النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة

فصيح الدين الحيدري

[مقدمة المؤلف]

[مقدمة المؤلف] الحمد لله الذي ثبت من يشاء من عباده على الملة السمحة الحنيفية، وأزاغ من أراد عن كل ذي عقيدة ردية، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وخير البرية، وعلى آله وصحبه العدول الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم في نصرة الملة المحمدية. أما بعد، فيقول العبد الفقير إلى مولاه السيد إبراهيم فصيح بن السيد صبغة الله ابن العلامة السيد أسعد صدر الدين المفتي ببغداد والحيدري البغدادي: هذه رسالة في بيان الأحكام التي وقع الاختلاف فيها بين الله تعالى والشيعة، كما وقع بين سائر المجتهدين من ذوي المقامات الرفيعة، هي غريبة السياق في هذا الباب، لم يسبقني على مثلها أحد من الأصحاب، ألفتها بالتماس بعض أهل

[النكتة 1]

نجد من ذوي الفهم والنقد، وذلك حينما كنت في البصرة. أسأل الله تعالى لطفه والنصر عليها. وسميتها "النكت الشنيعة في بيان الخلاف بين الله تعالى والشيعة"، وذلك في كثير من المسائل الدينية. [النكتة 1] منها أن الله تعالى قد حكم بأن جميع أفعال العباد من خير وشر مخلوقة له تعالى واقعة بإرادته وقدرته عز وجل. لقوله: {خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وقوله: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} وقوله: {قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} وقوله: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ}

وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ} وقوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} وقوله: {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} وقوله: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} وقوله: {مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ} وقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} وقوله: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} وغير ذلك من الآيات. تعني أن جميع الحسنات بخلق الله تعالى. فما لهم لا يفهمون ذلك! أما العبد فليس له إلا الكسب الذي هو مدار الثواب. وأما قوله تعالى: {مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ} فهو على سبيل الإنكار، والكلام على تقدير همزة الاستفهام الإنكاري. والتقدير: فما

أصابك إلا الله تعالى، أي كيف تكون هذه التفرقة أمرا واردا على سبيل مجرد السببية ذلك دون الإيجاد والخلق توفيقا بين الكلامين؛ لأنه يمكن تأويل الآية الأخيرة بأحد هذين الوجهين المذكورين ولا يمكن تأويل الأولى، فيتعين حمل الثانية على الأولى دون العكس.

وأما قوله تعالى توبيخا للكفار: {وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا} وقوله: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ} وقوله: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ} وقوله: {فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ} وقوله: {لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ} وقوله: {لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} وقوله: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} وقوله: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} وقوله: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ} وأمثال ذلك من الآيات، فهو محمول على السببية والكسب والجزء الاختياري الذي هو مناط التكليف ومدار الثواب والعقاب؛ لا على الإيجاد والخلق والتأثير، توفيقا بين هذه الآيات السابقة المعارضة لها ظاهرا، لأنه يمكن تأويل هذه الآيات بالحمل على الكسب والجزء الاختياري والسببية. ولا يمكن تأويل الآيات السابقة المصرحة بأن جميع أفعال العبادبخلق الله تعالى بتأويل حسن يقبله العقل المستقيم،

كما أول بعض الشيعة بأن الفعل يجوز أن يسند ما له دخل في الجملة، ولا شك أن الله مبدئ لجميع الكائنات وينتهي إليه الكل، فلهذا السبب جاز إسناد أفعال العباد إليه. أقول: ولا يخفى عليك أن تأويل الآيات الدالة على أن أفعال العباد بقدرتهم بمثل هذه التأويل أولى أو أحق من تأويل الآيات المصرحة بأن جميع أفعال العباد بخلق الله تعالى بذلك التأويل، محافظة لتوحيد الحالق، ويكفي الكسب في ترتيب الثواب والعقاب، ولا تكفي السببية في توحيد الخالق، على أن نسبة المدخلية في الجملة إلى الله تعالى مع كونه الفاعل الخالق على الإطلاق إنما هو من سوء الأدب: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} بل الحري بأن يكون له مدخل في الفعل إنما هو العبد لكونه كاسبا

وله الجزء الاختياري في فعله لا الخلق والإيجاد والتأثير، إذ لا مؤثر ولا خالق في الوجود سوى الله تعالى، مع أنه إن أراد بمدخلية الله تعالى في أفعال العباد أن أفعالهم صادرة بإرادته تعالى فقد ثبت مطوبنا من أنه لا يمكن صدور شيء في الوجود إلا بإرادته وقدرته تعالى، وإن أراد أفعال العباد حادثة بمجموع قدرة الله تعالى وقدرة العبد لزم القصور في قدرة الله تعالى. والشيعة خالفوا في ذلك فقالوا إن أفعال العباد صادرة منهم بتأثيرهم وإيجادهم كالمعتزلة. نعم، توحيد الخالق ليس من الأمور المهمة التي تجب محافظتها

عند الشيعة، لأنهم يعتقدون أن عليا وأولاده رضي الله عنهم

يتصرفون في الكائنات ويفعلون ما يشاؤون بإرادتهم. بل قال بعضهم: إن عليا كرم الله وجهه هو المقدر للأرزاق، كما قال ابن معتوق الحويزي من شعرائهم -لعنه الله- في مدحه رضي الله عنه: ومعدن العلم مهبط الوحي ** لا بل مقدّر الأرزاق

والرافضة مع مخالفتهم لله تعالى فقد بارزوا الله تعالى بإثبات

قدرة خالقة لهم لقدرته تعالى، والكلام على هذه المسألة بالتفصيل

[النكتة 2]

لا يسعه هذا المختصر. وقد استوفيت البحث في شرحي على رسالة خلق الأعمال، لشيخنا قطب العارفين وغوث المرشدين حضرة مولانا خالد النقشبندي، قدس الله سره وأفاض علينا بره. [النكتة 2] ومنها أن الله تعالى قد ذكر في كلامه القديم أنه تعالى قد أرسل نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين، لقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}

فصار ما سوى النبي صلى الله عليه وسلم في العالمين أقل منزلة عند الله تعالى بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم وهو أفضل وأكبر منزلة عنده. ثم لأنه إذا كان رحمة للعالمين كان العالم في نجاته محتاجا إليه صلى الله عليه وسلم بداهة، ولا ريب أن المحتاج إليه أعلى منزلة من المحتاج. وكيف يختلج في قلب مسلم مساواة أحد من الأنبياء عليهم السلام لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فضلا عن مساواة أحد الأمة المحمدية له صلى الله عليه وسلم. وخالفت الشيعة في ذلك ووقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى؛ لأن من أصول مذهبهم الباطل اعتقاد المساواة في الفضيلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وعلي وأولاده رضي الله عنهم، كما هو مقرر في دفاترهم المشحونة بالغلط. وهذا من الأمور المكفرة لهم.

[النكتة 3]

[النكتة 3] ومنها أن الله تعالى قد أخبر بأن الصحابة رضي الله عنهم المؤمنين قد آمنوا بالرسل عليهم الصلاة والسلام كما هو مقتضى الأمر -وعلي رضي الله عنه من خواص المؤمنين- وذلك بقوله تعالى: {آَمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آَمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا

سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} ومن المعلوم بداهة أن المأمور من الأمة بالإيمان بذات من الأنبياء لابد أن يكون أقل درجة من ذلك النبي عند الله تعالى. والأمر بالإيمان به يدل على علو قدره ورفعة منزلته عند الله تعالى بالنسبة إلى رتبة من أُمر بالإيمان به. ولا ينجو ذلك المأمور إلا بالإيمان بذلك الشخص، لبداهة علو منزلة المتبوع على التابع. فإذا كان كذلك كما هو بديهي كان علي وأولاده الاثنا عشر رضي الله عنهم أقل منزلة بالنسبة إلى الرسل عليهم الصلاة والسلام، لأنهم مأمورون بالإيمان بالرسل عليهم الصلاة والسلام. فبالضرورة يلزم أن يكون كل من علي وأولاده الاثني عشر رضي الله تعالى عنهم أقل منزلة عند الله تعالى من الرسل عليهم الصلاة والسلام بداهة. وخالفت الرافضة في ذلك، وذهبوا إلى تفضيل علي وأولاده الاثني عشر رضي الله عنهم على الرسل عليهم الصلاة والسلام، كما هو مقرر في دفاترهم المشحونة بالغلط الفاحش. والعياذ بالله تعالى. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة. وهذه المسألة من

جملة الأمور المكفرة للرافضة بالإجماع.

[النكتة 4]

[النكتة 4] ومنها أن الله تعالى قد أخبر باستخلاف الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم مع تمكين دينهم الذي ارتضاه لهم، بقوله: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ

فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ} فإن الخطاب للصحابة رضي الله تعالى عنهم، ووعد الله حق. ولم توجد الخلافة على هذه الصفة إلا للخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. فهي التي وعد الله تعالى بها؛ لأن تمكن الأربعة في دينهم وزهدهم وجهادهم وفتوحاتهم قد بلغت حد التواتر بحيث صار إنكاره مكابرة وتعنتا. فوجب ضرورة أن توجد في جماعة الصحابة عليهم الصلاة والسلامم خلافة لجماعة يتمكن بها الدين. وهي خلافة الخلفاء الأربعة رضي الله تعالى عنهم. إذ لا وجود لغير خلافتهم على تلك الصفة بداهة. وخالفت الشيعة في ذلك وذهبوا إلى عدم صحة خلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم وعدم التمكين في الدين. بل ذهبوا إلى تكفيرهم والعياذ بالله تعالى. فإن ادعوا غير الأربعة فمن هم؟ فليبينوا لنا. والله مهما كذبوا لا يجدوا غير الخلفاء الأربعة على تلك الصفة عليهم الصلاة والسلامم. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة.

[النكتة 5]

[النكتة 5] ومنها أن الله تعالى قد أشار إلى صحة خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه بقوله: {قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ} فإن من المعلوم بداهة أن داعي المخلفين عن القتال إلى القتال لطلب الإسلام في هذه الوقعة ليس هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى: {سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ} إلى قوله: {قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ} فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم من هذه الآية أنهم لا يتبعونه أبدا، فكيف يدعوهم إلى القتال معه؟ فظهر أن هذه الدعوة حدثت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم. ولا عليا رضي الله تعالى عنه، لأنه لم يتفق في أيام خلافته قتال لطلب الإسلام، بل لطلب الإمامة ورعاية حقوقها، فلا يكون الداعي للقتال لطلب الإسلام الذي يجب باتباعه الأجر الحسن وبتركه العذاب كما أشار إليه بقوله تعالى: {فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا} إلا أحد الخلفاء الثلاثة أبا بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم. وعلى

أي منهم حملتم الآية فهو مطلوبنا وخلاف مطلبكم. وإن كنا معاشر أهل السنة والجماعة نحمل الآية على أبي بكر رضي الله تعالى عنه لأن القوم الذين قوتلوا إنما هم بنو

حنيفة أصحاب مسيلمة الكذاب، وذلك في خلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه. وإنكاره مكابرة وجهل وعناد.

وذهبت الشيعة إلى عدم صحة خلافته رضي الله تعالى عنه. فقد وقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 6]

[النكتة 6] ومنها أن الله تعالى قد أخبربأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه صاحب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ} وذلك أنه صلى الله عليه وسلم كان يلاطف أبا بكر رضي الله عنه لإزالة حزنه. ثم أنزل الله تعالى عليه السكينة وأزال حزنه بالسكينة.

وخالفت الشيعة في ذلك، فأنكروا صحبة أبي بكر رضي الله تعالى عنه للنبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا إنه كان من المنافقين -والعياذ بالله- كما هو مسطور في دفاترهم، مع تعيين حمل الآية على أبي بكر رضي الله تعالى عنه حتى عند الشيعة أيضا. فإنهم قالوا إنما نزلت السكينة على النبي صلى الله عليه وسلم لا على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، وهو من قبيل الهذيان؛ لأن الحزين إنما هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه وهو الحري بالسكينة، مع أن النبي

[النكتة 7]

صلى الله عليه وسلم لم تزل تنزل عليه السكينة، فلا حاجة إلى إخبار بنزول السكينة عليه في تلك الآية مع عدم كونه حزينا وخائفا. على أن عدم نزول السكينة على أبي بكر رضي الله تعالى عنه كما تدعيه الشيعة لا يقدح في صحبته المذكورة بقوله: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ} مع أن حمل نزول السكينة على النبي صلى الله عليه وسلم يستلزم كون الملاطف والقائل {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} إنما هو أبو بكر رضي الله تعالى عنه، فيدل الكلام على علو همته على همة النبي صلى الله عليه وسلم، فتكون غاية المدح له رضي الله تعالى عنه وتنقيصا لهمة النبي صلى الله عليه وسلم والعياذ بالله. فالشيعة يهذون من حيث لا يشعرون. فقد وقع الخلاف بين الله وبينهم. وهذه المسألة من جملة الأمور المكفرة لهم لاستلزامها إنكار القرآن من غير إمكان التأويل. [النكتة 7] ومنها أن الله تعالى قد ذكر في كتابه العزيز أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أمهات المؤمنين بقوله: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} وخالفت الشيعة في ذلك، لأنهم لا يحبون إلا خديجةوأم

سلمةرضي الله تعالى عنهما وعنهن، ولا يعدون جميع أزواجه صلى الله عليه وسلم أمهات لهم، لأنهم يقدحون في عائشة رضي الله تعالى عنها، وأم حبيبة أخت معاوية بن أبي سفيان، وحفصة بنت عمر بن الخطاب، وغيرهن؛ ويشتموهن والعياذ بالله، كما هو مسطور في

[النكتة 8]

دفاترهم الملعونة. وشتمهم لهن دليل على عدم كونهم من المؤمنين، لأن المؤمن لا يشتم أمه. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة. [النكتة 8] ومنها أن الله تعالى قد أثبت للنبي صلى الله عليه وسلم بنات بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} وخالفت الشيعة في ذلك، حيث قالوا لعنهم الله تعالى: ليست للنبي صلى الله عليه وسلم من بنات إلا فاطمةرضي الله عنها، وأما زينبورقيةوأم كلثومرضي الله تعالى عنهن فلسن بنات النبي صلى الله عليه وسلم عندهم، بل بنات خديجة رضي الله عنها من زوجها الأول. وذلك لأن عثمان رضي الله عنه لما تزوج بنتي النبي صلى الله عليه وسلم حملتهم شدة بغض عثمان رضي الله عنه على إنكار كونهن بنتي النبي صلى الله عليه وسلم وإنكار القرآن؛ فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 9]

[النكتة 9] ومنها أن الله تعالى طهّر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وأثنى عليهن وجعلهن من أهل البيت

بقوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا * وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا * وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ} وخالفت الشيعة في ذلك، واعتقدوا عدم كونهن من أهل البيت، ولا سيما عائشة، رضي الله تعالى عنهن. بل لم يقولوا بصحة إيمانهن سوى خديجة وأم سلمة رضي الله عنهما، وحملوا الآية على فاطمة وأولادها وعلي فقط، رضي الله تعالى عنهن. وأعمى الله تعالى قلوبهم وأبصارهم وبصائرهم عن كون الآية نازلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم كما هو صريح نون النسوة في الآيات التي قبل قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} وما بعده من سياق الآية وسباقها. فإنه إذا كان ما قبل قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ} الآية وما بعده في بحث النساء، كيف يمكن جعل قوله في القرآن المبين: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} الآية في فاطمة وعلي

وأولادهما رضي الله تعالى عنهم فقط مع كونه في قوة التعليل لما قبله؟ ولو حمل قوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ} الآية خصوصا بفاطمة وعلي وأولادهما رضي الله تعالى عنهم كان الكلام غير مرتبط بما قبله وما بعده بداهة. نعم، فاطمة وعلي وأولادهما رضي الله تعالى عنهم داخلون في أهل البيت، والآية تعمهم -وإن كانت نازلة في نساء النبي صلى الله عليه وسلم- لثبوت كونهم من أهل البيت بالأحاديث. وإن دخولهم في أهل البيت وشمول الآية لهم من كون الآية نازلة فيهم فقط. فتبصر ولا تكن عجميا في فهم سياق الآيات، أعمى القلب في زيادة الغلو في محبة السادات.

[النكتة 10]

[النكتة 10] ومنها أن الله تعالى قد عظّم نساء النبي صلى الله عليه وسلم واختارهن له صلى الله عليه وسلم ومنعه صلى الله عليه وسلم عن الزيادة على نسائه وعن تبديلهن بغيرهن بقوله: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ وَلَا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ} فإن هذه الآية صريحة فيما ذكرناه من تعظيمه لنساء النبي صلى الله عليه وسلم واختيارهن له، وأنه صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يزيد عليهن ولا يبدلهن بغيرهن ولو أعجبه حسن غيرهن، لأن الله تعالى اختارهن له صلى الله عليه وسلم

وعلم تعالى صلاحهن ولياقتهن لأن يكنّ أزواجا له صلى الله عليه وسلم. وخالفت الشيعة في ذلك، لأنهم لا يعتبرون إلا خديجة وأم سلمة رضي الله تعالى عنهما، ولأنهم يقدحون في عائشة وحفصةوأم حبيبةرضي الله عنهن قدحا لا يليق بعِرْض النبي صلى الله عليه وسلم. أخزاهم الله تعالى، كيف يدّعون أنهم من أمة محمد صلى الله عليه وسلم ويقدحون في عرضه صلى الله عليه وسلم؟ ما أعماهم وأصمهم عما يليق بالنبي صلى الله عليه وسلم وعما لا يليق! فما هم إلا أعداءه وخصماء لله والمسيئين الظن فيه تعالى، لأن الله تعالى إذا كان هو اختارهن أزواجا له صلى الله عليه وسلم ومنعه عن الزيادة عليهن وعن تبديلهن بغيرهن، كيف يتصور مسلم خيانة الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم؟ فيا لها من مصيبة تخزي الشيعة في الدنيا والآخرة خزيا لا يشبه خزي أحد من الكفار. نعوذ بالله تعالى من سوء المنقلب.

[النكتة 11]

[النكتة 11] ومنها أن الله تعالى قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار والمنافقين بقوله: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} وأخبره تعالى بأنه محفوظ من شر الناس فلا يخاف أحدا بقوله: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وعلى هذا يجب على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجاهد الكفار والمنافقين ولا يسكت عنهم تقية. والشيعة يزعمون بزعمهم الباطل ويقولون إن أبا بكر وعمر وعثمان وسائر الصحابة كلهم رضي الله تعالى عنهم منافقون

وكفرة، وإنه صلى الله عليه وسلم ترك جهادهم تقية. ومع هذا فقد تزوج صلى الله عليه وسلم بنت أبي بكر رضي الله تعالى عنه وبنت عمر رضي الله تعالى عنه وأخت معاوية رضي الله تعالى عنه، وزوّج بنتيه لعثمان رضي الله تعالى عنه؛ ويزعمون أن ذلك كله تقية. فيلزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خالف أمر الله تعالى وترك جهادهم، بل نافقهم مع عدم خوفه من الناس وعصمته منهم؛ وذلك محال بداهة لاستلزامه مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم لأمره تعالى. على أنه إذا قالوا بتكفير جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم والعياذ بالله تعالى، فبأي جيش يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم الكفار والمنافقين؟ ومن الكافرون والمنافقون الذين يقاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم؟ ومن المؤمنين الذين يقاتل النبي صلى الله عليه وسلم بهم جيوش الكفار والمنافقين؟ فانظر إلى هذه الشنيعة. فإن صح ما ذكرته الشيعة من أن جميع الصحابة رضي الله تعالى عنهم كفار ومنافقون -والعياذ بالله تعالى- لزم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد خالف أمر الله تعالى بترك جهادهم، مع أنه صلى الله عليه وسلم مكلف بجهاد الكفار والمنافقين. وذلك من المحال للنبي صلى الله عليه وسلم كما سبق. وإن ما قالته الشيعة -وهو بلا ريب كذب وافتراء وتزوير لما تواتر من

بذل الصحابة رضي الله تعالى عنهم أنفسهم وأولادهم وأموالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله تعالى- لزم [منه] مخالفة الشيعة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما هو مذهبهم المبني على مخالفة القرآن العظيم.

[النكتة 12]

[النكتة 12] ومنها أن الله تعالى قد أثبت للصحابة رضي الله تعالى عنهم الخيرية على سائر الأمم وشهد لهم بذلك بقوله: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} وقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وشهدت الشيعة بأن الصحابة رضي الله تعالى عنهم شر الناس -والعياذ بالله- بأن قالوا إن بعضهم كافر منافق وبعضهم ارتد بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ستة منهم، وتارة يقولون كلهم منافقون - أخزى الله تعالى الشيعة وأعماهم وأصمهم وأجهلهم وأشهدهم بالزور والافتراء والبهتان، لأنه كيف يتصور عاقل أن

[النكتة 13]

يشهد الله تعالى بخيرية أناس منافقين أو مرتدين بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهو العالِم تعالى بعواقب الأمور التي لا عبرة إلا بخواتمها. فقد وقع الخلاف بين شهادة الله تعالى وشهادة الشيعة. [النكتة 13] ومنها أن الله تعالى قد جعل عائشةرضي الله تعالى عنها من الطيبات ووعدها بالمغفرة والرزق الكريم في الجنة بما أنزل في حقها رضي الله تعالى عنها في قوله تعالى: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ

لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} وحكمت الشيعة مع اعترافهم بنزول هذه الآية في تزكية عائشة رضي الله تعالى عنها بأنها ليست من الطيبات، بل حكموا بكفرها، والعياذ بالله تعالى. ويلزم من قولهم الملعون مع تناقضه مع علم الله تعالى أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم الذي هو أطيب العالمين ذاتا وخَلْقا وخُلُقا ووصفا وشمائل غير طيب، والعياذ بالله تعالى، لأن الآية ناطقة بأن الخبيثات إنما تصلح للخبيثين. فيلزم من خبث عائشة رضي الله تعالى عنها، والعياذ بالله، خبث النبي صلى الله عليه وسلم، والعياذ بالله تعالى. والله أكبر على هذه الجسارة المؤدية إلى قدح النبي صلى الله عليه وسلم. فما هي رضي الله تعالى عنها إلا طيبة خيرة طاهرة صالحة لأن تكون زوجة أطيب العالمين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بنص الآية رغما على أنوف الرافضة؛ لأنه يستحيل أن يشهد الله تعالى بطيب من يعلم ردته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، لعلمه بعواقب الأمور. أخزاهم الله تعالى كيف يدّعون الإسلام ويقولون في زوجة

نبيهم صلى الله عليه وسلم من الكلام والقدح واللعن ما يفتح باب اعتراض سائر الملل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه إذا كان نبيا كيف تكون زوجته غير طيبة؟ والعياذ بالله تعالى من سوء المنقلب. وهذه الآية من الآيات المكفرة للرافضة. على أن وعد الله تعالى إياها رضي الله تعالى عنها بالمغفرة يوم القيامة والرزق الكريم في الجنة كما هو منطوق الآية مما يسوّد وجوه الشيعة يوم تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه.

[النكتة 14]

[النكتة 14] ومنها أن الله تعالى قد وعد الصحابة رضي الله تعالى عنهم بعدم الخزي يوم القيامة بقوله: {يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ} ووعدتهم الشيعة بالخزي والنار. ومن المعلوم بداهة أن قد ثبت إيمان الصحابة رضي الله تعالى عنهم وجهادهم بأنفسهم وأموالهم مع النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل الله. ووعدِهم الله تعالى إياهم بعدم الخزي يوم القيامة دليل صريح على أن الصحابة رضي

[النكتة 15]

الله تعالى عنهم قد ماتوا على كمال الإيمان وعلى أن الله تعالى قد رضي عنهم وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم. لأنه لا يمكن ضرورةً أن يَعِد الله تعالى أناسا بعدم الخزي يوم القيامة وهو يعلم نفاقهم أو ردتهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة في الوعد. [النكتة 15] ومنها أن الله تعالى قد أخبر بأنه قد رضي عن الصحابة

الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة، وكانوا مائة ألف ونحو أربعمائة على ما بلغنا بالتواتر المفيد للتعين، وذلك بقوله تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} ومن المعلوم بداهة أن من رضي عنه الله تعالى لا يمكن موته على الكفر؛ لأن العبرة في حصول الرضا إنما هو بالموت على الإسلام، ولا يمكن أن يقع الرضا منه تعالى إلا على من علم موته على الإسلام، وأما من علم موته على الكفر والردة فلا يمكن أن يجزيه الله بأنه قد رضي عنه. وغضبت الرافضة على الصحابة رضي الله تعالى عنهم. فوقع خلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 16]

[النكتة 16] ومنها أن الله تعالى قد أخبر بأنه قد رضي عن السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار ومن اتبعهم بإحسان وأنه تعالى وعدهم بالجنات والخلود فيها بقوله: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ

[النكتة 17]

الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} ومن جملة المهاجرين بل أجلهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله تعالى عنهم، بل أبو بكر رضي الله تعالى عنه أولهم لأنه هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحَبه في الغار. وغضبت الشيعة عليهم، بل كفرتهم وعدتهم في النار، والعياذ بالله تعالى، فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 17] ومنها أن الله تعالى قد أخبر أن فقراء المهاجرين الذين

أخرجوا من ديارهم وأموالهم يطلبون فضل الله ورضوانه ونصرة الله ورسوله على دينه، وأخبر أيضا بأنهم صادقون في طلبهم المذكور، وذلك بقوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} وكذبتهم الشيعة وكفرتهم، فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 18]

[النكتة 18] ومنها أن الله تعالى قد أثنى على الأنصار أهل المدينة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}

[النكتة 19]

وذمتهم الشيعة بل كفرتهم؛ فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى، لأنهم لا يقولون بإيمان أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم من المهاجرين والأنصار إلا بإيمان ستة منهم أبي ذر وعمار وسلمان الفارسي وأنس بن مالك والمقداد، ولا يخطر ببالي السادس وأظنه جابرا. [النكتة 19] ومنها أنه تعالى بعدما أثنى على أهل المدينة الأنصار قد ذكر حال من جاء بعدهم أنه كيف ينبغي أن يكون حالهم على وجه مرْضي وهو في مقام الثناء عليهم بكونهم يطلبون المغفرة لمن سبقهم بالإيمان بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ

[النكتة 20]

آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} وذهبت الشيعة إلى أن الوجه المقبول المرضي الحسن أن يلعن آخر هذه الأمة أولها وأن يكره من آمن أولا ويذل المؤمنين ويتقرب إلى الله تعالى بلعن الأولين السابقين في الإيمان كما هو مذهبهم الملعون المسطور في دفاترهم. فوقع الخلاف بين الله تعالى وبينهم. [النكتة 20] ومنها أن الله تعالى قد أثنى على جميع الصحابة رضي الله

تعالى عنهم وذكر محاسنهم ومناقبهم -من كونهم أشداء في العداوة مع الكفار رحماء فيما بينهم، كأنهم إخوان يرحم بعضهم بعضا، راكعين ساجدين لله تعالى، علاماتهم وأمثالهم مذكورة في التوراة والإنجيل، وغير ذلك من الأوصاف الحميدة- وذلك بقوله تعالى: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} فانظر إلى ما في هذه الآية من الثناء على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الثناء على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه رسول الله، وذلك بأن

وصفهم بالشدة والغلظة على الكفار وبالرحمة فيما بينهم وأثنى عليهم بكثرة الركوع والسجود وكثرة الأعمال الصالحة وسعة الرجاء من فضل الله تعالى ورحمته بابتغائهم فضله ورضوانه وبأن آثار تلك الأعمال الصالحة ظاهرة في وجوههم بحيث إذا نظر إليهم أحد بهره حسن سمتهم وعلامتهم. ومن ثمّة قال الإمام مالك: "بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة رضي الله عنهم الذين فتحوا الشام يقولون: والله لهؤلاء خير من الحواريين، فيما بلغنا". وقد صدقوا في ذلك. فإن هذه الأمة المحمدية خصوصا الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يزل ذكرهم معظما في الكتب كما قال تعالى في هذه الآية: {ذَلِكَ مَثَلُهُمْ} أي وصفهم بما مر في التوراة، ومثلهم في الإنجيل: {كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ} أي إفراطه {فَآَزَرَهُ} أي شدّه وقوَاه {فَاسْتَغْلَظَ} أي شبّ وطال

{فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} أي تعجبهم قوته وغلظه وحسن منظره؛ فكذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، آزروه وأيدوه ونصروه، فهم كالشطأ مع الزرع ليغيظ بهم الكفار. وخالفت الشيعة الباري تعالى في ذلك، فذموا الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقدحوهم، بل كفروهم وجعلوهم من المنافقين، وذكروا أن بينهم عداوة على خلاف ما ذكره الله تعالى في هذه الآية الكريمة من أوصافهم الحميدة. ومن هذه الآية أخذ الإمام مالك رضي الله تعالى عنه كفر الروافض الذين يبغضون الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال: "لأن الله تعالى قال: {لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ} والرافضة يغتاظون من الصحابة رضي الله تعالى عنهم، ومن غاظه الصحابة فهو كافر بنص هذه الآية". قال علامة البشر أحمد بن حجر المكي الهيتمي طاب ثراه:

[النكتة 21]

وهو مأخذ حسن يشهد له ظاهر هذه الآية، ومن ثم وافقه الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه وجماعة من الأئمة، في الحكم بكفر الرافضة. وكفى بتعديل الله تعالى وتزكيته للصحابة رضي الله تعالى عنهم تعديلا وتزكية، فكلهم عدول أبرار لا يحتاجون إلى تعديل أحد بعد تعديل الله تعالى إياهم. وقد وعد الله تعالى جميعهم بالمغفرة والأجر العظيم، لأن "من" في قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} لبيان الجنس لا للتبعيض، ووعده تعالى حق وصدق لأنه لا يخلف الميعاد. وإذا علمت ما تلونا عليك فقد علمت مخالفة الشيعة لله تعالى. [النكتة 21] ومنها أن الله تعالى قد وعد جميع الصحابة رضي الله تعالى

[النكتة 22]

عنهم بالجنة بقوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} أي الجنة. ووعدت الشيعة الصحابة رضي الله تعالى عنهم بالنار. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 22] ومنها أن الله تعالى قد أثنى على الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومدحهم بأنهم يحبون الله تعالى والله يحبهم وأنهم ذليلون للمؤمنين شديدون على الكافرين مجاهدون في سبيل الله لا تأخذهم في الله لومة لائم، وذلك بقوله تعالى: {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} وقالت الشيعة إن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أعداء الله تعالى

والله عدوهم يبغضهم ويبغضونه وإنهم كفرة ومنافقون، والعياذ بالله تعالى. وأنت ترى هل يوجد بعد الصحابة رضي الله عنهم قوم بتلك الأوصاف المذكورة في هذه الآية، وهل وجد في الدنيا غيرهم على تلك الأوصاف، وهل وقع الجهاد المذكور لغيرهم؟ فإن ادعيت أيها الرافضي وجود غيرهم فبيّن لنا ذلك القوم. كيف وجهاد الصحابة وبذل أنفسهم وأموالهم وأولادهم في سبيل الله وفتحهم البلاد مما لا ينكره إلا متعنت مكابر حمار؛ لأنهم بذلوا المهج والأموال في فتح البلاد وقتلوا أباءهم وأولادهم وأقاربهم في سبيل الله تعالى وصاروا سببا لإسلام الفرس والترك والعرب وغيرهم.

فكيف تتصور هذه الأفعال الحميدة والمساعي الخيرية التي شهد بها الله تعالى من كافر أو منافق، وكل أحد قد كافئ الصحابة رضي الله تعالى عنهم على تسببهم في إسلامه بطلب الرضوان من الله تعالى لهم والترحم عليهم في كل وقت إلا الفرس، فإنهم لما كانت المجوسية الأصلية مكنونة في قلوبهم اغتاظوا من الصحابة رضي الله تعالى عنهم على تسببهم في إسلامهم وفتح البلاد الفارسية من أيديهم، فكانت مكافأتهم باللعن والتكفير. {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} نعم، "وكل إناء بالذي فيه ينضح".

[النكتة 23]

[النكتة 23] ومنها أن الله تعالى قد وصف شخصا بكونه أتقى

في قوله تعالى: {وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى * الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى *إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى * وَلَسَوْفَ يَرْضَى} فنحن معاشر أهل السنة والجماعة نقول إنه أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه؛ لأن الآية نزلت فيه لما اشترى بلالا رضي الله تعالى عنه في جماعة من العبيد تولاهم المشركون وكانوا يؤذونهم وأعتقه، فقالت اليهود إن أبا بكر ما فعل ذلك لوجه الله تعالى بل لما كان لبلالمن جماعته من النعمة والإحسان على أبي بكر رضي الله تعالى عنه في أيام الجاهلية، فاشتراهم وأعتقهم مكافأة لما كان لهم عليه من النعمة والإحسان في الجاهلية، فنزلت الآية ردا على ما زعمته اليهود. فمصداق هذه الآية إنما هو أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه لا غير. لأن علي بن أبي طالب

كرم الله وجهه لميكن له مال أصلا، بل النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي رباه، وذلك لأن أبا طالب كان فقير الحال وكان له عيال كثير فتشاور النبي صلى الله عليه وسلم مع عمّيه حمزةوالعباسعلى مساعدة أبي طالب في الجاهلية، فذهبوا إلى أبي طالب وطلبوا منه بعض أولاده فقال: اتركوا لي عقيلا وخذوا الباقين، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله تعالى عنه، وأخذ حمزة رضي الله عنه طالبا، والعباس جعفرا رضي الله عنهم، وتحملوا كلفتهم عن أبي طالب. ولا يصلح علي رضي الله عنه لأن يكون مصداقا لهذه الآية لأن قوله تعالى: {الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى * وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى} مانع من حمل الآية على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، لأنه لم يكن له مال وكان في الجاهلية صغيرا في حجر النبي صلى الله عليه وسلم. فلا يتصور أن يكون لأحد عليه نعمة، فلم يكن مصداقا للآية. وأما أبو بكر رضي الله تعالى عنه فكان له مال قد أنفقه في سبيل الله تعالى، وكان كبيرا في الجاهلية مستقلا بنفسه، فيمكن أن يسعفه أحد بشيء.

فثبت ثبوتا قطعيا أنه قد وجد رجل أتقى من غيره بنص هذه الآية، ليس هو علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه للمانع المذكور. فإن سلّمت الشيعة أنه أبو بكر رضي الله تعالى عنه لأن الآية نزلت فيه فقد اعترفوا بأن أبا بكر رضي الله تعالى عنه أفضل من علي رضي الله تعالى عنه، لأن الأتقى أفضل، ووافقوا كلام الله تعالى واتبعوه. وإن قالوا إنه رجل غير أبي بكر وغير علي فقد ثبت وجود رجل أفضل من علي وهو خلاف اعتقادهم. وإن قالوا إنه علي رضي الله عنه فقد خالفوا كلام الله تعالى ووقع الخلاف بين الله تعالى وبينهم، لأن في الآية مانعا ظاهرا عن حملها على علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وإنكار ذلك مجرد تعنت ومكابرة وحمق وغلو.

[النكتة 24]

[النكتة 24] ومنها أن الله تعالى قد أثبت الكثرة لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ووعده بدخول الأفواج في دين الله وأمره بالجهاد على ذلك، وهو لا يخلف الميعاد،

وذلك بقوله تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} وقوله: {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ * ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وذهبت الصحابة إلى عدم كثرة الصحابة رضي الله تعالى عنهم لأنهم لا يقولون إلا بصحبة ستة. وأنت ترى أنه تعالى كيف {رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ} وأنه أنزل عليهم السكينة بعد هزيمتهم وأيدهم بالملائكة. فقد وقع الخلاف بين الله تعالى والشيعة.

[النكتة 25]

[النكتة 25] ومنها أن الله سبحانه وتعالى قد ذكر أوصاف الصحابة الحميدة في مقام المدح لهم واستجاب لهم دعاءهم وأنه تعالى لا يضيع أعمالهم وبيّن أنهم رضي الله عنهم لا زالوا يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم لا يفترون عن ذكره تعالى ووعدهم بتكفير سيئاتهم وإدخالهم الجنة لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ*رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ*رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ*رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ*فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ}

فإن هذه الآيات النازلة في الصحابة رضي الله عنهم بدليل قوله: {فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ} من أعظم الأدلة على علو قدر الصحابة رضي الله تعالى عنهم عند الله تعالى، لأنها مصرحة بأنهم يذكرون الله تعالى ولا يفترون ولا يغفلون عن ذكره تعالى ولو في حالة الاضطجاع للنوم، فلا يتركون ذكر الله تعالى إلا في حالة النوم، وأنهم يتفكرون في آثار السموات والأرض للاستدلال على ثبوت وحدانية الله تعالى، قائلين: {إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا} أي سمعنا نداء محمد صلى الله عليه وسلم فآمنا به طالبين الغفران وتكفير السيئات والوفاة على الإيمان مع الأبرار وعدم الخزي يوم القيامة. ثم أخبر تعالى أنه استجاب لهم جميع ما طلبوا وأنه لا يضيع أعمالهم. ثم فصّل أحوال المهاجرين منهم، فثبت بهذه الآية وفاتهم على الإيمان وفاة الأبرار الأخيار لأنهم طلبوه واستجاب لهم الله تعالى. وهل بعد استجابة الله تعالى لسؤالهم الموت مع الأبرار من شبهة في موتهم على الإيمان؟ نعم، الشبهة في قلوب الذين كفروا بآيات الله.

[النكتة 26]

وذهبت الشيعة إلى أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم ارتدوا وماتوا على الكفر. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 26] ومنها أن الله تعالى قد آوى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأيدهم بنصره ورزقهم من الطيبات بقوله تعالى: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ

[النكتة 27]

مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} وذهبت الشيعة إلى أن الله تعالى قد طردهم وعاداهم. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 27] ومنها أن الله تعالى قد ذكر أنه أيد النبي صلى الله عليه وسلم بالصحابة رضي الله عنهم وألّف بين قلوبهم وجعلهم إخوانا بعضهم يحب بعض بقوله: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ*وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} وذهبت الشيعة إلى أنهم كانوا يخونون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنهم كانوا أعداء بعضهم يبغض بعضا لا ألفة بينهم. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 28]

[النكتة 28] ومنها أن الله تعالى قد مدح الصحابة رضي الله تعالى عنهمبالشجاعة وبأن القليل منهم يقاوم الكثير من الكفار وبأنهم كافون لرسول الله صلى الله عليه وسلم في المساعدة والتأييد بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ*الْآَنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ}

[النكتة 29]

وذهبت الشيعة إلى جبن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما لا يخفى على من نظر إلى قصة حنين المسطورة في دفاترهم اليهودية. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 29] ومنها أن الله تعالى قد ذكر أحوال المهاجرين رضي الله عنهم بأنهم جاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله تعالى ونصروا الني صلى الله عليه وسلم وأن بعضهم أولياء بعض ينصر بعضهم بعضا، وذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وذهبت الشيعة إلى أنهم نافقوا ولم ينصروا النبي صلى الله عليه وسلم وأن بعضهم أعداء بعض.

[النكتة 30]

فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 30] ومنها أن الله تعالى قد ذكر أن المهاجرين المجاهدين في سبيل الله الناصرين لدينه ونبيه صلى الله عليه وسلم هم المؤمنون إيمانا كاملا حقا وأن لهم مغفرة من الله تعالى ورزقا كريما، وذلك بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} فإن قوله: {هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا} بالحصر يدل على كمال إيمانهم بالنسبة إلى غيرهم، لأن الحصر لإفادة الكمال لا لنفي الإيمان عمن غيرهم بدليل قوله: {حَقًّا} أي إيمانا حقا كاملا وقوله: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ} وذهب الشيعة إلى أنهم كافرون وأنهم في غضب الله تعالى

[النكتة 31]

وأن من آمن يعد كذلك. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 31] ومنها أن الله تعالى قد ذكر نصر الصحابة رضي الله تعالى عنهم في مواضيع كثيرة وأنه أنزل عليهم السكينة بعد أن ولوا مدبرين وأنزل الملائكة للقتال معهم تأييدا لهم، وذلك بقوله تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ*ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} وذهبت الشيعة إلى أن الله تعالى خذلهم وأنهم لم يزالوا خائفين

[النكتة 32]

ليس لهم سكينة. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 32] ومنها أن الله تعالى قد ذكر أنه قد تاب على المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأنهم قد اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم في ساعة العُسرة وأنه قد تاب الله على الفريق الذي كادت

قلوبهم أن تزيغ وعلى الثلاثة الذين خُلفوا عن غزوة تبوك، وهم كعب بن مالك الشاعر ومرارة بن الربيع وهلال بن أمية، وكلهم من الأنصار، وذلك بقوله تعالى: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ*وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} وذهب الشيعة إلى أن الله تعالى غضب عليهم ولعنهم ولم يتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى.

[النكتة 33]

[النكتة 33] ومنها أن الله تعالى قد جعل مرتبة الأنبياء مقدمة على الصديقين، ومرتبة الصديقين مقدمة على الشهداء، ومرتبة الشهداء مقدمة على الأولياء الصالحين، بقوله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} وذهبت الشيعة إلى مساوارة الأولياء والأئمة الائني عشر رضي الله تعالى عنهم مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الدرجة والفضيلة

وأفضليتهم على جميع الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام.

[النكتة 34]

فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. وهذا من جملة المكفرة لهم بالإجماع. [النكتة 34] ومنها أن الله تعالى قد بيّن الأولياء بقوله: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ*الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} فجعل كل من يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه وسلم ويتقي داخلا في سلك الأولياء، فالآية تعمّ وتصدق على أن كل مؤمن متقي فإنه من الأولياء. وذهب الشيعة إلى تخصيص الولاية بالأئمة الائني عشر رضي الله

[النكتة 35]

تعالى عنهم وحصرها فيهم وسلب الولاية عن سائر المتقين. فوقع الخلاف بينهم وبين الله تعالى. [النكتة 35] ومنها أن الله تعالى قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما أُنزل إليه من الله تعالى إلى عباده بقوله: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} وذهب الشيعة إلى أن الله تعالى قد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يجعل الخليفة من بعده علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وأنه صلى الله عليه وسلم قد أشار في مرض موته إلى علي رضي الله عنه خفية بأنه الخليفة من بعده بالاستحقاق، وأن الآية نزلت في علي رضي الله تعالى عنه، أي بلِّغ ما أنزل إليك من أمر علي، بزعمهم الباطل، إلا أنه أسرّ أمر الخلافة بينه وبين علي وأمره بعدم دعوى الخلافة

بعده وبكتم أمرها لأمر ما، على ما هو مسطور في بعض دفاتر ابن المنجَّس الحلي وغيره. فانظر إلى هذا الهذيان المستلزم لعدم تبليغ النبي صلى الله عليه وسلم أوامر الله تعالى، لأن معنى التبليغ إعلان الأمر لجميع الأمة. فما أعمى بصائرهم! والعياذ بالله تعالى من سوء المنقلب. وغير ذلك من المخالفات التي لا تحصى الواقعة بين الله تعالى والشيعة. ومن تتبع القرآن العظيم وأمعن النظر فيه غاية الإمعان واطلع على ما في دفاتر الشيعة من الهذيان فقد وقف على مخالفات كثيرة بينهم وبين الله تعالى في الأحكام والعقائد والسير والأخبار والجرح والتعديل، لأن مذهبهم مبني على الغلو في علي وأولاده رضي الله تعالى عنهم، وقواعد مذهبهم التي بُني عليها إنما هي لأغراض فاسدة والكذب واللعن والغلو. والقرآن مشحون بالرد عليهم وهم بمعزل عن اتّباعه،

حتى أن الصافي الكدر من علماء الشيعة لعنه الله تعالى قد ذكر في مقدمة تفسيره (¬1) أن القرآن الموجود المتلو الآن ليس كلام الله تعالى، والقرآن الذي هو كلام الله تعالى حقيقة إنما قد أخفاه أهل البيت رضي الله عنهم وأمروا شيعتهم بأن يتلوا هذا القرآن إلى أن يأتي أمر الله فيظهر القرآن الحقيقي. فراجع التفسير المذكور حتى تقف على هذا الكفر الصريح وأمثاله، فإن مقدمته مشحونة بالكفريات الصريحة. فانظر إلى جسارة الرافضة على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والصحابة رضي الله عنهم بحيث أدّاهم بغضهم للصحابة رضي الله تعالى عنهم إلى إنكار القرآن الذي هو أعظم معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. ومنهم من قال إنه نقص منه عشرة أجزاء! والله يقول: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} وجميع ما ذكرته من عقائد الرافضة في حق الصحابة رضي الله تعالى عنهم مسطور في دفاتر علمائهم، سفهاء المتقدمين والمتأخرين. ولقد وقعت على عدة كتب من دفاترهم للصافي الكدر وغيره مشحونة بهذيانات، لو اطلعتَ عليها لوليت عنهم لاعنا ولملئت منهم غيظا. ¬

(¬1) قال في تفسير الصافي ج1 ص49: "أقول: المستفاد من جميع هذه الأخبار وغيرها من الروايات من طريق أهل البيت عليهم السلام أن القرآن الذي بين أظهرنا ليس بتمامه كما أُنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم بل منه ما هو خلاف ما أنزل الله ومنه ما هو مغير محرف وإنه قد حذف عنه أشياء كثيرة منها اسم علي عليه السلام في كثير من المواضع ومنها غير ذلك وأنه ليس على الترتيب المرضي عند الله وعند رسوله صلى الله عليه وآله وسلم"

§1/1