البيهقي 7/ 23، والقضاعي في " مسند الشهاب " (285) من طريق زهير بن معاوية، به. (¬5) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " التقييد والإيضاح ". (¬6) الكامل في الضعفاء 1/ 420. (¬7) ترجمته في الكامل 1/ 419. (¬8) في (ف): ((زيادة))، والصواب ما أثبته. (¬9) في "المعجم الكبير" 22/ (535)، وقال الهيثمي بعد أن أورده في " مجمع الزوائد " 3/ 101: ((رواه الطبراني في " الصغير " و" الأوسط "، وفيه عثمان بن فائد وهو ضعيف)).

عثمانُ بن فائدَ ضعّفهُ ابنُ معينِ، والبخاريُّ، وابنُ حبانَ، وغيرُهم (¬1). وأمّا الحديثانِ الآخرانِ، فلا أصلَ لهما، قالَ ابنُ الجوزيِّ في " الموضوعات " (¬2): ((ويذكرُ العوامُ أنَّ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: مَنْ بَشْرني بخروجِ آذار بشرتهُ بالجنَّة، قالَ أحمدُ بنُ حَنبل: لا أصلَ لهذا، وروى الطبراني مِنْ روايةَ أبي شيبةَ القاضي، عَنْ آدمَ بن علي / 265 ب / عن (¬3) عبدِ الله بن عمرَ قالَ: قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ما هلك (¬4) قومٌ إلا في آذارَ، ولا تقومُ الساعةُ إلا في آذار (¬5). أبو شيبةَ قاضي واسط اسمهُ إبراهيمُ بنُ عثمانَ - وهو جد أبي بكر بنِ أبي شَيبة - كذَّبهُ شعبةُ، وقالَ ابنُ معينِ: ليسَ بثقةٍ، وبالجملةِ فهو متفقٌ على ضعفه)) (¬6). وروى الإمامُ أبو بكر محمدُ بنُ رمضانَ الزيات في كتابٍ لهُ، فيه أخبارٌ عنْ مالكٍ، والشافعي، وابنِ وهبٍ، وابنِ عبدِ الحكمِ قالَ: قالَ محمدُ بنُ عبدِ اللهِ - هو ابنُ عبدِ الحكمِ - في الحديثِ الذي روي عنِ النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قالَ: ((يومُ صومِكم يومُ نحرِكم)) قالَ: هذا مِنْ حديث الكذَّابين (¬7))) (¬8). قولُهُ: (عَنْ آبائِهِم دِنْيَةً) (¬9) بكسرِ الدالِ وسكونِ النُّون، من الدنو: وهو القربُ، ونصبهُ على الحالِ من الآباء، أي: حالَ كونِ الآباء أدنين، أي: آبائِهم ¬

_ (¬1) انظر: المجروحين لابن حبان 2/ 100، وميزان الاعتدال 3/ 51 (5552). (¬2) انظر: الموضوعات 2/ 74. (¬3) في (ف): ((بن))، والصواب ما أثبته من " التقييد والإيضاح ". (¬4) في (ف): ((هكذا))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". (¬5) ذكره ابن ماكولا في " الإكمال "5/ 22 - 23، وقال: ((والحديث على مذهبهم منكر جداً)). (¬6) انظر: ميزان الاعتدال 1/ 47 (145). (¬7) انظر: كشف الخفاء 2/ 540 (3263). (¬8) التقييد والإيضاح: 263 - 265. (¬9) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 76.

الأقربينَ حقيقةً، وهم الذينَ ولدوهم مِنْ غيرِ واسطةٍ وليسَ المرادُ بالأبوة المجازَ الذي يراد بهِ الولادةُ بواسطةٍ، حتى يطلقَ على الأجدادِ. قال في " القاموس ": ((وهو ابنُ عَمِي، أو ابنُ خالِي، أو عَمَّتي، أو خالَتِي، أو ابنُ أخِي أو أُخْتِي. دِنْيَةً ودِنْياً ودُنْيا ودنياتها)) (¬1) وقال: في مادةِ لحح: ((وهو ابنْ عَمِّي لَحّاً، وابنُ عمٍّ لَحٍّ: لاصِقُ النَّسَبِ، فإِنْ لَم يَكُن لحّاً وكانَ رجُلاً مِنَ العَشيرَةِ. قُلْتَ: ابنُ عَمّي الكَلالَةِ، وابنُ عَمٍّ كَلالَةٌ)) (¬2)، وهذا الذي ذكرَ في الفرقِ بينَ الشهرةِ في المتنِ، والشهرة في السندِ مرجعهُ إلى التفرقةِ بينَ الشهرةِ اللغويةِ والاصطلاحيةِ التي هي شهرةٌ مخصوصةٌ، وإليهِ الإشارةُ فيما يأتي في شرحِ الأبياتِ الآتيةِ من الفرقِ بينَ الشهرةِ عندَ أهلِ الحديثِ، والشهرة عندَ غيرِهم. قولُهُ: (فإِنَّها مَنَاكيرٌ) (¬3) هو موافقٌ لما تقدمَ، عنِ البرديجي: أنَّ المنكرَ: هو الفردُ (¬4)، وكذا قول مالكٍ أنَّه: شرّ العلم (¬5)، والمرادُ (¬6) بكونهِ منكراً وشراً: أنَّ صاحبَه يتهمُ ويفتشُ عليهِ في سماعهِ له وحدهُ، وربّما جُرِحَ بسببهِ، فكان شرّاً عليه قلتُ: وكانَ بعضُ مشايخِنا يوصي أنْ لا يسمعَ أحدٌ شيئاً وحدَه، وينقل أنَّ المشايخَ كانوا يحثونَ ¬

_ (¬1) القاموس المحيط مادة (دنا). (¬2) القاموس المحيط مادة (لحح). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 77، وهو من كلام أحمد بن حنبل. انظر: الكامل في الضعفاء 1/ 111. (¬4) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 169. (¬5) أخرجه عنه الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 295 (1303). (¬6) قبل هذا في (ف): ((والمراد: أنه شر العلم))، ولعل العبارة تكررت سهواً من الناسخ، والله أعلم.

/ 266 أ / على ذلكَ، ولا شكَ أنَّ هذا ملحظُهم، وقولُ عبدِ الرزاقِ (¬1) يكادُ يصرحُ بهِ، لأنَّ معناهُ: كنّا نراهُ خيراً مِنْ حيث إنَّ صاحبهُ ينفردُ بهِ، فيقصدُ لأجلهِ، ويعظمُ شأنه، فإذا هو شرٌ باعتبارِ أنَّه يفتش عنْ حالِ صاحبهِ، ويتوقفُ فيهِ، وربّما اتهمَ. قولُهُ: (غَرائبُ الصَحيحِ) (¬2) أي: الأحاديث لم يتعددْ طرقُها، ولكن رواتها ثقاتٌ. قولُهُ: (وغرائبُ الشيوخِ) (¬3) هو أنْ ينفرد راوٍ عَنْ بعضِ الشيوخِ بحديثٍ، وإنْ كانَ متنهُ مشهوراً في نفسهِ، مِنْ غيرِ تلكَ الطريقِ. قولُهُ: (غريبٌ مَتْناً وإسناداً) (¬4) سيأتي استيفاءُ أقسامهِ لأبي الفتحِ العمري، بالأقسامِ الخمسةِ التي تقدمت الإشارةُ إلى ذكرها عنِ ابنِ طاهرٍ (¬5). قولُهُ: (مِنْ ذلِكَ الوَجهِ) (¬6) تتمةُ كلامِ ابنِ الصلاحِ: ((معَ أنَّ متنهُ غيرُ غريبٍ)). قولُهُ: (عددٌ كَثيرونَ) (¬7) تتمة كلامهِ: ((فإنَّهُ يَصِيرُ غَريباً مَشْهُوراً، غَريباً مَتْناً، وغيرَ غَريبٍ إسناداً، لكنْ بالنَّظَرِ إلى أحدِ طَرَفَي الإسنادِ)) (¬8). ¬

_ (¬1) إشارة إلى قول عبد الرزاق بن همام الصنعاني: ((كنا نرى أن غريب الحديث خير فإذا هو شر)). أخرجه: الخطيب في " الجامع لأخلاق الراوي ": 296 (1305). (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 77، وهذا النوع الأول من الغريب الذي قسمه الحاكم إلى ثلاثة أقسام. انظر: معرفة علوم الحديث: 94 - 95. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 77، وهو القسم الثاني من أنواع الغريب الذي قسمه الحاكم. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 375. (¬5) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 77. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام ابن الصلاح. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام ابن الصلاح. (¬8) معرفة أنواع علم الحديث: 275.

قال شيخنُا: ((وليسَ هذا بصحيحٍ، ولا يخرجُ عن الغرابةِ أبداً، وأحسنُ منْ ذلكَ أنْ نمثلَ بحديثٍ لا سندَ له أصلاً، فإنَّهُ إذا انتفى سندهُ انتفى وصفهُ بالغرابةِ مِنْ بابِ الأولى))، قلتُ: ابنُ الصلاحِ لم يخرجهُ عنِ الغرابةِ، وإنَّما نظر إليهِ نظرين بالنِّسبة إلى موضعينِ، وهذا لا نزاعَ فيهِ، وربّما مثّل له بما رواهُ صحابيٌّ واحدٌ ثمّ اشتهرَ عنْ ذلكَ الصحابيِّ. قولُهُ: (التَّصَانيفُ المشْتَهرَةُ) (¬1) معجمُ الطبرانيِّ الأوسطُ فيهِ كثيرٌ مِنْ ذلكَ. قولُهُ: (وسَنداً لا مَتناً) (¬2) قالَ شيخُنا: ((هذا بالمقلوبِ أشبهُ، فإنّه خطأ لا شكَ فيه)). قولُهُ: (وغريبٌ بعضَ المتنِ فَقطْ) (¬3) سبق في الشاذِ والمنكرِ، وزياداتِ الثقاتِ والأفراد أمثلةٌ لذلكَ، وغيرهُ منَ الغريبِ، قالَ الشيخُ في " النّكت " - بعد أنْ ذكرَ ابن سيِّد النَّاسِ لهذهِ الأقسامِ -: ((ثُمَّ أشارَ إلى أنَّه [أخذ] (¬4) ذلكَ منْ كلامِ محمّد بنِ طاهرٍ المقدسيِّ، فإنَّه قسَّم الغريبَ والأفرادَ إلى خمسةِ أنواعٍ، خامسها: أسانيدُ ومتون ينفردُ بها أهلُ بلدٍ لا توجدُ إلا مِنْ روايتِهم، وسننٌ تفرد بالعمل بها أهلُ مصرَ، لا يعملُ بها في غيرِ مصرِهم، ثمَّ تكلَّم أبو الفتحِ على الأقسامِ التي ذكرَها ابنُ طاهرٍ إلى أنْ قالَ: وأمّا النَّوعُ /266 ب/ الخامسُ فيشملُ الغريبَ كلّه سنداً ومتناً، أو أحدَهما دونَ الآخرِ. قالَ: وقدْ ذكرَ أبو محمد بنُ أبي حاتمٍ (¬5) بسندٍ له: أنَّ رجلاً ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام ابن الصلاح في "معرفة أنواع علم الحديث": 375. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام أبي الفتح اليعمري في "النفح الشذي" 1/ 304 - 305. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78، وهذا من كلام أبي الفتح اليعمري أيضاً. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " التقييد والإيضاح ". (¬5) في "الجرح والتعديل" 1/ 69 - 70.

سأل مالكاً عنْ تخليلِ أصابعِ الرجلينِ في الوضوءِ، فقالَ له مالكٌ: إنْ شئت خلِّلْ، وإنْ شئتَ لا تخلِّل، وكانَ عبدُ الله بنُ وهبٍ حاضراً، فعجبَ مِنْ جوابِ مالكٍ، وذكرَ لمالك في ذلكَ حديثاً بسندٍ مصريٍّ صحيحٍ، وزعمَ أنّهُ معروفٌ عندَهم، فاستفادَ مالكٌ الحديثَ. واستعادَ السائلَ، فأمرهُ بالتخليلِ، هذا أو معناهُ (¬1). انتهى كلامهُ. والحديثُ المذكورُ رواهُ أبو داودَ (¬2) [والتِرمذي] (¬3) منْ رواية ابن لَهِيعَةَ، عَنْ يَزيدَ بنِ عَمْرٍو المُعَافري، عَنْ أبي عَبْدِ الرَّحْمَانِ الحُبَلي، عَن المُسْتَوْرَدِ بنِ شَدَّادٍ، قال الترمذي: حديثٌ [حسن] (¬4) غريبٌ لا نعرفه إلا مِنْ حديثِ ابنِ لهيعةَ (¬5). انتهى. ولم ينفردْ بهِ ابنُ لهيعةَ، بل تابعهُ عليهِ الليثُ بنُ سعدٍ، وعمرو بنُ الحارث، كما رواهُ ابنُ أبي حاتمٍ (¬6)، عنْ أحمدَ بنِ عبد الرحمان ابن وهبٍ، عنْ عمّه عبدِ اللهِ ¬

_ (¬1) النفح الشذي 1/ 312 - 313. (¬2) في " سننه " (148). (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " التقييد والإيضاح ". والحديث في " الجامع الكبير " (40). وأخرجه أيضاً: أحمد 4/ 229، وابن ماجه (446)، والبزار في " البحر الزخار " (3464)، والطحاوي في " شرح المعاني " 1/ 36، والطبراني في " الكبير " 20/ (728)، والبيهقي 1/ 76، والبغوي (214) من طرق عن عبد الله بن لهيعة. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " الجامع الكبير " و" التقييد والإيضاح ". (¬5) الجامع الكبير عقب (40). (¬6) في " الجرح والتعديل " 1/ 69 - 70. وأخرجه: أبو بشر الدولابي كما في " التلخيص الحبير " 1/ 289، والدارقطني في " غرائب مالك " كما في " التلخيص الحبير " 1/ 289، والبيهقي 1/ 76 من طريق ابن وهب، به.

ابن وهب، عنِ الثلاثةِ المذكورينَ، وصححهُ ابنُ القطّان (¬1)؛ لتوثيقهِ لابنِ أخي ابنِ وهبٍ، فقد زالتِ الغرابةُ عنِ الإسنادِ بمتابعةِ الليثِ، وعمرو بن الحارثَ لابنِ لهيعةَ، والمتنُ غريبٌ، والله أعلم. ويحتمل أنْ يريدَ بكونهِ غريبَ المتنِ لا الإسنادِ: أنْ يكونَ ذلكَ الإسنادُ مشهور رجالهُ لعدهِ منَ (¬2) الأحاديثِ بأنْ يكونوا مشهورينَ بروايةِ بعضِهم عنْ بعضٍ، والله أعلمُ)). انتهى كلام " النُّكت " (¬3). قولُهُ: (ولَم يَذكرْ لهُ) (¬4)، أي: ما هو غريبٌ متناً لا سنداً مثالاً؛ وذلك لأنَّه لا يوجدُ، وإنّما ذكره؛ لأنَّ القسمة اقتضتهُ، فرجعَ الأمرُ في ذلكَ إلى ما قالَ ابنُ الصلاحِ، وعلم أنَّ ردَّ الشيخِ عليهِ بهذا دعوى بلا دليلٍ، لكنِ الذي تقدمَ عنِ " النُّكت " آنفاً دليله. قولُهُ: (زيدِ بنِ أَسْلمَ بوجهٍ) (¬5)، أي: إنّما هو محفوظٌ مِنْ روايةِ يحيى بنِ سعيدِ، فانقلبَ. قولُهُ: (أخطأَ فيهِ الثِّقةُ) (¬6)، أي: عبد المجيد ((عنِ الثقة))، أي: مالك. ¬

_ (¬1) في " بيان الوهم والإيهام " 5/ 264. (¬2) الذي في المخطوط عبارة غير واضحة، والذي في التقييد: ((مشهوراً جادة لعده)) ولا يستقيم بها السياق، ولعل الصواب ما أثبته. (¬3) التقييد والإيضاح: 273 - 274. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 78. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 79، وهذا من كلام الخليلي في "الإرشاد" 1/ 167. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 79. والحديث أخرجه أبو نعيم في " حلية الأولياء " 6/ 342، والقضاعي في " مسند الشهاب " (1173) من طريق نوح بن حبيب، عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: ((إنما الأعمال بالنية)). وانظر: علل ابن أبي حاتم 1/ 131، وعلل الدارقطني 2/ 193، ونصب الراية 1/ 302.

قولُهُ في قولهِ: (كَذَلِكَ الْمَشْهُوْرُ) (¬1) جعلَ الشيءَ في شرحهِ الإشارة عائدةً إلى المشهور لما تقدمَ منْ تقسيمهِ، والأحسنُ أنَّها تكونُ للغريبِ، ويكونُ المعنى: أنّه كما إنَّ الغريبَ ينقسمُ إلى ما غرابتهُ مطلقةً، وإلى ما غرابتهُ مِنْ جِهة إسناده / 267 أ /، كذلك المشهور ينقسمُ إلى ذي شهرةٍ مطلقةٍ، بأنْ يكونَ مشهوراً عندَ المحدّثينَ بحسبِ اصطلاحِهم، وعندَ غيرِهم بحسبِ اللغةِ مِنْ جهةِ كثرةِ جريهِ على الألْسُنِ، ودورانهِ بينَ النَّاسِ، وإلى المشهورِ مقصورٌ شهرتهُ على المحدّثينَ أنْ يكونَ مشهوراً عندَهم بحسبِ اصطلاحِهم، ولا يكونُ مستفيضاً عند عامّةِ النَّاسِ. قولُهُ: (والمَقْصُوْرِ) (¬2)، أي: وإلى المقصورِ في معرفةِ شهرتهِ على المحدّثينَ، فكأنَّ قائلاً قال: ما مثاله فبينَهُ بقولهِ: منْ أيِّ الذي هو مشهورُ فنونهِ، ويجوز أنْ يكون مِنْ صلة للقصورِ، وتكونُ فنونهُ بدلاً منه. قولُهُ: (وَمِنْهُ)، أي: المشهور (ذُوْ تَوَاتُرٍ) (¬3) فقدْ جعلَ الشيخُ تبعاً لابنِ الصلاح المشهور أعمّ، والأحسنُ: ما مشى عليهِ شيخُنا - حافظُ العصرِ - في " نخبته " (¬4)، منْ تخصيصِ كلٍّ باسمٍ، لتكونَ الأقسامُ متباينةً، فالمشهورُ: ما زادتْ رواتهُ على اثنينِ، وقصرَ عنِ التواترِ بفقدِ شرطٍ، والمتواترُ: ما حازَ الشروطَ، ولا يسمّى مشهوراً. وقولُهُ: (مُسْتَقراً) (¬5) بيانٌ لبعضِ شروطِ المتواترِ، وهي أنْ يكونَ العددُ مستقراً، أي: متتبعاً في جميعِ طبقاتهِ منْ أولِ سندهِ إلى آخرهِ (¬6). ¬

_ (¬1) التبصرة والتذكرة (752). (¬2) التبصرة والتذكرة (753). (¬3) التبصرة والتذكرة (754). (¬4) انظر: نزهة النظر في شرح نخبة الفكر: 22 - 27. (¬5) التبصرة والتذكرة (754). (¬6) قال ابن حجر في "نزهة النظر": 24: ((فإذا جمع هذه الشروط الأربعة وهي: =

قولُهُ: (لَلْعَشَرَة) (¬1) هي لامُ الابتداءِ التي تلحقُ الخبرَ، فالاسمُ هنا ضميرُ الشأنِ، لكن هذه اللام تقتضي كسرَ إنَّ، وبالجر تقتضي فتحَها، فلو قالَ: بأنَّه ممّن رواه العشرةُ، أو قالَ: وانتسبَ إلى روايةِ الصحابِ العشرةِ كانَ أحسنَ، ويجوزُ أن تكونَ العشرةُ هي الاسمُ، ويكونُ منْ رواتهِ الجر، فيدخل لامُ الابتداءِ حينئذٍ على الاسمِ، نحو قولهِ تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (¬2)، {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} (¬3) لكنْ يأْتي فيهِ ما تقدّم مِنْ أنَّه يتعاكسُ مقتضى الباءِ واللام في كسرِ إنَّ وفتحِها. قولُهُ: (وَخُصَّ بِالأَمْرَيْنِ) (¬4)، أي: كونه رواهُ هذا العدد، وكون العشرةِ - رضي الله عنهم - مِنْهم. قولُهُ: (قُلْتُ: بَلَى) (¬5) عبارتُهُ ترشدُ إلى محذوفٍ تقديره: وخُصَّ هذا الحديثُ بالأمرينِ، وهما: كونُ رواتِهِ زادَ على ستينَ، وكونُ العشرةِ منهم، فلم يحصلْ هذان الأمران لحديثٍ غيرهِ. قلت: بلى، قد حصلا لحديثٍ غيرِهِ، وهو حديثُ مسحِ الخفينِ، فرواه فوق ¬

_ = 1 - عدد كثير أحالت العادة تواطؤهم وتوافقهم على الكذب. 2 - رووا ذلك عن مثلهم من الابتداء إلى الانتهاء. 3 - وكان مستند انتهائهم الحس. 4 - وانضاف إلى ذلك أن يصحب خبرهم إفادة العلم لسامعه. فهذا هو المتواتر)). (¬1) التبصرة والتذكرة (756). (¬2) آل عمران: 13. (¬3) القلم: 3. (¬4) التبصرة والتذكرة (756). (¬5) التبصرة والتذكرة (757).

ستين، منهم العشرةُ (¬1). قولُهُ: (عَشْرَتِهِم) (¬2) لو قالَ بدله: رفع اليد العشر وعدا نسبا. كان أحسن، وجاز التذكير / 267 ب / في العشر لحذف المميز. قولُهُ في شرحِهِ: (كَحديثِ: المسلمُ) (¬3) رواهُ الشيخانِ (¬4) عنْ عبدِ اللهِ ابنِ عمرو، ورواه أحمد بنُ منيعٍ، عنْ جابرٍ (¬5). ¬

_ (¬1) نقل عن الحسن البصري أنه قال: ((حدثني سبعون من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسح على الخفين))، وذكر ابن عبد البر أنه من المتواتر، فقال: ((روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسح على الخفين نحو أربعين من الصحابة واستفاض وتواتر)). انظر: التمهيد لابن عبد البر 11/ 137، والمجموع شرح المهذب 1/ 267، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 82 - 83. (¬2) التبصرة والتذكرة (758). (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 80. (¬4) البخاري في " صحيحه " 1/ 9 (10) و8/ 127 (6484) من طريق عامر بن شراحيل الشعبي، ومسلم في " صحيحه " 1/ 47 (40) (64) من طريق يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير كلاهما (الشعبي وأبو الخير) عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به. وأخرجه أيضاً: أحمد 2/ 163 و187 و192 و193 و194 و195 و202 و205 و206 و209 و212 و215 و224، والدارمي (2719)، وأبو داود (2481)، والنسائي 8/ 105 وفي " الكبرى "، له (8701) من طرق عن عبد الله بن عمرو بن العاص، به. (¬5) حديث جابر في " صحيح مسلم " 1/ 48 (41) (65). وأخرجه أيضاً: ابن ماجه (1421) من طريق ابن جريج، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله، به. وأخرجه: أحمد 3/ 391، وعبد بن حميد (1060) من طريق ابن أبي ليلى، عن أبي الزبير، عن جابر، به مطولاً. وأخرجه: أحمد 3/ 372، والدارمي (2715) من طريق الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، به.

قالَ شيخُنا في تخريجِ أحاديثِ الفردوسِ: وفي البابِ: عنْ أبي موسى (¬1)، ومعاذٍ (¬2)، وعمرو بنِ عبسةَ (¬3)، وأبي هريرة (¬4)، وأنسٍ (¬5)، والنّعمانِ بنِ بشيرٍ، وفضالةَ بنِ عبيدٍ (¬6)، وبلالٍ (¬7)، - رضي الله عنهم -. ¬

_ (¬1) أخرجه: البخاري 1/ 10 (11)، ومسلم 1/ 48 (42) (66)، والترمذي (2504) و (2628)، والنسائي 8/ 106 - 107 من حديث أبي موسى. (¬2) أخرجه: أحمد 3/ 440، والطبراني في " المعجم الكبير " 20 / (444) من طريق زبان، عن سهل بن معاذ بن أنس، عن أبيه، به وإسناده ضعيف؛ لضعف زبان بن فائد. (¬3) أخرجه: معمر في " جامعه " (20107)، وأحمد 4/ 114، وعبد بن حميد (301) من طريق معمر، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن عمرو بن عبسة، به. وأخرجه: أحمد 4/ 385، وعبد بن حميد (300) من طريق حجاج بن دينار عن محمد بن ذكوان، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن عبسة، به. (¬4) أخرجه: أحمد 2/ 379، والترمذي (2627)، والنسائي 8/ 104 - 105، وابن حبان (180)، والحاكم 1/ 10، قال الترمذي: ((حسن صحيح)). (¬5) أخرجه: أحمد 3/ 154، وابن أبي الدنيا في " الصمت وأدب اللسان " (28)، والبزار كما في " كشف الأستار " (21)، وأبو يعلى (4187)، وابن حبان (510)، والحاكم 1/ 11، والقضاعي في " مسند الشهاب " (874) من طرق عن حماد بن سلمة، عن علي ابن زيد، ويونس بن عبيد، وحميد (مقرونين)، عن أنس بن مالك، به. في رواية الحاكم لم يذكر: ((علي بن زيد)). وأخرجه: أبو يعلى (3909) من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، به. (¬6) أخرجه: ابن المبارك في " الزهد " (826)، وأحمد 6/ 21 و22، والبزار في " البحر الزخار " (3752)، ويعقوب بن سفيان في " المعرفة والتاريخ " 1/ 341، وابن حبان (4862)، والطبراني في " الكبير " 18/ (796)، وابن منده في " الإيمان " (315)، والحاكم 1/ 10، والبيهقي في " شعب الإيمان " (11133)، والبغوي في " شرح السنة " (14) من طريق أبي هانئ، عن عمرو بن مالك الجنبي، عن فضالة بن عبيد. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 1/ 56: ((إسناده حسن إن شاء الله)). (¬7) أخرجه: الطبراني كما في " مجمع الزوائد " 1/ 256، والحاكم 3/ 517. قال الهيثمي: ((رجاله موثوقون)).

قولُهُ: (كَحديثِ أنسٍ) (¬1) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((كالذي رُوِّيْناهُ عَنْ مُحمّدِ بنِ عبدِ اللهِ الأنصاريِّ، عَنْ سليمانَ .. )) فذكره، ثمَّ قال: ((ولهُ رواةٌ عَنْ أَنَسٍ غَيرُ أَبي مجْلَز، ورواةٌ عَنْ أَبي مِجْلَزٍ غيرُ التَّيْمِيِّ، ورواةٌ عَنِ التَّيمِيِّ غيرُ الأَنصاريِّ، ولا يَعلمُ ذَلِكَ إلا أهلُ الصَّنْعَةِ، وأمَّا غيرُهُمْ: فَقَدْ يَستغربونَهُ ... )) (¬2) إلى آخرِ ما في الشرحِ بنحوِهِ. قولُهُ: (وأهلُ الحَديثِ لا يَذْكرُونَهُ) (¬3) ساقَ المصنِّفُ في " النُّكت " عبارةَ ابنِ الصَّلاحِ، ونكتَ عليهِ، وأجابَ عنهُ، فقال: ((قَولُه: ومِنَ المشْهُورِ المتواتر الذي يَذْكُرُهُ أَهلُ الفقهِ وأُصُولِهِ، وأَهلُ الحَديثِ لا يَذْكرُونَهُ باسْمِهِ الخاصِّ المُشْعِرِ بِمَعْناهُ الخاصِّ، وإنْ كانَ الحافِظُ الخطيبُ قدْ ذَكَرَهُ (¬4)، ففي كَلامِهِ ما يُشْعِرُ بأنَّهُ اتَّبَعَ فيهِ غيرَ أهلِ الحديثِ، ولَعَلَّ ذَلِكَ؛ لِكَوْنِه لا تَشْمَلُهُ صناعَتُهُم، ولا يكادُ يوجَدُ في رواياتِهِم، فإنَّهُ عبارةٌ عَن الخَبرِ الذي نَقله مَنْ يَحْصُلُ العِلْمُ بصِدْقِهِ ضَرُورةً، ولا بُدَّ في إسنادِهِ مِن اسْتِمرارِ هذا الشَّرْطِ في رُواتهِ، مِنْ أوَّلِهِ إلى مُنْتَهاهُ (¬5). انتهى. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 80. وأخرجه: أبو يعلى (3909) من طريق عبد العزيز بن صهيب، عن أنس، به. (¬2) معرفة أنواع علم الحديث: 371 - 372. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 81، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 372. (¬4) في " الكفاية ": 16. إذ قال: ((فأما خبر التواتر: فهو ما يخبر به القوم الذين يبلغ عددهم حداً يعلم عند مشاهدتهم بمستقر العادة: أن اتفاق الكذب منهم محال، وأن التواطؤ منهم في مقدار الوقت الذي انتشر الخبر عنهم فيه متعذر، وأنَّ ما أخبروا عنه لا يجوز دخول اللبس والشبهة في مثله، وأنَّ أسباب القهر والغلبة والأمور الداعية إلى الكذب منتفية عنهم، فمتى تواتر الخبر عن قوم هذه سبيلهم قطع على صدقهم، وأوجب وقوع العلم ضرورة)). (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 372.

وقد اعترض عليه بأنَّهُ قَد ذَكَره أبو عبد الله الحاكم، وأبو مُحمّدِ بن حزم (¬1)، وأبو عمر بنُ عبد البَرّ، وغيرُهم منْ أهلِ الحديثِ، والجوابُ عنِ المُصنفِ: أنَّهُ إِنّما نفى عَنْ أَهلِ الحديثِ ذَكره باسمهِ الخاصِّ المُشعِر بِمعناه الخاصِّ، وهؤلاءِ المذكورونَ لم يَقع في كَلامِهم التعبيرُ عنهُ بِما فسَّره بهِ الأُصوليونَ، وإنَّما يقعُ في كَلامِهم أنَّهُ تواترَ عنهُ - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، أو أنَّ الحديثَ الفلانيَّ متواترٌ، وكقول ابنِ عبد البَرِّ في حديثِ المسحِ على الخفينِ: أنَّه ((استفاضَ وتواترَ)) (¬2)، وقَد يريدونَ بالتواترِ: الاشتهارَ لا المعنى الذي فسَّرهُ بهِ الأُصوليونَ، واللهُ أَعلم)) (¬3) ومعنى ((لا تشملهُ صناعتُهم)): أَنَّ البحثَ فيها عمّا يُقبل ويُرد مِنْ جهةِ راويه، والمتواترُ مقطوعٌ بقبولِهِ غير مبحوث عنْ رواتِهِ مِنْ جهةِ روايتهِم (¬4) / 268 أ / فسق، ولا غيره إذا أمنَ تواطؤهم منهم، ولا كفره. قولُهُ: (غيرَ أَهلِ الحَديثِ) (¬5) أفادَ شيخُنا أنَّه نقله عَنْ أبي بَكر الباقلاني، وغيرِهِ من التنكيت عليها، وعبارةُ ابنِ الصَّلاحِ ساقَها الشيخُ في " النُّكتِ " (¬6)، وذكر ما يحتاجُ إليهِ. قولُهُ: (ذَكَرهُ الحَاكمُ) (¬7) لم يبينْ أنَّهم ذكروهُ على طريق المحدّثينِ أو الأُصوليين، وقد تبينَ لكَ مِنْ كلامِ " النُّكت " المرادُ، وابنُ حزمٍ بعدِّهِ في الأُصوليينَ ¬

_ (¬1) إذ قال في " الإحكام " 1/ 104: ((خبر تواتر: وهو ما نقله كافة، عن كافة حتى يبلغ به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -)). (¬2) انظر: التمهيد 11/ 137. (¬3) التقييد والإيضاح: 265 - 266. (¬4) في (ف): ((رواتهم))، والمثبت أصوب، والله أعلم. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 81، وهو من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 372. (¬6) التقييد والإيضاح: 266. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 81.

أولى منْ عدِّهِ في المحدّثينَ، فذكرهُ معَ الحاكمِ، وابن عبد البَرّ جيّد. قولُهُ: (أعياهُ تَطَلُّبُهُ) (¬1) قالَ شيخُنا: قولُهُ هذا بناءً على إيجابهِ اعتبار الإسنادِ منّا إلى النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وسدُهُ بابَ التصحيحِ في هذا الزمانِ كذلكَ؛ لأجلِ طولِ الأسانيد، وتعذّر الاطلاعِ على التراجم حقّ الاطلاعِ (¬2)، وهذا غيرُ مسلّمٍ في الكتبِ المشهورةِ النسبةِ إلى مصنفيها المشهورينَ، فإنَّ شهرتَها أغنتْ عن اعتبارِ السندِ منَّا إليهم، ومَتى نظرنا إلى الأحاديثِ باعتبارِ أسانيدِهم فقط، ولم نلتفتْ إلى خصوصِ الإسنادِ الموصلِ لنا إلى ذلكَ الكتابِ، وحدُّ المتواترِ فيها بكثرةٍ، فقال (¬3): ((قَوله: ومَنْ سُئِلَ عَنْ إِبْرَازِ مِثالٍ لِذَلِكَ فيما يُرْوى مِنَ الحديثِ أعياهُ تَطَلُّبُهُ، وحديث ((إنَّمَا الأَعْمالُ بالنِّيَّاتِ)) ليسَ مِنْ ذَلِكَ بِسبيلٍ، وإنْ نَقَلَهُ عَدَدُ التَّواتُرِ وزِيادةٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ طَرَأَ عليهِ في وَسَطِ إسنادِهِ، ولَمْ يُوجَدْ في أوائِلِهِ عَلَى ما سَبَقَ ذِكْرُهُ، نَعَم حديثُ)) ثمّ ذكرَ بقيةَ كلامِهِ كما في الشرحِ سواء، إلى أنْ قالَ: ((وفيه أُمورٌ: الأول: أَنَّه قد اعترضَ عليه بأنّ حديثَ الأعمالِ ذكر ابن منده أَنَّ جماعة من الصحابة يرووه، فبلغوا العشرين، قلت: لم يبلغ بهم ابن منده هذا العددَ، وإنّما بلغَ بهم ثمانيةً عشرَ فقط، فذكرَ مجردَ أسمائهم مِنْ غيرِ روايةٍ لشيءٍ منها، ولا عزو لمن رواهُ، وليسَ هو أبا عبدِ اللهِ محمّد بن إسحاقَ بن منده، وإنّما هو [ابنُهُ] (¬4) أبو القاسم عبدُ الرحمان (¬5) ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 81، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 373. (¬2) وقد تقدم لي أكثر من مرة أنَّ ابن الصلاح لم يرد غلق باب التصحيح والتضعيف إنما أراد صعوبة الأمر والتشديد والتعسير في قضية الحكم على الأحاديث تصحيحاً وتضعيفاً، لما يترتب على ذلك من تبعات أمام الله عزوجل. (¬3) أي: العراقي، وكلامه في " التقييد والإيضاح": 266. (¬4) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " التقييد والإيضاح ". (¬5) وهو الشيخ الإمام المحدّث الكبير عبد الرحمان بن الحافظ الكبير محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده العبدي، أبو القاسم الأصبهاني، كان صاحب خلق وفتوة وسخاء وبهاء، توفي سنة (470 هـ‍). انظر: الكامل في التاريخ 10/ 108، وسير أعلام النبلاء 18/ 349.

ذكرَ ذلك في كتابٍ لهُ سمّاه " المستخرج من كتب النَّاس للتذكرة "، فقالَ: وممّنْ رواهُ عنْ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - غيرُ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عليُّ بنُ أبي طالب، وسعدُ بنُ أبي وقاص، وأبو سعيدٍ / 268 ب / الخدريُّ، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وعبدُ الله بنُ عمر، وعبد اللهِ بنُ عباس، وأنسُ بنُ مالك، وأبو هريرةَ، ومُعاوية بنُ أبي سفيانَ، وعتبةُ بنُ عبدٍ السُّلميُّ، وهلالُ بنُ سويدٍ، وعبادةُ بنُ الصامتِ، وجابرُ بنُ عبدِ اللهِ، وعقْبةُ بنُ عامر، وأبو ذرٍّ الغفاريُّ، وعتبةُ بنُ بَنْدر، وعتبةُ بنُ مسلمٍ - رضي الله عنهم -، هكذا عدّ سبعةَ عشرَ غيرَ عمرَ - رضي الله عنه -. قلت: وفي المذكورينَ اثنانِ ليستْ لهما صُحبةٌ، وهما هلالُ بنُ سويدٍ وعتبةُ ابنُ مسلم، وقَد ذكرهما ابنُ حبانَ في ثقاتِ التابعين (¬1)، فَتبقى منهم خمسةَ عشرَ غيرُ عمرَ - رضي الله عنه - وبلغني أنَّ الحافظَ أبا الحجاجِ المزيَّ سُئلَ عن كلام ابنْ منده هكذا، فأنكرهُ، واستبعدهُ، وقد تتبعتُ أحاديثَ المذكورينَ، فوجدت أكثرها في مطلقِ النِّيةِ لا بلفظ: ((إنَّما الأعمال))، وفيها ما هو بهذا اللفظ، وقد رأيتُ عزوها لمن خرَّجها لتستفادَ، فحديثُ عليِّ بنِ أبي طالبِ - رضي الله عنه - رواه ابنُ الأشعثِ في " سننه "، والحافظ أبو بكر بن ياسر الجياني في " الأربعين العلوية " من طريقِ أهلِ البيتِ بلفظِ: ((الأعمالُ بالنيةِ)) وفي إسنادهِ من لا يُعرف. وحديثُ سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - كأنَّه أرادَ بهِ قوله - صلى الله عليه وسلم - لسعدٍ: ((إنَّك لن تنفقَ نفقةً تبتغي بها وجهَ اللهِ، إلا أجرتَ فيها ... )) الحديثَ رواهُ الأئمةُ الستةُ (¬2). ¬

_ (¬1) الثقات لابن حبان 5/ 250 و505. (¬2) الحديث في "صحيح البخاري" 1/ 22 (56) و2/ 103 (1295) و4/ 3 (2742) و5/ 87 (3936) و5/ 225 (4409) و7/ 80 (5354) و7/ 155 (5668) و8/ 99 (6373) و8/ 187 (6733)، و" صحيح مسلم " 5/ 71 (1628) (5) و5/ 72 (1628) (8) و (9)، و"سنن أبي داود" (2864)، و" سنن ابن ماجه " (2708)، و"الجامع الكبير" الترمذي (2116)، و"سنن النسائي" 6/ 241 و242 و243.

وحديثُ أبي سعيدِ الخدريِّ - رضي الله عنه -، رواهُ الدارقطنيُّ في " غرائبِ حديثِ مالك "، والخطابيُّ في معالمِ السننِ بلفظِ حديثِ عمرَ - رضي الله عنه - (¬1). وحديثُ ابنِ مسعودٍ - رضي الله عنه -، رواهُ الطبرانيُّ في " المعجم الكبيرِ " (¬2) في قصةِ مهاجرِ أمِّ قيسٍ، وهو حديثٌ غريبٌ، ورجالُهُ ثقاتٌ (¬3). ولأحمدَ في " مسنده " (¬4) منْ حديثِهِ: ((إنَّ أكثرَ شهداءِ أمتي لأصحابُ الفرشِ، وربَّ قتيلٍ بينَ الصفينِ، والله أعلم بنيتِهِ)). وحديثُ ابنِ عباسٍ - رضي الله عنه - اتفقَ عليهِ الشيخَان (¬5) بلفظِ: ((لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكنْ جهادٌ ونيةٌ)). وحديثُ أنسِ بنِ مالك رواهُ البيهقيُّ في سننهِ (¬6) ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن عساكر في " تاريخ دمشق " 65/ 179. (¬2) المعجم الكبير (8540) من طريق الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله، به. (¬3) قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 2/ 101: ((رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح)). (¬4) مسند الإمام أحمد 1/ 397 من طريق ابن لهيعة، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن إبراهيم بن عبيد: أنَّ أبا محمد أخبره وكان من أصحاب ابن مسعود حدَّثه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، به. وذكره الهيثمي في " مجمع الزوائد " 5/ 302 وقال: ((رواه أحمد هكذا، ولم أره ذكر ابن مسعود، وفيه ابن لهيعة، وحديثه حسن وفيه ضعف، والظاهر أنه مرسل ورجاله ثقات)). (¬5) الحديث في "صحيح البخاري" 2/ 180 (1587) و3/ 18 (1834) و4/ 17 (2783) و4/ 28 (2825) و4/ 92 (3077) و4/ 127 (3189)، و" صحيح مسلم " 4/ 109 (1353) (445) و6/ 28 (1353) (85). وأخرجه: أبو داود (2018) و (2480)، والترمذي (1590)، والنسائي 5/ 203 و7/ 146. (¬6) سنن البيهقي الكبرى 1/ 41 من طريق عبد الله بن المثنى الأنصاري، قال: حدثني بعض أهل بيتي، عن أنس بن مالك، به.

/ 269 أ / بلفظِ: ((لا عملَ لمنْ لا نيةَ لهُ))، وفي إسنادهِ منْ لم يسمَّ، وقد رواهُ ابنُ عساكرَ في جزءٍ من أماليهِ، بلفظِ حديثِ عمرَ منْ روايةِ يحيى بنِ سعيدٍ، عنْ محمدِ بنِ إبراهيمَ، عن أنس - رضي الله عنه -، وقالَ: غريبٌ جداً، والمحفوظُ حديثُ عمر - رضي الله عنه -، وروينا في " مسندِ الشهابِ " للقضاعي، منْ حديثِ أنسٍ - رضي الله عنه -: ((نيةُ المؤمنِ خيرٌ من عملهِ)) (¬1) وحديثُ أبي هريرةَ - رضي الله عنه -: ((إنَّما يبعثُ الناسُ على نياتِهم)) (¬2). وحديثُ معاويةَ - رضي الله عنه - رواه ابن ماجه (¬3) بلفظ: ((إنَّما الأعمالُ كالوعاءِ إذا طابَ أسفلُهُ طابَ أعلاه)). وحديثُ عبادةَ بنِ الصامت - رضي الله عنه - رواهُ النَّسائيُّ (¬4) بلفظِ: ((منَ غزا في سبيلِ اللهِ وهوَ لا ينوي إلا عقالاً، فلهُ ما نَوى)). وحديثُ جابرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي اللهُ عنهما رواهُ ابنُ ماجه (¬5) بلفظِ: ((يحشرُ الناسُ على نياتِهم)). وحديثُ عقبةَ بنِ عامرٍ - رضي الله عنه - رواهُ أصحابُ السُّننِ (¬6) بلفظِ: ((إنَّ اللهَ يُدخلُ بالسهمِ الواحدِ ثلاثةً الجنةَ)) فذكَرهُ، وفيه: ((وصانعهُ يحتسبُ في صنعتهِ الأجرَ)). وحديثُ أبي ذرٍ - رضي الله عنه - رواهُ النَّسائيُّ (¬7) بلفظِ: ((من أتى فراشَهُ وهو ينوي أنْ يقوم يُصلي منَ الليلِ فغلبتهُ عينهُ حتى يصبحَ كتبَ لهُ ما نوى)). ¬

_ (¬1) مسند الشهاب للقضاعي (147). (¬2) مسند الشهاب للقضاعي (578). (¬3) في سننه (4199). (¬4) في " المجتبى " 6/ 24. (¬5) في " سننه " (4230). (¬6) الحديث في " سنن أبي داود " (2513)، و" سنن ابن ماجه " (2811)، و" الجامع الكبير " للترمذي (1637)، و" المجتبى " للنسائي 6/ 28 و222. (¬7) في " المجتبى " 3/ 258 موقوفاً.

قلتُ: وفي البابِ أيضاً مما لم يذكرهُ ابنُ منده، عَنْ أبي الدرداءِ، وسهلِ بنِ سعدٍ، والنَّواس بنِ سَمعانَ، وأبي موسى الأشعريِّ، وصهيبِ بنِ سنانِ، وأبي أمامةَ الباهلي، وزيدِ بنِ ثابت، ورافعِ بنِ خديج، وصفوانَ بنِ أمية، وغزيةَ بنِ الحارثِ، أو الحارثِ بنِ غزيةَ، وعائشةَ، وأم سلمةَ، وأم حبيبةَ، وصفيةَ بنتِ حُيي - رضي الله عنهم أجمعين - فحديثُ أبي الدرداءِ - رضي الله عنه - رواهُ النَّسائيُّ (¬1)، وابن ماجه (¬2) بلفظِ حديث أبي ذر المتقدم ذكره. وحديثُ سهلِ بنِ سعد رواهُ الطبرانيُّ في " المعجمِ الكبيرِ " بلفظِ (¬3): ((نيةُ المؤمنِ خيرٌ منْ عملهِ، وعملُ المنافقِ خيرٌ من نيتهِ، وكلٌّ يعملُ على نيتهِ)). وحديثُ النَّواسِ بنِ سَمعانَ - رضي الله عنه - رواهُ الطبرانيُّ أيضاً بلفظِ: ((نيةُ المؤمنِ خيرٌ منْ عملهِ)) (¬4). وحديثُ أبي موسى - رضي الله عنه - رواه أبو مَنْصور / 269 ب / الديلمي في " مسندِ الفردوسِ " (¬5) بهذا اللفظ. وحديثُ صهيب - رضي الله عنه - رواهُ الطبرانيُّ في " الكبير " (¬6) بلفظِ: ((أيّما رجلٍ تزوجَ امرأةً [فنوى أن لا يعطيها من صداقها شيئاً مات يوم يموت وهو زانٍ، وأيما رجل اشترى من رجلٍ بيعاً] (¬7) فنوى أنْ لا يعطيه من ثمنهِ شيئاً ماتَ يومَ يموتُ، ¬

_ (¬1) في " المجتبى " 3/ 258. (¬2) في " سننه " (1344). (¬3) المعجم الكبير (5942). (¬4) أخرجه: القضاعي في "مسند الشهاب" (148)، ولم أقف عليه في "معجم الطبراني الكبير". (¬5) الفردوس بمأثور الخطاب (6843). (¬6) المعجم الكبير (7302) من طريق عمرو بن دينار وكيل الزبير بن شعيب، عن ابني صهيب، عن صهيب، به. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 4/ 131: ((رواه الطبراني في " الكبير "، وعمرو بن دينار هذا متروك)). (¬7) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " المعجم الكبير " و" التقييد والإيضاح ". .

وهو خائنٌ)). وحديثُ أبي أمامةَ - رضي الله عنه - رواهُ الطبرانيُّ في "الكبير " (¬1) بلفظِ: ((من أدانَ ديناً وهو ينوي أنْ يؤديه، أداهُ اللهُ عنهُ يومَ القيامةِ، ومنْ أدانَ ديناً وهو ينوي أنْ لا يؤديه ... )) الحديثَ. وحديثُ زيدِ بن ثابت، ورافعِ بنِ خديجٍ - رضي الله عنهما - رواه أحمدُ في " مسندهِ " (¬2) في قصةٍ لحديثِ أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - بحديثِ: ((لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، ولكنْ جهادٌ ونيةٌ)) وقولُ مروانَ لهُ: كذبتَ، وعندهُ زيدُ بنُ ثابت، ورافعُ ابنُ خديجٍ معهُ على السريرِ وأنَّ أبا سعيدٍ، قالَ: لو شاءَ هذانِ لحدثاكَ، فقالا: صدق. وحديثُ غزيةَ بن الحارثِ رواه الطبرانيُّ في " الكبير " (¬3) بلفظِ: ((لا هجرةَ بعدَ الفتحِ، إنَّما هي ثلاثٌ: الجهادُ والنيةُ والحشرُ)). وحديثُ عائشةَ - رضي الله عنها - رواهُ مسلمٌ (¬4) في قصةِ الجيشِ الذي يخسفُ بهم، وفيه: ((يبعثهم اللهُ على نياتِهم)). وحديثُ أم سلمةَ - رضي الله عنها -، رواهُ مسلمٌ (¬5)، وأبو داودَ (¬6) بلفظِ: ((يبعثونَ على نياتِهم)). ¬

_ (¬1) المعجم الكبير (7949) من طريق جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أمامة، به. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 4/ 132: ((رواه الطبراني في " الكبير " وفيه جعفر بن الزبير، وهو كذاب)). (¬2) مسند أحمد 3/ 22 و5/ 178. (¬3) المعجم الكبير (3390) و18/ (656). وانظر: مجمع الزوائد 5/ 250. (¬4) صحيح مسلم 8/ 168 (2884) (8). وأخرجه أيضاً: أحمد 6/ 105. (¬5) صحيح مسلم 8/ 166 - 167 (2882) (4) و (5). (¬6) في سننه (4289).

وحديثُ أم حبيبةَ - رضي الله عنها - رواهُ الطبرانيُّ في " المعجمِ الأوسطِ " (¬1) بلفظِ: ((ثمَّ يبعثُ كل امرئ على نيتِهِ)). وحديثُ صفيةَ - رضي الله عنها - رواهُ ابنُ ماجه (¬2) بلفظِ: ((يبعثُهم اللهُ على ما في أنفسِهم)). الأمر الثاني: إنَّ ما حكاهُ المصنفُ (¬3) عنْ بعضِ الحفاظِ)) (¬4) فذكرهُ بنحو ما في الشَّرحِ (¬5)، وكذا الثالثُ: في أنَّهُ لا يعرفُ حديثٌ اجتمعَ عليهِ العشرةُ غيرُهُ، وكذا الرابع: في أنَّه لا يُعرفُ حديث روي عنْ أكثر من ستينَ نفساً منَ الصحابةِ غيره، ذكرَ في ذلكَ كله نحو ما في الشَّرح، إلا أنَّ الإسفراييني (¬6) الذي ذكرهُ في الشرح، ذكره في " النكت " في موضعينِ نسبَهُ فيها نيسابورياً ولم ينسبهُ إلى أسفراين، وسمى جدَهُ في أحدهما: عبدَ الواحد، فصارَ يظنُ ثلاثةً، وليسَ كذلكَ، فإنَّ أسفرايينَ بلدةٌ ¬

_ (¬1) المعجم الأوسط (4030) من طريق سلمة بن الفضل، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبي الجراح مولى أم حبيبة، عن أم حبيبة، به. قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " 7/ 315: ((رواه الطبراني في " الأوسط " وفيه سلمة بن الفضل الأبرش وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة)). وانظر: ميزان الاعتدال 2/ 192 (3410). (¬2) في " سننه " (4064). وأخرجه: الترمذي (2184)، وأبو يعلى (7069) من طريق سفيان بن عيينة، عن سلمة بن كهيل، عن أبي إدريس المرهبي، عن مسلم بن صفوان، عن صفية، به. قال الترمذي: ((حديث حسن صحيح)) كذا قال، ولعله بالنسبة إلى شواهده؛ إذ إن إسناده هذا ضعيف؛ لجهالة مسلم بن صفوان. انظر: التقريب (6633). (¬3) في (ف) رسمت: ((المص))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". (¬4) التقييد والإيضاح: 267 - 269. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 82، وانظر: الموضوعات لابن الجوزي 1/ 56. (¬6) وهو الإمام الحافظ المجود، أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الإسفراييني الحديثي الرحال، توفي سنة (406 هـ‍). انظر: تذكرة الحفاظ 3/ 1064، وسير أعلام النبلاء 17/ 245.

منَ عملِ نيسابورَ (¬1)، وربما قيل: لنيسابورَ نيساور، وهي من إقليم خراسانَ (¬2)، وأما عبدُ الواحد / 270 أ / فلعله تحريفٌ من عبد الوهابِ، أو أن أحدهما جدٌّ أعلى، والله أعلم. ثم قال الشيخُ في " النكت ": ((الأمر الخامسُ: إنَّ في الكلام على حديث ((من كذبَ عليَّ)) ما ذكره المصنف (¬3) عن بعض أهلِ الحديثِ، أنه بلغَ بهِ أكثرَ من هذا العددِ، أي: أكثر من اثنينِ وستينَ نفساً، قد جمع طرقَهُ أبو القاسم الطبرانيُّ (¬4)، ومن المتأخرينَ: الحافظُ أبو الحجاجِ يوسفُ بنُ خليل في جزأينِ، فزادَ فيه على هذا العددِ، وقد رأيتُ عدَّة من روى من حديثهِ من الصحابةِ هكذا، وهم يزيدونَ على السبعين، مرتبين على الحروفِ، وهم: أسامةُ بنُ زيدٍ، وأنس بن مالكٍ، وأوسُ ابن أوس، والبراءُ بن عازبٍ، وبريدةُ بنُ الحصيبِ، وجابرُ بنُ حابسٍ (¬5)، وجابرُ ابنُ عبدِ اللهِ، وحذيفةُ بنُ أسيدٍ، وحذيفةُ بنُ اليمانِ، وخالدُ بنُ عرفطةَ، ورافعُ بنُ خديجٍ، والزبيرُ بنُ العوام، وزيدُ بنُ أرقمَ، وزيدُ بنُ ثابتٍ، والسائبُ بنُ يزيد، وسعدُ بنُ المِدْحَاس، وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ، وسعيدُ بنُ زيد، وسفينةُ، وسلمانُ بنُ خالدٍ الخزاعيِّ، وسلمانُ الفارسيُّ، وسلمةُ بنُ الأكوعِ، وصهيبُ بنُ سيار، وطلحةُ بنُ عبيدِ اللهِ، وعبدُ اللهِ بنُ أبي أوفى، وعبدُ اللهِ بنُ الزبير، وعبدُ اللهِ بنُ زغب، وقيل: إنَّهُ لا صحبةَ لهُ (¬6)، وعبدُ اللهِ بنُ عباس، ¬

_ (¬1) انظر: معجم البلدان 1/ 145. (¬2) انظر: معجم البلدان 8/ 423. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 373. (¬4) في جزء مطبوع. (¬5) أخرج حديثه الطبراني في جزء " من كذب علي متعمداً " (174)، ومن طريقه أبو نعيم في " معرفة الصحابة " (1546)، قال ابن حجر: ((إسناده مجهول)). انظر: الاستيعاب (305)، والإصابة 1/ 316 (1007). (¬6) انظر: معرفة الصحابة 3/ 156، والإصابة 3/ 202 (4681).

وعبدُ اللهِ بنُ عمرَ، وعبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ، وعبدُ الرحمانِ بنُ عوفٍ، وعتبةُ بنُ غزوانَ، وعثمانُ بنُ عفانَ، والعرسُ بن [عميرة] (¬1)، وعفانُ بنُ حبيبٍ (¬2)، وعقبةُ بنُ عامر، وعليُّ بنُ أبي طالب، وعمارُ بنُ ياسر، وعمرُ بنُ الخطابِ، وعمرانُ بنُ حصينَ، وعمرو بنُ حريثٍ، وعمرو بن عَبَسَةَ (¬3)، وعمرو (¬4) بن عوف، وعمرو بن مُرةَ الجهني، وقيسُ بنُ سعدِ بنِ عبادةَ، وكعبُ بنُ قطبةَ، ومعاذُ بنُ جبل، ومعاويةُ بنُ حيدةَ، ومعاويةُ بنُ أبي سفيانَ، والمغيرةُ بنُ شعبةَ، والمنقع التميميُّ، ونبيطُ بنُ شريط، وواثلة بن الأسقع، ويزيد بن أسد، ويعلى بن مرة، وأبو أمامة، وأبو بكرٍ الصديق، وأبو الحمراءَ، وأبو ذرٍ، وأبو رافعٍ، وأبو رمثةَ، وأبو سعيد الخدريُّ، وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ، وأبو قتادةَ، وأبو قرصافةَ، وأبو كبشةَ (¬5) الأنماريُّ، / 270 ب /، وأبو موسى الأشعري، وأبو موسى الغافقيُّ، وأبو ميمونَ الكرديُّ، وأبو هريرةَ، وأبو العشراءِ (¬6) الدارمي، عن أبيهِ، وأبو مالكٍ ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " التقييد والإيضاح "، و" الإصابة " 3/ 442 (5505). (¬2) أخرج حديثه ابن الجوزي في مقدمة " الموضوعات " 1/ 90 - 91، قال ابن حجر في " الإصابة " 3/ 461 (5584): ((محمد بن إسحاق الأهوازي متهم بوضع الحديث، وشيخه وسائر السند إلى عفان مجهولون)). (¬3) قال ابن حجر في " التقريب " (5070): ((بموحدة ومهملتين مفتوحات، ابن عامر بن خالد السلمي، أبو نجيح: صحابي مشهور، أسلم قديماً، وهاجر بعد أحد، ثم نزل الشام)). (¬4) في (ف): ((عمر))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". (¬5) رسمت في (ف): ((كبة))، والصواب ما أثبته. وهو سعيد بن عمرو، أو عمرو بن سعيد، وقيل: عمر أو عامر بن سعد صحابي نزل الشام. انظر: التقريب (8319)، والإصابة 6/ 223. (¬6) في (ف): ((العشر))، والمثبت من " التقييد والإيضاح ". ذكره بعضم في الصحابة، ولا يصح. انظر: الإصابة 6/ 201.

الأشجعيُّ، عن أبيهِ، وعائشةَ، وأم أيمنَ - رضي الله عنهم - فهؤلاء خمسةٌ وسبعونَ نفساً يصحُ من حديثِ نحو عشرينَ منهم، اتفقَ الشيخانِ على إخراجِ أحاديثِ أربعةً منهم (¬1)، وانفرد البخاريُّ بثلاثةٍ (¬2)، ومسلمٌ بواحدٍ (¬3)، وإنَّما يصحُ من حديثِ خمسةٍ من العشرةِ، والباقي أسانيدها ضعيفةٌ، ولا يمكنُ التواترُ في شيءٍ من طرقِ هذا الحديثِ؛ لأنَّه يتعذرُ وجودُ ذلكَ في الطرفينِ والوسطِ، بل بعضُ طرقِهِ الصحيحةِ، إنما هي أفرادٌ عنْ بعض رواتِها، وقد زادَ بعضُهم في هذا الحديثِ حتى جاوزَ المئة، ولكنَّه ليس هذا المتنَ، وإنما أحاديثُ في مطلق الكذب عليه، كحديثِ: ((من حدَّثَ عني بشيءٍ، وهو يرى (¬4) أنَّه كذبٌ، فهو ¬

_ (¬1) لم أقف إلا على ثلاثة منهم، وهم: أنس بن مالك وحديثه في " صحيح البخاري " 1/ 38 (108)، وفي " صحيح مسلم " 1/ 7 (2) (2). والمغيرة بن شعبة وحديثه في " صحيح البخاري " 2/ 102 (1291)، و" صحيح مسلم " 1/ 8 (4) (4). وأبو هريرة وحديثه في " صحيح البخاري " 1/ 38 (110) و8/ 54 (6197)، و" صحيح مسلم " 1/ 8 (4) (4). (¬2) وهم: الزبير بن العوام وحديثه في " صحيح البخاري " 1/ 38 (107). وسلمة بن الأكوع وحديثه في "صحيح البخاري " 1/ 38 (109). وعبد الله بن عمرو بن العاص وحديثه في " صحيح البخاري "4/ 207 (3461). (¬3) وهو حديث أبي سعيد الخدري وهو في " صحيح مسلم " 8/ 229 (3004) (72). (¬4) يُرى، بضم الياء، ومعناه يظن، وجوز بعض الأئمة فتحها، ومعناه: وهو يعلم، قال النووي: ويجوز أن يكون بمعنى يظن أيضاً، فقد حُكي ((رأى)) بمعنى ((ظن))، وقيد بذلك؛ لأنه لا يأثم إلا بروايته ما يعلمه أو يظنه كذباً، أما ما لا يعلمه ولا يظنه، فلا أثم عليه في روايته، وإن ظنه غيره كذباً أو علمه. شرح مسلم 1/ 65.

أحد الكاذبين (¬1)))، ونحو ذلكَ، فحذفتُها لذلكَ، ولم أعدها في طرقِ الحديثِ. الأمرُ السادسُ: قولُ المصنف: إنَّ من سئلَ عن إبرازِ مثالٍ للمتواترِ أعياهُ تطلبُهُ، ثم لم يذكرْ له مثالاً إلا حديثَ: ((من كذبَ عليَّ))، وقد وصفَ غيرُهُ من الأئمةِ عدةَ أحاديثَ بأنَّها متواترةٌ، فمن ذلكَ أحاديثُ حوضِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، وردَ ذلكَ عنْ أزيدَ من ثلاثينَ صحابياً، وأوردها البيهقيُّ في كتابِ البعثِ والنشورِ (¬2)، وأفردها الضياءُ المقدسيُّ بالجمعِ، قالَ القاضي عياض: وحديثهُ متواترٌ بالنقلِ، رواهُ خلائقُ من الصحابةِ، فذكرَ جماعةً من رواتهِ، ثم قالَ: وفي بعضِ هذا العددِ ما يقضي بكونِ الحديثِ متواترٌ، ومن ذلكَ أحاديثُ المسحِ على الخفينِ، فقالَ ابنُ عبدِ البرِّ: رواهُ نحو أربعينَ منَ الصحابةِ، واستفاضَ وتواترَ (¬3)، وكذا قالَ ابن حزمٍ في " المحلى ": ((إنَّه نقلُ تواتر يوجبُ العلمَ))، ومن ذلكَ: أحاديثُ النهيِّ عن الصلاةِ في معاطنِ الإبلِ. قالَ ابنُ حزمٍ في " المحلى ": ((إنَّهُ نقلُ تواتر يوجبُ العلمَ)) (¬4). ومن ذلك: أحاديثُ النهي عن اتخاذِ القبورِ مساجدَ. قالَ ابنُ حزمٍ: ((إنها متواترة)) (¬5)، ومن ذلك: أحاديث / 271 أ / رفعِ اليدينِ في الصلاةِ للإحرام، ¬

_ (¬1) وقوله: ((الكاذبين)) فيها روايتان، بفتح الباء على التثنية، وبكسرها على الجمع، وكلاهما صحيح، قال القاضي عياض: الرواية فيه عندنا ((الكاذبين)) على الجمع: ورواه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه " المستخرج على صحيح مسلم " في حديث سمرة ((الكاذبين)) بفتح الباء وكسر النون على التثنية، واحتج به على أن الراوي له يشارك البادئ بهذا الكتاب، ثم رواه أبو نعيم من رواية المغيرة ((الكَاذِبَيْنِ)) أو ((الكَاذِبِيْن)) على الشك في التثنية والجمع. شرح مسلم 1/ 65. (¬2) البعث والنشور: 110 - 130 (113) - (160). (¬3) التمهيد لابن عبد البر 11/ 137. (¬4) المحلى 4/ 25. (¬5) المحلى 4/ 30.

وللركوعِ والرفعِ منهُ. قالَ ابنُ حزمٍ: ((إنها متواترةٌ توجبُ يقينَ العلمِ)) (¬1)، ومن ذلكَ: الأحاديثُ الواردةُ في قولِ المصلي: ربنا لكَ الحمدُ ملءَ السماواتِ والأرضِ وملءَ ما شئتَ من شئٍ بعدُ. قالَ ابنُ حزمٍ: ((إنها أحاديث متواترةٌ)) (¬2))) (¬3). انتهى. وقد رأيتُ بعدَ سنةِ ثلاثين (¬4) في القدسِ الشريفِ جزءاً منْ تصنيفِ الشيخِ تقيِّ الدينِ عليِّ بنِ عبدِ الكافي (¬5)، في رفعِ اليدينِ ذكرَ فيهِ: أنه صنفهُ؛ لأجلِ منازعةٍ حصلتْ في ذلك بينه وبين القوامِ الانتاني الحنفيِّ بحضرةِ نائبِ دمشقَ أظنُّهُ تنكز (¬6)، وفي ظني أنه خرَّجهُ عن نحو أربعينَ صحابياً، منهمُ العشرةُ المشهودُ لهم بالجنةِ، وهذا وقد تقدَّمَ قريباً عن شيخنا - رحمه الله - قانونٌ كليٌّ في استخراجِ المتواتر بهِ من الكتبِ المشهورةِ النسبة إلى مصنفيها، من أعلامِ الأئمةِ من استعملهُ كثرت عندهُ الأمثلةُ منهُ، والله الموفقُ. ¬

_ (¬1) المحلى 4/ 92. (¬2) المحلى 4/ 120. (¬3) التقييد والإيضاح: 271 - 272. (¬4) أي: ثلاثين وثمانمئة. (¬5) وهو علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن يحيى بن عمر السبكي، تقي الدين أبو الحسن الشافعي، توفي سنة (756). انظر: الدرر الكامنة 3/ 63، وشذرات الذهب 6/ 180. (¬6) في (ف): ((دنكز))، والمثبت من مصادر الترجمة. وهو سيف الدين نائب الشام تنكز، ويكنى أبا سعيد كان شديد الهيبة، وافر الحرمة له آثار حسنة في أماكن من البلاد الإسلامية، اعتقل في الإسكندرية وتوفي هناك، وقيل: قتل سنة (741 هـ‍). انظر: ذيل العبر للحسيني 4/ 121، والدرر الكامنة 1/ 520.

قولُهُ: (عَدَدَ التَّواتُرِ) (¬1) هذا الذي نقلهُ عن ابنِ الصَّلاحِ، يوجب تخصيص الدعوى، فإنَّه ادعى تواترهُ مطلقاً، فشمل ذلكَ تواترهُ بالنسبةِ إلينا وبالنسبةِ إلى التابعينَ، وعللَ بتعليلِ مقتضى تواترهِ للتابعينَ فقط، وهذا إنَّما أتى من تصرفِ الشيخ، فإنَّ ابنَ الصلاحِ ذكرَ بعد هذا ما يدفعُ هذا الاعتراضَ، فقالَ : ((ثم لم يزلْ عدد رواتِهِ في ازديادٍ، وهلم جرّاً (¬2) على التوالي والاستمرار)) (¬3). قولُهُ: (المستخَرج منْ كتبِ النَّاسِ) (¬4) تتمة الاسم ((للتذكرة)) كما تقدمَ عن " النكت " (¬5). قولُهُ: (صاحبُ الإمامِ) (¬6) هو الشيخُ تقيُّ الدينِ أبو الفتحِ القشيريُّ، المعروفُ بابنِ دقيقِ العيدِ، كما أفصح به في " النكت " (¬7)، والإمامُ شرحه على الإلمامِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 82، وهذا من كلام ابن الصلاح في " معرفة أنواع علم الحديث ": 373. (¬2) قال الحافظ ابن حجر في " نكته " على كتاب ابن الصلاح 1/ 503 وبتحقيقي: 285 - 286: ((قرأت بخط أبي يعقوب النجيرمي: أن أصله مأخوذ من سوق الإبل، يعني: سيروا على هينتكم لا تجهدوا أنفسكم، أخذاً من الجر في السوق وهو أن تترك الإبل ترعى في السير. أما إعرابها فقال ابن الأنباري: في نصبه ثلاثة أوجه: الأول: هو مصدر في موضع الحال، أي: هلم جارين، أي: متأنين كقولهم: جاء عبد الله مشياً وأقبل ركضاً. والثاني: هو مصدر على بابه؛ لأن هلم جرا بمعني جروا جراً. والثالث: أنه منصوب على التمييز. قال: ويقال للرجل: هلم جراً وللرجلين هلما جراً وللجمع هلموا جراً. والاختيار الإفراد في الجميع؛ لأن هلم ليست مشتقة فلا تنصرف، وبه جاء القرآن في قوله تبارك وتعالى: {وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا})). (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 373. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 82. (¬5) التقييد والإيضاح: 270. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 82. (¬7) التقييد والإيضاح: 271.

في أحاديثِ الأحكامِ، وهو له أيضاً، ونقلَ عنه أنه أكملَ هذا الشرحَ، ثم لم يوجدْ بعدَ موتهِ منه إلا قليلٌ. فيقال: إنَّ بعضَ الحسدةِ أعدمه، فإنَّه كتابٌ عظيمٌ، جليلُ القدرِ، لو بقى لأغنى الناسَ عن تطلب كثيرٍ من الشروحِ لأحاديثِ الأحكامِ. قولُهُ: (رفع اليدين) (¬1) قالَ شيخُنا: ((إنه حكي عن الحسنِ (¬2) أيضاً، أنه دونه به سبعون صحابياً كما قالَ في الخفينِ))، وقد تقدمَ ما ذكرتهُ عنِ الشيخِ تقي الدينِ السبكي. قولُهُ: / 271 ب / (وهو كما قالَ أستاذنا) (¬3) قالَ شيخُنا: ((هذا الكلامُ من البيهقيِّ، ردٌّ مستر على الحاكمِ، فإنه لم يقتصرْ على هذا، بل قال : ((فقد روي)) إلى آخره، فصارَ كأنه قال: هو كما قالَ في أنَّ هذه السنة رواها العشرةُ، وغيرهم، لا أنها انفردتْ بذلكَ؛ وإنما ستر هذا الردَّ تأدُّباً مع شيخِهِ، وأحالَ استخراجُهُ على الفطنِ، واللهُ أعلمُ)). قولُهُ: (فبلغوا نحوَ الخمسين) (¬4) ذكرَ ذلكَ الشيخُ في تخريجهِ لأحاديثِ الإحياءِ، فبلغهم التسعةَ وأربعين نفساً، منهم أعرابيٌّ لم يسمَّ. قولُهُ: (وأخبرني بعضُ الحفاظِ) (¬5) قالَ شيخُنا: ((هذا المخبرُ هو قاضي القضاةِ: عزُ الدين عبدُ العزيزِ بن جماعة والذي، روي ذلكَ في كلامهِ، هو الشيخُ محيي الدين، وهو كذلكَ في "شرحهِ لمسلم" (¬6))). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 83. (¬2) انظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين 1/ 346. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 83، وهذا من كلام البيهقي. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 83. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 84. (¬6) انظر: شرح النووي على صحيح مسلم 1/ 66، والمنهل الروي لابن جماعة: 55.

قالَ شيخُنا: ((ولعل أصلهُ مئة، فحرفها الكاتبُ من خطِ الشيخِ؛ لأنَّ الهاءَ لم تربط على ما يفعلُ كثيراً وانجرت أكثر من العادةِ، فصارتْ تشبه مئة هكذا، أو اختلطَ بها شئٌ، فاشتبه أمرها، واللهُ أعلمُ)). قولُهُ: (وأنا أستبعدُ وقوعَ ذلكَ) (¬1)، قال في " النكت " (¬2) بدل هذا الاستبعاد: ((ولعل هذا محمولٌ على الأحاديثِ الواردةِ في مطلقِ الكذبِ، لا هذا المتن بعينِهِ، واللهُ أعلمُ)). لكنْ رأيتُ على نسخةٍ بالشرحِ، مقرؤة على المصنف كلها. ما صورتُهُ: قال شيخنا: ((مؤلفُهُ في مجلسِ الإقراءِ)). ثم رأيتُ ذلك في شرحِ الشيخ محيي الدينِ النووي. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 84. (¬2) التقييد والإيضاح: 272.

غريب ألفاظ الحديث

غريب ألفاظ الحديث (¬1) قولُهُ في نظم غريبِ ألفاظِ الحديثِ: (أو مَعْمَرُ) (¬2) تركَ صرفهُ للضرورةِ. قولُهُ: (فيما نقلوا) (¬3)، أي: رواةُ الأخبارِ. قولُهُ: (ولا تقلد (¬4)) (¬5) التقليد عرفاً: أخذ القولِ مِنْ غيرِ معرفةِ دليله (¬6). وأصلُهُ في اللغةِ: الإلزام منْ قلَّدتُهُ كذا: ألزمتُهُ إياه، ومَنْ قلدته في مثلِهِ، فقد ألزمتُهُ ما يلزمكَ فيها منْ مدحٍ أو ذمٍّ (¬7). قولُهُ: (الفنِّ) (¬8)، أي: فن اللغةِ، أي: علمها، وأصلُهُ لغةً الحالُ، والضربُ منَ الشئ (¬9)، أي: الصنفُ، فالمعنى: أهلُ هذا الصنفِ من العلمِ. قولُهُ: (فَسَّرَهُ الجماعَ) (¬10)، أي: بالجماع، ولو قالَ: ((وبعده))، وفسرَ بالجماعِ لكانَ أحسنَ. ¬

_ (¬1) انظر في ذلك: معرفة علوم الحديث: 88 - 91، ومعرفة أنواع علم الحديث: 375، والإرشاد 2/ 550 - 553، والتقريب: 155، واختصار علوم الحديث 2/ 461 وبتحقيقي: 228، والشذا الفياح 2/ 451 - 455، والمقنع 2/ 443 - 446، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 84، ونزهة النظر: 79، وفتح المغيث 3/ 43 - 52، وتدريب الراوي 2/ 184 - 186، وتوضيح الأفكار 2/ 412 - 413، ومقدمة النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 3 - 8. (¬2) التبصرة والتذكرة (759). (¬3) التبصرة والتذكرة (759). (¬4) في (ف): ((يقلد))، والمثبت من " التبصرة والتذكرة ". (¬5) التبصرة والتذكرة (761). (¬6) انظر: التعريفات للجرجاني: 64. (¬7) انظر: لسان العرب مادة (قلد). (¬8) التبصرة والتذكرة (761). (¬9) انظر: لسان العرب مادة (فنن). (¬10) التبصرة والتذكرة (763).

قولُهُ في شرحِهِ: (الغامضة) (¬1)، أي: من جهةِ المعنى البعيدة عن الفهمِ، من جهةِ عدمِ تكررها على الأسماعِ، ألا ترى أنَّ الكلمةَ إذا تكررت على السمعِ ألفت قبلها / 272 أ / الفهم، وردها إلى أشكالها في الاشتقاقِ، فوضحَ معناها، كما أنَّ الغريبَ عنِ الناس نقل روايتِهِ، فيغمض معرفته، فإذا تكررتْ ألفٌ، فعرف ... كذلك (¬2) لكن يقيد نفرة الطبع عنهُ، فهو أخصُ منْ مطلقِ الغريبِ، وعبارةُ ابنِ الصلاح عنْ ذلكَ: ((وهوَ عبارةٌ عمَّا وَقَعَ في متونِ الأحاديثِ مِنَ الألفاظِ الغامضةِ البَعيدةِ منَ الفهمِ، لِقلَّةِ استعمالها، هذا فنٌّ مهم يقبحُ جهلهُ بأهلِ الحديثِ خاصة، ثم بأهلِ العلمِ عامَّةً، والخوضُ فيهِ ليسَ بالهيِّنِ، والخائضُ فيهِ حقيقٌ بالتحري، جديرٌ بالتوقي)) (¬3). قولُهُ: (النَّضْرُ بنُ شُمَيلٍ) (¬4) هو: معاصرٌ لأبي عبيدةَ معمرُ بنُ المثنى، غيرَ أنَّه كانَ في نيسابور، وأبو عبيدةَ كان في البصرةِ ويحتمل أنْ يكونَ الأمر بالعكسِ، فيكون تصنيفُ أبي عبيدة أقدم كما يأتي. قولُهُ: (أبو عبيدٍ القاسمُ بن سلام) (¬5) تصنيفهُ قِسمان: أحدُهما: في الآحادِ المرفوعةِ، والآخرُ: في الموقوفةِ. وهو معنى قولِ الشيخ: ((في غريبِ الحديث والآثارِ)) (¬6)، لكن لم يرتبْ فيه المتونَ، فالكشفُ منهُ عسرٌ جداً، وعن ابنِ كثير أنَّه قال: ((إنَّه أحسنُ شئ وضعَ)) (¬7). وكأنَّه يعني في تلك الأزمانِ، وإلا فـ " نهاية " ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 84. (¬2) قبل هذا في (ف) كلمة غير مقروءة. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 375. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 84. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬7) اختصار علوم الحديث 2/ 461 وبتحقيقي: 229.

ابنِ الأثيرِ لا يقاسُ بها شئٌ من هذا في الجمعِ، ولا في الترتيبِ. قولُهُ: (ابن قُرَيْبٍ) (¬1) وهو مصغر، القربُ ضد البعدِ، يعني: أنَّ الأصمعيَّ صنَّف في غريب الحديث، ولا منافاةَ بينه وبين ما يأتي عنهُ، أنَّه قال: ((أنا لا أفسرُ حديثَ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -)) (¬2)، لأنَّه يحتمل أنْ يكون قال ذلكَ أوَّلاً، ثمَّ رأى منْ يجترئ على حملِ شئ منَ الغريب على ما يتحققُ خطأ، فرأى المصلحةَ في التفسيرِ، أو يكونُ ماشياً في ذلك على سننِ ما نقلَ، وهو أنَّه يذكرُ اللفظةَ، وتقولُ العربُ: نريد بهذه اللفظةِ عند إطلاقِها كذا. قولُهُ: (واستمرت الحالُ) (¬3) يوهم أنَّ بينَ الزمنينِ أمداً بعيداً، وليسَ كذلكَ، فالمذكورونَ كلهم منْ أصاغرِ مشايخِ أبي عبيدٍ، وكلهم بقوا إلى بعدَ المئتينِ، لا كما يوهمُهُ كلامه إلا أنْ يحملَ على بعدِ ما بينَ التصنيفينِ، ويكونُ ذلك على حذف مضاف، تقديرُهُ: ((واستمرَ الحالُ / 272 ب / إلى زمنِ تصنيفِ أبي عبيدٍ))، وكتابُ أبي عبيد على نمط ما قبله؛ لأنهم كانوا يغتنون عنِ الترتيبِ بالحفظِ، ورتبهُ الشيخُ موفق الدين بنُ قدامةَ على الحروفِ. قولُهُ: (كتابُهُ المشهورُ) (¬4) قالَ ابنُ الصلاحِ: ((فجمعَ، وأجادَ، واستقصى، فوقعَ من أهلِ العلمِ بموقعٍ جليلٍ، وصارَ قُدوةً في هذا الشأنِ)) (¬5). انتهى. وهذا المدحُ بالنسبةِ إلى ما تقدمَهُ من الكتبِ، فإلى أنْ قالَ عن النضرِ ومعمرٍ: ((وكتاباهما صغيرانِ)) (¬6). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬2) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 87. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬5) معرفة أنواع علم الحديث: 376. (¬6) المصدر نفسه.

قولُهُ: (عبد الله بن سلم بن قُتيبة) (¬1) هي في جميع النُّسخ التي رأيتُها، ومنها نسخةٌ مقرؤةٌ على المصنف، وعليها خطُّه درساً درساً إلى آخرها ((سَلْم)) بغير ميم أوله، وعلى السين في النُّسخةِ المقرؤةِ على المصنِّف فتحةٌ بينةٌ وهو وهمٌ، أو سبقُ قلمٍ، والصوابُ: ((مُسلمٌ)) بالميمِ أوله فاعلُ الإسلامِ، وكتابُهُ ذيلٌ على كتابِ أبي عبيدٍ، على نمطِهِ في الترتيبِ، وله كتابٌ آخرُ في الاعتراضِ على أبي عبيدٍ، وذلك هو معنى قولِ الشيخِ، وتتبعهُ في مواضعَ، أي: بالاعتقادِ والتزييفِ، وكتابُ الخطابي على الترتيبِ المذكور أيضاً. ثم صنفَ إبراهيمُ بنُ إسحاقَ الحربيُّ الحافظُ، أحد الأعلامِ غريباً في خمسِ مجلداتٍ، رتبه على المسانيدِ غير أنَّهُ يذكرُ الحديثَ الأول منْ مسندِ أبي بكرٍ - رضي الله عنه - مثلاً، فيفسرُ اللفظةَ الغريبةَ التي فيهِ، ثُمَّ مقلوبها، ومقلوبُ مقلوبِها، وكذلك إلى أنْ يستوفيَ ما وردَ منْ تلكَ المادةِ، في ما بلغهُ من أحاديثِ جميعِ الصحابةِ - رضي الله عنهم -، وكذا يصنعُ في بقيةِ الأحاديثِ منْ مسندهِ، ومسند غيرِهِ من الصحابةِ، ولا يعيدُ شيئاً مقدمٌ، ولا ينبهُ عليه، فعادةَ السهولة التي ظنتْ من وضعهِ على المسانيدِ صعوبة، وماتَ الحربيُّ سنةَ خمسٍ وثمانينَ ومئتين في بغداد (¬2). وتصنيفُ قاسمِ بن ثابتِ بن حزم السَّرقُسْطِيّ كانَ في عصرِهِ ذلكَ في الشرقِ، وهذا في الغربِ، ولم يطلعْ أحدُهما على ما صنعَ الآخرُ، وماتَ قاسمٌ سنة ثنتين وثلاثمئة في سرقسطَةَ منَ الأندلسِ، وظاهرُ حال ابنِ الأثيرِ، أنَّه لم يرَ تصنيفَ الحربي كـ " النهاية ". ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬2) انظر: سير أعلام النبلاء 13/ 370.

قولُهُ: (ونبهَ على أغاليطَ) (¬1)، قال ابن الصلاح / 273 أ /: ((ثم تتبعَ أبو سليمانَ الخطابيُّ ما فاتهما - يعني: القُتبي وأبا عبيد - فوضعَ في ذلكَ كتابَهُ المشهورَ. قالَ: فهذه الكتبُ الثلاثةُ - بمعنى: كتابِ أبي عبيدٍ، وابن قتيبة، والخطابي - أُمَّهاتُ الكتبِ المؤلفةِ في ذلكَ (¬2)، ووراءها مَجَامعُ تشتملُ منْ ذلكَ على زوائدَ وفوائدَ كثيرةٍ)) (¬3). قولُهُ: (السَّرَقُسْطيُّ) (¬4): نسبةً إلى مدينةٍ من الأندلسِ اسمها سَرَقُسْطة (¬5). قال المؤيَّدُ (¬6) في كتابهِ " تقويمِ البلدان ": ((بفتحِ السينِ والراءِ المهملتين، وضمِّ القافِ، وسكونِ السين الثانيةِ، وفتحِ الطاءِ المهملةِ، وآخرُه هاءٌ: وهي قاعدةُ الثغرِ الأعلى، وهي مدينةٌ بيضاءُ في أرضٍ طيبة قد أحدقتْ بها من بساتينها زمردةٌ خضراءُ، والتفتْ عليها أنهارُها الأربعةُ، وأضحتْ بها رياضُها مرضعةً مجرعةً)). قولُهُ: (وعبد الغافر) (¬7) هو: ابنُ إسماعيلَ بن عبدِ الغافرِ، راوٍ لـ " صحيحِ مسلم "، وكتابُهُ جليلُ الفائدةِ، وهو مجلدٌ مرتبٌ على الحروفِ (¬8). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬2) وهذه الأمهات مطبوعة متداولة. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 376 - 377. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬5) انظر: معجم البلدان 3/ 212. (¬6) هو أبو الفداء إسماعيل بن علي بن محمود بن محمد بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المؤيد، صاحب حماة، مؤرخ جغرافي، قرأ التاريخ والأدب وأصول الدين، وغيرها من العلوم، له مصنفات منها: المختصر في أخبار البشر، وتقويم البلدان في مجلدين، ترجم إلى الفرنسية واللاتينية وقسم منه إلى الإنكليزية، توفي سنة (732 هـ‍). انظر: الأعلام 1/ 319. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬8) سماه: ((مجمع الغرائب))، وله نسخة خطية. انظر: الفهرس الشامل 3/ 1376.

قولُهُ: (وكانَ جمعَ بينَ الغريبينِ) (¬1)، أي: قبلَ الزمخشري، فإنَّه ماتَ سنةَ إحدى وأربعمئة، وعبدُ الغافرِ ماتَ بعدَ ذلكَ، سنةَ تسعٍ وأربعينَ وأربعمئة، والزمخشريُّ ماتَ بعدهما، يومَ عرفَةَ سنةَ ثمانٍ وثلاثينَ وخمسمئة. قولُهُ: (الأُرْمويَّ) (¬2) نسبةً إلى أُرْمية - بضمِ الهمزةِ، وإسكانِ الراءِ المهملةِ، ثم ميمٌ وتحتانيةٌ بعدها هاءٌ -: مدينةٌ منْ عملِ أذربيجانَ، وهي آخرُ حدِ أذربيجانَ من جهةِ الغربِ، وعلى شرقي الموصلِ بينهما مسيرةُ خمسةِ أيامٍ عشرةَ برد، وهي قربُ بحيرةَ تلا بالفوقانية بينهما مرحلةٌ (¬3). قولُهُ: (وبلغني أنَّه كتبَه حواشٍ) (¬4)، أي: بلغني كلا الأمرينِ، ولم أدرِ الصحيحِ منهما. قولُهُ: (كانت عندي) (¬5) يحتمل أنَّها كانت ملكهُ، وانتقلتْ إلى غيرِهِ، وهو يرجو عودَها إليه، ويحتمل أنَّها لم تكنْ ملكه، وهو متمكنٌ من أحدها منْ مالكها، فهو منتظرٌ وقتاً يفرغُ فيهِ لذلكَ. قولُهُ: (أحمد) (¬6) عبارةُ ابنِ الصَّلاحِ: ((رُوِّينا عنِ الميمونيِّ، قالَ: سُئِلَ أحمدُ)) فذكرهُ، وزادَ بعد: ((بالظنِّ فأخطئَ - أي: فإني إنْ تكلمت بالظنِّ أخطأتُ لا محالة (¬7) - وقال: وبلغَنا عن التأريخيِّ محمد بن عبدِ الملكِ، قالَ حدثني أبو قلابةَ / 273 ب / عبدُ الملكِ بنُ محمدٍ، قالَ: قلتُ للأصمعيِّ: يا أبا سعيدٍ ما معنى قولِ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 85. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 86. (¬3) انظر: معجم البلدان 1/ 132، وانظر ترجمة الأرموي في شذرات الذهب 6/ 65. (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 86. (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 86. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 86. (¬7) ما بين الشارحتين جملة توضيحية من البقاعي.

النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - ... )) (¬1) فذكرَهُ. قولُهُ: (فقال: أنا لا أفسِّرُ حديثَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) (¬2) معارضٌ لما تقدمَ منْ أنَّهُ صنَّف في ذلكَ إلا أنْ يحمل أمره على أنَّهُ يذكر الحديثَ في تصنيفِهِ، ثم يذكرُ اللفظةَ الغريبةَ فيهِ، وتقولُ العربُ إذا تكلمت بهذهِ اللفظةِ كان معناها عندَها كذا وكذا، أو نحو ذلكَ من العباراتِ. قولُهُ: (لا سَمِينَ فَيُنتقى) (¬3) (¬4)، أي: ليس له نقيٌّ فيستخرج، يقالُ: نقوتُ العظم وانتقيته إذا استخرجتُ نقته ونقيته أيضاً. قولُهُ: (لا تنقي) (¬5) (¬6)، أي: تسمنُ فيكونُ لها نقيٌّ مثل: أغدّ البعيرُ إذا صارَ ذا غدةٍ. ¬

_ (¬1) معرفة أنواع علم الحديث: 375 - 376. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 87. (¬3) جزء من حديث طويل، أخرجه: البخاري 7/ 34 (5189)، ومسلم 7/ 139 (2448)، والترمذي في " الشمائل " (253) بتحقيقي من حديث عائشة - رضي الله عنها -، وفيها: ((لا سمين فينتقل))، أي: تنقله الناس إلى بيوتهم ليأكلوه، بل يتركوه رغبة عنه لرداءته. انظر: شرح النووي على صحيح مسلم عقب الحديث (2448). (¬4) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 87. (¬5) هو جزء من حديث البراء بن عازب مرفوعاً: ((لا يضحى بالعرجاء بين ضلعها، ولا بالعوراء بين عورها، ولا بالمريضة بين مرضها، ولا بالعجفاء التي لا تنقي)) أخرجه: مالك في " الموطأ " (298) برواية الليثي، والطيالسي (749)، وعلي بن الجعد (900)، وأحمد 4/ 284 و289 و300 و301، والدارمي (1955)، وأبو داود (2802)، وابن ماجه (3144)، والترمذي (1497)، والنسائي 7/ 214 و215، وابن الجارود (907). قال الترمذي: ((حسن صحيح))، وقال ابن الأثير: ((النَّقْي: مُخُّ العظم، يقال: أنقت الأبل غيرها، أي: صار فيها نقي، ويقال: هذه ناقة منقية، وهذه لا تنقي)). جامع الأصول 3/ 334. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 88.

قولُهُ: (سألتُ الأدباءَ) (¬1) جمعُ أديبٍ، وهو العالمُ بعلمِ الأدبِ، وهو علمُ اللغةِ. قالَ ابنُ الأكفاني (¬2) في تعريفِهِ في كتابِهِ " إرشاد القاصد " (¬3): ((وهو علمٌ يتعرفُ منه كيفيةُ التخاطبِ والتفاهم عمَّا في الضمائرِ بأدلّةِ الألفاظِ والكتابةِ)). انتهى. وأنواعُهُ: اثنا عشر متن: اللغةُ، والأبنيةُ، والاشتقاقُ، والإعرابُ، والمعاني، والبيانُ، والعروضُ، والقوافي، وإنشاءُ النثرِ، وقرضُ الشعرِ، والكتابةُ، والمحاضراتُ، وأصلُ الأدبِ في اللغةِ: الظّرْفُ، وحُسْنُ التَّناوُلِ، والتعليم (¬4)، والكلُ ظاهرُ المناسبةِ في النقلِ إلى المعنى الاصطلاحي. قولُهُ: (عن تفسيرِ الدُّخِّ، قال: يَدُخُّها، ويَزُخُّهَا) (¬5) هو هكذا في النُّسخ، ومكتوبٌ فوقَ، قالَ: يدخُها صورةُ كذا، أي: هكذا وجدَ، فلا يظنُ أنَّهُ سقطَ منهُ شئٌ، وقد ظنَّ الحاكم (¬6) الدَّخ بفتح الدّال لا غير - وهو لغةٌ فيه، والمشهورُ الضم. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 89. (¬2) هو محمد بن إبراهيم بن ساعد الأنصاري شمس الدين أبو الجود السنجاري، ثم المصري الطبيب، المعروف بابن الأكفاني، من تصانيفه: " رسالة في الجوهر المعدني والحيواني وأجناسه وأنواعه "، و" اللباب في علم الحساب "، وغيرها، توفي سنة (749 هـ‍). انظر: هداية العارفين 6/ 155. (¬3) وتمام اسمه: " إرشاد القاصد إلى أسنى المقاصد ". (¬4) انظر: لسان العرب مادة (أدب). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 89. (¬6) انظر: معرفة علوم الحديث: 91، وسقط من هذه الطبعة كلام الحاكم وبقي الشعر، أما في طبعة دار ابن حزم التي حققها أحمد بن فارس السلوم، فقد أثبت النص، ثم قال في الحاشية: ((سقط هذا النص من الأصول فليس هو في ع ر ي ط، وهو في أصل م وعليه تعليق لابن الصلاح يأتي، وفي هامش ك بعد أن أورده في الحاشية)). وانظر صفحة: 302 من هذه الطبعة.

قولُهُ: (تخليطٌ فاحشٌ) (¬1) قالَ ابن الصلاح: ((وأقوى ما يعتمدُ عليهِ في تفسيرِ غريبِ الحديثِ أنْ يظفُرَ بهِ مُفسراً في بعضِ رواياتِ الحديثِ - ثمَّ ذكرَ حديثَ ابن صيادٍ (¬2)، وقال: - فهذا خَفيَ مَعناهُ، وأعضلَ. وفَسَّرَهُ قومٌ بما لا يصحُّ. [و] (¬3) في " معرفةِ علومِ الحديثِ " للحاكمِ أنَّه الدُّخُّ بمعنى: الزَّخِّ الذي هو الجماعُ (¬4)، وهذا تخليطٌ فاحشٌ يغيظُ العالمَ والمؤمنَ)) (¬5) - ثمَّ قال: والدُّخُّ / 274 أ / هو الدُّخانُ في لُغَةٍ (¬6)، إذْ في بعضِ رواياتِ الحديثِ ما نصهُ: ثمَّ قالَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إنِّي قدْ خبأتُ لكَ خبيئاً، وخبأَ له: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ} (¬7). فقال ابن صيادٍ: هو (¬8) الدُّخُّ، فقالَ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: ((اخسأ، فلنْ تعدو قدركَ)). وهذا ثابتٌ صحيحٌ خرَّجهُ الترمذيُّ (¬9) وغيرهُ (¬10)، فأدركَ ابنُ صيادٍ منْ ذلكَ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 90. (¬2) ويقال له: ((ابن صائد)) أيضاً. انظر: الإصابة 3/ 133. والحديث أخرجه: البخاري 2/ 117 (1354) و (1355)، ومسلم 8/ 191 (2930) (95) من حديث ابن عمر. (¬3) ما بين المعكوفتين لم يرد في (ف)، وأثبته من " معرفة أنوع علم الحديث ". (¬4) هو في مخطوطة " معرفة علوم الحديث للحاكم " (الورقة: 82) من نسختنا الخطية الخاصة، وقد سقط من موضعه في المطبوعة: 91. (¬5) انظر: تعقب الحافظ العراقي على الحاكم في " شرح التبصرة " 2/ 89 - 90. (¬6) انظر: الصحاح مادة (دخخ). (¬7) الدخان: 10. (¬8) في (ف): ((وهو)) بزيادة الواو، ولا داعي لها. (¬9) جامع الترمذي (2249)، وقال في (2235): ((حسن صحيح)). (¬10) أخرجه: معمر في" جامعه " (20817)، وأحمد 2/ 148 و149، والبخاري 2/ 117 (1354) و4/ 85 (3055) و8/ 49 (6173) و157 (6618) وفي "الأدب المفرد"، له =

هذه الكلمة فحسب، على عادة الكهان في اختطاف بعضِ الشيء (¬1) منْ غيرِ وقوفٍ على تمامِ البيانِ. ولهذا قالَ لهُ: ((اخسأْ، فلنْ تعدو قدرَكَ))، أي: فلا مزيدَ لكَ على قدرِ إدراكِ الكُهَّانِ (¬2)، والله أعلمُ)) (¬3). انتهى. والظاهر أنَّك لن تتجاوزَ ما قدرَ اللهُ لكَ من الظفرِ بالمرادِ، أي: لا تقدرُ أنْ تفعلَ غيرَ ما قدّرهُ اللهُ لكَ، ونحن لا نتهمُ اللهَ في قضائهِ كما قالَ - صلى الله عليه وسلم - لمسيلمةَ الكذاب كما خَرَّجه الشيخان (¬4) عنِ ابنِ عباس - رضي الله عنهما -: ((اخسأ فلن تعدو قدركَ، ولئن أدبرتَ ليعقرنَّكَ اللهُ))، فهو كنايةٌ عن أنّا ننظرُ الفعلَ إلا منَ اللهِ، ولا نتهمُ الله في قضائه، كما قالَ - صلى الله عليه وسلم -: ((ليقل همك يا معاذ ما قدر يكن)) (¬5). ¬

_ = (958)، ومسلم 8/ 192 (2930) (96) و8/ 193 (2930) (97)، وأبو داود (4329)، وابن حبان (6794)، والطبراني في " الأوسط " (9276)، وابن منده في " الإيمان " (1040)، والبغوي (4270). (¬1) في " المعرفة " بعد ذلك: ((من الشياطين)). (¬2) راجع: محاسن الاصطلاح: 400. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 377 - 378. (¬4) صحيح البخاري 4/ 247 (3620) و5/ 215 (4373) و9/ 167 (7461)، ومسلم7/ 57 (2273) (21). (¬5) لم أقف عليه بهذا السياق. وقد أخرجه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2806) من طريق سعيد بن أبي أيوب، عن عياش بن عباس، عن مالك بن عبد الله المعافري: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: ((لا تكثر همك، ما يقدر يكن، وما ترزق يأتك)). وأخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " (1188) من طريق ابن أبي مريم، قال: حدثنا نافع ابن يزيد، قال: حدثني عياش بن عباس: أن عبد الملك بن مالك الغفاري حدثه أن جعفر بن عبد الله بن الحكم حدثه، عن خالد بن رافع، به. وذكر عقبه الاضطراب الحاصل في سنده. وهذا الحديث ضعفه العلامة الألباني في " السلسة الضعيفة " (4792).

وهذا النوعُ ذكرهُ شيخُنا حافظُ عصرِهِ ابن حجرَ تلميذُ المصنفِ عقبَ الرواية بالمعنى، فأجادَ، وقالَ في شرحِها: ((فإنْ خفيَ المعنى بأنْ كانَ اللفظُ مستعملاً بقلَّةٍ، احتيجَ إلى الكتبِ المصنفةِ في شرحِ الغريبِ، ككتابِ أبي عُبيد القاسم بن سلام، وهو غير مرتب، وقد رتبهُ الشيخُ موفَّقُ الدينِ بنُ قدامةَ على الحروفِ. وأجمعُ منهُ كتاب أبي عبيدٍ الهروي (¬1)، وقد اعتنى به الحافظُ أبو موسى المديني، فعقَّب (¬2) عليه واستدركَ. وللزمخشريُّ كتابٌ اسمه " الفائق "، حسنُ الترتيبِ، ثمَّ جمع الجميعَ ابنُ الأثيرِ في " النهاية "، وكتابهُ أسهلُ الكتبِ تناولاً مع إعوازٍ قليلٍ فيهِ، وإن كان اللفظُ مستعملاً بكثرةٍ، لكنْ في مدلولهِ دِقَّةٌ، احتيجَ إلى الكتبِ المصنَّفةِ في شرحِ معاني الأخبارِ، وبيانِ المشكلِ منها، وقد أكثرَ الأئمة من التصانيفِ في ذلك، كالطحاوي (¬3)، والخطابي (¬4)، / 274 ب / وابن عبد البرِّ (¬5)، وغيرهم)) (¬6). ¬

_ (¬1) هو اللغوي الأديب أبو عبيد أحمد بن محمد بن عبد الرحمان العبدي الهروي، وكتابه هو: " كتاب الغريبين " جمع بين غريب القرآن وغريب الحديث، توفي سنة (401 هـ‍). انظر: سير أعلام النبلاء 17/ 146. (¬2) في (ف): ((فنقب)) والمثبت من " نزهة النظر ". (¬3) وكتابه هو: "شرح مشكل الآثار ". (¬4) في معالم السنن. (¬5) في التمهيد. (¬6) نزهة النظر: 79 - 80.

المسلسل

المسلسل (¬1) قولُهُ في نظمه: (تواردا (¬2)) (¬3)، أي: تشاركوا في موضع الورود، فإنَّ تفاعلَ لمشاركةِ أمرين فصاعداً في أصل المعنى صريحاً، ولذلكَ نقصَ مفعولاً عنْ فاعلِ الذي هو لنسبة أصلِهِ إلى أحدِ الأمرين متعلق بالآخر، للمشاركة صريحاً، نحو: ((واردت زيداً الماء)). قولُهُ: (واحداً فواحداً) (¬4) حال مرتبة، أي: وردَ كلُ واحد منهم ما وردَه الآخرُ حالَ كونهم مرتبينَ واحداً بعد واحدٍ، ومفصلينَ هكذا. قولُهُ: (حالاً) (¬5) مفعول ((تواردا))، وهو المفعولُ الثاني لفاعل، وهو مثلُ: نازعَ، وتنازعَ. قولُهُ: (كقول كلهم) (¬6): هو مثالٌ لوصفِ السندِ. ¬

_ (¬1) انظر في المسلسل: معرفة علوم الحديث: 29 - 34، ومعرفة أنواع علم الحديث: 378، والإرشاد 2/ 554 - 558، والتقريب: 155 - 156، والاقتراح: 214، والموقظة: 43 - 44، ورسوم التحديث: 81، واختصار علوم الحديث 2/ 465 وبتحقيقي: 229، والشذا الفياح 2/ 456 - 459، والمقنع 2/ 447 - 449، ومحاسن الاصطلاح: 227، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 90، وتنقيح الأنظار: 256، ونزهة النظر: 105، وفتح المغيث 3/ 53 - 58، وتدريب الراوي 2/ 187 - 189، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 274، وفتح الباقي 2/ 165، وشرح شرح نخبة الفكر: 657، واليواقيت والدرر 2/ 281، وتوضيح الأفكار 2/ 414 - 416، وظفر الأماني: 287. (¬2) في (ف): ((توارد)) بدون ألف في آخره، والمثبت من " التبصرة والتذكرة ". (¬3) التبصرة والتذكرة (764). (¬4) التبصرة والتذكرة (764). (¬5) التبصرة والتذكرة (765). (¬6) التبصرة والتذكرة (765).

قولُهُ: (فاتَّحدْ) (¬1)، أي: القول الذي أوردوه ((سمعت)) مثالاً كانَ واحداً بالنسبةِ إلى جميعِ رواتهِ. قولُهُ: (وَقَسمُهُ) (¬2) مصدر، وهو مبتدأ، أي: قسم العلماءُ المسلسلَ متنه إلى ثمانٍ. قولُهُ: (ثمان) (¬3)، مقطوعٌ عن الإضافةِ، وانته بحذف التاءِ ومبنية، الذي هو بمنزلة المميز، فذكرَ لأنَّ واحده ((مثال))؛ لأنَّه اعتبر المعدودَ مؤنثاً بمعنى الرواياتِ المسلسلاتِ، كقولِهِ: وكان يحيى دونَ منْ كتبَ، اتَّقى ثلاث شخوصٍ كأعيان ومعصر. قولُهُ: (مُثُلُ) (¬4) خبر مبتدأ محذوف وهو جمع مثالٍ، مثل: كتابٍ وحجابٍ. قولُهُ: (وَقلَّمَا) (¬5) قلَّ: فعلٌ ماضٍ كفتهُ ((ما)) عنِ الرفعِ، وهيأتهُ للدخولِ على الفعلِ. قولُهُ: (ضَعْفاً) (¬6) تمييزٌ، أي: قلتْ سلامةُ المسلسل من ضعفٍ يحصلُ له. قولُهُ: (كأوَّليَّةٍ) (¬7)، أي: المسلسل بأوليةِ سماعٍ كلَ راوٍ ممنْ سمعَ منهُ، وبعضُ الرواةِ وهو أبو نصر الوزيري (¬8)، وصلَ السلسلةَ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ذكرهُ ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة (765). (¬2) التبصرة والتذكرة (766). (¬3) التبصرة والتذكرة (766). (¬4) التبصرة والتذكرة (766). (¬5) التبصرة والتذكرة (766). (¬6) التبصرة والتذكرة (766). (¬7) التبصرة والتذكرة (767). (¬8) هو محمد بن طاهر أبو نصر الوزيري الأديب المفسر، قال الذهبي: ((ذكر الحديث المسلسل بالأولية، فزاد تسلسله إلى منتهاه، فطعنوا فيه لذلك))، توفي سنة (365هـ‍). انظر: الأنساب 4/ 486، وميزان الاعتدال 3/ 586.

ابنُ دقيقِ العيدِ في " الاقتراحِ " (¬1)، وقالَ: ((وفائدةُ المسلسلِ أمرانِ: أحدُهما: أن يكونَ فيهِ اقتداءٌ بالنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، فيما فعلَهُ. والثاني: أنْ يكونَ مفيداً لاتصالِ الروايةِ، وعدمِ انقطاعِها، إذا كانت السلسلةُ تقتضي ذلكَ، كقولِهِ: سمعتُ)). انتهى. وفي ذلكَ: الأمنُ منَ التدليسِ، والبعدِ منَ الانقطاعِ. قولُهُ في شرحِهِ: (سواء كانتِ الصفةُ للرواةِ) (¬2) أو حالة لهم / 275 أ /، ثمَّ إنَّ صفاتهم وأحوالهم، أقوالاً وأفعالاً، ونحو ذلكَ تنقسمُ إلى مالا نحصيهِ، ثم قالَ: ومن ذلكَ، أي: ما يكونُ صفةً للروايةِ والتحملِ، أخبرنا والله فلان ... إلى آخره، ثم قال: في أشباهٍ لذلكَ نرويها، وتروى كثيرة. قولُهُ: (ابنُ شعيبٍ الكسائيُّ) (¬3) وجدَ عنِ المصنِّف في حاشية، أنهُ هكذا وقعَ في أصلِهِ، وصوابُهُ: ((الكَيْساني)) بتحتانية بعد الكافِ المفتوحةِ، وموضع الهمزة نون (¬4). قولُهُ: (كالحديثِ المسلسلِ) (¬5) كافه زائدةٌ، وأصلُ الكلامِ مثالهُ الحديث، وهكذا كلّ موضع وردتْ فيهِ هذه العبارةُ. وكذا قولُهُ: ((كقولِ كلٍّ منْ رواتهِ)) (¬6)، وكذا قوله: ((وكحديثِ تسلسلِ قصِّ الأظفارِ)) (¬7). ¬

_ (¬1) الاقتراح: 215. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 90. (¬3) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 92. (¬4) وقد ذكر المزي في " تهذيبه " 3/ 158 فيمن روى عن سعيد الأدم: سليمان بن شعيب الكيساني كما أثبت البقاعي - رحمه الله -، وكذا ورد في " السير " 8/ 287، و" كنز العمال " 1/ 351، وفي " تاريخ دمشق " 23/ 208: ((سليمان بن شعيب بن سليم بن سليمان بن كيسان الكيساني)). (¬5) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 93. (¬6) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 93. (¬7) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 94.

قولُهُ: (بل متماثلةٌ) (¬1) يعني: أنَّ ما ذكرهُ هنا منَ الصفاتِ القوليةِ كالمتقدمِ منَ الأحوالِ القوليةِ لا في أصلِ المتنِ، أي: كما في المسلسلِ بالأوليةِ، فإنَّ متنه صحيحٌ، وما بعد المشهورِ من سلسلتِهِ لا يصح كما يأتي. قولُهُ: (أو أوَّلِهِ وآخره ... ) (¬2) إلى آخر النَّوع، من كلامِ الشيخ، وعبارةُ ابنِ الصلاحِ: ((ومن المسلسلِ ما ينقطعُ تسلسلهُ في وسطِ إسنادهِ، وذلك نقصٌ فيه)) (¬3). ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 93. (¬2) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 95. (¬3) معرفة أنواع علم الحديث: 379 - 380 وكتب في حاشية (ف): ((انتهى ما وجد مكتوباً في سادس شوال المبارك سنة 895)).

§1/1