النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد

إبراهيم بن سعيد الصبيحي

القسم الأول «تراجم الرجال الذين تكلم عليهم المعلمي وبذيله الفوائد الصحيحة المستخرجة من حواشي الكتاب»

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي وَأَثَرُهُ فِي عِلْمِ الحَدِيثِ المُسَمَّاة النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد إِعدَاد أَبِي أَنَس إِبْرَاهِيَم بنْ سَعِيْد الصبَيْحي الْقسم الأول «تراجم الرِّجَال الَّذين تكلَّم عَلَيْهِم المعلمي وبذيله الْفَوَائِد الصَّحِيحَة المستخرجة من حَوَاشِي الْكتاب» دَارُ طَيْبَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد (1)

(ح) دَار طيبَة للنشر والتوزيع، 1431 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الصبيحي، إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم موسوعة المعلمي الْيَمَانِيّ وأثره فِي علم الحَدِيث الْمُسَمَّاة (النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد)./ إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم الصبيحي - الرياض، 1431 هـ 4 مج. ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 1) 1 - عُلُوم الحَدِيث. 2 - الحَدِيث - الْجرْح وَالتَّعْدِيل. 3 - الحَدِيث - علل. أ - العنوان ديوى 230 - 19/ 1431 رقم الْإِيدَاع: 19/ 1431 ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 1) جَمِيعُ الحُقُوق مَحفُوظَةٌ الطَّبعَةُ الأولى 1431 هـ - 2010 م دَار طيبَة للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - السويدي ش. السويدي الْعَام - غرب النفق - ص. ب 7612 الرَّمْز البريدي 11472 - هَاتِف 4253737 (6 خطوط) - فاكس 4258277

مقدمة الطبعة الثانية للقسم الأول

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الثانية للقسم الأول الحمد لله مُبْدِأُ النِّعم ومُتِمُّها، والمتفضل بالمعونة أولًا وآخرًا، أحمده سبحانه إِذْ ألْهم الفِكْرة، وهيّأ الأسباب، ويسّر السبيل، وأسأله تعالى كما وفّق لختام هذا العمل: أن يختم لي بخاتمة خيرٍ، آمين. أما بعْدُ فتأتي هذه الطبعة الثانية للقسم الأول من كتاب "النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد" ضمن الطبعة الأولى لبقية أقسام الكتاب -حيث تخرج هذه الموسوعة كاملة لأول مرّة- ويشتمل هذا القسم على: "تراجم الرجال" الذين تكلم عليهم الشيخ المعلمي جرحًا وتعديلًا، مع ما فتح الله به من المتمِّمات والمكمِّلات والتعقُّبات في تعليقاتي على تلك التراجم، مشتملًا ذلك أحيانًا على بعض الأبحاث الخاصّة بالجرح والتعديل، أو نحو ذلك من مُهِمّات هذا الفنّ. وقد كنتُ ذكرتُ في أُوّلِ الطبعة الأولى من هذا القسم أنني قد قسّمْتُ الكتاب إلى أربعة أقسام: هذا أحدها. والثاني: في بيان الشيخ المعلمي لمناهج بعض أئمة النقد وغيرهم من المصنفين. الثالث: في بيان منهج الشيخ المعلمي في نقد الأخبار من خلال انتقاء أحاديث وآثار قد تكلم عليها تصحيحًا وتضعيفًا، لاسيما التي تُظهر براعته وتميُّزه عن كثير من المتأخرين والمعاصرين. والرابع: في القواعد الاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد. ثم عنّ لي الاكتفاء من القسم الثالث بسياق عدد من الأخبار انتقيتُها. من تعليقات الشيخ المعلمي على "الفوائد المجموعة" معتمدًا في ذلك على عرْضٍ مميّزٍ يُبرزُ رأيه وطريقته في باب النقد، يُعْرف ذلك بمقارنة تناوله للطرق بتناول غيره، وبالأضداد تُعرف الأشياء.

وقد جعلتُ ذلك مُلحقًا في آخر القسم الأخير -هو القسم الثالث حاليًا- فانتظم الكتاب أخيرًا في ثلاثة أقسام: الأول: الذي بين أيدينا. والثاني: مناهج بعض أئمة النقد. والثّالث: القواعد الاستقرائية المشار إليها آنفًا، ويلتحق به في آخره: المنتقى من الأخبار المذكورة. وقد طُبع القسمان الأخيران مع هذا القسم ليتمّ الكتابُ، والحمد لله رب العالمين. وقد زدتُّ في هذه الطبعة من القسم الأول أمورًا: الأول: بعض التراجم التي فاتتني في الطبعة السابقة، وعددها عشرون ترجمة، أعطيتها رقمًا مسلسلًا خاصًا بها مسبوقًا بالحرف [ز]؛ وذلك حفاظًا على الأرقام الأصلّية لتراجم الطبعة السابقة. الثاني: استخرجت أهم الفوائد التي وقعت في حاشيتي على كلام المعلمي، فجعلتها بعد انتهاء التراجم، معزوةً إلى أماكنها من الكتاب، وقد يحتاج المقام إلى بعض التصرف والاختصار، فيُرجع للأصل إذا احتيج إلى ذلك. وكذا صوبتُ ما وقع من أخطاء في الطبعة الأولى. فالحمد لله على توفيقه وإعانته، وأسأله تعالى أن يتقبل مني هذا العمل، وأن ينفع به، ويكتب له القبول، إنّه سبحانه عفو كريم. وكتبه أبو أنس إبراهيم بن سعيد الصُّبَيْحي الدوحة - قطر في السابع عشر من شهر رجب الخير لعام 1430 هـ الموافق للعاشر من شهر يوليو لعام 2009 م جوال: 9745788137 + بريد إلكتروني: [email protected]

مقدمة الطبعة الأولى

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة الطبعة الأولى ربِّ أعِنْ على ما تُحبُّ وترضى الحمْدُ للهِ الفتّاحِ المنّانِ، ذِي الطّوْلِ والفضْلِ والإحسانِ، الّذي منّ علينا بالإيمان، وفضّل ديننَا على سائر الأديان، ومحا بحبيبه وخليلهِ ورسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- عِبادة الأوثان، وخصّهُ بالمعجزةِ والسُّننِ المُسْتمرة على تعاقُب الأزمانِ. وبعْدُ، فهذه دُررٌ منتثرة، وغُررٌ منتشرة، وزواهرُ مختلفة، وجواهرُ مؤتلفة، مشتملةٌ على فوائد وافية، ومسائل شافية، ومطالب شريفة، ومباحث نفيسة، حسْبما وقع انتخابي حين المطالعة لمؤلفات وآثار الشّيخ العلّامة المحقق ذهبي العصر: عبد الرّحمن ابن يحيى المعلمي اليماني. وقد انتظم سلكُ ما انتخبتُه من كلام شيخنا الأقسام الأربعة التالية: القسم الأوّل: في تراجم الرجال الذين تكلم عليهم الشّيخ المعلمي جرحًا وتعديلا. القسم الثّاني: في بيان الشّيخ المعلمي لمناهج بعض أئمة النقد وغيرهم من المصنفين في كتبهم ومصنفاتهم. القسم الثّالث: في بيان منهج الشّيخ المعلمي في نقد الأخبار من خلال انتقاء أحاديث وآثار قد تكلم عليها تصحيحًا وتضعيفًا، لا سيما تلك الّتي تظهر براعته وتميزه عن كثير من المتأخرين والمعاصرين. القسم الرّابع: في القواعد الاستقرائية الّتي بنى عليها الشّيخ المعلمي منهجه في النقد.

والذي بين يديك أيها القارىء الكريم هو القسم الأول منها. وقد سميتُ هذا الكتاب بـ "النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد". ويشتمل هذا القسم بعد المقدِّمة على ما يلي: - منهجي العملي في "النكت الجياد" إجمالًا، و"قسم التراجم" تفصيلًا. - ترجمة العلامة المعلمي. - آثار المعلمي ومؤلفاته. - تمهيد في "تعظيم قدر أئمة النقد" للفقير إلى الله تعالى. - نص تراجم الرجال. والله تعالى أسألُ أن يُتِمّ لي هذا العمل على الوجهِ الذي يرضيه، وأن يكتب له القبول لدى أهلِ العلم، إنّه سبحانه خيرُ مأمولٍ، وأكرمُ مسئولٍ، وهو حسبي ونعم الوكيل. * * *

المقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ المقدمة الحمد لله الّذي هدى بِطاعتِهِ وألْهم، وعلّم الإنسان ما لم يكنْ يعْلمُ، أسْألُهُ شُكْر ما منّ به وأنْعم، وعُقْبى خيرٍ يُكْمِلُ بها نُعْماهُ ويخْتِمُ، وصلّى الله على محمّد نبِّيه وآله وسلّم. وبعدُ، فإن الله سبحانه قد اقتضتْ حكمتُه أن يُنْشِأ لكل زمانٍ رجالًا، ينْصِبُون للناس حُججهُ وأعلامه، يُضِىءُ بِهِمْ سُبُلِ السالكين، ويُقِرُّ بهم أعْيُن الحائرين، ويشْحذُ بهم هِمم الطّالبين، ويدْفعُ بهم شُبه البطّالين. فإذا سرى في الطّلبةِ العجْزُ والكسل، وتقاعس أربابُ الصّدارة عن البحْث والنّظرِ، فماتتِ الفكرةُ، وغابتِ الرحلةُ حينئذٍ يُخرج اللهُ تعالى من أصحابِ العقول الواعية، والأفهامِ النّيِّرة، والملكاتِ الفذّةِ منْ يهبُهُمُ اللهُ تعالى وافِر التحقيق، وبديع التدقيق، فتبعثُ به القضايا المهملة، وتُفتحُ بها الأبوابُ المغلقة، ويُنْفضُ به الترابُ عن مسائل واراها القعودُ والتقليدُ، وأماتها إيثارُ البلادةِ والجمودُ. وهذا العلم -وهو علم الحديث- لا يحبُّه إِلَّا ذكورُ الرجال، ولا يبغضُه إِلَّا مخُنثوهم -كما قاله الثّوريّ وغيره- فهو من أنْفسِ أنواعِ العلوم وأغْلاها، وأعزِّها منالًا وأعْلاها، لا يتأتّى إِلَّا بطولِ النّفسِ في الطّلبِ، ومداومةِ النّظرِ والفِكْر فيه، والبحث في مسائله، واستقراءِ مناهجِ أهْله الذين هُمْ أعْلمُ به. ولهذا وغيره لم يبرعْ فيه إِلَّا نفرٌ أفذاذ، هيّأهُمُ الله تعالى له، يبذُلون أنفسهم لخدمته، ويُسخِّرُون جُهْدهُم لحِفْظِه وتنْقِييهِ.

ونحنُ في هذا الكتابِ أمام بقيةٍ من بقايا هذا العلم، وريْحانةٍ من رياحين ذاك المنهج، ونادرةٍ من نوادر النقد والتحقيق. نحن مع مثالٍ فذٍّ، قد جمع اللهُ تعالى له من أسباب التوفيق، وآلات العلم -مع توفُّر ملكاتِ الإبداع من عقْلٍ مُتّزِنٍ، وفكرٍ ناضجٍ، ونفسٍ زكيةٍ، مع صدقٍ في الطلب، وديمومةٍ في البحث والنظر- وأهّلهُ لأن يحتلّ الصدارة بين أهل عصره. ذلكم ... هو الشيخُ العلّامةُ ذهبِيُّ العصْرِ: عبد الرّحمن بْن يحيى المعلمي اليماني. لقد همّنِي غيابُ أثرِ شيخنا -مِنْ زمنٍ بعيدٍ- منذ عرفتُ قدْر هذا العلم ومكانتهُ، وقد طالعت كتابهُ "التنكيل"، فوجدتُّه بحرًا لا تُكدِّرهُ الدِّلاءُ ومثله كتاب "الأنوار الكاشفة"، فعرفتُ منهما أن الله سبحانه قد ادّخرهُ لِكبْتِ أصْحاب الأهواءِ وأتْباعِهم، سواءٌ كانوا من العلماء المبرزين -كالكوثري- أو كانوا من المتعالمين المغرضين -كأبي رية. ورأيتُ أن الله سبحانه قد دفع به في نحْر من أراد السُّنّة وأهلها وأئمتها وعقيدتهم بسوء، فأزال به الغُصُّة الّتي لم تكن لتزال في حُلُوقِ الغيورين عليها، والمتمسكين بهديها، والمعظمن لشأن أئمتها. وكما يقالُ: "ورُبّ ضارّةٍ نافِعةٌ" فرأيتُ أن الشّيخ لم يكتفِ بالتنبيه المُجْملِ على ما في تلك الكُتُب من الانحرافِ عن منْهج الصّواب، إنّما كشف عما فيها بِأُطْرُوحاتٍ علميةٍ متزنة، بناها على الاستقراء لما فيها، والتصنيف لما تحويه من الزّلاتِ، وأجاب عن أكثرِ القضايا بنقدٍ تأصِيليٍّ مُتميِّزٍ، رفيعِ الأدبِ، عفيفِ اللسان، أرْسى فيه القواعد، ثمّ أقام الصّرْح والبُنْيان. ثمّ طالعتُ مِنْ سائر كُتُبه: تعليقهُ على كتاب "الفوائد المجموعة" للإمام الشوكاني، فاستقبلتني مقدمةٌ قليلةُ المبْنى، جلِيلةُ المعنى، شممتُ منها عبُوق مناهج

أئمةِ النّقْدِ، وإذا فيها إلقاءُ الضّوْءِ على سبيل القوم في التعامل مع الأخبار وتعليلها، والدّعْوةُ إلى طول الممارسة لهذا الفن، باستقراء كتب الحديث والرجال والعلل، واستقصاء النظر في ذلك، مع حُسْن الفهم وصلاح النية، وذلك دون الركون إلى ما يُذكر في كتب "مصطلح الحديث" ممّا فيه خلافٌ؛ من القواعد التي لا يُحقّقُ الحقُّ فيها تحقيقًا واضحًا، وإنّما يختلفُ الترجيحُ فيها باختلافِ العوارضِ التي تختلفُ في الجزئياتِ كثيرًا. وعملُ الشّيخ في هذا الكتاب أقلُّ شهرةً من سابقيه، ولا يكاد يعرفه إِلَّا أفراد، إِلَّا أنني باطلاعي على كتب الشّيخ -تأليفًا وتعليقًا- ألْفيْته مِنْ أنْفسِ آثاره، ومن أحْكم أعماله، فقد علّق فيه على الأحاديث تعليق عارفٍ حصيفٍ، بكلام مُتقنٍ رصين. ولقد كشف اللهُ تعالى به في هذا الكتاب ما تفشّى من داءِ التساهلِ الّذي أصاب أنظار كثير من المتأخرين في الحكم على الرواة والأخبار، وإن الناظر في كتب المتأخرين ليجِدُ هُوّةً -ولا تزال تزداد- بين أنظارهم وأنظار أئمة النقد في ذلك، فلكثرة ما تعرضوا له من التصنيف، ولاحتياجهم إلى تقويم الرواة وأحاديثهم، فنراهم قد توسّعُوا في الاعتماد على ظواهر الأسانيد، دون التفتيش عن عللها ومظنات الخلل فيها، بل ونلحظ قصورًا في الرجوع إلى كتب المتقدمين المعنيّة ببيان ما أصاب الأخبار من تفردات الرواة وأوهامهم، فكم من حديث صححه المتأخرون أو حسّنُوه، وهو معلّلٌ، ترى إعلاله في كتب العلل، أو التواريخ، أو السؤالات، ونحوها؛ وكم من حديث قد أعلّه غير واحدٍ من النقاد، ثمّ إنك تجده فيما صُنِّف من "الأحاديث الصحيحة" أو هو مصحح في كتب التخريجات ونحوها. وإن فطِن بعضهم لتعليل أحدٍ من أئمة النقد، فربما ردّه بأنه "لا يدري وجه هذا التعليل"، أو أنه "ليس هكذا يكون التعليل" ونحو ذلك من المضحكات المبكيات، فإنّه إن كان لا يدري وجه تعليل الإمام، فهل عدم فهمه لذلك ينفي عن الحديث

العلّة، أم يوجب عليه التوقف حتّى "يفهم؟ "، وإن تصوّر أن نظره أدق من نظرهم، وأنهم يعلُّون بما لا يوجبُ، فليضعْ قلمه، ولْيُرِحِ النَّاس من سوء فهمه، فإنّه لن يزداد على طول الأيَّام إِلَّا بُعْدًا عن الصواب، والرجوعُ إلى الحق بعد ذلك ليس بالسهل المستطاب. ولقد ادّخر الله سبحانه الشّيخ المعلمي -من خلال هذا الكتاب- لتنقية السنة من كثير ممّا التصق بها من جرّاء ذلك التساهل المذكور، كان ممّا سجّلهُ الشّيخ في "مقدمة الفوائد" (ص 4) قوله: "إنني عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين، أجدني أرى كثيرًا منهم متساهلين، وقد يدلُّ ذلك على أن عندي تشددًا، قد لا أُوافقُ عليه، غير أني مع هذا كله رأيتُ أن أبدى ما ظهر لي، ناصحًا لمن وقف عليه من أهل العلم، أن يحقق النظر". لكن لم يزل ما أبداه الشّيخ في هذا الكتاب وغيره غائبًا عن أكثر أوساط البحث في هذا العلم الشريف، ولا يزال كثيرٌ ممّا يُستحدث من الأطروحات العلمية يغيب عنها المنهج الّذي أصّلهُ شيخنا الفاضل تأسيًّا بمناهج الأئمة. ثمّ طالعت الكتب التي حققها الشّيخ، وكانت له اليد الطولى في ضبط نصها والتعليق على المواضع المشكلة فيها، وأهمُّها: كتابُ "التاريخ الكبير" للبخاري، و"الجرح والتعديل"، و"بيان خطأ البخاريّ في التاريخ" لابن أبي حاتم، و"موضح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب، و"الإكمال" لابن ماكولا، و"الأنساب" للسمعاني، فألفيتُه ذا نفسٍ طويل وصبرٍ على التحقيق، وطُولِ باعٍ في البحث والتفتيش، وعلمتُ أن الله سبحانه قد يسّر له باستقرائه تلك الكتب، وباطِّلاعه على كلام الأئمة على الأخبار وجرح الرواة وتعديلهم، ما هيّأ لهُ من أسباب البراعة في فهم طرائقهم، وتطبيق مناهجهم، ما سبق به الأقران، فظهر ذلك جليًّا في تأليفاته وأبحاثه رحمه الله.

ولا أستوعب هنا الحديث عن مؤلفاته وتحقيقاته، فستأتي الإشارة إلى ذلك في ترجمته، ويُعلم ممّا هناك تكامل ملكات الشّيخ. فقد كان رحمه الله: "قارئًا مجودًا" و"حديثيًا نقّادًا" و"فقيهًا حاذقًا" و"أديبًا لغويًا شاعرًا" و"مجيدًا لطرف من اللغات الحيّة"، وغير ذلك من أنواع المعارف والعلّوم. وأحبُّ أن أُسطِّر هنا أن النظر في ثبْتِ مؤلفات الشّيخ، كما ستأتي، والكتب التي قام بالعناية بها، وتصحيحها، دامعان النظر فيها، على تباين فنونها وتنوع علومها، ليُفسِّرُ لنا أبْعاد تلك الملكاتِ "المتكاملة" التي كان الشّيخ يتمتع بها، فأحسن استعمال "ملكاتهِ" المتنوعة في خدمة العلم في شتى فروعه، فازدادت تلك الملكاتُ عُمْقًا وإثراءً. ولم يكن الشّيخُ مصححًا تقليديًا، بل كان من البارعين المتقنين، صاحب منهج مُميّزٍ في ضبط المخطوطات وتصحيحها، معتمدًا في ذلك على مناهج أهل النقد والاحتياط والتحقيق، قد حصّل خلال تلك الفترة الطويلة من التصحيح -وهي ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا- على خبرةٍ عالية، وحاسّةٍ تلقائية، ولقد احتفظ له العاملون في دائرة المعارف بإمعان النظر فيما يرومون طبعه، بعد النسخ والمقابلة وإثبات فروق النسخ، فتكون له الكلمة الأخيرة في ذلك ويرمز لقوله بالحرف "ح". وتقديرًا لمكانته وخبرته، ظلت الدائرة متمسكة به بعد انتقاله إلى مكة، فترسل إليه الكتب ويقوم بتصحيحها والتعليق عليها. كما سيأتي بشأن كتاب: "الموضح" و"بيان خطأ البخاريّ" و"الإكمال" و"الأنساب". ولقد ترجم الشيخ تلك الخبرة الطويلة والبحث الدؤوب، إلى رسالتين بيّن فيهما ما يجب فعله على القائمين على طبع الكتب القديمة سواء كانوا من الناشرين، أو من الناسخين، أو المقابلين، أو المصححين، شارحًا الأعمال التي قبل التصحيح العلّمي،

من اختيار الكتاب، ثم اختيار النسخ العلّمية، وانتخاب الناسخ، وما ينبغي أن يكون عليه، والأمور التي ينبغي أن يلتزم بها حال النسخ، ثم ما يتعلّق بالمقابلة وشروطها، وصفات المقابلين ثم ما يتعلّق بالتصحيح. ولقد أطال الشيخ في تلك الرسالتين؛ نصيحةً للعلم وأهله، فلا نرى أحدًا يعمل في هذا المجال إِلَّا وهو مفتقر إلى النظر فيهما بعين الاعتبار. ومما يُقرّبُ لنا المنهج الّذي كان يقوم عليه تصحيحُ الشيخ للكتب، ما رسمه هو للصورة التي ينبغي أن يكون عليها المصححُ، فقد قال الشيخ في تلكما الرسالتين ضمن "المجموع" الّذي اعتنى به ماجد الزيادي (ص 80): 1 - ينبغي أن يكون المصححُ متمكنًا من العربيّة والأدب وعلم رسْم الخط، متمكنًا من فنِّ الكتاب، مشاركًا في سائر الفُنُون، واسع الاطِّلاع على كُتُب الفنِّ، عارفًا بمظانِّ ما يتعلّق به من الكتب الأخرى، كأن يعرف أن من مظان ضبط الأسماء والأنساب "الغريبة": "لسان العرب"، و"القاموس"، وشرحه. وأن من مظانِّ تراجم التابعين: "الإصابة"، فإنها تقسم كلّ باب إلى أربعة أقسام، الأوّل: الصّحابة الثابتة صحبتهم، والثلاثة الأخرى غالبها في التابعين. 2 - تكون اختلافات النسخ ماثلة أمام المصحح، ثم لا يُغنيه ذلك عن حضور الأصول أمامه ليراجعها عند الحاجة. 3 - ينبغي أن يحضر عنده ما أمكن إحضاره من كتب الفنِّ، وما يقْرُبُ منها، فإذا كان الكتاب في فنِّ الرجال احتيج إلى حضور كتب الحديث، والتفسير المسند كـ "تفسير ابن جرير" و"السير"، و"التواريخ"، ولا سيما المرتبة على التراجم، و"الأغاني"، و"لسان العرب"، و"شرح القاموس"، ومعاجم الشعراء، والأدباء، والنحاة، والقضاة والأمراء، والأشراف، والبخلاء وغيرهم، ومن كتب الأدب ككتب الجاحظ، وكامل المبرد، ومعارف ابن قتيبة، وعيون الأخبار، وأمالي القالي.

وبالجملة ينبغي أن تكون بحضرته مكتبة واسعة في جميع الفنون، ويكون عارفًا بمواضع الكتب منها، ويرتبها في القرب منه على حسب ما يعرف من مقدار الحاجة إليها، فيكون أقربها إليه ما تكثر الحاجة إليه، ثم ما يلي ذلك على درجاته. اهـ أنها كيفيةُ التعامل مع المخطوط فللشيخ فيه منهج قد أشار هو إلى شيء منه في تلكما الرسالتين، وتصحيحاتُه للكتب تُنْبِىءُ عن ذاك المنهج، وسأفرد هذا بالذكر إن شاء الله تعالى في قسم "القواعد" عند ذكر "قواعد التعامل مع المخطوطات" والله تعالى ولي التوفيق. وعلى الرغم من تلك المنزلة الرفيعة، والمكانة البارزة التي كان يتمتع بها الشيخ بين أقرانه ومعاصريه، ومع اعزاف الجميع بفضله وعلمه -كما سيأتي- إِلَّا أن منهجه لا يزال خافيًا على كثير من المشتغلين بهذا العلم، ولقد همّني هذا الأمر من زمنٍ بعيدٍ -كما سبق- ورأيتُ -كغيري من المعتنين بهذا الميدان- ضرورة إحياءِ جهودِ هذا الشيخ، ولفتِ أنظارِ الأمة إلى شيخها وعالمها الرباني؛ فإن من أعظم المصائب التي تبتلى بها الأمم: عدم اعتنائها بأئمتها والبارزين من علمائها، حتّى إذا غفل النَّاس عن هؤلاء، اتخذوا رؤوسًا جهالًا، فضلُّوا وأضلُّوا. وليس ضرورة الاعتناء بالشيخ من أجل التعريف به كشخص -فحسب- ولكن من أجل أن في التعريف بمنهجه إبرازًا لمنهج الأئمة المتقدمين من جهابذة هذا العلم ونُقّادِهِ، وهم الذين إليهم المرجع في هذا الشأن، فقد توفرت لديهم دواعي البراعة فيه؛ لوجود مادته، ألَّا وهي "الرواية" بكل ما تعنيه هذه الكلمة من أحوال الراوي والمرويّ. فإليهم المرجع في الحكم على الرواة: إجمالًا وتفصيلًا؛ عدالةً وضبطًا، وسماعًا وانقطاعًا، وتحملًا وأداءً وغير ذلك من أحوالهم.

وكذا في الحكم على الأخبار: قبولًا وردًّا، وتصحيحًا وتضعيفًا، وتعليلًا، وإليهم التسليم في ذلك وغيره ممّا اختصهم الله تعالى به؛ فإن لِكُلِّ عليم "أهل ذِكْرٍ" تقرُّ بهم العيون، ويهتدي بهم الحائرون. والشيخ المعلمي -مع براعته وأستاذيته- شديدُ التقدير لمكانة الأئمة النقاد، بالغُ التوقير لحقهم علينا في الاتباع، والاعتناء بالنظر في مسالكهم في النقد، والاستقراء لمناهجهم في الحكم على الرواة والأخبار، وسيظهر ذلك جليًّا في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. ولقد وصف الشيخ غيرُ واحدٍ من أفاضل العصر بأنه: "ذهبي العصر" تشبيهًا لمكانته بين أقرانه وفي زمانه بالإمام الذهبي في عصره، والذهبي من أهل الاستقراء التام للرجال، كما قاله الحافظ ابن حجر. وكذا وُصف الشّيخُ بأنه -إلى الآن- آخر من تدور عليهم التحقيقات والتقييدات، وذلك بعد الإمام السخاوي رحمه الله. ولا شك أن تلك -وغيرها- شهاداتٌ غاليةٌ، تُنبىءُ عما يتمتع به الشيخ لدى عارفيه من القدر الرفيع، والثناء الحسن. وحُقّ لمن هذا شأنُه أن تتوجه إليه أنظارُ الراغبين في سلوك "قصد السبيل" فإن منها جائر، والله وليُّ التوفيق، ومنه يُستمد العون، وهو حسبي ونعم الوكيل. وما كنْتُ أهْلًا لِلّذِي قدْ كتبْتُهُ ... وإِنِّي لفِي خوْفٍ مِن اللهِ نادمُ ولكِنِّي أرْجُو مِن اللهِ عفْوهُ ... وإِنِّي لِأهْلِ الْعِلمِ لا شكّ خادمُ * * *

منهج العمل في الكتاب

منهج العمل في الكتاب منهج العمل في "النكت الجياد" إجمالًا، وفي "قسم التراجم" تفصيلًا: لقد بدأت العمل في هذه "الموسوعة" العلمية عن الشيخ المعلمي منذ أكثر من عشر سنوات، حيث قمت أوَّلًا باستقراء كتاب "التنكيل" أكثر من مرّة، واستخرجت ما فيه مما قسمته على تلك الأقسام الأربعة السابقة. ثم طالعت سائر كتب الشيخ -تأليفًا وتحقيقًا- وصنعت معها مثلما صنعت في "التنكيل" من الاستخراج والانتخاب والتصنيف والتقسيم، مع ضم كُلِّ نظير إلى نظيره. أما فيما يتعلق بقسم التراجم -وهو هذا القسم- فتلك هى الخطوط العريضة لطريقة العمل فيه: أوَّلًا: رتبت الزاجم على حروف المعجم بالطريقة المعتادة. ثانيًا: لم أكتف بورود الاسم في كلام الشيخ المعلمي مختصرًا، ولكني أتممته من مظانه وبنيت الترتيب على الاسم التام. ثالثًا: صدّرْتُ الترجمة بالمصدر المنقولة منه بين علامتين هكذا " " ثم رقم الصفحة، ورقم الجزء إن وُجد. وربما أقدم بين يديِّ النقل بكلام ينبني عليه ذاك النقل، لكي تتضح مناسبة النقل بما قبله فقط، لأنني قد التزمت ألَّا أخلط كلام الشيخ المعلمي بكلامي، وإنما عملي كله في التعليقات، إِلَّا مواضع نادرة يدلُّ السياق عليها، وقد أصرح فأقول: قال أبو أنس. وإن كان ما بعد المصدر مباشرة كلام الشيخ المعلمي -وهو الغالب- بدأت النقل وختمته بهاتين العلّامتين أيضًا " ".

وإن كان ما بعد المصدر تقديمٌ مني لمناسبة النقل لم أضع علامةً حينيذٍ، ثم أردفت ذلك بالنقل عن المعلمي. رابعًا: لم أُثْبِت تراجم "التنكيل" التي ليس فيها ما يتعلّق بجرح المترجمين وتعديلهم عند المعتبرين من أهل العلم، وإنَّما جرّ الشيخ المعلمي إلى التّرجمة لهم: دفعُ ما رماهم به الكوثري زورًا وبهتانًا، وأمّا في حقيقة الأمر فلا يتعلّق بهم شيء من ذلك، ولكن الشيخ رحمه الله بطول نفسٍ وصبرٍ على البحث قد أطال في تأصيل الردِّ على تلك الافتراءات، فامتلأت تراجم هؤلاء في "التنكيل" بأصناف من القواعد والفوائد. وقد اكتفيت بالإشارة إلى اسم المترجم في موضعه، ثم أشرت إلى مواضع الفوائد المتعلّقة بترجمته في قسم القواعد. وأمثال هؤلاء: الإمام أحمد بن حنبل، والشافعي، ومالك بن أنس، وعلي بن المديني، والبخاري، وعبد الله بن أحمد، وابن أبي داود، والخطيب، وغيرهم من الأئمة. خامسًا: لم أقصد استيعاب التعليق على التراجم، وإنَّما ذلك بحسب ما يقتضيه المقام في كلّ ترجمة، فمنها ما لا تعليق فيها البتة، ومنها ما أعلق عليها بكلام مختصر، ومنها ما جرّني التعليق على بعضها إلى أبحاث تطول وتقصر بحسب المقام والنشاط (¬1). سادسًا: سعيتُ إلى استكمال ما دعى إليه الشّيخُ من النظر فيما لم يكن في متناول يديه من الكتب، فاستقصيت النظر في: تواريخ ابن معين، وسؤالات أحمد، والعلل ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال التراجم ذات الأرقام التالية: (1، 18، 30، 135، 222، 228، 246، 253، 326، 327، 328، 395، 414، 442، 459، 528، 533، 534، 621، 695، 703، 722، 777، 790).

ومعرفة الرجال لابنه عبد الله وتاريخ الفسوي، وتاريخ أبي زرعة الدمشقي، وسؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي، وتاريخ دمشق، وكتب الضعفاء: ككتاب العقيلي، وابن حبان، وابن عدي، وتاريخ الإسلام للذهبي، وسير النبلاء له، وبعض الكتب المخطوطة الأخرى مثل إكمال مغلطاي، ولسان الميزان وغيرها؛ مما لم يكن في متناول يد الشيخ، وكان لغيابه عنه أثر ظاهر في بعض التراجم، مما تراه في التعليق عليها. من أمثلة ذلك، قال الشيخ في: "محمّد بن زرعة الرعيني" -وهو من شيوخ أبي زرعة الدمشقي-: "لم أجد له ترجمة، والمجهول لا تقوم به حجة". كذا قال رحمه الله، والرعيني هذا مترجم في "ثقات العجلي" و"تاريخ ابن عساكر"، وهو ثقة حافظ، كما قاله أبو زرعة. وبنى الشيخ فهمه لبعض ما جاء في مثل "تهذيب التهذيب" على سبيل الاختصار، والنص الوارد بتمامه في أصله "تهذيب الكمال" وغيره خلاف ما يوهمه سياق "تهذيب" ابن حجر، انظر ترجمة: هشام بن عمار والتعليق عليها. وأكثر ما يمكن التعقب به على الشيخ إنما هو بسبب غياب بعض المصادر والأصول، وأعتماده على أمثال: "لسان الميزان" و"تهذيب التهذيب" و"تعجيل المنفعة" و"ثقات ابن حبّان" وفيها من الأخطاء المطبعية، والاختصار في أكثرها عن الأصل -لا سيما "التهذيب"- ما سبّب إعوازًا في بعض المواضع. ولا شك أن في الاعتماد على الوسائط آفات يعرفها الممارس، لكن لا ذنب للشيخ فيها؛ لغياب الأصول عنه. وقلّما رأيتُ اجتهاد الشيخ قد تغيّر في الحكم على الرواة، إِلَّا في مواضع اختلف فيها قولُه، لا سيما بين كتابي: "التنكيل" و"الفوائد المجموعة".

وفي تلك المواضع كلها يكون اجتهاده في "الفوائد" أقرب إلى الصواب -في نظري- وإنّما جرى في "التنكيل" أحيانًا مجرى التسمُّح والاعتذار عن الرَّجل، ورُبّما ساعد على ذلك كلامُه هناك بنفسيةٍ "دفاعيةٍ" بخلاف تعامله في "الفوائد" مع ما للرجل من أحاديث واهية أو باطلة. انظر على سبيل المثال تراجم: حفص بن سليمان الأسدي، وعبد الله بن زياد ابن سمعان، وأحمد بن محمّد بن يوسف بن دوست العلاف، وخالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، ونعيم بن حماد، ومحمد بن جابر اليمامي، وغيرهم، مع تعليقي عليها. وبعْدُ، فإني وإِنْ كنتُ قد تجشّمْتُ ما لستُ له بأهلٍ، فإني أرجو الله سبحانه أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجه، وأن ينفعني به، وينفع به كلّ مريدٍ لسُلوك سبيلِ الحقِّ، وأن أكون قد قمتُ ببعض الواجبِ في حقّ هذا العالم الرّبّانِي، عملًا بوصيته بالنظر فيما أبداه في الحكم على الرواة والأخبار، فرأيت أن أجمع في ذلك مجموعًا حاولت فيه استيفاء ما خلّفهُ الشيخ وراءه من هذا الميراث العظيم، ليكون مجموعًا للناظرين، ولمن أراد أن يُحقِّق النظر من أهل العلم، وقد نظرتُ بما فتح الله به، ولعلّ من يطلع على ما جمعناه، ممّن يؤيده الله بفكرٍ صحيح وعلمٍ مبينٍ، يغوص من مسائله على أكثر مما كتب الشيخ، ومما علّقْتُ بن فليس على مستنبطِ الفنِّ إحصاءُ مسائله، وإنما عليه تعيينُ موْضعِ العلّمِ وتنويعُ فُصُولهِ، وما يُتكّلمُ فيمع والمتأخِّرُ يُلِحْقُ المسائل من بعده شيئًا فشيئًا إلى أن يكمل، والله تعالى الموفق. وختامًا، فمنْ عثر في هذا الكتاب على وهمٍ أو تحريفٍ أو خطأٍ أو تصحيفٍ، فليصلحْ ما عثر عليه من ذلك، وليسلكْ سبيل العلماء في قبُولِ العُذْرِ هُنالك. وليتفضل بإبلاغي به، وله المنة بذلك. وعلى الله توكلي وهو حسبي ونعم الوكيل.

ترجمة العلامة المعلمي رحمه الله

ترجمة العلّامة المعلمي رحمه الله اعتمد المعتنون بالنظر في سيرة شيخنا رحمه الله على ترجمة مختصرة بقلم تلميذه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي، والتي نشرت في مجلة "الحج" الصادرة بمكة، بالجزء العاشر، في (16) ربيع الثّاني سنة (1386 هـ)، صحيفتين: (617 و 618)، والعدد (11) جمادى الأولى من السنة ذاتها. هكذا جاء في التعليق على صدْر تلك الترجمة في "التنكيل" وقد توفي الشيخ رحمه الله في صفر سنة (1386 هـ)، فقد نشرت تلك الترجمة إذًا بعد وفاته بنحو شهرين. لكن هذه الترجمة موجزة جدًّا، لا تروي الظمأ، ولا تغيث الملهوف، ولا تتناسب مع مكانة شيخنا رحمه الله تعالى. ولا يزال أهل العلم يتطلعون إلى التعرف على المزيد من سيرة شيخنا وحياته وآثاره. ولقد وفق الله تعالى بعض المعتنين بالشيخ إلى التفتيش عما خلّفهُ من الأبحاث والتحقيقات والتقييدات، مما كان حبيس الأدراج أو مختفيًا يعلوه التراب. فبعد أن نفدت طبعات بعض الكتب التي ألفها أو ضبطها وعلّق عليها منذ زمن بعيد، ونُسيت أو كادت، بدأت تظهر بعض الرسائل للشيخ، باعتناء بعض طلبة العلم. وأخص بالذكر هنا المعتني بكتاب "عمارة القبور" للشيخ، فإنه قد وُفق للعثور على أوراق بخط المعلمي يترجم فيها لنفسه، فجاءت ماءً باردًا على شدةِ ظمأٍ في يومٍ بالغِ الحرِّ.

وقد أشار صاحب العناية بالكتاب المذكور -وهو ماجد بن عبد العزيز الزيادي- إلى تأليف رسالة سماها: "القول الجلي في حياة العلامة عبد الرحمن المعلمي" قد أودع فيها تفصيل ما عثر عليه من مخطوطات للشيخ، وقد ذكر طرفًا منها في مقدمة الكتاب المذكور. وقد اعتمدتُّ في ترجمتي للشيخ هنا على ما يأتي: 1 - ترجمة تلميذه: عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي، المثبتة في مقدمة "التنكيل". 2 - ترجمة ماجد الزيادي له في مقدمة "عمارة القبور". 3 - ترجمة منصور بن عبد العزيز السماري له في رسالته الجامعية "الشيخ عبد الرحمن المعلمي وجهوده في السنة ورجالها" طبع دار ابن عفان. 4 - استقرائي لكتبه واستنباط بعض جوانب من شخصيته رحمه الله تعالى. وقد استفاد الزيادي وغيره من بعض الكتب التي تناولت تاريخ اليمن، مشتملة على عصر المعلمي، مِمّا له فيها ذِكْرٌ، وكذا بعض المقالات المتعلقة به في مجلات عربية، وبعض معاجم المدن والقبائل اليمنية، وغيرها من كتابات لم أقف عليها، فاعتمدت على ما نقلوا من ذلك، مع عزوها إلى ناقليها منهم. وهذا أوان الشروع في ترجمة الشيخ، وبالله تعالى التوفيق، ومنه أستمد العون.

1 - اسمه ونسبه

1 - اسمه ونسبه: هو أبو عبد الله عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن حسن المعلمي العُتمي اليماني. أما نسبة "المعلمي" فبفتح العين، وتشديد اللّام المكسورة، وكسر الميم، آخره ياء النسب. وهى نسبة إلى أحد أجداده، ففي كتاب "الأنساب" للسمعاني في نسبة "البجلي" علّق الشيخ المعلمي بقوله (2/ 87): "بجيلة عك، بطن من بني عبس بن سمارة بن غالب بن عبد الله بن عك، منهم كما في "طرفة الأصحاب" (ص 65): محمد بن حسين البجلي الصالح، وهو مشهور جدًّا في اليمن، يقال للمنتسبين إليه: بنو البجلي. وله أخٌ اسمه: علي. وكان أبوهما: حسين يعرف بالمُعلِّم؛ لكثرة تعليمه النَّاس، وإلى عليِّ بن حسين هذا ينتسب جدُّنا محمد بن الحسن المعلمي، الذي ينتسب إليه عشيرتنا "بنو المعلمي". اهـ. وأمّا "العُتمي" ففى معجم البلدان (4/ 82): "عُتُمة" مضموم، حصن في جبال وصاب من أعمال زبيد -يعني باليمن. 2 - مولده: ولد رحمه الله في أواخر سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة وألف، بقرية المحاقِرة "بفتح الميم وكسر القاف" من عُزلة الطُّفن "بضم الطاء وفتح الفاء، وبالنون، على وزن: عُمر" من مخلاف (¬1) رازح، من ناحية عتمة، من قضاء أنس، التابع لولاية صنعا في اليمن. ¬

_ (¬1) المخلاف بلغة اليمن يعني: القرية.

3 - نشأته

3 - نشأته: قال الشيخ عن نفسه: "رُبِّيتُ في كفالة والديّ، وكانا من خيار تلك البيئة، وهى بيئة يغلب عليها التدين والصلاح" (¬1). 4 - حفظه للقرآن: قال: "ثم قرأت القرآن على رجلٍ من عشيرتنا، وعلى والدِي، وكانت طريقة القراءة في تحفيظ القرآن في اللوح حفظًا مؤقتًا، أَي: أن يحفظ الدرس في اليوم الأوّل، ثم يعيد حفظه في اليوم الثاني، ثم لا يسأل عنه بعد ذلك، إِلَّا [أنه يُلزم] بتلاوة القرآن في المصحف كل يوم صباحًا ومساءً لكل أحدٍ، حتى بعد الكبر. وعلى كل حالٍ فإن قراءتي كانت متقنةً من جهة القراءة والكتابة. وقبل أن أختم القرآن ذهبتُ مع أبي إلى بيت "الريمي" حيث كان أبي يمكث هناك يُعلِّم أولادهم، ويصلّي بهم". 5 - تعلُّمُهُ التجويد والحساب واللُّغة التركية: قال: "ثم سافرت إلى "الحجرية" حيث كان أخي الأكبر: محمد بن يحيى رحمه الله كان كاتبًا في المحكمة الشرعية، وهناك شركت في مكتب للحكومة، كان يُعلّم فيه القرآن والتجويد والحساب واللُّغة التركية، فمكثت هناك مدّة، ومرضت في أثنائها مرضًا شديدًا ... [ثم] رزقني الله العافية". ¬

_ (¬1) قد وَصَفَ الشيخُ والدَه بـ: الفقيه العلَّامة، كما جاء في وصيته التي كتبها بيده. وسيأتي ما يدل على اعتناء والده بالعلم، وقد قرأ الشيخ على والده القرآن.

6 - تعلمه النحو والعربية

6 - تعلُّمُهُ النحو والعربية: قال: "ثم جاء والدي رحمه الله لزيارتنا، ومكث هناك مدّة، سألني عمّا أقرأ في المكتب، فأخبرته، ثم قال لي: فالنحو؟ فأخبرته أنه لا يُدرس في المكتب، فقال: أدرسه على أخيك، ثم كلّم أخي أن يُقرر لي درسًا في النحو، فكان يُقْرِئني في "الأجرومية" مع "شرح الكفراوي". استمر ذلك نحو أسبوعين، ثم سافرت مع والدي ولا أدري ما الذي استفدته تلك الأيَّام من النحو، غير أن رغبتي اتجهت إليه، فاشتريت في الطريق بعض كتب النحو. ولمّا وردتُّ بيت "الريمي" وجدتُ أحمد بن مصلح الريمي رحمه الله ... وقد كان تعاطى طلب النحو، وكانت معه كراسة فيها قواعد وشواهد وإعرابات، فاصطحبنا، وكنا عامّة أوقاتنا نتذاكر، ونحاول إعراب آيات، أو أبيات، وكنا نستعين بتفسيريِّ "الخازن" و"النسفي" وأخذتْ معرفتى تتقوّى، حتى طالعت "مغني ابن هشام" نحو سنة وحاولت تلخيص قواعده المهمة في دفتر، وحصلتْ لي بحمد الله تعالى ملكةٌ لا بأس بها، في حالِ أن زميلي لم يحصل على كبير شيءٍ، وكان مني بمنزلة الآلة" (¬1). 7 - تعلُّمُهُ الفِقْه: قال: "ثم ذهبتُ إلى بلدنا "الطُّفن" ورأى والدي أن أبقى هناك مُدّةً لأقرأ على الفقيه العلّامة الجليل: أحمد بن محمد بن سليمان المعلمي، وكان متبحرًا في العلم، مكث بزبيد مدّة طويلة، ثم عاد بعلمه إلى جهتنا، ولم يستفيدوا من علمه إلّا قليلًا". ¬

_ (¬1) وللشيخ رحمه الله تعالى بعض المؤلفات في "النحو" منها: أ - اللطيفة البكرية والنتيجة الفكرية في المهمات النحوية. ب - تلخيص الثمرات الجنية في الأسئلة النحوية. جـ - تعليقات على متن "الآجرومية". وسيأتي شيء من الكلام عليها وعلى غيرها عند ذكر مصنفات الشيخ رحمه الله تعالى.

قصة عجيبة مع شيخه تدل على نبوغه المبكر وإجادته للنحو أيضًا: قال: "فأخذت من كتب والدي كتاب "منهاج النووي" مخطوطًا، وذهبت إلى الشيخ، وكان يختلف إليه جماعة من أبناء عشيرتنا يقرؤون عليه، فبعد أن سلمت عليه، وأخبرته خبري، قال: في أىِّ كتاب تريد أن تقرأ؟ فقلت: في "منهاج النووي" فوجم، ثم لما جاء دوري، أمرني أن أقرأ، فشرعت أقرأ خطبة "المنهاج" وهو يستمع لي، فبعد أن قرأتُ أسطرًا تناول مِنِّي الكتاب ونظر فيه، ثم قال لي: هل صححت هذا الدرس على أحدٍ؟. قلت: لا. قال: فهل قرأت في النحو؟ قلت: قليلًا. قال: لا، ليس بقليل. ثم قال: أخبرتني أولًا أنك تريد القراءة في "المنهاج" فلم يعجبني ذلك؛ لأني أرى أنّ على طالب العلم الذي يريد أن يقرأ في "المنهاج" أن يبدأ قبل ذلك بدراسة النحو، حتى يتمكن من الفهم، لكن كرهت أن أكسر خاطرك، فرأيت أن آذن لك في القراءة، وطبعًا تخطىء في الإعراب، فأردّ عليك، فتكثر ذلك، فتنتبه نفسك إلى احتياجك إلى دراسة النحو أولًا. ولكن لما قرأت لم تخطىء، فظننتُ أن الكتاب مضبوطٌ بالحركات. فلما رأيته غير مضبوط، قلتُ: لعلّك قد صححت ذاك الدرس على بعض العلماء، فلما نفيت ذلك، علمتُ أنك قد درست النحو.

8 - تعلمه الفرائض

فأخبرته بالواقع، وإني في الحقيقة لم أدرسه دراسة مرتبة، فقال: على كل حالٍ معرفتك بالنحو جيدة، فاقرأ في "المنهاج" وتحضر عندما يتيسّر لك مع هؤلاء في درسهم في النحو" (¬1). 8 - تعلُّمُهُ الفرائض: قال: "ثم درست عليه شيئًا في الفرائض، فتيسّرت إليّ جدًّا؛ لمعرفتي السابقة بمباديء الحساب. ولم تطل قراءتي على شيخنا المذكور، بل رجعت إلى بيت "الريمي" وانكببت على كتاب "الفوائد الشنشورية" في الفرائض، أحلُّ مسائله، وأفرض مسائل أخرى وأحاول حلّها، ثم امتحانها وتطبيقها". 9 - تعلُّمُهُ الأدب والشعر: قال: "وكانت في كتب والدي كتاب "مقامات الحريري" وبعض كتب الأدب، فأُولعت بها، ثم حاولت قرْض الشِّعْر (¬2)، ثم جاء أخي من مقرِّه بالحجرية، وأُعجب بما شدوته: النحو والفرائض، ثم رجع إلى الحجرية وتركني". ¬

_ (¬1) قد اعتنى الشيخ ببعض متون ومؤلفات في الفقه، منها: أ - كتاب "عمدة الفقه" للإمام موفق الدين ابن قدامة الحنبلي. ب - كتاب "كشف المخدَّرات والرياض المزهرات شرح أخصر المختصرات" لزين الدين البعلي. وكذا له أبحاث مفردة في مسائل فقهية متفرقة، ذكرها منصور بن عبد العزيز السماري (ص 57) من كتابه، وسيأتي الكلام عن ذلك وغيره عند الكلام على مصنفات الشيخ إن شاء الله تعالى. (¬2) وللمعلمي رحمه الله تعالى ديوان شعر، قال الزيادي في مقدمة "عمارة القبور" (ص 58): "والديوان يقع في مجلد كبير ضخم، موجود في مكتبة عبد الله الحكمي الخاصة، قيل: إنه أوصى بحرقه، ولا أظنه يصح" اهـ. وللشيخ رحمه الله عناية بكتب الشِّعْر، ولقد قام على تحقيق كتاب من أمهات كتب الشعر المعنيِّة بشرح أبيات المعاني وهو كتاب "المعاني الكبير" لابن قتيبة الدينورى، وسيأتي الحديث عنه في "آثار الشيخ ومؤلفاته" إن شاء الله تعالى.

10 - رجوعه إلى عتمة

وفي مقال بعنوان "المعلمي والسنوسي في مجلس الإدريسي" تحقيق عبد الله أبو داهش، المنشور في مجلة عالم الكتب (12/ 2) شوال عام (1411 هـ) (ص 202) أنشد الشيخ المعلمي مخاطبًا لمن كان يناظره: ما كان ما كان عنْ حُبٍّ لمحمدةٍ ... ولم نُرِدْ سمعةً بالبحْثِ والجدلِ لكِنّما الحقُّ أوْلى أن نُعظِّمهُ ... مِن الخِداع بقْولٍ غْير مُعْتدِلِ ولا أحبُّ لكم إلَّا الصواب كما ... أُحِبُّهُ وهو من خير المقاصد لي فظُنّ خيرًا كظنِّي فيك مُحْتمِلًا ... ما كان أثْناء نصْرِ الحقِّ مِنْ خطلِ فإنّما غضيِى للحقِّ حيثُ أرى ... إعراضكم عنْهُ تعْليلًا بِلا عِللِ وقدْ علِمْتُم صواب في مُحاورتي ... والحمدُ للهِ ربِّ السّهْلِ والجبلِ (¬1) 10 - رجوعه إلى عُتمة: قال الشيخ رحمه الله: "ثم كتب -يعني أخاه- يستقدمني، فقدمت عليه، وبقيتُ هناك مُدّة لا أستفيد فيها إِلَّا حضوري معه بعض مجالس نتذاكر فيها الفقه، ثم رجعت إلى "عتمة"، وكان القضاء وقتها قد صار إلى الزيدية، وعُيِّن الشيخ: علي بن مصلح الريمي كاتبًا للقاضي، فلزمتُ القاضي، وكان هو السيد: علي بن يحيى المتوكل رجلًا عالمًا فاضلًا معمرًا [في مقدمة عمارة القبور: فاضلٌ معمرٌ، وهو خلاف الجادة]، آسف لتقصيري إِذْ لم أقرأ عليه شيئًا، ولا طلبت منه إجازة. ثم عُزل، وولي لقضاء بعده السيد: محمد بن عليّ الرازي، وكتبت عنده مُدّةً، وكان رجلًا شهمًا كريمًا على قلة علمه". ¬

_ (¬1) عن رسالة "تحريف النصوص" للشيخ الفاضل: بكر أبي زيد (ص 107).

11 - انتقاله إلى "عسير" فرارا من بطش الرافضة

11 - انتقاله إلى "عسير" فرارًا من بطش الرافضة: لما استحكمت قبضة الرافضة على اليمن، خرج الشيخ منها، وذلك سنة (1336 هـ) متوجهًا إلى "عسير" وهي مدينة بين الحجاز واليمن، وقد عبّر الشيخ عما كان يلقاه أهل السنة على يديِّ هؤلاء الروافض، فقال في قصيدته: هُم أخذوا الأحرار منّا رهائنًا ... وهُم أخذوا الأموال قهرًا بلا عقد هُم ظلمونا واستباحوا محارمًا ... وأصبح منا اللَّيث يخضع للقردِ فهم عاملونا بالقساوة غلظة .... وهم كفّرُونا إن وقفنا على الرشدِ 12 - رئاسة المعلمي لقضاء "عسير" وتلقيبه بـ "شيخ الإسلام": مكث الشيخ رحمه الله في "عسير" دارسًا ومدرسًا ومحاسبًا في الجمارك، ثم قاضيًا فرئيسًا للقضاء. وقد كان أمير "عسير" حينئذٍ: محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن إدريس المعروف بـ: الإدريسي (¬1)، المولود: (1293 هـ)، والمتوفي: (1341 هـ). لقّب الإدريسيُّ شيخنا بـ: شيخ الإسلام؛ لما رآه من ورعه وزهده وعلمه وثقته وأمانته، وصار يعتمد عليه في تدريس الطلبة، والجواب عن بعض المهمات، وحلِّ بعض المسائل القضائية المشكلة، وكتمان بعض الكتابات السرية، وجعله: "نائب ¬

_ (¬1) وصفه المعلمي في وصيته التي كتبها لمَّا انتقل من بلده إلى عسير بقوله: "أمير المؤمنين السيد الإمام، محي علوم الشريعة ومجددها، وسميت رسوم البدع الشنيعة ومبددها". وقد كان المعلمي درس على الإدريسي بعض الفنون، ولا سيما النحو، وقد جمع ما ألقاه الإدريسي من دروس في النحو في كتاب سماه المعلمي: "الأمالي النحوية" أفاد ذلك الزيادي في مقدمة "عمارة القبور" (ص 26 - 27، 34). وللإدريسي ترجمة في "الأعلام" للزركلي (6/ 203)، وانظر مصادر ترجمته الأخرى في المقدمة المشار إليه آنفًا (ص 16).

13 - وفاة الأدريسي وانتقال المعلمي إلى عدن

الشرع الشريف" فصار المعلمي ينوب عنه -حال مرض الإدريسي- في تولِّي أكثر المخاطبة مع من يأتيه من المندوبين، وفي قراءة الكتب التى ترِدُ وعرض مضمونها عليه وهكذا صار لديه: العالم الثقة الأمين وقد كان الشيخ في أثناء تلك المدّة يكثر الطلب من الإدريسي أن يُعْفِيهُ من مهام القضاء وغيره؛ كي يتفرغ لخدمة العلم فقط، فكان الإدريسي يعِدُهُ بإحضار مساعدين له في تلك المهام حتى يتسنى له ما يريد، لكن قضى الله وفاة الإدريسي قبل أن يفي بوعده. ثم رأى المعلمي بعد وفاة الإدريسي أن تفرغه للعلم واجب؛ لأمور ذكرها، منها قوله: "من المعلوم أن الدّعوة مبنيّةٌ على علم وعملٍ، فكيف نقوم لإحياء العمل وترك العلم، والقيام بخدمة العلم هو أعظم خدمة للدعوة بل هو الشطر المهم فيها". 13 - وفاة الأدريسي وانتقال المعلمي إلى عدن: توفي الإدريسي سنة (1341 هـ)، وتولّى بعده ابنُه: علي، وكان دونه كفاءة، فكثرت الاضطرابات الداخليف فتوجّه الشّيخُ إلى عدن -وهي مدينة مشهورة على ساحل بحر الهند- فمكث فيها سنةً، مشتغلًا بالتدريس والوعظ ثم ارتحل إلى "زنجبار" -وهي على ساحل بحر الهند شرق عدن. 14 - انتقاله إلى الهند والتحاقه بدائرة المعارف العثمانية: ثم قرر الشيخ الارتحال إلى الهند، وعُيِّن في دائرة المعارف العثمانية -بحيدرآباد الدكن- مصححًا لكتب الحديث وعلومه وغير ذلك من كتب الأدب والتاريخ، فبقي فيها مُدّة طويلة نحو ثلاثين سنة. وقد صحح في تلك المُدّة جملةً من الكتب الأمهات في الحديث والرجال وغيرها سيأتي بيانها عند ذكر آثار الشيخ إن شاء الله تعالى.

15 - انتقاله إلى مكة وتعيينه أمينا لمكتبة الحرم المكي

15 - انتقاله إلى مكة وتعيينه أمينًا لمكتبة الحرم المكي: بعد استيلاء الهندوس على الهند، ساءت الأوضاع هناك، فقرّر الشيخ الارتحال إلى مكة وكان ذلك في شهر ذي القعدة سنة (1371 هـ)، ثم عُّين أمينًا لمكتبة الحرم المكي في شهر ربيع الأوّل سنة (1372 هـ) -وكان له من العمر ستون عامًا- فبقى فيها أربعة عشر عامًا يعمل في خدمة رُوَّاد المكتبة من طلاب العلم، بالإضافة إلى استمراره في تصحيح الكتب وتحقيقها لتطبع في دائرة المعارف العثمانية حتى وافاه الأجل سنة (1386 هـ) عن أربع وسبعين عامًا رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جناته. 16 - عقيدته: شيخنا رحمه الله سلفي العقيدة، بل هو من الراسخين فيها، العالمين بمبادئها وقواعدها، الداعين إلى اتباعها، الذّابِّين عن حياضها، الكاشفن لِشُبهِ من خالفها، بنظرٍ ثاقبٍ، وعِلْمٍ راسخٍ، وأدبٍ جمّ. وقد هجر الشيخ بلده اليمن لما بطش الرافضة به وبإخوانه من أهل السنة، وانتقل إلى عسير، فرارًا بدينه من الفتن، وحفاظًا على عقيدته من الزلل. وصنع مثل ذلك لما استولى الهندوس الملحدون على الهند، فزكها وارتحل إلى مكة المكرمة لنفس الغرض. وقد كان للشيخ يدٌ طولى في تبسيط وتقرير أصول تلك العقيدة الغرّاء، سالكًا سبيل الوضوح والتسهيل، مبتعدًا ومحذرًا من التكلف والتهويل. وله في ذلك رسالة "دين العجائز أو يُسْر العقيدة الإسلامية" وله "حقيقة التأويل" وغيرها. كما أن له مؤلفات في كشف بعض ضلالات الصوفية، والردِّ على من يقول منهم بالحلول والاتحاد.

ولقد أفرد الشيخ في كتابه البديع: "التنكيل" قسمًا للردِّ على الكوثري في عيبه للعقيدة السّلفية، وسماه "القائد إلى تصحيح العقائد" قال في أوّلِه: "الحمد لله الذي لا أعلم به من نفسه، ولا أصدق نبًا عنه من وحيه، ولا آمن على دينه من رسله، ولا أوْلى بالحق ممن اعتصم بشريعته ورضى بحكمه .. أما بعد، فإن صاحب كتاب "تأنيب الخطيب" -يعني الكوثري- تعرّض كتابُه للطعن في عقيدة أهل الحديث ونبزهم بالمجسمة، والمشبهة، والحشوية، ورماهم بالجهل والبدعة، والزيغ والضلالة، وخاض في بعض المسائل الاعتقادية، كمسألة الكلام والإرجاء، فتجشمتُ أن أتعقبه في هذا كما تعقبته في غيره، راجيًا من الله تبارك وتعالى أن يثبت قلبي على دينه، ويهدينى لما اختلف فيه من الحق بإذنه، ويتغمدني بعفوه ورحمته، إنّه لا حول ولا قوة إِلَّا بالله". اهـ وقد أُفرد هذا القسمُ بالطبع أيضًا، وذلك لعظيم خطره، فقد أبدع الشيخ فيه وأجاد، في بيان أصول هذه العقيدة، ومآخذها، وما يضادها من مآخذ أهل البدع والأهواء، فجاء كتابًا جامعًا نافعًا في بابه، فلله درُّ الشيخ، ما أبدعه من كتاب. وفيما عثر عليه ماجد الزيادي بخط الشيخ: وصية كتبها الشيخ حين كان مقيمًا في "عسير" زمن إمرة الإدريسي، أبان فيها عن عقيدته، فقال: "هذا ما يوضي به العبد المذنب العاصي الخاطىء والمسرف على نفسه: عبد الرحمن ابن يحيى بن علي بن محمد بن أيى بكر بن محمد بن حسن المعلمي العتمي، الذي كان يأمر بالمعروف ويجتنبه، وينهى عن المنكر ويرتكبه، مخلًا بالفرائض، مقلًا من المندوبات، معاودًا لكثير من الكبائر الموبقات، مُصِرًّا على كثير من الصغائر المكروهات، ليس له عمل يرجو نفعه، إِلَّا عفو ربه سبحانه وتعالى.

يقول: أشهد أن لا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، إلهًا واحدًا، وربًا شاهدًا، وملِكا متعاليًا، منزهًا عن كل نقص، جامعًا لكل كمال. أشهد أنه فوق ألسنة الواصفين، ومدارك المنكرين، لا يعْلمُ شيئًا من شؤونه على الحقيقة إِلَّا هو. وأشهد أنه أرسل رسلًا إلى خلقه لإبلاغ الحجة، وإيضاح المحجة، فبلّغوا رسالته كما أمر، وكان خاتمهم خيرهم سيدنا وشفيعنا إلى ربنا: رسول الله وحبيبه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم -صلى الله عليه وسلم- وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الهداة المهديين. وبعْدُ، فعقيدتي التى ألقى الله تعالى بها، وأقف بها بين يديه، مصممًا على أنها الحق الحقيق، هي: أن الله سبحانه وتعالى مستحقٌ لكل كمال، منزهٌ عن كل نقص، في التفصيل والإجمال، أؤمن بكل ما سمّى به نفسه، أو سماه به نبيه، وأقر كل ذلك على ما ورد، معتقد أنه كذلك بحسب ما أراده. ولا أتصرف في شيء من أسمائه المتشابهة لجهلي عن الأسرار، فربما يكون لذلك المقام خواص لا يصح إطلاق ذلك إِلَّا معها. وأن كلمته العليا، وأن حجته البالغة، وأن عباده محجوجون له، مستحقون الجزاء على ذنوبهم، وأنه سبحانه لا يظلم أحدًا. وأعتقد أن كل مسلم، اعتقد في الله سبحانه وتعالى، وعقيدته أدّاه إليها اجتهاده، وظن أنها الحق، وقصد بها الحق، ولم تكن كفرًا، فهو من رحمة الله قريبٌ وإن أخطأ، واقفٌ عما إذا استلزمت كفرًا، وأنا إلى السلامة أقرب.

وأعتقد أن الملائكة والأنبياء معصومون، ولا أُفضِّلُ، وأن أهل البيت والصحابة مكرمون، ولا أُقدِّمُ ولا أُؤخِّرُ. أُصوِّبُ عليًّا، وأعتقد أن أهل الجمل أرادوا الخير فأخطئوا، ولم تكن الحرب عن رضا مِنْ عليٍّ ولا أم المؤمنن ومن معها، وإنّما أثارها سفهًا: الخائنون. وأُخطِّيءُ أهل صفين، وأعتقد أنهم بغوا أو طغوا واعتدوا، ولا أدري أخفِي عليهم الحق، أم تعمّدوا منابذتهم، فالله حسيبهم. هذا ما يوصي به العبد المسرف على نفسه، المضيع لخمسه، المنيب إلى ربه، المستغفر لذنبه: عبد الرحمن بن يحيى بن علي المعلمي. أشهد ألّا إله إِلَّا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ونبيه بالهدى ودين الحق أرسله، صلى الله وعليه وسلم وعلى آله الأطهار، وأصحابه الأخيار، والتابعين لهم بإحسان، وبعد: فأؤمن بالله، كما جاء عن الله وعن رسوله، وكما يحبّ ربنا ويرضى، وأؤمن بالقضاء والقدر، خيره وشره، من الله تعالى، كما جاء عن الله وعن رسل الله، وكما يحب ربنا ويرضى، وحسبي الله وكيلًا، وكفى به شهيدًا، إنّه كان لطيفًا خبيرًا. اللهم إنك تعلم عقيدتي، وتعلم سرِّي وعلانيتي، فما وافق رضاك ففضلًا منك تقبّلْهُ مِنِّي، وما أخطأت فيه أو اشتبه عليّ ففضلًا منك تجاوزه عنِّي، برحمتك يا أرحم الراحمين. فعلتُ سوءًا وظلمتُ نفسي، فاغفر لي، إنّه لا يغفر الذنوب إِلَّا الله، سبحانك وتعاليت عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا. اهـ ثم شرع الشيخ في بيان ما أوصى به إلى أهله مِنْ بعْدِه.

17 - منهجه الفقهي

17 - منهجه الفقهي: كان الشيخ رحمه الله على منهج فقهاء المحدثين، الذين يدورون مع الدليل حيثما دار، فيُعْنون أولًا، بصحة الدّليل، ثم النظر فيما يحتمله من المعاني والأحكام، مع اعتبار كلام الصحابة ومنْ تبعهم، واستعمالهم لذلك الدّليل. وقد كان الشيخ سلفيًا في الفروع كما كان سلفيًا في أصول الدين والعقيدة، فكان يحث على اتباع كتاب الله تعالى، وما صحّ من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، بفهم الصّحابة وأئمة التابعين، دون التقيّد باتباع مذهب دون آخر. فمما وُجِد بخط المعلمي: "أُوصِي كُلّ مسلم أن يتدبر كتاب الله تعالى، ويتفحّص الأحاديث، ثم يتدبرها، ويحتاط لدينه، ويتبع [ما تبّيّن]، له أنه الحق، سواء أكان مذهب إمامه، أم مذهب غيره، وأن يعضّ بالنواجذ على ما كان عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وأئمة التابعين، ويجتنب البدع كلها، ولا يتدين إِلَّا بما ثبت عنده بكتاب الله تعالى. وسنة رسوله أنه من الدين". وقال الشيخ في "التنكيل" (2/ 406): "الفقهيات والاختلاف فيها إذا كان سببه غيره الهوى، أمره قريب؛ لأنه لا يؤدِّي إلى أن يصير المسلمون فرقًا متنازعةً، وشيعًا متنابذةً ولا إلى إيثار الهوى على الهدى، وتقديم أقوال الأشياخ على حجج الله سبحانه، والالتجاء إلى تحريف معاني النصوص. وإذا كان المسلمون قد وقعوا في ذلك، فإنما أوقعهم الهوى، فلا مخلص لهم منه إِلَّا أن يستيقظ أهل العلم لأنفسهم، فيناقشوها الحساب، ويكبحوها عن الغيِّ، ويتناسوا ما استقرّ في أذهانهم من اختلاف المذاهب، وليحسبوها مذهبًا واحدًا، اختلف علماؤه، وأن على العالم في زماننا النظر في تلك الأقوال وحججها وبيناتها، واختيار الأرجح منها.

وقد نصّ جماعة من علماء المذاهب أن العالم المقلِّد إذا ظهر له رجحان الدّليل المخالِف لإمامه، لم يجُزْ له تقليد إمامه في تلك القضية، بل يأخذ بالحق؛ لأنه إنما رُخِّص له في التقليد عند ظن الرجحان؛ إذ الفرض على كل أحدٍ طاعة الله وطاعة رسوله، ولا حاجة في هذا إلى اجتماع شروط الاجتهاد، فإنّه لا يتحقق رجحان خلاف قول إمامك إِلَّا في حكم مختلفٍ فيه، فيترجح عندك قول مجتهد آخر، وحينئذ تأخذ بقول هذا الآخر، متبعًا للدليل الراجح من جهة، ومقلدًا في تلك القضية لذاك المجتهد الآخر من جهة. والفقهاء يُجيزون تقليد المقلِّد غير إمامه في بعض الفروع لمجرد احتياجه، فكيف لا يجوز، بل يجب، أن يقلده فيما ظهر أن قوله أوْلى بأن يكون هو الحق في دين الله؟ وقضية التلفيق إنما شددوا فيها إذا كانت لمجرد التشهي وتتبع الرخص، فأمَّا إذا اتفقت لمن يتحرى الحق، وإن خالف هواه، فأمرها هيِّن، فقد كان العامّة في عهد السلف تعْرِضُ لأحدهم المسألة في الوضوء، فيسأل عنها عالمًا، فيفتيه، فيأخذ بفتواه، ثم تعْرِضُ له مسألة أخرى في الوضوء أيضًا أو الصلاة، فيسأل عالمًا آخر فيفتيه، فيأخذ بفتواه، وهكذا. ومن تدبر علم أن هذا تعرض للتلفيق، ومع ذلك لم ينكره أحدٌ من السلف، فذاك إجماع منهم على أن مثل ذلك لا محذور فيه؛ إذ كان غير مقصود، ولم ينشأ عن التشهي وتتبع الرخص. فالعالم الذي يستطيع أن يروض نفسه على هذا هو الذي يستحق أن يهديه الله سبحانه، ويسوغ له أن يثق بما تبين له، ويسوغ للعامة أن يثقوا بفتواه. نعم، قد غلب اتباع الهوى وضعف الإيمان في هذا الزّمان، فإذا احتيط لذلك بأن يرتب جماعة من أعيان العلماء للنظر في القضايا والفتاوى فينظروا فيها مجتمعين! ثم يفتوا بما يتفقون عليه أو أكثرهم، لكان في هذا خير كثير وصلاح كبير إن شاء الله تعالى". اهـ.

18 - أولاده

وقال الشيخ في ترجمة "أحمد بن كامل القاضي" رقم (29) من "التنكيل": " ... وأمّا قول الدارقطني: "أهلكه العجب" ففسرها الدارقطني بقوله: "فإنّه كان يختار ولا يضع لأحدٍ من الأئمة أصلًا" فقيل له: كان جريري المذهب؟ فقال: "بل خالفه واختار لنفسه، وأمْلى كتابًا في السنن وتكلم على الأخبار". فحاصل هذا أنه لم يكن يلتزم مذهب إمام معين بل كان ينظر في الحجج، ثم يختار قول من رجح قوله عنده. أقول: وهذا أيضًا ليس بجرح، بل هو بالمدح أولى، وقد قال الخطيب: "كان من العلماء بأيام النَّاس والأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وتواريخ أصحاب الحديث، قال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله". أقول: فيحق لهذا أن ينشد: إِنْ أَكُنْ مُعْجبًا فعجبٌ عجيبُ ... لم يجِدْ فوْق نفْسِهِ مِنْ مزِيد اهـ. 18 - أولاده: للشيخ ولد واحد اسمه: عبد الله؛ ولد -كما ذكر الشيخ- ضُحى يوم الثلاثاء سادس شهر ربيع الثاني من عام واحد وخمسين وثلاثمائة وألف من الهجرة النبوية، وكان للشيخ يوم ولد ابنه عبد الله: تسعة وثلاثون عامًا. شفقة الشيخ على ولده وحرصه على صلاحه وتعليمه ووصيته بذلك: مما وجده الزيادي بخط الشيخ -متحدثًا عن ولده عبد الله، قال: "اللهم اجعله من عبادك المخلصين، العلماء العاملين، الهداة المهديين، وإني أعيذه بك وذريته من الشيطان الرجيم، وأسألك أن تجعله من العلماء الراسخين، العارفين بكتابك المبين، وسنة نبيك الأمين صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله، وأن تجعله قرة عين لأبويه، إنك أنت الكريم الوهاب، الرازق لمن تشاء بغير حساب".

19 - شيوخه

وقال أيضًا: "أوصي إلى الشيخ إبراهيم رشيد أن يحتاط لولدي عبد الله، أصلحه الله، إذا توفاني الله تعالى قبل بلوغه، ويجتهد في تربيته تربية صالحة، ويمنعه من الاختلاط بالأطفال السفهاء، وينفق عليه وعلى أمه، ما لم تتزوج، مما يجده من متروكي هنا، ومما لعلّه يسره الله تعالى من الدائرة. ثم إذا وصل حدّ القراءة ألزمه حفظ القرآن الكريم، ولقنه التّوحيد الحق، ثم يربيه تربية دينية علمية". اهـ 19 - شيوخه: قد سبق ذكر منْ تتلمذ الشيخ على أيديهم في: القرآن، والتجويد، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، وغيرها. وأما في الحديث فقد تتلمذ على الشيخ عبد القدير محمد الصديقي القادري، شيخ كلية الحديث في الجامعة العثمانية بحيدرآباد الدكن بالهند. وسيأتى نص إجازته له عند الكلام على: الثناء على الشيخ المعلمي. وللمعلمي شيخ آخر هو العلامة سالم بن عبد الرحمن باصهي، ذكر المعلمي في رسالة ألّفها سنة (1341 هـ) في الردِّ على رجل حلولي -يُدْعى: السيد حسن الضالعي- أن شيخه الإمام سالم هذا له رسالة في الردِّ على هذا الرَّجل الحلولي سماها "كشف الغطا". ذكره السماري (ص 24). 20 - تلاميذه: مكث الشيخ في اليمن حتى بلغ الثلاثين من عمره، وقضى تلك الفترة في حفظ القرآن، ودراسة النحو واللُّغة والأدب، وسماع الحديث ودراسة علومه، وتلقي الفقه من مشايخه، ثم تولّى القضاء في عهد الإدريسي، ثم اشتغل حينًا بالتدريس والوعظ.

ثم ارتحل إلى الهند، والْتحق بدائرة المعارف العثمانية، ومكث فيها نحوًا من ثلاثين عامًا، منشغلًا بتصحيح الكتب وتحقيقها. ثم ارتحل إلى مكّة حيث مكث فيها إلى أن وافاه الأجل، وذلك نحو خمس عشرة سنة، عمل فيها أمينًا لمكتبة الحرم المكي، يخدم رُوّاد المكتبة من الطلبة والباحثين، ويرشدهم إلى مواضع ما يحتاجون إليه من الكتب والمراجع، اشتغل في هذه الفترة بتصحيح بعض الكتب التى طبعت في دائرة المعارف أيضًا، وبتأليف وتصنيف أمثال "التنكيل" و"الفوائد" و"الأنوار" وغيرها من الأبحاث والرسائل. لعل ما سبق بيانه يفسِّر لنا أننا لم نعلم للشيخ تلامذةً بالمعنى المعهود، وذلك نظرًا لانشغاله الدائم بالبحث والتصحيح والتحقيق، ولم يتفرغ الشيخ لعمل مجالس سماع أو تحديث أو تدريس بصورة تسمح للتخرُّج به. ولعلّ ما انشغل به الشيخُ، وما خلّفهُ للأُمّةِ من تصحيح أمهات كتب الرجال، والتي ما كان يصلح لها منْ هو أقلُّ كفاءةً منه، وما انْبرى له من الدفاع عن السنة وأهلها وأئمتها، مما رفع به الحرج عن سائر الأُمّة، وما أتْحف به المكتبة الإسلامية ببديع التحقيق لكثير من المسائل الاصطلاحية المشكلة، ما هو أعظم أثرًا، وأبعد نفعًا من مجرد انشغاله بتلك المجالس. لكن مما يلاحظ أن غياب هؤلاء التلاميذ مما زاد في انغمار الشيخ، بحيث لم يحْمِلْ هذا العلم عنه منْ يقوم بنشره وبثِّه، وإنما عِلْمُ الشيخ فيما سطره بقلمه، ومن آثار غياب هؤلاء أنه لا تزال كثير من أبحاث الشيخ ورسائله وتحقيقاته حبيسة الأدراج، وقد أثّر طولُ الوقت في بعضها، ولعلّ الله تعالى أن يقيض منْ يعتني بعلم الشيخ فيقوم على إخراج تلك المخطوطات إخراجًا علميًا لائقًا.

21 - مكانته العلمية وثناء أهل العلم والفضل عليه

وقد ذكر الزيادي عشرةً ممن تأكد أنهم تلاميذ للشيخ، قرأ أكثرهم عليه بعض الكتب في الحديث والفقه والنحو وغيرها، ولازمه بعضهم مدّة، لكن ليس لأحدٍ منهم -فيما أعلم- أثر في نشر علم الشيخ ومنهجه. 21 - مكانته العلمية وثناء أهل العلم والفضل عليه: 1 - أجازه شيخ كلية الحديث في الجامعة العثمانية -بحيدرآباد الدكن بالهند- الشيخ: عبد القدير محمد الصديقي القادري، وقال في إجازته، بعد حمد الله والصلاة على نبيِّه: "إن الأخ الفاضل والعالم العامل الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي العُتْمي اليماني، قرأ عليّ من ابتداء "صحيح البخاريّ" و"صحيح مسلم" واستجازني ما رويته عن أساتذتي، فوجدته: طاهر الأخلاق، طيِّب الأعْراق، حسن الرِّواية، جيِّد الملكة في العلوم الدينية، ثقة عدل، أهل للرواية بالشروط المعتبرة عند أهل الحديث، فأجزته برواية "صحيح البخاريّ" و"صحيح مسلم"، و"جامع الترمذي"، و"سنن أبي داود"، و"ابن ماجة"، و"النسائي"، و"الموطأ" لمالك .. حرِّر بتاريخ (13) من ذي القعدة سنة (1346 هـ) " (¬1). قال الزيادي: هذه الإجازة موجودة قي مكتبة الحرم المكي. 2 - ولقد دأب مدير دائرة المعارف: السيد هاشم الندوي، بوصف الشيخ المعلمي في خاتمة بعض الأجزاء التي صححها بقوله: "وقد اعتنى بتصحيح هذا الكتاب وتعليق الحواشي المفيدة: الأستاذ الفاضل مولانا الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني ¬

_ (¬1) منصور السماري (ص 10) ووقع اسم شيخ المعلمي عند الزيادي في مقدمته (ص 68): عبد القادر، وما أثبته من كتاب السماري، ومن مقدمة "التنكيل".

ولله درّه، قد اجتهد في تصحيح الأسماء والأنساب والمشتبهات، واستوعب النظر في الاختلافات من حيث علم الرجال ونقد الروايات من جهة الجرح والتعديل .. وساعده: .... وأنا الحقير الكاتب في المقابلة والتصحيح" (¬1). وجاء في خاتمة طبع كتاب "الكنى" للبخاري (ص 94) من آخر الجزء الثامن: "البحث عن كتاب الكنى للإمام البخاري بقلم الأستاذ الفاضل الناقد في الرجال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني دام فضله". 3 - وقال الشيخ الفاضل حماد الأنصاري: "إن الشيخ عبد الرحمن المعلمي عنده باع طويل في علم الرجال جرحًا وتعديلًا وضبطًا، وعنده مشاركة جيدة في المتون تضعيفًا وتصحيحًا، كما أنه ملم إلمامًا جيدًا بالعقيدة السلفية" (¬2). 4 - وقال الشيخ الفاضل: محمد ناصر الدين الألباني في مقدمة تحقيقه لكتاب "التنكيل": " .. تأليف العلّامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى بن علي اليماني -رحمه الله تعالى- بيّن فيه بالأدلة القاطعة والبراهن الساطعة تجني الأستاذ الكوثري على أئمة الحديث ورواته .. إلى غير ذلك من الأمور .. ، مبرهنًا عليها من كلام الكوثري نفسه في هذا الكتاب العظيم، بأسلوب علمي متين لا وهن فيه، ولا خروج عن أدب المناظرة، وطريق المجادلة بالتى هي أحسن، بروحٍ علمية عالية، وصبر على البحث والتحقيق، كاد أن يبلغ الغاية، إن لم أقل قد بلغها، كل ذلك انتصارًا للحق، وقمعًا للباطل، لا تعصبًا للمشايخ والمذهب، فرحم الله المؤلف، وجزاه عن المسلمين خيرًا". ¬

_ (¬1) انظر على سبيل المثال: خاتمة طبع الجزء السابع من "التاريخ الكبير" (ص 443) وكذا (ص 401) من الجزء الثاني. (¬2) "المعلمي وجهوده في السنة" لهدى بالي (ص 34) عن مقدمة "عمارة القبور" (ص 65).

وقال الألباني أيضًا في تعليقه على ذكر المعلمي درجات توثيق ابن حبان: "هذا تفصيل دقيق، يدل على معرفة المؤلف -رحمه الله تعالى- وتمكنه من علم الجرح والتعديل، وهو مما لم أره لغيره جزاه الله خيرًا" (¬1). ووصف الألباني أيضًا الكلمة التعريفية لكتاب "الأدب المفرد" والتى كتبها المعلمي بقوله: "هذا كلام جيد متين، من رجل خبير بهذا العلم الشريف، يعرف قدر كتب السنة وفضلها، وتأثيرها في توحيد الأمة .. " (¬2). 5 - وقد وصفه الشيخ أحمد شاكر بـ: العلّامة، في حاشيته على تفسير الطبري: (1/ 33). ومما يذكر للمناسبة ما ذكر الزيادي في "مقدمة عمارة القبور" (ص 52 - 55) أنه عثر على رسالة خطية للمعلمي، بعث بها إلى فضيلة الشيخ أحمد شاكر مبينًا فيها سبب تأليف "طليعة التنكيل" ومنبها على الأخطاء المطبعية وتصرف بعض المعلقين عليها خارجًا عن مقصود الشيخ، وسائلًا له عن بعض المهمّات التي لم يهتد إليها، ثم قال: "وأنا منذ زمانٍ أحبُّ التعرُّف عليكبم، والاستمداد منكم، فيعوقني إكباري لكم، وعلمي بأن أوقاتكم مشغولة بكبار الأعمال كخدمة "المسند" وأخيرًا قوي عزمي على الكتابة إليكم، راجيّا العفو والمسامحة .. ". 6 - وقال حضرة الشاب العالم الفاضل أبو تراب الظاهري (¬3): "هو علم من العلماء الأعلام البارزين، كان عبدًا أوّاهًا ورعًا زاهدًا تقيًّا، لم يكن يدنس ثوبه برذيلة، ولا اخترام مروءته" (¬4). ¬

_ (¬1) "التنكيل" (1/ 451). (¬2) "صحيح الأدب المفرد" (ص 9). (¬3) هكذا وصفه الشيخ المعلمي في مقدمة "الإكمال" لابن ماكولا (ص 50). (¬4) هكذا، ولعلّ الصواب: مروءة.

وقال أيضًا: "وكان نحويّا بارعًا وعروضيًا، وذا معرفة باللُّغة وغريبها، حفظ الألفية، وبعض المتون في الأصول والفقه، ولقى الأكابر" (¬1). 7 - ونقل الزيادي عن كتاب "علماء العربيّة ومساهماتهم في الأدب العربي في عهد الأصفجاهية" للسلطان محي الدين (ص 472): "هو نادرة الزّمان، علّامة الأوان، والأستاذ الناقد، والباحث المحقق: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني .. كان من أجلِّ العلماء الربانيين، وفضلاء اليمن الكبار .. كان بارعًا في جميع العلوم والفنون، وتمهّر في علم الأنساب والرجال، ونبغ في تصحيح الكتب، والتعليق عليها، وله براعة في البحث والتحقيق، والتمييز بين الخطأ والصواب، وكان واسع الاطلاع على تاريخ الرجال ووقائعهم .. صحح كثيرًا من المخطوطات القيّمة، وعلّق عليها التعليقات البسيطة، والتقديمات النافعة، كثيرة الفوائد العلمية والتاريخية .. " 8 - وعن رسالة بعث بها محمد عبد الله المعلمي إلى الشيخ المعلمي -مخطوط: " .. كوكب الأدباء، وتاج النجباء، من تسنّم متن المعالي، وناطح بِهِمّتِهِ كُلّ عالِ، سليل الأكارم، وجيه الهدى، الآخذ بمجامع القلوب .. الشيخ العلّامة القاضي عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، أدام الله معاليه، وخلّد لتاليه، وحفظ ذاته من كل سوء، وصرف عنه الشرور .. ". 9 - وأثنى عليه الشيخ محب الدين الخطيب في مقدمته لكتاب "كشف المخدرات والرياض المزهرات شرح "أخصر المختصرات" (ص 10) بقوله: " .. حضرة العالم المحقق الشيخ: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي الذي عرف النَّاس فضله بما صدر عنه من تصحيح كثير من الكتب الإسلامية .. ". ¬

_ (¬1) مقال في جريدة "المدينة" شهر صفر سنة (1386 هـ) [عن مقدمة الزيادي ص 65].

10 - وذكر الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في كتابه "التأصيل لأصول التخريج وقواعد الجرح والتعديل" (¬1) منْ تدور عليهم التحقيقات والتقييدات من المتقدمين والمتأخرين، حتى بلغ الحافظ السخاوي، ثم ذكر آخرهم وهو: ذهبي العصر العلّامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني. ثم علق على ذلك في الحاشية بقوله: "تحقيقات هذا الحبر نقش في حجر، ينافس الكبار كالحافظ ابن حجر، فرحم الله الجميع، ويكفيه فخرًا كتابه "التنكيل". اهـ 11 - وقال الدكتور/ عبد الوهاب عبد اللطيف، الأستاذ بكلية الشريعة بالأزهر في مقدمته "للفوائد المجموعة" (ص 14 - 15). "محقق الكتاب: الأستاذ الشيخ عبد الرحمن اليماني، لا يجهل علمه باحثٌ في علوم الحديث، وله مِنّةٌ على الباحثين، بما يحققه من الكتب الحديثية التى نشرت في الهند، وهو ذو باع طويل في علم رجال الأثر، وقد اجتهد في تحقيق هذا الكتاب ونقد رواياته ورواته، معتمدًا على أوثق المصادر، حتى إنّه صحح كثيرًا من أغاليط المؤلِّفات في هذا الفن، وهو بذلك جدير. وكان في علمه أمينًا رزينًا، إذا لم يعلم يقول في الراوي المجهول "لم أجده - لا أعرفه" وفيمن لم يستبن له أمره "لم يتبن لى حاله" بعبارة ضابطة محققة. وذكر المحقق في مقدمة الكتاب: منهجه، وأنه إذا قورن بالعلماء المتأخرين، ظن أنه مشدّد -وقد يكون ذلك- وأنه سلك مسلكًا لا يعتمد فيه كل الاعتماد على قواعد هذا الفن المدونة في كتب المصطلح؛ لأنها غير كافية في الحكم، كما يظهر لمن مارس صنيع علماء الجرح والتعديل، وتتبع أقوالهم، وتطبيقها على جزئياتها". اهـ ¬

_ (¬1) (ص 27).

22 - جوانب من شخصية الشيخ المعلمي

12 - وسجّل له الدكتور/ حمزة عبد الله المليباري أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية، الجزائر: شهادةً غاليةً؛ إذ يقول في كتاب "الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها" (ص 31 - 32): "ما أروع الشيخ عبد الرحمن المعلمي رحمه الله تعالى، وهو من القلائل الذين فهموا دقة منهج المحدثين في تعليلهم وتصحيحهم للأحاديث، إذ يقول: إذا استنكر الأئمة المحققون المتن، وكان ظاهر السند الصحة، فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقًا حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقًا، ولكنهم يرونها كافية للقدح في ذاك المنكر .. " وقد نقل المليباري كلام الشيخ كاملًا من مقدمة "الفوائد المجموعة" ثم قال: "وهذا كلام جد نفيس، ينم عن فهمه الصحيح لمنهج النقاد من خلال الممارسة، وقليلًا ما نلمس مثل هذا التحقيق في بحوث المعاصرين، وجزاه الله عنا خير الجزاء". اهـ. هذا وقد أثنى على الشيخ غير واحدٍ من الأفاضل، يطول المقام بذكرهم، منهم: الشيخ العلّامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ، والشيخ محمد نصيف، والشيخ محمد عبد الرزاق حمزة، وغيربهم. 22 - جوانب من شخصية الشيخ المعلمي: أ - التواضع ورقة الحال: قال الدكتور محمود محمد الطناحي رحمه الله في كتاب "مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي مع محاضرة عن التصحيف والتحريف" في حديث عن دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن بالهند (ص 203): "والقائمون على تصحيح الكتب في هذه الدائرة يعملون في إخلاصٍ واحتسابٍ وصمتٍ، ومن أشهرهم وأعلاهم قدرًا: "الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني".

ب - الزهد والورع

ثم تكلم الدكتور الطناحي عن نسب المعلمي ونشأته ورحلاته إلى جيزان والهند، وذكر أهم ما شارك في تصحيحه من الكتب الموسوعية، وما ألّفه من الرسائل المطبوعة والمخطوطة، وما يتعلق بوفاته، ثم قال: "وكان الشيخ فيما وُصف لنا متواضعًا، رقيق الحال، حدثني الأستاذ فؤاد السيد -أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية- رحمه الله قال: كنت في أثناء الحج أتردد على مكتبة الحرم المكي لرؤية المخطوطات، وزيارة مدير المكتبة: الشيخ سليمان الصنيع، وكان بين العين والآخر، يأتي إلينا رجل رقيق الحال يسقينا ماء زمزم، وبعد يومين طلبتُ من الشيخ الصنيع رؤية الشيخ عبد الرحمن المعلمي، فقال: ألم تره بعدُ؟ أليس يسقيك كل يوم من ماء زمزم؟ يقول الأستاذ فؤاد: فتعجبتُ من تواضعه ورقة حاله، مع ما أعرفه من علمه الواسع الغزير". اهـ. وقد حكى الزيادي قصة مشابهة لكن للشيخ أحمد شاكر بدلًا من فؤاد السيد -إِلَّا أن الزيادي لم يذكر منْ حكاها له ولا مِنْ أين نقلها- وفي آخرها: "وما هى إلّا دقائق حتى أخذ الشيخ أحمد شاكر في البكاء". ب - الزهد والورع: وصفه بذلك الشيخ محمد نصيف، والعالم الفاضل أبو تراب الظاهري، وغيرهما، وشواهد الحال، والنظر في سيرة الشيخ، ووصاياه، تدل على ذلك. ت - الخمول والفناء في خدمة العلم: سبق وصف حاله في مكتبة الحرم المكي، وما كان عليه من التواضع ورقة الحال، وهو حينئذٍ قد جاز الستن عامًا، وبلغ من العلم مبلغ الكبار، وقد انتشرت تحقيقاته ومؤلفاته، وعرفه المشتغلون بهذا العلم الشريف، ومع ذلك، لم يداخله زغل العلم، ولا بريق الشهرة، ولم يرتدِ ثياب العظمة، بل هو عاكف في محراب العلم، بين أروقة

ث - المحافظة على الوقت

البحث والتحقيق والنظر، لا يشغله عن ذلك شاغل، بل ارتضى أن يكون "أمينًا" لمكتبة الحرم المكي، من أجل المكث بين الكتب والمخطوطات، ينهل منها إلى آخر نفسٍ في عمره. ث - المحافظة على الوقت: قال العلّامة محمد بهجة البيطار (¬1): " .. ولم يتفق لي أن دخلت المكتبة بمكة المكرمة مرّةً إِلَّا ورأيته محافظًا على الوقت، مُكبًا على العلم -رحمه الله تعالى-: هكذا هكذا وإِلَّا فلا ... طرق الجد غير طرق المحال" وقد كان الشيخ يتحلى بصفاتٍ نبيلةٍ، تتجلى بوضوح عند مطالعة كتبه، منها: الحلم وسعة الصدر وعدم مقابلة الذم والشتم بمثله (¬2). ومنها: امتلاك النفس عند الغضب للحق، وعدم مجاراة الجاهل في جهله (¬3). ومنها: سلوك سبيل المجاملة والمسامحة وعدم بسط اللسان في ثلب المفتري؛ اكتفاءً بإظهار الحق (¬4). ومنها: عفة لسانه وصون قلمه عن تتبع الهفوات وذكر الفظائع والمنكرات؛ صونًا لحرمات المسلمين (¬5). ومنها: الميل إلى الإنصاف وتحري الصواب، حتى ولو كان في ذاك الصواب تقوية لمنطق المخالف (¬6). ¬

_ (¬1) "مجلة المجمع العلمي العربي" (42: 574) [عن مقدمة الزيادي ص 66]. (¬2) انظر مثلًا: "التنكيل" (1/ 17). (¬3) انظر: "التنكيل" (1/ 365، 258). (¬4) انظر: "التنكيل" (1/ 438). (¬5) انظر: "التنكيل" (1/ 114، 142). (¬6) انظر: "التنكيل" (1/ 348، 383)، و"الأنوار" (ص 157، 159).

23 - وفاته

ومنها: الاعتراف بخطأ نفسه، والتنبيه على الصواب (¬1). وغير ذلك مما يعلم بمطالعة كلامه رحمه الله تعالى. 23 - وفاته: قال ماجد الزيادي (¬2): "توفي المعلمي رحمه الله سنة (1386 هـ) صباح يوم الخميس من شهر صفر على سريره والكتاب على صدره. أخبرني الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن المعلمي -حفظه الله- أمين مكتبة الحرم سابقًا: "في ليلة الأربعاء وبعد صلاة العشاء، جاء بعض الطلاب عند الشيخ ومعه كتابٌ في الأُصول، وطلب منه أن يشرح له بعض العبارات، وكان يظهر على هذا الطالب علاماتُ التّسرُّعِ، وبِيدِ الشيخ رحمه الله سلسلةٌ، فقال للطالب: انظر لهذه السلسلةِ التى بيدي، صانِعُها مكث في صنعها مُدّةً، أخذ يُركِّبُ حلقةً حلقةً، وهكذا العلمُ مسألة مسألة". وأخبرني أيضًا: "في هذه اللَّيلة وبعد انتهاء الدوام رفعت عنه جميع الكتب التى كانت أمامه، وكان أمامه "الإكمال" و"الأنساب" وفي صباح يوم الخميس وجدته وقد وضعها أمامه". قلت: وقد صُلِّى عليه في المسجد الحرام وحضر جنازته خلقٌ كثير من الفضلاء والوجهاء". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) هذا مستفيض فيما حققه من أمهات الكتب، فيرجع عما مال إلى صحته في الكتاب المقدم، فيصلحه في المؤخر مع التنبيه على ذلك. (¬2) (ص 89) من مقدمة "عمارة القبور".

آثار المعلمي ومؤلفاته

آثار المعلمي ومؤلفاته يمكن تقسيم آثار الشيخ إلى: 1 - ما قام بتأليفه. 2 - ما قام بتحقيقه وتصحيحه. 3 - ما شارك في تحقيقه وتصحيحه. وكذا يمكن تقسيمها إلى: 1 - المطبوع. 2 - المخطوط. وقد تناول آثار الشيخ من جهة التقسيم الأول: منصور السماري. وتناولها من جهة التقسيم الثاني: ماجد الزيادي. وقد استوعب الفاضلان -أو كادا- الحديث عن مؤلفات الشيخ، مع ذِكْرِ نُبْذةٍ عن منهجه في بعضها، وفقراتٍ من كلامه فيها، ومقدمات بعض الرسائل والأبحاث المخطوطة، وللزيادي رسالة، أودع فيها تفصيل ما عثر عليه من مخطوطات الشيخ، سماها "القول الجلي في حياة العلّامة عبد الرحمن المعلمي". وقد رأيتُ أن الفاضِليْن قد قاما بالمهمة، ولكنى رأيت أن خلوّ هذا الموضع من الإشارة إلى ذلك ليس بالمستحسن، وفيه تفويت الفائدة على الناظر في هذا الكتاب، لا سيما ممن لم يتحصل على الكتابين المذكورين، فرأيت أن أذكر ذلك قاصدًا الإفادة والزيادة في بعض المواضع، والله تعالى الموفق.

فأقول: قسمتُ مؤلفاتِ الشيخ وآثارهُ إلى عشرة أقسام. القسم الأول: في العقيدة. القسم الثاني: في البدع. القسم الثالث: في الفقه. القسم الرابع: في أصول الفقه. القسم الخامس: في السنة وعلومها ورجالها. القسم السادس: في التفسير. القسم السابع: في النحو. القسم الثامن: في الأدب والشعر. القسم التاسع: في اللغة. القسم العاشر: متفرقات. ثم قمتُ بتقسيم كل قسم إلى ما يوجد فيه من: المطبوع والمخطوط، ثم إلى التأليف والتحقيق والمشاركة فيه. وينفرد القسم الخامس منها بتقسيمه إلى ستة أبواب: الباب الأول: في مصطلح الحديث وعلوم الرواية وأحكام الجرح والتعديل. الباب الثاني: في تحقيق المقال في تراجم الرجال. الباب الثالث: في كتب التواريخ والرجال. الباب الرابع: في كتب المؤتلف والمختلف والأنساب. الباب الخامس: في الكتب المسندة ونحوها من كتب الآثار. الباب السادس: في كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة. وقد جعلت لكل كتاب أو رسالة رقمين الأول لرقم القسم، والثاني رقمًا مسلسلًا عامًا. فمثلًا. (6/ 74) أعني: القسم السادس وهو في التفسير، رقم المؤلِّف: (74) وهكذا. والله تعالى ولي التوفيق.

القسم الأول: في العقيدة

القسم الأول: في العقيدة الفصل الأول: في المطبوع منه: النوع الأول: في التأليف: 1/ 1 القائد إلى تصحيح العقائد: وهو القسم الرابع من كتاب "التنكيل" وقد أفرده "المكتب الإسلامي، بالطبع. وهو كتاب فذّ. يقول فضيلة الشيخ: محمد عبد الرزاق حمزة في تذييله عليه: "هو كتاب من أجود ما كتب في بابه في مناقشة المتكلمن والمتفلسفة الذين انحرفوا بتطرفهم وتعمقهم في النظر والأقيسة والمباحث، حتى خرجوا عن صراط الله المستقيم الذي سار عليه الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين من إثبات صفات الكمال لله تعالى من عُلُوِّه سبحانه وتعالى على خلقه علوا حقيقيًا يشار إليه في السَّماء عند الدُّعاء إشارة حقيقية، وأن القرآن كلامه حقًا، حروفه ومعانيه كيفما قرىء، أو كتب، وأن الإيمان يزيد وينقص حقيقة، يزيد بالطاعات، وينقص بالمعاصي، وأن الأعمال جزء من الإيمان، لا يتحقق الإيمان إِلَّا بالتصديق والقول والعمل. حقق العلّامة المؤلف هذه المطالب بالأدلة الفطرية والنقلية من الكتاب والسُّنَّة على طريقة السلف الصالح من الصّحابة وأكابر التابعين، وناقش من خالف ذلك من الفلاسفة كابن سينا ورؤساء علم الكلام كالرازي والغزالي والعضد والسعد، فأثبت بذلك ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية في كتبه المحققة الشافية الكافية بأوضح حجة وأقوى برهان -أن طريقة السلف في الإيمان بصفات الله تعالى أعلم وأحكم وأسلم، وأن طريقة الخلف من فلاسفة ومتكلمين أجهل وأظلم وأودى وأهلك.

قرأت الكتاب فأعجبت به أيما إعجاب، لصبر العلّامة على معاناة مطالعة نظريات المتكلمين خصوصًا من جاء منهم بعد من ناقشهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه الإمام ابن القيم كالعضد والسعد. ثم رده عليهم بالأسلوب الفطري والنقول الشرعية التى يؤمن بها كل من لم تفسد عقليته بخيالات الفلاسفة والمتكلمين، فسدّ بذلك فراغًا كان على كُلِّ سُنِّي سلفي سدُّه بعد شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله تعالى، وأدّى عنا دينًا كنا مطالبين بقضائه، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وحشرنا وإياه في زمرة الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، آمين .. ". اهـ 1/ 2 - عقيدة العرب في وثنيتهم: طُبع ضمن "مجموع" يحتوي على خمس رسائل للمعلمي، إعداد وتعليق: ماجد الزيادي. ومخطوطتها عبارة عن (6) أوراق، وعدد أسطر الورقة (28) سطر، ومقاسها (24 × 25). وقد تحدث فيها الشيخ عن توحيد المشركين، وجمعهم بين الإيمان والشرك، وكيف دخلت الوثنية بلاد العرب، والمنشأ في نصب الأصنام، والتعريف باللات والعزى، وما الذي كان يرجوه المشركون من الملائكة. قال الشيخ في أولها: "ليس من الغريب أن تجهل حقيقة تاريخية مضت عليها آلاف السنين، أو كان العلم بها خاصًا بأفراد قليلين، أو لم تكن مما يهم حفظه ونقله، وإنما الغريب أن تجهل حقيقة أكبر من ذلك كعقيدة العرب في وثنيتها. فإنها خفيت منذ أزمان .. ".

النوع الثاني: التحقيق: 1/ 3 - الردّ على الأخنائي واستحباب زيارة خير البرية الزيارة الشرعية: تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية. الطبعة الأولى منه طبعته المطبعة السلفية بتحقيق محب الدين الخطيب، أما الطبعة الثانية فبتحقيق الشيخ المعلمي، طبعته الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد. صحح الشيخ أصله وحققه وخرج أحاديثه فجعل لكل حديث رقمًا فإن تكرر الحديث كرر الرقم معه، ثم أثبت تخريجه في آخر الكتاب على حسب الأرقام، وقال في أول التخريج: "وقد أثبتنا في التخريج إلى جانب رقم الحديث رقم الصفحة التي ورد فيها لأول مرّة، وجعلنا لصفحات الطبعة الأولى جدولا وإلى جانبه جدول آخر لصفحات هذه الطبعة الثانية". والشيخ يكتفي في التخريج بالصحيحين إذا كان الحديث فيهما أو في أحدهما، فإن لم يجده خرجه من السنن الأربعة، فإن لم يجده خرجه من الموطأ ومسند أحمد، ولا ينقد ما كان مخرجًا في هذه الأصول، وما نقد سوى حديث واحد وهو "من حج ولم يزرني فقد جفاني ومن زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي" (ح 19) قال في تخريجه: "نسبه في "المقاصد الحسنة" إلى "كامل ابن عدي" و"ضعفاء ابن حبّان" و"العلل" للدارقطني و"غرائب مالك" له. والحديث لم يصح. بلغ عدد الأحاديث بدون المكرر (127) حديثًا. النوع الثالث: المشاركة في التحقيق: 1/ 4 الجواب الباهر في زوار المقابر: تأليف شيخ الإسلام ابن تيمية.

طبعته "المطبعة السلفية" بالقاهرة أربع مرات وعندي الطبعة الرّابعة منه لسنة (1401) وكتب على غلاف الكتاب: صحح أصله وحققه: الشيخ سليمان بن عبد الرحمن الصنيع، وشارك في تحقيقه وخرّج أحاديثه: الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني". وفي (ص 102) من الكتاب يقول الصنيع: "وقد جرى مقابلته على أصله المنقول منه في أربعة مجالس، وكان بيد ناسخه هذا، وبيد الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني: الأصل المنقول منه، وتم تصحيحًا ومقابلة على الأصل المذكور يوم الأربعاء السادس من شهر رجب سنة (1376 هـ). أما تخريج الأحاديث فيكتفي الشيخ بالصحيحين إذا كان الحديث فيهما أو أحدهما، فإن لم يكن فمن السنن الأربعة وغيرها كمسند أحمد والموطأ والمستدرك والسنن الكبرى للبيهقي. وكثيرًا ما يعزو في التخريج إلى تحقيقه لكتاب "الرَّدِّ على الأخنائي". ويظهر من تعليقه وتخريجه للأحاديث اعتناؤه بلفظ الحديث الوارد في كلام شيخ الإسلام بن تيمية ومقارنته بما يعزوه إليه، مع التنبيه على الخلاف فيه، انظر (ص 14). 1/ 5 - لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية شرح الدرة المضية في عقيدة الفرقة المرضية: للسفاريني. ذكره عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي في ترجمته للشيخ في مقدمة "التنكيل" باسم "شرح عقيدة السفارينى" وذكره كما أثبتُّه: منصور السماري (ص 86) وقال في التعليق: "لم أعثر على الطبعة التى شارك فيها".

الفصل الثاني: في المخطوط: وليس فيه إِلَّا: التأليف. 1/ 6 - رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله، وتحقيق معنى التّوحيد والشرك بالله: ذكره الشيخ في سبعة مواضع من كتابه: "القائد إلى تصحيح العقائد" ويسميه اختصارًا كتاب "العبادة". وقد قال في حاشية الموضع الثالث منه (ص 295) معرفًا بهذا الكتاب: "استقرأت فيه الآيات القرآنية، ودلائل السنة والسيرة والتاريخ وغيرها لتحقيق ما هى العبادة، ثم تحقيق ما هو عبادة لله تعالى مما هو عبادة لغيره، يسّر الله نشره". قال منصور السماري (ص 44 - 45). "وهذا المخطوط يقع في أربع مجلدات: الأول منها حجم متوسط يشتمل على مئة ورقة عدد سطوره (16) سطرًا، وعدد الكلمات في السطر (11) كلمة وخطه جيد يقرأ ومبيض، يبدأ من (ص 1 - 91) ثم سقط قدره (305) صفحة، ثم يلي ذلك المجلد الثاني كالصفات السابقة، يبدأ من (397 - 512) ثم المجلد الثالث كذلك يبدأ من (ص 513 - 630) ثم المجلد الرابع يبدأ من (ص 631 - 741) هذا ما وقفت عليه من المبيض ولم ينته الكتاب بعد، وصل فيه إلى قول: "قوله ما شاء الله وشئت" وهو يشبه أن يكون عنوانًا لفصل جديد. ووقفت على مخطوط آخر يظهر أنه هو المسوّدة لهذا الكتاب بدليل أن مقدمتها هي المقدِّمة التي سبق ذكرها، ويقع في مجلد كبير الحجم، عدد صفحات الكتاب (440) صفحة تقريبًا وعليه حواش كثيرة، عدد الأسطر (23) سطرًا، وعدد الكلمات في السطر (16) كلمة، الخط لا بأس به في أول المخطوط، ثم تأتي الصعوبة في الباقي من كونه غير منظم، وقد ضرب فيه على مواضع كثيرة". اهـ

ويظهر أن للزيادي عناية بهذا الكتاب، فقد ذكر في مقدمة "عمارة القبور" (ص 36) بحثه عن الجزء الساقط منه وكذا في تعريفه برسالة "أصول التصحيح" من "المجموع" (ص 7)، فلعلّه يقوم على نشره، وفّقهُ الله. وقال الزيادي (ص 70): "وكتاب العبادة ما يزال مخطوطًا في مكتبة الحرم، وتوجد له نسختان: النسخة الأولى: كتبت المائة. الأولى بخط نسخي رائع، وعلى بعض الصفحات تهميشات مقروءة. ثم يعقب هذه المائة خط غير واضح، وتقع في مجلد ضخم، وهذه هي النسخة التى رآها الزركلي رحمه الله وقال عنها (3/ 342): "وكتاب العبادة في مجلد كبير .. " (ق 444، س 22)، مقاس (28 × 26) سم. النسخة الثانية: كتبت المائة الأولى بخط نسخي مقروء، وبقيته كتبت بخط نسخي ممتاز شبيه بالفارسي أحيانًا. اهـ قال السماري: بدأه بمقدمة قال فيها بعد حمد الله والصلاة على نبيه: "أما بعد فإني تدبرت الخلاف المستطير بين الأمة في القرون المتأخرة في شأن الاستغاثة بالصالحين الموتى وتعظيم قبورهم ومشاهدهم وتعظيم بعض المشايخ الأحياء وزعم بعض الأمة في كثير من ذلك أنه شرك وبعضها أنه بدعة وبعضها أنه من الدين الحق، ورأيت كثيرًا من النَّاس قد وقعوا في تعظيم الكواكب والروحانيين والجن مما يطول شرحه وهو موجود في كتب التنجيم والتعزيم، كـ "شمس المعارف" وغيرها وعلمت أن مسلمًا من المسلمين لا يقدم على ما يعلم أنه شرك ولا على تكفير من يعلم أنه غير كافر ولكنه وقع الاختلاف في حقيقة الشرك فنظرت في حقيقة الشرك فإذا هو بالاتفاق اتخاذ غير الله سبحانه إلهًا من دونه أو عبادة غير الله سبحانه فانتقل النظر إلى معنى الإله والعبادة فإذا فيه اشتباه شديد فإن أصح الأقوال

في تفسير"إله" قولهم: معبود أو معبود بحق، ومعنى العبادة مشتبه كذلك كما ستراه إن شاء الله فعلمت أن ذلك الاشتباه هو سبب الخلاف وإذا الخطر أشد مما يظن لأن الجهل بمعنى الإله يلزمه الجهل بمعنى كلمة التوحيد "لا إله إِلَّا الله" وهي أساس الإسلام وأساس جميع الشرائع الحقة .. ". وذكر في (ص 438) عنوان: "المصريون في عهد موسى عليه السلام"، ثم استوعب ذكر الآيات التي جاء فيها ذكر قصة فرعون مع موسى عليه السلام، وما جاء في تفسيرها، [إلى أن قال في ص 447]: "فزعم أن كمال خلقه والبسط له في الدنيا حتى صار ملكًا، دليل على أنه مرضي عند الله سبحانه وعند الملائكة". وذكر في (ص 411) عنوان: "الكواكب" ثم قال: "أنها قوم إبراهيم عليه السلام .. " وذكر عقيدة الصابئة وما قيل فيهم وفي عقائدهم ووصفهم للكواكب بأنها أرباب آلهة وأن الله تعالى هو رب الأرباب وإله الآلهة، [إلى أن قال في (ص 416) نقلًا عن الشهرستاني] " {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: 76] على ميزان إلزامه على أصحاب الأصنام {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} [الأنبياء: 63] وإلا فما كان الخليل عليه السلام كاذبًا في هذا القول ولا مشركًا في تلك الإشارة .. " إلى آخر ما نقله عن الشهرستاني في الملل والنحل. اهـ 1/ 7 - دين العجائز أو يُسْر العقيدة الإسلامية: قال الزيادي (ص 37 - 38): قال المعلمي في أولها: " .. أما بعد فإن النَّاس قد تشعبوا في العقائد شعوبًا، وتفرقوا فيها فرقًا، وأمعنت كل فرقة في الانتصار لقولها، ودفع ما عداه، وصارت كتب العقائد على ثلاث طبقات: الأولى: مختصرات يسرد مؤلفوها عقائد سلفهم، ويلزمون أبناء تلك الفرقة بحفظها واعتقادها والاستيقان بها، ولا يذكرون حجة ولا دليلًا.

الثانية: متوسطات، يسوق مصنفوها عقائد فرقتهم، ونقض ما احتج به قدماؤها عليها وعلى دفع ما خاللها على وجه لا يكاد يثمر عليه الظن فكيف اليقين. الثالثة: مطولات يبسط فيها الخلاف، مع ذكر كثير من الحجج مع تدقيق الكلام بحيث يصعب المرام، ويعتاض على الأفهام فيعجز الناظر عن استيفاء النظر فيها، ويخرج منها كما دخل فيها، بل أشد حيرة وارتيابًا .. وبالجملة فلا يكاد الناظر في تلك الكتب يخلص منها إلّا بإحدى ثلاث: (1) التقليد المحض (2) الحيرة (3) أو الشك ... ". (ق 35، س 15)، مقاس (24 × 10). 1/ 8 - مناقشة لبعض أدلة الصوفية في الرياضة: قال الزيادي (ص 40): قال المعلمي في أولها: "بسم الله الرحمن الرحيم. وأما وقوع بعض المسلمين في هذه الرياضة فمن طريقين: الأول: الغلو. الثاني: النقل عن الأمم الأخرى. وتفصيل ذلك أن الإسلام جاء بشرع الصيام والقيام واجتناب الحرام والشبهات وترك صحبة أهل الشر والفساد. وحدد الصيام بعد الفرض بثلاثة أيام من كل شهر إلى أن جعل منتهاه صيام يوم وإفطار يوم، ونهى عن صيام الدهر وعن الوصال، وحض على أكلة السحر لمن يريد الصيام، ونهى عن قيام اللّيل كله، وعن العزلة، وعن الترهب، وبلغه عن ثلاثة من أصحابه العزم على الزيادة على ذلك فخطئهم، وقال في خطبته: "لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النِّساء فمن رغب عن سنتي فليس مني".

وكان من سنته أن يأكل الطعام الطيب إذا تيسر له، فإن لم يتيسر اجتزأ بما حصل، فإن لم يجد شيئًا صبر على الجوع، وكان من دعائه: "وأعوذ بك من الجوع فإنّه بئس الضجيع" وكذلك سنته في اللباس، وعلى نحو ذلك جرت سنة أصحابه بعده إلّا أن بعضهم تأول خيرًا في الصِّيام فسرد الصوم، وكان بعض أصاغرهم يواصل. ثم نشأ أفراد من التابعين رغبوا في كثرة العبادة وحب العزلة، وظهر من بعضهم التخاشع في الهيئة والمشي والجلوس، والصعق عند الذكر، وظهور أثر السجود على الجبهة، فأنكر عليهم ذلك من أدركهم من الصّحابة وكبار التابعين، فأنكرت عائشة وغيرها على الذين يتخاشعون، وقال المنكرون: إنّه من الشيطان". 1/ 9 - الرد على المتصوفة القائلين بوحدة الوجود: أو الرد على حسن الضالعي الداعي إلى مذهب أهل الحلول والاتحاد في منطقة صبيا. رسالة ردّ فيها على رجلٍ يُدعى "السيد حسن الضالعى" كان في "صبيا" يتظاهر بالحلول والاتحاد، بحيث يرى الشىء كالرجل والبقرة والشاة والدابة. جعلها المعلمي رحمه الله ثلاثة فصول: الفصل الأول: في وحدة الوجود التي يلهج بها المتصوفقع وبيان عقائد أئمتهم الصوفية في معنى الوحدة عند المتطرفين وما يشبه ذلك من مقالات الفرق. الفصل الثاني: الأدلة المناقضة لذلك من العقل والنقل. الفصل الثالث: في حكم من دعى إلى ذلك أو اعتقد أو شك أو سكت. الخاتمة: ختم الله لنا بخير الدنيا والآخرة، في أحاديث واردة في التحذير من الدجاجلة أعاذنا الله والمسلمن من شرهم. قال السماري: تقع في (28) صفحة حجم كبير عدد الأسطر (25) سطرًا، في السطر (15) كلمة. كتبها في عام (1341 هـ) جاء ذلك في مقدمتها، ورقها متآكل بعضه.

وقال ماجد الزيادي: وقد كتبت على خط ورقه كبير جدًّا، والذي فهرسها أساء إليها إساءة واضحة، والله المستعان. 1/ 10 - حقيقة التأويل: قال السماري: رسالة قال في أولها بعد الحمد والصلاة: "أما بعد فهذه رسالة في حقيقة التأويل وتمييز حقه من باطله وتحقيق أن الحق منه لا يلزم من القول به نسبة الشريعة إلى ما نزهها الله سبحانه عنه من الإيهام والتورية والإلغاز والتعمية ومن الله سبحانه استمد المعونة والتوفيق .. " ذكر فيها ثلاثة أبواب: الباب الأول: في معنى التأويل. الباب الثاني: في الصدق والكذب. الباب الثالث: في حكم التأويل. تقع في (47) صفحة من الحجم المتوسط، وفي الصفحة (16) سطرًا، وفي السَّطر (10) كلمات، وبوجد فيها ضروب، خطها لا بأس به، ولم تكمل. 1/ 11 - الحنيفية والعرب: قال السماري: رسالة تقع في (10) صفحات من الحجم المتوسط عدد الأسطر (16) سطرًا في السطر (11) كلمة، مكتوبة بخط جيد ومبيض. ولها مسودة تقع في (6) صفحات من الحجم الكبير عدد الأسطر (28) سطرًا في السطر (15) كلمة. * * *

القسم الثاني: في البدع

القسم الثاني: في البدع 2/ 12 - صدْعُ الدُّجْنة (¬1) في فصْل البدعة عن السنة: قال الزيادي (ص 36 - 37) "قال المعلمي في أولها: "الحمد لله الهادي إلى سواء الصراط، جاعل دينه عدلًا، وسطًا بعيدًا عن التفريط والإفراط .. وكمل لهم الدين، وأتم النعمة على المؤمّنين، ورضى الإسلام دينًا، إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وهو خير الوارثين، فلا دين إلّا ما ثبت عنه، ولا نور إلّا ما اقتبس منه -صلى الله عليه وسلم- وبارك عليه وعلى آله الطاهرين، وأصحابه الهداة المهتدين الذين أكمل لهم اليقين، وأقام بهم الدين، وحفظ بهم الكتاب والسُّنَّة، فلم يزل والناس على ذلك حتى اشتهر الحق على التحقيق، وأمن الصراط المستقيم إن اشتبه على طالبه ببِّينات الطريق، ثم حدثت أحداث، وخلف خلوف، وغلا غالون، وقصر آخرون، ووقف وقوف، وكثرت الخدع، وانتشرت البدع، وعبد الهوى وبئس المعبود، واشتبه المحمود بالمذموم والمذموم بالمحمود، وكانت البلية العظمى والرزية الكبرى، قلة العلماء وتقاعدهم عن نصرة الحق، ما بين خوّار يخاف النَّاس أشد من خوف الله، وجبّار يرغب في الشهرة والسمعة والجاه، ومفتون يحب الحطام، وخوف الطغاة وآخر وآخر، لا نطيل بذكرهم، ولا نبالغ الآن في هتك سترهم، لا جرم اتخذ النَّاس رؤساء في الدين جهالًا، فلم يألوا أنفسهم وغيرهم خبالًا، فلا يكاد يرى لهم رادع، ولا لأنوفهم جاذع بل ولا قارع. إذا غاب ملّاح السفينة وارتمت ... بها الريح يومًا دبرتها الضفادع وخلا الجو للملحدين، وأعداء الدين، فبالغوا في العيب والعبث، ودفنوا المحضا ونشروا الخبث، وكان ما كان والله المستعان". ¬

_ (¬1) الصَّدْع هو الشَّقُّ، والدُّجْنَةُ هى الظلمة؛ فالمعنى: شق الظلمة.

قال الزيادي: وفي هذه الرسالة عرّف السنة والبدعة، وناقش تعريف البدعة وبيّن منزلة كتاب الشاطبي "الاعتصام". الرسالة ما تزال مسودة. وآخر ورقة ملصقة بها، ليست منها. وهذه الورقة هي من كتاب "العبادة". (ق 7، س 19)، مقاس (27 × 15). 2/ 13 - تحقيق البدعة: قال السماري (ص 47): "رسالة قال المعلمي في أولها بعد الحمد والصلاة: "فإني ألّفت رسالة في "رفع الاشتباه عن معنى العبادة والإله وتحقيق معنى التّوحيد والشرك بالله"، ونبهت في مقدمتها عن الأمور التي يحتاج لها النَّاس ويسندون إليها وهي غير صالحة لذلك، فجاء في ضمن ذلك الحديث الضعيف فرأيت الكلام فيه يطول فأفردته في رسالة ثم وجدت إيضاح الحق فيه يتوقف على تحقيق البدعة، التي قال فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- "كل بدعة ضلالة" ورأيت الكتب والرسائل التي ألفت في التحذير من البدع منها ما لا يكاد يستفيد منه إِلَّا العلماء ككتاب "الاعتصام" للشاطبي، ومنها ما هو غيى محرر كـ "الباعث" لأبي شامة، ورأيت الكلام فيها يحتاج إلى بسط فآثرت إفرادها برسالة أقتصر فيها على ما لا بد منه .. ". تقع في كراس من الحجم المتوسط، عدد صفحاتها (38) صفحة، عدد السطور (16) سطرًا، وعدد الكلمات في السطر (10) كلمات، تكثر فيها الضروب ولم تكمل. اهـ. * * *

القسم الثالث: الفقه

القسم الثالث: الفقه الفصل الأول: في المطبوع منه: النوع الأولى: التأليف: 3/ 14 - البحث مع الحنفية في سبع عشرة قضية: وهو القسم الثالث من كتاب "التنكيل". قال في أوله: .. أما بعد، فهذه بضع عشرة مسألة وردت فيها أحاديث ذكر الخطيب في ترجمة أبي حنيفة من "تاريخ بغداد" إنكار بعض المتقدمين على أبي حنيفة ردها، فتعرض لها الأستاذ محمد زاهد الكوثري في كتابه "تأنيب الخطيب" فتعقبته في ذلك كما تعقبته في غيره، وسأذكر في كل مسألة كلامه، وماله، وما عليه، وأسأل الله تعالى التوفيق". وهذه المسائل على النحو التالي: المسألة الأولى: إذا بلغ الماء قلتين. المسألة الثانية: رفع اليدين في الصلاة. المسألة الثالثة: أفطر الحاجم والمحجوم. المسألة الرابعة: إشعار الهدى. المسألة الخامسة: المحرم لا يجد إزارًا أو نعلين يلبس السراويل والخف ولا فدية عليه. المسألة السادسة: درهم وجوزة بدرهمن. المسألة السابعة: خيار المجلس.

المسألة الثامنة: رجل خلا خلوة مريبة بامرأة أجنبية فعثر عليهما فقالا: نحن زوجان!. المسألة التاسعة: الطلاق قبل النِّكاح. المسألة العاشرة: العقيقة مشروعة. المسألة الحادية عشرة: للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة. المسألة الثانية عشرة: أما على القاتل بالمثقل قصاص؟ المسألة الثالثة عشرة: لا تعقل العاقلة عبدًا. المسألة الرابعة عشرة: تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا. المسألة الخامسة عشرة: القضاء بشاهد ويمين في الأموال. المسألة السادسة عشرة: نكاح الشّاهد امرأة شهد زورًا بطلاقها. المسألة السابعة عشرة: القرعة المشروعة. 2/ 15 - مقام إبراهيم عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: هل يجوز تأخيره عن موضعه عند الحاجة لتوسيع المطاف؟ طبع في حياة المؤلف، وقد رجح في هذه الرسالة: الجواز، وعارض هذه الفتوى: سليمان بن عبد الرحمن بن حمدان، فألف في الردِّ كتابًا أسماه "نقض المباني من فتوى اليماني"، و"تحقيق المرام فيما يتعلق بالمقام" وقد أساء فيه للشيخ المعلمي رحمه الله، فردّ عليه مفتى الديار السعودية في زمانه: الشيخ العلامة محمد بن إبراهيم آل الشيخ بكتاب أسماه: "نصيحة الإخوان ببيان بعض ما في نقض المباني لابن حمدان من الخبط والخلط والجهل والبهتان" وأعقبها أيضًا برسالة: "الجواب المستقيم في جواز نقل مقام إبراهيم".

وكذا ردّ عليه الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود رئيس المحاكم الشرعية والشئون الدينية بدولة قطر في رسالةٍ أسماها "تحقيق المقال في جواز تحويل المقام لضرورة توسعة المطاف بالبيت الحرام، وفيه الرد على نقض البنيان لمؤلفه سليمان بن حمدان" طبعها المكتب الإسلامي. قال الشيخ عبد الله في الفصل الأول منها: "رُبّ صاحبِ عزيمةٍ قويةٍ، وطريقةٍ قويمةٍ، ينهض بجده وجهده إلى خدمة أمته، ومنفعة أهل ملته بتقديم تأليفٍ لطيفٍ كرسالة "المقام" المحققة بالآثار الصحيحة والحِكمِ الصريحةِ التي يقبلها الذوقُ السليمُ، وتوافق أصول الدين القويم، فما يخطو بعض خطوات حتى يتصدّى له السعاةُ المماحلون فينصبون في طريقه العواثير، ويخدُّون له الأخاديد، ويأتون إليه من كُلِّ فجٍّ عميقٍ ليقطعوا عليه الطريق، ويُلجئوه إلى الحرج والضيق، فتضعف عزيمتُه، وتنحل شكيمتهُ، ويكسل عن المضي في سبيل عمله والنصح لأمته، ويؤثر الميول إلى الراحة والخمول .. ". 3/ 16 - عمارة القبور أو: البناء على القبور: قال في أوله: "فإني اطلعتُ على بعض الرسائل التى ألفت في هذه الأيام في شأن البناء على القبور، وسمعت بما جرى في هذه المسألة من النزاع، فأردت أن أنظر فيها نظر طالبٍ للحقِّ، متحرٍّ للصواب .. ". وللكتاب طبعتان، الأول باسم: "البناء على القبور" تحقيق/ حاكم بن عبيسان المطيري، والثانية باسم: "عمارة القبور" إعداد/ ماجد بن عبد العزيز الزيادي، واعتمد فيها على النسخة المؤخّرة للشيخ المعلمي، بينما اعتمد المطيري على نسخة مقدّمة كأنها كانت مسوّدة للكتاب.

3/ 17 - هل يدرك المأموم الركعة بإدركه الركوع مع الإمام: قال السماري في هامش (ص 58) أنها طبعت عام (1414 هـ) -مكتبة الإرشاد- صنعاء. 3/ 18 - بحث في سير النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجه بين المشاعر، ومتى كان إسراعه، والكلام حول وادي "محسر" وسبب الإسراع فيه. أو "سير النبي -صلى الله عليه وسلم- من عرفات إلى مزدلفة": ذكره السماري بالاسم الأول، وقال: يقع في (4) صفحات من الحجم الكبير، في الصفحة (26) سطرًا، وفي السطر (23) كلمة، ومكتوبة بخط دقيق جدًّا يُقرأ. وسماه الزيادي بالاسم الثاني، وقال: عدد الأوراق (6)، س (21) مقاس (25 × 15) وهى الرسالة الرابعة في "المجموع" الذي أعده الزيادي من مؤلفات المعلمي. ومصورتها خطها دقيق كما قال السماري، فالظاهر أنهما نسختان لنفس الرسالة والله تعالى أعلم. النوع الثاني: التحقيق والتصحيح: 3/ 19 - كشف المخدّرات والرياض المزهرات شرح أخصر المختصرات في فقه الإمام أحمد بن حنبل الشيباني -رضي الله عنه-: للشيخ زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد البعلي ثم الدمشقي. المولود سنة (1110 هـ) والمتوفى سنة (1192). وقد ألّفه سنة (1138) -هكذا كتب على غلاف الكتاب. وصاحب "أخصر المختصرات" هو الشيخ: شمس الدين أبو عبد الله محمد بن بدر الدين بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن بلبان الخزرجي البعلي ثم الدمشقي. المولود سنة (1006 هـ) والمتوفى سنة (1083 هـ) وقد قال زين الدين في

مقدمة الشرح عن "أخصر المختصرات" أنه: "يحتاج إلى شرح يكشف عن وجوه مخدراته النقاب، ويُبرز ما خفي من مكنوناته وراء الحجاب". فمعنى "المخدّرات": الخافيات المستورات. والكتاب طبعه محب الدين الخطيب في مطبعته في مجلد واحدٍ، هكذا قال السماري (ص 74) ولم أره وإنما وقفت على طبعة أخرى في مجلدين سيأتى ذكرها، وليس فيها ما يلي: قال السماري: بدأه الشيخ المعلمي بتقدمة عنون لها بقوله: "بيان من ناسخ الكتاب ومصحح أصله" ذكر فيها كيفية وصول النسخة الخطية إليه، وشروعه في النسخ، والصعوبات التي واجهته بسبب أعجمية كاتب النسخة، فعمل على إصلاح الخلل والتصحيف والتحريف وبين منهجه في ذلك فقال: [أما عملي في الإصلاح فكما يأتي: 1 - الشرح ممزوج بالمتن، وهما في الأصل مكتوبان بنمط واحدٍ إلّا أنه اعتمد بتعيين كلمات المتن بوضع خط أحمر على العبارة أو الكلمة، ولكنه وقع الخلل في هذه الخطوط فكثيرًا ما تهمل وكثيرًا ما تجعل على عبارات أو كلمات من الشرح، وأنا وضعت كلمات المتن وعباراته بين قوسين هكذا () والتزمت مقابلة المتن المطبوع حرفيًا (¬1)، ونبهت على المواضع التي يكون فيها ما في الأصل محتملًا. 2 - لكثرة ما في الأصل من اشتباه وتصحيف وتحريف التزمت مع مقابلة المتن المطبوع مراجعة الكتب الموجودة في المكتبة في الفقه الحنبلي، ولا سيما المنتهى بشرحه والإقناع بشرحه، فإن شارحنا لا يكاد يخرج عنهما ويساير هذا تارة وهذا أخرى، فحيث يقع الخلاف ويكون ما في الأصل محتملًا أبقيه وأنبه في الحاشية على ما خالفه، وحيث يتضح أن ما في الأصل غلط أنبه عليه في الحاشية وأثبت في الصلب ¬

_ (¬1) وهو متن "أخصر المختصرات" المطبوع بالمطبعة الماجدية بمكة سنة (1332 هـ).

ما هو الصواب وأبين مرجعه فأكتب عليه بالمرسمة الحمراء "مط" أعني المتن المطبوع، أو "منتهى" أو "شرح المنتهى" أو "إقناع" أو "كشاف" أريد بهذا كشاف القناع شرح الإقناع على غير ذلك، إِلَّا المواضع التي يكون خطأ ما في الأصل فيها بغاية الوضوح ومعرفة الصواب بعينه واضحة فإني أثبت الصواب ولا ألتزم استيعابها بالتنبيه على ما وقع في الأصل لكثرة ذلك وضئآلة فائدة التنبيه وقد نبهت على كثير منه (¬1). 3 - وقع في مواضع من الأصل سقط يختل به الكلام واستدركته من المتن المطبوع، أو غيره وجعلته بين حاجزين هكذا [] وأبين مصدره. ولا أقول إني حققت الكتاب ولا صححته وإنما قمت بما تيسر من الإصلاح في الجملة، إذْ لم تطب نفسي بإهماله. والله الموفق] (¬2). وقال في كلمة ختامية في آخر الكتاب بعد حمد الله والصلاة على نبيه: [وبعد فقد فرغت من نسخ هذا الشرح عن النسخة المحفوظة بمكتبة الحرم المكي .. هذا وقد روحت عن نفسي من سآمة النقل بتعليق كلمات من عندي في الهوامش]، وهي لا تجاوز أسطرًا معدودة، وربما أطال كما في الصفحات التالية: (ص 183، 193، 230، 317، 323، 408، 433، 441، 452، 469، 483، 507، 512، 519، 522) وقال: [وفي الكتاب بعض كلمات هي موضع للاعتراض كقوله "وعني بهم" بعد -رضي الله عنه- والأمر فيها ليس بشديد. وفيه أيضًا ¬

_ (¬1) قال محب الدين الخطيب: "وهذا الذي نبه عليه حضرة العالم الجليل الشيخ عبد الرحمن المعلمي، وقد ذكر أن التنبيه عليه ضئيل الفائدة، أعرضنا عنه عند الطبع، لأنه من سقطات قلم ناسخ الأصل وهو أعجمي كما علمت وأبقينا ما في التنبيه عليه فائدة علمية، والحق أن الأستاذ المعلمي خدم هذا الشرح بصبر وبصيرة .. ". (¬2) كشف المخدرات (ص 9 - 10).

الاستدلال بأحاديث فيها نظر كما هي العادة في كتب الفقه حال بيني وبين البحث عنها استعجال إتمام الكتاب وكتب الحديث بحمد الله سبحانه متيسرة. والله الموفق]. اهـ. والذي وقفت عليه طبعة في مجلدين مكتوب على غلافها: قام بمراجعته وتصحيحه الأستاذ عبد الرحمن حسن محمود من علماء الأزهر الشريف. من منشورات المؤسسة السعيدية بالرياض لصاحبها: فهد بن عبد العزيز السعيد. وليس فيها أثر لما في طبعة محب الدين الخطيب من مقدمة التصحيح للشيخ المعلمي، ولا فيها تعليق أو تصحيح لغير المعلمي والخطيب، وليس فيها إشارة إليهما، وإنَّما أبقيت التعليقات كما هي، وليستنتج القارىء. النوع الثالث: المشاركة في التحقيق: 3/ 20 - عمدة الفقه: للإمام موفق الدين ابن قدامة الحنبلي. جاء على غلاف الكتاب: "قابل الأصل وحرّره عبد الرحمن بن يحيى المعلمي أمين مكتبة الحرم، شرحه وعلّق حواشيه عبد الله بن عبد الرحمن البسام .. ". طبعته مطبعة الحلبي، ونشرته مطبعة النهضة الحديثة بمكة. الفصل الثاني: قيد الطبع: 3/ 21 - التعقيب والمناقشة لبعض الشارحين من المعاصرين من الحنفية لجامع الترمذي: قال في أوله: " .. فإني وقفت على شرح لبعض أجلّة علماء العصر من الحنفية لجامع الترمذي اعتنى فيه بالمسائل الخلافية وسرد الأدلة، وتنقيحها رواية ودراية. ولم يتقيد بأقوال المتقدمين في طرق التأويل والاستدلال، وإن تقيد بمذهبه في

الأحكام، وقد طالعت منه من أوله إلى أواخر كتاب الصلاة .. بل أكاد أجزم أن من طالع رسالتي هذه اضطره الإنصاف إلى أن يشكرني، وإلى الله تعالى أضرع أن يطهر قلبي من الهوى والعصبية، ويُخلص عملي كله لوجهه الكريم ونصرة شريعته المرضية، وهو حسبي ونعم الوكيل". قال الزيادي: وهذه الرسالة قيد الطبع. الفصل الثالث: في المخطوط وليس فيه إِلَّا التأليف. قال السماري: للمعلمي بحوث في مسائل فقهية متفرقة وهي: 3/ 22 - بحث في قيام رمضان: يقع في (13) صفحة من الحجم الكبير، في الصفحة (24) سطرًا، وفي السطر (15) كلمة، وخطه لا بأس به. 3/ 23 - بحث في توسعة المسعى بين الصفا والمرووة، والصفا والمروة أيضًا: يقع في (5) صفحات من الحجم الكبير في الصفحة (21) سطرًا، وفي السطر (15) كلمة، مكتوبة بخط لا بأس به. 3/ 24 - بحث في توكيل الوليّ في النكاح: يقع في (35) صفحة من الحجم المتوسط، في الصفحة (16) سطرًا، وفي السطر (11) كلمة، بخط لا بأس به. 3/ 25 - بحث في عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف: يقع في (5) صفحات من الحجم الكبير في الصفحة (30) سطرًا، في السطر (15) كلمة، بخط لا بأس به.

3/ 26 - بحث في القبلة وقضاء الحاجة: يقع في (23) صفحة من الحجم الكبير في الصفحة (32) سطرًا وفي السطر (12) كلمة، فيها ضروب وخطها يقرأ. 3/ 27 - بحث في الربا وأنواعه، والمضاربة والاحتكار: يقع في (62) صفحة من الحجم الكبير، في الصفحة (27) سطرًا، في السطر (12) كلمة، ومتآكل جزء منها. 3/ 28 - بحث في هل للجمعة سنة قبلية؟ وسبب تسمية الجمعة: يقع في (24) صفحة من الحجم المتوسط، في الصفحة (17) سطرًا في السطر (13) كلمة، بخط لا بأس به. 3/ 29 - بحث في مسائل في الطلاق: يقع في (40) صفحة من الحجم المتوسط، في الصفحة (24) سطرًا، في السطر (13) كلمة، فيها ضروب وخطها يقرأ. وقال ماجد الزيادي: 3/ 30 - رسالة حول اشتراط الصوم في الاعتكاف: قال في أولها: " .. جرت المذاكرة بين الحقير وبين السيد العلامة صالح بن محسن الصميلي من علماء الزيدية .. في اشتراط الصوم في الاعتكاف". (ق 31، س 34)، م (35 × 24). ولعلّها التي مرّت برقم (25). 3/ 31 - رسالة في توسعة المسعى بين الصفا والمروة: قال في أولها: " .. فهل يبقى المسعى كما هو وقد ضاق بالساعين وأضر، أم ينبغي توسعته؛ لأن المقصود هو السعي بين الصفا والمروة وهو حاصل في المقدار الذي يوسع به هذا" والظاهر أنها التي سبقت برقم (23). (ق 6، س 17)، (25 × 10).

3/ 32 - حول أجور العقار: قال في أولها: " .. كثُر الضّجِيج هذه الأيام من ارتفاع أجور العقار وكتب في ذلك فضيلة الشيخ/ عبد الله الخياط، وغيره والقضية وما يشبهها مفتقرة إلى تحقيق علمي مشبع لا أزعم بأني أهل له ولكنني سأحاول كتابة ما عسى أن يكون حافزًا لمن هو أهل له على النظر في القضية، وفصل القول فيها .. ". هذه هي المبيضة، وهي ناقصة، وأمّا المسودة فهي بعنوان "الإسلام والتسعير ونحوه" وهي كاملة. (ق 7، س 7)، م (10 × 10). 3/ 33 - التعليق على كتاب الاستفتاء في حقيقة الربا: قال في أوله: " .. قبل سنين نشر بعض الفضلاء في حيدرآباد الدكن -إحدى مدن الهند- رسالة بعنوان "الاستفتاء في حقيقة الربا" أجلب فيها بخيله ورجله لتجليل ربا القرض، وأرسلت من طرق الصدارة العالية "شيخ الإسلام" في حيدرآباد إلى علماء الآفاق ليبدوا رأيهم فيها وأنا مطلع على المقصود من تأليفها ونشرها، ولا حاجة الآن إلى ذكر ذلك". 3/ 34 - بحث في صلاة الوتر ومسماه في الشرع: قال في أوله: " .. فإنّه لما كان في أوائل شهر رمضان عام (1342 هـ)، سألني بعض الإخوان عن شيء من أحكام الوتر المختلف فيها، طالبًا بيان الراجح من الأقاويل مع بيان الدّليل .. ". 3/ 35 - كشفُ الخفاء عنْ حُكم بيع الوفاء: قال في أوله: " .. أما بعد فقد سألني بعض الإخوان عن حكم البيع الذي يقال له بيع العهدة إلى غير ذلك من الأسماء، وهو شائع في بلاد حضر موت، وكثير من البلدان".

3/ 36 - الرق في الإسلام: قال في أولها: "أما بعد .. فإن بعض الإخوان سألني عن قضيهّ الرق في الدين الإسلامي وذكر لي بعضهم اعزاضات الملحدين وشيئا من أجوبة المرعوبين، فذكرت له ما حضرني فأعجب به، وسألني تقييده بما يكمله في رسالة، فأجبته إلى ذلك راغبًا إلى الله سبحانه في التوفيق" وهي عبارة عن أوراق مبعثرة ولم أجد منها إلّا ورقتين من هذه الرسالة، يسر الله جمعها وتحقيقها وطبعها. 3/ 37 - فلسفة الأعياد وحكمة الإسلام: قال في أولها: " .. إن بروز الأمة بمظاهر السرور والزينة يُعبر عن سرور عظيم عام حدث لها، والسرور العام إنما ينشأ عن نعمة عظيمة عامة حدثت للأمة، إذن فالعيد يوم مخصوص من السنة تحدث فيه كل سنة نعمة عظيمة عامة للأمة تبعث في قلوب أبنائها سرورًا عظيمًا يسموقهم بطبيعة الحال إلى الاجتماع على إظهار الزينة بأنواعها .. ". (ق 4، س 13)، م (25 × 23). وأسماه السماري: فلسفة الأعياد وحُكمه في الإسلام. وقال: من العناوين التي وردت في الرسالة: "منشأ الأعياد" و"الأعياد الدينية" و"نظرية الإسلام في الأعياد". وردّ فيها على من يقدح فيمن يرى بدعة الاحتفال بالمولد. تقع في (7) صفحات من الحجم الكبير، عدد الأسطر (28) سطرًا، في السطر (15) كلمة، وعليها حواش، وورقها قديم.

3/ 38 - إرشاد العامة إلى معرفة الكذب وأحكامه: أو "أحكام الكذب": قال الزيادي: قال في أولها: " .. فإني لما نظرت فيما وقع من الاختلاف في العقائد والأحكام، ورأيت كثرة التّأويل للنصوص الشرعية، تبين لي في كثير من ذلك أنه تكذيب لله سبحانه ورسله، ثم رأيت في كلام بعض الغلاة ما هو صريح في نسبة الكذب إلى الله تعالى ورسله، وفي [كلام] (¬1) من دونهم ما يقرب من ذلك. فجرّني البحث إلى تحقيق معنى الكذب، فرأيت أن أفرد ذلك في رسالتي هذه، وأسأل الله تعالى التوفيق". (ق 24، س 19)، م (24 × 20). ولم يقف السماري على هذه الرسالة. وقد أشار المعلمبن إلى كتابه هذا في غير موضع من "التنكيل". * * * ¬

_ (¬1) في مقدمة "عمارة القبور" (ص 43): "كلامهم" والظاهر أنه خطأ.

القسم الرابع: أصول الفقه

القسم الرابع: أصول الفقه 4/ 39 - رسالة في أصول الفقه: قال ماجد الزيادي: قال في أولها: "أما بعد، فإني ممّن عُدّ لقلة العلماء عالمًا، .. فسألني بعض طلبة العلم، فلا يسعني إلّا أن أسعفهم بمرادهم لا على أنني عالم معلم، بل إنِّي طالب علم من جملتهم أذاكرهم على حسب وسعي، ومن جملةِ ما الْتُمِس مني القراءةُ فيه: علمُ أصول الفقه، فوجدت الكتب التي بأيدي النَّاس في هذا العلم على ضربين: الضرب الأول: كتب الغزالي ومن بعده. الضرب الثاني: بعض مختصرات لمن قبله "كاللمع" للشيخ أبي إسحاق "والورقات" للجويني. فالضرب الأول: فإنّه قد مزج بمباحث كثيرة من علم الكلام والأصول المنطقية، وأنا -وإن كان لا يتعسر عليّ فهم كثير من هذين الاثنين- راغبٌ بنفسي عنهما، متحرجٌ من الخوض فيهما. وأمّا الضرب الثاني: فإنّه بغاية الاختصار، ولا يخلو ذلك عن تعقيد". والرسالة ما تزال مسودة، وعليها حواشي وتعليقات ضرب على بعضها. (ق 4، س 30)، م (15 × 13). * * *

القسم الخامس: في السنة وعلومها ورجالها

القسم الخامس: في السنة وعلومها ورجالها وهو ستة أبواب: الباب الأول: في مصطلح الحديث وعلوم الرواية وأحكام الجرح والتعديل: الفصل الأول: في المطبوع منه: النوع الأولى: التأليف. 5/ 40 - القسم الأول من "التنكيل" وهو في القواعد: وهي: 1 - رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي. 2 - التهمة بالكذب. 3 - رواية المبتدع. 4 - قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك. 5 - هل يشترط تفسير الجرح؟ 6 - كيف البحث عن أحوال الرواة؟ 7 - إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل؟ 8 - قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إِلَّا .. 9 - مباحث في الاتصال والانقطاع. 5/ 41 - كتاب "الاستبصار في نقد الأخبار": قال في أوله: "أما بعد فهذه -إن شاء الله تعالى- رسالة في معرفة الحديث، أتوخّى فيها تحرير المطالب، وتقرير الأدلة، وأتتبع مذاهب أئمة الجرح والتعديل فيها

ليتحرر بذلك ما تعطيه كلمتهم في الرواة .. وأرجو -إذا يسّر الله تبارك وتعالى إتمام هذه الرسالة كما أحبُّ- أن يتضح لقارئها سبيلُ القوم في نقد الحديث، ويتبين أن سلوكها ليس من الصعوبة بالدرجة التي يُقطع بامتناعها، وعسى أن يكون ذلك داعيًا لأولي الهمم إلى الاستعداد لسلوكها، فيكون منهم أئمة مجتهدون في ذلك إن شاء الله تعالى. هذا ونقد الخبر على أربع مراتب: الأعلى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا. الثانية: النظر في اتصاله. الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطأ إن كان. الرابعة: النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه. فلنعقد لكل واحدة من هذه الأربع مقالة، ونسأل الله تبارك وتعالى التوفيق. اهـ. وقد طبعت المقالة الأولى منها، بتحقيق: سيدي محمد الشنقيطي، وقال في مقدمة التحقيق: ولا نعلم هل أتم الشيخ الكتاب أم فقد؟ وقال السماري (ص 54 - 55): "تقع في كراس من الحجم المتوسط، صفحات الكتابة (62) صفحة في الصفحة (16) سطرًا، في السطر (11) كلمة، والرسالة لم تكمل، ولم يجاوز فيها المقالة الأولى من المقالات الأربع التي أشار إليها". 5/ 42 - مقدمة الفوائد المجموعة. 5/ 43 - الأحاديث التي استشهد بها مسلم رحمه الله تعالى في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء: قال الزيادي: لهذه الرسالة نسختان: الأولى: بخط المؤلِّف -المعلمي- كتبت بخط جيد- وبعض أوراقها متآكلة الأطراف.

وعدد أوراقها (4)، في كل سطر (3) كلمة، ومقاسها (17 × 30). الثانية: كتبت بخط العلّامة المحدث حماد الأنصاري حفظه الله. وعدد أسطرها (26)، ومقاسها (18 × 32). وفرغ من نسخها يوم الأربعاء، الموافق (20/ 4 / 1382 هـ) في مكّة المكرمة، أي: قبله وفاة المعلمي رحمه الله بأربع سنوات. وقد قال الزيادي قبل ذلك بقليل: "جمعتُ ما يتعلق بالتدليس وجهود المعلمي رحمه الله في بيانه، والتعريف به، وآراؤه في بعض مباحثه، وذلك لما حباه الله -تعالى- من استقراء قوي وتتبع مضني في كتب الرجال والعلل، وقد صيرف جمهرة منها، وقد سميت ما جمعته بـ "رفع التغليس عن معنى التدليس" وهو جزء كبير، يسّر الله نشره". اهـ. 5/ 44 - الأنوار الكاشفة لما في كتاب "أضواء على السنة" من الزلل والتضليل والمجازفة: وهو رد على كتاب جمعه محمود أبو رية وسماه "أضواء على السنة المحمدية" قال عنه الشيخ رحمه الله في مقدمة كتابه: " .. طالعته وتدبرته، فوجدته جمعًا وترتيبًا وتكميلًا للمطاعن في السنة النبوية مع أشياء أخرى تتعلّق بالمصطلح وغيره، وقد ألف أخي العلّامة الشيخ محمد عبد الرزّاق حمزة -وهو على فراش المرض عافاه الله- ردًا مبسوطًا على كتاب أبي رية لم يكمل حتى الآن. ورأيت من الحق عليّ أن أضع رسالة أسوق فيها القضايا التي ذكرها أبو رية، وأعقب كل قضية ببيان الحق فيها متحريًا إن شاء الله تعالى الحق .. ثم بدأه بنقد إطراء أبي رية لكتابه وتمنى أن يزك ذلك للقارىء، وبيّن قضية "العقل" ودوره في الحديث عند "رجال الحديث" وأنهم راعوه في أربعة مواضع: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث، ثم دافع عن بلاغة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتوسع في الكلام على حديث "من كذب عليّ

متعمدًا، وبعد ذلك بيّن معنى السنة لغة وشرعًا، ومكانتها من الدين، والضابط في كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الأمور الدنية، وانتقل إلى بيان كتابة الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهل نهى عن كتابة الحديث؟ والتحقيق في كتابة الحديث متى بدأت؟ وهل رغب الصّحابة عن رواية الحديث؟ مع بيان جملة من الأسباب في قلة حديث بعض مشاهير الصّحابة، ومدى تشددهم في قبول الأخبار. ثم انتقل إلى الرِّواية بالمعنى والتحقيق في كتابة المصاحف، والقراءات والأحرف السبعة، وتعرض أيضًا للحديث ورواته ونقد الأئمة للرواة، وطرقهم في ذلك، مع بيان الوضع في الحديث ومقداره، ثم دافع عن الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان وبرأه مما قيل فيه، وعقد فصلًا في الإسرائيليات وبعده في المسيحيات، ثم استطرد طويلًا في الدفاع عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ونفي الكذب والتشيع والتدليس عنه وعن الصحابة، وبين بعدها أن ما انتقده أبو رية على أبي هريرة -رضى الله عنه- نيف وثلاثون حديثًا قد أجاب عنها رحمه الله بما يشفي ويكفي، ثم بين فضل أبي هريرة -رضى الله عنه- ومنزلته عند الصّحابة. وأجاب بعد ذلك عن أحاديث استشكلها أبو رية من حديث بعض الصّحابة غير أبي هريرة. وتعرض لتدوين الحديث عند أتباع التابعين، وللخبر وأقسامه. ثم فصّل القول في سحر اليهودي للنبي -صلى الله عليه وسلم-، ودافع عن الإمام مالك وموطئه، وعن الإمام البخاريّ وجامعه الصّحيح. ثم انتقل إلى عدالة الصّحابة وثبوتها، وتكلم عن مدار القبول والرد للروايات ومنزلة القواعد النظرية القديمة والحديثة من ذلك. ثم نقد خاتمة أبي رية كما نقد مقدمته.

وأفرد بحثًا مع صاحب المنار (¬1) في نهاية الكتاب. ولقد انتهى من جمع كتابه "الأنوار" في أواخر شهر جمادي الآخرة سنة (1378 هـ). النوع الثاني: المشاركة في التصحيح والتحقيق: 5/ 45 - كتاب "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي: طبعته المطبعة السلفية، بإشراف محب الدين الخطيب. شارك الشيخ المعلمي في تصحيح الكتاب وكتب ترجمة للخطيب البغدادي في آخر الكتاب، ويدلُّ على أن الترجمة بقلمه إحالته عليه في حاشية "الموضح" للخطيب (1/ 3). لكن نشرت الكتاب مرّة أخرى: المكتبةُ العلمية بالمدينة المنورة لصاحبها: محمد سلطان النمنكاني، فحذف تلك الترجمة منها. وقال الشيخ المعلمي في خاتمة الطبع: "أما بعد فقد تم طبع كتاب" الكفاية في علم الرِّواية". للخطيب البغدادي .. وعنى بتصحيحه من رجال الدائرة .. وخادمهم الحقير عبد الرحمن بن يحيى اليماني .. وكان تمام الطبع في يوم الأربعاء عاشر شهر شعبان سنة (1357 هـ) ". الفصل الثاني: في المخطوط: 5/ 46 - رسالة في أحكام الجرح والتعديل وحجية خبر الواحد: قال الزيادي (ص 43): قال في أولها: " .. وجدت كلام المتقدمين في أحكام الجرح والتعديل قليلًا ومنتشرًا، وكلام من بعدهم مختلفًا غير وافٍ بالتحقيق، ورأيت لبعض المتأخرين ¬

_ (¬1) هو الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير "المنار".

كلامًا حاد فيه عن الصواب ويُسِّر لي في تحقيق بعض المسائل ما لم أعثر عليه في كتب القوم، فأردت أن أقيد ذلك، ثم رأيت أن أضم إلى ذلك شيئًا من الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه، فجمعت هذه الرسالة، وقد بنيتها على ثلاثة أبواب ومن الله تعالى أسأل الإعانة والتوفيق .. ". وذكر السماري (ص 49): الاحتجاج بخبر الواحد. وأشار إلى ذكر المعلمي له في كتاب "الاستبصار" ثم قال: ولم أعثر عليها. 5/ 47 - أحكام الحديث الضعيف: قال السماري: وقفت على رسالة للشيخ قال في أولها بعد الحمد والصلاة: "أما بعد: فهذه رسالة في أحكام الحديث الضعيف جمعتها لما رأيت ما وقع للمتأخرين من الاضطراب فيه .. " تقع في ثلاثة دفاتر: الأول: من الحجم المتوسط صفحات الكتابة (43) صفحة، في الصفحة (16) سطرًا، والسطر (10) كلمات، ثم يليه الثاني: كالصفات السابقة، صفحات الكتابة (30) صفحة، ثم يليه الثالث: كسابقيه، صفحات الكتابة (34) صفحة. اهـ. وقد أشار إليها الشيخ المعلمي في مقدمة "الفوائد المجموعة"، وفي كتاب "الأنوار الكاشفة" (ص 87 - 88) إذ قال: "معنى التساهل في عبارات الأئمة هو التساهل بالرواية، كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصّحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة. ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق

عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم، غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرِدُ في فضيلةٍ لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة؛ كقيام ليلة معينة فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل. فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالحديث الضعيف، وقد بين الشاطبي في "الاعتصام" خطأ هذا الفهم، ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة" (¬1). ونقل السماري عن كتاب "العبادة" للمعلمي (ص 408) جوابًا على سؤال أحدهم عن وضع أظفار الإبهامين على الشفتين والعينن عندما يقول المؤذن: أشهد أن محمدًا رسول الله، فقال الشيخ رحمه الله: "بدعة، وقد علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما نقول عند سماع الأذان وبعده .. فقال السائل: فهل ورد حديث في هذا الفعل. قلت: قد روي في ذلك حديث نص الأئمة على أنه كذب موضوع ليس من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-. على أنه لو لم يكن موضوعًا وكان ضعيفًا لما جاز العمل به إجماعًا، أما على القول بأن العمل بالضعيف لا يجوز مطلقًا فواضح، -وهذا هو الحق كما حققناه في موضع آخر- ونقْلُ الإجماع على خلافه سهو، وأما على قول من زعم أن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال فلجواز العمل عندهم شرائط، منها اندراج ذلك الفعل تحت عموم ثابت، وهذا الفعل ليس كذلك". اهـ ¬

_ (¬1) وقد استفدت من هذا النقل في رسالتي: "حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" (ص 49)، وقد طبعت الرسالة قديمًا عام 1992 م، نشر مكتبة السنة بالقاهرة، ثم مكتبة الجيل بلبنان، وكتب عليها: تأليف أشرف بن سعيد، وهو ما اشتهرتُ به حينيذ، وأنوي إعادة إعداد هذه الرسالة للطبع في صورة جديدة إن شاء الله تعالى.

الباب الثاني: تحقيق المقال في تراجم الرجال

الباب الثاني: تحقيق المقال في تراجم الرجال: 5/ 48 - محاضرة بعنوان: علم الرجال وأهميته: طبعته دار البصائر بدمشق، ودار الحرمين بالقاهرة بتعليق الأخ: أبي معاذ طارق ابن عوض الله. وهى عبارة عن محاضرة ألقاها المعلمي في المؤتمر السنوي الذي أقامته دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن بالهند عام (1357 هـ). بدأها بمقدمة في شرف العلم وخاصة علم الرجال لأهميته في معرفة السنة الصحيحة والتاريخ السليم. ثم بيّن تاريخ علم الرجال وأن أول من تكلم في أحوال الرجال هو: القرآن، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم الصحابة، ثم التابعون وعامة من ضعف من التابعين إنما ضعفوا للمذهب كالخوارج أو لسوء الحفظ أو للجهالة. ثم جاء عصر أتباع التابعين فما بعده فكثر الضعفاء والمغفلون والكذابون والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، واستمر ذلك إلى القرن العاشر. وبيّن جملة من طرق الأئمة في اختبار الرواة، وبيان حفظ علماء السلف لتراجم الرجال وأن الرجل لا يسمى عندهم عالمًا حتى يكون عارفًا بأحوال الرجال. وذكر طائفة من مشاهير المكثرين من الجرح والتعديل، فعدّ اثنين وخمسن إمامًا من أئمة الجرح والتعديل، بدأ بشعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) وختم بالسخاوي (ت 901 هـ). وذكر تدوين العلم متى بدأ وحظ علم الرجال منه، وطريقة العلماء في وضع كتب الرجال، ثم ذكر إحياء كتب الرجال ونوه ببعض من حصلت منه عناية في ذلك، فذكر الكتب الخاصة باسماء الصحابة، ثم الخاصة بالحفاظ وأسماء الرجال. وختم المحاضرة بأبيات له في الثّناء على دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن.

5/ 49 - "طليعة التنكيل" وطبعت في حياة المعلمي. 5/ 50 - "التنكيل" قسم التراجم منه: طبع الكتاب بتحقيق العلامة محمد ناصر الدين الألباني -رحمه الله- وصدرت الطبعة الأولى عن المكتب الإسلامي (10/ 9 / 1386 هـ) وكان المعلمي قد توفي في (6/ 2 / 1386 هـ) أي طبع الكتاب بعد وفاته بنحو سبعة أشهر. أم عن تأليفه له فقبْل ذلك بعشر سنين أو أكثر، فقد ذكر عبد الله المعلمي في ترجمته للشيخ المنشورة سنة (1376 هـ) أن من مؤلفات الشيخ المخطوطة: كتاب "التنكيل" في مجلدين تحت الطبع، لكن الكتاب لم يطبع في حياة المؤلِّف كما سبق. وعن قصة تأليف هذا الكتاب، يقول ماجد الزيادي بعد وقوفه على المسودات الخاصّة به: 1 - عثرت على النسخة المسودة لكتاب "التنكيل لما في تأنيب الكوثري من الأباطيل" قال في أولها: " .. أما بعد: فإن بعض إخواني من أهل العلم رغب إليّ في تصفح رد الأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري على الخطيب البغدادي، الذي سمّاه "تأنيب الخطيب" فأجبت إلى ذلك راجيًا أن يكون الأستاذ وُفِّق في هذه المعركة لامتثال طريقة العلماء الحكماء الذين يشفون من الداء، فأحسن الدفاع عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله متوقيًا الإساءة إلى الأئمة الذين نُقلت عنهم تلك الكلمات، أو نقلوها، متلطفًا في الاعتذار عن الفريقين، حاقنًا دم الأخوين. وأقول في نفسي: لو غير الأستاذ طرق هذا الباب لكان ينبغي أن يُرحم، فأما الأستاذ فإِن رحمته أو الاشفاق عليه لا تكون إِلَّا مِنْ منْ لا يعرف طول باعه وسعة اطلاعه، فجدير أن لا يلبث أن تستبجل الرّحمة حسدًا، أو الإشفاق إعجابًا، بيْد بعد التصفح بأن لي أن الأستاذ استدبر تلك الطريقة المثلى، وجارى الغلاة فأبّر عليهم وأربى، لجأ إلى المغالطة والتجاهل في كثير من المواضع، بنى كثيرًا من مقاصده على

قواعد غير محررة، ونصب العداء لسائر أئمة الفقه والحديث، وأبان عن استعداد تام للطعن في كل من يعرض له منهم .. " (ق 240، س 17)، م (17 × 10) 2 - بعد أن طبع المعلمي رحمه الله رسالته "طليعة التنكيل" والتي هي عبارة عن نموذج من مغالطات الكوثري، كتب الكوثري رسالة بعنوان "الترحيب بنقد التأنيب" مبينًا فيها أخطاء وقعت في رسالة المعلمي "الطليعة". فكتب المعلمي رحمه الله رسالة بعنوان "تعزيز الطليعة" بين فيها الداعي لهذه الأخطاء قال في أولها: "أما بعد. فهذه رسالة أردفت بها رسالتي "طليعة التنكيل" لمّا وقفت على رسالة الأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري التي سماها "الترحيب بنقد التأنيب" يرد بها على الطليعة (¬1)، واسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا جميعًا لما يحبه ويرضاه". وبعد هذه الرسالة كتب المعلمي رحمه الله رسالة بعنوان "شكر الترحيب" وقد قسّم هذه الرسالة إلى قسمين: ¬

_ (¬1) قال المعلمي: "طبعت الطليعة بعيدًا عني، وبعد مدة وصلت إليَّ منها بضع نسخ مطبوعة، وكنت عند إرسال المسودة إلى الناشر أذنت بالتعليق، ويمكن أني أذنت بالإصلاح، كنت أعتقد أن ذلك لن يتعدى زيادة فائدة، أو التنبيه على خطأ، فلما وقفت على المطبوع وجدت خلاف ذلك، رأيت تعليقات وتصرفات في المتن إنما تدور على التشنيع الذي يسوء الموافق من متثبتي أهل العلم ويعجب المخالف، هذا مع كثرة الأغلاط في الطبع، فكتبت إلى الناشر في ذلك على أمل التنبيه على الأغلاط، وعلى ما يدفع عني تبعة ذلك التشنيع، وإلى الآن لم يصلني منه جواب. هذا مع علمي أنه ساءه ذلك التصرف كما ساءني، والكلمة التي طبعت كمقدمة "للطليعة" إنما هي كلمة كنت كتبتها قبل تلخيص "الطليعة" بمدة لما طلب بعض فضلاء الهند أن أشرح له موضوع كتابي، ولا أدري كيف وقعت إلى المعلق، أو الطابع، فأدرجها كمقدمة "للطليعة" ومع هذا لم تنج تلك الكلمة من التصرف أيضًا. المؤلف". نقله الزيادي من مسودات الكتاب.

القسم الأول: "في أشياء أخذها عليّ الأستاذ وهو محق في الجملة .. " القسم الثاني: "في أمور تجناها الأستاذ .. ". ق (50)، س (13)، م (25 × 10). 3 - بعد كتابة المؤلف رحمه الله "التنكيل" كتب رسالة بعنوان: "تنزيه الإمام الشّافعيّ عن مطاعن الكوثري". قال في أولها: "أما بعد. فإني وقفت على كتاب "تأنيب الخطيب" للأستاذ العلامة محمد زاهد الكوثري، ورأيته تعدى ما يوافق عليه هو من توقير الإمام أبي حنيفة وحسن الذب عنه إلى الطعن في غيره من أئمة الفقه والحديث، جمعت كتابًا في رد الباطل من مطاعن الكوثري سميته "التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل". .. والآن بدا لي أن أفرد ما يتعلق برد مزاعم الكوثري التي حاول الغض من الإمام الشّافعيّ، وهو هذا .. ". 4 - عثرت على رسالة خطية للمؤلف رحمه الله بعث بها إلى فضيلة الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر رحمه الله مبينًا فيها سبب تأليفه "طليعة التنكيل" ومنبهًا على الأخطاء الواقعة فيها ومسائلًا له، قال في أولها: "لله الحمد .. العلامة المِفضال أبي الأشبال ناصر السنة الشيخ أحمد محمد شاكر أدام الله تعالى توفيقه. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: قبل ثلاث سنوات تقريبًا جاء صديق لي من أهل الفضل بكتاب وناولني إياه، فقرأت عنوانه، فإذا هو كتاب "تأنيب الخطيب .. " للأستاذ محمد زاهد الكوثري، وكنت قد وقفت على تعاليق للكوثري على ذيول "الحفاظ"، وكتب أخرى، فعرفت طريقته، فلم تطب نفسي بمطالعة تأنيبه، فرددت الكتاب على صاحبي فألح أن أنظر

فيه، فرأيت أن أطيب نفسه بقراءة ورقة أو ورقتين، فلما شرعت في ذلك، رأيت الأمر أشد جدًّا مما كنت أتوقع، فبدا لي أن أكمل مطالعته، وأقيد .. ملاحظات على مطاعنه في أئمة السنة وثقات رواتها فاجتمع عندي كثير من طبع نموذج بمصر في رسالة بعنوان "طليعة التنكيل" لا أراكم إِلَّا قد تفضلتم بالاطلاع عليها، وآلمني أن الفاضل الذي علّق عليها تصرف في مواضع من المتن بباعث النكاية في صاحب "التأنيب"، وذلك عندي خارج عن المقصود، بل ربما يكون منافيًا له، وفي النكاية العلمية كفاية لو كانت النكاية مقصودة لذاتها، ثم وقعت في الطبع أغلاط كثيرة، ولا سيما في إهمال العلّامات، وعلى ذلك فليس ذلك بناقص من شكري للناشر والمعلق. وأنا الآن مشتغل بتبييض الكتاب، لكن بقيت مُهمّات لم أهتد إلى مواضعها، وأنا منذ زمان أحب التعرّف عليكم والاستمداد منكم، فيعوقني إكباري لكم، وعلمي بأن أوقاتكم مشغولة بكبار الأعمال كخدمة "المسند". وأخيرًا قوي عزمي على الكتابة إليكم، راجيًا العفو والمسامحة. أهم الفوائد التي أسأل عنها أمور: الأول: أن الكوثري ذكر أن أبا الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان الأصبهاني، روى عن أبي العباس الجمار عن ابن أبي سريج عن الشّافعيّ مقالة مالك في أبي حنيفة: .. نعم رأيت رجلًا لو نظر لهذه السارية وهي من الحجارة فقال: إنها من ذهب لقامت حجته. فأحب أن أعرف من أين أخذ الكوثري هذه الرواية، وما هو سندها إلى أبي الشيخ. الثاني: أن الكوثري يقول في أبي الشيخ هذا: "ضعفه بلديه الحافظ أبو أحمد العسال بحق"، فأحب أن أعرف مستند الكوثري في ذلك.

وفي ذهني قصة فيها: أن رجلًا من المحدثين هجر صاحبًا له في حكاية عن الإمام أحمد تتعلق ببعض أحاديث الصفات، وقال الهاجر ما معناه: لا أزال هاجرًا له حتى يخرج تلك الحكاية من كتابه. هذه حكاية وقفت عليها قديمًا. ولم أهتد الآن لموضعها، ويمكن أن تكون الواقعة لأبي الشيخ والعسال وأن تكون هي مستند الكوثري. الثالث: في "تاريخ بغداد" (3/ 177) من طريق يونس يعني ابن عبد الأعلى قال: سمعت الشافعي يقول: ناظرت محمد بن الحسن .. إلخ. فالكوثري يزعم أن الخطيب تصرف في هذه الحكاية، والحكاية من وجه آخر عن يونس في "الانتقاء" لابن عبد البرّ (ص 34). وأكاد أجزم أن ابن عبد البرّ اختصرها، فعسى أن تكونوا وقفتم عليها تامة في غير "تاريخ بغداد"، فأرجو إن تيسر لكم أن تفيدوني عن هذه الأمور الثّلاثة، في عزمي أن أفرد من كتابي ترجمة الإمام الشافعي وترجمة الخطيب، لأن الكلام طال فيها فصار كل منها يصلح أن تكون رسالة مستقلة. فهل هناك في القاهرة من الشافعية من ينشط لطبع تلك الرسالتين على نفقته. فإن كان، فأرجو من فضلكم أن تعرفوني حتى أرسلهما إليكم وتنوبوا عني فيما يلزم .. ". 5 - عثرت على ورقة خطية بقلم المؤلف رحمه الله أجاب فيها عن تساؤل وهو أنه يورد كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه "القائد إلى تصحيح العقائد" ولا يعزو ذلك إلى كتبه. قال رحمه الله: "بسم الله الرحمن الرحيم. آنستُ من كلام بعض الإخوان أنه ينكر عليّ أني في كتاب "القائد إلى إصلاح العقائد" ربما ذكرت شيئًا من حِجاجِ شيخ الإسلام بدون عزو، فارى أن أشرح حقيقة الحال: لم أجمع ذاك الكتاب ليقرأه الإخوان وغيرهم ممّن قد تفضّل الله تعالى عليهم بحسن العقيدة، وإنما جمعته دعوة لغيرهم، فهاهنا أمور:

1 - كان الشيخ الخضر الشنقيطي (¬1) وصل إلى حيدرآباد حين كنت بها، وجرت له أمور، وجرى مرّة ذكر شيخ الإسلام رحمه الله فقال الشنقيطي: "أنا لا أحب كتب ابن تيمية، ولا تطاوعني نفسي قراءة شيء مثها، ولقد جاء يوسف ياسين مرّة بجزء من فتاوى ابن تيمية، فتركه في بيتي، فلما علمت بذلك غضبت، واضطرب خاطري، وكرهت أن يبيت الجزء في بيتي، فلم أستقر حتى أرسلت به إلى صاحبه". هذا معنى كلامه، هذه حاله وحال أشباهه، ينفرون من كتب شيخ الإسلام، ومن اسمه أيضًا، على نحو ما ورد في عمر بن الخطاب أن الشيطان يفر منه، فظننت أن هؤلاء لو رأوا في كتابي ترداد ذكر شيخ الإسلام، يوشك أن يعرضوا عن قراءته البتة، وأنا أرى المصلحة أن أجترهم إلى مطالعته لعلّ الله تعالى أن ينفعهم به. 2 - كنت استعجلت في تأليف ذاك الكتاب، ولم يكن تحت يدي إذ ذاك من كتب شيخ الإسلام إلّا شرح "العقيدة الأصفهانية، وكنت قبل ذلك قد طالعت عدة من كتبه، وعدق بذهني كثير من فوائدها لا من حيث أنه ذكرها، بل من حيث أنها حجج واضحة، وما كان من هذا القبيل، فلم يزل أهل العلم يحتج آخرهم بما احتج به من قبله، ولا يتكلف العزو إليه، كما استدل عمر بن عبد العزيز بقول الله سبحانه: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى} على أن الإجماع حجة ... ". اهـ. ¬

_ (¬1) قال الزيادي: ولقد عثرتُ على ورقة خطية بقلم المؤلف رحمه الله ضمن مجموع بيّن فيها لقائه مع الخضر الشنقيطي. قال رحمه الله: "لما وصل الشيخ الخضر الشنقيطي حيدرآباد كنت فيمن زاره، فجرى ذكر العلم والعلماء، فتكلم الشيخ الخضر بكلام في معنى فَقْدِ العلماء الحقيقين وتلا: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} احتجاجًا على أن من لا يخشى الله تعالى فليس بعالم، فقال بعض الفضلاء ما معناه: ليس في الآية دليل على هذا لأنها قصرت الخشية على العلماء ولا يلزم من ذلك قصر العلماء على أهل الخشية، فسكت الشيخ عن الجواب.

الباب الثالث: كتب التواريخ والرجال

الباب الثالث: كتب التواريخ والرجال: 5/ 51 - كتاب: التاريخ الكبير للبخاري: وهو مطبوع في (8) مجلدات، حققه الشيخ سوى المجلدين الخامس والسادس منه، فقد قام جمهما غيره من رجال دائرة المعارف. والسبب في ذلك هو أن الجزء الثالث من الكتاب -من أربعة أجزاء- كان مفقودًا حينيذ. وقد ابتدأت الدائرة في طبع الكتاب من القسم الرابع منه، وهو عبارة عن المجلدين (7)، (8) من المطبوع، ففي خاتمة الطبع للمجلد السابع (ص 441): "ابتدأنا طبع هذا الكتاب من الجزء الرابع، لأنا عثرنا على هذا الجزء في الخزانة الآصفية قبل تحصيل بقية الأجزاء .. " وقد تم طبع المجلد السابع "وهو القسم الأول من الجزء الرابع من الكتاب" في يوم السبت الخامس من شهر رمضان المبارك سنة (1360 هـ)، هكذا في (ص 442) منه. ثم طبع المجلد الثامن "وهو القسم الثاني" يوم الأحد السادس والعشرين من شهر جمادى الأولى سنة (1360 هـ) أيضًا. وفي خاتمة طبع المجلد السابع (ص 443) يقول السيد هاشم الندوي مدير دائرة المعارف: "وقد اعتنى بتصحيح هذا الكتاب وتعليق الحواشي المفيدة الأستاذ الفاضل العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني، ولله دره قد اجتهد في تصحيح الأسماء والأنساب والمشتبهات، واستوعب النظر في الاختلافات من حيث علم الرجال ونقد الروايات من جهة الجرح والتعديل". ثم طبع القسم الأول والثّاني من الجزء الأول من الكتاب وهو عبارة عن المجلدين (1)، (2) المطبوعين منه.

وكان تمام طبع القسم الثاني يوم الخميس تاسع عشر ذى القعدة سنة (1362 هـ) كما جاء في خاتمة الطبع منه (ص 400). وقال السيد هاشم الندوي عن الشيخ المعلمي مثلما قال آنفًا. ثم طبع الجزء الثاني بقسميه بتعليق الشيخ المعلمي أيضًا، لكن ليس في خاتمة الطبع ما يشير إلى تاريخ الطبع. ثم طُبع الجزء الثالث بقسميه لما تم العثور عليص ففى أول المجلد الخامس من المطبوع ويبدأ من حرف العين: "من هذا الباب يبتدىء الجزء الثالث وينتهي إلى باب عبّاس، وكان مفقودًا سابقًا، وعثرنا عليه حديثًا .. " وفي خاتمة الطبع (ص 456): تم طبعه لست ليالٍ خلون من شهر رمضان سنة (1377 هـ) (27) مارس سنة (1958 م) في مطبعة دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد "الهند". وقد تم ذلك بعد انتقال الشيخ المعلمي إلى مكة سنة (1371 هـ) فلم يعمل في تصحيحه. وتعليقات الشيخ مميزة بالحرف (ح). 5/ 52 - بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في "تاريخه" لابن أبي حاتم الرازي: تم طبع هذا الكتاب بدائرة المعارف العثمانية أيضًا، يوم الخميس خامس وعشرين من جمادى الأخرى سنة (1380 هـ). وقد قام الشيخ المعلمي بتصحيح هذا الكتاب والتعليق عليه بعد انتقاله إلى مكّة المكرمة، ففي خاتمة الطبع (ص 165): "واعتنى بنقله وتصحيحه والتعليق عليه مولانا العلامة الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني أمين مكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة -زادها الله تشريفًا وتعظيمًا".

5/ 53 - موضح أوهام الجمع والتفريق للخطيب البغدادي: طبع الجزء الأول منه لثلاث عشرة خلون من شهر رجب سنة (1378 هـ) والثاني لثمان عشرة خلون من شهر جمادى الأولى سنة (1379 هـ). وهو من مطبوعات دائرة المعارف أيضًا. وهو كسابقه، قد صححه المعلمي وعلق عليه بعد انتقاله إلى مكّة. فقد كتب في آخر مقدمته للكتاب (ص 14): مكتبة الحرم المكي بمكة المكرمة - (15) ربيع الآخر سنة (1378 هـ). وهو كتاب نفيس يدل على تمكن الشيخ في هذا العلم الشريف، فرحمة الله عليه. 5/ 54 - الجرح والتعديل. لابن أبي حاتم الرازي: وهو عبارة عن (9) مجلدات، منها "التقدمة" في أوله. وقد قام الشيخ على تصحيحه والتعليق عليه. وصرح هو في تقديمه "للتقدمة" أنه حقق: "التقدمة" والمجلد الأول والثاني والقسم الأول منا المجلد الرابع. وهذا يقابل في المطبوع: المجلد الأول والثاني والثالث الرابع والخامس والثامن. فيبقى مما لم يذكره: المجلد السادس والسايع والتاسع، وبالنظر فيهما لا نجد العلامة المميزة لتعليقاته وهي "ح" إِلَّا أن أسم الشيخ قد أُدرج في أفاضل الدائرة الذين اعتنوا بتصحيح المجلد السادس؛ بْل ويظهر أن خاتمة الطبع بقلمه، لقوله: .. وخادمهم: عبد الرحمن بن يحيى اليماني فلعلّه شارك في التصحيح دون التعليقات المعتادة له. وقد طبعت الدائرة أوَّلًا: المجلد الثالث -بقسميه- من تجزئة الأصل وهو عبارة عن المجلدين (6)، (7) من المطبوع، وذلك سنة (1361 هـ). ثم طبعت المجلد الثاني أيضًا وهو عبارة عن المجلدين (4)، (5) من المطبوع، وذلك سنة (1372 هـ).

وقد كتب الشيخ مقدمة "للتقدمة" سنة (1371 هـ) وقال فيها: إن المجلدين الثاني والرابع تحت الطبع، ويقابلان المجلدات (4)، (5)، (8)، (9) من المطبوع. ويفهم من صدْر التعليق على المجلد الثاني من المطبوع تأخر طبع التقدمة عنه، فالظاهر أن "التقدمة" آخر ما طبع من الكتاب وأضيف إليها مقدمة الشيخ المعلمي في أوّلها، وإن كان وقت كتابته للمقدمة -سنة (1371 هـ) - لا تزال مجلدات تحت الطبع، ثم طبعت سنة (1372 هـ)، وقد سافر الشيخ إلى مكة سنة (1371 هـ). بعد إنتهائه من العمل في الكتاب، وبعد كتابته للمقدمة، والله تعالى أعلم. 5/ 55 - "تاريخ جرجان" للسهمي: طُبع الطبعة الأولى في ذي الحجة سنة (1369 هـ). والثّانية فى شعبان سنة (1387 هـ). 5/ 56 - كتاب "المنتظم في تاريخ الملوك والأمم" لابن الجوزي: جاء في خاتمة الطبع: "وعني بتصحيحه من أفاضل دائرة المعارف وعلمائها .. هاشم الندوي .. و .. الشيخ عبد الرحمن اليماني، .. " ولم يتهيأ لدائرة المعارف العثمانية العثور على الأجزاء الأربعة الأولى والقسم الأول من الجزء الخامس، وتم لهم تحقيق القسم الثاني من الجزء الخامس والجزء السادس والسابع والثامن والتّاسع والعاشر وهو آخر الكتاب. 5/ 57 - كتاب "صفة الصفوة" لابن الجوزي: جاء في خاتمة طبع المجلد الأول: "وعنى بتصحيحه من أفاضل دائرة المعارف وعلمائها .. والشيخ عبد الرحمن اليماني". وكذا جاء في خاتمة طبع المجلد الثاني والثالث، وفي خاتمة المجلد الرابع: "وعني بتصحيحه محمد طه الندوي .. وكاتبه .. عبد الرحمن اليماني غفر الله ذنوبهم وستر عيوبهم .. ". التعليقات قليلة، وأكثرها إثبات فروق النسخ، يرمز الشيخ لتعليقه بحرف (ح).

5/ 58 - "تذكرة الحفاظ" للذهبي: قال الشيخ في "مقدمة التصحيح": "كتاب "تذكرة الحفاظ" للذهبي كتاب جليل، طبع مرتين في دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن، ولم يذكر في المطبوع عن أيِّ أصْلٍ طبع، وبمكتبة الحرم المكي نسخة من التذكرة مخطوطة حسبتها بادي الرأي هى الأصل المطبوع عنه؛ لما يظهر بينهما من الموافقة، ولأن الدائرة كانت سابقًا على صلة بمكتبة الحرم، ثم تبيّن لي خلاف ما ظننت .. وبعد فلما وقفت على هذه النسخة، وكنت أعلم أن النسخ المطبوعة قد نفدت من دائرة المعارف، وأنها تنوي إعادة طبع الكتاب، كتبت إلى ناظمها الجليل الدكتور محمد نظام الدين فبعث إلىّ بنسخة مطبوعة، ورغب إلىّ في مقابلتها على هذه المخطوطة، وإكمال التصحيح، فشرعت في ذلك وها أنا أكمل الجزء الأول .. ثم كتب: مكتبة الحرم المكي بمكة المعظمة (15) شوال سنة (1374 هـ). وانتهى الشيخ من تصحيح الكتاب بأجزائه الأربعة في (16) جمادى الأعلى سنة (1377 هـ). وطبع الكتاب في نفس السنة. 5/ 59 - كتاب "الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة" لابن حجر: جاء في خاتمة الطبع: " .. وقد اعتنى بالطبع والتصحيح رفقاء دائرة المعارف .. هاشم الندوي .. والفاضل النحرير الشيخ عبد الرحمن اليماني." التعليقات شاملة للكتاب غالبًا ولكنها كلمة أو كلمتين وربما بلغت السطر والسطرين ويتميز تعليق الشيخ بأنه يختمه بحرف (ح). 5/ 60 - "نثر النور والزهر في أعيان القرن الحادي عشر" لمرداد: قال الزيادي في حاشية "المجموع" (ص 45): قام المعلمي رحمه الله بنسخه، وبعد قراءته القراءة الفاحصة، كتب على طرة الكتاب العبارة التالية: "من أراد نشر هذا الكتاب فلا ينشره برمته، فإن فيه ما يخالف العقيدة" ثم اختصره المعلمي في مجلدين مُبْعدًا تلك الأخطاء العقائدية من المختصر". اهـ

الباب الرابع: كتب المؤتلف والمختلف والأنساب

الباب الرابع: كتب المؤتلف والمختلف والأنساب: 5/ 61 - كتاب "الإكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف من الأسماء والكنى والأنساب" للأمير بن ماكولا: طبعته مطبعة دائرة المعارف العثمانية، وطبع منه (7) مجلدات، حقق الشيخ المعلمي الستة الأول منها، وشرع في الجزء السابع إلى مادة "عوال" (ص 49) منه حيث وافاه الأجل، ولم يكمل الكتاب. وقد طبع الجزء الأول منه سنة (1381 هـ)، والثاني (1382 هـ)، والثّالث (1383 هـ)، والرابع (1384 هـ)، والخامس (1385 هـ)، والسّادس في ثاني جمادى الأول سنة (1386 هـ) أي بعد وفاة الشيخ بثلاثة أشهر تقريبًا - وقد توفي في (6) صفر (1386 هـ). وقد قدم الشيخ للكتاب مقدمةً بلغت (61) صفحة. أوضح فيها أسباب التصحيف في المخطوطات والمطبوعات وكيفية السلامة منها، ثم ذكر عناية المحدثين بهذا الأمر ووضعهم لفن "المؤتلف والمختلف"، وشرحه ثم ساق أسماء مشاهير المؤلفين في هذا الفن وكتبهم، ووصف ما هو مطبوع منها وما وقف عليه مما لم يطبع، ورتبهم بحسب وفياتهم، بلغ عددها ستة وعشرين كتابًا، ثم ذكر كتبًا أخرى ليست منه وإن قاربته كالكتب التي تعنى بضبط ما يشكل من أسماء رجال الصحيحين وككتب الرجال والطبقات وتواريخ الرواة وكتب الأنساب وكتب الألقاب، وكتب الكنى، ثم بين سبب اختيار "الإكمال". وبعد ذلك ترجم للمؤلف ترجمة وافية، ثم وصف كتابه الإكمال وذكر النسخ التي وقف عليها وهي (6) نسخ، وبين منهج الكتاب، من ذيل عليه أو لخصه، ثم قال: "أما أنا فأبدأ بتحقيق متن الإكمال شيئًا فشيئًا بالمقابلة بين النسخ ومراجعة

المظان من الإكمال نفسه ومن أخيه المستمر -أعني تهذيب مستمر الأوهام- وعند أدنى اشتباه أراجع ما عندي من أصوله ككتاب ابن حبيب وكتاب الآمدي وكتابي عبد الغني وطبقات خليفة وطبقات ابن سعد ومعجم المرزباني وكل مرجع تصل إليه يدي وأطمع أن أجد فيه ضالتي، فإن وجدت ما يوافق الأصل فحسب فذاك وإن وجدت ما يبينه أو يخالفه أو يزيد عليه زيادة متصلة وهي التي تتعلق بالشخص المسمى في الإكمال بدون زيادة شخص آخر في المادة علقت ذلك على موضعه. فأمَّا الزيادات المنفصلة فهي على أضرب: الأول: زيادة شخص أو أكثر في المادة المذكورة في الأصل فهذه أعلق لزيادتها بعد انتهاء نظائرها في الأصل ففي باب "أجمد وأحمد وأحمر" ذكر الأمير في المادة الأخيرة من اسمه أحمر فعلقت على منتهاه ذكر من زيد عليه ممن اسمه أحمر، ثم قال الأمير "الكنى والآباء" فذكر من يقال له أبو أحمر أو يكون في أثناء نسبه من اسمه أحمر فعلقت على منتهاه من زيد عليه من هذا القبيل، نعم إذا كان المزيد قريبًا للمذكور في الإكمال كأن يكون ابنه أو أخاه أو نحو ذلك فقد أعامله معاملة الزيادة المتصلة. الضرب الثاني: زيادة مادة كاملة فهذه أنبه عليها في الموضع المناسب لها من عنوان الباب ثم أعلقها عند مجيء دورها، مثلًا في الإكمال "باب أثان وأبان" فهاتان مادتان، وقد زادوا عليه مادة ثالثة وهي "أيان" فهذه زيادة حتمية، وزاد ابن نقطة في الباب "أثال" وزاد منصور (¬1) في الباب أيضًا "إياز" فعلقت على قوله "باب أثان وأبان" قولي "وأيان وأثال وإياز" ثم علقت على آخر الباب بيان من يقال له أيان فمن يقال له أثال فمن يقال له إياز ناقلًا نصّ أول من زاد ذلك .. ¬

_ (¬1) الحافظ منصور بن سليم وجيه الدين محتسب الإسكندرية عرف بـ (ابن العمادية) له ذيل على ذيل ابن نقطة، ولد سنة (607 هـ) توفي سنة (673 هـ): "العبر" للذهبي (3/ 327)، و"شذارت الذهب" (5/ 341).

إذا كان هناك مادتان مشتبهتان حق الاشتباه فإني أعقد لكل منهما بابًا وأعاملهما معاملة الضرب الثالث وهو: ما كانت الزيادة لمادتن فأكثر لا تشتبهان بمادة في الإكمال فإني أعقد لذلك بابًا مستقلًا مثل "أبرجة وأترجة" وبريال وثرثال" وكنت أريد أن أعلق هذه الأبواب في المواضع المناسبة لها ثم أحجمت عن ذلك لأمور: الأول: أن هذه زيادة مستقلة. الثاني: كراهية طول التعليقات جدًّا. الثالث: رجائي أن أظفر بمزيد من ذلك فآثرت أن أؤخرها لأجمعها في جزء مستقل يمكن أن يطبع بعد انتهاء طبع الإكمال تتمة له. هذا وإني أنقل الزيادة عن أول من زادها ولا أذكرها عمن بعده فقد يزيد ابن نقطة زيادة فتذكر في المشتبه والتوضيح والتبصير أو بعضها فأنقلها عن ابن نقطة فقط، وإن تعدد الزائدون والزيادات ذكرت زيادة ابن نقطة ثم منصور ثم الصابوني ثم الذهبي ثم ابن ناصر الدين ثم ابن حجر، أو من زاد منهم، وإذا وجدت الزيادة في غير هذه الكتب من المراجع ذكرتها ناسبًا لها إلى مرجعها، ويكثر هذا في مشتبه النسبة إذ أجد في الأنساب ومعجم البلدان عدة زيادات". وذكر بعد ذلك الاصطلاحات والرموز وقضايا استشكلها. وقد صار هذا الكتابُ بتعليقات الشيخ المعلمي وزياداته موسوعةً لا يستغني عنها باحث في هذا الفنّ. 5/ 62 - كتاب "الأنساب" للسمعاني: طبع الجزء الأول منه في غرة جمادى الآخرة سنة (1382 هـ) ثم توالى طبع باقي الأجزاء، يطبع كل عام جزء تقريبًا، حتى طبع الجزء السادس في جمادى الآخرة سنة (1386 هـ) وهو آخر ما قام الشيخ بالعمل فيه.

بدأه بمقدمة بلغت (36) صفحة، أوضح فيها فن الأنساب والحاجة إليه والتأليف فيه متى بدأ؟ وذكر من ألف فيه قبل الإمام السمعاني وبعده، ثم ترجم للسمعاني، وذكر كتابه الأنساب ومنهج الكتاب وسبب تأليفه وثناء العلماء عليه وذكر النسخ التي طبع عنها وقوبل عليها، وهي أربع نسخ من الكتاب، وأوضح طريقته في التحقيق والتعليق فقال: "المسودة منقولة من الأصل الذي هو النسخة الأولى "ك" أقرؤها وانظر ما قيد من اختلاف النسخ وأراجع عند الاشتباه ما عندي من المراجع المطبوعة والمخطوطة وكتبي المصورة وقد ذكرتها في مقدمة الإكمال ويؤسفني أن لا أجد "التحبير" (¬1) للمؤلف وأكثر مصادر الكتاب وهي تواريخ نيسابور وبخارا ومرو وغيرها، وأحرص على أن أثبت في المتن ما يتبين لي أو يغلب على ظني أنه هو الذي كان في نسخة المؤلف وإن كان خطأ، وأنبه مع ذلك في التعليق على الصواب وعلى ما للتنبيه عليه فائدة ما، من اختلاف النسخ وبعض مخالفات المراجع كاللباب وتاريخ بغداد والإكمال. وفي التعليق مع ذلك زيادات أهمها زيادة نسب مستقلة أذكر النسبة ومصدرها وضبطها وبعض من ذكر بها صريحًا أو قريبًا منهم أو احتمالًا قريبًا وهذا قليل جرأني عليه أن المؤلف نفسه سلك هذه الطريق كما مرّت الإشارة إليه، ووضعنا لنسب الأصل رقمًا مسلسلًا، ولنسب التعليق رقمًا آخر. إنني أحرص فيما أنقله في التعليق عن الكتب الأخرى على الصحة والتنبيه على ما في تلك الكتب من الخطأ غير أن الوقت لا يسمح لي باستيفاء ذلك". والأرقام المسلسلة لنسب الأصل إلى آخر الكتاب، وصل الشيخ إلى الرقم (1991) نسبة "الزيكوني"، وبلغ عدد النسب التي في التعليق (1051) نسبة وصل فيه إلى نسبة "الزيلوشي" وتنتهي هذه النسبة بنهاية الجزء السادس من الكتاب، وهو آخر ما كان يقوم بتحقيقه رحمه الله. ¬

_ (¬1) طبع في العراق في مجلدين، ونظر في الجزم بأنه هو الدكتور موفق بن عبد الله بن عبد القادر في كتابه "توثيق النصوص وضبطها عند المحدثين" من (ص 92 إلى ص 102).

الباب الخامس: المشاركة: التصحيح والضبط والتعليق على بعض الكتب المسندة ونحوها من كتب الآثار

الباب الخامس: المشاركة: التصحيح والضبط والتعليق على بعض الكتب المسندة ونحوها من كتب الآثار، وكلها مطبوعة: 5/ 63 - "مسند أبي عوانة": للإمام أبي عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفرائيني. شارك الشيخ في تحقيقه وتصحيح الجزء الأول والثاني من الكتاب. قال الشيخ هاشم الندوي في خاتمة الطبع للجزء الأول: " .. بعد المقابلة على الأصل والتعليقات المفيدة من الكتب الصحيحة قدمت هذا الجزء إلى رفيقنا .. الشيخ عبد الرحمن اليماني مصحح دائرة المعارف لينظر فيه نظرًا ثانيًا فاستوعب العمل واعتنى بالتصحيح والتعليق من كتب الرجال والحديث". ومثله جاء في خاتمة طبع الجزء الثاني. أما التعليقات فقليلة ويتميز تعليق الشيخ بأنه يختم تعليقه بحرف (ح). 5/ 64 - "عمل اليوم والليلة" لابن السني: وهو أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدينوري المعروف بابن السني. جاء في خاتمة الطبع: "وعني بتصحيحه من أفاضل دائرة المعارف وعلمائها .. هاشم الندوي .. والشيخ عبد الرحمن اليماني". لا توجد تعليقات سوى إثبات فروق النسخ، وقد رمزوا للنسخة الأخرى بـ (ن). 5/ 65 - "السنن الكبرى" للبيهقي: شارك المعلمي في التحقيق من بداية الجزء الرابع إلى نهاية الجزء العاشر وهو آخر الكتاب، قال الشيخ هاشم الندوي في آخر الجزء الرابع تحت عنوان "ذكر تصحيح هذا الجزء": "قد اعتنى بتصحيح هذا الجزء وطبعه من رفقاء دائرة المعارف .. الشيخ عبد الرحمن اليماني والعالم الفاضل الحاج محمد طه الندوي و.".

وفي خاتمة طبع الجزء الخامس قال الشيخ المعلمي: " .. وجرى تصحيح هذا المجلد على يد .. هاشم الندوي و .. وكاتبه .. عبد الرحمن بن يحيى اليماني." ومثله جاء في خاتمة الجزء السادس والسابع والثامن والتاسع والعاشر. وأمّا التعليقات والحواشي فقليلة ويتميز تعليق الشيخ بأنه يختمه بحرف (ح). ومما يجدر ذكره هنا ما حققه الشيخ في لفظة "أبنا" و"أنبأ"، وهو ما أثبته الشيخ هاشم الندوي في آخر الجزء الرابع تحت عنوان "ذكر اختلاف النسخ في هذا الجزء" فقال: "إنا نجد في الأجزاء السابقة للسنن وفي هذا الجزء كثيرًا الاختلاف بين لفظة "أنبأ وابنا وانا" فالتفت إلى تحقيق هذه اللفظة العالم الفاضل الشيخ عبد الرحمن اليماني أحد مصححي هذا الكتاب -فأجاد في تحقيقه- فهذه مقالته طبعناها ليتفكر فيه من هو أولى بالإمعان والنظر فيه. تحقيق الفاضل الجليل الشيخ عبد الرحمن اليماني أحد رفقاء دائرة المعارف على لفظة "أبنا وأنبأ". [وقع كثيرًا في أسانيد "سنن البيهقي" في أكثر النسخ التي وقفنا عليها صيغة "انبا" وطبعت تبعًا لبعض النسخ الحديثة الكتابة هكذا "أنبأ" وأرى أن الصواب "ابنا" وهي اختصار "أخبرنا" بحذف الخاء والراء كذلك اختصرها البيهقي وجماعة، ذكره ابن الصلاح في مقدمته ثم النووي في تقريبه والعراقي في ألفيته وغيرهم. قد تصفحت النسخ الموجودة عندنا في الدائرة فلم أر هذه الصيغة مضبوطة هكذا "أنبأ" صريحًا في شيء من النسخ القديمة بل ضبطت في مواضع هكذا "ابنا" وفي الباقى مهملة أو مشتبهة. لم تقع هذه الصيغة في بعض النسخ القديمة وإنّما وقع بدلها "أنا" و"أنا" اختصار "أخبرنا". البيهقي يعبر في أول الأسانيد بقوله "أخبرنا" غالبًا وكتبت صريحة في أكثر النسخ أما في المصرية فكتبت هكذا "ابنا" النسخ التي وقع فيها "ابنا" لم يكد يقع فيها "أخبرنا"

ولا "أنا" إلا في أوائل الأسانيد في غير المصرية مع أن صيغة "أخبرنا" كثيرة في الاستعمال كما يعلم من مراجعة كتب الحديث ونص عليه الخطيب وغيره، قال الخطيب في "الكفاية": "حتى إن جماعة من أهل العلم لم يكونوا يخبرون عما سمعوه إلا بهذه العبارة "أخبرنا". منهم حماد بن سلمة وعبد الله بن المبارك وهشيم بن بشير وعبيد الله بن موسى وعبد الرزاق بن همام ويزيد بن هارون .. " (¬1) بل إن البيهقي نفسه لا يكاد يعبر في روايته عن شيوخه إلا بـ "أخبرنا". أن أكثر ما في "سنن البيهقي" مروي عن كتب مصنفة وقد قابلت بعض ما فيها بمآخذه من الكتب كالأم و"سنن أبي داود" و"سنن الدارقطني" فوجدت محل هذه الصيغة "أخبرنا". أو "أنا". وتتبعت في "سنن البيهقي" مواضع من رواية الأئمة الذين نص الخطيب على أنهم لم يكونوا يعبرون عما سمعوه إلا بلفظ "أخبرنا" فوجدت عبارتهم تقع في السنن بهذه الصيغة "ابنا". أن صيغة "أنبأنا" عزيزة كما يعلم بتصفح كتب الحديث ونص عليه الخطيب وغيره ونص السخاوي والبقاعي وغيرهما من علماء الفن أنه لم يجر للمحدثين اصطلاح في اختصار "أنبأنا" وحذف الضمير في الصيغ مع الاتصال عزيز جدًّا لا تكاد تجد في كتب "حدث فلان" أو "أخبر فلان" على معنى "حدثنا" أو "أخبرنا" لأن مثل ذلك محمول على الانقطاع عند الخطيب واختاره الحافظ ابن حجر ومن خالف فيه فإنّه موافق على أنه محمول على الانقطاع في عبارات المدلسين وكثيرًا ما تقع عبارات المدلسين في "سنن البيهقي" بهذه الصيغة "ابنا" وهي في الكتب المأخوذ منها "أخبرنا". أن صيغة "أخبرنا". للسماع اتفاقًا وصيغة "أنبأنا" في اصطلاح شيوخ البيهقي ومشايخهم وأهل عصرهم للإجازة، نص عليه الحاكم، فكيف يختار البيهقي لنفسه "أخبرنا" ثم يبدلها باطراد في كلام غيره مما ثبت في الكتب المصنفة حتى من ¬

_ (¬1) انظر "الكفاية" (ص 379).

لم يكن يعبر إلا بها "بأنبأنا" مع كثرة "أخبرنا" وعزة "أنبأنا" وتغاير معنييهما اصطلاحًا، ثم لا يكتفي بذلك حتى يشفعه بحذف الضمير الذي هو دليل السماع فيصير الظاهر الانقطاع. وبالجملة فالصواب ضبط هذه الصيغة هكذا "ابنا" قطعًا وهي اختصار "أخبرنا" ولهذا تقع في محلها فيما رواه عن الكتب المصنفة ويقع محلها في النسخ "أخبرنا" أو "أنا" لأن الأمر في ذلك موكول بلى الكاتب فإن شاء كتبها صريحة "أخبرنا" وإن شاء اختصرها على أحد الاختصارات المنصوص عليها لأن القارىء يتلفظ بها دائمًا "أخبرنا" فلا حرج في الكتابة فأما إبدال صيغة بأخرى دونها أو مغايرة لها في المعنى الاصطلاحي أو فيما ثبت في الكتب المصنفة فغير جائز فضلًا عن أن يحذف الضمير الدال على السماع. قد وقعت هذه الصيغة "انا" في كتب أخرى غير "سنن البيهقي" وطبعت في بعضها هكذا "أنبأ" والصواب في عامة ذلك "ابنا" الأدلة على ما ذكرت أكثر مما تقدم وأرى أن فيما لخصته هاهنا غنى عن البسط والتطويل وحسبي الله ونعم الوكيل وصلى الله على خاتم أنبيائه محمد وأله وصحبه وسلم ..]. 5/ 66 - دلائل النبوة لأبي نعيم الأصبهاني (¬1): بتصفح الكتاب المصور، يلاحظ كثرة التعاليق التي تختم بحرف (ح) وهذا عهد من صنيع الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله. 5/ 67 - موارد الظمآن إلى زوائد بن حبان (¬2): للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي. ¬

_ (¬1) طبعته مطبعة دائرة المعارف العثمانية بالهند -وصورته دار المعرفة- بيروت. (¬2) طبعته المطبعة السلفية بإشراف محب الدين الخطيب، يقع في مجلد كبير.

شارك في تصحيح الأخطاء فوضع جدول صواب أخطاء موارد الظمآن ويقع في إحدى عشرة صفحة، الصفحة تحتوي على (48) خطأ وتصويبه. كتب في آخر جدول الخطأ والصواب ما نصه: "انتهى جدول تصحيح الخطأ وتصويب الصواب في كتاب "موارد الظمآن بزوائد ابن حبان"، وهو جهد مشكور للأخ المفضال الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، اجتهد فيه بمراجعة أسماء رجال الأسانيد من كتب الرجال ومسند الإمام أحمد وبعض السنن كالترمذي وأبي داود، فجزاه الله على هذا المجهود خير الجزاء .. " ولم يشارك في التعليق على الكتاب. 5/ 68 - "المعتصر من المختصر من مشكل الآثار" (¬1): للقاضي أبي المحاسن يوسف بن موسى الحنفي، أما صاحب المختصر فقد جاء في طرة الكتاب المطبوع أنه أبو الوليد الباجي وهو خطأ، والصواب أنه أبو الوليد ابن رشد الجدّ، انظر مقدمة كتاب "التعديل والتجريح" للباجي (ص 144) للأستاذ أحمد لبراز. وجاء في خاتمة طبع الجزء الأول منه: "واعتنى بتصحيح هذا الكتاب من علماء الدائرة الشيخ محمد طه الندوي و .. وأمعن النظر فيه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني مصحح دائرة المعارف ... " ومثله في خاتمة الجزء الثاني. 5/ 69 - "الأمالي الشجرية": لأبي السعادات هبة الله بن علي بن حمزة العلوي الحسني المعروف بابن الشجري. جاء في خاتمة الطبع: "واشتغل بتصحيحه: حبيب عبد الله بن أحمد العلوي والشيخ عبد الرحمن اليماني". ¬

_ (¬1) طبعته مطبعة دائرة المعارف بالهند- وصورته عالم الكتب- بيروت.

الباب السادس: التحقيق والتعليق على بعض كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة

التعليقات نادرة وهي لا تتجاوز الكلمة والكلمتين، ويتميز تعليق الشيخ بأنه يختمه بحرف (ح). 5/ 70 - "الاعتبار في بيان الناسخ والمنسوخ من الآثار" (¬1): لأبي بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم الهمذاني. جاء في خاتمة الطبع: " .. وعني بتصحيحه من أفاضل دائرة المعارف وعلمائها .. هاشم الندوي .. و .. الشيخ عبد الرحمن اليماني .. ". التعليقات قليلة وأكثرها إثبات فروق النسخ، ويرمز الشيخ لتعليقه بحرف (ح)، حقق عن نسختين خطيتين. الباب السادس: التحقيق والتعليق على بعض كتب الأحاديث الضعيفة والموضوعة: 5/ 71 - الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة: تأليف الإمام محمد بن علي الشوكاني. حققه وعلق على أحاديثه وتتبع طرق الأسانيد التي ذكر الشوكاني أن صاحب "اللآلىء المصنوعة" -وهو السيوطي- تعقب فيه ابن الجوزي، مع بيان حال تلك الطرق. فقال في مقدمته على الكتاب: "وقد تتبعت كثيرًا من تلك الطرق، وفتشت عن تلك الأسانيد، فوجدت كثيرًا منها أو أكثرها، يكون ما ذكره السيوطي من الطرق ساقطًا، لا يفيد الخبر شيئًا من القوة. ومنها: ما غايته أن يقتضي التوقف عن الجزم بالوضع، فأما ما يفيد الحسن أو الصحة فقليل. ولما فكرت في تقييد ملاحظاتي، وجدت هناك أمورًا تحول دون استيفاء النظر في جميع المواضع، منها: أن في "اللآلىء" خطأ بعضه من النساخ، وبعضه من السيوطي نفسه، وسترى التنبيه على ¬

_ (¬1) طبعته دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن بالهند.

بعضه، واستيفاء النظر يقتضي مراجعة أصوله كلها، وكثير منها ليس في متناول يدي. ومنها: أنه يوجد في الأسانيد رواة لا توجد تراجمهم فيما بين يدي من الكتب، كما يوجد عدة من أسماء الرواة معرفة أو مختصرة أو مدلسة، ومنها: أنني عندما أقرن نظري بنظر المتأخرين، أجدني أرى كثيرًا منهم متساهلين، وقد يدل ذلك على أن عندي تشددًا قد لا أوافق عليه غير أني مع هذا كله رأيت أن أبدي ما ظهر لي، ناصحًا لمن وقف عليه من أهل العلم أن يحقق النظر، ولا سيما من ظفر بما لم أظفر به من الكتب التي مرت الإشارة إليها". وذكر في المقدمة جملة من الكتب التي ألفت في الأحاديث الموضوعة فعد منها ثمانية وعشرين كتابًا، ثم قدم قواعد هامة في الأحاديث الموضوعة، كما ذكر قواعد أخرى ضمن تعليقاته على الأحاديث. قال السماري: "وقد بلغ عدد الأحاديث (1437) حديثًا، علق الشيخ على (360) حديثًا، جل تعليقاته لا تتجاوز سطورًا معدودة يبين فيها علة الحديث، وأحيانًا يكون تعليقه بحثًا متكاملًا كما في حديث "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعن سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام .. الحديث" فقد بلغ تعليقه خمس صفحات، وحديث "أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي" بلغ تعليقه عليه ثلاث صفحات، وحديث "رد الشمس لعلي -رضي الله عنه- بعد ما غربت" بلغ تعليقه عليه ست صفحات، وحديث "أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت الباب" بلغ تعليقه عليه ثلاث صفحات، وحديث "يا معشر العلماء إني لم أضع علمي فيكم إلا لمعرفتي بكم قوموا فإني قد غفرت لكم" بلغ تعليقه صفحة ونصف الصفحة، وحديث "إذا حدثتم عني بحديث يوافق الحق، فخذوا به حدثت أو لم أحدث" بلغ تعليقه عليه ثلاث صفحات، وحديث: "حسنوا أكفان موتاكم فإنهم يتزاورون في قبورهم" بلغ تعليقه عليه

صفحتين، وحديث "الأبدال" بلغ تعليقه عليه ثلاث صفحات، وحديث "إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع" بلغ تعليقه عليه صفحتين، وحديث "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه" بلغ تعليقه عليه ثلاث صفحات، وحديث "ما حسن الله خلق رجل وخلقه فأطعم لحمه النار" بلغ تعليقه عليه صفحتين. صحح الكتاب عن نسخة خطية واحدة ونسخة مطبوعة بالهند". اهـ. 5/ 72 - المنار المنيف في الصحيح والضعيف: للإمام ابن قيم الجوزية. طبعته مطبعة السنة المحمدية بتحقيق محمد حامد الفقي، وطبعه المكتب الإسلامي. ثم أعدّه وأخرجه -بتحقيق المعلمي- منصور السماري، ونشرته "دار العاصمة" (1419 هـ) - (1998 م). وقد بدأه الشيخ المعلمي بمقدمة أوضح فيها قصة الحصول على نسخة الكتاب، وكيف طبع، وسبب تحقيقه للكتاب بعد ما طبع، وذلك لكثرة الأخطاء في المطبوع، ثم فصّل منهجه في تصحيح الكتاب، وله بعض التعليقات في نقد بعض الأخبار الواردة في الكتاب. * * *

القسم السادس: في التفسير

القسم السادس: في التفسير الفصل الأول: المطبوع: 6/ 73 - بحث حول تفسير الرازي: وهو مطبوع ضمن "المجموع" الذي أعدّهُ الزيادي وعلق عليه وأصله عبارة عن (13) ورقة، في كل ورقة (20) سطر، مقاس (26 × 15). قال الشيخ المعلمي في أوله: "أفادني فضيلة العلامة الجليل الشيخ محمد بن عبد العزيز بن مانع -حفظه الله- أن صاحب كشف الظنون ذكر أن تفسير الفخر المسمى بمفاتيح الغيب لم يكمله الفخر، وأنه أكمله نجم الدين أحمد بن محمد القمولي، وأن في ترجمة القمولي من طبقات ابن السبكي ومن الدرر الكامنة أن له تكملة لتفسير الفخر الرازي، وكأن فضيلة الشيخ -حفظه الله- ندبني لتحقيق هذه القضية؛ لأن هذا التفسير مطبوع بكماله منسوبًا إلى الفخر الرازي، وليس فيه تمييز بين أصله وتكملته، وآخره على طريقة أوله .. ". وقد قال الدكتور الذهبي في كتابه "التفسير والمفسرون" (1/ 262): "والحق أن هذه المشكلة لم نوفق إلى حلِّها حلًّا حاسمًا لتضارب أقوال العلماء في هذا الموضوع .. ". وقد بحث الشيخ المعلمي هذه المشكلة بحثًا متأنيًا، اعتمد فيه على استقراء تفسير الفخر استقراءً هادئًا، قال في نتيجته: "الأصل من هذا الكتاب وهو القدر الذي هو من تصنيف الفخر الرازي وهو من: أول الكتاب إلى: آخر تفسير سورة القصص، ثم من: أول تفسير الصافات إلى: آخر تفسير سورة الأحقاف، ثم تفسير سورة الحديد والمجادلة والحشر، ثم من أول تفسير سورة الملك إلى آخر الكتاب. وما عدا ذلك فهو من تصنيف أحمد بن خليل الخوئي، وهو من التكملة المنسوبة

إليه، فإن تكملته تشمل زيادة على ما ذكر تعليقًا على الأصل، هذا ما ظهر لي، والله أعلم" اهـ. 6/ 74 - تحقيق كتاب: إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لابن خالويه: جاء في خاتمة الطبع: ملاحظات شعبة التصحيح لدائرة المعارف: "لا ريب أن الدكتور سالم الكرنكوي قد بذل جهده في استنساخ هذا الكتاب ومقابلته على النسختين المذكورتين والضبط والتصحيح على الألفاظ واللغات فرتّبهُ وعلّق عليه الهوامش بأجمل أسلوب وإن حصلت له صعوبة شديدة في القراءة والمقابلة والمراجعة لكنه استوفى العمل. ثم استقصى النظر في هذا الكتاب: حضرة الفاضل الأديب الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني أحد رفقاء الجمعية، ونبّه في الحواشي على بعض الخطأ من جهة النسخ بعلامة. ع. ى. فشكر الله سعيهما. كمل طبع كتاب "إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم لابن خالويه بمطبعة دار الكتب المصرية في يوم الثلاثاء (22) محرم سنة (1360 هـ) (18) فبراير سنة (1941 م) كتبه: محمد نديم ملاحظ المطبعة بدار الكتب المصرية. والكتاب قد صححه سالم الكرنكوى والمعلمي على ثلاث نسخ، أكملها النسخة المحفوظة في المتحفة البريطانية، ورمزها (ب) وهي أصل الطبعة، ونسخة في خزانة رامفور، إلا أن ناسخها أسقط الفوائد اللغوية وذكر القراءات الشاذة، حتى لم يبق إلا الربع من النسخة الكاملة ورمزها (ر) ونسخة محفوظة في خزانة آيا صوفيا في الآستانة، لا تشتمل إلا على عشر ورقات، اختصرت اختصارًا مفرطًا. ثم قابل ذلك كله الأستاذ عبد الرحيم محمود مصحح دار الكتب المصرية على نسخة خطية بدار الكتب، ورمزها (م) فأكمل النقص وصحح ما بقي من الخطأ، وطبع الكتاب على نفقة الجمعية العلمية بدائرة المعارف العثمانية وقام بطباعته مكتبة "المتنبي" بالقاهرة.

6/ 75 - الردُّ والتعقيب على حميد الدين الفراهي: قال في أولها: " .. أما بعد: فإني قد كنت وقفت على بعض مؤلفات العلامة المحقق المُعلم عبد الحميد الفراهي تغمده الله برحمته كـ "الإمعان في أقسام القرآن"، و"الرأي الصحيح فيمن هو الذبيح"، و"تفسير سورة الشمس"، وانتفعت بها، وعرفت عبقرية مؤلفها، ثم وقفت أخيرًا على تفسير لسورة الفيل، فألفيته قد جرى على سنته من الإقدام على الخلاف إذا لاح له دليل، وتلك سيرة يحمدها الإسلام ويدعو إليها أولي الأفهام، غير أن الخلاف هنا ليس لقول مشهور، ولا لقول الجمهور ولكنه لقول رجح به الجماهير ولم ينقل خلافه عن كبير ولا صغير، ومثل هذا القول إن جاز خلافه في بعض المواضع فإنّه لا يكفي للإقدام على الخلاف فيه لائحة دليل، ولا رائحة تعليل، بل لا يغني فيه إلّا حجة تزداد وضوحًا بتكرار النظر، ولا يلين لتأويل مقبول، حتى يلين لضرس المقانع الحجر". نقله الزيادي، وقال: وقد تكلمت على هذه الرسالة في مقدمة تحقيقي لها، وهي قيد الطبع. الفصل الثاني: المخطوط. 6/ 76 - الكلام حول البسملة: قال في أولها: " .. أما بعد فقد أكثر الكلام على هذه الكلمة الشريفة "بسم الله الرحمن الرحيم" وألفت فيها الرسائل، ولا يكاد يخلو شرح من شروح الكتب عن الكلام عليها، ولكنني مع ذلك لم أجد كلامًا عليها يقتصر على إيضاح معناها إيضاحًا تامًا يسهل على الطالب الإحاطة به، ليستحضره عند ذكرها، فسمت بي الهمة إلى محاولة ذلك فإذا يسر الله تبارك وتعالى لي الوفاء بذلك فمن محض فضله العظيم، وإلا فعذري القصور والتقصير، وقلة العلم الذي يتوقف عليه التحقيق، وقلة العلم المقتضي لحسن التوفيق". نقله الزيادي.

6/ 77 - رسالة في قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا}: ذكرها في كتابه "الأنوار الكاشفة" حيث يقول: "أما قوله تعالى {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: 28]، فلي فيه بحث طويل حاصله: أن تدبر مواقع "يغني" في القرآن وغيره، وتدبر سياق الآية يقضي بأن المعنى: إن الظن لا يدفع شيئًا من الحق. وبعبارة أهل الأصول: الظني لا يعارض القطعي" قال السماري: ولم أعثر عليها. * * *

القسم السابع: في النحو

القسم السابع: في النحو. وكله مخطوط 7/ 78 - اللطيفة البكرية والنتيجة الفكرية في المهمات النحوية: كتب المؤلف على طرة الأصل: إعلان: "كل ما حررته فمستفاد من "الهمع" للسيوطي وشرح "الكافية" للرضي وحاشيتي الصبان والخضري على شرحي الألفية ورسالة للسيد أحمد دحلان في "المبنيات". أفاض الله على الجميع غيوث كرمه وغمرهم بحلل نعمه فمن توهم خللًا فليتثبت ويطالع الكتب المذكورة وغيرها، فإن وجد التصريح بما قلنا أو الإيماء إليه، وإلّا فلينظر منصفًا لا متعسفًا ... ". 7/ 79 - تلخيص الثمرات الجنية في الأسئلة النحوية: للشيخ محمد جمال بن محمد الأمير بن حسين مفتي السادة المالكية. قال في أولها: " .. قد لخصت أكثر عباراتها، وحذفت بعض إشاراتها، لا لأني رجحت عن ذلك الفائدة أو لتفضيلي ما فعلته على أصلها، ولكن تعمدًا للاختصار، ولتقريبها إلى ذكري، وتقليل ألفاظها -وأستغفر الله العظيم من جرأتي على ذلك .. ". 7/ 80 - تعليقات على متن الأجرومية: قال في أولها: " .. أعلم أيها القارىء أن لكل قوم لغة يخاطب بها بعضهم بعضًا ويكاتب بها بعضهم بعضًا ..... جاعلين ذلك تعليقات متن الأجرومية يقرب على المبتدىء غير متعرضن للدقائق غالبًا .. ". ذكر ذلك كله وتفضل بنقله ماجد الزيادي. * * *

القسم الثامن: في الأدب والشعر

القسم الثامن: في الأدب والشعر الفصل الأول: المطبوع: النوع الأول: التحقيق: 8/ 81 - كتاب المعاني الكبير في أبيات المعاني. لابن قتيبة الدينوري: طبعته دائرة المعارف العثمانية، وهو في ثلاثة أجزاء، وختم المعلمي مقدمته للكتاب بتاريخ: " 9 ذي الحجة الحرام سنة (1368 هـ). وقد قال فيها: وقسمنا الكتاب إلى ثلاثة مجلدات، قد تم طبع مجلدين منها ..... والمجلد الثالث تحت الطبع". وطبعته أيضًا دار الكتب العلمية. وقال الشيخ المعلمي في مقدمة الكتاب: "كان العرب قبل الإسلام أمة أمية، كتابهم الطبيعةُ، مدرستهم الحياةُ، أقلامُهم ألسنتهم، ودفاترهم قلوبهم، وكان كل من أراد منهم تقييد فكرة، أو تخليد حكمة، أو تثبيت مأثرة، أو إظهار عبقرية في دقة الإحساس ولطف التصوُّر وإتقان التصوير، أنشأ في ذلك أبياتًا أو قصيدة، فلا تكاد تجاوز شفتيه حتى يتلقفها الرواة فيطيروا بها كل مطار، فكان الشعر وحده هو مؤلفاتهم، وهو تاريخهم، وهو مظهر نبوغ مفكريهم. ثم جاء الإسلام فنقلهم من الأمية إلى العلم والحضارة، ومن العزلة عن الأمم إلى مخالطتها، فكان من جرّاء تلك المخالطة مع ما أفادوا بها من المصالح أن أخذت السليقة تضعف، وأخذ اللحن والخطأ يتسرّب إلى ألسنتهم، وأخذ الخطر يهدد اللغة وآثار السلف ويتطاول إلى الدين نفسه؛ فإن مداره على الكتاب والسنة وهما باللسان العربي الفصيح. فنهض العلماء لمقاومة ذاك الخطر، فدونوا اللغة وأسسوا قواعدها، وقيدوا شواردها، وكان من أهم ما اعتنوا بحفظه، أشعار القدماء؛ لعلمهم أنها تراثهم

وتاريخهم، وأنها المنبع المعين لمعرفة اللغة وقواعدها، وأنها هي المحك الذي يتيسّر به نقد الحكايات والقصص عن أحوال الجاهلية، فكان العلماء لا يكادون يصغون لحكاية لا تتضمن شعرًا، فإن تضمنته بدأوا بنقده، فإن وجدوه كما يعهدون من الشعر الجاهلي وكما يعرفون من طراز من نُسب إليه وثقوا به، وكان عندهم من أصدق الشواهد على صحة تلك الحكاية، وإلا نبذوه وقالوا "شعر مصنوع" وجعلوا ذلك دليلًا على اختلاق ذاك الخبر .. ". اهـ. والمقصود بـ: أبيات المعاني: الأبيات التي تحتاج إلى أن يُسأل عن معانيها؛ لغرابة أسلوبها، وبُعْد مأخذها، وطرافة استعارتها. 8/ 82 - الأمالي اليزيدية: لأبي عبد الله محمد بن العباس بن محمد بن أبي محمد يحيى بن المبارك اليزيدي. وهى عبارة عن مراثٍ وأشعار وأخبار ولغة وغيرها. قال السماري: جاء في مقدمة الكتاب للمصحح الحبيب عبد الله بن أحمد العلوي الحسيني الحضرمي: " .. فشرعنا في طبعه بمساعدة العلامة المحقق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى اليماني مصحح دائرة المعارف". التعليقات شاملة للكتاب وتبلغ ربع الصفحة وربما بلغت ثلثي الصفحة، ويتميز تعليق الشيخ بأنه يختمه بحرف (ح) وهو ملاحظ وكثير جدًّا. الفصل الثاني: المخطوط. النوع الأول: التأليف: 8/ 83 - ديوان الشعر: قال الزيادي: "الديوان يقع في مجلد كبير ضخم، موجود في مكتبة عبد الله الحكمي الخاصة، قيل: إنه أوصى بحرقه، ولا أظنه يصح". وقال السماري: لم أقف عليه.

القسم التاسع: اللغة

القسم التاسع: اللغة - مخطوط 9/ 84 - له انتقادات على طبعة لسان العرب في مجلدين. موجودة في بعض المكتبات الخاصّة بمكة المكرمة: ذكره الزيادي في حاشية "المجموع" ص (82). 9/ 85 - تلخيص علامات الترقيم من كتاب "الاملاء والترقيم" لأحمد زكي والمطالع النصرية: ذكره الزيادي في حاشية المجموع (ص 50). * * *

القسم العاشر: متفرقات

القسم العاشر: متفرقات 10/ 86 - صفة الارتباط بين العلماء في القديم والحديث - مطبوع: عبارة عن محاضرة ألقاها الشيخ في الحفل السنوي الذي أقامته دائرة المعارف العثمانية. 10/ 87 - الاستدراك على بعض المواطن في معجم البلدان لياقوت الحموي - مخطوط: ذكره الزيادي (ص 48) وهو استدراك بعض الرجال المنسوبين للبلدان ممن لم يذكرهم ياقوت. 10/ 88 - تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر - في الفلك: مطبوع: لكمال الدين أبي الحسن الفارسي. جاء في خاتمة الطبع: " .. باشرنا طبعه، وتولى ذلك .. والمكرم الشيخ عبد الرحمن اليماني .. ". التعليقات نادرة، وغالبها إثبات فروق النسخ، يرمز الشيخ لتعليقه بحرف (ح). عن السماري ص (85). 10/ 89 - مفتاح دار السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم. مطبوع: لأحمد بن مصطفى المعروف بطاش كبرى زاده - طبعة أولى. "عن ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي المثبتة في مقدمة التنكيل". ولم يقف السماري على تلك الطبعة. 10/ 90 - نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر: لعبد الحي بن فخر الدين الحسيني. وهو كسابقه تمامًا.

10/ 91 - رسالة فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فعله. أو تصحيح الكتب القديمة. كما سمّاها السماري: رسالة عدد أوراقها الموجودة (40) وعدد أسطرها (15) ومقاسها (24 × 10)، ولم تكمل وهى الرسالة الأولى من "مجموع" الزيادي المطبوع. بيّن فيها الشيخ: التصحيف وأسبابه، ثم الأعمال التي تكون قبل التصحيح وبعده، ومعنى التصحيح، وأغراض الناس في طباعة الكتب، والأمور المعتبرة لطبع الكتب، والشروط التي تجب أن تتوفر في النسخة والناسخ، وما يلزم الناسخ أثناء النسخ، وشروط المقابلين بين النسخ، وبعض النصائح لهم. 10/ 92 - أصول التصحيح. مطبوع: لم يعثر الزيادي منها إلا على عشر ورقات، وهي الرسالة الثانية من "مجموعه". يقول الشيخ في أولها: "أما بعد فإني منذ بضع سنين مُشتغل بتصحيح الكتب العلمية في مطبعة "دائرة المعارف العثمانية" وتبين لي بعد الممارسة قيمةُ التصحيح العلمية والعملية، وما ينبغي للمصحح أن يتحقق به أولًا ثم ما يلزمه أن يعمل به ثانيًا. ورأيت غالب الناس في غفلة عن ذلك أو بعضه، فمن لم يشتغل بقراءة الكتب العلمية ومقابلتها وتصحيحها، يبخس التصحيح قيمته، ويظنه أمرًا هينًا لا أهمية له ولا صعوبة فيه .. ". ثم بيّن الشيخ طرق الناس في التصحيح المطبعي والعلمي وعيوب كل طريقة. 10/ 93 - إغاثة العلماء من طعن صاحب الوارثة في الإسلام - مخطوط: ذكره عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعلمي في ترجمة الشيخ المذكورة في مقدمة "التنكيل" ضمن مؤلفات الشيخ المخطوطة. قال السماري: ولم أعثر عليها. وقال الزيادي ص (57): لعله هو كتاب "الأنوار الكاشفة".

أقول: الظاهر أنه غيره، فقد ذكره عبد الله المعلمي في مخطوطات "الشيخ" مع ذكره "الأنوار" في مؤلفاته المطبوعة، والله تعالى أعلم. 10/ 94 - النقد البريء: ذكرها في رسالة "الاستبصار في نقد الأخبار" (ص 59) فقال: " ... فأما الجارح فشرطه أن يكون عدلًا عارفًا بما يوجب الجرح، إن جرح ولم يفسر قلنا بقبوله، واشترط بعضهم أيضًا أن لا يكون بينه وبين المجروح عداوة دنيوية شديدة فإنها ربما أوقعت في التحامل ولا سيما إذا كان الجرح غير مفسر، وزاد غيره العداوة الدينية كما يقع بين المختلفين في العقائد، وقد بسطت القول في ذلك في النقد البريء". قال السماري: ولم أعثر عليها. أضاف الزيادي ص (58) أن للشيخ تعليقات وإفادات على بعض أمهات الكتب، مثل تعليقه على .. و"تعجيل المنفعة" و"اللباب" و"العلل" قال: وقد جمع طرفًا منها في جزء مستقل، ورأيت مؤخرًا "كنّاش" صغير جمع فيه جملة كثيرة من هذه الفوائد. قال: بالإضافة إلى الكتب التي قام بنسخها وتنميقها بخطه الجميل المتقن، منها: "التحفة الوردية" في النحو، و"القواعد الصغرى" لابن هشام، وقد نظمها المعلمي رحمه الله، و"الزنجانية" في التصريف، و"مقدمة في الوضع" و"أسماء جبال تهامة" لعرام. هذا آخر ما نما إلى علمي من مؤلفات الشيخ وتحقيقاته. ثم إنه بعد انقضاء ما أردتُّ من البيان لموضوع الكتاب، والهدف منه، وخطة العمل فيه، ثم ترجمة الشيخ المعلمي وآثاره، أبعثُ برسالةٍ إلى كل من يطالع هذا الكتاب وغيره من كتب الفنّ المعنيّة بعلم الحديث والأثر، إلى كُلِّ من يرُومُ سلوك سبيل أهل النقد، أو ينظر في كلامهم، لكي يعلم هؤلاءِ وأولئك قدر أئمة هذا العلم وفرسانِه، فيقع كلامهم في قلوب الناظرين فيه الموقع اللائق به، فيقدّمُ كلامُ من يستحق التقديم، ويُؤخّرُ كلامُ من دونهم. والله الهادي إلى سواء السبيل

تمهيد في تعظيم قدر أئمة النقد

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تمهيد في تعْظيمِ قدْرِ أئِمّةِ النّقْد إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شُرُور أنفسِنا ومن سيِّئات أعمالنا، من يهْده الله فلا مُضِلّ لهُ، ومن يُضْلِلْ فلا هادِى له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحْدهُ لا شريك لهُ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]، {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]. أما بعْدُ: فإنّ الله تعالى قد أحْكم كتابهُ، وتكفّل بحفظه، فامتلأت به الصُّدُورُ قبل أن يُدوّن في السُّطُورِ، لا يسْقطُ منه حرفٌ، ولا يُخْتلفُ فيه على شيءٍ، يُقْرأُ غضًّا طرِيًّا، فلا يخْلقْ على كثْرة الرّدِّ، ولا تنْقضِي عجائِبُهُ. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. وإن الله تعالى قد أوْحى إلى عبده ورسوله محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- بِسُنّةٍ ماضيةٍ، وهدْيٍ يُقْتدى به، وأمرنا الله بالتمسُّكِ بِسُنّتِه واتِّباعِ هدْيِهِ، وكُلِّ ما جاء به. قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44]. وقال تعالى {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. وقال تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].

وبيّن الله سبحانه أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4]. فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم - هو المُبيِّنُ عن الله سبحانه أمْرهُ، وعن كتابِهِ معانِي ما خُوطِب به النّاسُ، وما أراد الله سبحانه به، وما شرع من معاني دينهِ وأحْكامِه وفرائضِهِ، وموجباتِهِ، وآدابهِ، ومندوبهِ، وسُننِه التي سنّها، وأحْكامِهِ التي حكم بها. فلبِث -صلى الله عليه وسلم- بمكة والمدينةِ ثلاثًا وعشرين سنةً، يُقِيمُ للناسِ معالم الدِّينِ، يفْرِضُ الفرائض، ويسُنُّ السُّنن، ويُمْضِي الأحكام، ويُحِّرمُ الحرام، ويُحِلُّ الحلال، ويُقِيمُ النّاس على مِنْهاجِ الحقِّ بالقولِ والفِعل، صلواتُ الله عليْهِ وعلي آلهِ، أفضل صلاةٍ وأزْكاها وأكْملها. فثبّت عليهِ الصلاةُ والسلامُ حُجّة الله سبحانه على خلْقِهِ، بما أدّى عنهُ وبيّن من مُحكمِ كتابهِ ومُتشابِهه، وخاصِّهِ وعامِّهِ، وناسِخِه ومنْسُوخِه، ونحو ذلك. ولذا فقد أمر الله تعالى بطاعته فقال: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]. وحذّر من مُخالفتِهِ فقال: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63]. وطاعةُ الرسولِ -صلى الله عليه وسلم-: في اتِّباعِ سُنّتِهِ؛ إِذْ هِى النُّورُ البهِيُّ، والأمْرُ الجِليُّ، والحُجّةُ الواضِحةُ والمحجّةُ اللّائِحةُ، منْ تمسّك بها اهْتدى، ومنْ عدل عنها ضلّ وغوى. وإِذْ أمرنا الله سُبحانه باتِّباعِ سُنّتِهِ وهدْيِه وكُلِّ ما جاء بِه، فقد كان مِنْ لازِم ذلك أن يحْفظ الله لنا تلك السُّنّة -كما حفِظ الكتاب- فتصِل إلينا من طريقٍ تُقامُ بها علينا الحجةُ، {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: 165].

ولذا فقد أمِنّا -ولله الحمدُ- أن تكون شريعةٌ أمر بها رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم -، أو ندب إليها، أو فعلها -عليه السَّلام-، فتضيع، ولم تبلغْ إلى أحدٍ من أُمّتِه. وأمِنّا أيضًا أن يكون الله تعالى يُفْرِدُ بِنقْلِها منْ لا تقومُ بنقلِه الحجةُ. وكذا أن تكون شريعةٌ يُخطِىءُ فيها راويها الثقةُ، ولا يأتي من الدلائل أو القرائن أو الشواهد ما يُبيِّنُ خطأهُ فيه. ولذلك فإنّه يمتنعُ أن يريد الله تعالى تشريع حُكْمٍ، ثم يقطع على الأُمّةِ الطريق الموصِّلة إليه. وهذا القطعُ إما أن يكون بعدم وُصُوله إليهم وكِتْمانِه عنهم أصْلًا، وإما بِإيصالِه إليهم من طريق لا تقومُ عليهم به حجةٌ. فالأوّلُ ممنوعٌ شرعًا وعقلًا، والثاني مردودٌ لعدم فائدته. "ولمّا كان ثابتُ السُّننِ والآثارِ، وصِحاحُ الأحاديثِ المنقولةِ والأخبارِ، ملْجأ المسلمين في الأحوالِ، ومرْكز المؤمنين في الأعمالِ؛ إِذْ لا قِوام للإسلامِ إلا بِاسْتِعْمالِها، ولا ثبات للإيمانِ إلا بِانْتِحالهِا، وجب الاجتهادُ فِي عِلْمِ أُصُولها، ولزِم الحْثُّ على ما عاد بِعِمارةِ سبِيلِها". (¬1). فإِذْ قدْ أقام الله تعالى الحُجّة بِحِفْظِ فينهِ، وكان الكتابُ لا يُخْتلفُ في سبيلِ وُصُوله، وضمِن الله تعالى لنا حِفْظ سُنةِ نبيِّهِ، فقد وجب علينا معرفةُ السبيلِ الذي ارْتضاهُ الله سبحانه ليكون حُجّةً علينا في معْرفِة معانِي كتابه، ومعالِم دِينه، وأحْكاِم شرِيعتِه. وهذا السّبيلُ هو: "النقْلُ والرِّوايةُ". فقد اختار الله سبحانه لِصُحْبةِ نبيِّهِ قومًا، شرّفهُم، وأعْلى قدْرهم، ورفع منزلتهُمْ، ورضِى عنهم، فحفظُوا على الأُمّةِ أحكام الرسولِ، وأخبروا عن أنْباءِ التنزيل، ونقلوا أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله، وضبطُوا على اختلافِ الأموِر أحوالهُ، في: يقظتِهِ ومنامهِ، وقُعُودهِ وقيامهِ، وملْبسهِ ومرْكبِه، ومأْكلِه ومشْربِهِ، وهم الذين شهدوا ¬

_ (¬1) مقتبس من مقدمة كتاب "الكفاية" للخطيب (ص 3).

الوحْى والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، ففقهوا في الدين، وعلِمُوا أمر الله ونهيه ومراده، بمعاينةِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ومشاهدتِهم منه تفسير الكتاب وتأويله، وتلقفِهم منه واستنباطِهم عنه، فشرفهم الله سبحانه بما منّ عليهم وأكرمهم به من وضْعِهِ إياهم موْضع القُدْوة، فنفى عنهم الشك والكذب والرِّيبة، وسماهم عُدُول الأمة، فكانوا أئمة الهُدى، وحُجج الدينِ، ونقلة الكتابِ والسُّنّةِ. فهذا هو أصل المحجّةِ التي ارْتضاها الله سبحانه لهذه الأُمّةِ في معرفةِ دينهِ، ألا وهو نقْلُ الصحابةِ الكرامِ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمُشاهدِة والمُعاينة للوحْي والتنزيلِ. ثُمّ إِنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- قدْ حضّ صحابتهُ على التبليغ عنْهُ في أخبار كثيرة، فقال: "بلِّغُوا عنِّي ولوْ آيةً". وقال في خطبته: "فلْيُبلِّغ الشّاهِدُ منكم الغائب". ودعا لِمنْ بلّغ عنه فقال: "نضّر الله امْرءًا سمِع مقالتي فحفظها ووعاها حتّى يُبلِّغها غيرهُ". "ثمّ تفرّقتِ الصحابةُ -رضي الله عنهم- في النّواحي والأمْصار والثُّغُورِ، وفي فتوحِ البُلْدانِ والمغازي والإِمارة والقضاء، فبثّ كُلُّ واحدٍ منهم في ناحيته وبالبلد الذي هو به: ما وعاهُ وحفِظهُ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحكمُوا بِحُكْمِ الله سبحانه، وأمْضوُا الأمور على ما سنّ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم -، وأفْتوْا فيما سُئلوا عنه مما حضرهم مِنْ جوابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم -عن نظائرها من المسائل، وجرّدُوا أنفسهم لتعليم الناس الفرائض والأحكام والسنن والحلال والحرام حتى قبضهم الله سبحانه، رضوانُ الله ومغفرته ورحمته عليهم أجمعين. ثم خلف بعدهم التابعون الذي اختارهم الله سبحانه لإقامة دينه، وخصهم بحفظ فرائضه وحدوده وأمره ونهيه وأحكامه وسُنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - وآثاره، فحفظوا عن صحابته ما نشروه وبثوه من العلم، فأتقنوه وعلموه وفقهوا فيه، فكانوا من الإسلام والدين ومراعاة أمر الله سبحانه ونهيه بحيث وضعهم الله سبحانه، ونصبهم له، إذ يقول الله سبحانه: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: 100]. فصاروا -برضوانِ الله سبحانه لهم وجميلِ ما أثنى عليهم- بالمنزلةِ التي نزههم الله بها عن أن يلحقهُم مغمزٌ أو تُدْرِكهُم وصمةٌ؛ لِتيقُّظِهِم وتحرّزِهم وتثبُّتِهم -رحمةُ الله

ومغفرتُه عليهم أجمعين- إلا ما كان مِمّنْ ألحْق نفسه بهم، ودلّسها بينهم مِمّنْ ليْس يلحقُهم، ولا هو في مِثْلِ حالهم، لا في فقهٍ ولا علمٍ ولا حفطٍ ولا إتقانٍ، مِمّنْ بيّن أهلُ النّقْدِ حالهُم، وميّزُوهم عنْ غيرهم مِنْ أقْرانِهم لِيُعْرفوا. ثم خلفهُم تابعو التابعين، وهم خلفُ الأخْيارِ، وأعلامُ الأمصارِ في دين الله سبحانه، ونقْلِ سُننِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحِفْظِه وإتقانِه، والعلماءُ بالحلالِ والحرامِ، والفقهاءُ في أحكامِ الله سبحانه وفُروضِه وأمره ونهيه" (¬1). وهُمْ على مراتب في الورعِ والضبطِ والإتقانِ، وقد جعل الله سبحانه لكل شيء قدرًا. ومنهم أيضًا -وهم في هذه الطبقة أكثر من التي قبلها- منْ ألْصق نفْسهُ بهم، ودلّسها بينهم، مِمّنْ ليس مِنْ أهْلِ الصِّدقِ والأمانةِ، ومنْ قد ظهر للنُّقّادِ العلماءِ بالرجالِ منهم الكذبُ، فبيّنُوا أمْرهُم. هكذا حمل المتأخُر عن المتقدمِ، واللاحقُ عن السابقِ، وتناقلتِ الرواةُ الأخبار والسُّنن، وزادتِ الوسائطُ المُبلِّغةُ لدين الله عز وجل، وسُمِّيتْ هذه الوسائطُ بـ: "الإسناد". ولما كان الله سبحانه قد ارْتضى أن يكون "النّقْلُ" هو السبيل إلى تعرُّفِ هذه الأُمّةِ على دِينه وشرْعِه، وقد ضمن الله لنا حِفْظ الدِّين، فقد دلّ ذلك أن السبيل إلى هذا التعرف -ألا وهو النقل الذي تقوم به الحُجّةُ- محفوظٌ أيضًا. فكيف إذا حفِظ الله سبحانه هذا "النّقْل"؟ والجواب: أن الله تعالى كما اخْتار لصُحْبِة نبِيِّهِ أعلامًا أكْفاء، إئتمنهم على تبليغ دينه، فقدِ اخْتار أيضًا رِجالًا صنعهُم على عيْنِهِ، وخصّهُمْ بهذه الفضِيلة، ورزقهُم ¬

_ (¬1) مقتبس من "مقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (ص 8 - 10) بتصرف.

هذه المعرفة، وهيّأ لهم من الأحوالِ، ما جعلهم علمًا للإسلامِ، وقدوةً في الدين، ونُقّادًا لناقلة الأخبار، فاجتهدوا في حفظ هذا الدين، ونفْي تحريف الغالين، وانتحالِ المبطلين، وبيانِ خطأ المخطئين، ولو كانوا من الثقاتِ المتقنين. وميّز هؤلاء بْين عُدول النّقلةِ والرواةِ وثقاتهم وأهلِ الحفظِ والثبت والإتقانِ منهم، وبْين أهلِ الغفلةِ والوهم وسوءِ الحفظِ والكذبِ واختراعِ الأحاديث الكاذبة. "وقد جعلهمُ الله تعالى أركان الشّرِيعةِ، وهدم بهم كُلّ بِدْعةٍ شنِيعةٍ، فهمْ أُمناءُ الله من خليقتِهِ، والواسطةُ بْين النَّبي -صلى الله عليه وسلم- وأُمّتِهِ، والمجتهدون في حِفْظِ مِلّتِهِ. أنْوارُهم زاهرةٌ، وفضائلهم سائرةٌ، وآياتهم باهرة، ومذاهبهم ظاهرة، وحُججُهُم قاهرةٌ. وكُلُّ فِئةٍ تتحيّزُ إلى هوًى ترجعُ إليه، أو تستحسنُ رأيًا تعكُفُ عليه -سِواهم؛ فإن الكتاب عُدّتُهُم، والسُّنّة حُجّتُهم، والرسول فِئتُهم، وإليه نسبتُهم، لا يُعرِّجُون على الأهْواء، ولا يلتفتون إلى الآراء. يُقْبلُ منهم ما رووْا عن الرسولِ، وهم المأمونون عليه والعدولُ، حفظةُ الدين وخزنتُهُ، وأوْعِيةُ العِلْم وحملتُهُ. إذا اخْتُلِف في حديثٍ، كان إليهم الرجوعُ، فما حكموا به فهو المقبولُ المسموعُ. وهم الجمهورُ العظيم، وسبيلُهم السبيلُ المستقيم، منْ كادهُمْ قصمهُ الله، ومنْ عاندهمْ خذلهُ الله، لا يضرهم منْ خذلهم، ولا يُفْلِحُ من اعتزلهم. المُحْتاطُ لدينه إلى إرشادهم فقيرٌ، وبصرُ النّاظِرِ بالسوءِ إليهم حسِيرٌ، وإِنّ الله على نصْرِهِم لقدِيرٌ. قد جعلهم الله سبحانه حُرّاس الدين، وصرف عنهم كيْد المعاندين، لِتمسُّكِهم بالشرعِ المتينِ، واقتفائِهم آثار الصحابة والتابعين.

فشأنُهم حفظُ الآثارِ، وقطعُ المفاوزِ والقفارِ، وركوبُ البراري والبحارِ، اقتفاءً لحديث النَّبي المختارِ. قبِلُوا شريعتهُ قولًا وفعلًا، وحرسُوا سُنّتهُ حفظًا ونقلًا، حتى ثبّتُوا بذلك أصْلها، وكانوا أحقّ بها وأهلها. وكمْ مِنْ مُلْحِدٍ يرُومُ أن يخلط بالشريعة ما ليس منها، والله تعالى يذبُّ بهم عنها، فهم الحفاظُ لأركانها، والقوّامُون بأمرها وشأنها، {أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: 22] (¬1). ولولا هؤلاء الأئمة الجهابذة النُّقّاد الذين اصطفاهم الله سبحانه لحفظِ دينه، لاندرس الإسلامُ، ولغابتْ شمسُ الشريعة عن الأنام، ولأصبح الناس في ظُلْمةٍ دهْماء، وحْيرةٍ عمْياء، لا يميزون بين الحق والباطل، ولا الصحيح من السقيم، ولارتفع صوت الإلحاد، ولضاع حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين كيدِ كائدٍ، وحقدِ حاقدٍ. فاللهم انفعْنا بمحبتهم، واحْشُرْنا في زُمْرتهم، ولا تفْتِنّا بعدهم، ولا تحْرِمْنا أجرهم، واجعلْنا من أتباعِهم، وحملةِ لوائهم، وبلّغْنا شرف منزلتهم، وحُسْن سيرتهم، وأمِتْنا على مِلّتِهم، إنك بنا خبيرٌ بصيرٌ. فهؤلاء النّقاد -لما انتشرتْ روايةُ الأحاديثِ الضعيفة بِحُسْنِ نِيّةٍ من الرواة الصالحين الموصوفين بكثرة الغلط وغلبة الوهم، وبِسُوء نِيّةٍ من أصحاب الأهواء وغيرهم- شمّروا عن ساعِدِ الجِدِّ، وتأهّبُوا للقيام بالمُهِمّةِ التي أنِيطتْ بهم، وعزمُوا على تنْقِيةِ السُّنّةِ الشريفةِ مِنْ كُلِّ ما خالطها مِن الأباطيل والأكاذيب. وأرْسى هؤلاءِ القواعد لحفظِ الأسانيدِ والمتون من الوضْعِ والتحريف والتصحيف والأوهام؛ كما اشترطوا شُروطًا وضوابط لقبُول الحدِيثِ أو ردِّهِ، غايةً في الإتقانِ. ¬

_ (¬1) مقتبس من كتاب "شرف أصحاب الحديث" للخطيب (ص 8 - 10) بتصرف.

فقد بلغ هؤلاءِ من البراعةِ في الدّقّةِ، والتّثبُّتِ، والاحْتياطِ ما يُحِّيرُ العُقُول، حتى لقدْ حدا ببعضِ منْ لم يعْرِفْ لهم قدْرهُم، ولم يطّلِعْ على إمكاناتهم، ولم يضْبِطْ قواعد فنِّهِم، أنْ رأى أحكامهُم على الأخْبارِ تصْحِيحًا وتضْعِيفًا، بكلامٍ مجملٍ، فظنّ أنّهم يدّعُون الغيْب، أو أنّهم يتكهّنُون! قال أبو حاتم الرازي (¬1): "جاء رجلٌ من جلّة أصحابِ الرأي، مِنْ أهلِ الفهْم مِنْهم، ومعهُ دفْترٌ، فعرضهُ عليّ، فقلتُ في بعْضِها: هذا حديث خطأٌ، دخل لصاحبه حديثٌ في حديثٍ. وقلتُ في بعْضِه: هذا حديثٌ باطلٌ. وقلتُ في بعْضِه: هذا حديثٌ منكرٌ. وقلتُ في بعْضِه: هذا حديثٌ كذبٌ، وسائر ذلك أحاديثُ صِحاح. فقال لي: مِنْ أيْن علِمْت أنّ هذا خطأٌ، وأنّ هذا باطلٌ، وأنّ هذا كذِبٌ؟ أخْبرك راوِي هذا الكتابِ بِأنِّي غلطتُ وأنِّى كذبتُ فِي حديثِ كذا؟. فقلتُ لا، وما أدري هذا الجزء مِنْ رواية منْ هو؟ غير أني أعلمُ أنّ هذا خطأ، وأنّ هذا الحديث باطلٌ، وأن هذا الحديث كذبٌ. فقال: تدّعِي الغيْب؟ قلتُ: ما هذا ادِّعاءُ الغيْبِ. قال: فما الدليلُ على ما تقولُ؟ قلتُ: سلْ عما قلتُ منْ يُحسِنُ مثل ما أُحْسِنُ، فإِنِ اتّفقْنا، علمت أنا لم نُجازفْ، ولم نقُلْهُ إلا بِفهْمٍ. قال: منْ هُو الذي يُحْسِنُ مثل ما تحسنُ؟ قلتُ: أبو زرعة. ¬

_ (¬1) رواه عنه ابنه في "مقدمة الجرح والتعديل" (ص 349 - 351).

قال: ويقول أبو زرعة مثل ما قلت؟ قلتُ: نعم. قال: هذا عجبٌ. فأخذ، فكتب في كاغدٍ ألفاظي في تلك الأحاديث، ثم رجع إليّ، وقد كتب ألفاظ ما تكلم به أبو زرعة في تلك الأحاديث. فما قلتُ إنه باطلٌ، قال أبو زرعة: هو كذبٌ. قلتُ: الكذبُ والباطلُ واحدٌ. وما قلتُ إنه كذبٌ قال أبو زرعة: هو باطلٌ. وما قلتُ إنه منكر، قال: هو منكرٌ، كما قلتُ. وما قلتُ إنه صحاحٌ، قال أبو زرعة: هو صحاحٌ. فقال: ما أعْجب هذا! تتفقانِ مِنْ غير مُواطأةٍ فيما بينكما؟ فقلتُ: فقد (¬1) ذلك أنا لم نُجازفْ، وإنما قُلْناهُ بعلمٍ ومعرفةٍ قد أُوتينا، والدليلُ على صحةِ ما نقولُه بأنّ دينارًا نبهرجًا (¬2) يُحْملُ إلى الناقد (¬3)، فيقول: هذا دينار نبهرج، ويقول لدينار: هو جيِّدٌ، فإن قيل له: مِنْ أيْن قلت أن هذا نبهرج؟ هل كنت حاضرًا حين بُهْرج هذا الدينار؟ قال: لا. فإن قيل له: فأخبرك الرجلُ الذي بهْرجهُ أني بهرجتُ هذا الدينار؟ قال: لا، قيل: فمِنْ أيْن قلت إن هذا نبهرج؟ قال: علمًا رزقتُ. وكذلك نحنُ، رُزِقْنا عِلْما لا يتهيّأُ لنا أن نُخْبِرك كيْف علِمْنا بأن هذا الحديث كذبٌ، وهذا حديثٌ منكرٌ إلا بما نعْرِفُهُ". اهـ. قلت: معْنى كلامِ أبي حاتم رحمه الله تعالى أنه قد صارتْ لهُ ولأبي زرعة وغيرهما من النُّقادِ -وهم قليلٌ كما سيأتي- "ملكةٌ" قويةٌ و"سجِيّةٌ" و"غرِيزةٌ"، يكشفون بها زيف الزائفِ، ووهم الواهِم وغيْر ذلك. ¬

_ (¬1) هكذا في "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 350)، والظاهر أن هنا سقطًا، لعله: "عَرَّفَكَ" أو نحو ذلك. (¬2) يعني: مُزَيَّفًا. (¬3) يعني به: الصيرفي الذي يُمَيِّزُ بين الجّيِّد والرَّدِيء من الدنانير والدراهم.

أسبابُ تحصيلِ تلك "الملكة": وهذه "الملكةُ" لم يُؤْتوْها من فراغٍ، وإنما هِى حصادُ رِحْلةٍ طويلةٍ من الطلبِ، والسماعِ، والكتابة، وإحصاءِ أحاديثِ الشُّيُوخ، وحفظِ أسماء الرجال، وكُناهُم، وألقابِهم، وأنسابِهم، وبُلدانِهم، وتواريخِ ولادةِ الرواةِ ووفياتِهم، وابتدائهم في الطلب والسماعِ، وارتحالِهم من بلدٍ إلى آخر، وسماعِهم من الشيوخ في البلدان، منْ سمع في كل بلدٍ؟ ومتى سمِع؟ وكيْف سمِع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابُه، ثم معرفةِ أحوالِ الشُّيوخ الذين يحدث الراوي عنهم، وبلدانِهم، ووفياتهم، وأوقاتِ تحديثهم، وعادتهِم في التّحْديثِ، ومعرفةِ مروياتِ الناس عن هؤلا الشيوخ، وعرْضِ مرويات هذا الراوي عليها، واعتبارِها بها، إلى غير ذلك مما يطولُ شرْحُه. هذا مع سعة الاطِّلاع على الأخبارِ المرويّةِ، ومعْرفِة سائرِ أحوالِ الرُّواةِ التفصِيِليّةِ، والخِبْرة بِعوائِدِ الرواة ومقاصدِهم وأغراضِهم، وبالأسبابِ الدّاعِية إلى التّساهُلِ والكذب، وبِمظِنّاتِ الخطأ والغلطِ، ومداخِلِ الخللِ. هذا مع اليقظة التامّة، والفهْمِ الثّاقِبِ، ودقيقِ الفِطْنةِ، وامتلاكِ النّفْسِ عند الغضب، وعدمِ الميْلِ مع الهوى، والإنصافِ مع الموافقِ والمخالفِ، وغير ذلك. وهذه المرتبةُ بعيدةُ المرامِ، عزيزةُ المنالِ، لم يبْلُغْها إلا الأفْذادُ، وقد كانوا من القِلّةِ بحيث صاروا رُؤُوس أصحابِ الحديثِ فضْلًا عن غيرهم، وأضْحتِ الكلمةُ إليهم دُون منْ سواهم. نُدْرةُ أهْلِ النَّقْدِ ودِقّةُ منْهجِهم: وليس ذاك الرجلُ الذي حكى أبو حاتم مجِيئهُ إليه، وعرْضهُ دفْترهُ عليه -وقد كان من أهل الفهْم من أصحابِ الرّأْيِ- بأحسن حالًا من كثيرٍ من أهل بلده وعصره فضلًا عمن بعدهم.

قال أبو حاتم (¬1): "جرى بيْنِي وبْين أبي زُرْعة يومًا تمييزُ الحديثِ ومعرفتُه، فجعل يذْكُرُ أحاديث ويذكرُ عِللها، وكذلك كنتُ أذكرُ أحاديث خطأ وعِللها، وخطأ الشُّيُوخ، فقال لي: يا أبا حاتم، قلّ منْ يفْهمُ هذا، ما أعزّ هذا، إذا رفعت هذا من واحدٍ واثنين فما أقلّ منْ تجد منْ يُحْسِنُ هذا. ورُبّما أشُكُّ في شيءٍ أو يتخالجُنِي شيءٌ في حديثٍ، فإِلى أن ألْتِقى معك لا أجد منْ يشْفِيني منه. قال أبو حاتم: وكذاك كان أمْرِي. فقال ابنُ أبي حاتم: قلتُ لأبي. محمد بن مسلم [يعني: ابن وارة]؟ قال: يحفظُ أشياء عن مُحدِّثِين يُؤدِّيها، ليس معرفتُه للحديث غرِيزةً". اهـ. وابنُ وارة حافظٌ ثبتٌ، قال ابن أبي حاتم: ثقةٌ صدوقٌ، وجدتُّ أبا زرعة يُجِلُّه ويُكْرِمُهُ. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أحفظُ من رأيتُ: ابنُ الفراتِ، وابنُ وارة، وأبو زُرْعة. وقال النسائي: ثقةٌ صاحبُ حديثٍ. وقال الطحاوي: ثلاثةٌ بالرّيّ لم يكن في الأرض مثلُهم في وقتهم: أبو حاتم وأبو زرعة وابن وارة. ومع ذلك يقول عنه أبو حاتم: ليس معرفتهُ للحديث غريِزةً. فأنت ترى عِزّة هؤلاءِ النّفرِ ونُدْرتهُم بيْن أهلِ زمانهم، ووُعُورة طريقتهم على أكثر الخلْقِ -وفيهم جملةٌ من المُشْتغِلين بالحديث وروايتِه- مع اطِّلاع الكثيرِ على أحْوالهم، وسعةِ حفظهم، وتوفرِ المقتضى الداعِي لفهم منهجهم، مِن القُرْبِ منهم، وإمكانيةِ الرجُوعِ إليهم، مع مشاهدة ميْدانِ الروايةِ، ومجالسِ التحديث، وأحوالِ الرواة تحمّلًا وأداءً، ودرجاتِهم في التّثبُّتِ والاحْتِياط، وغير ذلك من المجالات التي تدُورُ عليها تعْليلاتُ هؤُلاء النُّقّادِ. فإذا كان الأمُر على نحو ما ذكرتُ، فليس مِنْ عجبٍ أن تزداد تلك الوُعُورةُ على من بعدهم، وتزداد الهُوّةُ بينهم، إلى سائر الأزمان المتأخرة، وهلُمّ جرّا إلى زماننا هذا. ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 356).

رأْسُ مالِ النّاقِدِ: فمِمّا ينْبِغي أن يستحضرهُ النّاظرُ في كلام النّاقد: هذا الاطِّلاع الواسع الذي سبق التنبيهُ عليه إجمالًا، ولكني هاهنا أخصُّ بالذِّكر "رأس مالِ النّاقدِ" في هذا الشأن، ألا وهو: "الإِحْصاءُ والحِفْظ" فأقول: كان النّاقدُ يسْتوْعِبُ أولًا ما عند شيوخ بلده من الحديثِ فيسمعُه، ويكتبُه على الوجْه، مُحْصِيًا أحاديث كُلّ شيخِ عن شيوخه، حافِطًا لتلك الأسانيِد برُواتها ومُتُونها، ورُبّما كان بعضُهم يُصنِّفُ أحاديث الشيوخ على: الأبْوابِ، كالإيمان والطهارة والصلاة ونحوها، أوْ على المسانيد، كحديث أبي هريرة، وابن عمر، وابن عباس وهكذا. فيصير الحديثُ الواحدُ عنده مخُرجًا في أكثر من باب. ولا شكّ أن في شيوخِ هذا الناقدِ من أهل بلده منْ رحلُوا، ورووْا عن شُيوخهم مِنْ هُنا وهُناك، فأصبح عند النّاقِدِ أحاديثُ بعضِ شُيوخ البلدان والأمصار. ثم يبدأُ الناقدُ الرحلة في سماع الحديثِ والأثرِ، ويصنعُ بأحاديثِ كُلِّ شيخٍ مِمّنْ سمعهم في الرحلة مثلما صنع في أحاديث شُيوخ بلده، ولا شك أن في سماعه الجديد أشياء يسْمعُها من شيوخ شيوخ بلده، فيقارنها بما سمعه من شيوخ بلده عنهم، فمِن النُّقّادِ من يكتُبها مرّة أُخْرى، ومنهم من ينتخبُ ما يجد فيها خلافًا عما سمِعهُ من شيوخ بلده أو غيرهم، سواءٌ كان هذا الاختلافُ في الإسناد أو في المتن، وكان من أمثلة النوع الأول من هؤلاء النقاد: أبو زرعة، ومن النوع الثاني: أبو حاتم رحمهما الله تعالى.

قال ابنُ أبي حاتم (¬1): سمعتُ أبي رحمه الله يقول: "كنا إذا اجتمعنا عند محدثٍ أنا وأبو زرعة، كنتُ أتولّى الانْتِخاب، وكنتُ إذا كتبتُ حديثًا عن ثقةٍ لم أُعِدْهُ، وكنتُ أكتبُ ما ليس عندي. وكان أبو زرعة إذا انتخب يُكثر الكتابة، كان إذا رأى حديثًا جيدًا قد كتبهُ عن غيره أعادهُ". اهـ. وكان الناقدُ ربما سمع من الشيخ الواحِدِ عِدّة مراتٍ بينها فتراتٌ؛ الْتِماسًا لسماعِ ما لم يسمعْه منه مِنْ قبْلُ، وكان ينتخبُ أيضًا ما فاته سماعُه فقط، فيكتبه، أما المُعادُ، فإنَّهُ يعْرِضُهُ على ما كتبه عنه أولًا؛ لاخْتِبار حالِ الشيخ في الضّبْط. قال ابن أبي حاتم (¬2): سمعت أبي يقول: "كنتُ أتولّى الانْتِخاب على أبي الوليد (¬3)، وكنتُ لا أنتخبُ ما سمعتُ من أبي الوليد قديمًا .. فلما تيسّر لي الخروج من البصرة، قلتُ لأبي زرعة: تخرجُ؟ فقال: لا، إنك تركت أحاديث من حديثِ أبي الوليد مما كتبت عنه سمعت منه قديمًا، فكرهتُ أن أسأل في شيءٍ يكونُ عليك مُعادًا، فأنا أُقيمُ بعدك حتى أسْمع". اهـ. وقال أبو الوليد الطَّيالسيُّ (¬4): قال حماد بن زيد: ما أُبالي من خالفني إذا وافقني شعبةُ؛ لأنّ شعبة كان لا يرْضى أن يسمع الحديث مرة يُعاوِدُ صاحبه مرارًا، ونحن كنا إذا سمعناه مرّةً اجتزينا به". اهـ. وقال أبو داود الطيالسي (¬5): سمعتُ شعبة يقول: سمعتُ من طلحة بن مُصرِّفٍ حديثًا واحدًا، وكنتُ كما مررتُ به سألتُه عنه، فقيل له: لِم يا أبا بِسْطام؟ قال: أردتُ أن انظر إلى حِفظه، فإن غيّر فيه شيئًا تركتُه". اهـ. ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 361). (¬2) نفسه (ص 334). (¬3) هو أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك البصري، ثقة ثبت حافظ. (¬4) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 168، 161) (¬5) "الكفاية" للخطيب (ص 113).

1 - حصر أحاديث من تدور عليهم الأسانيد في البلدان

أمثلةٌ لما "يُحْصِيهِ" النّاقِدُ: فالنّاقِدُ يدْأبُ في التِّرْحالِ، والسماع، والكتابة، والتصنيفِ، والانتخابِ، على نحو ما سبق، ويُولِي عنايتهُ أثناء ذلك لأمور: منها: 1 - حصْرُ أحاديث من تدورُ عليهم الأسانيدُ في البلدان. وذلك بأن يجمع الناقدُ أحاديث كُلِّ واحدٍ منهم، مُبوِّبًا ذلك على شيوخه وتلاميذه. قال عليّ بن المديني (¬1): "نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة: الزهري، وعمرو ابن دينار، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، وأبي إسحاق -يعني الهمداني- وسليمان الأعمش. ثم صار علمُ هؤلاء الستةِ إلى أصحاب الأصْنافِ، فمِمّنْ صنّف من أهل الحجاز: مالكُ بن أنس، وابنُ جريج، ومحمدُ بن إسحاق، وسفيان بن عيينة. ومن أهل البصرة: شعبةُ، وسعيدُ بن أبي عروبة، وحمادُ بن سلمة، ومعْمر، وأبو عوانة. ومن أهل الكوفة: سفيانُ الثوري. ومن أهل الشام: الأوزاعيُّ. ومن أهل واسط: هُشيمٌ. ثم صار علمُ هؤلاء الاثني عشر إلى ستةٍ: إلى يحيى بن سعيد -يعني القطان- وعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع بن الجراح، ويحيى بن أبي زائدة، ويحيى بن آدم، وعبد الله بن المبارك". اهـ. فكان الناقدُ يحفظ أحاديث كُلٍّ من هؤلاء، من طريق تلامذتهم الملازمين لهم، المعروفين بهم، وكان لبعض هؤلاء نسخٌ وصحائفُ بأحاديثهم التى حدّثُوا بها، بحيثُ يستطيع الناقدُ عن طريق هذا "الإحصاء" الدقيق لحديث كُلٍّ منهم أن يقُول ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 234 - 235)، وهو في كتاب "العلل" لابن المديني (ص 36 - 40) بأطول مما هنا.

فيما يُعْرضُ عليه: هذا ليس من حديث فلان -أو هو غريب من حديث فلان- أو لا يجيء من حديث فلان. أو هو من حديث فلان لكن بإسناد آخر، أو بهذا الإسناد لكن بمتنٍ آخر، وهكذا. ويحكمُ الناقدُ بهذا على راوي ذاك الحديث بالوهم في روايته، وقد يكون هذا الراوي ثقة، ولكنّ حفظ الناقد -وهو فوق الثقة بلا شك- أوْلى من حفظ غيره، لأنه يعتمد على "الحصر" و"الإحصاء". قال أبو حاتم (¬1): "صليت بجنب يحيى بن معين فرأيت بين يديه جزءًا. فطالعته، فإذا: "ما روى الأعمش عن يحيى بن وثاب أو عن خيثمة -شك أبو حاتم- فظننتُ أنه صنف حديث الأعمش". اهـ. معنى ذلك أن ابن معين كانت عنده أحاديث الأعمش مصنفةً بحسب مشايخه، وهذا "حصْرٌ" لأحاديث الأعمش بصورة دقيقةٍ مُتْقنةٍ، وقِسْ على ذلك أحاديث غيره، وكذا صنيع غالب النُّقّادِ. وقال علي بن الحسين بن الجنيد (¬2): ما رأيتُ أحدًا أحفظ لحديث مالك بن أنس لمسنده ومنقطعه من أبي زرعة. فقال له ابن أبي حاتم: ما في الموطأ والزيادات التي ليست في الموطأ؟ فقال: نعم". اهـ. وقال أبو زرعة (¬3): "نظرت في نحو من ثمانين ألف حديث من حديث ابن وهب بمصر وفي غير مصر ما أعلم أني رأيت له حديثًا لا أصل له". اهـ. ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 315). (¬2) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 331). (¬3) نفسه (ص 335).

وقال أبو زرعة أيضًا (¬1): "خرجتُ من الرّيِّ المرّة الثانية سنة سبع وعشرين ومائتين، ورجعتُ إلى مصر، فأقمت بمصر خمسة عشر شهرًا، وكنت عزمتُ في بدو قدومي مصر أني أُقِلُّ المُقام بها، لما رأيتُ كثرة العلم بها وكثرة الاستفادة، عزمتُ على المُقام، ولم أكن عزمتُ على سماع كتب الشافعيِّ، فلما عزمتُ على المُقام وجهتُ إلى أعْرفِ رجل بمصر بِكُتُبِ الشافعي، فقبلتُها منه بثمانين درهمًا أن يكتبها كلها، وأعطيتُه الكاغِد، وكنتُ حملتُ معي ثوبين. لأقطعهما لنفسي، فلما عزمتُ على كتابتها، أمرتُ ببيعهما، فبِيعا بستين درهمًا، واشتريتُ مائة سرقة كاغد بعشرة دراهم، كتبتُ فيها كُتُب الشافعي .. ". فانظر إلى نفقته في "إحصاءِ" كُتُبِ الشافعي. وقال ابن أبي حاتم (¬2): "سمعنا من محمد بن عُزيْز الأيلي الجزء السادس من مشايخ عُقيْل، فنظر أبي في كتابي، فأخذ القلم فعلّم على أربعةٍ وعشرين حديثًا؛ خمسة عشر حديثًا منها متصلة بعضها ببعض، وتسعة أحاديث في آخر الجزء متصلة، فسمعته يقول: ليست هذه الأحاديث من حديث عُقيْل عن هؤلاء المشْيخةِ، إنما ذلك من حديث محمد بن إسحاق عن هؤلاء المشْيخةِ. ونظر إلى أحاديث عن عُقيْل عن الزُّهريّ، وعُقيْل عن يحيى بن أبي كثير، وعُقيْل عن عمرو بن شعيب ومكحول، وعُقيل عن أسامة بن زيد الليثي فقال: هذه الأحاديث كلها من حديث الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير، والأوزاعي عن نافع، والأوزاعي عن أسامة بن زيد، والأوزاعي عن مكحول، وإن عُقيْلًا لم يسمع من هؤلاء المشْيخةِ هذه الأحاديث". اهـ. فتدبّرْ قول أبي حاتم: "ليست هذه الأحاديث من حديث عُقيْل عن هؤلاء المشيخة .. " مِنْ أين كان يتأتى له أن يجزم بذلك إن لم تكن أحاديثُ عُقيل مجموعةً ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 340). (¬2) "تقدمة" (ص 352).

2 - ومنها: معرفة طبقات الرواة عن أولئك الحفاظ

عنده، مُصنّفةً على أسماء شيوخه، فلم يجد فيها ما رآه في كتاب ابن أبي حاتم المشار إليه، وكانت تلك الأحاديث فيما أحصاه أبو حاتم من حديث محمد ابن إسحاق عن هؤلاء الشيوخ، فعلِم أن خطئًا طرأ على ذاك الكتاب لعله من التحويل أو غير ذلك من أسباب الخلل، فأُبْدل اسمُ ابن إسحاق بعُقيْل، وكذلك أُبْدل اسم الأوزاعي به في سائر الأحاديث؛ لأنّ أمثال هؤلاء: عُقيل، وابن إسحاق، والأوزاعي ممن "يحصرُ" النقادُ أحاديثهم فلا يغيبُ عنهم منها شىءٌ. وقيل لأبي حاتم (¬1): إن عبد الجبار بن العلاء روى عن مروان الفزاري عن ابن أبي ذئب، فقال: قد نظرتُ في حديث مروان بالشام الكثير، فما رأيتُ عن ابن أبي ذئب أصلًا". وكذلك استنكر أبو زرعة هذه الرواية، فاتفقا من غير تواطُؤ بينهما؛ لمعرفتهما بهذا الشّأْنِ، كما قال ابن أبي حاتم. فمِنْ أيْن لهما الجزمُ بذلك إن لم تكن أحاديثُ مروان نصب أعينهما، يعُدّانِها عدًّا، ويُحْصِيانها إِحْصاءً؟. فقِسْ على هذا "حصْر" النقادِ أحاديث منْ تدور عليهم الأسانيد في البلدان. 2 - ومنها: معرفة طبقات الرواة عن أولئك الحفاظ، ودرجاتهم في الثقة، والضبط، والتثبت، والصحبة، والملازمة، والإكثار وغير ذلك، وهذا النوع من المعرفة يتوقف عليه تقديم الناقد رواية بعض الرواة على بعض (¬2). 3 - ومنها: حصْرُ أحاديثِ الضعفاء ونُسخِهم وصُحُفِهم، حتى لا تختلط بأحاديث الثقات، فإذا أُبْدِل اسمُ الضعيفِ بثقةٍ، لم يرُجْ ذلك عليهم. ¬

_ (¬1) "التقدمة" (ص 356). (¬2) انظر على سبيل المثال: "شرح علل الترمذي" لابن رجب الحنبلي (1/ 399).

4 - السؤال عن أحوال من لم يعرفهم من رجال الأسانيد التي يسمعها

قال الأثرم (¬1): رأى أحمد بن حنبل يحيى بن معين بصنعاء في زاويةٍ، وهو يكتبُ صحيفة معمر عن أبان (¬2) عن أنس، فإذا طلع عليه إنسانٌ كتمهُ. فقال له أحمدُ بن حنبل: تكتبُ صحيفة معمر عن أبان عن أنس، وتعلمُ أنها موضوعةٌ، فلو قال لك قائل: إنك تتكلمُ في أبان ثم تكتبُ حديثهُ على الوجْه؟ فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله، أكتبُ هذه الصحيفة عن عبد الرزاق عن معمر على الوجه فأحفظها كلها، وأعلمُ أنها موضوعةٌ، حتى لا يجيء بعده إنسانٌ فيجعل بدل: "أبان" "ثابتًا" (¬3)، ويرويها عن معمر عن ثابت عن أنس بن مالك، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر عن أبيان، لا عن ثابت". اهـ. وانظر كتاب "الجامع" للخطيب (2/ 192)، فقد بوّب على هذا المعنى وذكر لهذه الحكاية نظائر عن بعض الأئمة. 4 - السؤالُ عن أحوالِ من لم يعرفْهم من رجالِ الأسانيد التي يسمعُها، وجمعُ أحاديث المُقِلِّين منهم، ومعرفةُ المجاهيلِ من الرواة، ومن لم يُرْو عنهم إلا القليلُ، والوقوفُ على الأحاديث التي لا ترِدُ إلا من طريقهم، وكشْفُ الشّواذِّ والمناكير من الآثار، بِعرْضِها على أصولِ الكتاب والسنة، وعلي سائر ما صحّ من الأخبار، ويكون ذلك وغيره باستعمال "ملكته" الخاصة، وبالمذاكراة بينه وبن سائر النقاد الأحْبار. والناقد يحفظ تلك الغرائب للمعرفة، لا لروايتها ولا للاحتجاج بها، وإنما يهجرها الأئمة ولا يُعوِّلون عليها، لثبوت الوهم فيها خطًا أو عمدًا، وللأسف يأتي منْ بعْدهُم فيقِفُون عليها، فيظنُّون بأنفسهم خيرًا، ولا يُحْرِكُون ما فيها من الشُّذُوذِ والغرابة -سندًا أو متنًا-، فلا يقْنعُون بِهجْرِ الأوائلِ لها، ولا بتركهم لروايتها، ولا بتنبيه بعضهم على ¬

_ (¬1) "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" (2/ 192)، وكذا في "المجروحين" من طريق آخر عن أحمد. (¬2) هو ابن أبي عياش، وهو متروك. (¬3) هو ابن أسلم البُناني، وهو ثقة حجة.

نكارتها، فتجدُهم يُقوُّون بها أحاديث ضعيفةً، ويُضمِّدُون بها أخبار جريحةً، ويتبارى القاصروُن في تصحيح تلك المناكير، غيرُ مُلْتفِتِين إلى أنّ الناقد خبيرٌ. وقد كان للنُّقّادِ عنايةٌ خاصّةٌ بالتعرفِ على غرائب الحديث، وأوهامِ الرواةِ، وكانت جُلُّ مذاكراتهم إنما تدورُ حوْل هذا النوع من الحديث، فيتذاكرون عِلل الأحاديث، وأخطاء الرواة، ويقومون بالفحْصِ عنها والتفتيشِ عن مظانها، حتى إنهم ليتنافسون في معرفتها والوقوف عليها. وقد سبق إيرادُ قولِ أبي حاتمِ: "جرى بيني وبين أبي زرعة يومًا تمييزُ الحديث ومعرفتُه، فجعل يذكرُ أحاديث ويذكرُ عللها، وكذلك كنتُ أذكرُ أحاديث خطأ وعللها وخطأ الشُّيوخ .. " وكان لأصحاب الحديث لُغةٌ يُعبِّرُون بها عن تلك الغرائب، قال الإمام أحمد: "إذا سمعت أصحاب الحديث يقولون: هذا الحديث غريبٌ أو فائدةٌ، فاعلم أنه خطأٌ، أو دخل حديثٌ في حديثٍ، أو خطأٌ من المحدِّثِ، أو حديثٌ ليس له إسنادٌ، وإن كان قد روى شعبةُ وسفيانُ. فإذا سمعتهم يقولون: لا شيء فاعلم أنه حديثٌ صحيحٌ" (¬1). وقوله "لا شيء" أى ليس هو من جنس ما يعتنون بتحصيله ومعرفته، وإنما هو حديث صحيح مشهور. وقد كان النقادُ -مع معرفتهم بتلك الغرائب- يمدحُون المشهور من الحديث، ويذمُون الغريب منه؛ خشية أن يتتبعها من لا علم له، فيسقط فيها. قال عبد الله بن المبارك: "العلم هو الذي يجيئك من هاهنا ومن هاهنا" يعني المشهور. وقال الإمام مالك: "شرُّ العلم الغريب، وخير العلم الظاهر الذي قد رواه الناس". وقال الإمام أحمد: "شرُّ الحديث الغرائبُ التى لا يُعملُ بها ولا يُعْتمدُ عليها". وقال أيضًا: "تركوا الحديث وأقبلوا على الغرائب، ما أقلّ الفقه فيهم! ". ¬

_ (¬1) "الكفاية" (ص 142)، و"شرح علل الترمذي" لابن رجب (1/ 408).

وقال شعبة: "لا يجيئك الحديث الشاذ إلا من الرجل الشاذ" (¬1). يقول الخطيب البغدادي (¬2): "أكثر طالبي الحديث في هذا الزمان يغلبُ على إرادتهم كتْبُ الغريبِ دُون المشهور، وسماعُ المنكرِ دُون المعروفِ، والاشتغال بما وقع فيه السهو والخطأ من روايات المجروحين الضعفاء، حتى لقد صار الصحيحُ عند أكثرهم مُجْتنبًا، والثابتُ مصْدُوفًا عنه مُطّرحا، وذلك كله لعدم معرفتهم بأحوال الرواة ومحلهم، ونقصان علمهم بالتمييز، وزهدهم في تعلمه، وهذا خلاف ما كان عليه الأئمة من المحدثين، والأعلام من سلفنا الماضين". نقل ذلك ابنُ رجب في "شرح العلل" (1/ 409)، ثم قال: "وهذا الذي ذكره الخطيب حقٌّ، ونجدُ كثيرًا ممن ينتسب إلى الحديث لا يعتني بالأصولِ الصِّحاحِ كالكتبِ الستِة ونحوها، ويعتني بالأجزاء الغريبة، وبمثل مسند البزار، ومعاجم الطّبرانيّ، أو أفراد الدارقطني، وهى مجمعُ الغرائب والمناكير". اهـ. ويلتحق بما ذكره ابن رجب: كتبُ الضعفاء، ككتاب العقيلي، وابن حبان، وابن عدي، وكتاب "الحلية" لأبي نعيم، و"مسند الفردوس" للديلمي، وأغلب ما يُساق في تراجم الرواة من كتب التواريخ مثل: تاريخ الخطيب، والحاكم، وابن عساكر، وغيرها، وكتابيّ أبي الشيخ وأبي نعيم في "الأصبهانيين" وغيرها من كتب تواريخ البلدان، وطبقات الرواة، وكتب "الفوائد"، والأجزاء الحديثية. وهؤلاء وغيرهم إنما قصدوا جمع غرائب الأحاديث، وأوهام الرواة، وراموا جمع ما لم يكن مخرجًا في كتب الصِّحاحِ والأُصُولِ المعروفة، وإنما كانت تلك الأحاديث متداولةً على ألسنةِ من لم يكْتُبْ حديثهُ المحدثون، فهجروها عمدًا ولم يخرجوها في ¬

_ (¬1) انظر هذه الأقوال وغيرها في كتاب "الكفاية" للخطيب (ص 140 - 143)، و"شرح علل الترمذي" (1/ 406 - 408). (¬2) "الكفاية" (ص 141).

كتبهم، وقد كانت تدور تارةً بين الوعاظ المتشدقين، وتارةً بين المتفقهين، وتارةً بين أهل الأهواء والبدع في الدين، وتارةً بين الضعفاء والمجروحين، وربما كان أصلُ تلك الأحاديث: آثارًا لبعض الصحابة والتابعين، أو كلامًا لبعض الحكماء والواعظين، أو قواعد مستنبطاتٍ من الفقه في الدين، أو أخبارًا لبني إسرائيل، أو معانيَ محتملاتٍ أو مفهوماتٍ من بعض أدلة الكتاب والسنة، فرواها قوم لا يعرفون غوامض الرواية، فجعلوها أحاديث مستقلةً برأسها عمدًا أو خطًا، وربما كانت جُملًا شتى في أحاديث مختلفة، جعلوها حديثًا واحدًا بنسقٍ واحدٍ. وهذه الأحاديث لا تخلو عن أمرين: إما أن المتقدمين تفحصوا عنها ولم يجدوا لها أصولًا حتى يشتغلوا بروايتها. وإما أنهم وجدوا لها أصولًا ولكن صادفوا فيها قدحًا أو علة موجبةً لترك روايتها فتركوها (¬1). وعلي كل حالٍ فليست تلك الأحاديث صالحةً للاعتماد عليها، حتى يُتمسّك بها في عقيدةٍ أو عملٍ. وقد أضلّ هذا القسمُ قومًا مِمّنْ لم يتدبروا ما سلف من مناهج الأئمة والمصنِّفين، فاغْترُّوا بكثرة الطُّرقِ الواردةِ في تلك المصنفاتِ، وحسِبُوا أنهم وقفوا على ما لم يقفْ عليه المتقدمون، فسمُّوا تلك الطرق "متابعاتٍ" و"شواهد" فجعلوا الغرائب والمناكير عواضِد يشدُّون بها ما اسْتقرّ أهلُ النّقْدِ على طرْحِهِ ووهنِهِ. ولم يفْطِنْ هؤلاءِ القومُ إلى أن عُصُور الرواية قد انقضتْ وتلك الأحاديثُ في عُيون النقاد غريبةٌ منكرةٌ مهجورةٌ. ¬

_ (¬1) انظر كتاب "الحطة في ذكر الصحاح الستة" لأبي الطيب السيد صديق حسن خان القنوجي: (ص 218 - 221).

فلم ينصفْ هؤلاءِ أسلافهم ولم يقدرُوهم قدرهم، بل دلّ صنيعهم على اعتقاد أنهم قصّرُوا في تحصيلِ تِلْك الطرق، ولم يفطنوا إلى منهج أولئك المصنِّفين في أنهم ما أخرجوا تلك الطرق للاحتجاج ولا للاعتبار. وهذا المبحث يحتاج إلى بسطٍ، ليس هذا موضعه، ولعلّ فيما ذكرتُ إشارة إلى ما أردنا منه. ولعلّنا في قسم القواعد، ومناهج الأئمة والمصنفين، نتناوله بشيء من التوسع إن شاء الله تعالى. والأئمةُ لا يِقفُون عند نقْدِهم لغرائبِ الضعفاء والمجاهيل فحسْبُ، بل كان البارعون منهم ينتخبون الأحاديث الغريبة والروايات المنكرة من أصولِ شيوخ ثقات لهم أو لغيرهم، وحِرْصًا منهم على تمييز تلك الأحاديث، كان يرسمُ كُلٌّ منهم أمام الأحاديث علامةً خاصّةً به ليتميز بها عن علامات أصحابه. وقد عقد أبو بكر الخطيب في كتابه "الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع" بابًا خاصًا بعنوان: "رسم الحافظ العلامة على ما ينتخبه" (¬1). ومن الواضح مما هناك أن أكثر النُّقادِ لا ينتخبون من الأصولِ إلا الأحاديث الغريبة والروايات المنكرة، وذلك أنهم يريدون به لفت انتباهِ منْ ينظرُ فيها إلى غرابتها ونكارتها، وهذا الصنيعُ لا يقدر عليه إلا فحولُ النقاد وفرسانُهم. وقد أورد الخطيب هناك أمثلةً، منها حديث قتيبة بن سعيد عن الليث عن يزيد ابن أبي حبيب عن أبي الطفيل عن معاذ بن جبل مرفوعًا، وفيه جمع التقديم في غزوة تبوك. هذا الحديث قد أعلّهُ أئمةُ النقدِ قائلين بأن قتيبة تفرّد به عن الليث بهذا الإسناد، وأن هذا الحديث لا يُعرف عن الليث، ولم يروه عنه أهلُ مصر، ولا هو عند أصحابه، ولا في أصوله المعروفة، مِنْ هؤلاء النقاد ممن صرّحُوا بإعلاله: الإمام ¬

_ (¬1) (2/ 158).

البخاري، وأبو حاتم، وأبو داود، والترمذي، وابن يونس، والحاكم والبيهقي وغيرهم، كما سيأتي. قال الحاكم في "معرفة علوم الحديث" (ص 120): "هذا حديثٌ رواتُه أئمةٌ ثقاتٌ، وهو شاذُّ الإسنادِ والمتن .. وقد حدثونا عن أبي العباس الثقفي قال: كان قتيبةُ بن سعيد يقول لنا: على هذا الحديثِ علامةُ أحمد بن حنبل، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين، وأبي بكر ابن أبي شيبة، وأبي خيثمة، حتى عدّ قتيبةُ أسامي سبعةٍ من أئمة الحديثِ، كتبُوا عنه هذا الحديث. وقد أخبرناه أحمد بن جعفر القطيعي قال: ثنا عبد الله ابن أحمد بن حنبل قال حدثني أبي قال: ثنا قتيبة فذكره. قال الحاكم: فأئمة الحديث إنما سمعوه من قتيبة تعجُّبًا من إسناده ومتنه .. " وقد اتفق أصحاب "الملكةِ" من النقاد على إعلال هذا الحديث، وأنه خطأ ولا أصل له، مع اختلافهم في تحديد المخطىء فيه، وهذا لا يؤثر في الاتفاق المذكور (¬1). ولم يجْرِ على ظاهر إسنادِ هذا الحديث فصحّحهُ إلا نفرٌ من المتأخرين والمعاصرين، وهذا مظهرٌ من مظاهر تلك الهُوّةِ التى لا تبرحُ في زيادة بين النقاد ومن بعدهم، والتى أشرنا إليها آنفًا. ولم يسعِ الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى بعد عرْضِ مذاهب النقاد في إعلال هذا الحديث إلا أن يُسجِّل شهادتهُ الخالدة، فيقول (¬2): "وبهذا التقرير يتبينُ عِظمُ موقعِ كلامِ المتقدمين، وشدةُ فحْصِهم، وقوةُ بحْثِهم، وصِحّةُ نظرهم، وتقدمُهم بما يوجبُ المصير إلى تقليدهم في ذلك، والتسليم لهم فيه، وكُلُّ من حكم بصحةِ الحديث مع ذلك إنما مشى على ظاهر الإسناد". اهـ. ¬

_ (¬1) تفصيل أقوال النقاد في إعلال هذا الحديث والجواب عَمَّن صححه، تراه في البحث الممتع الذي صنعه الدكتور/ حمزة عبد الله المليباري، أستاذ الحديث بالجامعة الإسلامية، قسنطينة - الجزائر، في كتابه "الموازنة بين المتقدمين والمتأخرين في تصحيح الأحاديث وتعليلها" (ص 48 - 88). (¬2) "النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/ 726).

5 - ومنها: معرفة من ضعف حديثه من الثقات في بعض الأوقات دون بعض

5 - ومنها: معرفة منْ ضعُف حديثه من الثقات في بعض الأوقات دون بعض، وهم منْ اختلطوا أو تغيروا أو ذهب بصرهم، أو كتابهم، في آخر عمرهم (¬1). 6 - ومنها: معرفة منْ ضعُف حديثُه في بعض الأمكنة دون بعض (¬2). 7 - ومنها: معرفة منْ ضعُف حديثُه عن بعض الشيوخ دون بعض (¬3). 8 - ومنها: المعرفة الناشئة عن كثرة الممارسة لأحاديث الرواة، بحيث يصير للناقد فهم خاصّ يدرك به أن هذا الحديث يُشْبِهُ حديث فلان، ولا يشبهُ حديث فلان، فيعلل الأحاديث بذلك، وهذا إنما يكون لأهل الحذق من صيارفة النقاد (¬4). ملكة "الحفظ": ولم يكن الأمر متوقفًا عند مجرد "الحصر"، وإنما كانوا يحفظون ما حصروه عن ظهر قلبٍ، يمثل أمام أعينهم متى احتاجوا إليه. قال أبو زرعة (¬5): "سمعتُ من بعضِ المشايخ أحاديث، فسألني رجلٌ من أصحابِ الحديث فأعطيتُه كتابي، فردّ عليّ الكتاب بعد سِتّةِ أشهرٍ، فأنظرُ إلى الكتاب، فإذا إنه قد غيرّ في سبعة مواضع. فأخذتُ الكتاب وصِرتُ إلى عنده، فقلتُ: ألا تتّقِي الله، تفعلُ مثل هذا؟ فأوقفتُه على موضعٍ موضعٍ، وأخبرتُه، وقلتُ له: أمّا هذا الذي غيرّت فإنّه هذا الذي جعلت عن ابن أبي فديك، فإنّه عن أبي ضمرة مشهور، وليس هذا من حديث ابن أبي فديك، وأمّا هذا فإنّه كذا وكذا، فإنّه ¬

_ (¬1) "شرح العلل" (2/ 552). (¬2) نفسه (2/ 602). (¬3) (2/ 621). (¬4) (2/ 756). (¬5) "التقدمة" (ص 332 - 333).

لا يجيء عن فلان، وإنما هذا كذا، فلم أزل أخبره حتى أوقفتُه على كُلِّهِ، ثم قلتُ له: فإني حفظتُ جميع ما فيه في الوقت الذي انتخبتُ على الشيخ، ولو لم أحفظه لكان لا يخفى علىّ مثل هذا، فاتق الله سبحانه يارجُل". اهـ. فانظر إلى هذا الحفظِ العجيب، يحفظُ ما انتخبه على الشيخ ساعة انتخابِه له، ثم يفارقُه الكتابُ قبل أن يعاود النظر فيه، إلى ستة أشهر، ثم هُو لا يخْرِمُ منه حرفًا! وتدبّرْ قوله: "ليس هذا من حديث ابن أبي فديك .. فإنّه لا يجيء عن فلان" وتذكر ما أشرنا إليه من حقيقة "الإحصاء". وأدق من ذلك "أن رجلًا دفع إلى أبي زرعة حديثًا فقال اقرأ، فلما نظر أبو زرعة في الحديث قال: مِنْ أيْن لك هذا؟ قال: وجدتُه على ظهْرِ كتابٍ ليوسف الوراق. قال أبو زرعة: هذا الحديث من حديثي، غير أنِّي لم أحدِّثْ به. قيل له: وأنت تحفظُ ما حدثت به مما لم تحدث به؟ قال: بلى، ما في بيتي حديثٌ إلا وأنا أفهمُ موْضِعهُ" (¬1). فكمْ من حديثٍ سمِعهُ الناقد أو كتبه، ثم أعرض عنه ولم يحدثْ به، لمِا علِم من شُذوذه، أو خطأ راويه، ولذا فإنّ عدم تداولِ أهلِ النقد لحديث بالروايةِ ليُشِيُر إلى حاله واستحقاقه للترك والهجر. وأكثر بيانًا في "الحفظ" ما ذكره ابن أبي حاتم (¬2) قال: حضر عند أبي زرعة: محمد ابن مسلم "بن وارة" والفضل بن العباس المعروف بالصائغ، فجرى بينهم مذاكرة، فذكر محمد بن مسلم حديثًا فأنكر فضلٌ الصائغ .. فقال محمد بن مسلم لأبي زرعة: ايش تقول، أيُّنا المُخْطِىءُ؟ فسكت أبو زرعة .. وجعل يتغافل -فألحّ عليه محمد بن مسلم- فقال أبو زرعة: هاتوا أبا القاسم ابن أخي فدعى به، فقال: اذهب وادخل بيت الكُتُب، فدعِ القمطر الأول، والقمطر الثاني، والقمطر الثالث، وعدّ ستة عشر ¬

_ (¬1) التقدمة (ص 333). (¬2) "التقدمة" (ص 337).

جزءًا، وائتني بالجزء السابع عشر، فذهب فجاء بالدفتر فدفعه إليه، فأخذ أبو زرعة فتصفح الأوراق وأخرج الحديث، ودفعه إلى محمد بن مسلم، فقرأه محمد بن مسلم، فقال: نعم غلطنا فكان ماذا؟ ". اهـ. واستقصاءُ هذا وشرحُ عجائبه يطول جدًّا، وإنما هذا غيضٌ مِنْ فيضٍ. ولم يقف الأمر عند مجرد "الإحصاء" و"الحفظ للأحاديث"، بل كانوا يُحصُون على الرواة -لا سيما المدلسين- صِيغ الأداءِ في الرواية. قال شعبة (¬1): "نصصْتُ على قتادة سبعين حديثًا كلها يقول: سمعت من أنس، إلا أربعة". اهـ. بل كانوا يُحْصُون ما أخذه الراوي عن شيخه سماعًا، وما أخذه عنه من كتاب بغير سماع. قال ابن المديني (¬2): سمعت يحيى بن سعيد قال: كان شعبة يقول: أحاديثُ الحكم عن مقْسم كتابٌ إلا خمسة أحاديث. قلت ليحيى: عدّها شعبةُ؟ قال: نعم: حديث الوتر، وحديث القنوت، وحديث عزمة الطلاق، وحديث جزاء مثل ما قتل ما النعم، والرجل يأتي امرأته وهى حائض". اهـ. ولذا فلا تعجبْ إذا حكم الأئمةُ الجهابذةُ على روايةٍ فيها تصريحٌ بالسماع أو ما يدل عليه بالخطأ والوهم، ولو كان الإسناد ظاهره الصحة، لأن الأئمة ليسوا كما يظن البعض "حملة أسفار" بل هم "نقدة أخبار". والناقد يضبطُ حال السماع والكتابة صيغ الأداء، بل ويوقف عليها الشيوخ، فيكشف بعد ذلك عن أوهامِ الرواة وأخطائهم. ¬

_ (¬1) "التقدمة" (ص 170). (¬2) نفسه (ص 130).

قال أبو داود (¬1) -وهو الطيالسي-: نا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم أن عليًّا كان يجعل للإخوة من الأم - يعني في المشتركة. قلت للأعمش: سمعته من إبراهيم؟ فقال برأسه أي: نعم". اهـ. فانظر إلى توقيف شعبة للأعمش في سماعه هذا من إبراهيم وهو ابن يزيد النخعي، مع أن إبراهيم من شيوخ الأعمش الذين كبر عنهم، حتى قال بعض الحفاظ المتأخرين -وهو الذهبي رحمه الله- أنه لا يقبل من الأعمش -لتدليسه- إلا ما صرح فيه بالسماع، إلا في شيوخ قد كبر عنهم، كإبراهيم، وأبي وائل -شقيق بن سلمة- وأبي صالح السمان، قال (¬2): "فإن روايته عن هذا الصِّنْفِ محمولةٌ على الاتصال". فبان بإيقاف شعبة للأعمش أن الأمر ليس بهذا الإطلاق، وإنما هو للغالب، والله تعالى أعلم (¬3). وهذا حجّاجُ بن أرطاة أحد المكثرين من التدليس، قال غير واحدٍ من النقاد أنه لم يسمع من الزهري شيئًا. قال الترمذي (¬4): فقلت له يعني للبخاري-: فإنهم يروون عن الحجاج قال: سألت الزهري. قال: لا شيء، يُروى عن هشيم قال: قال لي الحجاج: صِفْ لي الزهري". اهـ. وقال أبو زرعة (¬5): لم يسمع الحسن البصري من أبي هريرة ولم يرهُ، قيل له: فمنْ قال: ثنا أبو هريرة؟ قال: يخطىء". اهـ. ¬

_ (¬1) "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 167 - 168). (¬2) ترجمة الأعمش من الميزان. (2 / ت 3517). (¬3) انظر ترجمة الأعمش من هذا الكتاب، ففيها زيادةُ بيان وتعقيب. (¬4) "جامع التحصيل" للعلائي (ص 160). (¬5) "المراسيل" لابن أبي حاتم (ص 36)، رقم (110).

وقال ابن أبي حاتم (¬1): سألت أبي: سمع الحسن من جابر؟ قال: ما أرى، ولكن هشام بن حسان يقول عن الحسن: ثنا جابر بن عبد الله، وأنا أُنِكْرُ هذا، إنما الحسن عن جابر كتابٌ، مع أنه أدرك جابرًا". اهـ. وقال ابن المديني (¬2): سمعت يحيى -يعني القطان- وقيل له: كان الحسن يقول: سمعت عمران بن حصين؟ فقال: أمّا عن ثِقةٍ فلا". اهـ. بل ترك يحيى بن سعيد القطان أسامة بن زيد الليثي، لمّا روى عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب، مع اتفاق أصحاب الزهري على روايته عن سعيد بالعنعنة (¬3). وأمثلةُ هذا الضّرْبِ من النّقْد أكثرُ من أنْ تُحْصى. وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتابًا مستقلًا، ولعلي أُفرده بالتصنيف إن شاء الله تعالى، في رسالة مستقلة. والمقصود هاهنا التذكيرُ بِعِظمِ قدر أئمة النّقْدِ، والتقريبِ لما كانوا يتمتعون به من ملكاتٍ فذّةٍ، وغرائز حديثيةٍ متميزةٍ، وحافطةٍ ثاقبةٍ، وأفهامٍ دقيقةٍ، ويقظةٍ عاليةٍ، وهِمّةٍ سامِقةٍ، وصبْرٍ على شظفِ العيش لا يُوصف، وتحملٍ لمشقات الرِّحلة لا يُبارى. هذا مع اعتقادِ أن الكمال لله وحده، وأن لا عصمة إلا لمن عصمهُ الله تعالى، ولكنّ الحقّ لا يغيبُ عن جماعةِ أهْلِ النّقْدِ، فمنِ الناسُ بعدهم؟. ولعلّ فيما ذكرته هاهنا مقنعٌ لمن درجُوا على الاستقلالِ بِنقْدِ الأحاديث تصحيحًا وتضعيفًا، اغترارًا بظواهر الأسانيد، دون الاستبصار بنقد أصحاب "الملكة" وهم أهل "التخصص"، ومنْ حباهم الله سبحانه -مما سبق الإشارةُ إليه- ما أهّلهُم ¬

_ (¬1) "المراسيل" (ص 37) رقم (115). (¬2) "جامع التحصيل" (ص 164). (¬3) انظر "تهذيب التهذيب" للحافظ ابن حجر (1/ 210)، وترجمة أسامة من "الكامل" لابن عديّ.

للقيام على هذا الثّغْرِ العظيم من ثُغُور الإسلامِ، ألا وهو حفظُ الآثارِ أنْ يُداخلها ما ليس منها، وتنْقِيتُها مما التصق بها خطئًا أو عمدًا. وكم مِمّنْ غلبتْهُ سكْرةُ "التّعالُمِ" ونشْوتُهُ، فردّ تحقيقاتِ النُّقّادِ من طرفِ القلمِ، بأمورٍ بديهيةٍ لم تكن خافيةً على المبتدئين، وإنما أخذها هؤلاءِ "المتعالمون" مِنْ أوّلِيّاتِ أولئك الجهابذة، فانتهى هؤلاء إلى حيث يبدأ الناقدُ السّبْق، فكيف بالقاعدِ أنُ يزاحِم الفُرْسان، أم كيف بالخالِفِ أن يبْلُغ العنان. وكأنّ لسان حالِ الناقد يقول للمُتعالم: أأبِيتُ سهْران الدُّجى وتبِيتُهُ ... نوْمًا وتبْغِي بعْد ذاك لِحاقِي وأرجو إذا يسّر الله تعالى إتمام هذا الكتاب -بأقسامه- كما أُحِبُّ، أن يتضح لقارئه سبيلُ القوْمِ في نقْدِ الرواة والأخبار، وعسى أن يكون ذلك داعيًا لي ولأُولي الهِمم إلى الاستعداد لِسُلُوكِه، فيكون منهم أئمةٌ مجتهدون في ذلك إن شاء الله تعالى (¬1). هذا، والله تعالى الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمن. * * * ¬

_ (¬1) وهكذا تمنى الشيخ المعلمي في مقدمته لكتاب "الاستبصار"، وإني لأرجو أن يحقق الله -بإتمام هذا الكتاب- أمنية الشيخ من هذا الوضوح، وأن يجعلني -لإبراز منهج الشيخ المعلمي- سببًا في تمهيد هذا السَّبيل لمن يريد سلوكه، والله تعالى وليُّ التوفيق.

قسم تراجم الرواة

النكت الجياد قسم تراجم الرواة

حرف الهمزة

حرف الهمزة [1] أبان بن سفيان: "التنكيل" ترجمة رقم (1): في إسناد الخطيب (13/ 399) (¬1): " .. علي ابن حرب حدثنا أبان بن سفيان حدثنا حماد بن زيد .. ". قال الشيخ المعلمي: في "الميزان" و"اللسان" ذِكْرُ رجلين يقال لكل منهما أبان بن سفيان، أحدهما: بصري، نزل الموصل، من بلاد الجزيرة، روى عن أبي هلال محمد ابن سليم البصري، قال فيه الدارقطني: "جزري متروك". والثاني: مقدسي، روى عن الفضيل بن عياض وعبيد الله بن عمر، روى عنه محمد بن غالب الأنطاكي. قال فيه ابن حبان: "روى أشياء موضوعة" وأورد له حديثين وقال: "هذان موضوعان" وناقشه الذهبي في "الميزان" ثم استظهر الذهبي أن الرجلين واحد وذكر ابن حجر أن النباتي فرق بينهما. قال المعلمي: والفرق هو الظاهر، فأما الذي في سند الخطيب فإن كان غير هذين فلا نعرفه (¬2)، وإن كان أحدهما فالظاهر أنه الأول، فإن حماد بن زيد بصري ¬

_ (¬1) في المطبوع الآن (ص 420). (¬2) أقول: الظاهر أن الذي في إسناد الخطيب ليس واحدًا من هذين وإنما هو: أبان بن سفيان التغلبي. قال الخطيب في كتاب "تلخيص المتشابه في الرسم وحماية ما أشكل منه عن بوادر التصحيف والوهم" (2/ 837): أُبَيْن بن سفيان وأبان بن سفيان. أما الأول -بالياء بين الباء والنون- فهو: أُبَيْن بن سفيان أحد الشيوخ المقلين حدث عن أبي حازم عن ابن عباس. روى عنه: كثير بن مروان الفلسطيني. والثاني -بالألف بين الباء والنون- فهو: أبان بن سفيان التغلبي. حدث عن قيس بن الربيع، وحماد بن سلمة وهشيم وغيرهم. روى عنه محمد بن عبد الوهاب الدعلجي وعلي بن حرب الطائي. =

[2] أبان بن أبي عياش العبدي أبو إسماعيل البصري

من طبقة محمد بن سليم، وعلي بن حرب موصلي والله أعلم". اهـ. [2] أبان بن أبي عياش العبدي أبو إسماعيل البصري: قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 237): "تالف". وفي (ص 300)، (401) قال: "متروك". وقال في "التنكيل" (1/ 461): "هالك". [3] أبان بن يزيد العطار أبو يزيد البصري: في "التنكيل" (2/ 137): "من رجال مسلم، وأخرج له البخاري في "الصحيح" بلفظ: "قال لنا مسلم بن إبراهيم ثنا أبان" (¬1). اهـ. [4] إبراهيم بن إسحاق الجعفي: في "الفوائد" (ص 359) حديث "النظر إلى علي عبادة" قال الشوكاني: .. ورواه ابن مردويه عن أبي سعيد مرفوعًا (¬2)، وفي إسناده: محمد بن يوسف "كذا والصواب: يونس" الكديمي: وضاع. ¬

_ = * وأبان بن سفيان الكناني. حدث عن عمر بن أبي زائدة. روى عنه علي بن حرب وأخشى أن يكون الذي ذكرناه آنفًا والله أعلم. قلت: الظاهر أنه هو بقرينة رواية علي بن حرب عنهما، وأن النسبتان (التغلبي) و (الكناني) تجتمعان في حاق النسب، فتصح نسبته إليهما؛ فهناك: كنانة بن تيم بن أسامة بن مالك بن بكر بن حبيب بن عمرو بن غنم بن تغلب بن وائل. راجع كتاب "جمهرة أنساب العرب" لابن حزم (ص 306). فينسب للجد الأدنى كنانيًّا، وللأعلى تغلبيًا والله تعالى أعلم. (¬1) وثقه ابن معين والنسائي وغيرهما، وقال أحمد: ثَبْت في كل المشايخ. وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 16): "ثقة حجة .. وأورده ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه؛ يسرد الجرح، ويسكت عن التوثيق .. ". اهـ. (¬2) علق المعلمي فقال: "بل من طريق أبي سعيد الخدري، عن عمران بن حصين مرفوعًا وهذا من تنطع الكذابين".

[5] إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري أبو إسماعيل المدني

وقد رواه الحاكم في "المستدرك" (¬1) من غير طريقه وقال: صحيح الإسناد. اهـ. فقال الشيخ المعلمي: تعقبه الذهبي فقال: "قلت: ذا موضوع" وهو من طريق شيخ الكديمي "إبراهيم بن إسحاق الجعفي، ثنا عبد الله بن عبد ربه العجلي" وهما مجهولان. وفي "اللسان": "إبراهيم بن إسحاق النهاوندي، ثم الأحمري .. ذكره الطوسي في رجال الشيعة، وقال: كان ضعيفًا" ثم ذكر أنه من شيوخ الكديمي، والراوي عن إبراهيم لم يتبين لي من هو (¬2). اهـ. [5] إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة الأنصاري أبو إسماعيل المدني: قال للمعلمي في "الفوائد" (ص 79): "ضعيف" (¬3). ¬

_ (¬1) (3/ 141 - 142). (¬2) قلت: في "جامع الرواة" للأردبيلي: رقم (58) "كان ضعيفًا في حديثه متهمًا في دينه، في مذهبه ارتفاع، وأمره مختلط لا أعتمد على شيء مما يرويه. له كتب قريبة من السداد. عنه جماعة منهم الصفار" وقد روى ابن عساكر حديث، النظر إلى عليّ عبادة" -الذي وقع إبراهيم هذا في إسناده- في تاريخه (12 / ق 303 / أ) من طريق محمد بن عبد الله الصفار عن الكديمي عن إبراهيم به. والراوي الذي روى عنه إبراهيم عند الحاكم ولم يتبيّن للشيخ المعلمي وقع هكذا: علي بن عبد العزيز بن معاوية. والذي يظهر أن في اسمه تخليطًا، فإما أنه: علي بن عبد العزيز البغوي، وإما أنه: عبد العزيز بن معاوية القرشي، وكلاهما روى عنهما دعلج السجزي كما في الإسناد. ثم وجدته بحمد الله تعالى في "إتحاف المهرة" للحافظ ابن حجر (12/ 31) وفيه: عبد العزيز بن معاوية. والظاهر أن الكديمي -وهو متهم بالكذب والوضع- كان يدلس إبراهيم هذا فقال هنا: الجعفي، وفي الإسناد الذي أشار إليه ابن حجر في "اللسان" عن "الغيلانيات" - وهو فيه رقم (106 - مطبوع): الأحمر. وفي "جامع الرواة" أيضًا رقم (66): "إبراهيم الأعجمي من أهل نهاوند .. كأنه ابن إسحاق الأحمري"- فكأنه لِوَهَنِهِ كان يُدَلَّس. والله تعالى أعلم. (¬3) ضَعَّفَهُ جمهور أهل العلم، ووَثقَهُ أحمد -رواية أبي طالب عنه-، وكذا العجلي، وأثنى عليه بعضهم في عبادته، فَوَصَفَهُ بالصلاح - يعني في دينه لا روايته، ولعل الأقرب حمل توثيق أحمد على ذلك، لا على التوثيق الاصطلاحي، والله أعلم.

[6] إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري المدني

[6] إبراهيم بن إسماعيل بن مجمع الأنصاري المدني (¬1): "التنكيل" (2/ 76): "ضعيف". [7] إبراهيم بن الأشعث، خادم الفضيل بن عياض: قال في "الفوائد" (ص 486): "زاهد يتكلف الرواية فيأتي بالأباطيل" (¬2). [8] إبراهيم بن بشار الرمادي أبو إسحاق البصري: ترجمته في "التنكيل" رقم (2)، وقد أوردت فوائدها في "مباحث في الجرح والتعديل" ضمن "أوصاف وألفاظ لا يلزم منها الجرح"، وفي مبحث "الرواية بالمعنى". [9] إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب أخو عبد الله بن الحسن الهاشمي: علّق الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 353) على خبر أسماء بنت عميس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُوحى إليه ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت ¬

_ (¬1) لم يصرح الشيخ للمعلمي باسمه، ولكنه ورد عند ذكر الرواة عن مجمع بن يعقوب بن يزيد، فضعفه. (¬2) قال أبو حاتم: "كنا نظن به الخير، فقد جاء بمثل هذا الحديث -وذكر حديثًا ساقطًا". الجرح (2/ 88)، وراجع "الميزان" (1 / ت 44). وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 66): "يروي عن ابن عيينة، وكان صاحبًا للفضيل بن عياض، يروي عنه الرقائق، يغرب، وينفرد، ويخطىء، ويخالف". ونقل ابن حجر في "اللسان" (1/ 36) عن الحاكم في "تاريخ نيسابور"، قال: "قرأت بخط المستملي: ثنا علي بن الحسن الهلالي، ثنا إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل، وكان ثقة، كتبنا عنه بنيسابور". وعلي بن الحسن الهلالي ثقة فاضل، له ترجمة في "تهذيب الكمال" (20/ 374) لكنه ليس من رجال الجرح والتعديل، ولعله قصد: ثقة في دينه، فقد كان كذلك، أما في الرواية فلم تكن من شأنه، أو أنه كان متماسكًا حتى ظهرت له هذه الأباطيل كا يشير إليه قول أبي حاتم، والله أعلم.

[10] إبراهيم بن الحكم بن أبان أبو إسحاق العدني

الشمس فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صليت؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت". فوهّنهُ المعلمي وحكى استنكار أكثر أهل العلم له، وبّين وجوه هذا الاستنكار، وذكر من طرقه: ما رواه فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عميس، وقيل: عن فضيل، عن إبراهيم، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء، فقال في التعليق عليه: إبراهيم لا يكاد يعرف بالرواية، إنما يُذكر عنه هذا الخبر، وخبر آخر رواه عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعًا: "يظهر في آخر الزمان قوم يسمون: الرافضة، يرفضون الإسلام" اخرج في زوائد مسند أحمد، الحديث (808)، وذكره البخاري في "التاريخ" (¬1) في ترجمة إبراهيم، وفي ذلك إشارة إلى أن الحمل فيه عليه، وذكره الذهبي في "الضعفاء" (¬2)، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، كأنه بنى على أن هذين الخبرين لا يثبتان عنه فيبقى عنده على أصل العدالة بحسب قاعدته. اهـ. [10] إبراهيم بن الحكم بن أبان أبو إسحاق العدني: قال المعلمي في "الفوائد" (ص 72): "تالف". ونقل (ص 266) عن السيوطي قوله في "اللآلىء": "ضعيف" فزاد: "جدًّا". [11] إبراهيم بن حيان: في "الفوائد" (ص 161) حديث: "يا عليّ عليك بالملح، فإنّه شفاء من سبعين داء". ¬

_ (¬1) (1 / ت 897). (¬2) "ديوان الضعفاء" للذهبي (ص 9) ولم أره في "المغني في الضعفاء" له، وهو مترجم أيضًا في "اللسان" (1/ 47)، و"تعجيل المنفعة" (1/ 256) وغيرها.

[12] إبراهيم بن راشد بن مهران الأدمي البصري

نقل المعلمي عن "اللآلىء" أن ابن منده أخرجه مرفوعًا، وفيه إبراهيم بن حيان (¬1)، قال المعلمي: "وهو المذكور في لسان "الميزان" (1/ 51) رقم (122). وأخشى أن يكون هو الذي يقال له: إبراهيم بن البراء وإبراهيم بن حيان فإنه كان يغير نسبه، وهو على كل حال كذاب". اهـ. [12] إبراهيم بن راشد بن مهران الأدمي البصري: قال الذهبي في "الميزان": "شيخ لمحمد بن مخلد، وثقه الخطيب، واتهمه ابن عدي". اهـ. فتعقبه ابن حجر في "اللسان" فقال: "لم أر في كامل ابن عديّ ترجمته". قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (4): "قد قال ابن أبي حاتم: "صدوق" (¬2) وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان من جلساء يحيى بن معين". وفي ترجمة: علي بن صالح الأنماطي من "الميزان" حديث ساقه الذهبي من طريق أبي نعيم الأصبهاني أنا عمر بن شاهين ثنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني ثنا إبراهيم بن راشد الأدمي ثنا علي بن صالح الأنماطي .. ". استنكره الذهبي وقال: "المتهم بوضعه عليّ فإن الرواة ثقات سواه". تعقبه ابن حجر في "اللسان" بأن عليًّا ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "مستقيم الحديث" قال ابن حجر: "وينظر فيمن دون صاحب الترجمة". ¬

_ (¬1) في "اللآلىء" (2) (ص 211): قال أبو عبد الله ابن مندة في كتاب "أخبار أصبهان": أنبأنا عبد الله بن إبراهيم المقبري، حدثنا عمرو بن مسلم بن الزبير، حدثنا إبراهيم بن حبان (بالموحدة) بن حنظلة بن سويد، عن علقمة بن سعد بن معاذ، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده مرفوعًا .. كذا وقع. وفي "الكامل" لابن عديّ، وعنه "الميزان" و"اللسان": "إبراهيم بن حيان (بالتحتانية المثناة) بن حكيم بن علقمة بن سعد بن معاذ الأنصاري"، والظاهر أن في إسناد "اللآلىء" تخليطًا. وانظر "اللسان". فيمن سماهم المعلمي. (¬2) في "الجرح" (2/ 99): كتبنا عنه، وهو صدوق.

[13] إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق بن أبي عثمان البغدادي طبري الأصل

قال المعلمي: أخاف أن يكون هذا من بلايا الإجازة، فإن أبا نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ربما تكون له إجازة عامة من شيخ، ثم يسمع الشيء ويرويه رجل عن ذاك الشيخ، فيرويه أبو نعيم عن الشيخ نفسه بلفظ "أخبرنا" على اصطلاحه في الإجازة -كما يأتي شرحه في ترجمته- فيكون البلاء في هذا الحديث من الرجل الذي بين أبي نعيم وابن شاهين ويبرأ غيره والله أعلم. اهـ. [13] إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق بن أبي عثمان البغدادي طبريّ الأصل: له ترجمة في المثال الأول من النوع الرابع من "الطليعة" والترجمة رقم (5) من "التنكيل". وراجع مبحث "أوصاف لا تستلزم الجرح" في قسم القواعد من الكتاب. [14] إبراهيم بن شماس الغازي أبو إسحاق السمرقندي نزيل بغداد: ترجمته في "التنكيل" رقم (6)، وراجع مبحث "أوصاف لا تستلزم الجرح" وكذا "دراسة الواقع العملي للراوي" في قسم القواعد. [15] إبراهيم بن عبد الله بن خالد المصيصي: قال المعلمي في "الفوائد" (ص 385): "متروك". [16] إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن أيوب المخرمي: قال في "حاشية الأنساب" (3/ 234): "ليس بثقة". [17] إبراهيم بن عبد الله الصاعديّ (¬1): قال في "الفوائد" (ص 381): "متروك". ¬

_ (¬1) وجاء مسمّى: إبراهيم بن حميد الدينوري، راجع "الميزان" و"اللسان" في الموضعين.

[18] إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو إسحاق المدني أخو حميد وأبي سلمة ابني عبد الرحمن

[18] إِبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري أبو إسحاق المدني أخو حُميْد وأبي سلمة ابني عبد الرحمن: قال في "الأنوار الكاشفة" (ص 55): "في سماعه من عمر خلاف، والظاهر أنه لا يثبت" (¬1). اهـ. ¬

_ (¬1) قد كنت صنعت هاهنا بحثًا في النظر في هذا الخلاف الذي أشار إليه المعلمي، وفيما قيل أيضًا أن إبراهيم قد ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكره بعض من صنف في الصحابة في مصنفاتهم، وهم: أبو نعيم، وأبو إسحاق بن الأمين، لكني وجدت البحث يربو على عشر ورقات، فخشيت إثقال هذا الموضع به، إلا أني لم أرد إخلاء هذا المقام من الإشارة إلى أطراف هذا البحث لتميم الفائدة، فأقول وبالله التوفيق: أولًا: ذِكْرُ من أثبت لإبراهيم السماع من عمر أو أشار إليه. 1 - قال عبد الله بن أحمد: أَمْلَى عليّ أبي فقال: هذه تسمية من روى عن عمر بن الخطاب: .. ، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وحميد -يعني: بن عبد الرحمن بن عوف- روى عن عمر، فلا أدري سمع منه أم لا؟ وقال ابن أبي ذئب عن الزهري، عن حميد: رأيت عمر. وإبراهيم بن عبد الرحمن لا شك فيه سمع من عمر. "العلل ومعرفة الرجال" (1 / رقم 464). 2 - قال يعقوب بن شيبة: روى إبراهيم عن عمر بن الخطاب سماعًا ورواية، ويقال: إنه لم يكن أحد من ولد عبد الرحمن بن عوف يروي عن عمر سماعًا غيره، وقد روى عن أبيه، وعثمان، وعلي، وسعد بن أبي وقاص، وعمرو بن العاص، وأبي بكرة، وكان ثقة" "تاريخ دمشق" (2 / ق 461 - الظاهرية). وقد سبقه إلى هذا القول بلفظه: الواقدي أيضًا، كما في "طبقات ابن سعد" (5/ 56) والظاهر أن يعقوب قد عَنَاه بقوله: ويقال .. ونسب الحافظ ابن حجر في "التهذيب" مثل هذا إلى الطبرى. 3 - قال الحافظ ابن حجر في الاستدلال على إثبات السماع: "روى ابن أبي ذئب عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن، عن أبيه قال: رأيت بيت رويشد الثقفي حين حرقه عمر، كان حانوتًا للشراب، فرأيته كأنه جمرة" "تهذيب التهذيب" (1/ 140). قلت: هذا يُثْبت الإدراك فقط، وقد يَرَى الصبي مِثْلَ هذا فيحفظه، ويعلق بذهنه، وليس في هذا ما يدل على صحة السماع -وهو محل الخلاف-، ولهذا نظائر معروفة، منها ما ثبت أن محمود بن الربيع عقل مَجَّةً مَجَّهَا النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو من بئر كانت في دارهم، وهو ابن أربع سنين أو خمس سنين. قال البخاري: أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- "تاريخه الكبير" (7 / الترجمة 1761) وقال أبو حاتم الرازي: أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صبي، ليست له صحبة، وله رؤية: "الجرح والتعديل" (8 / الترجمة 1328).

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذا سعيد بن المسيب، كان عمره لما توفي عُمَر (8) سنين، وثبت أنه سمع عُمرًا ينعي النعمان بن مقرن على المنبر، ولم يصح عنه عن عمر سماعًا سوى ذلك، ولهذا حكم غير واحد من الحفاظ -وهو الراجح- بأن سعيدًا عن عمر منقطع، ولما سئل يحيى بن معين قال: ابن ثمان يحفظ؟ استنكارًا لذلك. ثانيًا: ذِكْرُ مَنْ صرح بَعَدم السماع، أو يفيد صنيعه ذلك. 1 - قال البيهقي: لم يثبت له سماع من عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وإنما يقال إنه رآه" السنن: (8/ 277). 2 - لم يذكر البخاري في "تاريخه الكبير" (1/ 295)، ولا مسلم في "الكنى" (1 رقم 3)، ولا ابن أبي حاتم في "الجرح" (2/ 111)، ولا ابن حبان في "الثقات" (4/ 4) روايته عن عمر أصلًا، وإنما ذكروا روايته عن أبيه عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، وسعد ابن أبي وقاص، وغيرهم من صغار الصحابة. ومن المعلوم من طريقة الأئمة أنهم يذكرون في ترجمة الرجل: الأقدم فالأقدم من شيوخه، وقد يقدمون الأفضل وإن لم يكن هو الأسَنَّ، فما بال عُمر وهو المقدَّم: سنًا وفضلًا، لم يذكره أحدٌ من هؤلاء في شيوخ إبراهيم؟ 3 - ذَكَرَ مسلم في كتاب "الطبقات" مَنْ قيل إنه ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذكر مَنْ بعد هؤلاء قليلًا، ثم قال: الطبقة بعد هؤلاء من أهل المدينة، فذكر: سعيد بن المسيب بن حزن، قال: أدرك من خلافة عمر (ثمان) سنين. ثم قال (1/ 235): وإبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف. وحميد بن عبد الرحمن بن عوف. وأبو سلمة ومصعب ابنا عبد الرحمن بن عوف. اهـ. فربما أشعر هذا الترتيب بتأخر إبراهيم عن ابن المسيب، فيكون إبراهيم قد أدرك من خلافة عمر أقل من ثمان سنين، وهذا الإشعار يحتاج إلى تتبع واستقراء لكتاب الطبقات، للنظر في منهج مسلم في ترتيب المذكورين في الطبقة الواحدة. هذا، ولم يخرج أحدٌ مِنْ أصحاب الكتب الستة لإبراهيم عن عمر إلا النسائي في كتاب "المواعظ" من "السنن الكبرى"، حسبما في "تحفة الأشراف" للمزي (8 / رقم (10382)، والبخاري تعليقًا، واختلف هل هو المذكور في هذا الموضع أم لا، راجع "التحفة" (8 / رقم 10381) مع "النكت الظراف" لابن حجر. وليس فيه تصريح بسماع. وبعد هذه العجالة، يظهر لي أن القول ما قال البيهقي رحمه الله ويؤيده ظاهر صنيع من ذكرنا من الأئمة، وأن إبراهيم لا يُدَفع عن إدراك عمر ورؤيته، لكنه كان في سنٍّ لا تحتمل السماع والحفظ، =

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما قول الإمام أحمد فإن حُمل على ما قلنا -وفيه بُعْد- فذاك، وإلَّا فقوله لا يخلو عن نظر، والله تعالى أعلم. أما بالنسبة لما قيل إن إبراهيم قد ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن القائلين بذلك إنما نسبوا هذا القول إلى الواقدي، وقد عَدَّ إبراهيمَ في التابعين غيرُ واحدٍ ممن صنف في التواريخ والطبقات ونحوها، وعلي رأسهم: - ابن معين "تاريخ دمشق" (2 / ق 461). - يعقوب بن شيبة (نفسه). - ابن سعد "طبقاته" (5/ 56). - البخاري "التاريخ الكبير" (1/ 295). - أبو حاتم الرازي "الجرح" (2/ 111). - مسلم "طبقاته" (1/ 235). - العجلي "ثقاته" (1 / رقم (26). - يعقوب بن سفيان "المعرفة والتاريخ" (1/ 367). - النسائي في كتاب "الكنى" له ووثقه "إكمال مغلطاي" (1 / ق 57 / أ). - أبو عبد الله بن أبي بكر المقدمي القاضي "التاريخ وأسماء المحدثين وكناهم" رقم (423). - ابن حبان "الثقات" (4/ 4)، و"مشاهير علماء الأمصار" (ص 66). وغيرهم، وكفى بهؤلاء مقنع لمن أراد الصواب. ومما تجدر الإشارة إليه هنا، ما أورده البخاري في "التاريخ الأوسط" (1/ 345): روى يونس عن ابن شهاب، أخبرني إبراهيم قال: استسقى النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال: وروى بعضهم: استُسْقِي بهم، ولا أُراه يصح؛ لأن أمه أم كلثوم زَوَّجها أخوها الوليد -يعني لعبد الرحمن بن عوف- أيام الفتح. اهـ. أقول: قصد البخاري رحمه الله دفع شهود إبراهيم لهذا الاستسقاء وتخطئة من روى ما يدل على ذلك، واستدل بأن أباه إنما تزوج بأمه أيام الفتح -وكان فتح مكة على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة النبوية- وقد توفي النبي -صلى الله عليه وسلم- في السنة الحادية عشرة من الهجرة، فلو قُدر أن يولد لهما إبراهيم بعد تسعة أشهر من زواجهما لكان قد أدرك من حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- سنتين إلا قليلًا، فأَنَّى له أن يشهد هذا الاستسقاء ويحكيه؟ فهذا مرسل حتمًا، وذلك على تقدير أن إبراهيم ولد هكذا، لكن لا دليل على هذا. ومقتضى صنيع البخاري رحمه الله أنه لا يثبت عنده تحديد لميلاد إبراهيم، ولو ثبت عنده ذلك لكان هو الأَولى بالذكر، لأنه هو المقصود لذاته في تخطئة تلك الرواية المذكورة، فلما لم يثبت ذلك عنده اكتفى -في دفعها- بما ثبت من تاريخ زواج عبد الرحمن بن عوف بأم كلثوم - بما بيناه سابقًا، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل.

[19] إبراهيم بن عبد الملك البصري أبو إسماعيل القناد

[19] إبراهيم بن عبد الملك البصري أبو إسماعيل القناد: قال الشيخ في "التنكيل" (2/ 132) في المسألة الثانية عشرة: "القناد ليس بعمدة، وذكر الساجي أن ابن معين ضعفه، وقال العقيلي: "يهم في الحديث" وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطىء". [20] إبراهيم بن علي بن حسن بن علي بن أبي رافع الرافعي المدني: "حاشية الموضح" (1/ 321). وانظر ترجمة: محمد بن عروة بن هشام بن عروة بن الزبير. [21] إبراهيم بن محمد بن الحارث بن أسماء بن خارجة أبو إسحاق الفزاري: نقل الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (8) توثيق الأئمة له، فقال: قال ابن معين: "ثقة ثقة"، وقال أبو حاتم: "الثقة المأمون الإمام"، وقال النسائي: "ثقة مأمون أحد الأئمة" ووثقه جماعة غير هؤلاء، واحتج به الشيخان في "الصحيحين" وبقية الستة والناس. ثم ذكر ثناء ابن المبارك وعبد الله بن داود الخريبي وغيرهما على فقهه. ثم ذكر معرفته بالسير، وما عرف به من الفضل والإمامة في السنة. وقد كان ابن سعد وصفه بكثرة الخطأ في الحديث بعد أن قال: "كان ثقة فاضلًا صاحب سنة وغزو" فتمسك بها بعض من لا شأن لهم بالرواية. فقال الشيخ المعلمي: هذه الكلمة نقلها الأستاذ -يعني الكوثري- عن ابن سعد وابن قتيبة وابن النديم، فأقول: ابن قتيبة وابن النديم لا شأن لهما بمعرفة الرواية والخطأ والصواب فيها وأحوال الرواة ومراتبهم، وإنما فنُّ ابن قتيبة: معرفة اللغة والغريب والأدب، وابن النديم رافضي وراق، فنُّهُ: معرفة أسماء الكتب التي كان يتجر فيها، وإنما أخذا تلك الكلمة من ابن سعد.

وابن سعد هو محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي .. (¬1). ومع ذلك فليس ابن سعد في معرفة الحديث ونقده ومعرفة درجات رجاله في حدِّ أن يقبل منه تليين من ثبّتهُ غيرُه، على أنه في أكثر كلامه إنما يتابع شيخه الواقدي، والواقدي تالف. وفي "مقدمة الفتح" (¬2) في ترجمة عبد الرحمن بن شريح: "شذّ ابن سعد فقال: "منكر الحديث، ولم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا؛ فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد". وفيها في ترجمة محارب بن دثار: "قال ابن سعد: لا يحتجون بحديثه، قلت: بل احتج به الأئمة كلهم .. ولكن ابن سعد يقلد الواقدي" (¬3). وفيها في ترجمة نافع بن عمر الجمحي: "قد قدمنا أن تضعيف ابن سعد فيه نظر لاعتماده على الواقدي" (¬4). ثم قال المعلمي: وإن تعجب فعجب ما في التعليق على صفحة (387) (¬5) من المجلد (13) من "تاريخ بغداد"، ونص ذلك: "أبو إسحاق الفزاري منكر الحديث وهذان الخبران من مناكيره". أما إني لا أكاد أصدق أن مثل هذا يقع في مصر تحت سمع الأزهر وبصره. اهـ. ¬

_ (¬1) راجع ترجمة محمد بن سعد من هذا الكتاب، لاستكمال جواب المعلمي هنا. (¬2) (ص 417). (¬3) (ص 443) وتمام كلام الحافظ: والواقدي على طريقة أهل المدينة في الانحراف على أهل العراق، فاعلم ذلك ترشد إن شاء الله. اهـ. (¬4) (ص 447). (¬5) (ص 376) من المطبوع الآن.

[22] إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق المزكي النيسابوري

[22] إبراهيم بن محمد بن يحيى أبو إسحاق المزكي النيسابوري: راجع ترجمته من "التنكيل" رقم (9)، وانظر البحث المتعلق بكثرة غوائب الراوي، ومتى يضره ذلك، وهل من شرط الثقة أن يتابع في كل ما حدث به؟ وذلك في قسم القواعد من كتابنا هذا. [23] إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي المدني: قال المعلمي في "التنكيل" في المسألة الرابعة عشرة (2/ 112): "إبراهيم ساقط، ولا سيما إذا لم يصرح بالسماع، وأما حسن ظن الشافعي به فكأنه كان متماسكًا لما سمع منه الشافعي ثم ظهر فساده". اهـ. وقال في المسألة الخامسة عشرة (2/ 177): "هالك، وارتضاء الشافعي له إنما هو فيما سمعه "عنه" (¬1)، إما لأنه سمع منه من أصوله، وإما لأنه كان متماسكًا ثم فسد بعد ذلك" (¬2). اهـ. [24] إبراهيم بن محمد بن يوسف أبو إسحاق الفريابي نزيل بيت المقدس: قال الشوكاني في "الفوائد" (ص 128): روى الأزدي -من طريق الفريابي- حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا جامع أحدكم، فلا ينظر إلى الفرج؛ فإنّه يورث العمى، ولا يكثر الكلام، فإنّه يورث الخرس". قال الأزدي: إبراهيم بن محمد بن يوسف الفريابي ساقط .. قال في "الميزان": قال أبو حاتم وغيره: صدوق. وقال الأزدي وحده: ساقط. ¬

_ (¬1) كذا في "التنكيل" والأقرب أن يكون الصواب:"منه". (¬2) علق الشيخ الألباني على هذا الموضع من "التنكيل" فقال: قلت: وإما لأنه لم يتبين له حاله، ولم يعرفه كما عرفه غيره من الأئمة، كمالك وأحمد وغيرهما. قال ابن أبي حاتم في "آداب الشافعي ومناقبه" (ص 223) بعد أن روى عن الشافعي أنه كان يقول فيه: كان قدريًا، قال: "لم يَبِنْ له أنه كان يكذب، وكان يحسب أنه طعن الناس عليه من أجل مذهبه في القدر". اهـ.

[25] إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي، أبو إسحاق الكوفي

فقال الشيخ المعلمي: إبراهيم صدوق، ولا يفيد ذلك هنا، لأن شيخه في السند: محمد بن عبد الرحمن القشيري: هالك. قال أبو حاتم: "كان يكذب ويفتعل الحديث". فالبلاء في هذا الخبر من هذا القشيري كما نبه عليه الخليلي. اهـ. [25] إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي، أبو إسحاق الكوفي: قال المعلمي في رسالة "مقام إبراهيم" (ص 18): "صدوق كثير الخطأ، يحدث بما لا يحفظ فيغلط" (¬1). [26] إبراهيم بن أبي الليث -واسمه نصر- أبو إسحاق ترمذي الأصل بغدادي الدار: قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (7): الذي يتلخص من مجموع كلامهم أنهم لم ينقموا عليه شيئًا في سيرته، وأنه كانت عنده أصول الأشجعي (¬2) التي لا شك فيها، وكان يذْكُر أنه سمعها من الأشجعي إلا مواضع كان يعترف أنه لم يسمعها (¬3)، فقصده الأئمة: أحمد، ويحيى، وابن المديني وغيرهم يسمعون منه كتب الأشجعي، فكانوا يسمعون منه، ثم حدّث بأحاديث عن ¬

_ (¬1) قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 133): سمعت أبي يقول: إبراهيم بن مهاجر ليس بقوي هو وحصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب، قريب بعضهم من بعض، محلُّهم عندنا محل الصدق، يكتب حديثهم ولا يحتج بحديثهم. قلت لأبي: ما معنى لا يحتج بحديثهم؟ قال: كانوا قومًا لا يحفظون، فيحدثون بما لا يحفظون، فيغلطون، ترى في حديثهم اضطرابًا ما شئت. اهـ. (¬2) هو أبو عبد الرحمن عبيد الله بن عُبيد الرحمن -ويقال ابن عبد الرحمن- الأشجعي أبو عبد الرحمن الكوفي، ثقة مأمون من رجال التهذيب. (¬3) قال أبو بكر المروذي عن أحمد: " .. أنا رأيت كتاب الأشجعي في بيته، وقد كان سمع الجامع وكان لا يحدث به، وكان يقرأ علينا كتاب الأشجعي فيقول: هذا سمعته وهذا لم أسمعه، في كتاب الصلاة، فرجل يدعُ حديثًا كثيرًا يقول: لم يسمعه، يَدَّعي حديثين! إيش هذا من الكلام؟ " "تاريخ بغداد" (6/ 194 - 195).

هشيم وشريك وغيرهما من حفظه فاستنكروا من روايته عن أولئك الشيوخ أحاديث تفرد بها عنهم، وكان عندهم أنها مما تفرد بها غير أولئك الشيوخ، منها: حديث رواه عن هشيم عن يعلى بن عطاء وكان عندهم أنه من أفراد حماد بن سلمة عن يعلى. فتوقف فيه أحمد لهذا الحديث حتى بأن له أن غير حماد قد حدّث به، وعذره أحمد في بقية الأحاديث. وأما ابن معين فشدد عليه وتبعه جماعة. واختلف عن ابن المديني، فقيل: لم يزل يحدث عنه حتى مات، وقيل: بل كف بآخره. وقال أبو حاتم: "كان أحمد يُجْمِلُ القول فيه، وكان يحيى بن معين يحمل عليه, وعبيد الله القواريري "وهو ثقة عندهم من رجال الصحيحين" أحبّ إليّ منه". وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال أبو داود عن ابن معين: "أفسد نفسه في خمسة أحاديث" (¬1) فذكرها. قال ابن حجر في "التعجيل" (¬2): "وهذا عندي أعدل الأقوال فيه". قال المعلمي: قد ظهرت عدالة الرجل أولًا، ثم عرضت تلك الأحاديث، فاختلفوا فيها، فمنهم من عذره، ومنهم من رماه بسرقتها. ¬

_ (¬1) هو من رواية الآجري عن أبي داود، وتمام الكلام: "لو كانت بالجبل لكان ينبغي أن يرحل فيها. قال أبو داود: صدق. قال أبو داود: حدث عن هشيم حديثًا عن يعلى بن عطاء فزعموا أن أبا مالك حدث به، وحدث عن شريك عن سالم عن سعيد في "مقام كريم"، وحديث تفترق هذه الأمة على بضع وسبعين ملّة، قوم يقيسون الأمور برأيهم، وحديث إبراهيم بن سعد في الرؤية: سدرة المنتهي، وحديث هشيم عن منصور عن الحسن عن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "الحياء من الإيمان" وحديث سعدوية". "سؤالات الآجري" (1840)، و"تاريخ بغداد" (6/ 192 - 193). (¬2) (1/ 275).

فالذي ينبغي: التوقف عن سائر ما رواه عن غير الأشجعي، وقبول ما رواه عن الأشجعي؛ فإن ذلك من أصول الأشجعي باعترافهم جميعًا، ولم ينكروا منها شيئًا، وأحسب أن رواية الإمام أحمد وابنه عبد الله عن إبراهيم إنما هي مما رواه من كتب الأشجعي". اهـ. وكان الشيخ المعلمي قد صدّر ترجمة إبراهيم بنقد أسانيد بعض روايات الجرح والتعديل فيه. ففي كلمة ابن معين: "لو اختلف إليه ثمانون كلهم مثل منصور بن المعتمر ما كان إلا كذابًا". قال المعلمي: "رواها الخطيب من طريق: أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، وترجمة ابن محرز هذا في "تاريخ بغداد" (ج 5 ص 83) ليس فيها تعريف بحاله وإنما فيها: "يروي عن يحيى بن معين، حدث عنه جعفر بن درستويه بن المرزبان الفارسي". قال: "وكلمة ابن الدورقي (¬1) المذكورة في "اللسان" (¬2) و"التعجيل" (¬3) هي في قصة طويلة رواها الخطيب من طريق أبي الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ، والأزدي اتهموه، ونحتاج إلى الاعتذار عن ابن حجر في جزمه بها مع أنها من طريق الأزدي". قال: "وما في "اللسان" تبعًا لأصله أن ابن معين قال في إبراهيم: "ثقة لكنه أحمق" إنما رواها الخطيب من طريق بكر بن سهل عن عبد الخالق بن منصور عن ابن معين، وبكر بن سهل هذا إن كان هو الدمياطي المترجم في "الميزان" و"اللسان" .. ففيه كلام شديد (¬4)، وعقبها الخطيب بقوله: "وهذا القول من يحيى في توثيقه كان قديمًا، أساء القول فيه بعْدُ، وذمّهُ ذمًّا شديدًا". اهـ. ¬

_ (¬1) هو أحمد بن إبراهيم الدوري. (¬2) (1/ 94). (¬3) (1/ 274). (¬4) ستأتي له ترجمة مستقلة هنا، فراجعها.

[27] إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس، أبو إسحاق الغساني

[27] إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى بن قيس، أبو إسحاق الغساني: قال الشيخ في "التنكيل" في المسألة الرابعة عشرة (2/ 136): ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1)، وأخرج له في "صحيحه"، لكن طعن فيه أبو حاتم، وذكر قصة تدل على أن إبراهيم كان به غفلة (¬2) والله أعلم. اهـ. [28] إبراهيم بن يزيد بن قُديد: في "الفوائد" (ص 55 - 56) حديث أبي هريرة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، وإذا دخل بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين، فإن الله جاعل له من ركعتيه في بيته خيرًا". ¬

_ (¬1) (8/ 79): لكن وقع في الأصلين المطبوع عنهما: إبراهيم بن هاشم. وقال ابن حبان: "عداده في أهل دمشق، كان يسكن بيت لهيا، حدثنا عنه الحسن بن عبد الله القطان وغيره .. ". وقد عاب الذهبي على ابن حبان إدخال إبراهيم في "الثقات" فقال في ترجمة يحيى بن سعيد القرشي من "الميزان" (4/ 378): "إبراهيم بن هشام أحد المتروكين الذين مشاهم ابن حبان فلم يُصِبْ". اهـ. (¬2) في "الجرح والتعديل" (2/ 143): قال ابن أبي حاتم: قال أبي: قلت لأبي زرعة: لا تحدث عن إبراهيم بن هشام بن يحيى، فإني ذهبت إلى قريته، وأخرج إلى كتابًا، زعم أنه سمعه من سعيد بن عبد العزيز، فنظرت فيه فإذا فيه أحاديث ضمرة عن رجاء بن أبي سلمة، وعن ابن شوذب، وعن يحيى بن أبي عمرو السيباني، فنظرت إلى حديث، فاستحستته من حديث ليث بن سعد عن عُقَيْل. فقلت له: اذكر هذا، فقال: حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن ليث بن سعد عن عَقِيل -بالكَسْر-. ورأيت في كتابه أحاديث عن سويد بن عبد العزيز عن مغيرة وحصين قد أقلبها على سعيد بن عبد العزيز. فقلت له: هذه أحاديث سويد بن عبد العزيز فقال: نا سعيد بن عبد العزيز عن سويد، وأظنه لم يطلب العلم وهو كذاب. قال ابن أبي حاتم: ذكرت لعلي بن الحسين بن الجنيد بعض هذا الكلام عن أبي فقال: صدق أبو حاتم، ينبغي أن لا يُحَدَّثَ عنه". اهـ. كذا صَدْر هذا السياق في "الجرح"، وأما في "الميزان" و"اللسان" ففيهما: أما ابن أبي حاتم فقال: قلت لأبي: لم لا تحدث عن إبراهيم بن هشام الغساني. فقال: ذهبت إلى قريته .. أما أبو زرعة فقد نقل عنه ابن الجوزي أنه قال فيه: كذاب. وأما قول إبراهيم: عن ليث بن سعد عن عَقِيل، فقد قاله بكسر القاف من "عَقِيل"، والصواب فيه أنه بفتحها مع ضم العين -مصغرًا، وهو عُقَيْل بن خالد بن عَقيل -بالفتح- الأيلي.

قال المعلمي: في سنده "إبراهيم بن يزيد بن قديد، رواه سعد بن عبد الحميد عنه، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا. ذكر البخاري إبراهيم هذا في التاريخ (1/ 1 / 336) وذكر هذا الحديث. ثم قال البخاري: "هذا لا أصل له" وفي ترجمة إبراهيم من "الميزان" (¬1) ذكر هذا الحديث، وأن ابن عديّ (¬2) قال: "هذا منبهر بهذا الإسناد عن الأوزاعي". وفي "اللسان": أن العقيلي (¬3) ذكر إبراهيم وقال: "في حديثه وهم وغلط" ثم ساق هذا الحديث، وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات (¬4) عن الأزدي، وأنه قال في إبراهيم: "ليس حديثه بشيء، روى عن الأوزاعي، مناكير منها .. " فذكر هذا الحديث ثم قال: "لا أصل له". تعقبه السيوطى في "اللآلىء" (2/ 24) بقوله: "قلت: قال الحافظ ابن حجر في لسان "الميزان" (¬5): إبراهيم هذا ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬6). اهـ". ثم ذكر الشواهد، وكذا صنع شارح "الإحياء" (3/ 465) مع أن بقية عبارة "اللسان": "فقال "يعني ابن حبان في الثقات": يعتبر حديثه من غير رواية سعيد" كذا "قلت" قد قال ابن عدي: "لا يحضرني له غيره"، وسعيد بن عبد الجبار الراوي عنه، أخرج له ابن ماجه، وقد قال أبو أحمد: إنه يروى الكذب، فالآفة منه". اهـ. كذا قال: "سعيد بن عبد الجبار"، وكذلك قال في حكاية عبارة "الميزان"، مع أن الذي في "الميزان" المطبوع "سعد بن عبد الحميد" والتغيير من ابن حجر نفسه، فإن الذي روى ¬

_ (¬1) (748). (¬2) "الكامل" (1/ 252). (¬3) "ضعفاؤه" (1/ 72). (¬4) (3/ 75). (¬5) (1/ 125). (¬6) (8/ 61).

[29] إبراهيم بن يزيد القرشي الأموي أبو إسماعيل المكي يعرف بالخوزي

له ابن ماجه وحْدهُ وتكلم فيه أبو أحمد الحاكم هو سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، ترجمته في "التهذيب" (4/ 35) وفيها "قال أبو أحمد الحاكم: يرمى بالكذب". فأما سعد بن عبد الحميد بن جعفر فروى له الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وترجمته في "التهذيب" (3/ 477) وليس فيها عن أبي أحمد شيء، وإنما فيها عن ابن حبان: "كان ممن يروي المناكير عن المشاهير وممن فحش وهمه حتى حسن التنكب عن الاحتجاج به" و"قال ابن أبي حاتم في ترجمة إبراهيم: كان يسكن الثغر، روى عن الأوزاعي روى عنه سعد بن عبد الحميد بن جعفر". والغالب على الظن أن ما وقع في "اللسان" وهم. وإنما روى عن هذا الرجل سعد بن عبد الحميد بن جعفر، وعلي كل حال فقد بان أن ابن حبان إنما ذكر إبراهيم في الثقات لأنه يرى الحمل في هذا الحديث على الراوي عنه". اهـ. [29] إبراهيم بن يزيد القرشي الأموي أبو إسماعيل المكي يعرف بالخوزي: "الفوائد" (ص 213) هالك، قال أحمد، والنسائي، وابن الجنيد: "متروك الحديث" وقال ابن معين: "ليس بثقة وليس بشيء". وقال أبو زرعة، وأبو حاتم، والدارقطني: "منكر الحديث". وقال البخاري: "سكتوا عنه". وهذه من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال البرقي: "كان يتهم بالكذب". وقال ابن حبان: "روى المناكير الكثيرة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها" وروى ابن المبارك عنه مرّة ثم تركه فسئل أن يحدث عنه فقال: "تأمرني أن أعود في ذنب قد تبت منه". أهمل السيوطي هذا كله وقال: "أخرج له الترمذي وابن ماجه وقال ابن عديّ: يكتب حديثه" وهو يعلم أن فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن أجمع الناس على تكذيبه كالكلبي. وابن عديّ إنما قال: "هو في عداد من يكتب حديثه". وقد قال ابن المديني: "ضعيف لا أكتب عنه شيئًا". وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه". وعدّ ابن المبارك الرواية عنه ذنبًا تجب التوبة منه كما مرّ، مع أن ابن المبارك ليس ممن يشدد، فقد روى عن الكلبي.

[30] إبراهيم بن يزيد النخعي

فإن كان إبراهيم يكذب عمدًا كما اتهم بذلك فيما قال البرقي فواضح، وإلا فهو ممن يكثر منه الكذب خطأ". اهـ. [30] إبراهيم بن يزيد النخعي: قال المعلمي في "التنكيل" (2/ 32): "إبراهيم ربما دلس، وفي "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 108) من طريق "خلف بن سالم قال: سمعت عدة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن، وإبراهيم بن يزيد النخعي (¬1) .. وإبراهيم أيضًا يُدخل بينه وبين أصحاب عبد الله (¬2) مثل: هُني بن نُويرة، وسهم بن منجاب، وخزامة الطائي، وربما دلّس عنهم". اهـ. وفيه أيضًا (2/ 142) إسنادٌ فيه: عن إبراهيم قال: قال عبد الله .. فقال: "وإبراهيم عن عبد الله منقطع، وما رُوي عنه أنه قال: "إذا قلت: قال عبد الله، فهو عن غير واحد عن عبد الله" لا يدفع الانقطاع؛ لاحتمالِ: 1 - أن يسمع إبراهيم عن غير واحد ممن لم يلق عبد الله (¬3). ¬

_ (¬1) تمامه: "لأن الحسن -يعني البصري- كثيرًا ما يُدخل بينه وبين الصحابة أقوامًا مجهولين، وربما دلَّس عن مثل عُتي بن ضمرة. ودغفل بن حنظلة وأمثالهم". (¬2) يعني: ابن مسعود -رضي الله عنه-. (¬3) أفاد العلّامة الألباني هاهنا في تعليقه على هذا الموضع من "التنكيل" فائدة، فقال: "تصدير المصنف لقول إبراهيم المذكور بقوله "رُوي" مما يشعر اصطلاحًا - بأنه لم يثبت عنده، ولعل عذره في ذلك أنه لم يقف على إسناده، وإلا لجزم بصحته، فقد أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (6/ 190): أخبرنا عمرو بن الهيثم أبو قطن، قال: حدثنا شعبة، عن الأعمش، قال: قلت لإبراهيم: إذا حدثتني عن عبد الله فأَسْنِدْ، قال: إذا قلتُ: قال عبد الله، فقد سمعته من غير واحدٍ من أصحابه، وإذا قلت: حدثني فلان، فحدثني فلان". وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات. =

2 - أو ممن لقيه وليس بثقة (¬1). 3 - أو احتمال أن يغفل إبراهيم عن قاعدته. 4 - واحتمال أن تكون قاعدته خاصة بهذا اللفظ "قال عبد الله" ثم يحكي عن عبد الله بغير هذا اللفظ ما سمعه من واحد ضعيف، فلا يتنبه منْ بعْدهُ للفرق، فيرويه عنه بلفظ "قال عبد الله"، ولا سيما إذا كان فيمن بعده من هو سيء الحفظ كحماد (¬2) .. " ثم نقل المعلمي ما سبق نقله عن "علوم الحديث" للحاكم. ¬

_ = وقد أخرجه أبو زرعة الدمشقي في "تاريخ دمشق" (ق 131/ 2)، وهو في "المطبوع" (1 / ص 665): حدثنا أحمد بن شبويه، قال: حدثنا عمرو بن الهيثم به. إلا أنه قال: "فحدثني وحده". وإذا تأمل الباحث في قول إبراهيم "من غير واحد من أصحابه" يتبين له ضعف بعض الاحتمالات التى أوردها المصنف على ثبوت رواية إبراهيم إذا قال: قال ابن مسعود، فإن قوله: "من أصحابه" يبطل قول المصنف "أن يسمع إبراهيم من غير واحد ممن لم يلق عبد الله" كما هو ظاهر. وعُذْره في ذلك أنه نقل قول إبرإهيم هذا من "التهذيب"، ولم يقع فيه قوله: "من أصحابه" الذي هو نص في الاتصال. اهـ. كلام الألباني حفظه الله تعالى. (¬1) وهذا يَرِدُ عليه ما في التعليق السابق، لأنه لا يُعرف أصحاب ابن مسعود مَنْ بهذه الصفة، وهذا لو كان الصاحب واحدًا، فكيف لو كانوا غير واحد؟ ويقال في عذر المعلمي هنا ما قيل في الاحتمال الأول من اعتماده على النص الوارد في "تهذيب التهذيب". وأما الاحتمال الثالث والرابع فهما قائمان بلا شك، لا سيما الثالث منهما، وهو أن يسمع إبراهيم من غير أصحاب ابن مسعود الثقات المعروفين، كضعيفٍ أو مستورٍ أو مجهولٍ، عن ابن مسعود، ويكون بحيث لا يُقبل منه ما تفرد به عن ابن مسعود وغيره؛ لضعفه، أو لا يقبل منه ما تفرد به عن ابن مسعود دون أصحاب ابن مسعود المعروفين، فيغفل إبراهيم في هذا ويقول: "قال ابن مسعود". وقد عَضَّدَ المعلمي هذا الاحتمال بما نقله عن "معرفة علوم الحديث" للحاكم، وهؤلاء الذين يُدْخلهم إبراهيم بينه وبين أصحاب ابن مسعود، وإن كانوا ليسوا بالضعفاء، إلا أنهم بَيْن: مستور الحال متعبد، وموثق توثيقًا لَيِّنًا، وليسوا من الثقال الذين يعتمد عليهم، وإذا كان إبراهيم ربما دلَّس عن هؤلاء، فربما دلَّس عن غيرهم ممن هم أسوأ حالًا منهم، والله تعالى أعلم. (¬2) هو ابن أبي سليمان.

[31] إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني

[31] إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني: قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (10): وأما الجوزجاني فحافظ كبير متقن عارف، وثّقه تلميذه النسائي جامع "خصائص علي" وقائل تلك الكلمات في معاوية (¬1)، ووثقه آخرون. فأما ميْلُ الجوزجاني إلى النصب فقال ابن حبان في "الثقات": "كان حريزي المذهب ولم يكن بداعية" وكان صلبًا في السنة .. إلا أنه من صلابته ربما كان يتعدى طوره" وقال ابن عدي: "كان شديد الميل إلى مذهب أهل دمشق في الميل على علي". وليس في هذا ما يُبيِّنُ درجته في الميل .. [ثم طعن المعلمي في قصة الفروجة (¬2) المنسوبة للجوزجاني بأنها من رواية محمد بن الحسين السلمي النيسابوري عن الدارقطني بها، فالسلمي تكلموا فيه حتى رموه بوضع الحديث، والدارقطني لم يدرك الجوزجاني، إنما سمع هذه الحكاية على ما في معجم البلدان "جوزجانان" من عبد الله بن أحمد بن عدبس وهو مجهول الحال ليس في ترجمته من "تاريخ بغداد" (9/ 384)، و"تهذيب تاريخ ابن عساكر" (7/ 288) ما يُبيّن حاله، فلا تقوم بخبره حجة] .. ثم قال: فأما حط الجوزجاني على أهل الكوفة فخاصٌّ بمن كان شيعيًّا يبغض الصحابة أو يكون ممن يظن به ذلك .. ¬

_ (¬1) يعني أن توثيق النسائي -مع ما عُرف عنه من التشيع- للجوزجاني- مع ما عُرف عنه من النصب وهو ضد التشيع، لَيَدُلُّ على أن الجوزجاني لم يجاوز الحدَّ في بغضه للشيعة، ولم يصل إلى الدرجة التى يُتهم فيها عند غَضِّه منهم أو طعنه فيهم -كما سيأتي- ولا شك أن توثيق الرجل لمن يخالفه أو يضاده في المذهب ليرفع من درجة هذا التوثيق، فهذا هو مراد الشيخ المعلمي بقوله في النسائي: "جامع خصائص عليّ، وقائل تلك الكلمات في معاوية". والله الموفق. (¬2) هي ما رُوي أن جارية أخرجت للجوزنجاني فروجة لتذبحها، فلم تجد من يذبحها فقال: سبحان الله! فروجة لا يوجد من يذبحها، وعليّ يذبح في ضحوة نيفًا وعشرين ألف مسلم؟

ثم تقدم في القاعدة الرابعة من قسم القواعد النظرُ في حطِّ الجوزجاني على الشيعة، واتضح أنه لا يجاوز الحد، وليس فيه ما يسوغ اتهامه بتعمد الحكم بالباطل، أو يخدش في روايته ما فيه غض منهم أو طعن فيهم، وتوثيق أهل العلم له يدفع ذلك البتّة كما تقدم في القواعد والله أعلم. اهـ. وقال رحمه الله في القاعدة الرابعة من قسم القواعد من "التنكيل" وهي قاعدة "قدح الساخط، ومدح المحب ونحو ذلك" (1/ 60) قال: وقد تتبعت كثيرًا من كلام الجوزجاني في المتشيعين، فلم أجده متجاوزًا الحد، وإنما الرجل لما فيه من النصب يرى التشيع مذهبًا سيئًا، وبدعةً ضلالةً، وزيغًا عن الحق وخذلانًا، فيطلق على المتشيعين ما يقتضيه اعتقاده كقوله "زائغ عن القصد - سيء المذهب" ونحو ذلك. وكلامه في الأعمش ليس فيه جرح، بل هو توثيق، وإنما فيه ذمه بالتشيع والتدليس، وهذا أمر متفق عليه أن الأعمش كان يتشيع ويدلس، وربما دلس عن الضعفاء، وربما كان في ذلك ما ينكر. وهكذا كلامه في أبي نعيم (¬1)، فأما عبيد الله بن موسى فقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره بأشد من كلام الجوزجاني، وتكلم الجوزجاني في عاصم بن ضمرة، وقد تكلم فيه ابن المبارك وغيره، واستنكروا من حديثه ما استنكره الجوزجاني راجع "سنن البيهقي" (3/ 51) غاية الأمر أن الجوزجاني هوّل وعلى كل حال فلم يخرج من كلام أهل العلم .. قال الجوزجاني في يونس بن خباب: "كذاب مفتر" ويونس وإن وثقه ابن معين فقد قال البخاري: "منكر الحديث" وقال النسائي مع ما عرف عنه (¬2): "ليس بثقة"، واتفقوا ¬

_ (¬1) هو الفضل بن دكين. (¬2) يعني من التشيع.

[32] أثوب بن عتبة

على غلوّ يونس، ونقلوا عنه أنه قال: إن عثمان بن عفان قتل ابنتي النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأنه روى حديث سؤال القبر، ثم قال: هاهنا كلمة أخفاها الناصبة، قيل له: ما هي؟ قال: إنه ليُسأل في قبره: من وليّك؟ فإن قال: عليّ، نجا! فكيف لا يُعذر الجوزجاني مع نصبه أن يعتقد في مثل هذا أنه كذاب مفتر! اهـ. وقال المعلمي في ترجمة "علي بن مهران الرازي" من "التنكيل" رقم (168): قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: كان رديء المذهب غير ثقة. وقد تقدمت ترجمة الجوزجاني، وتبين أنه يميل إلى النصب، ويطلق هذه الكلمة "رديء المذهب" ونحوها على من يراه متشيعًا، وإن كان تشيعه خفيفًا، وتحقق في ترجمته في القواعد أنه إذا جرح رجلًا ولم يذكر حجة، وخالفه من هو مثله أو فوقه، فوثق ذلك الرجل، فالعمل على التوثيق .. ". اهـ. [32] أثوب بن عتبة: قال في "الفوائد" (ص 172): "مجهول". [33] أحمد بن إبراهيم بن خالد الموصلي أبو علي نزيل بغداد: قال في "طليعة التنكيل" (ص 24): "ثقة، وقد ثبت سماعه من شريك، ولم يكن مدلسًا، فروايته عن شريك محمولة على السماع كما هو معروف في علوم الحديث، وأصول الفقه". وهو مترجم في "التنكيل"، رقم (11). [34] أحمد بن إبراهيم القطيعي: في "الفوائد" (ص 236) خبر: "ما من أحد إلا هو يتمنى يوم القيامة أنه كان يأكل من الدنيا قوتًا".

[35] أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط

رواه الخطيب (¬1) من طريق أحمد بن إبراهيم القطيعي، ثنا عباد بن العوام، ثنا سفيان بن حسين عن يسار عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود مرفوعًا. قال المعلمي: ظاهر ترجمة القطيعي في "تاريخ بغداد" أنه مجهول لا يُذكر إلا في هذ الخبر، ويسار لم أقف له على أثر (¬2)، وفي "اللآلىء" (¬3) أن أبا نعيم أخرجه من وجه آخر عن عباد بن العوام بسنده فجعله من قول ابن مسعود لم يرفعه. اهـ. [35] أحمد بن إسحاق بن إبراهيم بن نبيط بن شريط: قال في "الفوائد" (ص 397): "جاء الكذب منه، لفق نسخة رواها عن أبيه عن جده عن نبيط، وقد ذكرها السيوطي في أواخر الذيل". [36] أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبو بكر القطيعي: قال في "التنكيل" ترجمة رقم (12) -جوابًا على قول الكوثري: مختلط فاحش الاختلاط- أقول: قضية الاختلاط ذكرها الخطيب في "التاريخ" (4/ 73) قال: "حُدِّثْتُ عن أبي الحسن بن الفرات .. " وذكرها الذهبي في "الميزان" عن ابن الصلاح قال: "اختل في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئًا مما يُقرأ عليه، ذكر هذا أبو الحسن ابن الفرات". والظاهر أن ابن الصلاح إنما أخذ ذلك مما ذكره الخطيب، ولا ندري منْ حدّث الخطيب، ومع الجهالة به لا تثبت القصة، لكن ابن حجر شدّها بأن الخطيب حكى ¬

_ (¬1) "تاريخه" (4/ 7 - 8). (¬2) لعله محرف من "سيّار" ففي ترجمة أبي وائل شقيق بن سلمة من "تهذيب الكمال" (12/ 550) رواية سيّار أبي الحكم -وهو العنزي الواسطي ويقال البصري- عنه، وكذا هو في ترجمة سيار (12/ 314) وإن لم يذكر المزي رواية سفيان بن حسين عن سيّار هذا. (¬3) (2/ 313) قال السيوطي: "وقال أبو نعيم: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي سهل، حدثنا عبد الله بن محمد العبسي، حدثنا عباد بن العوام به فذكره موقوفًا". اهـ.

في ترجمة أحمد بن أحمد السيبي أنه قال: "قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حيٌّ .. فقال لنا ابن الفرضي: لا تذهبوا إلى ابن مالك فإنّه قد ضعف واختلّ ومنعت ابني السماع منه". وهذه الحكاية في التاريخ (4/ 4) لكن ليس فيها ما في تلك المنقطعة مما يقتضي فحش الاختلاط، وقد قال الذهبي في "الميزان" بعد ذكر الحكاية الأولى: "فهذا القول غلو وإسراف". أقول: ويدل على أنه غلو وإسراف أن المشاهير من أئمة النقد في ذلك العصر، كالدارقطني والحاكم والبرقاني، لم يذكروا اختلاطًا ولا تغيرًا. وقد غمزه بعضهم بشيء آخر، قال الخطيب: "كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نسخها من كتابٍ لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنّا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين .. سمعت أبا بكر البرقاني سئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا .. ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك وإلا فهو ثقة". قال الخطيب: "وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بُلْه، فلما غرقت القطيعة بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه". أجاب ابن الجوزي في "المنتظم" (7/ 93) عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يطعن به عليه؛ لأنه يجوز أن تكون تلك الكتب قد قُرئت عليه وعورض بها أصله، وقد روى عنه الأئمة، كالدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبي نعيم والحاكم".

قال العلامة المعلمي تعليقًا على ما سبق: وقال الحاكم: "ثقة مأمون"، ونسْخُهُ ما غرق من كتبه من كتابٍ ليس عليه سماعه يحتمل ما قال ابن الجوزي، ويحتمل أن يكون ذاك الكتاب كان أصل ثقة آخر كان رفيقه في السماع، فعرف مطابقته لأصله، والمدار على الثقة بصحة النسخة، وقد ثبت أن الرجل في نفسه ثقة مأمون، وتلك الحكاية تحتمل ما لا ينافي ذلك فكان هو الظاهر .. [وبحث المعلمي هنا في سنة غرق القطيعة] ثم قال: والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه روى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه لأنه أبْين في التليين وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يرويه عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته؛ لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه. وقد قال الخطيب في "الكفاية" (ص 109): "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لردّ الحديث ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيًّا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميِّتًا أن يُنزله من نقل عنه منزلته، فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات ونظائر .. ". اهـ. فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتابٍ ليس عليه سماعه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لم يذكروا في حياته ولا بعد موته أنه حدث بعد تغير شديد، أو حدث مما استنسخه من كتابٍ ليس عليه سماعه، ولا استنكروا له رواية واحدة، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدم- تبّين بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به.

[37] أحمد بن الحجاج بن الصلت أبو العباس الأسدي

هذا وكُتب الإمام أحمدك "المسند" و"الزهد" كانت نسخُها مشهورة متداولة قد رواها غير القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية الكتب من طريقه لعلو السند، ويأتي لهذا مزيد في ترجمة الحسن بن علي بن المذهب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. اهـ. [37] أحمد بن الحجاج بن الصلت أبو العباس الأسدي: قال في "الفوائد" (ص 359): "هالك" (¬1). [38] أحمد بن الحسن بن جنيدب أبو الحسن الترمذي صاحب أحمد بن حنبل: ترجمته في "التنكيل" رقم (14)، وراجع "منهج البخاري في الرواية عن شيوخه في الصحيح" في القسم الخاص بمناهج الأئمة وتراجم المصنفين من هذا الكتاب. [39] أحمد بن الحسن بن خيرون: ترجمته في "التنكيل" رقم (15). قال الذهبي في "الميزان": "الثقة الثبت محدث بغداد، تكلم فيه ابن طاهر يقول زائف سمج .. وهو أوثق من ابن طاهر بكثير، بل هو ثقة مطلقًا .. " وقد زاد المعلمي في بيان زيف هذا القول فوائد وتحقيقات آثرت إلحاق بعضها بقسم القواعد من هذا الكتاب. ¬

_ (¬1) ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" (4/ 117) وذكر له خبرًا، قال الذهبى في "الميزان" (1/ 89): "عن سعدويه بإسناد الصحاح مرفوعًا: يُختم هذا الأمر بغلام من ولدك ياعم -يعني العباس- يصلى بعيسى ابن مريم. رواه عنه محمد بن مخلد العطار، فأحمد آفته. والعجب أن الخطيب ذكره في "تاريخ بغداد" ولم يضعفه، وكأنه سكت عنه لانتهاك حاله" اهـ.

[40] أحمد بن الحسين بن القاسم بن سمرة الكوفي الملقب بـ "رسول نفسه"

[40] أحمد بن الحسين (¬1) بن القاسم بن سمرة الكوفي الملقب بـ "رسول نفسه": "الفوائد" (ص 38): "متروك، كذبه ابن حبان". [41] أحمد بن خالد الكرماني: قال في ترجمته من "التنكيل" رقم (16) تعقيبًا على قول الكوثري "مجهول"، قال: وأنا أيضًا لم أظفر له بترجمة ولا خبر إلا في هذه الرواية، أو ذكره في شيوخ التمار (¬2). لكن مثل هذا لا يسوغ لأمثالنا أن يقول: "مجهول". اهـ. - أحمد بن رشدين: يأتي في: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين. [42] أحمد بن زهير بن حرب، هو: أحمد بن أبي خيثمة: قال في "التنكيل" ترجمة رقم (34) (1/ 180) ردًا على ما قوّى به الكوثري ابنَ الصلت، مِنْ أمْرِ ابن أبي خيثمة بالكتابة عنه. قال: "لم يُعْرف ابن أبي خيثمة بالتوقي عن الرواية عن الضعفاء، فضلًا عن الكتابة عنهم، بل عامّة المحدثين يكتبون عن كل أحد، إلا أن منهم أفرادًا كانوا يتقون أن يرووا إلا عن ثقة، ويكتبون عن الضعفاء للمعرفة، كما مرّ في ترجمة الإمام أحمد من نظره في كتب الواقدي. وأحمد بن أبي خيثمة .. كان مشتغلًا بجمع "التاريخ"، والتاريح يحتاج إلى مواد وتسامح في الرواية عن الضعفاء، فلو صحت القضية (¬3) [يعني قول ابن أبي خيثمة ¬

_ (¬1) قال المعلمي في الموضع المشار إليه من "الفوائد": هكذا ثبت اسم أبيه "الحسين" في اللآلىء والغيلانيات ونزهة الألباب في الألقاب لابن حجر، ووقع في "الميزان" واللسان "الحسن". (¬2) هو محمد بن إسماعيل الرقي التمار، الراوي عن الكرماني في الحكاية الواردة في "التنكيل". (¬3) كذا، وأخشى أن يكون الصواب: القصة.

[43] أحمد بن سعد بن أبي مريم هو ابن الحكم بن محمد بن سالم أبو جعفر المصري

لابنه عبد الله: أُكتب عن هذا الشيخ (¬1) يابني؛ فإنه كان يكتب معنا في المجالس منذ سبعين سنة ..]- لما كان فيها إلا شهادة ابن أبي خيثمة لابن الصلت أنه كان يكتب معهم من زمان طويل، وبذلك علّل أمر ابنه بالكتابة عنه، على ما جرت عادتهم من الحرص على الكتابة عن المعمِّر، ولو كان ضعيفًا، رغبةً في العُلُوِّ، وعلي كل حال فليس فيها توثيق. اهـ. وقال في ترجمة (109) (1/ 283) ردًّا على الكوثري في ذكره أن ابن أبي خيثمة نُسب للقدر: أما ابن أبي خيثمة فقال الدارقطني: "ثقة مأمون" وقال الخطيب: "كان ثقة عالمًا متقنًا حافظًا" .. فأما القدر فلو ثبت عنه لم يضره، كما سلف في القواعد، فكيف وهو غير ثابت؟ إذ لا يُدرى منِ الناسُ الذين نسبوه إليه؟ وما مستندهم في تلك النسبة؟ .. وأما اختصاصه بعلي بن عيسى فالظاهر أن الفرغاني لم يذكرها على جهة الدم، إذ ليس فيها ما يقتضيه، فإن علي بن عيسى الوزير كان من خيار الوزراء، مع مشاركته في العلم وعنايته بالعلماء، واختصاص ابن أبي خيثمة به إنما كان لعلقة العلم". اهـ. [43] أحمد بن سعد بن أبي مريم هو ابن الحكم بن محمد بن سالم أبو جعفر المصري: هو ممن روى عن ابن معين أقواله في الجرح والتعديل. قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (18): "ممن روى عنه: النسائي وقال: "لا بأس به" وأبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده، كما في ترجمة الحسين بن علي الأسود، وترجمة داود بن أمية من "تهذيب التهذيب"، وبقيُّ بن مخلد، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده، كما في ترجمة أحمد هذا من "تهذيب التهذيب". ¬

_ (¬1) يعني أحمد بن محمد بن الصلت الحمّاني وستأتي ترجمته، وهو هالك.

[44] أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد أبو بكر الحنبلي

ثم قال المعلمي. ردًّا على الكوثري في زعمه أنه "كثير الوهم وكثير الاضطراب في مسائله". قال: فأما كثرة وهمه وكثرة اضطرابه في مسائله فلم أعرفه، وكان على الأستاذ أن ينقل ذلك عمن يُعْتدُّ بقوله، أو يذكر عدة أمثلة لما زعمه .. وعلي كل حال فأحمد هذا قد قبله الأئمة، واحتجوا به (¬1) ولم يطعن فيه أحد منهم والله الموفق. اهـ. [44] أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس النجاد أبو بكر الحنبلي: ترجمته في "التنكيل" رقم (19) وانظر الأبحاث المتعلقة بالجرح والتعديل، منها: "أوصاف لا تستلزم القدح في الراوي". ومنها: "اختبار الواقع العملي للراوي" وغيرها، في قسم القواعد. [45] أحمد بن سهل بن أيوب الأهوازي (¬2): قال في "الفوائد" (ص 307): "هالك". [46] أحمد بن صالح أبو جعفر المصري المعروف بابن الطبري: قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (20): "وثقه الجمهور وعظموا شأنه، وقال النسائي: "غير ثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى ورماه يحيى بالكذب" وبيّن رمي يحيى بقوله: "حدثنا معاوية بن صالح سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف" وأنكر عليه أحاديث زعم أنه تفرد بها أو خالف. 1 - فأما قوله: "غير ثقة ولا مأمون" فمبنيّة على ما بعدها. ¬

_ (¬1) في طبعة دار الكتب السلفية من "التنكيل": "له" وهو تحريف. (¬2) "اللسان" (1/ 184).

2 - وأما قوله: "تركه محمد بن يحيى" فوهم، فإن رواية محمد بن يحيى عن أحمد بن صالح موجودة، وقال ابن عدي: "حدث عنه البخاري والذهلي [محمد بن يحيى] واعتمادهما عليه في كثير من حديث الحجاز". وكأن الذهلي لما سمع منه النسائي، لم يحدثه عن أحمد بن صالح، فظن النسائي أنه تركه، ولعله إنما لم يحدثه عنه لأنه كان حيًّا، ورأى الذهلي أن النسائي كغيره من طلحة الحديث إنما يرغبون في العوالي. 3 - وأما رواية معاوية بن صالح عن ابن معين فقد قال البخاري في أحمد بن صالح بن الطبري: "ثقة صدوق وما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة، كان أحمد بن حنبل وعلي [بن المديني] وابن نمير وغيرهم يثبتون أحمد بن صالح، وكان يحيى [بن معين] يقول: سلوا أحمد فإنّه أثبت". فإن كان هناك وهم في النقل، فالظاهر أنه في رواية معاوية؛ لأن البخاري أثبت منه، ولموافقة سائر الأئمة، وإن كان ليحيى قولان، فالذي رواه البخاري هو المعتمد لموافقة سائر الأئمة. وزعم ابن حبان أن أحمد بن صالح الذي كذبه ابن معين رجل آخر غير ابن الطبري، يقال له: الأشمومي (¬1)، كان يكون بمكة، ويقوي ذلك ما رواه البخاري من تثبيت ابن معين لابن الطبري، وأن ابن الطبري معروف بالصدق لا شأن له بالتفلسف. 4 - وأما الأحاديث التي انتقدها النسائي على ابن الطبري فقد أجاب عنها ابن عديّ. اهـ. ¬

_ (¬1) هو الآتي في الترجمة القادمة هنا، لكن فيه: الشمومي.

[47] أحمد بن صالح الشمومي

[47] أحمد بن صالح الشمومي (¬1): قال في "الفوائد" (ص 269): "تالف". [48] أحمد بن عبد الرحمن الكفرتوثي يعرف بـ "جحدر" (¬2): قال في "الفوائد" (ص 80): "هالك". [49] أحمد بن عبد الله بن أحمد بن إسحاق أبو نعيم الأصبهاني الحافظ: ترجمته في "التنكيل" رقم (21) وراجع ما يتعلق بـ "رواية الأحاديث المكذوبة والمنكرة في الكتب" و"أقسام الإجازة" من قسم القواعد. وأكتفي هنا بما نقله المعلمي عن الذهبي، قال: "قال الخطيب: قد رأيت لأبي نعيم أشياء يتساهل فيها، أنه يقول في الإجازة: أخبرنا - من غير أن يبّين" قال الذهبي: "فهذا ربما فعله نادرًا، فإني رأيته كثيرًا ما يقول: كتب إليّ جعفر الخلدي، وكتب إليّ أبو العباس الأصم، وأنا أبو الميمون بن راشد في كتابه، لكني رأيته يقول: أنا عبد الله ابن جعفر فيما قرىء عليه، فالظاهر أن هذا إجازة". قال المعلمي: وفي "فتح المغيث" للسخاوي (ص 222) عن شيخه ابن حجر أن هذا اصطلاح لأبي نعيم قد صرح به فقال: إذا قلت: أخبرنا - علي الإطلاق من غير أن أذكر فيه إجازة أو كتابة أو كتب إليّ أو أذن لي فهو إجازة، أو: حدثنا فهو سماع. قال ابن حجر: "ويقوي التزامه لذلك أنه أورد في "مستخرجه على علوم الحديث للحاكم" عدة أحاديث رواها عن الحاكم بلفظ الإخبار مطلقًا، وقال في آخر الكتاب: الذي رويته عن الحاكم بالإجازة .. ". ¬

_ (¬1) "المجروحين" (1/ 149)، و"الميزان" (1/ 105)، و"اللسان" (1/ 186) وجاء في بعض المصادر: "الشموني" بالنون. (¬2) انظر: "اللسان" (1/ 210 - 211).

قال المعلمي: وإذ قد عُرف اصطلاحه فلا حرج، ولكن من أقسام الإجازة: الإجازة العامّة، بأن يجيز الشيخ للطالب جميع مروياته أو جميع علومه، فينبغي التثبت في روايات العاملين بهذه الإجازة، فإذا ثبت في أحدهم أنه لا يروي بها إلا ما ثبت عنده قطعًا أنه من مرويات المجيز، فهذا ممن يوثق بما رواه بالإجازة، وإن بان لنا أو احتمل عندنا أن الرجل قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع ثقة عنده يحدث به عن المجيز، فينبغي أن يتوقف فيما رواه بالإجازة؛ لأنه بمنزلة قوله: حدثني ثقة عندي، وإن بان لنا في رجلٍ أنه قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع غير ثقة يحدث به عن المجيز فالتوقف في المروي أوجب، فأما الراوي فهو بمنزلة المدلس عن غير الثقات فإن كان قد عُرف بذلك فذاك، وإلا فهو على يديِّ عدْلٍ. وإذا تقرر هذا فقد رأيت في "تاريخ بغداد" ج (8) (ص 34): "أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا جعفر الخلدي في كتابه قال: سألت خير النساج .. " فذكر قصة غريبة ثم قال الخطيب "قلت: جعفر الخلدي ثقة، وهذه الحكاية طريفة جدًّا، يسبق إلى القلب استحالتها، وقد كان الخلدي كتب إلى أبي نعيم يجيز له رواية جميع علومه، وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مقسم عن الخلدي نفسه إجازة، وكان ابن مقسم غير ثقة. والله أعلم". أقول: فقول أبي نعيم: "أخبرنا الخلدي في كتابه" أراد به أن الخلدي كتب إليه بإجازته له جميع علومه، فأما القصة فإنما سمعها من ابن مقسم عن الخلدي، وابن مقسم غير ثقة، فهذا أشد ما يُقدح به في أبي نعيم، لكن لعلّه اغتر بما كان يظهره ابن مقسم من النسك والصلاح فظنّه ثقة، فإن ابن مقسم وهو أحمد بن محمد بن الحسن ابن مقسم ترجمته في "تاريخ بغداد" ج (4) (ص 429) وفيها: "حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ ومحمد بن عمر .. وكان يظهر النسك والصلاح ولم يكن في الحديث بثقة" وقد تكلم الدارقطني وغيره في ابن مقسم. والله المستعان.

[50] أحمد بن عبد الله الأصبهاني

والحق أن أبا نعيم وضع من نفسه ومن كتبه، فجزاؤه أن لا يعتد بشيء من مروياته إلا ما صرح فيه بالسماع الواضح. اهـ. [50] أحمد بن عبد الله الأصبهاني: قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 439): "حُدِّثْتُ عن أبي نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: سمعت علي بن حمشاذ يقول: سمعت أحمد بن عبد الله الأصبهاني يقول: أتيت عبد الله بن حنبل فقال: أين كنت؟ فقلت: في مجلس الكديمي، فقال: لا تذهب إلى ذاك فإنّه كذاب، فلما كان في بعض الأيام مررت به، فإذا عبد الله يكتب عنه فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عن هذا فإنه كذاب؟ قال: فأومأ بيده إلى فيه أن اسكت، فلما فرغ وقام من عنده قلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عنه؟ قال: إنما أردت بهذا أن لا يجيء الصبيان فيصيروا معنا في الإسناد واحدًا". فأعل الخطيب هذه القصة فقال: "كان عبد الله بن أحمد أتقى لله من أن يُكذِّب من هو عنده صادق، ويُحْتجّ بما حكى عنه هذا الأصبهاني، وفي هذه الحكاية نظر من جهته". زعم الكوثري أن الخطيب قد قال في أحمد بن عبد الله الأصبهاني هذا: مجهول، وزعم أيضًا أنه من ثقات شيوخ ابن حمشاذ مترجم في "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم. قال الشيخ المعلمي: ليس في عبارة الخطيب كلمة "مجهول" ولا هي صريحة في معناها؛ إذ يحتمل أن يكون الخطيب عرف الأصبهاني بالضعف، ويحتمل أنه لم يعرفه، ولكن استدل بنكارة حكايته على ضعفه، ولا يلزم من عدم معرفته له أن يجزم بأنه "مجهول" فإن المتحري مثل الخطيب لا يطلق كلمة "مجهول" إلا فيمن يئس من أن يعرفه هو أو غيره من أهل العلم في عصره، وإذا لم ييأس فإنما يقول: "لا أعرفه" ..

[51] أحمد بن عبد الله بن خالد الجويباري أبو علي الهروي

ولا أضايق الأستاذ في إطلاقه أن هذا الرجل من شيوخ ابن حمشاذ، وإن لم يُعرف لابن حمشاذ عنه إلا هذه الحكاية، إن صح أن ابن حمشاذ حكاها، ولا في جزمه بذلك مع ما مرّ (¬1) .. ، وإنما النظر في جزمه بأن هذا الرجل من الثقات. فمن أين لك ذلك؟ أنقلًا؟ فلماذا لم يذكره؟ أم أجتهادًا؟ فما حجته؟ أم مجازفةً؟ فالله حسيبه. وقوله: "مترجم في "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم" قد ذكرت هذا في "الطليعة" وقلت هناك "كذا قال وقد فتشت "تاريخ أصبهان" فوجدت فيه ممن يقال له: أحمد بن عبد الله - جماعة ليس في ترجمة واحد منهم ما يشعر بأنه هذا، وفوق ذلك فجميعهم غير مُوثّقِين" فتحامى الأستاذ في "الترحيب" التعرض لذاك الموضع البتة! .. ". اهـ. [51] أحمد بن عبد الله بن خالد الجويباري أبو علي الهروي: قال المعلمي في ترجمة: محمد بن سعيد البورقي من "التنكيل" رقم (207): "مشهور بالوضع مكشوف الأمر جدًّا". [52] أحمد بن عبد الله بن يزيد أبو جعفر المكتب البغدادي "المؤدب" يعرف بالهشيمي: قال في "الفوائد" (ص 374): "هالك يضع الحديث" (¬2). ¬

_ (¬1) يشير بلى ما قاله في قول الخطيب: "حُدِّثْتُ"" قال: لم يذكر الخطيب مَنْ حَدَّثَهُ، فإن قيل: إن الخطيب أعلّ القصة بالأصبهاني فدل ذلك على ثقة الخطيب بمن حدثه، قلت: ليس هذا بلازم، فقد لا يكون الخطيب وثق بمن حديثه حَقَّ الثقة، ولكن رأى إعلال الحكاية بالأصبهاني كافيًّا. اهـ. (¬2) حديثه الوارد في "الفوائد" هو في فضل عليّ، وعزا المعلمي ترجمته إلى "تاريخ بغداد" (4/ 218) رقم (1915)، و"اللسان" (1/ 197) رقم (620). وهو مترجم أيضًا في "الكامل" لابن عدي (1/ 192)، و"المجروحين" (1/ 152 - 153)، و"الميزان" (1/ 109)، و"تاريخ الإسلام" في الطبقة رقم (28). =

[53] أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفرياناني المروزي

[53] أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن الفرياناني المروزي (¬1): قال المعلمي في حاشية "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 284): "متكلم فيه حتى رُمي بالوضع". وفي حاشية "الفوائد" (ص 354): "كذّاب". قال أبو أنس: قال النسائي: ليس بثقة. وقال الدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عديّ: يروي عن الفضيل بن عياض وعبد الله بن المبارك والنضر بن محمد المروزي وأبي نضرة بالمناكير. وقال ابن حبان: كان ممن يروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وعن غير الإثبات ما لم يحدثوا به. وقال ابن السمعاني: وكان ممن يروي عن الثقات ما ليس من أحاديثهم، وكان محمد بن علي الحافظ سيء الرأي فيه. وقال أبو نعيم: مشهور بالوضع. ¬

_ = قال ابن عديّ: كان بسر من رأى يضع الحديث، ثم ساق له حديثًا يرويه عبن عبد الرزاق في فضل عليّ أيضًا وقال: وهذا حديث منكر موضوع، لا أعلم رواه عن عبد الرزاق إلا أحمد بن عبد الله المؤدب هذا. وذكر الخطيب هذا الحديث في ترجمة المؤدب وقال: لم يروه عن عبد الرزاق غير أحمد بن عبد الله هذا، وهو أنكر ما حفظ عليه. وقال أيضًا في صدر الترجمة: وفي بعض أحاديثه نكرة، ونقل قول ابن عديّ، ثم روى عن الدارقطني قوله: يحدث عن عبد الرزاق وغيره بالمناكير، يترك حديثه [وهو في "المتروكين" له رقم (68)] وقال ابن حبان: يروى عن عبد الرزاق والثقات الأوابد والطامات. ثم ذكر الحديث الذي أورده له ابن عدي في فضل عليّ. ثم قال: وهذا شيء مقلوب إسناده ومتنه جميعًا. اهـ. وقال الذهبي في "التاريخ": وكان كذابًا. (¬1) له ترجمة في "الكامل" (1/ 172)، و"المجروحين" (1/ 145)، و"ضعفاء النسائي" (70)، و"الأنساب" مادة "فريانان"، و"الميزان" (1/ 108)، و"اللسان" (1/ 194)، وغيرها.

وذكر المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (23) عن ابن السمعاني ما يدل على أن هذا الرجل كان له شهرة وصيت في "فريانان"، قال: وقد روى عنه الحسن بن سفيان وغيره كما في "الميزان"، قال الذهبي: "وقد رأيت البخاري يروي عنه في كتاب "الضعفاء". ثم شرع المعلمي يقرر أن البخاري رحمه الله تعالى لا يروي إلا عمن كان صدوقًا عنده في الأصل، يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وذلك استدلالًا بما حكاه الترمذي في "جامعه" (¬1)، باب الإمام ينهض بالركعتين، قال: قال محمد بن إسماعيل [البخاري]: "ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه (¬2)، لأنه لا يُدْرى صحيح حديثه من سقيمه، وكُلُّ من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا". وقد نقلت ما قرره المعلمي هنا -وفي غيره- مفصلًا فيما يتعلق بمنهج البخاري في الرواية عن شيوخه، فانظره هناك في القسم الخاص بمناهج أئمة النقد والمصنفين. ثم قال المعلمي: والمقصود هنا أن رواية البخاري عن الفرياناني تدل أنه كان عنده صدوقًا في الأصل، وقد لقيه البخاري فهو أعرف به ممن بعده، وقد تأيد ذلك بأن الرجل كان مشهورًا في تلك الجهة بالخير والصلاح كما مرّ، وأن أحمد بن سيار على جلالته لما سئل عنه قال: "لا سبيل إليه" كأنه يريد أنه لا ينبغي الكلام فيه بمدح لضعفه في الرواية، ولا قدح لصلاحه في نفسه، على أن أكثر الذين تكلموا فيه لم يرموه بتعمد الكذب، فأما أبو نعيم فمتأخر، وقد تتبعنا كلام من تقدمه فلم نجد فيه ما تحصل به النسبة إلى الوضع، فكيف الشهرة. اهـ. ¬

_ (¬1) (2/ 199) رقم (364). (¬2) يعني بواسطة، لأن البخاري لم يدرك ابن أبي ليلى - كما نبه عليه المعلمي رحمه الله.

[54] أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار الثقفي المعروف بـ "حمار العزيز"

لكن قال المعلمي في "الفوائد" (ص 71): "تالف (¬1) ترجمته في لسان "الميزان" (1/ 194). [54] أحمد بن عبيد الله بن محمد بن عمار الثقفي المعروف بـ "حمار العزيز" (¬2): "حاشية الموضع" 1/ 208): "مؤلف كتاب مثالب معاوية، كان من رؤوس الشيعة، ولم يوثق، فلا ينبغي الجزم بتوهيم الأئمة استنادًا إلى روايته". اهـ. [55] أحمد بن عبيد بن ناصح البغدادي أبو جعفر ويعرف بأبي عصيدة النحوي (¬3): قال ابن عدي: حدث عن الأصمعي ومحمد بن مصعب "بما لا يحدث به غيره" (¬4). وقال أيضًا: هو عندي مع هذا كله من أهل الصدق. وقال ابن حبان في "الثقات": ربما خالف. وقال الحاكم أبو عبد الله: هو إمام في النحو، وقدْ سكت مشايخنا عن الرواية عنه. وقال الحاكم أبو أحمد: لا يتابع في جُلِّ حديثه. قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (25): "كان ابن حبان وابن عديّ رأيا أنه لا يتعمد الكذب، ولكن يخطىء ويهم، مع احتمال أن يكون البلاء في كثير من ¬

_ (¬1) أقول: هذا هو القول الموافق لواقع الرجل، فكلمة أهل العلم مجتمعة على تركه وطرحه، وكون الرجل صدوقًا في الأصل، صالحًا في نفسه، يدفع عنه الوقوع في الكذب خطئًا، إن لم يقع فيه عمدًا. وصدق القائل: "لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث". يعني: الكذب خطئًا ووهمًا وغفلةً وتلقينًا ونحو ذلك، والله تعالى أعلم. (¬2) انظر "الميزان" (1/ 118)، و"اللسان" (1/ 219). (¬3) له ترجمة في: "الكامل" (1/ 188)، و"الثقات" (8/ 43)، و"تاريخ بغداد" (4/ 258)، و"تهذيب الكمال" (1/ 402)، و"الميزان" (1/ 118)، وكذا (2/ 662)، و"سير النبلاء" (13/ 193 - 194)، و"تهذيب التهذيب" (1/ 21)، وغيرها. (¬4) كذا في المطبوع من "الكامل" ونقل غير واحد هذا القول عن ابن عديّ بلفظ: "بمناكير".

[56] أحمد بن عتاب المروزي البلكياني

مناكيره من محمد بن مصعب، فإنّه ضعيف يروي المناكير، واتهمه بعضهم. فأما الأصمعي فثقة". وقال في حاشيته على "الفوائد المجموعة" (ص 501): "والذي يظهر من حاله أنه واهٍ جدًّا، لم تكن الرواية من شأنه، فكان إذا تعاطاها خلط تخليطًا قبيحًا". اهـ. [56] أحمد بن عتاب المروزي البلكياني: قال في "حاشية الأنساب" (2/ 296): "صالح مغفل لإكثاره عن هؤلاء الهلكى -وهم: نوح بن أبي مريم الجامع، وعبد الرحيم بن زيد العمِّي، وإسماعيل بن نوح- ومنهم جاءت المناكير". اهـ. بتصرف [57] أحمد بن علي بن الأفطح: في "الفوائد" (ص 456 - 457) خبرٌ رواه أحمد هذا قال: ثنا يحيى بن زهدم بن الحارث الغفاري، عن أبيه عن العرس بن عميرة. قال المعلمي: الأفطح يروي بهذا السند نسخة موضوعة، فأما أبو حاتم فلم يقف على هذه النسخة ولا شيء منها، بدليل أن ابنه ذكر زهدمًا (¬1) فلم يذكر له رواية عن العرس، وإنما قال: "روى عن أهبان بن صيفي، روى عنه ابنه: يحيى بن زهدم .. سمعت أبي يقول ذلك" وذكر ابنه يحيى (¬2) فقال: "كتب عنه أبي في سنة (216)، سألت أبي عنه، فقال: شيخ أرجو أن يكون صدوقًا". وأما ابن عديّ فتردد بين الأفطح ويحيى، فقال في الأفطح (¬3) بعد أن ذكر البلايا التي رواها عن يحيى: "لا أدري البلاء منه أو من شيخه" وقال في يحيى: "أرجو أنه لا بأس به" يعني: وأن البلاء من الأفطح. ¬

_ (¬1) "الجرح" (3/ 67). (¬2) "الجرح" (9/ 146). (¬3) عن "الميزان" (1/ 123)، و"اللسان" (1/ 233)، ولم أره في المطبوع من "الكامل".

[58] أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي

وأما ابن حبان فحمل على يحيى (¬1)، وقال في النسخة المذكورة: "البلية فيها من يحيى بن زهدم" (¬2) وزاد الياسوفي وابن حجر، فأرادا أن يشركا زهدمًا في التهمة (¬3). ووقع في ترجمة يحيى من "اللسان" تحريف (¬4)، وزاد ابن حجر ترجمة لزهدم، وذكر كلام الياسوفي، ثم وهم فزعم أن الذهبي ذكره، وهناك أيضًا تحريف (¬5). وعلي كل حال فثناء بعضهم على بعض رجال السند لا يفيد في تلك النسخة ولا في هذا الخبر. والذي يترجح صنيع ابن حبان، كأن يحيى كانت عنده أحاديث عن أبيه عن أهبان ليست بمنكرة، فسمعها منه أبو حاتم، ثم أعجبه (¬6) إقبال الناس عليه وسماعهم منه، فرأى أن يزيد في بضاعته بأى طريقة كانت، فصنع نسخة العرس. اهـ. [58] أحمد بن علي بن ثابت أبو بكر الخطيب البغدادي: قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (26) بعد أن نظر فيما رماه به حاسدوه ومبغضوه من متعصبة الحنابلة -بسبب تحوله عن المذهب- وغيرُهم من الرافضة الباطنية بدمشق، قال: ¬

_ (¬1) "المجروحين" (3/ 114). ووقع تخليط في نقل المعلمي كلام ابن حبان في "المجروحين" بواسطة "الميزان" و"اللسان" وذلك في تعليقه على "التاريخ الكبير" (3/ 449) فزاد: "أرجو أن يكون صدوقًا"، فاضطر إلى التوفيق بين ذلك وبين وصف ابن حبان لها بأنها نسخة موضوعة. (¬2) وقال في ترجمة أحمد من "الثقات" (8/ 50): "يروي عن يحيى بن زهدم عن أبيه عن العرس بن عميرة بنسخة مقلوبة، البلية فيها من يحيى بن زهدم، وأما هو في نفسه إذا حدث عن الثقات فصدوق .. ". (¬3) "اللسان" (2/ 491). (¬4) (6/ 255)، والمطبوعة على خمس نسخ خطية (7/ 322 - 323) خالية من هذا التحريف. (¬5) انظر الطبعة الأخرى (3/ 340) فهي على الصواب. (¬6) يعني: يحيى.

[59] أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأبار

"فقد اتضح بحمد الله سبحانه سلامة الخطيب في عقيدته، ونزاهته في سيرته، وأن ما ظُن غمزًا في سيرته -مع وضوح أنه ليس مما يعتد به شرعًا- ليس مما يسوغ احتماله تخرصًا، بل تقضي القرائن وشواهد الأحوال وقضايا العادات ببطلانه". اهـ. وتفصيل هذا الاتضاح تجده مفصلًا في تلك الترجمة المطولة التي اضطر المعلمي لعقدها إحقاقًا للحق، وردًّا للافتراءات التي رُمي بها الخطيب ظلمًا وزورًا، وإن لم يعتدّ بها مُعْتبَرٌ من أهل العلم، ولذا لم أر اختصار ما فيها من شبهات وردود في ترجمته هنا. والترجمة مليئة بالفوائد المتنوعة، أوردتها في مظانها من قسم القواعد من كتابنا هذا (¬1). [59] أحمد بن علي بن مسلم أبو العباس الأبار: أكتفي هنا بإيراد قول المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (27): "الأبار ودعلج من الحفاظ المعروفين، روى عنهما أئمة الحديث العارفون بالعدالة والرواية، ووثقوهما وأثنوا عليهما، ولم يطعن أحد في عدالتهما ولا روايتهما". اهـ. وراجع مبحث: "فنّ الاستفادة من علم الوفيات في دراسة بعض الأحوال التفصيلية للرواة" من قسم القواعد. [60] أحمد بن عيسى التنيسي الخشاب (¬2): قال في "الفوائد" (ص 170): "منكر الحديث". ¬

_ (¬1) راجع هناك أمثلة لـ: "نقد الحكايات". وكذا تراجم بعض المصنفين، كابن طاهر، وسبط ابن الجوزي، وجده ابن الجوزي، ففيها ذِكرٌ للخطيب. (¬2) له ترجمة في: "الكامل" (1/ 191)، و"المجروحين" (1/ 146)، و"الميزان" (1/ 126)، و"اللسان" (1/ 240)، و"تهذيب التهذيب" (1/ 57 - تمييزًا)، وغيرها.

[61] أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير الطبري

[61] أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة القاضي أبو بكر البغدادي، تلميذ محمد بن جرير الطبري (¬1): قال الدارقطني: "ربما حدث بما ليس عنده في كتابه". قال المعلمي في النوع الرابع من مغالطات الكوثري وغرائب تحريفه لنصوص أئمة الجرح والتعديل من "طليعة التنكيل"، ترجمة رقم (4) من هذا النوع: "هذا القيد: "في كتابه" يدفع القدح، فإنه لا يلزم من عدم كون الحديث عند أحمد في كتابه أن لا يكون عنده في حفظه". اهـ. وأعاد ذلك في ترجمته من "التنكيل" رقم (29) وزاد: "لا يخفى أن الظاهر من قولهم "عنده" يتناول ما في كتابه وما في حفظه، وعادة النقاد جارية على هذا الظاهر، وتجد أمثلة من ذلك في "تهذيب التهذيب" (ج 1 ص 110) ولا حاجة إلى تتبع ذلك ما دام هو الموافق للظاهر. .. غاية الأمر أن الدارقطني رأى أنه كان الأحوط لأحمد بن كامل أن لا يحدث بما ليس في كتابه وإن كان يحفظه، وترك الراوي للأحوط لا يقدح فيه، بل إذا خاف أن يكون تركُه رواية ما حفظه ولم يثبته في كتابه الأصل كتمانًا للعلم وتعريضًا للضياع، وجب عليه أن يرويه، وراجع ما تقدم في ترجمة أحمد بن جعفر بن حمدان. وأما قول الدارقطني: "أهلكه العجب" ففسرها الدارقطني بقوله: فإنه كان يختار ولا يضع لأحد من الأئمة أصلًا. فقيل له: كان جريري المذهب؟ فقال: بل خالفه، واختار لنفسه، وأملى كتابًا في السنن، وتكلم على الأخبار. فحاصل هذا أنه لم يكن يلزم مذهب إمام معين، بل كان ينظر في الحجج ثم يختار قول من رجح قوله عنده. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: "تاريخ بغداد" (4/ 357 - 359)، و"سير أعلام النبلاء" (15/ 544 - 546)، و"ميزان الاعتدال" (1/ 120)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (35)، و"لسان الميزان" (1/ 249)، وغيرها.

[62] أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري

أقول: وهذا أيضًا ليس بجرح بل هو بالمدح أولى، وقدر قال الخطيب: "كان من العلماء بأيام الناس والأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وتواريخ أصحاب الحديث، قال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله". اهـ. [62] أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبو جعفر المصري (¬1): قال المعلمي في ترجمة نعيم بن حماد رقم (258) (1/ 513) من "التنكيل": "فيه كلام (¬2) وقد وثقه مسلمة". [63] أحمد بن محمد بن الحسن بن يعقوب بن مقسم أبو الحسن المقرىء العطار: في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني من "التنكيل" رقم (21) قال المعلمي: ¬

_ (¬1) له ترجمة في "الجرح والتعديل" (2/ 75)، و"الكامل" (1/ 198)، و"الميزان" (1/ 133)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (30)، و"اللسان" (1/ 257)، وغيرها. (¬2) قال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمصر، ولم أحدث عنه لما تكلموا فيه. وحكى ابن عديّ قصةً فيها تكذيب أحمد بن صالح المصري له، ثم ساق له ابن عديّ حديثًا وقال: هذا الحديث بهذا الإسناد ليس بمحفوظ، وهو محتمل، وابن رشدين هذا صاحب حديث كثير، يحدث عنه الحفاظ بحديث مصر، أُنكرت عليه أشياء مما رواه وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه. اهـ. وفي "اللسان" عن ابن عديّ: وكأن آل بيت رشدين خُصوا بالضعف، من أحمد إلى رشدين. وفي "اللسان" أيضًا: وقال ابن يونس: توفي ليلة عاشوراء سنة (292) وكان من حفاظ الحديث وأهل الصنعة. وقال عبد الغني بن سعيد: سمعت حمزة بن محمد يقول: هو أَدْخَل على أحمد بن سعيد الهمداني حديث بكير بن الأشج عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- حديث الغار. وسمعت العدلَ الرضى أبا إسحاق إبراهيم بن محمد الرعيني يقول: سمعت الفقيه أبا بكر بن الحداد يقول: سمعت النسائي يقول: لو رجع أحمد بن سعيد عن حديث الغار عن بكير لحدثت عنه. وفيه أيضًا: قال مسلمة في "الصلة": "حدثنا عنه غير واحد، وكان ثقة عالمًا بالحديث". قلت: أما كونه عالمًا بالحديث، فقد وصفه ابن يونس بأنه من حفاظ الحديث وأهل الصنعة، لكنه لم يصرح بتوثيقه، ومسلمة بن قاسم مجروح فلا يقبل منه تفرده بهذا التوثيق، وتوثيقه مُعَارَضٌ بتضعيف ابن عدل، بل وتكذيب أحمد بن صالح -فيما حكاه ابن عدي-، ثم إن الرجل له مناكير يتفرد بها، ولم يوثقه مُعْتَبَرٌ، فقول ابن أبي حاتم مما يقوي الحكم عليه بالضعف والله تعالى أعلم.

[64] أحمد بن محمد بن حمدان أبو العباس، شيخ للبرقاني

رأيت في "تاريخ بغداد" (ج 8 ص 345): "أخبرنا جعفر الخلدي في كتابه قال سألت خير النساج .. " فذكر قصة غريبة ثم قال الخطيب: "قلت: جعفر الخلدي ثقة وهذه الحكاية طريفة جدًّا يسبق إلى القلب استحالتها .. وقد كان الخلدي كتب إلى أبي نعيم يجيز له رواية جميع علومه، وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مقسم عن الخلدي نفسه إجازة، وكان ابن مقسم غير ثقة والله أعلم". قال المعلمي: فقول أبي نعيم: "أخبرنا الخلدي في كتابه" أراد به أن الخلدي كتب إليه بإجازته له جميع علومه، فأما القصة فإنما سمعها من ابن مقسم عن الخلدي، وابن مقسم غير ثقة. فهذا أشد ما يقدح به في أبي نعيم، لكن لعله اغتر بما كان يظهره ابن مقسم من النسك والصلاح فظنه ثقة، فإن ابن مقسم هو أحمد ابن محمد بن الحسن بن مقسم ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 429) وفيها "حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ. ومحمد بن عمر .. وكان يظهر النسك والصلاح ولم يكن في الحديث بثقة". وقد تكلم الدارقطني وغيره في ابن مقسم. والله المستعان. [64] أحمد بن محمد بن حمدان أبو العباس، شيخٌ للبرقاني: قال المعلمي في ترجمة رقم (140) (1/ 330) من "التنكيل": "هو على اصطلاح الأستاذ -الكوثري-: مجهول الصفة، إنما ذكروا أن البرقاني سمع منه في أول أمره". [65] أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة أبو العباس الكوفي الحافظ: قال المعلمي في "الفوائد" (ص 409): "رافضي متهم". وقال في ترجمته من "التنكيل" رقم (33): "وابن عقدة لا نزاع في سعة حفظه ومعرفته .. ". ثم ساق ما جرحه به الحفاظ كالدارقطني والبرقاني والباغندي ومطين، ثم قال: "الذي يتحرر من هذه النقول وغيرها أن ابن عقدة ليس بعمدة، وفي سرقة الكتب، والأمر بالكذب، وبناء الرواية عليه، ما يمنع الاعتماد على الرجل فيما ينفرد به". اهـ.

وذكره المعلمي بأنه "ليس بعمدة" أيضًا في ترجمة رقم (82)، ورقم (219) وقال في الثانية: "لا يقبل من ابن عقدة ما ينقله من الجرح ولا سيما إذا كان مخالفه في المذهب". وفي ترجمة "محمد بن الحسين بن الربيع أبي الطيب" رقم (202) من "التنكيل" قال الشيخ المعلمي: زعم ابن عقدة أنه كان عند مطين فمرّ أبو الطيب فقال مطين: هذا كذاب ابن كذاب. فأما أبو أحمد الحاكم فإنما قال في أبي الطيب: "كان ابن عقدة سيء الرأي فيه" وهذا يشعر بأنه لم يعتمد على رواية ابن عقدة عن مطين وإلا لقال: "كان مطيّن سيء الرأي فيه". وابن عقدة ليس بعمدة كما تقدم في ترجمته، وقد تعقب الخطيب حكايته هذه في "التاريخ" (ج 2 ص 237) فقال: "في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد [بن عقدة] نظر، حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح فهل يقبل قوله أم لا؟ قال: "لا يقبل" وهذه الرواية مأخوذة عن كتاب معروف لحمزة. ثم روى الخطيب عن أبي يعلى الطوسي توثيق أبي الطيب قال: "كان ثقة صاحب مذهب حسن وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر .. " وقال ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 6 ص 23): "كان ثقة يفهم، وقد روى ابن عقدة عن الحضرمي "مطين" أنه قال: هو كذاب وليس هذا بصحيح" وقال ابن حجر في "اللسان": "الظاهر أن جرح ابن عقدة لا يؤثر فيه لما بينهما من المباينة في الاعتقاد". قال المعلمي: أما جرحه من قبل نفسه بلا حجة فنعم، وأما روايته عن غيره فلو كان (¬1) ثقة لم تُردُّ بالمباينة في الاعتقاد، ولكنه في نفسه على يدي عدْلٍ، فالمباينة في الاعتقاد تزيده وهنًا على وهنٍ، والله الموفق". ¬

_ (¬1) يعني: ابن عقدة.

[66] أحمد بن محمد بن شعيب السجزي أبو سهل

[66] أحمد بن محمد بن شعيب السجزي أبو سهل: قال في "الفوائد" (ص 81): "هالك". [67] أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحمّاني: مكشوف الأمر جدًّا، منهتك الستر، كذبه عامة الحفاظ ورموه بالوضع، وبالرواية عن جماعة لم يرهم، بل لم يدركهم. ترجمه المعلمي في "التنكيل" رقم (34) ترجمة مطولة أودع فيها أصنافًا من التحقيقات، وأجناسًا من الفوائد والتعليلات، قد أوردتها في مظانها من قسم القواعد من هذا الكتاب. [68] أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن يزيد بن سعيد أبو طلحة الفزاري البصري المعروف بالوساوسي: قال في ترجمته من "التنكيل" رقم (35): "سئل عنه الدارقطني (¬1) فقال: "تكلموا فيه". وقال الخطيب في التاريخ (ج 5 ص 58): سألت البرقاني عن أبي طلحة الفزاري فقال: ثقة". فكلمة "تكلموا فيه" ليست بجرح، إذ لا يُدْرى من المتكلم وما الكلام؟ والتوثيق صريح فالعمل عليه. اهـ. ¬

_ (¬1) "سؤالات السهمي" ترجمة (171)، و"تاريخ بغداد" (5/ 58)، و"تاريخ دمشق" - المطبوع (7/ 346) و"المغني في الضعفاء" للذهبي (ت 431)، وفيها جميعًا عن الدارقطني: "تكلموا فيه" فقط وزاد الذهبي في "الميزان" (1/ 145): "ضعفه الدارقطني"، بينما أهمل قول الدارقطني في "تاريخ الإسلام" الطبقة (33) واكتفى بنقل توثيق البرقاني. وذكر ابن عساكر والذهبي رواية الدارقطني عنه.

[69] أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد من آل أبي العوام أبو العباس ابن أبي العوام

[69] أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد من آل أبي العوام أبو العباس ابن أبي العوام: قال في "طليعة التنكيل" (ص 22): "ولَّاه العبيديون الباطنية القضاء بمصر، فكان يقضي بمذهبهم، ولم أر من وثقه، روى عنه الشهاب القضاعي هذا الكتاب [يعني كتاب فضائل أبي حنيفة وأصحابه] رواه أحمد عن أبيه عن جده على أنه تأليف الجدّ "عبد الله بن محمد"، وقد فتشت عن تراجمهم، فأما: أحمد بن محمد فله ترجمة في "قضاة مصر" (¬1) وفي "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية" (¬2) لعبد القادر القرشي، ووعد القرشي أن يذكر أباه وجده، ثم ذكر الجد (¬3) فقال: "عبد الله بن محمد بن أحمد" جدّ "أحمد بن محمد بن عبد الله الإمام المذكور في حرف الألف، ويأتي ابنه محمد". هذا نص الترجمة بحذافيرها، ولم أجد فيها ترجمة لمحمد. فعبد الله هذا هو الذي يقول الكوثري فيه: "الحافظ صاحب النسائي والطحاوي" كأنه أخذ ذلك من روايته عنهما في ذاك الكتاب. فأما أحمد فقد عرف بعض حاله، وأما أبوه وجدّه فلم أجد لهما أثرًا إلا من طريقه. اهـ. ¬

_ (¬1) هو في كتاب "الولاة وكتاب القضاة" اللكندي (ص 496). (¬2) (1/ 282 - 284) رقم (210). (¬3) (2/ 327) رقم (722).

[70] أحمد بن محمد بن عمر المنكدري أبو بكر الخراساني

[70] أحمد بن محمد بن عمر المنكدري أبو بكر الخراساني (¬1): قال في ترجمته من "التنكيل" رقم (36): "في "الميزان" و"اللسان" عن الإدريسي: "يقع في حديثه المناكير ومثله إن شاء الله لا يتعمد الكذب، سألت محمد بن أبي سعيد السمرقندي الحافظ فرأيته حسن الرأي فيه. وسمعته يقول: سمعت المنكدرى يقول: أناظر في ثلاثمائة ألف حديث، فقلت: هل رأيت بعد ابن عقدة أحفظ من المنكدري؟ قال: "لا". قال المعلمي: ومن يضاهي ابن عقدة في الحفظ والإكثار فلابد أن يقع في حديثه الأفراد والغرائب وإن كان أوثق الناس، فأما المناكير فقد يكون الحمل فيها على من فوقه، وعلي كل حال فلم يذكروا فيه جرحًا صريحًا ولا توثيقًا صريحًا، لكنهم قد أنكروا عليه في الجملة، فالظاهر أنه ليس بعمدة فلا يحتج بما ينفرد به. والله أعلم. ¬

_ (¬1) له ترجمة في: "تاريخ دمشق" المطبوع (7/ 368)، و"سير النبلاء" (14/ 532)، و"تذكرة الحفاظ" (2/ 793 - 794)، و"الميزان" (1/ 147)، و"المغني" (436) و"اللسان" (1/ 287) وغيرها. روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" عن الحاكم قال: مولد أبي بكر بالمدينة، ومنشؤه بالحرمين، ورحلته الأصلى إلى مصر والشام، ثم أقام بالبصرة بلى أن حدّث بها، ثم دخل الأهواز وأصبهان وحدّث بها، ثم ورد الريّ فحدث بها .. وله أفراد وعجائب، وقد كان أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأْرزُناني -الحافظ الأصبهاني الثقة المأمون- اجتمع به بَهراة وأنكر عليه. ثم روى البيهقي عن الحاكم قوله: سمعت أبا عبد الله محمد بن العباس الصبي العُصْمي يقول: لما ورد أحمد بن محمد المنكدري هَراة نزل قصر جدنا محمد بن عُصْم، فورد على أثره أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن الأْرزُناني الحافظ، فرأى المنكدريُّ أحاديث حَدَّث بها الأرزناني عن رجل من شيوخ المنكدري، فصعدا القصر يومًا من الأيام وبين يديّ المنكدريِّ حديث الأرزناني، وهو يتتبع تلك الأحاديث، وينقلها إلى دُرْج في يده. اهـ. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (32): قال الحاكم: له أفراد وعجائب، يضعِّفه بذلك". ووصفه الذهبي في "السير" و"التذكرة" بالحافظ البارع الجوال الإمام القدوة، وزاد في "التذكرة": جمع فأوعى وصنف، وأفاد على لِينٍ فيه. وفي النسخة السفاسقية من كتاب "المغني" للذهبي زيادة، وقال السليماني: "فيه نظر" ولم يذكر الذهبي هذا في سائر مصنفاته، والسليماني ممن يقول مثل هذا ولا يُعتمد عليه كما نبه عليه الذهبي في غير موضع، وانظر ترجمته في هذا الكتاب ضمن تراجم الأئمة والمصنفين.

[71] أحمد بن محمد بن عمر بن كركرة

وقال الشيخ في آخر ترجمة ابن الصلت من "التنكيل" رقم (34): "وحاصل الكلام فيه -أي المنكدري- أنه ليس بعمدة، ولكنه أحسن حالًا من ابن الصلت بكثير. اهـ. [71] أحمد بن محمد بن عمر بن كركرة (¬1): قال المعلمي في ترجمة أبي بكر بن أبي داود رقم (123): "وابن كركرة لم أجد له ذكرًا في غير هذا الموضع" (¬2). [72] أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست أبو عبد الله العلاف البغدادي: قال الخطيب (¬3): سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: "ابن دوست ضعيف، رأيت كتبه كلها طرية، وكان يذكر أن أصوله العتق غرقت فاستدرك نسخها. سألت البرقاني عن ابن دوست فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل إنه كان يكتب الأجزاء ويتربها ليظن أنها عتق. اهـ. قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (37): "فالتضعيف مفسر بما بعده، واعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالة الراوي واستقامة حديثه، فمن ظهرت عدالته وكان حديثه مستقيمًا وثقوه. ¬

_ (¬1) وجاء في "تذكرة الحفاظ" (2/ 772): محمد بن أحمد بن عمرو. (¬2) الموضع المشار إليه هو قول ابن عديّ في "الكامل" (4/ 265) في ترجمة عبد الله بن سليمان بن الأشعث بن أبي داود: "سمعت علي بن عبد الله الداهري يقول: سمعت أحمد بن محمد بن عمرو بن عيسى كركر [وفي مخطوطة الظاهرية من "الكامل" (2 / ق 228):"كركرة"] يقول: سمعت علي بن الحسين بن الجنيد يقول: سمعت أبا داود السجستاني يقول: ابني عبد الله هذا كذاب". قال المعلمي: لم تثبت الكلمة، يعني لجهالة الداهري وكركرة، وراجع ترجمة ابن أبي داود من كتابنا هذا. (¬3) "تاريخه" (5/ 125).

ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئًا من حديث الراوي طالبوه بالأصل، ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع فشدد النقاد، فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم الموثوق به المقيد سماعه فيه، فإذا لم يكن للشيخ أصل لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضهم بتضعيفه، فإذا ادّعى السماع ممن يستبعدون سماعه منه كان الأمر أشد، ولا ريب أن في هذه الحال الثالثة احتياطًا بالغًا. لكن إذا عُرفتْ عدالةُ الرجل وضبطُهُ وصدقُهُ في كلامه، وادّعى سماعًا محتملًا ممكنًا، ولم يبرز به أصلًا واعتذر بعذر محتمل قريب، ولم يأت بما ينكر، فبأيّ حجة يرد خبره؟ وقد قال الخطيب: "حدثني أبو عبد الله الصوري قال: قال لي حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست: أراك تملي المجالس من حفظك، فلم لا تملي من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليه فإن كان لك فيه زلل أو خطأ لم أمل من حفظي، وإن كان جميعه صوابًا فما الحاجة إلى الكتاب؟ أو كما قال". فيظهر أن والده لم يكتف بتسميعه، بل اعتنى بتحفيظه ما سمع، فإذا كانت أصوله بعد حفظه ما فيها غرقت فابتلّتْ وخيف تقطع الورق وبقيت الكتابة تُقرأ فاستنسخ منها، أو ذهبت فنسخ من حفظه، أو مِنْ كُتبٍ قد كانت قوبلت على أصوله، أو لم تقابل ولكنه اعتبرها بحفظه، فأي حرج في ذلك؟ وإِذْ كان اعتماده على حفظه، فهبْ أنه لم يكن له أصول البتة، أو كانت فتلفت ولم يستدرك نسخها، ألا يكون له أن يروي من حفظه؟ أو لا تقوم الحجة بخبره إذا كان عدلًا ضابطًا؟ وأما قضية التتريب فهي في عبارة للبرقاني قال الخطيب: "سألت البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء ويتربها ليظن أنها عتق".

فقوله "قيل .. " لا يُدرى من القائل، وعلي فرض صحة ذلك فهو تدليس خفيف، أراد به دفع تعنت بعض الطلبة، وكان إذا سئل يبين الواقع كما في بقية عبارة الأزهري. وأما قول البرقاني "تكلموا فيه" وما في الترجمة أن الدارقطني تكلم فيه (¬1)، فمحمول على ما صرحوا به مما مرّ، ومرّ ما فيه. وبعد، فقد وصفوا ابن دوست بالحفظ والمعرفة قال الخطيب: "كان مكثرًا من الحديث عارفًا به حافظًا له، .. " ولم يغمزه في دينه بشيء، ولا استنكروا له حديثًا واحدًا، فلا أرى أمره إلا قوّيًا والله أعلم. اهـ. وأما بالنسبة إلى سماع ابن دوست من المطيري -محمد بن جعفر- فقد روى الخطيب عن الحسين بن محمد بن طاهر الدقاق قال: .. ثم تكلم محمد بن أبي الفوارس في روايته عن المطيري وطعن عليه. ثم روى الخطيب عن عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني قال: .. وكان محمد ابن أبي الفوارس ينكر علينا مضيّنا إليه وسماعنا منه ثم جاء بعد ذلك وسمع منه. فقال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 41): "تكلموا فيه ولا سيما في سماعه من المطيري". لكنه قال في "التنكيل": "كأن ابن أبي الفوارس تكلم أولًا في سماع ابن دوست من المطيري؛ لأنه كان عند موت المطيري ابن اثنتي عشرة سنة، ثم كأنه تبّين لابن أبي الفوارس صحة السماع فعاد فقصد ابن دوست وسمع منه، وذلك أن والد ابن ¬

_ (¬1) روى الخطيب عن عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني قال: كان ابن دوست فهمًا بالحديث، عارفًا بالفقه على مذهب مالك، وكان عنده عن إسماعيل الصفار وحده ملء صندوق سوى ما كان عنده من غيره. قال: وكان يذاكر بحضرة أبي الحسن الدارقطني، ويتكلم في علم الحديث، فتكلم فيه الدارقطني بسبب ذلك. وكان محمد بن أبي الفوارس ينكر علينا مضيّنا إليه وسماعنا منه، ثم جاء بعد ذلك وسمع منه. اهـ.

[ز 1] أحمد بن محمد البغدادي

دوست كان من أهل العلم والصلاح والرواية والثقة ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 3 ص 409)، ووفاته سنة (381)، ومولد أحمد سنة (323) فقد ولد في شبابه، فكأنه اعتنى به فبكر به للسماع وقيد سماعه وضبطه له على عادة أهل العلم في ذاك العصر، وقد صحح المحدثون سماع الصغير المميز". اهـ [ز 1] (¬1) أحمد بن محمد البغدادي: "التنكيل" (1/ 17) قال الخطيب في "تاريخه" (1/ 223): "غير معروف عندنا". فقال الشيخ المعلمي: "بغدادي لا يعرفه الخطيب الذي صرف أكثر عمره في تتبع الرواة البغداديين لا يكون إلا مجهولًا". اهـ [73] أحمد بن محمود بن خرزاذ (¬2): قال في "الفوائد" (ص 307): "ضعيف مجهول". [74] أحمد بن المعذّل بن غيلان أبو الفضل العبدي البصري المالكي (¬3): قال الكوثري: هو أول من قام بنشر مذهب مالك بالبصرة بعد أن تفقه على عبد الملك بن الماجشون، وشيخه هذا (¬4) حينما رحل إلى العراق من المدينة المنورة رحل ومعه من يغنيه، فزهد فيه أهل العلم. ¬

_ (¬1) هذا أول موضع للتراجم الزائدة على الطبعة الأولى من هذا القسم، وهي عشرون ترجمة، وقد نبهت على ذلك في مقدمة هذه الطبعة، وبالله تعالى التوفيق. (¬2) انظر "اللسان" ترجمة يعيش بن هشام القرقيساني (6/ 314). (¬3) له ترجمة في: "ثقات ابن حبان" (8/ 16)، و"ترتيب المدارك" للقاضي عياض (1/ 550)، و"سير النبلاء" (11/ 519)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (24)، و"المشتبه" (2/ 600)، و"تبصير المنتبه" (ص 1299)، وغيرها. (¬4) يعني: عبد الملك.

قال الشيخ المعلمي: أما عبد الملك فلم يزهدوا فيه لاستجازته الغناء؛ فقد سبقه إليه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المجمع على توثيقه، وإنما زهدوا في عبد الملك لمنكراتٍ في روايته ولاتهامه برأي جهم كما ترى ذلك في ترجمته من "التهذيب". وأحمد بن المعذل لم يطعن أحد في روايته ولا عقيدته، ولا عرف بالترخيص في الغناء فيما علمت، وقد وثق (¬1). ولا يضر العالم أن يكون في شيوخه مطعون فيه. اهـ ¬

_ (¬1) قال ابن حبان في "الثقات": "ممن نصر مذهب مالك بالبصرة، فذبَّ عنه، ودعا الناس إليه وناظر عليه، وكان حسن الطريقة إلا أن الموت عاجله فلم يُنتفع بعلمه، وكان أبو خليفة ممن جالسه وتفقه به، وكان يفخم في أمره ويعظم من شأنه -رحمة الله عليهما- وكان أبو خليفة من إعجابه بمذهب مالك إذا رأى من يتفقه من أهل بغداد يقول: أحمدنا أفقه من أحمدكم - يريد أن أحمد بن المعذل أفقه من أحمد بن حنبل، وهيهات، أفقه الرجلين من كان أعلم بحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شك في أن أحمد بن حنبل أعلم بسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مائتي مثل أحمد بن المعذل، فابن حنبل أفقه الرجلين وأعلمهما". اهـ. وفي "تاريخ الإسلام" للذهبي: قال حرب الكرماني: سألت أحمد بن حنبل: أيكون من أهل السنة من قال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق - يعني القرآن؟. قال: لا، ولا كرامة. وقد بلغني عن ابن معذل الذي يقول بهذا القول أنه فتن الناس من أهل البصرة كثير. وقال أبو قلابة الرقاشي: قال لي أحمد بن حنبل: ما فعل ابن معذّل؟ قلت: هو على نحو ما بلغك. فقال: أما إنه لا يفلح. وقال نصر بن علي: قال الأصمعي، ومَرَّ به أحمد بن معذّل، فقال: لا تنتهي أو تفتق في الإسلام فتْقًا. فقال الذهبي: قلت: قد كان ابن المعذَّل من بحور العلم، لكنه لم يطلب الحديث، ودخل في الكلام، ولهذا توقف في مسألة القرآن، رحمه الله. اهـ

[75] أحمد بن منصور بن سيار بن المبارك البغدادي أبو بكر الرمادي

[75] أحمد بن منصور بن سيّار بن المبارك البغدادي أبو بكر الرمادي (¬1): في المسألة الحادية عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل" (2/ 80) وعنوانها: "للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة، سهمٌ له وسهمان لفرسه" ذكر الشيخ المعلمي حديث عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، من رواية عبد الله بن نمير عنه، عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم للفرس سهمين وللرجل سهمًا. وقال: رواه عن ابن نمير: الإمام أحمد في "المسند" (ج 2 ص 143)، وكذلك رواه الدارقطني (ص 467) (¬2) من طريق أحمد، ورواه مسلم في "الصحيح" (¬3) عن محمد بن عبد الله بن نمير عن أبيه .. ورواه الدارقطني أيضًا (¬4) من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن عبد الله بن نمير. وفي "مصنف ابن أبي شيبة" (¬5) باب "في الفارس كم يُقسم له؟ من قال: "ثلاثة أسهم": حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير قالا: ثنا عبيد الله بن عمر .. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل للفرس سهمين وللرجل سهمًا". وذكره ابن حجر في "الفتح" (¬6) عن "مصنف ابن أبي شيبة"، وذكر أن ابن أبي عاصم رواه في "كتاب الجهاد" له عن ابن أبي شيبة كذلك. ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" (1/ 492). (¬2) (4/ 102)، رقم (6). (¬3) (3 / ص 1383)، رقم (57). (¬4) (4/ 102)، رقم (5). (¬5) (12/ 396). (¬6) (6/ 68) وحمل الحافظ ابن حجر رواية الرمادي على أنها بالمعنى، وأن المقصود: للفارس سهم غير سهمىِ الفرس، فيصير للفارس ثلاثة أسهم، والمعنى: للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به، ونفى الوهم عن الرمادي، فراجعه هناك.

وقال الدارقطني (ص 469) (¬1): "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور "الرمادي" أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا أبو أسامة وابن نمير أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا". قال الرمادي: كذا يقول ابن نمير. قال لنا النيسابوري: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة، أو من الرمادي؛ لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا .. ". قال المعلمي: الوهم من الرمادي؛ فقد تقدم عن "مصنف ابن أبي شيبة": "للفرس - للرجل" وكذلك نقله ابن حجر عن "المصنف"، وكذلك رواه ابن أبي عاصم عن ابن أبي شيبة كما مرّ. ويؤكد ذلك أن ابن أبي شيبة صدّر بهذا الحديث الباب الذي في عنوانه: "من قال ثلاثة أسهم" كما مرّ، ثم ذكر باب آخر (¬2) عنوانه: "من قال للفارس سهمان" فذكر فيه حديث مجمع (¬3)، وأثريْ عليّ وأبي موسى. فلو كان عنده أن لفظ ابن نمير كما زعم الرمادي أو لفظ أبي أسامة أو كليهما: "للفارس - للراجل" لوضع الحديث في الباب الثاني. اهـ. ثم ذكر المعلمي -نقلًا عن "فتح الباري لابن حجر"- رواية الرمادي عن نعيم عن ابن المبارك عن عبيد الله بن عمر به ولفظها " .. عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهما" ثم قال -يعني ابن حجر-: وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق -وهو أثبت من نعيم- عن ابن المبارك بلفظ: "أسهم للفرس". ¬

_ (¬1) (4/ 106)، رقم (19). (¬2) (12/ 400). (¬3) هو مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري.

[76] الأحوص بن الجواب الصبي أبو الجواب الكوفي

فأما ما رواه الدارقطني (ص 469) (¬1): "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور "الرمادي" نا نعيم بن حماد نا ابن المبارك .. عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهمًا". قال أحمد: كذا لفظ نعيم عن ابن المبارك، والناس يخالفونه. قال النيسابوري: ولعل الوهم من نعيم لأن ابن المبارك من أثبت الناس". قال المعلمي: نعيم كثير الوهم ... ، ولكني أخشى أن يكون الوهم من الرمادي كما وهم على أبي بكر بن أبي شيبة، ولا أدري ما بليته في هذا الحديث مع أنهم وثقوه. اهـ [76] الأحوص بن الجوّاب الصبي أبو الجوّاب الكوفي: قال في ترجمته من "التنكيل" رقم (41): "في "تهذيب التهذيب": "قال ابن معين: ثقة، وقال مرة: ليس بذاك القوى". وهذا إنما يعطي أنه ليس غاية في الإتقان، فكأن ابن حبان فسّر ذلك إذْ قال في "الثقات": "كان متقنًا ربما وهم". وهذا إنما يظهر أثره عند ما يخالف من وثقوه مطلقًا، والأحوص من رجال مسلم في "صحيحه". اهـ [77] الأخنس بن خليفة، والد بكير بن الأخنس: قال ابن أبي حاتم في ترجمته من "الجرح والتعديل" (2/ 345) رقم (1311): سمعت أبي يُنكر على من أخرج اسمه في كتاب "الضعفاء" ويقول: لا أعلم روى عن الأخنس إلا ما روى أبو جناب يحيى بن أبي حيّة الكوفي عن بكير بن الأخنس عن أبيه، فإن كان أبو جناب ليِّن الحديث، فما ذنب الأخنس والد بكير؟ وبكير ثقة عند أهل العلم، وليس في حديثٍ واحدٍ رواه ثقة [واستظهر الشيخ المعلمي أن الصواب: غير ثقة، عن ثقة] عن أبيه، ما يلزم أباه الوهن بلا حجة. اهـ ¬

_ (¬1) (4/ 106)، رقم (20).

[78] إدريس بن سنان اليماني الصنعاني، سبط وهب بن منبه

قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (2/ 26 - طبعة الفاروق): "ولا يلزم من ذلك أن يكون الرجل ثقة؛ إذْ حاله غير معروفة، ورواية ابنه عنه فقط لا ترفع جهالة حالة، هذا إن رفعت جهالةُ عينه، والله أعلم". اهـ وقال الشيخ المعلمي في "حاشية الجرح": "الذي ذكره في الضعفاء: البخاري، وقال -كما في "الضعفاء الصغير" (¬1) -: "لم يصح حديثه". وفي هذا تنبيه على أن الحمل على غيره، وكذلك ذكر البخاري في "الضعفاء" (¬2): "هند بن أبي هالة" وهو صحابي، وقال: "يتكلمون في إسناده". فهذا اصطلاح البخاري؛ يذكر في "الضعفاء" من ليس له إلا حديث واحد لا يصح، على معنى أن الرواية عنه ضعيفة، ولا مشاحة في الاصطلاح". اهـ. [78] إدريس بن سنان اليماني الصنعاني، سبط وهب بن منبه: قال في "حاشية الموضح" (1/ 444): "متروك. قاله الدارقطني". [79] أرطاة بن الأشعث: في "الفوائد" (ص 165): "هالك". [80] إسحاق بن إبراهيم الحنيني أبو يعقوب المدني نزيل طرسوس: قال عبد الله بن يوسف التنيسي: "كان مالك يعظم الحنيني ويُكرمه"، وقال البخاري: "في حديثه نظر"، وقال أبو زرعة: "صالح" [زاد ابن حجر في تهذيبه: يعني في دينه لا في حديثه] (¬3) وقال أبو حاتم: "لم يرضه أحمد بن صالح" وقال ¬

_ (¬1) رقم (37). (¬2) رقم (392). (¬3) جاء قول ابن حجر هذا في نقل المعلمي عن "التهذيب" (1/ 195) من تمام كلام أبي زرعة، وبالرجوع إلى "الجرح والتعديل" (2/ 208): يتبين وجه الصواب.

[81] إسحاق بن إبراهيم الأزدي

النسائي: "ليس بثقة"، وقال البزار: "كف بصره فاضطرب حديثه"، وقال الحاكم أبو أحمد: "في حديثه بعض المناكير"، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان يخطىء". وقال الذهبي: "كان ذا عبادة وصلاح" وقال: "صاحب أوابد". قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (42): ذكروا أن البخاري يقول: "فيه نظر" أو"سكتوا عنها" فيمن هو عنده ضعيف جدًّا، قال السخاوي في "فتح المغيث" (ص 161): "وكثيرًا ما يعبرّ البخاريّ بهاتين .. فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير: إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها". ولم يقل البخاري في الحنيني: "فيه نظر"، إنما قال: "في حديثه نظر" وبينهما فرق، فقوله: "فيه نظر" تقتضي الطعن في صدقه وقوله: "في حديثه نظر" تشعر بأنه صالح في نفسه وإنما الخلل في حديثه لغفلةٍ أو سوء حفظ. والمقصود هنا أن الحنيني كان صالحًا في نفسه، فأما في حديثه فكلمة البخاري تقتضي أنه مطرح لا يصلح حتى للاعتبار، وكذلك كلمة النسائي. وصنيع ابن حبان يقتضي أنه يعتبر به، وكذا كلمة الحاكم أبي أحمد، ويوافقهما قول ابن عديّ: "ضعيف ومع ضعفه يكتب حديثه". وكلمة البزار تقتضي أن حديثه كان قبل عماه مستقيمًا، فينظر متى عمى؟ ومتى سمع منه الحسن بن الصباح (¬1)؟ وهل روايته التي ساقها الخطيب من مظان الغلط؟ [81] إسحاق بن إبراهيم الأزدي: "الفوائد" (ص 400): "هالك". ¬

_ (¬1) هو الراوي عنه في ذاك الموضع من ترجمة أبي حنيفة في "تاريخ بغداد".

[82] إسحاق بن إبراهيم النحوي الواسطي المؤدب

[82] إسحاق بن إبراهيم النحوي الواسطي المؤدب: "الفوائد" (ص 78): "كذاب". [83] إسحاق بن داود بن المحبر: "الفوائد" (ص 446): "كان صاحب مناكير". [84] إسحاق بن رافع أخو إسماعيل بن رافع المدني: "الفوائد" (ص 431): "من أتباع التابعين وفيه كلام" (¬1). [85] إسحاق بن سعيد بن إبراهيم بن عمير بن الأركون أبو مسلمة القرشي الجمحي الدمشقي: "الفوائد" (ص 462): "مُتّهم" (¬2). [86] إسحاق بن الضيف -ويقال ابن إبراهيم بن الضيف- الباهلي أبو يعقوب العسكري البصري نزيل مصر: "الفوائد" (ص 347): "صدوق يخطىء" (¬3). ¬

_ (¬1) قال أبو حاتم: ليس بالقوى، ليِّن، وهو أحب إليّ من أخيه إسماعيل وأصلح. "الجرح" (2/ 219)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 106). (¬2) قال أبو حاتم: ليس بثقة، أخرج إلينا كتابًا عن محمد بن راشد، فبقي يتفكر، فظننا أنه يتفكر: هل يكذب أم لا، فقلت: سمعت من الوليد بن مسلم عن محمد بن راشد؟ قال: نعم. "الجرح" (2/ 221). وقال الدارقطني: منكر الحديث. "تاريخ دمشق" لابن عساكر (2/ 757 - الظاهرية)، و"اللسان" (1/ 363). توفي سنة ثلاث وثلاثين ومائتين. (¬3) في "الجرح والتعديل" (2/ 210): قال ابن أبي حاتم روى عنه أبي. سئل أبي عنه فقال: صدوق. لكن في "تاريخ دمشق" (2/ 760 الظاهرية) نسبة هذا القول إلى أبي زرعة. وكذا نسب المزي في "تهذيب الكمال" (2/ 438) هذا القول لأبي زرعة. وقد ذكر ابن عساكر في "تاريخه" رواية أبي داود عنه. قال المزي: ولم يقتل في سننه ولم يذكره في "الشيوخ النبل"، ولم أقف على روايته عنه. وقال ابن حبان: ثنا عنه محمد بن يعقوب الخطيب بالأهواز وغيره، ربما أخطأ. "الثقات" (8/ 120).

[87] إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة القرشي الأموي مولاهم أبو سليمان المدني

[87] إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة القرشي الأموي مولاهم أبو سليمان المدني: قال في "التنكيل" في أواخر المسألة الخامسة عشرة (2/ 177): "هالك باتفاقهم". وفي "الفوائد" (ص 476): "متروك". [88] إسحاق بن نجيح الأزدي أبو صالح أو أبو يزيد الملطي نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 337): "كذاب". [89] أسد بن موسى بن إبراهيم المرواني الأموي المعروف بـ "أسد السنة": قال ابن حزم: "منكر الحديث". قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (46): "قد قال البخاري: "مشهور الحديث" وهذا بحسب الظاهر يبطل قول ابن حزم، لكن يجمع بينهما قول ابن يونس: "حدث بأحاديث منكرة، وأحسب الآفة من غيره". وقول النسائي: "ثقة، ولو لم يصنف كان خيرًا له" وذلك أنه لما صنف احتاج إلى الرواية عن الضعفاء فجاءت في ذلك مناكير، فحمل ابن حزم على أسد، ورأى ابن يونس أن أحاديثه عن الثقات معروفة. وحقق البخاري فقال: "حديثه مشهور" يريد والله أعلم: مشهور عمن روى عنهم، فما كان فيه من إنكار فمِنْ قِبلِهِ. وقد قال ابن يونس أيضًا والبزار وابن قانع حافظ الحنفية: "ثقة"، وقال العجلي: "ثقة صاحب سنة". وفي "الميزان": "استشهد به البخاري، واحتج به النسائي وأبو داود، وما علمت به بأسًا". اهـ

[90] أسد بن وداعة الشامي أبو العلاء

[90] أسد بن وداعة الشامي أبو العلاء: "الفوائد" (ص 245): "ناصبي بغيض، كان هو ورهط معه يقعدون يسبون عليًّا -رضي الله عنه-، وكان ثور بن يزيد يقعد معهم ولا يسب، فكانوا إذا قرموا (¬1) للسب سبوا، ويلحون على ثور أن يشركهم فيأبى، فيجرون برجله" (¬2). [91] إسرائيل بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي أبو يوسف الكوفي: "الفوائد" (ص 457): "فيه بعض كلام". وفي "الجرح والتعديل" (2/ 330) رقم (1258) قال ابن أبي حاتم: أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إليّ: نا أبو بكر بن أبي شيبة: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان إسرائيل في الحديث لِصًّا. يعني أنه يتلقف العلم تلقفًا. اهـ. ¬

_ (¬1) هكذا في "الفوائد": فإن صحت فالمراد بها هنا: اشتهوا السب كاشتهائهم أكل اللحم. والقَرَمُ: شدة شهوة اللحم، يقال: قَرِمْت إلى اللحم قَرَمًا فأنا قَرِمٌ - تشَهَّيته، كتاب "العين" (1/ 399) و"المخ -صلى الله عليه وسلم-" لابن سيده (1/ 371)، والله تعالى أعلم. (¬2) قال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (2 / ص 699): حدثنا عبد الله بن صالح، قال: حدثني معاوية بن صالح قال: كان أسد بن وداعة قديمًا مرضيًا. اهـ. ورواه البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 50) عن عبد الله به، بلفظ: كان أسد بن وداعة مرضيًا. اهـ. وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح" (2/ 337) بغير جرح ولا تعديل، ونقل الذهبي عن النسائي توثيقه، وقال ابن معين: كان هو وأزهر الحراني وجماعة يسبون عليًا، وكان ثور لا يسب عليًّا .. ونقله أبو العرب [يعني القيرواني في الضعفاء] وقال بعده: مَنْ سبَّ الصحابة فليس بثقة ولا مأمون "اللسان" (1/ 385) وذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 56) وقال: "روى عنه أهل الشام، وكان عابدًا، قتل سنة ست أو سبع وثلاثين ومائة" وقال في "المشاهير" رقم (863): "من عباد أهل الشام وقرائهم". وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (14): "كان من العلماء بدمشق، وفيه نَصْبٌ معروف، نسأل الله العفو". ولم يترجم له ابن عساكر في "تاريخه" (2/ 797 - 803) فيمن اسمه أسد.

[92] أسماء بن الحكم الفزاري أبو حسان الكوفي

فعلّق الشيخ المعلمي. بقوله: في "التهذيب" (1/ 263): "قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي: إسرائيل لصٌّ يسرق الحديث". كذا قال، والمعروف عن ابن مهدي توثيق إسرائيل والثناء عليه، وفي "التهذيب": "وقال ابن مهدي: إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري". فكلمة "يسرق الحديث" إنما هي من قول عثمان، فسّر بها كلمة "لص" والصواب ما قاله المؤلف (¬1). [92] أسماء بن الحكم الفزاري أبو حسان الكوفي: روى أسماء عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- "أنه كان إذا حدثه أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بشيء استحلفه فإذا حلف له صدّقهُ ... " (¬2). فقال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 68): هذا شيء تفرد به أسماء ابن الحكم الفزاري، وهو رجل مجهول، وقد ردّه البخاري (¬3) وغيره كما في ترجمة ¬

_ (¬1) يعني ابن أبي حاتم، وهو قوله: "يعني أنه يتلقف العلم تلقفًا". والمقصود به أنه لسرعة فهمه وحدَّةِ ذكائه، لا يسمع شيئًا إلا حفظه وفهمه بسرعة وخِفَّة، والله تعالى أعلم. (¬2) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 2، 9، 10)، والطيالسي في "مسنده" (2/ 78)، والترمذي (406، 3009)، وابن حبان في "صحيحه" (2454) وغيرهم. (¬3) قال البخاري في "التاريخ الكبير" (2/ 54): "لم يُرْو عن أسماء بن الحكم إلا هذا الواحد، وحديث آخر ولم يتابع عليه، وقد روى أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- بعضهم عن بعض، فلم يُحَلِّفْ بعضُهم بعضًا". فقال المزي في "تهذيب الكمال" (2/ 534): "ما ذكره البخاري رحمه الله لا يقدح في صحة هذا الحديث، ولا يوجب ضعفه، أما كونه لم يُتَابع عليه، فليس شرطًا في صحة كل حديث صحيح أن يكون لراويه متابعٌ عليه، وفي "الصحيح عدّة أحاديث لا تُعرف إلا من وجه واحد، نحو حديث "الأعمال بالنية" الذي أجمع أهل العلم على صحته وتلقيه بالقبول، وغير ذلك. وأما ما أنكره من الاستحلاف، فليس فيه أن كل واحدٍ من الصحابة كان يستحلف من حدَّثه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل فيه أن عليًّا -رضي الله عنه- كان يفعل ذلك، وليس ذلك بمنكر أن يحتاط في حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما فعل عمر -رضي الله عنه- في سؤاله البيَّنة بعض من كان يروي له شيئًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، كما هو مشهور عنه، والاستحلاف أيسر من سؤال البينة، وقد رُوي الاستحلاف عن غيره أيضًا. على أن =

أسماء من "تهذيب التهذيب"، وتوثيق العجلي وجدتُّه بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع، فلا يقاوم إنكار البخاري وغيره على أسماء. على أنه لو فرض ثبوته فإنما هو مزيد احتياط، لا دليل على اشتراطه. هذا ومن المتواتر عن الخلفاء الأربعة أن كلا منهم كان يقضي ويفتي بما عنده من السنة بدون حاجة إلى أن تكون عند غيره، وأنهم كانوا ينصبون العمال من الصحابة وغيرهم ويأمرونهم أن يقضي ويفتي كل منهم بما عنده من السنة بدون حاجة إلى وجودها عند غيره. هذا مع أن المنقول عن أبي بكر وعمر وجمهور العلماء أن القاضي لا يقضي بعلمه. قال أبو بكر: "لو وجدت رجلًا على حدٍّ، ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري". ¬

_ = هذا الحديث له متابع، رواه عبد الله بن نافع الصائغ، عن سليمان بن يزيد الكعبي، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن عليّ. ورواه حجاج بن نصير عن المعارك بن عباد، عن عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن جدّه، عن علي. ورواه داود بن مهران الدباغ، عن عمر بن يزيد، عن أبي إسحاق، عن عبد خير، عن عليّ، ولم يذكروا قصة الاستحلاف. اهـ فتعقبه ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 235) بقوله: المتابعات التى ذكرها لا تشد هذا الحديث شيئًا؛ لأنها ضعيفة جدًا، ولعلّ البخاري إنما أراد بعدم المتابعة: في الاستحلاف، أو في الحديث الآخر الذي أشار إليه .. وتبع العقيلي البخاري في إنكار الاستحلاف فقال: قد سمع علي من عمر فلم يستحلفه. قال ابن حجر: وجاءت عنه رواية عن المقداد وأخرى عن عمار ورواية عن فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهم، وليس في شيء من طرقه أنه استحلفهم. وقال ابن حبان في "الثقات": يخطىء. وأخرج له هذا الحديث في صحيحه، وهذا عجيب؛ لأنه إذا حكم بأنه يخطىء، وجزم البخاري بأنه لم يرو غير حديثين، يخرج من كلاهما أن أحد الحديثين خطأ، ويلزم من تصحيحه أحدهما انحصار الخطأ في الثاني. وقد ذكر العقيلي أن الحديث الثاني تفرد به عثمان ابن المغيرة عن علي بن ربيعة عن أسماء، وقال: إن عثمان منكر الحديث". اهـ

[93] إسماعيل بن أبان الغنوي العامري، أبو إسحاق الكوفي الخياط

وقال عكرمة: "قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: لو رأيتُ رجلًا على حد زنا أو سرقة وأنا أمير؟ فقال: شهادتك شهادة رجل من المسلمين، قال: صدقت". راجع فتح الباري (13/ 139 و 141). ولو كان عندهم أن خبر الواحد العدل ليس بحجة تامّة لما كان للقاضي أن يقضي بخبر عنده حتى يكون معه غيره، ولا كان للمفتي أن يفتي بحسب خبر عنده ويلزم المستفتي العمل به حتى يكون معه غيره. فتدبر هذا فإنّه إجماع، وقد مضى به العمل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه الغنى. اهـ. [93] إسماعيل بن أبان الغنويّ العامريّ، أبو إسحاق الكوفي الخياط: "الفوائد" (ص 400): "هالك". [94] إسماعيل بن إبراهيم بن معمر بن الحسن أبو معمر القطيعي الهذلي الهروي الكوفي: ترجمته في "التنكيل" رقم (47). وراجع المبحث الخاص بـ "محنة خلق القرآن وأثرها في علم الرواية" من قسم القواعد من هذا الكتاب. [95] إسماعيل بن إبراهيم بن هود الواسطي الضرير أبو إبراهيم: "الفوائد" (ص 104): "ليس بالقوي كما قال الدارقطني" (¬1). ¬

_ (¬1) "الضعفاء والمتروكون" له رقم (89). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: كان جهميًا، فلا أحدث عنه، وانتهى أبو زرعة في مسند ابن عمر إلى حديث لإسماعيل بن إبراهيم بن هود فقال: اضربوا عليه، ولم يُقِرَّهُ. قال: وسمعت أبي يقول: إسماعيل بن إبراهيم بن هود كان يقف في القرآن، فلا أحدث عنه. اهـ .. "الجرح" (2/ 157 - 158). وسماهُ ابن حبان في "الثقات" (8/ 104): "إسماعيل بن هود، وقال: ثنا عنه الحسن بن سفيان وغيره من شيوخنا" اهـ.

[96] إسماعيل بن إسحاق بن الحصين ابن بنت معمر بن سليمان المعمري أبو محمد الرقي

[96] إسماعيل بن إسحاق بن الحصين ابن بنت معمر بن سليمان المعمري أبو محمد الرقي: في "الفوائد المجموعة" (ص 97) حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن الصرد أول طير صام عاشوراء. رواه الخطيب (¬1) من طريق إسماعيل بن إسحاق الرقي حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه .. قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 204): في إسناده: عبد الله بن معاوية، منكر الحديث. فقال الشيخ المعلمي: هذا من أوهام ابن الجوزي، فإن الذي قيل فيه "منكر الحديث" هو عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي، والذي في السند منصوص على أنه جمحي، وهو عبد الله بن معاوية، وهو ابن موسى بن أبي غليظ الجمحي، ثقة عندهم. والبلاء في هذا الحديث من غيره، إما أبيه، وإما الراوي عنه: إسماعيل بن إسحاق ابن الحصين المعمري الرقي ابن بنت معمر بن سليمان الرقي، رواه الرقي عن عبد الله "سمعت أبي يحدث عن أبيه عن جده عن أبي غليظ بن أمية بن خلف" قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ. أخرجه الخطيب في التاريخ (6/ 296) في ترجمة إسماعيل من وجهين عنه، ثم ذكر من وجه ثالث عنه أيضًا، ولكن وقع فيه تخليط، ولم يذكر الخطيب في إسماعيل جرحًا ولا تعديلًا، وإنما أشار إلى وهذه بذكر هذا الحديث، ولم يذكر إسماعيل في "الميزان" ولا "اللسان"، وإنما ذكرا (¬2): معاوية بن موسى والد عبد الله، وفيهما: "هذا حديث منكر، رواه ثلاثة عن الرقي". اهـ. ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (6/ 295 - 296). (¬2) "الميزان" (4/ 137)، و"اللسان" (6/ 159).

[97] إسماعيل بن أبي إسماعيل المؤدب

[97] إسماعيل بن أبي إسماعيل المؤدب: "الفوائد" (ص 470): "ضعيف". [ز 2] إسماعيل بن حمدويه البيكندي: قال الكوثري: "مجهول". فقال الشيخ المعلمي: ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "يروي عن أبي نعيم وأبي الوليد وأهل البصرة، حدثنا عنه محمد بن المنذر شكّر، كان مقيمًا بالرملة زمانًا، وكتب عنه شكر". أقول: فقد عرفه ابن حبان وعرف حديثه، وتوثيقه لمن عرفه وعرف حديثه مقبولٌ، كتوثيق غيره من الأئمة، ويأتي شرح ذلك في ترجمة ابن حبان من "التنكيل". اهـ. [98] إسماعيل بن داود بن عبد الله بن مخراق وهو إسماعيل بن مخراق نسب إلى جده الأعلى. "الفوائد" (ص 503): "منكر الحديث متهم". [99] إسماعيل بن رافع القاص أبو رافع المدني: "الفوائد" (ص 307): "هالك" (¬1). ¬

_ (¬1) قد ضعفه أحمد وابن معين وجماعة، وقال الفلاس وأبو حاتم ورواية عن أحمد: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك الحديث. وقال ابن عديّ: أحاديثه كلها مما فيه نظر، إلا أنه يكتب حديثه في جملة الضعفاء. وقال ابن حبان: كان رجلًا صالحًا، إلا أنه يقلب الأخبار حتى صار الغالب على حديثه المناكير التى تسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها. وقال البزار: ليس بثقة ولا حجة. وأجمل بعضهم القول فيه كأنه يرى أنه لا يتعمد الكذب. وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (1/ 354) ولم يذكر فيه جرحًا ولا تعديلًا، إلا أنه أورد له حديثًا رواه عن سلمان مولى أبي سعيد عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقبل الله سبحانه لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده منها شيء". والظاهر أنه حديث منكر جدًّا، فإني لم أر ترجمة لسلمان هذا ولا ذكر إلا في هذا الموضع، وفتشت عمن خرج هذا الحديث، فوجدت علاء الدين المتقي الهندي في "كنز العمال" (13254) يعزوه إلى: =

[ز 3] إسماعيل بن رجاء الحصني

[ز 3] إسماعيل بن رجاء الحصني: في "الفوائد المجموعة" (ص 63) حديث: "من جاع أو احتاج فكتمه الناس وأفضى به إلى الله، فتح الله له برزق سنة من حلال". قال الشوكاني: "رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا، وقال: باطل، آفته إسماعيل ابن رجاء الحصني". قال في "اللآلىء": " ... وحكى ابن حجر في "لسان الميزان" عن العجلي والحاكم توثيق إسماعيل. وعن أبي حاتم أنه صدوق". فقال الشيخ المعلمي في الحاشية: "لكن ضعفه الساجي، والعقيلي، والدارقطني، وابن حبان، وابن عدي، والبيهقي، وأنكروا هذا الحديث. وقول أبي حاتم: "صدوق" لا يدفع عنه الغفلة، وكذا توثيق العجلي، والحاكم، فإن كلمة "ثقة" عندهما لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة "صدوق" عند غيرهما، بل دون ذلك". اهـ. . [100] إسماعيل بن زياد أو ابن أبي زياد السكوني الكوفي قاضي الموصل: "الفوائد" (ص 369): "دجّال". ¬

_ = عبد بن حميد وابن لال وابن النجار عن أبي سعيد، ولا يخفى على الممارس أن الحديث إذا لم يخرجه أصحاب الكتب الأصول المعتمدة عند أهل العلم، ولم يخرج إلا في مثل تلك المصنفات، كان دليلًا على وهنه ونكارته، فأرى أن البخاري أشار إلى وهن إسماعيل بإيراد هذا الحديث في ترجمته من "التاريخ" والله أعلم. ومما يحسن التنبيه عليه أن الترمذي رحمه الله تعالى قد روى عنه المحبوبي قوله: ضعفَّه بعض أهل العلم، وسمعت محمدًا -يعني البخاري- يقول: هو ثقة مقارب الحديث. "تاريخ ابن عساكر" (2/ 837 - الظاهرية) ومما سبق وغيره يتبين أنه قد ضعفه عامة أهل العلم أو كلهم، ولم يوثقه أحد، ولذا صدر الذهبي قول الترمذي في "الميزان" (1/ 227) بقوله: ومن تلبيس الترمذي قال: أما نقله عن البخاري ذاك التوثيق فَمَحلُّ نَظَرٍ، وفي نقولات الترمذي عن البخاري مواضع مشكلة، قد نظر فيها بعض النقاد من أهل العلم، سترى التنبيه على بعضها في هذا الكتاب، والله الموفق.

[101] إسماعيل بن شروس أبو المقدام الصنعاني

وفي "حاشية الموضح" (1/ 407): "متروك يضع الحديث، قاله الدارقطني، وجرحه غيره أيضًا". [101] إسماعيل بن شروس أبو المقدام الصنعاني: قال البخاري في ترجمته من "التاريخ الكبير" (1/ 359)، رقم (1138): "قال عبد الرزاق عن معمر: كان يُثبِّجُ الحديث". اهـ. فعلق الشيخ المعلمي هناك على كلمة "يُثبِّجُ" بقوله: هكذا في الأصلين، وبهامش (كو): "أي لا يأتي به على الوجه". أقول: وفي "الميزان ولسانه" عن ابن عدي حكاية هذه الكلمة عن البخاري بلفظ "يضع" فلزم من ذلك ما لزم، والله المستعان. اهـ. وستجد مثل هذه الكلمة من قول معمر أيضًا في "التاريخ" (3/ 188) رقم (636) وغيره. [102] إسماعيل بن عباد السعدي أبو محمد المزني البصري: "الفوائد" (ص 135): "هالك". وفي (ص 400): "تالف". [103] إسماعيل بن عبيد بن نافع البصري (¬1): "الفوائد" (ص 337): "لا يُعرف إلا بالبلايا". [104] إسماعيل بن عمرو بن نجيح البجلي الكوفي ثم الأصبهاني: "الفوائد" (ص 364): "واهٍ بل متهم" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر "اللسان" (1/ 420) رقم (1311). (¬2) قلت: ضعفه أبو حاتم والدارقطني وابن عديّ وقال: "حدث عن مسعر والثوري والحسن بن صالح وغيرهم بأحاديث لا يتابع عليها"، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يغرب كثيرًا" وقال أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين": "غرائب حديثه تكثر" وقال الخطيب: "يروي عن الثوري =

[105] إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي

[105] إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي أبو عتبة الحمصي: قال المعلمي في ترجمته "التنكيل" رقم (52): "إسماعيل ثقة في نفسه، لكن عن غير الشاميين تخليط لكثير، فحدّه إذا روى عن غير الشاميين أن يصلح في المتابعات والشواهد". وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 301): "صدوق". وفي "الفوائد المجموعة" (ص 67) حديث: "اطلبوا الخير عند صباح الوجوه". وهو مروي من طرق متعددة عن عدّة من الصحابة، وكل طرقه واهية ساقطة، ساقها الشوكاني ثم قال: ورواه العقيلي عن عائشة بإسنادٍ فيه متروك، ورواه عنها ابن عديّ بإسنادٍ فيه وضاع. ورواه أيضًا عنها البخاري في التاريخ بإسنادٍ فيه: عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي متروك. قال في "اللآلىء": روي له الترمذي وابن ماجه وذكر له متابعين. اهـ .. فقال الشيخ المعلمي: المتروك هو عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، ذكر البخاري في التاريخ (1/ 1 / 51 و 157) الخبر من طريقه "عن امرأته جبرة عن أبيها عن عائشة" مرفوعًا. ¬

_ = وغيره مناكير". وقال العقيلي: "في حديثه مناكير، ويحيل على من لا يحتمل". وقال ابن عقدة: "ضعيف ذاهب الحديث"، وقال الأزدي: "منكر الحديث". وأثنى عليه بعضهم لعلُوِّ سنده فقال إبراهيم بن أورمة - وذكر إسماعيل بن عمرو البجلي، فأحسن عليه الثناء، وقال: شيخًا مثل ذاك ضيَّعوه، كان عنده عن فلان وفلان "ذكر أخبار أصبهان" لأبي نعيم (1/ 208). ولم أر من اتهمه، لكن يظهر من كلامهم فيه أنه واهٍ كما قال المعلمي رحمه الله. وانظر: "الجرح" (2/ 190)، و"ضعفاء العقيلي" (1/ 86)، و"الثقات" (8/ 100)، و"ضعفاء الدارقطني" رقم (87)، و"الكامل" (1/ 322)، و"الميزان" (1/ 239)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (23)، و"اللسان" (1/ 425) وغيرها.

وذكره عن إسماعيل بن عياش عن جبرة بنت محمد بن ثابت بن سباع عن أبيها عن عائشة. وذكر السيوطي أن البيهقي أخرجه في "الشعب" من هذا الوجه، ومن طريق خالد بن عبد الرحمن المخزومي عن جبرة، قال: ورواه عبد الله بن عبد العزيز عن جبرة. قال المعلمي: خالد وعبد الله تالفان، وخالد من شيوخ إسماعيل بن عياش، وإسماعيل يدلس كما في "طبقات المدلسين" (ص 12)، فأخشى أن يكون إنما سمعه من خالد عن جبرة فدلّسه، وهو مع ذلك سيء الحفظ جدًّا في غير أحاديث الشامين، وجبرة غير شامية. وفي آخر باب الخاء المعجمة من "لسان الميزان" (¬1): "خيرة بنت محمد بن سباع عن أبيها عن عائشة -رضي الله عنها-، وعنها إسماعيل بن عياش. لا تعرف" وهي هذه، والصحيح في اسمها جبرة -بجيم وموحدة (¬2) - وهي بنت محمد بن ثابت بن سباع كما سبق، وأبوها ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬3)، وذلك لا يكفى في معرفة حاله. وذكر السيوطي أن الخبر روي عن علي بن أبي طالب، وعن أبي بكرة ولم يسق سنديهما، لسقوطهما فيما أرى، وذكر أن ابن أبي شيبة أخرجه عن نفر من التابعين مرسلًا، ولم يسق الأسانيد، ثم قال: "وهذا الحديث في معتقدي حسن صحيح" كذا قال. وإنما أولع الناس بهذا الخبر لاحتياجهم إلى التوسل به إلى حاجاتهم، تكون لأحدهم الحاجة إلى رجل جميل الوجه في الجملة فيروي هذا الخبر ويسأل حاجته، ¬

_ (¬1) (2/ 412). (¬2) كما في "الإكمال" لابن ماكولا (2/ 29)، و"توضيح المشتبه" (2/ 172)، ومثله في "تبصير المنتبه" للحافظ ابن حجر (1/ 236)، ومع ذلك وقع في "اللسان" ما وقع! (¬3) (5/ 369).

[106] إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن محمد بن علي بن الأخشيد أبو الفتح، التاجر الأصبهاني المعروف بالسراج

وفي ذلك عدّة بواعث للمسئول على قضاء الحاجة، فمن ثمّ عُنى به الكذابون، ونشط غيرهم لروايته عنهم، وفيما هنا روايتهم له عن ثمانية من الصحابة معروفين، وعن اثنين غير معروفين، وتعددت الطرق كما رأيت والله المستعان. اهـ. [106] إسماعيل بن الفضل بن أحمد بن محمد بن علي بن الأخشيد أبو الفتح، التاجر الأصبهاني المعروف بالسراج (¬1): في "الفوائد" (ص 482): "مقرىء مسند معروف، توفي سنة (524)، ذكره ابنُ الجزري في "طبقات القراء"، وصاحبُ "الشذرات"، ولم يذكرا أن أحدًا وثقه (¬2)، وقيّد الذهبي وفاته في ترجمة غيره، وإخراجه هذا الخبر (¬3) في "فوائده" (¬4) معناه: أنه كان يرى أنه لا يوجد عند غيره، فإن هذا معنى "الفوائد" في اصطلاحهم". اهـ. [107] إسماعيل بن مسلم (¬5) المكي أبو إسحاق، كان من البصرة ثم سكن مكة: ¬

_ (¬1) له ترجمة في: "التحبير في المعجم الكبير" لابن السمعاني (1/ 101 - 104)، و"سير أعلام النبلاء" (19/ 555)، و"العبر" (2/ 419)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (53)، و"غاية النهاية في طبقات القراء" (1/ 167)، و"شذرات الذهب" (4/ 68) وغيرها. (¬2) قال الذهبي في "التاريخ" و"السير": روى عنه أبو طاهر السلفي ووثقه. وقال السمعاني: "كان شيخًا مقرئًا، سديد السيرة، قرأ القرآن بروايات على الشيوخ المتقدمين، وسمع الحديث الكثير من الشيوخ، ونسخ بخطه أجزاء كثيرة، واشتريت من خطه أجزاء، ولم يكن صحيح النقل، ولكن كان ثقة صدوقًا، واسع الرواية موثوقًا به فيما يحدث". (¬3) هو خبر: "ما من معمرّ يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء .. (¬4) قال الذهبي في "التاريخ": له فوائد مرويّة. وقال السمعاني في "التحبير": كتب إليّ الإجازة، فمن جملة مسموعاته: كتاب "طبقات الصحابة" تأليف أبي عروبة الحراني من أربعة عشر جزءًا بروايته عن أبي طاهر بن عبد الرحيم عن أبي بكر بن المقرىء عنه، وكتاب "الإشراف في اختلاف العلماء" في عشر مجلدات تأليف ابن المنذر بالاسناد السابق، وكتاب "السنن" للحلواني كذلك. (¬5) وقع في كلام المعلمي: "إسماعيل بن أمية" وهو سبق قلم منه رحمه الله، وإنما الواقع فيما ساقه من الأسانيد "إسماعيل بن مسلم" أما ابن أمية فهو ثقة ثبت.

[108] الأسود بن عبد الرحمن العدوي

"التنكيل" المسألة (12) (2/ 93): "ضعيف". [108] الأسود بن عبد الرحمن العدوي: "الفوائد" (ص 73): "مجهول" (¬1). [109] أشعث بن براز الهجيمي البصري السعدي: "الفوائد" (ص 279): "متروك". - الأشقر: انظر: الحسين بن الحسن. [110] أصبغ بن نُباتة التميمي الحنظلي الدارمي أبو القاسم الكوفي: "الفوائد" (ص 152): "متروك". وفي (ص 377): "تالف". [111] أغلب بن تميم بن النعمان المسعودي الكندي البصري: "الفوائد" (ص 303): "تالف". وفي (ص 401) قال ابن حجر: "أغلب شبيه عمارة بن زاذان في الضعف، لكن لم أر من اتهمه بالكذب". ¬

_ (¬1) ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/ 66) وقال: "روى عن هصان بن كاهن عن أبي موسى الأشعري، روى عنه الحسن بن دينار، يعتبر بحديثه من غير رواية الحسن بن دينار عنه". قلت: وهذا هو إسناد الحديث الوارد في "الفوائد" وسياق ابن حبان لترجمته يشعر بأنه لا يُعرف إلا بهذا الاسناد، وقوله: "يعتبر بحديثه من غير رواية الحسن بن دينار عنه" ذلك لأن الحسن كذاب، لكن لم يذكر ابن حبان في الرواة عن الأسود سوى الحسن، ولو وقف له على راو غيره لذكره، وكأن المعنى: ينظر في رواية غير الحسن عنه حتى يعتبر حديثه من غير طريق الحسن، فَأَشْعَرَ هذا أن الأسود مجهول لأنه لا تثبت عنه رواية من طريق صحيح، والله تعالى أعلم. وله ترجمة في "الميزان" (1/ 256)، و"اللسان" (1/ 447). وليس فيهما إلا كلام ابن حبان.

[112] إياس بن زهير أبو طلحة البصري

فقال الشيخ المعلمي: "كلامهم فيه شديد، فإن كان لا يكذب عمدًا، فقد أكثر كذبه خطأ". [112] إياس بن زهير أبو طلحة البصري: قال ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 279) رقم (1004): "إياس بن زهير وكنيته أبو طلحة، روى عن علي وسويد بن هبيرة، روى عنه مسلم بن بديل، يعد في البصريين، سمعت أبي وأبا زرعة يقولان ذلك". اهـ. فعلق العلامة المعلمي هناك على قول ابن أبي حاتم: "روى عن علي" بقوله: مثله في التابعين من "الثقات" (¬1)، وكذا في "تعجيل المنفعة" (ص 44)، ولم أجد له رواية في مسند علي من مسند أحمد، وأخشى أن يكون هذا وهمًا أوقعهم فيه ما فهموه من عبارة البخاري في التاريخ (1/ 1 / 438) قال: "إياس بن زهير، يقال عن علي، كنيته أبو طلحة". ثم ساق من طريق إياس هذا عن سويد بن هبيرة حديثًا، ثم قال: "كناه أيضًا عبد الصمد". فمراد البخاري بقوله "يقال عن علي .. " أنه قيل عن علي ابن المديني أن كنية إياس: أبو طلحة، ويوضح ذلك قوله أخيرًا "كناه أيضًا عبد الصمد" فحسبوا أن مراد البخاري أنه يقال إن إياسًا روى عن علي بن أبي طالب، ثم ابتدأ البخاري فقال: "كنيته أبو طلحة". اهـ. [113] أيوب بن إسحاق بن سافري أبو سليمان البغدادي نزيل الرملة: في "طليعة التنكيل"، في "النوع الثالث" من مغالطات الكوثري ومجازفاته، في "المثال الخامس" قال المعلمي: "في ترجمة أيوب من "تهذيب تاريخ ابن عساكر" (ج 3 ص 200) عن ابن يونس " .. وكان في خلقه زعارة، وسأله أبو حميد في شيء يكتبه عنه فمطله .. ". ¬

_ (¬1) (4/ 36).

[114] أيوب بن جابر بن سيار بن طلق الحنفي السحيمي أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي

ومعروف في اللغة (¬1) ومتكرر في التراجم أن يقال: "في خلق فلان زعارة" أي شراسة، وهذا وإن كان غير محمود، فليس مما يقدح في العدالة أو يخدش في الرواية. لكن وقع في "تاريخ بغداد": (ج 7 ص 10) في هذه الحكاية "وكانت في خلقه دعارة" كذا، وهذا تصحيف لا يخفى مثله (¬2). أولًا: لأنه ليس في كلامهم "في خلق فلان دعارة"، وإنما يقولون: فلان داعر بيِّن الدعارة - إذا كان خبيثًا أو فاسقًا. ثانيًا: لأن ابن يونس عقب كلمته بقوله "مسألة أبو حميد في شيء من الأخبار يكتبه عنه فمطله .. " وهذه شراسة خلق لا خبث أو فسق. ثالثًا: لأن المؤلفين في المجروحين لم يذكروا هذا الرجل، ولو وصف بالخبث أو الفسق لما تركوا ذكره .. وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه وقال: كتبت (¬3) عنه بالرملة وذكرته لأبي فعرفه وقال: كان صدوقًا. اهـ. [114] أيوب بن جابر بن سيّار بن طلق الحنفي السحيمي أبو سليمان اليمامي ثم الكوفي: "الفوائد" (ص 227): "ضعيف جدًّا". [115] أيوب بن خالد بن صفوان بن أوس بن جابر الأنصاري النّجّاري المدني: "الأنوار الكاشفة" (ص 190): "لا بأس به (¬4) .. وقد أخرج له مسلم في "صحيحه": ¬

_ (¬1) انظر: "تاج العروس" (3/ 237). (¬2) تصحفت أيضًا في "تاريخ دمشق" (3/ 265 - الظاهرية). (¬3) كذا في "الطليعة"، والذي في "الجرح" (2/ 241): "كتبنا". (¬4) ذكره البخاري وابن أبي حاتم بغير جرح أو تعديل، وذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته، ونقل الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 351) عن الأزدي قوله: "أيوب بن خالد ليس حديثه بذاك، تكلم فيه أهل العلم بالحديث، وكان يحيى بن سعيد ونظراؤه لا يكتبون حديثه". اهـ. =

[116] أيوب بن ذكوان

"هذا الحديث الواحد" (¬1) وإن لم يكن حدّه أن يحتج به في الصحيح". [116] أيوب بن ذكوان: "الفوائد" (ص 480): "متروك". [117] أيوب بن سليمان بن ميناء يعد في المدنيين: في "الفوائد" (ص 98 - 99) حديث: "منْ وسّع على عياله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سنته". ضعّف الشيخ المعلمي طرقه كلها جدًّا، وقال إن بعضها يوهن بعضًا، منها ما رواه البيهقي في "الشعب" عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا، فقال المعلمي: سنده واهٍ، فيه عبد الله بن نافع الصائغ وفيه كلام، عن أيوب بن سليمان بن مينا لا يعرف إلا بهذا الخبر (¬2)، عن رجل لا يدرى من هو، وقوّاه ابن حجر بخبر للطبراني وهو ساقط .. ". [118] أيوب بن سويد الرملي، أبو مسعود الحميري السّيباني: "الفوائد" (ص 457): "صدوق يخطىء" (¬3). ¬

_ = والأزدي متكلم فيه وليس بحجة، وأين هو كلام أهل العلم بالحديث في أيوب؟. فالرجل كأنه مستور الحال، روى عنه غير واحد، ولم يوثَّق توثيقًا يعتد به، فليس هو بحجة، ولا يقبل منه ما تفرد به بحالٍ، والله تعالى أعلم. وقال الحافظ ابن حجر في "التقريب": "فيه لينٌ". (¬1) هو حديث أبي هريرة مرفوعًا: "خلق الله التربة يوم السبت .. " وراجع ملحق: "المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد" في القسم الخاص بذلك من كتابنا هذا. (¬2) وأنا لم أقف له على ترجمة. (¬3) أقول: كلام المتقدمين فيه شديد، فقد ضعفه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال الدوري عن ابن معين: "ليس بشيء، يسرق الأحاديث، قال أهل الرملة: حدَّث عن ابن المبارك بأحاديث ثم قال: حدثني أولئك الشيوخ الذين حَدَّث ابن المبارك عنهم". وقال في رواية معاوية بن صالح عنه: "كان يَدَّعي أحاديث الناس". =

حرف الباء

حرف الباء [119] البختري بن عبيد بن سليمان الكلبي الشامي: "الأنوار الكاشفة" (ص 157): "كذّاب". [120] بشار بن بكير الحنفي (¬1): "الفوائد" (ص 104): "مجهول البتة". [121] بشار بن قيراط أبو نعيم النيسابوري: قال الكوثري: "مقبول عند الحنفية بنيسابور كما قال الخليلي في الإرشاد، كان طال لسان أبي زرعة فيه لكونه من أهل الرأي". "التنكيل" (1/ 348) قال الشيخ المعلمى: "قديم سمع من أبي حنيفة المتوفي سنة (150)، كذبه أبو زرعة الذي ولد سنة (200) وقال أبو حاتم الذي ولد سنة ¬

_ = وقال البخاري: "يتكلمون فيه" وهى كلمة شديدة، وقريب منها قول النسائي: "ليس بثقة". وقال أبو حاتم: "لين الحديث". وذكره ابن حبان في "الثقات" لكنه قال: "كان رديء الحفظ، يخطىء، يُتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه؛ لأن أخباره إذا سُبرت من غير رواية ابنه عنه وُجد أكثرها مستقيمة". قلت: قد أورد له ابن عديّ في "الكامل" مناكير من غير رواية ابنه عنه. وقال ابن عديّ: "له حديث صالح عن شيوخ معروفين .. ويقع في حديثه ما يوافقه الثقات عليه، ويقع فيه ما لا يوافقونه عليه، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء". أقول: فالذي يظهر من مجموع ما تقدم أن الرجل ضعيفٌ على أحسن أحواله، والله تعالى أعلم. وانظر: "تهذيب الكمال" (3/ 474 - 477). (¬1) لم أر له ترجمة.

(195): "هو نيسابوري قدم الري مضطرب الحديث يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال ابن عدي المولود سنة (277): "روى أحاديث غير محفوظة وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق". وقال الخليلي المولود بعد ذلك بزمان فإنّه توفى سنة (446): "كان يتفقه على رأي أبي حنيفة، رضيته الحنفية بخراسان، ولم يتفق عليه حفاظ خراسان". وقد سبق في ترجمة عبد الله بن محمود ذكر ما زعمه الأستاذ الكوثري من أن من لم يوثقه أهل عصره يكون مجهول الصفة، وتراه هنا يرد جرح المتقدمين لبشار ويتشبث يقول المتأخر عنه بقريب من مائتي سنة "رضيته الحنفية بخراسان" ويزيد الأستاذ فيزعم أن أبا زرعة إنما كذبه لأنه مخالف له في المذهب. وقد علم مما سلف في القواعد أن من شهد له أهل العلم أنه "صدوق" لا يقبل من أحد أن يقول: إنه تعمد الكذب أو الحكم بالباطل إلا أن يقيم على ذلك حجة صارمة، فما بالك بمن شهدوا له بأنه ثقة؟ فما بالك بمثل أبي زرعة في إمامته وجلالته وتثبته؟. والخليلى متأخر جدًّا عن زمن بشار كما مرّ ولا ندري إلى ماذا استند في قوله: "رضيته الحنفية بخراسان"، وهبْهُ رضوه في رأيه ولا يدرون ما حاله في الحديث كما رضي أهل المغرب أصبغ بن خليل وقد مرت ترجمته (¬1). وقد كان يمكن الأستاذ أن يقول: ذكروا أن أبا زرعة الرازي كذبه ولا ندري ما الذي اعتمده في تكذيبه، وكلام أبي حاتم يعطى أن بشارًا صدوق إلا أنه مضطرب الحديث، ويقوي ذلك رضا حنفية خراسان به، والتصديق يقدم على التكذيب المبهم. والله أعلم. ¬

_ (¬1) "التنكيل" رقم (55).

[122] بشر بن رافع الحارثي أبو الأسباط النجراني

لكن الأستاذ لا يرى لأئمة السنة حقًا ولا حرمة، ولا يرقب فيهم إلّا ولا ذمة، ولا يرعى تقوى ولا تقية، ولا يرى أن في أهل الحق بقية، فيدع للصلح بقية، فلندعه يصرح أو يكني، وعلي أهلها براقش تجني! اهـ. - بشر بن راشد: كذا وقع للمعلمي في "الفوائد" (ص 237) نقلًا عن "اللآلىء" -وهو سبق قلم من المعلمي رحمه الله إنما هو"وهب بن راشد"، فانظره في حرف "الواو". [122] بشر بن رافع الحارثي أبو الأسباط النجراني: في ترجمته من "الجرح والتعديل" (2/ 357) رقم (1359): "يمامي". فعلق الشيخ المعلمي بقوله: كذا، وفي تاريخ البخاري والتهذيب "يماني" ويأتي عن ابن معين "كوفي" والرجل يماني نسبًا ودارًا؛ لأنه حارثي نجراني، وفي تاريخ البخاري عن عبد الرزاق: "بشر إمام أهل نجران ومفتيهم". ولكنه دخل اليمامة بدليل روايته عن يحيى بن أبي كثير، ودخل الكوفة أيضًا. اهـ. [123] بشر بن السرى البصري، أبو عمرو الأفْوه، سكن مكة: قال أحمد: "سمعنا منه ثم ذكر حديث [ناضرة إلى ربها ناظرة] فقال -يعني بشر-: ما أدري ما هذا، إيش هذا؟ فوثب به الحميدي وأهل مكة، فاعتذر فلم يقبل منه، وزهد الناس فيه، فلما قدمت المرة الثانية كان يجىء إلينا فلم نكتب عنه". قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (58): "لم ينصفوه، فلعله إنما كان سمع ما صح عن مجاهد من تفسيره [ناظرة] في الآية بقوله "تنتظر الثواب" فلما سمع الوجه الآخر استنكره من جهة كونه تفسيرًا للآية لا من جهة إنكار الرؤية. أما ما زاده محمد بن حميد في الحكاية عن مجاهد: "لا يراه من خلقه شيء" فمحمد

[124] بشر بن عبد الله بن عمرو بن سعيد الخثعمي

متهم. فإن كان بشر استنكر الرؤية فقد كان حقهم أن يبينوا له النصوص في إثباتها، فإذا أقر تبين أنه كان معذورًا فيما فرط منه، وإن أصرّ هجروه عن بيِّنةٍ. اهـ. وقال في ترجمته عن هذه القضية أيضًا: أما التجهم فقال ابن معين في بشر: "رأيته يستقبل البيت يدعوا على قوم يرمونه برأي يهم ويقول: معاذ الله أن أكون جهميًا". اهـ. وقال عن حاله في الحديث: ثبته عبد الرحمن بن مهدي جدًّا (¬1). وقال أحمد: "حدثنا بشر بن السرى وكان متقنًا للحديث عجبًا". ووثقه ابن معين وغيره، واحتج به الشيخان في "الصحيحين" وبقية الستة. ثم قال المعلمي: "على أن الإجماع انعقد بعد ذلك على عذره والاحتجاج بروايته". اهـ. [124] بشر بن عبد الله بن عمرو بن سعيد الخثعمي: في "الفوائد" (ص 165) حديث: "فضل البنفسج على الأزهار كفضل الإسلام على سائر الأديان .. " قال المعلمي: الخبر رواه الكديمي "ثنا إبراهيم بن الحسن العلاف ثنا عمر بن حفص المازني عن بشر بن عبد الله عن جعفر بن محمد عن أبيه - إلخ". ورواه الطبراني "ثنا أحمد بن داود المكي ثنا حفص بن عمر المازني ثنا أرطاة بن الأشعث العدوي ثنا بشر بن عبد الله بن عمرو بن سعيد الخثعمي عن محمد بن علي بن الحسن - إلخ" ¬

_ (¬1) الذي ثبته هو أبو حاتم كما في الجرح (2/ 258)، والعلل (2074).

[125] بشر بن عبيد أبو علي الدارسي البصري

فالطريقان يجتمعان في بشر، وهو مجهول، في "لسان "الميزان" (¬1) أن الطوسي ذكره في رجال الشيعة، وأنه يروي عن جعفر وأبيه، فقد يكون بلاء هذا الخبر منه، افْتراهُ تارة على الباقر وتارة على الصادق، وقد يكون ممن بعده، ففي السند الأول: الكديمي، وفي الثاني: أرطاة بن الأشعث، وكلاهما هالك، فأما المازني فلم أعرفه سواء أكان عمر بن حفص أم حفص بن عمر، والذي حرّق الإمام أحمد حديثه يقال له "العبدي" له ترجمة مبسوطة في "اللسان"، والظاهر أنه غير المازني. اهـ. [125] بشر بن عبيد (¬2) أبو عليّ الدارسي البصري: "الفوائد" (ص 80): "تالف" (¬3). وينظر (ص 61، 273). ¬

_ (¬1) (2/ 24 - 25)، وراجع أيضًا (1/ 337 - 338) ترجمة أرطاة بن الأشعث. (¬2) هو كذلك في "الجرح" (2/ 362)، و"الكامل" (2/ 15)، و"الأنساب": الدارسي، و"الميزان" (1/ 320)، و"اللسان" (2/ 26)، وجاء في "الفوائد": "ابن عبيد الله" وهو موافق لما في الأصلين المطبوع عنهما كتاب "الثقات" لابن حبان (8/ 141) وأظنه خطئًا فأثبتُّ الأكثر. (¬3) ذكره ابن أبي حاتم بغير جرح أو تعديل، وقال: سمع منه أبي بالبصرة في الرحلة الثانية أيام أبي الوليد وسليمان بن حرب وعمرو بن مرزوق". وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: روى عن حماد بن سلمة والبصريين، وعنه يعقوب ابن سفيان الفارسي. وقال الذهبي: كذبه الأزدي. وذكره ابن عديّ في "الكامل" وقال: "منكر الحديث عن الأئمة". وأورد له مناكير ثم قال: وبشر هذا هو بيّن الضعف أيضًا، ولم أجد للمتكلمين [كذا ولعلها: للمتقدمين] كلام [كذا والجادة: كلامًا] ومع ضعفه أقل جُرمًا من بشر بن إبراهيم الأنصاري، لأن بشر بن إبراهيم روى عن ثقات الأئمة أحاديث موضوعة يضعها عليهم، وبشر بن عبيد إذا روى إنما يروي عن ضعيف مثله أو مجهول أو محتمل أو يروي عمن يرويه عن أمثالهم". اهـ. قلت: فالظاهر أن أبا حاتم سمع منه أحاديث محتملة، ثم ظهرت لبشر تلك المناكير التى حدث بها بعد ذلك، فكذبه لأجلها الأزدي -وهو مسرف في الجرح- وضعَّفه بها ابن عديّ، ففي الجملة هو ضعيف لا يعتبر به، والله أعلم.

[126] بشر بن محمد بن أبان الواسطي السكري

[126] بشر بن محمد بن أبان الواسطي السكري: في "الجرح والتعديل" (5/ 373) رقم (1744) قال ابن أبي حاتم: "عبد الملك بن وهب المذحجي -مذحج اليمن- كوفي، روى عن الحر بن الصياح، روى عنه بشر بن محمد السكري، سمعت أبي يقول ذلك، وسمعته يقول: قال بعض أصحابنا: إن عبد الملك بن وهب هذا معمول عن اسمه، وهو سليمان بن عمرو بن عبد الله بن وهب النخعي، نسبة إلى جده وهب، وسماه عبد الملك، والناس مُعبّدُون: عَبيدُ الله". اهـ. فقال الشيخ المعلمي في "الحاشية": سليمان بن عمرو النخعي كذبوه، وبشر بن محمد بن أبان السكري فيه كلام، وبشر يروي عن سليمان، فالمعنى هنا أنه دلّس اسم "سليمان" فسماه "عبد الملك" عنى تأويل أنّ كل إنسان عبد لمالك الملك سبحانه، ونسبه إلى جده الأعلى، ونسبه إلى مذحج؛ لأن النخع من مذحج. اهـ. [127] بشر بن نمير القشيري البصري: "الفوائد" (ص 306): "الكلام فيه كثير، وهو متروك البتة" (¬1). [128] بشر بن يحيى (¬2): عن الفضل بن موسى السيناني، وعنه سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر. قال المعلمي في ترجمة: محمد بن سعيد البورقي رقم (206) من "التنكيل": "مجهول". [129] بشير بن زاذان: ¬

_ (¬1) يردّ الشيخ المعلمي بهذا على السيوطي في محاولته تقوية بشر بأنه من رجال ابن ماجه. وقد كذب بشرًا غيرُ واحدٍ، وتركه جماعة، ولم يوثقه أحد. (¬2) لم أجد له ترجمة.

[130] بقية بن الوليد الكلاعي الحميري أبو يحمد الحمصي

"الفوائد" (ص 243): "واهٍ" (¬1). [130] بقية بن الوليد الكلاعي الحميري أبو يُحْمِد الحمصي: 1 - قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (59): "بقية يدلس عن الضعفاء، فإذا لم يصرح بالسماع وجب التوقف؛ لاحتمال أنه إنما سمع من ضعيف". 2 - وفي "الفوائد" (ص 213) حديث: "إن سهيلًا كان عشارًا باليمن فمسخه الله شهابًا فجعله حيث ترون". قال الشوكاني: قيل موضوع، وقيل ضعيف لا موضوع. فقال الشيخ المعلمي: "بل موضوع بلا ريب، رُوي عن ابن عمر مرفوعًا وفي سنده "بقية عن مبشر بن عبيد" ومبشر متروك يضع الحديث، وبقية يدلس عن الهلكى فقد يكون سمعه ممن هو شرٌّ من مبشر فدلّسهُ". ثم ذكر سائر طرقه وبينّ سقوطها. ¬

_ (¬1) ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح" وبيَّض لشيوخه والآخذين عنه، وقال: سألت أبي عنه فقال: صالح الحديث. وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء. وضعفه الدارقطني وغيره. واتهمه ابن الجوزي. وذكره ابن عديّ في "الكامل" وأورد فيه قول ابن معين، وساق له مناكير، ثم قال: وبشير ابن زاذان هذا أحاديثه ليس عليه نور، وهو غير ثقة، ضعيف، ويحدث عن ضعفاء جماعة، وهو بَيِّن الضعف، وأحاديثه عامتها عن الضعفاء. وقال ابن حبان في "المجروحين" -بعد ذكر قول ابن معين-: غلب الوهم على حديثه حتى بطل الاحتجاج به. وذكره الساجي وابن الجارود والعقيلي في الضعفاء. قلت: الظاهر أن أبا حاتم لم يخبر بشيرًا هذا، وربما وقع له شيء من حديثه فرآه صالحًا للاعتبار في الجملة، لكن القول قول ابن معين والجماعة، والله أعلم. وانظر: "تاريخ الدوري" (2/ 59 - 60) و"الجرح" (2/ 374)، والعقيلي (2/ 144 - 145)، و"الكامل" (2/ 20)، و"المجروحين" (1/ 192)، و"الميزان" (1/ 328)، و"اللسان" (2/ 237)، وغيرها.

3 - وفي (ص 123) حديث من طريق "بقية عن ابن جريج" فقال المعلمي: "وبقية مما يسمع الخبر من كذاب عن ثققة، فيذهب يرويه عن ذلك الثقة تدليسًا". 4 - وفي (ص 173) حديث علي: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه النظر إلى الحمام الأحمر". قال المعلمي: " .. ورواه يعقوب بن سفيان من طريق أبي سفيان الأنماري عن حبيب بن عبد الله بن أبي كبشة عن أبيه عن جده رفعه. وأبو سفيان هذا مجهول، وقد روى حديثًا آخر بإسناد الصحاح فقال أبو حاتم: "هذا حديث موضوع وأبو سفيان مجهول". وراوي الخبرين عنه: بقية وهو شديد التدليس، وربما دلس الاسم. اهـ. 5 - وفي (ص 224) حديث: "من حدّث حديثًا فعُطس عنده فهو حق". قال الشيخ المعلمي: "روى هذا الخبر بقية عن معاوية بن يحيى عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة مرفوعًا، وهو منكر جدًّا سندًا ومتنًا. ولبقية شيخان، أحدهما: معاوية بن يحيى الصدفي "هالك"، والآخر: معاوية بن يحيى الأطرابلسي، ذهب الأكثر إلى أنه أحسن حالًا من الصدفي ووثقه بعضهم، وعكس الدارقطني وذكر أن مناكيره أكثر من مناكير الصدفي - وأيهما الواقع في السند؟ ذهب جماعة إلى أنه الأطرابلسي لأنه قد عرف له الرواية عن أبي الزناد، وذهب آخرون إلى أنه الصدفي لأن هذا الخبر أليق به، ولأنه قد عاصر أبا الزناد فلا مانع أن يكون اجتمع به، وأوضح من ذلك أنه كان يشتري الصحف فيحدث بما فيها غير مبالٍ أسمع أم لم يسمع. ويقوِّي هذا أن بقية مدلس، ولا يجهل أن الأطرابلسي عند الناس أحسن حالًا من الصدفي، فلو كان شيخه في هذا الخبر هو الأطرابلسى لصرح به". اهـ. 6 - وفي "الفوائد" (ص 127 - 128) حديث: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا

ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى". قال الشوكاني: "رواه ابن عديّ عن ابن عباس مرفوعًا، وقال ابن حبان: هذا موضوع وكذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه. وعدّه ابن الجوزي في "الموضوعات"، وخالفه ابن الصلاح فقال: إنه جيد الإسناد. وقد أخرجه البيهقي في "سننه". وسبب هذا الاختلاف أن إسناده عن ابن عديّ: حدثنا قتيبة حدثنا هشام بن خالد حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره. قال ابن حبان: كان بقية يروي عن كذّابين، ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه. وقال ابن حجر: لكن ابن القطان ذكر في كتاب "أحكام النظر": أن بقي بن مخلد رواه عن هشام بن خالد عن بقية قال: حدثنا ابن جريج. فهذا فيه التصريح من بقية بالتحديث، وهو ثقة إذا صرح بالتحديث، وسائر الإسناد رجاله ثقات، فمن هذه الحيثية قال ابن الصلاح: إنه جيد". فقال الشيخ المعلمي تعليقًا على رواية بقي بن مخلد والتي فيها تصريح بقية بالتحديث: "أخشى أن يكون هذا خطأ، ومع ذلك فقد بقيت التسوية كما ذكره ابن حجر في آخر عبارته، لأن بقية ممن يفعلها". 7 - وفي ترجمة: نعيم بن حماد من "التنكيل" رقم (258) ذكر المعلمي الأحاديث التي ذكرها الذهبي في "الميزان" فيما انتقد على نعيم، قال المعلمي: "الحديث السابع والثامن في "الميزان": "بقية عن ثور عن خالد بن معدان عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا: المتعبد بلا فقه كالحمار في الطاحونة" وبه قال: تغطية الرأس بالنهار فقه، وبالليل ريبة، لم يروهما عن بقية سواه". قال المعلمي: "بقية بن الوليد بحر لا ساحل له، كان يأخذ عن كل من دبّ

[131] بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة الثقفي أبو بكرة البصري

ودرج، ويدلِّس، فالتفرد عنه ليس بالمنكر، ولا سيما لمثل نعيم". [131] بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة الثقفي أبو بكرة البصري: في "الفوائد" (ص 130) حديث بكار عن أبيه عن جدّه: "هلكت الرجال حين أطاعت النساء فإن في خلافهن البركة". أخرجه الطبراني والحاكم وصححه. قال المعلمي: "ليس بصحيح؛ بكار ضعيف، وأبوه لم يوثق توثيقًا معتبرًا، والصحيح عن أبي بكرة مرفوعًا: "لن يفلح قوم ولّوا أمرهم امرأة" (¬1). [132] بكر بن الحكم المُزلِّق أبو بشر التميمي اليربوعي جار حماد بن زيد: في "الفوائد" (ص 243) حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". روي من حديث ابن عمرو أبي سعيد وأبي أمامة وثوبان وأنس. وزعم السيوطي أن الحديث بهذه الطرق حسن صحيح، واعترضه الشوكاني بأن الحديث عنده حسن لغيره، وأما صحيح فلا، فاعترض الشيخ المعلمي عليهما جميعًا، ووهّن الحديث من جميع طرقه. وتعرض الشيخ لطرق هذه الروايات بالنقد على الترتيب المذكور حتى بلغ رواية أنس فقال: "وأما عن أنس فتفرد به أبو بشر بكر بن الحكم المزلق عن ثابت عن أنس رفعه "إن لله عز وجل عبادًا يعرفون الناس بالتوسم". والمزلق قال فيه جماعة من الذين أخذوا عنه وليسوا من أهل الجرح والتعديل (¬2): ¬

_ (¬1) البخاري، كتاب المغازي (4425)، وكتاب الفتن (7099 - فتح). (¬2) هم: أبو عبيدة عبد الواحد بن واصل الحَدَّاد، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي -كما في "تهذيب الكمال" (4/ 204)، وجاء في "تهذيب التهذيب" (1/ 421) عن البزار في "مسنده" قال: حدثنا سهل بن بحر ثنا سعيد بن محمد الجرمي ثنا أبو بشر المزلق -وكان ثقة- عن ثابت فذكر حديثًا. =

[133] بكر بن خنيس الكوفي نزيل بغداد

"كان ثقة" يريدون أنه كان صالحًا خيرًا فاضلًا. أما الأئمة فقال أبو زرعة: "ليس بالقوي". أقول: وهو مقلّ جدًّا من الحديث، فإذا كان مع إقلاله ليس بالقوي، ومع ذلك تفرد بهذا عن ثابت عن أنس "فلا ينبغي وهنه" (¬1). وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أنه حسن، وهذا بالنظر إلى حال المزلق في نفسه، فأما إذا نظرنا إلى تفرده مع إقلاله ومع قول أبي زرعة "ليس بقوي" (¬2). فلا أراه يستقيم الحكم بحسنه، وإن كان معناه صحيحًا والله أعلم. اهـ. [133] بكر بن خنيس الكوفي نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 94): "عابد ليس بشيء في الرواية البتة". [134] بكر بن سليم الصواف أبو سليم المدني: ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (2/ 386) رقم (1505) وقال: سألت أبي عنه فقال: "شيخ يكتب حديثه. ثم قال: أنا يعقوب بن إسحاق فيما كتب إليّ، نا عثمان بن سعيد (¬3)، قال: سألت يحيى بن معين عن بكر بن سليم نا عبد ¬

_ = ولم يذكر المزي سعيدًا في الرواة عن بكر، وإنما يروي سعيد عن أبي عبيدة عبد الواحد بن واصل عن بكر عن ثابت، كما في "الجرح والتعديل" (2/ 383) فأخشى أن يكون هنا سقط في إسناد البزار، والله أعلم. والحداد والتبوذكي ثقتان باتفاق. (¬1) هكذا جاء في "الفوائد" وفي العبارة تحريف حتمًا، ومن المحتمل أن يكون الصواب: (فلا ينبغي إلا وهنهـ) أو (فالذي ينبغي وهنهـ) أو (فلا ينبغي دفع وهنهـ) أو نحو ذلك، ومقتضى هذه العبارة بعد تصويبها إثبات وهن الحديث من هذا الطريق أيضًا بالإضافة بلى وهذه من الطرق الأخرى. (¬2) كذا في "الفوائد" وسبق أن أبا زرعة قال: "ليس بالقوي" بالألف واللام وهو موافق لما في "الجرح"، فالظاهر أن هذا الموضع سهو، أو خطأ من الطبع، لأن المعلمي ممن يرى فرقًا بين العبارتين كما تراه في ترجمة الحسن بن الصباح من هذا القسم من الكتاب، والله تعالى أعلم. (¬3) "تاريخ الدارمي" عن ابن معين (196)، (680).

[135] بكر بن سهل الدمياطي

الحكم، قال: ما أعرفهما. ثم حكى عن أبيه قوله فيه: لا بأس به". اهـ. قال العلامة المعلمي في "حاشية الجرح": يأتي في ترجمة عبد الحكم (3/ 36) -وهو في المجلد السادس من المطبوع- "عبد الحكم بن .. روى عنه بكر بن سالم". ثم ساق بمثل هذا السند: "قلت ليحيى بن معين: عبد الحكم الذي روى عنه بكر ابن سالم؟ قال: ما أعرفه". وهكذا في "الميزان": "عبد الحكم، حدث عنه بكر بن سالم". وزاد في "لسان الميزان" (3/ 393): "ذكره ابن عدي في ترجمة عبد الحكم بن عبد الله القسملي المترجم في "التهذيب". ثم نقل عن عثمان الدارمي: قلت لابن معين: بكر بن سالم حدثنا الحكم؟ قال: ما أعرفهما. قال: وسألته عن الحكم السدوسي، فقال: لا أعرفه". فيظهر أن هناك آخر مجهولًا يقال له "بكر بن سالم" هو الذي قال ابن معين فيه وفي شيخه "ما أعرفهما". وأرى أن المزي تنبه لهذا؛ فإنه مع تتبعه لكتاب ابن أبي حاتم وحرصه على استيعاب شيوخ الراوي والرواة عنه، لم يذكر في ترجمة بكر بن سليم (¬1) أنه يروي عن عبد الحكم، ولا أشار إلى كلام ابن معين. فاستدراك ابن حجر (¬2) قوله: "وقال عثمان الدارمي عن يحيى: ما أعرفه" فيه ما فيه. اهـ. [135] بكر بن سهل الدمياطي: في "الفوائد" (ص 226): "ضعفه النسائي وله زلات تُثبت وهنهُ". ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" (4/ 212 - 213). (¬2) في ترجمة بكر من "تهذيب التهذيب" (1/ 483).

وفي (ص 244): تعرض المعلمي لنقد طرق حديث "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ووهّنها كلها، وهو مروي عن عدة من الصحابة منهم أبو أمامة -رضي الله عنه-. قال المعلمي: وأما عن أبي أمامة فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث. وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك فإن له أوابد. وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديث عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب قيس وعلي هذا حُمل ما علقه عنه البخاري. فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرق أخرى يوهنه حتمًا. اهـ. وفي (ص 467): "بكر ليس بشيء إذا انفرد". وفي (ص 135): حديث "أعروا النساء يلزمْن الحجال" لا أصل له. قال المعلمي: للطبراني في "الأوسط" وغيره من طريق زكريا بن يحيى الخزاز "ثنا إسماعيل بن عباد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس" وإسماعيل بن عباد هو السعدي هالك، وزكريا فيه نظر، روى زكريا بهذا الإسناد نسخة بين مقلوب وموضوع. ثم رواه (¬1) عن بكر بن سهل وقد ضعفه النسائي، روى بكر هذا الخبر عن شعيب ابن يحيى عن يحيى بن أيوب بسنده إلى مسلمة بن مخلد رفعه. وفي "اللسان" أن بكرًا رواه عن سعيد بن كثير عن يحيى بن أيوب بسنده، وعلي كل حالٍ: فهو من أفراد بكر الساقطة. اهـ. وفي (ص 481): حديث "ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله ¬

_ (¬1) يعني الطبراني.

عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين .. الحديث. قال المعلمي: "أشبه طرقه ما في "اللآلىء" (1/ 75) "قال إسماعيل بن الفضل الإخشيد في "فوائده": ثنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر بن المقرىء، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا الصنعاني -هو حفص بن ميسرة- به" يعني: عن زيد بن أسلم، عن أنس مرفوعًا". ثم تكلم المعلمي عن رجال هذا السند واحدًا واحدًا، حتى بلغ مخلدًا وذكر أنه إن صح أنه روى هذا الحديث فقد تفرد به عن حفص. ثم قال: فأما ما قيل إن ابن وهب رواه عن حفص فهذا شيء انفرد به بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الله بن رمح عن ابن وهب، [و] ابن وهب إمام جليل، له أصحاب كثير، منهم من وصف بأن لديه حديثه كله، وهما: ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن، وحرملة، ولا ذِكر لهذا الخبر عندهما، ولا عند أحدهما، ولا عند غيرهما من مشاهير أصحاب ابن وهب، ولابن وهب مؤلفات عدّة رواها عنه الناس وليس هذا فيها (¬1). ¬

_ (¬1) قال بعض الباحثين -تعقيبًا على الشيخ للمعلمي-: "وعلي فرض أنه -يعني هذا الحديث- من بكرٍ، فهل يُعدّ هذان -يعني هذا وحديث: أعروا النساء .. - سببًا في طرح الرجل مع باقي روايته. وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه "حديث أسقط ألف حديث" فرواية مثل هذا يدل على غفلة. ولكن إذا علمنا أن الثقة!! قد يدخل له إسناد في إسناد، ويخطىء في الرواية فيجعل ما يستنكر من أحاديث الضعفاء من رواية الثقات لكان لزامًا تقويم ما يرويه على أساس الحكم للغالب والأكثر .. ثم راح يذكر أمثلة على هذا، وهو كلام متين، فليس من شرط الثقة ألا يخطىء، لكن هاهنا ملاحظات: الأولى: أن هذا فيمن اتفق على توثيقه أو ترجح، وبكر لم يوثقه أحدٌ باعتراف الباحث فقد نفى ما ادَّعاه الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" - أن بكرًا قواه جماعة، فقال: "فليس في ترجمة بكر لدى كل من ترجم له مما توصلت إليه ما ينم عن هذا أو يدل عليه .. إلا إن كان -أى: ابن حجر- يعني أصحاب "طبقات القراء" أو المفسرين، وهؤلاء يغلب على ظن الباحث أنهم يعنون القراعة والتفسير، وهذا مجالٌ، ورواية الأحاديث مجالٌ آخر". أقول: إذًا، ما ساقه الباحث من الأمثلة على احتمال الأئمة لبعض أخطاء الثقات، لا علاقة له =

[136] بكر بن عبد الله أبو عاصم

ثم تكلم المعلمي عن ابن رمح وذكر أنه مقلّ وأن ابن ماجه روى عنه حديثين غريبين ثم قال: وبكر حاول ابن حجر تقويته ولم يصنع شيئًا، بكر ضعّفهُ النسائي ولم يوثقه أحد، وله أوابد تقدم بعضها في التعليق صفحات (135) و (226) و (245) و (467) وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان": "ومن وضعه .. " فذكر قول بكر: "هجرت -أي بكرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات" قال الذهبي: "فاسمع إلى هذا وتعجب". وأرى أن تفرد بكر عن ابن رمح عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه. اهـ. [136] بكر بن عبد الله أبو عاصم: عن الليث وعنه عبد الرحمن بن حاتم المرادي. "الفوائد" (ص 163): "عبد الرحمن ليس بثقة، وبكر لم أعرفه، وقال ابن الجوزىِ: ليس بشيء" (¬1). ¬

_ = ببكر؛ لأنه لا يدخل في زمرة الموثَّقِين. الثانية: أن الأخطاء فيها ما هو محتمل، ومنها ما يدل على وهن الراوي، كما أشار إليه الباحث بقوله: وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه. ثم إن هذا الأمر مخصوص بنظر النقاد، والنسائي رحمه الله من المقدَّمين في هذا الباب فتضعيفه له لأحاديث تفرد بها يدل على أنها عنده غير محتملة، الثالثة: لا يكفي في الحكم على الرجل النظرُ في بعض أحاديثَ له، قد وافق فيها الثقات، والحكم عليها بالاستقامة، مع عدم الاعتداد بتليين من لينه من أهل العلم؛ لأن كما أنه ليس من شرط الثقة ألا يخطىء، فكذلك ليس من شرط الضعيف ألا يصيب، فاستقامة بعض أحاديث الرجل لا تدل على ثقته -إذا ثبت التضعيف-، والله الموفق. (¬1) في "الموضوعات" (2/ 293) قال ابن الجوزي: "أما بكر فقال يحيى: ليس بشيء". اهـ. ونقل في "اللآلىء" (2/ 218) كلام ابن الجوزي مختصرًا وقال: "قال بعض الحفاظ: تفرد به بكر عن الليث وليس بشيء" فتوهم للمعلمي أن قائل: "ليس بشيء" هو ابن الجوزي، وإنما نقله ابن الجوزي عن ابن معين.

[137] بكر بن عمرو المعافري المصري

[137] بكر بن عمرو المعافري المصري: في "الفوائد" (ص 56): "أخرج البزار في مسنده من حديث أبي هريرة: إذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء، وإذا خرجت من مجلسك فصل ركعتين تمنعانك من مخرج السوء" قال في "مجمع الزوائد": رجاله موثقون. قال الشيخ المعلمي: هو من طريق يحيى بن أيوب عن بكر بن عمرو عن صفوان بن سليم. وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الوجه وفيه: "قال بكر: حسبته عن أبي سلمة عن أبي هريرة" كذا في شرح الإحياء، ووقع في "اللآلىء" "قال بكر: حسبته عن أبي هريرة" .. وفي شرح الإحياء عن ابن حجر: "هو حديث حسن ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح". قال المعلمي: بكر لم يوثقه أحد (¬1)، وليس له في البخاري إلا حديث واحد متابعة (¬2)، وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى، كذا قال ابن حجر نفسه في "مقدمة الفتح" (ص 391)، وليس له عند مسلم إلا حديث واحد وهو حديث أبي ذرٍّ: "قلت يارسول الله، ألا تستعملني؟ قال: يا أباذرّ إنك ضعيف .. إلخ" (¬3) ثم أخرجه مسلم من وجه آخر (¬4)، فروايته عن بكر في معنى المتابعة، وليس له عند ¬

_ (¬1) قال أحمد: يُروي له. وقال أبو حاتم: شيخ. وقال الحاكم عن الدارقطني: ينظر في أمره. وقال السلمي عنه: يعتبر به. وقال ابن يونس: كان ذا عبادة وفضل. وقال ابن القطان: لا نعلم عدالته. انظر: "الجرح" (2/ 390)، و"سؤالات الحاكم للدارقطني" رقم 288)، و"تهذيب الكمال" (4/ 221)، و"تهذيب التهذيب" (1/ 485)، و"مقدمة الفتح" (ص 393) وغيرها. (¬2) "فتح الباري" (8/ 183) رقم (4514)، لكن أعاده البخاري (8/ 309) رقم (4650) مصدِّرًا به الباب، وهو حديث واحد، انظر "التعديل والتجريح" للباجي (1/ 427 - 428). (¬3) (3/ 1457)، رقم (1825) في صَدْر الباب. (¬4) رقم (1826) بإسناد آخر، وسياق مختلف، واعتماد مسلم على ما يصدِّر به الباب؛ لأنه ذكر أنه يورد أولًا الطرق الأسلم من العيوب، وإذا اعتبرنا ما أُخِّر تخريجُه متابعٌ للأول، وما أُتْبع بغيره في معنى =

[138] بكير بن عبد الله بن الأشج أبو عبد الله المدني نزيل مصر

مسلم غيره كما يعلم من "الجمع بين رجال الصحيحين" (¬1)، ففي تحسين حديثه نظر، كيف وقد شك فيه؟ مع أن الراوي عنه يحيى بن أيوب هو الغافقي راجع ترجمته في "مقدمة الفتح". اهـ. [138] بكير بن عبد الله بن الأشج أبو عبد الله المدني نزيل مصر: في "التنكيل" (2/ 134) رواية لبُكير عن عثمان بن الوليد عن عروة، فقال الشيخ المعلمي: وعثمان بن الوليد ذكره ابن حبان في "الثقات" وذاك لا يخرجه عن جهالة الحال لما عرف من قاعدة ابن حبان. لكن إن صحت رواية بكير بن الأشج عنه فإنها تقويه، فقد قال أحمد بن صالح: "إذا رأيت بكير بن عبد الله بن الأشج روى عن رجلٍ، فلا تسأل عنه، فهو الثقة الذي لا شك فيه". وهذه العبارة تحتمل وجهين: الأول: أن يكون المراد بقوله: "فلا تسأل عنه". أي: عن ذاك المروي، أي: لا تلتمس لبكير متابعًا فإنه أي بكيرًا الثقة الذي لا شك فيه ولا يحتاج إلى متابع (¬2). الثاني: أن يكون المراد: فلا تسأل عن ذاك الرجل فإنه الثقة. يعني أن بكيرًا لا يروي إلا عن ثقة لا شك فيه. والله أعلم. اهـ. * * * ¬

_ = المتابعة، لم يَصِرْ هناك فرق واضح بين ما قُدِّم في الباب وما أُخِّر، راجع ترجمة مسلم في القسم الثاني من هذا الكتاب. (¬1) لابن القيسراني (1/ 57)، وهو في "رجال مسلم" لابن منجويه (1/ 91 - 92) وذكر أن مسلمًا روى له في كتاب "الجهاد" وهو الموضع المشار إليه آنفًا. (¬2) قلت: لو كان هذا مرادًا لقال: إذا رأيت بكيرًا روى شيئًا أو حديثًا أو نحو هذا. وإنا قال: "روى عن رجل"، فالوجه الثاني هو المتعين عندي، والله تعالى أعلم.

حرف التاء

حرف التاء [139] تحيس بن ظبيان (¬1): "الفوائد" (ص 21): "مجهول". [140] تمام بن نجيح الأسدي الدمشقي نزيل حلب: "الفوائد" (ص 307): "تالف" (¬2). [141] تميم بن عبد المؤمن: عن هلال بن سويد، وعنه محمد بن حميد الرازي. قال في "الفوائد" (ص 36): "رازي لا أعرف حاله" (¬3) * * * ¬

_ (¬1) لم أجد له ترجمة. (¬2) لم يعرف أحمد حقيقة أمره، ووثقه ابن معين، وضعفه أبو زرعة وقال أبو حاتم: منكر الحديث ذاهب، وقال البخاري: فيه نظر، وقال النسائي: لا يعجبني حديثه. وقال أبو داود: له أحاديث مناكير. وقال العقيلي: قد روى غير حديث منكر لا أصل له. وقال ابن عديّ: عامّة ما يرويه لا يتابعه الثقات عليه وهو غير ثقة. وقال ابن حبان: منكر الحديث جدًّا، يروي أشياء موضوعة عن الثقات كأنه المتعمد لها. "تهذيب الكمال" (4/ 324) وغيره. (¬3) لم أجد له ترجمة، ومحمد بن حميد الرازي متهم، فروايته عن غير معروف كالسراب، والله أعلم.

حرف الثاء

حرف الثاء [142] ثابت بن أسلم البُناني: ذكره الشيخ المعلمي بالتغيُّر بناءً على ما جاء في "تهذيب" ابن حجر، وانظر ترجمة عمارة بن زاذان، والتعليق عليها. [143] ثعلبة بن سهيل التميمي الطهوي أبو مالك الكوفي: حكى أبو الفتح الأزدي عن ابن معين أنه قال في ثعلبة: "ليس بشيء" (¬1). قال المعلمي في "طليعة التنكيل"، النوع السادس، المثال الثاني: "وهذه حكاية منقطعة كما قال الذهبي في "الميزان"؛ لأن بين الأزدي وابن معين مفازة، ومع ذلك فالأزدي نفسه متهم .. ثم لو فرض صحة تلك الكلمة عن ابن معين، فابن معين مما يطلق "ليس بشيء" لا يريد بها الجرح، وإنما يريد أن الرجل قليل الحديث. فلا تكون جرحًا، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحًا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: "ليس بشيء" قليل الحديث وقد وثق، وجب حمل كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث لا الجرح، وإلا فالظاهر أنها جرح، فلما نظرنا في حال ثعلبة وجدناه قليل الحديث، ووجدنا ابن معين نفسه قد ثبت عنه أنه قال في ثعلبة: "لا بأس به" وقال مرة: "ثقة .. " (¬2). ¬

_ (¬1) "الميزان" (1/ 371)، و"تهذيب التهذيب" (2/ 21). (¬2) راجع مزيدًا من الأمثلة -التي ذكرها المعلمي هنا- في "ألفاظ في الجرح والتعديل" من قسم القواعد من هذا الكتاب.

وقال المعلمي في ترجمة جراح بن منهال من "التنكيل" رقم (62): "فلما كان ابن معين قد وثّق ثعلبة، ولم يقدح فيه غيره، وثعلبة قليل الحديث جدًّا، تبّين أن مراد ابن معين بتلك الكلمة -لو ثبتت-: قلة الحديث". * * *

حرف الجيم

حرف الجيم [144] جابر بن مالك: عن أثوب بن عتبة، وعنه هارون بن نجيد. قال في "الفوائد" (ص 172): "كلهم مجهولون" يعني ثلاثتهم (¬1). [145] جابر بن نوح الحمّاني أبو بشير الكوفي، إمام مسجد بني حِمّان: "الفوائد" (ص 486): "واهٍ" (¬2). [146] جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي أبو عبد الله الكوفي: "الفوائد" (ص 214): "كان يؤمن بالرجعة، وكذبه زائدة وابن معين وجماعة، وقال أبو حنيفة: "لم أر أكذب منه"، وجاء عن شعبة وغيره أنه إذا قال: "حدثنا وسمعت" فهو أوثق -أو أصدق- الناس" ولم يقل هنا "حدثنا". ولا ما في معناها وإنما جاء الخبر عنه: "عن أبي الطفيل". والذي يظهر من ترجمته أنه إذا لم يصرح بالسماع فليس معنى ذلك أنه يدلس، بل إنه يكذب، وأنه إذا روى ما ليس بمرفوع قد يكذب وإن صرّح بالسماع. وكان يتأول: يقول: "أخبرني فلان" فيذكر خبرًا، ثم يقول في نفسه: "إن كان قال ذلك". ¬

_ (¬1) "اللسان" (2/ 87). (¬2) "تهذيب الكمال" (4/ 459).

[147] جراح بن المنهال أبو العطوف

قال السيوطي: "روي له أبو داود والترمذي وابن ماجه" أقول: أما الترمذي وابن ماجه فقد علمت (¬1)، وأما أبو داود فإنما أخرج له خبرًا واحدًا ثم اعتذر عنه. اهـ. وقال في المجلد الثاني من "التنكيل"، آخر المسألة الخامسة عشرة (2/ 176): "استقر الأمر على توهينه، ثم هو معروف بتدليس الأباطيل، ولم يصرح بالسماع". [147] جراح بن المنهال أبو العطوف: قال فيه ابن معين: "ليس بشيء". قال المعلمي في طليعة "التنكيل"، في النوع السادس، المثال الثاني: "نظرنا في حاله فإذا له أحاديث غير قليلة ولم يوثقه أحد، بل جرحوه، قال ابن المديني: "لا يكتب حديثه" وقال البخاري ومسلم: "منكر الحديث" وقال النسائي والدارقطني: "متروك" وقال أبو حاتم والدولابي الحنفي: "متروك الحديث ذاهب لا يكتب حديثه" وقال النسائي في "التمييز": "ليس بثقة ولا يكتب حديثه"، وذكره البرقي فيمن اتهم بالكذب، وقال ابن حبان: "كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر .. " والكلام فيه أكثر من هذا، فعرفنا أن قول ابن معين فيه: "ليس بشيء" أراد بها الجرح كما هو معروف عند غيره في معناها .. " وقال في ترجمته رقم (62) من "التنكيل": "وأما قول ابن معين "ليس بشيء" فلا ريب أنه قد يقولها في الراوي بمعنى قلة ما رواه جدًّا، يعني أنه لم يسند من الحديث ما يشتغل به. فأما أنه كثيرًا ما يقول هذا فيمن قلّ حديثه فهذه مبالغة، وقد مضى تحقيق ذلك في ترجمة "ثعلبة" من "الطليعة". ¬

_ (¬1) سبق في كلام المعلمي في هذا الموضع قوله: "فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن أجمع الناس على تكذيبه كالكلبي".

[148] جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي الكوفي نزيل الري وقاضيها

وحاصله أن الظاهر المتبادر من هذه الكلمة الجرح، فلا يعدل عنه إلا بحجة .. وأبو العطوف لم يوثقه ابن معين ولا غيره، بل أوسعوه جرحًا، وحديثه غير قليل، فقد ذكر له الأستاذ -الكوثري- خمسة، وفي "لسان الميزان" ثلاثة أخرى، لو لم يكن له غيرها لما كانت من القلة بحيث يصح أن يقال: إنها ليست بشيء، ولولا أنهم تركوه ولم يكتبوا حديثه لوجدنا له غير ما ذكر، ولعله لولا أن جامعي "المسانيد السبعة عشر" (¬1) علموا أن أبا العطوف تالف، لوجدنا له في تلك المسانيد عشرات الأحاديث، فمن الواضح أن قول ابن معين في أبي العطوف "ليس بشيء" إنما محملها الجرح الشديد". اهـ. وأما ذِكْرُ أحمد له بالغفلة فقط، فقد قال المعلمي في ترجمته أيضًا: "أحمد إمام ورع، إذا كفاه غيره الكلام في رجل، ورأى الناس قد تركوا حديثه لم يستحسن أن يشيع الكلام فيه". وأما دعوى أن هذه الغفلة طرأت عليه فقال الشيخ هناك أيضًا: "لم يذكر أحد أن أبا العطوف طرأت عليه الغفلة؛ بل قدحوا على الاطلاق، ولو كان إنما بليته الغفلة وكانت طرأت عليه .. لما طعنوا فيه، بل كانوا يعدونه في جملة المختلطين الذين يوثقهم أهل العلم ويحتجون بما سُمع منهم قبل الاختلاط .. ولم يُشر أحمد إلى أن الغفلة طرأت، بل قضية كلامه أن الرجل لم يزل كذلك". اهـ. [148] جرير بن عبد الحميد بن قُرْط الضّبِّيّ الكوفي نزيل الرّيّ وقاضيها: "التنكيل" (63): قال الكوثري: "مضطرب الحديث .. وكان سيء الحفظ انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع". ¬

_ (¬1) المؤلفة في أحاديث أبي حنيفة.

فقال الشيخ المعلمي: أقول: أما قوله "مضطرب الحديث" فكلمة لم يقلها أحد قبل الأستاذ، وليس هو ممن يقبل منه مثل هذا، غاية الأمر أن تُعدّ دعوى، فما البينة؟ ليس بيده إلا قصة طلاق الأخرس وعليه في ذلك أمرن: الأول: أن القصة تفرد بها سليمان بن داود الشاذكوني وليس بثقة، قال البخاري: "فيه نظر" وهذه من أشد كلمات الجرح في اصطلاح البخاري كما مر في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الحُنيْني، وقال أبو حاتم: "متروك الحديث" والكلام فيه كثير. وفي القصة ما ينكر؛ فإن الشاذكوني قال: "قدمت على جرير فأعجب بحفظي وكان لي مُكْرِمًا، فقدم يحيى بن معين والبغداديون الذين معه وأنا ثم، فرأوا موضعي منه، فقال بعضهم: إن هذا بعثه ابن القطان وعبد الرحمن ليفسد حديثك .. " وابن القطان وعبد الرحمن هما إمامًا عصرهما: يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ومن الممتنع أن يكذب يحيى بن معين ورفقته عليهما هذا الكذب الفاحش. الأمر الثاني: أن القصة لا تفيد اضطرابًا وإنما تفيد تدليسًا، زعم الشاذكوني أن جريرًا ذكر أولًا عن مغيرة عن إبراهيم في طلاق الأخرس، ثم ذكره ثانيًا عن سفيان عن مغيرة، ثم ثالثًا عن ابن المبارك عن سفيان، ثم قال: "حدثنيه رجل خراساني عن ابن المبارك" فلو صحت القصة لما كان فيها إلا التدليس، بإسقاط ثلاثة، ثم بإسقاط اثنين، ثم بإسقاط واحد، ثم ذكره على وجهه، ولهذا قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "إن صحت حكاية الشاذكوني فجرير كان يدلس" ولم يذكره في طبقات المدلسين لأن القصة لم تصح وقد ذكر أبو خيثمة جريرًا فقال: "لم يكن يدلس". وقول الأستاذ: "كان سيء الحفظ" لم يقلها أحد قبله أيضًا، وإنما المعروف أن جريرًا كان لا يحدث من حفظه إلا نادرًا، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة.

فأما ما حكاه العقيلي عن أحمد أنه قال: "لم يكن بالذكي اختلط عليه حديث أشعث وعاصم الأحول حتى قدم عليه بهْز فعرفه" وقد ذكر هذا لابن معين فقال: "ألا تراه قد بينها". يعني أن جريرًا بيّن لمن يروي عنه أن حديث أشعث وعاصم أختلط عليه حتى ميز له بهز ذلك، وعلي هذا فلم يحدث عنهما حتى ميز له بهز فكان يحدث عنهما ويبين الحال، وهذا هو محض الصدق والنصيحة والضبط والإتقان، فإنه لا يطلب من المحدث أن لا يشك في شيء، وإنما المطلوب منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه فإن حدث بما لا يتقنه، بين الحال، فإذا فعل ذلك فقد أمنّا من غلطه وحصل بذلك المقصود من الضبط. فإن قيل: فإنه يؤخذ من كلامهم أنه لم يكن يحفظ وإنما اعتماده على كتبه. قلت: هذا لا يعطي ما زعمه الأستاذ "أنه كان سيء الحفظ" فإن هذه الكلمة إنما تطلق في صدد الفدح فيمن لا يكون جيد الحفظ ومع ذلك يحدث من حفظه فيخطىء، فأما من لا يحدث من حفظه إلا بما أجاد حفظه كجرير فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ. وأما قول الأستاذ: "انفرد برواية حديث الأخرس الموضوع" فهذا تقليد من الأستاذ للشاذكوني فإنه هو الذي حكم على ذلك الخبر بأنه موضوع، والشاذكوني قد عرفت حاله. فأما الخبر فإنما حدث به جرير عن مغيرة "قوله" كما في "الميزان" عن عثمان بن أبي شيبة، وليس بموضوع ولا ضعيف، سواء أتوبع عليه جرير أم لم يتابع، فإنه لا ينكر لمثل جرير أن ينفرد بحديث مرفوع، فضلًا عن شيء من قول مغيرة ابن مقسم. وأما الأستاذ -الكوثري- فلم يُبْقِ إلّا كلام الموثقين. قال الإمام أحمد: "جرير أقلّ سقطًا من شريك، وشريك كان يخطىء". وقال ابن معين نحوه.

[149] جسر بن فرقد أبو جعفر القصاب البصري

وقال العجلي والنسائي: "ثقة". وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن أبي الأحوص وجرير في حديث حصين، فقال: كان جرير أكيس الرجلين، جرير أحبّ إليّ. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم، جرير ثقة، وهو أحبّ إليّ في هشام بن عروة من يونس بن بكير". وقال ابن عمّار: "حجة، كانت كتبه صحاحًا". وقال أبو أحمد الحاكم: "هو عندهم ثقة" وقال الخليلي: "ثقة متفق عليه". وقال اللالكائي: "مجمع على ثقته". وقال قتيبة: "ثنا جرير الحافظ المقدم، لكني سمعته يشتم معاوية علانية". أقول: لم يبّين ما هو الشتم؟ ولم يضره ذلك في روايته، بل أجمعوا على توثيقه كما رأيت، واحتج به صاحبا "الصحيحين" وبقية الستة والناس. اهـ. [149] جسر بن فرقد أبو جعفر القصاب البصري (¬1): "الفوائد" (ص 303): "تالف". [150] جعفر بن الحارث أبو الأشهب النخعي الكوفي نزيل واسط (¬2): "الفوائد" (ص 503): "ليس بشيء". [151] جعفر بن سليمان الضبعي أبو سليمان البصري: "التنكيل" المسألة الرابعة عشرة (2/ 126): "فيه كلام". ¬

_ (¬1) "الميزان" (1/ 398)، و"اللسان" (2/ 104). (¬2) "الميزان" (1/ 404)، و"اللسان" (2/ 112).

[152] جعفر بن محمد الأنطاكي

[152] جعفر بن محمد الأَنطاكي (¬1): "الفوائد" (ص 405): "متهم في هذا الباب (¬2) وغيره". اهـ [153] جعفر بن المسور بن مخرمة: "الأنوار الكاشفة" (ص 111): "لا يعرف برواية أصلًا، ولا يدري أدرك أباه أم لا". [154] جندل بن والق التغلبي أبو علي الكوفي (¬3): "الفوائد" (ص 66): "فيه ضعْفٌ". [155] جويبر بن سعيد الأَزدِي أبو القاسم البلخي راوي التفسير (¬4): "الفوائد" (ص 161): "ضعيف جدًّا". * * * ¬

_ (¬1) "الميزان" (1/ 416)، اللسان (2/ 124). (¬2) حديثه هنا في فضل معاوية -رضي الله عنه-. (¬3) "تهذيب الكمال" (5/ 150). (¬4) نفسه (5/ 167).

حرف الحاء

حرف الحاء [156] حابس بن محمود: "الفوائد" (ص 71): "لم أجده، وخبره هذا (¬1) يدل على أنه هالك". [157] حاجب بن أَحمد أبو محمد الطوسي (¬2): قال الحاكم: "لم يسمع حديثًا قط، لكنه كان له عم قد سمع، فجاء البلاذُري إليه فقال: هل كنت تحضر مع عمك في المجلس؟ قال: بلى، فانتخب له من كتب عمه تلك الأجزاء الخمسة، قال الحاكم في "تاريخه": بلغني أن شيخنا أَبا محمد البلاذري كان يشهد له بلقيّ هؤلاء، وكان يزعم أنه ابن مائة وثماني سنين، سمعت منه ولم يصل إلى ما سمعت منه .. " قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (67): "فظهر بهذا أن قوله أولًا "لم يسمع حديثًا قط" إنما أراد به أنه لم يتصد للسماع بنفسه، وإنما كان عمه يحضره معه مجالس السماع (¬3)، والبلاذُزي حافظ أثنى عليه الحاكم، انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 101)، ولم يغمزوا حاجبًا في عدالته، ولا أنكروا عليه شيئًا من مروياته، ويؤخذ مما تقدم أنه إنما كان يروي تلك الأجزاء التي انتخبها له البلاذري من أصول عمه لم يتعدها، وأحاديثه في "سنن البيهقي" أحاديث معروفة تدل على ¬

_ (¬1) خبر: "استعينوا على نجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذى نعمة محسود". (¬2) مترجم في "الأنساب" لابن السمعاني مادة "الطوسي" (8/ 265)، و"تاريخ الإِسلام"، و"السير" (15/ 336)، و"الميزان" (1/ 419)، و"اللسان" (1/ 146) وغيرها. (¬3) وهذا واضح بحمد الله، لكن قال الذهبي في "سير النبلاء" (15/ 337): واتهمه الحاكم، وقال: لم يسمع شيئًا، وهذه كتب عممى كذا قال الذهبي، وفيه نظر.

[158] الحارث بن حصيرة الأزدي أبو النعمان الكوفي

صدقه وأمانته، وقد روى عنه ابن منده، والقاضي أَحمد بن الحسن الحرشي وهما من الثقات الأثبات .. " (¬1). [158] الحارث بن حصيرة الأزدي أبو النعمان الكوفي: "الفوائد" (ص 400): "رافضي يخطىء". [159] الحارث بن عبد الله الأعور الهمداني الكوفي صاحب علي: في "الفوائد" (ص 102) حديث: "من ملك زادًا وراحلة تبلغه إلى بيت الله، ولم يحج، فلا عليه أن يموت يهوديًا أو نصرانيًا". قال الشوكاني: رواه الترمذي عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا، وفي إسناده: هلال بن عبد الله مولى ربيعة بن عمرو، والحارث الأعور. قال الترمذي: الأول مجهول، والثاني كذاب. ورواه ابن عديّ وأبو يعلى .. قال الشيخ المعلمي: قوله "والثاني كذاب" ليس من قول الترمذي، وإنما هي حكاية قول ابن الجوزي، ولفظه في اللآلي "هلال قال الترمذي مجهول. والحارث كذاب". وقد دافع بعضهم عن الحارث، وقال ابن حجر: "إنما كان كذبه في رأيه لا في حديثه"، وضعّفهُ في الحديث، وهذا الخبر يرويه هلال "ثنا أبو إسحاق الهمداني عن الحارث" وأبو إسحاق يدلس، وإنما سمع من الحارث أربعة أحاديث ليس هذا منها". اهـ. ¬

_ (¬1) وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (34): وقال أبو نصر بن ماشاذة: قلت للحافظ أبي عبد الله بن مندة: ما تقول في حاجب بن أحمد؟ فقال: هو ثقة ثقة. وقال ابن حجر في "اللسان" (1/ 146): "وقد رأيت ابن طاهر روى حديثًا من طريقه، وقال عقبة: رواته أثبات ثقات".

[160] الحارث بن عمير أبو عمير البصري نزيل مكة

[160] الحارث بن عمير أبو عمير البصري نزيل مكة: له ترجمة مطوّلة في "التنكيل" رقم (68)، فيها بعض القواعد المتعلقة بنقد الرواف ومثال للجمع بين روايات الجرح والتعديل في الراوي، وقد أوردتها في قسم القواعد من هذا الكتاب. وقد ختم المعلمي ترجمته هناك بقوله: فالحارث بن عمير ثقة حتمًا والحمد لله رب العالمين. اهـ. وفي "الفوائد المجموعة" تعليق له يبرز نتيجة تلك الترجمة المطولة، فهذا هو الأنسب هنا، ومن أراد الطول فعليه بالتنكيل. فأقول: في (ص 297) من "الفوائد" حديث: إن فاتحة الكتاب وآية الكرسيّ، والآيتن من آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} و {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} الآيتين معلقات بالعرش، وما بينهن وبين الله حجاب .. إلخ. قال الشوكاني: رواه الديلمي عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا. وفي إسناده الحارث بن عمير. قال ابن حبان: تفرد به وكان يروي الموضوعات عن الأثبات. وتعقبه العراقي: بأنه قد وثقه حماد بن زيد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن معين، والنسائي. واستشهد به البخاري في "صحيحه"، واحتج به أهل السنن. وفي إسناده أيضًا: محمد بن زنبور، وهو مختلف فيه، وفي سند الحديث انقطاع كما أشار إليه ابن حجر، وفي المتن نكارة شديدة. وقد صرح بأنه موضوع: ابن حبان وابن الجوزي، وليس ذلك ببعيد عندي، وإن خالفهما الحافظان العراقي وابن حجر. انتهى كلام الشوكاني.

فقال الشيخ الممعلمي: فيما يرويه ابن زنبور، عن الحارث مناكير، منها هذا، فمن الحفاظ من حمل على ابن زنبورة لأن الحارث وثقه الأكابر، وحديثه الذي يرويه غير ابن زنبور مستقيم، سوى حديث واحد خولف في رفعه، ومثل هذا لا يضره. ومن المتأخرين من حمل على الحارث؛ لأنهم وجدوا حديث ابن زنبور عن غيره مستقيمًا. ووثق النسائي الرجلين، والتحقيق معه؛ فهما ثقتان، لكن ما رواه ابن زنبور عن الحارث فضعيف، وفيه المنكرات، ولهذا نظائر عندهم في تضعيف رواية رجل عن شيخ خاص، مع توثيق كل منهما في نفسه. وكأن ابن زنبور لم يضبط ما سمعه من الحارث؛ لأنه كان صغيرًا أو نحو ذلك، فاختلطت عليه أحاديثه بأحاديث غيره (¬1). فالحق مع النسائي، ثم العراقي، وابن حجر في توثيق الرجلين، والحق مع الحاكم وابن حبان وابن الجوزي في استنكار هذا الحديث والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬1) قال المعلمي في ترجمة الحارث من "التنكيل": لو كان لا بد من جرح أحد الرجلين لكان ابن رنبور أحق بالجرح؛ لأن عدالة الحارث أثبت جدًّا وأقدم، لكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين، ويحمل الإنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في "الثقات": "ربما أخطأ". والظاهر أنه كان صغيرًا عند سماعه من الحارث كما يعلم من تأمل ترجمتيهما، وقد تقدم في ترجمة جرير بن عبد الحميد أنه اختلط عليه حديث أشعث بحديث عاصم الأحول، فكأنه اختلط على ابن زنبور بما سمعه من الحارث أحاديث سمعها من بعض الضعفاء ولم ينتبه لذلك كما تنبه جرير. فكأن ابن زنبور في أوائل طلبه كتب أحاديث عن الحارث ثم سمع من رجل آخر أحاديث كتبها في تلك الورقة، ولم بسم الشيخ، ثقةً أنه لن يلتبس [من طبعة دار المعارف بالرياض (1/ 323) وفي طبعة دار الكتب السلفية بالقاهرة (1/ 232): "يتلبس"]، عليه، ثم غفل عن ذاك الكتاب مدّة، ثم نظر فيه فظن أن تلك الأحاديث كلها مما سمعه من الحارث. وقد وثق الأئمة جماعة من الرواة، ومع ذلك ضعفوهم فيما يروونه عن شيوخ معينين، ... فهكذا ينبغي مع توثيق ابن زنبور تضعيفه فيما يرويه عن الحارث بن عمير. اهـ.

[161] الحارث بن مالك

[161] الحارث بن مالك (¬1): عن سعد بن أبي وقاص وعنه عبد الله بن شريك. "الفوائد" (ص 363): "مجهول البتة". [162] حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة: انظر حاشية المعلمي على "الجرح والتعديل" (3/ 254) رقم (1133). [163] حبة بن جوين العرني البجلي أبو قدامة الكوفي (¬2): "الفوائد" (ص 223): "واهٍ جدًّا". [164] حبيب بن أبي الأشرس: رسالة "مقام إبراهيم" (ص 183): "ضعيف" (¬3). [165] حبيب بن أبي حبيب كاتب مالك: "التنكيل" ترجمة رقم (69): "اتفقوا على جرحه فلا معنى للرواية عنه ولو في المتابعات". اهـ. [166] حجاج بن أرطأة بن ثور بن هبيرة النخعي الكوفي القاضي أحد الفقهاء: "التنكيل" ترجمة رقم (70): "حاصل كلامهم في حديثه أنه صدوق مدلس، يروي بالمعنى، وقد لخص ذلك محمد بن نصر المروزي قال: "والغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ". ¬

_ (¬1) "تهذيب الكمال" (5/ 277). قال المزي: روى له النسائي في "الخصائص" وقال: لا أعرفه. اهـ والظاهر أن جُلَّ الأحاديث -أو كلها- الواردة من طريقه هي في فضل عليٍّ -رضي الله عنه-!. (¬2) "تهذيب الكمال" (5/ 351). (¬3) بل هو متروك، قاله أحمد والنسائي، وطعن غير واحد في دينه راجع "الميزان" (1/ 450)، واللسان (2/ 167) وغيرهما.

[167] الحجاج بن فرافصة الباهلي البصري

فإذا صرح بالسماع فقد أمِنّا تدليسه، وهو فقيه عارف، لا يُخشى من روايته بالمعنى تغيير المعنى، لكن إذا خالفه في اللفظ ثقة يتحرى الرواية باللفظ، وكان بين اللفظين اختلاف ما في المعنى، قُدم فيما اختلفا فيه لفظُ الثقة الآخر". ثم ذكر المعلمي جاء في الثناء على الحجاج في علمه. وقال في "الفوائد" (ص 243) عند رواية حجاج بن أرطأة عن مكحول، قال: "قد قيل إن حجاجًا لم يسمع من مكحول، وعلى فرض أنه سمع منه فحجاج مدلس". اهـ. وقال في المسألة (14) من"التنكيل" (2/ 115): "معروف بالتدليس عن الضعفاء". [167] الحجاج بن فرافصة الباهلي البصري: "الفوائد" (ص 503): "عابد ليس بالقوي". [168] الحجاج بن محمد المصيصي أبو محمد الأعور ترمذي الأصل سكن بغداد ثم تحوّل إلى المصيصة: له ترجمة مطولة في "التنكيل" رقم (71)، نقل المعلمي في آخرها من ثناء الأئمة على الحجاج قول أحمد: "ما كان أضبطه وأشد تعاهده للحروف" وقول المُعلّى الرازي: "قد رأيت أصحاب ابن جريج ما رأيت فيهم أثبت من حجاج" وقول علي بن المديني والنسائي: "ثقة" وكذا توثيق مسلم والعجلي وابن قانع ومسلمة بن القاسم وغيرهم واحتجاج الجماعة به. وقد تناول المعلمي في صدر الترجمة ثلاثة مباحث: الأول: هل اختلط حجاج؟ وإن كان اختلط فهل حدث بعد اختلاطه؟ وبرهن الشيخ في هذا المبحث على أنه: إما أن لا يكون حجاج اختلط وإنما تغير تغيرًا يسيرًا لا يضر، وإما أن لا يكون سمع منه أحد في مدة اختلاطه.

وانظر في تفاصيل هذا المبحث النقاط التالية من قسم القواعد من هذا الكتاب: 1 - الاختلاط والفرق بينه وبين التغيّر. 2 - الاستفادة من دراسة الواقع العملي للراوي في نقد بعض أقوال الجرح والتعديل الخاصة به. 3 - نقد أسانيد الجرح والتعديل. الثاني: في سماع سنيد بن داود من حجاج، وهل كان ذلك في وقت تغير حجاج، كما ظن الخلال، بناءً على قصة حكاها عن الأثرم عن الإِمام أحمد وفيها طلب سنيد من حجاج أن يجعل بدل قول ابن جريج: أُخْبِرْتُ عن الزهري، أُخْبِرْتُ عن صفوان بن سليم: ابن جريح عن الزهري، وابن جريج عن صفوان ابن سليم وكراهة أحمد لذلك. وبرهن الشيخ المعلمي على أن القصة ليس فيها ما يقدح في تثبت حجاج ولا أمانة سنيد، واستدل على خطأ ما ظنه الخلال من سماع سنيد من حجاج في وقت تغيره -من واقع هذه القصة- بقول أحمد نفسه: سنيد لزم حجاج قديمًا، قد رأيت حجاجًا يُملي عليه، وأرجو أن لا يكون حدث إلَّا بالصدق. وانظر في تفاصيل هذا المبحث: 1 - أمثلة للجرح الغير قادح. 2 - التدليس [إذا كان الراوي مشهورًا بالتدليس فسيان قيل عنه: أُخْبِرْتُ عن فلان أو عنه: عن فلان، فكلاهما لا يحكم له بالاتصال]. الثالث: هل ما فعله سنيد مع حجاج يُعدُّ تلقينًا قادحًا فيهما؟ شرح المعلمي هنا معنى التلقن القادح، وهو الذي يقع الشيخ بسببه في الكذب، وبرهن على أن ما وقع من سنيد ليس بتلقين الكذب، وإنما غايته أن يكون تلقيًا لتدليس التسوية، وأنه لا محذور فيه هنا لاشتهار ابن جريج بالتدليس.

[169] حرام بن عثمان الأنصاري المدني

ثم قال المعلمي: "وبذلك يتبيّن أن حجاجًا لم يتلقن غفلة ولا خيانة، وإنما أجاب سنيدًا إلى ما التمسه؛ لعلمه أنه لا محذور فيه، وكره أحمد ذلك لما تقدم (يعني لأنه رآه خلاف الكم الذي الأمانة ..). وانظر في تفاصيل هذ المبحث: الكلام على: "التلقين" من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب، والله الموفق. [169] حرام بن عثمان الأنصاري المدني: في "الفوائد" (ص 366) حديث: "أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعليّ: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". أشار الشوكاني إلى طرق هذا الحديث، فوهّنها المعلمي كُلّها، منها ما رواه ابن منيع عن جابر مرفوعًا. فقال المعلمي: "في سنده حرام بن عثمان: هالك، وفي ترجمته من"الميزان" و"اللسان" ذكر هذا الخبر، وأنه منكر جدًّا، مع أن في السند هناك شكًّا: "حرام بن عثمان عن ابني جابر - أُراه عن جابر". [170] حرب بن سريج بن المنذر المنقري أبو سفيان البصري: "الفوائد" (ص 457): "فيه كلام". [171] حرب بن ميمون الأنصاري أبو الخطاب البصري الأكبر، مولى النضر بن أنس بن مالك: "حاشية الموضح" (1/ 96 - 97)، و"حاشية التاريخ الكبير" (3/ 64 - 65). ويتعلق بترجمته جمع وتفريق، ويظهر من الحاشيتين تأخر ما في "التاريخ" على ما في "الموضح".

[172] حريز بن عثمان الرحبي أبو عثمان الشامي الحمصي

[172] حريز بن عثمان الرّحبي أبو عثمان الشامي الحمصي: قال الشيخ المعلمي في الجواب عن رواية البخاري له في الصحيح -مع ما قيل فيه من النّصْب-: "حريز اتفق أهل العلم على أنه من أصدق الناس في الرواية، وقد جاء أنه رجع عن بدعته، وذكر البخاري رجوعه في ترجمته من "التاريخ" (¬1). [173] حسان بن سياه أبو سهل الأزرق بصري (¬2): في "الفوائد" (ص 181) حديث: "يا عائشة: إذا جاء الرطب فهنئيني". قال الشوكاني: رواه أبو بكر الشافعي عن عائشة مرفوعًا، وفي إسناده من لا يتابع على روايته. فقال المعلمي: هو حسان بن سياه، ساقاله ابن عديّ ثمانية عشر حديثًا، كلها مناكير، يروي عامتها بوقاحة عن ثابت عن أنس، فهذا كذاب والسلام (¬3). اهـ - حسان بن كاهن. راجع: هصان بن كاهن. [174] الحسن بن أحمد بن علي أبو الفرج الهماني: في "الفوائد" (ص 389) حديث: "إن الله لما خلق آدم وحواء تبخترا في الجنة، وقالا: ما خلق الله خلقًا أحسن منا، فبينما هما كذلك إذ هما بصورة جارية لم هي الراءون أحسن منها .. فقالا: يا رب ما هذه الجارية؟ قال: صورة فاطمة بنت محمد سيّد ولدك". قال الشوكاني رواه جابر مرفوعًا، وهو موضوع. ¬

_ (¬1) (3/ 104) قال البخاري: وقال أبو اليمان: كان حريز يتناول مِنْ رجلِ ثم ترك يعني عليًّا -رضي الله عنه-. (¬2) انظر "الميزان" (1/ 478)، و"اللسان" (2/ 187 - 188) وغيرهما. (¬3) لم يصرح بتكذيبه أحدٌ، ولكنَّ مقصود المعلمي أنَّ تفرده بمناكير عن مثل ثابت عن أنس -وهو إسناد مشهور- يدلُّ على كذبه على ثابت فيما رواه عنه، والله تعالى أعلم.

[175] الحسن بن إسحاق بن زياد الليثي، مولاهم، أبو علي المروزي الشاعر ولقبه: حسنويه شيخ البخاري

فقال الشيخ المعلمي: "لم يروه جابر، وإنما روى عنه، وهو من طريق أبي الفرج الحسن بن أحمد بن عليّ الهماني "ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان، ثنا أحمد بن محمد بن مهران بن جعفر الرازي بحضرة أبي خيثمة، حدثني مولاي الحسن بن علي صاحب العسكر - إلخ". قال ابن الجوزي (¬1): "موضوع، الحسن العسكري ليس بشيء". أقول: العسكري بريء منه، ولابن شاذان ترجمة مختصرة (¬2) في "الميزان" (¬3) و"اللسان" (¬4) وأحسبهما لم يعرفاه، وهو مشهور موثق، ترجمته في "تاريخ بغداد" (10/ 128)، وهو من شيوخ الدارقطني وتوفي سنة (351)، فعلى هذا لم يدرك أبا خيثمة، بل صاحب العسكر نفسه كان عمره عند وفاة أبي خيثمة ثلاث سنوات فقط. فالنظر في الهماني، وله ترجمة في "تاريخ بغداد" (7/ 277) تدل أنه غير مشهور، ولم يذكر فيه الخطيب مدحًا ولا قدحًا، وأرى البلاء منه. اهـ [175] الحسن بن إسحاق بن زياد الليثي، مولاهم، أبو علي المروزي الشاعر ولقبه: حسنويه شيخ البخاري (¬5): ¬

_ (¬1) "الموضوعات" (2/ 415). (¬2) ستأتي ترجمته. (¬3) (2/ 495، 498). (¬4) (3/ 346). (¬5) روى عنه البخاري في "الصحيح" (7/ 457)، رقم (4189) "فتح الباري"، وقال الحافظ ابن حجر: "ما له في البخاري سوى هذا الحديث". اهـ، لكن ذكر له الباجي في "التعديل والتجريح" (2/ 473) حديثًا آخر، وهو في "الصحيح" (7/ 484)، رقم (4228 - فتح)، والحديثان رواهما البخاري عنه عن محمد بن سابق، وابن سابق من شيوخ البخاري، وربما روى عنه بواسطة كما في هذين الحديثين. والحديث الثاني منهما هو الحديث الوارد في "التنكيل": "قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس سهمين، وللراجل سهمًا".

[176] الحسن بن ثوبان بن عامر الهوزني أبو ثوبان المصري

قال المعلمي في "التنكيل" (2/ 81) في المسألة رقم (11): "ليس بالمشهور" (¬1). [176] الحسن بن ثوبان بن عامر الهوزني أبو ثوبان المصري: في "الفوائد" (ص 456) حديث: "إن لله ديكًا عنقه منطوية تحت العرش، ورجلاه تحت التخوم، فإذا كانت هنيئة من الليل صاح: سبوح قدوس، وصاحت الديكة". رُوي من طرق نقدها المعلمي وبين سقوطها جميعًا، منها ما رواه أبو الشيخ عن ابن عمر مرفوعًا. قال المعلمي: "من طريق "عبد الله بن صالح" كاتب الليث، ليس بعمدة، "حدثني رشدين بن سعد" واهٍ جدًّا "عن الحسن بن ثوبان" لا بأس به، ولكن ليس حدّه أن يقبل منه التفرد بمثل هذا لو صح عنه. اهـ [177] الحسن بن أبي جعفر الجُفْري أبو سعيد البصري: "الفوائد" (ص 73): "منكر الحديث". وفي (ص 304): "ليس في الرواية بشيء". [178] الحسن بن الحسين بن العباس بن الفضل بن المغيرة، أبو علي المعروف بابن دوما النعّالي: قال الخطيب: أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي، أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم، حدثنا أحمد بن علي الأبار. ¬

_ (¬1) روى عنه النسائي أيضًا ووثقه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وذكر الباجي في الكتاب المشار إليه آنفًا أن أَبا حاتم الرازي قال فيه: مجهول. وقال ابن حجر في "التهذيب": كأن أبا حاتم ما لقيه فلم يعرفه. وذكر الذهبي في "الميزان" و"المغني": "الحسن بن إسحاق الهروي عن محمد بن سابق: مجهول". لكن الذي يظهر أنه عنده غير الليثي شيخ البخاري؛ لأنه ترجم لشيخ البخاري في "تاريخ الإسلام" و"الكاشف" وغيرهما فلم يذكره بالهروي ولم ينقل فيه قول أي حاتم، فينظر: فيمن قال أبو حاتم هذا القول، ولم يترجم ابن أبي حاتم لمن يسمى: الحسن ابن إسحاق أصلًا، ولم أقف على قوله هذا، فالله أعلم.

قال الخطيب في ترجمة ابن دوما (¬1): "كتبنا عنه وكان كثير السماع، إلَّا أنه أفسد أمره بأن ألْحق لنفسه السماع في أشياء لم يكن عليها سماعه. ثم قال: ذكرت للصوري خبرًا من حديث الشافعي حدثنا ابن دوما فقال لي: لما دخلت بغداد رأيت هذا الجزء وفيه سماع ابن دوما الأكبر، وليس فيه سماع أبي علي، ثم سمّع أبو علي فيه لنفسه وألحق اسمه مع اسم أخيه". قال المعلمي في ترجمته من"التنكيل" رقم (74): "المقال في ابن دوما لا يضر هاهنا؛ فإن الخطيب إنما يروي بذاك السند ما يأخذه من مصنف الأبار، والعمدة في ذلك على أن تكون النسخة موثوقًا بها، كما لو روى أحدنا بسند له من طريق البخاري حديثًا ثابتًا في "صحيحه"، فإنَّه لا يقدح في ذلك أن يكون في السند إلى البخاري مطعون فيه، وقد شرحت هذا في "الطليعة" وغيرها. والأبار هو الحافظ أحمد بن علي بن مسلم تقدمت ترجمته، والخطيب معروف بشدة التثبت، بل قد يبلغ به الأمر إلى التعنت، فلم يكن ليروى عن مصنف الأبار إلَّا عن نسخة موثوق بها بعد معرفته صحة سماع ابن دوما. ومع ذلك فالطعن في ابن دوما فيه نظر، فمن الجائز أنَّهم كانوا يحضرونه مع أخيه ولم يكتبوا إسماعه لصغره، فرأى أنه كان مميزًا، وأن له حق الرواية بذلك، فإن كان كتب بخطه العادي أنه سمع فلعله صادق، وإن كان [قلّد] (¬2) خط كاتب السماع الأول إيهامًا أنه كتب سماعه في المجلس فهذا تدليس قبيح، قد يكون استجازه بناء على ما يقوله الفقهاء في مسألة الظفر ونحوها بعلة أنه لا يصل إلى حقه إلَّا بذلك. ¬

_ (¬1) "تاريخه" (7/ 300). (¬2) من طبعة المعارف بالرياض (1/ 231)، وفي طبعة دار الكتب السلفية بالقاهرة (1/ 239): "قد"، وهو تحريف.

[179] الحسن بن دينار أبو سعيد التميمي. "وهو الحسن بن واصل"

وعلى كل حال فكما أن الخطيب لم يرو عنه من الجزء الذي ذكره من حديث أبي بكر الشافعي، فكذلك لم يرو عنه الخطيب شيئًا إلَّا مما ثبت عنده صحة سماعه له مع الوثوق بالنسخة". اهـ [179] الحسن بن دينار أبو سعيد التميمي. "وهو الحسن بن واصل": "الفوائد" (ص 73): "كذبه جماعة من الأئمة، والحجة معهم، فلا اعتداد بقول الفلاس: "ما هو عندي من أهل الكذب، ولكن لم يكن بالحافظ". ولا قول ابن المبارك: "لا أعلم إلَّا خيرًا" .. الخ وفي (ص 221): "متروك، بل قال جماعة من الأئمة: "كذاب"، ولم يدرك أبا أمامة ولا أحدًا من الصحابة". [180] الحسن بن ذكوان أبو سلمة البصري: "الفوائد" (ص 247): "أولًا: فيه كلام شديد، وإنما خرج البخاري للحسن حديثًا واحدًا متابعة؛ لأنه قد ثبت من رواية غيره، وصرح فيه بالسماع (¬1). الأمر الثاني: أن الحسن يدلس تدليسًا شديدًا، يسمع الخبر من كذاب عن ثقة، فيذهب يرويه عن ذاك الثقة، ويسقط اسم الكذاب". [181] الحسن بن الربيع بن سليمان أبو علي البجلي الكوفي البوراني: روى بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الخالق بن منصور عن ابن معين قوله في الحسن: "لو كان يتقي الله لم يكن يحدث بالمغازي، ما كان يحسن يقرؤها" (¬2). ¬

_ (¬1) "فتح الباري" (11/ 418)، رقم (6566) من رواية يحيى بن سعيد القطان عنه. قال ابن حجر هناك (ص 441): "ليس للحسن في البخاري سوى هذا الحديث من رواية يحيى القطان عنه، مع تعنته في الرجال، ومع ذلك فهو متابعة". وزاد في "هدي الساري" (ص 397): وله شواهد كثيرة". ولم يذكر له الباجي في "التعديل والتجريح" (2/ 474) سوى هذا الموضع في "الصحيح". (¬2) "تاريخ بغداد" (7/ 308).

وفي "تهذيب التهذيب" (¬1) قال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع صدوق وليس بحجة. أما عن قول ابن معين فقد قال المعلمي في "الطليعة" النوع السادس: "بكر بن سهل لم يوثقه أحد، بل ضعفه النسائي، ورماه الذهبي في "الميزان" بالوضع" (¬2). وقال في ترجمة الحسن من "التنكيل" رقم (75): "لم تصح هذه الكلمة عن ابن معين، ولذلك لم تذكر في "التهذيب" ولا ذكر الحسن في "الميزان" ولا ذكره ابن حجر في "مقدمة الفتح" فيمن فيه كلام من رجال البخاري، ومع ذلك فقد أجاب عنها الخطيب (¬3). اهـ. وأما عن قول ابن شاهين فقال المعلمي أَيضًا: "هذه الحكاية منقطعة؛ لأن ابن شاهين إنما ولد بعد وفاة عثمان بنحو ستين سنة، ولا نعلمه التزم الصحة فيما يحكيه في "ثقات" عمن لم يدركه. وعثمان علي قلة كلامه في الرجال يتعنت، وكلمة "ليس بحجة" لا تنافي الثقة، فقد قال عثمان نفسه في أحمد بن عبد الله بن يونس الثقة المأمون: "ثقة وليس بحجة". وراجع "فتح المغيث" (ص 157). والحسن قد وثقه الناس، قال أبو حاتم مع تشدده: "كان من أوثق أصحاب ابن إدريس" .. وروى عنه البخاري ومسلم في "الصحيحين" وأبو داود في "السنن" .. وأبو زرعة، وأخرج له بقية الستة بواسطة، وقال ابن حبان في "الثقات": "هو الذي غمّض ابن المبارك ودفنه"، وليس بمدلس، فقوله: "ضرب ابن المبارك على ¬

_ (¬1) (2/ 243). (¬2) راجع ترجمة بكر هنا. (¬3) قال الخطيب: "لم يعبه يحيى إلَّا بأنه كان لا يحسن قراءة المغازي وما فيها من الأشعار، وذلك لا يوجب ضعفه".

[182] الحسن بن زياد اللؤلؤي

حديث أبي حنيفة قبل أن يموت بأيام يسيرة" محكوم له بالاتصال كما سلف في القواعد (¬1). اهـ [182] الحسن بن زياد اللؤلؤي: قال أبو أنس: هو هالك، مكشوف الأمر جدًّا، كذبه غير واحد من أهل العلم، راجع شيئًا من حالة في ترجمة الخطيب، ومحمد بن سعد العوفي من "التنكيل" رقمي (26)، (206). وقال المعلمي في اللؤلؤي في آخر ترجمة محمد: "فهذا هو الذي يصفه الكوثري بأنه "مجتهد عظيم القدر ومحدث جليل الشأن .. " استخفافًا بالدين وأهله وسخريةً من عقول الناس وعقله". [183] الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد المدني: "الفوائد" (ص 367): "صدوق يهم" (¬2). [184] الحسن بن شبيب المكتب: "الفوائد" (ص 165): "هالك". ¬

_ (¬1) في "مباحث في الاتصال والانقطاع" وانظر مجموع هذه المباحث في القسم الثالث من هذا الكتاب. (¬2) روى عنه مالك بن أنس وابن أبي ذئب ووكيع وجماعة. وروى له النسائي حديثًا واحدًا في الحجامة للصائم، وأورده ابن عدي في ترجمته. ووثقه ابن سعد والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات". وذكره البخاري وابن أبي حاتم بغير جرح ولا تعديل. وقال ابن عدي: ثنا علي بن أحمد بن سليمان، ثنا ابن أبي مريم، قال: سمعت يحيى بن معين يقول: الحسن بن زيد ضعيف. ثم قال: والحسن بن زيد هذا يروي عن أَبيه وعكرمة أحاديث معضلة .. وأحاديثه عن أَبيه أنكر مما رواه عن عكرمة. انظر "الكامل" لابن عدي (2/ 325)، و"الثقات" (6/ 160)، و"تهذيب الكمال" (6/ 152) وغيرها.

[185] الحسن بن صالح بن صالح بن حي الهمداني الثوري أبو عبد الله الكوفي العابد

[185] الحسن بن صالح بن صالح بن حيّ الهمداني الثوري أبو عبد الله الكوفي العابد: "حاشية الأنساب" (2/ 74 - 75): "إمام من أئمة المسلمين، إنما أنكر عليه بعض معاصريه من الأئمة تحبيذه الخروج على خلفاء الجور، رأى المنكرون عليه أن الخروج في زمنهم لا يؤدي إلَّا إلى ما هو أعظم شرًّا، ويخشون أن يعمل بعض أهل الخير والصلاح برأي الحسن، فيخرجوا، فيشتد الشرُّ على المسلمين جميعًا، فشددوا النكير عليه ليكفوا الناس عن التسرع في العمل برأيه. ويجب التثبت فيما يحكيه العالم عن الفرق المخالفة لفرقته، فربما اغتر بحكاية من لا يوثق به، وربما حكى عنهم ما لم يقله إلَّا بعض من ينتسب إليهم، وربما حكى عنهم ما يعلم أنهم لا يقولون به، ولكن يراه لازمًا لهم". اهـ [186] الحسن بن الصباح بن محمد أبو علي البزار الواسطي البغدادي: قال أحمد: "ثقة، صاحب سنة" وقال أبو حاتم: "صدوق، وكانت له جلالة عجيبة ببغداد، كان أحمد بن حنبل يرفع من قدره ويجلّه" وذكره النسائي في "أسماء شيوخه" وقال: "بغدادي صالح" لكن ذكره في كتاب "الكني" وقال: "ليس بالقوي". فذكر المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (76) أن هذه الكلمة إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوّة، أما كلمة "ليس بقوي" فإنَّها تنفي القوة مطلقًا وإن لم تثبت الضعف مطلقًا، وأن النسائي يراعي هذا الفرق، فأطلق هذه الكلمة "ليس بالقوي" على جماعة أقوياء (¬1). اهـ راجع هذا المبحث في "ألفاظ في الجرح والتعديل" من قسم القواعد. ¬

_ (¬1) قال ابن حجر في ترجمة الحسن من "مقدمة الفتح" (ص 397): "هذا تليين هي، وقد روى عنه البخاري وأصحاب السنن، إلَّا ابن ماجه ولم يكثر عنه البخاري اهـ.

[187] الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي

[187] الحسن بن عبيد الله بن عروة النخعي أبو عروة الكوفي: "حاشية الموضح" (1/ 170): "إذا صرح الأعمش بسماعه، فلا يقاس به الحسن بن عبيد الله ولا يعشره، والبخاري أعرف الناس بهذا، فإنه مع توثيق جماعة من الأئمة للحسن وثنائهم عليه، لم يخرج له في الصحيح، وقال -كما في "التهذيب" (¬1) -: "لم أخرج حديث الحسن بن عبيد الله؛ لأن عامّة حديثه مضطرب". اهـ [188] الحسن بن عثمان أبو سعيد التستري: "الفوائد" (ص 399): "كذاب يضع". [189] الحسن بن علي بن زكريا أبو سعيد العدوي البصري: "الفوائد" (ص 360): "وضاع خبيث". [190] الحسن بن علي بن شبيب المعْمرِيّ (¬2) "حاشية الموضح" (1/ 27): "فيه كلام، وكان يغرب ويتفرد ويزيد في الأخبار، حتَّى رمي بالكذب" (¬3). اهـ. [191] الحسن بن علي بن محمد الحلواني نزيل مكة: قال المعلمي في ترجمته من"التنكيل" رقم (77): "قال فيه يعقوب بن شيبة: "كان ثقة ثبتًا". وقال النسائي: "ثقة". وقال الترمذي: "كان حافظًا". وقال الخليلي: "كان يشبه أحمد في سمعته وديانته". وقال الخطيب: "كان ثقة حافظًا". وروى عنه البخاري ومسلم في "صحيحهما" وأبو داود مع أنه لا يروي إلَّا عن ثقة، ومع شدة متابعته لأحمد". ¬

_ (¬1) (2/ 292). (¬2) جاء في "حاشية الموضح": "العمري"، وهو خطأ. (¬3) له ترجمة مستوفاة في "اللسان" (2/ 221).

[192] الحسن بن علي بن محمد أبو علي بن المذهب التميمي

وبشأن كلام الإِمام أحمد فيه قال المعلمي: "إنما لم يحمده أحمد لأنه رُوي عنه أنه مع قوله "القرآن كلام الله غير مخلوق ما نعرف غير هذا" امتنع من إطلاق الكفر على القائلين بخلق القرآن، فكأن أحمد رأى أن امتناع العالم في ذاك العصر من إطلاق الكفر عليهم يكون ذريعة لانتشار تلك البدعة التي جدّ أهلها -والدولة معهم- في نشرها وحمل الناس عليها، ولعل الحلواني لم ينتبه لهذا، وعارض ذلك عنده ما يراه مفسدة أعظم. فأما قول أحمد: "لا أعرفه بطلب الحديث ولا رأيته يطلبه" فحق وصدق، أحمد في بلد والحلواني في بلد آخر. وقد قال يحيى القطان في عبد الواحد بن زياد: "ما رأيته طلب حديثًا قط" ولم يعُدُّوا هذا تضعيفًا. اهـ [192] الحسن بن علي بن محمد أبو علي بن المذهب التميمي: راوِي كِتابي"المسند" و"الزهد" للإمام أحمد بن حنبل. ترجمته في "التنكيل" رقم (78). أجاب الشيخ المعلمي عما ذكره الخطيب في ترجمة ابن المذهب من "تاريخ بغداد" بما حاصله: أن الكلام فيه وفي شيخه أبي بكر بن مالك القطيعي لا يقتضي أدنى خدش في صحة"المسند" و"الزهد"، وأنه وإن قال فيه الخطيب: "ليس بمحل للحجة" إلَّا أنه كان عنده صدوقًا؛ فقد اعتمد عليه في رواية هذه الكتب، وسمع منه، وروى عنه. وأنه لم يعتد بما قاله في حقه مسقطًا للرواية البتّة. وللنظر في تفصيل ما قيل في ابن المذهب وجواب الشيخ المعلمي عن ذلك يراجع قسم القواعد من هذا الكتاب، فقد أودعت القضايا والمسائل المتعلقة به في مظانها هناك، والله الموفق.

[193] الحسن بن عمارة البجلي مولاهم، أبو محمد الكوفي، قاضي بغداد

- الحسن بن علي صاحب العسكر "العسكري": له ذكر في ترجمة: الحسن بن أحمد بن علي أبي الفرج الهماني، فراجعها. [193] الحسن بن عمارة البجلي مولاهم، أبو محمد الكوفي، قاضي بغداد: قال المعلمي في المسألة (12) من "التنكيل" (2/ 93): "ضعيف جدًّا". وفي المسألة (14) منه (2/ 146 - 147) رواية للحسن عن الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار عن علي، فقال الشيخ المعلمي: هذه ليست مما يفرح به، الحسن بن عمارة طائح، قال شعبة: "أفادني الحسن بن عمارة سبعين حديثًا عن الحكم فلم يكن لها أصل". ونصّ شعبة على أمثلةٍ منها، سئل الحكم عنها فلم يعرفها. قال شعبة: "قال الحسن بن عمارة: حدثني الحكم عن يحيى بن الجزار عن علي -سبعة أحاديث- فسألت الحكم عنها فقال: ما سمعت منها شيئًا". وقال ابن المديني في الحسن بن عمارة: "كان يضع". اهـ [194] الحسن بن عمرو السدوسي البصري: "الفوائد" (ص 218): "فيه نظر". [195] الحسن بن عياش بن سالم الأسدي مولاهم الكوفي: "التنكيل" (2/ 32): "ليّنه بعضهم، قال عثمان الدارمي عن ابن معين: "ثقة وأخوه بكر ثقة" قال عثمان: "ليسا بذاك وهما في أهل الصدق والأمانة" (¬1). [196] الحسن بن الفضل البوصرائي: قال ابن المنادي: "أكثر الناس عنه، ثم انكشف أمره فتركوه وخرقوا حديثه". ¬

_ (¬1) من أوهامه: انظر "تحفة الأشراف" رقم (15967) فقد دخل له حديث في حديث.

[197] الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، أبو علي البغدادي صاحب الشافعي

قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (79): "قد روى عن البوصرائي جماعة من الأكابر كابن صاعد والصفار، وكلام ابن المنادي غير مفسر؛ وقد كانوا ربما يغضبون على المحدث ويخرقون حديثه لغير موجب، كما مرّ في "الطليعة" (¬1)، وكما تراه في ترجمة محمد بن بشر الزنبري من "لسان الميزان" (¬2). [197] الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، أبو علي البغدادي صاحب الشافعي: في المسألة (14) من "التنكيل" (2/ 137): "ثقة، من رجال البخاري". [198] الحسن بن محمد بن نصر بن عثمان بن الوليد بن مدرك أبو علي الرازي (¬3): "التنكيل" (1/ 461) قال: "متهم". وقال في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت (1/ 180) رقم (34): "للحسن عجائب في "مناقب أبي حنيفة" للموفق". اهـ [199] الحسن بن موسى الأشيب أبو علي البغدادي قاضي طبرستان والموصل وحمص: "حاشية الأنساب" (1/ 286). ¬

_ (¬1) النوع الثاني، مثال رقم (4)، وفيه قول خميس الحوزي في ابن السقاء: "من وجوه الواسطين، وذوي الثروة والحفظ، وبارك الله في سنه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث "الطير" فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا بمن وأقاموه، وغسلوا موضعه فمضى، ولزم بيته". فقال المعلمي: " .. هذه حماقة من العامة وجهل، لا يلحق ابن السقاء بها عيب ولا ذم ولا ما يشبه ذلك، وحديث "الطير" مشهور روي من طرق كثيرة، ولم ينكر أهل السنة مجيئه من طرق كثيرة، وإنما ينكرون صحته .. ". وستأتي ترجمة ابن السقاء، وهو عبد الله بن محمد بن عثمان. (¬2) (5/ 93) وانظر مبحث: "الجرح الغير قادح" في مباحث "الجرح والتعديل"، من قسم القواعد من هذا الكتاب. (¬3) "اللسان" (2/ 253).

[200] الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي البلاطي

قال السمعاني: "ضعفه علي بن المديني، ووثقه يحيى بن معين وغيره". قال المعلمي: "كلا، لم يضعفه، وإنما توهمه ابنه (¬1)، وقد ثبت عنه أنه وثقه (¬2)، راجع ترجمة الحسن في مقدمة فتح الباري" (¬3). - الحسن بن واصل: راجع: الحسن بن دينار. [200] الحسن بن يحيى الخشني الدمشقي البلاطي: "الفوائد" (ص 479): "ليس بشيء". [201] الحسين بن أحمد بن محمد أبو عبد الله الشماخي الهروي الصفار (¬4): قال أبو أنس: قال الخطيب: "سألت البرقاني عن الشماخي فقال: كتبت عنه حديثًا كثيرًا، ثم بان لي في آخر عمره أنه ليس بحجة. وحدثني البرقاني قال: جاريت أَبا علي زاهر بن أحمد السرخسي ذِكْر الحسين بن أحمد الصفار الشماخي، فحكى حكاية طويلة محصولها قال: كنت عند ابن منيع (¬5) سنة دخلوا بغداد، فاتفق أنَّهم تواعدوا أن فلانًا -ذكر زاهر اسمه- يريد أن يجيء، ليقرأ له ¬

_ (¬1) قال عبد الله بن علي بن المديني، عن أَبيه: "كان ببغداد كأنه! وضعَّفه". "تاريخ بغداد" (7/ 428). فقال الخطيب: "لا أعلم عِلَّة تضعيفه إياه، وقد وثقه يحيى بن معين وغيره". (¬2) حكاه أبو حاتم الرازي عنه في "الجرح" (3 / ت 160). (¬3) قال الحافظ تعقيبًا على حكاية عبد الله بن علي بن المديني: "هذا ظن لا تقوم به حجة، وقد كان أبو حاتم الرازي يقول: سمعت علي بن المديني يقول: الحسن بن موسى الأشيب ثقة. فهذا التصريح الموافق لأقوال الجماعة أَوْلى أن يعمل به من ذلك الظن ... ". "مقدمة الفتح" (ص 359). (¬4) "تاريخ بغداد" (8/ 8)، و"تاريخ دمشق" (4 / ق 651)، و"الميزان" (1/ 528)، و"سير النبلاء" (16/ 360)، و"تاريخ الإسلام" طبقة (38)، و"المغني في الضعفاء" (1507)، و"اللسان" (2/ 261) وغيرها. (¬5) هو أبو القاسم البغوي.

علي بن منيع، فحضرت وحضر إنسان معنا يقال له أبو سهل الصفار ولم يكن معنا حسين، فبعد ذلك بيوم أو يومين جاؤا ومعهم حسين، فسألوا ابن منيع أن يقرأ لهم شيئًا، فقرأ لهم عليه ثلاثة أحاديث أو أربعة أحاديث فحسب، وكان ثقيلًا في علّة الموت، ولُقِّن بعضُ الشيء فلفظ لهم به هذا، هذا مقدار ما سمع حسين حسب. قال زاهر: وبلغني أنه يحدث عنه بشيء كثير، فكتبت إليه وقلت: شهدت أمرك، ولم تسمع منه إلا ثلاثة، أو أربعة، فإن أمسكت وإلا شهرتك. فبلغني أنه أقصر. قال البرقاني: فقلت له: لم يقصر! وقال البرقاني: عندي عن الشماخي رزمة -وكان قد أخرج كتابًا على صحيح مسلم- ولا أخرج عنه في الصحيح حرفًا واحدًا. اهـ وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: "قدم علينا نيسابور حاجًا سنة تسع وخمسن وثلاثمائة، فانتقينا عليه وكتبنا عنه العجائب، ثم اجتمعت تلك السنة بأبي عبد الله بن أبي ذهل، وذاكرته بما كتبنا عنه فأفحش القول فيه، وقال لي: دخلنا معًا بغداد، ومات أبو القاسم بن منيع، وهو ذا يحدث عنه، ولا يحتشمني وأنا معه في البلد. ثم إن الشماخي انصرف من الحج إلى وطنه بهراة، ورفض الحشمة، وحدث بالمناكير عن أهل العراق والشام ومصر .. " (عن الخطيب وابن عساكر). وزاد ابن عساكر: "ذكر أبو عبد الله الحافظ في موضع آخر عن ابن أبي ذهل أنه قال: دخلت بغداد سنة سبع عشرة وثلاثمائة وأبو القاسم بن منيع حيّ، وهو في آخر علته فلم يسمع منه، فيحتمل (¬1) أن الشماخي سمع منه ولم يعلم ابن أبي ذهل. اهـ هذا تمام ترجمته وما قيل فيه عند الخطيب وابن عساكر والسمعاني في الأنساب "نسبة الشماخي" وثلاثتهم نقلوا عن "تاريخ نيسابور" للحاكم، وليس في نقلهم عنه ¬

_ (¬1) هذا قول الحاكم كما صرح به الذهبي في "السير" (16/ 361).

[202] الحسين بن إدريس الأنصاري الهروي

أنه كذبه، بل في الموضع الثاني الذي ذكره ابن عساكر وعنه الذهبي اعتذار الحاكم عن الشماخي كما مرّ نقله، لكن في "الميزان" و"السير" وغيرهما من كتب الذهبي قول الحاكم: كذاب، لا يشتغل به - متصلًا بقوله: قدم علينا سنة تسع وخمسين وثلاثمائة .. " وهذا واضح أنه من تاريخ نيسابور، وفيه نظر من جهة عدم ذكر من قدمنا ذكرهم له، وليس هذا مما يُهْملُ، فالله تعالى أعلم. قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (80): "الهروي هذا له مستخرج على "صحيح مسلم"، وروايته عن البغوي ما لم يسمعه منه قد تكون عملًا بالإجازة أو إعلام الشيخ، وعبارة البرقاني إنما فيها أن الرجل ليس بحجة ولا يخرج عنه في الصحيح، وهذا يشعر بأنه يُروى عنه في غير الصحيح للاعتبار. فأما قول الحاكم "كذاب" فبناها على ظاهر روايته عن البغوي ما لم يسمعه منه، وقد مرّ ما في ذلك. ثم قال الحاكم: " .. انصرف الرجل من الحج ورفض الحشمة وحدث بالمناكير" والتحديث بالمناكير إنما يضره إذا كانت النكارة من جهته. والمقصود هنا أنه لا يثبت بما ذُكر تعمد الهروي للكذب المسقط، وهو على ما اقتضاه كلام البرقاني ممن يكتب حديثه ويُروى عنه للاعتبار. اهـ [202] الحسين بن إدريس الأنصاري الهروي: يروي عن خالد بن هياج بن بسطام مناكير، فقال ابن أبي حاتم: "لا أدري البلاء منه أم من خالد بن هياج". قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" رقم (81): "الحسين بن إدريس يروي عن سعيد بن منصور وعثمان بن أبي شيبة وداود بن رشيد وهشام بن عمار ومحمد بن عبد الله بن عمار - وخلقٍ، منهم: خالد بن هياج.

وخالد بن هياج يروي عن جماعةٍ، منهم: أبوه هياج بن بسطام، وهياج قال فيه الإِمام أحمد: "متروك الحديث". وقال يحيى بن معين: "ضعيف الحديث ليس بشيء". وقال أبو داود: "تركوا حديثه". وألان أبو حاتم القول فيه قال: "يكتب حديثه ولا يحتج به". وخالد بن هياج يروي عن أَبيه مناكير كثيرة، روى عنه الحسين بن إدريس عدة منها، فتلك الأحاديث التي أنكرها ابن أبي حاتم يجوز أن يكون البلاء فيها من هياج ويبرأ منها خالد والحسين، ويجوز أن تكون من خالد ويبرأ منها هياج والحسين، ويجوز أن تكون من الحسين ويبرأ منها هياج وخالد. فأما ابن أبي حاتم فكان عنده عن أَبيه أن هياجًا "يكتب حديثه ولا يحتج به" وهذه الكلمة يقولها أبو حاتم فيمن هو عنده صدوق ليس بحافظ، يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب كما صرح بذلك في ترجمة إبراهيم بن مهاجر. فرأى ابن أبي حاتم أن تلك المناكر التي رآها فيما كتب به إليه الحسن لا يحتملها هياج، ولم يكن يعرف خالدًا ولا الحسين، فجعل الأمر دائرًا بينهما. ومقتضى كلام الإِمام أحمد ويحيى بن معين وأبي داود في هياج أن تبرئته منها ليست في محلها. اهـ ثم ذكر المعلمي الطريق العلمي للوصول إلى الذي تُعْصبُ به جناية هذه المناكير، راجع هذا المبحث في قسم القواعد من هذا الكتاب. ثم قال المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات" -يعني الحسين- وقال: "كان ركنا من أركان السنة في بلده" وأخرج له في "صحيحه" وقد عرفه حق المعرفة، وتوثيق ابن حبان لمن عرفه حق المعرفة من أثبت التوثيق كما يأتي في ترجمة ابن حبان، وقد وافقه غيره على توثيق الحسن، فوثقه الدارقطني، وقال ابن ماكولا: "كان من الحفاظ المكثرين".

[203] الحسين بن الحسن الفزاري أبو عبد الله الكوفي الأشقر

وقال ابن عساكر عقب كلمة ابن أبي حاتم: "البلاء في الأحاديث المذكورة من خالد بلا شك" فإما أن يكون ابن عساكر يبرىء هياجًا أَيضًا ويجعل الحمل على خالد، كما فعل الحاكم ويحيى بن أحمد بن زياد الهروي، وإما أن يكون مراده تبرئة الحسين، ويكون الأمر دائرًا بين خالد وهياج، فالحسين ثقة اتفاقًا. أما خالد والهياج فالأشبه صنيع ابن حبان، فإن كبار الأئمة طعنوا في هياج كما مرّ، وفي ترجمته من "الميزان" أحاديث انتقدت عليه رواها غير خالد عنه، ولم يذكروا لخالد شيئًا من المناكير رواه عن غير هياج، والمقصود هنا بيان حال الحسين وقد اتضح بحمد الله تعالى أنه ثقة. اهـ [203] الحسين بن الحسن الفزاري أبو عبد الله الكوفي الأشقر: "الفوائد" (ص 394): "رافضي كثير الوهم". [204] حسين بن حفص بن الفضل بن يحيى بن ذكوان الهمداني أبو محمد الأصبهاني: "حاشية الموضح" (1/ 379): "صدوق، أخرج له مسلم في صحيحه". [205] الحسين بن حميد بن الربيع أبو عبيد الله اللخمي الخزاز الكوفي: حكى ابن عقدة عن مطين قوله في محمد بن الحسن هذا: كذاب ابن كذاب ابن كذاب. قال المعلمي في ترجمة الحسين من "التنكيل" رقم (82): "الحكاية عن مطين تفرد بها أحمد بن سعيد بن عقدة، وقد تقدم في ترجمته أنه ليس بعمدة (¬1)، لكن ¬

_ (¬1) ذكر هذه الحكاية الخطيب في "تاريخه" (8/ 38) وأحال على ترجمة محمد بن الحسن، وفيها (2/ 237) قال: في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد -يعني ابن عقدة- نظر، حدثني علي بن محمد بن نصر قال: سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أَبا بكر بن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكاية عن غيره من الشيوخ في الجرح، هل يقبل قوله أم لا؟ قال: لا يقبل. اهـ =

ابن عدي قوى الحكاية فيما يتعلق بالحسين، بقول الحسن: "سمعت أَبا بكر بن أبي شيبة يتكلم في يحيى بن معين يقول: من أين له حديث حفص بن غياث عن الأَعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رفعه: "من أقال نادما عثرته" هو ذا كتب حفص بن غياث عندنا، وكتب ابنه عمر بن حفص ليس فيه من ذا شيء". وقال ابن عدي: "هذه حكاية لم يحكها عن أبي بكر غير حسين هذا، وهو متهم فيها، ويحيى أَجل من أن يقال فيه مثل هذا، .. وهذا الحديث قد رواه زكريا بن عدي عن حفص بن غياث .. " ثم ذكر أنه قد رواه عن الأَعمش -أَيضًا - مالك بن سُعيْر، ثم قال: "الحسين متهم عندي كما قال مطين". قال المعلمي: "كلمة مطين لم تثبت، وقد كان يحيى بن معين ينتقد على الرواة ما يراهم تفردوا به، وربما شدد، فلعله بلغ أَبا بكر بعض ذلك فرآه تشديدًا في غير محلِّه، فذكر ما حكاه الحسين عنه، يريد أنه كما تفرد يحيى بهذا وليس في كتب حفص ولا ابنه ومع ذلك نقبله من يحيى لثقته وأمانته، فكذلك ليس ليحيى أن يشدد في مثل ذلك على من عرفت ثقته وأمانته، وعلى هذا لا يكون المقصود: الطعن في يحيى، كما فهمه الحسين وابن عدي، وبنى عليه ابن عدي استنكار الحكاية واتهام الحسن. لكن ابن عدي علم أن يحيى تكلم في حميد بن الربيع كلامًا شديدًا، قال مرّة: "أخزى الله ذاك، ومن يسأل عنه" وقال أخرى: "أو يكتب عن ذاك؟! خبيث غير ثقة ولا مأمون، يشرب الخمر، ويأخذ دراهم الناس ويكابرهم عليها حتَّى يصالحوه" فوقع في نفس ابن عديّ أن الحسين أراد الانتقام لأبيه من يحيى. ¬

_ = وقد نقل الخطيب توثيق محمد هذا عن أبي يعلى الطوسي وأبي الحسن بن سفيان الحافظ، قال الأول: كان ثقة يفهم. وقال الثاني: كان ثقة صاحب مذهب حسن وجماعة وأمرٍ بمعروف ونهيٍ عن منكر، وكان ممن يُطلب للشهادة فيأبى ذلك. أما والده الحسين فقد قال الخطيب: كان فهما عارفًا له كتاب مصنف في التاريخ.

[206] حسين بن حميد بن موسى العتكي أبو علي المصري

وأقول: هذا وحْدهُ لا يوجب اتهام الحسن باختلاق الحكاية، بل يكفي اتهامه بأنه أبرزها في ذاك المعرض: "يتكلم في يحيى بن معين"، وليس هذا بالكذب المسقط، على أنه قد يكون فهم ذلك ولم يتنبه لمقصود أبي بكر. والحسين مكثر عارف، قال الخطيب: "روى عن أبي نعيم، ومسلم بن إبراهيم، ومحمد بن طريف البجلي، وأَحمد بن يونس وغيرهم .. وكان فهمًا عارفًا له كتاب مصنف في التاريخ". فإذا كانت هذه حالة ولم ينكر عليه شيء إلا تلك الحكاية، فلا أرى اتهامه بالكذب لأجلها إلا ظلمًا. والله أعلم. اهـ [206] حسين بن حميد بن موسى العتكي (¬1) أبو علي المصري (¬2): "الفوائد" (ص 386): "تكلموا فيه". [207] الحسن بن داود أبو علي البلخي: "الفوائد" (ص 480): "كذاب". [208] الحسين بن علي بن يزيد الكرابيسي الفقيه: "التنكيل" ترجمة رقم (84): "تكلموا فيه لخوضه في طرف من الكلام، واستخفافه بالإمام أحمد بن حنبل كما مر في ترجمة الخطيب، أما الرواية فلم أر من غمزه فيها (¬3). ¬

_ (¬1) ومثله في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 387)، لكن في "الميزان"، و"اللسان"، و"المغني": "العكي". (¬2) "الميزان" (1/ 533)، و"اللسان" (1/ 281)، وفيهما: تكلم فيه وفي "المغني" (1519): ضُعِّف. (¬3) لعلَّهُ يعني: ممن يُعتمد قوله، وإلا ففي "اللسان" (1/ 305): وقال مسلمة بن قاسم في "الصلة": كان الكرابيسي غير ثقة في الرواية، وكان يقول بخلق القرآن، وكان مذهبه في ذلك مذهب اللفظية .. فتعقب ذلك الحكم المستنصر الأموي على مسلمقي وأقزع في حق مسلمة في طرة كتابة وقال: كان =

[209] حسين بن محمد بن بهرام التميمي أبو أحمد المروزي

بل قال ابن حبان في "الثقات": "كان ممن جمع وصنف، ممن يحسن الفقه والحديث، أفسده قِلّةُ عقْلِه". اهـ [209] حسين بن محمد بن بهرام التميمي أبو أحمد المروزي: في "الفوائد المجموعة" (ص 149) حديث: "الربا سبعون بابًا، أصغرها كالذي ينكح أمه". قال الشوكاني: " .. وأخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن حنظلة. قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" وفي إسناده: حسين بن محمد بن بهرام. قال أبو حاتم: رأيته ولم أسمع منه. وأخرجه من حديث عبد الله بن حنظلة أَيضًا الدارقطني بإسناد فيه ضعف. وأخرجه أحمد من قول كعب موقوفًا. قال الدارقطني: وهذا أصح من المرفوع. زاد الشوكاني: ولم يصب ابن الجوزي بإدخال هذا الحديث في الموضوعات، فحسين المذكور قد احتج به أهل الصحيح وقد وثقه جماعة. اهـ علق المعلمي بقوله: "لكنهم حكموا عليه بالغلط في هذا، أشار إلى ذلك الإِمام أحمد؛ إذ روى الخبر عن حسين ثم عقبة بالرواية التي جعلته من قول كعب (¬1)، وكذلك أعلّه أبو حاتم، راجع كتاب "العلل" لابن أبي حاتم (1/ 387)، وكذلك الدارقطني كما مرّ، على أن في صحبة عبد الله بن حنظلة نظرًا، وقد نفاها إبراهيم الحربي". اهـ ¬

_ = الكرابيسي ثقة حافظًا، لكن أصحاب أحمد بن حنبل هجروه لأنه قال: "إن تلاوة التالي للقرآن مخلوقة". فاستريب بذلك ... اهـ قلت: ومسلمة ليس ممن يُقبل منه التفرد بمثل هذا. وقال الخطيب في حسين: "حديثه يعزُّ جدًّا، لأن أحمد بن حنبل كان يتكلم فيه بسبب مسألة اللفظ، وهو أَيضًا كان يتكلم في أحمد، فتجنب الناس الأخذ عنه .. وكان يقول: القرآن كلام الله غير مخلوق ولفظي به مخلوق .. ومقت الناس حسينًا لكونه تكلم في أحمد". اهـ (¬1) "المسند" (5/ 225).

[210] حسين بن معاذ بن حرب أبو عبد الله الأخفش الحجبي

[210] حسين بن معاذ بن حرب أبو عبد الله الأخفش الحجبي: "الفوائد" (ص 394): "ترجمه الخطيب في التاريخ (8/ 141) ولم يصرح فيه بمدح ولا قدح، بل اكتفى بإيراد هذا الخبر (¬1) على عادتهم أن يذكروا في ترجمة الرجل ما ينكر عليه. رواه حسين مرة بسند قوي، ومرة بسند آخر فيه من لم يسم، فالحسين ذاهب، والخبر ليس بشيء". اهـ [211] الحسن بن موسى بن عمران: "الفوائد" (ص 96): "فيه نظر" (¬2). [212] الحسين بن واقد المروزي أبو علي القاضي: "الفوائد" (ص 89): "موصوف بالوهم والغلط". [213] الحضرمي بن لاحق التميمي السعدي القاصّ: "الفوائد" (ص 220): "من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة". [214] حفص بن حسان: عن الزهري، وعنه جعفر بن سليمان الضبعي. في المسألة (14) من "التنكيل" (2/ 126): "مجهول" (¬3). ¬

_ (¬1) هو خبر: إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ: يا معشر الخلائق طأطئوا رؤسكم حتى تجوز فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم-. وفي لفظ: غضوا أبصاركم حتى تمرّ فاطمة بنت محمد -صلى الله عليه وسلم-. (¬2) قاله أبو أحمد الحاكم. وجاء في إسناد ابن النجَّار الذي أورده السيوطي في "اللآلىء" (2/ 108) -ومنه ينقل المعلمي-: الحسين بن موسى بن عمران البغدادي حدثنا عامر بن سيار .. وفي "الميزان" (1/ 549)، و"اللسان" (2/ 316): الحسين بن موسى أبو الطيب الرقي: عن عامر بن سيار .. (¬3) قال النسائي في كتاب "التمييز": "مشهور الحديث" وروى له في السنن حديث عائشة: قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- في ربع دينار -وهو الحديث الوارد في التنكيل-.

[215] حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي القارىء صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة

[215] حفص بن سليمان الأسدي أبو عمر البزاز الكوفي القارىء صاحب عاصم بن أبي النجود في القراءة: "الفوائد" (ص 274): "متروك الحديث البتة". وذكره في "التنكيل" (1/ 151) ونقل قول أحمد في رواية عبد الله وحنبل عنه: "متروك الحديث". وفي رواية عبد الله عنه أيضًا: "صالح". وفي رواية حنبل أيضًا "ما به بأس". وذهب المعلمي إلى أن مجموع كلامهم فيه يدل على أنه صدوق في الأصل وأنه لا بأس بإيراده في المتابعات والشواهد (¬1). [216] حفص بن عمر بن ثابت بن الحارث "أو ابن زرارة" الأنصاري الحلبي. و [217] حفص بن عمر قاضي حلب الحلبي: انظر حاشية المعلمي على "الجرح والتعديل" (3/ 178 - 179) رقمي: (773، 770). [218] حفص بن عمر بن دينار أبو إسماعيل الأُبُلِّي (¬2): "الفوائد" (ص 293): "هالك". ¬

_ = وفي "تهذيب الكمال" (7/ 7) قال النسائي: "مشهور". فاعترضه مغلطاي وابن حجر، وقالا: لفظ النسائي: مشهور الحديث، قال ابن حجر: وهي عبارة لا تشعر بشهرة حال هذا الرجل، لا سيما ولم يرو عنه إلا جعفر بن سليمان، ففيه جهالة. وانظر "تهذيب التهذيب" (2/ 399). وقال الذهبي في "الميزان" (1/ 556): فيه جهالة. وفي "المغني" بها (1609): لا يعرف. (¬1) وأقول: في هذا الكلام هنا تَسَمُّحٌ؛ فأما حفص في نفسه فصالح لا يتعمد الكذب، وأما في القراءة فإمام صاحب قراءة لا ينازع في ذلك، وأما في الحديث فمتروك ليس بشيء البتة، كما قاله الشيخ في "الفوائد"، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا. (¬2) بضم الهمزة والباء المعجمة بواحدة وتشديد اللام، ذكره هكذا عبد الغني في "مشتبه النسبة" (ص 3) وعنه المعلمي في حاشيته على "الإكمال" لابن ماكولا (1/ 130)، ووقع في "اللسان" المطبوع (2/ 324 - 325): الأيلي بالياء المعجمة باثنتين من تحتها، وهو تصحيف، لكن جاء على الصواب في "اللسان" المطبوع عن خمس نسخ خطية (3/ 153).

[219] حفص بن عمر الإمام أبو عمران الرازي النجار الواسطي

[219] حفص بن عمر الإِمام أبو عمران الرازي النجار الواسطي: "الفوائد" (ص 62): "ضعيف". [220] حفص بن ميسرة العقيلي أبو عمر الصنعاني نزيل عسقلان: "الفوائد" (ص 483): "أحاديث حفص بن ميسرة المعروفة مجموعة في نسخة معروفة كانت عند جماعة، لم يدرك مسلم منهم إلا سويد بن سعيد، فاحتاج إلى روايته عنه مع ما فيه من الكلام، ولما عوتب في روايته عنه في الصحيح قال: "فمن أين كنت آتى بنسخة حفص بن ميسرة" ومن الواضح أن هذا الخبر [ما من معمرّ يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص ..] لم يكن فيها وإلّا لاشتهر وانتشر، ومع ذلك فحفص فيه كلام، وإنما أخرج له البخاري أحاديث يسيرة ثبت كل منها من طريق غيره، كما ترى ذلك في ترجمته من "مقدمة الفتح" (¬1)، ولعل حال مسلم نحو ذلك". اهـ [221] الحكم بن عبدة الرعيني أو الشيباني أبو عبدة بصري نزل مصر: "الفوائد" (ص 486): "مجهول الحال". [222] الحكم بن عتيبة أبو محمد الكندي الكوفي: "الفوائد" (ص 364): "ثقة جليل إلا أنه يتشيع (¬2) ويدلس". ¬

_ (¬1) (ص 398). (¬2) قال العجلي في "الثقات" (1 رقم 337): "كان صاحب سنة واتباع". إلا أنه عاد فقال: "كان فيه تشيع إلا أن ذلك لم يظهر منه إلا بعد موته". وقال الذهبي في "السير" (5/ 209): قال سليمان الشاذكوني: حدثنا يحيى بن سعيد سمعت شعبة يقول: كان الحكم يفضل عليًّا على أبي بكر وعمر. قال الذهبي: الشاذكوني ليس بمعتمد، وما أظن أن الحكم يقع منه هذا. وردَّه الذهبي أيضًا في "تاريخ الإسلام" الطبقة (12) بقوله: الشاذكوني ضعيف. =

[223] الحكم بن عطية العيشي البصري

وانظر الجمع والتفريق بين هذا، وبين الحكم بن عتيبة بن النهاس العجلي في حاشية المعلمي على "التاريخ الكبير" (2/ 333 - 335)، و"الموضح" (1/ 88 - 91). [223] الحكم بن عطية العيشي البصري: عن ثابت عن أنس رفعه: "تسمونهم محمدًا ثم تسبونهم! ". "الفوائد" (ص 471): "تفرد به الحكم وهو من أوهامه (¬1)، وإنما يحكى شبيه بهذا من قول عمر، راجع فتح الباري (10/ 572) (¬2). [224] الحكم بن فضيل العبدي أبو محمد الواسطي سكن المدائن: "الفوائد" (ص 467): "فيه كلام". [225] الحكم بن المبارك الباهلي مولاهم أبو صالح البلخي الخواشتي: في "التنكيل" (1/ 511) ذكر الشيخ المعلمي أشد ما أنكر على نعيم بن حماد وهو حديثه عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أَبيه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام". قال المعلمي: .. وقد تابع نعيمًا على روايته عن عيسى بن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء: سويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر الرقي، والحكم بن مبارك الخواشتي .. ¬

_ = أقول: بل تالف ليس بثقة له ترجمة هنا، وهو سليمان بن داود. لكني وجدتُ بعض من صنف في رجال الشيعة قد ذكر الحكم فيهم، منهم: الطوسي في "رجاله" (ص 86، 114، 171)، والأردبيلي في "جامع الرواة" (1/ 266). والذي أُراه أن ذلك لا يثبت عن الحكم والله تعالى أعلم. (¬1) "الكامل" لابن عديّ (2/ 205). (¬2) كان في "الفوائد" (10/ 472)، والمثبت هو الصواب.

[226] الحكم بن مصعب القرشي المخزومي الدمشقي

والخواشتي وثقه ابن حبان وابن منده وابن السمعاني (¬1)، وقال ابن عديّ في ترجمة سويد (¬2): "يقال إنه لا بأس به" لكنه عدّه عند ذكر هذا الحديث في ترجمة أحمد ابن عبد الرحمن بن وهب (¬3) فيمن سرق هذا الحديث من نعيم. وذكر الذهبي في "الميزان" (¬4) متابعة هؤلاء الثلاثة لنعيم ثم قال: "قلت: هؤلاء الأربعة لا يجوز في العادة أن يتفقوا على باطل، فإن كان خطأ، فمن عيسى بن يونس" (¬5). [226] الحكم بن مصعب القرشي المخزومي الدمشقي: في "الفوائد" (ص 134) حديث: "لأن يربي أحدكم بعد أربع وخمسين ومائة سنة جرو كلب خير له من أن يربي ولدًا لصلبه". رواه تمام في "فوائده" عن ابن عباس مرفوعًا. قال الهيثمي: هذا حديث موضوع. قال الشيخ المعلمي: "في سنده عبد الله بن السمط عن صالح بن علي بن عبد الله ابن عباس. وفي "الميزان" واللسان: "عبد الله بن السمط عن صالح بن علي فذكر حديثًا موضوعًا" عبد الله مجهول. وصالح لا يعرف في الرواية. ¬

_ (¬1) هكذا نسب التوثيق لابن السمعاني: مغلطاي في "الإكمال"، وابن حجر في "تهذيب التهذيب" (2/ 377)، والذي في مادة: "الخاشتي" من "الأنساب" (5/ 21): "كان من الحفاظ .. وكان أحمد ابن حنبل يقول: هو عندنا ثقة، فقيل له: في مالك؟ فقال: في مالك وغير مالك". وقد ذكره ابن السمعاني في: الخاستي، والخاشتي، بالمهملة والمعجمة وذكر أيضًا: الخواشتي -قرية أيضًا من قرى بلخ- لكنه لم يذكره فيها. ووقع في "التنكيل": الخواستى، بالمهملة، مع أن الواقع في "تهذيب التهذيب" -وعليه يعتمد المعلمي: الخاشتي ويقال: الخواشتي- بمعجمات فالله أعلم. (¬2) "الكامل" (3/ 429). (¬3) "الكامل" (1/ 185). (¬4) (4/ 268). (¬5) انظر ترجمة نعيم بن حماد هنا، ففيها الإجابة عن هذا.

[227] حكامة بنت أخي مالك بن دينار واسم أبيها: عثمان بن دينار عن أبيها عن أخيه مالك بن دينار

وذكر ابن الجوزي الخبر بقوله: "الحكم بن مصعب عن محمد بن علي عن أبيه عن جده .. ثم قال: "موضوع آفته الحكم". وتعقبه في اللآلىء بأن الحكم أخرج له أبو داود وابن ماجه، وأن ابن حبان ذكره في الثقات، وفي الضعفاء. أقول: أخرج له أبو داود وابن ماجه عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أَبيه عن جده حديثًا في الاستغفار ليس بالمنكر، أما هذا فباطل، ومحمد بن علي وأبوه ثقتان، ولم أقف على السند إلى الحكم في هذا، فقد يكون فيه من يخطىء، سمع الخبر من طريق عبد الله بن الصلت (كذا في "الفوائد" والصواب: السمط) عن صالح بن علي، فاشتبه عليه، فرواه عن الحكم عن محمد بن علي والله أعلم". اهـ [227] حكامة بنت أخي مالك بن دينار واسم أَبيها: عثمان بن دينار عن أبيها عن أخيه مالك بن دينار: "الفوائد" (ص 242): "ليست بشيء" (¬1). [228] حماد بن أسامة القرشي مولاهم أبو أسامة الكوفي: في المسألة (14) من "التنكيل" (2/ 113): "كان يدلس ثم ترك التدليس بأخرة (¬2)، ولا يُدرى متى حدث بهذا". ¬

_ (¬1) لم أجد لها ترجمة، وحديثها في "تاريخ بغداد" (3/ 24). ولم أفردها عقب تراجم الرجال كما جرت العادة، فليس في الكتاب سواها. (¬2) أقول: في نسبة حماد بن أسامة إلى التدليس نظر، فقد حمل عنه الأئمة واحتجوا به مطلقًا، ووثقوه وثبتوه، ولم يذكره أحدٌ منهم بشيء من التدليس. فقد روى عنه ابن مهدي على تقدمه، وأحمد، وابن المديني، وابن معين، وإسحاق بن راهوية، والشافعي، والحميدي، وغيرهم، واحتج به البخاري ومسلم وباقي الستة. وقال أحمد: كان ثبتًا، ما كان أثبته، لا يكاد يخطىء. "العلل ومعرفة الرجال" (745). وقال في موضع آخر: أبو أسامة أثبت من مائة مثل أبي عاصم -يعني النبيل- كان أبو أسامة صحيح الكتاب، ضابطًا للحديث، كيسًا صدوقًا. "العلل" (772، 4891). =

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال الثوري: ما بالكوفة شابٌ أعقل من أبي أسامة. "تهذيب الكمال" (7/ 223). أما ابن سعد فقد قال في "طبقاته" (6/ 395): كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، يدلس وتبين تدليسه. كذا. وليس ابن سعد ممن يُقبل منه تفرده بمثل هذا، فإن مادته من شيخه الواقدي، والواقدي ليس بعمدة وانظر ترجمة ابن سعد فيما يأتي من هذا الكتاب. ولعل ابن سعد أو شيخه قد بَنَى على ما لا يصح، أو ما لا يُفيد الوصف بالتدليس. فقد قال الآجري عن أبي داود: دَفَن أبو أسامة كتبه فما أخرجها، وكان بعد ذلك يستعير الكتب. "سؤالات الآجري" (284). وقال عنه أيضًا: قال وكيع: قد نهيتُ أَبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان دفن كتبه. "سؤالاته" (585). ومثله في "العلل ومعرفة الرجال" لعبد الله بن أحمد عن أَبيه عن وكيع، بدون ذكر دفن الكتب. "العلل" (1726). فقد كان أمرُ دَفْنِه كتبه واستعارته كتب غيره معروفًا عند الآخذين عنه من الأئمة الأثبات، ومع ذلك لم يغمزه أحدٌ بذلك، ولا وصفه أحدٌ بتدليسٍ أو غيره، وانتظر. لكن قد قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/ 4): "حكى الأَزدي في "الضعفاء" عن سفيان بن وكيع، قال: كان أبو أسامة يتتبع كتب الرواة، فيأخذها وينسخها. قال لي ابن نمير: إن المحسِنَ لأبي أسامة يقول: إنه دفن كتبه ثم تتبع الأحاديث بَعْدُ من الناس. قال سفيان بن وكيع: إني لأعجب كيف جاز حديث أبي أسامة! كان أمره بَيِّنًا، وكان من أسرق الناس لحديثٍ جيد". اهـ أقول: هاهنا أمور: الأول: الأَزدي في نفسه متهم، فلا يؤتمن على مثل هذا النقل. الثاني: سفيان بن وكيع قد اتهمه أبو زرعة بالكذب وأسقطه غيرُ واحد، فليس هو ممن يقبل قوله في مثل هذا، وستأتي ترجمته فلعلَّه سمع قول أَبيه فأساء فَهْمَهُ. الثالث: ذكر الذهبي حكاية الأزدي في "الميزان" (2 / ت 2253) لكن وقع له: عن سفيان الثوري، ووهمه الحافظ في "التهذيب" (3/ 3). ثم قال الذهبي: أبو أسامة لم أورده لشيء فيه، ولكن ليُعرف أن هذا القول باطل. اهـ الرابع: لابن نمير -وهو محمد بن عبد الله- قول في أبي أسامة يوهم تهمته له بالتدليس. فقد قال يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 801): قال ابن نمير: هو الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ونرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل يسمى بابن جابر، فدخل فيمع وإنما هو إنسان يسمى بابن جابر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال يعقوب: صدق، هو ابن تميم، وكأني رأيت ابن نمير يتهم أَبا أسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تغافل عن ذلك، قال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه شيئًا من حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشَّام وأصحابه الثقات. اهـ قال الذهبي في "تاريخ الإسلام": تلقت الأُمة حديث أبي أسامة بالقبول لحفظه ودينمن ولم يُنْصِفْهُ ابن نمير اهـ. أقول: لو ثبت أن ابن نمير اتهم أَبا أسامة بتدليس اسم هذا الرجل، فقد عَذَرَ أَبا أسامة سائر الأئمة، ووصفوه بالوهم فيمع وقد شاركه في هذا الوهم: حسين الجعفي -وهو ثقة أيضًا- كما حكاه البخاري في "التاريخ الكبير" (5 / ت 1156)، وأبو زرعة وأبو حاتم "الجرح" (5 / ت 1423)، وراجع "تهذيب الكمال" (17/ 482 - 486)، (18/ 8) وغيره. الخامس: قضية دفن أبي أسامةكتبه واستعارته كتب غيره -إن ثبتت الاستعارة- لا تخدش فيه، وذلك لأنه هو في نفسه قد سبق أنه كان ثقةً ثبتًا حافظًا صحيح الكتاب، كيِّسًا عاقلًا، لا يكاد يخطىء، فقد دفن كتبه ثقةً بحفظه وربما لغير ذلك أيضًا، وقد دفن بعض الأئمة كتبهم، انظر "سير أعلام النبلاء" (11/ 377). وأما استعارته الكتب، فقد قال وكيع: "نهيتُ أَبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان دفن كتبه". فليس في هذا القول تصريح بأن أَبا أسامة كان يستعير الكتبص وإنما فيه نهي وكيع له عن ذلك، فلعلَّ وكيعًا لما رأى أَبا أسامة دفن كتبه بادر فحذَّره من استعارة الكتب، خشيةَ أن يروي أبو أسامة ما فيها من أحاديثه، فتقع له أشياء لم تكن في كتبه التي دفنها. لكن لو ثبتت الاستعارة، فلا يلزم منها أن يروي حماد ما نُكر، ولو ثبت أنه نظر في كتب غيره، فوجد فيها أحاديث يحفظها فرواها، فلا يقدح هذا فيه البتة؛ لأن مدار الأمر على الضبط والتثبت، وقد كان حافطا ضابطًا متثبتًا، فلا يُظَنُّ به إلا أنه يروي ما حفظه وضبطه، يدل على ذلك تداول الأئمة النقاد لحديثه والاحتجاج به، دون الإشارة إلى روايته من كتب يخرج وذلك اطمئنانًا إلى ضبطه -رحمه الله-. وقضية الرواية من كتب الغير قد تناولها الأئمة، وبَيَّنوا أن الرواةَ في ذلك ليْسَوْا على وتيرة واحدة، وأنه بينما يُقْبَلُ هذا الأمرُ من البعض، فربما سقط به آخرون، وربما أُعِلَّ به أحاديث قوم من الثقات ممن لم يبلغوا من الضبط ما بلغ مثل حماد بن أسامة. فمثال الأول: قول الخطيب في بندار محمد بن بشار: "وإن كان يقرأ من كل كتاب، فإنه كان يحفظ حديثه". "تاريخ بغداد" (2/ 104). وقد قال الدارقطني في بندار: "من الحفاظ الأثبات". "تهذيب التهذيب" (9/ 73). وقال الذهبي في "الميزان" (3 /ت 726): "ثقة صدوق احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب كان من أوعية العلم". =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومثال الثاني: أقوام من الرواة أخذوا كتب الناس بغير سماع، فرووا ما فيها سرقةً وانتحالًا، انظر على سبيل المثال ترجمة عبد الله بن زياد بن سمعان، وستأتي إن شاء الله تعالى. ومثال الثالث: ما رواه أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أَبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر الحديث الذي رواه الأنصاري -وهو محمد بن عبد الله بن المثنى- عن حبيب بن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم". فضعَّفَهُ، وقال: كانت ذهبت للأنصاري كُتُبٌ، فكان بَعدُ يُحدثُ من كُتُبِ غلامه أبي حكيم، أُراه قال: وكان هذا من ذلك. اهـ "تاريخ بغداد" (5/ 410). والأنصاري ثقة، ولكنه لم يكن مبرزًا في الحفظ، وكان قد غلب عليه الرأي، ولم يكن من فرسان الحديث. انظر "تهذيب الكمال" (25/ 542 - 545). والمقصود هنا أن مَنْ وَصَفَ أَبا أسامة بالتدليس، إن كان بني على قضية استعارته للكتب، فليس فيها أنه كان يروي منها ما لم يسمع مما ليس من حديثه، كما سبق بيانه. وإن كان بني على كلام ابن نمير، فقد كان ابن نمير متحاملًا عليمع أما سائر الأئمة فقد بَيَّنُوا أن أَبا أسامة إنما أخطأ في ذلك ووهم فيه -كما مَرَّ- والواهم غيرُ قاصدٍ للإيهام، فليس بمدلسٍ. ومما يحسن التنبيه عليه بهذه المناسبة، ما وقع من الأستاذ/ نور الدين عتر في تعليقه على كتاب "شرح علل الترمذي" من الإغراب في تصور معنى كلام الحافظ ابن رجب في تبويبه لما وقع لأبي أسامة وغيره بنحو هذا الوهم: فقد قال ابن رجب (2/ 679): "ذكْرُ من حَدَّث عن ضعيف وسماه باسم ثقة". وأورد ما وقع لأبي أسامة ومثله لحسين الجعفي، ولزهير بن معاوية، ولأبي بلج الواسطي، ولجرير ابن عبد الحميد، ولأهل الشَّام عن زهير بن محمد. وبيَّن ابن رجب أخطاء هؤلاء في تسمية بعض شيوخ لهم، فأبو أسامة وحسن الجعفي أخطئا في عبد الرحمن بن يزيد فجعلاه: ابن جابر، وإنما هو: ابن تميم. وزهير بن معاوية انقلب عليه اسم: صالح بن حيان، فجعله: واصل بن حيان، ولم يوصف زهير بتدليس أصلًا. وأبو بلج الواسطي أخطأ في اسم عمرو بن ميمون، وليس هو ذاك المشهور، وإنما هو ميمون أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرف وهو ضعيف. ونحو ذلك الباقون، وليس في هذا الباب ذكر التدليس، وإنما هي أوهام وأخطاء، إلا ما كان من قول ابن نمير في أبي أسامة، وقد سبق الجواب عليه. ثم قال ابن رجب بعد ذلك (2/ 690): "ذِكْرُ من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة". فزاد في العنوان هنا لفظ الإيهام، وهو شرط التدليس، ثم ذكر ما وقع من: عطية العوفي، والوليد ابن مسلم، وبقية بن الوليد، وحسن بن واقد. =

[ز 4] حماد بن أبي حنيفة: النعمان بن ثابت، الكوف

[ز 4] حماد بن أبي حنيفة: النعمان بن ثابت، الكوفي: تراجع ترجمة: علي بن عمر الدارقطني من "التنكيل" رقم (163). [229] حماد بن زيد بن درهم الأزدي الجهضمي أبو إسماعيل البصري الأزرق: "حاشية الأنساب" (1/ 199). قال ابن حبان (¬1): كان ضريرًا. فقال الشيخ المعلمي: "كذا قال ابن حبان، وتبعه ابن منجويه (¬2)، والمؤلف -يعني السمعاني-، ونقل في "التهذيب" (¬3): "أنه كان يكتب"، ثم قال: "فهذا يدل على أن العمى طرأ عليه". ¬

_ = وبَيَّن ابن رجب تدليس هؤلاء -وبخاصة الثلاثة الأُوَل- لبعض أسامي شيوخهم. فأما عطية فكان يأخذ عن الكلبي التفسير -والكلبي كذاب- ويكنيه بأبي سعيد، يوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي. وأما الوليد بن مسلم فكان يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي -وهو ضعيف جدًّا- ويكنيه بأبي عمرو، موهمًا أنه أبو عمرو الأوزاعي الإِمام. وأما بقية بن الوليد فكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، أو زرعة بن عمرو الزبيدي -وكلاهما ضعيف الحديث- فيقول فيه: نا الزبيدي، موهمًا أنه محمد بن الوليد الزبيدي الثقة صاحب الزهري. ثم ذكر ابن رجب ما يتعلق بمن كان يدلس تدليس التسوية بعد ذكره تدليس الشيوخ. أقول: واضح مما سلف من سياق ابن رجب أنه قرن بين صورتين تتشابهان في إبدال اسم راوٍ بغيره لكن افترقا في القصد، فأولاهما محمولة على الخطأ، والثانية محمولة على التدليس. لكن الأستاذ/ نور الدين عتر قد حمل الصورتين على تدليس الشيوخ وقد بان بحمد الله الفرق بين الصورتين، والله تعالى الموفق. يتبين مما سبق براءة أبي أسامة من التدليس، وأنه لم يثبت في حقه اتهامه بذلك، ولا ما يخدش في روايته البتَّة، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل. (¬1) "الثقات" (6/ 218). (¬2) "رجال صحيح مسلم" له (1 / رقم (313). (¬3) (3/ 11).

[230] حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري

قال المعلمي: إذا ثبت أنه لم يذكره أحدٌ بالعمى قبل ابن حبان، وثبت خلاف ذلك في الجملة ففي الاعتداد بقول ابن حبان وقفة. اهـ [230] حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري: ختم المعلمي ترجمة حماد من "التنكيل" (85) بذكر طرف من ثناء الأئمة عليه في حياته وبعد مماته، من ذلك وصفه بالاجتهاد في العبادة، والمواظبة على الخير، وحسن النية في التعلم والتعليم، مع سلامة السير؛ في المعتقد، والصلابة في السنة، وشدة اتباعه لمسالك السلف. وقال ابن المديني: "من تكلم في حماد بن سلمة فاتهموه في الدين". يعني: من تكلم في عقيدته وقال من سيرته؛ لأنه كان على العبادة في اتباع السنة، ناصرًا لمذهب الأوائل، صادعًا بالحق، فلا يتكلم فيه إلا صاحب بدعة مغموص في هواه. وقد تُكلم في حماد بن سلمة فيما يتعلق بالرواية بأنواع من الكلام لخصها الشيخ المعلمي وحقق القول فيها فقال رحمه الله: الكلام فيه يعود إلى أربعة أوجه: الوجه الأول: أنه كان سيء (¬1) الحفظ يغلط. وهذا قد ذكره الأئمة، إلا أنَّهم خصوه بما يرويه عن غير ثابت وحميد، واتفق أئمة عصرهم على أنه أثبت الناس في ثابت، قال أحمد: "أثبتهم في ثابت حماد بن سلمة". وقال أيضًا: "حماد بن سلمة أعلم الناس بحديث حميد وأصح حديثًا". وقال في موضع آخر: "هو أثبت الناس في حميد الطويل .. ". ¬

_ (¬1) من طبعة المعارف بالرياض (1/ 241) وهو الصواب، وفي طبعة دار الكتب السلفية بالقاهرة (1/ 250): "يسيء" وهو تحريف.

وقال ابن معين: "من خالف حماد بن سلمة في ثابت فالقول قول حماد" وقال أيضًا: "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح" يعني أن الخطأ كان يعرض له عندما يحول من أصوله إلى مصنفاته التي يجمع فيها من هنا وهنا، فأما النسخ فصحاح (¬1). وقال علي بن المديني: "لم يكن في أصحاب ثابت أثبت من حماد بن سلمة، ثم بعده سليمان بن المغيرة، ثم بعده حماد بن زيد وهي صحاح" (¬2). الوجه الثاني: أنه تغير بأخرة. وهذا لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أرعبته شقاشق أستاذه ابن فُورك المتجهم الذي حذا حد وابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات والطعن فيها. وإنما قال البيهقي: "هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنَّه لما كبر ساء حفظه؛ ¬

_ (¬1) وفي هذا المعنى يقول الشيخ المعلمي في ترجمة ابن المذهب من "التنكيل" (1/ 244): "الذي يظهر لي أن ابن المذهب كان يتعاطى التخريج من أصول بعض الأحاديث فيكتب الحديث من طريق شيخ من شيوخه، ثم يتصفح أصوله، فإذا وجد ذاك الحديث قد سمعه من شيخ آخر بذاك السند كتب اسم ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريجه وهكذا، وهذا الصنيع مظنة للغلط. كأن يريد أن يكتب اسم الشيخ على حديث فيخطىء، فيكتبه على حديث آخر، أو يرى السند متفقًا فيتوهم أن المتن متفق، وإنما هو متن آخر، وأشباه ذلك. وقد قال ابن معين: "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح". وقال يعقوب بن سفيان في سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: "كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحول، فإن وقع فيه شيء فمن النقل وسليمان ثقة". والمراد بأصناف حماد وتحويل سليمان نحو ما ذكرت من التخريج". اهـ (¬2) وقال الشيخ في "التنكيل" (2/ 83): "حماد كثير الخطأ، إنما ثَّبتُوه فيما يرويه عن ثابت وحميد .. وأَوْلَى رِوَايَتيْه بالصحة ما وَافَق فيه الثقات الأثبات".

فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر "حديثًا" (¬1) أخرجها في الشواهد" (¬2). أقول: أما التغير فلا مستند له (¬3)، ونصوص الأئمة تبين أن حمادًا أثبت الناس في ثابت وحميد مطلقًا، وكأنه كان قد أتقن حفظ حديثهما، فأما حديثه عن غيرهما فلم يكن يحفظه، فكان يقع له فيه الخطأ إذا حدث من حفظه، أو حين يحول إلى الأصناف التي جمعها كما مرّ. ولم يتركه البخاري، بل استشهد به في مواضع من "الصحيح" (¬4) فأما عدم إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غير أهل لذلك، ولذلك نظائر، هذا سليمان بن المغيرة الذي تقدم أنه من أثبت الناس في ثابت، وأنه أثبت فيه من حماد بن زيد، وقد ثبته الأئمة جدًّا، قال أحمد: "ثبت ثبت" وقال ابن معين: "ثقة ثقة"، والثناء عليه كثير ولم يغمزه أحد، ومع ذلك ذكروا أن البخاري لم يحتج به ولم يخرج له إلا حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره. ¬

_ (¬1) من طبعة المعارف بالرياض (1/ 242)، وسقط من الطبعة المأخذوة عنها (1/ 250). (¬2) "تهذيب التهذيب" (3/ 13) وزاد الذهبي عن البيهقي: "فالاحتياط أن لا يُحتج به فيما يخالف الثقات". "السير" (7/ 452). (¬3) لكن قال أبو حاتم لما سئل عن أبي الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال: "أبو الوليد عند الناس أكثر، كان يقال: سماعه من حماد بن سلمة فيه شيء كأنه سمع مه بأخرة، وكان حماد ساء حفظه في آخر عمره". اهـ. "الجرح" (9 / ت 253). وإن كان سوء الحفظ لا يُعطي معنى التغير الاصطلاحي، إلا أنه يفيد في اختلاف حال حماد بأخرة، والله تعالى أعلم. (¬4) قال الذهبي في "السير" (7/ 446): "تحايد البخاري إخراج حديثه، إلا حديثًا أخرجه في الرقاق، فقال: قال لي أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس، عن أُبَيّ".

وقد عتب ابن حبان (¬1) على البخاري في شأن حماد بن سلمة، وذكر أنه قد أخرج في غير الشواهد لمن هو دون حماد بكثير، كأبي بكر بن عياش، وفليح، وعبد الرحمن ابن عبد الله بن دينار. واعتذر أبو الفضل بن طاهر (¬2) عن ذلك بكلام شريف، قال: "حماد بن سلمة إمام كبير مدحه الأئمة وأطنبوا، لما تكلم بعض منتحلي الصنعة (كما يأتي) أن بعض الكذبة أدخل في حديثه ما ليس منه لم يخرج عنه البخاري معتمدًا عليه (¬3)، بل استشهد به في مواضع ليبين أنه ثقة، وأخرج أحاديثه التي يرويها من حديث أقرانه كشعبة وحماد بن زيد وأبي عوانة وغيرهم. ومسلم اعتمد عليه؛ لأنه رأى جماعة من أصحابه القدماء والمتأخرين لم يختلفوا [عليه] (¬4)، وشاهد مسلمٌ منهم جماعة وأخذ عنهم، ثم عدالة الرجل في نفسه وإجماع أئمة أهل النقل على ثقته وأمانته". الوجه الثالث: زعم بعضهم أنه كان له ربيب يُدخل في كتبه، وقيل ربيبان، وصحف بعضهم "ربيب حماد" إلى: "زيد بن حماد". راجع "لسان الميزان" (¬5) (ج 2 ص 506). ¬

_ (¬1) في مقدمة "صحيحه": "الإحسان" (1/ 153). (¬2) في "شروط الأئمة الستة" له (ص 11). (¬3) قال الخليلي في "الإرشاد" (1/ 417 - 418): "ذاكرت يومًا بعض الحفاظ، فقلت: البخاري لم يخرج حماد بن سلمة في الصحيح وهو زاهد ثقة! فقال: لأنه جمع بين جماعة من أصحاب أنس، فيقول: حدثنا قتادة وثابت وعبد العزيز بن صهيب، وربما يخالف في بعض ذلك، فقلت: أليس ابن وهب اتفقوا عليه وهو يجمع بين أسانيد، فيقول: حدثنا مالك وعمرو بن الحارث والليث ابن سعد والأوزاعي باحاديث، ويجمع بين جماعة غيرهم؟ فقال: ابن وهب أتقن لما يرويه، وأحفظ له". اهـ. (¬4) من شروط الأئمة الستة، وسقطت من "تهذيب التهذيب" (3/ 13) ومنه نقل المعلمي. (¬5) (1/ 591).

ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي، قال الذهبي في "الميزان": "الدولابي: حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يُعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى "عبّادان" فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دُسّت في كتبمع وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه". قال الذهبي: "قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقدِ اتُّهِم، نسأل الله السلامة" (¬1). أقول: الدولابي حافظ حنفي له ترجمة في "لسان الميزن" (ج 4 ص 41) وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله إلا في قبوله لها من ابن الثلجي وروايتها عنه. اهـ ثم ذكر المعلمي محمد بن شجاع بن الثلجي هذا وما يتعلق به من اتهامه ورميه بالكذب ووضع الحديث -وترى ذلك في ترجمته من هذا الكتاب-، ثم ذكر الإمارات الدالة على كذبه في هذه الحكاية بالنظر في إمكانية سماعه من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وكذا في معرفة إبراهيم هذا بحماد بن سلمة، وحكايته عنه ما غاب عن أَبيه وكبار الأئمة!!. ثم قال المعلمي: الوجه الرابع: أن حمادًا روى أحاديث سماها الكوثري: طامات، وأشار إلى أن أشدها حديث رؤية الله في صورة شاب. ¬

_ (¬1) زاد الحافظ ابن حجر في "تهذيبه" (3/ 15): "وعبَّاد أيضًا ليس بشيء".

[231] حماد بن أبي سليمان أبو إسماعيل الكوفي الفقيه

والجواب: أن لهذا الحديث طرقًا معروفة، في بعضها ما يشعر بأنها رؤيا منام، وفي بعضها ما يصرح بذلك، فإن كان كذلك اندفع الاستنكار رأسًا، وإلا فلأهل العلم في تلك الأحاديث كلام معروف وفي "اللآلىء المصنوعة" أن محقق الحنفية ابن الهمام سئل عن الحديث فأجاب بأن ذلك حجاب الصورة، وبقية الأحاديث إذا كانت من رواية حماد عن ثابت أو حميد أو مما حدث به من أصوله فهي كما قال الله تبارك وتعال: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} [الأنعام: 89]. [231] حماد بن أبي سليمان أبو إسماعيل الكوفي الفقيه: "التنكيل" (2/ 21): حماد بن أبي سليمان سيء الحفظ (¬1) حتَّى قال حبيب بن أبي ثابت: "كان حماد يقول: قال إبراهيم (¬2): فقلت له: والله إنك لتكذب على إبراهيم أو إن إبراهيم ليخطىء". وقال شعبة: "قال لي حماد بن أبي سليمان: يا شعبة لا توقفني على إبراهيم؛ فإن العهد قد طال، وأخاف أن أنسى أو أكون قد نسيت". انظر "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 165). وقوله: "لا توقفني إلخ" معناه إذا قلت: "قال إبراهيم" أو نحو ذلك فلا تسألني: أسمعته من إبراهيم أم لا؟ فيتبين بهذا أنه قد كان يقال: "قال إبراهيم" ونحوه فيما لا يتحقق أنه سمعه من إبراهيم (¬3). ¬

_ (¬1) قال ابن أبي حاتم: حدثني أبي، قال: حدثنا نعيم بن حماد، قال: حدثنا ابن المبارك، عن شعبة قال: كان حماد بن أبي سليمان لا يحفظ. قال ابن أبي حاتم: يعني أن الغالب عليه الفقه، وأنه لم يُرزق حفظ الآثار. سمعت أبي يقول -وذكر حماد بن أبي سليمان- فقال: هو صدوق ولا يحتج بحديثه هو مستقيم في الفقه، وإذا جاء الآثار شوّش. "الجرح" (3/ 147). (¬2) هو ابن يزيد النخعي. (¬3) قال حماد بن سلمة: قلت لابن حماد بن أبي سليمان: كلم لي أباك يحدثني. قال: فكلمه قال: فكنت أقول له: قل: سمعت إبراهيم. فكان يقول: إن العهد قد طال بإبراهيم. "تهذيب الكمال" (7/ 276).

[232] حمزة بن الحارث بن عمير العدوي أبو عمارة البصري نزيل مكة

[232] حمزة بن الحارث بن عمير العدوي أبو عمارة البصري نزيل مكة: في آخر الترجمة (121) من "التنكيل" (1/ 306): "ثقة عندهم" (¬1). [233] حمزة بن أبي حمزة الجعفي الجزري النصيبي: في المسألة (12) من "التنكيل" (2/ 94): "هالك". [234] حُميْد بن مسعدة بن المبارك السّامي -بالمهملة- أو الباهلي البصري. "التنكيل" (2/ 132). قال النسائي: "أنا حميد بن مسعدة ثنا عبد الوارث ثنا حسين عن يحيى بن أبي كثير عن محمد بن عبد الرحمن الأنصاري - ثم ذكر كلمة معناها عن عمرة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تقطع اليد إلا في ربع دينار". قال المعلمي: "لم يتقن حميد بدليل قوله: "فذكر كلمة معناها" والصواب "تقطع اليد في ربع دينار" كما مرّ. اهـ. [235] حنان بن سدير بن حكيم بن صهيب الصيرفي أبو الفضل الكوفي (¬2): "الفوائد" (ص 396): "رافضي محترق". [236] حنبل بن إسحاق بن حنبل بن هلال بن أسد أبو علي الشيباني ابن عمّ الإمام أحمد وتلميذه (¬3): ¬

_ (¬1) وثقه ابن سعد وقال: قليل الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يروي المقاطيع. ووثقه ابن خلفون أيضًا. فهذا إنما يقال فيه "وثق" إشارة إلى لين الثوثيق الوارد فيمن لما عُرف عمن ذَكَرْنا من توثيق المجاهيل كما هو مبّين في غير هذا الموضع. (¬2) "جامع الرواة" للأردبيلي: (1/ 286)، ورجال الطوسي (ص 346)، و"الفهرست" له (ص 93)، و"مؤتلف الدارقطني" (1/ 430)، و"لسان الميزان" (2 / ص 166 رقم 739)، (2/ 367)، رقم (1510)، وغيرها. (¬3) "تاريخ بغداد" (8/ 286)، و"سير النبلاء" (13/ 51)، والتذكرة الحفاظ" (2/ 600)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (28) وغيرها. =

[237] حيان بن عبيد الله بن حيان أبو زهير العبدي بصري

رماه ابن شاقلا بالغلط في حكاية. فقال المعلمي في "التنكيل" رقم (86): "قال الدارقطني: "كان صدوقًا" وقال الخطيب: "كان ثقة ثبتًا" وتخطئته في حكاية إنما تدل على اعتقاد أنه لم يكن معصومًا من الخطأ، وليس هذا مما يوهن الثقة المكثر كحنبل، وقد خطأ أهل العلم جماعة من أجلة الصحابة .. والمقرر عند أهل العلم جميعًا أن الثقة الثبت قد يخطىء، فإن ثبت خطؤه في شيء فإنما يترك ذاك الشيء، فأما بقية روايته فهي على الصواب، ومن ادّعى الخطأ في شيء فعليه البيان". اهـ [237] حيان بن عبيد الله بن حيان أبو زهير العبدي بصري (¬1): الفوائد (ص 19): "اختلط (¬2)، وحديث "بين كل أذانين صلاة" يرويه الثقات عن ابن بريدة، عن عبد الله بن مغفل مرفوعًا، ورواه حيان هذا عن ابن بريدة، عن أَبيه مرفوعًا، وزاد فيه "إلا المغرب" وراجع اللآلىء (2/ 8) (¬3). ¬

_ = قال الخطيب: له كتاب مصنف في التاريخ، يحكي عن أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهما. وقال الذهبي في "السير": له مسائل كثيرة عن أحمد، ويتفرد، ويغرب .. وله "تاريخ" مفيد، رأيته وعلقت منه. وقال في "تاريخ الإسلام": وصنف تاريخًا حسنًا، وكان يفهم ويحفظ. (¬1) التاريخ الكبير" (3/ 54، 87)، و"الجرح" (3/ 246)، و"ضعفاء العقيلي" (1/ 318)، و"ثقات ابن حبان" (6/ 230)، "كامل ابن عدي" (3/ 425)، و"الميزان" (1/ 623)، و"اللسان" (2/ 370) وغيرها. (¬2) قال البخاري: قال الصلت بن محمد: رأيت حيان آخر عهده -فذكر منه الاختلاط. "التاريخ الكبير" (3/ 85 - 87) نقله البخاري في ترجمة حبان -بالموحدة- بن يسار أي روح الكلابي وللمعلمي -رحمه الله تعالى- هناك بحث فيمن قال فيه الصلت هذا القول، ورجح أنه قاله في حيان -بالمثناة من تحت- بن عبيد الله بن زهير، وكذلك أورده الذهبي وتابعه ابن حجر على ذكر هذا في ترجمته. (¬3) أسند البيهقي في "سننه" (2/ 474) عن ابن خزيمة قوله: حيان بن عبيد الله هذا قد أخطأ في الإسناد؛ لأن كهمس بن الحسن وسعيد بن إياس الجريري وعبد المؤمن العتكي رووا الخبر عن ابن بريدة عن عبد الله بن مغفل، لا عن أبيه هذا علمي من الجنس الذي كان الشافعي رحمه الله يقول: "أخذ طريق المجرة". =

حرف الخاء

حرف الخاء [238] خارجة بن سعد: عن أَبيه وعنه الحسن بن زيد. في "الفوائد" (ص 366) حديث: "أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". قال في "اللآلىء": ورد من طرق. ثم ذكر إسناد البزار عن سعد بن أبي وقاص مرفوعًا. فقال الشيخ المعلمي: الذي عند البزار " .. إسماعيل بن أبي أويس، حدثني أبي عن الحسن بن زيد، عن خارجة بن سعد عن أَبيه سعد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. إلخ". وأبو أويس صدوق يهم، وكذا الحسن بن زيد. وخارجة لا يعرف هو ولا أبوه، فليس لسعد بن أبي وقاص ابن اسمه: خارجة. وقد رُوي عن حفص بن النضر السلمي عن عامر بن خارجة بن سعد عن جده خبر، فقال أبو حاتم: "هذا إسناد منكر" (¬1). ¬

_ = فهذا الشيخ لما رأى أخبار ابن بريدة عن أبيمع توهم أن هذا الخبر هو أيضًا عن أبيه، ولعله لما رأى العامة لا تصلي قبل المغرب، توهم أنه لا يصلي قبل المغرب، فزاد هذه الكلمة في الخبر. وزاد علمًا بأن هذه الرواية خطأ: أن ابن المبارك قال في حديثه عن كهمس: فكان ابن بريدة يصلي قبل المغرب ركعتن، فلو كان ابن بريدة قد سمع من أَبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا الاستثناء الذي زاد حيان ابن عبيد الله في الخبر: "ما خلا صلاة المغرب"، لم يكن يخالف خبر النبي -صلى الله عليه وسلم-. اهـ (¬1) "الجرح" (6/ 320)، وقال البخاري في "تاريخه الكبير" (6/ 457): "في إسناده نظر". وكلاهما في ترجمة عامر بن خارجة، ولفظ الخبر: "أن قومًا شكوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- قحط المطر، فقال: اجثوا على الركب وقولوا: يارب يارب، ففعلوا حتى أحبوا أن يكشف عنهم".

[239] خارجة بن مصعب بن خارجة أبو الحجاج الخراساني السرخسي

[239] خارجة بن مصعب بن خارجة أبو الحجاج الخراساني السرخسي: في "الفوائد" (ص 178): علق المعلمي على قول ابن حجر في "الإصابة" (¬1): "ضعيف" (¬2) بقوله: "خارجة هالك". وفي "الفوائد" (ص 321) حديث: "كُلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي. فجاء رجل فقال: ما نسبك؟ فقال: العرب. قال: فما سببك؟ قال: الموالي .. " قال الشوكاني: في إسناده خارجة بن مصعب، وقد تفرد به وليس بثقة. قال في اللآلىء: روى له الترمذي وابن ماجه، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. وقال الشوكاني أيضًا: في هذا المتن نكارة لا تخفى على من له ممارسة لكلامه -صلى الله عليه وسلم-. فقال المعلمي: "هذا من إسفاف السيوطي، فإنه يعلم أن خارجة وضع كتبه عند غياث بن إبراهيم الوضاع المشهور، فأفسد غياث كتب خارجة، وضع فيها ما شاء، وكان خارجة متساهلًا كما قال ابن المبارك، فلم يبال بذلك، وروى تلك البلايا. وفوق ذلك كان يسمع الأكاذيب من غياث، فيسكت عن غياث، ويرويها عمن روى عنه غياث تدليسًا. وهذا الخبر لم يصرح فيه بالسماع، فهو محتمل للأمرين: أن يكون مما وضعه غياث في كتب خارجة، وأن يكون مما سمعه خارجة عن غياث فدلّسهُ. على أن تفرد خارجة بمثل هذا الحديث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا كافٍ لسقوطه، فكيف إذا كان المعنى منكرًا". ¬

_ (¬1) (1/ 153). (¬2) لكن قال الحافظ في "التقريب": "متروك وكان يدلس عن الكذابين، ويقال إن ابن معين كذبه".

[240] خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي قاضي البصرة

[240] خالد بن طليق بن محمد بن عمران بن حصين الخزاعي قاضي البصرة: "الفوائد" (ص 361): "فيه نظر" (¬1). [241] خالد بن عبد الرحمن بن خالد بن سلمة المخزومي المكي: "الفوائد" (ص 69): "تالف". [242] خالد بن عبد الرحمن بن الهيثم العبدي العطار الكوفي (¬2): في "الفوائد" (ص 505) حديث: "بعثت داعيًا ومبلغًا, وليس إليّ من الهدى شيء، وجعل إبليس مزينًا, وليس إليه من الضلالة شيء" (¬3). قال الشوكاني: رواه العقيلي (¬4) وقال: خالد بن عبد الرحمن بن الهيثم ليس بمعروف بالنقل، وحديثه غير محفوظ، ولا يعرف له أصل. ¬

_ (¬1) قال الدارقطني: ليس بالقوي، وقال الساجي: صدوق يهم، والذي أتى منه روايته عن غير الثقات. وذكره ابن أبي حاتم بغير جرح أو تعديل. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن النديم في "الفهرست": كان أخباريًا وإنه من النسابين وكان معجبًا تياهًا، وَلَّاه المهدي قضاء البصرة, وبلغ من تيهه أنه كان إذا أقيمت الصلاة أقام في موضعه, فربما قام وحده, فقال له مرة إنسان: استوِ في الصف، فقال: بل يستوي الصف بي. قال ابن حجر: أُفٍّ على هذا التيه. وقال ابن الجوزي في "المنتظم": ولاه المهدي قضاء البصرة بعد عزل العنبري، فلم يحمد ولايته, واستعفى أهل البصرة منه. ترجمته في "الجرح" (3/ 337)، و"الثقات" (6/ 258)، و"الميزان" (1/ 633)، و"اللسان" (2/ 379)، و"الفهرست" لابن النديم (ص 107). (¬2) ذكره المزي تمييزًا (8/ 123). (¬3) رواه خالد هذا عن سماك عن طارق بن شهاب عن عمر بن الخطاب مرفوعًا. (¬4) في "الضعفاء" (2/ 8).

[243] خالد بن القاسم أبو الهيثم المدائني

قال في "اللآلىء" (¬1): أخرجه ابن عديّ (¬2)، وقال: في قلبي من هذا الحديث شيء، ولا أدري: سمع خالد من سماك بن حرب أم لا؟ ولا أشك أن خالدًا هذا هو الخراساني (¬3)، وكأن الحديث مرسل عنه عن سماك. اهـ وخالد الخراساني: روى له أبو داود والنسائي ووثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: لا بأس به وحينئذ: فليس في الحديث إلا الإرسال. اهـ كلام الشوكاني. قال المعلمي: "يعني بالإرسال: الانقطاع بين خالد وسماك، وكفى بالانقطاع والتفرد قادحًا". اهـ. [243] خالد بن القاسم أبو الهيثم المدائني: في "الفوائد" (ص 216) حديث: "من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومنّ إلا نفسه". قال الشوكاني: رواه ابن حبان عن عائشة مرفوعًا، وفي إسناده: خالد بن القاسم كذاب .. وخالد المذكور قد وثقه ابن معين. فقال المعلمي: "كذا قال السيوطي (¬4)، وزاد: "في روايته" وتلك الرواية عن ابن معين ليس فيها توثيق، وإنما فيها أن خالدًا كان أولًا حسن الظاهر ثم افتضح، وكذب خالد هذا مكشوف" (¬5). اهـ [ز 5] خالد بن محمد بن خالد بن الزبير: في "الفوائد المجموعة" (ص 415) عن السيوطي في "اللآلىء": "قال أبو حاتم: مجهول، وقال في "اللسان": ذكره ابن حبان في الثقات". ¬

_ (¬1) (1/ 254). (¬2) في "الكامل" (3/ 39 - 40). (¬3) ترجمته في "تهذيب الكمال" (8/ 120). (¬4) لم أره في موضعه من "اللآلىء" (2/ 279)، فلعله في موضع آخر. (¬5) راجع "اللسان" (2/ 383) ففيه كفاية.

[244] خالد بن مخلد القطواني أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي

فقال الشيخ المعلمي في "الحاشية": "هذا لا ينفي الجهالة؛ فإنه من قاعدة ابن حبان: أن يذكر المجهولين في ثقاته بشرطٍ قرّره، ومع ذلك لا يفي به. فإن من شرطه أن لا يروي الرجل منكرًا، وهذا قد روى هذا المنكر، بل قال البخاري: "منكر الحديث". اهـ. [244] خالد بن مخلد القطواني أبو الهيثم البجلي مولاهم الكوفي: في "الأنوار الكاشفة" (ص 193 - 194) حديث خالد: حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبى نمر عن عطاء عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عادى لي وليًا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه .. " رواه البخاري (¬1). قال الشيخ المعلمي: هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من "الميزان" (¬2)، وابن حجر في "الفتح" (11/ 292)؛ لأنه لم يرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد. ومثل هذا التفرد (¬3) يريب في صحة الحديث، مع أن خالدًا له مناكير (¬4) وشريكًا فيه مقال (¬5). وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث علي ومعاذ وحذيفة وعائشة وابن عباس وأنس، فقد يكون وقع خطأ لخالد أو شريك سمع المتن من بعض تلك ¬

_ (¬1) "الفتح" (11/ 340)، رقم (6502). (¬2) (1/ 640) قال الذهبي: "فهذا حديث غريب جدًّا، لولا هيبة الجامع الصحيح لعدُّوه في منكرات خالد بن مخلد؛ وذلك لغرابة لفظه؛ ولأنه مما ينفرد به شريك، وليس بالحافظ، ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرّجه مَنْ عدا البخاري". (¬3) يعني التفرد عن مثل أبي هريرة -رضي الله عنه-، مع كثرة الآخذين عنه فإن له أصحابًا معروفين به، يبعد أن يغيب عنهم مثل هذا الحديث، وكذا من دون أبي هريرة فإنهم مشهورون. (¬4) قاله أحمد. (¬5) قال الحافظ بن حجر في "الفتح": " .. ومع ذلك فشريك فيه مقال أيضًا، وهو راوي حديث المعراج الذي زاد فيه ونقص، وقدَّم وأخَّر، وتفرد فيه بأشياء لم يتابع عليها".

[245] خالد بن نجيح أبو يحيى المصري

الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثًا آخر بهذا السند ثم التبسا عليه فغلط روى هذا المتن بسند الحديث الآخر، فإن كان الواقع هكذا .. وإلا فهو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن بلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في "الفتح" وفي "الأسماء والصفات" (ص 345 - 348). وقد أومأ البخاري إلى حاله فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق. اهـ. [245] خالد بن نجيح أبو يحيى المصري: "الفوائد" (ص 94): "هالك". وانظر ترجمة: عثمان بن صالح. - خالد بن هياج بن بسطام: انظر ترجمة: الحسين بن إدريس الهروي. [246] خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني، أبو هاشم الدمشقي: "الفوائد" (ص 241): "ضعيف جدًّا، اتهمه ابن معين بالكذب". وله ترجمة في "التنكيل" رقم (88)، قال ابن معين: "بالشام كتاب ينبغي أن يدفن، "كتاب الديات" لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري: سمعت هذا الكتاب من خالد ثم أعطيته للعطار فأعطى الناس فيه حوائج" (¬1). وقال أحمد: "ليس بشيء" (¬2). وقال النسائي: "غير ثقة" (¬3). ¬

_ (¬1) "تاريخ دمشق" (5 / ق 576 - الظاهرية)، وقال الدوري عن ابن معين: "ليس بشيء" وقال في موضع آخر: "ضعيف". "تاريخه" (2/ 146). (¬2) "كامل لابن عدي" (3/ 883). (¬3) "ضعفاؤه" (170).

وضعفه الدارقطني (¬1) وأبو داود (¬2) وزاد: "متروك الحديث". وقال أبو حاتم: "يروي أحاديث مناكير" (¬3). وقال ابن حبان في "المجروحين": "هو من فقهاء الشام، كان صدوقًا في الرواية، ولكنه كان يخطىء كثيرًا، وفي حديثه مناكير، لا يعجبني الاحتجاج به إذا انفرد عن أبيه, وما أقربه ممن ينسبه إلى التعديل، وهو ممن أستخير الله فيه" (¬4).اهـ. لكن قال الشيخ المعلمي: ومع ذلك فقد وثقه أحمد بن صالح المصري، والعجلي، وبلديُّه أبو زرعة الدمشقي، وقال ابن عديّ: "لم أر من أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية أو يرويه ضعيف فيكون البلاء من الضعيف لا منه" (¬5) (¬6). ¬

_ (¬1) "الضعفاء والمتروكون" له (199). (¬2) "سؤالات الآجري" عنه (1596)، (1604). (¬3) "الجرح" (3 / ت 1623). (¬4) "المجروحين" (1/ 284). (¬5) "الكامل" (3/ 885). (¬6) أقول: أما توثيق أحمد بن صالح المصري وأبي زرعة الدمشقي، فقد أسند ابن عساكر في "تاريخه" (5 / ق 567 - الظاهرية) إلى أبي زرعة الدمشقي -من غير طريق أبي الميمون البجلي راوي التاريخ عن أبي زرعة- قال أبو زرعة في ذكر نفر ثقات: خالد بن أبي مالك، بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أنه قال: "سألت أحمد بن صالح فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك، ثقة؟ فقال: نعم". اهـ .. ففي الاعتداد بهذا النقل نظرٌ من وجوه: أولًا: ذِكْرُ أبي زرعة لخالد في نفرٍ ثقاتٍ إنما بناه على ما حكاه عن أحمد بن صالح، وسيأتي ما فيه. ثانيًا: لم يُبَيِّنْ أبو زرعة مَنْ بَلَّغَهُ عن أحمد بن رشدين، وفي الاعتداد بهذا البلاع مقابل ما استفاض عن الأئمة من تضعيف خالد نظرٌ كبير. ثالثًا: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين -سبقت ترجمته- ضعيف، بل نقل ابن عدي في "الكامل" قصة فيها تكذيب أحمد صالح المصري له، فلا يمكن التعويل على ما حكاه هنا -إن صح عنه- كا تقتضيه قواعد أهل الفن في قبول أقوال الجرح والتعديل. وأما العجلي فحاله في التوثيق معلوم. =

[247] خالد بن يزيد العمري أبو الهيثم المكي

وكتاب الديات قد يكون ما فيه مما استنكره ابن معين مما أخذه خالد عن الضعفاء فأرسله والله أعلم (¬1). اهـ. [247] خالد بن يزيد العمري أبو الهيثم المكي: عنه قطن بن إبراهيم وقال: عن خالد بن يزيد المدني. "الفوائد" (ص 224): "هالك وضاع، يقال له "العدوي" و"الحذاء" وكناه بعضهم "أبا الوليد" كأنهم يدلسونه، فكذا قول قطن: "المدني" تدليس، وترى في ترجمته من "لسان الميزان" (¬2) عددًا من موضوعاته، منها هذا الخبر (¬3). [248] خصيفة والد يزيد، عن أبيه مرفوعًا (¬4): "الفوائد" (ص 69): "لا يعرف في الرواة، ولا أبوه في الصحابة". ¬

_ = والظن بالشيخ المعلمي رحمه الله أنه لو اطلع على ما سبق لما عَوَّل عليه, وأنه إنما اعتمد على نقل المتأخرين توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد بن يزيد، دون إيراد إسناد هذا التوثيق عند ابن عساكر، لأن من منهج المعلمي اعتبار أسانيد الجرح والتعديل كما هو واضح في مؤلفاته، وسيأتي تأصيل هذا المنهج في قسم القواعد من كتابنا، إن شاء الله تعالى. والمقصود أن ما ورد من توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد لا تقوم به الحجة من حيث النقل، ولا يصلح أن يكون خادشًا في اتفاق الأئمة على ضعف خالد وطرحه. وأما ابن عدي فكلامه محمول على نحو كلام ابن حبان، وهو أنه صدوق في الأصل، وأن ما في رواياته من الضعف فمما يحتمل، فلا يسقط أو يترك لأجله، وإن كان هو في نفسه ضعيف لا يحتج به, لا سيما وفي أسانيد بعض ما استُنكر عليه ضعفاءُ غيره, فرأى ابن عدي أنه بريء من ذلك، وأن البلاء فيه من غيره. لكن إذا كان هذا هو اجتهاد ابن عدي ونحوه ابن حبان في جال خالد بن يزيد، فإن الأئمة المتقدمين هم أعلم وأمكن وأقرب إلى خالد وأدرى بحقيقة حاله، والله تعالى الموفق. (¬1) قول المعلمي في "الفوائد" أوفق من قوله في "التنكيل" كما يُعلم مما سبق، والله تعالى أعلم. (¬2) (2/ 389). (¬3) هو خبر "من عطس أو تجشأ، أو سمع عطسة أو جشاء فقال: الحمد لله على كل حال، صرف الله عنه سبعين داءً أهونها الجذام". (¬4) حديث: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه".

[249] خطاب بن جبير بن حية الثقفي البصري

[249] خطاب بن جبير بن حية الثقفي البصري: انظر "حاشية" المعلمي على "الجرح والتعديل" (3/ 385) رقم: (1766). [250] خلف بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن نصر أبو صالح البخاري المعروف بالخيام (¬1): "الفوائد" (ص 129): "ساقط" (¬2). [251] خلف بن يحيى الخراساني قاضي الري (¬3): "الفوائد" (ص 77): "ذمّهُ أبو حاتم وقال: "متروك الحديث، كان كذابًا لا يشتغل به ولا بحديثه"". وقال (ص 163) من "الفوائد" أيضًا: "كذاب". [252] خلاس بن عمرو الهجري البصري، عن عُبادة: قال الشوكاني: "ليس بشيء". ¬

_ (¬1) "الإرشاد" للخليلي (3/ 972)، و"الأنساب" للسمعاني (5/ 226)، و"سير النبلاء" (16/ 70، 204)، و"ميزان الاعتدال" (1/ 662)، ومثله تمامًا في "لسان الميزان" (2/ 404). (¬2) قال الخليلي: "كان له حفظ ومعرفة, وهو ضعيف جدًّا، روى متونًا لا تعرف. سمعت الحاكم وابن أبي زرعة يقولان: كتبنا عنه الكثير، ونبرأ من عهدته, وإنما كتبنا عنه للاعتبار". ثم روى عن الحاكم عنه حديثًا، لفظه: "نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن المواقعة قبل الملاعبة". ثم قال: سمعت الحاكم عقبه يقول: خُذِلَ خلف بهذا وبغيره. ونقل الذهبي في "الميزان" عن الحاكم قوله: سقط حديثه برواية حديث "نهى عن الوقاع قبل الملاعبة". وهو بمعنى ما تقدم عن الخليلي عنه. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (37): "تكلم فيه أبو سعد الإدريسي وليَّنه" ونحوه في الموضع الأول من "السير" وزاد: وما تركه. (¬3) "الجرح" (3/ 372)، و"الميزان" (1/ 663)، و"اللسان" (2/ 405).

[253] خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط أبو بكر البصري، المعروف: شباب العصفري، صاحب "التاريخ" و"الطبقات"

فقال المعلمي في "الفوائد" (ص 105): "بل هو موثق (¬1) .. يرسل عمن أدركهم من الصحابة ولم يصرح بالسماع من عبادة". [253] خليفة بن خياط بن خليفة بن خياط أبو بكر البصري، المعروف: شباب العصفري، صاحب "التاريخ" و"الطبقات": ترجمه ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل" (3/ 378) رقم: (1728) وقال: "سألت أبي عنه، فقال: لا أحدث عنه، هو غير قوي، كتبت من مسنده أحاديث ثلاثة عن أبي الوليد، فأتيت أبا الوليد وسألته عنها فأنكرها وقال: ما هذه من حديثي، فقلت: كتبتها من كتاب شباب العصفري، فعرفه وسكن غضبه". وقال ابن أبي حاتم: "انتهى أبو زرعة إلى أحاديث كان أخرجها في فوائد عن شباب العصفري، فلم يقرأ علينا، فضربْنا عليه وترك (¬2) الرواية عنه". اهـ. فعلّق الشيخ المعلمي في الحاشية بقوله: "سكون غضب أبي الوليد يُشعر بأنه لم يُكذِّبْ خليفة، ويحتمل أن يكون شباب قد كان استكثر من حديث أبي الوليد أخْذًا من أصوله، وكانت تلك الثلاثة مما لا يحفظه أبو الوليد، فأنكرها، ثم لما عرف أن شبابًا هو رواها عنه حملها على أنها عنده في أصوله ولكنه لا يحفظها، وكأنه لهذا الاحتمال اقتصر أبو حاتم على قوله: غير قوي" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) قال أحمد وأبو داود: ثقة ثقة، ووثقه ابن معين، وتُكُلِّم في سماعه من علي وأبي هريرة وحذيفة, وقال يحيى القطان: هو كتاب عن علي، وقد سمع من عمّار، وعائشة, وابن عباس. وقال البخاري: سمع عمارًا وعائشة .. روى عن أبي هريرة وعن علي صحيفة, وعن أبي رافع. وقال أبو حاتم: يقال وقعت عنده صُحُف عن عليٍّ، وليس بقوي. وقال الحاكم عن الدارقطني: قالوا: هو صُحُفي، فما كان من حديثه عن أبي رافع، عن أبي هريرة احتمل، فأما عن علي وعثمان فلا. وانظر: "تاريخ البخاري الكبير" (3/ 227)، و"الجرح" (3/ 402)، و"سؤالات الحاكم" (314)، و"تهذيب الكمال" (8/ 364)، و"الميزان" (1/ 658) وغيرها. (¬2) في "التهذيب" عن "الجرح": "وتركنا". (¬3) أقول: في هذا التوجيه نظر من عدة وجوه: =

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أولًا: قَدَّمَ أبو حاتم الحكاية بما يدلُّ على مُؤَدَّاها ومَدْلُولها، فقال: "لا أُحدِّث عنه، هو غير قوي" فدلَّ على أن الحكاية تقتضي الجرح، ويبقى النظر في قدر هذا الجرح، ولا شك أن أبا حاتم لديه من المَلَكَة والفَهْمِ ما يمنع أن يدلَّ صنيع أبي الوليد على غير الجرح، ثم هو يحمله عليه. وينظر "تاريخ بغداد" (9/ 82) ففيه سكوت وتبسم على سبيل الاستنكار لا الرضى. ثانيًا: في تقدمة "الجرح والتعديل" (ص 334) قال أبو حاتم: "كنت أتولى الانتخاب على أبي الوليد، وكنت لا أنتخب ما سمعت من أبي الوليد قديمًا .. ". فقد كانت لأبي حاتم عناية بأصول أبي الوليد، يحفظها، وينتخب ما لم يسمعه منها من قبل، فلما نظر في مسند خليفة وجد فيه أحاديث عن أبي الوليد لا يعرفها أبو حاتم عن أبي الوليد، فانتخبها وكتبها، على عادة النقاد في انتخاب الغرائب والمناكير من الأصول -انظر رسالتي في "تعظيم قدر أئمة النقد" (ص 141) من هذا القسم- ثم أتى بها أبا الوليد يعرضها عليه لينظر إن كان حدَّث بها أبو الوليد من حفظه أو نحو ذلك، أما الأصول فكانت تحت بصر أبي حاتم يتولى الانتخاب منها مرة بعد أخرى، فانكرها أبو الوليد أن تكون من حديثه, كما حَدَسَ أبو حاتم، ومن أجل ذلك انتقاها من بين المسند. وسواءٌ كانت تلك الأحاديث مناكير من حيث إنها لم تكن من حديث أبي الوليد فقط, أم أُضيف إليها نكارة متنها، فالغرابة لازمةٌ لها. ويؤيد الثاني ما يدل عليه قول أبي حاتم "وسكن غضبه" فإن فيه أن أبا الوليد لما سأله أبو حاتم عن تلك الأحاديث, غضب, وهذا يُشعر بأن فيها نكارة, واستعظم أبو الوليد أن يكون حدث بها، والظاهر أنه لو كانت تلك الأحاديث معروفة ومحفوظة لاكتفى أبو الوليد بنفي أن تكون من حديثه, بحيث لو كانت في نفس الأمر من حديثه فليس ذلك بضائره, لكن غضبَهُ مُشعرٌ بما قدَّمنا، والله تعالى أعلم. ثالثًا: وهو مبني على ما سبق، أن أبا الوليد لما استنكر أن تكون تلك الغرائب من حديثه, وغضب لذلك، خَشِيَ أن يكون من حدَّث بها عنه ثقة ضابط، فربما عاد الأمر بالتردد بين أن يكون أبو الوليد قد حدَّث بها ثم نسي، أو يكون ذاك الثقة وهم عليه، فلما أُخبر أبو الوليد أن الذي حدَّث بها عنه هو خليفة ابن خياط, زال هذا التردد واطمأن قلبه إلى أن التَبِعَةَ فيها لازمةٌ لخليفة, لمعرفته به، فسكن غضبه. وهذه المعرفة لا يلزم منها التكذيب, وقول أبي حاتم "لا أحدث عنه، هو غير قوي" يدل على ذلك، وإلا لو دَلَّ صنيعُ أبي الوليد على ذلك لما أَجْمَلَ أبو حاتم فيه القول. وإنما هذه المعرفة تعني أن خليفة ليس من أصحاب الحديث المعنيين به، وليس هذا ميدانه، وإنما هو عالم بالنسب والسِّير وأيام الناس، فليست روايته عن أبي الوليد تلك المناكير بخادشةٍ في إنكار أبي الوليد لها. =

[254] الخليل بن مرة الضبعي البصري وقع إلى الشام، ونزل الرقة

[254] الخليل بن مُرّة الضُّبعي البصري وقع إلى الشام، ونزل الرقة: "الفوائد" (ص 304): "صالح متعبد فمن ثم أثنى بعضهم عليه، فأما في الحديث، فقد قال البخاري: "منكر الحديث" وقال أيضًا: "فيه نظر" وهاتان من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال أبو الوليد الطيالسي: "ضال مضل" (¬1). ¬

_ = ويدل على هذا حال خليفة في الحديث عند سائر الأئمة, فقد سبق أن أبا زرعة امتنع عن قراءة حديثه وترك الرواية عنه. وقال ابن الجنيد عن ابن معين: "ابن أي سمينة, وشباب، وعبيد الله بن معاذ العنبري، ليسوا أصحاب حديث، ليسوا بشي". "سؤالات ابن الجنيد" (71). وقال الحسن بن يحيى الرُّزي عن علي بن المديني: "في دار عبد الرحمن بن عمرو بن جبلة، وشباب ابن خياط؛ شجرٌ يَحْمِلُ الحديث". وهذه العبارة تقتضي الجرح بلا شك، فقد قرن ابن المديني بينهما، وعبد الرحمن هذا كذبه أبو حاتم، ورماه الدارقطني بالوضع انظر: "اللسان" (4/ 417) رقم (5099 - طبعة الفاروق). ولم يخرج لخليفة أحدٌ من أصحاب الكتب الستة سوى البخاري، فإنه أخرج له مواضع قليلة، مقرونًا أو تحليقًا أو بلفظ: "قال لي خليفة". ونقل الترمذي عنه قوله: "مقارب الحديث" وهذا وذاك إنما يدل أنه عنده صدوق في الأصل، إلا أنه لم يحتج به في شيء من الصحيح. وخليفة إنما مَشَّاهُ ابن عدي وابن حبان، وحملوا أحاديثه على الاستقامة. والصواب في شأنه ما قاله أئمة النقد من المتقدمين، فقد رأوه وخبروا أمره، ووَهنوه في الحديث، مع الاعتراف له بعلم التاريخ وطبقات الناس وأنسابهم، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا، والله تعالى ولي التوفيق. (¬1) وقال ابن معين والنسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، هو شيخ صالح، بابة بكر بن خنيس، وإسماعيل بن رافع. وقال أبو زرعة: شيخ صالح. وقال ابن حبان في المجروحن: "منكر الحديث عن المشاهير، كثير الرواية عن المجاهيل". وقال ابن عدي -وذكر له جملة من المناكير-: للخليل أحاديث غرائب، وقد حدث عنه الليث وأهل الفضل ولم أر في حديثه حديثا منكرًا قد جاوز الحدَّ، وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث.=

وقال أيضًا (ص 401): "ضعيف". * * * ¬

_ = وأغرب ابن شاهن فقال في ثقاته: "الخليل بن مرة ثقة, قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا يتكلم فيه, ورأيت أحاديثه عن قتادة, ويحيى بن أبي كثير صحاحًا، وإنما استغنى عنه البصريون لأنه كان خاملًا، ولم أر أحدًا تركه وهو ثقة". فَبَيْن ابن شاهين وأحمد بن صالح مفاوز، فلا يُدرى من أين أخذ هذا النقل؟ ولا يُعلم أنه التزم الصحة فيما ينقله عن الأئمة، وانظر ترجمته في القسم الخاص بمناهج الأئمة والمصنفين من هذا الكتاب. وانظر: "التاريخ الكبير" (3/ 199)، و"جامع الترمذي" (5/ 39) عقب حديث (2666)، و (5/ 515) عقب حديث (3473)، و"ضعفاء النسائي" (178)، و"الجرح" (3/ 379)، و"المجروحين" (1/ 286)، و"الكامل" (3/ 58)، و"ثقات ابن شاهين" (332)، و"تهذيب الكمال" (8/ 342)، و"الميزان" (1/ 667)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 169) وغيرها.

حرف الدال

حرف الدال [255] داود بن الحصين القرشي الأموي مولاهم أبو سليمان المدني: في "الفوائد" (ص 79): قول الشوكاني: "داود بن الحصين ضعيف". فقال المعلمي: "بل هو ثقة (¬1)، وإنما البلاء هنا ممن دونه .. ". ¬

_ (¬1) وثقه ابن معين وقال: قد روى مالك عنه. وقال الدوري: كان عندي ضعيفًا حتى قال يحيى: ثقة. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، ولولا أن مالكًا روى عنه لترك حديثه. وقال أبو زرعة: لَيِّن. وقال الذهبي: تكلم الترمذي في حفظه. وقال النسائي: ليس به بأس، وكذا قال ابن معين في رواية. وقال ابن المديني: ما روى عن عكرمة فمنكر الحديث، ومالك روى عن داود بن حصين، عن غير عكرمة. وقال أبو داود: أحاديثه عن عكرمة مناكير، وأحاديثه عن شيوخه مستقيمة. وقال ابن عيينة: كنا نتقي حديث داود بن الحصين. وقال ابن عديّ: صالح الحديث، إذا روى عنه ثقة فهو صالح الرواية, إلا أن يروي عنه ضعيف، فيكون البلاء منه، مثل ابن أبي حبيبة، وإبراهيم بن أبي يحيى كان عند إبراهيم عنه نسخة طويلة. وقال ابن حبان في "الثقات": كان يذهب مذهب الشَّرَاة, وكل من ترك حديثه على الإطلاق وَهِم؛ لأنه لم يكن داعية إلى مذهبه .. [يعني مذهب الخوارج]. وقال الجوزجاني: لا يحمد الناس حديثه. وقال الساجي: منكر الحديث متهم برأي الخوارج. وقال الذهبي: رُمي أيضًا بالقدر. وذكره البخاري في "التاريخ" بغير جرح ولا تعديل. وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص 401): "روى له البخاري حديثًا واحدًا من رواية مالك عنه عن أبي سفيان مولى ابن أبي أحمد عن أبي هريرة في العرايا، وله شواهد". قلت: الحديث في "الفتح" (4/ 384)، رقم (2186) باب "بيع المزابنة .. وبيع العرايا" وهو رابع حديث في الباب، وأخرج قبله حديث مالك عن نافع عن ابن عمر، ثم أخرج هذا الحديث بنحوه، فهو شاهد لما قبله. =

[256] داود بن سليمان أبو سليمان الجرجاني الغازي مولى قريش

[256] داود بن سليمان أبو سليمان الجرجاني الغازي مولى قريش: "الفوائد" (ص 381): "هالك" (¬1). [257] داود بن عبد الرحمن العطار أبو سليمان المكي: "حاشية الموضح" (1/ 363): "ثقة موصوف بالإتقان". [258] داود بن فراهيج مولى قيس بن الحارث بن فهر: "الفوائد" (ص 219): "ضعفه شعبة ويحيى وغيرهما، وهو صدوق في الأصل، ولكنه تغير بأخرة. وقال يعقوب الحضرمي: "ثنا شعبة عن داود وكان قد كبر وافتقر". وهذه كلمة شديدة". ¬

_ = ولم يخرج له مسلم سوى هذا الحديث نفسه، وحديثًا آخر، كلاهما من رواية مالك عنه عن أبي سفيان أيضًا، كما في "رجال مسلم" لابن منجويه: (1/ 195 - 196). فالذي يتحصل من مجموع كلام الأئمة وصنيعهم، أنه كان في نفسه لا بأس به, روى مالك عنه عن غير عكرمة أحاديث مستقيمة، استشهد ببعضها صاحبا الصحيح، وهذا مما يدل على أنه كان صدوقًا، لكن كلام أبي زرعة وأبي حاتم وغيرهما يدل على أن في حفظه لينًا، فتجتنب انفراداته, وما رواه عن عكرمة, وما رواه عنه الضعفاء، والله تعالى أعلم. وقد قال الذهبي في "من تكلم فيه وهو موثق": ثقة مشهور له غرائب تستنكر. وقال ابن حجر في "التقريب": ثقة إلا في عكرمة, ورمي برأي الخوارج. وانظر: "التاريخ الكبير" (3/ 231)، و"الجرح" (3/ 408)، و"الثقات" (6/ 284)، و"الكامل" (3/ 959)، و"أحوال الرجال" (246)، و"رجال الباجي" (2/ 565)، و"رجال مسلم" (1/ 195 - 196)، و"تهذيب الكمال" (8/ 379)، و"الميزان" (2/ 5)، و"السير" (6/ 106) وغيرها. (¬1) قال ابن معين: كذاب، يشتري الكتب. وقال أبو حاتم: مجهول. قال الذهبي: ولم يعرفه أبو حاتم وبكل حال فهو شيخ كذاب، له نسخة موضوعة عن علي ابن موسى الرضا .. انظر "الجرح" (3/ 413)، و"تاريخ بغداد" (8/ 366)، و"تاريخ جرجان" (ص 210)، و"الميزان" (2/ 8)، و"اللسان" (2/ 417).

[259] داود بن المحبر بن قحذم الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد، وهو صاحب كتاب "العقل".

وفي (ص 355): "كان في أول أمره لا بأس به, ثم تغير، قال يعقوب الحضرمي: "ثنا شعبة عن داود وكان قد كبر وافتقر" (¬1). وهذه الكلمة شديدة، فإنها تشعر باتهامه بأن يكون حمله الكِبر والفقر على التقرب إلى بعض الناس برواية ما يسرهم". اهـ [259] داود بن المحبر بن قحذم الثقفي البكراوي أبو سليمان البصري نزيل بغداد، وهو صاحب كتاب "العقل". قال المعلمي في "التنكيل" رقم (89) ردًّا على زعْم أن داود متروك باتفاق: "داود وثقه ابن معين وقال أبو داود: "ثقة شبه الضعيف، بلغني عن يحيى فيه كلام أنه يوثقه". وإن كان الصواب ما عليه الجمهور أن داود ساقط". وقال في "الفوائد" (ص 111): "متروك وقد حدث الحارث -هو ابن أبي أسامة- عنه بكتاب "العقل" الموضوع". [260] داود بن مهران الدباغ أبو سليمان البغدادي بياع الأدم: "حاشية الموضح" (1/ 363): "ثقة موصوف بالإتقان". ¬

_ (¬1) "التاريخ الكبير" (3/ 230)، وروى العقيلي في "الضعفاء" (2/ 40) من طريق حجاج بن نصير قال: حدثنا شعبة، قال: "حدثنا داود بن فراهيج بعد ما كبر وافتقر وافتتن". ومثله في تاريخ ابن عساكر عن العقيلي (6 / ق 41) الظاهرية وهذه الكلمة "افتتن" ربما تكون صريحة فيما استشعره المعلمي من هذه العبارة، لكن حجاج بن نصيى هذا متروك، وله أخطاء كثيرة عن شعبة، فلا يعتد بزيادته تلك. وقال ابن عساكر في تاريخه: ذكر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكتاني الأصبهاني قال: قلت لأبي حاتم: ما تقول في داود بن فراهيج، فقال: هو صحيح - أو قال: صالح الحديث، إلا أن شعبة روى عنه فقال: حدثني بعد ما كبر". وتضعيف شعبة لداود، قد نقله غير واحد عن شعبة, لكن في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (1 / ص 64) رقم (150): "قال أحمد: حدثنا وكيع قال: ذكر شعبة داود ابن فراهيج فقصبه -يعني تكلم فيه-". اهـ وهذا مشعر بالضعف الشديد، والله تعالى أعلم.

[261] دجين بن ثابت اليربوعي أبو الغصن

[261] دجين بن ثابت اليربوعي أبو الغصن: "الأنوار الكاشفة" (ص 61): "أعرابي ليس بشيء في الرواية". [262] درّاج بن سمعان أبو السمح السهمي مولاهم البصري: "الفوائد" (ص 319): "حديث دراج عن أبي الهيثم ضعيف". [263] دُرُسْت بن زياد العنبري أبو الحسن البصري القزّاز: "الفوائد" (ص 405): "تالف". و (ص 459): "واهٍ جدًّا". و"الأنوار الكاشفة" (ص 181): "ضعيف" (¬1). ¬

_ (¬1) قال ابن معين: لا شىء. وقال البخاري: يروي عن الرقاشي، حديثه ليس بالقائم. وكذا قال أبو حاتم، وزاد: عامة حديثه عن يزيد الرقاشي، ليس يمكن أن يعتبر حديثه. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وضعفه أبو داود، وقال النسائي: ليس بالقوي. وخلطه ابن حبان بـ: درست بن حمزة الراوي عن مطر الوارق، وقال: منكر الحديث جدًّا. وذكره البرقاني وصاحبه عن الدارقطني في المتروكين من أصحاب الحديث. وذكر له ابن عدي مناكير أكثرها عن الرقاشي، ثم قال: وهذه الأحاديث لدرست عن يزيد الرقاشي، عن أنس فيما ينفرد به درست عن يزيد، ومنها ما قد شورك فيه, ولدرست غير هذه الأحاديث عن يزيد وعن غيره قليل، وأرجو أنه لا بأس به. أقول: فالحاصل في شأنه إنه كما قال أبو حاتم: لا يمكن أن يعتبر حديثه, لأن عامته عن يزيد الرقاشي، ومن كان كذلك فاطراح حديثه هو المتعيَّن، والله تعالى أعلم. وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 253)، و"الضعفاء الصغير" له (ت 111)، و"سؤالات الأجري" لأبي داود (1215)، و"ضعفاء النسائي" (ت 186)، و"الجرح" (3/ 437)، و"المجروحين" (1/ 293)، و"الكامل" (3/ 101)، و"ضعفاء الدارقطني" (ت 213)، و"تهذيب الكمال" (8/ 480)، و"الميزان" (2/ 26)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 209) وغيرها.

[264] دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن السجزي أبو محمد البغدادي التاجر الفقيه المعدل

[264] دعلج بن أحمد بن دعلج بن عبد الرحمن السجزي أبو محمد البغدادي التاجر الفقيه المعدل (¬1): "التنكيل" ترجمة رقم (90) قال الكوثري: "كان الرواة الأظناء يبيتون عنده ويُدْخلون في كتبه أشياء فيرويها بسلامة باطن، وذكر الذهبي من الوضاعين الذين كانوا يُدْخلون في كتبه اثنين، أحدهما: علي بن الحسين الرصافي وقد قال عنه: يضع الحديث ويفترى على الله، قال الدارقطني: لا يوصف ما أدخل هذا على الشيوخ، ثم عمل محضرًا بأحاديث أدخلها على دعلج، وكذا أدخل أبو الحسين العطار المخرمي أحاديث على دعلج أيضًا كما ذكره الذهبي ويجعلهما ابن حجر شخصًا واحدًا بدون حجة". دفع المعلمي قول الكوثري: "كان الرواة الأظناء .. " بقوله: "هذا تخرص، نعم حكى عن رجل (¬2) -غير ظنين- أنه بات عنده وأراه ماله، ولم يقل إن كتبه كانت مطروحة له ولا لغيره ممن خشي منه العبث بها، فأما إدخال بعضهم عليه أحاديث فذلك لا يقتضي الإدخال في كتبه، بل إذا استخرج الشيخ أو غيره من أصوله أحاديث وسلمها إلى رجل ليرتبها وينسخها، فذهب الرجل ونسخها وأدخل فيها أحاديث ليست حديث الشيخ، وجاء بالنسخة فدفعها إليه ليحدث بها صدق أنه أدخل عليه أحاديث. ثم إذا كان الشيخ يقظًا فاعتبر تلك النسخة بحفظه أو بمراجعة أصوله، أو دفعها إلى ثقة مأمون عارف كالدارقطني فاعتبرها، فأخرج تلك الزيادة ولم يحدث بها الشيخ لم يكن عليه في هذا بأس، ولعله هكذا جرى. فقد قال الخطيب في دعْلج: "كان ثقةً ثبتًا، قبل الحكام شهادته، وأثبتوا عدالته .. وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله، والمصنف له كتبه، فحدثني أبو العلاء الواسطي عن الدارقطني قال: صنفت لدعلج "المسند الكبير" فكان إذا ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (8/ 387)، و"تاريخ دمشق" (6/ 85 - الظاهرية)، و"سير النبلاء" (16/ 30)، و"تذكرة الحفاظ" (3/ 881)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (54)، وغيرها. (¬2) هو أبو عمر محمد بن العباس بن حيوية, وهو ثقة, ستأتي ترجمته في هذا الكتاب.

شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه .. حمزة بن يوسف السهمي يقول: سئل أبو الحسن الدارقطني عن دعلج بن أحمد؟ فقال: كان ثقةً مأمونًا - وذكر له قصة في أمانته وفضله ونبله" .. وجعل الأستاذ -الكوثري- المُدْخلين جماعة من أمانيه, والمعروف رجل واحد، ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 11 ص 385): "علي بن [الحسن] (¬1) بن جعفر أبو الحسن البزاز يعرف بابن كرنيب وبابن العطار المخرمي .. بلغني عن الحاكم أبي عبد الله النيسابوري قال: ذكر الدارقطني ابن العطار، فذكر من إدخاله على المشايخ شيئًا فوق الوصف، وأنه أشهد عليه, واتخذ محضرًا بإدخاله أحاديث على دعلج". وذكره الذهبي في "الميزان" (¬2) واقتصر على قوله: "أدخل على دعلج أحاديث قاله الدارقطني" ثم ذكر "علي بن الحسين الرصافي" (¬3) وقال: "قال الدارقطني لا يوصف ما أدخل على الشيوخ ثم عمل محضرًا عليه بأحاديث أدخلها على دعلج". فقال ابن حجر في "اللسان" (¬4): هذه صفة علي بن [الحسن] (¬5) بن كرنيب وقد مرّ. وحجته في ذلك أن القصة متفقة والاسم متفق، واسم الأب متقارب فإن اسم "الحسن" و"الحسين" يكثر تحرف أحدهما إلى الآخر، وليس في "تاريخ بغداد" إلا رجل واحد، والمخرم والرصافة محلتان ببغداد وقد يكون مسكن الرجل بينهما فينسب إلى هذه وإلى هذه, وابن حجر مطلع على مآخذ الذهبي ولم يقف في شيء منها إلّا على رجل واحد. وهذه الأمور إن لم تكف للجزم بأنه رجل واحد، فلا ريب أنها تكفي للتوقف عن الجزم بأنهما اثنان. ¬

_ (¬1) من تاريخ الخطيب، ويدل عليه ما سيأتي قريبًا، وفي "التنكيل": "الحسين" وأظنه خطأ من الطبع، والله تعالى أعلم. (¬2) (3/ 120) في علي بن الحسن. (¬3) (3/ 124). (¬4) انظر (4/ 214 , 223). (¬5) من "اللسان" وهو الصواب، وجاء في "التنكيل": "الحسي" وهو خطأ.

[265] دينار أبو سعيد مولى الرباب الملقب "عقيصا"

وهبْ أنهما اثنان أو عشرة، فإن ذلك لا يضر دعلجًا وروايته، ما لم يثبت أن ذلك كان على وجه يوجب القدح فيه، وذلك مدفوع بأن المخبر بذلك وكاتب المحضر أو المحضرين أو المحاضر كما يتمناه الأستاذ هو الإمام أبو الحسن الدارقطني وهو الذي كان الناظر في أمور دعلج والمصنف له كتبه،. وهو الذي وثقه أثبت توثيق كما سلف، وفي ذلك ما يقطع نزل من يخضع للحق، فأما المعاند فلا يقطعه إلا أن تشهد عليه أعضاؤه. اهـ. [265] دينار أبو سعيد مولى الرباب الملقب "عقيصا": "الفوائد" (ص 401): "شيعي غالٍ تالف" (¬1). [266] دينار بن عبد الله أبو مكيس الحبشي، عن أنس (¬2): "الفوائد" (ص 74): "أحد الدجالين الذين ادعوا بعد مدة طويلة من وفاة أنس أنهم سمعوا منه". * * * ¬

_ (¬1) قال ابن معين: ليس بشيء، شَرٌ من رشيد الهجري، وحبة العرني، وأصبغ بن نباتة. وقال البخاري: يتكلمون فيه. وقال الدارقطني: متروك الحديث. وقال النسائي: ليس بالقوي "ضعفاؤه". وفي موضع آخر: ليس بثقة "الكامل" وكذا قال الجوزجاني. وقال أبو حاتم: هو ليِّن، وهو أحب إليّ من أصبغ بن نباتة. وذكره ابن حبان في "الثقات" في موضعين! وأخرج له الحاكم في "المستدرك" وقال: ثقة مأمون! وهذا عجيب جدًّا، ولم يتعقبه الذهبي في "تلخيص المستدرك"، قاله ابن حجر في "اللسان". وانظر: "تاريخ الدوري" (3/ 354)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (3/ 247)، و"الجرح والتعديل" (3/ 430)، و"الثقات" (4/ 219)، (5/ 286)، و"الكامل" (3/ 109) و"الضعفاء والمتروكين" للنسائي (180)، وللدارقطني (211)، و"الميزان" (2/ 30)، و"اللسان" (2/ 433) وغيرها. (¬2) له ترجمة في "تاريخ بغداد" (8/ 381) و"الكامل" لابن عديّ (3/ 109)، و"المجروحين" (1/ 295)، و"الميزان" (2/ 30)، و"اللسان" (2/ 434) وغيرها.

حرف الذال

حرف الذال [267] ذو النون المصري الزاهد الواعظ (¬1): "الفوائد" (ص 80): "ليس بشيء في الرواية". [268] ذوّاد بن عُلْبة الحارثي أبو المنذر الكوفي (¬2): "التنكيل" (1/ 189): "ضعيف". * * * ¬

_ (¬1) له ترجمة في "تاريخ بغداد" (8/ 393)، و"حلية الأولياء" (9/ 331)، و"تاريخ دمشق" (6/ 147 - الظاهرية)، و"ميزان الاعتدال" (2/ 33)، و"سير النبلاء" (11/ 532)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (25)، و"لسان الميزان" (3/ 437) وغيرها. (¬2) "تهذيب الكمال" (8/ 519) وغيره. وجاء في طبعة المعارف بالرياض (1/ 182): "ذواد بن عُلَيَّة" مضبوطًا بالحركات وفي طبعة دار الكتب السلفية بالقاهرة (1/ 189): "داود بن علية"، وكلاهما خطأ، والصواب ما أثبتناه، كما في "الإكمال" لابن ماكلولا (6/ 254) وتقدمة "الجرح والتعديل" (ص 321) وكلاهما بتحقيق الشيخ للمعلمي.

حرف الراء

حرف الراء [269] الربيع بن أنس بن زياد البصري ثم الخراساني المروزي: وعنه: أبو جعفر الرازي، وشك في الإسناد. "الأنوار الكاشفة" (ص 119): "فيهما كلام (¬1)، وقال ابن حبان في الربيع: "الناس يتقون من حديثه ما كان من رواية أبي جعفر عنه؛ لأن في أحاديثه عنه اضطرابًا كثيرًا". [270] الربيع بن سليمان المرادي مولاهم، أبو محمد المصري المؤذن، صاحب الشافعي: "التنكيل" ترجمة رقم (91): "في ترجمته من "التهذيب" (¬2): "قال أبو الحسين الرازي الحافظ والد تمام: أخبرنا علي بن محمد بن أبي حسان الزيادي بحمص، سمعت أبا يزيد القراطيسي يوسف بن يزيد يقول: سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت، وإنما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موت البويطي. قال أبو الحسين: وهذا لا يقبل من أبي يزيد، بل البويطي كان يقول: الربيع أثبت ¬

_ (¬1) قال أبو حاتم: صدوق، وهو أحبُّ إليَّ في أبي العالية من أبي خلدة. وقال النسائي: ليس به بأس. ونقل مغلطاي وابن حجر أن معاوية بن صالح روى عن يحيى بن معين قال: كان يتشيع فيفرط. قلت: لم يذكره أصحاب كتب الشيعة. وانظر: "التاريخ الكبير" (3/ 271)، و"الجرح" (3/ 454)، و"الثقات" (4/ 228)، (6/ 300)، و"تهذيب الكمال" (9/ 60)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 238)، وغيرها. (¬2) يعني لابن حجر (3/ 213).

[271] الربيع بن سهل بن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري

مني (¬1). وقد سمع أبو زرعة الرازي كتب الشافعي كلها من الربيع قبل موت البويطى بأربع سنين". وقول القراطيسي: ليس بالثبت إنما مفاده نفْيُ أن يكون غايةً في الثبت، ويفهم من ذلك أنه ثبت في الجملة كما شرحته في ترجمة الحسن بن الصباح. ويوضح ذلك هنا ما بعده، وحاصله أنه لم يكن للربيع في بعض مسموعاته من الشافعي أصول خاصة محفوظة عنده، لأنه إنما أخذ أكثر الكتب من ورثة البويطي. وهذا تشدد من أبي يزيد في غير محله، فقد يكون للربيع أصول خاصة محفوظة عنده، ولا يمنعه ذلك من أخذ غيرها من ورثة البويطي ليحفظها، وعلى فرض أنه لم يكن له ببعض الكتب أصول خاصة, وإنما كان سماعه لها في كتب البويطي وأن البويطي كان يخرجها لمن يريد سماعها من الربيع ليحفظها كأبي زرعة، فسماع الربيع لها ثابت، وقد عرف الكتب وأتقنها، فإذا وثق بأنها لم تزل محفوظة في بيت البويطي حتى الحفظ حتى أخذها فأيّ شيء في ذلك؟ وقد قال الخليلي في الربيع: "ثقة متفق عليه، والمزني مع جلالته، استعان على ما فاته عن الشافعي بكتاب الربيع". ووثقه آخرون واعتمد الأئمة عليه في كتب الشافعي وغيرها. .. وكان عُمْرُ القراطيسي حين مات الشافعي ثماني عشرة سنة، ولم يأخذ عن الشافعي، وإنما رآه رؤية, فلا خبرة له بما سمعه الربيع، وإنما بنى على الحدس كما سلف. اهـ. [271] الربيع بن سهل بن الركين بن الربيع بن عميلة الفزاري: "الفوائد" (ص 400): "منكر الحديث، ليس بشيء". وانظر حاشية "الجرح والتعديل" (3/ 460). ¬

_ (¬1) كذا في "التنكيل"، وفي "التهذيب": أثبت في الشافعي منّي.

[272] رجاء بن السندي النيسابوري أبو محمد الإسفراييني

[272] رجاء بن السندي النيسابوري أبو محمد الإسفراييني: قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" رقم (92) جوابًا عن سبب عدم إخراج أصحاب الأصول الستة عن رجاء، قال: "توفي رجاء سنة (231) فلم يدركه الترمذي، والنسائي، وابن ماجة، وأدركوا من أقرانه ومن هو أكبر منه من هو مثله أو أعلى إسنادًا منه، فلم يحتاجوا إلى الرواية عن رجل عنه لإيثارهم العلوّ. وأدركه أبو داود في الجملة؛ لأنه مات وسن أبي داود نحو تسع عشرة سنة، ولكن في بلد غير بلده، فالظاهر أنه لم يلقه. فأما مسلم فإنه كان له حين مات رجاء نحو ست عشرة سنة وهو بلديّه ويمكن أن يكون سمع منه وهو صغير، فلم ير مسلم ذلك سماعًا لائقًا بأن يعتمده في "الصحيح" ويمكن أن يكون مسلم تشاغل أول عمره بالسماع ممن هو أسن من رجاء وأعلى إسنادًا ففاته رجاء. وأما البخاري فقد ذكر في "الكمال" (¬1) أنه روى عنه لكن قال المزي: "لم أجد له ذكرًا في الصحيح" (¬2) فقد لا يكون البخاري لقيه، وقد يكون لقيه مرّة فلم يسمع منه إلا شيئًا عن شيوخه الذين أدرك البخاري أقرانهم فلم يحتج إلى النزول بالرواية عن رجاء (¬3). ¬

_ (¬1) يعني: "الكمال في أسماء الرجال" للمقدسي. (¬2) هكذا هو في "تهذيب ابن حجر" (3/ 231) مختصرًا من كلام المزي، وتمامه: ولا ذكره أحد من المصنفين في رجاله، وإنما قال الحاكم في "تاريخ نيسابور": روى عنه البخاري، ولم يقل في "الصحيح"، فلعله روى عنه خارج الصحيح". هكذا قاله المزي في حاشية نسخته من "تهذيب الكمال" كما نقله عنه محقق "تهذيب الكمال" (9/ 164). (¬3) اعتمد المعلمي فيه على نقل الحافظ ابن حجر -وهو مختصر كما قدمنا- وكلام الحاكم يدل على أن البخاري لقي رجاء وروى عنه, لكن ربما سمع منه ما سمعه من غيره بسند أعلى فلم يحتج إلى إيراده في "الصحيح" وإن لم ير بأسًا بالرواية عنه في غيره. والله تعالى أعلم. =

[273] رزين بن معاوية بن عمار أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي

فتحصل من هذا أنهم لم يخرجوا عنه إيثارًا للعلو من غير طريقه، على النزول من طريقه، وراجع ترجمة إبراهيم بن شماس. هذا وقد روى عنه الإمام أحمد وهو لا يروي إلا عن ثقة كما يأتي في ترجمة محمد بن أعين، وروى عنه أيضًا إبراهيم بن موسى وأبو حاتم وقال: "صدوق". وقال الحاكم: "ركن من أركان الحديث". اهـ [273] رزين بن معاوية بن عمّار أبو الحسن العبْدريّ الأندلسي السّرقُسْطِيّ: قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 49): "ولقد أدخل -يعني رزين- في كتابه الذي جمع فيه بي دواوين الإسلام بلايا وموضوعات لا تعرف، ولا يُدرى من أين جاء بها، وذلك خيانة للمسلمين، وقد أخطأ ابن الأثير خطًا بينًا بذكر ما زاده رزين في "جامع الأصول"، ولم ينبه على عدم صحته في نفسه إلا نادرًا، كقوله بعد ذكر هذه الصلاة -يعني صلاة الرغائب- ما لفظه: هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين، ولم أجده في واحد من الكتب الستة، والحديث مطعون فيه". علّق الشيخ المعلمي هاهنا بقوله: "رزين معروف وكتابه مشهور، ولم أقف عليه ولا على طريقته وشرطِه فيه، غير أنه سماه فيما ذكر صاحب "كشف الظنون" (¬1): تجريد الصحاح الستة "هي: الموطأ، والصحيحان، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي". ¬

_ = وقد قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (23): "من كبار أصحاب الحديث، لكنه مات قبل أن ينتشر ذِكْرُه". وهو مترجم أيضًا في "الجرح" (3/ 503)، و"الثقات" (8/ 247) وغيرها. (¬1) (1/ 345).

ويظهر من "خطبة جامع الأصول" (¬1) لابن الأثير: أن رزينًا لم يلتزم نسبة الأحاديث إلى تلك الكتب، بل يسوق الحديث الذي هو فيها كلها والحديث الذي في واحد منها كجامع الترمذي مُغْفِلًا النسبة في كل منها، فعلى هذا لا يستفاد من كتابه في الحديث، إلا أنه في تلك الكتب أو بعضها، ومع ذلك زاد أحاديث ليست فيها ولا في واحد منها. فإذا كان الواقع هكذا ومع ذلك لم ينبه في خطبة كتابه أو خاتمته على هذه الزيادات، فقد أساء، ومع ذلك فالخطب سهل؛ فإن أحاديث غير الصحيحين من تلك الكتب ليست كلها صحاحًا، فصنيع رزين - وإن أوهم في تلك الزيادات أنها في بعض تلك الكتب، فلم يوهم أنه صحيح ولا حسن، وأحسب الأحاديث التي زادها كانت وقعت له بأسانيده؛ فإنها أحاديث معروفة في الجملة، ومنها: حديث صلاة الرغائب، فإنه مختصر الخبر المتقدم (¬2)، والخبر المتقدم حدث به علي بن عبد الله ابن جهضم المتوفي سنة (414) وكان ابن جهضم شيخًا لحرم مكة، وإمامًا به، وجاء بعده رزين، فإن وفاته سنة (535) وكان بمكة، فالظاهر أنه وقع له الحديث بسنده إلى ابن جهضم، ولم يكن رزين من أهل النقد فلم يعرف حال الحديث. ورزين لم يُذْكرْ في "الميزان"، ولا فيما استدرك عليه، وذكره الذهبي عند ذكر المتوفن سنة (535) في "تذكرة الحفاظ" (¬3)، وذلك في ترجمة إسماعيل التيمي قال: "والمحدث أبو الحسن رزين .. مؤلف جامع الصحاح، جاور بمكة وسمع عن الطبري وابن أبي ذر". ¬

_ (¬1) (1/ 48). (¬2) خبر: رجب شهر الله، وشعبان شهرى، ورمضان شهر أمتي .. (¬3) (4/ 1281).

[274] رشدين بن سعد بن مفلح أبو الحجاج المصري

وذكره الفاسي في "العقد الثمين" (¬1) فقال: "إمام المالكية بالحرم" ونقل عن السلفي أنه ذكر رزينًا فقال: "شيخ عالم لكنه نازل الإسناد" وذكر أنه توفى سنة (525) وله ترجمة في "الديباج المذهب" (ص 188) (¬2) وذكر الفاسي وصاحب "الديباج" أن كتابه "جمع فيه بين الصحاح الخمسة والموطأ" وفي "الديباج": توفى بمكة سنة خمس وعشرين، وقيل: خمس وثلاثين وخمسمائة" (¬3). - رسول نفسه: انظر: أحمد بن الحسين بن القاسم بن سمرة. [274] رشدين بن سعد بن مفلح أبو الحجاج المصري: "الفوائد" (ص 172): "ضعيف جدًّا؛ لشدة غفلته". وفي (ص 411): "ضعيف جدًّا، ليس بشيء". وفي (ص 458): "واهٍ جدًّا". ¬

_ (¬1) (4/ 398). (¬2) (1/ 366) طبعة دار التراث. (¬3) وله ترجمة أيضًا في: "الصلة" لابن بشكوال (1/ 186)، و"بغية الملتمس" للضبي (ص 293)، و"سير النبلاء" (20/ 204)، و"العبر" (2/ 447)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (40)، و"مرآة الجنان" (3/ 263)، و"النجوم الزاهرة" (5/ 267)، و"شذرات الذهب" (4/ 106)، و"روضات الجنات" للموسوي (3 / رقم (303)، و"الرسالة المستطرفة" (130)، و"شجرة النور الزكية" (1/ 133)، و"تاريخ الأدب العربي" (6/ 266)، و"هدية العارفين" (1/ 367)، و"معجم المؤلفين" (4/ 155). وقال الذهبي في "التاريخ": " ... الحافظ، جاور بمكة دهرًا، وسمع بها "البخاري" من عيسى بن أبي ذر الهروي، و"مسلمًا" من الحسين الطبري. وله مصنف مشهور، جمع فيه الكتب الستة، .. وله فيه زيادات واهية". اهـ. وقال في "السير": "أدخل كتابه زياداتٍ واهية لو تنزه عنها لأجاد". قلت: له كتاب آخر في "أخبار مكة"، ذكره السلفي، لكن قال الفاسي: قد رأيته، وهو ملخص من كتاب الأزرقي.

[275] رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم الدمشقي

[275] رفدة بن قضاعة الغساني مولاهم الدمشقي: "الفوائد" (ص 449): "واهٍ". [276] رقبة بن مصقلة العبدي أبو عبد الله الكوفي: في "التنكيل" ترجمة رقم (93) تعقيبًا على قول الكوثري: "ليس من رجال الجرح والتعديل" قال الشيخ المعلمي: "رقبة روى عن أنس فيما قيل، وعن أبي إسحاق، وعطاء، ونافع، وعبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني، وطلحة بن مصرف، وغيرهم، وعنه جرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة، وابن عيينة، وغيرهم. قال الإمام أحمد: "شيخ ثقة من الثقات مأمون"، وقال ابن معين، والعجلي، والنسائي: "ثقة" واحتج به الشيخان في "الصحيحين" وغيرهما، ومثله لو جرح أو عدّل لقُبِل منه". (¬1). [277] رواد بن الجراح الشامي أبو عصام العسقلاني: "الفوائد" (ص 78): "تالف". وفي (ص 134): "اختلط وخلط، وروى الموضوعات عن الأثبات". * * * ¬

_ (¬1) انظر هذه القضية بشيء من التفصيل في "مسائل في الجرح والتعديل" من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب.

حرف الزاي

حرف الزاي [278] الزبير بن سعيد بن سليمان بن سعيد بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب أبو القاسم الهاشمي المدني نزيل المدائن: قال الشوكاني في "الفوائد" (ص 122) قال ابن أبي عمر في مسنده: حدثنا بشر -هو ابن السريّ- حدثنا الزبير بن سعيد الهاشمي، حدثني ابن عمٍّ لي من بني هاشم: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "عليكم بالسراري فإنهن مباركات الأرحام". قال ابن حجر في "المطالب العالية": "هذا مرسل، لا بأس بإسناده". وقد أخرج هذا المرسل: أبو داود في مراسيله، لكنه لا يتم ما قاله ابن حجر: إنه لا بأس بإسناده؛ فإن في إسناده المجهول المذكور وذلك أعظم بأس. انتهى كلام الشوكاني على هذا الطريق. قال الشيخ المعلمي: "الزبير ضعيف وشيخه مجهول، ومع ذلك أرسله". اهـ [279] زحمويه بن أيوب البغدادي: عن يزيد بن هارون وعنه حسين بن حميد العتكي (¬1). "الفوائد" (ص 386): "مجهول فيما أرى". ¬

_ (¬1) "اللآلىء" (1/ 387) عن ابن النجار. والراوي عن زحمويه, وهو حسين هذا سبقت ترجمته هنا، وهو متكلم فيه، هذا أولًا. أما ثانيًا: فإن زحمويه منسوب في الإسناد بغداديًا، ولم يترجم له في "تاريخ بغداد" ولا رأيته في فهارس ذيوله، ومن المستبعد أن يغيب هذا الرجل عن الخطيب ومن بعده فلا يترجمون له، فإما أنه مُدَلَّس، أو مغمور في الجهالة لا يعرف وفي جميع الأحوال فلا تقوم لهذا الإسناد قائمة، والله تعالى أعلم.

[280] زكريا بن دويد بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي أبو أحمد

[280] زكريا بن دويد بن محمد بن الأشعث بن قيس الكندي أبو أحمد: ثنا حميد الطويل عن أنس. "الفوائد" (ص 79): "دجّال كان يدور بالشام بعد سنة (260)، ويحدث عن القدماء، له ترجمة في "الميزان" و"اللسان"، و [له] (¬1) في "اللآلىء" حديثان عن حميد عن أنس، الأول فيها (1/ 159) (¬2) في فضل الشيخين، والثاني فيها (2/ 19) (¬3) في فضل المداومة على صلاة الضحى، وله في "الذيل" (ص 73) حديث عن سفيان الثوري عن حميد عن شقيق عن ابن عباس في فضل معاوية". اهـ. [281] زكريا بن منظور القرظي أبو يحيى المدني القاضي: "الفوائد" (ص 503): "ضعيف". [282] زكريا بن يحيى بن الحارث (¬4): "الفوائد" (ص 235): "معروف بالضعف الشديد". [283] زكريا بن يحيى المصري أبو يحيى الوقار: "الفوائد" (ص 336): قال السيوطي: ذكره ابن حبان في "الثقات". قال المعلمي: "ولكنه قال: "يخطىء ويخالف" وقال صالح بن محمد الحافظ: "حدثنا زكريا بن يحيى الوقار وكان من الكذابين الكبار" وذكر ابن عدي أنهم كانوا يثنون عليه في العبادة ويتهمونه بوضع الحديث". ¬

_ (¬1) زيادة مني كأنها سقطت من الطبع. (¬2) (1/ 306 - 307) من طبعة المكتبة الحسينية. (¬3) (2/ 35) كذلك. (¬4) وقعت نسبته في كلام المعلمي: "الغساني" ونبه على أن في نسخته من "الميزان" (2/ 79) و"اللسان" (2/ 489) تحريفًا، ووقع في المطبوع منهما: "النسائي" وهو موافق لما وقع في كلام الشوكاني. لكن في "تاريخ بغداد" (3/ 222)، و"ذكر أخبار أصبهان" (2/ 289): "الكسائي" ووقع في موضع آخر من "اللسان" (3/ 259): "السوائي"، فالله أعلم.

[284] زكريا بن يحيى الساجي أبو يحيى البصري الحافظ الثقة المتفق عليه

[284] زكريا بن يحيى الساجي أبو يحيى البصري الحافظ الثقة المتفق عليه: "التنكيل" ترجمة رقم (94)، قال ابن القطان: مختلف فيه في الحديث، وثّقهُ قوم وضعفه آخرون. وقال أبو بكر الرازي: "لم يكن مأمونًا". قال الشيخ المعلمي: "أما كلمة ابن القطان فلم يبين من هم الذين ضعفوه, وما هو التضعيف، وما وجهه، ومثل هذا النقل المرسل على عواهنه لا يلتفت إليه أمام التوثيق المحقق، وأخشى أن يكون اشتبه على ابن القطان بغيره ممن يقال له: "زكريا ابن يحيى" وهم جماعة. وابن القطان ربما يأخذ من الصحف فيصحف، فقد وقع له في موضع تصحيف في ثلاثة أسماء متوالية، راجع لسان "الميزان" (ج 2 ص 201 - 202). وقد قال ابن حجر في "اللسان" (¬1) متعقبًا كلمة ابن القطان: "ولا يغتر أحد بقول ابن القطان، قد جازف بهذه المقالة، وما ضعف زكريا الساجي هذا أحدٌ قط .. وذكره ابن أبي حاتم فقال: كان ثقة يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف الفقهاء وأحكام القرآن .. ". وأما أبو بكر الرازي، فليس ممن يذكر في هذا الشأن حتى يتتبع كلامه". [285] زكريا بن يحيى الخزاز الرقاشي: ثنا إسماعيل بن عباد عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس. "الفوائد" (ص 135): "فيه نظر، روى بهذا الإسناد نسخة بين مقلوب وموضوع" (¬2). اهـ. ¬

_ (¬1) (2/ 488) (¬2) ترجم ابن حبان لاسماعيل بن عباد في "المجروحين" (1/ 123)، وأورد له مناكير وبلايا، ثم قال: "أخبرنا الحسن بن سفيان بهذه الأحاديث كلها ثنا زكريا بن يحيى الرقاشي المقري، قال: ثنا إسماعيل ابن عباد ثنا سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك في نسخة كتبناها عنه لا تخلو من المقلوب أو الموضوع". اهـ. =

[286] زكريا بن يحيى الكسائي الكوفي

وقال (ص 400): "ضعيف". [286] زكريا بن يحيى الكسائي الكوفي: "الفوائد" (ص 365): "شيعي متروك يكذب". - زهدم بن الحارث الغفاري. عن العرس بن عميرة وعنه ابنه يحيى بن زهدم. انظر ترجمة: أحمد بن علي بن الأفطح. [287] زهير بن عباد بن مليح بن زهير الرؤاسي الكوفي أبو محمد: "الفوائد" (ص 163): "فيه كلام" (¬1). وفي (ص 388) من "الفوائد" حديث: "أنا وفاطمة وعلي في حظيرة القدس، في قبة بيضاء سقفها عرش الرحمن". قال الشوكاني: هو موضوع وقد رواه الطبراني. ¬

_ = وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 254): "زكريا بن يحيى بن عبد الله بن أبي سعيد الرقاشي الحزَّار -كذا بحاء مهملة ثم زاي معجمة ثم راء- المقرىء، أبو عبد الله، يروي عن سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ومعاذ بن معاذ والعراقين، حدثنا عنه أبو يعلى بالموصل وغيره من شيوخنا، يغرب ويخطىء".اهـ. وترجمه الحسيني في "الإكمال" (ص 151)، وابن حجر في "تعجيل المنفعة" (1/ 551) وفيهما: الحزَّار أيضًا كما في "الثقات" ولم أر من قيل فيه هذا سوى فائد بن كيسان، فالله أعلم. وجاءت نسبته "الخزاز" بمعجمات في "ضعفاء العقيلي" (1/ 85)، و"ضعفاء ابن عدي" (1/ 312)، والموضع الأول من "الفوائد"، ولم أره في شيء من كتب المشتبه, إلا أن في هامش أصل كتاب "الإكمال" -كما نقله المعلمي في الحاشية (2/ 185): "زكريا بن يحيى الخزاز عن فضالة بن حصين، روى عنه خالد بن الحسن بن ذكوان الواسطي" فالله أعلم. (¬1) وثقه أبو حاتم الرازي، ومحمد بن عبد الله بن عمار -ورويا عنه-، وقال صالح جزرة: صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطىء ويخالف، وقال الدارقطني: مجهول. قال الحافظ في "اللسان": أظن قول الدارقطني فيه إنما عني به شيخه -يعني: أبا بكر بن شعيب- وضعفه ابن عبد البر. وانظر: "الجرح" (3/ 591)، و"تاريخ مشق" (6 / ق 454 - الظاهرية)، و"الميزان" (2/ 273)، و"اللسان" (2/ 492)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 344) عن صاحب "الكمال"، ولم يذكره المزي.

[288] زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني

قال الشيخ المعلمي: "من طريق: "زهير بن عباد ثنا وكيع عن سفيان الثوري عن أبي إسحاق عن جبار الطائي عن أبي موسى - إلخ" قال في اللآلىء: "جبار ضعيف". أقول: وأبو إسحاق يدلس، ولعلهما بريئان من الخبر والبلاء من زهير. اهـ. [288] زهير بن محمد التميمي أبو المنذر الخراساني: عنه خيران بن العلاء الشامي. "الفوائد" (ص 128) "إذا روى عنه أهل الشام جاءوا بالأباطيل؛ لأنه لم يكن يحفظ وحدثهم عن حفظه، وفي "الميزان" (¬1) ترجمته لخيران بن العلاء الشامي وفيها إشارة إلى هذا الخبر (¬2) وقال: لعل البلاء من شيخه" (¬3). اهـ. وفي "التنكيل" (2/ 169): "زهير أنكروا عليه الأحاديث التي يرويها عنه غير العراقيين". [289] زهير بن مرزوق: عن علي بن زيد بن جدعان، وعنه علي بن غراب. "الفوائد" (ص 73) "مجهول" (¬4). ¬

_ (¬1) (1/ 669). (¬2) قال الذهبي: وله خبر منكر. والخبر الوارد في "الفوائد" هو: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها، فإن ذلك يورث العمى". (¬3) يعني زهيرًا. (¬4) قال ابن معين: لا أعرفه. وقال المزي: قال البخاري: منكر الحديث مجهول. وروى له ابن ماجه وحده الحديث الوارد في "الفوائد"، وليس له غيره كما قال ابن عدي، وقال: هو معضل. انظر "تهذيب الكمال" (9/ 419)، و"الكامل" (3/ 224) وغيرهما. وحديثه في باب "المسلمون شركاء في ثلاث" من ابن ماجه رقم (2474).

[290] زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي العامري أبو محمد الكوفي

[290] زياد بن عبد الله بن الطفيل البكّائي العامري أبو محمد الكوفي: قال السيوطي: "هو ثقة، روى له الشيخان، لكن عدّ هذا من مناكيره". يعني حديث بلال في تثنية الإقامة كالأذان. قال المعلمي تعليقًا على "الفوائد" (ص 18): "زياد وثقوه في روايته لمغازي ابن إسحاق، وليس هذا منها، وفيه ضعف في غيرها، أخرج له مسلم ما ثبت من طريق غيره (¬1)، أما البخاري فعنده حديث في الجهاد (¬2) أخرجه عن عبد الأعلى، وعن زياد، كلاهما عن حميد عن أنس، وقد أخرجه في غزوة أُحد عن محمد بن طلحة عن حميد، وأخرجه مسلم عن ثابت عن أنس، وزياد في سند البخاري، قيل: إنه هذا، وتردد فيه ابن حجر (¬3) في الفتح (6/ 16) ". اهـ. [291] زيد بن أسلم القرشي العدوي أبو عبد الله المدني مولى عمر بن الخطاب: عن أنس وعنه حفص بن ميسرة. "الفوائد" (ص 483): "ربما دلّس (¬4)، وأنس -رضي الله عنه- كان بالبصرة, وبها أصحابه ¬

_ (¬1) له في مسلم ثلاثة أحاديث: الأول: في كتاب الصلاة (1 / ص 365 رقم 510) متابعةً، والثاني: في كتاب الصيام (2 / ص 759، رقم 1080/ 6)، والثالث: في كتاب الحج (2/ 933، رقم 271) وكلاهما في آخر الباب. (¬2) الفتح (6/ 21، رقم 2805) في صدر الباب ولكنه مقرون بعبد الأعلى، وهو السامي - بالمهملة. (¬3) قال: "لم أره منسوبًا في شيء من الروايات -يعني زيادًا- وزعم الكلاباذي ومن تبعه أنه ابن عبد الله البكائي -بفتح الموحدة وتشديد الكاف- وهو صاحب ابن إسحاق وراوي المغازي عنه، وليس له ذكر في البخاري سوى هذا الموضع". اهـ (¬4) أقول: زيد معروف بأنه يرسل عن بعض الصحابة, كأبي هريرة, وسعد بن أبي وقاص، وعائشة وغيرهم. أما التدليس، فقد قال الحميدي "مسنده" (1/ 81 - 82): ثنا سفيان -يعني ابن عيينة- عن زيد بن أسلم بمنى: قال عبد الله بن عمر .. ، وساق حديثًا في المصلِّي يردُّ السلامَ بالإشارة، فقال سفيان: فقلتُ لرجل: سَلْهُ، أنت سمعته من ابن عمر؟ فقال: يا أبا أسامة -يعني زيدًا-: أسمعْته من ابن عمر؟ قال: أما أنا قد كلمته وكلمني - ولم يقل: سمعته منه". اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد رَوى حديث ابن عمر هذا: الدارمي (1/ 316) عن يحيى بن حسان -وهو التنيسي البكري أبو زكريا البصري: ثقة متفق عليه صاحب حديث، والنسائي (1/ 314) "الكبرى" عن محمد بن منصور المكي -ثقة- وابن ماجه (1/ 325) عن علي بن محمد الطنافسي -ثقة- جميعًا عن ابن عيينة بدون قصة السؤال. لَكِنَّ الحميدي ثقة إمام. قال أحمد: الحميدي عندنا إمام. وقال أبو حاتم: أثبت الناس في ابن عيينة الحميدي، وهو رئيس أصحاب ابن عيينة, وهو ثقة إمام. وقال الحميدي: جالست ابن عيينة تسع عشرة سنة أو نحوها. فلا يستنكر اختصاص الحميدي بسؤال ابن عيينة هذا. وقد تابعه عليه بنحوه إسحاق بن إسماعيل الأيلي، رواه من طريقه ابن عبد البر في "التمهيد" كما سيأتي. لكن وقع عند ابن خزيمة في "صحيحه" (888) عن عبد الجبار بن العلاء, قال سفيان: "قلت لزيد: سمعت هذا من ابن عمر؟ قال: نعم". كذا، ولم يصرح عبد الجبار بسماعه من سفيان، ورواية الحميدي والأيلي أثبت. وقد نقل الحافظ ابن رجب في "الفتح الباري" (9/ 360، 361) عن ابن المديني ويعقوب بن شيبة قولهما بعدم سماع زيد لهذا الحديث من ابن عمر. وزيد قد ذكره الحافظ ابن حجر في كتابه "تعريف أهل التقديس" في المرتبة الأولى من الموصوفين بالتدليس -وهم من لم يوصف بذلك إلا نادرًا- ترجمة رقم (11) وأشار إلى هذا الأثر وفيه السؤال، ثم قال: في جواب زيد إشعار بأنه لم يسمع هذا بخصوصه من ابن عمر، مع أنه مكثر عنه فيكون دَلَّسَهُ". اهـ. ووقع في النسختين المطبوعتين من كتاب المدلسين لابن حجر: قال ابن عبيد، وهو تحريف، والصواب: قال ابن عيينة وهو سفيان كما مَرَّ. ودفع ابن التركماني في "الجوهر النقي" ظاهر جواب زيد بقوله: "يحتمل أن يريد: كلمني بهذا الحديث، ولا ينافي ذلك قول الراوي عنه: "ولم يقل سمعته" إِذْ لا يلزم من عدم قوله: "سمعته" أن لا يكون سمعه، بل قام قوله: "كلمني" مقام قوله: "سمعته". أقول: فَلِمَ حاد زيد عن التصريح بسماعه ذاك الحديث من ابن عمر؟ ومن المعروف أن الرواة يحرصون على إبراز السماع، لا سيما إذا سُئلوا عنه. وفي "التمهيد" لابن عبد البر (1/ 36) تأييدٌ لهذا؛ فقد رواه من طريق أبي يعقوب إسحاق بن إسماعيل الأيلي عن ابن عيينة, وفيه: "قال سفيان بن عيينة: فقلت لرجل: سَلْ زيد بن أسلم -وفرقْتُ أن اسأله-: هل سمعتَ هذا من ابن عمر؟ فقال له: يا أبا أسامة: أسمعتَه من ابن عمر؟ قال زيد: أما أنا فقد رأيته. =

الملازمون له المكثرون عنه، فكيف يفوتهم هذا الخبر (¬1)، ويتفرد به زيد ابن أسلم المدني؟ ثم كيف يفوت أصحاب زيد الملازمين له المكثرين عنه ويتفرد به عنه هذا الصنعاني -حفص بن ميسرة؟ مع أن هذا الخبر مرغوب فيه كما يُعلم من كثرة الروايات الواهية له". اهـ. - زيد بن الحُباب أبو الحسين العُكْلي الكوفي خرساني الأصل. انظر ترجمة "عبد الله بن الحارث بن عبد الملك المخزومي". * * * ¬

_ = قال أبو عمر: جواب زيد هذا جواب حيرة عما سئل عنه, وفيه دليل والله أعلم على أنه لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، ولو سمعه منه لأجاب بأنه سمعه ولم يجب بأنه رآه, وليست الرؤية دليلا على صحة السماع". اهـ. وفي "جامع التحصيل" (ص 178): "قال علي بن المديني: سئل سفيان بن عيينة عن زيد بن أسلم، فقال: ما سمع من ابن عمر إلا حديثين". اهـ. فكأن زيدًا لمّا لم يصرح بالسماع في هذا الحديث، شك ابن عيينة في ذلك فسأل، وهذا يدل أن زيدًا ربما أَوْهَم السماع وهو لم يسمع، وإلا لما احتاج ابن عيينة إلى السؤال، ولما نصَّ على أن زيدًا إنما سمع من ابن عمر حديثين فقط، وأن الباقي غير مسموع، وهذا تدليس. فائدة: رواية زيد عن ابن عمر في "الصحيحين"، أما البخاري فله عنده حديثان: الأول: رقم (5767) بصيغة (عن) لكنه كان قد أخرجه برقم (5146) بلفظ: (سمعت ابن عمر). الثاني: رقم (5783) من طريق مالك عن نافع وعبد الله بن دينار وزيد بن أسلم يخبرونه عن ابن عمر، فهو مقرون. وذكر الحافظ ابن حجر في "الفتح" (10/ 266) أن الإمام أحمد أخرجه من طريق معمر عن زيد بن أسلم قال: سمعت ابن عمر. وأخرج له البخاري عن أبيه عن ابن عمر في ثلاثة مواضع، أرقامها: (1805، 3687، (4901). وأما مسلم فله عنده الحديث الثاني عند البخاري، من نفس طريق مالك، وهو رقم (2085/ 42). يتبين من ذلك أن الشيخين لم يحتجَّا من روايته عن ابن عمر، إلا بما ثبت سماعه منه, أو تابعه عليه غيره والله تعالى أعلم. (¬1) هو خبر: "ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون والجذام والبرص .. ".

حرف السين

حرف السين [292] سالم بن عجلان الأفطس القرشي الأموي مولاهم أبو محمد الجزري الحراني: قال الشيخ المعلمي في آخر ترجمة طلق بن حبيب (114) من "التنكيل": "وسالم وثقه جماعة (¬1) ونسبوه إلى الإرجاء، وقال بعضهم (¬2): إنه كان داعية، وقال ابن حبان (¬3): "كان ممن يرى الإرجاء، ويقلب الأخبار، وينفرد بالمعضلات، اتُّهِم بأمر سوء فقُتِل صْبرًا". قيل: اتُّهِم بالممالأة على قتل إبراهيم الإمام (¬4). اهـ. ¬

_ (¬1) وثقه أحمد ونسبه إلى الإرجاء وقال ابن معين: صالح. وقال أبو حاتم: صدوق وكان مرجئًا، نقي الحديث. وقال النسائي: ليس به بأس. وقال الدارقطني: ثقة يجمع حديثه. وقال أبو داود: كان يصحب أبا حنيفة على الإرجاء. (¬2) هو الجوزجاني، قال: كان يخاصم في الإرجاء, داعيةً وهو متماسك. ونقل الذهبي في "الميزان" (2/ 112) عن الفسوي قوله: مرجىء معاند. وفي "المعرفة والتاريخ" (2/ 4612) قال: بغيض. (¬3) "المجروحين" (1/ 342) ولم يذكر هو ولا غيره ممن ترجموا لسالم شيئًا استنكر عليه, بَلْهَ قلب الأخبار والانفراد بالمعضلات عن الثقات. وابن حبان ربما أسرف في الجرح، فلا يقبل منه هذا إلا ببيِّنة وبرهان. قال الحافظ ابن حجر في "هدي الساري" (ص 424): "أما ما وصفه به ابن حبان من قلب الأخبار وغير ذلك فمردود بتوثيق الأئمة له، ولم يستطع ابن حبان أن يورد لى حديثًا واحدًا". اهـ. (¬4) قال أبو داود: كان إبراهيم الذي يقال له: الإمام، محبوسًا عند سالم الأفطس -يعني فمات إبراهيم في زمن مروان الحمار- فلما قدم عبد الله بن علي بن عبد الله بن عباس حَرَّان، دعا به -يعني بسالم- فضرب عنقه. =

[293] السري بن عاصم بن سهل أبو عاصم الهمداني

- سالم بن عصام: انظر: "سلْم بن عصام". [293] السري بن عاصم بن سهل أبو عاصم الهمداني: "الفوائد" (ص 266): "يسرق الحديث". [294] سعد بن طريف الإسكاف الحذاء الحنظلي الكوفي: "الفوائد" (ص 394): "رافضي متهم" (¬1). ¬

_ = أقول: سالم قد وثقه الأئمة وصدَّقوه, وسُبرت أحاديثه فوجدت نقية -كما قال أبو حاتم- ولم يُنْكر عليه شيء منها، وقد احتج به البخاري في موضع (5680، 5681)، وأخرج له في موضع آخر (2684) متابعةً. ومثل هذا لا يضره الإرجاء ولا ما ذُكر من ممالأته على قتل إبراهيم الإمام بحبسه عنده -إن صح هذا الاتهام- فالعبرة بقبول الأئمة له واحتجاجهم به, فهم أقرب إلى سالم، وأَدْرَى بحقيقة الحال، والله تعالى أعلم. وانظر في ترجمته: "العلل ومعرفة الرجال" (2/ 477، 209)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 117)، و"الجرح والتعديل" (4/ 186)، و"أحوال الرجال" للجوزجاني (ت 333)، و"سؤالات الأجرى لأبي داود" (2/ 259 - 260)، و"المعرفة والتاريخ" للفسوي (2/ 462)، و"ضعفاء العقيلي" (2/ 151)، و"المجروحين" (1/ 342)، و"تهذيب الكمال" (10/ 164)، و"ميزان الاعتدال" (2/ 112)، و"تهذيب التهذيب" (3/ 441) وغيرها. (¬1) مجمع على ضعفه, وتركه غير واحد، أما ابن معين فروى الدوري وابن الجنيد عنه: لا يحل لأحدٍ أن يروي عنه. وقال البرقاني عن الدارقطني: كذاب. وفي موضع آخر: متروك الحديث. وقال ابن حبان: كان يضع الحديث على الفور. أقول: كأن ابن حبان اعتمد في ذلك على ما رواه عبيد بن إسحاق العطار، ثنا سيف بن عمر التميمي، قال: كنت جالسًا عند سعد بن طريف الإسكاف إذْ جاء ابن له يبكي، فقال: يا بني مَا لَكَ؟ قال: ضربني المعلم: فقال: والله لأخزينهم اليوم، حدثني عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "شراركم معلموكم، أقلهم رحمةً على اليتيم وأغلظهم على المسكين". لكن الإسناد إلى سعد ساقط، عبيد بن إسحاق العطار ضعيف, وتركه بعضهم، وسيف بن عمر التميمي هالك, بل قيل: كان يضع الحديث، واتهم بالزندقة، كما سيأتي في ترجمته من هذا الكتاب. =

[295] سعد الجاري

[295] سعد الجاري: عنه عبد الله بن دينار. "الأنوار الكاشفة" (ص 114): "غير مشهور ولا موثق، ولا يُدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا". [296] سعيد بن حفص النفيلي أبو عمرو الحرّاني "في فضل رباط عسقلان": "الفوائد" (ص 431): "تغير في آخر عمره (¬1)، والمتن الذي ساقه وفي آخره ذكر عسقلان، قد رواه غيره عن عمر من قوله، بدون ذكر عسقلان، راجع "المستدرك" (4/ 473). [297] سعيد بن حيان التيمي الكوفي والد أبي حيان التيمي: عن علي قوله: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد". ¬

_ = وقال ابن عديّ: لا أدري البلاء منهما أو منه؟. وضعَّف سعدًا جدًّا. وأخشى أن يكون تكذيب الدارقطني له مبني على هذا أيضًا، فلا يثبت ما رمي سعدٌ به من الكذب أو الوضع، ويبقى التركُ ووصفُ عمرو بن عليّ الفلاس وغيره له بالإفراط في التشيع، والله تعالى أعلم. وانظر: "تاريخ الدوري" (2/ 191)، و"سؤالات ابن الجنيد" (ت 237)، و"التاريخ الكبير" للبخاري (4/ 59)، و"الضعفاء الصغير" له (ت 148)، و"ضعفاء النسائي" (ت 281)، و"الجرح" (4/ 87)، و"المجروحين" (1/ 357)، و"الكامل" لابن عدي (3/ 1186)، و"ضعفاء الدارقطني" (ت 266)، و"سؤالات البرقاني للدارقطني" (ت 190)، و"تهذيب الكمال" (10/ 271) و"ميزان الاعتدال" (2/ 122)، و"تهذيب ابن حجر" (3/ 473). (¬1) نقله مغلطاي وابن حجر عن أبي عروبة الحراني قال: كان قد كبر ولزم البيت، وتغير في آخر عمره. قلت: ولم يوثقه سوى ابن حبان بذكره في "الثقات", ومسلمة بن قاسم الأندلسي - وليس بعمدة. وانظر: "ثقات ابن حبان" (8/ 269) و"تهذيب الكمال" (10/ 390)، و"الكاشف" (1 / ت 1887)، و"إكمال مغلطاي" (3 / ق 81 أ) و"تهذيب التهذيب" (4/ 17)، وغيرها.

[298] سعيد بن راشد المازني السماك البصري

"الفوائد" (ص 22): "زعم بعضهم أنه صحيح عن علي، وليس كذلك؛ فإنه لم يتحقق إدراك سعيد بن حيان لعلي، بل الظاهر عدمه، وقد أشار إلى ذلك البخاري في ترجمة سعيد من التاريخ (2/ 1 / 423) قال أولًا: "عن علي" ثم قال "سمع شريحًا والحارث بن سويد" ومع ذلك فسعيد لا يروي عنه إلا ابنه، ولم يوثقه إلا العجلي وابن حبان، وقاعدة ابن حبان معروفة، وقد استقرأت كثيرًا من توثيق العجلي، فبان لي أنه نحو من ابن حبان" (¬1). اهـ. [298] سعيد بن راشد المازني السماك البصري: "الفوائد" (ص 293): "هالك". [299] سعيد بن سلم بن قتيبة بن مسلم أبو محمد الباهلي الأمير، بصري الأصل وسكن خراسان: قال الكوثري: "عامل أرمينية في عهد الرشيد، وقد حاق بالمسلمين ما حاق من البلايا هناك من سوء تصريف هذا العامل شؤون الحكم، وابتعاده في الحكم عن الحكمة والسداد، كما في "تاريخ ابن جرير" وغيره، وليس هو ممن يقبل له قول في مثل هذه المسائل". اهـ .. يعني: قوله لأبي يوسف: أكان أبو حنيفة مرجئًا .. فقال الشيخ المعلمي في ترجمة سعيد من "التنكيل" (96): "حُسْنُ السياسة شيء، والصدق في الرواية شيء آخر، ولسعيد ترجمة في "تاريخ بغداد" (ج 9 ص 74) وفيها " .. قال العباس بن مصعب: قدم مرو زمان المأمون .. وكان عالمًا بالحديث والعربية إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس" ولو قال الأستاذ -يعني الكوثري-: لم يُوثّقْ، لكفاهُ". اهـ .. ¬

_ (¬1) وقال ابن القطان: مجهول. وزعم الحافظ ابن حجر أنه قال ذلك من أجل أنه لم يقف على توثيق العجلي، وليس بلازم، وقال الذهبي في "الميزان": لا يكاد يعرف. وانظر: "الميزان" (3/ 132)، و"التهذيب" (4/ 19) وغيرهما.

[300] سعيد بن عامر الضبعي أبو محمد البصري

[300] سعيد بن عامر الضُّبعيُّ أبو محمد البصري: نقل الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (97) قول أبي حاتم: "كان رجلًا صالحًا، وكان في حديثه بعض الغلط (¬1) "، وأن الكوثري قد غمزه بذلك. فقال المعلمي رحمه الله: "وقد وقفتُ لسعيدٍ على خطأٍ في إسناد حديث أو حديثين (¬2) وذلك لا يضره، وإنما حدُّه أنه إذا خالف من هو أثبت منه ترجح قول الأثبت، وقد أثنى عليه الإمامان ابن مهدي والقطان. وقال ابن معين: "ثنا سعيد بن عامر الثقة المأمون" ووثقه أيضًا ابن سعد والعجلي وابن قانع حافظ الحنفية, وروى عنه الأئمة: ابن المبارك وأحمد ويحيى وإسحاق وأبو خيثمة وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي وغيرهم". اهـ. [301] سعيد بن عبد الرحمن القرشي الجمحي أبو عبد الله المدني قاضي بغداد: "التنكيل" (2/ 83): "من رجال مسلم (¬3) وفيه مقال". [302] سعيد بن أبي عروبة اليشكري مولاهم أبو النضر البصري: "الفوائد" (ص 108): "ثقة لكنه اختلط قبل موته بمدة طويلة، وهو مع ذلك كثير التدليس كما في التقريب". ¬

_ (¬1) وفي "الجرح" (4/ 49) أيضًا قول أبي حاتم: هو صدوق. (¬2) من ذلك ما رواه سعيد بن عامر، عن همام، عن قتادة، عن أنس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سَنَّ فيما سقت السماء .. " الحديث. نقل الترمذي عن البخاري "العلل الكبير" (1/ 318)، وكذا قاله أبو حاتم "علل الحديث" (622) أن الصواب: عن همام, عن قتادة، عن أبي الخليل، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- .. مرسل. ونقل الترمذي عن البخاري أيضًا وصفَ سعيد بكثرة الغلط، هذا مع احتجاجه به في "الصحيح"، راجع الحديث رقم (1062 - فتح). (¬3) "رجال مسلم" لابن منجويه (1 / رقم 534)، و"الجمع بين رجال الصحيحين" لابن القيسراني (1/ 175 - 176) وفيهما: روى عن هشام بن عروة, وعنه ابن وهب. زاد صاحب الجمع: في الصلاة.

وفي "التنكيل" (2/ 130) رواية لعبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن سعيد بن أبي عروبة عن معمر عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعًا "تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا". رواه النسائي وأبو عوانة، وقال أبو عوانة في آخره: قال سعيد: نبّلْنا معمرًا، رويْناهُ عنه وهو شاب. وسعيد كبر من معمر وقد شاركه في كثير من شيوخه، ورواه ابن المبارك عن معمر لكن لم يرفعه، أخرجه النسائي (¬1). قال الشيخ المعلمي: "قدْ عدّوا عبد الوهاب من أثبت الناس عن ابن أبي عروبة (¬2)، لكن ذكر بعضهم أنه سمع منه قبل الاختلاط وبعده (¬3)، وهذا لا يضر هنا؛ فإن قول سعيد: "نبّلنا معمرًا، رويْناهُ عنه وهو شاب" يقضي بأن سعيدًا روى هذا قديمًا، فإن معمرًا ولد سنة ست أو سبع وتسعين، وسعيد بدأ بِهِ الاختلاط أواخر سنة (143)، واشتد به قليلًا سنة (145) واستحكم سنة (148). هذا هو الجامع بين الحكايات المتصلة في ذلك، فأما المنقطعة فلا عبرة بها. فأما رواية ابن المبارك فهي عند النسائي عن سويد بن نصر عنه، وسويد مات سنة (240) وعمره (91) سنة فقد أدركه الشيخان ولكنهما لم يخرجا عنه في "الصحيح" وإنما روى له النسائي والترمذي ووثقه النسائي ومسلمة بن القاسم، وقال ابن حبان: "كان متقنًا" فالله أعلم. ¬

_ (¬1) من "فتح الباري" للحافظ ابن حجر (12/ 103). (¬2) في "تاريخ بغداد" (11/ 23): قال أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل: كان عالمًا بسعيد. وفيه (11/ 22): قال يحيى بن أبي طالب: قال أحمد بن حنبل: كان عبد الوهاب بن عطاء من أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروف وفي "طبقات ابن سعد" (7/ 333): لزم سعيد بن أبي عروبة، وعُرف بصحبته، وكتب كتبه .. ". (¬3) انظر "سؤالات المروذي" لأحمد (ص 59) و"شرح علل الترمذي" لابن رجب: (ص 565، 567، 569، 570).

وقد روى النسائي عنه عن ابن المبارك عن يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت: "يقطع في ربع دينار فصاعدًا". وأثبت الروايات عن يحيى ما رواه مالك وابن عيينة عنه، عن عمرة عن عائشة: "ما طال عليّ ولا نسيت، القطع في ربع دينار فصاعدًا". فإن لم يكن -يعني سويدًا- وهم في روايته عن ابن المبارك عن معمر فالتقصير من معمر. وقد قال الإمام أحمد: "حديث عبد الرزاق عن معمر أحبّ إليّ من حديث هؤلاء البصريين "عن معمر"؛ كان "معمر" يتعاهد كتبه وينظر فيها باليمن، وكان يحدثهم حفظًا بالبصرة". وسعيد بن أبى عروبة أقدم سماعًا، فإن لم يكن الوهم من سويد فكأن معمرًا حدث بالحديث مرّة من حفظه حيث سمع منه ابن المبارك فشك في الرفع فقصر به كما كان يقع مثل هذا لحماد بن زيد. وقد حدث به معمر قبل ذلك حيث سمع منه ابن أبي عروبة فرفعه، وحدث به باليمن حيث كان يتعاهد كتبه فرفعه. اهـ. وفي ترجمة أسباط بن محمد بن ميسرة من "الجرح والتعديل" (2/ 332) رقم (1263) قول عبد الله بن أحمد بن حنبل: "سألت أبي عن أسباط بن محمد: أحب إليك في سعيد أو الخفاف؟ فقال: أسباط أحبُّ إلي؛ لأنه سمع بالكوفة". فعلق الشيخ المعلمي بقوله: "أسباط وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف سمعا من سعيد بن أبي عروبة، وسعيد اختلط بأخرة، والخفاف كان ملازمًا له مُدّة، سمع منه قبل الاختلاط وبعده، فيظهر مما هنا أن سعيدًا قبل اختلاطه دخل الكوفة وحدّث بها، ثم لم يدخلها بعد اختلاطه, فمن هنا رجح أحمد أسباط، وهذه فائدة جليلة، فكل من كان من أصحاب سعيد إنما سمع منه بالكوفة؛ فحديثه عنه صحيح". اهـ. وفي "الفوائد" (ص 238) حديث "لا خير فيمن لا يجمع المال يصل به رحمه, ويؤدي به عن أمانته، ويستغني به عن خلق ربه".

[ز 6] سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري

قال الشوكاني: رواه ابن حبان عن أنس مرفوعًا. وفي إسناده: العلاء بن مسلمة وهو وضاع. وقد رواه البيهقي في "الشعب". قال المعلمي: "رواه العلاء عن أبي النضر هاشم بن القاسم عن مُرجّى بن رجاء عن سعيد بن أبى عروبة عن قتادة عن أنس. وأخرجه البيهقي من وجه آخر فيه بعض النظر عن أبي النضر، ثم قال: "إنما يروى هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب". ومرجّى ربما وهم، وسعيد اختلط، فلعل الخطأ من أحدهما، كان أصله قتادة عن ابن المسيب قوله، فجعل خطأ: قتادة عن أنس مرفوعًا. اهـ. [ز 6] سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري: حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 356): "ثقة". اهـ. [303] سعيد بن محمد بن سعيد الجرمي الكوفي: "الأنساب" (3/ 234) قال السمعاني: "كان من أهل الصدق، غير أنه كان غاليًا في التشيع". فقال الشيخ المعلمي في الحاشية: "كلا إن شاء الله، إنما بنى المؤلف هذا على الحكاية الآتية، ومثلها لا يكفي لمثل هذا الحكم". ثم قال السمعاني: "حكى إبراهيم بن عبد الله المخرمي، قال: "كان سعيد إذا قدم بغداد نزل على أبي، فكان أبو زرعة الرازي يجيء كل يوم ينتقي عليه ومعه نصف رغيف، وكان إذا حدّث فجرى ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- سكت، وإذا جرى ذكر علي -رضي الله عنه- قال: -صلى الله عليه وسلم-". اهـ.

[304] سعيد بن محمد البرذعي أبو طالب

فقال الشيخ المعلمي: "كلمة "وسلم" ليست في "تاريخ بغداد"، والترجمة فيه (ج 9 رقم 4666)، وفي هذه الحكاية نظر؛ فإن راوجها: إبراهيم بن عبد الله بن محمد ابن أيوب ليس بثقة". اهـ. [304] سعيد بن محمد البرذعي أبو طالب: شيخ لعبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي. في "التنكيل" (1/ 362) حكاية من طريق الحارثي هذا قال: حدثنا أبو طالب سعيد بن محمد البرذعي في مسجد أبى الحسن الكوفي ببغداد حدثني أبو جعفر .. الطحاوي .. قال الشيخ المعلمي (1/ 364): "أما هذه الحكاية فتفرد جها الحارثي وهو تالف مرمي بالوضع راجع ترجمته في "لسان الميزان" (ج 3 ص 348)، وشيخه لا يذكر إلا في هذه الحكاية, وقد ذكره صاحب "الجواهر المضيئة في تراجم الحنفية" (ص 249) بما يؤخذ من هذه الحكاية فقط. فإما أن يكون اسما اختلقه الحارثي، وإما أن يكون رجلًا مغمورًا هلك فاختلق الحارثي هذه الحكاية ونسبها إليه، فإن القصة تدل على اطلاع وتفيهق، وهذه صفة الحارثي، يمتنع أن يكون شيخه بهذه الصفة ثم لا يُذكر إلا في هذه الحكاية". [305] سعيد بن محمد الوراق الثقفي أبو الحسن الكوفي نزيل بغداد: في "الفوائد" (ص 77) حديث: "إن السخِيّ قريب من الناس، قريب من الله، قريب من الجنة، بعيد من النار، وإن البخيل بعيد من الناس .. " قال الشوكاني: رواه العقيلي عن أبي هريرة مرفوعًا، وقال: ليس لهذا الحديث أصل .. وقال ابن حبان: غريب.

[306] سعيد بن المسيب بن حزن القرشي المخزومي أبو محمد المدني

وقال البيهقي: تفرد به سعيد بن محمد الوراق (¬1) وهو ضعيف. وقال ابن معين: ليس بشيء. قال المعلمي: "والكلام فيه كثير، وغفل الحاكم فقال "ثقة" (¬2) وابن حبان فذكره في "الثقات"، وقد خلط سعيد في هذا الخبر، فروى عنه عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن الأعرج عن أبي هريرة، وروى عنه عن يحيى عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن أبيه عن عائشة، وروى عنه عن يحيى عن عروة عن عائشة كما في ترجمته من "تهذيب التهذيب". اهـ. [306] سعيد بن المسيب بن حزْن القرشي المخزومي أبو محمد المدني: "التنكيل" (2/ 146): "سعيد بن المسيب عن عمر منقطع إلا أنه جيِّد". [307] سعيد بن ميسرة البكري أبو عمران البصري: عن أنس. "الفوائد" (ص 243): "منكر الحديث، كذبه يحيى القطان". [308] سفيان بن عيينة بن أبي عمران الهلالي أبو محمد الكوفي سكن مكة: ترجم له الشيخ المعلمي في "التنكيل" (99)، ونظر فيما قيل عن اختلاطه قبل وفاته بسنة أو كثر، فقال رحمه الله: ¬

_ (¬1) قال المروذي: سئل أبو عبد الله عن سعيد بن محمد الوراق فقال: لم يكن بذاك، وقد حكوا عنه حديثًا منكرًا، قلت: إيش هو؟ قال: قال عن يحيى بن سعيد، عن عروة، عن عائشة شيء في السخاء". اهـ. "سؤالاته" (ت 208)، وهو كذلك في "تهذيب الكمال" (11/ 48) ووقع في "تاريخ بغداد" (9/ 72): وقال الأثرم: سئل أحمد .. فالله أعلم. (¬2) "المستدرك" (4/ 163) وفيه: "ثقة مأمون" فردَّهُ الذهبي بقوله: "الوراق عَدْم".

قال الذهبي في "الميزان": "روى محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي عن يحيى بن سعيد القطان قال: أشهد أن سفيان بن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين ومائة, فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء .. قلت: سمع منه فيها محمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي، ويغلب على ظني أن سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، وأما سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحد فيها؛ لأنه توفى قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر. وأنا أستبعد هذا الكلام من القطان وأعده غلطًا من ابن عمار؛ فإن القطان مات في صفر من سنة ثماني وتسعين وقت قدوم الحاج، ووقت تحديثهم عن أخبار الحجاز، فمتى تمكن يحيى بن سعيد من أن يسمع اختلاط سفيان ثم يشهد عليه بذلك والموت قد نزل به؟ فلعله بلغه ذلك في أثناء سنة سبع، مع أن يحيى متعنت جدًّا في الرجال، وسفيان فثقة مطلقًا والله أعلم". اهـ. قال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "ابن عمار من الأثبات المتقنين، وما المانع أن يكون يحيى بن سعيد سمعه من جماعة ممن حج في تلك السنة واعتمد قولهم وكانوا كثيرًا فشهد على استفاضتهم؟ وقد وجدت عن يحيى بن سعيد شيئًا يصلح أن يكون سببًا لما نقله عنه ابن عمار في حق ابن عيينة، وذلك ما أورده أبو سعيد بن السمعاني في ترجمة إسماعيل بن أبي صالح المؤذن من "ذيل تاريخ بغداد" بسند له قوي إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قلت لابن عيينة: كنت تكتب الحديث وتحدث اليوم وتزيد في إسناده أو تنقص منه؟ فقال: عليك بالسماع الأول فإني قد سئمت (¬1). وقد ذكر أبو معين الرازي في زيادة "كتاب الإيمان" لأحمد: أنّ هارون بن معروف قال له: إن ابن عيينة تغير أمره بأخرة, وإن سليمان بن حرب قال له: إن ابن عيينة أخطأ في عامة حديثه عن أيوب". ¬

_ (¬1) قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 124): "كأنه يريد سئم من مراجعة أصوله".

[309] سفيان بن وكيع بن الجراح الرؤاسي أبو محمد الكوفي

قال المعلمي: "كان ابن عيينة بمكة والقطان بالبصرة، ولم يحج القطان سنة سبع فلعله حج سنة ست، فرأى ابن عيينة قد ضعف حفظه قليلًا، فربما أخطأ في بعض مظان الخطأ من الأسانيد، وحينئذٍ سأله فأجابه كما أخبر بذلك عبد الرحمن ابن بشر، ثم كأنه بلغ القطان في أثناء سنة سبع أو أوائل سنة ثمان أن ابن عيينة أخطأ في حديثين فعد ذلك تغيرًا، وأطلق كلمة "اختلط" على عادته في التشديد. وقد كان ابن عيينة أشهر من نار على علم، فلو اختلط الاختلاط الاصطلاحي لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثير من أهل العلم وشاع وذاع، وهذا "جزء محمد بن عاصم" سمعه من ابن عيينة في سنة سبع، ولا نعلمهم انتقدوا منه حرفًا واحدًا (¬1)، فالحق أن ابن عيينة لم يختلط، ولكن كبر سنه فلم يبق حفظه على ما كان عليه، فصار ربما يخطىء في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها كحديثه عن أيوب، والذي يظهر أن ذلك خطأ هين، ولهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة ووثقوا ابن عيينة مطلقًا". اهـ. [309] سفيان بن وكيع بن الجرّاح الرؤاسي أبو محمد الكوفي: في ترجمته من "التنكيل" (100) قال الشيخ المعلمي: "في "تاريخ بغداد" (13/ 379) عنه قال: جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة فجلس إلينا فقال: سمعت أبي حمادًا يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبي حنيفة فسأله عن القرآن ¬

_ (¬1) جزء محمد بن عاصم -وهو الأصبهاني- مطبوع عن نسختين خطيتين، وهو عبارة عن أحاديث لمحمد عن شيوخٍ له، آخرهم سفيان بن عيينة, قال محمد (ص 145): "وسمعت ابن عيينة سنة سبع وتسعين ومائة وأنا مَحْرَمٌ لبعض النساء, ومن حَجَّ بعدي لم يره, مات سنة ثمان وتسعين ومائة, قال: وسمعت سفيان بن عيينة يقول: عاصم عن زِرّ يقول: أتيت صفوان بن عسَّال المرادي، فقال لي: ما جاء بكَ؟ قلت: جئت ابتغاء العلم .. الحديث. وخرَّج محقق الجزء المذكور هذا الحديث, وذكر متابعة سبعة لمحمد بن عاصم عن سفيان، وكذا متابعة عشرة لابن عيينة عن عاصم -وهو ابن أبي النجود- ولم يذكر محمد بن عاصم عن ابن عيينة سوى هذا الحديث، ولا ذكر عنه اختلاطًا ولا تغيرًا. وذكر الذهبي هذا الحديث في ترجمة ابن عيينة من "السير" (8/ 469 - 470).

فقال: مخلوق .. قال الأستاذ "يعني الكوثري" (ص 57) "من التأنيب": "كان وراقه كذابًا يُدخل في كتبه ما شاء من الأكاذيب فيرويها هو، فنبهوه على ذلك وأشاروا عليه أن يغير وراقه فلم يفعل، فسقط عن مرتبة الاحتجاج عند النقاد". أقول: حسّن الترمذيُّ بعض أحاديثه (¬1)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وقال: "كان شيخًا فاضلًا صدوقًا إلا أنه ابتلي بورّاق سوء .. (¬3) وهو من الضرب الذين لأن يخر أحدهم من السماء أحب إليهم من أن يكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (¬4) وذكر له ابن عدي خمسة أحاديث معروفة إلا أن في أسانيدها خللًا ثم قال: "إنما بلاؤه أنه كان يتلقن، يقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف فيرفعه، أو مرسل يوصله، أو يبدل رجلًا برجل" (¬5). والحكاية التي ساقها الخطيب ليست من مظنة التلقين، ولا من مظنة الإدخال في الكتب، فإذا صح أن هذا الرجل صدوق في نفسه لم يكن في الطعن فيه بقصة الورّاق ¬

_ (¬1) في تقويته بتحسين الترمذي لحديثه نظرٌ، مع ما فيه من الكلام، كما سيأتي. (¬2) ليس في "الثقات"، وإنما هو في "المجروحين" (1/ 359). (¬3) بقية كلامه: "كان يُدخل عليه الحديث, وكان يثق به فيجيب فيما يقرأ عليه, وقيل له بعد ذلك في أشياء منها فلم يرجع، فمن أجل إصراره على ما قيل له استحق الترك، وكان ابن خزيمة يروي عنه، وسمعته يقول: ثنا بعض مَنْ أمسكنا عن ذكره". وقد اختصر الحافظ ابن حجر هذا في "تهذيبه" فلم يذكره, وقد قال: قال ابن حبان. فظنه المعلمي في "الثقات" وليس كذلك، كما مضى التنبيه عليه. (¬4) بقيته: ولكنهم أفسدوه, وما كان ابن خزيمة يحدث عنه إلا بالحرف بعد الحرف. (¬5) ليس هذا فحسب, بل قال البرذعي (ص 404) "سؤالته": "قلت لأبي زرعة: سفيان بن وكيع كان يتهم بالكذب؟ قال: الكذب بس! ثم قال لي أبو زرعة: كتبتَ عنه شيئًا؟ قلت: لا. قال: استرحتَ. قال أبو زرعة: كان وراقه نقمة، كان يعمد إلى أحاديث من أحاديث الواقدي فيجيء بها إليه فيقول: قد أصبت أحاديث عن أسامة بن زيد وفلان وفلان, فاكتبها بخطك حتى تدخلها في الفوائد، فتحملها على الشيوخ الثقات، حتى قال يومًا: قد بلغت الفوائد ألفي حديث. قلت: حديث أسامة بن زيد في "الهريسة" من ذاك؟ قال: نعم. اهـ. وقد قال ابن أبي حاتم: كتب عنه أبي وأبو زرعة، وتركا الرواية عنه. "الجرح" (4/ 231).

[310] سلام بن سليمان بن سوار الثقفي مولاهم أبو العباس المدائني الضرير ابن أخي شبابة بن سوار

فائدة هنا، وأكبر ما في الحكاية قول أبي حنيفة المقالة المذكورة والأستاذ يثبت ذلك ويتبجح به. اهـ. [310] سلام بن سليمان بن سوار الثقفي مولاهم أبو العباس المدائني الضرير ابن أخي شبابة بن سوار: في "الفوائد" (ص 437) حديث: "يوم السبت: يوم مكْبرٍ وخديعة، ويوم الأحد: يوم بناء وعرس، ويوم الإثنين: يوم سفر وتجارة، ويوم الثلاثاء: يوم دم، ويوم الأربعاء: يوم نحس، ويوم الخميس: يوم دخول على السلطان وقضاء الحوائج، ويوم الجمعة: يوم خطبة ونكاح". قال الشوكاني: رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعًا .. وهو موضوع في إسناده مجاهيل وضعفاء. وقد رواه تمام في "فوائده" من حديث أبي سعيد. فقال الشيخ المعلمي تعليقًا على حديث أبي سعيد: "في سنده "سلام بن سليمان أبو العباس، ثنا فضيل بن مرزوق عن عطية". سلام منكر الحديث (¬1)، وفضيل على فضله, قال ابن حبان: "يروي عن عطية الموضوعات" وعطية (¬2) فيه ما فيه". [311] سلام بن أبي مطيع الخزاعي أبو سعيد البصري: في ترجمته من "التنكيل" (101) قال ابن حبان: "لا يجوز أن يحتج بما ينفرد به" (¬3)، ¬

_ (¬1) وذكر الذهبي هذا الحديث في منكرات سلام من "الميزان" (2/ 178). (¬2) هو العَوْفي. (¬3) صَدْرُ هذا الكلام: "كان سيء الأخذ، كثير الوهم .. " ثم روى بسنده حكاية فيها أن سلامًا وأبا جري القصاب نَامَا -عند هشام بن حسان- نومًا جيدًا يعني حال الإملاء، ثم قاما ينسخان من كتاب يزيد ابن زريع وابن علية وهارون الشامي بن أبي عيسى (المجروحين: 1/ 341). فهذا ما أراده ابن حبان بقوله: كان سيء الأخذ. لكنه لم يورد له شيئًا مما استنكره عليه.

[312] سلم بن عصام بن سالم بن المغيرة بن عبد الله بن أبي مريم أبو أمية الأصبهاني

وقال الحاكم: "منسوب إلى الغفلة وسوء الحفظ" (¬1). فقال الشيخ المعلمي رحمه الله: "هذا رجل من رجال الصحيحين، منسوب إلى العقل لا إلى الغفلة، فكأن الحاكم صحّف، قال أبو داود: "كان يقال هو أعقل أهل البصرة". وقال البزار: "كان من خيار الناس وعقلائهم" (¬2). وقال أحمد وأبو داود: "ثقة". وقال ابن عدي: "لم أر أحدًا من المتقدمين نسبه إلى الضعف، وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، وهو مع ذلك كله عندى لا بأس به". فكأن ابن حبان رأى بعض حديثه عن قتادة غريبًا فأطلق. اهـ. [312] سلْم (¬3) بن عصام بن سالم بن المغيرة بن عبد الله بن أبي مريم أبو أمية الأصبهاني: نقل المعلمي في "طليعة التنكيل" (ص 36): عن أبي الشيخ بن حيان في "طبقات الأصبهانين" قوْلهُ: "وكان شيخًا صدوقًا صاحب كتاب، وكتبنا عنه أحاديث غرائب، فمن حِسانِ ما كتبنا عنه .. " (¬4). وعن أبي نعيم في "تاريخ أصبهان" قوْلهُ: "صاحب كتاب [كثير] (¬5) الحديث والغرائب". ¬

_ (¬1) ذكره الحافظ بن حجر في "تهذيب التهذيب" (4/ 388)، ولم يذكره مغلطاي في "الإكمال" وإنما قال فيه: (4 ق 152 / أ): "خرج الحاكم حديثه في "صحيحه"، وأثنى عليه". فإن صح ما ذكره ابن حجر عنه من نسبة سلام إلى الغفلة -ولم يُصحِّف الحاكم كما ذهب المعلمي- فلعله قصد ما في تلك الحكاية التي ذكرها ابن حبان, والله تعالى أعلم. (¬2) وقال ابن عدي أيضا: "يُعدُّ من خطباء أهل البصرة وعقلائهم". (¬3) هكذا جاء في "تاريخ بغداد" (13/ 436) -ومنه نقل العلمي-، وهو كذلك في "طبقات الأصبهانيين" لأبي الشيخ (3/ 509)، و"ذكر أخبار أصبهان" (1/ 337)، و"تاريخ الإسلام" الطبقة (31) وغيرها. ووقع في "طليعة التنكيل" وكذا في ترتيبه من تراجم "التنكيل": "سالم" فهو خطأ. (¬4) تمامه: ومن غرائبه .. (¬5) سقط من "التنكيل"، وأثبتُه من كتاب أبي نعيم.

[313] سلمة بن الفضل الأبرش مولى الأنصار أبو عبد الله الأزرق الرازي قاضي الري

ثم قال المعلمي: "من كثر حديثه لابد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة, وأبو الشيخ وأبو نعيم التزما في كتابيهما النص على الغرائب، حتى قال أبو الشيخ في ترجمة الحافظ الجليل أبي مسعود أحمد بن الفرات (¬1): "وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير". والغرائب التي كانت عند [سلْم] ليست بمنكرة كما يعلم من قول أبي الشيخ: "كان شيخًا صدوقًا صاحب كتاب". وقال المعلمي في ترجمة [سلْم] من "التنكيل" رقم (95): "وصاحب الكتاب يكفيه كونُه في نفسه صدوقًا، وكون كتابه صحيحًا" (¬2). [313] سلمة بن الفضل الأبرش مولى الأنصار أبو عبد الله الأزرق الرازي قاضي الرّيّ: قال: حدثني ابن إسحاق، وعنه محمد بن حميد الرازي. "الفوائد" (ص 458) "محمد بن حميد مُتّهم، وسلمة كثير الخطأ يأتي بمناكير، وابن إسحاق مدلس ولم يصرح بالسماع (¬3) ". - سليم بن منصور بن عمار أبو الحسن عن أبيه. انظر ترجمة والده منصور. ¬

_ (¬1) "الطبقات" (2/ 257). (¬2) يعني أن ذلك يكفي عن التصريح بتوثيقه وحفظه. (¬3) قد يقال: سلمة على ضَعْفه ووَهَنِه, فقد ثَبَّتُوه في ابن إسحاق، قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين: ثقة كتبنا عنه, كان كَيِّسًا، مغازيه أتمُّ، ليس في الكتب أتم من كتابه. وقال علي بن الحسن الهسنجاني عن ابن معين: سمعت جريرًا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة بن الفضل "الجرح" (4 / ت 739). أقول: لكن هذا في المغازي خاصَّة -كما في رواية الحسين، وأمَّا حديث "الفوائد": "إن لله ديكا عنقه منطوية تحت العرش .. " فلا علاقة له بالمغازي، وعلى كل حال فالحديث لا يصح عنه لحالِ محمد بن حميد الرازي. والله تعالى أعلم.

[314] سليمان بن أرقم أبو معاذ البصري

[314] سليمان بن أرقم أبو معاذ البصري: "الفوائد" (ص 314) ذكر المعلمي خبر: "ما أنزل الله من وحْي قط على نبيّ بينه وبينه إلا بالعربية ثم يكون هو مبلغه قومه بلسانهم" وقال: "في سنده العباس أبو الفضل الأنصاري، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال ابن الجوزي: "سليمان متروك" فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له (د س ت) ولم يتهم بكذب ولا وضع، وأن له شاهدًا. أقول: سليمان ساقط، قال أبو داود، والترمذي وغيرهما: "متروك الحديث". وقال النسائي: "لا يكتب حديثه". والكلام فيه كثير، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له ليعلم أن إخراجهم له لا يدفع كونه متروكًا، والمتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولا سيما مع التفرد المريب، كتفرد سليمان هنا عن الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة، وفوق هذا، فالراوي عن سليمان وهو العباس بن الفضل الأنصاري تالف .. وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس .. والكلبي كذاب وشيخه تالف. اهـ. [315] سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر: عن بشر بن يحيى وعنه محمد بن سعيد البورقي. "التنكيل" (1/ 460): "مجهول" (¬1). ¬

_ (¬1) كأن المعلمي رحمه الله قصد بالجهالة هنا أنه لا يكاد يوجد، ومحمد بن سعيد البورقي هذا كذاب وضاع -وستأتي ترجمته- والكذاب إذا روى عمن لا يعرف، فهو كالعَدَم.

[316] سليمان بن داود الشاذكوني

[316] سليمان بن داود الشاذكوني: "التنكيل" (1/ 224): "ليس بثقة، قال البخاري: "فيه نظر" وهذه من أشدّ كلمات الجرح في اصطلاخ البخاري، وقال أبو حاتم: "متروك الحديث، وقال النسائي: "ليس بثقة" وقال صالح بن محمد الحافظ: "كان يكذب في الحديث". والكلام فيه كثير". [317] سليمان بن سلمة الخبائري أبو أيوب الحمصي: "الفوائد" (ص 71): "هالك". [318] سليمان بن شعيب بن الليث بن سعد المصري: "الفوائد" (ص 386): "هالك" (¬1). [319] سليمان بن عبد الحميد البهراني أبو أيوب الحمصي: في ترجمته من "التنكيل" (105) قال الشيخ المعلمي: "قال الأستاذ -يعني الكوثري-: "مختلف فيه، يقول النسائي عنه: كذاب ليس بثقة" (¬2). أقول: قد أحسن الأستاذ بقوله "مختلف فيه" فإن سليمان هذا وثقه مسلمة وقال ابن أبي حاتم: "هو صديق أبي كتب عنه، وسمعت منه بحمص وهو صدوق" وروى عنه أبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده كما مرّ في ترجمة أحمد بن سعد بن أبى مريم. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان ممن يحفظ الحديث ويتنصب". والنسائي -رحمه الله- نُسب إلي طرف من التشيع، وهو ضدّ التنصّب، فلعلّه سمع سليمان يحكي بعض الكلمات الباطلة التي كان يتناقلها أهل الشام في تلك البدعة التي كانت رائجة عندهم وهي النصب. ¬

_ (¬1) والحديث المذكور في "الفوائد": "أبو بكر وزيري، والقائم في أمتىِ من بعدي، وعمر حبيبي ينطق على لساني .. " قال الذهبي في ترجمة سليمان من "الميزان": "المتهم بوضعه هذا الشيخ الجاهل". (¬2) في "تهذيب الكمال" (12/ 23) زيادة: ولا مأمون.

[320] سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى أبو أيوب الدمشقي

وقد قال الأستاذ (ص 163): "فلا يعتد يقول من يقول: فلان يكذب ما لم يفسر وجه كذبه .. ". اهـ. [320] سليمان بن عبد الرحمن بن عيسى أبو أيوب الدمشقي: في "الفوائد" (ص 42) رواية سليمان قال: "ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جريج عن عطاء وعكرمة عن ابن عباس عن علي قال: يا رسول الله إن القرآن يتفلت من صدري قال: أعلمك كلمات ينفعك الله بهن .. ". بحديث صلاة الحفظ. أخرجه الحاكم من هذا الوجه وقال: صحيح على شرط الشيخين. ونقل الشوكاني عن "اللآلىء": "ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحسن فضلًا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة". فقال الشيخ المعلمي: "الحديث أخرجه الترمذي (¬1) عن أحمد بن الحسن بن جنيدب الحافظ عن سليمان عن الوليد. وأخرجه الحاكم من طريق عثمان الدارمي ومحمد بن إبراهيم العبدي عن سليمان عن الوليد، فهو كما قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": "فقد حدّث به سليمان قطعًا .. ". وقد قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": "هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعًا، وقد حيّرني والله جودةُ سنده". وأعله ابن الجوزي بأن الوليد يدلس التسوية. يعني فلعل ابن جريج إنما رواه عن رجل عن عطاء وعكرمة، فأسقط الوليد الرجل وجعله عن عطاء عن عكرمة، فتكون البلية من ذلك الرجل. ¬

_ (¬1) رقم (3570) وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم.

[321] سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف

وذكر الذهبي في ترجمة سليمان من "الميزان" (¬1) قول أبي حاتم: "صدوق مستقيم الحديث، ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وكان عندي لو أن رجلًا وضع له حديثًا لم يفهم وكان لا يميزه" فدافع عنه الذهبي أولًا (¬2)، ثم ذكر هذا الحديث فقال: "هو مع نظافة سنده حديث منكر جدًّا، في نفسي منه شيء والله أعلم، فلعل سليمان شُبِّه له وأُدْخِل عليه كما قال أبو حاتم: "لو أن رجلًا وضع له حديثًا لم يفهم". وفي "التهذيب": "قال يعقوب بن سفيان: كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحوّل، فإن وقع فيه شيء فمن النقل". يعني أن أصول كتبه كانت صحيحة ولكنه كان ينتقي منها أحاديث يكتبها في أجزاء، ثم يحدث عن تلك الأجزاء، فقد يقع له خطأ عند التحويل فيقع بعض الأحاديث في الجزء خطأ فيحدث به. وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك، كأنه كان في أصل سليمان خبر آخر فيه "ثنا الوليد ثنا ابن جريج" وعنده هذا الخبر بسند آخر إلى ابن جريج فانتقل نظره عند النقل من سند الخبر الأول إلى سند الثاني فتركب هذا الخبر على ذاك السند. وكأن هذا إنما اتفق له أخيرًا فلم يسمع الحفاظ الإثبات كالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم منه ذاك الجزء، ولو سمعه أحدهم لنبهه ليراجع الأصل. اهـ [321] سليمان بن عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف: "الأنوار الكاشفة" (ص 109 - 111): "مجهول، لم نجد له ترجمة". ¬

_ (¬1) (2 / ت 3487). (¬2) قال: "بلى والله، كان يميز ويدري هذا الشأن".

[322] سليمان بن عمرو بن عبد الله بن وهب أبو داود الكوفي

[322] سليمان بن عمرو بن عبد الله بن وهب أبو داود الكوفي: "حاشية الجرح" (5/ 373): "كذبوه". وانظر ترجمة بشر بن محمد بن أبان السكري. [323] سليمان بن كثير العبدي البصري أبو داود ويقال أبو محمد، أخو محمد ابن كثير: عن عمرو بن دينار. "التنكيل" (2/ 93): "متكلم فيه" (¬1). [324] سليمان بن كران (¬2) أبو داود الطفاوي البصري: "الفوائد" (ص 68): "فيه نظر" (¬3). ¬

_ (¬1) حديثه عن غير الزهري أثبت؛ فإنه سمع الزهري وهو صغير، وقد احتج البخاري بحديث له يرويه عن حصين بن عبد الرحمن (4751 - فتح)، وأخرج له مسلم عن الزهري في "المتابعات والشواهد" (ص 2778، 1311). (¬2) وقيل فيه: "كراز" بالزاي. (¬3) ذكره ابن أبي حاتم بغير جرح أو تعديل. وقال البزار وعبد الحق الإشبيلي: لا بأس به. وقال ابن الجوزي: ضعيف. وذكره العقيلي في الضعفاء وقال: الغالب على حديثه الوهم، وذكر له حديثين. وكذا ذكرهما ابن عديّ وقال إنه يعرف بهما وإن كان روى غيرهما، الأول: رواه سليمان ثنا عمر بن صهبان، نا محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه". وهو حديث "الفوائد". والثاني: قال: ثنا مبارك بن فضالة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "زُرْ غِبًّا تزدد حُبَّا". قال ابن عديّ: الحديث الأول عن عمر بن صهبان يحتمل؛ لأن عمر ضعيف، والحديث الثاني لا يحتمل عن مبارك بن فضالة؛ لأن مبارك لا بأس به. اهـ. وانظر: "الجرح" (4/ 138)، و"ضعفاء العقيلي" (2/ 138)، و"الكامل" (3/ 1038) و"الميزان" (2/ 221)، و"اللسان" (3/ 101)، و"اللآليء" (2/ 79).

[325] سليمان بن محمد بن الفضل بن جبريل أبو منصور النهرواني

[325] سليمان بن محمد بن الفضل بن جبريل أبو منصور النهرواني: "الفوائد" (ص 385): "واهٍ" (¬1). [326] سليمان بن مرقاع الجندعي: عنه محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الجدعاني، وهو متروك. "الفوائد" (ص 301): "هالك" (¬2). [327] سليمان بن مهران الأعمش أبو محمد الكوفي: ذكر المعلمي في حاشية "الفوائد" (ص 351) حديث: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها". من طريق أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد. وحديث: "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها". من طريق شريك، عن سلمة بن كهيل. ثم قال المعلمي: "أبو معاوية، والأعمش، وشريك، كلهم مدلسون متشيعون، ويزيد شريك بأنه يكثر منه الخطأ. ¬

_ (¬1) ضعفه الدارقطني، وأخرج له حديثًا باطلا، وآخر في غرائب مالك تفرد به عن أبي مصعب عن مالك عن عمرو بن مسلم عن سعيد بن المسيب عن أم سلمة مرفوعًا: من كان له ذبح فرأى هلال ذي الحجة فأراد أن يذبح، فلا يأخذ من شعره" الحديث. انظر: "الميزان" (2/ 222)، و"اللسان" (3/ 103). (¬2) قال العقيلي: منكر الحديث، ولا يتابع عليه في حديثه. ثم ذكر له حديثين من رواية الجدعاني عنه: الأول: عن مجاهد عن عائشة، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من رابط فواق ناقة حرمه الله على النار. والثاني: عن هلال عن الصلت أن أبا بكر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: سورة يس تدعى في التوراة: المعمة، قيل: يا رسول الله وما المعمة؟ قال: تعم صاحبها بخير الدنيا والآخرة .. وهو حديث "الفوائد". قال العقيلي: كلاهما منكران، ولا يتابع عليهما، ولا يعرفان إلا به. اهـ. انظر: "الضعفاء" (2/ 143) وفيه المنعمة بدلا من: المعمة وهو خطأ، والتصويب من المخطوط (ق/ 165)، و"الميزان" (2/ 222)، و"اللسان" (3/ 105).

فإن قيل: إنما ذكروا في الطبقة الثانية، من طبقات المدلسين وهي طبقة من "احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح، قلت: ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة الثانية تقبل عنعنتهم مطلقًا، كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخن انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو أن الساقط منه ثقة، أو كان ثابتًا من طريق أخرى، ونحو ذلك، كشأنهما فيمن أخرجا له ممن فيه ضعف. وقد قرر ابن حجر في "نخبته" ومقدمة "اللسان" وغيرهما: أن من نوثقه، ونقبل خبره من المبتدعة يختص ذلك بما لا يؤيد بدعته، فأما ما يؤيد بدعته، فلا يقبل منه البتة، وفي هذا بحث (¬1)، لكنه حق فيما إذا كان مع بدعته مدلسًا، ولم يصرح بالسماع. وقد أعلّ البخاري في "تاريخه الصغير" (ص 68) خبرًا رواه الأعمش، عن سالم يتعلق بالتشيع بقوله "والأعمش لا يدرى، سمع هذا من سالم أم لا، قال أبو بكر بن عياش عن الأعمش، أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينًا" (¬2). ¬

_ (¬1) انظر البحث المتعلق بحكم رواية المبتدع، في أوجه الطعن في العدالة من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب. (¬2) قال البخاري في تاريخه المطبوع باسم "الصغير" (1/ 162)، وهو في "الأوسط" (1/ 255): "وروى حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة أن معاوية لما خطب على المنبر، فقام رجل، فقال: قال ورفعه: "إذا رأيتموه على المنبر فاقتلوه". وقال آخر: اكتبوا بلى عمر، فكتبوا، فإذا عمر قد قُتل". وهذا مرسل، لم يشهد أبو نضرة تلك الأيام. وقال عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن علي بن زيد، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد رفعه. وهذا مدخول لم يثبت. ورواه مجالد، عن أبي الوَدَّاك عن أبي سعيد رفعه. وهذا واهٍ. قال أحمد: أحاديث مجالد كأنها حلم. ويروى عن معمر، عن ابن طاووس، عن أبيه عن رجل، عن عبد الله بن عمرو رفعه في قصته. وهذا منقطع لا يعتمد عليه. =

ويشتد اعتبار تدليس الأعمش في هذا الخبر خاصة؛ لأنه عن مجاهد، وفي ترجمة الأعمش من "تهذيب التهذيب" (¬1): "قال يعقوب بن شيبة في مسنده: ليس يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نحو من عشرة (¬2)، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات". وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه في أحاديث الأعمش عن مجاهد: قال أبو بكر بن عياش عنه: حدثنيه ليث "بن أبي سليم" عن مجاهد". أقول: والقتات وليث ضعيفان، ولعل الواسطة في بعض تلك الأحاديث من هو شرٌّ منهما؛ فقد سمع الأعمش من الكلبي أشياء يرويها عن أبي صالح باذام (¬3)، ثم ¬

_ = وروى الأعمش، عن سالم، عن ثوبان رفعه في قصته وسالم لم يسمع من ثوبان، والأعمش لا يُدرى سمع هذا الخبر من سالم أم لا .. وقد أدرك أصحابُ النبي -صلى الله عليه وسلم- معاوية أميرًا في زمان عمر، بأمر عمر -رضي الله عنه- وبعد ذلك عشرين سنة [وفي بعض النسخ: عشر سنين]، فلم يقم إليه أحد فيقتله. وهذا مما يدل على هذه الأحاديث أن ليس لها أصول، ولا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- خبره على هذا النحو في أحد من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، إنما يقوله أهل الضعف بعضهم في بعض". (¬1) (4/ 225) (¬2) في "تاريخ الدوري" عن ابن معين (2/ 235): "إنما سمع من مجاهد أربعة أحاديث أو خمسة". وفي "سؤالات ابن طهمان" عنه (رقم 59): "الأعمش لم يسمع من مجاهد، وكل شيء يروي عنه لم يسمع إلا ما قال "سمعت" إنما مرسلة مدلَّسة". وفي "مقدمة الجرح والتعديل" (ص 237): "قال يحيى بن سعيد -القطان-: كتبت عن الأعمش أحاديث عن مجاهد ملزقة لم يسمعها". وفي "علل الرازي" (2119) قال أبو حاتم: الأعمش قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يروي عن مجاهد مدلَّس. لكن في "جامع التحصيل" (ص 189): "قال الترمذي: قلت لمحمد -يعني البخاري-: يقولون لم يسمع الأعمش من مجاهد إلا أربعة أحاديث. فقال: ريح ليس بشيء لقد عددت له أحاديث كثيرة نحو من ثلاثين أو أقل أو أكثر يقول فيها: حدثنا مجاهد". فليحرر، وانظر التعليق الأول على ترجمة سليمان بن موسى الأشدق الآتية. (¬3) قال ابن أبي حاتم: "قال أبي: لم يسمع من أبي صالح مولى أم هانىء، هو مدلَّس عن الكلبي" (المراسيل: 82).

رواها الأعمش عن باذام تدليسًا، وسكت عن الكلبي، والكلبي كذاب، ولا سيما فيما يرويه عن أبي صالح كما مرّ في التعليق (ص 315). ويتأكد وهنُ الخبر بأن من يُثْبِتُه عن أبى معاوية يقول: إنه حدّث به قديمًا، ثم كفّ عنه، فلولا أنه علم وهنهُ لما كفّ عنه". اهـ. وقال الشيخ في "التنكيل" (2/ 309) معلقًا على رواية للأعمش عن أبي وائل عند ابن جرير في تفسيره: "الأعمش مدلس مشهور بالتدليس، وربما دلس عن الضعفاء" (¬1). ¬

_ (¬1) علق فضيلة الشيخ: محمد عبد الرزاق حمزة هنا لا هذا الموضع من "التنكيل" بقوله: "رواية الأعمش عن أبي وائل معتمدة "الصحيحين" لاختصاصه به، فلا يضره وجود شيء من التدليس لا غير روايته عن أبي وائل، ولو تنطعنا في رَدِّ رواية من رُمي بشيء من التدليس لرددنا رواية كثير من الأئمة كمالك والثوري وغيرهما، راجع رسالة الحافظ ابن حجر في "مراتب المدلسين". اهـ. ووافقه العلامة الألباني بقوله: "ما ذكر فضيلته لا رواية الأعمش عن أبي وائل وجيه". أقول: سبق توجيه الشيخ المعلمي لمعنى ذِكْر الأعمش وغيره لا الطبقة الثانية من طبقات المدلسين. لكن قد قال الذهبي في ترجمة الأعمش من "الميزان" (2/ 224). "هو مدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخٍ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال". اهـ. قلت: إبراهيم هو النخعي، وأبو وائل: شقيق بن سلمة، وأبو صالح: ذكوان. وما قاله الذهبي توافقه العادة الجارية فإنَّ مَنْ أكثر عَنْ شيخٍ حتى كاد أن يستوعب ما عنده من الحديث، فإنه ليس بحاجة بلى التدليس عنه فإن ما عنده عنه يكفيه ويُغنيه عن مثل هذا، وإنما ربما دلَّس عمن فاته أكثرُ حديثه فاحتاج إلى الرواية عنه بواسطة، ثم يُسقط تلك الواسطة ويدلس عن ذاك الشيخ؛ تكثرًا من الرواية عنه مباشرة، ولأسباب أخرى معروفة. لكن لا يخفى أن هذا أمرٌ أَغْلَبِيٌّ، والرجل إذا كان مدلِّسًا، وأكثر عن فلانٍ من الناس، ولم يقل: أنا لا أُدَلِّسُ عنه فينه لا يمتنع أيضًا أن يسمع عنه حديثًا بواسطة، فيدلسه؛ استحياءً أن يحدث عنه بواسطة مع ما عرف عنه من اختصاصه به وإكثاره عنه ولأسباب أخرى لا تقضى العادة بامتناعها. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فهذا المدلِّس وإن كان الأصل في روايته عن شيخه ذاك أنه سمع منمع فهو كمثل سائر القضايا الحديثية أنها أَغْلَبِيَّةٌ، فإذا قيل: فلان ثقة ضابط متقن، لم يخدش في هذا القولِ خطؤه في أحاديث قليلة بالنسبة إلى كثرة ما روى. وإذا قيل: فلان أثبت من فلان في شيخ معيَّن، لم يُطعن في ذلك بانعكاس القضية في بعض الأحوال إذا قامت القرائن على ذلك، وهذا أمر مستفيض ودلائله منتشرة في صنيع الأئمة. والناقد إذا استنكر خبرًا، أو وجده مباينًا لما صح واستقر بخلاف معناه نظر في إسناده مستحضرًا الأحوال التفصيلية لرواته، ويَنْفُذُ في تعليله من خلال مواطن الخلل فيه معتمدًا على القرائن المعتبرة في كل حالة. وربما أعلَّ الناقدُ الخبر بعلَّةٍ يندر وقوع مثلها، إذا ساعدت القرائن على ذلك، والنادرُ قد يُحتاج إليه، وانظر مقدمة "الفوائد المجموعة" للعلامة للمعلمي. ففيما نقلته آنفًا عن البخاري في "تاريخه الأوسط" مثال عمليّ على ذلك فإنه لما استنكر الخبر، وقال: قد أدرك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- معاوية أميرًا في زمان عمر، وبعد ذلك سنين، فلم يقم إليه أحدٌ فيقتله، واستدل بهذا على وَهَن الأخبار الواردة في ذلك، وأن ليس لها أصول، فنظر في رواية الأعمش عن سالم؛ والأعمش مدلِّس ولم يصرح بالسماع، والخبر في التشيع، فلعلَّه سمع الخبر من أحدِ المغفلين ممن ينتسبون إلى التشيع، ممن يُلَقَّنُ أو يُدْخَلُ عليه، فدلَّسَه عنه، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن رواية الأعمش عن سالم -وهو ابن أبي الجعد- محتج بها في الصحيحين، ومخرجة في سائر الكتب الستة، ولم أر من نصَّ على أن الأعمش يدلس عن سالم، كما نصوا على تدليسه عن غير واحدٍ من شيوخه لكن لم يجد البخاري -وهو الخبير الحصيف- بُدَّا منْ هذه العقة لقيام القرائن عليها، ولو لم يعلّ البخاري بها إلا هذا الخبر لما قيل له: هذا أمر نادر لا يُعَوَّل عليه؛ لأن احتمال التدليس قائم، لا يُدْفع بندرته. فكذلك كل مدلس لم يصرح بالسماع، فاحتمال تدليسه قائم، ويشتد هذا الاحتمال ويضعف بحسب القرائن المحتفة به وبمن روى عنه. فالمقصود هنا أن كلام الذهبي لا يدفع احتمال تدليس الأعمش عن هؤلاء الذين سماهم من شيوخه -وفيهم أبو وائل- وإن كان احتمالا قليلًا، لكن لا يمتنع التعلق به إذا انقدح في ذهن الناقد وبصره التعليل به؛ للقرائن المحتفة بالخبر. ومما يؤيد ما يتعلق برواية الأعمش عن مثل هؤلاء الثلاثة الذين أكثر عنهم، ما رواه ابن أبي حاتم في "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 167) من طريق أبي داود الطيالسي، قال: "نا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم: أن عليًّا كان يجعل للأخوة من الأم - يعني في المشتركة فقلت للأعمش: سمعته من إبراهيم؟ فقال برأسه أي: نعم". اهـ فلم يمنع إكثار الأعمش عن إبراهيم أن يسأل شعبة عن سماعه منه؛ احتمالًا لوقوع التدليس. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وفي "التقدمة" أيضًا (ص 72): "قال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال سفيان -يعني الثوري-: إن الأعمش لم يسمع حديث إبراهيم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الضحك في الصلاة". اهـ فقد دلسه عن إبراهيم. وانظر لزامًا: "جامع التحصيل" (ص 189 - 190). وفيها أيضًا (ص 71): "قال زائدة: كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر، ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له، فيقول: ليس هذا من حديث الأعمش، فنقول: هو حدثنا به الساعة، فيقول: اذهبوا فقولوا له إن شئتم، فنأتي الأعمش فنخبره بذلك، فيقول: صدق سفيان، ليس هذا من حديثنا". اهـ. فعلَّق العلَّامة المعلمي في حاشية "التقدمة" (ص 70) بقوله: "كان الأعمش رحمه الله كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيرا من الكبار، [أقول: كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح] ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه هو ما سمعه من الكبار، فمعنى قول سفيان "ليس هذا من حديثه" أنه ليس من حديثه عمن سَمَّاهُ وإنما سمعه من بعض من دونه فدلسه". اهـ. وهاهنا تناول المعلمي الأخبار والآثار الواردة في تفسير قول الله سبحانه: {اللَّهُ الصَّمَدُ} وذكر (2/ 299) ما في "صحيح البخاري" وغيره من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني .. وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدًا، وأنا الأحد الصمد لم ألد، ولم أولد، ولم يكن في كفؤًا أحد" وفي رواية: "وأنا الصمد الذي لم ألد .. ". ثم ذكر شاهدًا من حديث أبي العالية فيه ضعفص وقولًا لمحمد بن كعب. ثم قال: يظهر أن المراد أن الصمد يستلزم أنه لم يلد ولم يولد، وتوجيه ذلك يعلم مما يأتي: أولًا: أخرج ابن جرير من وجهين صحيحين عن مجاهد قال: "الصمد المصمت الذي لا جوف له". ثانيًا: ومن وجه صحيح عن الحسن البصري قال: "الصمد الذي لا جوف له". ثالثًا: ومن وجه صحيح عن سعيد بن جبير، سئل عن الصمد، فقال: "الذي لا جوف له". رابعًا: ومن وجه صحيح عن عكرمة أيضًا قال: "الصمد الذي لا يخرج منه شيء" زاد في رواية: "لم يلد ولم يولد". خامسًا: ومن وجه صحيح عن الشعبي قال: "الصمد الذي لا يطعم الطعام". وفي رواية "الذي لا يأكل الطعام ولا يشرب الشراب". سادسًا: ومن وجه فيه ضعف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال عبد الله: "لا أعلمه إلا قد رفعه (يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-) قال: الصمد الذي لا جوف له". سابعًا: ومن وجه فيه ضعف عن ابن عباس قال: "الصمد الذي ليس بأجوف". ثامنًا: ومن وجه ضعيف عن ابن المسيب قال: "الصمد الذي لا حشوة له". ثم قال المعلمي: هذه الأقوال كلها تعود إلى مثل قول مجاهد، واستلزام هذا المعنى لنفي الولد والوالد كما في حديث البخاري وحديث أبي العالية وقول محمد بن كعب ظاهر، وذلك أن من يكون =

وقال في "الفوائد" (ص 443): "لم يسمع من أنس". ¬

_ = كذلك لا يمكن أن يكون له ولد على الوجه المعروف في التناسل أو نحوه؛ لأن ذلك يتوقف على أن يخرج من جوف الأب شيء يتكون منه الإبن، وهكذا من كان كذلك لا يكون له أب، لأن الأب لا بد أن يكون شبيه الابن في الذات، ففرض أب للمصمت الذي لا جوف له يستلزم نفي الأبوة. وهذا المعنى مع صحته عن أكابر من التابعين، كما رأيت واضح المناسبة للسياق، ولحديثي البخاري وأبي العالية، ولتقديم "لم يلد"، فإنَّ دلالة هذا المعنى على أنه لم يلد أقرب من دلالته على أنه لم يولد كما لا يخفى". اهـ. أقول: هكذا قرَّر المعلمي هذا المعنى بمناسبته لسياق الآيات، ولما صح من الحديث، ولما صح عن أكابر التابعين. ثم قال رحمه الله: لكن أخرج ابن جرير من وجه صحيح عن الأعمش عن أبي وائل شقيق ابن سلمة قال: "الصمد: السيد الذي قد انتهى سؤدده". وقال: حدثنا علي قال: ثنا أبو صالح قال: ثنا معاوية عن علي عن ابن عباس في قوله: (الصمد) يقول: السيد الذي قد كمل سؤدده .. " قال المعلمي: والسند عن أبي وائل فيه الأعمش، وهو مدلس مشهور بالتدليس، وربما دلس عن الضعفاء والسند عن ابن عباس فيه كلام، وهو مع ذلك منقطع، على بن أبي طلحة أجمع الحفاظ كما في "الاتقان" عن الخليلي على أنه لم يسمع من ابن عباس، وقال بعضهم: إنما يروي عنه بواسطة مجاهد أو سعيد بن جبير، ولا دليل على أنه لا يروي عنه بواسطة غيرهما، والثابت عنهما خلافه كما مَرَّ". ثم ذكر المعلمي ترجيح الطبري هذا المعنى الثاني -وهو السيد الذي يصمد إليه، الذي لا أحد فوقه- لأنه هو المعروف من كلام العرب، واستشهد لذلك من شعرهم. ثم قال: وهذا المعنى وإن كان كأنه أشهر في العربية، فالمعنى الأول معروف فيها، والاشتقاق يساعد المعنيين، وفي "اللسان": قال أبو عمرو: الصمد من الرجال الذي لا يعطش ولا يجوع وأنشد .... " قال المعلمي: وكفى دلالة على صحة المعنى الأول ثبوت القول به عن أئمة التابعين، ثم هو الأوضح مناسبة للسياق، وسبب النزول، وذهب بعض الأجلَّة بلى تصحيح كلا المعنين ... ". اهـ. أقول: فأنت ترى ثبوت هذا المعنى من عدة وجوه وقد صح عن مجاهد، والحسن البصري، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والشعبي، وورد عن غيرهم من وجوه فيها ضعف. فإذا جاء خلف هذا المعنى بإسناد فيه مظنة للخلل، فأيُّ حرج على الناقد إذا أعلَّه بذلك، مستصحبًا ذاك الثبوت المستفيض، والله تعالى ولي التوفيق. فأما ما يتعلق برواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ففيها بحث آخر، انظره في ترجمة علي من هذا الكتاب.

[328] سليمان بن موسى القرشي الأموي الدمشقي الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه

[328] سليمان بن موسى القرشي الأموي الدمشقي الأشدق فقيه أهل الشام في زمانه: تعرّض الشيخ المعلمي في رسالته "عمارة القبور" (ص 195)، إلى حديث جابر -رضي الله عنه- في النهي عن تقصيص القبور، والبناء عليها، وقد رواه عن جابر اثنان: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي، وسليمان بن موسى الأموي الأشدق، فاحتاج المعلمي إلى التعرض لحالهما في الرواية، فتكلم على رواية أبي الزبير، ثم قال: "تحقيق حال سليمان بن موسى: قال البخاري: "عنده مناكير" (¬1)، وقال النسائي: "ليس بالقوي"، وقال أبو حاتم: "محله الصدق، وفي حديثه بعض الاضطراب" (¬2). ¬

_ (¬1) "تاريخه الكبير" (4 / ت 1888)، ومثله في "ضعفاء العقيلي" عنه (2/ 140)، و"الكامل" (3/ 1113). وقال في "تاريخه الأوسط" (1/ 448): "عنده أحاديث عجائب". وهذا نحو ما سبق عنه. لكن روى الترمذي عنه في "العلل الكبير" (2/ 666) أنه قال: "منكر الحديث، أنا لا أروي عنه شيئًا، روى سليمان بن موسى أحاديث عامتها مناكير". كذا نقل الترمذي، وما في التاريخين: "الكبير" و"الأوسط"، وكتاب العقيلي وابن عدي أَوْلَى كما يعرف بالاستقراى وسترى شيئًا من النظر في بعض نقولات الترمذي عن البخاري في القسم الخاص بالأئمة والمصنفن من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. (¬2) قول النسائي في "الضعفاء والمتروكون" له (ت 252)، وقال في موضع آخر: في حديثه شيء "تهذيب الكمال" (12/ 97). وقول أبي حاتم في "الجرح" (4 / ت 165) وتمام قوله: ولا أعلم أحدًا من أصحاب مكحول أفقه منه ولا أثبت منه. أقول: وفي "تهذيب التهذيب" (4/ 227): "ذكر العقيلي عن ابن المديني: كان من كبار أصحاب مكحول، وكان خولط قبل موته بيسير، وذكره ابن المديني في الطبقة الثالثة من أصحاب نافع". اهـ والذي في "ضعفاء العقيلي" (2/ 140): حدثني أحمد بن محمود الهروي، قال: حدثنا محمد بن أحمد بن مسعر، قال: سمعت علي بن المديني يقول: سليمان بن موسى مطعون عليه. اهـ. وذكره أبو زرعة الرازي في "أسامي الضعفاء" (2/ 622).

أقول: أما عبارة البخاري ففي "فتح المغيث" (ص 162): قال ابن دقيق العيد في شرح "الإلمام": "قولهم: روى مناكير، لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال فيه: منكر الحديث؛ لأن منكر الحديث وصفٌ في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة، كيف! وقد قال أحمد بن حنبل في محمد ابن إبراهيم التيمي: "يروي أحاديث منكرة" وهو ممن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث الأعمال بالنيات". [أقول: وقولهم: "عنده مناكير" ليس نصًّا في أن النكارة منه؛ فقد تكون من بعض الرواة عنه، أو بعض مشايخه. قال في "فتح المغيث" (ص 162): "قلت: وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء، قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان بن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة. قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة". وقد علمت الفرق بين قول البخاري: "عنده مناكير"، وقوله: "منكر الحديث"، مع قوله: "كل من قلت فيه: منكر الحديث، لا يحتج به". وفي لفظ: "لا تحل الرواية عنه"] (¬1). وقد سرد في "الميزان" ما له من الغرائب، وهي يسيرف وبيّن أنه توبع في بعضها، ثم قال: "كان سليمان فقيه الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تستنكر له يجوز أن يكون حفظها". ¬

_ (¬1) جاء في النسخة المطبوعة باسم: "البناء على القبور" (ص 87 - 88) بدل ما بين الحاجزين ما نصُّه: "وإنما يجرح بالمناكير إذا كان الرواة عن الرجل ثقات أثباتًا، يبعد نسبة الغلط إليهم، وكذا مشايخه، ومن قبلهم، ثم أكثر ذلك في روايته ولم يكن له من الجلالة والإمامة ما يقوي تفرده. وهم قد يطلقون هذه الكلمة إذا كانت تلك الأفراد مما رويت عنه وإن لم يتحقق أن النكارة من قِبَلهِ، ويطلقونها إذا كان عنده ثلاثة أحاديث فأكثر، انظر كتب المصطلح".

قلت: وبعض الغرائب من رواية ابن جريج عنه بالعنعنة، وابن جريج يدلس، فربما كانت النكارة من قبل شيخ لابن جريج دلس له (¬1) عن سليمان. وعلى نحو ذلك تُحمل كلمة أبي حاتم، مع أن قوله: "بعض الاضطراب"، يُشعر بقلته جدًّا، وقد قرنها بقوله: "محله الصدق". أما كلمة النسائي فتوهين خفيف غير مفسّر، وأبو حاتم والنسائي من المتعنتن في الرجال. الموثقون له: سعيد بن عبد العزيز: لو قيل لي: من أفضل الناس؟ لأخذت بيد سليمان بن موسى. ابن عديّ: تفرد بأحاديث وهو عندي ثبت صدوق (¬2). يحيى بن معين: سليمان بن موسى عن الزهري ثقة (¬3). دحيم: كان مقدّمًا على أصحاب مكحول (¬4). وفي كلمة يحيى إيهامٌ أنه في غير الزهري يخطىء، فلعله لتلك الغرائب، وقد مرّ الجواب عنها، والحاصل: أن توثيقه راجح، فهو المعتمد. ومع هذا كله فليس حديث الباب من أفراده، ولكن أردنا تحقيق حال الرجل من حيث هو. ¬

_ (¬1) كذا ولعل الصواب: دَلَّسه. (¬2) تمام قوله: سليمان بن موسى فقيه راوٍ، حدث عنه الثقات من الناس، وهو أحد علماء أهل الشام وقد روى أحاديث ينفرد بها يرويها، لا يرويها غيره، وهو عندي ثبت صدوق. "الكامل" (3/ 1119). (¬3) عن "تهذيب التهذيب" (4/ 226) وهو مختصر عما في أصله: ففي "تهذيب الكمال" (12/ 96): "قال عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معين: سليمان بن موسى ما حاله في الزهري؟ فقال: ثقة" اهـ. وقد قال الحافظ في "تهذيبه" أيضًا: "وقال يحيى بن معين ليحيى بن أكثم: سليمان بن موسى ثقة، وحديثه صحيح عندنا" اهـ وهذا توثيق مطلق، في الزهري وغيره. (¬4) ونقل الدارمي عن دحيم توثيقه، وقال غيره عنه: أوثق أصحاب مكحول: سليمان بن موسى. "تهذيب الكمال".

[البحث في سماعه من جابر] (¬1): في "تهذيب التهذيب" في ترجمته: "أرسل عن جابر .. وقال أبن معين: سليمان بن موسى عن مالك بن يخامر مرسل، وعن جابر مرسل" (¬2)، [ولم يذكر ما يخالف ذلك] (¬3). لكن رأيت في مسند الإمام أحمد (ج 3 ص 125): ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال سليمان بن موسى: أنا جابر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: أفسحوا". ثنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال: أخبرني جابر: ["أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة .. "]. فقول سليمان في [السند] الأول: "أخبرنا جابر" صريح في سماعه من جابر، لكن فيه ابن جريج (¬4). ¬

_ (¬1) العنوان من النسخة "س" وهي المطبوع عنها باسم: "البناء على القبور". (¬2) تَتِمَّةٌ: وقال الترمذي عن البخاري: سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- "العلل الكبير" (1/ 313). وقال الأحوص بن المفضل بن غسَّان عن أبيه: قال أبو مسهر: لم يدرك سليمان بن موسى كثير بن مرَّة، ولا عبد الرحمن بن غنم. قال أبي: ولم يلق سليمان بن موسى أبا سيارة، والحديث مرسل، وأبو سيارة مدني "تهذيب الكمال" (12/ 96). وقال ابن حبان في "المشاهير" (ص 179): قد قيل إنه سمع جابرًا وليس ذاك بشيء، تلك كلها أخبار مدلَّسة". أقول: لم أقف على من قال إنه سمع منه، فلعلَّ ابن حبان وقف على بعض الأسانيد التي فيها سماع، فرآها خطأ، والله أعلم. وانتظر ما يأتي ففيه زيادة بيان. (¬3) من النسخة "س". (¬4) يعني قوله: قال سليمان بن موسى، ولم يصرح بالسماع.

وأما السند الثاني فسالمٌ من التدليس، ومحمد بن بكر وابن جريج على شرط الشيخين. ويبعد كل البعد أن يكون هنا سهو من النساخ في السندين المتتابعين معًا (¬1). وقد ثبت أن سليمان ثقة، وهو أعلم بنفسه (¬2) من ابن معين وغيره، مع أننا لا نعلم مستند ابن معين، وقد أدرك من حياة جابر مدّة (¬3). وقد قال الحافظ في "إتحاف المهرة" (¬4): "سليمان بن موسى الأسدي "الأموي" عن جابر، ولم يدركه، أورد له حديثه هذا الذي في "المسند" ولم يتعرض لصيغة روايته عن جابر (¬5)، وليس عندنا نسخة خطية من "مسند أحمد" نراجعها، فمن وجد فليراجع. ¬

_ (¬1) انتظر. (¬2) لم يثبت عنه خلاف ما قاله ابن معين، وانتظر. (¬3) في "البناء على القبور": "مدة طويلة" وأظن للمعلمي قد حذف كلمة، "طويلة" بعد إعادة النظر، والله أعلم. هذا وقد توفي سليمان سنة (119)، وبالنظر في وفيات من قيل إنه أرسل عنهم نجدهم بين (70)، (83). وهُم: مالك بن يخامر السكسكي، وكثير بن مرَّة وعبد الرحمن بن غَنْم. وبين وفاة سليمان وأقل سن وفاة لهؤلاء: (49) سنة. وبالنظر في وفيات شيوخه الذين صحبهم وسمع منهم: الزهري (123)، ومكحول (113)، ونافع مولى ابن عمر (117) وقيل: (120)، وعمرو بن شعيب (118)، وطاوس بن كيسان (106). فالذي يظهر أنه مات وعمره خمسون عامًا أو جاوزها بقليل، فلم يدرك هؤلاء الصحابة أو كان صغيرًا جدًّا حين ماتوا، وكانت وفاته قريبة من سنة وفاة شيوخه بل مات قبل موت بعضهم، والله تعالى الموفق. (¬4) انظر: "أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل" للحافظ ابن حجر (2/ 22). (¬5) مقتضى صنيع الحافظ أن يكون وقع له الإسنادان وليس فيهما التصريح بالإخبار، هذا هو الظن به لأنه قال: عن جابر ولم يدركه، فإن كان في الإسنادين أو أحدهما تصريح بالإخبار، ورآه حجة، لما جزم بعدم الإدراك، أو رآه خطئًا، لكان الظاهر أن يُنَبِّهَ عليه والله تعالى أعلم. ثم إن هاهنا أمرًا مهمًا، وهو أن رواية محمد بن بكر وهو البُرساني فيها مخالفة لرواية عبد الرزاق، فقد روى عبد الرزاق عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى - ليس فيه تصريح ابن جريج بالسماع من سليمان. وروى البُرساني عن ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى. وبالنظر في الراجح المحفوظ من الروايتين، يُحتاج إلى المقارنة بين عبد الرزاق والبُرساني في ابن جريج خاصَّة، فإذا في تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 457): "قال أبو زرعة: قيل لأحمد بن حنبل: مَنْ أثبت في ابن جريج: عبد الرزاق أو محمد بن بكر البُرساني؟ قال: عبد الرزاق". اهـ. =

وقال المزي في "الأطراف" في الكلام على حديث ابن جريج الذي قال فيه: عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر. قال المزي: سليمان لم يسمع من جابر، فلعل ابن جريج رواه عن سليمان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). أقول: يردُّه ابن جريج، عن سليمان وحده، كما عند أبي داود، وقد ذكره المزي -أيضًا- والله أعلم (¬2). ¬

_ = فهذا مما يجعل رواية عبد الرزاق هي المقدَّمة، ورواية البُرساني غير محفوظة، وصار الإسناد إلى سليمان بن موسى لا يصح بسبب تدليس ابن جريج، وعليه فما ورد فيه تصريح سليمان بقوله: أخبرني جابر، غير محفوظ، فلا يعتد به. فائدة: اعلم أن صيغ الأداء في الأسانيد مما اعتنى به الأئمة، فكانوا يضعونها تحت النظر والنقد، ولابد أن يصح الطريق لقائل الصيغة أولًا حتى تثبت عنه، ثم لابد أن تتوفر فيه هو شروط قبول الرواية المعتبرة حتى يقبل منه تصريحه بالسماع من شيخية خشية أن يكون قد وهم في ذلك، وهذا من دقائق هذا العلم، ومما يُرجع فيه أولًا وأخيرًا لأئمة النقد. ولهذا أمثلة معروفة لأهل الفن، من ذلك: أن أصحاب الزهري قد اتفقوا على رواية حديث عنه عن سعيد بن المسيب، لم يصرح الزهري بسماعه فيه من ابن المسيب. وخالفهم أسامة بن زيد الليثي -وهو ضعيف- فرواه عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب. حكى عمرو بن علي الفلاس أن يحيى القطان قد ترك أسامة بسبب ذلك. انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 210). وانظر الموضع السادس من كلام المعلمي في ترجمة بقية بن الوليد من هذا الكتاب. (¬1) "تحفة الأشراف" (2/ 186 - 187) وتمام قول المزي: "سليمان لم يسمع من جابر، فلعلَّ ابن جريج رواه عن سليمان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا، وعن أبي الزبير عن جابر مرسلًا". اهـ. يعني أن ابن جريج لما جمع شيخيه، حمل إسناد أحدهما -وهو مرسل- على الآخر -وهو موصول- وهذا من أسباب التعليل عند الأئمة، وسزى زيادة في هذا عند الكلام على "الحديث المعلل" من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب. (¬2) بل رواية أبي داود كغيره: عن سليمان وأبي الزبير، وهي في السنن - كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر، الحديث الثاني في الباب، رقم (3218) وهي التي اقتصر عليها المزي في "التحفة" (2/ 186 - رقم (2273).

[329] السندي بن عبدويه الذهلي من أهل الري

هذا مع علمنا بأن ثبوت سماعه من جابر لا يفيد صحة حديث الباب، ما دامت عنعنة ابن جريج قاطعة الطريق، [وإنما جُلُّ مقصودنا من ذكر روايته أن يكون دعامةً لأبي الزبير، تأدُّبا مع كلمة الإمام الشافعي (¬1)] (¬2). [329] السندي بن عبدويه الذهلي من أهل الري: "الفوائد" (ص 347): "مجهول الحال، وذكره ابن حبان في الثقات ثم نقض ذلك بقوله "يغرب" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) قال الشافعي في أبي الزبير: يحتاج على دعامة. نقله المعلمي في "عمارة القبور" (ص 205) وقال: معنى ذلك أن فيما انفرد به نكارة. وستأتي ترجمة أبي الزبير وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي، فانظرها. (¬2) في المطبوع باسم "البناء على القبور" بدل ما بين الحاجزين عبارة أخرى، نَصُّها: "فأما تصريح سليمان بالسماع فلا ضرورة إليه، إذ قد صح سماعه من جابر، وليس بمدلس، على أن إمكان لقيّه لجابر كاف في حمل عنعنته على السماع، على ما اختاره مسلم". اهـ. أقول: الظاهر أن المعلمي قد حذف هذا، لما بَيَّض كتابه، والنسخة "س" لما كأنها مسوَّدة للكتاب قد رجع عن أشياء، فغيَّر فيها وبدَّل. الخلاصة: يعلم مما سبق -بما لا شك فيه- أن سليمان لم يسمع من جابر ولا غيره من الصحابة الذين تقدم ذكرهم، حتى ولو ثبت إدراكه لبعضهم وهو صبي. أما قضية إمكان لقيّه لجابر، وأن ذلك كافٍ في حمل عنعنته على السماع -لأنه غير مدلس- على ما اختاره مسلم، فعندي أن هذا كلام قديم للمعلمي، قبل أن يُنْعِمَ النظرَ في هذه القضية، وله كلام في غير هذا الموضع هو أحكم وأضبط من هذا، تراه. مفصلا في القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب، عند الكلام على شرط الاتصال، من شروط صحة الحديث، والله تعالى ولي التوفيق. (¬3) وقال أبو حاتم: رأيته مخضوب الرأس واللحية، ولم أكتب عنه، وسمعت كلامه. وقال أبو الوليد الطيالسي: لم أَرَ بالري أعلم بالحديث منه، ومن يحيى بن الضريس. وأخرج له أبو عوانه في "صحيحه". وانظر: "الجرح" (4/ 318)، و"الثقات" (8/ 304)، و"اللسان" (3/ 116).

[330] سنيد بن داود المصيصي أبو علي المحتسب، واسمه الحسن، وسنيد لقب غلب عليه

[330] سنيد بن داود المصيصي أبو علي المحتسب، واسمه الحسن، وسنيد لقب غلب عليه: سبق كلام الشيخ المعلمي عليه في ترجمة حجاج بن محمد الأعور. وقال الشيخ في ترجمة سنيد من "التنكيل" (107): "بقي قول النسائي: "غير ثقة" وقول أبي داود: "لم يكن بذلك". وقول أبي حاتم: "ضعيف" كذا في كتاب ابنه (¬1)، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "اللسان" (ج 2 ص 416) وقال الخطيب: "لا أعلم أي شيء غمصوا على سنيد، وقد رأيت الأكابر من أهل العلم رووا عنه واحتجوا جمع ولم أسمع عنهم فيه إلا الخير، وقد كان سنيد له معرفة بالحديث وضبط فالله أعلم. وقد ذكره أبو حاتم في جملة شيوخه الذين روى عنهم، فقال: بغدادي صدوق" (¬3). قال المعلمي: "ما أراهم غمصوا عليه إلا ما تقدم في ترجمة حجاج، ولعل من شدد لم يتدبر القصة، وقد تقدم الجواب الواضح عنها، وكفى يقول حاكيها نفسه وهو الإمام أحمد: "كان سنيد لزم حجاجًا قديمًا، وقد رأيت حجاجًا يملي عليه، وأرجو أن لا يكون حدث إلا بالصدق". اهـ. أما جواب المعلمي عما غُمص على سنيد، فقال في ترجمة حجاج بن محمد الأعور من "التنكيل" رقم (71): "روى الأثرم -وهو ثقة- عن الإمام أحمد أنه قال: "سنيد لزم حجاجًا قديمًا .. ". ¬

_ (¬1) هكذا نقل المعلمي من "تهذيب التهذيب" (4/ 244) تبعًا "التهذيب الكمال" (12/ 164) والذي في "الجرح والتعديل" (4 / ت 142): صدوق. وهكذا نقل الخطيب في "تاريخ بغداد" (8/ 43 - 44) وسيذكره المعلمي قريبًا، وهكذا نقله الذهبي في "الميزان" (2/ 236) وغيره فأخشى أن يكون في نقل المزي وهمٌ، تابعه عليه ابن حجر، والله تعالى أعلم. (¬2) (8/ 304) وقال: كان قد صنف التفسير. ربما خالف. (¬3) نقلته تامًّا من "تاريخ بغداد" (8/ 43)، وفي نقل المعلمي عن "تهذيب التهذيب" تقديم وتأخير ونقص.

وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه (¬1): "رأيت سنيدًا عند حجاج بن محمد وهو يسمع منه كتاب "الجامع" لابن جريج، وفيه: اخبرت عن الزهري، وأخبرت عن صفوان ابن سليم (¬2)، قال: فجعل سنيد يقول لحجاج: يا أبا محمد قل: ابن جريج عن الزهري، وابن جريج عن صفوان بن سليم. قال: فكان يقول له هكذا". قال عبد الله: "ولم يحمده أبي فيما رآه يصنع بحجاج، وذمّه على ذلك، قال أبي: وبعض تلك الأحاديث التي كان يرسلها ابن جريج أحاديث موضوعة، كان ابن جريج لا يبالي ممن أخذها". حكى هذا في "تهذيب التهذيب"، ثم قال: "وحكى الخلال عن الأثرم نحو ذلك، ثم قال الخلال: [ونُرى] (¬3) أن حجاجًا كان هذا منه في وقت تغيره، [ونُرى] أن أحاديث الناس عن حجاج صحاح إلا ما روى سنيد". أقول: هذا حدسٌ، يردُّه نص الإمام أحمد كما تقدم، ومبنى هذا الحدس على توهم أن في القصة ما يخدش في تثبيت حجاج، وإنما يكون الأمر كذلك لو كان إذا قيل: "ابن جريج عن فلان" يحمل على سماع ابن جريج من فلان، وليس الأمر كذلك، لأن ابن جريج مشهور بالتدليس، فإذا قيل: "ابن جريج عن الزهري" ولم يجيء بيان السماع من وجه آخر، فإنه لا يحكم بالاتصال، بل يحمل على أوْهن الاحتمالين، وهو أن بين ابن جريج وبين الزهري واسطة، وذلك لاشتهار ابن جريج بالتدليس. ¬

_ (¬1) "العلل ومعرفة الرجال" (2/ 551). (¬2) في "العلل" بزيادة في أوله: أُخبرتُ عن يحيى بن سعيد. (¬3) نقلها المعلمي عن "تهذيب التهذيب": "يروى" فاستشكلها وصوبها بين قوسين كما هي مثبتة هنا، وتصويبه رحمه الله موافق لما في "تهذيب الكمال" (12/ 163)، فجزاه الله خيرًا.

وعلى هذا فسيان قيل: "ابن جريج: أُخبرتُ عن الزهري" أو"ابن جريج عن الزهري" (¬1). ولهذا قال الإمام أحمد: "أرجو أن لا يكون حدث إلا بالصدق". وإنما ذكر في رواية عبد الله كراهيته لذلك؛ لأنه رآه خلف الكمال في الأمانة. وفي "الكفاية" (ص 187) من طريق "عبد الله بن أحمد قال: كان إذا مرّ بأبي لحنٌ فاحشٌ غيّره، وإذا كان لحنًا سهلا تركه، وقال: كذا قال الشيخ". فأنت ترى أحمد يمتنع من تغيير اللحن، فما ظنك بما تقدم؟ فإن قيل: فما الحامل لسنيد على التماس ذلك من حجاج؟ قلت: طلب الاختصار والتزيين الصوري. اهـ. ثم بحث الشيخ المعلمي في معنى التلقين القادح، مما تراه تحت هذا العنوان في القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب. ثم قال: "وما وقع من سنيد ليس بتلقين الكذب، وإنما غايته أن يكون تلقينًا لتدليس التسوية، وتدليس التسوية أن يترك الراوي واسطة بعد شيخه، كما يُحْكى عن الوليد بن مسلم أنه كان عنده أحاديث سمعها من الأوزاعي عن رجل عن الزهري، وأحاديث سمعها من الأوزاعي عن رجل عن نافع، فكان يقول فيها: حدثنا الأوزاعي عن الزهري، وحدثنا الأوزاعي عن نافع! وهذا تدليس قبيح، لكنه في قصة سنيد وحجاج لا محذور فيه لاشتهار ابن جريج بالتدليس كما مرّ. وبذلك يتبين أن حجاجًا لم يتلقن غفلة ولا خيانة، وإنما أجاب سنيدًا إلى ما التمسه لعلمه أنه لا محذور فيه، وكره أحمد ذلك لما تقدم. اهـ. ¬

_ (¬1) هذا مع التنّبه إلى أن الصيغة الأعلى لا تُعَدُّ من صيغ التدليس؛ لأنها صريحة في وجود الواسطة، وشرط اعتبار الصيغة للتدليس هو أن تكون موهمة للسماع كـ "عن" ونحوها.

[331] سهيل بن أبي صالح السمان أبو يزيد المدني، واسم أبي صالح: ذكوان

[331] سهيل بن أبي صالح السمان أبو يزيد المدني، واسم أبي صالح: ذكوان: "التنكيل": (2/ 169 - 168) روى ربيعة الرأي عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى باليمين مع الشاهد". قال المعلمي: "كان سهيل أصيب بما أنساه بعض حديثه، ومن ذلك هذا الحديث، فكان سهيل بعد ذلك يرويه عن ربيعة ويقول: "أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه - ولا أحفظه". والنسيان علة غير قادحة. وقد رواه يعقوب بن حميد، عن محمد بن عبد الله العامري "أنه سمع سهيل ابن أبي صالح يحدث عن أبيه - فذكره". وذكر ابن التركماني أنه اختلف على سهيل، رواه عثمان بن الحكم عن زهير بن محمد عن سهيل عن أبيه عن زيد بن ثابت. قلت: إن كان هذا مخالفًا لذلك فذاك أثبت (¬1) .. [332] سوّار بن عمارة الرّبعي الرملي أبو عمارة: "الفوائد" (ص 219): "صدوق ربما خالف" (¬2). ¬

_ (¬1) صححهما جميعًا: أبو زرعة وأبو حاتم، كما في علل ابن أبي حاتم (1/ 469 رقم (1409). (¬2) وثقه ابن معين. وقال أبو حاتم: أدركته ولم أسمع منه وهو صدوق. وقال النسائي: ليس به بأس. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: ربما خالف. أقول: نادرًا ما يصنع المعلمي مثلما صنع في هذه الترجمة وهو إضافة قول ابن حبان "ربما خالف" أو "ربما أخطأ" أو"يغرب" أو نحو ذلك بلى التوثيق أو التصديق، لأنه قد صرح في غير موضع أن هذه العبارات من ابن حبان لا تنافي التوثيق، ولا تمنع من الاحتجاج بالرجل - ما لم يتبين خطؤه. ففي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم، رقم (244) من "التنكيل": "قول ابن حبان: وربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنا يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه". وفي ترجمة يوسف بن أسباط، رقم (268) قال: "فعبارة ابن حبان: "مستقيم الحديث ربما أخطأ" تعطي أن خطأه كان يسيرًا، لا يمنع من الاحتجاج بخبره حيث لم يتبين خطؤه". =

[333] سويد بن سعيد بن سهل الهروي أبو محمد الحدثاني الأنباري

[333] سويد بن سعيد بن سهل الهروي أبو محمد الحدثاني الأنباري: "الفوائد" (ص 364): "كان بأخرة يُلقّنُ فيتلقّنُ، فوقعت له فظائع". وفي (ص 419) رواية لسويد قال: ثنا المفضل بن عبد الله. قال المعلمي: "سويد عمي بأخرة فصار يتلقن ما ليس من حديثه، والمفضل هو ابن صالح "منكر الحديث" قاله البخاري وأبو حاتم، غيّر سويدُ اسم أبيه تدليسًا". اهـ. وفي "التنكيل" (1/ 511) ذكر المعلمي حديث نعيم بن بهاد عن عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- مرفوعًا: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام". ثم قال: .. وقد تابع نعيمًا على روايته عن عيسى بن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء: سويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر الرقي، والحكم بن مبارك الخواستي. وسويد من رجال مسلم إلا أنه كان في آخر عمره يقبل التلقن، لكن في ترجمته ما يدل أنه كان إذا نُبّه على خطأه رجع، وقد روجع في هذا الحديث فثبت على أنه سمعه من عيسى بن يونس. اهـ. ثم تكلم الشيخ على الآخَرَيْن. ¬

_ = وفي ترجمة علي بن صدقة، رقم (161): "ابن حبان قد يقول مثل "يغرب" لمن يستغرب له حديثًا واحدًا أو زيادة في حديث". ومن المعلوم أن ما مِنْ "ثقة" إلا وربما أخطأ، أو خالف، أو أغرب، فالنَصُّ على ذلك إنما يفيد عند إرادة الترجيح بين من قيل فيه ذلك، ومن لم يُقَلْ فيه، كما رجح المعلمي: عبد الله بن الحارث المخزومي على زيد بن الحباب، فكلاهما وُثِّقا، وهما من رجال مسلم في "الصحيح" لكنّ زيدًا وصف بأنه يخطىء، ولم يوصف بذلك عبد الله. وتلك الأمور تعلم بالنظر في الأصول التفصيلية للرواة، ولا غنى عنها لباحث والله الموفق.

[334] سويد بن نصر بن سويد الطوساني المروزي، أبو الفضل، لقبه: الشاه، راوية ابن المبارك

وفي "التنكيل" أيضًا (2/ 176) قال المعلمي -معلقًا على خبر تفرد به سويد-: "فذاك الخبر تفرد به سويد بن سعيد، وهو إنما يصلح للاعتبار فيما صرح فيه بالسماع وحدّث به قبل عماه، أو بعده وروجع فيه فثبت". [334] سويد بن نصر بن سويد الطوساني المروزي، أبو الفضل، لقبه: الشاه، راوية ابن المبارك: "التنكيل" (2/ 131): "مات سنة (240) وعمره (91) سنة فقد أدركه الشيخان ولكنهما لم يخرجا عنه في "الصحيح" (¬1)، وإنما روى له النسائي والترمذي، ووثقه النسائي ومسلمة بن القاسم (¬2)، وقال ابن حبان: "كان متقنًا" (¬3)، فالله أعلم (¬4) ". اهـ. [335] سيار بن حاتم العنزي أبو سلمة البصري: قال: ثنا سلام أبو سلمة مولى أم هانىء. "الفوائد" (ص 485): "صدوق له أوهام (¬5) حتى قال العقيلي "أحاديثه مناكير، ¬

_ (¬1) ذكر السمعاني في "الأنساب" (8/ 262) أن الشيخين رويا عنه. قال ابن حجر: "كذا قال، ولعل الشيخين رويا عنه خارج "الصحيح"، فينظر". "تهذيب التهذيب" (4/ 280). (¬2) والخليلي في "الإرشاد" (3/ 904). (¬3) "الثقات" (8/ 295). (¬4) يعني: الله أعلم بسبب عدم إخراج الشيخين عنه في "الصحيح". (¬5) أقول: الظاهر أنه إلى الضعف أقرب وكان عابدًا جمَّاعًا للرقائق والزهد. قال الآجري: سألت أبا داود عن سيَّار بن حاتم، فقال: سألت (عبيد الله) القواريري عن سيّار فقال: لم يكن له عقل، كان معي في الدكان. قلت للقواريري: يُتَّهم بالكذب؟ قال: لا. "سؤالاته" (2/ 45)، رقم (1069). وفي "المعرفة والتاريخ" للفسوي (2/ 145): وسئل عليّ -والقائل: سئل هو محمد بن عبد الرحيم صاعقة وهو متصل بما في (ص 140، 138، 142) من ذاك الجزء- عن سيّار الذي يروي أحاديث جعفر بن سليمان في الزهد. فقال: ليس كل أحد يؤخذ عنه ما كنت أظن أحدًا يحدث عن ذا". =

[336] سيف بن سليمان أو ابن أبي سليمان المخزومي مولاهم أبو سليمان المكي سكن البصرة أخيرا

وسلام لم أجده". [336] سيف بن سليمان أو ابن أبي سليمان المخزومي مولاهم أبو سليمان المكي سكن البصرة أخيرًا: "التنكيل" (2/ 167): "ثقة ثبت". [337] سيف بن عمر التميمي الكوفي صاحب كتاب "الردة والفتوخ": "الفوائد" (ص 408): "هالك". وفي (ص 248): "قالوا كان يضع الحديث واتهم بالزندقة". [338] سيف بن مسكين بصري: "حاشية الموضح" (1/ 348): "تالف". * * * ¬

_ = لكن قد حَدَّثَ عنه الإمامُ أحمد بن حنبل، وقال ابن محرز عن ابن معين: كان صدوقًا، ثقة، ليس به بأس، ولم أكتب عنه شيئًا قط. "سؤالاته" (401). فيظهر أن ابن معين قصد توثيقه في دينه، وأنه لا يكذب ولا هو بالمتهم، لا أنه قصد توثيقه في روايته. والله تعالى أعلم.

حرف الشين

حرف الشين [339] شبل بن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب مولى الحُرقة، مديني: في "الفوائد" (ص 413) حديث عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا عربي، والقرآن عربي، ولسان أهل الجنة عربي". قال المعلمي: "في سنده عبد العزيز بن عمران متروك، عن شبل بن العلاء، حمل عليه ابن عديّ" (¬1). [340] شرقي بن قطامي الكوفي، وشرقي لقب، واسمه: الوليد بن الحصين: "الفوائد" (ص 219): "ليس بشيء". [341] شريح بن عبيد الحضرمي الشامي عن علي -رضي الله عنه-: نقل الشوكاني في "الفوائد" (ص 247) عن السيوطي قوله: "وقد ورد ذكر الأبدال من حديث علي -رضي الله عنه- وسنده حسن .. ". قال المعلمي: "هو من طريق شريح بن عبيد الحضرمي الشامي قال: "ذكر أهل الشام عند علي بن أبى طالب إلخ" قال ابن عساكر (1/ 278): "هذا منقطع بين شريح وعليّ، فإنه لم يلقه". ¬

_ (¬1) قال ابن عدي: حدث عنه ابن أبي فديك عن أبيه، عن جده عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بأحاديث لا يحدث بها عن العلاء غيره مناكير، منها .. فذكر حديث الاستخارة قال: وهذا الحديث بهذا الإسناد منكر. ثم ذكر بإسناده إلى سعيد بن هاشم المخزومي ثنا مالك وشبل بن العلاء عن العلاء بن عبد الرحمن .. به حديثا آخر ثم قال: وبهذا الإسناد أحاديث ليست بمحفوظة. وذكره ابن حبان في الثقات وقال: روى عنه ابن أبي فديك نسخة مستقيمة"!!.

[342] شريك بن خليقة الخطابي السدوسي

هذا هو الصواب، ووهم الهيثمي (¬1) اغترارًا بما ذكره المزي في ترجمة شريح، وقد تعقبه ابن حجر. اهـ. [342] شريك بن خليقة الخطابي السدوسي: "حاشية الجرح" (4/ 364): "قال البخاري: "كان من الأزارقة" (¬2). فلا أدري كيف نجا من المؤلفين في الضعفاء، وهم يذكرون من يُتهم بما دون هذا". اهـ. [343] شريك بن عبد الله أبو عبد الله النخعي الكوفي القاضي: قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (108): "أما حال شريك في نفسه فمن أجلّة العلماء وأكابر النبلاء، فأما في الرواية فكثير الخطأ والغلط والاضطراب، فلا يحتج بما ينفرد به أو يخالف، ونسبه الدارقطني وابن القطان وعبد الحق إلى التدليس" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) "مجمع الزوائد" (10/ 62)، وقد ذكر المزي (12/ 446) رواية شريح عن جماعة من الصحابة ونصَّ على أنه لم يدركهم، منهم سعد بن أبي وقاص، وذكر روايته عن جماعة آخرين من الصحابة ولم يُشر إلى عدم إدراكه لهم، منهم المقداد بن الأسود، فبنى الهيثمي على ذلك صحة سماع شريح من المقداد، واستدل به على صحة سماعه من عليٍّ لأن المقداد أقدم من عليٍّ. لكن قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (4/ 329): "وإني لكثير التعجب من المؤلف -يعني المزي- كيف جزم بأنه لم يدرك من سمَّى هنا، ولم يذكر ذلك في المقداد وقد توفي قبل سعد بن أبي وقاص، وكذا أبو الدرداء وأبو مالك الأشعري وغير واحد ممن أطلق روايته عنهم". اهـ. (¬2) "التاريخ الكبير" (4/ 238). والأزارقة إحدى فرق الخوارج. (¬3) "تهذيب التهذيب" (4/ 337)، و"طبقات المدلسين" له أيضا ترجمة (56) وقال: كان يتبرأ من التدليس، ونسبه عبد الحق في "الأحكام" إلى التدليس، وسبقه بلى وصفه به الدارقطني". وذكره الحافظ في المرتبة الثانية فيمن احتمل الأئمة تدليسه وأخرجوا له في الصحيح. أقول: لم يصفه بذلك أحد من الأئمة المتقدمين، وفي القلب شيء من الاعتماد على مجرد وصف مَنْ بعدهم له بذلك - مع تبرئه منه- إلا بِبَيِّنَةٍ، والله تعالى أعلم.

[344] شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي أبو عبد الله المدني

وقال في "التنكيل" (2/ 120): "شريك على فضله سيء الحفظ كثير الغلط، ونسبه الدارقطني وعبد الحق إلى التدليس .. وقد تفرد بقوله في هذا الحديث: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-". والأئمة الإثبات لا يذكرون ذلك (¬1). اهـ. [344] شريك بن عبد الله بن أبي نمر القرشي أبو عبد الله المدني: "الأنوار الكاشفة" (ص 194): "فيه مقال". [345] شعيب بن إبراهيم الكوفي: عن سيف بن عمر التميمي. "الفوائد" (ص 248): "راوية كتب لسيف، ومع ذلك قالوا: هو غير معروف (¬2)، وسيف قالوا: كان يضع الحديث واتهم بالزندقة". * * * ¬

_ (¬1) يعني: يوقفونه ولا يرفعونه، وهو حديث: "لا يقطع السارق إلا في معين أو حجفة قيمته دينار". (¬2) قال ابن عديّ: وشعيب بن إبراهيم هذا له أحاديث وأخبار، وهو ليس بذلك المعروف، ومقدار ما يروي من الحديث والأخبار ليست بالكثيرة، وفيه بعض النكرة؛ لأن في أخباره وأحاديثه ما فيه تحامل على السلف". "الكامل" (4/ 1319).

حرف الصاد

حرف الصاد [346] صالح بن أحمد التميمي الحافظ أبو الفضل الهمذاني: هو ثقة مأمون كما قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (109)، وله ذكر في مبحث "طرق الكشف عن تراجم الرجال الواقعين في الأسانيد" من قسم القواعد من هذا الكتاب. [347] صالح بن بشير القارىء أبو بشر البصري القاصّ الزاهد المعروف بـ: المرّي: "الفوائد" (ص 105): "تالف". وفي (ص 229): "متروك". [ز 7] صالح بن حيان القرشي، ويقال: الفراسي، الكوفي: "الأنوار الكاشفة" (ص 273): "ضعيف له مناكير". [348] صالح بن زياد الناجي القارىء البصري. قال البخاري في "التاريخ الكبير" (4/ 292): "قال علي بن نصر عن أبي عاصم عن صالح الناجي: سمعت ابن جريج عن ابن شهاب {يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} قال: حسن الصوت. قال علي: سمعت أبي: ذهبت أنا ومسلم إلى صالح، فسألناه، فقال: لأ أحفظ عن ابن جريج هذا، ولكن بلغني عن مقاتل بن سليمان". اهـ. قال الشيخ المعلمي. في "حاشية الجرح" (4/ 404): "الآية في أول سورة فاطر {الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ

[349] صالح بن علي بن عبد الله بن عباس

وَرُبَاعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} ومعناها ظاهر، وكان صالح هذا يروي على التوهم؛ فإن إلصاق الوهم به أصلى من إلصاقه بأبي عاصم الثقة المأمون". اهـ. [349] صالح بن علي بن عبد الله بن عباس: عنه عبد الله بن السمط. "الفوائد" (ص 134): "عبد الله مجهول، وصالح لا يعرف في الرواية". [350] صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب "جزرة": له ترجمة في "التنكيل" (115) وهو حافظ مجمع على ثقته وأمانته، كلامه في الرواة جرحًا وتعديلًا أكثر من أن يُحْصى، وهو في قبول ذلك منه كغيره من أئمة الحديث بإجماع أهل العلم - قاله المعلمي، وأجاب رحمه الله عما شنع به الكوثري على صالح مما لصالح فيه عذر واضح ومقبول. [351] صالح بن محمد بن زائدة المدني أبو واقد الليثي الصغير: في "التنكيل" (2/ 105): روى الطحاوي في كتاب "معاني الآثار" من طريق أبي واقد صالح بن محمد بن زائدة عن عامر بن سعد بن أبي وفاعى عن أبيه رفعه: "لا يقطع السارق إلا في ثمن المجن". قال الطحاوي: "فعلمنا بهذا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقفهم عند قطعه في المجن على أنه لا يقطع فيما قيمته أقل من قيمة المجن". فقال الشيخ المعلمي: "أبو واقد هذا ذُكِر بصلاح في نفسه وغزو، قال أحمد: "ما أرى به بأسًا". لكنهم ضعفوه في روايته، قال ابن معين: "ضعيف الحديث". وضعّفه أيضًا علي بن المديني، والعجلي، وأبو زرعة، وأبو داود، والنسائي، وأبو أحمد الحاكم، وابن عديّ، وقال البخاري، وأبو حاتم، والساجي: "منكر الحديث". وقال ابن حبان: "كان ممن يقلب الأخبار والأسانيد ولا يعلم، ويسند المرسل ولا يفهم، فلما كثر ذلك في حديثه وفحش استحق الترك". ومما أنكروه عليه حديثه عن سالم عن

[352] صالح بن نبهان مولى التوأمة أبو محمد المدني

أبيه عن عمر رفعه: "من وجدتموه قد غلّ فأحرقوا متاعه". قال البخاري: "هو حديث باطل ليس له أصل". اهـ. [352] صالح بن نبهان مولى التوأمة أبو محمد المدني: "الأنوار الكاشفة" (ص 188): "ضعيف". [353] صباح بن يحيى الكوفي: "الفوائد" (ص 356): "من غلاة الشيعة، متروك متهم". [354] صدقة بن عبد الله السمين أبو معاوية، ويقال: أبو محمد الدمشقي: "الأنوار الكاشفة" (ص 221): "ضعيف". [355] الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مغول أبو بهز البجلي الكوفي نزيل واسط: عن ابن إدريس، عن المختار بن فلفل، عن أنس. "الفوائد" (ص 61): "الصقر ذكره ابن أبي حاتم في بابي "صقر" (¬1) و"سقر" (¬2) وذكر في أحدهما قول أبيه أنه صدوق (¬3)، وفي الآخر أنه سأل أباه: هل تكلموا فيه؟ فقال: لا، وعقبه يقول الحافظ مطين: أن الصقر كذب من أبيه، وذكر رواية الصقر عن ابن إدريس عن المختار بن فلفل عن أنس مرفوعًا في التبشير بالخلافة لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان. وهذا الحديث قال فيه ابن المديني: "كذب موضوع" ومن الغريب أن حديث الخلافة هذا رواه عبد الأعلى بن أبي المساور عن المختار بن فلفل، ورواه الصقر عن ابن إدريس عن المختار. ¬

_ (¬1) "الجرح" (4 / ت 1994). (¬2) "الجرح" (4 / ت 1353). (¬3) وقوله أيضا: "هو أحسن حالًا من أبيه".

وحديثنا "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة" رواه عبد الأعلى أيضًا عن المختار، ورواه الصقر عن ابن إدريس عن المختار، وعبد الأعلى كذاب. فالظاهر أن الصقر كان مغفلًا فأدخلت في كتابه عن ابن إدريس بعض بلايا عبد الأعلى فرواها، وكان ذلك بعد أن اجتمع به أبو حاتم وسمع منه، وبسبب ذلك كذبه مطين، وأبو بكر بن أبي شيبة، وصالح بن محمد جزرة، وكل ذلك بعد اجتماع أبي حاتم به، بدليل أنه ذكر أنهم لم يتكلموا فيه كما مرّ". اهـ. وقال المعلمي في ترجمة الصقر من "التنكيل" (111) تعقيبًا على وصف الكوثري للصقر بأنه من الكذابين المعروفين: "والصقر ذكره أبو حاتم فقال: "صدوق" وذكره ابن حبان وقال: "يخطىء ويخالف" وسماه في الثاني "صقر" وقال: "في قلبي من حديثه ما حدثنا أبو يعلى ثنا الصقر .. " فذكر حديثا قد أنكره غيره على الصقر حتى رماه بعضهم لأجله بالكذب ووضع الحديث، وذاك الحديث رواه الصقر عن عبد الله بن إدريس أحد الثقات الإثبات عن المختار بن فلفل. قال ابن حجر في "لسان الميزان": "لم ينفرد الصقر بهذا فقد رواه إبراهيم بن زياد السكوني عن بكر بن المختار بن فلفل عن أبيه، وتقدم في ترجمة بكر، ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن عبد الأعلى بن أبي المساور عن المختار بن فلفل - مثله، لكن ابن أبي المساور "واهٍ" فالظاهر أن الصقر سمعه من عبد الأعلى أو بكر فجعله عن عبد الله بن إدريس ليروج له، أو سها". قال المعلمي: "قد بأن بصنيع أبي حاتم الرازي وأبي حاتم بن حبان أنه لم ينكر على الصقر إلا هذا الحديث، وأن بقية أحاديثه مستقيمة، فالحمل على السهو والغلط هو الأقرب، وكم من رجل وثقوه وقد وقع له ما يشبه هذا". اهـ.

حرف الضاد

حرف الضاد [356] ضرار بن صرد التيمي أبو نعيم الطحان الكوفي: في ترجمته من "التنكيل" (112) يقول الشيخ المعلمي تعليقًا على قول الكوثري: "ضرار بن صرد هو أبو نعيم الطحان الذي يقول عنه ابن معين: كذاب .. ". "أقول: قال علي بن الحسن الهسنجاني عن ابن معين: "بالكوفة كذابان: أبو نعيم النخعي وأبو نعيم ضرار بن صرد" (¬1) وظاهر هذا تعمد الكذب، لكن قال الأستاذ الكوثري (ص 163): "الإخبار بخلاف الواقع هو الكذب، والكذب بهذا المعنى يشمل الغالط والواهم، فمن غلط أو وهم في شيء يمكن عده كاذبًا على هذا الرأي .. فلا يعتد يقول من يقول: فلان يكذب ما لم يفسر وجه كذبه، ولذا عدّ كثير من أهل النقد قول القائل: كذب فلان، من الجرح غير المفسر .. ". أقول: وقد قال ابن معين لشجاع بن الوليد أبي بدر السكوني: يا كذاب، وقد قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "شجاع بن الوليد ثقة" ووثقه غيره ولكنه يهم ويغلط. فلننظر كلام غير ابن معين في أبي نعيم النخعي واسمه عبد الرحمن بن هانىء، ثم في أبي نعيم ضرار بن صرد .. (¬2) وأما ضرار فروى عنه أبو زرعة (¬3) - وقال البخاري (¬4) والنسائي: "متروك الحديث" ¬

_ (¬1) وقال ابن الجنيد عن ابن معين في ضرار بن صرد: ليس حديثه بشيء "سؤالاته" (ص 145). (¬2) انظر ترجمة عبد الرحمن بن هانىء من هذا الكتاب. (¬3) وأبو حاتم، كما سيأتي. (¬4) قاله آدم بن موسى عنه، كما في "ضعفاء العقيلي" (2/ 222)، وقال الترمذي في "الجامع" (828): "رأيت البخاري يضعف ضرار بن صرد". وذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (4 / ت 3054) بغير جرح، ولم يذكره في "الضعفاء الصغير".

لكن البخاري روى عنه (¬1) وهو لا يروي إلا عن ثقة كما صرح به الشيخ تقي الدين ابن تيمية، ومرّ النظر في ذلك في ترجمة "أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن". والظاهر: التوسط، وهو أن البخاري لا يروي إلا عمن هو صدوق في الأصل يتميز صحيح حديثه من سقيمه .. فقوله في ضرار: "متروك الحديث" محمول على أنه كثير الخطأ والوهم، ولا ينافي ذلك أن يكون صدوقًا في الأصل يمكن لمثل البخاري تمييز بعض حديثه. وقال أبو حاتم في ضرار: "صدوق صاحب قرآن وفرائض يكتب حديثه ولا يحتج به، روى حديثًا عن معتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضيلة بعض الصحابة، ينكره أهل المعرفة بالحديث" (¬2). أقول: متنه: "قال لعليّ: أنت تبي لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي" أخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج 3 ص 122)، وقال: "صحيح على شرط الشيخين". قال الذهبي: "بل هو فيما أعتقده من وضع ضرار، قال ابن معين: كذاب". أقول: لاذا ولا ذاك، والصواب ما أشار إليه أبو حاتم؛ فإنه أعرف بضرار وبالحديث وعلله، فكأن ضرارًا لُقِّن أو أُدْخِل عليه الحديث أو وهِم. فالذي يظهر أن ضرارًا صدوق في الأصل، لكنه ليس بعمدة فلا يحتج بما رواه عنه من لم يُعرف بالإتقان، ويبْقى النظر فيما رواه عنه مثل أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري، والله أعلم. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) في "خلق أفعال العباد" حديثين: رقم (161، 544). (¬2) "الجرح" (4 / ت 2046).

حرف الطاء

حرف الطاء [357] طريف بن سفيان أبو سفيان السعدي العطاردي: "الفوائد" (ص 302): "متروك". [358] طريف بن عبيد الله أبو الوليد الموصلي: قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (113): "لم يتهموه بتعمد الكذب (¬1)، ولكن يظهر أنه كان مغفلًا يحدث على التوهم والله أعلم". اهـ. [359] طلحة بن زيد القرشي أبو مسكين الرقي: "الفوائد" (ص 110): "هالك". [360] طلحة بن عمرو بن عثمان الحضرمي المكي: "الفوائد" (ص 62): "متروك، ولم يدرك ابن عباس". وفي (ص 67): "هالك". وفي (ص 445): "تالف جدًّا، فإن لم يكن يتعمد الكذب صراحًا، فقد كان لا يبالي ما حدث به، فيقع منه الكذب بكثرة". اهـ. ¬

_ (¬1) ضعفه الدارقطني، وقال أبو زكريا الموصلي في تاريخه: لم يكن من أهل الحديث، وقد كتبت عنه، مات سنه (403). قال ابن حجر في "اللسان" (3/ 208): ومن مناكيره. ثم ذكر له خبرًا يرويه عن يحيى بن عبد الحميد الحماني، ونقل عن العراقي قوله: والواهم فيه فيما أعلم: طريف. قال ابن حجر: وليس هذا الحديث في مسند يحيى الحماني.

[361] طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي ويقال: المكي أبو سفيان الإسكاف

[361] طلحة بن نافع القرشي مولاهم الواسطي ويقال: المكي أبو سفيان الإسكاف: عن كعب. "الفوائد" (ص 467): "صدوق لم يدرك كعبًا ولا قارب". * * *

حرف العين

حرف العين [362] عاصم بن أبي النجود: بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي أبو بكر المقرىء: "الفوائد" (ص 468): "له أوهام في الحديث، ولم يخرج له في الصحيحن إلا مقرونًا". [363] عاصم بن رجاء بن حيوة الكندي الفلسطيني ويقال: الأردني: "الأنوار الكاشفة" (ص 301): "صدوق يهم". [364] عاصم بن علي بن عاصم بن صهيب الواسطي أبو الحسن القرشي التيمي مولاهم: في "الفوائد" (ص 218): حديث "ما حسّن الله خُلُق رجل وخلْقهُ فأطعم لحمه النار" قال الشوكاني: في إسناده عاصم بن علي، قيل: ليس بشيء، ورُدّ بأنه أخرج له البخاري في صحيحه ووثقه الناس. قال المعلمي: أورد ابن الجوزي هذا الخبر هكذا "ابن عديّ (¬1)، ثنا الحسن ابن علي العدوي، ثنا لولو بن عبد الله، وكامل بن طلحة، قالا ثنا الليث" وقال: "العدوي وضاع" وهذا حق. وذكر قبله من طريق عمر بن جعفر بن مسلم "الصواب: سلم" ثنا عمرو"الصواب: عمر كما يأتي" ابن فيروز التوزي ثنا عاصم بن علي، ثنا ليث بن سعد .... ". قال ابن الجوزي: "عاصم ليس بشيء" وتعقبه السيوطي. ¬

_ (¬1) "الكامل" (3/ 950) في ترجمة داود بن فراهيج.

[365] عاصم بن كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي

وعاصم كما لخصه ابن حجر في التقريب: "صدوق، ربما وهم" وقد حمل الذهبي في "الميزان" تبعة هذا الخبر على الراوي عن عاصم، وتبعه ابن حجر في "اللسان". قال: "عمرو بن فيروز أتى عن عاصم بن علي شيخ البخاري بخبر موضوع لعله آفته". وفي "تاريخ بغداد" ترجمة لهذا الرجل فيمن اسمه "عمر"، قال (11/ 214): "عمر بن موسى بن فيروز .. ويعرف بالتوزي". وذكر أنه ينسب إلى جده "عمر بن فيروز" ويروي عن عاصم بن علي وعنه "عمر بن جعفر" بن سلم، فهو صاحبنا هذا قطعًا، وأشار إلى توهينه بأن أخرج من طريقه حديثًا فيه نظر، تراه في "اللآلىء" (1/ 16)، ووقع هناك أيضًا "عمرو بن فيروز" وأحسب ابن فيروز هذا سمع خبر العدوي [الحسن بن على] فالصقه عمدًا أو خطأ بعاصم، والخبر معدود في موضوعات العدوي". اهـ. [365] عاصم بن كليب بن شهاب بن المجنون الجرمي الكوفي: قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 22) تعليقًا على حديث رواه النسائي من طريق ابن المبارك، عن سفيان الثوري، عن عاصم بن كليب، عن عبد الرحمن بن الأسود، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود قال: "ألا أخبركم بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: فقام فرفع يديه أول مرة ثم لم يعد". قال المعلمي: "وحديث سفيان رجاله ثقات، وعاصم وإن قال ابن المديني: لا يحتج به إذا انفرد، فقد وثقه جماعة وأخرج له مسلم في "الصحيح" (¬1) لكن هناك علل .. " فذكرها رحمه الله". ¬

_ (¬1) مشَّاه المعلمي هنا لوجود علل أخرى في الحديث، كعنعنة الثوري وهو مدلِّس، والاختلاف عليه في متن الحديث، ومخالفة عبد الله بن إدريس له عن عاصم، وتقديم البخاري رواية ابن إدريس لأنها كانت من كتابه قال: "والكتاب أحفظ عند أهل العلم" إلى غير ذلك، مما لا يظهر معه أثر حال عاصم في هذا الحديث. =

[ز 8] عاصم بن مخلد

وفيه أيضا (2/ 34) علّق على ما رواه أبو بكر النهشلي عن عاصم بن كليب عن أبيه عن علي -رضي الله عنه- "أنه كان يرفع يديه في التكبيرة الأصلى من الصلاة ثم لا يرفع في شيء منها". قال المعلمي: وسند الموقوف فيه مقال، عاصم وإن أخرج له مسلم ووثقه جماعة فلم يخرج له البخاري، وقال ابن المديني: "لا يحتج به إذا انفرد"، وأبوه كان وثقه ابن سعد وأبو زرعة فلم يخرج له البخاري ولا مسلم، وقال النسائي: "لا نعلم أحدًا روى عنه غير ابنه وغير إبراهيم بن مهاجر، وإبراهيم ليس بقوي في الحديث". [ز 8] عاصم بن مخلد: عن أبي الأشعث الصنعاني، وعنه قزعة بن سويد، بحديث: "منْ قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة لم تقبل له صلاة الليلة". في "الفوائد المجموعة" (ص 294 - 295): "قيل: هو موضوع، وقد تفرد به عاصم بن مخلد، وهو مجهول. وقال في "اللآلىء": هو في "مسند أحمد" من هذا الطريق. ¬

_ = أما الأثر الآتي عن عليّ، فقد قدم غير واحد من الحفاظ ما رواه ابن أبي الزناد بإسنادٍ آخر عن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بخلاف ما في رواية النهشلي عن عاصم، فربما كان الوهم من النهشلي أو من عاصم، فهما متقاربان، أخرج لهما مسلم ووثقهما جماعة فظهر هنا ما في عاصم من المقال، وبان أثر قول ابن المديني فيه لا يحتج به إذا انفرد. وهذا من المعلمى رحمه الله منهج حكيم سديد، مشى عليه الأئمة قديمًا، فالراوي الوسط أو من فيه مقال، بل والثقة أحيانا، لا يكون حاله في كل حديثه سواء، بل يزدد بين الصواب والخطأ بحسب درجته من الضبط، ومردُّ ذلك بلى النقاد من أهل هذا الفن، وأمَّا أهل العصور المتأخرة فمولعون بإطلاق التقويمات المعروفة، والحكم على أحاديث الرجل بناءً على ما التصق به من التقويم، فالثقة حديثه صحيح أبدًا، والصدوق حديثه حسن يحتج بما، وهكذا، دون النظر في الأحوال التفصيلية للرواة، ولا للقرائن المُحْتَفَّة بالخبر، ولهذا شرح وبيان في موضع آخر، والله الموفق.

[366] عامر بن إسماعيل أبو معاذ البغدادي

قال ابن حجر في "القول المسدد": ليس في شيء مما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي ما يقتفيى الوضع [إلا أن يكون استنكر عدم القبول من أجل فعل المباح؛ لأن قرض الشعر مباح، فكيف يعاقب عليه بأن لا يقبل له صلاة؟ فلو علّل بهذا لكان أليق به]. وعاصم ليس مجهولًا، بل ذكره ابن حبان في "الثقات"، ولم ينفرد به". فقال الشيخ المعلمي تعليقًا على ذكر ابن حبان له في "الثقات" بقوله: "قاعدة ابن حبان أن يذكر في ثقاته المجهول إذا لم يعلم في روايته ما يستنكره، وهذا معروف مشهور، فذكره الرجل في ثقاته لا يمنع كونه مجهولًا". اهـ. ثم قال تعليقًا على عدم انفراد عاصم بهذا الحديث: "عاد ابن حجر فبيّن أنها متابعة لا يُعتد بها؛ لأن المتابع كذاب ... ". [366] عامر بن إسماعيل أبو معاذ البغدادي: في ترجمته من "التنكيل" (115) نقل الشيخ المعلمي قول الكوثري: "مجهول الحال، ولم يخرج له أحد من أصحاب الأصول الستة". فقال المعلمي رحمه الله: "هو مقل، واغترب عن بغداد، وقد أدرك الأئمة الستةُ شيوخه ومن هو أكبر منهم، وقد روى الخطيب نحو حكايته من وجه آخر، وراجع ترجمة إبراهيم بن شماس" (¬1). اهـ. [367] عامر بن سيار الدارمي الرقي: "الفوائد" (ص 96): "فيه ضعف". ¬

_ (¬1) المقصود هنا: أن عدم إخراج أصحاب الكتب الستة عن الرجل مع إدراكهم له، لا يلزم منه القدح فيه، فقد يكون ذلك لأسباب أخرى غير قادحة. هذا ما قرره المعلمي في غير موضع، وسترى ذلك مجموعًا في القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

[368] عامر بن شراحيل أبو عمرو الشعبي الكوفي

[368] عامر بن شراحيل أبو عمرو الشعبي الكوفي: في "الأنوار الكاشفة" (ص 56): "في جامع بيان العلم .. عن الشعبي عن قرظة بن كعب قال: خرجنا يزيد العراق، فمشى معنا عُمر إلى صرار ثم قال لنا: أتدرون لم مشيت معكم؟ قلنا: أردت أن تشيعنا وتكرمنا، قال: إن مع ذلك لحاجة خرجت لها، إنكم لتأتون بلدة لأهلها دويّ كدويّ النحل، فلا تصدوهم بالأحاديث عن رسول الله وأنا شريككم. قال قرظة: فما حدثت بعده حديثا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وفي الأم للشافعي .. فلما قدم قرظة قالوا: حدِّثْنا، قال: نهانا عمر". قال الشيخ المعلمي: "اختلف في وفاة قرظة والأكثرون أنها كانت في خلافة علي (¬1)، ووقع في "صحيح مسلم" في رواية ما يدل أنه تأخر بعد ذلك ولعلها خطأ. ¬

_ (¬1) قال الحافظ في "تهذيب التهذيب" (8/ 368): قد جزم أبو حاتم الرازي وابن سعد وابن حبان وابن عبد البر بأنه مات في ولاية علي، وأن عليًّا صلى عليه". اهـ. وقد قال المزي (23/ 564): ولَّاه علي بن أبي طالب الكوفة، وتوفي بها في ولاية عليّ. وقيل: في ولاية المغيرة بن شعبة، وهو أشبه؛ ففي "صحيح مسلم" من رواية سعيد بن عبيد الطائي عن علي بن ربيعة، قال: أول من نيح عليه بالكوفة: قرظة بن كعب، فقال المغيرة ابن شعبة: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "من نيح عليه يعذب". اهـ. تعقبه ابن حجر في "التهذيب" بقوله: ليست فيه دلالة؛ لاحتمال أن يكون المغيرة قال ذلك عند موته، ولم يكن حنيئذٍ أميرًا .. لكن في "صحيح مسلم" في هذه القصة عن علي بن ربيعة: أتيت المسجد، والمغيرة أمر الكوفة. وفي رواية الترمذي: مات رجل من الأنصار يقال له: قرظة بن كعب فنيح عليه فجاء المغيرة فصعد المنبر". فهذا يقوي قول من قال إنه مات في إمارة المغيرة وكانت إمارته على الكوفة في عشر الخمسين". اهـ. أقول: أما الرواية الأول والتي ساقها المزي فهي التي وقفت عليها في الصحيح (2 / ص 643 - 644، رقم 933) وهو آخر حديث في باب "الميت يعذب ببكاء أهله عليه". ولم أر ما عزاه ابن حجر لمسلم وفيه قول علي بن ربيعة: أتيت المسجد والمغيرة أمير الكوفة. فالله أعلم. وذكره الذهبي في "المتوفون في خلافة علي -رضي الله عنه-" من "تاريخ الإسلام" وقال: "توفي بالكوفة، وصلى عليه عليٌّ على الصحيح، وهو أول من نيح عليه بالكوفة. وقيل: توفي بعد علي". اهـ.

[369] عائد بن نسير العجلي يعد في الكوفيين

وسماع الشعبي منه غير متحقق (¬1)، وقد جزم أبن حزم فى "الإحكام" (2): (138) بأنه لم يلقه، وردّ هذا الخبر وبالغ كعادته .. وكذلك ردّه ابن عبد البر في كتاب "العلم" (2: 121 - 123). والشعبي لم يُذْكر في "طبقات المدلسِين"، لكن ذكر أبو حاتم في ترجمة سليمان بن قيس اليشكري أن أكثر ما يرويه الشعبي عن جابر إنما أخذه الشعبي من صحيفة سليمان بن قيسيه اليشكوي عن جابر، وهذا تدليس". اهـ. وقال الشيخ في "التنكيل" (2/ 144): "الشعبي جيد المرسل، قال العجلي: "لا يكاد الشعبي يوسل إلا صحيحًا". وقال الآجري عن أبي داود: "مرسل الشعبي أحب إلي ما مرسل النخعي". اهـ. [369] عائد بن نسير العجلي يعد في الكوفيين: "الفوائد" (ص 110): "قال يحيى بن معين مرّة: ضمعيف، ومرّة: ليس به بأس ولكنه روى أحاديث مناكير". وهذا يحتمل وجهين: الأول: أنه كان صالحا في نفسه، ولكنه مغفل يقع منه الكذب بدون تعمد. الثاني: أنه كان يدلس ما سمعه من الهلكى. ¬

_ (¬1) اختلف في يمنة وفاة الشعبي ومبلغ سنِّه، والمتحصل من أكثر الأقوال أن ميلاده كان سنة (22) أو (24) أو بعد ذلك. وقد قال المزي: "ولد لست سنين خلت من خلافة عمر بن الخطاب على المشهور، فيكون مولده سنة (19) لكن النظر في أقوال أهل العلم في سنة وفاته وسنّه لا يساعد على ذلك فالله أعلم. وعلى القول الأكثر أن قرظة قد صل عليه عليّ، وكان قد شهد معه صِفِّين، وكانت صِفِّين سنة (37)، وقتل علي -رضي الله عنه- سنة (40) فتكون وفاة قرظة بين هذين التاريخين. فإدراكه للشعبي حينئذٍ إدراك غير بَيِّن مع الخلاف في المتحصل من سنة ميلاد الشعبي، وأما على القول الآخر فتكون وفاة قرظة في عُشر الخمسين كما قال الحافظ ابن حجر، وذلك بعد الأربعين بقليل، وعلى كل حال فالفرق بين القولين لا يعدو (4) أو (5) سنين على الأكثر، والشعبي كثير الإرسال والله تعالى أعلم.

[370] عباد بن صهيب أبو بكر الكليبي البصري

وهذا الخبر: "من مات في هذا الوجه، من حاج أو معتمر لم يعرض ولم يحاسب، وقيل له: ادخل الجنة". رواه الخطيب من طريق "محمد بن الحسن الهمداني، عن عائذ المكتب، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة" فذكره مرفوعًا. ورواه ابن السماك عن عائذ، عن محمد بن عبد الله البصري، عن عطاء، عن عائشة. ذكره البخاري في ترجمة محمد من التاريخ (1/ 1 / 142 رقم 426)، وكذا ذكره ابن أبي حاتم (3/ 2 / 308 رقم 1674)، ورواه مندل، عن عائذ، عن محمد البصري، عن عطاء مرسلًا كما في "لسان الميزان". ومحمد بن عبد الله هذا لا يدرى من هو؟ ولعائذ خبر آخر منكر تراه في "اللآلىء" (1/ 72)، وفي ترجمة عائذ من "لسان الميزان" رواه ابن السماك أيضا عن "عائذ بن نسير، عن عطاء عن عائشة مرفوعًا". اهـ. وقال المعلمي في "الفوائد" أيضًا (ص 485): "منكر الحديث" (¬1). [370] عباد بن صهيب أبو بكر الكليبي البصري: "التنكيل" (1/ 252 - 253): "متروك، وقال عبدان: "لم يكذبه الناس، وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر" فعباد مبتلى بابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي "الميزان" أحاديث من مناكيره". اهـ. [371] عباد بن عباد بن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي أبو معاوية اليصري: "الفوائد" (ص 481): "ثقة يخطىء". [372] عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي: في "الفوائد" (ص 343): قول علي -رضي الله عنه-: "أنا عبد الله وأخو رسول الله، أنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب، صليت قبل الناس بسبع سنين". ¬

_ (¬1) قاله العقيلي (3/ 410).

[373] عباد بن عبد الصمد أبو معمر

قال الشوكاني: رواه النسائي في الخصائص، وفي إسناده: عباد بن عبد الله الأسدي، وهو المتهم بوضعه. وقال ابن المديني: ضعيف الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال المعلمي: "لا يفيده ذلك شيئًا مع كلام كبار الأئمة فيه وظهور سقوطه". اهـ. [373] عباد بن عبد الصمد أبو معمر: "الفوائد" (ص 39): "هالك، له عن أنس نسخة، قال ابن حبان: "كلها موضوعة" والكلام فيه كثير". اهـ. وص (133): "ساقط، هالك، ولم يدرك عائشة". اهـ. وص (343): "من غُلاة الرافضة، سكن أفريقية، وادّعى السماع من أنس، وراح يروي عنه". اهـ. [374] عباد بن كثير الثقفي البصري سكن مكة: في "التنكيل" رقم (116) قال الكوثري: "كان الثوري يكذبه ويحذر الناس من الرواية عنه، فكيف يتصور أن يروي الثوري عن مثله؟ ". فقال الشيخ المعلمي: "تحذير الثوري من الثقفي معروف، فأما تكذيبه له، فإنما حكاه الحاكم وأبو نعيم الأصبهاني، ولا أدري من أين أخذاه فإن صح فإنما أراد الوهم والغلط، وقد أثنى على الثقفي بالصلاح جماعة، منهم: ابن المبارك، وأحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والعجلي، ووصفوه مع ذلك بأنه ليس بشيء في الحديث، وأنه يحدث بما لم يسمع، لبُلْهه وغفلته، فانظر هل يتناول ذلك حكايته المذكورة، وهي قوله: "قلت لأبي حنيفة .. " فذكر سؤالًا وجوابًا، وقد تقدم أن الخطيب روى نحوها من وجه آخر.

[375] عباد بن كثير الرملي الفلسطيني الشامي

وعلى كل حال فلا مانع أن يحكي الثوري عن عباد ما يظهر له صحته، وفي ترجمة محمد بن السائب الكلبي من "الميزان" "يعلى بن عبيد قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه. قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ. وقال المعلمي في "الفوائد" (ص 361): "تالف". [375] عباد بن كثير الرملي الفلسطيني الشامي: "التنكيل" في الترجمة رقم (116): "وثّقةُ ابن معين وغيره، ووهّنهُ الأكثرون". [376] عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني أبو سعيد الكوفي: "الفوائد" (ص 356): "من غلاة الشيعة، غير أنه وصف بالصدق". وفي (ص 380): "على رفْضِهِ وحُمْقِهِ صدوق، رواه [يعني حديث: مثلي مثل الشجرة، أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرتها، والشيعة ورقها، فأي شيء يخرج من الطيب إلا الطيب] عن يحيى بن بشار الكندي عن عمرو بن إسماعيل الهمداني، وهما مجهولان، فالحمل عليهما، وفي ترجمتيهما من "الميزان" و"اللسان" ذكر هذا الخبر". اهـ. [377] عبادة بن الصامت الأنصاري الخزرجي أبو الوليد المدني صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الفوائد" (ص 247): "توفى عبادة سنة (34)، ومن زعم أنه تأخر إلى خلافة معاوية، إنما اغتر بحوادث جرت له مع معاوية في إمارته، والمراد بالإمارة إذْ كان عاملًا على الشام في خلافة عُمر وعثمان، ولو عاش عُبادة بعد عثمان لكان له شأن". [378] العباس بن الفضل الأنصاري الواقفي أبو الفضل البصري نزيل الموصل: "الفوائد" (ص 315): "تالف، ذكره أحمد وذكر له حديثًا حدث به، فقال "هو حديث كذب" وذكره ابن معين فقال: "ليس بثقة روى .. حديثًا موضوعًا" وقال أبو زرعة: "كان لا يصدق". اهـ.

[379] العباس بن الوليد بن بكار الضبي البصري

[379] العباس بن الوليد بن بكار الضبي البصري: "الفوائد" (ص 143): تعقيبًا على قول العقيلي: "الغالب على حديثه الوهم والمناكير" قال الشيخ المعلمي: "بل هو كذاب وضاع". وفي (ص 361): "هالك البتة". وفي (ص 371): "هالك". [380] العباس بن يزيد بن أبي حبيب البحْراني أبو الفضل البصري، المعروف بـ: عباسويه: "حاشية الأنساب" (2/ 93) قال السمعاني: "سئل الدارقطني عنه فقال: ثقة مأمون". فقال الشيخ المعلمي: "هذا حكاه السلمي -وفيه ما فيه- عن الدارقطني، وقال أبو القاسم الأزهري: سئل الدارقطني عنه فقال: "تكلموا فيه". راجع ترجمة العباس في "التهذيب" وفيها من قول ابن حجر: "وقال السمعاني: ثقة مأمون". كذا، والسمعاني لم يقلها من عنده، بل أرسلها عن الدارقطني كما ترى". اهـ. [381] عبد الله بن أُبي الخوارزمي القاضي: قال الكوثري: "لم نر أحدًا وثقه من رجال هذا الشأن، وإن روى البخارى عنه في "الضعفاء"، وأما من ظن أنه روى عنه في "الصحيح" فقد وهم، وليس هو من شرطه، ولم يخرج عنه أحد من أصحاب الأصول الستة". فقال الشيخ المعلمي في "التنكيل" رقم (117): "ذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 206) قال "عبد الله بن أبي الخوارزمي الحافظ قاضي خوارزم رحّال جوّال مفضال، لحق أحمد ين يونس اليربوعي وسعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد وسليمان ابن بنت شرحبيل وإسحاق بن راهويه وطبقتهم، حدث عنه الإمام أبو عبد الله

البخاري في "كتاب الضعفاء". وقد روى البخاري في "صحيحه": أنا عبد الله، عن سليمان بن عبدى الرحمن "وهو ابن بنت شرحبيل" فقيل: إنه هو، مات سنة نيف وتسعين ومائتن عن سن عالية تقارب التسعين ... ". وفي ترجمته من "التهذيب" ذكر الحديث المذكور قال: "فقيل إنه ابن حماد الآملي، ويحتمل أن يكون هذا فإنه قد روى "البخاري" في "الضعفاء" عدة أحاديث عنه عن سليمان بن عبد الرحمن وغيره سماعًا وتعليقا". وأشار المزي إلى ذلك في ترجمة عبد الله ابن حماد، وأنه وقع في النسخ منسوبًا كذلك. وفي هذا أمران: الأول: أن البخاري قد روى عنه في "الضعفاء" عدة أحاديث، سماعًا وتعليقًا، وذلك يقضي بأنه عنده ثقة أو صدوق كما سلف في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن. الثاني: أن المزي والذهبي اتفقا على أنه يحتمل أن يكون هو الذي روى عنه في "الصحيح" وهذا يقضى بأنه عندهما أهل لأن يخرج عنه البخاري في "الصحيح" وأقرهما ابن حجر على ذلك، غير أنه رجح أن الواقع في "الصحيح" غيره لأنه قد جاء منسوبًا في بعض النسخ، وجزم به جماعة. فأما عدم إخرج البخاري له في "الصحيح" إن صح أن راوي ذاك الحديث غيره، فهذا لا يدل أنه ليس على شرط الصحيح؛ لاحتمال أن البخاري إنما لم يخرج له في "الصحيح" لأنه أصغر من البخاري ولم يسمع منه حديثًا يضطر إلى إخراجه في "الصحيح" بنزول، وقد سمع البخاري من شيوخ هذا الرجل وممن هو أكبر منهم بكثير. فأما بقية الستة فإنما لم يرووا عنه لأنه من أقرانهم، وأصغر من بعضهم، وقد سمعوا من شيوخه وممن هو أكبر من شيوخه، وبلده بعيد فلم يحتاجوا إلى الرحلة إليه والرواية عنه بنزول، راجع ترجمة إبراهيم بن شماس. اهـ.

[382] عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأموي أبو محمد المعروف بـ: الأصيلي

[382] عبد الله بن إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جعفر الأموي أبو محمد المعروف بـ: الأُصيْلي: أحد رواة الجامع الصحيح للبخاري، عن أبي زيد المروزي، عن الفربري عن البخاري. "حاشية الأنساب" (1/ 300) قال المعلمي: "للأصيلي ترجمة في تاريخ ابن الفرضي رقم (760)، قال فيها: "سمعته يقول: قدمت قرطبة سنة اثنتين وأربعين -يعني وثلاثمائة- فسمعت بها ... وصار إلى الأندلس في آخر أيام المستنصر بالله رحمه الله .. وقرأ عليه الناس كتاب البخاري رواية أبي زيد وغير ذلك، وكان حرج الصدر، ضيق الخلق، وكان عالمًا بالكلام والنظر، منسوبًا إلى معرفة الحديث، وجمع كتابًا في اختلاف مالك والشافعي وأبي حنيفة سماه "كتاب الدلائل على أمهات المسائل" وقد حفظت عليه أشياء، وقف عليها أصحابنا وعرفوها، وتوفي ليلة الخميس لإحدى عشرة ليلة بقيت من ذي الحجة سنة اثنتين تسعين وثلاثمائة .. ". قال المعلمى: يستروح من هذا أن ابن الفرضي لا يعترف للأصيلي بالتمكن في معرفة الحديث، وقوله "وقد حفظت عليه أشياء" يحتمل أن تكون مما يتعلق بضيق الخلق، وأن تكون من الخطأ في العلم، واكتفاء ابن الفرضي بهذه الإشارة يدل على أن تلك الأشياء ليست بالشديدة. وللأصيلي ترجمة في الجذوة رقم (542) قال فيها: " .. من كبار أصحاب الحديث والفقه، رحل .. وكان متقنًا للفقه والحديث .. روى عنه أبو محمد علي بن أحمد [بن حزم] والمهلب بن أبي صفرة .. ".

[383] عبد الله بن أحمد بن وهب، أبو العباس الدمشقي، يعرف بابن عدبس

[383] عبد الله بن أحمد بن وهب، أبو العباس الدمشقي، يعرف بابن عدبس: قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 105): "ليس في ترجمته من "تاريخ بغداد" (9/ 384)، وتهذيب تاريخ ابن عساكر (7/ 288) (¬1) ما يبين حاله، فهو مجهول الحال، فلا تقوم بخبره حجة". [384] عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الرحمن الشيباني ابن الإمام أحمد بن حنبل: ختم العلامة المعلمي ترجمته في "التنكيل" رقم (118) بقوله: "وعبد الله قد أثنى عليه أبوه، ووثقه النسائي، وابن أبي حاتم، والدارقطني، والخطيب، وغيرهم، وأجمع أهل العلم على الاحتجاج به والله الموفق". اهـ. وقد أورد الخطيب في "تاريخه" (¬2) حكاية فيها حطٌّ على عبد الله ولكنه استنكرها ونقد إسنادها، فقال: حُدِّثْتُ عن أبي نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: سمعت علي بن حمشاذ يقول: سمعت أحمد بن عبد الله الأصبهاني يقول: أتيت عبد الله ابن أحمد بن حنبل فقال: أين كنت؟ فقلت: في مجلس الكديمي، فقال: لا تذهب إلى ذاك فإنه كذاب، فلما كان في بعض الأيام مررت به، فإذا عبد الله يكتب عنه فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عن هذا فإنه كذاب؟ قال: فأومأ بيده إلى فِيهِ أن اسكت، فلما فرغ وقام من عنده قلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عنه؟ قال: إنما أردت بهذا أن لا يجيء الصبيان فيصيروا معنا في الإسناد واحدًا. قال الخطيب: "كان عبد الله بن أحمد أتقى لله من أن يكذِّب من هو عنده صادق، ويُحتج بما حكى عنه هذا الأصبهاني، وفي هذه الحكاية نظر من جهته. اهـ. ¬

_ (¬1) "تاريخ ابن عساكر" (8 / ق 1027). (¬2) (3/ 439).

[385] عبد الله بن جعفر ابن أخي إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير

أضاف المعلمي في "التنكيل" (1/ 125) قائلًا: لم يذكر الخطيب منْ حدّثهُ، فإن قيل: إن الخطيب أعلّ القصة بالأصبهاني فدلّ ذلك على ثقة الخطيب بمن حدّثه. قلت: ليس هذا بلازم، فقد لا يكون الخطيب وثق بمن حدثه حق الثقة، ولكن رأى إعلال الحكاية بالأصبهاني كافيًا. اهـ. [385] عبد الله بن جعفر ابن أخي إسماعيل بن جعفر بن أبي كثير: نبّه الشيخ المعلمي على وجود هذه الترجمة في غير مظنتها، فأغفلها صاحب "التهذيب" و"الميزان" و"اللسان" وهي في "الجرح والتعديل" (5/ 24)، وفيها من قول ابن معين: "شيخ كان يجالسنا في المسجد، صاحب مغنيات، ليس بشيء". [386] عبد الله بن جعفر بن درستويه بن المرزبان أبو محمد الفارسي النحوي: في ترجمته من "التنكيل" (119) نقل الشيخ المعلمي عن الكوثري قوله في ابن درستويه: "كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها .. وروايته عن الدوري ويعقوب خاصة منكوة، وقول البرقاني واللالكائي فيه معروف .. ". قال المعلمي رحمه الله: "قوله يحدث عمن لم يدركه" فِرْيةٌ كما سترى، وقوله "لأجل دريهمات يأخذها" فرية أخرىء وحقيقة الحال أن هذا الرجل كان يروي عن عباس الدوري أحاديث، ويروى عن يعقوب بن سفيان "تاريخه وغير ذلك، وكانت ولادة هذا الرجل سنة (258) ووفاة يعقوب سنة (277) (¬1) فقد أدركهما قطعًا، وكان سنه لما مات عباس ثلاث عشرة سنة. وقد ذكر الخطيب (¬2): "أن جعفر بن درستويه والد عبد الله هذا كان من كبار المحدثين وفهمائهم وعنده عن علي بن المديني وطبقته، فلا يستنكر أن يكون بكر بابنه في السماع". ¬

_ (¬1) هذا هو الصواب في سنة وفاته، وجاء في "التنكيل" هنا (271) وهو خطأ ظاهر، وأظنه من الطبع، وسيأتي قول المعلمي: لما توفي يعقوب كان سن ابن درستويه نحو عشرين سنة. (¬2) "تاريخ بغداد" (9/ 429).

أقول: بل هذا هو الظاهر، كما جرت عليه عادة المحدثين في ذاك العصر من التبكير بأبنائهم للسماع من المعمّرين على أمل أن يعيش الابن فيكون سنده عاليًا، فيكون له بذلك صيت وشهرة ويرحل الناس إليه، وتلك مرتبة يحرص المحدث أن ينالها ابنه. وقد ولد أبو حنيفة سنة (80) بالكوفة ونشأ بها ولم يُعرفْ والده بشيء من العلم، ونشأ هو غير معْنِيّ بطلب الحديث كما يدل عليه النظر في وفيات شيوخه الذين تثبت روايته عنهم، وعاش أنس -رضي الله عنه- بالبصرة إلى أن مات سنة إحدى وتسعين وقيل بعدها بسنة وقيل بسنتين، أي وعُمْرُ أبي حنيفة ما بين إحدى عشرة إلى ثلاث عشرة، ولم يكن عادة الناس في ذاك العصر التبكير بالسماع. وفي "الكفاية" (ص 54): "قلّ من كان يثبت "وفي نسخة: يكتب" الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حدّ البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. وقيل: إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة". ثم روى بعد ذلك حكايات منها "أنه قيل لموسى بن إسحاق: كيف لم تكتب عن أبي نعيم؟ قال: كان أهل الكوفة لا يُخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارًا حتى يستكملوا عشرين سنة". هذا كله مع أن أسطورة الدراهم والتحديث عمن لم يدركه إنما أخذها الاستاذ من قول الخطيب: "سمعت هبة الدين الحسين الطبري "اللالكائي" ذكر ابن درستويه وضعفه وقال: "بلغني أنه قيل له حدِّث عن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا ففعل، ولم يكن سمع من عباس".

قال الخطيب: "وهذه الحكاية باطلة؛ لأن أبا محمد بن درستويه كان أرفع قدرًا من أن يكذب لأجل [العرض] (¬1) الكثير، فكيف لأجل التافه الحقير. وقد حدثنا عنه ابن رزقويه بأمالي أملاها في جامع المدينة وفيها عن عباس الدوري أحاديث عدّة". أقول: واللالكائي توفى سنة (418)، وقد قال الخطيب في ترجمته "عاجلته المنية فلم ينتشر عنه كبير شيء" فهذا يدل أن مولد اللالكائي كان بعد وفاة ابن درستويه بمدة؛ فإن وفاته كانت سنة (347). وقوله "بلغني .. " لا يُدرى من الذي بلّغهُ ومثل هذا لا يثبت به حكم ما، وقد قال الحماني: "سمعت عشرة كلهم ثقات يقولون سمعنا أبا حنيفة يقول: "القرآن مخلوق" فردّة لأستاذ -الكوثري- (ص 56) من "التأنيب" - بقوله "قول الراوي سمعت الثقة يعد كرواية عن مجهول وكذا الثقات" ثم تراه يبني على قول اللالكائي "بلغني .. " القصور والعلالي جازمًا بذلك مكررًا نبْز ابن درستويه بقوله "الدراهمي" وغير ذلك. ومع أن المبلغ اللالكائي إنما قال: "ولم يكن سمع من عباس" فلم يقنع الأستاذ "الإمام الفقيه المحدث والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير صاحب الفضيلة مولانا الشيخ محمد زاهد الكوثري وكيل المشيخة الإسلامية في الخلافة العثمانية سابقًا" كما نعته صاحبه على لوح "التأنيب" أو كما نعت نفسه، لم يقنع بذلك، بل قال "كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها". ثم مع هذا وأمثاله وما هو أشدّ منه وكثرة ذلك يضج ويعج ويُرْغِي ويُزْبِد إذا نسب إلى المغالطة، وليت شعري كيف يمكننا إحسان الظن به وحمله على الغلط والوهم (مع) أن تلك الزلات الكثيرة كلها فيما يؤيد به هواه، ولا أذكر له زلة واحدة فيما يخالف هواه. ¬

_ (¬1) كذا في "التنكيل" بالراء وفي "تاريخ بغداد" (9/ 429): "العوض" بالواو، ولعلَّه أقرب، والله أعلم.

هذا، ولم ينكروا على ابن درستويه حديثا واحدًا مما حدث به عن الدوري حتمًا، وإنما زعم من لا يُدري من هو أن ابن درستويه لم يسمع من الدوري، وقد علمت إمكان سماعه منه، فإن ثبت أن ابن درستويه ثقة -وسنثبته إن شاء الله تعالى- ثبت السماع. وأما شانه مع يعقوب بن سفيان فقد عُلِم بما مرّ أنه لما توفي يعقوب كان سن ابن درستويه نحو عشرين سنة لكن قال الخطيب: "سألت البرقاني عن ابن درستويه فقال: ضعّفوه؛ لأنه لما روى "التاريخ" عن يعقوب بن سفيان أنكروا عليه ذلك وقالوا له: "إنما حدّث يعقوب بهذا الكتاب قديمًا فمتى سمعته؟! ". ولم يبينوا تاريخ تحديث يعقوب بـ "التاريخ" فقد يكون حين كان سن ابن درستويه اثنتي عشرة سنة أو نحوها، واستبعدوا أن يكون سمع حينئذ لصغره، وعلى هذا يدل قول الخطيب عقب ما حكاه عن البرقاني، قال: "في هذا القول نظر، لأن جعفر بن درستويه من كبار المحدثين .. فلا يستنكر أن يكون بكّر بابنه في السماع من يعقوب بن سفيان". ثم استأصل الخطيب الشافة واقتلع الجرثومة بقوله: "مع أن القاسم الأزهري حدثني قال: رأيت أصل كتاب ابن درستويه بتاريخ يعقوب بن سفيان لما بيع في ميراث ابن الآبنُوسيّ، فرأيته أصلًا حسنًا ووجدت سماعه فيه صحيحًا". والأزهري من أهل المعرفة والتيقظ والثقة والأمانة، ترجمته عند الخطيب (ج 10 ص 385) فثبت السماع وبطل النزاع. فأما حال ابن درستويه، فتضعيف اللالكائي له قد بّين وجهه، وهو قوله: "بلغني .. "، وقد علمت أنه ليس في ذلك حجة. وقول البرقاني: "ضعّفُوه" قد بيّن وجهه وهو استبعادهم أن يكون سمع "التاريخ"، وقد ثبت سماعه له فزال سبب التضعيف.

[387] عبد الله بن جعفر بن غيلان الرقي أبو جعفر القرشي

على أنه لو لم يتبين أن ذلك هو وجه التضعيف لكان تضعيفًا مجردًا وهو جرح غير مفسر، وقد ثبت التوثيق. قال الخطيب: "سألت أبا سعد الحسين بن عثمان الشيرازي عن ابن درستويه؟ فقال: ثقة ثقة، حدثنا عنه "أبو عبد الله" بن منده الحافظ بغير شيء وسألته عنه، فأثنى عليه ووثقه". وقال الخطيب في ترجمة الشيرازي هذا: "كتبنا عنه وكان صدوقًا متنبهًا" وقد تقدم ثناء الخطيب على ابن درستويه. وذكر الأستاذ (ص 150) ما رواه الخطيب من طريق ابن درستويه عن يعقوب عن الحسن بن الصباح عن إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: "قال مالك: ما ولد في الإسلام مولود أضر على أهل الإسلام من أبي حنيفة. وكان "مالك" يعيب الرأي، ويقول: "قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد تم هذا الأمر واستكمل .. ". فذكر الأستاذ أن ابن عبد البر ذكر في "كتاب العلم" عن "تهذيب الآثار" للطبري عن الحسن بن الصباح عن الحنيني أن مالكًا قال: قبض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. " ولم يذكر ما قبله، قال الاستاذ: "فيكون ابن درستويه الدراهمي هو الذي زاد في أول الخبر ما شاء". أقول: ليس هذا بشيء، وإنما اقتصر ابن جرير وابن عبد البر على موضع الحجة، وقد جرت عادتهم بتقطيع الأحاديث النبوية كما فعله البخاري في "صحيحه" وغيره، فما بالك بمثل هذا؟ ثم ذكر المعلمي عن "تاريخ بغداد" و"تاريخ ابن خلكان" طرفًا من مصنفات ابن درستويه في الأدب والنحو والمعاني، والله تعالى الموفق. [387] عبد الله بن جعفر بن غيلان الرّقِّي أبو جعفر القرشي: قال المعلمي في ترجمة نعيم بن حماد (258) من "التنكيل": "والرقي موثق إلا أنه نسب إلى الاختلاط بأخرة، لكن ذكر ابن حهبان أن اختلاطه لم يكن فاحشًا،

[388] عبد الله بن الحارث بن عبد الملك القرشي المخزومي، أبو محمد المكي

وراوي هذا الحديث عنه [حديث: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال ويحللون الحرام"] ثقة، وهو الذي أخبر بأنه أختلط (¬1)، فقد يقال: لو علم أنه اختلط اختلاطًا شديدًا، وكان إنما سمع منه هذا الحديث عند اختلاطه، لكان الظاهر أن لا يرويه عنه إلا مقرونًا ببيان أنه إنما سمعه منه بعد الاختلاط" (¬2). اهـ. وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 113): "لا بأس به". [388] عبد الله بن الحارث بن عبد الملك القرشي المخزومي، أبو محمد المكي: "التنكيل": (2/ 171) روى زيد بن الحباب، عن سيف بن سليمان المخزومي، عن قيس بن سعد، عن عمرو بن دينار عن ابن عباس: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قضى بيمين وشاهد" رواه مسلم. قال المعلمي: "زعم بعضهم -يعني من الأحناف- في حديث مسلم: "قضى بيمين وشاهد" أن المعنى قضى بيمين حيث لا شاهدين، وقضى بشاهد حيث وجد الشهود، والمراد بـ "شاهد" الجنس، وهذا التأويل كما ترى (!) أولًا: لأنه خلاف الظاهر. ثانيًا: لأنه يجعل الكلام لا فائدة له، قإنه لا يخفى على أحدٍ أنه يقضى باليمين حيث لا بينّة، ويقضى بالشاهدين حيث وُجدا. ثالثًا: حمل "شاهد" على الجنس ثم إخراج الواحد منه لا يخفى حاله. رابعًا: هذا اللفظ رواية زيد بن الحباب عن سيف، وقد رواه عبد الله بن الحارث ابن عبد الملك المخزومي عن سيف، فقال: "قضى باليمين مع الشاهد". رواه ¬

_ (¬1) هو هلال بن العلاء الرقي، قال: ذهب بصره سنة ست عشرة ومئتن، وتغيَّر يسنة ثماني عشرة ومئتين، ومات سنة عشرين ومائتين. "تهذيب الكمال" (14/ 378). (¬2) انظر ترجمة نعيم بن حماد من هذا الكتاب مع التعليق على هذا الموضع هناك.

[389] عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري الأوسي المدني

الإمامان: الشافعي وأحمد عن عبد الله بن الحارث كما في "الأم": (6/ 273)، و"مسند أحمد": (1/ 323) .. وعبد الله بن الحارث كأنه أثبت من زيد بن الحباب؛ فإن زيدًا قد وصف بأنه يخطىء، ولم يوسف بذلك عبد الله، وكلاهما ثقتان من رجال مسلم". اهـ. [389] عبد الله بن حنظلة بن أبي عامر الراهب الأنصاري الأوسي المدني: "الفوائد" (ص 149): "في ضحبته نظر، وقد نفاها إبراهيم الحربي" (¬1). [390] عبد الله بن خُبيْق: في ترجمته من "التنكيل" (120) عن الكوثري: "صالحٌ، غير صالح لتلقي شيء منه غير القراءة". فقال الشيخ المعلمي: "أما صلاحه فمشهور، وأما روايته فلم يغمزه فيها أحد، وقد ذكره ابن أبي حاتم فقال: "كتب إليّ بجزء من حديثه". اهـ. [391] عبد الله بن خراش بن حوشب الشيباني الحوشبي أبو جعفر الكوفي: نقل المعلمي في "الفوائد" (ص 68) عن الهيثمي قوله فيه: "وثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ، وضعفه غيره". فقال المعلمي: "بل هو هالك، راجع ترجمته" (¬2). ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" (5/ 193). (¬2) قال أبو زرعة وأبو حاتم والبخاري: منكر الحديث. زاد أبو زرعة: يحدث عن العَوَّام بأحاديث مناكير. وزاد أبو حاتم: ذاهب الحديث، ضعيف الحديث. وقال النسائي: ليس بثقة. وسكت عنه الدارقطنىِ في كتابه في "الضعفاء" فهو متروك عنده، وعند صاحبيه. وقال محمد بن عمار الموصلي: كذاب. =

[392] عبد الله بن الرقيم الكناني الكوفي

[392] عبد الله بن الرُّقيم الكناني الكوفي: "الفوائد" (ص 363): "مجهول البتّة، لم يعرفه النسائي" (¬1). [393] عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي الأسدي أبو بكر الحميدي المكي: ترجمته في "التنكيل" رقم (121)، وفيها أبحاث تتعلق بـ "نقد أسانيد الجرح والتعديل"، و"قدح الساخط"، و"ألفاظ الجرح عند الغضب لا سيما بين الأقران" وغيرها من "الفوائد" الحديثية وضعتها في مظانها من قسم القواعد من هذا الكتاب. [394] عبد الله بن الزبير بن معبد الباهلي البصري: "الفوائد" (ص 385): "مجهول الحال" (¬2). [395] عبد الله بن زياد بن سمعان المخزومي أبو عبد الرحمن المدني: قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 151) - تعقيبًا على قول الكوثري: "أجمعوا على ترك حديثه". قال: "فيه نظر فقد أكثر عنه ابن وهب ووثقه على ما في "مختصر كتاب العلم لابن عبد البر" (ص 199): ومجموع كلامهم فيه يدل أنه صدوق في الأصل، فلا بأس بإيراده في المتابعات والشواهد (¬3). اهـ. ¬

_ = وقال الساجي: ضعيف الحديث جدًا، ليس بشيء، كان يضع الحديث. وقال ابن عديّ: عامّة ما يرويه غير محفوظ. ومع كل هذا قال الحافظ في "التقريب": ضعيف!! فقط. وانظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (5 / ت 219)، وأبو زرعة الرازي (ص 448)، و"الجرح والتعديل" (5 / ت 214)، و"ضعفاء النسائي" (ت 326)، و"ثقات ابن حبان" (8/ 340)، و"الكامل" لابن عديّ (4/ 1525)، و"ضعفاء الدارقطني" (ت 325)، و"الميزان" (2 / ت 4287)، و"تهذيب التهذيب" (5/ 197) وغيرها. (¬1) وقال البخاري: فيه نظر "تهذيب التهذيب" (5/ 212). وقال ابن خراش: لم يرو عنه سوى عبد الله بن شريك "الميزان" (2 / ت 3416). (¬2) قال أبو حاتم: مجهول لا يعرف. وقال الدارقطني: شيخ بصري صالح. وذكره ابن حبان في "الثقات". (¬3) أقول: ابن سمعان كَذَّبَهُ: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وابن إسحاق وإبراهيم بن سعد، وابن معين وأحمد بن صالح الصري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال البخاري: "سَكتوا عنه" -وهو لا يقولها إلا فيمن لا تحل الرواية عنه-، وقال أبو حاتم: "سبيله سبيل الترك"، وتركه جماعة. وأما ابن وهب، ففي تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 379): حدثني أحمد بن صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سمعان؟ قال: لا يقبل فول بعضهم في بعض. اهـ. ورواه -بهذا اللفظ- ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10 / ق 46 - الظاهرية) ورواية التاريخ من طريق أبي محمد بن أبي نصر، واسمه: عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي - وهو ثقة عدل عفيف كانت عنده أصول حسنة بخطوط الوراقين المعروفين، ترجمته في "تاريخ دمشق" (10 / ق 46 - الظاهرية) -عن أبي الميمون البجلي الدمشقي واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد، صاحب أيى زرعة وراوي كتاب التاريخ عنه- عن أبي زرعة. وروى ابن عدي هذه الحكاية في ترجمة ابن سمعان من "الكامل" عن شيخه يوسف بن الحجاج -وهو يوسف بن أحمد بن عبد الرحيم بن الحجاج أبو يعقوب الإستراباذي، له ترجمة في "تاريخ جرجان" رقم (999) ولم يذكر حمزة السهمي فيه جرحًا ولا تعديلًا- قال: ثنا أبو زرعة الدمشقي، بمثل رواية أبي الميمون البجلي عن أبى زرعة. وأورد الحكاية بمثل هذا اللفظ كُلٌّ من: المزي والذهبي وابن حجر، ولم يذكروا توثيق ابن وهب لابن سمعان صراحةً. لكن قال ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم وفضله" في باب: حكم قول العلماء بعضهم في بعض (ص 510): أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون البجلي، قال: حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: سألت عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن يزيد [كذا والصواب: زياد] ابن سمعان فقال: ثقة فقلت: إن مالكًا يقول فيه: كذاب، فقال: لا يقبل قول بعضهم في بعض. اهـ. ونقل مغلطاي في إكماله (4 / ق 270 ب) هذا التوثيق عن هذا الموضع، فالظاهر أنه لم يرد مصرحًا به إلا فيه وهو محلُّ نظر، فأبو محمد بن أبي نصر بلدي أبي الميمون البجلي، وراوي كتاب التاريخ عنه والذي اعتمده المصنفون في رواية التاريخ - لم يذكر هذا التوثيق، وكذا لم يذكره شيخ ابن عدي عن أيى زرعة. وخلف بن القاسم -شيخ ابن عبد البر- ثقة مكثر، وهو قرطبي سمع بدمشق من أبي الميمون، إلا أن بلديَّ الرجل أعرف به وأمكن في الرواية عنه في الغالب -كما هو معلوم، ودخول الخلل في رواية خَلَف بن القاسم- كالرواية بالمعنى أو الوهم وغيى ذلك ممكن هناة لأنه قد يُفهم من رَدِّ ابن وهب تكذيب مالك لابن سمعان ما يقتضى توثيق ابن وهب له، وليس بلازمٍ، فقد يَرُدُّ التكذيب، ويُثبت ما دونه. وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه كما =

[396] عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي البصري

[396] عبد الله بن زيد أبو قلابة الجرمي البصري: في "التنكيل" (2/ 97) حديث أبي قلابة عن أنس: "أن يهوديًّا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه بين حجرين" غمزه الكوثري بعنعنة أبي قلابة، فقال الشيخ المعلمي: ¬

_ = كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه ومنهم من تركه قال عبد الله ين المبارك: أقمت عليه -يعني: ابن سمعان- كذا وكذا، وحملت عنه، فحدث يومًا عن مجاهد عن ابن عباس، فقلت: إنك كنت ذكرت هذا عن مجاهد، فقال: أو ليس مجاهد يحدث عن ابن عباس! فكرهت حديثه وتركته. وقال أبو بكر بن أبي أويس كنت أجالس عبد الله بن زياد بن سمعان، فكنا نرى أنه أخذ كتبًا غير سماع، فبينا هو يحدث بذ انتهى إلى حديث لشهر بن حوشب، فقال: شهر بن جوست. فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان اسمه من أسماء العجم. فقلت: لعلك تريد: شهر بن حوشب. فقلنا حينئذ: إنه يأخذ من الكتب. قال أبو معشر معقبًا: ابن سمعان إنما أخذ كتبه من الدواوين والصحف. وكان عبد الله بن سمعان يحدث عن: عبد الله بن عبد الرحمن، قكان أحمد بن صالح المصري يقول إنه يغير أسماء الله قال: وهذا كذب، ولما سأل ابنُ وهب ابن سمعان عن: عبد الله بن عبد الرحمن هذا قال له أبن سمعان لقيته في البحر. وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة دَلَّس فيها ابنُ سَمعان تدليسًا فاحشًا، فحدث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه فقال: لقيته فى البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره بلى معرفته أو الوصول إليه! والحاصل أن ابن سمعان إن لم يكن يضع الحديث وضعًا - كما ظنه أحمد بن صالح، فهو يكذب ويدَّعى سماع أقوام لم يسمع منهم بل لم يرهم -كما قال غير واحد- ويأخذ صحفًا فيرويها من غير سماع، فليس هو باهل أن يكتب عنه أصلًا، وعلى هذا قول النقاد من أهل العلم -كما سبق النقل عنهم في صدَرْ هذا التعليق-، وقول ابن وهب في مثل هذا شذوذ لا يلتفت إليه، والله تعالى أعلم.

[397] عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد -واسمه: كيسان- المقبري أبو عباد الليثي مولاهم المدني

"قال أبو حاتم: "لا يعرف له تدليس" وذكر ابن حجر في ترجمته من "التهذيب" (¬1) ما يعلم منه أن معنى ذلك أن أبا قلابة لا يروي عمن قد سمع منه إلا ما سمعه منه (¬2). وقد ثبت سماعه من أنس (¬3) كما في قصة العرنيين (¬4) وغيرها، وحديثه في "الصحيح" أيضًا، فالحكم في حديثه هذا أنه سمعه من أنس. اهـ. وقال المعلمي في "حاشية الجرح" (5/ 58) تعليقا على قول أبي حاتم المذكور: "حمله ابن حجر على معنى أنه لم يكن يرسل عمن قد سمع منه ويحتمل أن يكون المراد أنه لم يكن يرسل على سبيل الإيهام، وإنما يرسل عمن قد عرف الناسُ أنه لم يلقه". اهـ. [397] عبد الله بن سعيد بن أبي سعيد -واسمه: كيسان- المقبري أبو عباد الليثي مولاهم المدني: "الفوائد" (ص 279): "متروك ساقط البتة". و"حاشية الموضح" (2/ 113): "هالك". [398] عبد الله بن سلمة الربعي: "الفوائد" (ص 99): "منكر الحديث، من وك، قال ذلك أبو زرعة، وقال العقيلي: "منكر الحديث" راجع "اللسان" (3/ 292) الترجمة الرابعة والخامسة، فإنهما لرجل واحد". اهـ. ¬

_ (¬1) (5/ 226) وفيه: "قال أبو حاتم: لم يسمع من أبي زيد عمرو بن أخطب، ولا يعرف له تدليس". (¬2) قال الحافظ: "وهذا مما يقوي من ذهب إلى اشتراط اللقاء في التدليس، لا الاكتفاء بالمعاصرة". اهـ. يعني أن هذا غير الإرسال، وهو رواية الرجل عمن لم يدركه أو لم يلقه، والمقصود أن أبا قلابة قد ثبت عدم سماعه من جماعة من الصحابة، وقد روى عنهم، على سبيل الإرسال، لأنه لا يدلس، أي لا يروي عمن لقيهم وسمع منهم إلا ما سمعه منهم. (¬3) وقال سليمان بن حرب: "سمع أبو قلابة من أنس وهو ثقة". تاريخ دمشق (9 / ق 314). (¬4) رواها البخاري: كتاب الديات، باب القسامة (12/ 239، رقم 6899 - فتح)، ومسلم: كتاب القسامة: باب حكم المحاربين والمرتدين (3/ 1296، رقم 1671/ 10 - 12) وفيهما قول أبي قلابة: حدثني أنس.

[399] عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود السجستاني

[399] عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبو بكر بن أبي داود السجستاني: ترجمته في "التنكيل" (123). قال المعلمي في خاتمة الترجمة: "أطبق أهل العلم على السماع من ابن أبي داود، وتوثيقه، والاحتجاج به. فروى عنه الحاكم أبو أحمد، والدارقطني، وابن المظفر، وابن شاهين، وعبد الباقي بن قانع حافظ الحنفية، وأبو بكر بن مجاهد المقرىء، وخلق لا يُحصون. قال أبو الفضل صالح بن أحمد التميمي الهمذاني الحافظ: "أبو بكر عبد الله بن سليمان إمام أهل العراق، وعلم العلم في الأمصار، نصب السلطان المنبر فحدث عليه لفضله ومعرفته، وحدث قديمًا قبل التسعين ومائتين، قدم همذان سنة نيف وثمانين ومائتين، وكتب عنه عامة مشايخ بلدنا ذلك الوقت، وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه، ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو". وذكر السلمي أنه سأل الدارقطني عنه؟ فقال: "ثقة إلا أنه كثير الخطأ في الكلام على الحديث". وقال الخليلي: "حافظ، إمام وقته، عالم، متفق عليه، واحتج به من صنف الصحيح: أبو علي النيسابوري، وابن حمزة الأصبهاني، وكان يقال: أئمة ثلاثة في زمن واحد: ابن أبي داود وابن خزيمة وابن أبي حاتم" .. وقال محمد بن عبد الله بن الشخير: "كان زاهدًا عالمًا ناسكًا -رضي الله عنه- وأسكنه الجنة برحمته". اهـ. وفي ترجمته أبحاث تتعلق بـ: "إطلاق الكذب بغير معناه الاصطلاحي" و"نقد أسانيد الجرح والتعديل" و"أوصاف لا تقتضي الجرح" وغيرها، تراها في قسم القواعد من هذا الكتاب. [400] عبد الله بن السمط: عن صالح بن علي بن عبد الله بن عباس. "الفوائد" (ص 134): "مجهول، وصالح لا يعرف في الرواية".

[401] عبد الله بن صالح أبو صالح المصري كاتب الليث بن سعد

[401] عبد الله بن صالح أبو صالح المصري كاتب الليث بن سعد: "الفوائد" (ص 23)، و"الأنوار" (ص 184): "متكلم فيه". و"الأنوار" (ص 73): "فيه كلام". و"طليعة التنكيل" (عمر 54): "ليس بعمدة". وفي ترجمته من "التنكيل" رقم (124) "لم يختلط، ولكن أُدخلت عليه أحاديث عديدة". وفي "الفوائد" (ص 243) حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله" ذكر الشوكاني طرقه -وقد وهّنها المعلمي كلها- منها حديث أبي أمامة، أخرجه الطبراني، قال الشوكاني: "إسناده على شرط الحسن. هذا معنى كلام صاحب "اللآلىء"، وعندي أن الحديث حسن لغيره، وأما صحيح فلا". اهـ. فقال المعلمي: "أما عن أبي أمامة فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهلُ ذلك فإن له أوابد. وعبد الله بن صالح أدخلت عليه أحاديث عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمِل ما علقه عنه البخاري، فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرقٍ أخرى يُوهِّنه حتمًا". اهـ. [402] عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحى أبو أويس المدني: "الفوائد" (368): "صدوق يهم" (¬1). ¬

_ (¬1) هو إلى الضعف أقرب، وإنما يكتب حديثه للاعتبار، وأما للاحتجاج فلا، وهو سيء الحفظ فما حدث من أصل كتابه فهو أصح، كما قال البخاري، يعني أن حديثه من كتابه أقل خطأ من حفظه. والله تعالى أعلم.

[403] عبد الله بن عبد ربه العجلي

[403] عبد الله بن عبد ربه العجلي: "الفوائد" (361): "مجهول". [404] عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عامر الليثي أبو عبد العزيز المدني: "الفوائد" (69): "تالف". [405] عبد الله بن عبد الوهاب الخوارزمي: "الفوائد" (217): "تالف" (¬1). [406] عبد الله بن عدي أبو أحمد الجرجاني الحافظ صاحب كتاب "الكامل": "التنكيل" رقم (125). قال الكوثري: "كان ابن عدي على بعده من الفقه والنظر والعلوم العربية طويل اللسان في أبي حنيفة وأصحابه". فقال الشيخ المعلمي: "أبو أحمد إمام في الحديث ورجاله وعلله، واشتغاله بذلك عن التبسط في الفقه والنظر، لا يدل على بعده عن التأهل لذلك، وكان عنده من معرفة اللسان ما يكفيه وأما طول لسانه فذلك مقتضى مقامه، وله في ذلك أسوة بأكابر أئمة السنة". اهـ. ¬

_ (¬1) قال أبو نعيم في "تاريخه" (2/ 52): قدم أصبهان، وحدث بها، في حديثه نكارة. وقال الحافظ في "اللسان" (3/ 313): يحتمل أن يكون هو النمري البصري، فإنهما في طبقة واحدة. والنمري أخرج له الدارقطني في "غرائب مالك" عن مطرف عن مالك عن عمه أبي سهيل عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص في فضل العباس. وقال: الراوي عن مطرف ليس بالمشهور، والمعروف في هذا رواية محمد بن طلحة الطويل عن أبي سهيل بالسند المذكور. اهـ.

[407] عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن العمري المدني

[407] عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي، أبو عبد الرحمن العمري المدني: "التنكيل" (2/ 77). قال المعلمي: "كثير الخطأ حتى قال البخاري: "ذاهب، لا أروي عنه شيئًا" ومن أثنى عليه فلصلاحه وصدقه، وأنه ليس بالساقط". اهـ. [408] عبد الله بن عمر بن الرماح أبو محمد النيسابوري قاضي نيسابور: في "طليعة التنكيل" (ص 41): "هو عبد الله بن عمر بن ميمون بن بكر بن الرماح، واسم الرماح: سعد، له ولأبيه ترجمتان في "طبقات الحنفية"، وهما معروفان عندهم، وللأب ترجمة في "تهذيب التهذيب" (ج 7 ص 498) وفي "تاريخ بغداد" (ج 11 ص 182) وفي كتاب ابن أبي حاتم وغيرها، ووقع في "تاريخ بغداد" (ج 13 ص 386) في سند حكاية "عبد الله بن عثمان بن الرماح" وعثمان تصحيف والصواب عمر .. ". وفي ترجمته من "التنكيل " رقم (126): "وفي "تهذيب التهذيب" (ج 7 ص 447) و (ص 160): أنه يقال لعمر بن ميمون بن بكر بن الرماح والد عبد الله هذا "عمر ابن الرماح" ينسب إلى جده الأعلى، وهكذا وقع في "سنن الترمذي" (¬1) في "باب ما جاء في الصلاة على الدابة في الطين والمطر" ومن لازم هذا أن يقال لعبد الله هذا: "عبد الله بن الرماح" ... زعم الأستاذ الكوثري أن عبد الله بن عمر بن ميمون بن بكر بن الرماح مجهول الصفة، فأقول: قال ابن حبان في "الثقات" (¬2): عبد الله بن عمر بن ميمون بن الرماح السعدي أبو عبد الرحمن البلخي قاضي نيسابور روى عن مالك ووكيع وأهل ¬

_ (¬1) ح (411). (¬2) (8/ 357) وفيه: عبد الله بن عمرو ..

[409] عبد الله بن عمر بن غانم الرعيني أبو عبد الرحمن قاضي إفريقية

العراق، حدثنا عنه الحسن بن إدريس الأنصاري، وعبد الله بن محمد الأزدي، مستقيم الحديث إذا حدث عن الثقات، وقد قيل: كنيته أبو محمد، وكان مرجئًا مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. وهذا من ابن حبان توثيق مقبول كما يأتي في ترجمته (¬1). اهـ. [409] عبد الله بن عمر بن غانم الرُّعيني أبو عبد الرحمن قاضي إفريقية: "حاشية الأنساب" (1/ 328). قال السمعاني: "قال أبو حاتم بن حبان: روى عن مالك عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشيخ في بيته كالنبي في قومه". وذكر حديثًا آخر أنه قال: ما من شجرة أحبّ إلى الله من شجرة الحناء. قال: حدثنا بالحديثين علي بن محمد بن حاتم القومسي ثنا عثمان بن محمد بن خشيش القيرواني ثنا عبد الله بن عمر بن غانم، عن مالك، في نسخة كتبناها عنه بهذا الإسناد، أنا أصون البياض عن ذكرها، فكيف الاشتغال بوصفها". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "لعبد الله بن عمر بن غانم ترجمة في التهذيب (ج 5 رقم 567) فيها توثيق جماعة له، وذكر نحو ما تقدم عن ابن حبان ثم قال: "لعل البلاء في الأحاديث التي أنكرها ابن حبان ممن هو دونه". ¬

_ (¬1) وترجم له الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (24). قال الذهبي: .. روى عنه: إسحاق بن راهويه مع تقدمه، والذهلي وقال: هو ثقة، وخلق سواهم. وقد كان عبد الله من غلاة السنة القوَّالين بالحق. قال أبو زيد عبد الله بن محمد: سمعته يقول: من قال القرآن مخلوق فهو كافر. ومن قال الجمعة ليست بواجبة فهو كافر، ومن شك في كفرهم فهو كافر. ثم ذكر عن الحاكم في "تاريخ نيسابور" قصة في قوله بالحق عند السلطان. وقال: قال الحاكم: ولي القضاء أيام المعاذية، ثم بقي بلى أول أيام الطاهرية، وكان أبوه بلخيًا. توفي في ثالث عشر من ذي القعدة سنة أربع وثلاثين - يعني ومائتين. اهـ.

[410] عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي أبو عبد الرحمن الكوفي: مشكدانة، مولى عثمان بن عفان

وله ترجمة في "الميزان" (ج 2 رقم 428) وقال: "لعلّ الآفة من عثمان صاحبه" ولم يزجم عثمان، وترجم في "اللسان" (ج 4 رقم 356) اقتصر على قوله "له ذكر في ترجمة عبد الله بن عمر بن غانم". وقد جاء من وجه آخر عن علي بن محمد بن حاتم القومسي شيخ ابن حبان قال: "ثنا يحيى بن محمد بن خشيش القيرواني ثنا عون بن يوسف ثنا أبي ثنا سعيد بن معن المدني ثنا مالك عن نافع عن ابن عمر - رفعه: لما خلق الله الجنة حفها بالريحان، وحف الريحان بالحناء، وما خلق شجرة أحبّ إليه من الحناء .. " راجع "اللآلىء المصنوعة" (2/ 146) و"لسان الميزان" (ج 3 رقم 171) وفي "اللسان" أنه "رواه أبو طالب أحمد بن نصر الحافظ عن ابن خشيش .. وزاد في المتن: وأن الشيخ في بيته مثل النبي في أمته". ويحيى بن محمد بن خشيش تالف، له ترجمة في "الميزان" و"اللسان" ويظهر أن عثمان بن محمد بن خشيش أخ خامل ليحيى بن محمد بن خشيش، قد وضع له أخوه تلك النسخة، وضمنها أكاذيبه بأسانيد أخرى، والله المستعان. وعلى كل حالٍ، فعبد الله بن عمر بن غانم بريء حتمًا من تلك الأكاذيب". اهـ. [410] عبد الله بن عمر بن محمد بن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي أبو عبد الرحمن الكوفي: مُشْكُدانة، مولى عثمان بن عفان: "حاشية الموضح" (1/ 34): "موثق على ما فيه من الغلو والغفلة، وفي "الميزان" أنه كان مرة يقرأ التفسير فمرّ بقوله تعالى {يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} فقرأ الكلمة الأخيرة "ونشرا" فروجع، فقال: هى منقوطة بثلاث، يعني أنها في كتابه الذي يقرأ منه "ونشرا" فقد صحفها عند كتابته، ثم قرأها على التصحيف". اهـ.

[411] عبد الله بن عمر الخراساني

[411] عبد الله بن عمر الخراساني: "الفوائد" (ص 163): "صاحب مناكير، بل هو تالف" (¬1). [ز 9] عبد الله بن الفضل بن محمد بن هلال بن جعفر أبو موسى الطائي الأنباري: تراجع حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 356). [412] عبد الله بن قلابة: "الأنوار الكاشفة" (ص 116): "مجهول لا ذكر له إلا في هذه الحكاية وفي السند إليه: عبد الله بن لهيعة وهو ضعيف كثير التخليط". اهـ. [413] عبد الله بن كثير الشامي الدمشقي الطويل القارىء إمام المسجد الجامع بدمشق: و"الفوائد" (ص 159): "صدوق يغرب" (¬2). [414] عبد الله بن لهيعة بن عقبة الحضرمي أبو عبد الرحمن المصري الفقيه القاضي: "الأنوار الكاشفة" (ص 116): "ضعيف كثير التخليط". "الفوائد" (ص 72): "ضعيف ومدلس". ¬

_ (¬1) قال ابن عديّ: شيخ مجهول، يحدث عن الليث بن سعد بمناكير، ويحدث عنه زهير بن عباد. ثم ذكر له حديثين، أولهما: حديث الفوائد: "مَنْ أكل فولةً بقشرها أخرج الله منه من الداء مثلها". والثاني: في فضيلة لعثمان بن عفان -رضي الله عنه-. وقال في كل منهما: حديث باطل، لا يرويه غير عبد الله بن عمر الخراساني هذا، ولا يرويه عنه غير زهير. "الكامل" (4/ 1573). أقول: وقد قرَّر الشيخ المعلمي في غير موضع أن المجهول إذا روى خبرين منكرين فهو تالف. (¬2) قال أبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يغرب. وروى له النسائي حديثًا واحدًا في "مسند علي". وروى عنه غير واحد. فهو صالح للاعتبار في الجملة، والله أعلم.

وفي (ص 215) نقل الشوكاني عن الوجيز: "ابن لهيعة أخرج له مسلم". فقال المعلمي: "هذا إطلاق منكر، إنما وقع لمسلم في إسناد خبرين عن ابن وهب: "أخبرني عمرو بن الحارث وابن لهيعة". سمع مسلم الخبر هكذا فحكاه على وجهه، واعتماده على عمرو بن الحارث فإنه ثقة. ويقع للبخاري والنسائي نحو هذا، فيكنيان عن ابن لهيعة؛ يقول البخاري: "وآخر". ويقول النسائي: "وذكر آخر". ورأى مسلم أنه لا موجب للكناية. مع أن ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب ولكن كان يدلس ثم احترقت كتبه، وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة، فيقرأ عليه وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه، لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه، ولا يردّ من ذلك شيئًا، ويذهبون يروون عنه، وقد عوتب في ذلك فقال: "ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم". نعم، إذا كان الراوي عنه: ابن المبارك أو ابن وهب، وصرح مع ذلك بالسماع فهو صالح في الجملة (¬1)، فأما ما كان من رواية غيرهما ولم يصرح فيه بالسماع وكان منكرًا ¬

_ (¬1) أي يُعتبر به فيما يروياه عنه، كما قاله الدارقطني في "الضعفاء والمتروكون" (الترجمة 322) وأضاف إليهما: محمد الله بن يزيد المقرىء. والسبب في تفضيل رواية هؤلاء عنه على غيرهم، ما قاله ابن أبي حاتم: "سئل أبو زرعة عن ابن لهيعة سماع القدماء منه؟ فقال: آخره وأوله سواء، إلا أن ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله فيكتبان منه، وهؤلاء الباقون كانوا يأخذون من الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط، وليس ممن يحتج بحديثه". "الجرح" (5 / ت 682). وسبب آخر، قال عمرو بن علي الفلاس: "عبد الله بن لهيعة احترقت كتبه، فمن كتب عنه قبل ذلك مثل ابن المبارك وعبد الله يزيد المقرىء أصح من الذين كتبوا بعد ما احترقت كتبه، وهو ضعيف الحديث". "الجرح" أيضا. تنبيه هام: المقصود هنا أن رواية هؤلاء العبادلة عنه أحسن وأصح من رواية غيرهم عند المفاضلة والزجيح، لا أَنَّهُ يُحكم على حديثه من روايتهم عنه بالصحة؛ لأن ابن لهيعة في نفسه غير حجة، وإنما =

[415] عبد الله بن محرر العامري الجزري القاضي

فلا يمتنع الحكم بوضعه. اهـ. وفي "الفوائد" (ص 309): "هذا الخبر قد رواه عنه ابن وهب، لكن لم يذكر تصريح ابن لهيعة بالسماع وقد عرف تدليسه والله أعلم". وفي (ص 378) رواية من طريق كامل بن طلحة "الجحدري" عن ابن لهيعة، فقال المعلمي: "كامل ممن سمع من ابن لهيعة بأخرة، وليس ذلك بشيء". اهـ. وفي (ص 419): خبر روي من طرق ضعيفة وواهية عن ابن لهيعة، منها من طريق سليم بن منصور عن أبيه عنه. قال ابن الجوزي: "وسليم ذاهب الحديث". قال المعلمي: "أبوه أذهب منه على فضله، وأحسب بعض الدجالين كتب صحيفة فيها عدة أخبار منها هذا الخبر فقرأها أو بعضها على ابن لهيعة، وسكت ابن لهيعة على عادته بأخرة كما في التعليق (ص 215) فتلقفها من كان حاضرًا من الضعفاء كمنصور وغيره، فانتسخوها وراحو يروونها عن ابن لهيعة". اهـ. [415] عبد الله بن مُحرّر العامري الجزري القاضي: "الفوائد" (ص 220): "منكر الحديث متروك". ¬

_ = يعتبر بما صحَّ أنه حدَّث به من كتابه وهذا هو مراد الشيخ المعلمي بقوله السابق: "فهو صالح في الجملة". وقد ختم أبو زرعة كلامه السابق بقوله: وليس ممن يحتج بحديثه. وختم الفلاس بقوله: وهو ضعيف الحديث. ويوضح ذلك ويؤكده ما ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح" أيضًا: سألت أبي وأبا زرعة عن ابن لهيعة .. فقالا: ابن لهيعة أمره مضطرب يكتب حديثه على الاعتبار. قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك وعبد الله بن وهب يحتج به؟ قال: لا". اهـ. ولسياق بعض الشواهد العملية من صنيع الأئمة على ذلك موضع آخر، والله تعالى الموفق.

[416] عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ الثقة صاحب التصانيف

[416] عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان أبو الشيخ الأصبهاني الحافظ الثقة صاحب التصانيف: له ترجمة في "التنكيل" رقم (129). راجع منهج الأئمة في "رواية الأحاديث الضعيفة والمنكرة والمكذوبة في الكتب" في قسم القواعد من هذا الكتاب. [417] عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان: في "الفوائد" (ص 389 - 390) حديث: إن الله لما خلق آدم وحواء تبخترا في الجنة .. الحديث في فضل فاطمة وعلي، وابناهما الحسن والحسن - رضي الله عنهم جميعًا. رواه أبو الفرج الحسن بن أحمد بن علي الهماني قال: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر بن شاذان، ثنا أحمد بن محمد بن مهران بن جعفر الرازي بحضرة أبي خيثمة، حدثني مولاي الحسن بن علي صاحب العسكر - إلخ. قال ابن الجوزي: موضوع، الحسن العسكري ليس بشيء - هكذا نقل المعلمي عن "اللآلىء". وقال الذهبي في "الميزان" (2/ 495): قال ابن الجوزي: "هذا موضوع، لعلّه من وضع ابن شاذان أو صاحبه الحسن بن أحمد الهماني الذي رواه عنه". قال المعلمي: العسكري بريء منمع ولابن شاذان ترجمة مختصرة في "الميزان" (¬1)، و"اللسان" (¬2)، وأحسبهما لم يعرفاه، وهو مشهور موثق (¬3)، ترجمته في "تاريخ بغداد" (10/ 128) وهو من شيوخ الدارقطني، وتوفي سنة (351) فعلى هذا لم يدرك ¬

_ (¬1) (2/ 498) لكن سبق فيه (2/ 495) بأطول مما في هذه، وقال الذهبي: شيخ لا يعرف، ومنها نقلت آنفًا. (¬2) (3/ 346) (¬3) وثقه الخطيب.

[418] عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني أبو القاسم الفقيه القاضي

أبا خيثمة، بل صاحب العسكر نفسه كان عمره عند وفاة أبي خيثمة ثلاث سنوات فقط، فالنظر في الهماني، وله ترجمة في "تاريخ بغداد" (7/ 277) تدل أنه غير مشهور، ولم يذكر فيه الخطيب مدحًا ولا قدحًا، وأرى البلاء منه". اهـ. [418] عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني أبو القاسم الفقيه القاضي: "التنكيل" رقم (130) قال الكوثري: "الكذاب المشهور الذي وضع على لسان الشافعي نحو مائتي حديث، ولم يرو الشافعي شيئًا من ذلك أصلًا" (¬1). فقال الشيخ المعلمي: "إنما خلط في آخر عمره .. قال مسلمة بن قاسم في القزويني: "كان كثير الحديث والرواية، وكان فيه بأوٌ شديد وإعجاب، وكان لا يرضى إذا عورض في الحديث أن يخرج لهم أصوله ويقول: هم أهون من ذلك. قال: فحدثني أبو بكر المأمون وهو من أهل العلم العارفين بوجوهه قال: ناظرته يوما وقلت له: ما عليك لو خرجت لهم أصلًا من أصولك؟ فقال: لا ولا كرامة. ثم قام فأخرجها، وعرض عليّ كل حديث اتهموه فيه مثبتًا في أصوله". وقال ابن يونس: "كان محمودًا في القضاء، وكانت له حلقة بمصر وكان يظهر عبادة وورعًا، وثقل سمعه جدًّا، وكان يفهم الحديث، ويحفظ ويملي، ويجتمع إليه الخلق، فخلط في الآخر ووضع أحاديث .. " (¬2) ثم قال: "مات بعد أن افتضح بيسير". ¬

_ (¬1) وقال ابن المقرىء: رأيتهم يضعفونه وينكرون عليه أشياء. وقال الحاكم عن الدارقطني: كذاب، ألَّف كتاب سنن الشافعي، وفيها نحو مائتي حديث لم يحدث بها الشافعي. وقال الدارقطني أيضًا: وضع القزويني في نسخة عمرو بن الحارث أكثر من مائة حديث. وقال علي بن رزيق: وكان إذا حدث يقول لأبي جعفر بن البرقي في حديث بعد حديث: كتبت هذا عن أحد، فكان يقول: نعم، عن فلان وفلان؛ فاتهمه الناس بأنه يفتعل الحديث، ويدعيها ابن البرقي كعادته في الكذب. قال: وكان يصحف أسماء الشيوخ. توفي سنة (315) انظر "الميزان" (2/ 495) و"اللسان" (3/ 345). (¬2) فسقط إذًا، ولم تنفغهُ أصولُه، والله المستعان.

[419] عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود البصري الحافظ

[419] عبد الله بن محمد بن حميد أبو بكر بن أبي الأسود البصري الحافظ: "التنكيل" رقم (128) قال ابن أبي خيثمة: "كان ابن معين سيء الرأي في أبي بكر بن أبي الأسود". قال الشيخ المعلمي: "هذا مجمل، وقد جاء عن ابن معين أنه قال: "ما أرى به بأسًا" (¬1). وجاء عنه أيضا (¬2) أنه قال: "لا بأس به ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير وقد كان يطلب الحديث". فهذا يفسر رواية ابن أبي خيثمة (¬3). وقال ابن المديني: "بيني وبين ابن أبي الأسود ستة أشهر ومات أبو عوانة وأنا في الكُتّاب" (¬4). ومولد ابن المديني سنة (161) وذكر هو أن وفاة أبي عوانة سنة (175) وقال غيره سنة (176) فعلى ذلك يكون سن ابن أبي الأسود حين وفاة ¬

_ (¬1) رواية عبد الخالق بن منصور عنه. (¬2) رواية ابن محرز عنه. وكلاهما في "تاريخ بغداد" (10/ 63)، والثانية في "سؤالاته" (ت 343). (¬3) أقول: لم يذكر ابن أبي خيثمة كلام ابن معين في ابن أبي الأسود، فإن كان مثل الذي نقل غيره عنه بشأن سماع ابن أبي الأسود وهو صغير من أبي عوانة، فالتعبير عنه بـ "كان سيء الرأي فيه" فيه نظرة لأنه يقتضى الطعن فيه بذلك، ولم يُرْوَ عن ابن معين ولا غيره غمز ابن أبي الأسود بهذا ولا بغيره، بل روى عنه الأئمة الثقات الإثبات -كما سيأتي- وفي رواية عبد الخالق بن منصور وابن محرز عن ابن معين ما يرفع الإشكال؛ إذ نقلا عنه قوله: "لا بأس به" وزاد ابن محرز عنه: "ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير". فهو كغيره من الثقات بل وفيهم أئمة حفاظ يُسْتَضغَرُون في بعض شيوخ لهم، أو يضعفوا فيهم لأسباب تقدح فيما رووا عنهم، لا فيهم أنفسهم، وهذا مستفيض، وقد قال الذهبي في "الميزان" (2 / ت 4559): "ثقة، استصغر في أبي عوانة". وإن كان الذي سمعه ابن أبي خيثمة من ابن معين كلامًا آخر، فلم يُبَيِّنْهُ، وهو جرح غير مفسَّر. والمقصود هنا أن كلام ابن معين وابن المديني لا يوهم في هذا الموضع طعنًا في ابن أبي الأسود، وسيأتي تقرير الشيخ المعلمي لهذا قريبًا. (¬4) قاله عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه، وقال عبد الله: وذهب -يعني أباه- إلى أن سماعه من أبي عوانة ضعيف؛ لأنه كان صغيرًا. "تاريخ بغداد" (10/ 63).

أبي عوانة خمس عشرة سنة أو أكثر، وكان ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي فقد يكون ساعده هو أو غيره في الضبط (¬1). وقد صحيح الجمهور السماع في مثل تلك السن وفيما دونها. نعم، يؤخذ من كلام بعضهم أن أبا عوانة توفى سنة (170) (¬2)، ووقع في "تاريخ جرجان" لحمزة السهمي حكاية ذلك عن بعض الحفاظ كما يأتي في ترجمة أبي عوانة، فعلى هذا يكون سن ابن أبي الأسود نحو تسع سنين، لكن ذاك القول شاذ، ومع ذلك فابن تسع سنين قد يصح سماعه عندهم. والذي يرفع النزاع من أصله أنه ليس في سماع الرجل وهو صغير ما يوجب الطعن فيه، وإنما يتوجه الطعن إذا كان السماع غير صحيح، ومع ذلك كان الرجل يبني عليه ويروي بدون أن يبيِّن، وهذا منتفٍ هنا. أما أولًا: فلأن احتمال صحة سماعه من أبي عوانة ظاهر ولا سيما على المعروف من أن وفاة أبي عوانة كانت سنة خمس أو ست وسبعين ومائة. وأما ثانيًا: فلأن البخاري وأبا داود والترمذي أخرجوا لابن أبي الأسود، ولم يذكروا شيئًا من روايته عن أبي عوانة، وذلك يدل على أحد أمرين: - إما أن يكون ابن أبي الأسود لم يرو عن أبي عوانة شيئًا. - وإما أن يكون ربما روى عنه مع بيان الواقع، وعلى هذا فيكون كلام ابن معين وابن المديني إنما هو على سبيل الاحتياط، علِما أنه سمع من أبي عوانة وهو صغير، فخشيا أن يعتمد على ذلك فيروي من غير بيان. فأما حاله في نفسه وفي روايته عن غير أبي عوانة فلا مطعن فيه، وقد روى عنه البخاري في "صحيحه" وروى عنه أبو داود وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده كما في ¬

_ (¬1) قال الذهبي في ترجمته من "تاريخ الإسلام" الطبقة (23): "وسمع وهو صغير باعتناء خاله". (¬2) في المطبوع من "التنكيل" (270)، وهو خطأ ظاهر.

[420] عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر التجيبي المصري

ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم. وقال الخطيب: "كان حافظًا متقنًا" وحكايته المتقدمة أول الترجمة من روايته عن بشر بن مفضل المتوفّى (187 هـ)، أي حين كان سن ابن أبي الأسود ستًا وعشرين (¬1) سنة أو أزيد. والله الموفق. اهـ. [420] عبد الله بن محمد بن رمح بن المهاجر التجيبي المصري: "الفوائد" (ص 484): "مقلّ جدًّا، له ترجمة في "تهذيب التهذيب" (¬2)، لم يذكر فيها راويًا عنه إلا ثلاثة: بكر بن سهل راوي هذا (¬3) -وسيأتي حاله-، ومحمد بن محمد بن الأشعث -أحد الكذابين-، وابن ماجه. وليس له عند ابن ماجه إلا حديثان غريبان. ومع ذلك قال ابن حجر في "القول المسدد": "ثقة". وفي "التقريب": "صدوق". وهذا مخالف لقاعدة ابن حجر التي جرى عليها في "التقريب"، ولكنه تسمّح هنا جريًا مع ما سماه في خطبة القول المسدد "عصبية لا تخل بدين ولا مروءة". والتحقيق أن هذا الرجل مجهول الحال، ومثله لا يلتفت إلى ما تفرد به ولا سيما عن ابن وهب (¬4)، فكيف إذا انفرد عنه بكر بن سهل. وبكر حاول ابن حجر وفاءً بتلك العصبية تقويته ولم يصنع شيئًا، بكر ضعفه النسائي ولم يوثقه أحد، وله أوابد تقدم بعضها في التعليق على الصفحات (135 و 226 و 245 و 467) وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان": "ومن وضعه .. " فذكر ¬

_ (¬1) من الطبعة الأم لكتاب "التنكيل" (1/ 308) والتي نشرتها: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد بالمملكة العربية السعودية (1403 هـ - 1983 م) وكذا طبعة دار المعارف، وجاء في طبعة: دار الكتب السلفية بالقاهرة (1/ 317): "عشرون" وهو خطأ. (¬2) (6 / ص 8). (¬3) هو ما انفرد به بكر بن سهل الدمياطي عنه، عن ابن وهب عن حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم عن أنس مرفوعًا "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص ... " وللحديث طرق أخرى وَهَّنَها للمعلمي كُلَّها. (¬4) ولم يُذكر له شيخ غيره.

[421] عبد الله بن محمد بن زاذان المدني

قول بكر: "هجرت -أي بكرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات" قال الذهبي: "فاسمع إلى هذا وتعجب". وأرى أن تفرد بكر عن ابن رمح عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه". اهـ. [421] عبد الله بن محمد بن زاذان المدني: "الفوائد" (ص 66): "هالك" (¬1). [422] عبد الله بن محمد بن عبد العزيز أبو القاسم البغوي ابن بنت أحمد بن منيع: له ترجمة في "التنكيل" رقم (133). قال المعلمي: "أما البغوي فإن أهل العلم بعده أجمعوا على توثيقه، هذا ابن عدي بعد أن حطّ عليه بما لا يوجب جرحًا، لم ينكر عليه إلا حديثًا واحدًا أشار إلى أنه غلط في إسناده (¬2)، فأثبت ابن حجر في "لسان الميزان" (¬3) أن الغلط من شيخ البغوي، وأن البغوي بعد اطلاعه على أنه غلط كفّ عن روايته .. وأعرض الخطيب ¬

_ (¬1) قاله الذهبي في "الميزان" (2/ 486). وقد ضعفه أبو حاتم، كما في "الجرح" (5/ 158). وذكره ابن عديّ في "الكامل" (4/ 1517) وذكر له ثلاثة أحاديث، الأوَّلَيْن من طريق دحيم عنه، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة مرفوعًا. والثالث -وهو حديث الفوائد- من طريق إبراهيم بن المنذر عنه عن أبيه عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة مرفوعًا: "إذا لم يكن عند أحدكم ما يتصدق به فليلعن اليهود". قال الذهبي: هذا كذب. وقال ابن عدي: "وعبد الله بن محمد هذا لم أر للمتقدمن فيه كلاما ولكن له أحاديث غير محفوظة فأحببت أن أذكره لما شرطتُ في الكتاب" وقد سبق أن أبا حاتم ضعفه. (¬2) "الكامل" (4/ 1578). (¬3) (3/ 338).

[423] عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء

عن كلام ابن عدي رأسًا، .. وقال الذهبي في "الميزان" (¬1): "تكلم فيه ابن عديّ بكلامٍ فيه تحامل، ثم في أثناء الترجمة أنصف ورجع عن الحطّ عليه". وإنما كان البغوي عالي الإسناد، حديد اللسان، يفتخر على المحدثين في عهده في بلده ويتكلم فيهم فيتكلمون فيه بما ليس بموجب جرحًا. اهـ. ثم نقل المعلمي قول الدارقطني في البغوي: "ثقة جبل إمام من الأئمة ثبت أقل المشايخ خطأ". وقول الخطيب في أول ترجمته: "كان ثقة ثبتًا مكثرًا فهمًا عارفًا". وقول الخليلي: "شيخٌ معمّر .. حافظ عارف صنّف مسند عمه (¬2)، وقد حسدوه في آخر عمره فتكلموا فيه بشيء لا يقدح فيه". اهـ. [423] عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء: "طليعة التنكيل" (ص 35): قال الكوثري: "هجره أهل واسط لروايته حديث الطير، كما في "طبقات الحافظ الذهبي"". فقال الشيخ المعلمي: "الذي في ترجمة هذا الحافظ من "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 165) من قول الحافظ خميس الحوزي: "من وجوه الواسطيين وذوي الثروة والحفظ، وبارك الله في سِنِّه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث الطير فلم تحتمله نفوسهم فوثبوا به وأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته". أقول: أفلا يعلم الأستاذ أن هذه حماقة من العامة وجهل لا يلحق ابن السقاء بها عيب ولا ذمّ ولا ما يشبه ذلك، وحديث الطير مشهور روي من طرق كثيرة، ولم ينكر أهل السنة مجيئه من طرق كثيرف وإنما ينكرون صحته، وقد صححه الحاكم (¬3)، ¬

_ (¬1) (2/ 492) (¬2) هو مسند أحمد بن منيع بن عبد الرحمن البغوي، أبي جعفر الأصم. (¬3) في "المستدرك" (3/ 131) لكن هَدَم الذهبي تصحيحه بقوله: "لقد كنت زمانًا طويلًا أظن أن حديث الطير لم يجسر الحاكم أن يودعه في مستدركه، فلما علقت هذا الكتاب رأيت الهول من الموضوعات التي فيه، فإذا حديث الطير بالنسبة إليها سماء".

[424] عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي البخاري الفقيه الملقب بالأستاذ

وقال غيره: إن طرقه كثيرة يدل مجموعها أن له أصلًا (¬1)، وممن رواه النسائي في "الخصائص". فكأني بالكوثري يقول: كما أن عامة ذاك العصر اشتدّ نكيرهم على هذا الحافظ وظنوا أن روايته لذاك الحديث توجب سقوطه، فلعلّ عامة هذا الزمان إذا رأوا الأستاذ الكوثري قد ذكر الحكاية في معرض الطعن في ذاك الحافظ أنْ يظنوا أنّ في القصة ما يعد جرحًا! والله المستعان. اهـ. [424] عبد الله بن محمد بن يعقوب الحارثي البخاري الفقيه الملقب بالأستاذ: "التنكيل" (1/ 364): "تالف مرمي بالوضع، راجع ترجمته في "لسان الميزان" (ج 3 ص 348) وشيخه "يعني: سعيد بن محمد البرذعي أبا طالب في مسجد أبي الحسن الكوفي ببغداد" لا يذكر إلا في هذه الحكاية، وقد ذكره صاحب "الجواهر المضيئة في تراجم الحنفية" (ص 249) بما يؤخذ من هذه الحكاية فقط فإما أن يكون اسمًا اختلقه الحارثي، وإما أن يكون رجلًا مغمورًا هلك فاختلق الحارثي هذه الحكاية ونسبها إليه .. " وفي "الفوائد" (ص 14): "ترجمته في "لسان الميزان" (3/ 348) وهو مرمي بالوضع، وقد وقفت له على أشياء أجزم بأنها من وضعه، كوصية أبي حنيفة للسمتي، ومناظرة الأوزاعي مع أبي حنيفة، وأشياء لا ريب في وضعها، ولكنه يُسمِّي شيوخًا لا يُعرفون، ثم يصنع تلك البلايا، ويحدث بها عنهم، وقد كانت له معرفة وعلم، ونعوذ بالله من علم لا ينفع". اهـ. [425] عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي أبو عبد الرحمن المروزي صاحب ابن المبارك: "طليعة التنكيل" (ص 35، 56) وترجمة رقم (135) من تراجم "التنكيل". ¬

_ (¬1) ليس هذا بكلام أهل النقد، ولقد استقر رأي النقاد على بطلان هذا الخبر، والله المستعان.

قال الكوثري: "مجهول الصفة". فقال الشيخ المعلمي: "له ترجمة في كتاب ابن أبي حاتم (¬1) وقال: "كتب إلى أبي بمسائل ابن المبارك من تأليفه". وله ترجمة في "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 257)، قال الذهبي: "الحافظ الثقة محدث مرو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي .. قال الحاكم: ثقة مأمون". وعلق المعلمي في حاشية "الطليعة" قال: "وهو من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان، وذكره ابن حبان في ثقاته مع روايته عنه في صحيحه، وتوثيق ابن حبان لمن عرفهم وخبرهم من أعلى التوثيق، فإنه يتشدد في هؤلاء ويحسن الظن بغيرهم". وقال في ترجمته من "التنكيل" (135): "زعم الأستاذ الكوثري في "الترحيب" أنه لم يوثقه أحد من أهل عصره، وأن الحاكم متأخر عنه، مع أن الحاكم لا يعتد به. فأما الذهبي فمتابع للحاكم. ثم أومأ الأستاذ إلى أن بعض أهل عصره وثقه، وأنني إذا فتشتُ وجدتُّه. فأقول: لا حاجة إلى التفتيش، والحاكم أقرب إلى عبد الله بن محمود من ابن معين إلى أبي حنيفة! فضلًا عن التابعين وأتباعهم الذين يوثقهم ابن معين ويعمل أهل العلم بتوثيقه لهم. والحاكم إمام مقبول القول في الجرح والتعديل ما لم يخالفه من يرجح عليه، وستأتي ترجمته. ولم يقتصر الذهبي على حكاية كلمة الحاكم بل قال من عنده: "الحافظ الثقة". اهـ. ثم ذكر المعلمي نحْو ما نقلتُه عنه آنفًا عن حاشية "طليعة التنكيل". ¬

_ (¬1) (4 / ت 851).

[426] عبد الله بن مخلد بن خالد بن عبد الله التميمي النيسابوري النحوي راوية كتب أبي عبيد بخراسان

[426] عبد الله بن مخلد بن خالد بن عبد الله التميمي النيسابوري النحوي راوية كتب أبي عبيد بخراسان: "الفوائد" (ص 75): "لم يوثق" (¬1). [427] عبد الله بن معاوية بن موسى بن أبي غليظ القرشي الجمحي أبو جعفر البصري: "الفوائد" (ص 97): "ثقة عندهم". [428] عبد الله بن مكنف الأنصاري الحارثي المدني: عن أنس، وعنه محمد بن إسحاق (¬2). "الفوائد" (ص 466): "ابن إسحاق مدلس، وشيخه قال البخاري: "فيه نظر" (¬3). وهذه من أشد صيغ الجرح عنده، ولم يثبت له سماع من أنس إلا بدعواه" (¬4). ¬

_ (¬1) روى عنه أبو داود في "السنن" وابنه أبو بكر بن أبي داود، وابن خزيمة وجماعة. وقال الحاكم أبو عبد الله: "سمع بخراسان، والبصرة، والكوفة، والحجاز، وهو راوي كتب أبي عبيد بخراسان، رأيت كتاب إسحاق بن إبراهيم بن عمار بخطه "غريب الحديث" سماعه من عبد الله ابن مخلد، وفيه سماع مشايخنا رحمهم الله، وروى عنه: أبو بكر الجاروديّ، وابن خزيمة فمن بعدهما. قرأت في كتاب بعض أصحابنا: توفي عبد الله بن مخلد سنة ستين ومئتين". اهـ. انظر "تهذيب الكمال" (16/ 112) وغيره. (¬2) حديث: "أُحُدٌ جبل يحبنا ونحبه". (¬3) من "التاريخ الكبير" (5 / ت 612) وذكر له حديث "الفوائد" ومثله في "الكامل" (4/ 1539)، وفي "تهذيب الكمال" (16/ 176) عنه: "في حديثه نظر". وكذا في "الميزان" (2/ 507)، و"تهذيب التهذيب" (6/ 42). (¬4) قال ابن حبان: "روى عنه محمد بن إسحاق بن يسار، ولا أعلم له سماعًا من أنس، ولا لمحمد بن إسحاق عنه، وهذا منقطع من جهتين، لا يجوز الاحتجاج به. وقد كان مع ذلك مختاريًا". "المجروحين" (2/ 6). وقال ابن عدي: لا يحدث عنه غير محمد بن إسحاق.

[429] عبد الله بن المؤمل بن وهب الله القرشي المخزومي العائذي المدني، يقال: المكي

[429] عبد الله بن المؤمل بن وهب الله القرشي المخزومي العائذي المدني، يقال: المكي: "الفوائد" (ص 113): "ضعيف الحديث". [430] عبد الله بن نافع الصائغ القرشي المخزومي مولاهم أبو محمد المدني: "الفوائد" (ص 99): "فيه كلام". وفيه (ص 116) فيما يتعلق به، وبروايته عن مالك، ورواية محمد بن إسماعيل الصائغ عنه: "مات عبد الله بن نافع الصائغ وسنّ محمد بن إسماعيل الصائغ سبع عشرة سنة. وقد قال الإمام أحمد في عبد الله بن نافع الصائغ: "كان يحفظ حديث مالك كله، ثم دخله بأخرة شكّ". وقال أيضًا: "لم يكن صاحب حديث، كان [ضيِّقًا] (¬1) فيه" (¬2). وقال البخاري: "في حفظه شيء، فأما الموطأ فأرجو". وقال أيضا: "تعرف حفظه وتنكر، وكتابه أصح". وتكلم آخرون في حفظه فهو سيء الحفظ، ومع ذلك عرض له بأخرة شك، وسمع منه محمد بن إسماعيل الصائغ بأخرة وهو صغير .. وفي ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ من "الميزان": "أنكر ما له ما رواه محمد بن إسماعيل الصائغ، إنما ولد بعد لقيه، حدثنا عبد الله .. " فذكر هذا الخبر (¬3)، ثم قال: "ساقه ابن الجوزي في الموضوعات ¬

_ (¬1) من "الجرح والتعديل" (5 / ت 856)، و"الكامل" لابن عدي (4/ 1555)، و"تهذيب الكمال" (16/ 210) وهو الصواب، وجاء في "الفوائد" تبعًا لـ "تهذيب التهذيب" (6/ 51) "ضعيفًا" وهو تحريف. (¬2) تمامه: "وكان صاحب رأي مالك، وكان يفتي أهل المدينة برأي مالك، ولم يكن في الحديث بذاك". (¬3) هو خبر: "من مات في أحد الحرمين استوجب شفاعتي، وجاء يوم القيامة من الآمنين".

[431] عبد الله بن نجي بن سلمة الحضرمي الكوفي

فلم ينصف". وقوله "إنما ولد بعد لُقِيّه" كأنها مقحمة من النساخ أو محرفة (¬1)، وعلى كل حال فلا يصح هذا الخبر عن مالك". اهـ. [431] عبد الله بن نُجيّ بن سلمة الحضرمي الكوفي: عن علي. "التنكيل" (2/ 175 - 176): "قال الشافعي: "رجل مجهول". يعني أنه مجهول الحال عنده، وقال البخاري: "فيه نظر" وهذه الكلمة من أشد الجرح عند البخاري .. فأما توثيق ابن حبان فقاعدته توثيق المجاهيل .. وتوثيق النسائي معارض بطعن البخاري، على أن النسائي يتوسع في توثيق المجاهيل كما تقدم في القواعد" (¬2). اهـ. [432] عبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني أصله من خراسان: "الفوائد" (ص 336): قال السيوطي: "وابن واقد .. وثقه ابن معين" قال المعلمي: كان ظاهره مستقيمًا حتى وثقه يحيى وأحمد ثم فسد بأخرة. قال البخاري: "تركوه، منكر الحديث". وفي موضع آخر: "سكتوا عنه". وقال أبو حاتم: "تكلموا فيه، منكر الحديث، وذهب حديثه". وفي (ص 485): "كان أولًا متماسكًا، حتى أثنى عليه بعض الأئمة، ثم فسد جدًّا فتُرك، فليس بشيء البتة". ¬

_ (¬1) في النسختين الخطيتين من كتاب "الميزان" وهما المشار إليهما في مقدمة التحقيق بـ "خ" و"س" بدل هذه العبارة: "ثقة" وأشار المحقق إلى ورود تلك العبارة في الطبعة الهندية فقط من الكتاب، فالظاهر أنها مقحمة هنا كما توقع المعلمي رحمه الله. (¬2) وقال الدارقطني: ليس بقوي في الحديث "العلل" (3 / ق 258). وقال ابن معين والدارقطني: لم يسمع من علي، زاد ابن معين: بينه وبين علي أبوه "مراسيل الرازي" (110). وقال ابن حبان في "الثقات": يروي عن علي، ويروي أيضًا عن ابنه عن علي (5/ 30). وقال البزار: سمع هو وأبوه من علي "تهذيب التهذيب" (6/ 55).

[433] عبد الله بن يزيد

[433] عبد الله بن يزيد: قال: "كان أذان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شفعًا شفعًا، في الأذان والإقامة". وعنه: عبد الرحمن بن أبي ليلى. "الفوائد" (ص 18): "في صحبته كلام" (¬1). [434] عبد الله [بن] (¬2) أبي عبس بن جبر: "الفوائد" (ص 466): "لم يوثق توثيقًا يعتد به" (¬3). [435] عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر بن كريز بن ربيعة القرشي أبو عبد الرحمن البصري: عن عبد الله بن الحارث بن نوفل. "الفوائد" (ص 485): "مجهول الحال (¬4)، ولا يعلم أدركه أم لا". ¬

_ (¬1) هكذا بنى المعلمي كلامه على ما وقع في "اللآليء" (2/ 14): عبد الله بن يزيد، وهو خطأ، صوابه: عبد الله بن زيد، وهو ابن عبد ربه الأنصاري صاحب الأذان، هكذا وقع في "سنن الدارقطني" (1/ 241) -يعني: ابن زيد- وهكذا ذكره المزي في شيوخ عبد الرحمن بن أبي ليلى من "تهذيب الكمال" (17/ 373). وقد ضعَّف الدارقطني الحديث بمحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وبعدم ثبوت سماع عبد الرحمن بن أبي ليلى من عبد الله بن زيد، ثم رجح رواية من رواه عن عبد الرحمن مرسلا. وأما قول المعلمي: "في صحبته كلام"، فلم أدر من قصد بذلك، فقد فتشت عمن يقال له عبد الله ابن يزيد، ويروي عنه عبد الرحمن بن أبي ليلى، واختلف في صحبته، فلم أجد، فالله تعالى أعلم. (¬2) من "اللآلىء" (1/ 93) ومنه ينقل المعلمي، وهو الصواب وسقط من "الفوائد". (¬3) التاريخ الكبير (8 - 63 كنى)، و"الجرح" (9/ 420) بغير جرح أو تعديل. وفيهما: أبو عبس بن محمد بن أبي عبس بن جبر الأنصاري، روى عنه ابنه عبد المجيد. (¬4) ذكره البخاري في "الكبير" (6/ 71)، وابن أبي حاتم في "الجرح" (6/ 27) بغير جرح أو تعديل، وذكره ابن حبان في "الثقات " (7/ 129).

[436] عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغساني أبو مسهر الدمشقي

[436] عبد الأعلى بن مسهر بن عبد الأعلى بن مسهر الغساني أبو مسهر الدمشقي: قال في ترجمته من "التنكيل" رقم (137): "إمام جليل من الشهداء في سبيل السنة، ومن فرائس الحنفية الجهمية لمخالفته لهم في الفقه والعقيدة، ولم يُجب بحمد الله تعالى -يعني في الفتنة-، ومن زعم أنه أجاب فقد صرح بأن ذلك بعد تحقق الإكراه. قال ابن سعد (¬1): "أُشخص من دمشق إلى المأمون في المحنة فسُئل عن القرآن فقال: كلام الله، فدُعي له بالسيف ليُضرب عنقه، فلما رأى ذلك فقال: مخلوق. فأُمر بإشخاصه إلى بغداد، فحُبس بها، فلم يلبث إلا يسيرًا حتى مات". وقال أبو داود (¬2): "كان من ثقات الناس، لقد كان من الإسلام بمكان، حُمل على المحنة فأبى، وحُمل على السيف فمدّ رأسه، وجُرِّد السيف فأبى أن يجيب، فلما رأوا ذلك منه حُمل إلى السجن فمات". وأبو داود أثبت من عددٍ مثلِ ابن سعد، والظاهر أنه لم يحضر الوقعة واحد منهما، ولكن بعض الحاضرين لها من الجهمية أخبر بما ذكر ابن سعد، وبعض الحاضرين من أهل السنة أخبر بما ذكر أبو داود. والمشدِّد على الذين أجابوا في المحنة هو الإمام أحمد، ومع ذلك لم يقل لا تقبل روايتهم، وإنما كره الكتابة عنهم. وقد سلف بيان الوجه في ذلك في ترجمة: إسماعيل ابن إبراهيم بن معمر، ثم الظاهر أن ذاك خاص بمن أجاب قبل تحقق الإكراه. فأما أبو مسهر فإن كان أجاب فبعد تحقق الإكراه وقد أثنى عليه بعد موته الإمام أحمد نفسه قال أبو داود: "سمعت أحمد يقول: رحم الله أبا مسهر ما كان أثبته" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) "طبقاته" (7/ 473). (¬2) "تاريخ بغداد" (11/ 74). (¬3) "تاريخ بغداد" (11/ 73) وتمامه: "وجعل يُطْريه". وقال أبو زرعة الدمشقي "تاريخه" (384): "قال لي أحمد بن حنبل: كان عندكم ثلاثة أصحابُ حديثٍ: مروان، والوليد، وأبو مسهر. وقال أبو الحسن الميموني: وذكر يومًا - يعني: أحمد بن حنبل =

[437] عبد الحميد بن بحر الكوفي سكن البصرة

[437] عبد الحميد بن بحر الكوفي سكن البصرة: "الفوائد" (ص 350): "هالك يسرق الحديث". [438] عبد الرحمن ابن البيلماني، والد محمد بن عبد الرحمن ابن البيلماني، مولى عمر بن الخطاب: "حاشية الأنساب" (2/ 377): "هو وابنه تالفان" (¬1). [439] عبد الرحمن بن حاتم أبو زيد المرادي القفطي المصري: "الفوائد" (ص 163): "ليس بثقة" (¬2). [440] عبد الرحمن بن أبي حسان أو ابن حسان: "الفوائد" (ص 215): "مجهول". [441] عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان: في ترجمته من "التنكيل" رقم (138) قال الكوثري: "ولم أر من وثقه". قال المعلمي: "ذكر ابن أبي حاتم في جملة من روى عن عبد الرحمن هذا: أبا زرعة، ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416). وذكر ابن أبي حاتم عن إبراهيم بن موسى قال: "ما رأيت أحدًا أفهم لمشيخة أبي إسحاق الهمداني من عبد الرحمن بن الحكم". ¬

_ = - أبا مسهر الشامي فقال: كيِّسٌ، عالم بالشامين. قلت: وبالنسب؟ قال: نعم، زعموا. "تهذيب الكمال" (16/ 373). (¬1) ابنه محمد هو التالف، وأما هو -فَعَلَى ضَعْفِه- أحسنُ حالًا من ابنه، والله تعالى أعلم. (¬2) قاله مسلمة بن قاسم، وقال ابن يونس: تكلموا فيه، توفي سنة (294). "اللسان" (3/ 408). وقال ابن الجوزي: متروك الحديث. فقال الذهبي: هذا من شيوخ الطبراني، ما علمت به بأسًا، يروي عن نعيم بن حماد وجماعة "الميزان" (2/ 554) فكأن الذهبي لم يقف على قول ابن يونس ومسلمة. مع أنه قد ذكر في "تاريخ الإسلام" الطبقة (130) عن ابن يونس أنه مات سنة (294) فالله أعلم.

[442] عبد الرحمن بن أبي الزناد واسمه: عبد الله بن ذكوان القرشي مولاهم أبو محمد المدني

قال ابن أبي حاتم: "سمعت محمد بن مسلم "بن وارة" يقول: كان عبد الرحمن ابن الحكم أعلم الناس بشيوخ الكوفيين". ورأيت ابن أبي حاتم ينقل أشياء من كلامه جرحًا وتعديلًا، وهذا يقتضي أنه عنده ممن يقبل منه ذلك. اهـ. [442] عبد الرحمن بن أبي الزناد واسمه: عبد الله بن ذكوان القرشي مولاهم أبو محمد المدني: "الأنوار الكاشفة" (ص 6): "فيه كلام". وفي "التنكيل" (2/ 34): "لم يحتج به صاحبا "الصحيح" وإنما علّق عنه البخاريُّ، وأخرج له مسلم في "المقدمة"، ووثقه جماعة وضعفه بعضهم وفصّل الأكثرون". ثم بيّن المعلمي هذا التفصيل فقال (2/ 35): قال موسى بن سلمة: "قدمت المدينة فأتيت مالك بن أنس فقلت له: إني قدمت إليك لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد" (¬1). ومالك مشهور بالتحري لا يرضى هذا الرضا إلا عن ثقة لا شك فيه، ولذلك عدّ الذهبي هذا توثيقًا، بل قال في "الميزان" (¬2): "وثقه مالك، قال سعيد ابن أبي مريم: قال لي خالي موسى بن سلمة: قلت لمالك: دُلّنِي على رجل ثقة، قال: عليك بعبد الرحمن ابن أبي الزناد". وقال صالح بن محمد: "تكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة -يعني الفقهاء- وقال: أين كنا عن هذا"؟ (¬3). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (10/ 228). (¬2) (2/ 575). (¬3) "تاريخ بغداد" (10/ 230) وأوَّله: "روى عن أبيه أشياء لم يروها غيرها وتكلم فيه مالك .. ".

وإنما روى هذا بعد أن انتقل إلى العراق كما يأتي عن ابن المديني. وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: "ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخط على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: ولقّنهُ البغداديون عن فقهائهم، عدّهم: فلان وفلان وفلان" (¬1). يعني الرواية عن أبيه عن المشيخة بالمدينة أو الفقهاء بها، وهذا هو الذي حكى صالح بن محمد أن مالكًا أنكره، تبيّن أن ابن أبي الزناد إنا وقع منه ذلك بالعراق. وابن مهدي إنما كان عنده عن ابن أبي الزناد مما حدث به بالعراق كما يدل عليه كلام ابن المديني، ويأتي نحوه عن عمرو بن علي. وقال يعقوب بن شيبة: "ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب، وما حدث به بالعراق فهو مضطرب. قال علي: وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة" (¬2). وقال عمرو بن علي: "فيه ضعف، فما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد، كان عبد الرحمن يخط على حديثه" (¬3). ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (10/ 229)، ومثله في "تهذيب الكمال" (17/ 99)، وجاء في "التنكيل" تبعًا لـ "تهذيب التهذيب" (6/ 172): "وكان يقول في حديثه عن مشيختهم، فلان وفلان وفلان، قال: ولقنه البغداديون عن فقهائهم". فأثبتُّ الأقرب للصواب، فإن المطبوع من تهذيب ابن حجر فيه تحريف وتخليط غير قليل. وقد قال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن علي بن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا. "سؤالاته" (ت 165)، و"تاريخ بغداد" (10/ 229). (¬2) "تاريخ بغداد" (10/ 229) وليس في أوله: "ثقة صدوق" وإنما نقلها المزي في "تهذيب الكمال" (17/ 99). (¬3) المصدر السابق.

وقال الساجي: "فيه ضعف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد" (¬1). وقال أبو داود عن ابن معين: "أثبت الناس في هشام بن عروة: عبد الرحمن بن أبي الزناد" (¬2). هذا مع أنه قد روى عن هشام مالك والكبار. وفيما حكاه الساجي عن ابن معين: "عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة" (¬3). وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين: "ضعيف" (¬4). وفيما حكاه الساجي عن أحمد: "أحاديثه صحاح" (¬5). وقال أبو طالب عن أحمد: "يُرْوى عنه، قال أبو طالب: قلت يُحتمل؟ قال: نعم" (¬6). وقال صالح بن أحمد عن أبيه: "مضطرب الحديث" (¬7). وقال العجلي: "ثقة". ¬

_ (¬1) (10/ 230) وأخذه الساجي ممن قبله. (¬2) (10/ 228). (¬3) "تهذيب التهذيب" (6/ 172 - 173) وهو منقطع كما سيأتي. (¬4) "تاريخ بغداد" (10/ 228) وممن نقل عن ابن معين تضعيفه: الدارمي "تاريخه" (529) والمفضل ابن غسان الغلابي "تاريخ بغداد" (10/ 228). وقال ابن محرز عنه: ليس ممن يحتج به أصحاب الحديث، ليس بشيء "سؤالاته" (189). وقال أيضًا عنه: لم يكن بثبت ضعيف الحديث (188) وقال الدوري عن ابن معين: لا يحتج بحديثه "الجرح" (5 / ت 1201). (¬5) "تهذيب التهذيب" (6/ 172) وهو منقطع أيضًا، الساجي لم يدرك أحمد. (¬6) "الكامل" (4/ 1585)، و"تهذيب التهذيب" (6/ 172). (¬7) "الجرح والتعديل" (5 / ت 1201). وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن ابن أبي الزناد، فقال: كذا وكذا - يعني ضعيف. وقال الميموني عن أحمد: ضعيف. كلاهما في "ضعفاء العقيلي" (2/ 340 - 341).

وقال الترمذي في "اللباس" من "جامعه" (¬1): "ثقة حافظ" وصحح عدة من أحاديثه، وأخرج له في "المسح على الخفين" (¬2) حديثه عن أبيه عن عروة بن الزبير عن المغيرة: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما". ثم قال: "حديث المغيرة حديث "حسن صحيح" (¬3) وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد .. ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة عن المغيرة "على ظاهرهما" - غيره (¬4) ... قال محمد -يعني البخاري- وكان مالك يشير (¬5) بعبد الرحمن بن أبي الزناد". فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالًا: الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة، قال ابن معين إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة. الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة (¬6). وهذا قريب من الأول. وظاهر الإطلاق أنه سواء في هاتين الحالين: ما حدث به بالمدينة وما حدث به ببغداد، وهذا ممكن بأن يكون أتقن ما ¬

_ (¬1) (4/ 234). (¬2) ح (98). وقد قال عمرو بن علي الفلاس: كان يحيي وعبد الرحمن لا يحدثان عنه "ضعفاء العقيلي" (2/ 340) وقال النسائي: ضعيف، "ضعفاؤه" (ت 367). وقال في موضع آخر: لا يحتج بحديثه (المزي: 17/ 101). (¬3) في النسختين: السليمانية بتركيا، والوطنية بباريس من "الجامع": "حسن" فقط. (¬4) ذكر الترمذي في "العلل المفرد": أن جماعة ممن تكلم فيهم من قِبَل حفظهم -منهم ابن أبي الزناد- إذا انفرد واحد من هؤلاء بحديث ولم يتابع عليه لم يحتج به. اهـ. فالذي ينبغي تطبيق هذا هنا. (¬5) حمل الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في "حاشية الجامع" هذه العبارة على الضعف، وهو حملٌ بعيدٌ تنفيه القرائن. والله تعالى أعلم. ولم توجد هذه العبارة في بعض نسخ "الجامع" كالنسختين المشار إليهما آنفًا. (¬6) لكن في هذا النقل انقطاع بين الساجي وابن معين، وقد نبه الشيخ المعلمي على مثل هذا الانقطاع في غير موضع.

يرويه من هذين الوجهين حفظًا فلم يؤثر فيه تلقي البغدادين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يتقن حفظه فاضطرب فيه واشتبه عليه. الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول علي بن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح (¬1). ويوافقه ما روي ¬

_ (¬1) وفي رواية يعقوب بن شيبة عنه: "حديثه بالمدينة مقارب". أقول: السياق يفيد أن ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه، فصار ما يحدث به ليس من حديثه أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه، لَا أَنَّ ما حدث به في المدينة فهو حديث صحيح أي يحتج به. والأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديث لم يُلَقَّنْهُ أو يُدخلْ عليه أو يَدْخلْ له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه، وبين ما ليس من حديثه، لأنَّ ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبْرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات. من ذلك ما رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 48) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه". قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح. قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أيى معاوية وليس بباطل، إِذْ قد رواه غير واحد عنه. اهـ. ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قاله ابن معين في رواية الدوري "تاريخ بغداد" (11/ 50). أما الحديث في نفسه فاستنكره الأئمة ومنهم ابن معين نفسه فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء "تاريخ بغداد" (11/ 49) وللعلَّامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 349 - 353)، وهو منشور هنا في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما. وكذلك قولهم في الراوي: "كتابه صحيح" مشعر بأن في حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه. =

عن مالك من توثيقه إِذْ كان بالمدينة والإرشاد إلى السماع منه مخُصِّصًا له من بين محدثي المدينة. ويلتحق بذلك ما رواه بالعراق قبل أن يلقنوه ويشبهوا عليه، أو بعد ذلك ولكن من أصل كتابه، وعلى ذلك تحمل أحاديث الهاشمي عنه لثناء ابن المديني عليها، بل الأقرب أن سماع الهاشمى منه من أصل كتابه، فعلى هذا تكون أحاديثه عنه أصح مما حدث به بالمدينة من حفظه. الرابعة: بقية حديثه ببغداد، ففيه ضعف، إلا أن يعلم في حديث من ذلك أنه كان يتقن حفظه مثل إتقانه لما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، فإنه يكون صحيحًا، وعلى هذا يدل صنيع الترمذي في انتقائه من حديثه، وتصحيحه لعدة أحاديث منه. وقد دلّ كلامُ الإمام أحمد أن التلقين إنما أوقعه في الاضطراب (¬1)، فعلى هذا إذا جاء الحديث من غير وجه عنه على وتيرة واحدة دل ذلك على أنه من صحيح حديثه (¬2). اهـ. ¬

_ = مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب لا يُعْفِي صاحبه من أوجه الخلل المعروفة الناشئة عن سوء الأخذ، والوهم في السماع، وأثناء الكتابه من التصحيف والتحريف، والأخطاء الواقعة أثناء التحويل من كتاب إلى كتاب، أو الاعتماد على الغير في إدراك ما فات سماعه أو كتابته - إلى غير ذلك من مداخل الخلل في الكتب. وهذا كله يرجع لحالِ الراوي في نفسه من الإتقان والتحري والضبط والاحتياط واليقظة وغير ذلك. وسيأتي شيء من التفصيل في تلك الأمور في قسم القواعد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى. (¬1) انظر التعليق الآتي. (¬2) قد نقل عبد الله والميموني عن أحمد تضعيفه مطلقًا، وكذلك نقل صالح عنه قوله: مضطرب الحديث. دون إشارة إلى قضية التلقين، فحمل هذا على ذاك فيه نظر. وقد ضعفه ابن معين في رواية غير واحدٍ عنه. وزاد في رواية بعضهم: لا يحتج بحديثه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكذا نُقل عن النسائي. وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفًا. وهو المفرق بين روايته بالمدينة وبغداد. وقال الفلاس: كان يحيى -القطان- وعبد الرحمن -ابن مهدي- لا يحدثان عنه. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن عبد الرحمن بن بن أبي الزناد، وورقاء، والمغيرة بن عبد الرحمن، وشعيب بن أبي حمزة: من أحب إليك فيمن يروي عن أبي الزناد؟ قال: كلهم أحبُّ إليَّ من عبد الرحمن بن أبي الزناد "الجرح والتعديل" (5 / ت 1202). وقال البرذعي عن أبي زرعة: الدراوردي وابن أبي حازم أحب إليّ من فليح بن سليمان وعبد الرحمن ابن أبي الزناد وأبي أويس. "أبو زرعة الرازي" (424 - 425). وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الرجال، ومن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم "الجرح". ووصفه ابن حبان بسوء الحفظ وكثرة الخطأ وقال: فلا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. "المجروحين" (2/ 56). ولم يخرج له صاحبا الصحيح، إنما استشهد به البخاري، وروى له مسلم في مقدمة صحيحه. واعلم أن جمهور الأئمة على ضعف عبد الرحمن بن أبي الزناد: أحمد، وابن معين، ويحيى القطان، وابن مهدي. وقدم أبو زرعة عليه: الدراوردي، وقد قال هو في الدراوردي: سيء الحفظ، فربما حدَّث من حفظه الشىء فيخطىء. "الجرح" (5 / ت 1833). ولخص أبو حاتم حاله فقال: "يكتب حديثه ولا يحتج جمه فهو صالح للاعتبار والاستشهاد، هذا فيما ثبت أنه من حديثه، أما ما لُقِّنَهُ فلا عبرة به، وهذا مراد من فصَّل بين حال تحديثه في المدينة، وحاله في بغداد. واعلم أن قبول ابن أبي الزناد لتلقي البغداديين، ليس عن اختلاطٍ طرأ عليه، وإنما عن ضعفٍ في نفسه من سوء حفظ وغفلة. وأما توثيق الترمذي لابن أبي الزناد -فهو مع تساهله في التوثيق والتصحيح- مخالف لاتفاق الكلمة على ضعفه وقد بناه على ما يأتي. وأما دلالة مالك على السماع من ابن أبي الزناد، فقد تكلم فيه مالك أيضا، وأنكر عليه ما رواه عن أبيه وقال: أين كنا عن هذا؟ والظاهر أنه دل عليه قبل أن ينكر عليه ذلك، أو لا تدل دلالته تلك على التوثيق المصطلح عليه، فابن أبي الزناد على ضعفه لم يتركه سوى ابن مهدي، وقال أحمد: يحتمل أن يروى عنه فدلالة مالك على مجرد السماع منه لا تنهض في مدافعة تضعيف الأئمة له، والله تعالى أعلم.

[ز 10] عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي

[ز 10] عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي: حاشية "الفوائد المجموعة": "قال ابن حبان: "يروي الموضوعات عن الثقات"، وذلك يحتمل كثرة الغلط، وهذا متفق عليه، ويحتمل التدليس، فقد قال ابن حبان: "ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب" كان ابن أنعم رجلًا ناسكًا غرّه ظاهر المصلوب فسمع منه ودلّس عنه، والله المستعان". اهـ. [443] عبد الرحمن بن شريك بن عبد الله النخعي الكوفي: "الفوائد" (ص 354): "واهي الحديث. قال ذلك أبو حاتم الرازي، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "ربما أخطأ". وروى له البخاري (¬1) في "الأدب المفرد"، وليس في ذلك ما يشد منه؛ لأن البخاري لا يمتنع في غير الصحيح عن الرواية عن الضعفاء، فقد روى عن أبي نعيم النخعي وهو كذاب، وعن الفرياناني (¬2) وهو كذاب أيضًا (¬3)، وعبد الرحمن من بيت تشيُّع وقد تقدم ذكر أبيه". [444] عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار القرشي العدوي المدني مولى ابن عمر: "الفوائد" (ص 353): "فيه ضعف". [445] عبد الرحمن بن عمر بن يزيد الزهري أبو الحسن الأصبهاني الأزرق المعروف بـ: رُسْته: "التنكيل" (139) غمزه الكوثري بقوله: "رُسْته أصبهاني ميلاده سنة (188) في رواية ابن أخيه، قبل وفاة ابن مهدي بعشر سنين فقط، ويستبعد أن يجهل ¬

_ (¬1) يعني روى عنه. (¬2) هو أحمد بن عبد الله بن حكيم أبو عبد الرحمن المروزي سبقت ترجمته. (¬3) كذا قال في "الفوائد"، وسبق أن ترجم له في "التنكيل"، وبحث في مقتضى رواية البخاري عنه وعن غيره، سواء في الصحيح أو خارجه وخلص إلى أن ذلك يقتضي أنه عنده صدوق في الأصل يمكن لمثله أن يميز صحيح حديثه من سقيمه. وانظر ترجمته في حرف الهمزة مع التعليق عليه.

ابن أخيه ميلاده، ومع هذا يقال: إنه روى عن ابن مهدي ثلاثين ألف حديث، فلا يتصور هذا الإكثار لابن عشر، وقد انفرد ابن ماجة من أصحاب الأصول الستة بالرواية عنه. قال أبو موسى المديني: تكلم فيه أبو مسعود -وهو الحافظ البارع أحمد بن الفرات الرازي- كتب إلى أهل الرّيِّ ينهاهم عن الرواية عنه، ويكثر الغريب في حديثه، وقال أبو محمد بن حيان: غرائب حديثه تكثر". قال الشيخ المعلمي رحمه الله: "في "تهذيب التهذيب" (¬1): "قال محمد بن عبد الله بن عمر بن مزيد: ولد عمي عبد الرحمن سنة (188) ومات سنة (255)، وقال أبو الشيخ: "مات سنة (246) ويقال سنة (50). قال ابن حجر: "في صحة ما ذكر من مولده نظر، فإن أبا نعيم في "تاريخ أصبهان" وصفه بأنه كان راوية يحيى القطان وابن مهدي .. وابن مهدي مات سنة (198). ويحيى القطان مات أيضًا في أوائل سنة (98). أقول: وقفت على نسخة قلمية من "كتاب أبي الشيخ" ونسخة قلمية من "تاريخ أبي نعيم" وفي كل منهما أنه مات سنة (346) (¬2) ويقال سنة (50) ولم يذكرا خلاف ذلك، ولا ذكرا مولده، ولم أجد فيهما ترجمة لابن أخيه. وذكرا أخاه عبد الله (¬3) وأنه أيضا راوية لابن مهدي والقطان وأنه توفي سنة (252). زاد أبو نعيم: "ولد سنة سبع وثمانين ومائتين" كذا، وفي المطبوعة: سبع وثمانين ومائة. ¬

_ (¬1) (6/ 235). (¬2) وعَلق العلامة الألباني في الحاشية بقوله: وكذلك في مخطوطة الظاهرية من "طبقات المحدثين بأصبهان" (ق (2/ 73). قلت: لكن في المطبوع من "الطبقات" (2/ 385) ومن كتاب أبي نعيم (2/ 109) توفي سنة (246). (¬3) "الطبقات" (2/ 389)، وذكر "أخبار أصبهان" (2/ 47).

وذكر أبو نعيم أخاهما محمد بن عمر وقال: "توفي سنة ثلاث وستن ومائتين وله اثنان وتسعون سنة وكان أصغر الإخوة"! وكنت أخشى أن يكون في العبارة تصحيفًا، لكن في النسخة المطبوعة (1/ 187) ما يوافقها، ولفظه: "توفي سنة ثلاث وستن ومائتين في الوباء، وله اثنان وتسعون سنة". فعلى هذا يكون مولده نحو سنة (171)، فعلى أقل تقدير يكون مولد عبد الرحمن سنة (170). وذكر أبو الشيخ وأبو نعيم ترجمة لابن عبد الرحمن وهو الحسن بن عبد الرحمن ابن عمر وأنه سمع من عثمان بن الهيثم، وعثمان بن الهيثم توفي سنة (220). وروى أبو نعيم من طريق الحسن: "نا العلاء بن عبد الجبار" والعلاء توفى سنة (212) وهو بصري نزل مكة. ومن البعيد أن يكون عبد الرحمن تزوج، وولد له، ورحل بابنه من أصبهان إلى مكة فسمع الحديث، كل هذا وعمر عبد الرحمن نحو أربع وعشرين سنة. وروى أبو الشيخ عن إبراهيم بن محمد بن الحارث عن أحمد بن حنبل قال: "ما ذهبت يومًا إلى عبد الرحمن بن مهدي إلا وجدت الأخوين الأزرقين عنده، يعني عبد الرحمن وأخاه" ولإبراهيم هذا عند أبي الشيخ وأبى نعيم ترجمه حسنة وإن لم يصرحا بتوثيقه. وفي "التهذيب" في ترجمة عبد الرحمن هذا: "قال أحمد: "ما ذهبت إلى ابن مهدي إلا وجدته عنده" وابن مهدي قدم بغداد سنة ثمانين ومائة وفي التي تليها، وأخذ أحمد يتردد إليه من حينئذٍ. وربما كان الصواب في عُمْرِ محمد "اثنتان وسبعون سنة" فلا يلزم أن يكون عبد الرحمن علي أقل تقدير سنة (170) كما مرّ.

[446] عبد الرحمن بن مالك بن مغول

ومع ذلك فكلمة الإمام أحمد وما تقدم من رواية الحسن بن عبد الرحمن: حدثنا العلاء بن عبد الجبار. يدفع أن يكون مولد عبد الرحمن سنة (188) ولولا ذلك لقلت: لعله ولد أول سنة (188)، وكان أخوه عبد الله أكبر منه بسنة، فوردا بغداد في سنة (196)، وأحدهما في التاسعة والآخر. في العاشرة، وكان الوارد بهما رجل ثقة ثبت ذو جاه فحظى عند ابن مهدي والقطان، فأقبلا على الإملاء على الغلامين بحضرة كل منهما، وضبط لهما سماعهما في أصول محققه فاطلع أبو زرعة وأبو حاتم وابن وارة على تلك الأصول فوجدوها مثبتة محققة فاعتمدوا عبد الرحمن. والله أعلم بحقيقة الحال. وقال أبو موسى المديني: "تكلم فيه أبو مسعود، وخرج إلى الريّ فكتب إليهم فيه فلم يبالوا بكتابه، وحضر مجلسمه أبو حاتم وأبو زرعة وابن وارة". وقال ابن أبي حاتم: "روى عن عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان. روى عنه أبي وأبو زرعة .. سئل أبي عنه فقال: صدوق". ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416) وكُلٌّ من أبي زرعة وأبي حاتم وابن وارة أجلّ من أبي مسعود وأثبت وأيقظ وأعرف، فما رووا عن هذا الرجل عن ابن مهدي والقطان إلا وقد عرفوا صحة سماعه منهما. وأما الغرائب فمن أكثر حديثه كثرت غرائبه، وليس ذلك بقادح ما لم تكن مناكير الحمل فيها عليه، وليس الأمر هنا كذلك، وقد قال أبو الشيخ في أبي مسعود: "غرائب حديثه وما ينفرد به كثير" ويقول نحو هذا في تراجم آخرين وثقهم هو وغيره، وذكر ابن حبان عبد الرحمن هذا في "الثقات". اهـ. [446] عبد الرحمن بن مالك بن مغول: "التنكيل" (1/ 287): "تالف".

[447] عبد الرحمن بن أبي الرجال -واسمه: محمد- بن عبد الرحمن بن حارثة ابن النعمان الأنصاري النجاري المدني

[447] عبد الرحمن بن أبي الرجال -واسمه: محمد- بن عبد الرحمن بن حارثة ابن النعمان الأنصاري النجاري المدني: "التنكيل" (2/ 135): "وثقه أحمد وابن معين وغيرهما، لكن ليّنه أبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود. وقال ابن حبان في "الثقات": "ربما أخطأ" وأراه خلط حديثين .. ". [448] عبد الرحمن بن مغْراء الدّوْسي أبو زهير الكوفي نزيل الرّي: في "الفوائد" (ص 264): حديث "يودّ أهل العافية أن لحومهم قطعت .. ". قال الشوكاني: في إسناده عبد الرحمن بن مغراء، ليس بشيء، ولكنه قد أخرجه من طريقه الترمذي والبيهقي. وقال الذهبي: ليس به بأس. فقال الشيخ المعلمي: رواه عبد الرحمن عن الأعمش عن أبي الزبير عن جابر مرفوعًا بنحوه. قال الترمذي: "غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه. وقد روى بعضهم هذا الحديث عن الأعمش عن طلحة [بن] (¬1) مُصرِّف عن مسروق -قوله- شيئًا من هذا". وعبد الرحمن صدوق، استنكرت له أحاديث عن الأعمش، منها هذا، وقد أبان الترمذي علته وفوق ذلك فالأعمش وأبو الزبير مدلسان. اهـ. [449] عبد الرحمن بن أبي الموال المدني أبو محمد، مولى علي بن أبي طالب: "الفوائد" (ص 485): "صدوق ربما أخطأ". وفي (ص 471) رواية له عن عبيد الله بن أبي رافع، فقال المعلمي: "لم يدركه فيما أرى". ¬

_ (¬1) من "جامع الزمذي" (2402) وجاء في "الفوائد": "عن" خطأ.

[450] عبد الرحمن بن هانىء بن سعيد الكوفي أبو نعيم النخعي الصغير ابن بنت إبراهيم النخعي

[450] عبد الرحمن بن هانىء بن سعيد الكوفي أبو نعيم النخعي الصغير ابن بنت إبراهيم النخعي: "التنكيل" ترجمة (112) قال المعلمي.: "قال علي بن الحسن الهسنجاني عن ابن معين: "بالكوفة كذابان أبو نعيم النخعي وأبو نعيم ضرار بن صرد" (¬1). وظاهر هذا تعمد الكذب، لكن قال الأستاذ -يعني الكوثري-: "الإخبار بخلاف الواقع هو الكذب، والكذب بهذا المعنى يشمل الغالط والواهم، فمن غلط أو وهم في شيء يمكن عدُّه كاذبًا على هذا الرأي .. فلا يعتد يقول من يقول: فلان يكذب، ما لم يفسّر وجه كذبه ... ". أقول: وقد قال ابن معين لشجاع بن الوليد أبي بدر السكوني: "يا كذاب" (¬2). وقد قال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "شجاع بن الوليد ثقة" (¬3) ووثقه غيره ولكنه يهم ويغلط. فلننظر كلام غير ابن معين في أبي نعيم النخعي واسمه: عبد الرحمن بن هانىء ثم في أبي نعيم ضرار بن صرد. فأما النخعي فقد قال العجلي: "ثقة". وقال أبو حاتم: "لا بأس به، يكتب حديثه". وروى عنه أبو زرعة ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 3 ص 416). ¬

_ (¬1) وقال ابن الجنيد عن ابن معين: ليس بثقة كان يكذب، يروي عن سفيان الثوري أحاديث موضوعة. "سؤالاته" (37، 50). وقال معاوية بن صالح: سألت يحيى بن معين عن أبي نعيم النخعي فقال: من جالسه عرف ضعفه. "ضعفاء العقيلي" (2/ 349). (¬2) "تاريخ بغداد" (9/ 249). (¬3) نفسه، وكذا روى عبد الخالق بن منصور عن يحيى مثله.

[451] عبد الرحمن السدي

وقال البخاري: "فيه نظر وهو في الأصل صدوق". وكلمة "فيه نظر" معدودة من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، لكن تعقيبه هنا بقوله: "وهو في الأصل صدوق" يخفف من وطأتها (¬1). اهـ. [451] عبد الرحمن السدي: عن داود بن أبي هند وعنه أبو مالك الواسطي. في "الفوائد" (ص 66) حديث: "يقول الله: اطلبوا الفضل من الرحماء من عبادي، تعيشوا في أكنافهم .. " رواه العقيلي عن أبي سعيد مرفوعًا. وقال العقيلي: لا يعرف من وجه يصح، وفي إسناده مجهول. قال المعلمي: "رواه العقيلي (¬2) من طريق "جندل بن والق، عن أبي مالك الواسطي عن عبد الرحمن السدي عن داود بن أبي هند عن أبي [نضرة] (¬3) عن أبي سعيد". جهل العقيلي عبد الرحمن السدي، وذكر ابن حجر في "اللسان": "أن الخبر يروى عن محمد بن مروان السدي الأصغر الكذاب عن داود به، فلعل كنية محمد بن مروان "أبو عبد الرحمن" فسقطت كلمة "أبو" من سند العقيلي". ¬

_ (¬1) وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ليس بشيء "ضعفاء العقيلي" (2/ 349)، و"الجرح" (5 / ت 1412). وضعفه أبو داود والنسائي، المزي (17/ 467). وذكره يعقوب بن سفيان فيمن يرغب عن الرواية عنهم (3/ 44). وقال ابن عديّ: عامة مَا لَهُ لا يتابعه الثقات عليه. "الكامل" (4/ 1623) وذكر له مناكير عن الثوري وغيره. وقال ابن حبان في "الثقات" (8/ 377): ربما أخطأ، في القلب منه لروايته عن الثوري عن أبي الزبير عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من قتل ضفدعًا فعليه شاةٌ، مُحرمًا كان أو حلالا". وقال الدارقطني: متروك "علله" (5 / ق 50). (¬2) (3/ 3). (¬3) في "الفوائد": "نقرة" وهو تحريف.

[452] عبد الرحيم بن زيد بن الحواري العمي أبو زيد البصري

أقول: وقد يكون أبو مالك دلّس اسمه، فإن أبا مالك هذا منكر الحديث متروك، وجندل أيضا فيه ضعف، وذكر في "اللآلىء" متابعين للسدي، ولم يسق أسانيدهم، وكلهم ضعفاء. اهـ. [452] عبد الرحيم بن زيد بن الحواريّ العمِّي أبو زيد البصري: "حاشية الأنساب" (2/ 296): "هالك". [453] عبد الرحيم بن يحيى الأدمي: في "الفوائد" (ص 246) حديث رواه الطبراني عن ابن مسعود مرفوعًا: "إن لله في الخلق ثلاثمائة، قلوبهم على قلب آدم، ولله في الخلق أربعون، قلوبهم على قلب موسى .. ". قال الشوكاني: في إسناده مجاهيل. قال المعلمي: "هو من طريق عبد الرحيم بن يحيى الأدمي، ثنا عثمان بن عمارة وهما مجهولان، والمتهم بوضعه أحدهما، وفي "الميزان": "فقاتل الله من وضع هذا الإفك". [454] عبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري مولاهم أبو بكر الصنعاني: "الفوائد" (ص 347): "عمِى بآخره، وصار يلقن فيتلقن، وربما دلس، وكان يتشيع، فلا يُؤْمنُ أن يكون سمعه من بعض أولئك الدجالين فدلّسهُ" (¬1). [455] عبد السلام بن صالح بن سليمان أبو الصلت الهروي مولى قريش نزيل نيسابور: "الفوائد" (ص 293): "أبو الصلت فيما يظهر لي كان داهيةً: من جهةٍ خدم علي الرضا بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وتظاهر بالتشيع، ورواية الأخبار التي تدخل في التشيع. ¬

_ (¬1) يعني حديث: "أولكم ورودًا على الحوض أولكم إسلامًا: علي بن أبي طالب".

ومن جهةٍ كان وجيهًا عند بني العباس. ومن جهةٍ تقرب إلى أهل السنة برده على الجهمية. واستطاع أن يتجمل لابن معين حتى أحسن الظن به ووثقه. وأحسبه كان مخلصًا لبني العباس وتظاهر لأهل البيت مكرًا منه لكي يصدق فيما يرويه عنهم، فروى عن علي بن موسى عن آبائه الموضوعات الفاحشة كما ترى بعضها في ترجمة علي بن موسى من "التهذيب"، وغرضه من ذلك حط درجة علي ابن موسى وأهل بيته عند الناس. وأتعجب من الحافظ ابن حجر يذكر في ترجمة علي بن موسى من "التهذيب" تلك البلايا وأنه تفرد بها عنه أبو الصلت، ثم يقول في ترجمة علي من التقريب: "صدوق والخلل ممن روى عنه" والذي روى عنه هو أبو الصلت. ومع ذلك يقول في ترجمة أبي الصلت من التقريب: "صدوق له مناكير وكان يتشيع، وأفرط العقيلي فقال: كذاب". ولم ينفرد العقيلي فقد قال أبو حاتم: "لم يكن بصدوق" (¬1). وقال ابن عدي: "له أحاديث مناكير في فضل أهل البيت وهو متهم فيها". وقال الدارقطني: "روى حديث: "الإيمان إقرار القول" وهو متهم بوضعه". وقال محمد بن طاهر: "كذّاب" ثم ذكر عن ابن صصرى: روى بسندٍ فيه من لم أعرفه عن "محمد بن يونس بن موسى القرشي -هو الكديمي- ثنا حفص بن عمر بن دينار الأبلي حدثني سعيد بن راشد السماك حدثني عطاء بن أبي رباح عن عبد الله بن عمر .. إلخ". الكديمي وشيخه وشيخ شيخه ثلاثتهم هلكى ... ". اهـ. ¬

_ (¬1) وأمر أبو زرعة أن يضرب على حديثه، وقال: لا أحدث عنه ولا أرضاه "الجرح" (6 / ت 257). وقال النسائي: ليس بثقة "تاريخ بغداد" (11/ 51). وقال العقيلي والدارقطني: رافضي خبيث.

[456] عبد السلام بن عبد الرحمن الأسدي الوابصي أبو الفضل الرقي، قاضي الرقة وحران وحلب ثم بغداد

وقال الشيخ المعلمي في (ص 349): "تقدم حال أبي الصلت وتبين مما هناك أن من يأبى أن يكذبه يلزمه أن يكذب علي بن موسى الرضا وحاشاه". [456] عبد السلام بن عبد الرحمن الأسدي الوابصي أبو الفضل الرّقي، قاضي الرقة وحرّان وحلب ثم بغداد: "التنكيل" رقم (142) قال الكوثري: "عزله يحيى بن أكثم لسببٍ لابد أن يكون غير ضعفه في الفقه، ثم أعاده الحشوية إلى القضاء حينما قامت لهم سوق". قال الشيخ المعلمي: "روى عنه مسلم في مقدمة "صحيحه" وأبو داود في "سننه" وأبو داود لا يروي إلا عن ثقة كما تقدم في ترجمة أحمد بن سعد وذكره ابن حبان في "الثقات". وفي "التهذيب": قال أبو علي بن خاقان: أحسن أحمد القول فيه قال: ما بلغني إلا خير. وقال أحمد بن كامل: كان عفيفًا، قال: وبلغني أن المتوكل قال ليحيى: لم عزلته؟ قال: أراه ضعيفًا في الفقه. قال: فكتب المتوكل إلى أهل بغداد كتابًا وكتب عهدًا، ولم يُسمِّ القاضي وأمر أن يسأل عن الوابصي فإن رضوا به وقع اسمه في العهد فأجمعوا على الرضا به. وقال طلحة بن محمد بن جعفر: "كان جميل الطريقة". كان الوابصي سُنِّيًّا فكأن الجهمية ألحوا على يحيى بن أكثم في عزله، [فعزله] (¬1) اتقاءً لشرهم، فلما كان في خلافة المتوكل بعد ارتفاع المحنة، كانوا ربما يسألون الإمام أحمد عمن يريدون توليته القضاء. . وكأنه سئل عن الوابصي فقال: ما علمت إلا خيرًا. فقال المتوكل ليحيى بن أكثم: لم عزلته؟ فكأنه خاف أن يقول: إرضاءً للجهمية؟ فأجاب بما تقدم -يعني بقوله: أراه كان ضعيفًا في الفقه- فكأن الأستاذ ¬

_ (¬1) كأنها سقطت من الطبع.

[457] عبد السلام بن محمد الحضرمي

أشار إلى هذا، كأنه أراد أن الوابصي -كما يقول- من الحشوية، وأراد بالحشوية: أهل السنة الإمام أحمد وأصحابه وموافقيه. ولا أجازي الأستاذ على هذا ولكني أقول: الموفق حقًا من وفق لمعرفة الحق واتباعه ومحبته، والمحروم من حرم ذلك كله، فما بالك بمن وقع في التنفير من الحق وعيْب أهله؟! اهـ. [457] عبد السلام بن محمد الحضرمي: "التنكيل" رقم (143) قال الكوثري: "يقول عنه أبو حاتم: "صدوق". إلا أن هذا اللفظ مصطلح عنده فيمن يجب النظر في أمره، فيكون مردود الرواية إذا لم يتابع، ولم يتابع". فقال الشيخ المعلمي: "أبو حاتم رحمه الله معروف بالتشدد، قلّما وجدته يقول في رجل "صدوق" إلا وقد وثقه غيره، وعبد السلام هذا ذكره ابن حبان في الثقات". [458] عبد العزيز بن أبي بكرة -واسمه: نفيع- بن الحارث الثقفي البصري: في "الفوائد" (ص 130): حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة عن أبيه عن جده: "هلكت الرجال حين أطاعت النساء؛ فإن في خلافهن البركة" أخرجه الطبراني، والحاكم وصححه. قال المعلمي: "ليس بصحيح، بكار: ضعيف، وأبوه لم يوثق توثيقًا معتبرًا (¬1)، والصحيح عن أبي بكرة مرفوعًا: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة" (¬2). اهـ. - عبد العزيز بن أبي ثابت بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف: انظر: عبد العزيز بن عمران. ¬

_ (¬1) ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 122)، ووثقه العجلي، وقال ابن القطان: حاله لا يعرف "تهذيب التهذيب" (6/ 332). (¬2) "فتح الباري" حديث رقم (7099) وغيره.

[459] عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث أبو الحسن التميمي أحد الفقهاء الحنابلة

[459] عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث أبو الحسن التميمي أحد الفقهاء الحنابلة: ترجمته في "التنكيل" رقم (144) وقد رُمي بوضع حديثين في مسند أحمد بن حنبل (¬1)، وباختلاق حديث ثالث ليدفع به الخصم، ورابع أتهمه به الذهبي. ونقل المعلمي جواب ابن الجوزي عن الثلاثة الأول، وتناول ذلك بالمناقشة والتحليل، ومال إلى أن أمر الحديثين الأوّليْن لا يخلو عن احتمال، وأن الثالث لم يثبت ولا قارب، وأن الذهبي قد بنى اتهامه لأبي الحسن في الحديث الرابع على ما قيل في حقه في تلك الأحاديث، وأن الأوْلى الحمل على أحد آباء أبي الحسن المجاهيل. ثم قال رحمه الله: "ومع أن ابن الجوزي دافع عن أبي الحسن فلم يذكر أحدًا من حفاظ الحنابلة أو غيرهم وثّقهُ، ولا وثقه هو، بل اقتصر على أنه لا يجوز القطع عليه بالكذب، وإنما ذكر قول أبي يعلى ابن الفراء الحنبلي: "رجل جليل القدر، وله كلام في مسائل الخلاف وتصنيف في الأصول والفرائض". والذي يتحصل هنا أنه لم يثبت ما يقطع به على أبي الحسن أنه وضع الحديث (¬2) لكنه مع ذلك لم يثبت على قواعد الرواية ما يقتضي أن تجب الحجة بروايةٍ ينفرد بها. اهـ. ¬

_ (¬1) قال الخطيب: "حدثني الأزهري قال: قال لي أبو الحسن بن رزقويه: وضع أبو الحسن التميمي في مسند أحمد بن حنبل حديثين، فأنكر أصحاب الحديث عليه ذلك وكتبوا محضرًا أثبتوا فيه خطوطهم بشرح حاله. قال الأزهري: ورأيت المحضر عند ابن رزقويه، وفيه خط الدارقطني وابن شاهين وغيرهما" (10/ 462). (¬2) الرجل له اشتغال بالفقه والأصول، ولم يوثق، وثبت من طريق حفاظ ثقات أثبات مأمونين أنه وضع حديثين في مسند أحمد، وكتبوا محضرًا بذلك شرحوا فيه حاله، ولم يدفع عنه سوى ابن الجوزي، وفيه تحامل شديد على الخطيب، والرجل حنبلي، فالاحتمالات التي ذكرها ابن الجوزي إنما هي محاولة للتخلص من جرح هذا الرجل الحنبلي، ورَمْي الخطيب بالتعصب ضد الحنابلة، وعلى ذلك فلم يثبت ما يُدفع به هذا الجرحُ، فيتعيّن قبوله، والله تعالى أعلم.

[460] عبد العزيز بن أبي رواد المكي مولى المهلب بن أبي صفرة

[460] عبد العزيز بن أبي رواد المكي مولى المهلب بن أبي صفرة: في "الفوائد" (ص 104) حديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب عشية عرفة فقال: أيها الناس إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا فقبل من محسنِكم وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنِكم، إلا التبعات فيما بينكم. .". رواه أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعًا، وقال: غريب، تفرد به عبد العزيز بن أبي روّاد عن نافع ولم يتابع عليه. قال الشيخ المعلمي: "عبد العزيز صدوق فاضل يهم، والخبر لا يثبت عنه، إنما يرويه إسماعيل بن إبراهيم بن هود -وليس بالقوي كما قال الدارقطني- عن عبد الرحيم بن هارون -وهو متروك الحديث يكذب. قاله الدارقطني أيضًا- عن عبد العزيز. وروى بسند آخر، فيه من لم أعرفه، عن بشار بن بكير الحنفي "وهو مجهول البتّة" عن عبد العزيز، وقد يفتري رجل فيسرق منه آخر. اهـ. [461] عبد العزيز بن عبيد الله بن حمزة بن صهيب بن سنان الشامي الحمصي (¬1): "التنكيل" (2/ 76): "ضعيف". [462] عبد العزيز بن عمران بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن ابن عوف الزهري المدني الأعرج يعرف بابن أبي ثابت: "الفوائد" (ص 79): "تالف". وفي (ص 413): "متروك". وفي (ص 445) حديث: "لما تجلّى الله للجبل، طارت لعظمته ستة أجبل، فوقعت ثلاثة بمكة وثلاثة بالمدينة فوقع بالمدينة: أحد، وورقان، ورضوى، ووقع بمكة: ثبير، وحراء، وثور". ¬

_ (¬1) لم يصرح الشيخ المعلمي باسمه، ولكنه ورد في الرواة عن مجمع بن يعقوب بن يزيد، فضعَّفَهُ.

[463] عبد الغفور أبو الصباح الأنصاري الواسطي

رواه الخطيب عن أنس مرفوعًا، وقال ابن حبان: موضوع، وعبد العزيز متروك، يروي المناكير عن المشاهير، يعني: عبد العزيز بن عمران. قال السيوطي في "اللآلىء": "في الحكم بوضع هذا الحديث نظر، والأرجح عدمه، أخرجه ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، وابن مردويه في تفاسيرهم، من طريق عبد العزيز بن عمران، وعبد العزيز روى له الترمذي، ولم يتهم بكذب". قال الشيخ المعلمى: "عبد العزيز تالف جدًّا، فإن لم يكن يتعمد الكذب صراحًا، فقد كان لا يبالي ما حدّث به، فيقع منه الكذب بكثرة (¬1). اهـ. وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 133): "ساقط الحديث كما بينه جمع من الأئمة". [463] عبد الغفور أبو الصباح الأنصاري الواسطي: "الفوائد" (ص 101): "متروك، قال ابن حبان: كان ممن يضع الحديث". [464] عبد الكريم بن عبد الله السكري: [465] وعبد الكريم بن عبد الكريم البجلي: انظر حاشية المعلمي على "الجرح التعديل" (3/ 37) رقم (156). [466] عبد الكريم بن أبي المخارق، المعلم أبو أمية البصري نزيل مكة: "الفوائد" (ص 222): "ضعيف جدًّا". [467] عبد المجيد بن عبد الله أبي عبْس بن جبر: "الفوائد" (ص 466): "لم يوثق توثيقًا يعتد به، بل قال أبو حاتم: هو لين". ¬

_ (¬1) ورُوي الحديث أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا من طريق طلحة بن عمرو بن عثمان المكي، فقال السيوطي في طلحة نحوًا مما قال في عبد العزيز، فأجاب المعلمي بمثل ما قال هنا.

[468] عبد المجيد ين عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي أبو عبد الحميد المكي مروزي الأصل

[468] عبد المجيد ين عبد العزيز بن أبي رواد الأزدي أبو عبد الحميد المكي مروزي الأصل: "التنكيل" (1/ 39): "مرجىء متكلم فيه" (¬1). [469] عبد الملك بن إبراهيم الجُدِّي أبو عبد الله القرشي الحجازي المكي مولى عبد الدار: "الفوائد" (ص 485): "صدوق". [470] عبد الملك بن حبيب بن سليمان بن مروان الأندلسي القرطبي أبو مروان أحد مشاهير المالكية. "التنكيل" رقم (145) "كان فقيها جليلا نبيلًا صالحًا في نفسه، لكن لم تكن الرواية من شأنه، كان يتساهل في الأخذ ويروي على التوهم. هذا محصل ما ذكروه في ترجمته". [471] عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون القرشي أبو مروان المدني الفقيه: "التنكيل" (1/ 210) قال الكوثري: "حينما رحل إلى العراق من المدينة المنورة رحل ومعه من يغنيه فزهد فيه أهل العلم .. ". ¬

_ (¬1) معلن بالإرجاء، لكن: وفقه أحمد وابن معين وأبو داود والنسائي. وقال البخاري: كان الحميدي يتكلم فيه. وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه. وذكره أبو زرعة في "أسامي الضعفاء" (637). وثَبَّتَهُ غيرُ واحدٍ في ابن جريج. والحاصل: أنه صدوق، داعيةٌ إلى الإرجاء، يكتب حديثه، وليس بالحجة، وكان من أعلم الناس بابن جريج، لكن لم يكن يبذل نفسه للحديث، كما قال ابن معين، والله تعالى أعلم.

[472] عبد الملك بن قريب الباهلي الأصمعي أبو سعيد البصري صاحب اللغة والنحو والأخبار والنوادر والملح

فقال الشيخ المعلمي: "أما عبد الملك فلم يزهدوا فيه لاستجازته الغناء فقد سبقه إليه إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المجمع على توثيقه، وإنما زهدوا في عبد الملك لمنكرات في روايته ولاتهامه برأي جهم كما ترى ذلك في ترجمته من "التهذيب". اهـ. [472] عبد الملك بن قُريب الباهلي الأصمعي أبو سعيد البصري صاحب اللغة والنحو والأخبار والنوادر والمُلح: "طليعة التنكيل" (ص 53) قال الكوثري: "كذبه أبو زيد الأنصاري". فقال الشيخ المعلمي: "حاكي ذلك عن أبي زيد هو أحمد بن عبيد بن ناصح وهو مطعون فيه. وفي "الميزان" في ترجمة الأصمعي: "أحمد بن عبيد ليس بعمدة". ونقل الكوثري نفسه هذا -ص (42) - حين أحتاج إلى رد رواية لأحمد بن عبيد قال الكوثري: فلم يكن بعمدة كما ذكره الذهبي في ترجمة عبد الملك الأصمعي من "الميزان". يجزم الأستاذ هنا بأنه ليس بعمدة، ثم يعتده فيقول في الأصمعي: كذبه أبو زيد الأنصاري، هكذا تكون الأمانة عند الكوثري. اهـ. وقال العلامة المعلمي في ترجمة الأصمعي رقم (146) إتمامًا لما تقدم: "ولو صح لما أوجب جرحًا لأنه لم يفسّر ويحتمل أن يراد به النسبة إلى الخطأ والغلط. . ويؤيده أنه كان بين أبي زيد والأصمعي منافسة دنيوية واختلاف في الاعتقاد، مع أن بعض أئمة الحديث تكلم في أبي زيد كما تراه في ترجمته من "التهذيب". اهـ. ثم ذكر الشيخ المعلمي ما حكاه الكوثري من كلام عبد الرحمن بن أخي الأصمعي وأبي رياش في الأصمعي، وكذا قول علي بن حمزة فيه: كان مُجبرًا شديد البغض لعلي كرم الله وجهه.

فقال الشيخ رحمه الله: "مَنْ عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي يا أستاذ؟! وهل عرفه الناس إلا بكلمات يرويها عن الأصمعي؟! ومن جعله بحيث تُعارض بما حُكى عنه نصوص أئمة الإسلام في توثيق الأصمعي؟. وأما أبو رياش فمَنْ أبو رياش؟ أذكروه بأكثر من أنه كان حفظةً للأشعار؟ أو أنه كان يتشيع، أو أنه كان وسخًا دنسًا إلى الغاية، وهل يحتج بكلامه في الأصمعي عاقل؟ ولمعرفتنا بحاله لا نطالبك بتصحيح النقل عنه وكان بعد الأصمعي بزمان طويل. أما علي بن حمزة فمعدود من علماء اللغة، بينه وبين الأصمعي زمان طويل، حدّه أن يقبل منه تخطئة من قبله إذا أقام الحجة. وقوله: "إن الأصمعي كان مجُبرًا" دليل على أنه هو كان قدريًا، والقدرية تسمي أهل السنة "مجبرة". وقوله: "شديد البغض لعلي كرم الله وجه" قولٌ لا حجة عليه ولا نعلم عن الأصمعي شيئًا يثبت عنه يسوغ أن ينسب لأجله إلى النصب. ودونك ثناء الأئمة على الأصمعي: قال الإمام الشافعي بعد أن فارق بغداد: "ما رأيت بذلك العسكر أصدق لهجة من الأصمعي". فتدبر هذه الكلمة، وانظر منْ كان ببغداد من الأكابر الذين رآهم الشافعي بها. وقال أبو أمية الطرطوسي: "سمعت أحمد ويحيى يثنيان على الأصمعي في السُّنّة: قال: "وسمعت علي بن المديني يثني عليه". وقال عباس الدوري: "قلت لاين معين: أريد الخروج إلى البصرة فعمّن أكتب؟ قال: عن الأصمعي فهو صدوق".

وقال أبو داود: "صدوق". وقال نصر بن علي: "كان الأصمعي يقول لعفان: اتق الله ولا تغير حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقولي". قال نصر بن عليّ: "كان الأصمعي يتقي أن يفسر حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما يتقي أن يفسر القرآن". وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "ليس فيما يروي عن الثقات تخليط إذا كان دونه ثقة". وتجد في كتب اللغة ومعاني الشعر مواضع كثيرة يتوقف عنها الأصمعي، وذلك يدل على توقيه وتثبته .. وأما ما يُحكى عن الأصمعي من النوادر فقد نحله الناس حكايات كثيرة جدًّا، وكل من أراد أن يضع حكاية نسبها إلى الأصمعي، فلا يُلتفت من ذلك إلا إلى ما صح سنده، ولن يوجد في ذلك إلا ما هو حق وصدق، أو يكون الحمل فيه على من فوق الأصمعي. ومحاولة الأستاذ التفرقة بين الحديث والحكايات محاولة فاشلة، والصدق الذي يُثنى به على الراوي شيء واحد، إما أن يثبت للأصمعي كله، وهو الواقع كما صرحت به كلمة الشافعي السابقة، واقتضته كلمات غيره، وإما أن يسقط كله. وأما قول الأستاذ: "ومن جملة نوادره أن الأصمعي لما توفي. ." فهذا من العجائب كيف تكون من نوادره وقد مات؟! وقد كان الأصمعي أوائل أمره يخالط الخلفاء والأمراء ثم انقطع عن ذلك ولزم بيته ومسجده حتى إن المأمون الخليفة حرص جهده على أن يصير الأصمعي إليه فأبى، فكان المأمون يجمع المسائل ثم يبعث بها إلى الأصمعي بالبصرة ليجيب عنها. وليس للأصمعي ذنب إلا أنه من أهل السنة، والله المستعان. اهـ.

[473] عبد الملك بن محمد أبو قلابة الرقاشي الضرير الحافظ

- عبد الملك بن الماجشون: هو عبد الملك بن عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة، تقدم. [473] عبد الملك بن محمد أبو قلابة الرقاشي الضرير الحافظ: عنه الأصم بحكاية. "التنكيل" رقم (147) قال الكوثري: "أبو قلابة الرقاشي كثير الخطأ في الأسانيد والمتون على ما نقله الخطيب عن الدارقطني". قال الشيخ المعلمي: "قال الدارقطني: "لا يحتج بما تفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم ابن بنت منيع "هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي تقدمت ترجمته" أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشرة أجزاء ما منها حديث مُسلّم، إما في الإسناد وإما في المتن، كان يحدث من حفظه فكثرت الأوهام فيه" (¬1). ولا حاجة بنا ولله الحمد إلى مضايقة الأستاذ -الكوثري- بأن نقول: أنت لا تثق بالبغوي فليس لك أن تعول عليه هنا. بل نقول: قال ابن جرير: "ما رأيت أحفظ منه". ¬

_ (¬1) قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 425): "وقال الدارقطني: هو صدوق، كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه، فكثرت الأوهام منه". هكذا نقله الخطيب عن الدارقطني بلا واسطة، وفي "سؤالات الحاكم للدارقطني" رقم (150) قال الدارقطني: "قيل لنا: إنه كان مجاب الدعوة، صدوق كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، لا يحتج بما ينفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم بن منيع أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشرة أجزاء .. ". والذي جزم الخطيب بنسبته إلى الدارقطني هو نحو ما قال فيه الدارقطني: قيل لنا، وما قال فيه أيضا: بلغني عن البغوي. وبمقتضى قواعد النقد فإن في نسبة هذا القول للدارقطني -كما جزم به الخطيب- ونسبته للبغوي -كما حكاه الدارقطني- نظرًا؛ لأننا لا ندري من القائل للدارقطني ولا المبلِّغ له عن البغوي. وقد حَملَ عن أبي قلابة الأئمةُ: أبو داود، والطبري، وابن خزيمة وغيرهم وأثنوا على حفظه ولم يذكروا له شيئًا من هذه الأوهام، فإن كان شيء من هذا فهو مما حدث به أبو قلابة بعد تحوله إلى بغداد كما حققه الشيخ المعلمي رحمه الله، والله تعالى أعلم.

[474] عبد الملك بن هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني الكوفي

وقال مسلمة بن قاسم عن ابن الأعرابي: " .. ما رأيت أحفظ منه وكان من الثقات .. " قال مسلمة: "وكان راوية للحديث متقنًا ثقة .. ". وقال أبو داود: "رجل صدق أمين مأمون كتبت عنه بالبصرة". وقال ابن خزيمة: "ثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد". فاتضح أن أبا قلابة كان ثقة متقنًا إلا أنه تغير بعد أن تحول إلى بغداد، وفيها سمع منه البغوي، فإن كان سماع الأصم منه بالبصرة (¬1) ثبتت الحكاية وإلا فقد تابعه عليها جبل من الجبال -يعني مسدّدًا. اهـ. [474] عبد الملك بن هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني الكوفي: "الفوائد" (ص 209): "كذاب يضع". [475] عبد المؤمن بن خلف أبو يعلى التميمي النسفي الحافظ: "التنكيل" رقم (148) قال الكوثري: "عبد المؤمن ليس ممن يُصدّق في الحسن ابن زياد اللؤلؤي، لأنه كان ظاهريًا طويل اللسان على أهل القياس". فقال الشيخ المعلمي: "قد سلف في القواعد أن المخالفة في المذهب لا تُرد بها الرواية كالشهادة، وهذا ما لا أرى عالمًا يشك فيه. ومن حكم له أهل العلم بالصدق والأمانة والثقة فقد اندفع عنه أن يقال: "لا يصدّق في كذا" اللهم إلا أن تقام الحجة الواضحة على أنه تعمد كذبًا صريحًا فيزول عنه اسم الصدق والأمانة البتة. والأستاذ -الكوثري- يمرّ بالجبال الرواسي فينفخ ويخيّل لنفسه وللجهال أنه قد أزالها أو جعلها هباء، والذي جرأه على ذلك كثرة الأتباع وغربة العلم وما لا أحب ذكره، والله المستعان. اهـ. ¬

_ (¬1) قال الحاكم: إن الأصم لم يسمع بالبصرة حديثا واحدًا. "الكواكب النيرات" (ص 313).

[476] عبد الواحد بن راشد

[476] عبد الواحد بن راشد: في "الفوائد" (ص 481) حديث: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء .. ". ذكر الشوكاني ممن رواه: أحمد بن منيع في مسنده وأنّ في إسناده: عباد بن عباد المهلبي. ونقل عن ابن حبان قوله: كان يحدث بالمناكير فاستحق الترك. فقال المعلمي: "إنما قال ابن حبان هذا في عباد بن عباد الأرسوفي، وهو غير المهلبي، نبه عليه ابن حجر، فأما المهلبي فثقة يخطىء، وأرى البلاء في هذا الخبر من شيخه عبد الواحد بن راشد، فإنه مجهول جدًّا (¬1). اهـ. [477] عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري الفقيه الحنفي، نسب إلى الاعتزال: ترجمته في "التنكيل" رقم (149). أجاب المعلمي فيها عما نقله ابن الجوزي عن محمد بن عبد الملك الهمذاني مما فيه غمز لابن برهان. راجع "نقد حكايات الجرح والتعديل" في قسم القواعد. وقال المعلمي بعد هذه الإجابة: "نعم. ابن برهان لم يوثقه أحد فيما نعلم، ومن المحتمل أنه كان يهم فيما يرويه من الحكايات أو يبني على الظن (¬2)، فحقه أن لا تقوم الحجة بما ينفرد به، ولكنه يذكر في المتابعات والشواهد كما صنع الخطيب والله الموفق. اهـ. ¬

_ (¬1) في "الميزان": "عبد الواحد بن راشد. عن أنس -رضي الله عنه-، وعنه عباد بن عباد، ليس بعمدة. روى حديث من بلغ التسعين سُمى أسير الله في أرضه". اهـ. وهو الحديث المذكور أعلاه، ولم يزد ابن حجر في اللسان شيئًا. (¬2) قد احتمل المعلمي وقوع مثل هذا لابن برهان في ترجمة أبي الحسن التميمي من "التنكيل" رقم (144) ورَدَّ تفرده كما في ترجمة ابن بطة منه رقم (153) في الأمر الثاني، وغمزه في الأمر الثامن منها بأنه ليس بعمدة واحتمل وهمه في النقل.

[478] عبد الواحد بن قيس السلمي أبو حمزة الدمشقي النحوي الأفطس

[478] عبد الواحد بن قيس السُّلمي أبو حمزة الدمشقي النحوي الأفطس: "الفوائد" (ص 247): "لا يتحقق له إدراك لعبادة "بن الصامت" بل الظاهر البيّن أنه لم يدركه. توفي عبادة سنة (34) ومن زعم أنه تأخر إلى خلافة معاوية، إنما اغتر بحوادث جرت له مع معاوية في إمارته، والمراد بالإمارة إِذْ كان عاملًا على الشام في خلافة عمر وعثمان، ولو عاش عبادة بعد عثمان لكان له شأن. وعامّة شيوخ عبد الواحد من التابعين، روى عن أبي إمامة المتوفي سنة (86)، وذكروا أنه روى عن أبي هريرة ولم يره، فإن لم يدرك أبا هريرة، فلم يدرك عبادة، لأن أبا هريرة عاش بعد عبادة نيفًا وعشرين سنة، وإن كان أدركه ومع ذلك روى عنه ولم يسمعه، فهذا ضرب من التدليس يحتمل أن يقع منه في الرواية عن عبادة على فرض إدراكه له (¬1). اهـ. [479] عبد الوارث بن سعيد بن ذكوان التميمي العنبري مولاهم التنوري أبو عبيدة البصري: "التنكيل" رقم (150) قال الكوثري: "قدري كما ذكره الخطيب في "الكفاية"، وقدرية البصرة في غاية من الانحراف عن أبي حنيفة لكثرة هبوطه البصرة للردّ عليهم في مبدأ أمره". قال الشيخ المعلمي: "هبوط أبي حنيفة البصرة للمخاصمة في القدر لم يثبت، وقول عبد الوارث بالقدر في ثبوته نظر. قال ابنه عبد الصمد وهو من الثقات الأثبات: "إنه لمكذوب على أبي، وما سمعت منه يقول قط في القدر وكلام عمرو بن عبيد" (¬2). ¬

_ (¬1) وهذا عَلَى ضعفٍ في عبد الواحد، قد أغفل المعلمي التنبيه عليه، وكأنه قد شغله النظر في سماعه من عبادة، فليتنبه، انظر: "تهذيب الكمال" (18/ 469). (¬2) رواه البخاري في "الضعفاء الصغير" رقم (240) فقال: قال أبو جعفر (يعني المسندي) قال لي =

[480] عبد الوارث بن أبي غالب العنبري

فإن كان في نفسه منه شيء فلم يكن يرى خلافه ضلالة فيعادِي مخالفيه، وإلا لكان أهم شيء عنده أن يدعو ولده. وقد شهد له ابن المبارك أنه لم يكن داعية، ذكره الذهبي في ترجمته من "تذكرة الحفاظ" (ج 1 ص 257). فليس هنا ما يتشبث به في دفع رواية عبد الوارث وهو مجمع على ثقته وجلالته. اهـ. [480] عبد الوارث بن أبي غالب العنبري: "الفوائد" (ص 503): "مجهول". [481] عبد الوارث الأنصاري عن أنس: "الفوائد" (ص 95): "مولى لأنس، منكر الحديث، قاله البخاري. وقال ابن معين: مجهول، وضعفه الدارقطني". [482] عبد الوهاب بن عطاء الخفّاف أبو نصر العجلي مولاهم البصري نزيل بغداد: "التنكيل" (2/ 137): "من رجال مسلم (¬1)، وثقه جماعة مطلقًا وليّنهُ آخرون، ¬

_ = خلف: قال لي عبد الصمد: إنه لمكذوب على أبي، وما سمعته يقول .. " وهو كذلك في "الجرح والتعديل" (6/ 75). ووقع في "التاريخ الكبير" للبخاري (6/ 118): قال أبو جعفر: حلف لي عبد الصمد إنه لمكذوب .. ". لكني لم أر لأبي جعفر المسندي (واسمه: عبد الله بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن اليمان الجعفي مولاهم البخاري الحافظ) رواية عمن يسمى "خلف"، ولا لخلف عن عبد الصمد بن عبد الوارث كذلك، وإنما يروي أبو جعفر عن عبد الصمد، وهذا مما يقوي عندي ما جاء في "التاريخ الكبير". والله تعالى أعلم. (¬1) روى له مسلم حديثًا في كتاب: "صفة الجنة وصفة نعيمها وأهلها" باب، عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه (4/ 2201) رقم (72) في الشواهد، أخرج أولا حديث شيبان بن عبد الرحمن وهو النحوي -ثقة- عن قتادة حدثنا أنس بن مالك قال: قال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن العبد اذا وضع في قبره، وتولَّى عنه أصحابه. . الحديث بطوله ثم أتبعه بحديث عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن قتادة عن أنس بن مالك .. قال: فذكر بمثل حديث شيبان عن قتادة".

[483] عبد الوهاب بن موسى أبو العباس الزهري.

وقدّموه في روايته عن سعيد (بن أبي عروبة)، قال الإمام أحمد: "كان عالمًا بسعيد". وسئل أبو داود عنه وعن السهمي في حديث ابن أبي عروبة؟ فقال: عبد الوهاب أقدم. فقيل له: عبد الوهاب سمع زمن الاختلاط "يعني اختلاط سعيد" فقال: من قال هذا؟! سمعت أحمد يقول: عبد الوهاب أقدم". وقال ابن سعد: "لزم سعيد بن أبي عروبة، وعُرف بصحبته، وكتب كتبه". وقال البخاري: "يكتب حديثه. قيل له: يحتج به؟ قال: أرجو إلا أنه كان يدلس عن ثور وأقوام أحاديث مناكير" (¬1). وسعيد ثقة جليل إلا أنه اختلط بأخرة، وسماع عبد الوهاب منه قديم (¬2). اهـ. [483] عبد الوهاب بن موسى أبو العباس الزهري. عن مالك بن أنس. في "الأنوار الكاشفة" (ص 112 - 114) خبر أخرجه الخطيب عن مالك: "أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهى زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي -أي كعب الأحبار- يقول إنك من أبواب جهنم فقال عمر: ما شاء الله، ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرّة في الجنة ومرّة في النار؟ قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا متّ اقتحموا. وقد صدقت يمينه .. فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة (23 هـ) " (¬3). ¬

_ (¬1) "تهذيب التهذيب" (6/ 453)، وفي "ضعفائه الصغير" (ت 233): "ليس بالقوي عندهم، وهو يحتمل". (¬2) وانظر ترجمة سعيد مع التعليق عليها. (¬3) قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (4/ 91): قد ذكر الخطيب عبد الوهاب بن موسى صاحب الترجمة في "الرواة عن مالك"، وكناه: أبو العباس، ونسبه زهريًا، وأورد له من طريق سعيد بن أبي مريم، عنه، عن مالك، عن عبد الله بن دينار أثرًا موقوفًا على عمر في قصة له مع كعب الأحبار، وقال: إنه تفرد به، ولم يذكر فيه جرحًا. =

تناول الشيخ المعلمي ما في هذه الحكاية مما يُستنكر؛ من بيان وقت موت عمر على التحديد، فقد كان عمر في شهر ذي الحجة سنة (23) حاجًا. . إلى آخر ما قال رحمه الله، ثم قال: "وبعْدُ فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له "عبد الوهاب ابن موسى" لا يكاد يعرف، وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذكر في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدرى من ذا الحيوان الكذاب" (¬1). وفي مقدمة "صحيح مسلم": "الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قُبل منه .. " (¬2). وهذا الرجل لم يمعن في المشاركة فضلًا عن أن يكون ذلك على الموافقة. لكن هذا الشرط لا يتقيّد به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني (¬3). ومن ثمّ -والله أعلم- وثّق الدارقطني عبد الوهاب هذا وزعم أن الخبر صحيح عن مالك. ¬

_ = وأورده الدارقطني في "الغرائب" من هذا الوجه، وقال: هذا صحيح عن مالك، وعبد الوهاب ابن موسى ثقة، ومن دونه كذلك" اهـ. كلام الحافظ. (¬1) قال الذهبي في "الميزان" (2/ 684): عبد الوهاب بن موسى. عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بحديث: إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي" الحديث. لا يُدرى مَنْ ذا الحيوان الكذاب؛ فإن هذا الحديث كذب مخالف لما صَحَّ أنه -صلى الله عليه وسلم- استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له. اهـ. (¬2) (ص 7) من "مقدمة مسلم"، وبقيته، فأما من تراه -يعني من الرواة- يَعْمد لمثل الزهري -أو مالك كما في مثالنا- في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، وحديثه عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابه عنه حديثه على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنه -يعني ذاك الراوي- العددَ من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابه، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبولُ حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم. اهـ. بتصرف. (¬3) انظر مزيدًا من البيان: القسم الخاص بمناهج أئمة النقد والمصنِّفين، من كتابنا هذا.

[ز 11] عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير المصري

أما بقية سنده عن مالك فهو عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري، وسعد الجاري غير مشهور ولا موثق، ولا يدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا؟. اهـ. [ز 11] عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير المصري: حاشية "الفوائد المجموعة": "اتهمه ابن عديّ لروايته عن أبيه حديثين منكرين، وأبوه ثقة، وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات المقلوبات". ولا ينفعه رواية أبي عوانة عنه في "صحيحه"؛ لأن "صحيح أبي عوانة" مستخرج على "صحيح مسلم"، يعمد إلى أحاديث مسلم فيخرجها بأسانيده إلى شيخ مسلم أو شيخ شيخه، فربما لا يجد الحديث إلا عند راوٍ ضعيفٍ فيخرجه عنه؛ لأن الحديث ثابت من غير طريقه". اهـ. [484] عبيد الله بن محمد بن حمدان أبو عبد الله بن بطة العكبري الفقيه: "التنكيل" رقم (153) لخّص الشيخ المعلمي حالهُ فقال: "الذي يتحصل أن ابن بطة مع علمه وزهده وفضله وصلاحه البارع كثير الوهم في الرواة، فلا يُتّهم بما ينافي ما تواتر من صلاحه ولا يحتج بما ينفرد بروايته". اهـ. وقد بيّن الشيخُ السبب في وقوع ابن بطة في كثرة الوهم في الرواة فقال: "سببُهُ أنه ساح في أول عمره فكان يسمع ولا يكتب، ولم يكن يؤمّل أن يحتاج آخر عمره إلى أن يروي الحديث، ولهذا لم تكن له أصول. وفي "لسان الميزان": "قال أبو ذر الهروي: جهدت على أن يخرج لي شيئًا من الأصول فلم يفعل، فزهدت فيه". وبعد رجوعه من سياحته انقطع في بيته مُدّة ثم احتاج الناس إلى أن يسمعوا منه، فكان يتذكر ويروي على حسب ظنّه فيهِم". اهـ.

[485] عبيد الله بن موسى بن أبي المختار -واسمه: باذام- العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي

وذكر المعلمي ما انْتُقِد على ابن بطة فيما يتعلق بالرواية، وهي تسعة أمور ذكرها الخطيب في "تاريخه"، فناقشها المعلمي واحدًا واحدًا (¬1) وألزم ابن بطة الوهم في بعضها، وأجاب عن البعض الآخر بأجوبة محتملة، ثم قال: "ولنِعْم ما قال الذهبي في "الميزان": "إمام ذو أوهام .. ومع قلة إتقان ابن بطة في الرواية كان إمامًا في السنّة، إمامًا في الفقه، صاحب أحوال وإجابة ودعوة -رضي الله عنه-". اهـ. [485] عبيد الله بن موسى بن أبي المختار -واسمه: باذام- العبسي مولاهم أبو محمد الكوفي: "الفوائد" (ص 368): "ثقة على تشيعه". [486] عبيد بن آدم. عنه أبو سنان عيسى بن سنان القسملي: "الأنوار الكاشفة" (ص 108): "لم يُذْكرْ له راوٍ إلا أبو سنان، وأبو سنان ضعفه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما، وقال أبو زرعة: "مخلط ضعيف الحديث". [487] عبيد بن زياد الأوزاعي: في "الفوائد" (ص 240) حديث: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين". له طرق قد ضعّفها الشيخ المعلمي كُلّها، ونقد متنه وبيّن عدم انطباقه على حاله -صلى الله عليه وسلم-. ومِن طُرقه ما أخرجه تمام في "فوائده"، وابن عساكر في "تاريخه"، والطبراني، والبيهقي في "سننه"، والضياء في "المختارة" وصححه من حديث عبادة. قال المعلمي: "في سنده عبيد بن زياد الأوزاعي مجهول". ¬

_ (¬1) وضَمَّن هذه المناقشات أنواعًا من "الفوائد" قد وضعتها في مظانها من القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب، مع التعليق عليها.

[488] عبيد بن سلمان الكلبي والد البختري

[488] عبيد بن سلمان الكلبي والد البختري: "الأنوار الكاشفة" (ص 157): "مجهول". [489] عُبيْس بن ميمون التيمي الرقاشي أبو عبيدة الخزاز البصري العطار: "الفوائد" (ص 305): "منكر الحديث متروك، وترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/ 88) رقم (190) ووقع هناك "عبيدة" غلطًا، وكذا وقع الغلط في "التقريب"، وزيد فرقم عليه (ت) والصواب لا (ق). اهـ. [490] عتاب بن بشير الجزري أبو الحسن أو أبو سهل الحراني مولى بني أمية: عن خصيف بن عبد الرحمن (¬1). "الفوائد" (ص 126): "فيهما كلام" (¬2). [491] عتاب بن زياد الخراساني، أبو عمرو المروزي: "التنكيل" (2/ 84): "وثقه أبو حاتم وغيره، ولم يغمزه أحد". [492] عتبة بن أبي حكيم الهمداني ثم الشعباني أبو العباس الشامي الأردني الطبراني: "الفوائد" (ص 467): "كثير الخطأ". ¬

_ (¬1) عن مجاهد مرفوعًا: "علموا رجالكم سورة المائدة، وعلموا نساءكم سورة النور". (¬2) قال أحمد: عتاب أرجو أن لا يكون به بأس، روى بأخرة أحاديث منكرة، وما أرى أنها إلا من قِبَل خُصيف. "الجرح" (7 / ت 56). وقال أيضًا: أحاديث عتاب عن خصيف منكرة، "الجرح". وقال ابن عديّ: روى عن خُصيف نسخة، وفي تلك النسخة أحاديث ومتون أُنكرت عليه .. " "الكامل" (5/ 1994).

[493] عثمان بن أحمد بن السماك أبو عمرو الدقاق

[493] عثمان بن أحمد بن السماك أبو عمرو الدقاق: "التنكيل" رقم (154) قال الشيخ المعلمي: "عبارة الذهبي في "الميزان": "صدوق في نفسه لكن روايته لتلك البلايا عن الطيوري كوصية أبي هريرة، فالآفة من [بعده] (¬1)، أما هو فوثقه الدارقطني (¬2)، وينبغي أن يُغمز ابنُ السماك بروايته لهذه الفضائح". قال ابن حجر في "اللسان" (¬3): "لو فتح المؤلف على نفسه ذكر من روى خبرًا كذبًا آفته من غيره ما سلم معه سوى القليل من المتقدمين فضلًا عن المتأخرين، وإني لكثير التألم من ذكره لهذا الرجل الثقة في هذا الكتاب بغير مستند، وقد عظّمهُ الدارقطني ووصفه بكثرة الكتابة والجِدِّ في الطلب، وأطْراه جدًّا، وقال الحاكم في "المستدرك": حدثنا أبو عمرو ابن السماك الزاهد حقًا .. ". وأقول: نعمْ ينبغي أن يُغْمز بما يناسب حاله، فلا يُركن إلى ما يرويه بدون النظر في رجاله كما يركن إلى ما يرويه يحيى بن سعيد القطان مثلًا. اهـ. [494] عثمان بن إسحاق بن خرشة القرشي العامري المدني: عن قبيصة وعنه الزهري: "أن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث .. ". "الأنوار الكاشفة" (ص 65): "وإن وثق لا يعرف في الرواية إلا برواية الزهري عنه هذا الخبر الواحد" (¬4). ¬

_ (¬1) هكذا نقله المعلمي من "اللسان" والذي في "الميزان" (3/ 31)، والمطبوع من "اللسان" (5/ 133) عن عدة نسخ خطية: "من فوق". (¬2) والخطيب وابن شاهين وروى عنه فقال: الثقة المأمون وقال أبو الحسين بن الفضل القطان: كان ثقة صالحًا صدوقًا. انظر "اللسان". (¬3) (4/ 131). (¬4) ولا عنه إلا قبيصة في هذا الخبر. وقد وثقه ابن معين "تاريخ الدوري" (2/ 392)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 190). وقال ابن عبد البر: هو معروف النسب إلا أنه غير مشهور بالرواية. "تهذيب التهذيب" (7/ 106). =

[495] عثمان بن الحكم الجذامي المصري

[495] عثمان بن الحكم الجذامي المصري: "التنكيل" (2/ 169): "مصري، قال فيه أبو حاتم: ليس بالمتين" (¬1). [496] عثمان بن أبي سودة المقدسي: "الفوائد" (ص 57): "تابعي وثقه بعضهم (¬2) ولم يقنع ذلك ابن القطان فقال: لا يُعرف حاله". [497] عثمان بن صالح بن صفوان السهمي مولاهم أبو يحيى المصري: "التنكيل" (2/ 94): "صالح في نفسه، لكنه من الذين ابتلوا بخالد بن نجيح، كانوا يسمعون معه فيملي عليهم ويخلط (¬3)، وخالد هالك". ¬

_ = وقال الذهبي في "الميزان" (3 / ت 5487): لا يعرف. أقول: وهو الصواب. وتوثيق ابن معين لهذا الضرب من الرواة لا يعني التوثيق الاصطلاحي، وإنما يدل -بالاستقراء- على استقامة ما بلغه من حديث الرجل، ولو كان حديثا واحدًا، ولم يرو عنه إلا رجل واحد. وللمعلمي بحث مفيد في هذا الباب تراه في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من "التنكيل" وهى "كيف البحث عن أحوال الرواة". وترى ذلك في القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب في: "توثيق بعض الأئمة للمجاهيل". (¬1) نقلا عن "تهذيب التهذيب" (7/ 111)، والذي في "الجرح" (6 / ت 810): "ليس بالمتقن" ونقل ابن حجر توثيق أحمد بن صالح المصري له. (¬2) وثقه مروان بن محمد الطاطري وثبَّتهُ، ووثقه يعقوب بن سفيان، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الذهبي في "الميزان": في النفس شيء من الاحتجاج به، ووثقه ابن حجر. انظر: "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (ص 338)، و"الثقات" (5/ 154)، و"المعرفة والتاريخ" (2/ 472)، و"الميزان" (3 / ت 5517)، وغيرها. (¬3) قال البرذعي: قلت لأبي زرعة: رأيتُ بمصر نحوًا من مئة حديث عن عثمان بن صالح، عن ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار وعطاء، عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، منها: "لا تكرم أخاك بما يشق عليه"؟ فقال: لم يكن عثمان عندي ممن يكذب ولكنه كان يكتب الحديث مع خالد بن نجيح، وكان خالد إذا سمعوا من الشيخ أملى عليهم ما لم يسمعوا، فَبُلُوا به (أبو زرعة الرازي: 417 - 418). =

[498] عثمان بن الضحاك الحجازي

[498] عثمان بن الضحاك الحجازي: "الأنوار الكاشفة" (ص 101): "مجهول، لم يوثق توثيقًا يعتد به" (¬1). [499] عثمان بن عاصم بن حصين الأسدي، أبو حصين بن الأسدي الكوفي: قال الشيخ المعلمي في كتاب "الاستبصار في نقْد الأخْبار": (ص 38 - 39) عند الكلام على ما يُسْقِطُ العدالة: "ما تقرر قي الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلْتة، كمن أغضبه إنسانٌ فترادّا الكلام حتى قذفه على وجه الشتم، ففي الحُكْم بفسقه نظر؛ لأن مثل هذا لا يوجب سوء ظن الناس بالمشتوم، فإن سامع مثل هذا قد يفهم منه الشتم فقط، لا أنّ الشاتم يُثبت نسبة الفاحشة إلى المشتوم. والذي يدفع الإشكال من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب، وقد تقرر في الشرع أن التوبة تجبُّ ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له .. وفي ترجمة أبي حصين: عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي في "التهذيب": "وقال وكيع: كان أبو حصين يقول: أنا أقرأ من الأعمش، فقال الأعمش لرجل يقرأ عليه: اهمز الحوت، فهمزه، فلما كان من الغد قرأ أبو حصين في الفجر "نون" فهمز الحوت، فقال له الأعمش لما فرغ: أبا حصين، كسرت ظهر الحوت، فقذفه أبو حصين، فحلف الأعمش ليحُدّنهُ. فكلمّه فيه بنو أسد فأبى، فقال خمسون منهم [والله ليشهدن أن أمّه كما قال] (¬2)، فغضب الأعمش وحلف أن لا يساكنهم وتحوّل عنهم". ¬

_ = وقال عبد الرحمن بن أي حاتم: سمعت أبي يقول: كان عثمان بن صالح شيخًا صالحًا، سليم الناحية. قيل له: كان يُلَقَّنُ؟ قال: لا، قال: ضاع لي كتاب عن ابن لهيعة عن أبي قبيل ثم دُلِلْت على صاحب ناطفٍ فاشتريت منه بكذا فلسًا -أو قال: كذا حَبَّة- فقيل له: ما حاله؟ قال: شيخ. "الجرح" (6/ 154، رقم (846). (¬1) ذكره ابن حبان فى "الثقات" (7/ 192). (¬2) زيادة من "تهذيب الكمال" (19/ 404). ولعل الصواب: "لنشهدن" بالنون.

[500] عثمان بن أبي عاتكة سليمان الأزدي أبو حفص الدمشقي القاص

أقول: هذه الرواية منقطعة؛ لأن أبا حصين توفي قبل مولد وكيع أو بعده بقليل على اختلاف الروايات في ذلك. فإن صحت، فهمز الحوت معناه أن يقال: "حؤت" بهمزة بدل الواو، وهي لغة، قد قرأ ابن كثير {بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} قالوا: "وكان أبو حيّة العميري يهمز كل واو ساكنة قبلها ضمة". فكان أبا حصين ظن أن مراد الأعمش بقرأءة "الحؤت" مهموزًا إظهار أنه يعرف ما لا يعرف غيره، فقرأ بها أبو حصين إعلامًا بأنه يعرفها. فأما القذف فلم يُرد به أبو حصين الإثبات، وإنما هو شتم جرّ إليه الغضب، ولم يلتفت أحدٌ من أئمة الحديث والفقه إلى هذه القصة، بل احتجوا بأبي حصين، وأطالوا الثناء عليه". اهـ. [500] عثمان بن أبي عاتكة سليمان الأزدي أبو حفص الدمشقي القاصّ: في "الفوائد" (ص 448) حديث: "إن الله يجلس يوم القيامة على القنطرة الوسطى بين الجنة والنار". قال الشوكاني: رواه العقيلي عن أبي أمامة مرفوعًا، وفي إسناده عثمان بن أبي عاتكة ليس بشيء. وقال السيوطي في "اللآلىء": روى له أبو داود، وابن ماجه، ونسبه دحيم إلى الصدق، وقال أحمد: لا بأس به، وقال النسائي: ضعيف. فقال الشيخ المعلمي: "عثمان على كل حال ضعيف، كان قاصًّا يذكر في قصصه الأحاديث فيهِم ويغلط، وفي السند إليه هشام بن عمّار وهو ثقة، إلا أنه كان بأخرة يتلقن".

[501] عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني المكتب المعروف بالطرائفي

قال السيوطى: وله شاهد عند الطبراني عن ثوبان بنحوه مرفوعًا، فقال المعلمي: "فيه يزيد بن ربيعة عن أبي الأشعث، ويزيد منكر الحديث جدًّا عن أبي الأشعث، واختلط بآخره". [501] عثمان بن عبد الرحمن بن مسلم الحراني المُكْتب المعروف بالطرائفي: "الفوائد" (ص 470): "فيه كلام" (¬1). [502] عثمان بن عبد الله الأموي الشامي: "الفوائد" (ص 443): قال السيوطي: مُتّهم، فقال المعلمي: بل كذاب مكشوف الأمر". [503] عثمان بن عمارة وعنه عبد الرحيم بن يحيى الأدمي: "الفوائد" (ص 246): "مجهولان، والمتهم بوضعه أحدهما" (¬2). [504] عثمان بن محمد بن خشيش القيرواني: "حاشية الأنساب" (1/ 328). وانظر ترجمة عبد الله بن عمر بن غانم. [ز 12] عثمان بن نهيلك أبو نهيك الأزدي الفراهيدي البصري: عن أبي الدرداء وعائشة. "الأنوار الكاشفة" (ص 277): "قال ابن القطان: "لا يعرف" يعني أنه مجهول الحال، ولا يخرجه عن ذلك ذكر ابن حبان له في "الثقات". وفوق ذلك لا يُعلم له إدراك لأبي الدرداء وعائشة، بل الظاهر عدمه". اهـ. ¬

_ (¬1) نسبه أبو عروبة الحراني إلى الصدق، لكن أخذوا عليه روايته عن الضعفاء والمجاهيل، قال ابن عديّ: هو في الجزريين كبقيّة في الشاميين. وحديث "الفوائد" رواه عن عمر بن موسى الوجيهي، وهو كذاب يضع الحديث. وحَملَ ابنُ حبان على الطرائفي فدافع عنه الذهبي في "الميزان". (¬2) يعني حديث: "إن لله في الخلق ثلاثمائة قلوبهم على قلب آدم .. " وراجع ترجمة عبد الرحيم بن يحيى.

[505] عثمان بن الوليد الأخنسي

[505] عثمان بن الوليد الأخنسي: "التنكيل" (2/ 135): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وذاك لا يخرجه عن جهالة الحال لما عرف من قاعدة ابن حبان، لكن إن صحت رواية بكير بن الأشج عنه فإنها تقويه، فقد قال أحمد بن صالح: "إذا رأيت بكير بن عبد الله (بن الأشج) روى عن رجل فلا تسأل عنه فهو الثقة الذي لا شك فيه" وهذه العبارة تحتمل وجهين: الوجه الأول: أن يكون المراد بقوله: "فلا تسأل عنه" أي: عن ذاك المروي (¬1)، أي لا تلتمس لبكير متابعًا فإنه -أي بكيرًا- الثقة الذي لا شك فيه ولا يحتاج إلى متابع. الوجه الثاني: أن يكون المراد فلا تسأل عن ذاك الرجل فإنه الثقة. يعني أن بكيرًا لا يروي إلا عن ثقة لا شك فيه والله أعلم. [506] عصام بن روّاد بن الجراح العسقلاني: "الفوائد" (ص 134): "ليّنه أبو أحمد الحاكم" (¬2). [507] عصمة بن سليمان الخزاز: قال: ثنا أحمد بن الحصين ثنا رجل من أهل خراسان عن محمد بن عبد الله العقيلي عن الحسن بن علي .. "الفوائد" (ص 219): "فيه نظر، ومن بينه وبين الحسن لم أعرفهم" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) الظاهر أن هذا لو كان مرادًا لقال: إذا رأيت بكيرًا روى شيئًا. والوجه الثاني هو المتبادر من هذه العبارة، والله أعلم. (¬2) وذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 521). (¬3) له في "اللسان" (4/ 169) حديث آخر رواه عن لمازة بن المغيرة عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن معاذ مرفوعًا. وقال البيهقي في "المعرفة": عصمة لا يحتج به. اهـ.

[508] عصمة ين محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري المدني

[508] عصمة ين محمد بن فضالة بن عبيد الأنصاري المدني: "الفوائد" (ص 344): "كذاب يضع الحديث". [509] عطاف بن خالد بن عبد الله بن العاص القرشي المخزومي أبو صفوان المدني: "الفوائد" (ص 430): "صدوق يهم" (¬1). [510] عطية بن سعد بن جنادة العوفي الجدلي أبو الحسن الكوفي: "الفوائد" (ص 110): "فيه كلام، وقد قيل إنه ربما يروي عن أبي سعيد ويعني بأبي سعيد: محمد بن السائب الكلبي الكذاب المشهور". وفي (ص 244): "فيه كلام كثير لخّصهُ ابن حجر في التقريب بقوله: صدوق يخطىء كثيرًا وكان شيعيًا ومدلسًا". وذكروا من تدليسه: أنه كان يسمع من الكلبي الكذاب المشهور أشياء يرسلها الكلبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيذهب عطية فيرويها عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واصطلح مع نفسه أنه كنى الكلبي بأبي سعيد، فيظن الناس أنه رواها عن أبي سعيد الخدري الصحابي، وربما سمع بعضهم منه شيئًا من ذلك فيذهب يرويه ويزيد "الخدري" بناء على ظنه". اهـ. وفي (ص 467): "واهٍ". - عطية بن عبد الرحمن الثقفي: انظر الترجمة الآتية. ¬

_ (¬1) في المطبوع من "الفوائد": (صدوق يتهم) وهو تحريف بلا شك. وعطاف صالح ليس بذاك، كما قال أبو حاتم، فهو ممن يعتبر به وليس بحجة.

[511] عطية بن مقسم

[511] عطية بن مقسم: عن القاسم بن عبد الرحمن وعنه شريك. "التنكيل" (2/ 145): "مجهول الحال. . ورواه الثوري عن عطية بن عبد الرحمن الثقفي عن القاسم. . ويؤخذ من كلام البخاري وأبي حاتم أن عطية هذا هو الذي روى عنه شريك، فإن صح هذا فهو مجهول الحال، وإلا فكلاهما مجهول". [512] عقبة بن أوس السدوسي البصري: "التنكيل" (2/ 88 - 89): "غير مشهور، وإنما وثقه منْ عادته توثيق المجاهيل (¬1) وإن كانوا مقلين إذا لم ير في حديثهم ما ينكره". [513] عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي العبدي البصري: في "الفوائد" (ص 179): حديث في فضل التمر البرني، له طرق واهية، منها ما في إسناده عقبة هذا، قال ابن حبان: عقبة بن عبد الله الأصم ينفرد بالمناكير عن المشاهير. قال السيوطي: "روى له الترمذي، وقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، والبيهقي في "الشعب"، وصححه المقدسي. وأخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في "الطب"، والحاكم في "المستدرك"، فالحكم بوضعه مجازفة". فقال الشيخ المعلملى: "بل المجازفة في هذا الكلام؛ فإن ألفاظ الخبر مختلفة، ومنها ما ينادي على نفسه بالوضع، وإخراج البخاري في "التاريخ" لا يفيد الخبر شيئًا بل يضره، فإن من شأن البخاري أن لا يخرج الخبر في "التاريخ" إلا ليدل على وهن راويه. ¬

_ (¬1) وثقه العجلي وابن سعد وزاد: قليل الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في "تاريخه" (2/ 128): عقبة بن أوس، وعقبة بن عبد الغافر، وعقبة بن ساج يعتبرون ثقات.

[514] عكرمة بن عمار العجلي أبو عمار اليمامي بصري الأصل.

وتصحيح المقدسي لرواية عقبة الأصم مع ضعفه وتدليسه وتفرده وإنكار المتن مردود عليه. أما حديث أبي سعيد ففي سنده من لا يعرف، ولم يصححه الحاكم، وإنما قال: "أخرجناه شاهدًا". اهـ. [514] عكرمة بن عمار العجلي أبو عمار اليمامي بصري الأصل. "الأنوار الكاشفة" (ص 230): "موصوف بأنه يغلط ويهم" (¬1). [515] عكرمة القرشي الهاشمي أبو عبد الله مولى ابن عباس: "التنكيل" (1/ 471) أفاد الشيخ المعلمي رحمه الله أن البخاري أخرج لعكرمة ما أدّاه اجتهاده إلى أن الكلام الذي قيل فيه لا يضره في روايته البتة. وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 261) زاد المعلمي في البيان فقال: "ترجمة عكرمة في "مقدمة فتح الباري"، أما البخاري فكان الميزان بيده؛ لأنه كان يعرف عامة ما صح عن عكرمة أنه حدّث به، فاعتبر حديثه بعضه ببعض من رواية أصحابه كُلِّهم، فلم يجد تناقضًا ولا تعارضًا ولا اختلافًا لا يقع مثله في أحاديث الثقات. ثم اعتبر أحاديث عكرمة عن ابن عباس وغيره بأحاديث الثقات عنهم فوجدها يصدّق بعضها بعضًا، إلا أن ينفرد بعضهم بشيء له شاهد من القرآن أو من حديث صحابي آخر. فتبيّن للبخاري أنه ثقة، ثم تأمّل ما يصح مِنْ كلام منْ تكلم فيه فلم يجد حُجة تنافي ما تبيّن له. لكن لعلّ مسلمًا لم يتجشّم ما تجشّم البخاري من تتبع حديث عكرمة واعتباره، فلم يتبيّن له ما تبيّن للبخاري، فوقف عن الاحتجاج بعكرمة". اهـ. ¬

_ (¬1) لا سيما في حديثه عن يحيى بن أبي كثير.

[516] العلاء بن زيدل -وقيل: يزيد- الثقفي أبو محمد البصري

[516] العلاء بن زيدل -وقيل: يزيد- الثقفي أبو محمد البصري: "الفوائد" (ص 62): "أحد الدجّالين". [517] العلاء بن مسلمة بن عثمان الروّاس أبو سالم البغدادي: في "الفوائد" (ص 292) قال الشوكاني: روى الطبراني عن ثعلبة بن الحكم مرفوعًا: "يقول الله سبحانه: إني لم أجعل علمي وحلمي فيكم -يعني العلماء- إلا وأنا أريد أن أغفر لكم على ما كان فيكم ولا أبالي". قال في "اللآلىء": "رجاله موثقون". فقال الشيخ المعلمي: "كذا قال السيوطي (1/ 114) مع أن في سنده العلاء بن مسلمة "كان رجل سوء لا يبالي ما روى ولا على ما أقدم، لا يحل لمن عرفه أن يروى عنه" (¬1). "يروى المقلوبات والموضوعات عن الثقات" (¬2)، "لا يحل الاحتجاج به كان يضع الحديث" (¬3). هذا جميع ما في ترجمته في "التهذيب" (¬4) من كلامهم فيه، فهل في هذا توثيق؟ اهـ. [518] عُليْم (¬5) الكندي، عن سلمان: "الفوائد" (ص 347): "مجهول لم يرو عنه إلا زاذان، وذِكْرُ ابن حبان له في الثقات لا ينفي الجهالة؛ لما عرف من قاعدة ابن حبان". ¬

_ (¬1) قاله أبو الفتح الأزدي "تاريخ بغداد" (12/ 241). (¬2) قاله ابن حبان. "المجروحين" (2/ 185). (¬3) قاله محمد بن طاهر المقدسي. "ضعفاء ابن الجوزي" (2/ 188). (¬4) (8/ 192). (¬5) مصغرًا، ابن قعير، انظر "الإكمال" لابن ماكولا (6/ 263) وغيره.

[519] علي بن إبراهيم القزويني

[519] علي بن إبراهيم القزويني: "الفوائد" (ص 243): "لعله المترجم في "لسان الميزان"، وهو مجهول يروي عن أبي زرعة خبرًا منكرًا (¬1) فهو تالف". [520] علي بن أحمد بن النضر أبو غالب الأزدي البغدادي: "حاشية الموضح" (1/ 225): "ضعفه الدارقطني، وهو أخبر به من مسلمة" (¬2). [521] علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا أبو الحسن المخرمي: "التنكيل" رقم (158) قال الشيخ المعلمي تعليقًا على حكاية الخطيب عن ابن المنادي قوله في ابن زاطيا: "ليس بالمحمود". قال: "هذه الكلمة تشعر بأنه محمود في الجملة كما مر نظيره في ترجمة الحسن بن الصباح، فإن عُدّت جرحًا فهو غير مفسر، وقد قال ابن السني: "لا بأس به" (¬3). اهـ. [522] علي بن جرير الباوردي: "التنكيل" رقم (159) قال الكوثري: "زائغ، لم يستطع ابن أبي حاتم أن يذكر شيخًا له ولا راويًا عنه وجعله بمنزلة من يكتب حديثه وينظر فيه -رواية عن أبيه- لا في عداد من يحتج به". ¬

_ (¬1) هو خبر: "إذا كان يوم القيامة يقول الله: اليوم أضع أنسابكم، أنا الملك الديان". قال الخطيب: وهذا حديث منكر. قال ابن حجر: الحمل فيه على هذا القزويني "اللسان" (4/ 192). (¬2) انظر "الميزان" (3/ 111)، و"اللسان" (4/ 193) وقد وثقه مسلمة، ومسلمة ليس بعمدة. (¬3) وقال الخطيب: كان صدوقًا، وكُفَّ بصره في آخر عمره. وقال: أخبرني القاضي أبو نصر أحمد بن الحسين بن الكسار -بالدينور- قال: سمعت أبا بكر ابن السني الحافظ سئل عن ابن زاطيا -وذكر أنه كذاب- فقال: لا بأس به. اهـ. "تاريخ بغداد" (11/ 349).

[523] علي بن الحسن السامي

قال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1) قال: "على بن جرير من أهل "أبيورد" يروي عن حماد بن سلمة وابن المبارك وكان يخضب لحيته روى عنه أحمد بن سيار .. ". فقد روى علي بن جرير عن إمامين وروى عنه أربعة (¬2) من الثقات. وفي ترجمة عمر بن صبح من "التهذيب": "قال البخاري في "التاريخ الأوسط": حدثني يحيى اليشكري عن علي بن جرير .. " فهذا خامس. وقال أبو حاتم: [صدوق] (¬3) ولم يكن ليقول ذلك حتى يعرفه كما ينبغي، وأبو حاتم معروف بالتشدد، قد لا تقِلُّ كلمة "صدوق" منه عن كلمة "ثقة" من غيره، فإنك لا تكاد تجده أطلق كلمة "صدوق" في رجل إلا وتجد غيره قد وثقه، هذا هو الغالب، ثم ذكره ابن حبان في "الثقات" وأورد له تلك الحكاية التي يستنكرها الأستاذ الكوثري. ولا يضره بعد ذلك أن لا يعرفه ابن أبي حاتم. وما أكثر الذين لم يعرفهم وقد عرفهم غيره". اهـ. [523] علي بن الحسن السامي: "الفوائد" (ص 476) قال البيهقي: "وهو ضعيف". قال المعلمي: "هو كذاب ترجمته في "اللسان" (4/ 212) رقم (562) ". [524] علي بن حماد بن السكن. "الفوائد" (ص 386): "متروك". ¬

_ (¬1) (8/ 464). (¬2) منهم محمد بن المهلب السرخسي، ومحمد بن أبي عتاب الأَعْيَن، وأحمد بن سيار. (¬3) من طبعة المعارف (1/ 350)، ومثله في "الجرح" (6 / ت 976) وسقط من طبعة دار الكتب السلفية (1/ 361).

[525] علي بن حمزة أبو القاسم

[525] علي بن حمزة أبو القاسم: "التنكيل" (1/ 340 - 341) قال علي هذا في الأصمعي: "كان مجبرًا شديد البغض لعليّ كرم الله وجهه". فقال الشيخ المعلمي: "أما علي بن حمزة فمعدود من علماء اللغة، بينه وبين الأصمعي زمان طويل، حدّه أن يقبل منه تخطئة من قبله إذا أقام الحجة، وقوله: "إن الأصمعي كان مجبرًا" دليل على أنه هو كان قدريًا، والقدرية تسمى أهل السنة "مجبرة" وقوله: "شديد البغض لعليّ كرم الله وجهه" قولٌ لا حجة عليه، ولا نعلم على الأصمعي شيئًا يثبت عنه يسوغ أن يُنْسب لأجله إلى النصب". اهـ. [526] علي بن أبي رافع، وبقال له علي بن عبيد الله بن أبي رافع، ويقال: عبيد الله بن علي بن أبي رافع، المدني مولى النبي -صلى الله عليه وسلم-: عن جده أبي رافع. "الفوائد" (ص 224): "لم يوثق توثيقًا معتبرًا (¬1)، ولا أدرك جده". [527] علي بن زيد بن جدعان القرشي التيمي أبو الحسن البصري المكفوف، مكي الأصل: "الفوائد" (ص 73): "ضعيف". ¬

_ (¬1) قال ابن أبي خيثمة: سئل يحيى بن معين عن ابن أبي رافع عن عمته قال: لا بأس به. "الجرح" (5 /ت 1549). وقال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه، فقال: لا بأس بحديثه ليس بمنكر الحديث. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: لا، هو يحدث بشيء يسير، وهو شيخ. "الجرح". وذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 69). وقال الذهبي في "الميزان": صويلح الحديث، فيه شيء. وقال ابن حجر في "التقريب": لين الحديث.

[528] علي بن زيد بن عبد الله أبو الحسن الفرائضي

وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 98 - 99): "هو كما قال ابن حجر في "التقريب": "ضعيف". ولم يخرج له أحد من الشيخين، إلا أن مسلمًا أخرج حديثًا عن حماد بن سلمة عن ثابت البناني وعلي بن زيد، والاعتماد على ثابت وحده، لكن لما وقع في سياق السند ذِكْر علي بن زيد لم ير مسلم أن يحذفه، ولمسلم من هذا نظائر". اهـ. [528] علي بن زيد بن عبد الله أبو الحسن الفرائضي: "التنكيل" رقم (160): "قال ابن يونس: "تكلموا فيه"، ولم يبين من المتكلم ولا ما هو الكلام، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة" والتوثيق مقدم على مثل هذا الجرح كما لا يخفى" (¬1). [529] علي بن أبي سارة الشيباني أو الأزدي البصري: "الفوائد" (ص 443): "واهٍ جدًّا". ¬

_ (¬1) أقول: مسلمة بن قاسم ترجمه ابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس" (2/ 130). وقال: "سمعت من ينسبه إلى الكذب، وسألت محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عنه فقال لي: لم يكن كذابًا، ولكن كان ضعيف العقل". وزاد الذهبي في "تاريخ الإسلام" و"سير النبلاء" وابن حجر في "اللسان" عن ابن الفرضي قوله: "حُفظ عليه كلام سوء في التشبيه". ونقل ابن حجر في "اللسان" عن أبي جعفر المالقي في "تاريخه" قوله: "فيه نظر". وقال الذهبي في "السير" (16/ 110): "لم يكن بثقة". وقال في "الميزان": "ضعيف". فمثل هذا ليس بعمدة أصلًا، ولا يُعتد بقوله في الجرح والتعديل، لاسيما إذا انفرد أو خالف. وقد قال الشيخ المعلمي نفسه في ترجمة "محمد بن سعد العوفي" من "التنكيل": "أما مسلمة ابن قاسم فقد جعل الله لكل شيء قدرًا، حَدُّه أن يقبل منه توثيق من لم يجرحه من هو أجلُّ منه ونحو ذلك، فأما أن يُعَارضَ بقوله نصوصُ جمهور الأئمة فهذا لا يقوله عاقل". اهـ. وقول ابن يونس "تكلموا فيه" ظاهره الجرح بلا شك، لكن إذا ثبت توثيق من قيل فيه هذا توثيقًا معتبرًا تطمئن النفس إليه، فيقال حينئذٍ: التوثيق مقدم، والجرح غير مفسَّر، فلعله تُكُلِّمَ فيه بكلام لا يضرُّ. أما إذا لم يوثق توثيقًا يعتد به -كما في هذه الحالة- صار الجرحُ وإن كان غيرَ مفسَّرٍ، محلًا للاعتبار والقبول - والله تعالى أعلم.

[530] علي بن سعيد بن بشير بن مهران الرازي الحافظ أبو الحسن نزيل مصر ومحدثها

[530] علي بن سعيد بن بشير بن مهران الرازي الحافظ أبو الحسن نزيل مصر ومحدثها: "الفوائد" (ص 246): "مجروح، ترى ترجمته في "اللسان" (4/ 231) ". وفي (ص 357): "مع الأسف: حافظ، لكنه فاجر له ترجمة في "اللسان" وفيها عن الحافظ الثقة حمزة بن يوسف السهمي "سألت الدارقطني عنه فقال: ليس في حديثه بذلك، وسمعت بمصر أنه كان والي قرية وكان يطالبهم بالخراج فما يعطونه فيجمع الخنازير في المسجد. فقلت: كيف هو في الحديث؟ قال: حدث بأحاديث لم يتابع عليها. ثم قال: في نفسي منه وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر وأشار بيده وقال: هو كذا وكذا -ونفض يده- يقول: ليس بثقة". [531] علي بن صالح بن صالح بن حيّ الهمداني أبو محمد الكوفي، أخو الحسن بن صالح: "التنكيل" (2/ 120): "ثقة". [532] علي بن صدقة: "التنكيل" رقم (161) قال الكوثري: "كثير الإغراب". فقال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يغرب". وابن حبان قد يقول مثل هذا لمن يستغرب له حديثًا واحدًا أو زيادة في حديث، فقول الأستاذ: "كثير الإغراب" من تصرفاته". اهـ. [533] عليّ بن أبي طلحة -سالم- مولى بني العباس، سكن حمص: "التنكيل" (2/ 310): "أجمع الحفاظ كما في "الإتقان" عن الخليلي على أنه لم يسمع من ابن عباس، وقال بعضهم: إنما يروي عنه بواسطة مجاهد أو سعيد بن جبير، ولا دليل على أنه لا يروي عنه بواسطة غيرهما" (¬1). اهـ. ¬

_ (¬1) قال فضيلة الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة في تعليقه على هذا الموضع من "التنكيل": =

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس فأقصى ما يكون من أمرها أن يكون أخذها عن مجاهد وابن جبير، وهما من خيار ثقات أصحاب ابن عباس، فاستندت إلى أقوى ركنين من أركان الرواة عن ابن عباس، فزادت قوة بما يظن أنه يوهنها، ولذلك اعتمدها أئمة التفسير بالمأثور كابن جرير وابن أبي حاتم وغيرهما. اهـ. فتعقبه فضيلة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني بقوله: ما ذكر فضيلته في رواية علي عن ابن عباس وجيه إن ثبت أن بينهما مجاهد وسعيد، ولكن أَيْنَ السند بذلك؟. وما ذكره من اعتماد ابن جرير وابن أبي حاتم لروايته عن ابن عباس فيه نظرة فإن مجرد الاعتماد على الرواية لا يدلُّ عَلَى ثبوت إسنادها؛ لجواز أن يكون هناك ما يشهد لها من سياق أو سبب نزول أو غير ذلك مما يسوغ به الاعتماد على الرواية مع كون إسنادها في نفسه ضعيفًا. على أنه ليس من السهل إثبات أن الإمامين المذكورين اعتمدا هذه الرواية في كل متونها، اللهم إن كان المقصود بالاعتماد المذكور إنما هو إخراجهما لها، وعدم الطعن فيها، وحينئذٍ فلا حجة في ذلك لثبوت إخراجهما لكثير من الروايات بالأسانيد الضعيفة. اهـ. أقول: قد أطلق المتقدمون أن عليّا أرسل عن ابن عباس ولم يسمع منه، وممن قال ذلك: ابن معين، ودحيم، وأبو حاتم الرازي، وابن حبان، وأبو أحمد الحاكم، ونقل الخليلي في "الإرشاد" (1/ 394) إجماع الحفاظ على ذلك. ولم يذكر أحدٌ ممن أسلفنا ذكره ولا غيرهم أن عليا إنما حمل تفسير ابن عباس عن مجاهد أو سعيد ابن جبير. بل قال يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه: سئل -يعني صالح بن محمد (جزرة) - عن علي بن أي طلحة: ممن سمع التفسير؟ قال: مِنْ لا أَحَدَ، وروى عنه الثقات، مثل بديل بن ميسرة، والحكم ابن عتيبة، وداود بن أبي هند، ومعاوية بن صالح، وسفيان الثوري. فلا أدري هو كوفي، أو شامي أو بصري، لأنه روى عنه الكوفيون والشاميون وغيرهم اهـ. "تاريخ بغداد" (11/ 428 - 429). والأقرب أن يكون مقصوده بقوله: "مِنْ لا أَحَدَ" أي مِنْ لا أَحَدَ معيَّن، وإنما سَمعه من هاهنا وهاهنا. ويبعد أن يحمل كلامه على ظاهره فيكون مقصوده أنه ما سمعه من أحدٍ أصلا، وإنما رواه عن ابن عباس -يعني افتراء وكذبًا، ويؤيدُ هذا البُعْدَ قولُه: وروى عنه الثقات .. وكذلك فإنه لم يرمه أحدٌ من الأئمة بشيء من ذلك، وإن ضعفه بعضهم. وقال أبو أحمد الحاكم في "الكنى" (3 / رقم (1372)، وهو كذلك في مصورة الجامعة الإسلامية - المدينة المنورة (ق 77 / ب): "لم يسمع من ابن عباس شيئًا، ولا يتابع في تفسيره عن ابن عباس". وقال الذهبي في ترجمة علي بن أبي طلحة من "تاريخ الإسلام": قال أبو أحمد الحاكم: ليس ممن يعتمد على تفسيره الذي يُروى عن معاوية بن صالح عنه". =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما قول دحيم: لم يسمع علي بن أبي طلحة من ابن عباس التفسير، وقد حدثنا عبد الله بن يوسف (وهو التنيسي)، عن عبد الله بن سالم (وهو الأشعري) عن علي بن أبي طلحة عن مجاهد. (ذكره ابن أبي حاتم في الجرح)، فليس في هذا السياق ما يدل على أن عليًّا إنما سمع التفسير من مجاهد، بل مراد دحيم أن عليًّا له رواية عن مجاهد، ومجاهد يروي عن ابن عباس، فلعل عليا سمع بعض ما يحدث به من تفسير ابن عباس بواسطة مجاهد، لكن ليس في هذا حصر بذلك كما هو واضح، ولو أراد الحصر لبَيَّنه؛ إذ هو في مقام الكلام عن سماع علي من ابن عباس. أما سعيد بن جبير فإني لم أر أحدًا ذكر أن علما روى عنه أصلًا، فضلًا عن أن يكون سمع منه التفسير. وقد قال المزي في ترجمة عليّ من "تهذيب الكمال" (20/ 490): "روى عن عبد الله بن عباس مرسل، بينهما مجاهد" اهـ. وقال الذهبي في "الميزان": "أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد، فلم يذكر مجاهدًا، بل أرسله عن ابن عباس. . روى معاوية بن صالح عنه عن ابن عباس تفسيرًا كبيرًا ممتعًا". اهـ. ونقل السيوطي في آخر كتابه "الدر المنثور" (8/ 699) عن الحافظ ابن حجر في كتابه "العجاب في بيان الأسباب" قوله: "عليّ صدوق، ولم يلق ابن عباس، لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه، فلذلك كان البخاري وأبو حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة" اهـ. أقول: سبق أنه لم يصرح أحدٌ من المتقدمين بأن عليًّا إنما سمع تفسير ابن عباس من مجاهد، وقول الحافظ ابن حجر "لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه" توسع غير مقبول؛ لأنهم لم يذكروا في شيوخ عليّ ممن يروي عن ابن عباس سوى مجاهد والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق. والظاهر أنهم أخذوا ذلك توهمًا من قول دحيم السابق، ومن ثبوت رواية عليّ عن مجاهد -كما ذكره البخاري في التاريخ وأبو حاتم وغيرهما وأسنده دحيم بإسناد صحيح- وأن عليًّا لم يرو عن أحدٍ ممن روى عن ابن عباس سوى مجاهد والقاسم، فتحصل عندهم من ذلك أن عليًّا إنما أخذ التفسير عن مجاهد؛ لأنه لا سبيل له إلى ابن عباس -مع ثبوت عدم سماعه منه- إلا ذلك؛ وذلك أنَّ مجاهدًا معروفٌ برواية التفسير دون القاسم. لكن يبقى أنه ليس بكافٍ في الجزم بما سبق من الحصر، لأنه قد يَسمع عليٌّ من غير مجاهد عن ابن عباس فيرسله، ولا يذكر مَنْ أخذ عنه في شيء من روايته حتى يُعرف بأنه من شيوخه، ولا يخفى احتمال ضعف بعض هؤلاء الذين سمع منهم فأسقطهم. ثم إنَّ عليًّا في نفسه -وإن كان صدوقًا- إلا أنه ليس مِمَّنْ يُحتَج به. فالإمام أحمد وإن وثقه في روايةٍ، فقد قال مَرَّة، له أشياء مناكير. وقال يعقوب بن سفيان الفسوي في المعرفة (2/ 457): "ضعيف الحديث منكر ليس بمحمود المذهب" وقال في موضع آخر من المعرفة أيضًا (3/ 65): "ليس هو بمتروك ولا حجة هو". وسبق قول أبي أحمد الحاكم فيه. =

[534] علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم

[534] علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم: "التنكيل" رقم (162): "الذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خلط في أول أمره ثم تحسنت حاله، وبقي كثرة الغلط والوهم، فما حدّث به أخيرًا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد" (¬1). اهـ. ¬

_ = ومثل هذا لا يحتج بما يتفرد به، وإنما يُعتبر به، ولم يحتج به البخاري ولا مسلم؛ أما البخاري فقد عَلَّقَ له أشياء، قال ابن حجر في "التهذيب": "نقل البخاري من تفسيره رواية معاوية بن صالح عن علي عن ابن عباس شيئًا كثيرًا في التراجم وغيرها، ولكنه لا يسميه، يقول: قال ابن عباس أو: يُذكر عن ابن عباس". اهـ. ولعل من يتتبع تلك المواضع التي يُعَلِّقها البخاري عن ابن عباس وتكون من رواية علي بن أبي طلحة عنه، يتبين له السبب الذي من أجله يعلق البخاري تارة بصيغة الجزم "قال" وتارة بصيغة التمريض "يُذكر". وأُرَى أنه يجزم حين يقوى عنده صحة ما يعلقه عن ابن عباس، ويمرض حين لا يقوى عنده ذلك، ومدار ذلك على المتابعات والشواهد ونحو ذلك من أسباب القوة، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى الصواب. (¬1) أقول: لم أَرَ مَنْ فَضَّلَ بَيْن أَوَّلِ أَمْر علي وآخره، لكن في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 348): "قال محمود بن غيلان: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة. ثم قال لي عبد الله ابن أحمد أن أباه أمره أن يدور على كل من نهاه عن الكتابة عن علي بن عاصم فيأمره أن يحدث عنه. اهـ. ولم يذكر الحافظ إسناد هذا النقل إلى محمود بن غيلان، ولم يُعْرف أحمد بأنه أسقط عليًّا، بل الروايات عنه تدل على خلاف ذلك: ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله عنه، رقم (70) طبع المكتب الإسلامي: "حدثني أبي قال: حدثنا وكيع -وذكر علي بن عاصم- فقال: خذوا من حديثه ما صح ودعوا ما غلط أو ما أخطأ فيه. قال أبو عبد الرحمن: كان أبي يحتج بهذا، وكان يقول: كان يغلط ويخطىء، وكان فيه لجاج، ولم يكن متهمًا بالكذب". اهـ. وفي كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" (ص 394): "قال البرذعي: حدثنا محمد ابن يحيى النيسابوري قال: قلت لأحمد بن حنبل في علي بن عاصم -وذكرتُ له خطأه- فقال لي أحمد: كان حماد بن سلمة يخطىء -وأومأ أحمد بيده- خطأ كثيرًا، ولم ير بالرواية عنه بأسًا". =

[535] علي بن عبد الله بن جهضم

[535] علي بن عبد الله بن جهضم: "الفوائد" (ص 49 - 50): "كان شيخًا لحرم مكة، وإمامًا به، له ترجمة في "الميزان" و"اللسان"، وفيها ذكر حديثه هذا -يعني حديث صلاة الغائب- وأنه تفرد به، رواه عن علي بن محمد بن سعيد البصري، ثنا أبي ثنا خلف بن عبيد الله هو الصنعاني عن حميد عن أنس مرفوعًا. ومن بينه وبين حميد لا يعرفون، كما ذكره أبو موسى المديني، وأبو البركات الأنماطي، وقد يكون الحمل في هذا الحديث على بعض هؤلاء المجهولين فيخلص ابن جهضم، وقد قال فيه شيرويه: "كان ثقة صدوقًا عالمًا زاهدًا حسن المعاملة حسن المعرفة". لكنه مؤلف "بهجة الأسرار"، قال الذهبي في تاريخ الإسلام: "لقد أتى بمصائب في كتاب "بهجة الأسرار"، يشهد القلب ببطلانها .. " راجع "لسان الميزان" (4/ 238). اهـ. [536] علي بن عبد الله ابن المديني الإمام المشهور: في ترجمته من "التنكيل" رقم (163) فوائد تتعلق بأثر فتنة خلق القرآن على الرواية والرواة، وكذا بقضية اختلاف حكم الإمام الواحد في الرجل توثيقًا وتجريحًا. وتجد تفصيل ذلك في قسم القواعد من هذا الكتاب. ¬

_ = وفي كتاب "سؤالات أبي داود للإمام أحمد" رقم (440): "سمعت أحمد قيل له: علي بن عاصم؟ قال: أما أنا فأحدث عنه، وحَدَّثَنا عنه". وفي رقم (441): "يهم في الشيء". فهذا هو المعروف عن أحمد في عاصم، وأما الذي كان يسقطه بل ويكذبه إنما هو يحيى ابن معين، ولم يحدث عنه أبو خيثمة ولا أخرج عنه في تصنيفه، كما في كتاب "تاريخ بغداد" (11/ 456). أما تعبير الشيخ المعلمي بقوله "خَلَّط" فإن عنى بذلك الاختلاط الاصطلاحي، فإني لا أعلم أحدًا ذكر عليًّا باختلاط أو تغّير، والمعروف من ذلك إنما يكون في آخر عمر الرجل لا في أول أمره، وإن بنى على ما في قول محمود بن غيلان المذكور في "التهذيب" فليس فيه -إن صح- ما يدل على ذلك، وسبق بيان ما فيه، والله تعالى أعلم.

[537] علي بن عروة القرشي الدمشقي

[537] علي بن عروة القرشي الدمشقي: في "الفوائد" (ص 323) حديث: "أنه كان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيف وكان يسمى ذا الفقار، وكانت له قوس تسمى: ذات السداد، وكانت له كنانة تسمى: ذا الجمع .. ". رواه ابن حبان عن ابن عباس مرفوعًا. قيل: هو موضوع. وفي إسناده متروك. قال الشيخ المعلمي: "الخبر طويل وفيه ذكر السيف، والقوس، والكنانة، والدرع، والحربة، والمجن، وفرسين، والسرج، والبغلة، والناقة، والحمار، والبساط، والعنزة، والركوة، والمرآة، والمقراض، والقضيب. كل منها باسم خاص، مع وصف لكثير منها. وقد ورد قليل من ذلك من أوجه أخرى، فأما هذا الجمع فلا يعرف إلا في هذا الخبر، تفرد به علي بن عروة، وهو هالك، كأنه سمع ذكر بعض تلك الأشياء فجمعها وكمّلها من عنده، ورواها بذاك السند". اهـ. [538] علي بن أبي علي اللهبي: في "الفوائد" (ص 456) حديث: "إن لله ديكًا عنقه منطوية تحت العرش، ورجلاه تحت التخوم. فإذا كانت هنيئة من الليل صاح: سبوح قدوس، وصاحت الديكة". رواه ابن عدي عن جابر مرفوعًا، وفي إسناده: علي بن أبي علي اللهبي، وهو متروك، يروي الموضوعات، لا يحتج به. كذا قال ابن الجوزي، وقال: الحديث موضوع. قال السيوطي: لم يتهم بوضع. فقال الشيخ المعلمي: "روى هذا عن ابن المنكدر، وقد قال الحاكم: "يروي عن ابن المنكدر أحاديث موضوعة" وابن المنكدر ثقة مأمون. اهـ. [539] علي بن عمر بن أحمد بن مهدي أبو الحسن الدارقطني: في ترجمته من "التنكيل" رقم (164) فوائد تتعلق بقضية اختلاف حكم الإمام علي الراوي، وبقولهم "رواه جماعة ثقات" أو"شيوخي كلهم ثقات" أو "شيوخ فلان

[540] علي بن عمر بن محمد الحميري يقال له: السكري والصيرفي والكيال والختلي والحربي

كلهم ثقات" وهل يقتضي ذلك توثيق كل من ذكر على حدة؟ وقد أودعت ذلك وغيره في مواضعه من قسم القواعد من هذا الكتاب. [540] علي بن عمر بن محمد الحميري يقال له: السكري والصيرفي والكيال والختلي والحربي: "التنكيل" رقم (165) ذكر الخطيب في ترجمته من "تاريخ بغداد" (¬1) عن البرقاني أنه قال فيه: "لا يساوي شيئًا". وعن الأزهري قال: "صدوق كان سماعه في كتب أخيه، لكن بعض أصحاب الحديث قرأ عليه شيئًا منها لم يكن فيه سماعه وألحق فيه السماع، وجاء آخرون فحكوا الإلحاق وأنكروه، وأما الشيخ فكان في نفسه ثقة"، وعن عبد العزيز الأزجي قال: "كان صحيح السماع ولما أضر قرأ عليه بعض طلبة الحديث شيئًا لم يكن فيه سماعه ولا ذنب له في ذلك". وعن العتيقي: "حدث قديمًا وأملى في جامع المنصور، وذهب بصره في آخر عمره، وكان ثقة مأمونًا". قال المعلمي: "فحاصل القصة أن الرجل لم يكن يحفظ، وكان سماعه مقيدًا في كتب أخيه، وكان من الكتب ما لم يقيد سماعه فيه، فلما عمِى كان يخرج الكتب فينظر المحتاطون ما سماعه فيه فيقرؤونه عليه، فاتفق أن جاء بعض من لا خير فيه فطلب إخراج الكتب فاتفق أن رأى جزءًا ليس عليه سماع الشيخ، فعلم أنه لم يروه قبل ذلك، فألحق فيه سماعًا للشيخ، والشيخ لا يدري، وقال للشيخ: أحب أن أقرأ عليك هذا الجزء فإن سماعك فيه. فظنه الشيخ صادقًا فقال: اقرأ. ثم عثر أهل الحديث على ذاك الجزء، فمنهم من لم يحقق كالبرقاني ظن أن ذلك الإلحاق برضا الشيخ فتكلم فيه، ومنهم من حقق فعلم أن الشيخ بريء من ذلك كما رأيت. فالقول فيه أن ما سمع منه قبل عماه صحيح، فأما بعد عماه فما رواه عنه المحتاطون كالخلال، أو سمع منه بحضرة واحد من المحتاطين فهو صحيح والله أعلم". اهـ. ¬

_ (¬1) (12/ 40).

[541] علي بن غراب الفزاري مولاهم الكوفي القاضي

[541] علي بن غراب الفزاري مولاهم الكوفي القاضي: "الفوائد" (ص 73): "شيعي مدلس". [542] علي بن قرين: "الفوائد" (ص 111): "كذاب خبيث يضع الحديث". [543] علي بن محمد بن عبد الله بن أبي سيف أبو الحسن المدائني الأخباري صاحب التصانيف: في "الفوائد" (ص 500) قول السيوطي فيه: "ثقة". فقال المعلمي: "ليّنهُ ابن عديّ" (¬1). [544] علي بن مهران الرازي: "التنكيل" رقم (168): قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: "كان رديء المذهب غير ثقة". قال المعلمي: "قد تقدمت ترجمة الجوزجاني وتبين أنه يميل إلى النصب، ويطلق هذة الكلمة "رديء المذهب" ونحوها على من يراه متشيعًا وإن كان تشيعه خفيفًا. وتحقق في ترجمته من القواعد أنه إذا جرح رجلًا ولم يذكر حجة وخالفه من هو مثله أو فوقه فوثق ذلك الرجل فالعمل على التوثيق. وعلى هذا ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال ابن عدي: "لا أعلم فيه إلا خيرًا، ولم أر له حديثًا منكرًا وقد كان راويةً لسلمة بن الفضل". اهـ. - علي بن نزار بن حيان: انظر ترجمة أبيه نزار. ¬

_ (¬1) قال في "الكامل" (5/ 1855): ليس بالقوي في الحديث، وهو صاحب الأخبار، قَل ما له من الروايات المسندة. وذكر له حديثًا.

[545] علي بن هاشم بن البريد الكوفي

[545] علي بن هاشم بن البريد الكوفي: "الفوائد" (ص 356): "من غلاة الشيعة إلا أنه وصف بالصدق". [546] علي بن يزداد بن محمد الصائغ أبو الحسن الجوهري الجرجاني: "الفوائد" (ص 235): "اتهمه حمزة -يعني السهمي- رقم الترجمة (531) من تاريخ جرجان". [547] عمار بن رُزيق (¬1) الضبىّ التميمي أبو الأحوص الكوفي: "التنكيل" رقم (169) نقل المعلمي عن الذهبي في "الميزان" قوله فيه: "ثقة، ما رأيت لأحدٍ فيه تليينًا إلا قول السليماني: إنه من الرافضة، والله أعلم". ثم قال المعلمي: "لم يذكر المزيّ ولا ابن حجر هذه الكلمة في ترجمة عمار بن رزيق، والسليماني (¬2) مع تأخره (¬3) وانزوائه في "بيكند" مما ينْسُبُ المتقدمين إلى نحو هذا (¬4). ¬

_ (¬1) بضم الراء ثم بالزاي كما في كتاب "الإكمال" لابن ماكولا (4/ 51) وغيره، ووقع في "التنكيل" بتقديم الزاي على الراء وهو خطأ، إنما ذاك شيخ أخر لا يعرف روى عنه القاسم ابن الفضل الحدَّاني، كما في كتاب "مشتبه النسبة" للذهبي (1/ 315) وغيره، ولم يذكره صاحب "الإكمال". (¬2) هو أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري، قال ابن السمعاني في كتاب "الأنساب" (7/ 122 - 123): "كانت له رحلة إلى الآفاق، وعُرف بالكثرة والحفظ والإتقان، ولم يكن له نظير في زمانه إسنادًا وحفظًا ودراية بالحديث وضبطًا وإتقانًا، كان يصنف كل أسبوع شيئًا ويحمله إلى جامع بخارى من بيكند ويحدث به" اهـ. وفي "طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 42): "كان يحفظ الحديث، ورحل فيه، وكان من الحفاظ الزهاد". وفي "طبقات الإسنوي" (1/ 327): "كان من الفقهاء الزهاد الحفاظ للحديث، الراحلين فيه". (¬3) ولد السليماني سنة (311 هـ)، وتوفي سنة (404 هـ)، وفي ترجمة عمار بن رزيق من "تهذيب الكمال" (21/ 190): "قيل إنه مات قبل سفيان الثوري سنة تسع وخمسين ومئة" اهـ فقد وُلد السليماني بعد وفاة عمار بـ (152) سنة. (¬4) قال الذهبي في ترجمة السليماني من كتاب "سير أعلام النبلاء" (17/ 202): "رأيت للسليماني كتابًا فيه حَطٌّ على كبَار، فلا يُسمع منه ما شَذَّ فيه" اهـ. وستأتي ترجمته وما يتعلق بمنزلته في النقد، في القسم الخاص بـ "مناهج أئمة النقد والمصنفين" من كتابنا هذا.

[548] عمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري

وفي "لسان الميزان" (ج 3 ص 433) عنه أنه قال: "ذكر أسامي الشيعة من المحدثين .. الأعمش، النعمان بن ثابت، شعبة بن الحجاج .. ". والمتقدمون الذين هم أعرف بعمّار اعتمدوه ووثقوه ولم يعيبوه بشيء. قال الإمام أحمد: "كان من الأثبات"، ووثقه ابن معين وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم وأخرج له مسلم وأبو داود والنسائي. اهـ. [548] عمارة بن زاذان الصيدلاني أبو سلمة البصري: "الفوائد" (ص 225): "ضعيف وخاصة في روايته عن ثابت؛ لأن ثابتًا تغير بأخرة (¬1)، وكأن عمارة كان صغيرًا حين سمع منه فقد ذكروا أنه آخر أصحابه موتًا" (¬2). اهـ. ¬

_ (¬1) لم أَرَ من ذكر ثابتًا بِتَغَيُّرٍ، إلا ما حكاه مغلطاي في "إكماله" (2 / ق 38) ومثله في "تهذيب ابن حجر" (2/ 3) قالا في "سؤالات أبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي لأحمد بن حنبل": سئل أبو عبد الله عن ثابت وحميد أيهما أثبت في أنس؟ فقال: قال يحيى القطان: ثابت اختلط وحميد أثبت في أنس منه". اهـ. وأبو جعفر هذا لعله المترجم في "تاريخ بغداد" (2/ 222)، و"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 190)، و"الأنساب" لابن السمعاني (2/ 131) في نسبة البرجلاني فقد ذكر الخطيب أنه روى عن أحمد لكن لم يذكر أحد منهم تلك السؤالات وعلى كل حالٍ فإني لم أجد من يقرب أن يكون هو المذكور في نقل مغلطاي إلا هذا، فإن كان هو فقد قال الخطيب: بلغني عن إبراهيم بن إسحاق الحربي أنه سئل عن محمد بن الحسين البرجلاني فقال: ما علمت إلا خيرًا. وإن كان غيره فلم أعرفه، وعلى كل حالٍ ففي ثبوت تغير ثابت بهذا النقل عندي وَقْفَةٌ، والله تعالى أعلم. (¬2) لم أقف على من ذكر هذا. وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام": "مات -يعني عمارة- سنة (168 هـ) تقريبًا". اهـ. وفي الطبقة الأول من أصحاب ثابت: حماد بن سلمة -وهو أثبتهم فيه على الإطلاق- مات سنة (167 هـ)، وحماد بن زيد مات سنة (179 هـ). وهذا معمر بن راشد، وقد قال فيه ابن معين: حديث معمر عن ثابت مضطرب كثير الأوهام، وقال العقيلي: أنكرهم رواية عن ثابت: معمر، قد مات قديمًا سنة (154 هـ). فلا علاقة بين ضَعْفِ من ضُعِّفَ في ثابت، وبين تأخر موته، بَلْه تغيره. يُبيِّنُ ذلك ما ذكره الحافظ ابن رجب الحنبلي في "شرح علل الترمذي" (2/ 501) عن الإمام أحمد، قال في عمارة بن زاذان: "يروي عن ثابت أحاديث مناكير. ثم قال: هؤلاء الشيوخ رووا عن ثابت، وكان ثابت جلّ حديثه عن أنس، فحملوا أحاديثه عن أنس" اهـ. =

[549] عمارة بن فيروز

[549] عمارة بن فيروز: "الفوائد" (ص 355): "مجهول واهٍ ليس بشيء". [550] عمران بن حطان السدوسي: "التنكيل" (1/ 440): "اتفق أهل العلم على أنه من أصدق الناس في الرواية، وقد جاء أنه رجع عن بدعته، ولم يحتج البخاري به، إنما ذكره في المتابعات في حديث واحد". [551] عمران بن داود القطان أبو العوام البصري: عن بكر بن عبد الله. "الأنوار الكاشفة" (ص 180): "ضعيف، ولا يتحقق سماعه من بكر". [552] عمران بن عبد العزيز أبو ثابت: "الفوائد" (ص 122): "منكر الحديث على قِلّةِ ما روى". [553] عمر بن إبراهيم بن محمد بن الأسود: "الفوائد" (ص 299): "له ترجمة في "الميزان" و"اللسان"، وهو مجهول، ذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في ذكر المجاهيل، وذكره العقيلي في "الضعفاء"، وذكر له خبرًا آخر لهذا السند نفسه (¬1) لم يتابع عليه، والمجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما فهو تالف". اهـ. ¬

_ = معنى ذلك أن عمارة وغيره من غير المتثبتين كانوا يسلكون بأحاديث ثابت الجادة فيجعلونها عن أنس لكثرة روايته عنه. وهذا واضح أن الحمل في هذه المناكير على عمارة ومن معه، ولا علاقة لثابت بها، والله تعالى أعلم. (¬1) السند: "هاشم بن هاشم، عن عمر بن إبراهيم، عن محمد، عن المغيرة بن شعبة مرفوعًا" ذكر السيوطي في اللآليء عن الدمياطي أن محمدًا هو محمد بن كعب، وأن عمر بن إبراهيم هو أبو حفص العبدي المترجم في التهذيب. قال المعلمي: "وَهِمَ الدمياطي، ومن تبعه، إنما هذا عمر بن إبراهيم بن محمد بن الأسود، له ترجمة في "الميزان" .. ".

[554] عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمداني الكوفي نزيل بغداد

[554] عمر بن إسماعيل بن مجالد الهمداني الكوفي نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 265): "هالك". [555] عمر بن الحسن أبو الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأشناني: "التنكيل" رقم (170) في ترجمته فوائد تتعلق بنقد روايات الجرح والتعديل وبعض القرائن التي تعين على هذا النقد، وكذا تتعلق بتجويز أن يطلق الإمام الكذب على الراوي بناء على ما ظهر له من بعض حديثه وبالنظر يتبين أنه ربما لا يوجب ذلك جرحًا فيه أصلًا، وغير ذلك من "الفوائد" الثمينة قد أوردتها في مظانها من قسم القواعد. وقد أجاب الشيخ المعلمي رحمه الله تعالى عما نُسب إلى عمر هذا وما رمي به من الكذب، وختم ترجمته بقوله: "ولم ينكر عليه مما حدث به وسمعه الناس منه خبر واحد، فلا أراه إلا قويًا، والله أعلم". [556] عمر بن راشد بن شجرة اليمامي: في "الفوائد" (ص 220) حديث: "إذا بعثتم إلي بريدًا فابعثوا حسن الوجه، حسن الاسم". قال الشوكاني: رواه العقيلي والطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا. في إسناده عمر بن راشد. قيل: وليس بشيء، ورُدّ بأنه قد وثقه جماعة. اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "كلا لم يوثقه أحد غير قول العجلي: "لا بأس به" والعجليّ متسمح جدًّا، وكأنه مع ذلك لم يخبر حديثه، وقد جرحه الأئمة: أحمد، ويحيى، والبخاري، وأبو زرعة، والنسائي، وأبو داود، والدارقطني وغيرهم. روى عمر هذا الخبر عن يحيى بن أبي كثير (¬1) عن أبي سلمة عن أبي هريرة. وقد رواه غيره عن يحيى عن أبي سلمة عن الحضرمي بن لاحق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحضرمي ¬

_ (¬1) وقد قال أحمد: "حديثه ضعيف ليس بمستقيم، حدث عن يحيى بن أبي كثير بأحاديث مناكير". وقال البخاري: "حديثه عن يحيى بن أبي كثير مضطرب ليس بقائم".

[557] عمر بن راشد الجاري المدني

من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة، فكأن عمر بن راشد سمع هذا، ثم وهم فسلك به الجادة "يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة" (¬1). اهـ. [557] عمر بن راشد الجاري المدني: "الفوائد" (ص 22): "تالف، أتلف من عمر بن راشد اليمامي، أحاديثه كذب وزور موضوعة". [558] عمر بن سيار: "الفوائد" (ص 458): "مجهول متهم، ترجمته في "اللسان" (4/ 311) رقم (879) فقد يكون هو أو أحد الذين لم أعرفهم -يعني في السند- سرقه من ميسرة (¬2) وميسرة مشهور بالوضع". [559] عمر بن صبح بن عمر التميمي العدوي أبو نعيم الخراساني: "الفوائد" (ص 410، 243): "كذاب". [560] عمر بن صهبان -ويقال: ابن محمد بن صهبان- الأسلمي أبو جعفر المدني خال إبراهيم بن أبي يحيى: "الفوائد" (ص 68): "متروك وإن أثنى عليه من لا يُعْتدُّ بثنائه" (¬3). ¬

_ (¬1) وللحديث طرق أخرى ضعفها المعلمي أيضًا، ترى ذلك في "المنتقى من نقد المعلمي للأخبار" في القسم الخاصّ به من هذا الكتاب. (¬2) هو ميسرة بن عبد ربه. (¬3) قال ابن شاهين في "الثقات" (ت 726): قال أحمد بن صالح: "ما علمت منه إلا خيرًا ثقة، ما رأيت أحدًا يتكلم فيه". وابن شاهين إنما ولد بعد وفاة أحمد بن صالح بنحو (49) سنة، وقد قال ابن شاهين في ثقاته أيضًا: قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع (أبو علي البجلي الكوفي) صدوق وليس بحجة. فقال الشيخ المعلمي في ترجمة الحسن من "التنكيل" رقم (75): "هذه الحكاية منقطعة؛ لأن ابن شاهين إنما ولد بعد وفاة عثمان بنحو ستين سنة، ولا نعلمه التزم الصحة فيما يحكيه في "ثقاته" عمن لم =

[561] عمر بن عامر أبو حفص السعدي التمار البصري

[561] عمر بن عامر أبو حفص السعدي التمار البصري: "الفوائد" (ص 227): "في "الميزان" و"اللسان": روى عنه أبو قلابة ومحمد بن مرزوق حديثا باطلًا" فذكر حديثًا آخر (¬1)، فعمر هذا مجهول يروي المنكرات فهو ساقط. اهـ. [562] عمر بن عبد الله المدني مولى غفرة. عن ابن عمر: "الفوائد" (ص 503): "ضعيف ولم يدرك ابن عمر". [563] عمر بن قيس المكي المعروف بـ "سنْدل": "الفوائد" (ص 214): "متروك كذبه مالك، وهو أهْلٌ لذلك". [564] عمر بن محمد بن عيسى السذابي الجوهري: "التنكيل" رقم (173) في ترجمة أبي حنيفة من "تاريخ بغداد" حكايات من طريق السذابي عن الأثرم. قال الذهبي: "في حديثه بعض النكرة (¬2) تفرد برواية ذاك الحديث الموضوع: ¬

_ = يدركه .. ". وانظر للاستزادة: ترجمة ابن شاهين وهو: عمر بن أحمد بن عثمان أبو حفص البغدادي صاحب التصانيف، وذلك في القسم الخاصّ بتراجم الأئمة والمصنفين من هذا الكتاب، والله الموفق. وفي "تهذيب التهذيب" (7/ 465) قال النسائي في "الكنى": أبو حفص عمر قال ابن أبي يحيى: أنا إبراهيم بن يعقوب ثنا الحنفي ثنا أبو حفص خال ابن أبي يحيى وكان أرضى أهل المدينة يومئذ، أهلُ المدينة له حامدون، ثنا صفوان بن سليم فذكر حديثًا اهـ. ولم أعرف الحنفي هذا وأخشى أن يكون مصحفًا، وبالنظر في مآخذ المعلمي في تراجمه يُعْلم أنه قصد بقوله كلَام الحنفى هذا، وبالنظر في ترجمة عمر يُعلم ما في هذا "الرضا" مِنَ المجازفة مِنْ قائله، والله تعالى أعلم. (¬1) يعني سوى حديث "الفوائد" الذي لفظه: "إذا صافح المؤمن المؤمن نزلت عليهما مائة رحمة، تسعة وتسعون لأبشهما وأحسنهما لقاءً". وأما الآخر فلفظه: "من أخذ بركاب رجل لا يرجوه ولا يخافه غفر له". (¬2) إنما نقله الذهبي عن الخطيب في "تاريخ"، والذي فيه (11/ 225): في بعض حديثه نكرة.

[565] عمر بن موسى الوجيهي. عن واثلة

القرآن كلامي ومنّي خرج .. ". قال الشيخ المعلمي: "روى السذابي هذا الحديث عن الحسن بن عرفة، فقد يكون رواه من حفظه فوهم أو أدخله عليه بعض الجهال. فأما روايته عن الأثرم فالظاهر أنها من كتاب مؤلف، والاعتماد في ذلك على صحة النسخة كما مر في ترجمة عبد الله بن جعفر وغيرها، ولذلك تجد تلك الحكايات مستقيمة قد توبع عليها". اهـ. [565] عمر بن موسى الوجيهي. عن واثلة: "الفوائد" (ص 167): "كذاب يضع ولم يدرك واثلة والله أعلم". [566] عمر بن هارون بن يزيد الثقفي مولاهم البلخي: "الفوائد" (ص 170): "كان يروي عمن لم يسمع منه، وربما روى عن الثقات ما سمعه من الضعفاء". [567] عمر بن يحيى بن نافع الأبلي (¬1): "الفوائد" (ص 76): "يسرق الحديث" (¬2). [568] عمرو بن إسماعيل الهمداني: عنه يحيى بن بشار الكندي. "الفوائد" (ص 380): "مجهولان فالحمل عليهما وفي ترجمتيهما من "الميزان" و"اللسان" ¬

_ (¬1) بالباء الموحدة، كما ذكره عبد الغني بن سعيد في كتاب "مشتبه النسبة" (ص 2) وعنه الشيخ المعلمي في حاشية "إكمال ابن ماكولا" (1/ 130)، لكن وقع في تلك الحاشية: "عمرو" وهو خطأ. (¬2) انظر ترجمة "جارية بن هرم" من كتاب "الكامل" لابن عدي، وعنه الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" في ترجمة "عُمر". ولم يعرفه الهيثمي، راجع: "مجمع الزوائد" (3/ 138)، (5/ 149).

[569] عمرو بن جرير أبو سعيد البجلي

ذكر هذا الخبر" (¬1). [569] عمرو بن جرير أبو سعيد البجلي: "الفوائد" (ص 480): "كذاب". [570] عمرو بن جميع الكوفي: "الفوائد" (ص 343): "أحد الهلكى، أحاديثه موضوعة كان يتهم بوضعها". [571] عمرو بن دينار المكي أبو محمد الأثرم الجمحي مولاهم: "التنكيل" (2/ 157 - 159): "قد يرسل ما سمعه من ثقة متفق عليه كما أرسل عن جابر ما سمعه من محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عنه، ومحمد إمام حجة. وقد تتبعت ما قيل إن عمرًا أرسله مثل هذا الإرسال غير الحديث السابق (¬2) فلم أجد إلا حديثًا واحدًا حاله كحال الحديث السابق، وذلك أن في "مسند أحمد" (ج 3 ص 368) "ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن جابر .. قلت لعمرو: أنت سمعته من جابر؟ قال: لا". والحديث في "صحيح البخاري" من طريق ابن عيينة "قال عمرو: أخبرني عطاء أنه سمع جابرًا" فبين عمرو وجابر في هذا عطاء بن أبي رباح، وهو إمام حجة. ووجدت حديثن آخرين لم يتضح لي الإرسال فيهما، فإن صح فالواسطة في ¬

_ (¬1) يعني خبر: "مثلي مثل شجرة، أنا أصلها، وعلي فرعها، والحسن والحسين ثمرتها، والشيعة ورقها، فأي شىء يخرج من الطيب إلا الطيب". رواه عن يحيى بن بشار: عبادُ بن يعقوب الرواجني، وهو رافضي، لكن قال المعلمى: "عَبَّاد عَلَى رفضِهِ وحُمقِهِ صدوق، رواه عن يحيى عن عمرو، وهما مجهولان، فالحمل عليهما .. ". (¬2) يعني: حديث جابر في لحوم الخيل.

أحدهما عكرمة وطاوس أو أحدهما. وفي الثاني: ابن أبي مليكة، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات، فإن ساغ أن يقال في حديث رواه عمرو عن ابن عباس: لعله لم يسمعه منه، فإنما يسوغ أن يفرض أن عمرًا سمعه من ثقة حجة سمعه من ابن عباس. وفي ترجمة عمرو من "تهذيب التهذيب": قال الترمذي: قال البخاري: لم يسمع عمرو بن دينار من ابن عباس حديثه عن عمر في البكاء على الميت" (¬1)، قال ابن حجر: قلت: ومقتضى ذلك أن يكون مدلسًا". أقول: لم أظفر برواية عمرو ذاك الحديث عن ابن عباس، والقصة -وفيها الحديث- ثابتة في "صحيح مسلم" (¬2)، و"مسند الحميدي" من رواية عمرو عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس، فإن كان بعضهم روى الحديث عن عمرو عن ابن عباس فلا ندري من الراوي؟ فإن كان ثقة فالحال في هذا الحديث كما تقدم، حدث به عمرو مرارًا عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس حتى عرف أن الناس قد عرفوا أنه لم يسمعه من ابن عباس، ثم قال مرة على سبيل الفتيا أو المذاكرة: "قال ابن عباس" وليس هذا بالتدليس، على أنه لا مانع من أن يسمع من ابن أبي مليكة عن ابن عباس القصة وفيها الحديث ويسمع من ابن عباس نفسه الحديث. ولا مانع من أن يسمع الرجل الحديث من رجل عن شيخ ثم يسمعه من ذلك الشيخ نفسه ثم يرويه تارة هكذا وتارة هكذا. وهذا النوع يسمى "المزيد في متصل الأسانيد" (¬3). وقد عدّ بعضهم منه حديث عمرو في لحوم الخيل. وقد ذكر مسلم في مقدمة "صحيحه" أمثلة مما قد يقع من غير المدلس من ¬

_ (¬1) لم يذكره الترمذي في "جامعه" ولا وجدته في ترتيب "العلل الكبير" له. (¬2) (ص 642) ولم يذكره بتمامه، وهو بتمامه في "التمهيد" (17/ 276 - 277). (¬3) انظر هذا المبحث في "زيادات الثقات" و"الخلاف في الوصل والإرسال" ونحو ذلك في قسم القواعد من هذا الكتاب.

إرسال ما لم يسمعه، وذكر منها حديث عمرو بن دينار في لحوم الخيل وقد مرّ. وهذا حكم من مسلم بأن عمرًا غير مدلس وأن ما قد يقع عن مثل ذلك الإرسال ليس بتدليس. واحتج الشيخان بكثير من أحاديث عمرو التي لم يصرح فيها بالسماع، واحتج مسلم بحديث في المخابرة رواه ابن عيينة عن عمرو عن جابر، مع أنه قد ثبت عن ابن عيينة (¬1) أن عمرا لم يصرح فيه بالسماع من جابر. وهذا الترمذي حاكي الحكايتين (¬2) عن البخاري صحح في حديث لحوم الخيل رواية ابن عيينة التي فيها "عمرو عن جابر" وخطأ حماد بن زيد في قوله "عمرو عن محمد بن علي عن جابر" مع جلالة حماد وإتقانه، فلو كان عند الترمذي أن عمرًا يدلس لما كان عنده بين الروايتين منافاة، والصحيح أنه لا منافاة ولا تدليس كما مرّ. فأما ما في "معرفة الحديث" للحاكم (ص 111) في صدر كلامه في التدليس: "فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة .. وأن عامّة حديث عمرو بن دينار عن الصحابة غير مسموعة" (¬3). فإنما قال ذلك في صدر من روى ¬

_ (¬1) قال ابن عيينة: وكل شيء سمعته من عمرو قال لنا فيه: سمعت جابرًا، إلا هذين الحديثين -يعني: لحوم الخيل، والمخابرة- ولا أدري بينه وبين جابر فيهما أحد أم لا. "المعرفة والتاريخ" للفسوي (2/ 743). وقال الدارقطني: لم يسمع من جابر حديثه عن أبي بكر: "من كان له عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عِدَةٌ فليأتني". "علل الدارقطني" (1 / ق 13). (¬2) إحداهما في لحوم الخيل، والأخرى في القضاء بشاهد ويمين، قال الترمذي: عمرو بن دينار لم يسمع عندي هذا الحديث من ابن عباس، كما في "العلل الكبير" للترمذي -ترتيب أبي طالب المكي- (1/ 546). وسئل ابن عيينة عما روى عمرو بن دينار عن ابن عباس وابن الزبير في القرآن، سماع؟ فقال: كان عمرو لا يقول فيها سمعت ابن عباس. "علل أحمد" (3/ 285). (¬3) فائدة: ممن ذُكر أن عَمرا أرسل عنهم أو رآهم ولم يسمع منهم: أ- قال ابن معين: لم يسمع من البراء بن عازب. الدوري (2/ 443). =

[572] عمرو بن زياد الثوباني

عمن لم يره قط ولا سمع منه شيئًا، فإن تلك العبارة هي في صدر قوله (ص 109) "الجنس السادس من التدليس قوم رووا عن شيوخ من الصحابة"، وهذا على قلة ما قد يوجد عن عمرو فيه ليس بتدليس، وإنما يسميه جماعة تدليسًا إذا كان على وجه الإيهام، فأما أن يرسل المحدث عمن قد عرف الناس أنه لم يدركه أو لم يلقه فلا إيهام فلا تدليس .. " (¬1). [572] عمرو بن زياد الثوباني: "الفوائد" (ص 394): "كذاب وضاع". [573] عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمرو بن العاص القرشي السهمي المدني. "التنكيل" (2/ 116) قال المعلمي: "لخّص ابن حجر كلامهم فيه بقوله: "ضعفه ناس مطلقًا، ووثقه الجمهور، ومن ضعفه مطلقًا فمحمول على روايته عن أبيه عن جده، فأما روايته عن أبيه فربما دلس ما في الصحيفة .. فإذا قال حدثني أبي فلا ريب في صحتها .. وقد صرح شعيب بسماعه من عبد الله بن عمرو في أماكن .. لكن هل سمع منه جميع ما روى عنه أم سمع بعضها والباقي صحيفة؟ الثاني أظهر عندي وهو الجامع لاختلاف الأقوال فيه، وعليه ينحط كلام الدارقطني وأبي زرعة". ¬

_ = ب- وقال أبو زرعة: لم يسمع من أبي هريرة. "الجرح" (6/ 231). ج- وسئل ابن معين: عمرو بن دينار سمع سليمان اليشكري؟ قال: لا. "مراسيل الرازي" (144). لكن سئل أحمد عن ذلك فقال: قتل سليمان في فتنة ابن الزبير، وعمرو رجل قديم، قد حدث عنه شعبة عن عمرو عن سليمان، وأراه قد سمع منه. "علل أحمد" (3/ 284). وقال البخاري: فلعله سمع منه. "علل الترمذي الكبير" (2/ 755). د- وقال أيوب: لم ير محمد بن سيرين. "علل أحمد" (2/ 592 - 593). هـ- وقال ابن عيينة لعمرو: رأيت الأسود بن يزيد؟ قال: نعم. قال: حفظت منه؟ قال: لا. "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/ 511)، و"المعرفة والتاريخ" للفسوي (3/ 20). (¬1) وللاستزادة يراجع بحث "الإرسال والتدليس" في قسم القواعد إن شاء الله تعالى.

فإن قيل: فإذا لم يصرح بسماعه من أبيه من عبد الله بن عمرو فغاية ذلك أن يكون من الصحيفة، وقد قال ابن حجر: "قال الساجي: قال ابن معين: هو ثقة في نفسه وما روى عن أبيه عن جده لا حجة فيه، وليس بمتصل وهو ضعيف من قبل أنه مرسل، وَجَدَ شعيب كتب عبد الله بن عمرو فكان يرويها عن جده إرسالًا، وهي صحاح عن عبد الله بن عمرو، غير أنه لم يسمعها". قال ابن حجر: "فإذا شهد له ابن معين أن أحاديثه صحاح غير أنه لم يسمعها، وصح سماعه لبعضها، فغاية الباقي أن يكون وجادة صحيحة، وهو أحد وجوه التحمل". وذكر بعد ذلك كلامًا ليعقوب بن شيبة وفيه: "وقال علي بن المديني: وعمرو بن شعيب عندنا ثقة، وكتابه صحيح". قلت: الساجي لم يدرك ابن معين، وقول ابن المديني: "كتابه صحيح" لعله أراد كتابه الخاص الذي قيّد فيه سماعاته، لا تلك الصحيفة، وقد قال الإمام أحمد: "له أشياء مناكير وإنما يكتب حديثه يعتبر، به فأما أن يكون حجة فلا". وقال مرّة: "ربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء". كأنه يريد أن يحتج به إذا لم يكن الحديث منكرًا. وفي كلام أبي زرعة: "ما أقل ما نصيب عنه مما روى عن غير أبيه عن جده من المنكر" وهذا يدل أن في روايته عن أبيه عن جده مناكير غير قليلة، وبذلك صرح ابن حبان في "الثقات" (¬1) وراجع "أنساب ابن السمعاني" الورقة (319 أ) [3/ 343 ط]. وذلك يدل على أحد أمرين: إما أن تكون تلك الصحيفة مع صحتها في الجملة عن عبد الله بن عمرو لم تحفظ كما يجب فوقع العبث بها. وإما أن يكون عمرو أو أبوه أو كلاهما كما يدلس عن الصحيفة يدلس عن غير ¬

_ (¬1) بل في "المجروحين" (2/ 72 - 73).

[574] عمرو بن شمر الجعفي الكوفي أبو عبد الله

الصحيفة. فالذي يتحصل أن ما صرح فيه عمرو بالسماع من أبيه، وبسماع أبيه من عبد الله ابن عمرو فإنها تقوم به الحجة، وما لم يصرح بذلك ففيه وقفة. اهـ. [574] عمرو بن شمر الجعفي الكوفي أبو عبد الله: "الفوائد" (ص 173): "تالف والحمل عليه". [575] عمرو بن عبد الغفار الفقيمي: "الفوائد" (ص 408): "رافضي متهم". و"الأنوار الكاشفة" (ص 212): "هالك متهم بالوضع في فضائل لأهل البيت ومثالب غيرهم". و"حاشية الموضح" (1/ 41): "رافضي متروك متهم بالوضع في المناقب، غفل الحاكم وابن حبان عن حاله، راجع "لسان الميزان". [576] عمرو بن هاشم البيروتي: "الفوائد" (ص 226): "مقل ومع ذلك يخطىء". [577] عمرو بن واقد الدمشقي أبو حفص مولى قريش: "الفوائد" (ص 248): "كان مروان الطاطري يقول: "كذاب" وقال محمد ابن المبارك الصوري: "كان صدوقًا". تعقبه الجوزجاني قال: "ما أدري ما قال الصوري، أحاديثه معضلة منكرة". ويجمع بين ذلك قول أبي مسهر: "كان يكذب من غير أن يتعمد". وفي (ص 411): "قال الشوكاني: ليس بشيء، وقال السيوطي في "اللآلىء": روى له ت، ق".

[578] عمير بن عمران الحنفي

فقال الشيخ المعلمي: "هو علي كل حال هالك". [578] عمير بن عمران الحنفي: "الفوائد" (ص 394): "متروك". [579] عنبسة بن خالد بن يزيد القرشي الأموي أبو عثمان الأيلي ابن أخي يونس بن يزيد الأيلي: "التنكيل" رقم (176): قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن عنبسة بن خالد فقال: كان علي خراج مصر وكان يعلق النساء بثديهن". وقال ابن القطان: كفى بهذا في تجريحه. وكان أحمد يقول: ما لنا ولعنبسة .. هل روى عنه غير أحمد بن صالح؟. وقال يحيى بن بكير: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن بموضع للكتابة عنه". قال الشيخ المعلمي: "أبو حاتم ولد سنة (195) وأول طلبه الحديث سنة (209) وإنما دخل مصر بعد ذلك، بمدة فلم يدرك عنبسة ولا ولايته الخراج؛ لأن عنبسة توفي سنة (198) ولا يُدْرى من أخبر أبا حاتم بذلك؟ فلا يثبت ذلك ولا ما يترتب عليه من الجرح (¬1). وقال ابن أبي حاتم: "سمعت محمد بن مسلم "بن وارة" يقول: روى ابن وهب عن عنبسة بن خالد. قلت لمحمد بن مسلم: فعنبسة بن خالد أحب إليك أو وهب الله بن راشد؟ فقال: سبحان الله ومن يقرن عنبسة إلى وهب الله؟ ما سمعت ¬

_ (¬1) أقول: لكن قال البرذعي: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول: "كان عنبسة الذي يروي عن يونس يقيم الناس في الشمس ويصبّ عليهم الزيت في أداء الخراج". "أبو زرعة الرازي" (ص 341 - 342). وقال أبو زرعة: "كنا نعتبر به" راجع كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم، رقم (1383).

وهب الله إلا الآن منكم". فقد روى عن عنبسة: أحمد بن صالح علي إتقانه، وعبد الله بن وهب على جلالته وتقدمه، وكل منهما أعقل وأفضل من مائة مثل يحيى بن بكير. وروى عنه أيضًا محمد بن مهدي الإخميمي وغيرهم كما في "التهذيب". فأما الإمام أحمد فكأنه سمع بأن عنبسة كان يجبي الخراج فكرهه لذلك، وليس في ذلك ما يثبت به الجرح، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وأخرج له البخاري في "الصحيح" مقرونًا بغيره (¬1)، وأخرج له أبو داود في "السنن". وقال الآجري عن أبي داود: "عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد سمعت أحمد ابن صالح يقول: عنبسة صدوق". كنت استعظمت هذه الكلمة للاتفاق على جلالة الليث وإمامته، ثم تبين لي كما يرشد إليه السياق أن مراده تفضيل عنبسة على الليث في أمر خاص؛ وهو روايتهما عن يونس بن يزيد الأيلي (¬2)، فإن أصول يونس كانت صحيحة كما قاله ابن المبارك وغيره، وكان إذا حدث من غيرها ربما يخطىء، وكان الليث سمع من يونس من غير أصوله، وعنبسة سمع من عمه يونس من أصوله، وكانت أصوله عند عنبسة. ويدل على هذا أن أبا داود قال عقب كلمته تلك: "سألت أحمد بن صالح قلت: كانت أصول يونس عنده أو نسخة؟ قال: بعضها أصول وبعضها نسخة". فعنبسة يروي عنه ابن وهب، ويصدقه أحمد بن صالح، ويثني عليه ابن وارة ويثبته أبو داود، ويستشهد به البخاري، ويوثقه ابن حبان. اهـ. ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص 433): "له عند البخاري أربعة أحاديث قرنه فيها بعبد الله بن وهب عن يونس". اهـ. (¬2) بمثل هذا قال الذهبي في "تاريخ الإسلام"، انظر الطبقة العشرين منه. وبهذا يزول استشكال محقق كتاب "سؤالات الآجري لأبي داود" راجع النصّ رقم (1500) هناك.

[ز 13] عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية

[ز 13] عنبسة بن سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية: "الأنوار الكاشفة" (ص 280): "له عند البخاري خبر واحد ذكره في الجهاد والمغازي مع روايته من طريق غيره، راجع "فتح الباري" (6: 30 و 7: 376)، وعند مسلم خبر واحد جاء ذكره في قصة العرنيين، وقد أخرجها أيضًا من رواية غيرهما. هذا جميع ما لعنبسة في "الصحيحين" كما يعلم من ترجمته في كتاب الجمع بين رجال الصحيحين، ومعنى هذا أنهما لم يحتجا به ولا أحدهما. فأما الذين وثقوه فإنهم تتبعوا أحاديثه فوجدوها معروفة من رواية غيره من الثقات، ولم يثبت عليه جرح بيِّن. أما مجالسته للحجاج فليست بجرح بيِّن؛ إذ قد يجالسه ولا يشركه في ظلمه، بل يحرص على رد ظلمه ما استطاع، ويرى أن استمراره على ذلك أنفع للدين وللمسلمن من مباينته له، وقد كان نبي الله يوسف عاملا للمشركين بمصر والملك فيهم، ولم يكن يستطيع أن يحكم بخلاف دينهم بدليل قول الله سبحانه {مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ} وإنما كان عليه السلام يعينهم ما ليس بكفر ولا محرم عليه، فإذا جاء ما هو كفر أو محرم ولم يمكنه أن يصرفه تركه لهم، وقد أنذرهم بلطف وأذن الله تعالى أن يبقى معهم لما علم في ذلك من المصلحة". [580] عنبسة بن عبد الرحمن بن عنبسة بن سعيد بن العاص الأموي: "الفوائد" (ص 13): "تالف كان يضع الحديث". [581] عون بن محمد عن أمه أم جعفر: "الفوائد" (ص 355): "لا يعرف حاله وأمه". [582] عيسى بن إبراهيم بن طهمان القرشي الهاشمي: "الفوائد" (ص 476): "هالك متروك". [583] عيسى بن الأشعث:

[584] عيسى بن سنان القسملي أبو سنان

"الفوائد" (ص 161): "مجهول". [584] عيسى بن سنان القسملي أبو سنان: "الأنوار الكاشفة" (ص 108): "ضعفه الإمام أحمد وابن معين وغيرهما، وقال أبو زرعة: "مخلط ضعيف الحديث". ولا ينفعه ذكر ابن حبان في "الثقات" لِما عرف من تساهل ابن حبان، ولا قول العجلي: "لا بأس به" فإن العجلي قريب من ابن حبان أو أشدّ، عرفت ذلك بالاستقراء". [585] عيسى ين سوادة النخعي: "الفوائد" (ص 408): "كذاب". [586] عيسى بن أبى عيسى عبد الله بن ماهان أبو جعفر الرازي التميمي مولاهم: "الأنوار الكاشفة" (ص 121): "فيه كلام". [587] عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده عن عليّ: "الفوائد" (ص 62): "تالف يروي عن آبائه المنكرات". وفي (ص 173): "يروي عن آبائه منكرات لا يرويها غيره والحمل عليه". [588] عيسى بن أبي عزة الكوفي، مولى عبد الله بن الحارث: "التنكيل" (2/ 43): "قال ابن التركماني: ابن أبي عزة ضعفه القطان وذكره الذهبي في كتابه في الضعفاء". فقال المعلمي: "إنما حكى ذلك العقيلي، وهو لم يدرك القطان (¬1)، ومع ذلك فهو ¬

_ (¬1) إنما قال المعلمي هذا لأنه لم يكن بين يديه كتاب "الضعفاء الكبير" للعقيلي، وإنما رأى ما نقله الحافظ ابن حجر في كتاب "تهذيب التهذيب" (8/ 221) عن العقيلي في "الضعفاء" قال: "ضعف حديثه يحيى بن سعيد القطان، فاعتمد على ظاهره. =

[589] عيسى بن يونس بن أبان الرملي أبو موسى الفاخوري

جرح غير مفسّر، وابن أبي عزة وثقه أحمد وابن معين وابن سعد (¬1)، فأما الذهبي فمعلوم أن قاعدته أن يذكر في "الميزان" كل من تكلم فيه ولو كان الكلام يسيرًا لا يقدح". اهـ. [589] عيسى بن يونس بن أبان الرملي أبو موسى الفاخوري: "الفوائد" (ص 457): "صدوق ربما أخطأ". * * * ¬

_ = وفي هذا النقل نظرة لأن القائل عن القطان: ضعف الحديث إنما هو علي بن المديني، لا العقيلي. ففي كتاب "الضعفاء" (3/ 390): حدثنا محمد بن عيسى، قال: حدثنا صالح بن أحمد، قال: حدثنا عليّ، قال: "سألت يحيى عن حديث عيسى بن أبي عزة، عن الشعبي، عن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: يقطع اليد في كذا، فضعف الحديث". اهـ. قلت: لم يصرح القطان بضعف عيسى، وإنما ضعف الحديث، وفي الإسناد: الشعبي عن ابن مسعود، ولم يسمعه، قاله أبو حاتم وغيره. (¬1) ويعقوب بن سفيان كما في كتاب "المعرفة والتاريخ" (3/ 90)، وقال أبو حاتم: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات".

حرف الغين

حرف الغين [590] غالب بن عبيد الله العقيلي: "الأنوار الكاشفة" (ص 209): "هالك متهم بالكذب". [591] غسان بن عبيد الموصلي: "الفوائد" (ص 471): "ضعيف لم يكن يعقل الحديث". [592] غسان بن ناقد: "الفوائد" (ص 503): "مجهول". [593] غياث بن إبراهيم النخعي أبو عبد الرحمن: "الفوائد" (ص 162): "وضاع شهير". * * *

حرف الفاء

حرف الفاء [594] فائد بن عبد الرحمن أبو الورقاء الكوفي العطار: "الفوائد" (ص 39): نقل السيوطي عن الحاكم في "المستدرك" قوله: فائد مستقيم الحديث. فقال الشيخ المعلمي: "في ترجمة فائد من التهذيب: "وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم، وضعفه الساجي، والعقيلي، والدارقطني. وقال الحاكم: روى عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة". أقول: الظاهر أن الحاكم الثاني هو أبو عبد الله صاحب "المستدرك"، لأنه هو المراد عند الإطلاق، ولو كان المراد أبا أحمد لجمع كلمتيه، فإذا كان هذا كما قلت، فقد غفل الحاكم في "المستدرك" غفلة شديدة، وعلى كل حال ففائد هالك. قال أبو حاتم: "ذاهب الحديث .. وأحاديثه عن ابن أبي أوفى بواطيل لا تكاد ترى لها أصلًا .. ولو أن رجلًا حلف أن عامّة حديثه كذب لم يحنث". اهـ. [595] فائد مولى عبادل: "الفوائد" (ص 307): "صدوق". [596] الفرج بن فضالة بن النعمان التنوخي الشامي: "الفوائد" (ص 159): "ضعيف". [597] فرقد بن يعقوب السّبخِيّ أبو يعقوب البصري: "الفوائد" (ص 74): "عابد ليس في الرواية بشيء".

[598] فضال بن جبير أبو المهند الغداني

وفي (ص 237): "نحو بشر بن راشد المتروك". وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 149): "ليس بثقة". [598] فضّال (¬1) بن جبير أبو المهند الغداني: "الفوائد" (ص 302): "تالف زعم أنه سمع أبا أمامة وروى عنه ما ليس من حديثه". [599] الفضل بن دلهم الواسطي ثم البصري القصّاب: "الفوائد" (ص 302) "ضعيف ولا سيما في روايته عن الحسن". [600] الفضل بن المختار أبو سهل البصري: "الفوائد" (ص 461): "منكر الحديث". [601] فضيل بن مرزوق الأغرّ الرقاشي أبو عبد الرحمن الكوفي: "الفوائد" (ص 353): "قال السيوطي: فضيل ثقة صدوق، احتج به مسلم في صحيحه، وأخرج له الأربعة". قال الشيخ المعلمي: "إنما أخرج له مسلم في المتابعات (¬2) ونحوها أحاديث يسيرة (¬3)، ولم يخرج له النسائي إلا حديثًا واحدًا، وكلامهم فيه مختلف، وقد لخّصهُ ابن حجر في "التقريب" بقوله: "صدوق يهم ورُمي بالتشيع". ¬

_ (¬1) هو كذلك في كل مصادر ترجمته، وجاء في "الفوائد": "فضالة". (¬2) قاله الذهبي في "تاريخ الإسلام"، و"سير أعلام النبلاء" (7/ 342). (¬3) هما حديثان -كما يستفاد من كتاب "رجال صحيح مسلم" لابن منجويه (رقم: 1340). الأول: في كتاب "المساجد ومواضع الصلاة"، باب "الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر" (ص 436). وهو في الشواهد وذكر مسلم له متابعةً أيضًا. الثاني: في كتاب "الزكاة"، باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها" (ص 703). وأخَّره مسلم في الباب.

[602] فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أبو يحيى المدني ويقال: فليح لقب واسمه عبد الملك

وقد قال النسائي: "ضعيف". وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطىء". وقال في الضعفاء: "كان يخطىء على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات". وقال الحاكم: "ليس هو من شرط الصحيح وقد عِيب على مسلم إخراج حديثه" (¬1). وقال أبو حاتم: "صالح الحديث صدوق، يهم كثيرًا، يكتب حديثه، قيل له: يحتج به؟ قال: لا". وقال ابن معين: "صالح الحديث إلا أنه شديد التشيع". [602] فليح بن سليمان بن أبي المغيرة الخزاعي أو الأسلمي أبو يحيى المدني ويقال: فليح لقب واسمه عبد الملك: "التنكيل" (1 / ت: 229) في ترجمة ابنه محمد، قال المعلمي تعقيبًا على قول الكوثري: "يقول عنه ابن معين: ليس بثقة". قال: "روى أبو حاتم عن معاوية بن صالح عن ابن معين: "فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه". فسئل أبو حاتم فقال: "ما به بأس، ليس بذاك القوي". وقد اختلفت كلمات ابن معين في فليح قال مرة: "ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه، هو دون الدراوردي". وقال مرة: "ضعيف ما أقربه من أبي أويس". وقال مرة: "أبو أويس مثل فليح فيه ضعف". وقال في أبي أويس: "صالح ولكن حديثه ليس بذاك الجائز". وقال مرة: "صدوق وليس بحجة". فهذا كله يدل أن قوله في الرواية الأولى: "ليس بثقة" إنما أراد أنه ليس بحيث يقال له "ثقة". وتزداد الوطأة خفّة في قوله: "ولا ابنه" فإنها أخفّ من أن يقال في الابن: "ليس بثقة". ويتأكد ذلك بأن محمد بن فليح روى عنه البخاري في "الصحيح" والنسائي في "السنن" وقال الدارقطني: "ثقة". وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. ¬

_ (¬1) سبق أنه لم يخرج له احتجاجًا.

[603] فليح بن محمد

[603] فليح بن محمد: "التنكيل" (2/ 84): "في مسند أحمد (4/ 166) "ثنا عتاب ثنا عبد الله ثنا فليح بن محمد عن المنذر بن الزبير عن أبيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى الزبير سهمًا وأمه سهمًا وفرسه سهمين". ذكره أحمد في "مسند الزبير" وليس من عادة أحمد في "المسند" إخراج المراسيل. وعتاب هو ابن زياد المروزي وثقه أبو حاتم وغيره ولم يغمزه أحد .. وعبد الله هو ابن المبارك، وقد تصحفت على بعضهم كلمة "بن" بين محمد والمنذر، فجرى البخاري في "تاريخه" ومن تبعه على ذلك كما في ترجمة فليح في "تعجيل المنفعة". ولم يذكر البخاري من رواه كذلك عن ابن المبارك. فالصواب إن شاء الله رواية أحمد. أما فليح فغير مشهور، لكن رواية ابن المبارك عنه تقويه. اهـ. [604] فهد بن حيان عن حفص بن غياث: "الفوائد" (ص 266): "واهٍ متروك إما أن يكون سرقه وإما أدخل عليه" (¬1). [605] فهد بن عوف أبو ربيعة اسمه زيد ولقبه فهد: "التنكيل" رقم (177) في ترجمته فوائد تتعلق بمسالك الأئمة في التهمة بسرقة الحديث، والحد الفاصل بين التدليس والكذب، وغيرها، وقد أوردتها في مظانها من قسم القواعد. ولم يجزم الشيخ المعلمي في ترجمته بما ترجح له من حاله. * * * ¬

_ (¬1) يعني حديث: لا تظهر الشماته لأخيك فيرحمه الله ويبتليك.

حرف القاف

حرف القاف [606] قاسم بن أصبغ بن محمد بن يوسف أبو محمد الأموي مولاهم الأندلسي القرطبي الحافظ: "التنكيل" (2/ 110): "اختلط بأخرة" (¬1). [607] القاسم بن أمية الحذاء البصري: "الفوائد" (ص 265): "ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: "يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة" ثم ساق له هذا الحديث [يعني حديث: لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك] وقال: "لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-". قال ابن حجر: "شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أولى". ¬

_ (¬1) قال ابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس" (1/ 364، رقم: 1070): كان ممتَّعًا بذهنه، لا ينكر عليه شيء إلا النسيان خاصة إلى ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة، ومن هذا التاريخ تغير وحال ذهنه إلى أن مات". وقال الحميدي في "جذوة المقتبس" (ص 331): "ويقال إنه لم يُسْمَعْ منه قبل موته بسنين" كذا وقع بلفظ الجمع، وفي "بغية الملتمس" للضبي (ص 448): "بسنتين" بلفظ التثنية، وهو الصواب كما يدل عليه ما جاء في "تاريخ الإسلام" وسيأتي قريبًا. وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (ص 854): في آخر عمره كبر وكثر نسيانه وما اختلط، فأحسَّ بذلك فقطع الرواية صونًا لعلمه. اهـ. وقال في وفيات سنة (340) من "تاريخ الإسلام": كان ممتَّعًا بذهنه، لا يُنْكر منه شيء إلا النسيان خاصة، إلى آخر سنة سبع وثلاثين، فتغير ذهنه إلى أن مات في رابع عشر جمادى الأولى سنة أربعين .. وقيل: ترك التحديث قبل موته بعامين. اهـ.

[608] القاسم بن حبيب التمار الكوفي

أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وجد الأمر كما قال ابن حبان ترجح قوله، وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا. اهـ. [608] القاسم بن حبيب التمار الكوفي: "التنكيل" رقم (178) أخرج له الترمذي حديثًا في ذمِّ القدرية والمرجئة (¬1)، مقرونًا بعلي بن نزار بن حيان، كلاهما عن نزار بن حيان عن عكرمة به. ووثقه ابن حبان، وقال ابن أبي حاتم: ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: "القاسم بن حبيب الذي يحدث عن نزار بن حيان لا شيء". قال الشيخ المعلمي: كلمة ابن معين تحتمل أوجهًا. الأول: أن يكون قوله: "الذي .. " قصد به تمييز هذا الرجل عن آخر يقال له: القاسم ابن حبيب أيضًا. وهذا بعيد لأننا لا نعرف آخر يقال له: "القاسم بن حبيب". الثاني: أن يكون أراد بقوله: "الذي" الحديث، كأنه قال: "حديثه الذي يحدث به .. " وهذا كأن فيه بعدًا عن الظاهر. الثالث: أن يكون ذلك إيحاء (¬2) إلى العلة كأنه قال: "لا شيء لأجل حديثه الذي حدث به عن نزار". وأيًّا ما كان فالمدار على ذاك الحديث، فإذا تبين أن القاسم بريء من عهدته، أو معذور فيه، تبين أنه لا مطعن فيه؛ فإنه يروي عن جماعة منهم عكرمة، ومحمد بن كعب القرظي، وسلمة بن كهيل وغيرهم، ولم ينكر عليه خبر واحد إلا ذاك الخبر الذي رواه عن نزار، وحينئذٍ يصفو له توثيق ابن حبان. اهـ. ¬

_ (¬1) رقم (2149). (¬2) هكذا في "التنكيل" ولَعلَّ الصواب: "إيماء" بالميم، والله تعالى أعلم.

[609] القاسم بن عثمان

ثم نظر المعلمي في ذلك وخلص إلى أن الحمل في هذا الحديث يتجه أتجاهًا واضحًا على "نزار"؛ وأن "القاسم بن حبيب" بريء من تبعته، فارتفع بذلك عنه قول ابن معين، وصفا له توثيق ابن حبان. راجع لتفصيل ذلك ترجمة: "نزار بن حيان الأسدي مولى بني هاشم". [609] القاسم بن عثمان: "التنكيل" رقم (179) في "تاريخ بغداد" بسند الخطيب إلى: أبي شافع معبد بن جمعة الروياني، حدثنا أحمد بن هشام بن طويل قال: سمعت القاسم بن عثمان يقول: مر أبو حنيفة بسكران يبول قائمًا .. قال الكوثري: "صيغة القاسم بن عثمان الرحال صيغة انقطاع، وعنه يقول العقيلي: لا يتابع على حديثه". فقال الشيخ المعلمي: قوله "الرحال" تبع فيه ابن حجر في "اللسان"، والمعروف أن القاسم الرحال آخر اسم أبيه "يزيد"، له ترجمة في "اللسان" وكلاهما يروي عن أنس، وذكرهما ابن حبان في "الثقات"، والقاسم بن عثمان الذي في "اللسان" تكلم فيه البخاري والدارقطني، ولم يتبين أنه الواقع في سند الحكاية. اهـ. [610] القاسم بن محمد بن حميد المعمري: قال المعلمي في القاعدة السادسة من القسم الأول من "التنكيل" (ص 66): "في الرواة: "القاسم العمري وهو ابن عبد الله بن عمر بن حفص"، و"القاسم المعمري وهو ابن محمد"، فحكى عثمان الدارمي عن ابن معين أنه قال "قاسم المعمري كذاب خبيث". قال الدارمي: "وليس كما قال يحيى". والمعمري قد وثقه قتيبة، أما العمري فكذبه الإمام أحمد. وقال الدوري عن ابن معين: "ضعيف ليس بشيء" فيشبه أن يكون ابن معين إنما قال: "قاسم العمري كذاب خبيث" فكتبها عثمان الدارمي، ثم بعد مدّة راجعها في كتابه فاشتبه عليه فقرأها "قاسم المعمري .. ".

[611] قطن بن إبراهيم بن عيسى بن مسلم القشيري أبو سعيد النيسابوري

وفي ترجمته من "التنكيل" رقم (180) قال المعلمي: "وأخرج البخاري قصة ذبح "الجعد بن إبراهيم" من طريقه في كتاب "خلق أفعال العباد" ورواية البخاري من طريقه تقويه كما مرّ في ترجمة "أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن". وأحسب ابن معين لم يتكلم في هذا -يعني المعمري- وإنما تكلم في قاسم العمري (¬1) ولكن الدارمي خطْرف الكتابة أولًا ثم صحّف ثم رجع يخالف. اهـ. [611] قطن بن إبراهيم بن عيسى بن مسلم القشيري أبو سعيد النيسابوري: ترجم له الشيخ المعلمي في "التنكيل" رقم (181) ودافع عنه في ذلك الحديث الذي اتُّهِم بسرقته من محمد بن عقيل. قال الكوثري: "حدث بحديث إبراهيم بن طهمان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر في الدباغ، فطالبوه بالأصل فأخرجه وقد كتبه على الحاشية، فتركه مسلم بعد أن صار إليه وكتب عنه جملة، وهو متهم بسرقة حديث حفص من (¬2) محمد بن عقيل". قال الشيخ المعلمي: "هو حديث واحد رواه محمد بن عقيل عن حفص عن عبد الله السلمي عن إبراهيم بن طهمان. وكان قطن قد سمع من حفص كثيرًا، ثم ذكر محمد بن عقيل أن قطنًا سأله: أي حديث عندك من حديث إبراهيم بن طهمان أغرب؟ فذكر له هذا الحديث. فذهب قطن فحدث به بالعراق عن حفص، فبلغ محمد بن عقيل فأنكر ذلك وقال: "لم يكن حفظ هذا الحديث -يعني عن حفص- إلا أنا ومحمود أخو خشتام" واتهم قطنًا أنه سرقه منه. ثم حدث به قطن بنيسابور فطالبوه بالأصل فدافعهم، ثم أخرجه فرأوا الحديث مكتوبًا على الحاشية فأنكروا ذلك. ¬

_ (¬1) في الأصل "المعمري" وهو خطأ. (¬2) في المطبوع من التنكيل "عن" والأصح ما أثبتُّ.

هذا حاصل القصة، وقطن مكثر عن حفص وغيره، وقد قال الحاكم أبو أحمد: "حدث بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء" (¬1). وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يخطىء أحيانًا، يعتبر حديثه إذا حدث من كتابه". وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416). وقال النسائي: "فيه نظر" ثم روى عنه في "السنن" (¬2) وقال الذهبي في "الميزان": "صدوق" (¬3). فإذا كانت هذه حاله ولم ينقم عليه مع إكثاره إلا ذاك الحديث، فلعلّ الأوْلى أن يحمل على العذر، فلا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص ثم نسيه، أو خفي عليه أنه غريب، أو طمع أن يدله محمد بن عقيل على حديث غريب آخر ثم ذكره وتنبه لفرديته فرواه. وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون كتبه أولًا ثم لما ذكر أنه سمعه أو عرف أنه غريب ألحقه في الحاشية، وكان مع حفص في بلدٍ واحدٍ فلا مانع أن يكون سمع منه الحديث في غير المجلس الذي سمع فيه محمد بن عقيل وصاحبه (¬4). ¬

_ (¬1) إنما قال أبو أحمد هذا القول في محمد بن عقيل، لا قطن، راجع ترجمة محمد من "تهذيب الكمال" (26/ 129)، وهو كذلك في ترجمته من "تهذيب التهذيب" (9/ 348) وعليه يعتمد المعلمي، وليس في ترجمة قطن من الأخير ذكر لهذا النقل، فكأن المعلمي رحمه الله انتقل بصره من هذه لتلك. (¬2) قال الذهبي في "الميزان" (4/ 310): "والعجب أن النسائي خرج عنه، ويقول: فيه نظر". اهـ. لكن قال ابن ماكولا في "الإكمال" (7/ 123): "حدث عنه النسائي ثم تركه". اهـ. فالله أعلم. (¬3) وقال أبو حاتم: "شيخ". وقال ابن أبي حاتم: سئل عنه محمد بن يحيى النيسابوري -وهو الذهلي- فقال: "صدوق مسلم اكتبوا عنه". وقال الخليلي في "الإرشاد" (2/ 816): "ثقة من أهل من نيسابور". (¬4) أقول: كل هذه الاحتمالات وإن كانت تنفي عنه التهمة بالسرقة إلا أن أكثرها من علامات دخول الوهم =

[612] قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي

وأهل الحديث جزاهم الله خيرًا ربما يشددون على الرجل وهم يرون أن له عذرًا؛ خشية أن يتساهل غيره طمعًا في أن يعذروه كما عذروا ذاك، والله أعلم. اهـ. قال أبو أنس: هكذا مال المعلمي في "التنكيل" إلى عذره وترك الحمل عليه، لكنه عاد في "الفوائد" (ص 223) فقال: "فيه نظر". وقد قال قطن في روايته تلك عن خالد بن يزيد: المدني. فقال المعلمي: "أبو الهيثم خالد بن يزيد العمري المكي، وهو هالك وضاع، يقال له: العدوي والحذاء، وكناه بعضهم: أبا الوليد، كأنهم يدلسونه، فكذا قول قطن: "المدني" تدليس. اهـ. [612] قيس بن الربيع الأسدي أبو محمد الكوفي: في "التنكيل" رقم (182) "وثقه جماعة منهم الثوري وشعبة، وأثنوا عليه بالعلم والفضل، وتكلموا في روايته". وفي "الفوائد" (ص 394): "أُدخلت عليه أحاديث فحدث بها فسقط". [613] قيس بن سعد المكي عن عمرو بن دينار: "التنكيل" (2/ 165) أجاب الشيخ المعلمي رحمه الله عن دعوى الانقطاع بين قيس وعمرو في حديت القضاء بالشاهد مع اليمين، وقد أودعت أجوبته تلك في "مباحث في الاتصال والانقطاع" من قسم القواعد من هذا الكتاب، فلتنظر هناك. * * * ¬

_ = والخلل في الحفظ، وعدم التوقي والاحتياط في الرواية، وهو مما يُذَمُّ به الراوي، والله تعالى أعلم.

حرف الكاف

حرف الكاف [614] كثير النّوّاء هو ابن إسماعيل أو ابن نافع أبو إسماعيل الكوفي: "الفوائد" (ص 364): "تالف". [615] كثير بن زيد الأسلمي أبو محمد المدني، يقال له: ابن مافنّهْ، وهي أمه: "الأنوار الكاشفة" (ص 41): "غير قوي"، وص (145): "ضعيف". [616] كثير بن عبد الله السامي الناجي أبو هاشم البصري: "الفوائد" (ص 40): "أحد الدجالين الذين أدعوا السماع من أنس بعد موته بدهر، قال الحاكم: "زعم أنه سمع من أنس وروى عنه أحاديث يشهد القلب أنها موضوعة". [617] كثير بن المطلب بن أبي وداعة القرشي السهمي أبو سعيد المكي: قال المعلمي في رسالة "مقام إبراهيم" (ص 178): "مجهول الحال، ولا يخرجه عن ذلك ذكر ابن حبان له في "الثقات" على قاعدته التي لا يوافقه عليها الجمهور". [618] كعب الأحبار وهو ابن ماتع أبو إسحاق الحميري: قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 99): "لكعب ترجمة في "تهذيب التهذيب" (¬1) وليس فيها عن أحد من المتقدمين توثيقه، إنما فيها ثناء بعض الصحابة عليه بالعلم، وكان المزيّ (¬2) علّم عليه علامة الشيخين مع أنه إنما جرى ذكره في "الصحيحين" عرضًا لم يسند من طريقه شيء من الحديث فيهما، ولا أعرف له رواية يحتاج إليها أهل العلم. ¬

_ (¬1) (8/ 438 - 440). (¬2) (24/ 189).

فأما ما كان يحكيه عن الكتب القديمة فليس بحجة عند أحد من المسلمين، وإن حكاه بعض السلف لمناسبته عنده لما ذكر في القرآن. وبعْدُ فليس كل ما نُسب إلى كعب في الكتب بثابتٍ عنه، فإن الكذابين من بعده قد نسبوا إليه أشياء كثيرة لم يقلها. وما صحّ عنه من الأقوال ولم يوجد في كتب أهل الكتاب الآن ليس بحجة واضحة على كذبه، فإن كثيرًا من كتبهم انقرضت نُسخُها ثم لم يزالوا يحرّفون ويبدلون". وقال (ص 105): "إنما كان كعب يعرف الكتب القديمة، فكان يحدث عنها بآداب وأشياء في الزهد والورع أو بقصص وحكايات تناسب أشياء في القرآن أو السنة، فما وافق الحق قبلوه -يعني الصحابة- وما رأوه باطلًا قالوا: من أكاذيب أهل الكتاب، وما رواه محتملًا أخذوه على الاحتمال كما أمرهم نبيهم -صلى الله عليه وسلم- ذلك كان فنّ كعب وحديثه، ولم يرو عنه أحد من الصحابة إلا ما كان من هذا القبيل. نعم ذكر أصحاب التراجم أنه أرسل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وروى عن عمر وصهيب وعائشة. وعادتهم أن يذكروا مثل ذلك وإن كان خبرًا واحدًا في صحته عن كعب نظر. فهذه كتب الحديث والآثار موجودة لا تكاد تجد فيها خبرًا يُروى عن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن وجد فلن تجده إلا من رواية بعض صغار التابعين عن كعب، ولعلّه لا يصح عنه، وكذا روايته عن عمر، وكذا روايته عن صهيب وعائشة مع أنه مات قبلهما بزمان، وعامّة ما رُوي عنه حكايات عن أهل الكتاب ومِن قوله". وقال (ص 106): "الذي عنده هو الحكايات عن صحف أهل الكتاب وأشياء من قوله في الحكمة والمواعظ .. لا ريب أن في صحف أهل الكتاب التي كان كعب يحكي عنها ما هو كذب، فمن صحفهم ما أصله من كتب الأنبياء ولكن حرّف وزيد فيه ونقص، ومنها ما هو منسوب إلى بعض الأنبياء كذبًا، وعندهم عدّة كتب كذلك، ومنها ما هو من كتب أحبارهم، فأما أن يكون كعب كذب فهذا لم يثبت".

وقال (ص 126): "إنما كان كعب يخبر عن صحف أهل الكتاب، وقد عرف المسلمون قاطبة أنها مغيرة مبدلة، فكان ما نسب إليه في الكتب فحكمه حكم تلك الصحف، فإن كان بعض الآخذين عنه ربما يحكي قوله ولا يسميه فغايته أن يُعدّ قولًا للحاكي نفسه، وقولُه غير حجة". وقال (ص 127): "إنما كان كعب وغيره يحكون تنبؤات عما يستقبل من الأمور فيعلم الصدق أو الكذب بوقوعها وعدمه. والظاهر أنه كان عند كعب صحف فيها تنبؤات مجملة، وكانت له مهارة خاصة في تفسيرها، وبذلك كان أكثر صوابًا من غيره .. والذي يصح عنه من ذلك قليل، غير أن الوضاعين بعده استغلوا شهرته بذلك فكذبوا عليه كثيرًا لأغراضهم، وكان الكذب عليه أيسر عليهم من الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-". وقال (ص 132): "أما من أسلم من أهل الكتاب وظهر حسن إسلامه وصلاحه فأخبر عن صحف أهل الكتاب بشيء فلا إشكال في تصديق بعض الصحابة له في ذلك بمعنى ظن أن معنى ذاك الخبر موجود في صحف أهل الكتاب. وإنما المدفوع تصديق الصحابة ما في صحف أهل الكتاب حينئذٍ مع علمهم بأنها قد غُيرت وبُدلت وقولِ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم". فالحق أنهم لم يكونوا يصدقونها إلا أن يوجد دليل على صدقها، وذلك كخبر عبد الله بن عمرو عن صفة النبي -صلى الله عليه وسلم- في التوراة، ولذلك أقسم عليه، فأما ما عدا ذلك فغاية الأمر أنهم إذا وجدوا الخبر لا يدفعه العقل ولا الشرع ولا هو مظنة اختلاق أهل الكتاب وتحريفهم أنسوا به. فإن كان مع ذلك مناسبًا في الجملة لآية من القرآن أو حديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مالوا إلى تصديقه. وإخبار الإنسان عما علم السامعون أنه لم يدركه لا يعطي أنه جازم بتصديقه، لأن هذا الخبر كالمتضمن لقوله "بلغني .. ". اهـ.

[619] كنانة بن نعيم العدوي أبو بكر البصري

- كليب بن شهاب، والد عاصم: راجع ترجمة ولده عاصم. [619] كنانة بن نعيم العدوي أبو بكر البصري: نظر الشيخ المعلمي في كتاب "الاستبصار في نقد الأخبار": (ص 41 فما بعدها) في: هل يكفي تعديل الواحد أم يشترط التعدد، فقال: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: "لابد من ثلاثة" واحتج بما في صحيح مسلم" (¬1) من حديث: قبيصة بن المخارق عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "إن المسألة لا تحلّ إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة .. ورجل أصابته فاقة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانًا فاقة، فحلّت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش". قال أبو عبيد: "وإذا كان هذا في حق الحاجة فغيرها أوْلى" فتح المغيث (ص 123). أقول: ومما يساعده أن العدالة تتعلق بما يخفى من حال الإنسان كالحاجة. ولكن يرِدُ عليه أمور، منها: الأمر الأول: أن هذا الحديث تفرد به عن قبيصة: كنانة بن نعيم، ولم يعدله ثلاثة!، وإنما قال ابن سعد: "فهو معروف ثقة إن شاء الله" فلم يجزم، ووثقه العجليّ، وسيأتي في بحث المجهول أن في توثيقه نظرًا، وأن مذهبه قريب من مذهب ابن حبان، ووثقه ابن حبان، ومذهبه معروف في التسامح، ويأتي بيانه أيضًا. فإذا عددنا إخراج مسلم لحديثه توثيقًا فلم يسلم له إلا مسلم. الأمر الثاني: أن هؤلاء كلهم لم يدركوا كنان، وإنما وثقوه بناء على مذاهبهم: أن من روى عنه الثقات، ولم يجرح، ولم يأت بمنكر، فهو ثقة، وسيأتي الكلام في هذا - إن شاء الله تعالى. اهـ. ¬

_ (¬1) (ص 722).

حرف اللام

حرف اللام [620] ليث بن أبي سليم القرشي أبو بكر -ويقال: أبو بكير- الكوفي: "الفوائد" (ص 470): "ليث كما في التقريب "صدوق اختلط أخيرًا (¬1) ولم يتميز حديثه فترك" ومثله: إذا جاء بالمنكر الشديد الإنكار اتجه الحكم بوضعه". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) هكذا في "الفوائد" عن "التقريب" وفي أصل الحافظ ابن حجر بخطه: "جدًّا" وقد قال ابن حبان فيه: اختلط آخر عمره، وهذا هو المعهود في الاستعمال - يعني "أخيرًا" فالله أعلم.

حرف الميم

حرف الميم [621] مالك بن أنس الأصبحي أبو عبد الله المدني الإمام المشهور، إمام دار الهجرة: "التنكيل" رقم (183): فيه بيان أن مالكًا رحمه الله كان مولى لبني تيم من قريش بمعنى "الحليف" كما صرح به البخاري وغيره. وأما ابن إسحاق فيظهر أنه كان يطلق أن مالكًا مولى، يريد أنه حليف، ولكن يحب أن يوهم خلاف ذلك؛ لكدورة كانت بينه وبين مالك. وفيه بيان بطلان الحكاية المنسوبة للأصمعي في ذكر مالك وربيعة باللحن في الكلام. ومما قال المعلمي في ترجمته: "وقال ابن عيينة وعبد الرزاق في حديث أبي هريرة مرفوعًا: "يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل يطلبون العلم فلا يجدون أعلم من عالم المدينة" (¬1): هو مالك. ¬

_ (¬1) علق الشيخ الألباني هنا قائلًا: "قلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي وابن حبان والحاكم وصححوه، وفيه نظر، بينته في تعليقي على "الأحكام الكبرى" لعبد الحق الإشبيلي رقم الحديث (76) وذكرتُ له هناك شاهدًا". اهـ. أقول: الحديث أخرجه الترمذي (2680، وابن حبان (2308)، والحاكم (1/ 91) جميعًا من طريق ابن عيينة عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة، وكان ابن عيينة يرفعه تارة، ويوقفه تارة على أبي هريرة، كما أشار إلى ذلك الإمام أحمد، فيما رواه عنه الخلال: الجزء العاشر من "المنتخب من علل الخلال" ورقة (199 / ب). وقال المزي في "تحفة الأشراف" (9/ 445): "رواه أبو بدر شجاع بن الوليد عن المحاربي عن ابن جريج عن أبي الزبير عن أبي صالح عن أبي هريرة - موقوف" اهـ. =

[622] المبارك بن فضالة بن أبي أمية، القرشي العدوي أبو فضالة البصري

وما رُوي عن ابن عيينة أنه قال مرة: هو العمري العابد، لا وجه له؛ لأن العمري العابد -وهو عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عمر- لم يشتهر بالعلم بالمعنى المعروف. بل لم يُعرف به. بل قال ابن حبان: "لعل كل شيء حدّث في الدنيا لا يكون أربعة أحاديث". وليس له في الأمهات الست ولا في الكتب الأخرى لأصحابها التي أخذ رجالها في "التهذيب" إلا حديث واحد مرسل في "مراسيل أبي داود" ولم تضرب إليه أكباد الإبل، بل لعله لم يرحل إليه بعير واحد، إنما كان هو رحمه الله يخرج إلى البراري لتعليم الأعراب ضروريات الدين فكيف ينطبق عليه هذا الحديث؟ فأما انطباقه على مالك فكالشمس وضوحًا، ولم يثبت في فضل غيره من الأئمة ما يظهر انطباقه مثل هذا الظهور ولا قريبًا منه، والله الموفق. اهـ. [622] المبارك بن فضالة بن أبي أمية، القرشي العدوي أبو فضالة البصري: "الفوائد" (ص 303): "يخطىء ويدلس ويُسوّي" (¬1). ¬

_ = لكن في الحديث عنعنة ابن جريج عن أبي الزبير، وتدليس ابن جريج فاحش. وقد كان ابن عيينة يوقفه أحيانًا -على عادته إذا ارتاب في الخبر- فربما بلغ به أبا هريرة ثم سكت، فإذا سئل: يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قال: نعم. (يعني هكذا سمعه مرفوعًا) انظر "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 11 - 12). وسمعه منه أحمد مرَّة فلم يجُزْ به أبا هريرة، كما سبق. فصنيع ابن عيينة هذا مما يريب في صحة الخبر مرفوعًا، ويقوي هذه الريبة مجيئه من طريق أخرى -لا بأس بها- موقوفًا، كما مَرَّ. وعلي كل حالٍ، فحتى لو ترجح الموقوف، فعنعنة ابن جريج قاطعة الطريق، والله تعالى أعلم. (¬1) قاله بحرفه: الحافظُ ابن حجر في "التقريب"، فأما التدليس فقد وصفه به غير واحد من الأئمة، ولم يقبلوا منه إلا ما صرح فيه بالسماع، وأما التسوية، فقد فتشت في مظان ترجمة "مبارك" من كتب الرجال والتواريخ والسؤالات وغيرها فلم أقف على من صرح بذلك، أو ذُكر عنه ما يفهم منه ذلك، وقد ذكره الحافظ ابن حجر في "طبقات المدلسين" رقم (93)، ولم يزد على قوله: "مشهور بالتدليس" فالله أعلم.

[623] المثنى بن الصباح اليماني الأبناوي أبو عبد الله أو أبو يحيى المكي من أبناء فارس نزل مكة

[623] المثنى بن الصباح اليماني الأبناوي أبو عبد الله أو أبو يحيى المكي من أبناء فارس نزل مكة: "الفوائد" (ص 192): "ضعيف واختلط بآخرة". وفي (ص 300): "ليس بشيء". وفي (ص 443): "تالف". [624] مجاشع بن عمرو بن حسان أبو سيف الأسدي: "الفوائد" (ص 419): "وضاع". [625] مجمع بن يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري: "التنكيل" (2/ 76): "لا بأس به". [626] محاضر بن المُورِّع الهمداني اليامي، ويقال: السلولي، ويقال: السكوني، أبو المورع الكوفي: "التنكيل" (2/ 83): "من رجال مسلم (¬1) وفيه مقال". [627] محبوب بن موسى أبو صالح الأنطاكي الفراء: "التنكيل" رقم (184) قال أبو داود: "ثقة لا يلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب". قال المعلمي: "فقوله "ثقة" يدفع عنه الكذب والمجازفة والتساهل الفادح، ويُعيِّنُ أن المقصود أنه كان لا يتقن حفظ الحكايات كما يحفظ الحديث، فكان إذا ¬

_ (¬1) "رجال مسلم" لابن منجويه (2 / رقم (1677)، و"الجمع بين رجال الصحيحين" (2/ 521). وله في مسلم موضع واحد في "الشواهد" (1 / ص 522)، رقم (171) وقد تابعه عنده أيضا: سليمان بن بلال (رقم 171 مكرر). وقد استشهد به البخاري أيضًا، كما قاله المزي في "تهذيب الكمال" (27/ 261).

[628] محدوج الذهلي

حكاها من حفظه يخطىء، فلا يحتج من حكاياته إلا بما رواه من كتاب أو توبع عليه أو ليس بمظنة للخطأ. وقد قال العجلي: "ثقة صاحب سنة". وقال ابن حبان في "الثقات": "متقن فاضل". وقال أبو حاتم: "هو أحب إلى من المسيب بن واضح" (¬1). [628] محدوج الذهلي: عن جسرة بنت دجاجة، وعنه أبو الخطاب الهجري (¬2). "الفوائد" (ص 367): "مجهول". وفى "اللآلىء" عن البيهقي قال: محدوج: قال البخاري: "فيه نظر" (¬3). [629] محفوظ بن بحْر الأنطاكي: "الفوائد" (ص 357): "هالك كذبه أبو عروبة الحراني". ¬

_ (¬1) في ترجمة "معاوية بن عمرو الأزدي" من "الجرح والتعديل": (8 / ترجمة: 1762): قال أبو حاتم: كان سير أبي إسحاق الفزاري عند ثلاثة أنفس، عند معاوية بن عمرو -وهو أحبهم إلي- وعند محبوب بن موسى، وعند المسيب بن واضح. قيل لأبي: فالمسيب أحب إليك أو محبوب؟ قال: محبوب". والمقصود: بـ "السير" كتاب: "السيرة في دار الحرب" كما في "الطبقات الكبرى" لابن سعد: (7/ 341). والظاهر من هذا السياق تفضيل محبوب على المسيب في رواية كتاب "السير" عن أبي إسحاق الفزاري، ويحتمل تفديمه عليه مطلقا، وقد قال أبو حاتم في "المسيب": "صدوق يخطىء كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل". وقال السلمي عن الدارقطني: "أبو صالح الفراء صويلح، وليس بالقوي". "سؤالاته" رقم (296). (¬2) حديث قوله -صلى الله عليه وسلم- لعلي: "لا يحل لأحد أن يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك". (¬3) ونقله الذهبي أيضًا عن البخاري في "الميزان" (3/ 443)، وقد ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (8 / ت: 2179)، وابن أبي حاتم في "الجرح" (8 / ت: 1984) بروايته عن جسرة وعنه أبو الخطاب، ولم يذكراه بجرح ولا تعديل. وقال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (10/ 55): ذكره أبو نعيم في معرفة الصحابة، وقال: إنه مختلف في صحبته! وقال في "التقريب": مجهول.

[630] محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف أبو أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ

[630] محمد بن أحمد بن الحسين بن القاسم بن الغطريف أبو أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ: في ترجمته من "التنكيل" (186) فوائد مهمة قد أودعتها في مظانها من قسم القواعد، وقد أوضح الشيخ المعلمي أنه ليس فيما تجنوه على الغطريفي ما يضره قال: وقال الذهبي في "الميزان" بعد حكاية ما قيل: "ثقة ثبت من كبار حفاظ زمانه" وقال في "تذكرة الحفاظ": "الحافظ المتقن الإمام .. من علماء المحدثين ومتقنيهم، صوّامًا قوامًا صالحًا ثقة". [631] محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن رزق أبو الحسن البزاز يعرف بابن رزقويه: في ترجمته من "التنكيل" (187) فوائد تتعلق برواية الضرير من كتبه بعد ما عمي، وهل يصح ذلك؟ وما شرائط؟ راجع القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب. [632] محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر أبو الحسن الأدمي: "التنكيل" (188) قال الخطيب في ترجمته (ج 1 ص 349): "قال لي أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: لم يكن الأدمي هذا صدوقًا في الحديث؛ كان يُسمِّعُ لنفسه في كتب لم يسمعها، فسألت البرقاني عن الأدمي فقال لي: ما علمت عنه إلا خيرًا، وكان شيخًا قديما .. غير أنه كان يطلق لسانه في الناس، ويتكلم في ابن مظفر والدارقطني". قال الشيخ المعلمي: "فعدم التفات البرقاني إلى كلام حمزة يدل على أنه لم يعتد به؛ لأن حمزة لم يبين أي كتاب ألحق الأدمي سماعه فيه ولم يسمعه، ومن أين علم حمزة أنه لم يسمعه؟ وقول البرقاني: "غير أنه كان يطلق لسانه .. " كأنه قصد بها أن الأدمي كان يتكلم في الناس فتكلم بعضهم فيه، ومثل هذا يقع فيه التجوز والتسامح، فلا يعتد به إلا مفسرًا مثبتًا. اهـ.

[633] محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله الإمام المشهور

[633] محمد بن إدريس الشافعي أبو عبد الله الإمام المشهور: له ترجمة مطوّلة في "التنكيل" (189) أجاب فيها الشيخ المعلمي عن مطاعن الكوثري وافتراءاته على الإمام الشافعي، وفي الترجمة فوائد لا تتعلق بالشافعي نفسه، تراها في القسم الخاص بالقواعد من هذا الكتاب. [634] محمد بن إسحاق بن أيوب أبو العباس الصبغي (¬1): "الأنوار الكاشفة" (ص 60): "مجروح" (¬2). [635] محمد بن إسحاق بن العباس أبو عبد الله الفاكهي المكي: صاحب كتاب: "أخبار مكة". قال المعلمي في رسالة "مقام إبراهيم" (ص 180): "وإن كان كالأزرقي (¬3) في أنه لم يوثقه أحد من المتقدمين ولا ذكره، فقد أثنى عليه الفاسي في ترجمته من "العقد الثمين" ونزَّهَهُ عن أن يكون مجروحًا، وفضَّل كتابه على كتاب الأزرقي تفضيلًا بالغًا. ومع هذا فالأخبار التي يتفقان في الجملة على روايتها نجد الفاسي -ومن قبله المحب الطبري- يعنيان غالبًا بنقل رواية الأزرقي، ويسكتان عن رواية الفاكهي، أو يشيران إليها إشارة فقط. ¬

_ (¬1) هو أخو أبي بكر أحمد بن إسحاق بن أيوب الصِّبْغي الإمام الثقة الفقيه من جلّة شيوخ الحاكم أبي عبد الله. (¬2) قال الحاكم لما ترجم لأبي العباس هذا: أخو الشيخ الإمام، وأكبر سنًا منه، لزم الفُتُوَّةَ إلى آخر عمره، وكان الشيخ ينهانا عن القراءة عليه لما كان يتعاطاه ظاهرًا، لا لحرجٍ في سماعه؛ فإن أكثر أصوله عن الرازيين كان قد سمعها قبل الشيخ بسنين، ثم سمعها الشيخ في كتابه. وتوفي في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وثلاثمائة، وهو ابن مائة سنة وأشهر". "الأنساب" للسمعاني (8/ 34)، و"سير النبلاء" (15/ 489) مع هامشه، و"تاريخ الإسلام" في وفيات سنة (354)، ووقع فيه: لا لجرحٍ في سماعه. (¬3) هو محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الوليد، وسيأتي.

[636] محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي

وأحسب الحامل لهما على ذلك: حُسْنُ سياق الأزرقي. وقد قيل لشعبة رحمه الله: "ما لك لا تحدث عن عبد الملك بن أبي سفيان، وقد كان حسن الحديث؟، قال: مِنْ حُسْنِها فررتُ". ويُريبني من الأزرقي حسنُ سياقه للحكايات وإشباعُه القول فيها، ومثل ذلك قليل فيما يصح عن الصحابة والتابعين". اهـ. [636] محمد بن إسحاق بن يسار صاحب المغازي: "التنكيل" (2/ 107): "متكلم فيه، وفي حفظه شيء كما في "الميزان" وقد اضطرب في الخبر .. ". وفي (2/ 134): "في حفظه شيء ويدلس، وكأنه أو من فوقه .. خلط الحديثين ... ". [637] محمد بن إسحاق بن حرب اللؤلؤي البلخي: "الفوائد" (ص 392): "حافظ كبير متفنن، لكنه رمي بالكذب والوضع". [638] محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبو إسماعيل الترمذي: "التنكيل" (193) قال ابن أبي حاتم: "تكلموا فيه". قال الشيخ المعلمي: "لا يُدرى من المتكلم ولا الكلام، وقد وثقه النسائي ومسلمة والدارقطني وغيرهم (¬1) فهو ثقة حتمًا". اهـ. ¬

_ (¬1) قال عنه أبو بكر الخلال: "صاحبنا، وقد سمعنا منه حديثًا كثيرًا، وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان، وفيها ما أغرب به على أصحاب أبي عبد الله، وهو رجل معروف، ثقة، كثير العلم، يتفقه". "طبقات الحنابلة" للقاضي أبي يعلى (1/ 279). ونقل الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 44) توثيقه عن النسائي وغيره، وقال الخطيب: كان فهمًا، متقنًا، مشهورًا بمذهب السنة، وسكن بغداد وحدث بها" ولم ينقل قول ابن أبي حاتم المذكور. وقال الذهبي في "السير" (13/ 242): الإمام الحافظ الثقة. ولد بعد التسعين ومائة .. وعُني بهذا الشأن، وجمع وصنف، وطال عمره، ورحل الناس إليه، حدث عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، وخلق كثير.

[639] محمد بن أعين أبو الوزير المروزي

- محمد بن إسماعيل الصائغ: راجع ترجمة عبد الله بن نافع الصائغ من هذا الكتاب. [639] محمد بن أعْين أبو الوزير المروزي: "طليعة التنكيل" (ص 33)، و"التنكيل" رقم (194). قال ابن أبي حاتم (ج 3 ق 2 ص 207) "وصيّ ابن المبارك" وروى عنه أحمد وإسحاق وغيرهما. وذكره ابن حبان في "الثقات". قال الكوثري: "توثيق ابن حبان على قاعدته .. وكون المرء خادمًا أو كاتبًا أو وصيًّا أو معتمدًا عنده في شيء ليس بمعنى توثيقه في الرواية عندهم .. ". قال المعلمي: "قاعدة ابن حبان يأتي تحقيقها في ترجمته، وبذلك يعرف أن توثيقه لابن أعين من التوثيق المقبول، وابن أعين قالوا (¬1): "أوصى إليه ابن المبارك وكان من ثقاته" وابن المبارك كان رجلًا في الدين، رجلًا في الدنيا، فلم يكن ليعتمد بثقته في حياته وإيصائه بعد وفاته إلا إلى عدل أمن يقظ، لا يخشى منه الخطأ في حفظ وصاياه وتنفيذها، فهذا توثيق فِعْلي قد يكون أبلغ من التوثيق القولي. غاية الأمر أنه قد يقال: "ليس من الممتنع أن يكون ابن أعْين ممن ربما أخطأ في المواضع الملتبسة من الأسانيد، وهذا لا يضر هنا، لأن روايته في "تاريخ بغداد" إنما ¬

_ = ونقل الذهبي قول ابن أبي حاتم ثم قال: "انبرم الحال على توثيقه وإمامته". اهـ. تنبيه: في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 63): قال الحاكم عن الدارقطني: "ثقة صدوق، وتكلم فيه أبو حاتم" وكذا هو في نقل الذهبي، وابن عساكر عن "سؤالات الحاكم". لكن الذي في "سؤالات الحاكم" المطبوع (526): قال الحاكم عن الدارقطني: "ثقة صدوق. قلت، بلغني أن أبا حاتم الرازي تكلم فيه، فقال: هو ثقة". وفي (175) زيادة: قال الحاكم: لم يتكلم فيه أبو حاتم. اهـ. (¬1) جزم به ابن أبي حاتم كما سبق النقل عنه. ونقل ابن حجر في "التهذيب" (9/ 66) عن أبي علي محمد بن علي بن حمزة المروزي: "يقال أن عبد الله أوصى إليه وكان من ثقاقه وخواصه".

[640] محمد بن أيوب بن هشام أبو عبد الله الرازي، يعرف بالصائغ

هي واقعة لابن المبارك، على أن ذاك الاحتمال يندفع برواية أحمد وتوثيق ابن حبان، وأنه لم يتعرض أحد بغمز لابن أعين في روايته .. " (¬1). [640] محمد بن أيوب بن هشام أبو عبد الله الرازي، يعرف بالصائغ: "الفوائد" (ص 359): "كذاب". [641] محمد بن بشار بن عثمان العبدري البصري أبو بكر لقبه: بندار: "التنكيل" (195) راجع الأبحاث المتعلقة بـ: "قدح الساخط ومدح المحب"، و"إطلاق الكذب وإرادة الخطأ والوهم لا العمد"، و"سرقة الحديث"، و"معنى الانتقاء من روايات الرجل" من قسم القواعد. [ز 14] محمد بن ثابت بن شجاع: "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 70): "ذكره ابن حبان في "الثقات"، وذلك لا يكفي في معرفة حاله". اهـ. [642] محمد بن جابر بن سيّار بن طارق السُحيْمي الحنفي أبو عبد الله اليمامي، أصله كوفي: "التنكيل" (196) قال ابن حبان: "كان أعمى .. قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه". قال الشيخ المعلمي: "فناسِبُ الكلمة إلى أحمد هو ابن حبان، وبين ابن حبان وأحمد مفازة، ولا يُدرى ممن سمع تلك الكلمة (¬2)، ولو صحت عن أحمد لكانت ¬

_ (¬1) وراجع البحث في قولهم "فلان لا يروي إلا عن ثقة" في قسم القواعد، ففيه تتمة البحث. (¬2) أقول: ناسب الكلمة إلى أحمد إنما هو الحافظ ابن حجر، ففي "تهذيب التهذيب" (9/ 90): "وقال ابن حبان: كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به فيحدث به. قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شرٌّ منه". اهـ. =

الكلمة أقرب إلى الإطراء البالغ منها إلى الذم، فقد روى عن محمد بن جابر من يعتقد أحمد وغيره أنهم أفاضل عصرهم وخيار أهل زمانهم مثل أيوب بن أبي تميمة السختياني وعبد الله بن عون وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وآخرين، فلا معنى لأن يقال: إن هؤلاء شر منه إلا إطراؤه بأنه خير منهم (¬1) وعلى كل حال ¬

_ = فقول ابن حجر: قال أحمد بن حنبل، قولٌ مستأنفٌ، لا علاقة له بابن حبان؛ وقول ابن حبان الذي نقله ابن حجر، قد قاله في كتاب "المجروحين" (2/ 270) ولا أثر فيه للنقل عن أحمد ولا غيره هذه الكلمة. وإنما أُتى الشيخ المعلمي من جهة أنه لم يَرَ كتاب "المجروحين" فاعتمد على "التهذيب". ثم إنه يظهر لي أن في نسبة هذا القول لأحمد وهمًا، قد سبق ابن حجر فيه: الذهبيُّ في غير موضع من كتبه، فأخشى أن يكون ابن حجر قد تابعه فيه. وذلك أني فتشت في الكتب التي تُعنى بنقل أقوال الإمام أحمد في الرواة، فلم أجد هذا القول عنه، وإنما وجدت في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد (1/ 145) قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر، فذمَّهُ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه، ومثله في الموضع (1/ 52) وفيه: فغلَّظَ فيه وقال: .. فدخول الوهم على الناظر في هذا الكتاب محتمل؛ لأن أكثر نقل عبد الله فيه إنما هو عن أبيه، واحتمال أن يصح القول عن أحمد وابن معين ليس بالممتنع، إلا أن فيه بُعْدًا؛ لاسيما مع قيام القرينة على الوهم، والله تعالى أعلم. (¬1) في هذا نظرٌ من وجوه: الوجه الأول: سَبَق النقل عن عبد الله بن أحمد أنه صَدَّر حكايته عن ابن معين بقوله: "فذمَّه" وفي موضع آخر: "فغلَّظ فيه" وهذا أقطعُ للاحتمال وأَبْيَنُ في مراد ابن معين من هذه الكلمة؛ أنه أراد بها الذمَّ، لا الإطراء. الوجه الثاني: اجتماع كلمة النقلة عن ابن معين -بل وأحمد- على تضعيف ابن جابر وذَمِّه. قال الدوري في "تاريخه" (2/ 507) عن ابن معين: "كان محمد بن جابر أعمى. قلت ليحيى: فإنما حديثه كذا لأنه كان أعمى؟ قال: لا، ولكنه عمي واختلط عليه، وكان محمد بن جابر كوفيًا انتقل بلى اليمامة. قلت: أيوب أخوه، كيف حديثه؟ قال: ليس هو بشيء، ولا محمد. قلت: أيهما كان أمثل؟ قال: لا، ولا واحد منهما". وبنحوه قال الدارمي عنه. "تاريخه" الترجمة (742). وقال ابن طهمان عنه: لا يكتب حديثه، ليس بثقة. "سؤالاته" الترجمة (94، 375). وبنحوه قال ابن الجنيد عنه. "سؤالاته" (232، 448) وقال معاوية بن صالح عنه: ضعيف. "الكامل" لابن عدي (6/ 2158). =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما الإمام أحمد، فقد قال ابنه عبد الله عنه، كان ربما ألحق أو يلحق في كتابه -يعني الحديث. "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 394)، و"الجرح والتعديل" (7 / الترجمة 1215). وقال عبد الله أيضًا عنه (2/ 136): محمد روى أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، يقولون: رأوا في كتبه لحقًا، حديثه عن حماد فيه اضطراب. والمقصود أن حمل هذه العبارة على الذم هو الموافق لسائر الروايات عن ابن معين -بل وأحمد-. الوجه الثالث: أن كلمة سائر النقاد تكاد تكون مجتمعة على توهن ابن جابر وعدم الاحتجاج به. قال عمرو بن علي الفلاس: صدوق، كثير الوهم، متروك الحديث. "الجرح" (7 / ت 1215)، و"الكامل" (6/ 2158). وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم. "ضعفاؤه الصغير" (ت 313)، ونحوه في "التاريخ الكبير" (1 / ت 111). وقال في "التاريخ الأوسط" (2/ 139): يتكلمون فيه. ونقل الترمذي عنه في "العلل الكبير" (2/ 722) قوله: ذاهب الحديث. وقال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. "الجرح". وقال أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عُمره، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ثم تركه بَعْدُ وكان يروي مناكير، وهو معروف بالسماع جيد اللقاء، رأوا في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات. "الجرح". وقال أبو داود: ليس بشيء. "تهذيب الكمال" (24/ 568). وقال النسائي: ضعيف. "ضعفاؤه" (ت 533). وذكره العقيلي في "الضعفاء" (4/ 41) وذكر له حديثين، وقال: لا يتابع عليهما، ولا على عامّة حديثه. وذكره يعقوب الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم "المعرفة والتاريخ" (3/ 60). وقال (2/ 121): حدثنا أبو الوليد ثنا محمد بن جابر ثنا أيوب بن عتبة، ضعيفان لا يفرح بحديثهما .. قال أبو الوليد: أفادني ابن المبارك عن محمد بن جابر أربعة أحاديث، فأتيته فسألته، فحدثني بها عن غير الذي أفادني عنه ابن المبارك، فرجعت إلى ابن المبارك. فأخبرته، فقال: ليس بشيء، غلط فيها. قال: فمحوته اهـ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي، ضعيف. "السنن" (2/ 163). وذكره ابن عدي في "الكامل" (6/ 2158) وساق له مناكير تفرد بها، وقال: قد روى عن محمد ابن جابر من الكبار: أيوب وابن عون، وهشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم ممن ذكرتهم، ولولا أن محمد بن جابر في ذلك المحل لم يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خالفهم في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه، اهـ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أقول: رواية هؤلاء الكبار عنه إنما هي لحديثه عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء من مسِّ الذكر، وليس له في الكتب الستة غيره، رواه أبو داود وابن ماجه من رواية مسدد ووكيع عنه. قال ابن عديّ: "هذا يعرف بمحمد بن جابر، عن قيس بن طلق. ولشهرته رواه عنه السختياني، وابن عون، وشعبة، .. وكل هؤلاء الذين رُوي عنهم، منهم من هو أكبر سنًّا منه، وأقدم موتًا منه، ومنهم من هو في عصره روى عنه، وهم اثنا عشر نفسًا؛ لأن الحديث لا يُعرف إلا به. وقد رَوى هذا الحديث عن قيس بن طلق غيرُ محمد بن جابر إلا أنه معروف به .. " اهـ أقول: فقد بيَّن ابن عديّ العلَّة التي لأجلها روى هؤلاء الكبار ذاك الحديث عن محمد بن جابر، ألا وهي اشتهاره به، وأنه عُرف من طريقه، وهذا لا يكفي في الدلالة على حال ابن جابر عند هؤلاء؛ فإن روايتهم عنه ليست بمستفيضة بحيث يقال إنها مما تقويه، وإنما هي لعزَّة هذا الحديث وضيق مخرجه، ثم إن ابن جابر في نفسه لم يكن بالساقط ولا بالمتهم، وإنما كان محلَّه الصدق، إلا أن في حديثه تخاليط، وأما كتبه فكانت صحاحًا، حتى عمي فأُلحق فيها أشياء، نَبَّه عليها غير واحد من أهل العلم، ثم ذهبت كتبمع فخلَّط، وصار يُلَقَّن، فَتُرك، وكان ابن مهدي وغيره يحدثون عنه، ثم تركوه لأجل هذا، فالذي ينبغي أن تحمل عليه رواية من روى عنه من الأكابر هو أن يكون ذلك قبل أن يطرأ عليه ما طرأ، حيث كان ممن يكتب حديثه، أما بعد ذلك فقد اجتمعت كلمتهم على طرحه، كما قال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. وقال البخاري: يتكلمون فيه، وفي رواية الترمذي، عنه: ذاهب الحديث، وهما من أشد الصيغ عند البخاري، كما هو معلوم. فبعد هذا، يصير تَصَوُّرُ أن يكون معنى عبارة: لا يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه، على معنى الإطراء تصوُّرًا بعيدًا، وإنما بالغ ابن معين في ذم ابن جابر، بذم من يروي عنه -والظاهر أن ذلك بعد أن ظهر من ابن جابر ما ظهر من التخليط وقبول التلقين ونحو ذلك-، ولاسيما وابن معين كان لا يرى الكتابة عنه أصلًا، كما سبق من رواية ابن طهمان عنه، فكيف بالرواية؟ فقول القائل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه، مبالغة في التحذير من التحديث عنه لتخليطه وسوء حفظه ولما كان يُلْحَق في كتبه وغير ذلك، مما أسقطه عند ابن معين وغيره. على أن الأئمة قد يختلفون في أحكامهم على الرجال، فكما يوثق بعضهم الرجلَ، ويضعفه آخرون، فكذلك يرى بعضهم جواز الرواية عن رجل، ويمنع منه آخرون، فرواية بعض الأئمة عن ابن جابر، لا تصلح أن يُفَسَّر على ضوءها قول ابن معين المشار إليه، خشية أن يقتضي ظاهرها تفضيل ابن جابر عليهم؛ إذ لا ينبغي أن يُلزم ابن معين بصنيع غيره من الأئمة، للسبب الذي قدمنا. هذا على افتراض أن هناك ثمة تعارض بين قول ابن معين وصنيع هؤلاء الكبار الذين رووا عنه، ولكن الصواب أنه لا تعارض كما سبق بيان ذلك؛ والله تعالى الموفق.

فالحكاية منقطعة منكرة (¬1). فأما تضعيف ابن معين وغيره له فلأمور: الأول: أنه كان سيء الحفظ يتعاطى الرواية من حفظه فيغلط. الثاني: أنه اختلط عليه حديثه، قاله ابن معين .. الثالث: أن كتابه ذهب بأخرة فتأكد احتياجه إلى أن يروي ما علق منه بحفظه وهو سيء الحفظ. الرابع: أن إسحاق بن الطباع قال: "حدثت محمدًا يومًا بحديث، قال: فرأيت في كتابه ملحقًا بين سطرين بخط طري". والرجل كان أعمى فالمُلْحِق غيره حتمًا. ورواية الأجلّة عنه وشهادة جماعة منهم له بأنه صدوق تدل أن الإلحاق لم يكن بعلمه. فأما قول ابن حبان: "كان أعمى يلحق في كتبه ما ليس من حديثه ويسرق ما ذُوكر به فيحدث به" فإنما أخذه من هذه القضية، وقد بأن أن الإلحاق من غيره، وإذا كان بغير علمه كما يدل عليه ما سبق فليس ذلك بسرقة (¬2). ¬

_ (¬1) بل الحكاية ثابتة عن ابن معين كما سبق، ولا نكارة فيها البتة، بعد ثبوت حملها على ذم ابن جابر، كما بيناه آنفًا. (¬2) قد يُلْحِقُ الرجلُ في كتابه لمعان غير السرقة، ولا يَمنعُ من إلحاقه بعلمه أن يكون أعمى؛ إذ قد يأمر بذلك مَنْ يُلحقُ له. وقد ترجم الشيخ المعلمي نفسه لقطن بن إبراهيم من "التنكيل" رقم (181)، وقد اتُّهِم قطن بسرقة حديث عن حفص بن غياث وجدوه ملحقًا في الحاشية، فقال المعلمي رحمه الله: "لا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص، ثم نسيه، أو خفي عليه أنه غريب .. ثم ذكره وتنبَّه لفرديته فرواه. وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون (كتبه) أوَّلا، ثم لما ذكر أنه سمعه أو عرف أنه غريب ألحقه في الحاشية .. " اهـ. أقول: سواء كان الإلحاق بعلم ابن جابر -وحُمل على غير السرقة- أو كان بغير علمه، فقد كان الرجل سيء الحفظ، وكان اعتماده على كتبه، ثم عمي، فَوُجد في كتبه أشياء ألحقت فيها، واختلط =

[643] محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة بن يزيد بن عبد الملك أبو بكر الأدمي القارىء البغدادي الشاهد

فالحكم فيه أن ما رواه الثقات عنه ونصوا على أنه من كتابه الذي عرفوا صحته فهو صالح، ويتوقف فيما عدا ذلك". اهـ. وقال المعلمي في صدْر المسألة الثانية من الجزء الثاني من "التنكيل": "الحاصل أنه ليس بعمدة" وقال بعدها بقليل: "ليس بثقة" (¬1). [643] محمد بن جعفر بن محمد بن فضالة بن يزيد بن عبد الملك أبو بكر الأدمي القارىء البغدادي الشاهد: "التنكيل" (197) قال عنه محمد بن أبي الفوارس: كان قد خلط فيما حدث (¬2). قال المعلمي: "ذكروا أنه كان شاهدًا فقد كان عدلًا عند القضاة، لكن لم أر من وثقه (¬3)، فأما التخليط فلم يبين ما هو". اهـ. [644] محمد بن جعفر بن محمد بن الهيثم أبو بكر البندار الأنباري الأصل. يعرف بابن أبي أحمد: "التنكيل" (198) قال الخطيب (2/ 151): سألت البرقاني عن ابن الهيثم فقلت: هل تكلم فيه أحد؟ فقال: لا. قال: وكان سماعه صحيحًا بخط أبيه. ¬

_ = عليه حديثه، وصار يُلقَّن ما ليس من حديثه، فسقط وتُرك، ولم يعتمد عليه أهل العلم في شيء من روايته، ولم يُخرج له في الصحيحين، لا أصلًا ولا استشهادًا، وليس له في الكتب الستة سوى الحديث الذي ذكرنا، وهو أيضًا لا يثبت، فإنه من أفراد قيس بن طلق. (¬1) هذا هو الصواب فيه إن شاء الله تعالى. (¬2) "تاريخ بغداد" (2/ 149). ولفظه: "سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، فيها مات محمد بن جعفر الأدمي، وكان قد خلط فيما حدث". اهـ. قلت: هذه العبارة تحتمل قرب تخليطه من موته، وهو ما يشعر به السياق. ثم وجدت الذهبي رحمه الله يقول في ترجمة الأدمي من "تاريخ الإسلام": "قيل إنه خلط قُبَيْل موته". اهـ. (¬3) لم أر فيه إلا قول الخطيب: "صاحب الألحان، كان من أحسن الناس صوتًا بالقرآن، وأجهرهم بالقراءة" وساق حكاية تدل على ذلك. وقد روى عنه جماعة من شيوخ الخطيب.

[645] محمد بن جعفر الكلبي أبو جعفر، وقيل: أبو عبد الله، الكوفي، وقيل: البغدادي، الفيدي العلاف.

ثم حكى الخطيب عن محمد بن أبي الفوارس قوله: "سنة ستين وثلاثمائة فيها مات محمد بن جعفر بن الهيثم يوم عاشوراء فجأة، ومولده سنة ثمان وستين ومائتين، وكان عنده إسناد، انتقى عليه عمر البصري، وكان قريب الأمر، فيه بعض الشيء، وكان له أصول بخط أبيه جياد". قال الشيخ المعلمي: "الظاهر أن بعض الشيء إنما فيما يتعلق بالسيرة لا بالرواية، ولم يفسِّر، فلعله تقصير خفيف، لا يُعدُّ جرحًا" (¬1). اهـ. [645] محمد بن جعفر الكلبي أبو جعفر، وقيل: أبو عبد الله، الكوفي، وقيل: البغدادي، الفيدي العلاف. "الفوائد" (ص 350): "لم يتبين من حاله ما يشفي (¬2)، ومن زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما فقد وهم". اهـ. [646] محمد بن الجهم بن هارون، أبو عبد الله الكاتب السمري (¬3): "التنكيل" (1/ 489): "صدوق وليس من رجال هذا الشأن" (¬4). اهـ. [647] محمد بن حبان أبو حاتم البستي الحافظ: "التنكيل" (200) ترى ما يتعلق بما اشتهر عنه من توثيق المجاهيل وكذا درجات توئيقه من حيث القبول والرد في قسم: تراجم الأئمة والمصنفين، ومناهجهم في التصنيف والجرح والتعديل وغير ذلك. ¬

_ (¬1) ترجم لابن الهيثم: الذهبي في "تاريخ الإسلام" وغيره من كتب الوفيات على السنين، ولم يذكره في "الميزان"، فكانه لم يَعُدَّ قولَ ابنِ أبي الفوارس جرحًا، والله تعالى أعلم. (¬2) قال الباجي في "رجال البخاري" (2/ 624): "يشبه أن يكون مجهولا". اهـ. وانظر "تهذيب الكمال" (24/ 586)، و"تهذيب التهذيب" (9/ 59). (¬3) "تاريخ بغداد" (2/ 161). (¬4) يعني: ليس من رجال الجرح والتعديل.

[648] محمد بن الحسن بن محمد بن زياد المقرىء النقاش

[648] محمد بن الحسن بن محمد بن زياد المقرىء النقاش: "التنكيل" (201) قال المعلمي: "كان هذا الرجل مقرئًا مفسرًا تعب في الطلب وجمع فأكثر، لكنهم نقموا عليه في أحاديث، فأما الدارقطني فكان يُجْمل القول فيه ويحمله على الوهم والتساهل في الأخْذ، وأما البرقاني وغيره فحطوا عليه وتبعهم الخطيب، وإنما روى عنه هنا لأنه لم ينفرد بمعنى ما روى، وكان الأولى به ترك الرواية عنه، والله المستعان". اهـ. وقال في "الفوائد" (ص 42): "هالك". وفي (ص 387): "كذاب". وفي (ص 322): "كذاب وضاع". [649] محمد بن الحسين بن حُميد بن الربيع أبو الطيب اللخمي الكوفي: "التنكيل" (202) راجع ترجمة والده: الحسين بن حميد، وترجمة أحمد بن محمد سعيد بن عقدة الحافظ. [650] محمد بن الحسين السلمي أبو عبد الرحمن النيسابوري الصوفي: "التنكيل" (1/ 105) قال المعلمي: "تكلموا فيه حتى رموه بوضع الحديث". وبنحوه في " الأنوار الكاشفة" (ص 117). وقال في "التنكيل" أيضا (1/ 379): "أراهم يحتملون حكاياته عن الدارقطني مع أنه على يديّ عدْلٍ". وقال فيه أيضًا (1/ 503): "ذُكرتْ ترجمته في "المنتظم" (ج 8 ص 6) وفيها قول محمد بن يوسف القطان: "كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا

[651] محمد بن حميد بن حيان التميمي أبو عبد الله الرازي

شيئًا يسيرًا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدّث عن الأصم بـ "تاريخ يحيى بن معين" وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث" (¬1). [651] محمد بن حُميْد بن حيّان التميمي أبو عبد الله الرازي: "الفوائد" (ص 265): "كذاب على سعة حفظه". وفي (ص 458): "متهم". وفي "التنكيل" (1/ 446): "ليس بعمدة". وفي "حاشية الموضح" (1/ 225): "ظهر فساده بأخرة، وكان يضرب الأسانيد بعضها ببعض". [652] محمد بن حِمْير بن أنيس السليحي الحمصي: عن محمد بن زياد الألهاني. ¬

_ (¬1) قول القطان هذا قد أخذه عنه الخطيب وذكره في "تاريخ بغداد" (2/ 248) بلفظ: وقال لي محمد بن يوسف القطان وأعقبه الخطيب بقوله: "قَدْر أبي عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحله في طائفته كبير، وقد كان مع ذلك صاحب حديث مجودًا، جمع شيوخًا وتراجم وأبوابًا". وكان قد قال في صَدْر ترجمته: "كان ذا عناية بأخبار الصوفية، وصنف لهم سننًا وتفسيرًا وتاريخًا". ونقل الحافظ ابن حجر في "اللسان" (5/ 140) قولَ الحاكم: "كان كثير السماع والحديث، متقنًا فيه، من بيت الحديث والزهد والتصوف" وقولَ البيهقي: مثله إن شاء الله لا يتعمد. قال ابن حجر: ونسبه -يعني البيهقي- بلى الوههم، وكان إذا حدث عنه يقول: حدثني أبو عبد الرحمن السلمي من أصل كتابه. قال الذهبي في "الميزان" (3/ 523): تكلموا فيه، وليس بعمدة .. وفي القلب مما يتفرد به. وقال في "سير النبلاء" (17/ 250): ما هو بالقوي في الحديث. وقال في "تذكرة الحفاظ". (ص 1046): ضعيف. أَلَّف "حقائق التفسير" فأتى فيه بمصائب وتأويلات الباطنية، نسأل الله العافية. ثم قال: قد سألَ أبا الحسن الدارقطني عن خلق من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن. اهـ.

[653] محمد بن حيوية بن المؤمل الكرجي

"الفوائد" (ص 299): "موثق، غمزه أبو حاتم، ويعقوب بن سفيان، وأخرج له البخاري في "الصحيح" حديثين، قد ثبتا من طريق غيره، وهما من روايته عن غير الألهاني، فزعْمُ أن هذا الحديث (¬1) على شرط البخاري غفلة". اهـ. [653] محمد بن حيوية بن المؤمل الكرجي: "الفوائد" (ص 380): راجع الفوائد المتعلقة بـ "سرقة الحديث"، والأمثلة على ذلك من قسم القواعد. [654] محمد بن الخليل الذهلي البلخي: "الفوائد" (ص 389): قال الشوكاني: "مجهول". فقال الشيخ المعلمي: "بل كذاب وضاع مخذول". [655] محمد بن ذكوان الأزدي الطاحي الجهضمي مولاهم البصري، خال ولد حماد بن زيد: "الفوائد" (ص 98): "منكر الحديث قاله البخاري وأبو حاتم. وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه" (¬2). وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة: "حدثني محمد ابن ذكوان، وكان كخير الرجال" ثم قال أبو داود: "ولم يرو شعبة عن محمد بن ذكوان إلا هذا الحديث". ¬

_ (¬1) يعني: حديث قراءة آية الكرسي في دبر كل صلاة، وقد ذكره الذهبي في غرائب محمد هذا. "الميزان" (3/ 532). (¬2) وقال أيضًا: منكر الحديث. "ضعفاؤه" (ت 549). وقاله أيضًا ابن عدي وزاد: عامّة ما يرويه أفرادات وغرائب، ومع ضعفه يكتب حديثه. "الكامل" (6/ 2206). وضعفه غير واحد. وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 379)، لكنه أعاده في "المجروحين" (2/ 262) وقال: "سقط الاحتجاج به".

[656] محمد بن روح العكبري

وقد روى شعبة عن آخر يقال له: محمد بن ذكوان، فإن كان أراد صاحبنا فقول شعبة "كخير الرجال" ليس بتوثيق، وقد يكون الرجل صالحًا في نفسه، وليس بشيء في الرواية، واقتصار شعبة على حديث واحد يشعر بما ذكرت. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: "محمد بن ذكوان الذي روى عنه شعبة ثقة". فإن كان أراد هذا فكأنه لم يخبره، بل بنى على الغالب أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة، وقوى عنده ذلك بقول شعبة: "كان كخير الرجال". اهـ. [656] محمد بن روح العكبري: "التنكيل" (205) قال الكوثري: "مجهول". قال المعلمي: "روى الخطيب في "تاريخ بغداد" (ج 5 ص 277) من طريق "عثمان بن إسماعيل بن بكر السكري ثنا محمد بن روح العكبري بعكبرا، وكان صديقًا لأحمد بن حنبل، وكان أحمد بن حنبل إذا خرج إلى عكبرا ينزل عليه" .. ولم يكن أحمد ليصادق رجلًا وينزل عليه إلا وهو خيِّرٌ فاضلٌ. اهـ. [657] محمد بن زاذان المدني: "الفوائد" (ص 13): "تالف". وفي (ص 66): "هو وابنه عبد الله هالكان". [658] محمد بن زرعة الرعيني: عنه أبو زرعة الدمشقي.

[659] محمد بن أبي الزعيزعة

"الأنوار الكاشفة" (ص 154): "لم أجد له ترجمة (¬1) " والمجهول لا تقوم به حجة" (¬2). [659] محمد بن أبي الزعيزعة: "الفوائد" (ص 230): "هالك". [660] محمد بن زكريا الغلابي البصري أبو جعفر الأخباري: "الفوائد" (ص 143): "كذاب". وفي (ص 303): "يضع". وفي (ص 361): "هالك البتة". [661] محمد بن زنبور -واسمه جعفر- بن أبي الأزهر أبو صالح المكي: "الفوائد" (ص 298): "فيما يرويه ابن زنبور عن الحارث [يعني ابن عمير] مناكير، فمن الحفاظ من حمل على ابن زنبور؛ لأن الحارث وثقه الأكابر، وحديثه الذي يرويه غير ابن زنبور مستقيم، سوى حديث واحد، خولف في رفعه، ومثل هذا لا يضره. ومن المتأخرين من حمل على الحارث؛ لأنهم وجدوا حديث ابن زنبور عن غيره مستقيمًا. ووثق النسائي الرجلين، والتحقيق معه، فهما ثقتان، لكن ما رواه ابن زنبور عن الحارث فضعيف، وفيه المنكرات. ¬

_ (¬1) ترجمه العجلي في "الثقات" رقم (1594) وقال: دمشقي ثقة. وترجمه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (15 / ق 337 - 338) وسمَّى جدَّه: روح -وذكر أن أبا زرعة الدمشقي ذكره في "أصحاب الوليد بن مسلم" وقد روى عنه أبو زرعة وإبراهيم بن يعقوب الجوزجاني. ونقل عن أبي زرعة قوله: ثقة مأمون. وفي موضع آخر: ثقة حافظ، وأنه توفي سنة (216 هـ). وقد ترجمه الذهبي في تلك السنة من "تاريخ الإسلام" وقال: ثقة حافظ. (¬2) إطلاق الجهالة على الرجل لأجل عدم الوقوف على ترجمةٍ له، قد عاب مثلَه الشيخُ المعلمي في كتابه "التنكيل"، راجع مبحث "الجهالة وحدود أهل العصر في إطلاقها" من قسم القواعد من هذا الكتاب.

[662] محمد بن زياد بن زبار الكلبي

ولهذا نظائر عندهم في تضعيف رواية رجل عن شيخ خاص، مع توثيق كل منهما في نفسه. وكأن ابن زنبور لم يضبط ما سمعه من الحارث، لأنه كان صغيرًا، أو نحو ذلك، فاختلطت عليه أحاديثه بأحاديث غيره. فالحق مع النسائي، ثم العراقي، وابن حجر في توثيق الرجلين، والحق مع الحاكم، وابن حبان، وابن الجوزي في استنكار الحديث (¬1)، والله أعلم. وراجع ترجمة الحارث بن عمير البصري. [662] محمد بن زياد بن زبار الكلبي: "الفوائد" (ص 219): "ليس بشيء". [663] محمد بن زياد اليشكري الطحان الميموني الكوفي الأعور الفأفاء: "الفوائد" (ص 78): "كذبوه". [664] محمد بن سابق التميمي أبو جعفر -أو أبو سعيد- البزاز الكوفي نزيل بغداد: "التنكيل" (2/ 300): "ثقة جليل، إلا أن في ضبطه شيئًا، حتى قال أبو حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به". اهـ. و"التنكيل" (2/ 81): روى البخاري في صحيحه في "غزوة خيبر، عن الحسن ابن إسحاق، عن محمد بن سابق، عن زائدة، عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، عن نافع، عن ابن عمر " .. قسم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل سهمًا. فسّرهُ نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم". ¬

_ (¬1) يعني حديث "إن فاتحة الكتاب وآية الكرسي والآيتين من آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} و {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ} معلقات بالعرش، وما بينهن وبين الله حجاب".

[665] محمد بن سالم الهمداني أبو سهل الكوفي

قال المعلمي: "هذا التفسير يدل أن الصواب في المتن "للرجل" لكن وقع في نسخ "الصحيح" كما رأيت. وزائدة متقن، لكن شيخ البخاري ليس بالمشهور. ومحمد بن سابق: قال ابن حجر في ترجمته من الفصل التاسع من "مقدمة الفتح": "وثقه العجلي، وقوّاه أحمد بن حنبل، وقال يعقوب بن شيبة: "كان ثقة وليس ممن يوصف بالضبط"، وقال النسائي: "لا بأس به"، وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "ضعيف" قلت: ليس له في البخاري سوى حديث واحد في "الوصايا" (¬1)، وقد تابعه عليه عبيد الله بن موسى". اهـ. كذا قال، وفاته هذا الحديث، وعذر البخاري أنه رأى أن الوهم في هذا الحديث يسير يجبره التفسير، ومع ذلك فلم يذكره في "باب سهمان الخيل" وإنما ذكره في غزوة خيبر". اهـ. [665] محمد بن سالم الهمداني أبو سهل الكوفي: "الفوائد" (ص 222) قال السيوطي: "هو من رجال الترمذي ولم يتهم بوضع". فقال الشيخ المعلمي: "كلام الأئمة فيه شديد يدل أنه كان يكذب عمدًا أو خطأ. قال الساجي: "أنكر أحمد أحاديث رواها وقال: هي موضوعة" (¬2). - محمد بن أبي السّرِيّ العسقلاني: هو محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن الهاشمي مولاهم، يأتي. ¬

_ (¬1) (2781) على الشك فقال: حدثنا محمد بن سابق أو الفضل بن يعقوب عنه .. وأخرج له البخاري بواسطة في غير موضع. (¬2) وقال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن محمد بن سالم أبي سهل، فقال: هو شبه المتروك. "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 136). وتركه غير واحد، منهم: حفص بن غياث وابن المبارك، ويحيى القطان، وابن مهدي والفلاس.

[666] محمد بن سليم الراسبي أبو هلال البصري

[666] محمد بن سليم الراسبي أبو هلال البصري: "الأنوار الكاشفة" (ص 215): "في حفظه شيء". وفي "التنكيل" (2/ 145): "ليس بعمدة ولا سيما في قتادة". [667] محمد بن شجاع البغدادي أبو عبد الله بن الثلجي فقيه أهل الرأي في وقته: "التنكيل" (1/ 252): "كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي جهميًّا داعية عدوًّا للسنة وأهلها قال مرة: "عند أحمد بن حنبل كتب الزندقة". ووصى أن لا يُعطَى من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه؛ قال ابن عدي: "كان يضع أحاديث في التشبيه وينسبها إلى أصحاب الحديث يسلبهم بذلك". وذكر ما رواه عن حبان بن هلال -وحبان ثقة- عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها". وكذبه أيضًا الساجي والأزدي وموسى بن القاسم الأشيب. فأما ما نسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد فلا يدفع ما تقدم". اهـ. [668] محمد بن العباس بن حيوية أبو عمر الخزاز: "التنكيل" (209) راجع في قسم القواعد من هذا الكتاب ما يتعلق بعناية المحدثين بالرواية من أصولهم، وغمزهم للشيخ إذا روى من غير أصله، وأن ما يوصف به الراوي من التساهل في الرواية قد يكون خادشًا في ثقته وضبطه وقد لا يكون كذلك. [669] محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان الأنصاري أبو الرجال: "التنكيل" (2/ 135): "ثقة عندهم". [670] محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى الأنصاري الكوفي أبو عبد الرحمن القاضي الفقيه: "الفوائد" (ص 18): "سيء الحفظ جدًّا على صدقه".

[671] محمد بن عبد الرحمن بن المجبر العمري البصري

وفي "التنكيل" (1/ 448): " .. والفهم لا يستلزم الحفظ، وفهم المعاني والعلل غير فهم وجوه الرواية. وقد اشتهر ابن أبي ليلى بالفقه حتى كان الثوري إذا سئل قيل: فقهاؤنا ابن أبي ليلى، وابن شبرمة. وكان ابن أبي ليلى رديء الحفظ اللروايات كثير الغلط" (¬1). [671] محمد بن عبد الرحمن بن المجبّر العمري البصري: "الفوائد" (ص 68): "تالف جدًّا". [672] محمد بن عبد الله بن أحمد أبو الوليد الأزرقي. صاحب كتاب أخبار مكة": قال المعلمي في رسالة "مقام إبراهيم" (ص 176): "لم يوثقه أحد من أئمة الجرح والتعديل، ولم يذكره البخاري ولا ابن أبي حاتم، بل قال الفاسي في ترجمته من "العقد الثمن": "لم أر من ترجمه" فهو على قاعدة أئمة الحديث: مجهول الحال" (¬2). اهـ. [673] محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي ثم الكوفي: قال: قدم علينا سفيان الثوري .. "الفوائد" (ص 220): "لا أراه أدرك الثوري". [674] محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ: "التنكيل" (214): راجع ما يتعلق بـ "قدح الساخط ومدح المحب" من مسائل الجرح والتعديل، وكذا مبحث "التوثيق مقدم على الجرح الغير مفسّر" من قسم القواعد. ¬

_ (¬1) وتراجع آخر ترجمة الدارقطني من "التنكيل" رقم (163). (¬2) راجع ترجمة الفاكهي، وهو: محمد بن إسماعيل بن العباس أبو عبد الله المكي.

[675] محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي أبو عبد الله المدني الملقب بـ: الديباج

[675] محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان الأموي أبو عبد الله المدني الملقب بـ: الديباج: "الفوائد" (ص 484): "فيه نظر، قال البخاري: "عنده عجائب". وقال العقيلي: "لا يكاد يتابع على حديثه". وقال النسائي في موضع: "ثقة". ثم كأنه رجع فقال في موضع آخر: "ليس بالقويّ" ولم يخرج له هو ولا أحد من الستة غير ابن ماجه، وقال ابن حبان في "الثقات": "في حديثه عن أبي الزناد بعض المناكير". ومن شأن ابن حبان إذا تردد في راوٍ أنه يذكره في "الثقات" ولكنه يغمزه، فلم يبق إلا قول العجلي: "ثقة". والعجلي متسمح جدًّا، وخاصة في التابعين، فكأنهم كلهم عنده ثقات، فتجده يقول: "تابعي ثقة" في المجاهيل، وفي بعض المذمومين كعمر بن سعد، وفي بعض الهلكى كأصبغ بن نباتة". اهـ. [676] محمد بن عبد الله بن علالة العقيلي الجزري أبو اليسير الحراني القاضي: "الفوائد" (ص 121): "وثقه ابن معين (¬1) وغيره، وتكلم فيه آخرون (¬2)، وزعم الخطيب أن عامة الأحاديث المنكرة إنما رواها عنه عمرو بن الحصين، وأن البلاء فيها من عمرو، والله أعلم". اهـ. ¬

_ (¬1) لم يطلق القول بتوثيق ابن علاثة سوى ابن معين، وإنما قال ابن سعد: كان ثقة إن شاء الله. وقال أبو زرعة: صالح. (¬2) قال البخاري: في حفظه نظر. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وحمل عليه ابن حبان والحاكم، وشدَّد الأزدي فقال: حديثه يدل على كذبه. وضعفه الدارقطني في موضع، وتركه في آخر. والقول فيه ما قال البخاري وأبو حاتم؛ فإن الظاهر أن توثيق ابن معين لا يعدو إثبات مطلق العدالة، وأما الضبط فقد بينه البخاري وأبو حاتم، والله تعالى أعلم.

[677] محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك"

[677] محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه أبو عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك": "التنكيل" (215) راجع كلام الشيخ المعلمي حول "مستدرك الحاكم"، وما ظهر له من أسباب الخلل فيه، وما يتعلق بكيفية إخراج الشيخين للراوي المتكلم فيه، وغير ذلك مما يدور حول هذا المعنى في قسم مناهج الأئمة. - محمد بن عبد الله بن مروان: "الفوائد" (ص 164)، وصوابه: محمد بن عبيد الله بن مروان، وسيأتي. [678] محمد بن عبد الملك الأنصاري أبو عبد الله المدني: "الفوائد" (ص 96): "كذاب وضاع". [679] محمد بن عبد الملك الهمذاني في "تاريخه": "التنكيل" (1/ 345): "لا أعرف ما حاله، وقد ذكر ابن حجر أنه بالغ" -يعني في ذكر حكاية لابن برهان العكبري. [680] محمد بن عبيد الله أبي رافع الهاشمي مولاهم الكوفي: "الفوائد" (ص 343): "تالف جدًّا". [681] محمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي أبو عبد الرحمن الكوفي: "الفوائد" (ص 270): "متروك". وفي (ص 394): "مجمع على تركه".

[682] محمد بن عبيد الله بن مروان بن محمد بن هشام أبو النصر الضرير الأموي ثم المرواني ثم السليماني

[682] محمد بن عبيد الله بن مروان بن محمد بن هشام أبو النصر الضرير الأموي ثم المرواني ثم السليماني: "الفوائد" (ص 164): "له ترجمة في "اللسان" (5/ 274) رقم (937) (¬1) وفيها الإشارة إلى هذا الخبر (¬2)، ويظهر منها أن محمدًا هذا لم يكن بثقة، ولكن كان له سماع ثابت في بعض الكتب، أما هذا الخبر فحدث به من حفظه كما قال تمام". اهـ. [683] محمد بن عبيد بن أبي أمية الطنافسي أبو عبد الله الكوفي الأحدب: "التنكيل" (217) قال أحمد: "يخطىء ولا يرجع عن خطئه". قال الشيخ المعلمي: الظاهر أن خطأه إنما كان في اللحن، فقد وصف بأنه يلحن، فأما الثقة، فقد وثقه أحمد نفسه، وابن معين، وابن عمار، والنسائي، والعجلي، وابن سعد، والدارقطني، وغيرهم، وقال ابن المديني: "كان كيّسا"، واحتج به الشيخان في "الصحيحن" وبقية الأئمة". اهـ. وقال المعلمي في ترجمة المسيب بن واضح من "التنكيل" رقم (245): "ذكر الخطيب في "الكفاية" (ص 143 - 147) ما يتعلق بخطأ الراوي وبعدم رجوعه، فذكروا أنه يُردُّ رواية من كان الغالب عليه الغلط، ومن يغلط في حديث مجتمع عليه فينكر عليه فلا يرجع. ومعلوم من تصرفاتهم ومن مقتضى أدلتهم أن هذا حكم الغلط الفاحش الذي تعظم مفسدته، فلا يدخل ما كان من قبيل اللحن الذي لا يفسد المعنى، ومن قبيل ¬

_ (¬1) وقع في الطبعة الهندية من "اللسان" -وعليها يعتمد المعلمي-: بن عبد الله والصواب أنه: ابن عبيد الله، بالتصغير، كما في النسخة المطبوعة على خمس نسخ خطية (6/ 336) وكما يدل عليه ترتيب التراجم. (¬2) هو خبر: "الجبن دواء، والجُوز داء، فإذا اجتمعا كانا شفاء".

[684] محمد بن أبي عتاب البغدادي أبو بكر الأعين

ما كان يقع من شعبة من الخطأ في الأسماء، وما كان يقع من وكيع وأشباه ذلك، وكما وقع من مالك، كان يقول في عمرو بن عثمان: "عمر بن عثمان" وفي معاوية بن الحكم: "عمر بن الحكم" وفي أبي عبد الله الصنابحى: "عبد الله الصنابحي". وقد جاء عن معن بن عيسى أنه ذكر ذلك لمالك فقال مالك: "هكذا حفظنا وهكذا وقع في كتابي، ونحن نخطىء، ومن يسلم من الخطأ؟ ". فلم يرجع مالك مع اعترافه باحتمال الخطأ". اهـ. [684] محمد بن أبي عتاب البغدادي أبو بكر الأعْين: "التنكيل" (218) قال ابن معين: "لم يكن من أهل الحديث". قال المعلمي: "هذه كلمة مجملة، وقد فسرها الخطيب بقوله: "يعني لم يكن بالحافظ للطرق والعلل، وأما الصدق والضبط فلم يكن مدفوعًا عنه" (¬1) وقال الإمام أحمد: "رحمه الله تعالى، مات ولا يعرف إلا الحديث، ولم يكن صاحب كلام، وإني لأغبطه". وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وأخرج له مسلم في مقدمة "صحيحه" (¬3). اهـ. [685] محمد بن عثمان بن أبي شيبة: "التنكيل" (219) راجع ما يتعلق بنقد روايات الجرح والتعديل، والبحث المتعلق بالجرح الغير مُفسّر مع تقديم التوثيق عليه، من قسم القواعد. ¬

_ (¬1) إن كان هذا هو اصطلاح المتقدمين -ومنهم ابن معين- فالظاهر أن المتأخرين إذا أطلقوا هذا الوصف إنما يُعنون به أنه لم يكن مشتغلًا بالحديث وسماعه وروايته وتد يكون من أهل الفقه أو اللغة أو القراءة ونحو ذلك. (¬2) ووثقه الخطيب (2/ 183). (¬3) وأبو زرعة وأبو حاتم وأبو داود في غير "السنن" وجماعة.

[ز 16] محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أبو عبد الله المروزي

[ز 16] محمد بن علي بن الحسن بن شقيق أبو عبد الله المروزي: "التنكيل" رقم (221) قال الكوثري: "يكفي في إثبات أنه ليس بالقوي إعراض الشيخين عن إخراج حديثه في "الصحيح" مع روايتهما عنه خارج "الصحيح". فقال الشيخ المعلمي: "ليس هذا بشيء، فمن شأنهما في "الصحيح" أن يتطلبا العلو ما وجدوا إليه سبيلا، ولا يرضيان بالنزول إلا أن يتفق لهما حديث صحيح تشتد الحاجة إلى ذكره في "الصحيح"، ولا يقع لهما إلا بنزول، فلم يتفق لهما ذلك هنا. وهذا الرجل سِنُّهُ قريبٌ من سنهما، فروايتهما عنه نزول، وهناك وجوه أخر لعدم إخراجهما للرجل في "الصحيح"، راجع ترجمة "إبراهيم بن شماس"، ولهذا لم يلتفت المحققون إلى عدم إخراجهما للرجل في "الصحيح"، فلم يعدوا عدم إخراجهما الحديث دليلا على عدم صحته , ولا عدم إخراجهما للرجل دليلا على لينه. ومحمد هذا وثقه النسائي، والنسائي ممن قد يفوق الشيخين في التشدد كما نبهوا عليه في ترجمته، ووثقه غيره أيضا، وروى عنه أبو حاتم وقال: "صدوق"، وأبو زرعة ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما مر في ترجمة أحمد بن سعد، وابن خزيمة وهو لا يروي في "صحيحه" إلا عن ثقة. والله الموفق. اهـ. [686] محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي: "الفوائد" (ص 409): قال السيوطي في "اللآلىء": "وثقه الخطيب في تاريخه". فقال الشيخ المعلمي: "إنما قال الخطيب (3/ 57) "أخبرنا محمد بن علي الدقاق قال: قرأنا على الحسن" الصواب الحسين "بن هارون عن أبي" الصواب: ابن "سعيد" وهو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، يروي الخطيب من "تاريخه" بهذا الإسناد "قال" ابن عقدة: "محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي سكن

[687] محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي

بغداد، سمعت محمد بن منصور يقول: كان محمد بن علي بن خلف ثقة مأمونًا حسن العقل". فهذا قول محمد بن منصور، ولم يتبين من هو، والظاهر أنه من تمامِ حكاية ابن عقدة, فعلى هذا: لا يثبت عن محمد بن منصور؛ لأن ابن عقدة رافضي متهم، ومحمد بن علي بن خلف هذا رافضي، لأنه كوفي، وروايته تدل على ذلك (¬1)، وعلى كل حال فكلام ابن عدي هو المعتمد" (¬2). اهـ. [687] محمد بن علي بن عطية أبو طالب المكي: "التنكيل" (222) قال الخطيب (ج 3 ص 89): "صنف كتابًا سماه "قوت القلوب" على لسان الصوفية، ذكر فيه أشياء (¬3) منكرة مستشنعة في الصفات .. قال العتيقي: وكان رجلًا صالحًا مجتهدًا في العبادة". قال المعلمي: يراجع كتابه فقد يكون المستنكر إنما هو من رأيه، لا روايته، فإذا كان كذلك فقد مرّ تحقيقه في القواعد (¬4). اهـ. ¬

_ (¬1) حديثه المشار إليه: "أن عمار بن ياسر قال لأبي موسى -رضي الله عنه- سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يلعنك. قال إنه استغفر لي قال عمار: شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار". (¬2) يعني قول ابن عدي: أن البلاء في هذا الحديث من ذاك العطار. وذكره ابن الجوزي في موضوعاته. (¬3) هذه الأشياء تحتمل أن تكون أقوال وآراء ومذاهب له ولغيره من هؤلاء الصوفية, وتحتمل أن تكون روايات وأخبار بإسناده سواء مرفوعة أو موقوفة أو مقطوعة، وعلى هذين الاحتمالين بنى المعلمي ما يأتي من الكلام، فاحتمل الأمر الأول منهما، وهو الموافق لما طالعته في الكتاب المذكور. (¬4) قال الخطيب: حدثني عنه محمد بن المظفر الخياط وعبد العزيز بن علي الأزجي. وترجم له الذهبي في وفيات سنة (386 هـ) من "تاريخ الإسلام" وقال: رأيت أربعين حديثًا لأبي طالب وبخطه، قد أخرجها بأسانيده, وروى فيها عن عبد الله بن جعفر بن فارس إجازة، وروى في أولها: "مَنْ حفظ على أمتي أربعين حديثًا" من خمسة أوجه, وقد خرج فيها.

[688] محمد بن عمر أبو بكر الجعابي الحافظ قاضي الموصل التميمي البغدادي

[688] محمد بن عمر أبو بكر الجعابي الحافظ قاضي الموصل التميمي البغدادي: "التنكيل" (1/ 123): "متكلم فيه" (¬1). [689] محمد بن عيسى بن القاسم بن سميع القرشي الأموي أبو سفيان الدمشقي مولى معاوية بن أبي سلام: استُنْكر عليه حديث دلّسه عن رجل كذاب، وقد رواه عن ابن سميع: هشامُ بن عمار، فبحث الشيخ المعلمي فيما يتعلق بالحكاية الواردة في تدليس هذا الخبر، ومال إلى الحمل على هشام في تدليسه، راجع بحثه ذاك مع التعليق عليه في ترجمة هشام من هذا الكتاب. [690] محمد بن عيسى بن كيسان أبو يحيى الهلالي: "الفوائد" (ص 459)، قال السيوطى في "اللآلىء": "لم يتهم محمد بن عيسى بكذب، بل وثقه بعضهم فيما نقله الذهبي، وقال ابن عديّ: أنكر عليه هذا الحديث (¬2)، وحديث آخر، والحديث أخرجه أبو الشيخ في "العظمة"، والبيهقي في "شعب الإيمان"، واقتصر الحفاظ على تضعيفه". ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "الميزان" (ت 8006): من أئمة هذا الشأن ببغداد، على رأس الخمسين وثلاثمائة، إلا أنه فاسق رقيق الدين، .. وكان أحد الحفاظ المجودين، تخرج بابن عقدف وله مصنفات كثيرة، وله غرائب، وهو شيعي. وانظر "تاريخ بغداد" (3/ 26). (¬2) هو ما يروى: "أنه قَلَّ الجراد في سنة من سني عمر التي وُلي فيها، فسأل عنه فلم يخبر بشيء, فاغتم لذلك، فارسل راكبًا إلى اليمن، وراكبًا إلى الشام، وراكبًا إلى العراق يسأل: هل رئي من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه الراكب من قبل اليمن بقبضة من الجراد فألقاها بين يديه. فلما رآها كبر ثلاثا، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: خلق الله سبحانه ألف أمّة منها: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البرّ. فأول شيء يهلك من هذه الأمم الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". رواه أبو يعلى، وقال ابن حبان: موضوع، محمد بن عيسى بن كيسان يروي عن ابن المنكدر العجائب ..

[691] محمد بن غالب تمتام أبو جعفر الدقاق بغدادي

قال الشيخ المعلمي: "كلامهم في محمد بن عيسى شديد مع إقلاله، والخبر منكر جدًّا، والأمم أكثر مما ذكر. وقد انقرض منها أنواع، ومنها ما يتوقع انقراضه قبل الجراد". اهـ. [691] محمد بن غالب تمتام أبو جعفر الدقاق بغدادي: "الفوائد" (ص 150): "صاحب أوهام". [692] محمد بن فليح بن سليمان الأسلمي أو الخزاعي المدني: "التنكيل" (229) راجع ترجمة والده فليح بن سليمان. [693] محمد بن القاسم بن زكريا المحاربي الكوفي: "الفوائد" (ص 503): "ليس بثقة". [694] محمد بن القاسم الأسدي أبو إبراهيم الكوفي شامي الأصل لقبه: كاو: "الفوائد" (ص 30)، قال أحمد: "أحاديث محمد بن القاسم موضوعة، ليس بشيء، رميْنا بحديثه". فقال السيوطي في "اللآلىء": "وقد وثقه ابن معين". فقال الشيخ العلامة المعلمي رحمه الله: "ثبت تكذيبه من أوجه عن أحمد، وتابعه البخاري وغيره، وكذبه أيضا أبو داود وغيره. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "ثقة وقد كتبت عنه". وعادة ابن معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئة الشيخ يسمع منه جملة من أحاديثه، فإذا رأى أحاديث مستقيمة ظن أن ذلك شأنه فوثقه، وقد كانوا يتقونه ويخافونه.

[695] محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم أبو يوسف الصنعاني نزيل المصيصة

فقد يكون أحدهم ممن يخلط عمدًا ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة، ولما بعد عنه خلط، فإذا وجدنا ممن أدركه ابن معين من الرواة من وثقه ابن معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا، فالظاهر أنه من هذا الضرب، فإنما يزيده توثيق ابن معين وهنًا؛ لدلالته على أنه كان يتعمد. اهـ. [695] محمد بن كثير بن أبي عطاء الثقفي مولاهم أبو يوسف الصنعاني نزيل المصيصة: "الفوائد" (ص 80): "ليّن جدًّا (¬1)، كثير الغلط (¬2)، وذكروا أنه اختلط" (¬3). وترجم له الشيخ المعلمي في "التنكيل" (231). وفيه: "قال الإمام أحمد (¬4): "لم يكن عندي ثقة، بلغني أنه قيل له: كيف سمعت من معمر؟ قال: سمعت منه باليمن، بعث بها إليّ إنسان من اليمن". فقال الشيخ المعلمي: "فهذه حجة أحمد، حمل الحكاية علي أن محمد بن كثير لم يسمع من معمر (¬5)، وإنما بعث إليه إنسان بصحيفة من اليمن فيها أحاديث عن معمر فظن ¬

_ (¬1) قاله البخاري "تهذيب الكمال" (26/ 333). (¬2) وصفه بذلك صالح جزرة والنسائي، والساجي، وغيرهم. (¬3) قاله ابن سعد في "طبقاته" (7/ 489) بلفظ: "يذكرون أنه اختلط في آخر عمره" وسيأتي. ولم أر من ذكر ذلك غير ابن سعد، ولم يسنده ففي ثبوت ذلك نظر، والله تعالى أعلم. (¬4) من رواية ابنه صالح عنه. "الجرح والتعديل" (8 / ت 309). (¬5) لكن قال عبد الله بن أحمد: ذكر أبي محمد بن كثير المصيصي فضعفه جدًّا، وقال: سمع من مَعْمر، ثم بعث إلى اليمن فأخذها فرواها، وضعف حديثه عن مَعْمر جدًّا، وقال: هو منكر الحديث، أو قال: يروي أشياء منكرة. "العلل ومعرفة الرجال" (5109)، وعنه العقيلي: (4/ 128). فقول أحمد: "سمع من مَعْمر"، صريح في أنه لم يحمل الحكاية على عدم السماع. وإنما محمل الحكاية عنده -فيما يظهر- على أمرين: الأول: أنه ليس فيما بلغه عن محمد بن كثير أن ذاك الذي بُعث إليه من اليمن إنما هو كتابه الذي كتبه عن معمر، وإنما فيما بلغه عنه قوله: سمعت من معمر، ولم يقل كتبت عن معمر، فالحكاية فيها سماع فقط، فما ذاك الكتاب؟ =

محمد بن كثير أن ذلك يقوم مقام السماع من معمر، وليس هذا بالبين؛ إذ قد يكون مراده: "سمعت منه باليمن وتركت أصلي باليمن، ثم بعث به إليّ". اهـ. وقال أبو حاتم: "كان رجلًا صالحًا سكن المصيصة، وأصله من صنعاء اليمن، كان في حديثه بعض الإنكار". وقال أيضًا: "سمعت الحسن بن الربيع يقول: محمد ابن كثير اليوم أوثق الناس، وينبغي لمن يطلب الحديث لله تعالى أن يخرج إليه، كان يُكْتبُ عنه وأبو إسحاق الفزاري حي، وكان يُعرف بالخير مذ كان". وقال ابن الجنيد عن ابن معين: "كان صدوقًا" وقال عبيد بن محمد الكشوري عن ابن معين: "ثقة". وقال ابن سعد: "كان ثقة ويذكرون أنه اختلط في أواخر عمره". وقال ابن حبان في "الثقات": "يخطىء ويغرب" وقال أبو داود: "لم يكن يفهم الحديث". وقال أبو حاتم: "ودُفع إلى محمد بن كثير كتاب من حديثه عن الأوزاعي، فكان يقول في كل حديث منها: ثنا محمد بن كثير عن الأوزاعي"! وقال الذهبي: "هذا تغفيل يسقط به الراوي" (¬1). ¬

_ = الثاني: قول محمد بن كثير فيما بلغ أحمد: بعث بها إليَّ إنسان من اليمن، فَمَنْ هذا الإنسان؟ وما علاقته بذاك الكتاب؟ فمحمد بن كثير على فرض أنه قد سمع من معمر، إلا أنه ليس ثمة دليل على أنه قد كتب عنه، وليس هو ممن وُصف بالحفظ حتى يُعتمد على حفظ ما قد سمع، وروايته عن معمر من كتاب أُرسل إليه لا يُدرى مَنْ مُرْسله، ولا يُدرى سماع مَنْ هو، يُسْقِطُ الثقة به جملةً؛ يؤيد ذلك وقوع المناكير في رواية محمد بن كثير عن معمر، مما يدل على وهن هذا الكتاب، ومما يدل على سقوط الاحتجاج بمحمد في هذا وفي غيره -فإن له مناكير عن غير معمر كالأوزاعي- وصنيعه هذا يُسْفر عن تساهل قادح في روايته وتثبته, والأئمة يغمزون الرواة بأقل من هذا. إلا أن وصفهم له بالصدق والصلاح يدل على أنه كان لا يتعمد، بل الظاهر أنه كان مغفلا، لا يفهم الحديث -كما قال أبو داود-، وكما تدل عليه الحكاية الآتية عن أبي حاتم، والله تعالى أعلم. (¬1) "الميزان" (4 / ت 8100)، وقال في "السير" (10/ 383): "هذا هو التدميغ، وبكل حال، فيُكتب حديثه، أما الحجة به فلا تنهض". اهـ. وقال في وفيات سنة (216) من "تاريخ الإسلام": "كان مغفلًا" ثم ساق هذه الحكاية.

فقال الشيخ المعلمي: أما السقوط فلا، وقد انتقدوا عليه أحاديث ذكرها الذهبي في "الميزان": الأول: روى عن الثوري عن إسماعيل عن قيس عن جرير: أظنه -شك ابن كثير- فذكر حديثًا. قالوا: الصواب بالسند عن قيس عن دكين. وقد شك محمد ابن كثير وبيّن شكّهُ، وليس من شرط الثقة أن لا يشك. الثاني: حديث في قراءة "يس" رفعه محمد بن كثير وصوبوا أنه مرسل، وهذا خطأ هيّن يحتمل للمكثر. الثالث: حديث رواه عن الأوزاعي عن ابن عجلان عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: "إذا وطىء أحدكم الأذى بخفيه .. " رواه هكذا أبو داود من طريق محمد بن كثير، ورواه آخرون عن الأوزاعي، قال: أُنبئت أن سعيدًا المقبري حدّث عن أبيه .. ". وليس في هذا ما يقطع به بالوهم، فإن كان وهم فمثله يحتمل للمكثر؛ لأن الأوزاعي مما يروي عن ابن عجلان عن سعيد المقبري. الرابع: أخرج الترمذي عن الحسن بن الصباح عن محمد بن كثير -زاد في بعض النسخ: العبدي (؟) - عن الأوزاعي عن قتادة عن أنس قال: رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- أبا بكر وعمر فقال: هذان سيدا كهول الجنة .. ". قال الترمذي: "حسن غريب من هذا الوجه" ثم أخرجه من حديث علي. وهذا الحديث ذكر في "الميزان" و"التهذيب" -في ترجمة محمد بن كثير المصيصي وأنه أُنكر عليه ذُكر لابن المديني فقال: "كنت أشتهي أن أرى هذا الشيخ، فالآن لا أحب أن أراه" (¬1). وأحسب أبا حاتم وابن حبان إنما أشارا إلى هذا الحديث؛ إذ قال الأول: ¬

_ (¬1) حكى ابن أبي حاتم هذا لأبيه، فقال: صدق، فإن قتادة عن أنس لا يجىء هذا المتن. "علل الرازي" (2681).

[696] محمد بن كثير العبدي أبو عبد الله البصري

"في حديثه بعض الإنكار" وقال الثاني: "يغرب" (¬1). والحديث مذكور من حديث علي -رضي الله عنه-، ووهمُ محمد بن كثير في إسناده لا يسقطه بل حقه أن يتقى ما يظهر أنه وهم فيه، ويحتج به فيما توبع عليه، وينظر فيما تفرد به وليس بمنكر والله أعلم. اهـ. [696] محمد بن كثير العبدي أبو عبد الله البصري: "التنكيل" (230) راجع مبحث: "تعارض الجرح والتعديل" و"دلالات نفي التوثيق عند الأئمة" من قسم القواعد من هذا الكتاب. [697] محمد بن كثير الكوفي أبو إسحاق القريشي: "الفوائد" (ص 400): "هالك، تصنع لابن معين بأحاديث مستقيمة فظن ابن معين أن ذلك شأنه فأثنى عليه، ثم ذُكر له بعض مناكيره فقال: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب" (¬2). وقال أحمد: "حرقنا حديثه". وقال ابن المديني: "كتبنا عنه عجائب وخططت على حديثه". ¬

_ (¬1) وذكر له العقيلي (4/ 128) حديثًا آخر رواه عن معمر، قد أخطأ في إسناده. وذكر النسائي في "المجتبى" (6/ 111) ما رواه بشر بن المفضل قال: حدثنا حميد عن الحسن عن عمران بن حصين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام، ومن انتهب نهبة فليس منا". ثم روى عن علي بن محمد بن علي: حدثنا محمد بن كثير عن الفزاري عن حميد عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام". ثم قال النسائي: هذا خطأ فاحش، والصواب حديث بِشر. اهـ. (¬2) قال ابن الجنيد (887): "قلت ليحيى: محمد بن كثير الكوفي؟ قال: ما كان به بأس كان قدمَ فنزل ثَمَّ عند نهركم ذاك. فظننت أنا أنه يعني نهر كرخايا. قلت: إنه روى أحاديث منكرات. قال: ما هي؟ قلت: -وذكر حديثين- فقال: إن كان الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيمًا". اهـ.

[698] محمد بن كثير الفهري الشامي

[698] محمد بن كثير الفهري الشامي: "الفوائد" (ص 80): "متروك". [699] محمد بن المتوكل بن عبد الرحمن القرشي الهاشمي مولاهم العسقلاني المعروف بابن أبي السّريّ: "التنكيل" (2/ 109 - 110) قال أبو داود في "السنن": "حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن أبي السريّ العسقلاني -وهذا لفظه وهو أتمّ- قالا: ثنا ابن نمير عن محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال: قطع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم". قال المعلمي: "هذا لفظ ابن أبي السّريّ كما صرح به أبو داود، وابن أبي السّري وإن حكى ابن الجنيد أن ابن معين وثّقهُ (¬1) فقد قال أبو حاتم: "ليّن الحديث". وقال مسلمة: "كان كثير الوهم وكان لابأس به". وقال ابن وضاح: "كان كثير الحفظ كثير الغلط". وقال ابن عديّ: "كثير الغلط". والمحفوظ عن ابن نمير كما تقدم: نا شعيب بن أيوب نا عبد الله بن نمير .. " (¬2) والظاهر أن لفظ عثمان بن أبي شيبة هكذا. اهـ. [700] محمد بن مجيب الثقفي الكوفي الصائغ نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 175): "كذاب". [701] محمد بن محمد بن سليمان أبو بكر الباغندي الحافظ: "التنكيل" رقم (232) راجع الكلام على "التدليس" من قسم القواعد، وفيه: أنّ البعض يطلق على الفاحش منه اسم الكذب، بل والسرقة، وأن استقامة حديث ¬

_ (¬1) "سؤالاته" (554)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 88) وقال: كان من الحفاظ. (¬2) بلفظ: "كان ثمن المجن يقوم على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عشرة دراهم" "سنن الدارقطني" (3/ 192 , رقم 324) وغيره.

[702] محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي

المدلس وخلوه من المناكير تدل على أنه كان لا يدلس إلا فيما لا شبهة في صحته عمن يسميه .. إلى غير ذلك من الأبحاث. [702] محمد بن مسلم بن تدرس الأسدي مولاهم أبو الزبير المكي: قال الشيخ المعلمي في كتاب "عمارة القبور" (ص 205 - 219): قال الشافعي: "يحتاج إلى دعامة" (¬1). ومعنى ذلك أن فيما انفرد به نكارة. وقال أبو زرعة وأبو حاتم: "لا يُحتج به". وهذه الكلمة من المرتبة التي تلي أخف مراتب الجرح، وصاحبها صالح للمتابعة. وقال شعبة: "رأيته يزن ويسترجح في الميزان" (¬2). وأجاب عن هذه: ابن حبان؛ بأن ذلك لا يقتضي الترك (¬3). أقول: وغايةُ هذه المنافاةُ لكمال المروءة، وليس ذلك بجرح. وروى عنه سويد بن عبد العزيز أنه قال: "لا يحسن يصلي" (¬4). وسويد ضعيف. وقال شعبة: "بينا أنا جالس عنده، إذ جاء رجلٌ، فسأله عن مسألة، فردّ عليه، فافترى عليه، فقلت له: يا أبا الزبير، أتفتري على رجل مسلم؟ قال: إنه أغضبني. قلت: ومن يغضبك تفقري عليه، لا رويت عنك حديثًا أبدًا" (¬5). ¬

_ (¬1) "الجرح" (8/ 76). (¬2) "ضعفاء العقيلي" (4/ 130). (¬3) قال في "الثقات" (5/ 351 - 352): "لم يُنصف من قدح فيه؛ لأن من استرجح في الوزْن لنفسه لم يستحق الترك لأجله". (¬4) "الجرح". (¬5) "تهذيب التهذيب" (9/ 442).

أقول: الافتراء حقيقتة مطلق الكذب، ولكنّ ظاهر السياق أنّه سبّه، والافتراء إذا أطلق في حكاية السب، فالظاهر أنه أريد به القذف، والقذفُ كبيرة تُسقط العدالة. وجوابه: 1 - أن الافتراء ليس نصًا في القذف، فقد يراد به مطلق السب، ولاسيما إذا كان شنيع اللفظ، كالإعضاض، وعليه قد يكون السائل أساء الأدب فأعضه أبو الزبير. وقد جاء في الحديث: "من تعزّى بعزاء الجاهلية، فأعضّوه بِهِنُ أبيه، ولا تكنوا" (¬1). ¬

_ (¬1) رُوي من طرق عن عوف بن أبي جميلة الأعرابي، عن الحسن البصري، عن عُتَيِّ بن ضمرة السعدي، عن اْبي بن كعب: "أن رجلا اعتزى بعزاء الجاهلية فأعضه ولم يكنه .. وقال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من تعزَّى .. الحديث. رواه أحمد في "المسند" (5/ 136) وغيره. وأعقبه أحمد برواية يونس -وهو ابن عبيد- عن الحسن، عن عُتَيِّ: أن رجلا تعزَّى بعزاء الجاهلية - فذكر الحديث، قال أُبي: كنا نُؤمر إذا الرجل تعزَّى بعزاء الجاهلية فأعضوه بهن أبيه ولا تكنوا. والحسن مدلس، ولم يصرح بسماعه من عُتِي. وعُتَيُّ بن ضمرة إنما وثقه ابن سعد والعجلي، وقال: روى عنه الحسن ستة أحاديث، ولم يرو عنه غيره. لكن ذكر ابن الجنيد عن ابن معين: روى قرة بن خالد عن عبد الله بن عتي بن ضمرة عن أبيه. وقال ابن المديني: مجهول، سمع من أبي بن كعب أحاديث لا نحفظها إلا من طريق الحسن، وحديثه يشبه حديث أهل الصدق، وإن كان لا يعرف "تهذيب التهذيب" (7/ 104). والحديث رواه ابن السني في "عمل اليوم والليلة" (433) من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن مكحول عن عجر [د] بن مدراع التميمي قال: يا آل تميم -وكان من بني تميم- فقال وهو عند أبي بن كعب، فقال أُبي: أعضك الله بهِنُ أبيك .. قال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا: مَنِ اعتزى بعزاء الجاهلية .. وسعيد بن بشير ضُعِّف، لاسيما في قتادة فإنه يروي عنه المنكرات، وما لا يتابع عليه، كما قاله محمد بن عبد الله بن نمير "الجرح" (4 / ص 7)، وابن حبان "المجروحين" (1/ 319). وقتادة والحسن مدلسان، والحسن لا تعرف له رواية عن مكحول، فالإسناد غريب شاذ. =

2 - وعلى تسليم أن شعبة أراد بها القذف، فلم يُبيِّنْ لفظ أبي الزبير، فيحتمل أنه قال كلمة يراها شعبة قذفًا، وغيره لا يوافقه، ولهذا قال الفقهاء: إذا قال الشاهد: أشهد أنّ فلانًا قذف فلانًا، لم يقبل حتى يفسر. ولا يرِدُ على هذا قولُ شعبة: أتفتري .. الخ، وسكوتُ أبي الزبير عن نفي ذلك؛ لأن شعبة قد يكون إنما قال له: "أتقول هذا لرجل مسلم" ثم أخبر شعبة عن ذلك بالمعنى على رأيه. أو يكون أبو الزبير ترك نفي ذلك؛ لأنه على كل حال قد أخطأ، فرأى الأول الاعتذار بأنها كلمة جرتْ على لسانه لشدة الغضب، وهذا عذرٌ صحيح، كما يأتي إن شاء الله. ¬

_ = ومكحول لم يدرك أُبي بن كعب. وللحديث إسناد آخر، رواه عبد الله بن أحمد في "زوائد المسند" (5/ 133) قال: ثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي ثنا سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أُبي -رضي الله عنه-: "أن رجلا اعتزى فأعضه أبي بهن أبيه، فقالوا: ما كنت فحاشًا. قال: إنا أمرنا بذلك" شيخ عبد الله بن أحمد هو أبو بكر البصري، ترجمه الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 127) وذكر روايته عن سفيان بن عيينة، ورواية عبد الله بن أحمد عنه. وليس هو: محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رَوَّاد العتكي مولاهم، أبو جعفر البصري, المترجم في "تهذيب الكمال" (26/ 208) كما توهَّمَهُ الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1 / ص 477)؛ فإن أبا بكر نُسب باهليًا، وليس كذلك أبو جعفر، وذكر الخطيب رواية أبي بكر عن ابن عيينة وليس كذلك أبو جعفر، واتفقا في أنهما بصريان، ويروي عنهما عبد الله بن أحمد. وصاحبنا في الإسناد قد رَوى عنه جماعة، وأسند الخطيب إلى ابن عقدة قوله: سمعت عبد الرحمن ابن يوسف (وهو ابن خراش) يقول: كان ثقة. وفي الاحتجاج بما يرويه ابن عقدة في الجرح والتعديل نظر، كما قاله الخطيب وغيره. وقد ذكر الخطيب في ترجمة الباهلي هذا حديثًا من روايته عن ابن عيينة، ثم قال الخطيب: يقال لم يروه عن سفيان بن عيينة إلا محمد بن عمرو الباهلي. أقول: والظاهر أيضا أنه لم يرو حديثنا عن ابن عيينة إلا هو، وابن عيينة له أصحاب متوافرون ومنهم جملة من الأئمة المبرزين، فأين كانوا مما يتفرد به هذا البصري عن ابن عيينة. ولم يثبت في حقه توثيق معتبر، فضلا عن أن يكون من الحفاظ الذين يعتمد على تفردهم بمثل هذا. فالإسناد غريب من جهة هذا التفرد، والله تعالى أعلم.

3 - وعلى تسليم أنه قذفٌ صريحٌ، فقد يكون أبو الزبير مطلعًا على أن ذلك هو الواقع، وسكت عن ذكر ذلك لشعبة؛ لأنه على كل حال مما لا يليق، وإنما جرى أولًا على لسانه لشدة الغضب. ويستأنس لهذه الوجوه: بأنه لو كان القذف صريحًا، والمقذوف بريئًا، لذهب فشكاه إلى الوالي، والحدود يومئذ قائمة. 4 - وعلى كل حال فقد أجاب أبو الزبير عن نفسه بقوله: "إنه أغضبني". أي: فلشدة الغضب جرت على لسانه -وهو لا يشعر- كلمة مما اعتاد الناس النطق به. وقد جاء في الحديث: "لا طلاق في إغلاق" (¬1) وفُسِّر الإغلاق: بشدة الغضب، وقال الله سبحانه: {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} (¬2). وقال تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (¬3). وفي حديث مسلم عن أنس مرفوعًا: "لله أشد فرحًا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم .. ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" (¬4). 5 - قال الذهبي في "الميزان" في ترجمة ابن المديني: "ثم ما كُلُّ من فيه بدعة أو له هفوة أو ذنوب يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصومًا من الخطايا والخطأ". ¬

_ (¬1) في أسانيده كلام. (¬2) المائدة - آية رقم: (89). (¬3) الأحزاب - آية رقم: (5). (¬4) (4 / ص 2104 - 2105).

وفي "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 46): "قال ابن القشيري: والذي صح عن الشافعي أنه قال: في الناس من يمحض الطاعة فلا يمزجها بمعصية، وفي المسلمن من يمحض المعصية ولا يمزجها بالطاعة, فلا سبيل إلى ردِّ الكُلِّ، ولا إلى قبول الكُلِّ، فإن كان الأغلب على الرجل من أمره الطاعة والمروءة قبلت شهادته وروايته، فإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة رددتها". وفيه من جملة كلام عن الرازي: "والضابط فيه أن كل ما لا يؤمن من جراءته على الكذب تردُّ الرواية، وما لا فلا". وفيه قال الجويني: "الثقة هي المعتمد عليها في الخبر، فمتى حصلت الثقة بالخبر قُبل". أقول: وهذا هو المعقول، وعليه عمل الأئمة الفحول؛ فإن الحكمة في اشتراط العدالة في الرواي هي كونها مانعة له عن الكذب، فيقوى الظن بصدقه، فإذا جرت منه هفوة لا تخدش قوة الظن بصدقه، لم تخدش في قبول روايته (¬1). والحاصل أن تلك الكلمة التي سبقت على لسان أبي الزبير بدون شعوره لشدة غضبه، لا ينبغي أن يهدر بها مئات الأحاديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مع التحقق بكمال صدقه وحفظه وضبطه وتحريه وإتقانه. 6 - والظاهر من حاله، وما ثبت لدى جمهور الأئمة من عدالته، أنه تاب عنها في الوقت، وإن كانت إنما جرت على لسانه بدون شعور. ¬

_ (¬1) زيد هنا في النسخة "س" من الكتاب -والتي هي أصل المطبوع باسم "البناء على القبور"- قول المعلمي: "ومن هنا رجح الأئمة رواية الخوارج على رواية الشيعة؛ لأن الخوارج يعتقدون أن مطلق الكذب كفر، فضلا عن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ أما الشيعة فيتدينون بالكذب: "التقية" حتى جوزوها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل على الله سبحانه. لتأويلهم الآيات الواردة في مدح بعض الصحابة على خلاف ظاهرها، قائلين: إنما جعل الله تعالى ظاهرها الثناء استدراجًا لأولئك القوم ليقوموا بنصر الدين، ويكفوا ضررهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته".

ويلوح لي أن بعض أعداءه -بل أعداء الدين- دسّوا إليه ذلك السائل ليرصده، حتى إذا كان شعبة عنده، جاء فأغضبه ابتغاء أن يسبق على لسانه بكلمة، فينقمها عليه شعبة، وقد كان كذلك، ولكن حيلتهم لم تطفىء نور الله الذي في صدر أبي الزبير، فاعتمده جمهور الأئمة الأعلام، واحتجوا به. توثيق الأئمة له نقلًا عن كتب الفن: ابن المديني: "ثقة ثبت". ابن عون: "ليس أبو الزبير بدون عطاء بن أبي رباح". يعلى بن عطاء: "كان أكمل الناس عقلًا وأحفظهم". عطاء: "كنا نكون عند جابر فيحدثنا، فإذا خرجنا تذاكرنا، فكان أبو الزبير أحفظنا". ابن معين والنسائي وغيرهم: "ثقة". ابن عدي: "هو في نفسه ثقة, إلا أن يروي عنه بعض الضعفاء, فيكون الضعف من جهتهم". عثمان الدارمي: "قلت ليحيى: فأبو الزبير؟ قال: ثقة، قلت: محمد بن المنكدر أحب إليك أو أبو الزبير؟ فقال: كلاهما ثقتان". وممن وثقه: مالك فإنه روى عنه، وهو لا يروي إلا عن ثقة. وأحمد، والساجي، وابن سعد، وابن حبان. وقال الذهبي: "من أئمة العلم، اعتمده مسلم، وروى له البخاري متابعة". والظاهر أن الموثقن اطلعوا على قصة شعبة، واطلعوا على ما يدفع ما فيها من الاتهام، وفيهم: ابن معين والنسائي وابن حبان، وحسبك بهم تعنتًا، مع أن معهم بضعة عشر إمامًا.

وسيظن ظانون أنه ما حدانا إلى الدفاع عن أبب الزبير إلا حرصنا على صحة حديثه هذا (¬1)، فليعلموا أن الحجة قائمة بدونه مما مضى وما سيأتي، وأن أبا الزبير لم تكن روايته قاصرة على هذا الحديث، فدِفاعُنا عنه هنا يلزمُنا أن نقبلهُ لنا وعلينا، وهذا مما يُلْزِمُناهُ الحق نفسه، والله أعلم. اهـ. وقال المعلمي في كتاب "الاستبصار في نقد الأخبار" (ع 38 - 39) عند الكلام على ما يُسقط العدالة: "ما تقرر في الشرع أنه كبيرة إذا وقع من الإنسان فلْتةً، كمنْ أغضبه إنسانٌ فترادّا الكلام حتى قذفه على وجه الشتم، ففي الحُكْمِ بفسقه نظرٌ؛ لأن مثل هذا لا يوجب سوء ظنِّ النّاسِ بالمشتوم، فإن سامِع مثل هذا قد يفْهم منه الشتم فقط، لا أنّ الشاتم يُثبتُ نِسْبة الفاحشة إلى المشتوم. والذي يدفع الإشكال من أصله أن يتوب ويستغفر، فعلى فرض أنها كبيرة فقد تاب منها، وقد تقرّر في الشرع أن التوبة تجبّ ما قبلها، وأن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. وعلى هذا يحمل ما رُوي عن أبي داود الطيالسي، عن شعبة, أنه ذكر أبا الزبير: محمد ابن مسلم بن تدرس، وسماعه منه قال: "فبينا أنا جالس عنده إذ جاعه رجل فسأله عن مسألة فردّ عليه، فافترى عليه، فقلت له: يا أبا الزبير تفتري على رجل مسلم؟! قال: إنه أغضبني، قلت: ومن يغضبك تفتري عليه؟! لا رويت عنك شيئًا". ذكر هذا في ترجمة أبي الزبير في "التهذيب"، لكن قال في ترجمة: "محمد بن الزبير التميمي" "وأسند ابن عديّ من طريق أبي داود الطيالسي، قلت لشعبة: ما لك لا تحدث عن محمد بن الزبير؟ فقال: مرّ به رجل فافترى عليه, فقلت له فقال: إنه غاظني". ¬

_ (¬1) هو حديث النهي عن تقصيص القبور والبناء عليها.

[703] محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي

واتفاق القصة لكل من الرجلين: "محمد بن الزبير"، و"محمد بن مسلم بن الزبير" ليس بممتنع، لكن تقارب الاسمين يقرب احتمال الخطأ، والله أعلم". اهـ. [703] محمد بن مسلم بن سوسن الطائفي: "التنكيل" (2/ 168): "استشهد به صاحبا "لصحيح"، ووثقه ابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان وغيرهم. وقال ابن معين مرّة: "ثقة لا بأس به وابن عيينة أثبت منه، وكان إذا حدث من حفظه يخطىء وإذا حدث من كتابه فليس به بأس، وابن عيينة أوثق منه في عمرو بن دينار، ومحمد بن مسلم أحب بلى من داود العطار في عمر". وداود العطار هذا هو داود بن عبد الرحمن ثقة متفق عليه وثقه ابن معين وغيره. وقال عبد الرزاق: "ما كان أعجب محمد بن مسلم إلى الثوري، وقال البخاري عن ابن مهدي: "كتبه صحاح" (¬1). وقال ابن عدي: "لم أر له حديثا منكرًا". وضعّفهُ أحمد (¬2)، ولم يبين وجه ذلك، فهو محمول على أنه يخطىء فيما يحدث به من حفظه. فأما قول الميموني: "ضعفه أحمد علي كل حال من كتاب وغير كتاب" (¬3)، فهذا ظن الميموني، سمع أحمد يطلق التضعيف فحمل ذلك على ظاهره, وقد دل كلام غيره من الأئمة على التفصيل". اهـ. ¬

_ (¬1) هذا الوصف يشير إلى ضعفٍ في الحفظ، فما حدَّث من كتابه فهو أصح. (¬2) من رواية ابنه عبد الله عنه: "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 32، 270). (¬3) هكذا نقله المعلمي من "تهذيب التهذيب" (9/ 445) ولفظه كما رواه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 134) قال الميموني: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: "إذا حدَّث محمد بن مسلم من غير كتاب يعني أخطأ، قلت: الطائفي؟ قال: نعم، ثم ضعفه على كل حال من كتاب وغير كتاب فرأيته عنده ضعيفًا". اهـ. وهذا واضح في أن الميموني قد اطَّلع من أحمد على حَالَيْن بشأن محمد بن مسلم، وأن الأمر ليس ظنًا ولا تخمينًا، ويؤيده رواية عبد الله عن أبيه إطلاق الضعف على محمد، ولا يُلزمُ أحمدُ برأي غيره من الأئمة ولهذا نظائر مستفيضة في تباين أنظار الأئمة في رواة الحديث، والله تعالى أعلم.

[704] محمد بن مسلمة الواسطي

[704] محمد بن مسلمة الواسطي: "الفوائد" (ص 78): "ضعيف". [705] محمد بن المظفر بن إبراهيم أبو الفتح الخياط: "التنكيل" (233) قال الخطيب: "كتبت عنه في سنة (413) وهو شيخ صدوق كان يسكن دار إسحاق، ولا أعلم كتب عنه أحد غيري". قال المعلمي: "يكفي هذا الرجل رواية الخطيب وتصديقه". اهـ. [706] محمد بن معاوية الزيادي البصري، يلقب: عصيدة: ترجمته في "التنكيل" (234) قال الكوثري: والزيادي ممن أعرض عنهم الأئمة الستة في أصولهم، وعادة ابن حبان في التوثيق معروفة". فقال الشيخ المعلمي: "قد قدمنا مرارًا أن كونهم لم يخرجوا للرجل ليس بدليل على وهنه عندهم ولا سيما من كان سنه قريبًا من سنهم وكان مقِلًّا كهذا الرجل، فإنهم كغيرهم من أهل الحديث إنما يُعنون بعلو الإسناد ولا ينزلون إلا لضرورة. وقد روى النسائي عن هذا الرجل في "عمل اليوم والليلة" وقال في مشيخته: "أرجو أن يكون صدوقًا، كتبت عنه شيئًا يسيرًا". وإنما قال: "أرجو .. " لأنه إنما سمع منه شيئًا يسيرًا ولم يتفرغ لاختباره لاشتغاله بالسعي وراء من هم أعلى منه إسنادًا ممن هم في طبقة شيوخ هذا الرجل. وقد قال مسلمة بن القاسم: "ثقة صدوق" وقال ابن حبان في "الثقات": "كان صاحب حديث". فدل هذا أنه قد عرفه حق معرفته، وقد قدمنا في ترجمة ابن حبان أن مثل هذا من توثيقه توثيق مقبول، بل قد يكون أثبت من توثيق كثير من الأئمة؛ لأن ابن حبان كثيرًا ما يتعنت في الذين يعرفهم، ولم يغمزه أحد. اهـ.

[707] محمد بن موسى بن حماد البربري الأخباري

[707] محمد بن موسى بن حماد البربري الأخباري: "التنكيل" رقم (235) قال الكوثري: "قال عنه الدارقطني: إنه لم يكن بالقوي، ولم يكن يحفظ غير حديثن، أحدهما موضوع عند الأكثرين". فقال الشيخ المعلمي: "كلمة الدارقطني تعطي أنه قوي في الجملة كما مرّ في ترجمة "الحسن بن الصباح"، وأما الحفظ فليس بشرط، كان علم الرجل في كتبه ومنها يروي، وذلك أثبت من الحفظ. والحديث الذي زعم الكوثري أنه موضوع، هو حديث الطير، وقد تقدمت الإشارة إليه في ترجمة عبد الله بن محمد بن عثمان بن السقاء، وأهل الحديث يروونه قبل أن يخلق البربري بزمان طويل، فأي شيء عليه إذا رواه؟ فأما حفظه له فكأنه لأن الناس كانوا يكثرون من السؤال عنه". اهـ. [708] محمد بن مُيسّر "وزن محمد" الجعفي، أبو سعد الصاغاني، البلخي الضرير، نزيل بغداد، ويقال له: محمد بن أبي زكريا. "التنكيل" (2/ 299): "قال فيه الإمام أحمد: "صدوق، ولكن كان مرجئًا". وقال أبو زرعة: "كان مرجئًا ولم يكن يكذب". وضعفه الباقون، قال ابن معين في رواية: "ضعيف"، وفي أخرى: "كان جهميًا وليس هو بشيء"، وفي ثالثة: "صاحب ابن أبي داود كان هاهنا وليس هو بشيء"، وفي رابعة: "جهيمي خبيث". وقال البخاري في موضع: "فيه اضطراب"، وفي آخر: "هو متروك الحديث"، وفي ثالث: "ليس بثقة ولا مأمون". اهـ. [709] محمد بن ميمون المروزي أبو حمزة السكري: "التنكيل" رقم (236) قال الكوثري: "مختلط، وإنما روى عنه من روى من أصحاب الصحاح قبل الاختلاط".

[710] محمد بن نصر بن أحمد بن نصر بن مالك أبو الحسن القطيعي

فقال الشيخ المعلمي: "لم يختلط، وإنما قال النسائي: "ذهب بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذلك فحديثه جيد". وإنما يخشى منه بعد عماه أن يحدث من حفظه بالأحاديث التي تطول أسانيدها وتشتبه فيخطىء، وليس ما هنا كذلك. فأما ذكر ابن القطان الفاسي له فيمن اختلط فلم يُعرف له مستند غير كلام النسائي، وقد علمت أن ذلك ليس بالاختلاط الاصطلاحي". اهـ. وفي "التنكيل" (1/ 220): "وعلي بن الحسن بن شقيق من متقدمي أصحاب أبي حمزة، يظهر أن سماعه منه كان قبل أن يعمى أبو حمزة، وعليّ من المتثبتين وفي ترجمته من: "تهذيب التهذيب" أنه قيل له: "سمعت: "كتاب الصلاة" من أبي حمزة السكري؟ فقال: نعم سمعت، ولكن نهق حمار يومًا فاشتبه علي حديث، فلا أدري أي حديث هو فتركت الكتاب كله". اهـ. [710] محمد بن نصر بن أحمد بن نصر بن مالك أبو الحسن القطيعي (¬1): "التنكيل" (237) قال الأزهري: "حضرت عند محمد بن نصر بن مالك فوجدته على حالة عظيمة من الفقر والفاقة، وعرض علي شيئًا من كتبه لأشتريه، ثم انصرفت من عنده وحضرت بعْدُ عند أبي الحسن ابن رزقويه فقال لي: ألا ترى ابن مالك؟ جاءني بقطعة من كتب ابن أبي الدنيا وقال: اشترها مني فإن فيها سماعك معي من البرذعي، فقلت له: يا هذا والله ما سمعت من البرذعي شيئًا، قال الأزهري: فنظرت في تلك الكتب وقد سمّع فيها ابن مالك بخطه لابن رزقويه تسميعًا طريًا". ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (3/ 320).

[711] محمد بن وضاح الأندلسي

قال المعلمي: "فهذا الرجل إنما خلط بأخرة لعظم ما نزل به (¬1). والحكاية التي رواها الخطيب من طريقه راويها عنه (¬2) من المتثبتين الذين كانت عادتهم أن لا يسمعوا من الرجل إلا من أصوله الموثوق بها". اهـ. [711] محمد بن وضاح الأندلسي: "التنكيل" (1/ 426) في ترجمة الإمام الشافعي رقم (189) حكى ابن وضاح عن ابن معين قوله في الشافعي: "ليس بثقة". قال المعلمي: "ابن وضاح قال فيه الحافظ أبو الوليد ابن الفرضي الأندلسي وهو بلديّه وموافق له في المذهب: "له خطأ كثير يحفظ عنه, وأشياء كان يغلط فيها، وكان لا علم عنده بالفقه، ولا بالعربية". وكان الأمير عبد الله بن الناصر ينكر عليه هذه الحكاية, ويذكر أنه رأى أصل ابن وضاح الذي كتبه بالشرق وفيه: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: هو ثقة. كما حكاه ابن عبد البر في "كتاب العلم". ولم ينقل أحد غيره عن ابن معين أنه قال في الشافعي: "ليس بثقة" أو ما يؤدي معناها أو ما يقرب منها. ولابن معين أصحاب كثيرون أعرف به وألزم له وأحرص على النقل عنه من هذا المغربي، وكان في بغداد كثيرون يسرهم أن يسمعوا طعنًا في الشافعي فيشيعوه. .. وقد روى الزعفراني وغيره عن ابن معين ثناءً على الشافعي في الرواية كما تراه في "التهذيب" و"تذكرة الحفاظ" وراجع ترجمة الزبير بن عبد الواحد الأسداباذي في "التذكرة". ¬

_ (¬1) لكنه لم يوثق. (¬2) هو الحسن بن أبي طالب.

[712] محمد بن هشام بن علي المروزي

وقد كان الرواة الذين هم أثبت من ابن وضاح يُخْطِئُون على ابن معين، يتكلم ابن معي في رجل، فيروون ذاك الكلام في رجل آخر، كما قدمت أمثلة من ذلك في القاعدة السادسة من قسم القواعد، ولعل هذا منه كما أوضحته هناك. وإذا اختلف النقل عن إمام، أو اشتبه أو ارتيب فينظر في كلام غيره من الأئمة، وقُضي فيما روي عنه بما ثبت عنهم، فإذا نظرنا كلام الأئمة في الشافعي لا نجد إلا الثناء البالغ ممن هو أكبر من ابن معين كابن مهدي ويحيى القطان، ومن أقران ابن معي كالإمام أحمد وابن المديني، وممن هو بعده حتى قال أبو زرعة: "ما عند الشافعي حديث غلط فيه"، وقال أبو داود: "ليس للشافعي حديث غلط فيه"، وقال النسائي: "كان الشافعي عندنا أحد العلماء، ثقة مأمونًا". وأمثال هذا كثير. اهـ. وقال رحمه الله في "التنكيل" (2/ 110): "كان ممن يخطىء". [712] محمد بن هشام بن علي المروزي (¬1): "الفوائد" (ص 113): "لا يصلح ما ينفرد به للحجة، فكيف وقد خولف". [713] محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني أبو عبد الله نزيل مكة: "طليعة التنكيل" (ص 48): "قال أبو حاتم: كان رجلًا صالحًا، وكان به غفلة, رأيت عنده حديثًا موضوعًا قد حدث به عن ابن عينية وكان صدوقًا". قال المعلمي: "وابن أبي عمر مكثر جدًّا عن ابن عيينة، فإذا اشتبه عليه حديث واحد لم يضره، ولعل أبا حاتم نبهه عليه فترك روايته وقد يكون أبو حاتم أخطأ (¬2) في ظن الحديث موضوعًا، وسئل الإمام أحمد: عمن تكتب؟ فقال أما بمكة فابن أبي عمر. ¬

_ (¬1) "اللسان" (5/ 414). (¬2) لا مُلْجِىءَ لهذا، والأقرب ما ذكره الشيخ أولا.

[714] محمد بن يحيى بن قيس السبئي المأربي أبو عمر اليماني

وقد كثر مسلم في "صحيحه" عن ابن أبي عمر، له عنده على ما حكى عن "الزهرة" مائتا حديث وستة عشر حديثًا". اهـ. وقال في رسالة "مقام إبراهيم" (ص 183): "ابن أبي عمر ثقة (¬1) فيما يرويه عنه أبو حاتم ومسلم ونحوهما من المتثبتين؛ لأنهم يحتاطون وينظرون في أصوله، وإنما يخشى غفلته فيما يرويه عنه من دونهم، ولا سيما أمثال الأزرقي". اهـ. [714] محمد بن يحيى بن قيس السبئي المأربي أبو عمر اليماني: "الفوائد" (ص 209): "ليّن الحديث". [715]، محمد بن يزيد بن سنان الجزري أبو عبد الله بن أبي فروة الرهاوي: "الفوائد" (ص 226): "صالح مغفل جدًّا، ليس بشيء في الرواية". [716] محمد بن يزيد بن أبي الأزهر: "الفوائد" (ص 374): "كذاب يضع، سرق هذا الخبر (¬2) من النخعي "إسحاق ابن محمد"، وركب له إسنادًا آخر، وزاد فيه". [717] محمد بن يزيد المستملي أبو بكر الطرسوسي: "التنكيل" (1/ 461): "متهم". [718] محمد بن يعلى السلمي، أبو علي الكوفي، لقبه: زنبور: "التنكيل" رقم (238) قال الكوثري: "قال البخاري عنه: ذاهب الحديث، و [قال] النسائي: ليس بثقة، و [قال] أبو حاتم: متروك، و [قال] أحمد بن سنان: كان جهميًا" (¬3). ¬

_ (¬1) وثقه ابن معين كما في "تاريخ الدوري" (2/ 542)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 98). (¬2) هو في فضل علي -رضي الله عنه-. (¬3) وذكره أبو زرعة في "أسامي الضعفاء" أبو زرعة الرازي (657)، وكذا ذكره العقيلي وابن عدي في "الضعفاء" وقال الدارقطني: ضعيف. "السنن" (2/ 38). وقال الساجي: منكر الحديث، يتكلمون فيه. وقال العجلي: كتبت عنه وترك الناس حديثه, ويقال: إنه جهمي.

[719] محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام الإسرائيلي المدني

قال الشيخ المعلمي: "قد وثقه أبو كريب (¬1)، وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2) وقال: "لا يجوز الاحتجاج به فيما خالف فيه الثقات". والظاهر أنهم شددوا عليه لبدعته (¬3)، ورواية المبتدع قد تقدم النظر فيها في القواعد. اهـ. [719] محمد بن يوسف بن عبد الله بن سلام الإسرائيلي المدني: "الأنوار الكاشفة" (ص 101): "لم يوثق توثيقا يُعْتدُّ به (¬4)، وقد ذكر البخاري في ترجمته من التاريخ (1/ 263) طرفًا من هذا الخبر (¬5) وقال: "هذا لا يصح عندي، ولا يتابع عليه". اهـ. [720] محمد بن يونس بن موسى بن سليمان القرشي السلمي الكديمي أبو العباس البصري: "الفوائد" (ص 293): "هالك". وفي (ص 384): "متهم". ¬

_ (¬1) أبو كريب ثقة حافظ، إلا أنه ليس من رجال الجرح والتعديل، وقد تفرد بهذا التوثيق، وكلام الأئمة في محمد بن يعلى شديد، وهم مجمعون على تركه وطرحه, وكونه جهميًا لا يُسَوِّغُ حملَ كلامهم فيه على بدعته، فهو متروك الحديث، مغموس في بدعته، والله تعالى أعلم. (¬2) هكذا وقع في "تهذيب التهذيب" (9/ 534) -ومنه ينقل المعلمي- والظاهر أنه سبق قلم من الحافظ ابن حجر، أو هو خطأ من الطبع. ولا ذكر لمحمد بن يعلى في "الثقات" المطبوع، وإنا هو مترجم في "المجروحين" (2/ 267) وفيه: "كان ممن يخطىء، حتى يجيء بما يحدث به مقلوبًا، فإذا سمعه مَن الحديثُ صناعته علم أنه معمول أو مقلوب فلا يجوز الاحتجاج به فيما خالف الثقات من الروايات ولا فيما انفرد، وإن لم يخالف الأثبات" اهـ. (¬3) لا مُسَوِّغَ لهذا الاستظهار بعد قيام الحجة على ترك محمد بن يعلى، ولم ينهض دليل على خلاف ما اجتمع عليه أئمة النقد، والله تعالى أعلم. (¬4) ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 368). (¬5) هو خبر: "مكتوب في التوارة صفة النبي، وعيسى بن مريم يدفن معه".

[721] محمد بن يونس الجمال البغدادي أبو عبد الله المخرمي

وفي "التنكيل" رقم (241): "ليس بعمدة". وفيه (1/ 267): "ليس بثقة، وقد كذبه جماعة". [721] محمد بن يونس الجمال البغدادي أبو عبد الله المخرمي: "التنكيل" رقم (240) قال محمد بن الجهم: هو عندي متهم، قالوا: كان له ابن يدخل عليه الأحاديث، وقال ابن عديّ: ممن يسرق حديث الناس .. قال المعلمي: "محمد بن الجهم هو السّمريّ، صدوق وليس من رجال هذا الشأن. وقوله: "قالوا كان له ابن .. " لم يبّين من القائل. وابن عديّ إنما رماه بالسرقة لحديث واحد رواه عن ابن عيينة، فذكر ابن عديّ أنه حديث حسين الجعفي عن ابن عيينة. يعني أنه معروف عندهم أنه تفرد به حسين الجعفي عن ابن عيينة. وحسين الجعفي ثقة ثبت فالحديث ثابت عن ابن عيينة، وقد سمع الجمال من ابن عيينة فالحكم على الجمال بأنه لم يسمعه وإنما سرقه ليس بالبّين (¬1). لكن لم أر من وثق الجمّال فهو ممن يستشهد به في الجملة، والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬1) قد ذكر ابنُ عدي للجمَّال حديثين سوى هذا، قد رواهما الجمَّال بإسنادين وصفهما ابن عدي بأنهما غير محفوظين أْوَّلهُما الذي رواه عنه محمد بن الجهم السمري, وقال عقبه المقالة السابقة. ثم قال ابن عدي: ولمحمد بن يونس أحاديث أخر من طراز ما ذكرت، وهو ممن يسرق حديث الناس. وابن عديّ من نقاد هذا الفن، وعبارته "له أحاديث أخر من طراز ما ذكرت" تعني أن الجمال يروي أحاديث سوى ما ذكر ابن عدي بأسانيد غير محفوظة، فمن أين له بها؟ إما أنه يسرقها ويفتعلها، وإما أنها تُدخل عليه، أو غير ذلك. فلما روى عن ابن عيينة ما علم ابن عدي أنه إنما ينفرد به حسين الجعفي، انقدح في ذهن ابن عدي -مع اتهام السمري له وهو من الآخذين عنه- أنه قد سرق هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي يرويها بأسانيد غير محفوظة. ولا يُعرف مخالفٌ لابن عدي فيما رمي به الجمَّال فمع نَصْبِ ابن عديّ الشواهد على ما قال، فلا محيصَ من إعمال قوله، وعدم الاعتبار بما رواه الجمال رأسًا، والله تعالى أعلم.

[722] مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو المسور المدني عن أبيه

[722] مخرمة بن بكير بن عبد الله بن الأشج أبو المسور المدني عن أبيه: "التنكيل" (2/ 134) قال أبو داود: "لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا وهو حديث الوتر". قال الشيخ المعلمي: "فقد سمع من أبيه في الجملة (¬1)، فإن كان أبوه أذن له أن ¬

_ (¬1) قد أطلق غير واحد من الأئمة عدم سماع مخرمة من أبيه وأنه إنما يروي من كتاب أبيه منهم: أحمد، وابن معين، وابن المديني، وابن حبان. وهو ظاهر صنيع البخاري؛ فقد ذكر في ترجمته من "التاريخ الكبير" (8/ 16) قولَ أحمد: "سمعت حماد بن خالد الخياط قال: أخرج مخرمةُ بن بكير كتبًا، فقال: هذه كتب أبي لم أسمع منها شيئًا" ولم يخرج البخاري لمخرمة في الصحيح شيئًا. وتَرَدَّد أبو حاتم فلم يجزم فيه بشيء فقال، (8/ 364): "إن كان سمعها من أبيه فكل حديثه عن أبيه إلا حديثًا يحدث به عن عامر بن عبد الله بن الزبير". وقد جاء عن مخرمة التصريح بأنه لم يسمع من أبيه شيئًا: فقد روى غير واحد عن سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة قال: أتيت مخرمة ابن بكير بكتاب أعرضه عليه فقال لي: ما سمعت من أبي شيئًا، وهذه كتبه. وفي رواية: ما أدركت أبي إلا وأنا غلام (الجرح والكامل وغيرهما). وأما ما جاء مما يدل على سماعه والجواب عنه: أولًا: فقد روى الدولابي عن أحمد بن يعقوب: حدثنا علي بن المديني، قال: سمعت معن ابن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه، وعرض عليه ربيعة أشياء من رأى سليمان بن يسار. قال علي بن المديني: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان، لعلَّه سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدًا بالمدينة يخبرني عن مخرمة بن بكير أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي. ثانيًا: ما حكاه ابن أبي أويس -وهو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس الإمام- وقد اختلفت ألفاظ الناقلين عنه: أ- ففي "الجرح" (8/ 364): قال أبو حاتم: قال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه سمعها من أبيه؟ فحلف لي وقال: ورب هذه البنية -يعني المسجد- سمعت [وفي نسخة: سمعته] من أبي. ب- وفي "المعرفة والتاريخ" للفسوي (1/ 663): قال إبراهيم بن المنذر: حدثني ابن أبي أويس قال: قرأت في كتاب مالك بن أنس بخط مالك قال: وصلت الصفوف حتى قمت إلى جنب مخرمة =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن بكير في الروضة فقلت له: إن الناس يقولون إنك لم تسمع هذه الأحاديث التي تروي عن أبيك من أبيك؟ فقال: ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي. ثلاثًا. ج- وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (1/ 442): حدثني أحمد بن صالح: قال: حدثني ابن أبي أويس قال: رأيت في كتاب مالك بخطه: قلت لمخرمة في حديث: سمعته من أبيك؟ فحلف لَسَمِعَهُ من أبيه. ثالثا: قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر (ذكره المزي في "تهذيب الكمال" (27/ 326). أقول: أما الأمر الأول فقد أجاب عنه ابن المديني، واستبعد هذا السماع، واستظهر بأنه لم يبلغه تصريح مخرمة بالسماع من أبيه في شيء من حديثه. وأما الأمر الثاني فالظاهر أن الأئمة لم يُعوِّلوا على حكاية ابن أبي أويس؛ لحاله في نفسه مما فيه من الضعف، ووصفه بالغفلة، ولأن له عن مالك غرائب, ولمخالفة حكايته لما جاء عن مخرمة من طرق صحيحة أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، ولأن حكايته إنما هي وجادة, وقد اختلف النقل عنه, ففي النص (أ): وجدت في ظهر كتاب مالك. ولم يقل بخطه. وفي (ب): قرأت في كتاب مالك بخطه. وفيهما ما ظاهره أن السؤال كان عن أحاديثه كلها عن أبيه. وفي (ج): السؤال عن حديث بعيَنْه. وهذا الاختلاف مما يُضْعف الاعتماد على مثل هذه الحكاية؛ لأن لظهر الكتاب شأنًا سوى الكتاب نفسه, وهل السؤال عن سماع حديث واحد، أم عن سماع مخرمة من أبيه جملة؟ فالفرق كبير. وقد ساق أبو حاتم تلك الحكاية, ثم قال: إن كان سمعها من أبيه .. " فلم يرها حجة في إثبات السماع، والله تعالى أعلم. وقد علَّق الشيخ المعلمي على هذه الحكاية في "حاشية الجرح" (8/ 364) بقوله: "وِجَادَة فإذا احتيج إليها لم تُغْنِ، وإن أغنت لم يُحْتَجْ إليها". وأما الأمر الثالث فهو يدل على سماع حديث واحد، والثابت عن مخرمة أنه أدرك أباه وهو غلام، لم يسمع منه شيئًا، وعلى ذلك جمهور النقاد من المحدثين، فاستثناء شيء من هذا الإطلاق يحتاج إلى برهان وحجة، فربما كان مستند أبي داود مجيء هذا الحديث الواحد مصرحًا فيه بسماع مخرمة من أبيص فيُنظر: هل هذا التصريح بالسماع محفوظًا أم لا؟ فكم من صيغٍ للاتصال في الأسانيد لم يَعْبَأ بها النقاد؛ لاستقرار العلم بالانقطاع، وقد اعتنى ابن المديني بهذا الأمر، فلم يجد أحدًا ينقل سماع مخرمة من أبيه - كما مَرَّ نقلُه. =

[723] مخلد بن خالد بن عبد الله التميمي أبو عبد الله النيسابوري

يروي ما في كتابه ثبت الاتصال، وإلا فهي وجادة, فإن ثبت صحة ذلك الكتاب قوى الأمر. ويدل على صحة الكتاب أن مالكًا كان يعتد به، قال أحمد: "أخذ مالك كتاب مخرمة، فكل شيء يقول: بلغني عن سليمان بن يسار فهو فن كتاب مخرمة عن أبيه عن سليمان". وربما يروي مالك عن الثقة عنده عن بكير بن الأشج. وقد قال أبو حاتم: "سألت إسماعيل بن أبي أويس قلت: هذا هو الذي يقول مالك: حدثني الثقة - من هو؟ قال: مخرمة بن بكير". اهـ. [723] مخلد بن خالد بن عبد الله التميمي أبو عبد الله النيسابوري: "الفوائد" (ص 75): "لم يوثق". [724] مخلد بن قريش: "الفوائد" (ص 161): "مجهول وذِكْرُ ابن حبان له في الثقات لا ينفعه لما عرف من قاعدة ابن حبان، مع أنه قال: "يخطىء". [725] مخلد بن يزيد القرشي الحراني: "الفوائد" (ص 418): "صدوق يهم". ¬

_ = أما الإمام مسلم فقد احتج به في موضعين، واستشهد به في عدة مواضع. أما الاحتجاج: ففي كتاب "الحج" (ص 856 , 982). وأما الشواهد: ففي "الطهارة" (ص 247)، وفي "الصلاة" (ص 328، 386، 584)، وفي "الحج" (ص 969)، وفي "الحدود" (ص 1312). وقد قال ابن القيسراني في "الجمع بين رجال الصحيحين" (2/ 510): "وأُنكر على مسلم إخراجه هذه الترجمة" اهـ. وقال العلائي في "جامع التحصيل" (ص 275): "أخرج له مسلم عن أبيه عدَّة أحاديث، وكأنه رأى الوجادة سببًا للاتصال، وقد انتقد ذلك عليه". اهـ.

[726] مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة. ثنا محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان بن سمرة

[726] مروان بن جعفر بن سعد بن سمرة. ثنا محمد بن إبراهيم بن حبيب بن سليمان بن سمرة: "الفوائد" (ص 460): "فيه كلام،. وبهذا السند غرائب تجد بعضها في ترجمة مروان من اللسان". اهـ. [727] مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي المدني: قال المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 281): "اعتبر البخاري أحاديث مروان فوجدها مستقيمة معروفة لها متابعات وشواهد، ووجد أن أهل عصر مروان كانوا يثقون بصدقه في الحديث، حتى روى عنه سهل بن سعد الساعدي وهو صحابي، وروى عنه زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب. بقي عدالته في سيرتة, فلعل البخاري لم يثبت عنده ما يقطع بأن مروان ارتكب ما يخلّ بها غير متأول. وعلى كل حال فلا وجه للتشنيع (¬1)، إذ ليست المفسدة في الرواية عمن تذم حاله في الصحيح ما دام المروي ثابتًا من طريق غيره. ألا ترى أنه لو وقع في سند إلى بعض ثقات التابعين أنه سمع يهوديًا يقول لعلي ابن أبي طالب: سمعت نبيكم يقول كيت كيت. فقال علي: وأنا سمعته يقول ذلك: لصح إثبات هذا الخبر في الصحيح وإن كان فيه صورة الرواية عن يهودي؟ فما بالك بمروان، مع أن روايته لا تخلو من تقويةٍ لرواية غيره لأنه على كل حال مسلمٌ قد عُرف تحرِّيه الصدق في الحديث ... ومن تتبع أحاديث مروان الثابتة عنه علم أن البخاري لم يبْنِ شيئا من الدين على روايةٍ تفرد بها لفظا ومعنى. اهـ. ¬

_ (¬1) يعنى: عَلَى البخاري بإخراجه حديث مروان.

وقد أشار الشيخ المعلمي إلى الوهم الواقع في عبارة الحافظ ابن حجر في "الإصابة" و"مقدمة الفتح" أن عروة بن الزبير قال: "كان مروان لا يتهم في الحديث". فقد قال البخاري في ترجمة مروان من "التاريخ الكبير" (7/ 368): "نا محمد بن سعيد قال: نا علي بن مسهر عن هشام بن عروة عن أبيه قال:. أخبرني مروان بن الحكم قال: فلا إخاله يتهم علينا .. ثم ذكر حديثا في فضل الزبير بن العوام -رضي الله عنه-". فعلّق المعلمي على قول عروة: "فلا إخاله يتهم علينا"، بقوله: "هكذا في الأصلين، وفي مسند أحمد في هذه القصة "وما إخاله يتهم علينا". "المسند" (1/ 64). ومعنى هذه العبارة كما لا يخفى أن مروان لا يتهم بأن يكذب في فضيلة لآل الزبير، مع ما بينه وبينهم من الشحناء منذ قتل عثمان، واتهم الزبير بأنه ممن ألّب عليه. وفي ترجمة مروان من "الإصابة" و"مقدمة الفتح" أن عروة قال: "كان مروان لا يتهم في الحديث". وفي "التهذيب" (10/ 92): "وقول عروة بن الزبير: كان مروان لا يتهم في الحديث هو في قصة ذكرها البخاري (بياض) في قصة نقلها عن مروان عن عثمان في فضل الزبير". أقول: بين العبارتين بون شاسع كما لا يخفى، والله المستعان (¬1). اهـ. ¬

_ (¬1) عبارة "التاريخ الكبير" تفيد نفي التهمة عن مروان في أمر خاص، وهو تحديثه بفضيلة لمن بينه وبينهم عداوة، وهم آل الزبير. وعبارة الحافظ ابن حجر تفيد نفي التهمة عن مروان في الحديث بعامَّة. ويظهر أنَّ الشيخ المعلمي قد قال مقالته السابقة في "الأنوار الكاشفة": "قد عرف تحريه الصدق في الحديث" أخذًا بظاهر عبارة الحافظ ابن حجر، وذلك مِنْ غير أن ينعم النظر في عبارة "التاريخ الكبير" والله تعالى أعلم.

[728] مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري الرزقي أبو عثمان المدني.

[728] مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلي الأنصاري الرزقي أبو عثمان المدني. "الفوائد" (ص 448) قال الشوكاني في حديث: "رأيت ربي في المنام في أحسن صورة .. ": في إسناده وضاع وكذاب ومجهول. قال الشيخ المعلمي: " .. ويريد بالكذاب مروان بن عثمان بناءً على ما رُوي عن النسائي أنه قال: "ومن مروان بن عثمان حتى يُصدّق على الله؟ ". وهذا لا يعطي أنه كذاب، وعدم التصديق لا يستلزم التكذيب؛ فإنه يحتمل التوقف، ويحتمل قوله على أنه أخطأ، ويدل على هذا أن النسائي أخرج لمروان هذا في سننه" (¬1). اهـ. [729] مروان بن معاوية بن الحارث بن أسماء الفزاري أبو عبد الله الكوفي نزيل مكة ودمشق: في "الفوائد" (ص 24 حديث: "صلوا في نعالكم وخالفوا اليهود". رواه مروان عن هلال بن ميمون الرملي. قال المعلمي: "مروان ثقة، كان يدلس أسماء الشيوخ، ولا أثر لذلك هنا، لكن قال ابن حجر في طبقات المدلسين: "كان مشهورًا بالتدليس، وكان يدلس الشيوخ أيضًا، وصفه بذلك الدارقطني". [730] مزاحم بن ذوّاد بن علبة الحارثي الكوفي: قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 189): "ضعيف هو وأبوه". ¬

_ (¬1) مروان قال فيه أبو حاتم: ضعيف. "الجرح" (8/ 272). وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 482).

[731] مسدد بن قطن بن إبراهيم أبو الحسن النيسابوري المزكي

[731] مسدد بن قطن بن إبراهيم أبو الحسن النيسابوري المزكي: "التنكيل" رقم (243): "ترجمته في "تاريخ نيسابور" وفيها كما في "مرآة الجنان" و"الشذرات": "كان [مركي] (¬1) عصره والمقدم في الزهد والورع". ولم يتكلم فيه أحد" (¬2). اهـ. [732] مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي مولاهم أبو عمرو البصري: "التنكيل" (2/ 137): "ثقة متفق عليه". [733] مسلم بن إبراهيم الوراق: هكذا وقع في "الفوائد" (ص 270): "مسلم"، وهو كذلك في "اللآلىء" (2/ 441)، و"شعب الإيمان" للبيهقي (6 / رقم: 9268). والصواب أنه: "سلْم". وهو مترجم كذلك في "التهذيب" وغيره، وقد سبق في حرف "السين". [734] مسلم بن خالد المخزومي مولاهم، المكي المعروف بـ "الزنجي": "التنكيل" (2/ 14): "وإن ضعفه الأكثرون ونسبُوه إلى كثرة الغلط فقد وثقه ابن معين (¬3) وغيره، وقالوا: كان فقيه أهل مكة وكانت له حلقة في حياة ابن جريج. ¬

_ (¬1) في "الشذرات" (2/ 237): "مزني" بزاي ونون، وهي واضحة التصحيف، فظنها الشيخ المعلمي: "مربي" براء وموحدة ولها معنى قريب، فأثبتَها هنا كذلك ولم ينبه على ما في "الشذرات" ولكنها أيضًا تخالف الصواب، وإنما هي: "مزكي" بزاي وكاف، كما سيأتي. (¬2) ترجمه الذهبي في "السير" (14/ 119) وقال: قال الحاكم: "كان مزكي عصره, المقدم في الزهد والورع والتمكن في العقل، تورع من الرواية عن يحيى بن يحيى لصغر سنه توفي سنة إحدى وثلاث مائة". قال الذهبي: نيَّف على التسعين، وكان أبوه صاحب حديث اهـ. وذكره الذهبي في تلك السنة من "تاريخ الإسلام" وقال: "كان ثقة مأمونًا زاهدًا عابدًا ورعًا عاقلا". اهـ. (¬3) مِنَ الرواة عن ابن معين مَنْ نقل عنه توثيقه, ومنهم من نقل عنه تليينه, ومنهم من نقل عنه تضعيفه. =

[735] مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الأعور أبو عبد الله الكوفي

وهذا الخبر مما يحتاج إليه الفقيه [يعني خبر القلتين] فلا يظن به الغلط فيه، وقد تابعه في الجملة أبو قرة وهو ثقة حافظ". [735] مسلم بن كيسان الضبي الملائي البراد الأعور أبو عبد الله الكوفي: "الفوائد" (ص 400): "شيعي واهٍ متروك مختلط". ¬

_ = قال عنه الدوري وأبو بكر بن أبي خيثمة: ثقة "تاريخ الدوري" (2/ 561)، و"الجرح والتعديل" (8/ 183). وقال عنه الدوري في موضع آخر: ثقة، وهو صالح الحديث (2/ 561). وقال ابن محرز وابن الجنيد وغيرهما عنه: ليس به بأس. ابن محرز (294). وزاد ابن الجنيد: قال ابن الغلابي ليحيى: ما كنت أراه إلا متروك الحديث. قال: لا. (884). وقال الدارمي عنه ثقة قال الدارمي: يقال: الزنجي والقداح ليسا بذاك في الحديث. وقال ابن الجنيد في موضع آخر: قال رجل ليحيى بن معين وأنا أسمع: الزنجي بن خالد ثقة؟ قال: ليس بذاك القوي. (854). وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عنه: ضعيف. "الكامل" (6/ 2310). فَيُستفاد من مجموع ما نُقِل عن ابن معين أن توثيقه في بعض المواضع إنما يعني به العدالة، أما في الضبط فليس هو بذاك القوي. وابن معين وإن أَجْمَلَ القولَ فيه فقد ضَعَّفَهُ سائر النقاد. قال عبد الله بن أحمد عن أبيه: كذا وكذا، كان يحرك يده. "العلل" (2/ 31)، وقال ابن المديني: ليس بشيء. "التاريخ الكبير" (7/ 260). وقال البخاري فيه: منكر الحديث. "تاريخه". ونقل الترمذي عنمش ذاهب الحديث. "العلل الكبير" (1/ 514). وقال أبو حاتم: ليس بذاك القوي، منكر الحديث، يكتب حديثه , ولا يحتج به, تعرف وتنكر. "الجرح" (8/ 183). وذكره أبو زرعة الرازي في "أسامي الضعفاء" أبو زرعة الرازي (657). وضعفه النسائي وأبو داود وأبو جعفر النفيلي، وذكره غير واحد في "الضعفاء"، ومشَّاه ابن عدي وابن حبان.

[736] مسلم بن أبي مسلم -واسم أبيه: عبد الرحمن- الجرمي سكن بغداد

[736] مسلم بن أبي مسلم -واسم أبيه: عبد الرحمن- الجرمي سكن بغداد (¬1): "التنكيل" رقم (244) قال الكوثري: "مسلم بن أبي مسلم عبد الرحمن الجرمي وثقه الخطيب، لكن في "اللسان": "أنه ربما يخطىء". وقال البيهقي: "غير قوي". وقال أبو الفتح الأزدي: حدث بأحاديث لا يتابع عليها". فقال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات": "مسلم بن أبي مسلم الجرمي سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين، ثنا عنه الحسن ابن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين". وقد قدّمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه. فأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي فليس في نفسه بعمدة حتى لقد اتهموه بوضع الحديث. ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يتابع في كل ما حدث به، وإنما شرطه أن لا يتفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر. والظاهر أن الأزدي إنما عني الحديث الذي ذكره البيهقي وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسن عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة مرفوعًا: لا يقل أحدكم زرعته، ولكن ليقل حرثته، قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قول الله {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}. وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة عن أحمد بن الوليد القرشي عن مسلم. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (8 / ت 824) وذكر أنه من الغزاة. و"تاريخ بغداد" (13/ 100)، و"اللسان" (6/ 32) وغيرها.

[737] مسلمة بن عبد الله بن ربعي الجهني الحميري الدمشقي

وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه] وقال: إن مسلمًا غير قوي. ولعلّ ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث على أن الصواب موقوف وأخطأ مسلم في رفعه. ومسلم مكثر في التفسير كما يعلم من: "تفسير ابن جرير" فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله، وابن حيان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي. اهـ. [737] مسلمة بن عبد الله بن ربعي الجهني الحميري الدمشقي: "الفوائد" (ص 167): "لم يجرح ولم يوثق فهو مجهول الحال". [738] مسلمة بن عُليّ الخشني أبو سعيد الدمشقي البلاطي: "الفوائد" (ص 503): "متروك البتة". [739] المسيب بن واضح أبو محمد التلمنسي الحمصي الشامي: "التنكيل" (245) قال أبو حاتم: "صدوق يخطىء كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل". تكلم المعلمي هنا عن مسألة: "خطأ الراوي وعدم رجوعه، راجع ترجمة: "محمد بن عبيد الطنافسي". ثم قال المعلمي: "فكلمة أبي حاتم في المسيب لا تدل على أنه كان الغالب عليه، ولا أن خطأهُ كان فاحشًا، ولا أنه بُيِّن له في حديث اتفاق أهل العلم على تخطئته فلم يرجع (¬1). ¬

_ (¬1) وقد روى ابن عدي في "الكامل"، عن ابن أبي داود عن أبيه، أنه أنكر على المسيب زيادة في إسناد، فتركها المسيب.

وقد قال أبو عروبة في المسيب: "كان لا يحدث إلا بشيء يعرفه يقف عليه". وهذا يشعر بأن غالب ما وقع منه من الخطأ ليس منه بل ممن فوقه، فكان يثبت على ما سمع قائلًا في نفسه: إن كان خطأ فهو ممن فوقي لا مِنّى، وفي "الميزان" و"اللسان" عن ابن عديّ أنه ساق الأحاديث التي تنتقد على المسيب ثم قال: "أرجو أن باقي حديثه مستقيم وهو ممن يكتب حديثه" (¬1). وذكر في "الميزان" أربعة أحاديث، إما أن تكون هي جميع ما ذكره ابن عدي (¬2)، وإما أن يكون الذهبي رأى الأمر فيما عداها محتملًا. الأول: رواه المسيب عن يوسف بن أسباط (¬3)، ويوسف ربما أخطأ في الأسانيد. الثاني: حديث رواه ابن عدي عن الحسن بن إبراهيم السكوني -لم أقف على ترجمته- عن المسيب (¬4) بسنده عن ابن عمر مرفوعًا أنه كره شم الطعام، وقال: إنما تشم السباع. وقد روى الطبراني في "الكبير"، والبيهقي في "الشعب"، كما في "الجامع الصغير" من حديث أم سلمة مرفوعًا: "لا تشموا الطعام كما تشمه السباع". فلينظر في ¬

_ (¬1) في المطبوع من "الكامل" (6/ 2385): "المسيب بن واضح له حديث كثير عن شيوخه، وعامَّةُ ما خالف فيه الناس هو ما ذكرته لا يتعمده، بل كان يشبه عليه وهو لا بأس به". اهـ. (¬2) جميع ما ذكره ابن عديّ للمسيب عشرة أحاديث، أخطأ في أسانيدها، فزاد في بعضها، وأنقص من بعض، وسلك في بعضها الجادة، وأتى في بعضها بإسناد دون إسناد، واضطرب في آخر. (¬3) عن سفيان وهو الثوري، عن سلمة بن كهيل، عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ بنى في البناء فوق ما يكفيه كُلف ثقل البنيان يوم القيامة إلى المحشر". قال ابن عديّ: هذا عن الثوري بهذا الإسناد يرويه يوسف، وعن يوسف: المسيب. أقول: وليوسف بن أسباط أحاديث لا يرويها عن الثوري غيره قد روى بعضها عن يوسف: المسيب بن واضح، وقد ذكر بعضًا منها ابن عديّ في ترجمة يوسف من "الكامل" (7/ 2614). (¬4) قال: ثنا ابن المبارك عن سفيان، عن فرات، عن أو حازم، عن ابن عمر به. قال ابن عديّ: وهذا لا أعلم يرويه غير المسيب.

[740] مشرح بن هاعان المعافري أبو مصعب المصري

سنده (¬1)، ويقارن بسند حديث المسيب، لعله يتبين وجه الغلط. والثالث: ليس بالمنكر أراه (¬2)، فإن كان فيه خطأ فيحتمل أن يكون من فوق، والله أعلم. والرابع: قالوا: صوابه موقوف، وعلى هذا فإنما أخطأ في رفعه. وزاد في "اللسان" خامسًا وهو من رواية المسيب عن يوسف بن أسباط. وقال ابن عدي: "كان النسائي حسن الرأي فيه ويقول: الناس يؤذوننا فيه" (¬3). وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "وكان يخطىء". وقال الدارقطني: "فيه ضعف". وسئل عبدان عن عبد الوهاب بن الضحاك والمسيب فقال: "كلاهما سواء". وهذا إسراف، عبد الوهاب كذاب، والمسيب صدوق، حدّه أن لا يحتج بما ينفرد به". اهـ. [740] مشرح بن هاعان المعافري أبو مصعب المصري: "الفوائد" (ص 337) قال المعلمي: "قال ابن الجوزي: "لا يحتج به". وقال السيوطي: "ثقة صدوق روى له أبو داود .. ". ¬

_ (¬1) هو من طريق أحمد بن يونس ثنا زهير ثنا عباد بن كثير عن أبي عبد الله عن عطاء بن يسار عن أم سلمة مرفوعًا. "المعجم الكبير" (23/ 285). عباد بن كثير هو الثقفي متروك، وهو يروي عن أبي عبد الله الشقري، وعنه زهير بن معاوية أبو خيثمة. (¬2) رواه المسيب قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري، عن حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي صالح، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشهيد مَنْ لو مات على فراشه دخل الجنة". ورواه أيضًا قال: ثنا أبو إسحاق الفزاري ثنا سفيان الثوري عن عاصم بإسناده. وجعل ابن عدي الاضطراب في روايته من المسيب، وقال: "هذا كان المسيب يروي أحيانًا عن الفزاري، عن حماد، عن عاصم، وأحيانًا يروي عن الفزاري، عن الثوري، عن عاصم. وكلاهما غير محفوظين". اهـ. (¬3) هكذا علَّقه ابن عدي، ولم يذكر إسناده, ولم يخرج النسائي، ولا أحد من سائر أصحاب الكتب الستة للمسيب شيئًا.

[741] مصعب بن خارجة بن مصعب السرخسي القاضي

أقول: "فيه كلام، وقد لخّص ابن حجر حاله في "التقريب" بقوله: "مقبول" وهذا يوافق قول ابن الجوزي" (¬1). اهـ. [741] مصعب بن خارجة بن مصعب السرخسي القاضي: "التنكيل" رقم (246) قال الكوثري: "مجهول الصفة (¬2) كما يقول أبو حاتم". فقال المعلمي: "قد عرفه ابن حبان، فقال في "الثقات": "مصعب بن خارجة بن مصعب، من أهل سرخس، يروي عن حماد بن زيد وأبيه روى عنه أهل بلده، مات سنة إحدى أو اثنتين ومائتين، وكان على قضاء سرخس". اهـ. [742] مصعب بن سعيد أبو خيثمة الضرير الحراني نزيل المصيصة: "الفوائد" (ص 336 - 337): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يعتبر حديثه إذا روى عن ثقة (¬3) .. وقد كف في آخر عمره". وقال صالح بن محمد: "شيخ ضرير لا يدري ما يقول". وقال ابن عدي: "يحدث عن الثقات بالمناكير" (¬4). وساق له أحاديث ذكر الذهبي بعضها في "الميزان" ثم قال: "ما هذه إلا مناكير وبلايا" (¬5). اهـ. ¬

_ (¬1) يعني أنه يقبل منه ما قد توبع عليه، أما هو في نفسه فلا يحتج بما انفرد به. (¬2) الذي في "الجرح" (8 / ت 1431): "مجهول" فقط. وقد سماه ابن أبي حاتم: مصعب بن خارجة. ولم يزد في نسبه شيئًا، وبَيَّض لشيوخه والآخذين عنه. (¬3) صَدْر كلام ابن حبان: ربا أخطأ، وتتمته: إذا روى عن ثقة وبيّن السماع في حديثه؛ لأنه كان مدلسًا. "الثقات" (9/ 175). (¬4) تمامه: ويُصَحِّفُ عليهم. ثم ذكر له مناكير، وقال: الضعف على حديثه بَيِّنٌ. (¬5) وروى عنه أبو حاتم، وسأله عنه ابنه فقطب وجهه وقال: عبد الله بن جعفر الرقي أحب إليَّ منه، وكان صدوقًا. "الجرح" (8 / ت 1428). ولم ينقل الذهبي هذا في "الميزان" ولا زاده ابن حجر في "اللسان" فكأن المعلمي لم يقف عليه، ولكن الذهبي ذكره في "تاريخ الإسلام" و"المغني" (2/ 660).

[743] مصعب بن سلام التميمي الكوفي نزيل بغداد

وفي "الفوائد" (ص 470): "تالف" (¬1). [743] مصعب بن سلام التميمي الكوفي نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 67) قال الشوكاني: "ضعّفهُ يحيى، وابن المديني، وأبو داود". فقال المعلمي: "نسبوه إلى الصدق، إلا أنه كان لا يضبط الأسانيد، فكان يجعل حديث ذا لذا". [744] مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبو مصعب اليساري الأصم ابن أخت مالك بن أنس: "التنكيل" (247). قال ابن عديّ: "يحدث عن ابن أبي ذئب، ومالك، وعبد الله بن عمر وغيرهم بالمناكير". قال الشيخ المعلمي: "فسّر ابن عدي كلمته بان ذكر أحاديث مناكير رواها ابن عديّ عن أحمد بن داود بن عبد الغفار عن أبي مصعب (¬2). فردّ الذهبي (¬3) وغيره على ¬

_ (¬1) قد روى عنه أبو حاتم ونسبه إلى الصدق, وقدم عليه عبد الله بن جعفر الرقي، وقد قال هو في الرقي: ثقة. "الجرح" (5/ 24). ويظهر من صنيع أبي حاتم لما قطب وجهه حين سئل عنه أنه ينقم عليه أشياء في حديثه, وأنه ليس بذاك الحجة، إلا أنه صدوق في الأصل. وصنيع ابن حبان يدل على ذلك، ففي كلامه ما يشعر بأن بعض المناكير الواقعة في حديثه إنما هي من جرَّاء روايته عن الضعفاء، أو تدليسه عنهم. لكن قد ذكر له ابن عديّ مناكير يرويها عن الثقات، وصرَّح بذلك فقال: "يحدث عن الثقات بالمناكير ويصحف عليهم" ثم حكم على حديثه بالضعف البَيَّن، فالله تعالى أعلم. (¬2) ذكر ابن عدي بهذا الإسناد خمسة أحاديث، ذَكَر للأوَّلِ منها متابعات لأحمد بن داود، وسيأتي جواب المعلمي عنه وذكر ابن عديّ أن لأحمد بن داود عن أبي مصعب أحاديث أُخر لم يخرجها. (¬3) "الميزان" (4/ 124).

ابن عديّ بأن الحمل في تلك الأحاديث على أحمد بن داود، وأحمد بن بن داود كذبه الدارقطني، ورماه العقيلي وابن طاهر بالوضع. أقول: قد وقع لابن عديّ شبيه بهذا في غالب القطان، قال ابن حجر في "مقدمة الفتح": "وأما ابن عديّ فذكره في "الضعفاء" وأورد له أحاديث، الحمل فيها على الراوي عنه: عمر بن مختار البصري، وهو من عجيب ما وقع لابن عديّ، والكمال لله". ويظهر لي أن لابن عدي هنا عذرًا ما؛ ففي ترجمة أحمد بن داود من "اللسان" (¬1): "قال أبو سعيد بن يونس: حدث عن أبي مصعب بحديث منكر، فسألته عنه، فأخرجه من كتابه كما حدث به". وفيه بعد ذلك ذكر حديثه عن أبي مصعب، عن عبد الله بن عمر، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: من رأى مبتلى فقال: الحمد لله، إلخ. قال: "قال ابن عديّ لمّا حدّث أحمد بهذا الحديث عن مطرف: كانوا يتهمونه .. فظلموه؛ لأنه قد رواه عن مطرف: على بن بحر، وعباس الدوري، والربيع .. " (¬2). فقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس هو هذا الحديث: من رأى مبتلى. إلخ. رآه ابن عديّ في أصل أحمد بن داود، وعرف أن غيره قد رواه عن مطرف، ورأى أن الحمل فيه على مطرف البتة، فقاس بقية الأحاديث عليه. ¬

_ (¬1) (1/ 168). (¬2) ذكر ابنُ عديّ هذا في ترجمة مطرف من "الكامل" (6/ 2374). ولم يترجم لشيخه أحمد بن داود هذا، وإنما ترجم لمطرف، وصَدَّر الترجمة بالحديث الذي بيَّن فيه براءة أحمد هذا مما اتُّهم به، لما توبع في روايته عن مطرف. ثم بنى على ذلك فذكر أربعة أحاديث لمطرف من رواية أحمد عنه.

وقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس غير هذا الحديث، ويكون ابن عديّ رأى الأحاديث في أصل أحمد بن داود، فاعتقد براءته منها للدليل الظاهر، وهو ثبوتها في أصله، فحملها كلها على مطرف. فإن كان الأمر على هذا الوجه الثاني، فذاك الدليل -وهو ثبوت الأحاديث في أصله- يحتمل الخلل. ففي "لسان الميزان" (ج 1 ص 253): "أحمد بن محمد بن الأزهر .. قال ابن حبان (¬1): كان ممن يتعاطى حفظ الحديث، ويجري مع أهل الصناعة فيه، ولا يكاد يذكر له باب إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرته بأشياء كثيرة فأغرب عليّ فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليّ كتابه بأصل عتيق .. قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه .. ". فهذا رجل روى أحاديث باطلة، وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجّالا من وقت طلبه، كان يسمع شيئًا ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقت طلبه بعض الدجالين، فكان يدخل غليه ما لم يسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة عثمان بن صالح السهمي من "مقدمة الفتح". وفي ترجمة: محمد بن غالب تمتام من "الميزان" أنه أنكر عليه حديث، فجاء بأصله إلى إسماعيل القاضي، فقال له إسماعيل: "ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة". وفي "الكفاية" (ص 118 - 119) عن حسين بن حبان: "قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجل حدّث بأحاديث منكرة, فردّها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع عنها وقال: ظننتها، فأما إِذْ أنكر تموها علي فقد رجعت عنها؟ فقال: لا يكون ¬

_ (¬1) "المجروحين" (1/ 163 - 164).

صدوقًا أبدًا .. (¬1) فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتابًا عتيقًا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شبه له وأخطأ كما يخطىء الناس، فيرجع عنها" (¬2). فأنت ترى ابن معين لم يجعل ثبوتها في الأصل العتيق دليلًا على ثبوتها عمّنْ رواها صاحب الأصل عنهم، بل حمله على أنه شبه له وأخطأ في أيام طلبه. إذا تقرر هذا، فلعلّ الأحاديث التي ذكرها ابن عدي عن أحمد بن داود عن أبي مصعب رآها ابن عدي في أصل عتيق لأحمد بن داود، فبنى على أن ذلك دليل ثبوتها عن أبي مصعب. وهذا الدليل لا يوثق به كما رأيت، لكن في البناء عليه عذر ما لابن عدي، يخف به تعجب الذهبي إذ يقول: "هذه أباطيل حاشا مطرفًا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عديّ؟ ". بقي حديث مطرف عن عبد الله بن عمر العمري، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة رفعه "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، لم يصبه ذلك البلاء". فهذا رواه جماعة عن أبي مصعب، وأخرجه الترمذي (¬3) وقال: "غريب من هذا الوجه" وزاد في بعض النسخ "حسن" وأخرج قبل ذلك (¬4) من طريق عمرو بن دينار مولى آل الزبير عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن عمر - نحوه. ¬

_ (¬1) تمامه: إنما ذلك الرجل يشتبه له الحديثُ الشاذُّ والشيءُ فيرجع عنه، فأما الأحاديث المنكرة التي لا تشتبه لأحد فلا، .. (¬2) تتمته: قلت: فإن قال قد ذهب الأصل وهي في النسخ؟ قال: لا يقبل ذلك منه. قلت له: فإن قال هي عندي في نسخة عتيقة وليس أجدها؟ فقال: هو كذاب أبدًا حتى يجيء بكتابه العتيق، ثم قال: هذا ديِنٌ لا يحل فيه غير هذا. اهـ. (¬3) "الجامع" (3432)، وكذا الطبراني في "الأوسط" (4721)، و"الصغير" (675). (¬4) (3431).

[745] معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيدالله القرشي التيمي أبو الأزهر

وعمرو بن دينار هذا متكلم فيه، وعدُّوا هذا الحديث فيما أنكر عليه. وأحسب أن بعض الرواة سمع هذا، وسمع حديث سهيل عن أبي هريرة مرفوعًا: "من قال إذا أمسى ثلاث مرات: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لم تضره حُمة تلك الليلة". فاشتبه عليه الحديثان، فحسب الأول بسند الثاني، فرواه كذلك. وقد يكون هذا الخطأ من مطرف، وقد يكون من شيخه عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم (¬1)؛ فإنه ليِّن حتى قال البخاري: "ذاهب لا أروي عنه شيئًا". فإن كان الخطأ من أبي مصعب فقد يخطىء على عبد الله بن عمر ما لا يخطىء على مالك؛ لمزيد اختصاصه به. ومطرف قال فيه أبو حاتم: "مضطرب الحديث صدوق". ورجحه على إسماعيل بن أبي أويس، وقال ابن سعد والدارقطني: "ثقة، وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كما مرّ مرارًا، وروى عنه البخاري في "صحيحه" (¬2). اهـ. [745] معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيدالله القرشي التيمي أبو الأزهر: "الأنوار الكاشفة" (ص 183): "لم يخرج له مسلم، وأخرج له البخاري حديثًا واحدًا متابعة. ¬

_ (¬1) يؤيده أن الحديث أخرجه البزار "كشف الأستار" (3118) وقال: "لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد، وعبد الله بن عُمر قد احتمل أهل العلم حديثه". فجعل البزار محل الكلام في الإسناد: عبد الله العمري، ولم يتكلم على مطرف بشيء. (¬2) قال أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" (2/ 734): "روى البخاري في الصلاة والدعوات عنه عن عبد الرحمن بن أبي الموال". وقال ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص 466): "ليس لمطرف في البخاري سوى حديثين: أحدهما حديث الاستخارة، وتابعه عليه قتيبة وغيره عنده [انظر حديث: 6382]. والآخر: أخرجه في الصلاة بمتابعة. اهـ. [انظر حديث: 353، وهو شاهد لما قبله].

[746] معاوية بن ميسرة بن شريح الكندي القاضي الكوفي

وقد قال فيه أبو زرعة: "شيخ واهٍ"، ووثّقهُ بعضهم (¬1). اهـ. [746] معاوية بن ميسرة بن شريح الكندي القاضي الكوفي: "الفوائد" (ص 364): "لم يوثق توثيقًا مُعْتبرًا" (¬2). [747] معاوية بن هشام القصّار أبو الحسن الكوفي: ذكر الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 229 - 230) جملةً من أوهام ابن الجوزي التي وقف عليها فقال: .. ومنها: أنه ذكر معاوية بن هشام فقال: "وقيل هو معاوية ابن أبي العباس روى ما ليس من سماعه فتركوه". كذا قال، ومعاوية بن هشام من الثقات لم يرو ما ليس من سماعه ولم يتركه أحد. وإنما روى مروان بن معاوية الفزاري عن معاوية بن أبي العباس أحاديث عن شيوخ الثوري، وهي معروفة من حديث الثوري، فقال ابن نمير -وأخذه عنه أبو زرعة وغيره-: إن معاوية بن أبي العباس رجل متروك، كان جارًا للثوري، فلما مات الثوري أخذ معاوية كتبه فرواها عن شيوخه فسمعوا منمع ثم فطنوا لصنيعه فافتضح وتركوه، وبقى مروان يروي عنه (¬3). ¬

_ (¬1) وثقه أحمد ويعقوب بن سفيان والنسائي وابن سعد والعجلي وابن حبان. وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقاله يعقوب بن سفيان في موضع آخر. انظر: "الجرح" (8 / ت 1748)، و"المعرفة والتاريخ" (3/ 95، 239)، و"طبقات ابن سعد" (6/ 339)، و"ثقات ابن حبان" (7/ 467)، و"تهذيب الكمال" (28/ 161)، و"ميزان الاعتدال" (4 / ت 2621) وغيرها. (¬2) ذكره البخاري في "التاريخ الكبير" (7 / ت 1449) بغير جرح أو تعديل، وذكره ابن أبي حاتم في "الجرح" (8 / ت 1764) وسأل أباه فقال: "شيخ". وذكره ابن حبان في "الثقات" (7/ 469). (¬3) قال البرذعي: سألت أبا زرعة عن معاوية بن أبي العباس، قال: فنظرت بدمشق في كتاب لمروان بن معاوية عن معاوية هذا، فرأيت أحاديث عن شيوخ الثوري، وأحاديث يُعرف بها الثوري، وأبوابًا للثوري، فارتبت به وتركته. =

ورأى بعض الحفاظ أن معاوية بن هشام روى تلك الأحاديث عن الثوري، فسمعها منه مروان ثم دلّس مروان اسمه وأسقط الثوري من السند، فدلّس مروان [تدليس] تسوية بعد تدليسه الاسم (¬1). وهذا القول على وهنه كما بينته في تعليقي على: "الموضح" لا يفيد أن معاوية بن هشام روى ما لم يسمع، ولا أنهم تركوه, ولكن ابن الجوزي جمع بين القولين، فإن: القائل إن ابن أبي العباس روى ما لم يسمع وتركوه بنى على أنه غير معاوية بن هشام، والقائل: إنه هو لم يقل إنه روى مما لم يسمع ولا أنهم تركوه. اهـ. وقال الشيخ في ذاك التعليق، وموضعه آخر المنقول عن الدارقطني آنفًا في التعليق السابق رقم (1)، قال: "حاصل هذا القيل الذي تظناه أبو طالب ورآه الدارقطني أوْلى ¬

_ = فذكرت ذلك لابن نمير، فقال: كان هذا جارًا للثوري؛ أخذ كتب الثوري فرواها عن شيوخه. اهـ. "أبو زرعة الرازي" (ص 365)، و"موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/ 424 - 425). وقال ابن عقدة: حدثني عبد الله بن إبراهيم بن قتيبة قال: سألت ابن نمير -أو سُئل-: مروان عن معاوية بن أبي العباس عن أي إسحاق والأعمش ومنصور وأبي الزناد وهشام بن عروة والكوفيين والبصريين؟ فقال: هذا جار للثوري، كان يرى الناس ولزومهم للثوري، فلما مات الثوري أخذ كتبه وجعل يرويها عن شيوخ الثوري، فوقف الناس على ذلك فتركوه وافتضح، نسأل الله العافية. فقلت: فمروان كان وقف على هذا؟. فقال: لو وقف عليه ما حدث عنه اهـ. "الموضح" (2/ 425). (¬1) قال عبد الغني بن سعيد الأزدي: حدثني أبو الحسن علي بن عمر (الدارقطني) قال: قال لي أبو طالب أحمد بن نصر بن طالب الحافظ: معاوية بن أبي العباس هو عندي: معاوية بن هشام, دَلَّسَهُ مروان الفزاري، وأسقط الثوري في أحاديثه كلها، فذكر من بعد الثوري، منها .. و .. و .. وهذه الأحاديث عن معاوية بن هشام عن الثوري. قال أبو الحسن علي بن عمر: وقول أبو طالب عندي أولى وأليق بمروان بن معاوية الفزاري أنه يروي أحاديث عن علي بن غراب فيقول: حدثني علي بن أبي الوليد، ويروي عن الحكم بن ظهير فيقول: حدثني الحكم بن أبي خالد، ويروي عن نظرائه في السن ومن دون سنه فيذكرهم بكنى آبائهم اهـ "الموضح" (2/ 425 - 426).

من قول ابن نمير الذي ارتضاه أبو زرعة وغيره: هو أن مروان سمع تلك الأحاديث من معاوية بن هشام عن الثوري عن حبيب بن أبي ثابت ومنصور وغيرهما، فرواها مروان مدلِّسًا لاسم شيخه ومدلِّسًا التسوية بإسقاطه الثوري، وروايتها عن معاوية عن حبيب ومنصور وغيرهما. وأن ابن نمير لم يفطن لذلك فقال ما قال تظنيًا، ورضي ذلك أبو زرعة وغيره كابن عقدة ولم يفطنوا للواقع". ويرِدُ على هذا أمور: منها: أن مروان وإن عرف بتغيير أسماء بعض شيوخه، فلم يُعْرفْ بتدليس التسوية ولم يوصف به. ومنها: أن ابن نمير ثبت متقن فاضل؛ إليه المنتهى في معرفة شيوخ الكوفيين، حتى كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان فيهم ما يقوله، والثوري كوفي، وجاره -إن كان- كوفي، ومعاوية بن هشام كوفي، وقد صحب ابن نمير جماعة من أصحاب الثوري، وروى عنهم، وكان معاوية بن هشام معه في البلد، وعرف مروان وروى عنه، وقد جزم بأن معاوية بن أبي العباس كان جارًا للثوري، وجرى له كيت وكيت. ومنها: أن الحديث عن معاوية بن هشام منتشر مشتهر، فلو كان مروان إنما روى تلك الأحاديث عنه لظفر الحفاظ بعدد منها، قد رواه غير مروان عن معاوية بن هشام على الوجه كما رواه مروان عن معاوية بن أبي العباس مُسوًّى. فأين ابن نمير ومعرفته بحديث الكوفة؟ أو أين أبو زرعة وسعة حفظه؟ وأين ابن عقدة وما وصفه به الخطيب في أوائل "الموضح" من العلم البالغ بأهل الكوفة مع تبحر حفظه؟ وكذلك أين أبو طالب والدارقطني وعبد الغني والخطيب؟. فالظاهر أنهم لو وجدوا شيئًا من ذلك لشدُّوا به ذاك القيل. وفي هذا وما دونه ما يكفي لتوهين تظني أبي طالب، وإن قوّاهُ الدارقطني والله الموفق. اهـ.

[748] معاوية بن يحيى الشامي أبو مطيع الأطرابلسي الدمشقي

[748] معاوية بن يحيى الشامي أبو مطيع الأطرابلسي الدمشقي: "الفوائد" (ص 224): "ذهب الأكثر بلى أنه أحسن حالًا من الصدفي ووثقه بعضهم، وعكس الدارقطني وذكر أن منايره أكثر من مناكير الصدفي". [749] معاوية بن يحيى الصدفي أبو روح الدمشقي سكن الرقة: "الفوائد" (ص 224): "هالك كان يشتري الصحف فيحدث بما فيها غير مبالٍ أسمع أم لم يسمع". وفي (ص 120): "تالف". [750] معبد بن جمعة أبو شافع الروياني الشاعر: في "الميزان" و"اللسان": "كذبه أبو زرعة الكشي". فقال المعلمي في "التنكيل" رقم (248): "أبو زرعة الكشي هو محمد بن يوسف الجنيدي. قال حمزة السهمي في "تاريخ جرجان" في ترجمة معبد (¬1): "حدثنا عنه جماعة، سمعت أبا زرعة محمد بن يوسف الجنيدي يقول: كان أبو شافع اسمه واسم أبيه واسم جدّه غير ما ذكر، هو غيّر أسماءهم وكان ثقة في الحديث إلا أنه كان يشرب المسكر". فكأن بعضهم استروح إلى قوله: "هو غيّر أسماءهم" فعدّها تكذيبًا، وتبعه غيره بدون تحقيق. وتغير الاسم ليس بكذب، وقد غير النبي -صلى الله عليه وسلم- أسماء جماعة، وغيّر في بعضهم اسمه واسم أبيه، اللهم إلا أن يدعي الرجل أن اسمه لم يزل كذلك، وهذا يدفعه قول الكشي: "وكان ثقة في الحديث". فأما شرب المسكر فقد تأول جماعة في ماعدا الخمر المتفق عليها فيشربون القدر الذي لا يسكرهم، ولم يعد أهل العلم ذلك قادحًا في العدالة، وإن ذمّ أكثرهم ذلك. ¬

_ (¬1) (ص 475).

[751] معبد بن عبد الله بن هشام بن زهرة بن عثمان التيمي والد زهرة بن معبد

فهذا هو الذي وقع من أبي شافع بدليل قول الكشي: "وكان ثقة في الحديث". والله المستعان. اهـ. [751] معبد بن عبد الله بن هشام بن زهرة بن عثمان التيمي والد زهرة بن معبد: "الفوائد" (ص 23): "لم يرو عنه إلا ابنه: زهرة، ولم يوثقه أحد، إلا أن ابن حبان ذكره في الثقات على عادته". [752] معمر بن راشد الأزدي مولاهم أبو عروة البصري نزيل اليمن: "الفوائد" (ص 468): "رجح الإمام أحمد: عبد الرزاق عن معمر على غيره عن معمر، وعلّل ذلك بأن معمرًا كان يتعاهد كتبه باليمن حيث سمع منه عبد الزراق، فأما في البصرة فحدثهم من حفظه". اهـ. ولمعمر ذكر في ترجمة سعيد بن أبي عروبة، فراجعه. [753] المغيرة بن سقلاب الحراني أبو بشر قاضي حران: "التنكيل" (2/ 15): "قال ابن التركماني: ضعفه ابن عدي. وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه صالح (¬1)، وعن أبي زرعة: جزري لا بأس به". قال المعلمي: "الراوي الذي يطعن فيه محدثو بلده طعنًا شديدًا لا يزيده ثناء بعض الغرباء عليه إلا وهنًا؛ لأن ذلك يُشْعر بأنه كان يتعمد التخليط, فتزين لبعض الغرباء واستقبله بأحاديث مستقيمة فظن أن ذلك شأنه مطلقًا فأثنى عليه، وعرف أهل بلده حقيقة حاله. وهذه حال المغيرة هذا، فإنه جزري أسقطه محدثو الجزيرة. فقال أبو جعفر النفيلي: "لم يكن مؤتمنًا". ¬

_ (¬1) في "الجرح" (8 / ت 1004): صالح الحديث.

[754] المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام - بمهملة وزاي- الحزامي، المدني، لقبه: "قصي"

وقال علي بن ميمون الرقي: "كان لا يسوي بعرة". وأبو حاتم وأبو زرعة رازيان كأنهما لقياه في رحلتهما فسمعا منه فتزيّن لهما كما تقدم فأحسنا به الظن. وقد ضعّفهُ ممن جاء بعد ذلك: الدارقطني وابنُ عدي لأنهما اعتبرا أحاديثه .. وهو تالف على كل حال". اهـ. [754] المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حِزام - بمهملة وزاي- الحِزامي، المدني، لقبه: "قصيّ": "التنكيل" (2/ 169) قال ابن التركماني: "مغيرة قال فيه ابن معين: ليس بشيء". قال المعلمي: "هذا حكاه عباس عن ابن معين. وقد قال الآجري: "قلت لأبي داود: "إن عباسًا حكى عن ابن معين أنه ضعّف مغيرة بن عبد الرحمن: "الحزامي" ووثق مغيرة بن عبد الرحمن: "المخزومي". فقال: غلط عباس" (¬1). والحزامي احتج به الشيخان وبقية الستة، وقال أبو زرعة: "هو أحب إلي من ابن أبي الزناد وشعيب". يعني في حديث أبي الزناد كما في "التهذيب". اهـ. وقال الشيخ في القاعدة السادسة من قسم القواعد من "التنكيل" (1/ 64): في الرواة: 1 - المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي. 2 - والمغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي. 3 - والمغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي. حكى عباس الدوري عن يحيى بن معين توثيق الأول، وتضعيف الثالث (¬2). ¬

_ (¬1) قد تابع الدوريَّ في ذلك كله: ابنُ محرز، كما سيأتي. (¬2) بل الثاني.

فحكى ابن أبي حاتم عن الدوري عن ابن معين توثيق الثاني (¬1)، ووهمّه المزي. ووثّق أبو داود الثالث (¬2)، وضعف الأول، فذُكرت له حكاية الدوري عن ابن معين فقال: غلط عباس (¬3). والحزامي احتج به الشيخان وبقية الستة، وقال أبو زرعة: "هو أحبُّ إليّ من ابن أبي الزناد وشعيب" يعني في حديث أبي الزناد كما في "التهذيب". اهـ. ¬

_ (¬1) بل الأول. (¬2) بل الثاني، كما سيأتي. (¬3) هكذا ساق الشيخ المعلمي هذا الفصل، ولم أر في الثالث كلامًا لابن معين أصلًا، والظاهر أن المعلمي رحمه الله سبق قلمه أو انتقل بصره عند النقل. وإنما جاء الخلاف فيمن وقع عليه كلام ابن معين في رواية الدوري. والواقع في "تاريخ الدوري" (2/ 581): المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي ثقة. وهذا الرسم يشترك فيه اثنان: الأول: المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي أبو هاشم ويقال أبو هشام المدني. الثاني: المغيرة بن عبد الرحمن بن هشام بن المغيرة المخزومي أبو هاشم ويقال أبو هشام أيضًا المدني أخو أبي بكر بن عبد الرحمن. فأورد ابن أبي حاتم قول الدوري في ترجمة الثاني، وكذا تبعه أبو القاسم بن عساكر "تاريخ دمشق" (17/ 94 - الظاهرية). فوهَّمَهُمَا المزي في ذلك، وجزم بأن نقل الدوري عن ابن معين إنا هو في الأول، واستدل بما رواه ابن عساكر بسنده إلى أبي بشر الدولابي عن معاوية بن صالح قال في تسمية تابعي أهل المدينة ومحدثيهم: "المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، لم يعرفه ابن معين". أقول: قد وافق ابنُ محرز: الدوريَّ في نقله عن ابن معين توثيق المخزومي -ولم يُعَيِّنْهُ أيضًا- وضعفَ الحزامي. كما في "سؤالاته" (1/ 173)، (1/ 246). فإذا أضيف بلى ذلك نقل معاوية بن صالح عن ابن معين أنه لم يعرف الثاني -وهو ابن هشام بن المغيرة- ترجح أن نقل الدوري وابن محرز عنه التوثيق إنا هو لمن عرفه وهو الأول -أي ابن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة- كما ذهب إليه المزي، والله تعالى أعلم.

[755] المفضل بن غسان بن المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي

[755] المفضل بن غسان بن المفضل أبو عبد الرحمن الغلابي: ترجمته في "التنكيل" رقم (249) وليس فيها مما يتعلق به شيءٌ، وإنما فيها ذِكْرُ: "الجوزجاني" و"أبي حنيفة" وإشارة إلى أثر: "المخالفة في المذهب" في الاعتداد بأقوال المختلفين بعضهم في بعض، وكذا الحكم المجمل "للجرح الغير المفسر". وترى ذلك في مواضعه من هذا الكتاب, والله الموفق. [756] منصور بن أبي مزاحم: بشير التركي أبو نصر البغدادي الكاتب: "التنكيل" (250): "ذكروا أنه كان كاتبًا في الديوان، ثم ترك ذلك وتجرد للحديث، وهو عندهم ثقف قال أبو زرعة عن ابن معين: "تركي ثبت" وقال أبو حاتم: "صدوق" وذكر أنه سأل ابن معين عنه فأثنى عليه وقال: "كتبت عنه". وقال الدارقطني: "ثقة, وأخرج له مسلم في "صحيحه" وأبو داود والنسائي وخطأه أحمد في حديث، ولا يضره ذلك". اهـ. [757] منصور بن عمار الواعظ ابن السري خراساني وبقال بصري والد سليم: في "الفوائد" (ص 419) حديث: "سيكون في أمتي رجل يقال له: وهب، يهب الله له الحكمة، ورجل يقال له غيلان، هو أضر على أمتي من إبليس". قال المعلمي: "في اللآلىء" أن الطبراني أخرجه من طريقين عن ابن لهيعة: الأولى: من طريق مجاشع بن عمرو، وهو وضاع. والثانية: عن الحسن بن العباس الخراساني -وهو ثقة ترجمته في "تاريخ بغداد" (7/ 397) - عن سليم بن منصور، عن أبيه، عن ابن لهيعة، وزاد ابن الجوزي: "وسليم ذاهب الحديث". أقول: أبوه أذهبُ منه على فضله.

[758] موسى بن إسماعيل المنقري مولاهم أبو سلمة التبوذكي البصري

وأحسب بعض الدّجّالين كتب صحيفة فيها عدة أخبار منها هذا الخبر، فقرأها -أو بعضها- على ابن لهيعة، وسكت ابن لهيعة على عادته بأخرة كما مرّ في التعليق (ص 215) فتلقفها من كان حاضرًا من الضعفاء كمنصور وغيره فانتسخوها وراحوا يروونها عن ابن لهيعة". اهـ. [758] موسى بن إسماعيل المِنْقري مولاهم أبو سلمة التبوذكي البصري: "التنكيل" رقم (251): "مجمع على ثقته والاحتجاج به". [ز 17] موسى بن جبير الأنصاري المدني الحذاء مولى بني سلمة: "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 492): "ذكره ابن حجر في "التقريب" وقال: "مستور"، وذكره ابن حبان في "ثقاته" لكنه قال: "يخطىء ويخالف"، وذِكْرُ ابن حبان للرجل في "ثقاته" وإخراجه له في "صحيحه" لا يخرجه عن جهالة الحال، فأما إذا زاد ابن حبان فغمزه بنحو قوله هنا: "يخطىء ويخالف" فقد خرج عن أن يكون مجهول الحال إلى دائرة الضعف". اهـ. [759] موسى بن سيار الأسواري عن أنس: "الفوائد" (ص 169): "مترجم في "اللسان" (6/ 120 و 136 رقم 415، 470)، ويظهر من ترجمته أنه لم يدرك أنسًا وأنه كان قدريًا زائغًا وذكر من قوله: "أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كانوا أعرابًا جفاةً، فجئنا نحن أبناء فارس فلخصنا هذا الدين". اهـ. [760] موسى بن عقبة بن أبي عياش القرشي الأسدي أبو محمد المدني صاحب المغازي: "مقام إبراهيم" (ص 186): "ثقة أدرك بعض الصحابة، لكن ذكروا أنه تتبع المغازي بعد كبر سنه، فربما يسمع ممن هو دونه". وتراجع ترجمته في القسم الثاني من هذا الكتاب.

[761] موسى بن المساور أبو الهيثم الضبي

[761] موسى بن المساور أبو الهيثم الضبي: "التنكيل" (252) قال الكوثري: "من رجال "الحلية" مجهول الحال ولم أر من وثقه". قال المعلمي: "قال أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين": روى عن سفيان بن عيينة وعبيد الله بن معاذ ووكيع والناس، وكان خيرًا فاضلًا، ترك ما ورثه من أبيه لإخوته ولم يأخذ منه شيئًا لأن أباه كان يتولى للسلطان .. ". ونحو ذلك في "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم. وبهذا يثبت أن الرجل عدل صدوق، ويبقى النظر في ضبطه، وسكوت هذين الحافظين وغيرهما من حفاظ أصبهان وغيرهم عن الكلام في روايته يدل أنه لم يكن به بأس". اهـ. [762] موسى بن وردان القرشي العامري مولاهم أبو عمر المصري مدني الأصل: "الفوائد" (ص 260): "صدوق يخطىء وكان قاصًا". [763] مُؤمّل بن إسماعيل البصري أبو عبد الرحمن نزيل مكة: "التنكيل" (253) قال الكوثري: "يقول فيه البخاري: منكر الحديث. ويقول أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير". قال المعلمي: "وثقه إسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، ووثقه أيضًا ابن سعد والدارقطني، ووصفاه بكثرة الخطأ، ولخّص محمد بن نصر المروزي حاله فقال: "إذا انفرد بحديث وجب أن يتوقف فيه ويتثبت؛ لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط". فحدُّه أن لا يحتج به إلا فيما توبع فيه, وفيما ليس من مظانّ الخطأ". اهـ.

[764] مؤمل بن إهاب الربعي العجلي أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل الرملة أصله من كرمان

[764] مُؤمّل بن إِهاب الرّبعِيّ العجلي أبو عبد الرحمن الكوفي نزيل الرملة أصله من كرمان: "التنكيل" (254). وقد قال ابن الجنيد: سئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن مؤمل بن إهاب فكأنه ضعفه. قال الشيخ المعلمي: " .. وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب من: "مقدمة الفتح" مثل هذه الكلمة: "كأنه ضعيف" فدفعها الحافظ ابن حجر بقوله: "هذا ظن لا تقوم به حجة". هذا وتردُّدُ ابن الجنيد يحتمل وجهين أظهرهما: أن يكون جرى من ابن معين عندما سئل عن مؤمل ما يشعر بأنه لم يعجبه مؤمل، ولا ندري ما الذي جرى منه وما قدر دلالته؟ على أنهم مما يقولون: "ضعفه فلان" مع أن الواقع من فلان تليين يسير، كما تقدمت الإشارة إليه في القاعدة السادسة من قسم القواعد، فما بالك بقوله: "فكأنه ضعفه"؟ وإنما ينقل أهل العلم أمثال هذه الكلمة لاحتمال أن يوجد تضعيف صريح فيكون مما يعتضد به، فأما هنا فلا يوجد إلا التوثيق. نعم الثقات يتفاوتون في درجات التثبت، ويظهر أن مؤملًا لم يكن في أعالي الدرجات، ففي الرواة من هو أثبت منه، وإنما يظهر أمر ذلك عند التخالف والتعارض عند الأولين.

[765] مهنأ بن يحيى أبو عبد الله شامي الأصل، من كبار أصحاب الإمام أحمد ابن حنبل

وإذا اشتبه الأمر في المنقول عن إمام، وجب الرجوع إلى المنقول عن غيره، وقد ذكرت في "الطليعة" توثيق الأئمة المؤمل (¬1)، وبذلك يرجح رجحانًا ظاهرًا أن ابن معين لم يضعفه (¬2)، والله المستعان. اهـ. [765] مهنأ بن يحيى أبو عبد الله شامي الأصل، من كبار أصحاب الإمام أحمد ابن حنبل: "التنكيل" رقم (255) قال الكوثري: "قال أبو الفتح الأزدي .. منكر الحديث، وتابعه الخطيب". فقال الشيخ المعلمي: "الأزدي نفسه متكلم فيه، حتى رُمي بالوضع، وقد ردّ ابن حجر في مواضع من: "مقدمة الفتح" جرْحهُ وبيّن أنه لا يُعتد به. وقول الكوثري: "وتابعه الخطيب" باطل، فقد روى ابن الآبنوسي عن الخطيب: "كل من ذكرت فيه أقاويل الناس من جرح أو تعديل فالتعويل على ما أخّرْتُ". كما في "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 315). وهاهنا بدأ الخطيب في ترجمة مهنأ بحكاية قول الأزدي، ثم أتبعها برواية السلمي عن الدارقطني: "ثقة نبيل"، ثم ذكر مكانة مهنأ عند أحمد وثناء أصحابه عليه، فعلم بذلك أن التعويل عنده على التوثيق. وبهذا يعلم ما في عبارة ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 8 ص 368) في تجنياته على الخطيب: "ذكر مهنأ بن يحيى وكان من كبار أصحاب أحمد وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحكى بعد (!) ذلك عن أبي الفتح الأزدي .. وهو يعلم أن ¬

_ (¬1) قال أبو حاتم: "صدوق" وقال النسائي: "لا بأس به" وقال مرة: "ثقة"، وقال مسلمة بن قاسم: "ثقة صدوق". "الطليعة" (ص 46). (¬2) يعني ضعفًا مطلقًا، ولا يعارض هذا حمل كلمة ابن الجنيد على التليين الهيِّن، والله تعالى أعلم.

الأزدي مطعون فيه عند الكُلّ .. فلا يستحي الخطيب أن يقابل قول الدارقطني في مهنأ بقول هذا ثم لايتكلم عليه؟ ". أقول: عفا الله عنك يا أبا الفرج، ما أرى الباعث لك على التجني على الخطيب إلا ما قدمته في ترجمته (¬1). وعليك في كلامك هذا مؤاخذات. الأولى: أن الموجود في "تاريخ الخطيب" تعقيب كلمة الأزدي بحكاية السلمي عن الدراقطني كما مرّ. الثانية: أن هذا مع ذكر مكانة مهنأ عند أحمد وثناء أصحابه عليه في قوة الردّ على كلمة الأزدي كما مرّ. الثالثة: أنك إذْ ذكرت ما قيل في الأزدي كان ينبغي أن تذكر ما قيل في السلمي حاكي التوثيق عن الدارقطني، وقد ذكرت ترجمته في "المنتظم" (ج 8 ص 6) وفيها قول محمد بن يوسف القطان: "كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئًا يسيرًا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله ابن البيِّع حدث عن الأصم بـ "تاريخ يحيى بن معين" وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث". ولم تتعقبْ هذا ولا ذكرت ما يخالفه (¬2). الرابعة: أن الأزدي ذكر متمسكه, فلا يسوغ ردّ قوله إلا ببيان سقوط حجته. أما متمسك الأزدي فهو أن مهنأ روى عن زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري عن علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب عن جابر حديثًا في الجمعة. ¬

_ (¬1) يعني ترجمة الخطيب، وراجع ترجمة ابن الجوزي من كتابنا هذا في قسم تراجم الأئمة والمصنفين. (¬2) راجع ترجمة محمد بن الحسين السلمي من كتابنا هذا.

[766] ميسرة بن حبيب النهدي أبو حازم الكوفي

ولا يعلم رواه أحد غيره عن زيد بن أبي الزرقاء ولا عن غيره عن سفيان الثوري. فلا يعرف عن الثوري إلا بهذا الإسناد. وإنما يعرف من رواية عبد الله بن محمد العدوي التميمي، رواه عن علي بن زيد، والعدوي طعنوا فيه، وقال وكيع: "يضع الحديث" وحكى ابن عبد البر عن جماعة أهل العلم بالحديث أنهم يقولون: إن هذا الحديث من وضعه, كذا في ترجمة العدوي من "التهذيب". وفي ترجمة مهنأ من "اللسان" عن ابن عبد البر: "لهذا الحديث طرق ليس فيها ما يقوم به حجة، إلا أن مجموعها يدل على بطلان قول من حمل على العدوي أو على مهنأ بن يحيى". فلو كان ابن الجوزي نظر في هذا الحديث وحقق لكان أصلى به مما صنع. وعلى كل حالٍ فغاية ما في الباب أن يكون مهنأ أخطأ في سند هذا الحديث، فكان ماذا؟! وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان من خيار الناس في حديث أحمد ابن حنبل وبشر الحافي، مستقيم الحديث". ويكفيه مكانته عند أحمد وثناء أصحابه عليه، والله أعلم. اهـ. [766] ميسرة بن حبيب النهدي أبو حازم الكوفي: "الفوائد" (ص 379): "موثق" (¬1). ¬

_ (¬1) وثقه أحمد وابن معين والنسائي ويعقوب بن سفيان، وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الآجري: قلت لأبي داود: ثقة؟ قال: هو معروف.

[767] ميمون أبو عبد الله البصري الكندي مولى عبد الرحمن بن سمرة

[767] ميمون أبو عبد الله البصري الكندي مولى عبد الرحمن بن سمرة: "الفوائد" (ص 364): "كان يحيى القطان لا يحدث عنه, وسئل عنه, فحمض وجهه، وقال: "زعم شعبة أنه كان فسلًا". وقال الإمام أحمد: "عنده مناكير" (¬1). وقال النسائي والحاكم أبو أحمد: "ليس بالقوي". وقال ابن حبان في "الثقاقيات" (¬2): "كان يحيى القطان سيء الرأي فيه". ولم يتعقب ابن حبان هذا بشيء, وقد عرف من صنيعه أنه قد يذكر الرجل في "الثقات" ويضعفه أو يتردد فيه، فهذا من ذاك (¬3). وقال الحافظ ابن حجر في التقريب: "ضعيف" وهي المرتبة الثامنة عنده، مع أن الخامسة عنده مرتبة: "صدوق سيء الحفظ" ونحوها، فيظهر من هذا ومن صنيعه في مواضع أن من يقول فيه: "ضعيف" عنده أنه لم يثبت كونه لا يتعمد الكذب، ومع هذا تسمح فقال في "القول المسدد": "وثقه غير واحد". وفي الفتح لما ذكر خبره: "رجاله ثقات". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) في "الجرح والتعديل" (8 / ت 1057)، و"تهذيب الكمال" (29/ 232)، و"تهذيبه" (10/ 393): "أحاديثه مناكير" وبينهما فرق. (¬2) (5/ 418). (¬3) وقال ابن معين: لا شيء. "الجرح"، وذكره غير واحد في الضعفاء.

حرف النون

حرف النون [768] ناصح بن عبد الله المحلمي أبو عبد الله الكوفي الحائك صاحب سماك ابن حرب: "الفوائد" (ص 364): "شيعي، منكر الحديث، ذاهب الحديث، متروك الحديث، روى عن سماك عن جابر بن سمرة أشياء لا تعرف". اهـ. [769] نجيح بن عبد الرحمن السندي أبو معشر المدني مولى بني هاشم: "الفوائد" (ص 108): "ضعيف جدًّا ولا سيما في بعض شيوخه (¬1) ومنهم ابن المنكدر، ومع ذلك اختلط قبل موته بمدة". وفي (ص 279): "كان أول أمره ضعيفًا، ثم اختلط اختلاطًا شديدًا، وجاء بأحاديث منكرة ولا سيما في روايته عن سعيد المقبري مع أن سعيدًا نفسه اختلط أيضًا". [770] نزار بن حيان الأسدي مولى بني هاشم: "التنكيل" (1/ 388 - 389)، روى القاسم بن حبيب عن نزار بن حيان عن عكرمة حديثًا في ذمّ القدرية والمرجئة، استنكره غير واحد من أهل العلم، فبحث الشيخ المعلمي فيمن تلصق به تبعة هذا الحديث، فقال: "نزار بن حيان لم يوثقه أحد، وذكره ابن حبان في "الضعفاء" (¬2) وقال: "يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه ¬

_ (¬1) قال عمرو بن عليّ الفلاس: أبو معشر ضعيف, ما روى عن محمد بن قيس ومحمد بن كعب ومشايخه فهو صالح، وما روى عن المقبري، وهشام بن عروة, ونافع، وابن المنكدر رديئة لا تكتب. "تاريخ بغداد" (13/ 430). (¬2) "المجروحين" (3/ 56) وأوَّل كلامه: "قليل الرواية، منكر الحديث جدًّا .. ".

حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لذلك" .. فكأن ابن حبان يشير إليه -يعني هذا الحديث (¬1). والقاسم قد روى عن عكرمة، فلو أراد الكذب لروى ذاك الحديث عن عكرمة رأسًا وربح العلو وشهادة نزار له. وقد تابع القاسم على رواية هذا الحديث عن نزار: ابنه عليُّ بن نزار، وقال ابن معين في علي بن نزار: "ليس حديثه بشيء" لعله أراد هذا الحديث (¬2). وعلي بن نزار قد روى عن عكرمة، فلو أراد الكذب لروى هذا الحديث عن عكرمة رأسًا وربح العلو والشهادة لأبيه، وقال ابن عديّ في ترجمة عليّ في هذا الحديث: "أنكروه على علي وعلى والده". ويؤخذ من "الميزان" أن بعضهم رواه عن فضيل عن نزار وابنه (¬3) عن عكرمة ولكن أشار الذهبي إلى أن المحفوظ: "عن ابن فضيل عن القاسم بن حبيب وعلي بن نزار" يعني كلاهما عن نزار عن عكرمة كما في "سنن الترمذي" (¬4). ¬

_ (¬1) ذكر ابن حبان في ترجمته ما رواه المعافى بن عمران قال: حدثنا القاسم بن حبيب عن نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا القدر فإنه شعبة من النصرانية" وهو الحديث المشُار إليه آنفًا، فقد ذكره ابن عديّ في ترجمة: على بن نزار بهذا اللفظ أيضًا، ثم قال في اللفظين جميعًا: وهذا أحد ما أنكروه عَلَى عَلِي بن نزار وعَلَى والده نزار. "الكامل" (5/ 1838). (¬2) قال ابن عدي: "وعلي بن نزار لا أعلم له كثير رواية , وهو أشهر عند الناس بحديثه الذي رواه عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في القدرية". اهـ. (¬3) هكذا في "التنكيل"، والذي في "الميزان" (3/ 159) تبعًا لما في "الكامل": ما رواه علي بن المنذر ثنا ابن فضيل حدثني أبي وعلي بن نزار، عن نزار، عن عكرمة .. قال الذهبي: لكن خولف على بن المنذر فيه, فرواه على بن حرب حدثنا ابن فضيل، فقال: عن القاسم بن حبيب وعلي بن نزار ... (¬4) حديث رقم: (2149).

[771] نصر بن عاصم الأنطاكي

فالذي يتجه اتجاهًا واضحًا أن الحمل في هذا الحديث على نزار له غُنْمُه وعليه غُرْمُه." (¬1). [771] نصر بن عاصم الأنطاكي: "الفوائد" (ص 503): "ليّن الحديث" (¬2). [772] نصر بن مزاحم العطار المنقري الكوفي أبو الفضل، سكن بغداد: قال: ثنا عبد الله بن مسلم الملائى عن أبيه عن جده عن علي بحديث الأمر بسد أبواب المسجد إلا باب علي. "الفوائد" (ص 365): "رافضي غال متروك. قال أبو خيثمة: "كان كذابًا" وشيخه وأبوه وجدّه لم أجدهم". اهـ. [773] النضر بن إسماعيل بن حازم البجلي أبو المغيرة الكوفي القاصّ إمام مسجد الكوفة: "الفوائد" (ص 220): "ضعيف". ¬

_ (¬1) ثم ذكر الشيخ المعلمي متابعة سلَّام بن أبي عمرة لنزار في روايته عن عكرمة هذا الحديث، ثم قال: لكن تكلموا في سلَّام فقال ابن معين: "ليس بشيء"، وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج بخبره، وهو الذي روى عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا: صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية". "المجروحين" (1/ 341) وانظر "الكامل" (3/ 1155). (¬2) قاله الحافظ ابن حجر في "التقريب". ونصر من شيوخ أبي داود في "السنة"، وروى عنه جماعة غيره وذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 217). وذكره ابن وضاح في مشايخه وقال فيه شيخ. "تهذيب التهذيب" (10/ 428). وذكره العقيلي في "الضعفاء" (4/ 298) وذكر له حديثًا منكرًا عن الوليد بن مسلم وقال: "لا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به". وذكره الذهبي في "الميزان" (4/ 252) ووقع فيه من قول الذهبي: "محدث دجَّال" هكذا بالدال, وهو خطأ فاحش، صوابه: "رَحَّال" بالراء فقد قال الذهبي في "تاريخ الإسلام"، الطبقة (24): "رحل إلى النواحي في طلب العلم". وقال في "الكاشف" (3 / ت 5915): "له رحلة ومعرفة".

[774] النضر بن سلمة شاذان أبو محمد المروزي سكن مكة

[774] النضر بن سلمة شاذان أبو محمد المروزي سكن مكة: "الفوائد" (ص 220): "وضاع". [775] النضر بن شفي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الفوائد" (ص 470): "حدّه أن يكون من أتباع التابعين وهو مجهول جدًّا (¬1) والخبر معضل" (¬2). [776] النضر بن طاهر أبو الحجاج القيسي البصري: "الفوائد" (503): "ممن يكذب". [777] نعيم بن حماد بن معاوية بن الحارث الخزاعي أبو عبد الله المروزي الفارض الأعور نزيل مصر: "الفوائد" (ص 209): "كثير الغلط". وفي (ص 467): بنحوه. وفي (ص 405): "فيه كلام يوجب التوقف عما ينفرد به، .. وقد ذكر ابن أبي حاتم هذا الخبر (¬3) في "العلل" (2/ 373) وذكر عن أبيه أن نعيمًا لم يتابع على وصله، وغيرُه يرويه عن مروان "بن جناح" (¬4) مرسلًا لا يذكر الصحابي، ومراسيل الشاميين في هذا الباب ساقطة البتة". وفي (ص 448): "قال ابن الجوزي: قال ابن عديّ: "يضع" وهذا وهم قبيح من ابن الجوزي، إنما حكى ابن عديّ عن الدولابي عن بعضهم، ولا يُدرى من هو. ¬

_ (¬1) قاله ابن القطان، وانظر "اللسان" (6/ 162). (¬2) هو خبر "من ولد له ثلاثة أولاد فلم يسم أحدهم محمدًا فقد جهل". (¬3) وهو في فضل معاوية -رضي الله عنه-، ووقع في "علل الرازي": "نفيع" بدلًا من "نعيم"، وهو خطأ. (¬4) نعيم يروي هذا الحديث عن محمد بن شعيب بن شابور عن مروان بن جناح، لا عن مروان مباشرة.

وردّه ابن عديّ، وحمل على الدولابي، راجع ترجمة نعيم في "تهذيب التهذيب" و"مقدمة الفتح". اهـ. وترجم له الشيخ في "التنكيل" رقم (258) ترجمة مطوّلة، نقل فيها قول الكوثري في نعيم: "معروف باختلاق مثالب ضد أبي حنيفة، وكلام أهل الجرح فيه واسع الذيل، وذكره غير واحد من كبار علماء أصول الدين في عداد المجسمة بل القائلين باللحم والدم. وقال الأستاذ (ص 107): "له ثلاثة عشر كتابًا في الرد على من يسميهم: الجهمية، ودعا إليها العجلي فأعرض عنها .. ولا شك أنه كان وضاع مثالب كما يقول أبو الفتح الأزدي وأبو بشر الدولابي وغيرهما، وكم أتعب نعيم أهل النقد بمناكيره، ويوجد من روى عنه من الأجلة رغبة في علو السند، ولا يرفع ذلك من شأنه إن لم يضع من شأن الراوي، ومن حاول الدفاع عنه يتسع عليه الخرق". فقال الشيخ المعلمي جوابًا على هذه الافتراءات: "نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة، ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته إذ حاولوا إكراهه على أن يعزف بخلق القرآن فأبى فخلدوه في السجن مثقلا بالحديد حتى مات، فجُرّ بحديده فأُلقى في حفرة ولم يكفن ولم يصل عليه -صلت عليه الملائكة- حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب، على أنه لم يجرؤ منهم على تكذيبه أحد قبل الأستاذ، إلا أن أحدهم وهو الدولابي ركب لذلك مطية الكذب فقال: "وقال غيره .. " (¬1). أما عقيدته فعقيدة أئمة السنة المخلدة في كتاب الله سبحانه، وأما الذين كان يسميهم: "الجهمية" فكان أئمة المسلمين في زمانه وقبله وبعده يسمونهم هذا الاسم، وأما إعراض العجلي عن كتبه فلم يعرض عنها مخالفة لنعيم ولا رغبة عن الأخذ عنه وهو ممن وثق نعيمًا كما يأتي، وإنما كان العجلي مستغرقًا في الحديث فلم يحب أن ¬

_ (¬1) سيأتي مزيد إيضاح لصنيع الدولابي قريبًا.

يتشاغل بالنظر في أقوال المبتدعة والرد عليها؛ إشفاقًا على نفسه من أن يعلق به بعض أوضارها. وأما كلام أئمة الجرح والتعديل فيه فهو بين موثقٍ له مطلقا، ومُثنٍ عليه ملينٍ [لما] ينفرد به مما هو مظنة الخطأ، بحجة أنه كان لكثرة ما سمع من الحديث ربما يشبه عليه فيخطىء. وقد روى عنه البخاري في "صحيحه" (¬1) وروى له بقية ¬

_ (¬1) قال أبو الوليد الباجي في "رجال البخاري" (2/ 779): 1 - أخرج البخاري في "الصلاة" برواية أبي إسحاق عنه - عن ابن المبارك وهشيم. قلت: الحديث في باب: فضل استقبال القبلة، رقم (392) قال البخاري: حدثنا نعيم قال: حدثنا ابن المبارك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها، وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأمولاهم إلا بحقها، وحسابهم على الله". قال الحافظ ابن حجر في "الفتح" (1/ 592): وقع في رواية حماد بن شاكر عن البخاري: "قال نعيم بن حماد" وفي رواية كريمة والأصيلي: "قال ابن المبارك" بغير ذكر نعيم، وبذلك جزم أبو نعيم في "المستخرج" وقد وقع لنا من طريق نعيم موصولًا في "سنن الدارقطني" وتابعه حماد بن موسى وسعيد بن يعقوب وغيرهما عن ابن المبارك". اهـ. كلام الحافظ. 2 - قال الباجي: أخرج البخاري في "الأحكام" و"المغازي" عن محمود (وهو ابن غيلان) عن عبد الرزاق عن معمر، وعنه (يعني: عن نعيم) عن ابن المبارك عن معمر. قلت: حديث "المغازي" رقم (4339) وهذه متابعة قاصرة. 3 - قال الباجي: وأخرج في "القسامة" عنه عن هشيم عن حصين عن عمرو بن ميمون قال: رأيت في الجاهلية قِرْدةً اجتمع عليها قِرَدَةً قد زنت فرجموها فرجمتها معهم. قلت: هو رقم (3849) وفيه: حدثنا نعيم بن حماد حدثنا هشيم .. قال الحافظ في "الفتح" (7/ 196): "في رواية بعضهم: حدثنا نعيم غير منسوب، وهو المروزي نزيل مصر، وقَلَّ أن يخرج له البخاري موصولًا، بل عادته أن يذكر عنه بصيغة التعليق. ووقع في رواية القابسي: "حدثنا أبو نعيم" وصوبه بعضهم، وهو غلط". اهـ. كلام الحافظ هنا. وقال في "مقدمة الفتح" (ص 470): "لقيه البخاري ولكنه لم يخرج عنه في الصحيح سوى موضع أو موضعين، وعلق له أشياء أخر". أقول: فتلك هي المواضع التي لنعيم في "الصحيح" وواضح أن البخاري لم يخرج له شيئًا معتمدًا عليه, بل إما تعليقًا وإما متابعة. وقد قال المزى ومثله الذهبي: روى عنه البخاري مقرونًا بغيره. فالظاهر أنهما يعنيان ما ذُكر من المتابعة، وإلا فإني لم أر له عنده شيئًا مقرونًا، والله تعالى أعلم.

الستة (¬1) بواسطة إلا النسائي، لا رغبة في علو السند كما يزعم الأستاذ؛ فقد أدركوا كثيرًا من أقرانه وممن هو أكبر منه، ولكن علمًا بصدقه وأمانته، وأن ما نسب إلى الوهم فيه ليس بكثير في كثرة ما روى. فأما الدولابي فهو محمد بن أحمد بن حماد له ترجمة في "الميزان" و"اللسان" قال ابن يونس: "من أهل الصنعة حسن التصنيف وكان يضعف". وقال الدارقطني: "تكلموا فيه (لما) تبين من أمره (الأخير) " (¬2). وذكر ابن عدي قول الدولابي في معبد الجهني الذي روى أبو حنيفة عن منصور بن زاذان عن الحسن عنه, أنه معبد ابن هوذة الذي ذكره البخاري في "تاريخه". قال ابن عدي: "هذا الذي قاله غير صحيح، وذلك أن معبد بن هوذة أنصاري فكيف يكون جهنيًا؟ ومعبد الجهني معروف ليس بصحابي، وما حمل الدولابي على ذلك إلا ميله لمذهبه". وقال ابن عدي أيضًا: "ابن حماد متهم فيما قاله في نعيم بن حماد؛ لصلابته في أهل الرأي". وفي ترجمة نعيم من: "مقدمة الفتح" بعد الإشارة إلى حكاية الدولابي: "وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه لأنه كان شديدًا على أهل الرأي. وهذا هو الصواب" وقال في "التهذيب" "حاشى الدولابي أن يُتّهم، وإنما الشأن في شيخه الذي نقل ذلك عنه فإنه مجهول متهم". ¬

_ (¬1) لم يذكره ابن منجوية في "رجال مسلم"، ورمز له المزي بـ "مق" يعني مقدمة مسلم، وقال الحافظ ابن حجر في "مقدمة الفتح" (ص 470): "روى له مسلم في المقدمة موضعًا واحدًا". اهـ. ولمقدمة مسلم شأن سوى سائر الكتاب، فإطلاق رواية مسلم لنعيم فيه نظر؛ والله تعالى أعلم. (¬2) هكذا جاءت العبارة في "الميزان" (3/ 459)، و"اللسان" (5/ 41 - 42) المطبوعين ومنه ينقل المعلمي, وهو خطأ من الطبع، ففي أصلين خطيين من "اللسان" وهو كذلك في النسخة المطبوعة عن خمس نسخ خطية (6/ 118) منه, ومثله في "سؤالات السهمي" للدارقطني رقم (82) "تكلموا فيه, ما تبين من أمره إلا خير" وهو كذلك في "سير النبلاء" (14/ 309) وغيره وبين العبارتين بون شاسع.

أقول: لا أرى الدولابي يبرأ من عهدة ذاك النقل المريب فإن ابن عدي قال (¬1) كما في "التهذيب": "قال لنا ابن حماد -يعني الدولابي- نعيم يروي عن ابن المبارك قال النسائي: ضعيف، وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب. قال ابن عدي: وابن حماد متهم .. ". فلا يحتمل أن يكون الدولابي سمع تلك الكلمة ممن يعتد بقوله وإلا لصرح به وصرخ به صراخًا. فإن كان سمعها ممن لا يعتد به فلم يكن له أن يحكيها على هذا الوجه، بل كان عليه أن يُعرض عنها لعدم الاعتداد بقائلها، أو على الأقل أن يصرح باسمه. وإن كان لم يسمعها من أحد وإنما اختلق ذلك فأمره أسوأ، وإن كان كنى بقوله: "غيره" عن نفسه كأنه أراد: "وقلت أنا" فالأمر في هذا أخف، وقد عُرف تعصب الدولابي على نعيم، فلا يقبل قوله فيه بلا حجة مع شذوذه عن أئمة الحديث الذين لا يكاد هو يذكر معهم. وأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي فهو نفسه على يدي عدل! وترجمته في "تاريخ بغداد" و"الميزان" و"اللسان" تُبين ذلك، مع أنه إنما نقل كلام الدولابي وإن لم يصرح باسمه، والدليل على ذلك توافق العبارتين، أما عبارة الدولابي فقد مرت، وأما عبارة الأزدي فقال: "قالوا كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب". أما كلام الأئمة فقال الإمام أحمد: "لقد كان من الثقات". وقال العجلي: "ثقة" وقال أبو حاتم مع تشدده: "صدوق" (¬2) وروى عنه البخاري في "صحيحه" (¬3) كما مر، وأخرج له بقية الستة (¬4) إلا النسائي. ¬

_ (¬1) "الكامل" (7/ 2482). (¬2) الذي في "الجرح" (8 / ت 2125)، وعنه المزي في "تهذيب الكمال" (29/ 472): "محله الصدق" ومثله في "تهذيب التهذيب" (10/ 460) ومنه ينقل المعلمي. (¬3) سبق التنبيه على طريقة البخاري في إخراجه عن نعيم، وأنه لم يخرج له احتجاجًا، ولكن تعليقًا أو متابعة. (¬4) مسلم إنما أخرج له موضعًا واحدًا في "مقدمة صحيحه" كما سلف.

وصح عن ابن معين من أوجه أنه قال: "ثقة"، وروى عنه، وجاء عنه أنه مع ثنائه عليه لينه في الرواية، وأتم ذلك رواية علي بن حسين بن حبان، وفيها عن ابن معين: "نعيم بن حماد صدوق، ثقة، رجل "صالح" (¬1)، أنا أعرف الناس به كان رفيقي بالبصرة. إلا أنه كان يتوهم الشىء فيخطىء فيه، وأما هو فكان من أهل الصدق". وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "سمعت النسائي يذكر فضل نعيم بن حماد وتقدمه في العلم والمعرفة والسنن، ثم قيل له في قبول حديثه؟ فقال: قد كثر تفرده عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة فصار في حد من لا يحتج به" (¬2). وهذا يدل أن ما روى عن النسائي أنه قال مرة: "ليس بثقة" (¬3) إنما أراد بها أنه ليس في حد أن يحتج به، وهب أن النسائي شدد فكلام الأكثر أرجح ولاسيما ابن معين، لكمال معرفته ولكونه رافق نعيمًا وجالسه وسمع منه وخبره حتى قال كما تقدم: "أنا أعرف الناس به". وقد أورد له ابن عدي أحاديث انتقدت عليه ثم قال: "وعامة ما أنكر عليه هو الذي ذكرته وأرجو أن يكون باقي حديثه مستقيمًا". وقال ابن حجر في "التهذيب": "أما نعيم فقد ثبتت عدالته وصدقه ولكن في حديثه أوهام معروفة وقد قال فيه الدارقطني (¬4): إمام في السنة كثير الوهم. وقال أبو أحمد الحاكم: ربما يخالف في بعض حديثه. وقد مضى أن ابن عدي تتبع ما وهم فيه، فهذا فصل القول فيه". وإنما أوقع نعيمًا فيما وقع فيه من الأوهام أنه سمع فأكثر جدًّا من الثقات ومن الضعفاء، قال أحمد بن ثابت أبو يحيى: "سمعت أحمد ويحيى بن معين يقولان: نعيم ¬

_ (¬1) وفي "تاريخ بغداد" (13/ 312)، وعنه المزي في "تهذيب الكمال" (29/ 470) وغيره: "رجل صدق". (¬2) "تهذيب الكمال" (29/ 476). (¬3) "تاريخ بغداد" (13/ 312)، وقال في"الضعفاء والمتروكين" له: "ضعيف" (ت 589). (¬4) "سؤالات الحاكم" (503).

معروف بالطلب، ثم ذمه [يحيى] (¬1) بأنه يروي عن غير الثقات. وفي "الميزان" عن ابن معين: "نعيم بن حماد .. كتب عن روح بن عبادة خمسين ألف حديث". هذا ما سمعه من رجل واحد ليس هو بأشهر شيوخه فما ظنك بمجموع ما عنده على كثرة شيوخه؟ وقال صالح بن محمد: "كان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها" (¬2) فلكثرة حديث نعيم عن الثقات وعن الضعفاء واعتماده على حفظه كان ربما اشتبه عليه ما سمعه من بعض الضعفاء بما سمع من بعض الثقات، فيظن أنه سمع الأول بسند الثاني فيرويه كذلك، ولو لم يخطىء وروى كما سمع لتبين أنه إن كان هناك نكارة فالحمل فيها على من فوقه. وقد تقدم أن ابن عدي تتبع ما انتقد على نعيم (¬3)، وذكر الذهبي في "الميزان" ثمانية أحاديث وكأنها أشد ما انتقد على نعيم، وما عداها فالأمر فيه قريب، ولا بأس أن أسوقها هنا وأنظر فيها على مقدار فهْمي. وأسأل الله التوفيق. الحديث الأول: أخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج 4 ص 430): " .. نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة أعظمها فرقة قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين". ¬

_ (¬1) زيادة من "الكامل" لابن عديّ (7/ 2482)، ومثله في "تهذيب الكمال" (29/ 469). (¬2) "تاريخ بغداد" (13/ 475) وتمامه: "وسمعت يحيي بن معين سئل عنمع فقال: ليس في الحديث بشيء، ولكنه كان صاحب سنة". (¬3) ذكر ابن عدي لنعيم عشرة أحاديث، ذكر منها الذهبي ستة, وزاد اثنين لم يذكرهما ابن عدي، ولم يذكر أربعة مما ذكرها ابن عدي، فمجموع ما عندهما اثنا عشر حديثًا.

أقول: هذا الحديث أشد ما أنكر على نعيم، أنكره ابن معين (¬1) ووثق نعيمًا وقال: "شُبِّه له" وقال دحيم: "هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية" (¬2) يعني أن إسناده مقلوب ولهذا الحديث شواهد مرفوعة وموقوفة في "المستدرك" (ج 1 ص 128) و"سنن الدارمي" (ج 1 ص 65) وغيرهما (¬3). وقد تابع نعيمًا على روايته عن عيسى ابن يونس جماعة منهم ثلاثة أقوياء (¬4): سويد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر ¬

_ (¬1) ووثقه وقال: ليس له أصل فقال له محمد بن علي بن حمزة المروزي: كيف يحدث ثقة بباطل؟ فقال: شُبِّهَ له. وبنحوه ذكره أبو زرعة الدمشقي عن ابن معين. "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/ 622)، ومن طريقه الخطيب في "تاريخ بغداد" (13/ 307). (¬2) هو ما رواه الحاكم كتاب (العلم) من "المستدرك" (1/ 128) من طريق الحكم بن نافع ثنا صفوان ابن عمرو عن الأزهر بن عبد الله عن أبي عامر عبد الله بن يحيى قال: حججنا مع معاوية بن أبي سفيان .. فقال معاوية قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن أهل الكتاب تفرقوا في دينهم على ثنتين وسبعين ملة، وتفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين، كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة, ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كا يتجارى الكلب بصاحبه, فلا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله .. ". (¬3) علق الشيخ الألباني على هذا الموضع فقال: فيما أشار إليه المؤلف رحمه الله نظر، فإن الذي في "المستدرك" عدة أحاديث في تفرق الأمة إلى ثلاثة وسبعين فرقة، وهي صحيحة كما بيَّنته في غير هذا الموضع، لكن ليس في شيء منها القياس والتحريم والتحليل، وهو بيت القصيد -كما يقال- في حديث نعيم، والذي عند الدارمي أثر عن ابن مسعود، وعن غيره من التابعين في ذم قوم يقيسون الأمر برأيهم. وفي اعتبار مثل هذا -مع وقفه وقصوره عن الشهادة الكاملة- شاهدًا لحديث نعيم المرفوع نظر ظاهر عندي. فليتأمل. اهـ. أقول: وهو الصواب إن شاء الله تعالى. (¬4) في إطلاق لفظ "المتابعة" على رواية هؤلاء الثلاثة نظرٌ؛ فإن صنيع غير واحد من الأئمة يدل على أن الحديث إنما يعرف بنعيم بن حماد، وأن من رواه عن عيسى بن يونس -غير نعيم- إنما أخذه من نعيم، وأنه لا أصل له، وهَاك البيان: أولًا: قال أبو زرعة الدمشقي: قلت لعبد الرحمن بن إبراهيم (دحيم): حدثنا نعيم بن حماد عن عيسى بن يونس .. بهذا الحديث فَرَدّهُ، وقال: هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية. ثانيًا: قال أبو زرعة: قلت ليحيي بن معين في حديث نعيم هذا، وسألته عن صحته فأنكره. قلت: من أين يُؤْتى؟ قال: شُبّه له. "تاريخ أبي زرعة" (1/ 622). =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وروى الخطيب بسنده إلى محمد بن على بن حمزة المروزي قال: "سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، قال: ليس له أصل. قلت: فنعيم بن حماد؟ قال: نعيم ثقة قلت: كيف يحدث ثقة بباطل؟ قال: شُبِّهَ له". "تاريخ بغداد" (13/ 307 - 308). ثالثًا: قال الخطيب: حدثني محمد بن على الصوري قال: قال لي عبد الغني بن سعيد الحافظ - وذكر حديث عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير .. من حديث نعيم بن حماد، ومن حديث أحمد بن عبد الرحمن بن وهب عن عمه, ومن حديث محمد بن سلام المنبجي، جميعًا عن عيسى - فقال: كل من حدث به عن عيسى بن يونس غير نعيم بن حماد فإنما أخذه من نعيم، وبهذا الحديث سقط نعيم بن حماد عند كثير من أهل العلم بالحديث، إلا أن يحيى بن معين لم يكن ينسبه بلى الكذب، بل كان ينسبه إلى الوهم، فأما حديث ابن وهب فبليته من ابن أخيه, لا منه لأن الله قد رفعه عن ادعاء مثل هذا، ولأن حمزة بن محمد حدثني عن عليك الرازي أنه رأى هذا الحديث ملحقًا بخط طري في قنداق من قنادق ابن وهب لما أخرجه إليه بَحْشَل بن أخي ابن وهب، وأما محمد بن سلام فليس بحجة اهـ "تاريخ بغداد" (13/ 310 - 311). رابعًا: قال ابن عدي في ترجمة نعيم من "الكامل" (7/ 2483): "وهذا الحديث كان يُعرف بنعيم ابن حماد بهذا الإسناد، حتى رواه: عبد الوهاب بن الضحاك، وسويد الأنباري، وشيخ خراساني يقال له: أبو صالح الخراساني، عن عيسى بن يونس". وقال ابن عدي في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن وهب (1/ 189): "هذا حديث رواه نعيم بن حماد عن عيسى، والحديث له، وأنكروه عليه وسرقه منه جماعة, منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، وسويد بن سعيد، وأبو صالح الخراساني، والحكم بن المبارك، وأنكروه على أبي عبيد الله أيضًا -وهو ابن أخي ابن وهب- عن عمه عن عيسى". اهـ. قال أبو أنس: قد أبان دُحَيْم علة هذا الحديث، فإذا هو قد انقلب اسنادُه على نعيم بن حماد ودخل له حديث في حديث، فإن الثابت إنما هو الحديث الذي يخبر عن افتراق اليهود والنصارى على إحدى وسبعين فرقض وأن هذه الأمة تفترق على ثلاث وسبعن. أما هذا القَدْر الذي زاده نعيم وهو "أعظمها فرقة: قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام" فإنما تَوَهَّمَهَا نعيم -وكان شديدًا على أهل الرأى والقياس- من حديث صفوان ابن عمرو بسنده إلى معاوية بن أبي سفيان عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، بلفظ " .. ويخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه .. " فَحَمَل نعيم أصحاب تلك الأهواء على أن المقصود بهم: أهل الرأي، فرواه هكذا، فمنهم من اتهمه بذلك، ومنهم من اعتذر له كابن معين وغيره بأنه قد شُبِّهَ له، يعني تَوَهَّمَ أنه سمع الحديث هكذا. وقد يسمع الإنسانُ الشىءَ بلفظٍ فيقع في نفسه -مما يوافق هواه- معنى غير الذي سمع، فإذا أراد أن يرويه سبق المعنى الذي وقع في نفسه دون الذي سمع، وهذا أحد الأسباب المؤدية إلى دخول الوهم في الرواية. =

الرقي، والحكم بن المبارك. وسويد من رجال مسلم إلا أنه كان في آخر عمره يقبل التلقين (¬1) لكن في ترجمته ما يدل أنه كان إذا نبه على خطأه رجع، وقد روجع في هذا الحديث فثبت على أنه سمع من عيسى بن يونس (¬2). ¬

_ = وهذا هو تفسير قول دحيم في تعليل رواية نعيم لهذا الحديث، وعبارته تدل على الاعتذار عن نعيم، كما صنع ابن معين. وقد زاد ابن معين حكمًا عامًا على الحديث بقوله: "ليس له أصل". وعبَّر عنه سائله: محمد ابن على بن حمزة المروزي بأنه "باطل". ومعنى هذه العبارات عند أهل الفن أن الحديث لا يصح بحال، وليس له إسناد قائم، ومفهومها أن كل اسناد جاء له إنما هو خطأ. وأحيانًا يطلقون هذه العبارة "ليس له أصل" ويُعنون: مِنْ حديث فلان، وقد يكون الحديث محفوظًا من حديث غيره. لكنَّ حديثنا إنما يروى من طريق عيسى بن يونس، فإذا قيل: "ليس له أصل" أو "باطل" كان المراد بطلانه من كل وجهٍ عن عيسى. يوضح ذلك قول الحافظ عبد الغني بن سعيد: "كل مَنْ حدَّث به عن عيسى بن يونس غير نعيم ابن حماد فإنما أخذه من نعيم". وقد عَبَّر ابن عدي عن هذا الأَخْذِ بالسرقة كما مَرَّ. فإذا كان هذا هو قول هؤلاء الحفاظ النقاد، ولم يُؤْثَرْ عن أحدٍ سواهم قولٌ غيره وكان مردُّ مثل هذا إلى حكمهم ونقدهم، فلا يُفرح برواية العدد الكثير -ممن لا تقوم بروايتهم الحجة- لأن تتابع أمثال هؤلاء على مثل هذا مما له نظائر معروفة في كتب الفن، والنقاد لا يغرُّهم كثرة عدد الناقلين, إذا ثبت الخطأ والوهم، ولهم في ذلك تعليلات دقيقة، قد تبيَّنَ منها في حديثنا هذا مثالٌ من قول دحيم، قد شرحناه آنفًا، والله تعالى الموفق. (¬1) راجع ترجمة سويد من هذا الكتاب. (¬2) قال ابن عدي في ترجمة سويد (3/ 1264): سمعت جعفرًا الفريابي يقول: أفادني أبو بكر الأَعْيَن في قطيعة الربيع سنة إحدى وثلاثين -يعني ومائتين- بحضرة أبي زرعة وجمع كبير من رؤساء أصحاب الحديث حين أردت أن أخرج إلى سويد وقال: وَقِّفْهُ وثَبِّتْ منه: هل سمع هذا الحديث من عيسى بن يونس؟ فقدمت على سويد فسألته، فقال: حدثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان .. قال الفريابي: وَقَّفْتُ سويدًا عليه بعد أن حدثني به ودار بيني وبينه كلام كثير. =

والرقي موثق إلا أنه نُسب إلى الاختلاط بأخرة، لكن ذكر ابن حبان أن اختلاطه لم يكن فاحشًا، وراوي هذا الحديث عنه ثقة (¬1)، وهو الذي أخبر بأنه اختلط، فقد يقال: لو علم أنه اختلط اختلاطًا شديدًا وكان إنما سمع منه هذا الحديث عند اختلاطه، لكان الظاهر أن لا يرويه عنه إلا مقرونًا ببيان أنه إنما سمعه منه بعد الاختلاط (¬2). والخواستي وثقه ابن حبان وابن مندة وابن السمعاني (¬3)، وقال ابن عدي في ترجمة سويد: "يقال إنه لا بأس به" لكنه عدّه عند ذكر هذا الحديث في ترجمة أحمد بن عبد الرحمن بن وهب فيمن سرق هذا الحديث من نعيم. وذكر الذهبي في "الميزان" متابعة هؤلاء الثلاثة لنعيم ثم قال: "قلت هؤلاء الأربعة لا يجوز في العادة أن يتفقوا على باطل، فإن كان خطأ، فمن عيسى بن يونس" (¬4) والله أعلم. ¬

_ = قال ابن عدي: وهذا إنما يعرف بنعيم بن حماد ورواه عن عيسى بن يونس، فتكلم الناس فيه بجرَّاه. ثم رواه رجل من أهل خراسان يقال له: الحكم بن المبارك يكنى أبا صالح الخواشتي، يقال إنه لا بأس به, ثم سرقه قوم ضعفاء ممن يعرفون بسرقة الحديث منهم: عبد الوهاب بن الضحاك، والنفر بن طاهر، وثالثهم سويد الأنباري. اهـ. قال أبو أنس: فالظاهر أن سويدًا قد لُقِّنَ هذا الحديث، ثم ثبت عليه بعد ذلك متوهمًا أنه سمعه، ولم يَعْتَدَّ الأئمة بثباته هذا، كما سبق. (¬1) هو هلال بن العلاء الرقي، وانما قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال النسائي: "صالح"، وفي موضع آخر: "ليس به بأس، روى أحاديث منكرة عن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه". وذكره ابن حبان في "الثقات". (¬2) هذا شأن المتثبتين من الأئمة، بل كانوا يمتنعون من الأخذ عمن اختلط أصلًا، فضلًا عن أن يرووا عنه مع بيان حاله، لكن ليس هذا مطردًا عند غيرهم. واحتمال سماع هلال بن العلاء للحديث من عبد الله بن جعفر حال سلامته من الاختلاط من أجل أنه هو الذي أخبر باختلاطه، لا ينهض في دفع حكم النقاد بتفرد نعيم بن حماد بهذا الحديث عن عيسى بن يونس، وإنما غيرُه أخذه منه: إما تدليسًا، وإما سرقة، أو تلقينًا، أو غير ذلك، والله تعالى أعلم. (¬3) راجع ترجمة الخواستى هذا -وهو الحكم بن المبارك- من هذا الكتاب. (¬4) سبق الجواب عن الاعتداد بموافقة هؤلاء لنعيم بن حماد من كلام الأئمة، فارجع إليه.

الحديث الثاني: قال ابن جرير في تفسير سورة: "سبأ": "حدثني زكريا بن أبان المصري قال: ثنا نعيم قال: ثنا الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، عن ابن أبي زكريا، عن رجاء بن حيوة، عن النواس بن سمعان، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أراد الله أن يوحي بالأمر أخذت السموات منه رجفة -أو قال: رعدة- شديدة خوف أمر الله، فإذا سمع بذلك أهل السموات صعقوا وخروا لله سجدًّا، فيكون أول من يرفع رأسه جبرائيل فيكلمه الله من وحيه بما أراد، ثم يمر جبرائيل على الملائكة, كلما مرّ بسماء سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبرائيل؟ فيقول جبرائيل: قال الحق وهو العلي الكبير، قال: فيقولون كلهم مثل ما قال جبرائيل، فينتهي جبرائيل بالوحي حيث أمره الله". سئل عنه دحيم فقال: لا أصل له (¬1). أقول: المتن غير منكر، وله شواهد، ففي "صحيح البخاري" (¬2) من حديث أبي هريرة مرفوعًا: "إذا قفضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانًا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فُزِّع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: [قال] (¬3) الحق وهو العلي الكبير." هكذا في تفسير سورة "سبأ". وأخرجه البخاري أيضًا في "التوحيد" (¬4) وذكر معه: "قال مسروق عن ابن مسعود: إذا تكلم الله بالوحي سمع أهل السموات شيئًا فإذا فزع عن قلوبهم وسكن الصوت عرفوا أنه الحق ونادوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا الحق". وذكر ابن حجر في ¬

_ (¬1) "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/ 622). (¬2) "الفتح" (8 / رقم 4800). (¬3) هكذا في "التنكيل" وليس في الموضع المشار إليه من "الفتح" سوى "قال" واحدة وفي "التوحيد" بدونهما. (¬4) "الفتح" (13 / رقم 7481).

"الفتح" (¬1) طرق حديث ابن مسعود وأنه جاء من عدة أوجه مرفوعًا (¬2) وفي بعض طرقه: " .. فيصعقون فلا يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل، فإذا جاءهم جبريل فزع عن قلوبهم، قال ويقولون: يا جبريل ماذا قال ربكم؟ قال: فيقول الحق، قال: فينادون الحق الحق" وراجع تفسير سورة: "سبأ" من: "تفسير ابن جرير"، وراجع: "الفتح" في تفسير سورة: "سبأ" وفي "التوحيد". فالنكارة في السند فقط (¬3)، وقد يقال: نعيم مكثر جدًّا، وكان يتتبع هذا الضرب من الأحاديث، والوليد مكثر جدًّا تفرد بأحاديث كثيرة فيحتمل هذا الحديث لنعيم، ¬

_ (¬1) (13/ 464). (¬2) قد اختلف في هذا الحديث وقفًا ورفعًا، وقد رجح الدارقطني الوقف وقال: الموقوف هو المحفوظ. "علله" (5/ 242)، سؤال رقم (852). (¬3) وهذا هو المقصود بقول دحيم في هذا الحديث: "لا أصل له" أيْ أن نعيمًا قد تفرد بهذا السياق سندًا ومتنًا، وهو من منكراته التى تفرد بها. وقد قال أبو داود: "كان عند نعيم بن حماد نحو عشرين حديثًا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ليس لها أصل". "تهذيب الكمال" (29/ 475) من رواية الآجري عن أبي داود. ونعيم يكثر من التحديث من حفظه فيخطىء, وينفرد عن المشاهير بأسانيد ومتون لا يتابع عليها، وقد رُوي أنه حدث يومًا -بحضرة ابن معين- بأحاديث عن ابن المبارك عن ابن عون فقال يحيى: ليس هذا عن ابن المبارك فغضب نعيم، فقال يحيى: والله ما سمعتَ أنت هذا من ابن المبارك قطُّ، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قطُّ، فغضب نعيم، فدخل البيت فأخرج صحائف، فلم يجد لا حدث به عن ابن المبارك عن ابن عون أصلًا في كتبه, ثم قال: أين الذين يزعمون أن يحيى ين معين ليس أمير المؤمنين في الحديث، نعم يا أبا زكريا غلطتُ، وكانت صحائف، فغلطتُ، فجعلتُ أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك اهـ. "تهذيب الكمال" (29/ 471)، وقد ذكرها المزي منقطعة فقال: "روى الحافظ أبو نصر اليونارتي بإسناده عن الدوري عن ابن معين". وقد حَدَّث نعيم عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري بحديث، فقال صالح جزرة الحافظ: ليس لهذا الحديث أصل، ولا يعرف من حديث ابن المبارك، ولا أدري من أين جاء به نعيم، وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. "تاريخ بغداد" (13/ 312).

فإن كان هناك خطأ فقد مرّ وجهه (¬1)، والله أعلم. الحديث الثالث: في "تاريخ بغداد" (ج 13 ص 311) من طريق محمد بن إسماعيل الترمذي: "حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا ابن وهب، حدثنا عمرو بن الحارث، عن سعيد ابن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة بن عامر، عن أم الطفيل امرأة أُبي، أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر أنه رأى ربه تعالى في المنام في أحسن صورة شابًا موفرًا رجلاه في خف عليه نعلان من ذهب على وجهه فراش من ذهب". أقول: في "اللآلىء المصنوعة" (ج 1 ص 16) (¬2) بعد ذكر حديث نعيم هذا: "ولم ينفرد بهذا الحديث فقد رواه جماعة عن ابن وهب، قال الطبراني (¬3): حدثنا روح بن الفرج حدثنا يحيى بن بكير ح وحدثنا أحمد بن رشدين حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي وأحمد بن صالح قالوا: حدثنا عبد الله بن وهب -فذكره بسنده ومتنه سواء" ثم ذكر حديث حماد بن سلمة بسنده (¬4) إلى ابن عباس مرفوعًا: "رأيت ربي في صورة شاب له وفرة" وتصحيح أبي زرعة له (¬5)، وعدة متابعات وشواهد له. والطبراني ¬

_ (¬1) قد سبق وصف الأئمة لنعيم بالصدق، وهو نقيض الكذب وقد اعتذر عنه غير واحد من المعتمدين بانه كان يُشَبَّهُ له، فيخطىء, من غير أن يتعمد، لكن كثر منه التفرد بأشياء لا أصل لها، لسوء حفظه، ودخول أحاديث الثقات في أحاديث الضعفاء, فصار يأتي عن الثقات بالمنكرات، فالحكم عليه بكثرة الخطأ، لن يجرَّ إلى رميه بنقيض الصدق إن شاء الله تعالى، والله تعالى الموفق. (¬2) (ص 29) من طبعة دار المعرفة. (¬3) في "الكبير" (25/ 143). (¬4) ذكره السيوطي عن الطبراني في كتاب "السنة" من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس به. (¬5) قال السيوطي عقبال قال الطبراني: سمعت أبا بكر بن صدقة يقول: سمعت أبا زرعة الرازي يقول: "حديث قتادة عن عكرمة عن ابن عباس في الرؤية صحيح رواه شاذان، وعبد الصمد بن كيسان، وإبراهيم بن أبي سويد، لا ينكره إلا معتزلي" اهـ. ولم أر عن أبي زرعة في ذلك شيئًا في "علل ابن أبي حاتم"، ولا في سؤالات البرذعي. والحديث لم أر من صححه, وإنما استنكره غير واحد من الأئمة: =

وروح بن الفرج ويحيى بن بكير من الثقات، وفي يحيى كلام يسير لا يضره, وهو من رجال: "الصحيحين". ويحيى بن سليمان وأحمد بن صالح ثقتان لكن الراوي عنهما أحمد بن رشدين فيه كلام وقد وثقه مسلمة (¬1). وفي "تاريخ بغداد" (¬2) من طريق محمد بن أحمد بن الحداد الفقيه أنه سمع النسائي يقول: "ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله سبحانه؟! " وهذا يشعر بأن النسائي عرف ثبوت الحديث عن ابن وهب بسنده فلم يحمل على نعيم ولا يحيى بن بكير وإنما ترقى إلى مروان بن عثمان، ومروان ضعفه أبو حاتم، وقال ابن حبان في ¬

_ = 1 - قال أبو بكر الخلال في "العلل": أخبرني محمد بن علي قال: حدثني مهنى قال: سألت أبا عبد الله أحمد بن حنبل عن هذا الحديث؟ فحوَّل وجهه عنِّي، قال: هذا حديث منكر، وقال: أيضًا عن عمارة بن عامر. "العلل" لابن الجوزي (1/ 29 - 30). 2 - قال بكر بن سهل: حدثنا عبد الخالق بن منصور قال: رأيت يحيى بن معين كأنه يُهَجِّنُ نعيم بن حماد في حديث أم الطفيل حديث الرؤية ويقول: ما كان ينبغي له أن يحدث بمثل هذا الحديث. "تاريخ بغداد" (13/ 311). 3 - قال النسائي: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يُصَدَّق على الله سبحانه. "تاريخ بغداد" (13/ 311). 4 - قال ابن حبان في "الثقات" (5/ 245): "عمارة بن عامر يروي عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رأيت ربي" حديثًا منكرًا، لم يسمع عمارة من أم الطفيل، وإنما ذكرته لكي لا يغتر الناظر فيه فيحتج به". 5 - قال الذهبي في "السير" (10/ 602): "هذا خبر منكر جدًّا، أحسن النسائي حيث يقول: ومَنْ مروان بن عثمان حتى يُصَدَّق على الله؟ ". 6 - قال ابن حجر في "التهذيب" (10/ 95): وهو متن منكر. - وقد ذكره غيره واحد في كتب الموضوعات والواهيات. وقد رام الشيخ المعلمي دفع ما فيه من النكارة بقوله في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 448): "حاصله رؤيا المنام، تجيء غالبًا على وجه التمثيل المفتقر إلى التأويل، والله أعلم". اهـ. أقول: لكن يدفعه استنكار من سبق ذكره من الأئمة, والله تعالى الموفق. (¬1) راجع ترجمته هنا، وهو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين. (¬2) (13/ 311).

ترجمة عمارة بن عامر: "حديثًا منكرًا، لم يسمع عمارة من أم الطفيل" فأعله بالانقطاع. وعلى كل حال فقد ظهرت براءة نعيم من عهدة هذا الحديث (¬1). الحديث الرابع: قال الترمذي في أواخر "كتاب الفتن" من "جامعه" (¬2) "حدثنا إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا سفيان بن عيينة عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك، ثم يأتي زمان من عمل منكم بِعُشْر ما أُمر به نجا. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث نعيم بن حماد عن سفيان بن عيينة، قال: وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد". أقول: حديث أبي ذر في "مسند أحمد" (ج 5 ص 155) و"التاريخ الكبير" للبخاري (ج 1 قسم 2 ص 371) (¬3). فكأنه وقع لنعيم حديث أبي ذر أو أبي سعيد بسند، وحديث آخر عن سفيان بن عيينة بسند فاشتبه عليه الحديثان، فظن أنه سمع ذاك المتن بهذا السند. والله أعلم (¬4). ¬

_ (¬1) لم يذكر ابن عديّ هذا الحديث في منكرات نعيم، وذلك لأنه قد توبع فيه عن ابن وهب، وإنما ذكره الذهبي في "الميزان" وغيره, مع أنه قد ذكر في "السير" (10/ 602) أن نعيمًا لم ينفرد به, وأنه قد رواه أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن عيسى التستري وأحمد بن عبد الرحمن بن وهب جميعًا عن ابن وهب. وإنما ذكره الذهبي من جهة رواية نعيم له مع نكارته, كما رُوي عن ابن معين قوله: ما كان لنعيم أن يحدث بهذا الحديث. والله تعالى أعلم. (¬2) حديث رقم (2267). (¬3) صوابه (ص 374). (¬4) قد أورده ابن عدي في منكرات نعيم من "الكامل" ثم قال: قال نعيم: هذا حديث ينكرونه, وإنما كنت مع ابن عيينة فمرَّ بشيء فأنكره, ثم حدثني بهذا الحديث. قال ابن عدي: وهذا الحديث أيضًا معروف لا أعلم رواه عن ابن عيينة غيره. اهـ. قال الذهبي في "السير" (10/ 606): "تفرد نعيم بذاك الخبر المنكر. وهو صادق في سماع لفظ الخبر من سفيان، والظاهر والله أعلم أن سفيان قاله من عنده بلا إسناد، وإنما الإسناد قاله لحديث كان يريد أن يرويه، فلما رأى المنكر، تعجب وقال ما قال عقيب ذلك الإسناد، فاعتقد نعيم أن ذاك الإسناد لهذا القول، والله أعلم". اهـ. =

الحديث الخامس والسادس: في "الميزان" (¬1): "ومنها حديثه عن ابن المبارك وعبدة عن عبيد الله عن نافع عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يكبر في العيدين سبعًا في الأولى، وخمسًا في الثانية، والمحفوظ أنه موقوف" (¬2). وفيه: "نعيم عن الدّراورْدِي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا، قال: لا تقل أهريق الماء ولكن قل: أبول. والصواب أنه موقوف" (¬3). أقول: إن ثبت رجحان الوقف فيهما فالأمر هيِّنٌ، ومثل هذا الخطأ لم يكد يسلم منه أحد كما ترى في كتب العلل. وقد اغتفر أكثر من ذلك لمن لا يساوي نعيمًا في كثرة الحديث ولا ينصفه. الحديث السابع والثامن: في "الميزان": "بقية عن ثور عن خالد بن معدان عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا: المتعبد بلا فقه كالحمار في الطاحونة. وبه قال: تغطية الرأس بالنهار فقه، وبالليل ريبة. لم يروهما عن بقية سواه". أقول: بقية بن الوليد بحر لا ساحل له، كان يأخذ عن كل من دبّ ودرج، ويدلس، فالتفرد عنه ليس بالمنكر ولا سيما لمثل نعيم. ¬

_ = وأورده ابن الجوزي في "الواهيات" وقال: قال النسائي، حديث منكر، رواه نعيم بن حماد، وليس بثقة". اهـ. ذكره المناوي في "فيض القدير" (2/ 556). وسأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث نعيم بن حماد هذا، فقال: "هذا عندي خطأ، رواه جرير وموسى بن أعين عن ليث عن معروف عن الحسن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسل". "العلل" (2/ 429، رقم 2794). (¬1) (4/ 269). (¬2) قال ابن عديّ: لم يرفعه غير نعيم، والحديث موقوف. (¬3) قال أبو الأحوص -الراوي عن نعيم هذا الحديث-: رفع نعيم هذا الحديث، فقلت له: لا ترفعه، فإنما هو من قول أبي هريرة، فأوقفه على أبي هريرة. قال ابن عديّ: وهذا أيضًا منه منكر مرفوعًا بهذا الإسناد.

[778] نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى الكوفي القاص

فهذه هي الأحاديث التي ذكرت في "الميزان" في ترجمة نعيم، وقضية ذلك أنها أشد ما انتقد عليه. ومن تدبر ذلك وعلم كثرة حديث نعيم وشيوخه، وأنه كان يحدث من حفظه، وكان قد طالع كتب العلل، جزم بأن نعيمًا مظلوم، وأن حقه أن يحتج به ولو انفرد (¬1)، إلا أنه يجب التوقف عما ينكر مما ينفرد به، فإن غيره من الثقات المتفق عليهم قد تفردوا وغلطوا، هذا الوليد بن مسلم يقول أبو داود: "روى عن مالك عشرة أحاديث ليس لها أصل، منها أربعة عن نافع"، ولذلك نظائر. فاما الاحتجاج به فيما توبع عليه فواضح جدًّا، وكذلك ما يرويه من كلام مشايخه أنفسهم، إلا أنه قد يحتمل أن يروي بعض ذلك بالمعنى فيتفق أن يقع فيما رواه لفظ أبلغ مما سمعه وكلمة أشد، فإذا كان للفظ الذي حكاه متابعة أو شاهد اندفع هذا الاحتمال، والله أعلم. اهـ. [778] نفيع بن الحارث أبو داود الأعمى الكوفي القاص: "الفوائد" (ص 85): "هالك". وفي (ص 236): "هالك البتة". [779] نوح بن ذكوان البصري: "الفوائد" (ص 182): "تالف، له صحيفة يرويها عن الحسن عن أنس، عامتها لا أصل لها". ¬

_ (¬1) أقول: يتبين مما سبق من كلام أهل العلم أن في هذا القول نظرًا، وقول الشيخ المعلمي في "الفوائد المجموعة" والذي سبق نقله في صدر هذه الترجمة هو أصح وأوفق للصواب وهو قوله رحمه الله في نعيم: "فيه كلام يوجب التوقف عما ينفرد به" ولأصحية كلامه في "الفوائد" عما في "التنكيل" نظائر قد أشرت إليها في "مقدمة" هذا الكتاب (ص 16). وقد قال الحافظ الذهبي في "السير" (10/ 609) بعد إيراد عدَّة مناير لنعيم: "لا يجوز لأحدٍ أن يحتج به". اهـ.

حرف الهاء

حرف الهاء [780] هارون بن عنترة بن عبد الرحمن الشيباني ابن أبي وكيع الكوفي: "الفوائد" (ص 209): "فيه مقال" (¬1). [781] هارون بن موسى بن أبي علقمة الفروي أبو موسى المدني: "الفوائد" (ص 503): "شيخ لا يقبل منه ما يتفرد به ولا سيما مثل هذا" (¬2). [782] هارون بن نجيد عن جابر بن مالك عن أثوب بن عتبة: "الفوائد" (ص 172): "كلهم مجهولون". [783] هارون بن يحيى بن هارون بن عبد الرحمن بن حاطب الحاطبي: "الفوائد" (ص 63): "أحاديثه منكرات لا يتابع عليها". [784] هانىء بن المتوكل أبو هاشم الإسكندراني: "حاشية الأنساب" (1/ 247). قال ابن حبان في "المجروحين" (3/ 97): "كان يُدْخلُ عليه لما كبر فيجيب .. ". فقال الشيخ المعلمي: "يعني يقبل ما يدخله عليه الفجار من الحديث، وليس من حديثه، فيحدث به على أنه من حديثه". ¬

_ (¬1) قد وثقه أحمد وابن معين ويعقوب بن سفيان، وقال أبو زرعة: لا بأس به, مستقيم الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات" ثم أعاده في "المجروحين" وقال: منكر الحديث جدًّا. قال الذهبي في "الميزان": الظاهر أن النكارة من الراوي عنه, وقد قال الدارقطني: يحتج به، وأبوه يعتبر به، وأما ابنه عبد الملك فمتروك يكذب. اهـ. (¬2) هو حديث: "إن لكل أمة مجوسًا وإن مجوس هنه الأمة: القدرية, فلا تعودوهم إن مرضوا، ولا تصلوا عليهم إن ماتوا". تفرد به هارون عن أبي ضمرة أنس بن عياض عن حميد عن أنس. قاله الطبراني.

[785] هانىء بن هانىء الهمداني الكوفي

[785] هانىء بن هانىء الهمداني الكوفي: "التنكيل" (2/ 78): "لم يرو عنه إلا أبو إسحاق وحده قال ابن المديني: "مجهول". وقال النسائي: "ليس به بأس". ومن عادة النسائي توثيق بعض المجاهيل، كما شرحته في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد" (¬1). [786] هُزيْل بن شرحبيل الأوْدي الكوفي الأعمى: "التنكيل" (2/ 328): "أحد ثقات التابعين". [787] هشام بن زياد بن أبي يزيد القرشي أبو المقدام وهو هشام بن أبي هشام. ويقال له أيضًا: هشام بن أبي الوليد المدني: "الفوائد" (ص 302) قال الترمذي: "يُضعّفُ". فقال المعلمي: "تالف". [788] هشام بن زيد بن أنس بن مالك الأنصاري: "التنكيل" (2/ 98) في الصحيحين من رواية شعبة عنه عن جدّه أنس: "أن يهوديًا رضخ رأس جارية بين حجرين فرضخ النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه بين حجرين". فأجاب الشيخ المعلمي على الكوثري في غمزه هذه الرواية بالعنعنة بين هشام وأنس، فقال: "هشام غير مدلّس، وسماعه من جدّه أنس ثابت, ومع ذلك فالراوي عنه شعبة، ومن عادته التحفظ من رواية ما يخشى فيه التدليس، وحديثه هذا في "الصحيحين"، ومن عادتهما التحرز عمّا يخشى فيه التدليس. فسماع هشام لهذا الحديث من جدّه أنس بن مالك ثابت على كل حالٍ". اهـ. ¬

_ (¬1) انظر الكلام على "الجهالة" في أوجه الطعن في "العدالة" من قسم القواعد.

[789] هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني

[789] هشام بن عروة بن الزبير بن العوام القرشي الأسدي المدني: قال المعلمي في "التنكيل" رقم (261): "في "تهذيب التهذيب": قال أبو الحسن ابن القطان: "تغير قبل موته ولم نر له في ذلك سلفًا". وقال الذهبي في "الميزان": "هشام بن عروة أحد الأعلام، حجة إمام، لكن في الكبر تناقص حفظه، ولم يختلط أبدًا .. وتغيى الرجل تغيرًا قليلًا ولم يبق حفظه كهو في حال الشباب، فنسي بعض حفظه أو وهم. ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها، ومثل ذلك يقع لمالك ولشعبة ولوكيع ولكبار الثقات، فدعْ عنك الخبط، وذرْ خلط الأئمة الثقات بالضعفاء والمختلطن، فهو شيخ الإسلام، ولكن أحسن الله عزاءنا فيك يا ابن القطان! ". أقول: أما النسيان فلا يلزم منه خلل في الضبط؛ لأن غايته أنه كان أولًا يحفظ أحاديث فحدث بها ثم نسيها فلم يحدث بها. وأما الوهم، فإذا كان يسيرًا يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات فلا يستحق أن يسمى خللًا في الضبط، ولا ينبغي أن يسمى تغيرًا، غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق المعروف لمالك وشعبة وكبار الثقات. ولم يذكروا في ترجمته شيئًا نُسب فيه إلى الوهم إلا ما وقع له مرّة في حديث أم زرع، والحديث في "الصحيحين" وغيرهما عنه عن أبيه عن عائشة قالت: "جلس إحدى عشرة امرأة .. " فساقت القصة بطولها. وفيها ذكر أم زرع، وفي آخره: "قالت عائشة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كنت لك كأبي زرع لأم زرع". وهذا السياق صحيح اتفاقًا ولكن رواه هشام مرّة أخرى فرفع القصة كلها، وقد توبع على ذلك كما في الفتح ولكن الأول أرجح.

واستدل بعضهم على رفع القصة كلها بأن المرفوع اتفافًا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" مبني على القصة، فلابد أن يكون -صلى الله عليه وسلم- بدأ فذكر القصة ثم بنى عليها تلك الكلمة، أو بدأ بتلك الكلمة فسألته عائشة فذكر القصة. وأجيب باحتمال أن تكون القصة كانت مما يحكيه العرب، وكان -صلى الله عليه وسلم- قد سمعهم يحكونها، وعلم أن عائشة قد سمعتها فبنى عليها تلك الكلمة. وعلى كل حال فهذا وهم يسير قد رجع عنه هشام. بقي ما قيل: إن هشامًا كان يدلس. قال يعقوب بن سفيان: ثقة ثبت، لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق، فإنه انبسط في الرواية عن أبيه فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي نرى أن هشامًا تسهّل لأهل العراق، أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكأن تسهله أنه أرسل عن أبيه [مِمّا] كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه". وجاء عن ابن خراش ما يفهم منه هذا المعنى وقد تفهم منه زيادة لا دليل عليها فلا تقبل من ابن خراش. وعدّه ابن حجر في الطبقة الأولى من المدلسين، وهي طبقة من لم يوصف بذلك إلا نادرًا. والتحقيق: أنه لم يدلس قط، ولكن كان ربما يحدث بالحديث عن فلان عن أبيه فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه ثم ربما ذكر الحديث بلفظ: "قال أبي" أو نحوه إتكالًا على أنه قد سبق منه بيان أنه إنما سمعه من فلان عن أبيه، فيغتنم بعض الناس حكايته الثانية فيروي ذاك الحديث عنه عن أبيه لما فيه من صورة العلو، مع الاتكال على أن الناس قد سمعوا روايته الأولى وحفظوها. وفي مقدمة: "صحيح مسلم" ما يصرح بأن هشامًا غير مدلس، وفيه أن غير المدلس قد يرسل، وذكر لذلك أمثلة، منها حديث رواه جماعة عن هشام: "أخبرني أخي عثمان ابن عروة عن عروة". ورواه آخرون عن هشام عن أبيه ومع هذا فإنما اتفق لهشام مثل

[790] هشام بن عمار بن نصير -بنون مصغر- السلمي أبو الوليد الدمشقي

ذلك نادرًا، ولم يتفق إلا حيث يكون الذي بينه وبين أبيه ثقة لاشك فيه كأخيه عثمان ومحمد بن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة، والله الموفق". اهـ. [790] هشام بن عمار بن نُصْير -بنون مصغر- السلمي أبو الوليد الدمشقي: "الفوائد" (ص 219، 274، 449): "ثقة، ولكنه صار في آخر عمره يُلقّنُ فيتلقّنُ". وفي تعليقه على كتاب: "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/ 46) استدل بقصة -وسيأتي ما فيها- على أن هشاما دلّس تدليس التسوية, وقال: "وذكروا في ترجمة هشام قضية التلقن، وذكروا مع ذلك أنه كان متيقظًا وأنه كان يلقن ما كان من حديثه، وكان يقول: أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحًا وقال الله تعالى {فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ} فحاصله أنه كانت تذكر له بعض الأحاديث التي قد حدث بها، فتذكر له بتغيير ما عما حدّث به أولًا. وتيقظه وإتقانه يأبى أن يقر على تغيير لا يستجيزه هو. فلعلّ عامة ما كان يلقنه فيتلقن إنما هو بالتسوية؛ كان يكون عنده حديث عن ثقة عن ضعيف عن ثقة، فيلقنه بالعنعنة عن الثقة عن الثقة بإسقاط الضعيف (¬1). ولو أن بعض الحفاظ تتبع أحاديثه، وكيف حدث بها أولًا، ثم كيف حدّث بها أخيرًا لانكشف حال غالب ما انتقد عليه والله أعلم". اهـ. وفيما يتعلق باستدلال المعلمي على تدليس هشام تدليس التسوية, قال أبو بكر الخطيب في "الموضح" (1/ 45): أخبرني أبو الوليد الحسن بن محمد الدربندي أخبرنا محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان الحافظ ببخارا حدثنا خلف بن محمد حدثنا صالح بن محمد -يعني البغدادي- قال: حدثنا هشام بن عمار حدثنا محمد بن عيسى ابن القاسم عن ابن أبي ذئب عن الزهري حديث مقتل عثمان بن عفان. ¬

_ (¬1) سيأتي ما في هذا إن شاء الله تعالى.

قال: فجهدت به الجهد أن يقول: "حدثنا ابن أبي ذئب"، فأبى أن يقول إلا: "عن ابن أبي ذئب". قال صالح بن محمد: فقال لي محمود ابن ابنة محمد بن عيسى: هو في كتاب جدّي عن إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله: عن ابن أبي ذئب. قال صالح: وإسماعيل بن يحيى هذا يضع الحديث. فعلّق الشيخ المعلمي على عبارة: "فجهدت به الجهد" فقال: "في ترجمة ابن سميع من "تهذيب التهذيب": "جزم ابن حبان بأنه دلّس حديث ابن أبي ذئب. وفيه نظر، والظاهر أنه دُلِّس عليه تدليس التسوية (¬1) كما تقدم في خبر صالح". أقول: كأن ابن حبان حمل كلمة: "قال: فجهدت به" على معنى: قال هشام: فجهدت بابن سميع. وابن حجر يحملها على معنى: قال صالح: فجهدت بهشام. والأول هو المتبادر؛ لأن المعروف أن الراوي إنما يُوقفُ ويُكرّرُ عليه ليقول: حدثنا ابن أبي ذئب، إذا كان هو الراوي عن ابن أبي ذئب، فيوقف ليصرح بالسماع من ابن أبي ذئب، أو يبين أنه لم يسمعه منه وأن بينهما واسطة. وعلى فرض أن صالحا قال لهشام: ألا تقول: حدثنا ابن سميع قال حدثنا ابن أبي ذئب؟ كفى هشامًا أن يقول: لم أسمع ابن سميع يقول حدثنا ابن أبي ذئب، أو ما في معناه؛ فلا يكون هناك محل لأن يجهد به صالح كل الجهد. لكن يشهد للثاني أن هشامًا لم يُعْرفْ بإيقاف شيوخه في مثل هذا، وإنما عُرف بذلك صالح، وأن الآجري روى عن أبي داود: قال لي عيسى بن شاذان: قلت لهشام ابن عمار: محمد بن عيسى قال لكم: حدثنا ابن أبي ذئب؟ قال: إيش سؤالك عن هذا؟ قال أبو داود: محمد بن عيسى ليس به بأس .. ¬

_ (¬1) انتظر التعليق الآتي.

فيظهر من هذا أن هشامًا كان يحيد عن بيان صيغة شيخه في الرواية ففي هذا جهد به صالح، ويؤكد هذا أن كلمة: "عن" في نحو: "عن ابن أبي ذئب" لا تكون من لفظ الراوي عن ابن أبي ذئب (¬1)؛ لأن الغالب أنه لا يبتدىء بقوله: "عن ابن أبي ذئب" وإنما يقول: حدثنا ابن أبي ذئب أو قال ابن أبي ذئب أو بلغني عن ابن أبي ذئب أو أخبرني فلان عن ابن أبي ذئب؛ فيقول من بعده: حدثنا فلان عن ابن أبي ذئب. فيكون مدلسًا التسوية فيما إذا كان شيخه إنما قال: بلغني عن ابن أبي ذئب، أو: أخبرني فلان عن ابن أبي ذئب. وقول أبي داود عقب الحكاية (¬2): محمد بن عيسى ليس به بأس، تشعر بتبرئة محمد ابن سميع عن تدليس مثل هذا، فيتعين الحمل على هشام أنه دلس التسوية (¬3). هذا ¬

_ (¬1) انظر المباحث المتعلقة بالتدليس والإرسال من قسم القواعد من هذا الكتاب، وفيه الجواب عن هذا، وأنه ليس مطردًا، بل في كلام أهل العلم وتصرفاتهم ما يدل على خلاف ذلك، والله الموفق. (¬2) انتظر التعليق الآتي. (¬3) أقول وبالله التوفيق: هشام بن عمار لم يذكره أحد بتدليس أصلًا، فضلًا عن تدليس التسوية, والذي استظهره الحافظ ابن حجر لا يساعده عليه كلام أهل العلم في هذا الخبر، بل كل من تكلم في هذا الخبر -خبر مقتل عثمان- إنما حمل على ابن سميع في تدليسه عن ابن أبي ذئب، وإليك البيان: 1 - قال ابن عدي في ترجمة ابن سميع من "الكامل" (6/ 2250): "ولابن سميع أحاديث حسان عن عبيد الله -يعني: ابن عمر-، وعن روح بن القاسم وجماعة من الثقات وهو حسن الحديث، والذي أُنكر عليه حديث مقتل عثمان أنه لم يسمعه من ابن أبي ذئب". اهـ. 2 - وقال الحاكم أبو أحمد: "مستقيم الحديث، إلا أنه روى عن ابن أبي ذئب حديثًا منكرًا، وهو حديث مقتل عثمان، ويقال: كان في كتابه: عن إسماعيل بن يحيى التيمي عن ابن أبي ذئب، فأسقطه، وإسماعيل ذاهب الحديث". اهـ. "تهذيب الكمال" (26/ 257). 3 - وقال ابن حبان في "الثقات" (9/ 43): "هو مستقيم الحديث إذا بَيَّنَ السماع في خبره، فأما خبره الذي روى عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب في مقتل عثمان فلم يسمعه من ابن أبي ذئب، سمعه من إسماعيل بن يحيى بن عبيد الله عن ابن أبي ذئب فَدَلَّسَ عنه، وإسماعيل ضعيف واهٍ". اهـ. 4 - وقال أبو حفص بن شاهين: "محمد بن عيسى بن سميع شيخٌ من أهل الشام ثقة، وإسماعيل ابن يحيى بن عبيد الله الذي أسقطه ضعيف". اهـ. "تهذيب الكمال" (26/ 257). =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قول: فلم ينفرد ابن حبان بالجزم بتدليس ابن سميع لهذا الخبر، بل صرح بذلك -كما رأيت- ابن عدي وأبو أحمد الحاكم وابن شاهين، وقد ذكر البخاري في تاريخيه المطبوعين ما قيل من عدم سماع ابن سميع لهذا الخبر من ابن أبي ذئب، وذلك في ترجمة ابن سميع، وفي هذا إشارة من البخاري رحمه الله إلى أن التبعة فيه عليه، ولم يذكر أحد هشامًا بشيء في هذا الخبر. ومما يؤيد هذا المعنى أن هشامًا قد تُوبع في روايته عن ابن سميع عن ابن أبي ذئب، روى ذلك ابن عدى في "الكامل" فقال: حدثنا أبو العلاء الكوفي ومحمد بن العباس قالا: ثنا هشام ابن عمار، وثنا الفضل بن عبد الله بن مخلد ثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال قالا: ثنا محمد بن عيسى بن سميع أبو سفيان القرشي، عن ابن أبي ذئب عن الزهري .. الحديث فقد تابع هشامًا على ذكر العنعنة بين ابن سميع وابن أبي ذئب: هارون بن محمد هذا، وهو صدوق لا بأس به. وممن جزم بهذا أيضًا: الذهبي، فقال في ترجمة ابن سميع من "ميزان الاعتدال": "قد أُنْكِرَ عليه حديث مقتل عثمان، وهو في كتابه عن إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله -أحد الضعفاء- عن ابن أبي ذئب، فرواه على سبيل التدليس عن ابن أبي ذئب، وأسقط إسماعيل". اهـ. بل ساق الذهبي في ترجمة ابن سميع من "تاريخ الإسلام" رواية صالح جزرة عن هشام بن عمار قال: جهدت به أن يقول: ثنا ابن أبي ذئب، فأبى إلا أن يقول: عن ابن أبي ذئب. وهذا صريح من إيراد الذهبي للحكاية أنه فَهِمَ أن قائل: "جهدت به الجهد" إنما هو هشام بن عمار، لا صالح جزرة. وفَهْمُ الحافظ ابن حجر خلاف ذلك -وعليه بَنَى المعلمي- ليس عليه مستند ولا له سلف من أقوال أهل العلم. وإيرادُه في تهذيبه قول أبي داود في ابن سميع "لا بأس به" عقب سؤال عيسى بن شاذان لهشام بن عمار -واستأنس بذلك المعلمي وبنى عليه استشعاره بتبرئة أبي داود لابن سميع- مخالفٌ لسياق أصل تهذيبه وهو "تهذيب الكمال" للمزي، ولسياق أصل النقل وهو سؤالات الآجري لأبي داود، وهاك البيان: - قال الآجري "سؤالاته" المطبوع (2 / رقم 1592): سألت أبا داود عن محمد بن عيسى بن سميع، فقال: ليس به بأس، إلا أنه كان يتهم بالقدر. - قال أبو داود: سمعت هشام بن عمار نا محمد بن عيسى الثقة المأمون. - قال أبو داود: قال لي عيسى بن شاذان: قلت لهشام بن عمار: حديث ابن أبي ذئب قال لكم فيه ابن سميع: نا ابن أبي ذئب قال: أيش سؤالك عن هذا؟. اهـ. وبمثل هذا السياق في "تهذيب الكمال" المطبوع (26/ 255 - 256). =

[791] هشام بن محمد بن السائب الكلبي

ولم ينبه ابن حجر في ترجمة هشام على هذه القصة، فعلى من يقف على هذا من أهل العلم أن يستدرك ذلك في حاشية نسخته من "تهذيب التهذيب". وذكروا في ترجمة هشام قضية التلقين، وذكروا مع ذلك أنه كان متيقظًا، وأنه كان يلقن ما كان من حديثه وكان يقول: أنا قد خرجت هذه الأحاديث صحاحًا .. " إلى آخر ما قال، وقد نقلته عنه قريبًا، والجواب عنه. اهـ. [791] هشام بن محمد بن السائب الكلبي: عن أبي صالح عن ابن عباس. "الفوائد" (ص 315): "كذاب، وقد صح عنه أنه قال: "قال لي أبو صالح: كل ما حدثتك كذب". وصح عنه أنه قال: "ما حدثت عن أبي صالح، عن ابن عباس فهو كذب، فلا ترووه". اهـ. [792] هصان بن كاهن -ويقال: كاهل- العدوي: "الفوائد" (ص 73): "مجهول الحال". [793] هلال بن سويد الأحمري أبو المعلى: "الفوائد" (ص 365): "واهٍ". ¬

_ = فبان بهذا أن قول أبي داود في ابن سميع: "ليس به بأس" ليس تعقيبًا على حكاية سؤال عيسى بن شاذان لهشام بن عمار -حتى يقال إن أبا داود يقول: ليس بابن سميع بأس يعني في هذا الخبر، أي أن التدليس فيه ليس منه، فيتعين الحمل على هشام أنه دلس التسوية- كلما ذهب إليه المعلمي. يتبيَّنُ مما سبق أن المعنى الأول الذي ذكره المعلمي في حكاية صالح جزرة عن هشام بن عمار -ووصَفَهُ المعلمي بأنه هو المتبادر .. إلى آخر كلامه- هو المعنى المتعيَّن الذي لا يصح غيره. وبهذا يبرأ هشام بن عمار مما نُسب إليه من تدليس التسوية، بل والتدليس عامّة, وعلى ذلك فما ذكره الشيخ المعلمي رحمه الله من علاقة ما ذُكر عن هشام من التلقين وما ذهب إليه هو من وصفه هنا بتدليس التسوية، خطأ، وقد عرفتَ وَجْه ذلك، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل.

[794] هلال بن ميمون الفلسطيني الرملي أبو معبد الجهني، أو الهذلي، نزيل الكوفة

[794] هلال بن ميمون الفلسطيني الرملي أبو معبد الجهني، أو الهذلي، نزيل الكوفة: "الفوائد" (ص 24): "قال يحيى بن معين: "ثقة"، وقال النسائي: "ليس به بأس، قاله يحيى". وقال أبو حاتم: "ليس بالقوي يكتب حديثه". فاقتصر ابن حجر في "التقريب" على قوله: "صدوق". اهـ. [795] الهياج بن بسطام التميمي البرجمي أبو خالد الخراساني الهروي: "الفوائد" (ص 88): "تالف". وراجع زيادةً في البيان ترجمة: "الحسين بن إدريس الهروي". [796] الهيثم بن جميل البغدادي أبو سهل الحافظ نزيل أنطاكية: "التنكيل" (263) قال ابن عديّ: "لم يكن بالحافظ، يغلط على الثقات" (¬1). فقال الشيخ المعلمي: "أقول: روى عبد الله بن أحمد عن أبيه: "كان أصحاب الحديث ببغداد: أبو كامل وأبو [سلمة] (¬2) الخزاعي والهيثم، وكان الهيثم أحفظهم، وأبو كامل أتقنهم". ذكر هذا في "التهذيب" في ترجمة أبي كامل مظفر بن مدرك ثم قال: "وحكى أبو طالب عن أحمد نحوه وزاد: لم يكونوا يحملون عن كل أحد، ولم يكتبوا إلا عن الثقات". ¬

_ (¬1) قاله ابن عدي في صَدْر الترجمة (7/ 2562) وختمها بقوله: "يغلط الكثير على الثقات كما يغلط غيره، وأرجو أنه لا يتعمد الكذب". (¬2) أبو سلمة هذا هو منصور بن سلمة بن عبد العزيز بن صالح البغدادي، ترجمته في "تهذيب الكمال" (28/ 530)، وقول أحمد هذا في "العلل ومعرفة الرجال" (1/ 172)، ومثله في "تهذيب التهذيب" (10/ 184) ومنه ينقل المعلمي. لكن جاء في "التنكيل": "أبو مسلمة" -أَوَّلُه ميم-، وهو خطأ.

وذكر في ترجمة الهيثم قول أحمد: "ثقة" قال: "وقال العجلي: ثقة صاحب سنة. وقال إبراهيم الحربي: أما الصدق فلا يدفع عنمع وهو ثقة. وقال الدارقطني: ثقة حافظ" وذكر قبل ذلك قول ابن سعد: " .. وكان ثقة". أما الغلط فذكر له الذهبي في "الميزان" (¬1) حديثًا واحدًا، فإن كان هو الذي أشار إليه ابن عدي (¬2)، فابن عدي هو الغالط، والحديث هو ما رواه الهيثم عن أبي عوانة عن عبد الأعلى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعًا: "من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". كأن المُغلِّط بنى على أن هذا المتن معروف من رواية سفيان الثوري عن عبد الأعلى، فأما أبو عوانة فالمعروف من روايته عن عبد الأعلى بهذا السند حديث: "اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فإنه من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار". ويجاب عن هذا بأن في "مسند أحمد" (ج 1 ص 323) حدثنا أبو الوليد ثنا أبو عوانة عن عبد الأعلى .. : "اتقوا الحديث عني .. ومن كذب في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار". فجمع بين الجملتين، وأخرج الترمذي (¬3) عن سفيان بن وكيع عن سويد بن عمرو الكلبي عن أبي عوانة نحوه, وقال في الجملة الثانية: "ومن قال في القرآن .. " فتبين أن المتنين حديث واحد اقتصر الثوري في روايته عن عبد الأعلى على أحدهما، واقتصر أبو عوانة في رواية الهيثم على الآخر، وجمعهما في رواية أبي الوليد وسويد بن عمرو. وفي "سنن البيهقي" (ج 7 ص 462) من طريق ابن عدي بسنده إلى الهيثم: "نا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يحرم ¬

_ (¬1) (4/ 320). (¬2) بل هو آخر، سيذكره المعلمي قريبًا عن سنن البيهقي بسنده إلى ابن عدي (الكامل: 7/ 2562). (¬3) رقم: (2951).

الرضاع إلا ما كان في الحولين" ثم حكى عن ابن عدي قال: "غير الهيثم يوقفه علي ابن عباس" وذكره الدارقطني في "السنن" (ص 498) (¬1) ثم قال: "لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ". أقول: فإن حكم للهيثم كما قد يشعر به كلام الدارقطني فذاك، وإن ترجح خطؤه كما يشير إليه كلام ابن عدي فمثل هذا الخطأ اليسير لم يسلم منه كبار الأئمة كما يعلم من كتب العلل. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) (4/ 174).

حرف الواو

حرف الواو [797] وزير بن عبد الله ويقال ابن عبد الرحمن الجزري: "الأنوار الكاشفة" (ص 209): "هالك متهم بالكذب". [798] وضاح بن حسان: الأنوار الكاشفة (ص 209): "هالك متهم بالكذب". [799] الوليد بن مسلم القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي: "التنكيل" (2/ 93): "شديد التدليس، يدلس التسوية". وفيه (1/ 236): "وتدليس التسوية أن يترك الراوي واسطة بعد شيخه، كما يُحْكى عن الوليد بن مسلم أنه كان عنده أحاديث سمعها من الأوزاعي عن رجل عن الزهري، وأحاديث سمعها من الأوزاعي عن رجل عن نافع، فكان يقول فيها: حدثني الأوزاعي عن الزهري، وحدثني الأوزاعي عن نافع! وهذا تدليس قبيح" (¬1). [800] الوليد بن الوليد بن زيد العنسي أبو العباس الدمشقي (¬2): "الفوائد" (ص 451): "متروك، وإنما قال: "صدوق" من لم يخبر حاله". ¬

_ (¬1) انظر "سؤالات الآجري لأبي داود" (2/ 186). (¬2) انظر تراجم: الوليد بن موسى الدمشقي، والوليد بن الوليد الدمشقي، والوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي أبو الوليد، من "اللسان" (6/ 227 - 229) فقد فرقهم الذهبي، وقال ابن حجر: هم رجل واحد.

[801] وهب بن منبه اليماني الصنعاني أبو عبد الله الأبناوي

[801] وهب بن منبّه اليماني الصنعاني أبو عبد الله الأبناوي: قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 97): "ولد في الإسلام سنة (34 هـ) وأدرك بعض الصحابة، ولم يُعْرف أن أحدًا منهم سمع منه أو حكى عنه، وإنما يحْكِي عنه منْ بعدهم". وقال (ص 100): "قد وثقه بعض الحفاظ وضعّفه عمرو بن عليّ الفلاس، أخرج البخاري حديثًا من طريقه ثم قال: "تابعه معمر" وله في صحيح مسلم شيء تابعه عليه معمر أيضًا، ومعمر هو ابن راشد أحد الأئمة المجمع عليهم". * * *

حرف الياء

حرف الياء [802] يحيى بن أيوب الغافقي أبو العباس المصري: "الفوائد" (ص 271): "ممن يكثر خطؤه". [803] يحيى بن بشار الكندي عن عمرو بن إسماعيل الهمداني: "الفوائد" (ص 380): "مجهولان، فالحمل عليهما، وفي ترجمتيهما من الميزان واللسان ذكر هذا الخبر" (¬1). [804] يحيى بن زهدم بن الحارث الغفاري عن أبيه عن العرس بن عميرة وعنه أحمد بن علي بن الأفطح: "الفوائد" (456 - 457)، انظر ترجمة الأفطح. [805] يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي أبو جعفر الكوفي: "الفوائد" (ص 360): "منكر الحديث، متروك، غالٍ في التشيع". [806] يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو بكر البغدادي: "الفوائد" (ص 480): "فيه كلام" (¬2). ¬

_ (¬1) خبر: "مثلي مثل شجرة أنا أصلها، وعليّ فرعها، والحسن والحسن ثمرتها، والشيعة ورقها .. ". وراجع ترجمة عمرو بن إسماعيل الهمداني. (¬2) قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي، وسألت أبي عنه, فقال: محله الصدق. "الجرح" (9 / ت 567). وقال الآجري: خَطَّ أبو داود على حديث يحيى بن أبي طالب. "سؤالاته" (2 / رقم 1969). وقال موسى بن هارون الحمَّال: أشهد على يحيى بن أبي طالب أنه يكذب. "تاريخ بغداد" (14/ 220). وعلَّق الذهبي على هذا بقوله: عني في كلامه، ولم يعن في الحديث، فالله أعلم. (الميزان: 4/ 387). وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالمتين. "تاريخ بغداد". =

[807] يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي مولاهم المصري، وقد نسب إلى جده

[807] يحيى بن عبد الله بن بكير القرشي المخزومي مولاهم المصري، وقد نسب إلى جده: "التنكيل" (1/ 513): "من الثقات, وفيه كلام يسير لا يضره، وهو من رجال الصحيحين". [808] يحيى بن عبد الله بن حسن الهاشمي العلوي (¬1): عن آبائه. "الفوائد" (ص 356): "لا تعرف حاله". [809] يحيى بن عبد الحميد بن عبد الرحمن أبو زكريا الحماني الكوفي: "الفوائد" (ص 133): "فيه نظر". وفي "التنكيل" (2/ 121): "متكلم فيه وإن ألحّ ابن معين في توثيقه". وفي ترجمته من "التنكيل" رقم (265): "أما يحيى بن معين فكان يوثقه ويدافع عنه، وقد تضافرت الروايات على أن يحيى بن عبد الحميد كان يأخذ أحاديث الناس فيرويها عن شيوخهم، فإن كان يصرح في ذلك بالسماع فهذا هو المعروف بسرقة الحديث، وهو كذاب (¬2)، وإلا فهو تدليس، وعلى كل حال لم يُتهم بوضع حديث أو حكاية". ¬

_ = وقال الحاكم عن الدارقطني: لا بأس به عندي ولم يطعن فيه أحد بحجة. "سؤالاته" رقم (239)، و"تاريخ بغداد" (14/ 221). وفضَّل البرقاني يحيى بن أبي طالب على الحارث بن أبي أسامة، وقال: أمرني أبو الحسن الدارقطني أن أخرج عنهما في الصحيح. "تاريخ بغداد". قال الذهبي: الدارقطني فمن أخبر الناس به. "الميزان". (¬1) "الجرح" (9 / ت 668) وفيه: "الذي دخل الديلم، روى عن أبيه عبد الله بن حسن، روى عنه أبو الحسن المدائني". اهـ. (¬2) هكذا في "التنكيل" ولعلَّ الأنسب للسياق: "وهو كذب".

[810] يحيى بن عثمان بن صالح القرشي السهمي مولاهم أبو زكريا المصري

[810] يحيى بن عثمان بن صالح القرشي السهمي مولاهم أبو زكريا المصري: "الفوائد" (ص 405): "فيه كلام يوجب التوقف عما ينفرد به". وفي (ص 486): "تكلموا فيه" (¬1). [811] يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليماني: "الفوائد" (ص 141): "رواه يحيى بن أبي كثير مرة عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل رفعه (¬2). ومرة عن زيد بن سلام عن جده أبي سلام عن عبد الرحمن بن شبل، ومرة عن زيد عن جده عن أبي راشد عن عبد الرحمن بن شبل. وهذا من عمل يحيى بن أبي كثير لأنه يدلس، ومع ذلك ذكروا (¬3) أنه لم يسمع من زيد، وإنما وقعت إليه كتبه فروى منها". ¬

_ (¬1) قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه, وكتب عنه أبي، وتكلموا فيه. "الجرح" (9 / ت 721). فقال الذهبي في "السير" (13/ 354): "هذا جرح غير مُفَسَّر، فلا يُطْرَحْ به مثل هذا العالم". وقال ابن يونس: كان عالمًا بأخبار البلد ويموت العلماء, وكان حافظًا للحديث وحدَّث بما لم يكن يوجد عند غيره, وتوفي في ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين ومائتين. "تهذيب الكمال" (31/ 464). وقال مسلمة بن قاسم الأندلسي: يتشيع، وكان صاحب وراقف يحدث من غير كتبه فطعن فيه لأجل ذلك. (تهذيب ابن حجر: 11/ 457). وهو من شيوخ ابن ماجه, ولم يخرج له أحد من أصحاب الكتب الستة غيره. (¬2) يعنى خبر: "التجار هم الفجار .. ". (¬3) قال يحيى بن حسان عن معاوية بن سلَّام: أخذ منِّي يحيى بن أبي كثير كتب أخي زيد بن سلَّام. "تاريخ أبي زرعة الدمشقي" (1/ 374). وقال الدوري عن ابن معين: لم يلق يحيى بن أبي كثير زيد بن سلَّام، وقدم معاوية بن سلَّام عليهم، فلم يسمع يحيى بن أبي كثير منه شيئًا، أخذ كتابه عن أخيه, ولم يسمعه, فدلَّسَهُ عنه. "تاريخ الدوري" (2/ 652). لكن قال أبو بكر الأثرم: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: يحيى بن أبي كثير سمع من زيد ابن سلَّام؟ فقال: ما أشبهه. قلت له: إنهم يقولون سمعها من معاوية بن سلَّام؟ فقال: لو سمعها من معاوية لذكر معاوية، هو يبيِّن في أبي سلَّام، يقول: حدَّث أبو سلَّام، ويقول: عن زيد، أما أبو سلَّام فلم يسمع منه. ثم أثنى أبو عبد الله على يحيى بن أبي كثير. "تهذيب الكمال" (10/ 78) في ترجمة زيد بن سلَّام. فالله أعلم.

[812] يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي

[812] يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي: "الفوائد" (ص 69 , 355): "قريب من أبيه". انظر ترجمة أبيه يزيد. [813] يحيى بن يعلى الأسلمي القطواني أبو زكريا الكوفي: "الفوائد" (ص 345): "تالف". [814] يزيد بن أبان الرقاشي أبو عمرو البصري القاصّ: "الفوائد" (ص 246): "ليس بشيء في الرواية". ومثله في (ص 459) وزاد في أوّله: "واهٍ جدًّا". وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 181): "تالف". [815] يزيد بن ربيعة الرحبي أبو كامل الصنعاني الدمشقي: "الفوائد" (ص 237): "اختلط وحدث عن أبي الأشعث بالأباطيل، قال أبو زرعة: "رأيت دحيمًا وهشامًا يبطلان حديثه". وفي (ص 449): "منكر الحديث جدًّا عن أبي الأشعث واختلط بأخرة". [816] يزيد بن أبي زياد القرشي الهاشمي مولاهم أبو عبد الله الكوفي: "الفوائد" (ص 74، 408): "ضعيف يتلقن". [817] يزيد بن سنان بن يزيد التميمي الجزري أبو فروة الرهاوي: "الفوائد" (ص 240) قال السيوطي: قال فيه أبو حاتم: "محله الصدق". قال الشيخ المعلمي: "تتمة كلام أبي حاتم: "والغالب عليه الغفلة يكتب حديثه ولا يحتج به". وقال النسائي: "ضعيف متروك الحديث". وقال أيضًا: "ليس بثقة". وقال ابن عديّ: "له حديث صالح، وروى عن زيد بن أبي أنيسة نسخة تفرد بها عنه

[818] يزيد بن عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني، قد ينسب لجده

بأحاديث، وله عن غير زيد أحاديث مسروقة عن الشيوخ، وعامّة حديثه غير محفوظ". والكلام فيه كثير. اهـ. [818] يزيد بن عبد الله بن خصيفة بن عبد الله بن يزيد الكندي المدني، قد ينسب لجدّه: عن أبيه عن جده مرفوعًا (¬1). "الفوائد" (ص 69): "لا يعرف والده في الرواة، ولا جده في الصحابة" (¬2). [819] يزيد بن عبد الملك بن المغيرة بن نوفل بن الحارث القرشي النوفلي الهاشمي: "الفوائد" (ص 69): "هالك، ولا اعتداد بتوثيق ابن سعد إذا خالف، فإن مادته من الواقدي، كما قال ابن حجر في تراجم: عبد الرحمن بن شريح، ومحارب بن دثار، ونافع بن عمر الجمحي من مقدمة الفتح، والواقدي لا يعتد به". وفي (ص 354 - 355): "واهٍ جدًّا، قال البخاري: "أحاديثه شبه لا شيء". وضعفه جدًّا، وقال أبو زرعة: "واهي الحديث". وغلظ القول جدًّا، وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث منكر الحديث جدًّا". وقال ابن معين مرة: "ما كان به بأس". ومرة: "ليس حديثه بذاك". فكأنه لم يخبره، ووثقه ابن سعد، ولا يُلتفت إلى ابن سعد إذا خالف الأئمة، فإن مادته من الواقدي كما ذكر ابن حجر قي مواضع من مقدمة الفتح". [820] يزيد بن محمد بن فُضيْل الجزري الرّسْعني "شيخ النسائي": "التنكيل" (2/ 137): "لم يوثق" (¬3). ¬

_ (¬1) حديث: "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه". (¬2) ذكرتُ هذا الكلام في ترجمة يزيد مع أن القول في أبيه وجده, لأنهما إنما يُذكران من طريقه، وهو ثقة. (¬3) إنما ذكره ابن حبان في "الثقات" (9/ 277).

[821] يزيد بن مروان الخلال صاحب ابن أبي الشوارب

[821] يزيد بن مروان الخلال صاحب ابن أبي الشوارب: "الفوائد" (ص 410): "كذبه ابن معين". [ز 18] يزيد بن يوسف الشامي: يراجع "التنكيل" رقم (266). [822] يعقوب بن إسحاق أبو يوسف الدعاء: "الفوائد" (ص 24): "لم يقل الخطيب (¬1) فيه شيئًا، لا قدحًا ولا ثناءً، غير أنه أورد له هذا الحديث" (¬2). [823] يعقوب بن حميد بن كاسب المدني نزيل مكة وقد ينسب لجده: "الفوائد" (ص 503): "فيه نظر". [824] يعقوب بن مجمع بن يزيد بن جارية الأنصاري المدني: "التنكيل" (2/ 76)، روى مجمع بن يعقوب بن مجمع عن أبيه حديثًا فجاء في "سنن البيهقي" (ج 6 ص 325) أن الشافعي قال: "مجمع بن يعقوب شيخ لا يعرف". قال الشيخ المعلمي: "أما مجمع فمعروف لا بأس به، فلعلّ الشافعي أراد أباه يعقوب بن مجمع ففي "نصب الراية" عن ابن القطان: "علّة هذا الحديث الجهل بحال يعقوب بن مجمع، ولا يعرف روى عنه غير ابنه". وذكر المزي راوين آخرين ولكنهما ضعيفان، ولم يوثق يعقوب أحدٌ، فأما ذكر ابن حبان له في "الثقات" فلا يجدي شيئًا لما عرف من قاعدة ابن حبان من ذكر المجاهيل في "الثقات". اهـ. ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (14/ 287). وذكره الذهبي في وفيات سنة (273 هـ) من "تاريخ الإسلام" وقال: لا أعلم فيه جرحًا، ونسبه بغداديًا. (¬2) حديث "خذوا زينة الصلاة قالوا: وما زينة الصلاة , قال: الصلاة في النعال".

[825] يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أبو يوسف المدني نزيل بغداد

[825] يعقوب بن محمد بن عيسى بن عبد الملك بن حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي أبو يوسف المدني نزيل بغداد: "الفوائد" (ص 65)، أورد الخطيب (¬1) في ترجمة يعقوب حديث: "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود، فإنها صدقة". وروى عن ابن معين قال: "يعقوب .. صدوق، ولكن لا يبالي عمن حدث (¬2)، حدث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يكن عنده صدقة .. هذا كذب. إلخ". قال الشيخ المعلمي: "يريد أن يعقوب يحدث عن الضعفاء والمتروكين، فحدث عن بعضهم عن هشام بن عروة بهذا الخبر الباطل، وفي "الميزان" في ترجمة يعقوب: "أخطأ من قال: إنه روى عن هشام بن عروة، لم يلحقه، ولا كأنه ولد إلا بعد موت هشام". ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (14/ 270). (¬2) هكذا قال ابن معين في رواية الحسين بن حبان عنه. "تاريخ بغداد" (14/ 270)، وقال في رواية غير واحد عنه: إذا حدثكم عن شيوخه الثقات فاكتبوه وما لا يعرف من الشيوخ فدعوه. لكن روى صالح بن محمد البغدادي -جزرة- عنه: أحاديثه تشبه أحاديث الواقدي محمد بن عمر -يعني تركوا حديثه. "تاريخ بغداد" (14/ 270). ويعقوب قد وَهَّاهُ أبو زرعة الرازي. "العلل" (2533)، و"الجرح" (9 / ت 897). وقال أبو حاتم: هو على يَدَيْ عَدْلٍ، أدركته ولم أكتب عنه. "الجرح" وهذه العبارة جرح شديد، صاحبها قريب من الهلاك، كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (9/ 142) وغيره، وانظر مادة "عدل" من "لسان العرب". ولكن الذهبي فهم منها: المدح، فقال في "المغني" (2 / ت 7202): قوَّاه أبو حاتم مع تعنته في الرجال، وضعفه أبو زرعة وغيره, وهو الحق، ما هو بحجة. اهـ. وقد وقع هذا الفهم للحافظ ابن حجر ثم تبين له خطؤه، انظر "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 375). وقد قال الإمام أحمد: ليس بشيء، ليس يسوي شيئًا. "الجرح". وأما ابن عدي فقال: ليس بالمعروف وأحاديثه لا يتابع عليها. ولم يذكر له شيئًا من حديثه. "الكامل" (7/ 2607). فأجاب الذهبي بقوله: سبب عدم معرفة ابن عدي به أنه ما لحق أصحابه ولا نشط لكتابة حديثه عن أصحاب أصحابه, وإلا فالرجل مشهور مكثر .. "الميزان" (4/ 454).

[826] يعلى بن الأشدق العقيلي أبو الهيثم الجزري الحراني.

أقول: مات هشام سنة (145) وعامة شيوخ يعقوب ماتوا بعد سنة (180)، وكأن يعقوب روى هذا الخبر عن عبد الله بن محمد بن زاذان عن أبيه عن هشام (¬1) .. وعبد الله وأبوه هالكان. اهـ. [826] يعلى بن الأشدق العقيلي أبو الهيثم الجزري الحراني. عن عمه عبد الله بن جراد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. "الفوائد" (ص 79) ضعّف البيهقي إسناد حديث: "السخاء شجرة تنبت في الجنة فلا يلج الجنة إلا سخيّ، والبخل شجرة تنبت في النار، فلا يلج في النار إلا بخيل". فقال الشيخ للمعلمي: بل ساقطه (¬2)، فإنه من رواية يعلى بن الأشدق، وهو كذاب مغفل. وعبد الله بن جراد هذا قال فيه البخاري: "واهٍ ذاهب الحديث، ولم يثبت حديثه". [827] اليقظان بن عمار (¬3) بن ياسر: "الفوائد" (ص 485): "لا يدرى من ذا، رواه (¬4) بجهل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ولا يخفى بطلان هذا على عارف بالفن، ومع ذلك زاد فيه قصة". ¬

_ (¬1) رواه ابن عدي من طريق عبد الله هذا. "الكامل" (4/ 1517). (¬2) يعني أن الإسناد "ساقط" لا "ضعيف" فقط. (¬3) هكذا في "الفوائد" وراجعت هذا الحديث من "اللآلىء" و"موضوعات ابن الجوزي" فلم أر هذا الإسناد فيهما، فلا أدري من أين أخذه المعلمي. وفي "اللسان" (6/ 316) مما زاده الحافظ ابن حجر على "الميزان"، ومثله في المطبوعة على خمس نسخ خطية (7/ 385): "يقظان بن عمير عن أبيه" وعنه يزيد بن مروان، أخرج له الطبراني في مسند عمار بن ياسر، من رواية ابن عمار -كذا والصواب: عمير- عن أبيه, رفعه, في الفتن -في المطبوع: السر، وهو خطأ- قال العلائي في الوشي: لا أعرف عميرًا ولا يقظانًا". اهـ. أقول: الحديث المشار إليه في "المعجم الأوسط" للطبراني (4 / ح 4346)، ومثله في "مجمع البحرين" (7/ 4441) وهو حديث في الفتن سوى حديث الفوائد، وفيه: اليقظان بن عمير عن أبيه عن جده, قال: سمعت عمار بن ياسر ... (¬4) يعني خبر: ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء ..

[828] يمان بن سعيد المصيصي أبو رضوان الشامي

[828] يمان بن سعيد المصيصي أبو رضوان الشامي: "الفوائد" (ص 385): "واهٍ" (¬1). [829] يوسف بن إبراهيم بن موسى بن إبراهيم أبو يعقوب السهمي القزاز من أهل جرجان: "التنكيل" (1/ 390): "موثق" (¬2). [830] يوسف بن أسباط بن واصل أبو محمد الشيباني الزاهد الواعظ: "التنكيل" (268) قال الكوثري: "من مُغفّلي الزهاد، دفن كتبه واختلط، واستقر الأمر على أنه لا يحتج به". فقال المعلمي: "أما دفن كتبه فصحيح، وكذلك فعل آخرون من أهل الورع، كانوا يرون أن حفظ الحديث وروايته فرض كفاية، وأن في غيرهم من أهل العلم من يقوم بالكفاية وزيادة، ويرون أن التصدي للرواية مع قيام الكفاية بغيرهم لا يخلو من حظ النفس بطلب المنزلة بين الناس. ثم لم يتصد يوسف للرواية بعد أن دفن كتبه ولكن كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، ويرغب في الطاعة ويحذر من المعصية، ويحض على اتباع السنة، وينفر عن البدعة، فربما احتاج في أثناء ذلك لرواية الحديث، فيذكره من حفظه، فقد يقع له الخطأ في مظانِّه، وإلى أيِّ حد كان ذلك؟. ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "الميزان" (4/ 460): ضَعَّفّهُ الدارقطني وغيره ولم يُتْرَكْ. اهـ. وهو في "الضعفاء والمتروكين" للدارقطني رقم (609) وفيه: يمان بن سعيد أبو رضوان شامي. ولم يذكر فيه شيئًا، والظاهر من ذلك أنه متروك عنده, ففي أول كتابه المذكور: قال البرقاني: طالت محاورتي مع أبي منصور إبراهيم بن الحسين بن حمكان لأبي الحسن علي بن عمر الدارقطني عفا الله عني وعنهما، في المتروكين من أصحاب الحديث، فتقرّر بيننا وبينه على ترك من أثبته على حروف المعجم في هذه الورقات". (¬2) وثقه الخطيب (14/ 325).

[ز 19] يوسف بن محمد بن المنكدر

قال ابن معين: "ثقة". وقال ابن حبان في "الثقات": "كان من عباد أهل الشام وقرائهم، سكن انطاكية، وكان لا يأكل إلا الحلال، فإن لم يجده استف التراب، وكان من خيار أهل زمانه، مستقيم الحديث، ربما أخطأ مات سنة 195 ". فعبارة ابن حبان تعطي أن خطاه كان يسيرًا، لا يمنع من الاحتجاج بخبره حيث لم يتبين خطؤه, ويشهد لذلك إطلاق ابن معين أنه ثقة. وقال البخاري: "كان قد دفن كتبه فصار لا يجيء بالحديث كما ينبغي". وهذا يشعر بأنه كان يكثر منه الخطأ في مظانه. وقريب من ذلك قول ابن عدي: "من أهل الصدق إلا أنه لما عدم كتبه صار يحمل على حفظه فيغلط ويشتبه عليه ولا يتعمد الكذب". وبالغ الخطيب فقال: "يغلط في الحديث كثيرًا" (¬1). اهـ. وقال المعلمي في "التنكيل" أيضًا (1/ 492): "ربما أخطأ في الأسانيد". [ز 19] يوسف بن محمد بن المنكدر: تراجع "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 35). [831] يونس بن يزيد بن أبي النجاد الأيْليّ أبو يزيد القرشي مولى آل أبي سفيان: "الأنوار الكاشفة" (ص 200): "شهد له ابن المبارك بأن كتابه صحيح، وأنه كتب حديث الزهري على الوجه، أي كما تلفظ به الزهري". اهـ. ¬

_ (¬1) وذكر له الخليلي في "الإرشاد" (1/ 311) ما رواه عبد الله بن أبي داود السجستاني نا المسيب بن واضح نا يوسف بن أسباط نا سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مداراة الناس صدقة". ثم قال الخليلي: غريب، تفرد به يوسف، وهو زاهد، إلا أنه لم يُرْضَ حفظُه، وقيل اشتبه عليه, وإنما هو سفيان عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي عن حذيفة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كل معروف صدقة". اهـ.

[832] أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغساني الشامي، وقد ينسب إلى جده

وفي "التنكيل" (2/ 128 - 129): روى ابن وهب عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن عروة وعمرة عن عائشة: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدًا". قال المعلمي: "هذه رواية بالمعنى، بالتصريح بمفهوم المخالفة. اهـ. ثم ذكر رواية ابن المبارك عن يونس عن الزهري عن عمرة عن عائشة مرفوعًا: "تقطع اليد في ربع دينار فصاعدًا" ثم قال: "وهذا أثبت؛ لأن ابن المبارك أثبت من ابن وهب وكان يقول: "كتاب يونس صحيح". وكان من عادة ابن المبارك تتبع أصول شيوخه، فالظاهر أنه أخذ هذا عن يونس من أصل كتابه. ويشهد لذلك أنه لم يذكر عروة، وبقية الرواة عن الزهري غير يونس في رواية ابن وهب لا يذكرون عروة، وحديث عروة عن عائشة ليس بهذا اللفظ. وفي "الفتح": "يحتمل أن يكون لفظ عروة هو الذي حفظه هشام عنه، وحمل يونس حديث عروة على حديث عمرة فساقه على لفظ عمرة، وهذا يقع لهم كثيرًا". أقول: "وإنما يتصرف يونس هذا التصرف إذا حدث من حفظه، أو من فرع خرجه من أصوله، فأما إذا حدث من أصله فإنما يكون على الوجه. فبان بهذا أن ابن المبارك أخذ الحديث عن يونس من أصل كتابه, ولقوّة هذه الرواية ذكرها الإمام أحمد عقب رواية ابن عيينة، كأنه يشير إلى أن رواية يونس هذه هي الصواب". اهـ. [832] أبو بكر بن عبد الله بن أبي مريم الغسّاني الشامي، وقد ينسب إلى جدّه: "الفوائد" (ص 336): "واهٍ اختلط".

[833] أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرىء الحناط

[833] أبو بكر بن عياش بن سالم الأسدي الكوفي المقرىء الحناط: "التنكيل" (2/ 29): "سيء الحفظ كثير الغلط, ولم يخرج له البخاري في "الصحيح" إلا أحاديث ثبتت صحتها برواية غيره كما تراه في "مقدمة الفتح"، ولم يخرج له مسلم شيئًا إلا أنه ذكر في "المقدمة" عنه عن مغيرة بن مقسم قال: لم يكن يصدق على علي -رضي الله عنه- في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود". وفي (ص 32): "اتفقوا على تليين أبي بكر في حفظه حتى قال يحيى القطان: "لو كان أبو بكر بن عياش حاضرًا ما سألته عن شيء"، وكان إذا ذكر عنده كلح وجهه. وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: "لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطًا منه". اهـ. [834] أبو بكر النهشلي الكوفي: "التنكيل" (2/ 34): "لا شك أننا إذا وازنا بينه وبين عبد الرحمن بن أبي الزناد إجمالًا فالنهشلي أثبت؛ أخرج له مسلم ووثقه ابن مهدي وأحمد وابن معين وأبو داود والعجلي وقال أبو حاتم: "شيخ صالح يكتب حديثه وهو عندي خير من أبي بكر الهذلي". والهذلي ضعيف جدًّا، وقال ابن سعد في النهشلي: "كان مرجئًا، وكان عابدًا ناسكًا وله أحاديث ومنهم من يستضعفه". وأما ابن أبي الزناد فلم يحتج به صاحبا: "الصحيح" وإنما علق عنه البخاري، وأخرج له مسلم في المقدمة، ووثقه جماعة وضعفه بعضهم وفصّل الأكثرون .. ". اهـ. [835] أبوصالح مولى أم هانىء، واسمه باذام: "الأنوار الكاشفة" (ص 202): "واهٍ". [836] أبو عبس بن محمد بن أبي عبس بن جبر الأنصاري: راجع: عبد الله أبو عبس بن جبر.

[837] أبو عبيدة بن فضيل بن عياض.

[837] أبو عبيدة بن فضيل بن عياض. "الفوائد" (ص 485): "لينه الجوزقاني وابن الجوزي والذهبي وأَبَى ذلك ابن حجر". [ز 20] أبو المبارك: عن عطاء، وعنه: يزيد بن سنان. "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 240): "مجهول، وذِكْرُ ابن حبان له في "الثقات" لا يخرجه عن ذلك". اهـ. [838] أبو مشجعة بن ربعي الجهني: "الفوائد" (ص 167): "لم يجرح ولم يوثق، فهو مجهول الحال". [839] أبو المعلى بن مهاجر: "التنكيل" (1/ 461): "مجهول". [840] أبو منصور الأزدي عن أبي هريرة, وعنه ابنه يزيد: "الأنوار الكاشفة" (ص 208): "مجهول، ولا يدرى أدرك أبا هريرة أم لا". [841] أبو هدبة عن أنس: "التنكيل" (1/ 461): "هالك". * * *

المنتقى من الفوائد الصبيحية المستخرجة من حواشي النكت الجياد

المنتقى من الفوائد الصبيحية المستخرجة من حواشي النكت الجياد

1 - من المعلوم من طريقة الأئمة أنهم يذكرون في ترجمة الرجل: الأقدم فالأقدم من شيوخه، وقد يقدمون الأفضل وإن لم يكن هو الأسَنَّ (ص 157). 2 - إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف لا يُدْفع عن إدراك عمر ورؤيته, لكنه كان في سنٍّ لا تحتمل السماع والحفظ (ص 157 - 158). 3 - كون الرجل صدوقًا في الأصل، صالحًا في نفسه، لا يدفع عنه الوقوع في الكذب خطئًا، إن لم يقع فيه عمدًا. وصدق القائل: "لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث". يعنى: الكذب خطئًا ووهمًا وغفلةً وتلقينًا ونحو ذلك (ص 187). 4 - أما كونه -أعني: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين- عالمًا بالحديث، فقد وصفه ابن يونس بأنه من حفاظ الحديث وأهل الصنعة، لكنه لم يصرح بتوثيقه، ومسلمة بن قاسم مجروح فلا يقبل منه تفرده بتوثيقه، وتوثيقُه مُعَارَضٌ بتضعيف ابن عديّ، بل وتكذيب أحمد بن صالح -فيما حكاه ابن عدي-، ثم إن الرجل له مناكير يتفرد بها، ولم يوثقه مُعْتَبَرٌ، فقول ابن أبي حاتم -سمعت منه بمصر، ولم أحدث عنه لما تكلموا فيه- مما يقوي الحكم عليه بالضعف، والله تعالى أعلم (ص 192). 5 - لا يخفى على الممارس أن الحديث إذا لم يخرجه أصحاب الكتب الأصول المعتمدة عند أهل العلم، ولم يخرج إلا في مثل كتاب عبد بن حميد وابن لال وابن النجار، كان دليلًا على وهنه ونكارته، فأرى أن البخاري أشار إلى وهن إسماعيل بن رافع القاص أبي رافع المدني بإيراد هذا الحديث: "لا يقبل الله سبحانه لشارب الخمر صلاة ما دام في جسده منها شيء". في ترجمته من "التاريخ" (ص 216). 6 - في نقولات الترمذي عن البخاري مواضع مشكلة، قد نظر فيها بعض النقاد من أهل العلم، سترى التنبيه على بعضها في هذا الكتاب (ص 216).

7 - ليس من شرط الثقة ألا يخطىء، لكن هذا فيمن اتفق على توثيقه أو ترجح، أما من لم يوثقه أحدٌ، فلا يدخل فيمن يحتمل الأئمة بعض أخطائهم (ص 238). 8 - أخطاء الرواة منها ما هو محتمل، ومنها ما يدل على وهن الراوي، كما قيل: هذا من الباب الذي يقال فيه: "حديث أسقط ألف حديث" ثم إن هذا الأمر مخصوص بنظر النقاد (ص 238). 9 - يكفي في الحكم على الرجل النظرُ في بعض أحاديثَ له، قد وافق فيها الثقات، والحكم عليها بالاستقامة, مع عدم الاعتداد بتليين من ليَّنَهُ من أهل العلم؛ لأن كما أنه ليس من شرط الثقة ألا يخطىء، فكذلك ليس من شرط الضعيف ألا يصيب، فاستقامة بعض أحاديث الرجل لا تدل على ثقته -إذا ثبت التضعيف- والله الموفق (ص 238). 10 - اعتماد مسلم على ما يصدّر به الباب؛ لأنه ذكر أنه يورد أولًا الطرق الأسلم من العيوب، وإذا اعتبرنا ما أُخِّر تخريجُه متابعٌ للأول، وما أُتْبع بغيره في معنى المتابعة، لم يَصِرْ هناك فرق واضح بين ما قُدِّم في الباب وما أُخِّر، راجع ترجمة مسلم في القسم الثاني من هذا الكتاب (ص 240). 11 - محمد بن حميد الرازي متهم، فروايته عن غير معروف كالسراب (ص 242). 12 - حفص بن سليمان الأسدي الكوفي القارىء صاحب عاصم بن أبي النجود: هو في نفسه صالح، وفي القراءة إمام صاحب قراءة لا ينازع في ذلك، وأما في الحديث فمتروك ليس بشيء البتة (ص 281). 13 - الذي أُراه أن التشيع لا يثبت عن الحكم بن عتيبة (ص 283). 14 - في نسبة حماد بن أسامة إلى التدليس نظر؛ فقد حمل عنه الأئمة واحتجوا به مطلقًا، ووثقوه وثبتوه, ولم يذكره أحدٌ منهم بشيء من التدليس (ص 285).

15 - مما يحسن التنبيه عليه: ما وقع من الأستاذ/ نور الدين عتر في تعليقه على كتاب "شرح علل الترمذي" من الإغراب في تصور معنى كلام للحافظ ابن رجب: فقد قال ابن رجب (2/ 679): "ذِكْرُ من حَدَّث عن ضعيف وسماه باسم ثقة". وأورد ما وقع لأبي أسامة، ومثله لحسين الجعفي، ولزهير بن معاوية، ولأبي بلج الواسطي، ولجرير بن عبد الحميد، ولأهل الشام عن زهير بن محمد. وبيَّن ابن رجب أخطاء هؤلاء في تسمية بعض شيوخ لهم، فأبو أسامة وحسن الجعفي أخطئا في عبد الرحمن بن يزيد فجعلاه: ابن جابر، وإنما هو: ابن تميم. وزهير بن معاوية انقلب عليه اسم: صالح بن حيان، فجعله: واصل بن حيان، ولم يوصف زهير بتدليس أصلًا. وأبو بلج الواسطي أخطأ في اسم عمرو بن ميمون وليس هو ذاك المشهور، وإنما هو ميمون أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرة وهو ضعيف. ونحو ذلك الباقون، وليس في هذا الباب ذكر التدليس، وإنما هي أوهام وأخطاء، إلا ما كان من قول ابن نمير في أبي أسامة، وقد سبق الجواب عليه. ثم قال ابن رجب بعد ذلك (2/ 690): "ذِكْرُ من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة". فزاد في العنوان هنا لفظ الإيهام، وهو شرط التدليس، ثم ذكر ما وقع من: عطية العوفي، والوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، وحسين بن واقد. وبَيَّن ابن رجب تدليس هؤلاء -وبخاصة الثلاثة الأُوَل- لبعض أسامي شيوخهم.

فأما عطية فكان يأخذ عن الكلبي التفسير -والكلبي كذاب- ويكنيه بأبي سعيد، يوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي. وأما الوليد بن مسلم فكان يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي -وهو ضعيف جدًّا- ويكنيه بأبي عمرو، موهمًا أنه أبو عمرو الأوزاعي الإمام. وأما بقية بن الوليد فكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، أو زرعة بن عمرو الزبيدي -وكلاهما ضعيف الحديث- فيقول فيه: نا الزبيدي، موهمًا أنه محمد بن الوليد الزبيدي الثقة صاحب الزهري. ثم ذكر ابن رجب ما يتعلق بمن كان يدلس تدليس التسوية، بعد ذكره تدليس الشيوخ. أقول: واضح مما سلف من سياق ابن رجب أنه قرن بين صورتين تتشابهان في إبدال اسم راوٍ بغيره، لكن افترقا في القصد، فأولاهما محمولة على الخطأ، والثانية محمولة على التدليس. لكن الأستاذ/ نور الدين عتر قد حمل الصورتين على تدليس الشيوخ، وقد بان بحمد الله الفرق بين الصورتين، والله تعالى الموفق (ص 288). يتبين مما سبق براءة أبي أسامة من التدليس، وأنه لم يثبت في حقه اتهامه بذلك، ولا ما يخدش في روايته البتَّة (ص 289). 16 - سوء حفظ حماد بن سلمة بأخرة لا يُعطي معنى التغير الاصطلاحي، إلا أنه يفيد في اختلاف حاك حماد بأخرة (ص 292). 17 - توثيق أحمد بن صالح المصري وأبي زرعة الدمشقي لخالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني لا يعتمد عليه؛ فقد أسند ابن عساكر في "تاريخه" (5 / ق 567 - الظاهرية) إلى أبي زرعة الدمشقي -من غير طريق أبي الميمون

البجلي راوي التاريخ عن أبي زرعة- قال أبو زرعة في ذكر نفر ثقات: خالد بن أبي مالك، بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أنه قال: "سألت أحمد بن صالح فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك، ثقة؟ فقال: نعم". اهـ. ففي الاعتداد بهذا النقل نظرٌ من وجوه: أولًا: ذِكْرُ أبي زرعة لخالد في نفرٍ ثقاتٍ إنما بناه على ما حكاه عن أحمد بن صالح، وسيأتي ما فيه. ثانيًا: لم يُبَيِّنْ أبو زرعة مَنْ بَلَّغَهُ عن أحمد بن رشدين، وفي الاعتداد بهذا البلاع مقابل ما استفاض عن الأئمة من تضعيف خالد نظرٌ كبير. ثالثًا: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين -وسبقت ترجمته- ضعيف، بل نقل ابن عدي في "الكامل" قصة فيها تكذيب أحمد صالح المصري له، فلا يمكن التعويل على ما حكاه هنا -إن صح عنه- كما تقتضيه قواعد أهل الفن في قبول أقوال الجرح والتعديل. وأما العجلي فحاله في التوثيق معلوم. والظن بالشيخ المعلمي رحمه الله أنه لو اطلع على ما سبق لما عَوَّل عليه، وأنه إنما اعتمد على نقل المتأخرين توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد بن يزيد، دون إيراد إسناد هذا التوثيق عند ابن عساكر، لأن من منهج المعلمي اعتبار أسانيد الجرح والتعديل كما هو واضح في مؤلفاته، وسيأتي تأصيل هذا المنهج في قسم القواعد من كتابنا، إن شاء الله تعالى. والمقصود أن ما ورد من توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد لا تقوم به الحجة من حيث النقل، ولا يصلح أن يكون خادشًا في اتفاق الأئمة على ضعف خالد وطرحه.

وأما ابن عدي فكلامه محمول على نحو كلام ابن حبان، وهو أنه صدوق في الأصل، وأن ما في رواياته من الضعف فمما يحتمل، فلا يسقط أو يترك لأجله، وإن كان هو في نفسه ضعيف لا يحتج به، لا سيما وفي أسانيد بعض ما استُنكر عليه ضعفاءُ غيره، فرأى ابن عدي أنه بريء من ذلك، وأن البلاء فيه من غيره. لكن إذا كان هذا هو اجتهاد ابن عدي ونحوه ابن حبان في حال خالد بن يزيد، فإن الأئمة المتقدمين هم أعلم وأمكن وأقرب إلى خالد وأدرى بحقيقة حاله (ص 304). 18 - لم يخرج لخليفة بن خياط أحدٌ من أصحاب الكتب الستة سوى البخاري، فإنه أخرج له مواضع قليلة، مقرونًا أو تعليقًا أو بلفظ: "قال لي خليفة". ونقل الترمذي عنه قوله: "مقارب الحديث" وهذا وذاك إنما يدل أنه عنده صدوق في الأصل، إلا أنه لم يحتج به في شيء من الصحيح. وخليفة إنما مَشَّاهُ ابن عدي وابن حبان، وحملوا أحاديثه على الاستقامة. والصواب في شأنه ما قاله أئمة النقد من المتقدمين، فقد رأوه وخبروا أمره, ووَهنوه في الحديث, مع الاعتراف له بعلم التاريخ وطبقات الناس وأنسابهم، وقد جعل الله لكل شيء قدرًا. تراجع الحاشية هناك ففيها بيان هذا الصواب (ص 307 - 308). 19 - الذي يتحصل من مجموع كلام الأئمة وصنيعهم، أن داود بن الحصين كان في نفسه لا بأس به، روى مالك عنه عن غير عكرمة أحاديث مستقيمة، استشهد ببعضها صاحبا الصحيح، وهذا مما يدل على أنه كان صدوقًا، لكن كلام أبي زرعة وأبي حاتم وغيرهما يدل على أن في حفظه لينًا، فتجتنب انفراداته، وما رواه عن عكرمة، وما رواه عنه الضعفاء (ص 312).

20 - الشيخان لم يحتجَّا من رواية زيد بن أسلم عن ابن عمر، إلا بما ثبت سماعه منه، أو تابعه عليه غيره (ص 333). 21 - سالم بن عجلان الأفطس قد وثقه الأئمة وصدَّقوه وسُبرت أحاديثه فوجدت نقية -كما قال أبو حاتم- ولم يُنْكر علية شيء منها، وقد احتج به البخاري في موضع (5680، 5681)، وأخرج له في موضع آخر (2684) متابعةً. ومثل هذا لا يضره الإرجاء ولا ما ذُكر من ممالأته على قتل إبراهيم الإمام بحبسه عنده -إن صح هذا الاتهام- فالعبرة بقبول الأئمة له واحتجاجهم به، فهم أقرب إلى سالم، وأَدْرَى بحقيقة الحال (ص 335). 22 - سلمة بن الفضل الأبرش على ضَعْفه ووَهَنِه، فقد ثَبَّتُوه في ابن إسحاق، قال الحسين بن الحسن الرازي عن يحيى بن معين: ثقة كتبنا عنه، كان كَيِّسًا، مغازيه أتمُّ، ليس في الكتب أتم من كتابه. وقال علي بن الحسن الهسنجاني عن ابن معين: سمعت جريرًا يقول: ليس من لدن بغداد إلى أن تبلغ خراسان أثبت في ابن إسحاق من سلمة بن الفضل "الجرح" (4 / ت 739). أقول: لكن هذا في المغازي خاصَّة -كما في رواية الحسن، وأمَّا حديث "الفوائد": "إن لله ديكا عنقه منطوية تحت العرش .. " فلا علاقة له بالمغازي (ص 349). 23 - الكذاب إذا روى عمن لا يعرف، فهو كالعَدَم (ص 350). 24 - مَنْ أكثر عَنْ شيخٍ حتى كاد أن يستوعب ما عنده من الحديث، فإنه ليس بحاجة إلى التدليس عنه، فإن ما عنده عنه يكفيه ويُغنيه عن مثل هذا، وإنما ربما دلَّس عمن فاته أكثرُ حديثه، فاحتاج إلى الرواية عنه بواسطة، ثم يُسقط تلك

الواسطة، ويدلس عن ذاك الشيخ؛ تكثرًا من الرواية عنه مباشرة، ولأسباب أخرى معروفة. لكن لا يخفى أن هذا أمرٌ أَغْلَبِيٌّ، والرجل إذا كان مدلِّسًا، وأكثر عن فلانٍ من الناس، ولم يقل: أنا لا أُدَلِّسُ عنه، فإنه لا يمتنع أيضًا أن يسمع عنه حديثًا بواسطة، فيدلسه؛ استحياءً أن يحدث عنه بواسطة مع ما عرف عنه من اختصاصه به وإكثاره عنه، ولأسباب أخرى لا تقضي العادة بامتناعها. فهذا المدلِّس وإن كان الأصل في روايته عن شيخه ذاك أنه سمع منه، فهو كمثل سائر القضايا الحديثية أنها أَغْلَبِيَّةٌ، فإذا قيل: فلان ثقة ضابط متقن، لم يخدش في هذا القولِ خطؤه في أحاديث قليلة بالنسبة إلى كثرة ما روى. وإذا قيل: فلان أثبت من فلان في شيخ معيَّن، لم يُطعن في ذلك بانعكاس القضية في بعض الأحوال إذا قامت القرائن على ذلك، وهذا أمر مستفيض ودلائله منتشرة في صنيع الأئمة (ص 358). 25 - الناقد إذا استنكر خبرًا، أو وجده مباينًا لما صح واستقر بخلاف معناه، نظر في إسناده مستحضرًا الأحوال التفصيلية لرواته، ويَنْفُذُ في تعليله من خلال مواطن الخلل فيه، معتمدًا على القرائن المعتبرة في كل حالة (ص 359). 26 - ربما أعلَّ الناقدُ الخبر بعلَّةٍ يندر وقوع مثلها، إذا ساعدت القرائن على ذلك، والنادرُ قد يُحتاج إليه. ففيما نقلته آنفًا عن البخاري في "تاريخه الأوسط" مثال عمليّ على ذلك، فإنه لما استنكر الخبر، وقال: قد أدرك أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- معاوية أميرًا في زمان عمر، وبعد ذلك سنين، فلم يقم إليه أحدٌ فيقتله، واستدل بهذا على وَهَن الأخبار الواردة في ذلك، وأن ليس لها أصول، فنظر في رواية الأعمش عن سالم؛ والأعمش مدلِّس ولم يصرح بالسماع، والخبر في التشيع، فلعلَّه سمع

الخبر من أحدِ المغفلين ممن ينتسبون إلى التشيع، ممن يُلَقَّنُ أو يُدْخَلُ عليه، فدلَّسَه عنه، هذا مع الأخذ في الاعتبار أن رواية الأعمش عن سالم -وهو ابن أبي الجعد- محتج بها في الصحيحين، ومخرجة في سائر الكتب الستة، ولم أر من نصَّ على أن الأعمش يدلس عن سالم؛ كما نصوا على تدليسه عن غير واحدٍ من شيوخه، لكن لم يجد البخاري -وهو الخبير الحصيف- بُدًّا من هذه العلّة لقيام القرائن عليها، ولو لم يعلّ البخاري بها إلا هذا الخبر لما قيل له: هذا أمر نادر لا يُعَوَّل عليه؛ لأن احتمال التدليس قائم، لا يُدْفع بندرته (ص 359). 27 - كل مدلس لم يصرح بالسماع، فاحتمال تدليسه قائم، ويشتد هذا الاحتمال ويضعف بحسب القرائن المحتفة به وبمن روى عنه (ص 359). 28 - قول الذهبي في ترجمة الأعمش من "الميزان" (2/ 224). "هو مدلس، وربما دلس عن ضعيف، ولا يدري به، فمتى قال: "حدثنا" فلا كلام، ومتى قال: "عن" تطرّق إليه احتمال التدليس، إلا في شيوخٍ له أكثر عنهم: كإبراهيم، وأبي وائل، وأبي صالح السمان؛ فإن روايته عن هذا الصنف محمولة على الاتصال". اهـ. لا يدفع ذلك احتمال تدليس الأعمش عن هؤلاء الذين سماهم من شيوخه، وإن كان احتمالا قليلًا، لكن لا يمتنع التعلق به إذا انقدح في ذهن الناقد وبصره التعليل به؛ للقرائن المحتفة بالخبر. ومما يؤيد ما يتعلق برواية الأعمش عن مثل هؤلاء الثلاثة الذين أكثر عنهم، ما رواه ابن أبي حاتم في "تقدمة الجرح والتعديل" (ص 167) من طريق أبي داود الطيالسي، قال: "نا شعبة عن الأعمش عن إبراهيم: أن عليًّا كان يجعل للأخوة من الأم - يعني في المشتركة. فقلت للأعمش: سمعته من إبراهيم؟ فقال برأسه، أي: نعم". اهـ.

فلم يمنع إكثار الأعمش عن إبراهيم أن يسأل شعبة عن سماعه منه؛ احتمالًا لوقوع التدليس. وفي "التقدمة" أيضًا (ص 72): "قال علي بن المديني: سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: قال سفيان -يعني الثوري-: إن الأعمش لم يسمع حديث إبراهيم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الضحك في الصلاة". اهـ. فقد دلسه عن إبراهيم. وانظر لزامًا: "جامع التحصيل" (ص 189 - 190). وفيها أيضًا (ص 71): "قال زائدة: كنا نأتي الأعمش فيحدثنا فيكثر، ونأتي سفيان الثوري فنذكر تلك الأحاديث له، فيقول: ليس هذا من حديث الأعمش، فنقول: هو حدثنا به الساعة، فيقول: اذهبوا فقولوا له إن شئتم، فنأتي الأعمش فنخبره بذلك، فيقول: صدق سفيان، ليس هذا من حديثنا". اهـ. فعلَّق العلَّامة المعلمي في حاشية "التقدمة" (ص 70) بقوله: "كان الأعمش رحمه الله كثير الحديث، كثير التدليس، سمع كثيرا من الكبار، [أقول: كإبراهيم وأبي وائل وأبي صالح] ثم كان يسمع من بعض الأصاغر أحاديث عن أولئك الكبار، فيدلسها عن أولئك الكبار، فحديثه الذي هو حديثه هو ما سمعه من الكبار، فمعنى قول سفيان "ليس هذا من حديثها" أنه ليس من حديثه عمن سَمَّاهُ، وإنما سمعه من بعض من دونه فدلسه". اهـ. (ص 359). 29 - اعلم أن صيغ الأداء في الأسانيد مما اعتنى به الأئمة فكانوا يضعونها تحت النظر والنقد، ولابد أن يصح الطريق لقائل الصيغة أولًا حتى تثبت عنه، ثم لابد أن تتوفر فيه هو شروط قبول الرواية المعتبرة حتى يقبل منه تصريحه بالسماع من شيخه، خشية أن يكون قد وهم في ذلك، وهذا من دقائق هذا العلم، ومما يُرجع فيه أولًا وأخيرًا لأئمة النقد.

ولهذا أمثلة معروفة لأهل الفن، من ذلك: أن أصحاب الزهري قد اتفقوا على رواية حديث عنه عن سعيد بن المسيب، لم يصرح الزهري بسماعه فيه من ابن المسيب. وخالفهم أسامة بن زيد الليثي -وهو ضعيف- فرواه عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب. حكى عمرو بن علي الفلاس أن يحيى القطان قد ترك أسامة بسبب ذلك. انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 210). (ص 367). 30 - من المعلوم أن ما مِنْ "ثقة" إلا وربما أخطأ، أو خالف، أو أغرب، فالنَصُّ على ذلك إنما يفيد عند إرادة الترجيح بين من قيل فيه ذلك، ومن لم يُقَلْ فيه (ص 373). 31 - لم يصف شريك بن عبد الله القاضي بالتدليس أحد من الأئمة المتقدمين، وفي القلب شيء من الاعتماد على مجرد وصف مَنْ بعدهم له بذلك -مع تبرئه منه- إلا بِبَيِّنَةٍ (ص 377). 32 - الراوي الوسط أو من فيه مقال، بل والثقة أحيانا، لا يكون حاله في كل حديثه سواء، بل يتردد بين الصواب والخطأ بحسب درجته من الضبط، ومردُّ ذلك إلى النقاد من أهل هذا الفن، وأمَّا أهل العصور المتأخرة فمولعون بإطلاق التقويمات المعروفة, والحكم على أحاديث الرجل بناءً على ما التصق به من التقويم، فالثقة حديثه صحيح أبدًا، والصدوق حديثه حسن يحتج به, وهكذا، دون النظر في الأحوال التفصيلية للرواة, ولا للقرائن المُحْتَفَّة بالخبر (ص 389). 33 - عبد الله بن زياد بن سمعان كَذَّبَهُ: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعد، وابن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم. وقال البخاري: "سَكتوا عنه" - وهو لا يقولها إلا فيمن لا تحل الرواية عنه، وقال أبو حاتم: "سبيله سبيل الترك"، وتركه جماعة.

وأما توثيق ابن وهب له ففيه بحث، وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه، وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه، كما كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه، إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه ومنهم من تركه. وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة، دَلَّس فيها ابنُ سَمعان تدليسًا فاحشًا، فحدث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا، ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه فقال: لقيته في البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره إلى معرفته أو الوصول إليه! والحاصل أن ابن سمعان إن لم يكن يضع الحديث وضعًا -كما ظنه أحمد بن صالح، فهو يكذب ويدَّعي سماع أقوام لم يسمع منهم بل لم يرهم- كما قال غير واحد- ويأخذ صحفًا فيرويها من غير سماع، فليس هو بأهل أن يكتب عنه أصلًا، وعلى هذا قول النقاد من أهل العلم -كما سبق النقل عنهم في صدَرْ هذا التعليق- وقول ابن وهب في مثل هذا شذوذ لا يلتفت إليه، والله تعالى أعلم (ص 407 - 409). 34 - المقصود أن رواية هؤلاء العبادلة عن ابن لهيعة أحسن وأصح من رواية غيرهم عند المفاضلة والترجيح، لا أَنَّهُ يُحْكم على حديثه من روايتهم عنه بالصحة؛ لأن ابن لهيعة في نفسه غير حجة، وإنما يعتبر بما صحَّ أنه حدَّث به من كتابه، وهذا هو مراد الشيخ المعلمي بقوله السابق: "فهو صالح في الجملة". وقد ختم أبو زرعة كلامه السابق بقوله: وليس ممن يحتج بحديثه. وختم الفلاس بقوله: وهو ضعيف الحديث.

ويوضح ذلك ويؤكده ما ذكره ابن أبي حاتم في "الجرح" أيضًا: سألت أبي وأبا زرعة عن ابن لهيعة .. فقالا: ابن لهيعة أمره مضطرب، يكتب حديثه على الاعتبار. قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك وعبد الله ابن وهب يحتج به؟ قال: لا". اهـ. (ص 418 - 419). 35 - ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه فصار ما يحدث به ليس من حديثه، أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه، لَا أَنَّ ما حدث به في المدينة فهو حديث صجيح أي يحتج به (ص 439). 36 - الأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديثه، لم يُلَقَّنْهُ أو يُدخلْ عليه أو يَدْخلْ له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه, وبين ما ليس من حديثه، لأنَّ ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبْرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات. من ذلك ما رواه الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 48) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال: حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه". قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح. قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية, وليس بباطل، إِذْ قد رواه غير واحد عنه. اهـ. ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه، بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قاله ابن معين في رواية الدوري "تاريخ بغداد" (11/ 50).

أما الحديث في نفسه فاستنكره الأئمة، ومنهم ابن معين نفسه، فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء "تاريخ بغداد" (11/ 49) وللعلَّامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 349 - 353)، وهو منشور هنا في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما (ص 439). 37 - قولهم في الراوي: "كتابه صحيح" مشعر بأن قي حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به, وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه. مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب لا يُعْفِي صاحبه من أوجه الخلل المعروفة الناشئة عن سوء الأخذ، والوهم في السماع، وأثناء الكتابة، من التصحيف والتحريف، والأخطاء الواقعة أثناء التحويل من كتاب إلى كتاب، أو الاعتماد على الغير في إدراك ما فات سماعه أو كتابته - إلى غير ذلك من مداخل الخلل في الكتب. وهذا كله يرجع لحالِ الراوي في نفسه من الإتقان والتحري والضبط والاحتياط واليقظة وغير ذلك (ص 439). 38 - عبد العزيز بن الحارث بن أسد بن الليث أبو الحسن التميمي الحنبلي له اشتغال بالفقه والأصول, ولم يوثق، وثبت من طريق حفاظ ثقات أثبات مأمونين أنه وضح حديثين في مسند أحمد، وكتبوا محضرًا بذلك شرحوا فيه حاله، ولم يدفع عنه سوى ابن الجوزي, وفيه تحامل شديد على الخطيب، والرجل حنبلي، فالاحتمالات التي ذكرها ابن الجوزي إنما هي محاولة للتخلص من جرح هذا الرجل الحنبلي، ورَمْي الخطيب بالتعصب ضد الحنابلة, وعلى ذلك فلم يثبت ما يُدفع به هذا الجرحُ، فيتعيّن قبوله، والله تعالى أعلم (ص 453).

39 - قولهم: "تكلموا فيه" ظاهره الجرح بلا شك، لكن إذا ثبت توثيق من قيل فيه هذا توثيقًا معتبرًا تطمئن النفس إليه، فيقال حينئذٍ: التوثيق مقدم، والجرح غير مفسَّر، فلعله تُكُلِّمَ فيه بكلام لا يضرُّ. أما إذا لم يوثق توثيقًا يعتد به، صار الجرحُ وإن كان غيرَ مفسَّرٍ، محلًا للاعتبار والقبول - والله. تعالى أعلم (ص 483). 40 - قد أطلق المتقدمون أن عليّا أرسل عن ابن عباس ولم يسمع منه، وممن قال ذلك: ابن معين، ودحيم، وأبو حاتم الرازي، وابن حبان، وأبو أحمد الحاكم، ونقل الخليلي في "الإرشاد" (1/ 394) إجماع الحفاظ على ذلك. ولم يذكر أحدٌ ممن أسلفنا ذكره ولا غيرهم أن عليًّا إنما حمل تفسير ابن عباس عن مجاهد أو سعيد بن جبير ... راجع (ص 485 - 486). 41 - لم أَرَ من ذكر ثابتًا البناني بِتَغَيُّرٍ، إلا ما حكاه مغلطاي في "إكماله" (2 / ق 38) ومثله في "تهذيب ابن حجر" (2/ 3) قالا في "سؤالات أبي جعفر محمد بن الحسين البغدادي لأحمد بن حنبل": سئل أبو عبد الله عن ثابت وحميد أيهما أثبت أنس؟ فقال: قال يحيى القطان: ثابت اختلط وحميد أثبت في أنس منه". اهـ. وأبو جعفر هذا لعله المترجم في "تاريخ بغداد" (2/ 222)، و"طبقات الحنابلة" لابن أبي يعلى (1/ 190) , و"الأنساب" لابن السمعاني (2/ 131) في نسبة البرجلاني فقد ذكر الخطيب أنه روى عن أحمد لكن لم يذكر أحد منهم تلك السؤالات، وعلى كل حالٍ فإني لم أجد من يقرب أن يكون هو المذكور في نقل مغلطاي إلا هذا، فإن كان هو فقد قال الخطيب: بلغني عن إبراهيم بن إسحاق الحربي أنه سئل عن محمد بن الحسين البرجلاني فقال: ما علمت إلا خيرًا. وإن كان غيره فلم أعرفه، وعلى كل حالٍ ففي ثبوت تغير ثابت بهذا النقل عندي وَقْفَةٌ، والله تعالى أعلم (ص 493).

42 - قد ذكر ابنُ عدي لمحمد بن يونس الجمال حديثين سوى هذا، رواهما الجمَّال بإسنادين وصفهما ابن عدي بأنهما غير محفوظن، أوَّلهُما الذي رواه عنه محمد ابن الجهم السمري، وقال عقبه: ممن يسرق حديث الناس ... ثم قال ابن عدي: ولمحمد بن يونس أحاديث أخر من طراز ما ذكرت، وهو ممن يسرق حديث الناس. وابن عديّ من نقاد هذا الفن، وعبارته: "له أحاديث أخر من طراز ما ذكرت" تعني أن الجمال يروي أحاديث سوى ما ذَكر ابن عدي بأسانيد غير محفوظة، فمن أين له بها؟ إما أنه يسرقها ويفتعلها، وإما أنها تُدخل عليه، أو غير ذلك. فلما روى عن ابن عيينة ما علم ابن عدي أنه إنما ينفرد به حسين الجعفي، انقدح في ذهن ابن عدي -مع اتهام السمري له وهو من الآخذين عنه- أنه قد سرق هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي يروجها بأسانيد غير محفوظة. ولا يُعرف مخالفٌ لابن عدي فيما رمي به الجمَّال، فمع نَصْبِ ابن عديّ الشواهد على ما قال، فلا محيصَ من إعمال قوله، وعدم الاعتبار بما رواه الجمَّال رأسًا، والله تعالى أعلم (ص 578). 43 - قد أطلق غير واحد من الأئمة عدم سماع مخرمة بن بكير من أبيه، وأنه إنما يروي من كتاب أبيه، منهم: أحمد، وابن معين، وابن المديني، وابن حبان. وهو ظاهر صنيع البخاري؛ فقد ذكر في ترجمته من "التاريخ الكبير" (8/ 16) قولَ أحمد: "سمعت حماد بن خالد الخياط قال: أخرج مخرمةُ بن بكير كتبًا، فقال: هذه كتب أبي لم أسمع منها شيئًا" ولم يخرج البخاري لمخرمة في الصحيح شيئًا.

وتَرَدَّد أبو حاتم فلم يجزم فيه بشيء، فقال (8/ 364): "إن كان سمعها من أبيه فكل حديثه عن أبيه، إلا حديثًا يحدث به عن عامر بن عبد الله بن الزبير". وقد جاء عن مخرمة التصريح بأنه لم يسمع من أبيه شيئًا: فقد روى غير واحد عن سعيد بن أبي مريم عن خاله موسى بن سلمة قال: أتيت مخرمة ابن بكير بكتاب أعرضه عليه فقال لي: ما سمعت من أبي شيئًا، وهذه كتبه. وفي رواية: ما أدركت أبي إلا وأنا غلام (الجرح والكامل وغيرهما). وأما ما جاء مما يدل على سماعه، والجواب عنه: أولًا: فقد روى الدولابي عن أحمد بن يعقوب: حدثنا علي بن المديني، قال: سمعت معن ابن عيسى يقول: مخرمة سمع من أبيه، وعرض عليه ربيعة أشياء من رأى سليمان بن يسار. قال علي بن المديني: ولا أظن مخرمة سمع من أبيه كتاب سليمان، لعلَّه سمع الشيء اليسير، ولم أجد أحدًا بالمدينة يخبرني عن مخرمة بن بكير أنه كان يقول في شيء من حديثه: سمعت أبي. ثانيًا: ما حكاه ابن أبي أويس -وهو إسماعيل بن عبد الله بن عبد الله بن أويس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي، ابن أخت مالك بن أنس الإمام- وقد اختلفت ألفاظ الناقلين عنه: أ- ففي "الجرح" (8/ 364): قال أبو حاتم: قال ابن أبي أويس: وجدت في ظهر كتاب مالك: سألت مخرمة عما يحدث به عن أبيه سمعها من أبيه؟ فحلف لي وقال: ورب هذه البنية -يعني المسجد- سمعت [وفي نسخة: سمعته] من أبي.

ب- وفي "المعرفة والتاريخ" للفسوي (1/ 663): قال إبراهيم بن المنذر: حدثني ابن أبي أويس قال: قرأت في كتاب مالك بن أنس بخط مالك قال: وصلت الصفوف حتى قمت إلى جنب مخرمة بن بكير في الروضة، فقلت له: إن الناس يقولون إنك لم تسمع هذه الأحاديث التي تروي عن أبيك من أبيك؟ فقال: ورب هذا المنبر والقبر لقد سمعتها من أبي. ثلاثًا. ج- وقال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (1/ 442): حدثني أحمد بن صالح: قال: حدثني ابن أبي أويس قال: رأيت في كتاب مالك بخطه: قلت لمخرمة في حديث: سمعته من أبيك؟ فحلف لَسَمِعَهُ من أبيه. ثالثًا: قال أبو داود: لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا، وهو حديث الوتر (ذكره المزي في "تهذيب الكمال" (27/ 326). أقول: أما الأمر الأول فقد أجاب عنه ابن المديني، واستبعد هذا السماع، واستظهر بأنه لم يبلغه تصريح مخرمة بالسماع من أبيه في شيء من حديثه. وأما الأمر الثاني فالظاهر أن الأئمة لم يُعوِّلوا على حكاية ابن أبي أويس؛ لحاله في نفسه مما فيه من الضعف، ووصفه بالغفلة، ولأن له عن مالك غرائب، ولمخالفة حكايته لما جاء عن مخرمة من طرق صحيحة أنه لم يسمع من أبيه شيئًا، ولأن حكايته إنما هي وجادة، وقد اختلف النقل عنه، ففي النص (أ): وجدت في ظهر كتاب مالك. ولم يقل بخطه. وفي (ب): قرأت في كتاب مالك بخطه. وفيهما ما ظاهره أن السؤال كان عن أحاديثه كلها عن أبيه. وفي (ج): السؤال عن حديث بعيَنْه.

وهذا الاختلاف مما يُضْعف الاعتماد على مثل هذه الحكاية؛ لأن لظهر الكتاب شأنًا سوى الكتاب نفسه وهل السؤال عن سماع حديث واحد، أم عن سماع مخرمة من أبيه جملة؟ فالفرق كبير. وقد ساق أبو حاتم تلك الحكاية، ثم قال: إن كان سمعها من أبيه .. " فلم يرها حجة في إثبات السماع، والله تعالى أعلم. وقد علَّق الشيخ المعلمي على هذه الحكاية في "حاشية الجرح" (8/ 364) بقوله: "وِجَادَة، فإذا احتيج إليها لم تُغْنِ، وإن أغنت لم يُحْتَجْ إليها". وأما الأمر الثالث فهو يدل على سماع حديث واحد، والثابت عن مخرمة أنه أدرك أباه وهو غلام، لم يسمع منه شيئًا، وعلى ذلك جمهور النقاد من المحدثين، فاستثناء شيء من هذا الإطلاق يحتاج إلى برهان وحجة، فربما كان مستند أبي داود مجيء هذا الحديث الواحد مصرحًا فيه بسماع مخرمة من أبيه، فيُنظر: هل هذا التصريح بالسماع محفوظًا أم لا؟ فكبم من صيغٍ للاتصال في الأسانيد لم يَعْبَأ بها النقاد؛ لاستقرار العلم بالانقطاع، وقد اعتنى ابن المديني بهذا الأمر، فلم يجد أحدًا ينقل سماع مخرمة من أبيه - كما مَرَّ نقلُه. أما الإمام مسلم فقد احتج به في موضعين، واستشهد به في عدة مواضع. أما الاحتجاج: ففي كتاب "الحج" (ص 856، 982). وأما الشواهد: ففي "الطهارة" (ص 247)، وفي "الصلاة" (ص 328، 386، 584)، وفي "الحج" (ص 969)، وفي "الحدود" (ص 1312). وقد قال ابن القيسراني في "الجمع بين رجال الصحيحين" (2/ 510): "وأُنكر على مسلم إخراجه هذه الترجمة" اهـ.

وقال العلائي في "جامع التحصيل" (ص 275): "أخرج له مسلم عن أبيه عدَّة أحاديث، وكأنه رأى الوجادة سببًا للاتصال، وقد انتقد ذلك عليه". اهـ. (ص 579 - 581). 44 - قد يسمع الإنسانُ الشيءَ بلفظٍ، فيقع في نفسه -مما يوافق هواه- معنى غير الذي سمع، فإذا أراد أن يرويه سبق المعنى الذي وقع في نفسه دون الذي سمع، وهذا أحد الأسباب المؤدية إلى دخول الوهم في الرواية (ص 623). 45 - معنى عبارة: "حديث ليس له أصل" عند أهل الفن أن الحديث لا يصح بحال، وليس له إسناد قائم، ومفهومها أن كل اسناد جاء له إنما هو خطأ. وأحيانًا يطلقون هذه العبارة "ليس له أصل" ويُعنون: مِنْ حديث فلان، وقد يكون الحديث محفوظًا من حديث غيره، ويعرف هذا بالتتبع (ص 624). 46 - نعيم بن حماد يكثر من التحديث من حفظه فيخطىء، وينفرد عن المشاهير بأسانيد ومتون لا يتابع عليها، وقد رُوي أنه حدث يومًا -بحضرة ابن معين- بأحاديث عن ابن المبارك عن ابن عون فقال يحيي: ليس هذا عن ابن المبارك فغضب نعيم، فقال يحيى: والله ما سمعتَ أنت هذا من ابن المبارك قطُّ، ولا سمعها ابن المبارك من ابن عون قطُّ، فغضب نعيم، فدخل البيت فأخرج صحائف، فلم يجد لما حدث به عن ابن المبارك عن ابن عون أصلًا في كتبه، ثم قال: أين الذين يزعمون أن يحيي ين معين ليس أمير المؤمنين في الحديث، نعم يا أبا زكريا غلطتُ، وكانت صحائف، فغلطتُ، فجعلتُ أكتب من حديث ابن المبارك عن ابن عون، وإنما روى هذه الأحاديث عن ابن عون غير ابن المبارك اهـ. "تهذيب الكمال" (29/ 471)، وقد ذكرها المزي منقطعة فقال: (روى الحافظ أبو نصر اليونارتي بإسناده عن الدوري عن ابن معين).

وقد حَدَّث نعيم عن ابن المبارك عن معمر عن الزهري بحديث، فقال صالح جزرة الحافظ: ليس لهذا الحديث أصل، ولا يعرف من حديث ابن المبارك، ولا أدري من أين جاء به نعيم، وكان نعيم يحدث من حفظه وعنده مناكير كثيرة لا يتابع عليها. "تاريخ بغداد" (13/ 312). وقد سبق وصف الأئمة لنعيم بالصدق، وهو نقيض الكذب، وقد اعتذر عنه غير واحد من المعتمدين بأنه كان يُشَبَّهُ له، فيخطىء، من غير أن يتعمد، لكن كثر منه التفرد بأشياء لا أصل لها، لسوء حفظه، ودخول أحاديث الثقات في أحاديث الضعفاء، فصار يأتي عن الثقات بالمنكرات، فالحكم عليه بكثرة الخطأ، لن يجرَّ إلى رميه بنقيض الصدق إن شاء الله تعالى، والله تعالى الموفق. (ص 627). 47 - هشام بن عمار لم يذكره أحد بتدليس أصلًا، فضلًا عن تدليس التسوية، والذي استظهره الحافظ ابن حجر لا يساعده عليه كلام أهل العلم في هذا الخبر، بل كل من تكلم في هذا الخبر -خبر مقتل عثمان- إنما حمل على ابن سميع في تدليسه عن ابن أبي ذئب، وإليك البيان: 1 - قال ابن عدي في ترجمة ابن سميع من "الكامل" (6/ 2250): "ولابن سميع أحاديث حسان عن عبيد الله -يعني: ابن عمر، وعن روح بن القاسم وجماعة من الثقات، وهو حسن الحديث، والذي أُنكر عليه حديث مقتل عثمان أنه لم يسمعه من ابن أبي ذئب". اهـ. 2 - وقال الحاكم أبو أحمد: "مستقيم الحديث، إلا أنه روى عن ابن أبي ذئب حديثًا منكرًا، وهو حديث مقتل عثمان، ويقال: كان في كتابه: عن إسماعيل ابن يحيي التيمي عن ابن أبي ذئب، فأسقطه، وإسماعيل ذاهب الحديث". اهـ. "تهذيب الكمال" (26/ 257).

3 - وقال ابن حبان في "الثقات" (9/ 43): "هو مستقيم الحديث إذا بَيَّنَ السماع في خبره، فأما خبره الذي روى عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب في مقتل عثمان فلم يسمعه من ابن أبي ذئب، سمعه من إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله عن ابن أبي ذئب، فَدَلَّسَ عنه، وإسماعيل ضعيف واهٍ". اهـ. 4 - وقال أبو حفص بن شاهين: "محمد بن عيسى بن سميع شيخٌ من أهل الشام ثقة، وإسماعيل بن يحيي بن عبيد الله الذي أسقطه ضعيف". اهـ "تهذيب الكمال" (26/ 257). أقول: فلم ينفرد ابن حبان بالجزم بتدليس ابن سميع لهذا الخبر، بل صرح بذلك -كما رأيت- ابن عدي وأبو أحمد الحاكم وابن شاهين، وقد ذكر البخاري في تاريخيه المطبوعين ما قيل من عدم سماع ابن سميع لهذا الخبر من ابن أبي ذئب، وذلك في ترجمة ابن سميع، وفي هذا إشارة من البخاري رحمه الله إلى أن التبعة فيه عليه، ولم يذكر أحدٌ هشامًا بشيء في هذا الخبر. ومما يؤيد هذا المعنى أن هشامًا قد تُوبع في روايته عن ابن سميع عن ابن أبي ذئب، روى ذلك ابن عدى في "الكامل" فقال: حدثنا أبو العلاء الكوفي ومحمد ابن العباس قالا: ثنا هشام ابن عمار، وثنا الفضل بن عبد الله بن مخلد ثنا هارون بن محمد بن بكار بن بلال قالا: ثنا محمد بن عيسى بن سميع أبو سفيان القرشي، عن ابن أبي ذئب عن الزهري .. الحديث فقد تابع هشامًا على ذكر العنعنة بين ابن سميع وابن أبي ذئب: هارون بن محمد هذا، وهو صدوق لا بأس به.

وممن جزم بهذا أيضًا: الذهبي، فقال في ترجمة ابن سميع من "ميزان الاعتدال": "قد أُنْكِرَ عليه حديث مقتل عثمان، وهو في كتابه عن إسماعيل بن يحيي بن عبيد الله -أحد الضعفاء- عن ابن أبي ذئب، فرواه على سبيل التدليس عن ابن أبي ذئب، وأسقط إسماعيل". اهـ. بل ساق الذهبي في ترجمة ابن سميع من "تاريخ الإسلام" رواية صالح جزرة عن هشام بن عمار قال: جهدت به أن يقول: ثنا ابن أبي ذئب، فأبى إلا أن يقول: عن ابن أبي ذئب. وهذا صريح من إيراد الذهبي للحكاية أنه فَهِمَ أن قائل: "جهدت به الجهد" إنما هو هشام بن عمار, لا صالح جزرة. وفَهْمُ الحافظ ابن حجر خلاف ذلك -وعليه بَنَى المعلمي- ليس عليه مستند ولا له سلف من أقوال أهل العلم. وإيرادُه في تهذيبه قول أبي داود في ابن سميع "لا بأس به" عقب سؤال عيسى بنه شاذان لهشام بن عمار -واستأنس بذلك المعلمي وبنى عليه استشعاره يتبرئة أبي داود لابن سميع- مخالفٌ لسياق أصل تهذيبه وهو "تهذيب الكمال" للمزي، ولسياق أصل النقل وهو سؤالات الآجري لأبي داود، وهاك البيان: - قال الآجري "سؤالاته" المطبوع (2 / رقم 1592): سألت أبا داود عن محمد ابن عيسى بن سميع، فقال.: ليس به بأس، إلا أنه كان يتهم بالقدر. - قال أبو داود: سمعت هشام بن عمار نا محمد بن عيسى الثقة المأمون. - قال أبو داود: قال لي عيسى بن شاذان: قلت لهشام بن عمار: حديث ابن أبي ذئب قال لكم فيه ابن سمع: نا ابن أبي ذئب. قال: أيش سؤالك عن هذا؟. اهـ. وبمثل هذا السياق في "تهذيب الكمال" المطبوع (26/ 255 - 256).

فبان بهذا أن قول أبي داود في ابن سميع: "ليس به بأس" ليس تعقيبًا على حكاية سؤال عيسى بن شاذان لهشام بن عمار -حتى يقال إن أبا داود يقول: ليس بابن سميع بأس يعني في هذا الخبر، أي أن التدليس فيه ليس منه، فيتعين الحمل على هشام أنه دلس التسوية- كما ذهب إليه المعلمي. يتبيَّنُ مما سبق أن المعنى الأول الذي ذكره المعلمي في حكاية صالح جزرة عن هشام بن عمار -ووصَفَهُ المعلمي بأنه هو المتبادر .. إلى آخر كلامه- هو المعنى المتعيَّن الذي لا يصح غيره. وبهذا يبرأ هشام بن عمار مما نُسب إليه من تدليس التسوية، بل والتدليس عامّة، وعلى ذلك فما ذكره الشيخ المعلمي رحمه الله من علاقة ما ذُكر عن هشام من التلقين وما ذهب إليه هو من وصفه هنا بتدليس التسوية, خطأ، وقد عرفتَ وَجْه ذلك، والله الموفق وهو الهادي إلى سواء السبيل (ص 639 - 641). * * *

القسم الثاني «مناهج بعض أئمة النقد والمصنفين»

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي وَأَثَرُهُ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ المُسَمَّاة النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد إِعدَاد أَبِي أَنَس إِبْرَاهِيَم بنْ سَعِيْد الصبَيْحي الْقسم الثاني «مناهج بعض أئمة النقد والمصنِّفين» دَارُ طَيْبَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد (2)

(ح) دَار طيبَة للنشر والتوزيع، 1431 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الصبيحي، إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم موسوعة المعلمي الْيَمَانِيّ وأثره فِي علم الحَدِيث الْمُسَمَّاة (النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد)./ إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم الصبيحي - الرياض، 1431 هـ 4 مج. ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 2) 1 - عُلُوم الحَدِيث. 2 - الحَدِيث - الْجرْح وَالتَّعْدِيل. 3 - الحَدِيث - علل. أ - العنوان ديوى 230 - 19/ 1431 رقم الْإِيدَاع: 19/ 1431 ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 2) جَمِيعُ الحُقُوق مَحفُوظَةٌ الطَّبعَةُ الأولى 1431 هـ - 2010 م دَار طيبَة للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - السويدي ش. السويدي الْعَام - غرب النفق - ص. ب 7612 الرَّمْز البريدي 11472 - هَاتِف 4253737 (6 خطوط) - فاكس 4258277

مقدمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مقدمة إن الحمدَ للَّه، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونَعوذُ باللَّه من شُرُور أنفسِنا ومِن سَيِّئاتِ أعمالنا، من يَهْده اللَّهُ فلا مُضِلَّ لَهُ ومن يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شريك لَهُ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}. [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فإنَّ اللَّه تعالى قَدِ امْتَنَّ على هذه الأُمّة بأَنْ جَعلها خيرَ الأُمَمِ، وجعلَ رسولَها -صلى الله عليه وسلم- خاتمَ الأنبياءِ والمرسلينَ، وجعلها يومَ القيامةِ شَاهدةً على النَّاس. وقد حَبَاها اللَّهُ تبارك وتعالى ما يجعلُها أَهْلا لتلك المنَّةِ العظيمة: كتابًا خالدًا، مُهيمنًا على الذي بين يديه {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} [فصلت: 42] و: سُنَّةً مُبَيِّنَةً لِمَا في هذا الكتابِ على مَرِّ العُصور والأزْمَان.

وشاءت حِكمةُ اللَّهِ عز وجل أَلَّا يُخَلِّفَ رسولُ اللَّه -صلى الله عليه وسلم- وراءَهُ شيئًا من حُطام الدنيا، وإنما خَلَّفَ ميراثًا وافرًا من العلمِ النافعِ، وَرِثَهُ عنه أصحابُه وحَمَلَةُ لِوَائِهِ. وقد اشْتَهرَ من هؤلاءِ الصَّحْبِ نَفَرٌ، قيَّضَهُم اللَّهُ تعالى لِحفْظِ النَّصِيبِ الأَوْفَر من هذا الميراث، فاعتَنَوْا به, وبلَّغُوه مَنْ بَعْدهم، وأخذه عَنْ كُل منهم تلاميذُ أَكْفَاء، فكانوا مشاعلَ لهذا العلم، وعَنْ هؤلاءِ أخذهُ نحوُهم، وهَلُمَّ جَرَّا. وهكذا في كُل عصر يبرزُ رجالٌ؛ يَحْفَظُ اللَّه بهم تلك السُّنَّةَ التي هي مُبَيِّنَةٌ لذلك الكتابِ المعجزِ الخاتمِ الذي تكَفَّلَ -سبحانه- بحفظِهِ. وكما اخْتَارَ اللَّهُ لِدِينه أَعْلامًا يَحْملُون لِوَاءَهُ، ويحفظون سُنَنَ النبي الأمين، فقد اختارَ رجالا، صَنَعهم على عَيْنِهِ، ورَزَقهم مِنَ المعرفةِ، وهيَّأَ لهم من الأَحْوال، ما جعلهم نُقَّادًا صَيَارِفَةً، اجتهدوا في حفظ ذلك الميراث, فنَفَوْا عنه كُلَّ تحريفٍ، وأماطَوْا عنه كُلَّ انْتِحَالٍ، بَيّنوا خطأَ المخطىء -مَهْما كان- وميَّزُوا بين عُدُول النَّقَلَةِ وأَهْل الحِفْظِ منهم، وبين سَاقِطيهم وأهْلِ الغفلة وسُوء الحِفْظِ. جعلهم اللَّه حُرَّاسَ الشَّريعة، المأمونين عليها من كُلِّ دَخِيل، فقطَعُوا في حِفْظِها المَفَاوِزَ، وجَازُوا في سبيلها القِفارَ والبحار، تَشَفَّقَتْ في طلبها أَقْدامُهم وأَشْداقُهم، ورَبَطُوا على بطونهم -من الجوع- الأَحْجَار. طلبوا الدرجاتِ الرفيعة, والأقدارَ الشريفة، فلما صحَّتْ نِيَّتهُمْ وصَدَقَتْ عَزِيمتُهمْ، وَوَضَحتْ أهدافُهم، ودَأَبُوا وما مَلُّوا، واستقاموا وما تَلَفَّتُوا -مع النَّباهة واليقظة- بَلَغَ اللَّه بهم من المنزلةِ غايةً؛ ليس وراءها مُطَّلَع لِنَاظِرٍ، ولا زيادةٌ لمُسْتَزِيدٍ، ولا فوقها مُرْتقًى لِهِمَّةٍ، ولا مُتَجَاوَزٌ لأمَلٍ، وبلغتْ بهم نعمةُ اللَّهِ في ذلك حيثُ لا تُبْلَغُ الآمَالُ والأمَانيُّ والهِمَمُ، وذلك فَضْلُ اللَّه يؤتيه من يشاء.

وبعد: فهذه هي الحلْقة الثانية في سِلْسِلَة ذَهَبِيّ العَصْر الشيخ العلَّامة: عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، ومنهجه في النَّقْد، والتي سَمَّيْتُها بـ:"النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد". وهذه الحلْقة تشتمل على كلام الشيخ المعلمي على مناهج بعض أئمة النَّقْد والمصنِّفين في كتبهم. وكانت الحلْقة الأصلى مشتملةً على تراجم الرجال الذين تكلم عليهم الشيخ المعلمي جرحًا وتعديلا، وقد بلغوا هناك (841) ترجمة، واستدركتُ عليهم عشرين ترجمة, أوردتهم في مواضعهم هناك في الطبعة الثانية من القسم الأول. وقد كنت ذكرتُ في القسم الأول من الكتاب أني قسمته أربعة أقسام، ثالثها: في بيان منهج الشيخ المعلمي في نقد الأخبار من خلال انتقاء أحاديث قد تكلم عليها تصحيحا وتضعيفا، لكني قد اقتصرت من هذا الانتقاء على ما أوردته في ملحقٍ من آخر القسم الرابع -وهو الثالث حسب التقسيم الحالي-، فتمَّ الكتابُ في ثلاثة أقسام فقط، أضفت إلى الثالث منها مُلْحَقَيْن: الملحق الأول: وهو: المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد، يظهر فيها تميزه عن كثير من المتأخرين والمعاصرين، يُدْرَكُ ذلك بالتأمُّل والتدبُّر. الملحق الثاني: كلام المعلمي في الفن الخاص بالتعامل مع المخطوطات، والطريق الأمثل لتصحيح الكتب وضبطها. وقد قدَّمْتُ للحلْقة الأُولى بالأسباب التي دَعَتْني إلى تصنيف هذه السلسلة, وذكرتُ هناك أن المعلمي: كان من بقايا هذا العلم، ونادرةً من نوادر النَّقْد في هذه الأزمان، وأن اللَّه قَد ادَخَّره لكَبْتِ أصحاب الأهواء وأَتْباعهم، ودَفَعَ به في نَحْر مَنْ

أَراد السُّنَة وأهلَها وأئمتَها بِسُوءٍ, وأنَّ الشيخَ: قد كَشَفَ عن انْحِرافِ مَنِ انْحَرَفَ عن أهل السنة عقيدة ومنهجًا، وعن أئمة الحديث تصحيحًا وتعليلا، بأُطْرُوحَاتٍ عِلْمِيَّةٍ مُتَّزِنَةٍ، بناها على الاستقراء والبحث الدءوب. وأَن الله تعالى قد كشف به ما تَفَشَّى من داء التساهل الذي أصاب أنظارَ كثير من المتأخرين والمعاصرين في الحكم على الرواة والأخبار، فنراهم قد توسَّعُوا في الاعتماد على ظواهر الأسانيدِ دُونَ التفتيشِ عن عِلَلِها ومَظِنَّاتِ الخلل فيها، بل ونَلْحَظُ قُصورًا في الرجوع إلى كُتب المتقدمين المعنيّة ببيان ما أصاب الأخبارَ من تفردات الرواة وأوهامهم ... إلى آخر ما تراه في تلك المقدمة. ثم صَنَعْتُ هناك تمهيدًا في تعظيم قدر أئمة النقد، جعلته كرسالة إلى كل مَنْ يُطالِعُ هذا الكتاب أو غيره من كتب الفَنِّ المعنيَّة بعلم الحديث والأثر، وإلى كل من يَرُومُ سُلُوكَ سَبيلِ أهل النَّقْد، أو ينظر في كلامهم، ولِتَكُونَ إبرازًا لِمَا اخْتَصَّ اللَّه تعالى به مُتَقَدِّمِي هذه الأمة في هذا الصَّدَد من المنهج السديد الذي لا يَسَعُ مَنْ جاء بعدهم -إذا أراد أن يَسْلُكَ هذا السبيلَ- إلا أن يقْفُوَ أثرَهم، ويلتمِسَ خُطاهم. وقد صنفتُ هذا الكتابَ لمقاصد، أهمها: 1 - تذكيرُ أُولي الِهمم بِعِظَمِ قَدْر أئمة النقد. 2 - التقريبُ لما كانوا يتمتَّعُون به مِنْ ملكاتٍ وغرائزَ حديثيةٍ متميزةٍ. 3 - شَحْذُ هِمَمِ الطالبين لمعالي الأمور ببيان منهج المتقدمين في النَّقْد، ودقائقهم في تَأْصِيل وإِرْسَاءِ قواعد هذا الفن. 4 - محاولة فَهْم طرائقهم في التعامل مع النصوص قبولا وردًّا. ومن أجل هذا المقصد الرابع صَنَّفْتُ هذا القسم الثاني، وهو الخاص بمنهج بعض أئمة النقد، وأضفتُ إليه فوائدَ تتعلق ببعض مصنفي الكتب من المتأخرين.

واعلم أن الحديثَ عن مناهج الأئمة في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل، يَخْتَصُّ بالحُذَّاقِ من أَهْل الصَّنْعَةِ، وهو مَبْنيٌّ على أُسُسٍ عَامَّةٍ يَتَّفِقُ عليها معظمُهُم، لكن ربما اختلفوا أحيانًا في تطبيق بعض الجزئيات, وهو اختلافٌ في الاجتهاد لا يقدحُ في استقرار القواعد العامَّة عندهم. ومن الأدلّة على ما ذكرتُ، أنَّ النَّاظِرَ في كُتب العلل والأخرى المَعْنِيَّة بالتخريج، ليرَى توافقَ الأئمة في الأَعَمِّ الأغْلَبِ في الحكْمِ على الحديث الواحد، وفي كثير من الأحيان يكون إعلالُهم للحديث من زاويةٍ واحدةٍ, ولسببٍ واحدٍ، على غير اتفاقٍ بينهم، ولا سؤال بعضِهم لبعضٍ، وربما كانت هناك عدة زوايا هي مظنَّات للخلل، ولكنهم يَعرفون كيف تُورد الإبل. وهذا من أَقْوَى الأدِلَّة على أنَّ هذا العلمَ حَقٌّ، وأن أَدِلَّتَهُ مَبْنِيَّةٌ على أساسٍ متينٍ، وأن اللَّه تعالى قد هيّأ أسبابَهُ لأئمته الذين اختارهم. وقد ذكرتُ شيئًا من ذلك التوافق بين الأئمة في "التمهيد" المشار إليه سابقًا في تعظيم قدر أئمة النقد (ص 126 - 127) من القسم الأول من هذا الكتاب. أما غَيْرُ أهلِ الاختصاص، والآخذين من أهله بقُشُورِ هذا العلم، والمُشَمِّرِينَ لِكُلِّ علمٍ دُونَهُ، فإنما يَرَوْنَ تلك المناهجَ، وهذه القواعدَ والأُسُسَ، تارةً: تكهنًا، وتارة: تخمينًا، وتارةً: احتمالاتٍ وتارةً: تناقضاتٍ وتارةً: ألغازًا!. ويُعرفُ تَصَوُّرُ هؤلاء عن هذا العلم وأهلِه إما تصريحًا، وإما تلميحًا، وإما بِعُزُوفِهِم عن مَوَارِدِهِ ومظانِّه، فتجدُ كلامَ نُقَّادِ هذا الفَنِّ، تارةً مهجورًا، وتارةً: منقولا، لكن مفرَّغًا من مدلوله إلى مدلولاتٍ أخرى مخترعة، وتارةً: منقولا، لكن مُنْتَقَضًا بكلام غيرهم من غير أهل الاختصاص، أو من متساهلي أهله، وتارةً: منقولا، لكن دون أيّ اعتبار لمعناه ومُؤَدَّاه. وقد وَضَعْتُ في إِجْلاء هذه المعاني رسالةً سَمَّيْتُها: "القواعد المُهِمَّة في إِحْياء مناهج الأئمة" وهي قَيْدُ الجمع.

خطة العمل في هذا القسم

خطة العمل في هذا القسم: لقد تتبعتُ من كلام الشيخ المعلمي: جُمَلًا وعباراتٍ تتعلق بالأئمة المذكورين، ثم صنفتُ تلك النصوص في: أبحاثٍ، وأقسامٍ، ومطالبَ، مع الأخْذِ في الاعتبارِ أنَّ الشيخَ لم يكنْ بصددِ عَملِ تراجمَ، أو شرحٍ لمناهجِ هؤلاءِ, بل جاء ذلك: إما ضمن مناقشةٍ لخصمٍ، أو ردٍّ على مخالفٍ، أو تأييدٍ لرأيٍ، فيأتي كلامُه في ذلك حسبما يقتضيه المقامُ، لكنها جاءت نُكَتا نَفِيسةً, وأبحاثا طريفةً، وإن لم يكن قاصدا بذلك الإحاطة بما يتصل بها، أو التقصي لمسائلها. ولقد جعلتُ كلامَه: هو أصلُ البناء، وربما أضفتُ من عندي: مقدماتٍ، أو زياداتٍ، أو تفسيراتٍ، أو تأييداتٍ، أو اعتراضاتٍ، أو تعليقاتٍ، أو نحو ذلك، مما يزيد في فائدة الكتاب إن شاء اللَّه تعالى. لكنْ هذا -مع ذلك- لم يَسْمَحْ باستيفاءِ القَولِ فيما يتعلقُ بكلِّ مذكورٍ من الأئمة؛ مراعاةً للحالِ والمقامِ، وأُحبلُ القارىء إلى سلسلتي: "التَعريفُ بمناهجِ أئمةِ أهل الأثر"، وهي قَيْدُ الجَمْعِ. وتتلخص خطة العمل في النقاط التالية: أولًا: استخرجتُ الفوائدَ، والأبحاثَ، والنِّكَاتِ المُتَعَلِّقَةَ بمناهج أئمة النَّقْدِ وغيرهم من المصنِّفِين في كُتُبهم، والتي جَرَى ذِكْرُها في تراجم "التنكيل" وبين ثَنَايا "الأنوار الكاشفة" وفي تحقيقات "الفوائد المجموعة" وغيرها من أعمال الشيخ المعلمي. ثانيًا: تشتمل هذه المُسْتَخْرَجَاتُ على أمورٍ، لِكُلِّ إِمامٍ أو مُصَنِّفٍ حَظٌّ مِنْ بَعْضها: فمنها: ما يتعلَّقُ بمذهب الإمام في قضايا التصحيح والتعليل، أو الجرح والتعديل بصفة عامَّة.

ومنها: ما يتعلقُ بطريقته في كتبه، كشرطه فيها، أو ترتيبه لها. ومنها: ما يتعلقُ باصطلاحه في بعض الألفاظ المستعملة في هذا الفنّ. ومنها: ما يتعلقُ بمكانة الإمام في باب النَّقْد، ومناقشةِ ما يمسُّ وَصْفَهُ بالتَّشَدُّدِ أو التَّسَاهُلِ في ذلك. ومنها: ما يتعلقُ بمسائلَ عقائدية تختصُّ به. ومنها: التنبيه على بعض انحرافاتٍ في الفهم أو في التصور لبعضهم. ثالثًا: بالنسبة لترتيب إيراد الأئمة والمصنِّفين، فقد كان الأحْرَى أن يكونَ بِحَسب وَفَيَاتِهم: الأقدم فالأحدث، لكني رأيتُ أن تكون الأَوْلَوِيَّةُ في الترتيب بِحَسبِ الأهميةِ وطُولِ الأبحاثِ والنكاتِ المتعلقة بالإمام؛ لأن هذا هو المقصود لذاته هنا، بغض النظر عن قِدَم الإمام وفَضْلِهِ. فَأَبْدَأُ غالبا: 1 - بِمَنْ لهُ تعلقٌ بالمنهج والمصطلح، وهؤلاء قد رتبتهم على حسب أهميةِ المباحثِ وطولِها. ثُمَّ: 2 - مَنْ ذُكِرُوا بجرحٍ أو تعديلٍ مِمَّنْ بعدهم. ثُمَّ: 3 - بالمتأخرين مِمَّنْ له تصنيفٌ في فنٍّ من الفُنون. ثُمّ: 4 - بأهل الأهواء والمجاهيل منهم. والمذكورون في هذا الكتاب سبعةٌ وستونَ مُتَرجَمًا، حسبما وقع اختياري أثناءَ مطالعةِ كتبِ الشيخِ المعلمي، وربما سَيَلْفِتُ نظرَ القارىء خُلُوُّ هذه القائمةِ من: الكوثري، وأبي رية, الذَيْنِ تَبَنَّى المعلمي الردَّ عليهما في كتابيه: "التنكيل", و"الأنوار الكاشفة"، وأبانَ عن زيغِهما فيما أظهراهُ مِنْ تَعَصُّبِ الأولِ ومتابعتِه لهواهُ،

ضاربًا بكلِّ ثوابتِ هذا العلم وقواعدِه عرضَ الحائط، مُتَعاميًا عمَّا يخالفُ مشربَهُ المبتَدعَ، لاويًا عُنُقَ النصوصِ، ودافعًا بالصَّدْرِ والتَّلْبِيسِ والتَّحْرِيفِ تحقيقاتِ النُّقَّادِ من أهلِ ذلك العلم، هذا مع الاعترافِ له بالتَّمَكُّنِ من الوصول إلى الحَقِّ لو أرادهُ, والمُوَفَّقُ من وَفَّقَهُ اللَّهُ. ومِنْ جهلِ الثاني وضلالِهِ، ومتابعتِهِ مَنْ هُمْ على شاكلتِه مِنَ المستشرقينَ، ومَنْ نَحا نَحوهم مِنَ الكُتَّابِ والمُفَكِّرِينَ، الرَّامِينَ إلى الطَّعْنِ في السنة النبوية، السَّالِكِين في سبيلِ ذلك تمييعَ قضايا هذا العلم والتشكيكَ فيها. وجوابُ الشيخِ المعلمي عن جميعِ ذلك وغيرِهِ منتشرٌ في الكتابيْنِ، وحالُهما في هذا العلم أوضحُ من إفرادهما بالذِّكْرِ، فلْيُطْلب من هنالك. رابعًا: بالنسبة لِخِطَّةِ عَرْضِ الأُطْرُوحَاتِ الخاصَّة بكل إمامٍ أو مُصَنِّفٍ، فقد اختلفتْ طريقةُ تناولي لذلك في هذا القسم عن سابقه، ففى القسم الأول كان الأصلُ في صُلْبِ الكتابِ أن يكونَ مِنْ كلام الشيخ المعلمي، وما كان مِنْ إضافةٍ أو تعليقٍ مِنّي ففي حواشي الكتاب، أما فى هذا القسم، فربما اقتضى المقامُ: 1 - أن أُقَدِّمَ بين يَدِيِّ كلام الشيخ المعلمي بِمُقَدِّمَةٍ تُعِينُ على الإِلْمام بأطرافِ الموضوع مَحَلّ الطَّرْح. 2 - أو تخليلُ كلامِ الشيخ بشيء من التوضيح. 3 - أو تدعيمُهُ بِنْقلٍ أو بَيَانٍ. 4 - أو تذييلهُ بما يُكَمِّلُ فوائدَهُ ويُتَمِّمُ نَفْعَهُ. 5 - أو تعقيبُهُ برأي مُبَايِنٍ. فرأيت أن يكون جميعُ ذلك في صُلْب الكتاب، وقد مَيَّزْتُهُ بقولي: "قال أبو أنس".

خامسا: أكتفي بتناول ما أشار إليه أو ناقشه الشيخ المعلمي فيما يتعلق بالإمام أو المصنِّف، ويحتاج من يُترجمُ أو يَدْرسُ منهجَ الواحدِ منهم أن يُوسعَ مجالَ البحث والنَّظرِ، بحيث يشملُ جوانب أُخْرى، ولكنَّ المقامَ هنا يرتبط بما له علاقة بكلام الشيخ المعلمي، أما تلك الجوانب فلها مقامات أُخَر، وباللَّه التوفيق. سادسا: قد كنتُ شَرَعْتُ في عَملِ ترجمةٍ لِكُلِّ إمام أو مصنِّفٍ ذُكِرَ في هذا الكتاب، تكونُ بَيْنَ يديّ ما يُطْرح بشأنه لكني لا أَميلُ لعمل التراجم التقليدية التي تُطَوِّلُ الكتاب، ولا يجهلُ المُعْتَنُون بهذا الأمرِ أكثرَ ما يَرِدُ فيها، ولو رَامُوا معرفةَ بعض ذلك لَسَهُلَ عليهم، كما أنني أرى أن أَوْلى التراجم ما يمسّ القضايا الحديثية دون مجرد سرد جوانب السيرة الذاتية للأشخاص، اللهم إلا إن كان في بعض هذه الجوانب التصاقٌ بما ذكرنا، ولذا فقد عَدَلْتُ عما كنت شرعتُ فيه إلا حينما يقتضي المقام، واللَّه الموفق. * * *

خاتمة: اعْلَمْ أنه لم يُصَرِّحْ أكثرُ أئمةِ الحديث -لا سيما المتقدمين منهم- بشروطهم في كتبهم، ولم يَحُدُّوا لما يُخرجونه من الحديث أو لمن يخرجون له من الرواة حَدًّا لا يَنْفَكُّون عنه. فلم يُدَوِّنِ الأكثرُ شروطَهم ولا مناهجَهم في مصنفاتِهم، وإنما سارتْ كتبُهم في أهل الفهم والنظر، فوقفوا على مقاصدِ أصحابها، استنادًا إلى قواعدَ قدِ استقرتْ، وطرائقَ قد مُهِّدَتْ، على اختلافٍ بينهم في أمورٍ جزئيةٍ، لا يستحيلُ في العادة وقوعُها، ولا يمنعُ الاجتهادُ من حدوثِها، وصارَ لكلِّ إمامٍ منهم: "بصمةٌ" يُعرفُ بها. فلما تَقادَمَ العَهْدُ، وطالتِ الأسانيدُ على مَنْ بعدهم: وَعَرَ الطريقُ، وطاشَتْ مَعالِمُه، وازداد الخَطْبُ، وصار الفهم عزيزًا، فاحتار الناظرون في مقاصدِ القوم واضطربتْ آراؤهم، وصارت كثيرٌ من البديهيات عند الأوائل معضلاتٍ ومبهماتٍ عند مَنْ بعدهم، وذلك بسبب قِصَرِ أنظارِهِم، وسَطْحِيَّهِ أفكارِهِم، وزادوا الطِّينَ بلة؛ فقلَّد التالي منهم المتقدمَ، ولم يُدَقِّقْ ولم يُمَحِّصْ، كما قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" (ص 489): "كثير من المحدثين وغيرهم يستروحون بنقل كلام من يتقدمهم مقلِّدِين له، ويكون الأول ما أتقن ولا حرّر، بل يتبعونه تحسينًا للظن به". اهـ. فإذا تَقَرَّرَ ما سبق، فاعلم أنه لا سبيلَ للوقوف على مقاصدِ القوم وطرائِقِهِم إلا سبيلٌ واحدٌ، ألا وهو: دراسةُ منهجِ هؤلاء من خلال ما سَطَّروا، أو سُطِّر عنهم، والسعي إلى الوقوف على التصور الصحيح لهذا الميدان الواسع الذي كانت تدور في جنباته حلقاتُ الرواية, ومحاولةُ فهمِ مسالك الرواة في تحمُّلِهم وأدائهم، وإدراكُ دلالاتِ التوثيقِ والضبطِ والاحتياطِ, وأوجهِ الخلل وأسبابِ العلل في المرويات.

وهذا -وغيره- لا يأتي إلا بالممارسةِ الطويلة، وحُسنِ الفهمِ والنظرِ، وتحصيلِ أسبابِ المَلَكَةِ، وعدمِ استعجالِ النتائج، مع سلامة النية والقصد. وبعد: فهذه أماراتٌ على دربٍ -يوصِّلُ إلى المراد إن شاء اللَّه- ظننتُ أنه مهجورٌ، إلا مِنْ أوزاعٍ سائرين على وَجَلٍ، لا قائدَ لهم يدلُّهم، ولا مُعينَ لهم يحتمون به, وإلى اللَّه المشتكى، وهو حسبنا ونعم الوكيل. وهذا أوان الشروع في المقصود، واللَّه حسبي، وهو نعم الوكيل. وكتبه أبو أنس إبراهيم بن سعيد الصبيحي الدوحة - قطر في السابع عشر من رجب الخير لعام 1430 هـ الموافق للعاشر من يوليو لعام 2009 م جوال: 9745788137 + بريد إلكتروني: [email protected]

البخاري

البخاري (ت 256 هـ)

تنقسم النكت المتعلقة بالبخاري -رحمه الله تعالى- إلى أربعة مباحث: المبحث الأول: منهجه في "الجامع الصحيح". وفيه مطلبان: المطلب الأول: فيما يتعلق بالأسانيد. وفيه خمسة أمور: الأمر الأول: منهج البخاري في انتقاء رجال "صحيحه"، وكيفية إخراجه لهم. وفيه: مقصد: تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال صحيحه. الأمر الثاني: انتقاء البخاري من أحاديث شيوخه المتكلم فيهم. الأمر الثالث: الرواة المتكلم فيهم داخل الصحيحين. الأمر الرابع: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الصحيح يقتضي ضعفه أو لينه عندهما؟ الأمر الخامس: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عندهما؟ المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون. وفيه ستة أمور أيضًا. الأمر الأول: من منهج البخاري في ترتيب أحاديث الباب. الأمر الثاني: من منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب. وفيه: تحقيق المؤلف لهذا الأمر بسرد نماذج توضحه. الأمر الثالث: الأحاديث المنتقدة على الصحيحين.

الأمر الرابع: ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم. الأمر الخامس: رواية البخاري من حفظه. الأمر السادس: فيما ذُكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه. المبحث الثانى: منهجه في غير "الجامع الصحيح". المبحث الثالث: البخاري وكتابه "التاريخ الكبير". وفيه مطلبان. المطلب الأول: طريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير" ومنهجه في تصنيفه. المطلب الثاني: إشارة البخاري أحيانا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته. المبحث الرابع: اصطلاح البخاري في بعض عبارات الجرح. * * *

المبحث الأول: منهج البخاري في "الجامع الصحيح"

المبحث الأول: منهج البخاري في "الجامع الصحيح" اعلم أن مسلمًا يشترك مع البخاري في كثير من أفراد هذا المبحث، وسأعطف مسلمًا على البخاري في كُلِّ موضع يشتركان فيه، وإن كان الكلام وضِعَ أصالةً للبخاري، وذلك إيثارًا لعدم التكرار عندما تَرِدُ ترجمةُ مسلم رحمه الله، فلتكن على ذُكْرٍ من ذلك، وسأُحيل على هذا الموضع من ترجمة البخاري إذا أتيتُ على مواضع الاشتراك بينه وبين مسلم في ترجمته. * * *

المطلب الأول: فيما يتعلق بالأسانيد

المطلب الأول: فيما يتعلق بالأسانيد وفيه أربعة أمور: الأمر الأول منهج البخاري في انتقاء رجال "صحيحه" وكيفية إخراجه لحديثهم، أو: شرطه في رجال "صحيحه" ويشتمل الكلام هنا على توطئة، ومقصد. توطئة في ذكر ما قاله بعض أهل العلم في ذلك إجمالًا. أولاً: قول ابن طاهر في شروط الأئمة الستة: قال: (ص 13): "إن الأئمة الخمسة: البخاري، ومسلمًا، وأبا داود، والترمذي، والنسائي، لم يُنقلْ عن واحدٍ منهم أنه قال: شرطتُّ في كتابي أن أخرج على كذا، لكن لما سُبِرَتْ كُتُبهم عُلِم بذلك كُلُّ واحدٍ منهم، فشرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديثَ المتفقَ على ثقة نقلته إلى الصحابي المشهور من غير اختلاف بين الثقات الأثبات، ويكون إسناده متصلا غير مقطوع، فإن كان للصحابي راويان فصاعدًا فحسنٌ, وإن لم يكن له إلا راوٍ وصَحَّ الطريقُ إليه كَفَى ... ".

تعليق بعض الحفاظ على قول ابن طاهر: أ- على قوله: "المتفق على ثقة نقلته". • قال العراقي: "ليس ما قاله بجيد؛ لأن النسائي ضَعَّف جماعةً أَخرج لهم الشيخان أو أحدهما (¬1)، وأُجيب بأنهما أخرجا من أُجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما، ولا يقدحُ في ذلك تضعيفُ النسائي بعد وجود الكتابين". اهـ. • فقال ابن حجر: "تضعيفُ النسائي إن كان باجتهاده أو نَقْلِه عن معاصرٍ فالجواب ذلك، وإن نَقَلَهُ عن متقدِّمٍ فلا، ويمكن أن يُجابَ بأن ما قاله ابن طاهر هو الأصل الذي بنيا عليه أمرهما، وقد يُخْرِجَانِ عنه لمُرَجِّع يقوم مقامه". اهـ. • قال السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 46): "ما ادعاه من الاتفاق على ثقة نقلتهما قد لا يخدش فيه وجودُ حكاية التضعيف في بعضهم ممن قبلهما؛ لتجويز أنهما لم يرياه قادحًا، فَنَزَّلا كلام الجمهور والمعتمد عندهما منزلة الإجماع". اهـ. ب- التعليق على قوله: "من غير اختلاف بين الثقات الأثبات". قال السخاوي: "قوله: من غير اختلاف بين الثقات، ليس على إطلاقه؛ فإنه ليس كُلُّ خلافٍ مُؤثرًا، وإنما المؤثر مخالفة الثقة لمن هو أحفظ منه أو أكثر عددًا من الثقات كما سيأتي في الشاذ". اهـ. ¬

_ (¬1) عَقَّبَهُ الأمير الصنعاني في "توضيح الأفكار" (1/ 101) بقوله: "ما هذا -أي تضعيف جماعة من رواة الشيخين- مما اختص به النسائي، بل شاركه في ذلك غير واحد من أئمة الجرح والتعديل، كما هو معروف في كتب هذا الشأن، كأنه لم يرد الزين -يعني العراقي- إلا التمثيل، وإلا فإنه لا يخفى على مثله أن غير النسائي قدح في جماعة من رواتهما".

ثانيا: قول الحازمي في شروط الأئمة الخمسة

ثانيًا: قول الحازمي في شروط الأئمة الخمسة: قال: (ص 48 - 50): "مذهب من يخرج الصحيح أن يعتبرَ حالَ الراوي العدل في مشايخه وفيمن روى عنهم وهم ثقات أيضًا، وحديثه عن بعضهم صحيح ثابت يلزمه إخراجه، وعن بعضهم مدخول لا يصلح إخراجه إلا في الشواهد والمتابعات، وهذا بابٌ فيه غموضٌ، وطريقُهُ معرفةُ طبقاتِ الرواة عن راوي الأصل ومراتب مداركهم. ولنوضح ذلك بمثال: وهو أن تعلم مثلا أن أصحاب الزهري على خمس طبقاتٍ متفاوتة، ولكل طبقةٍ منها مزية على التي تليها وتفاوت، فمن كان في الطبقة الأولى فهي في غاية الصحة وهو غاية قصد البخاري، نحو: مالك، وابن عيينة، وعبيد اللَّه ابن عمر، ويونس وعقيل ونحوهم. والثانية: شاركتِ الأُولى في العدالة، غير أن الأُولى جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة (¬1) للزهري، حتى كان منهم من يلازمه في السفر ويلازمه في الحضر، والثانية لم تلزم الزهري إلا مدة يسيرة, ولم تمارس حديثه، وكانوا في الإتقان دون الطبقة الأصلى، وهم فرط مسلم، كالليث بن سعد، والأوزاعي، والنعمان بن راشد، وعبد الرحمن بن مسافر، ونحوهم. ¬

_ (¬1) تَعَقَّبَهُ الأمير الصنعاني في "توضيح الأفكار" (1/ 103) بقوله: "هذا لا يوافق ما نُقل عن البخاري من أنه يشترط اللقاء ولو مرة, بل هذا يدل على أنه إنما يكتفي بالمرة في حق أهل الطبقة الثانية الذين أشار إليهم بقوله: وأنه قد يخرج أحيانا عن أعيان الطبقة التي تلي هذه في الإتقان والملازمة لمن رووا عنه فلم يلازموه إلا ملازمة يسيرة, وأن شرط مسلم عطف على قوله أن شرط البخاري أن يخرج أحاديث هذه الطبقة الثانية, لا يخفى أن مسلما لا يشترط اللقاء أصلا، كما صرح به في مقدمة صحيحة, كما يأتي لفظه، وأهل هذه الطبقة يشترط فيهم اللقاء ولو يسيرا كما عرفت".

ثالثا: قول ابن تيمية

والثالثة: جماعة لزموا الزهري كالطبقة الأولى، غير أنهم لم يَسْلموا من غوائل الجرح، فَهُمْ بين الرد والقبول، وهم شرط أبي داود والنسائي، نحو جعفر بن برقان، وسفيان بن حسين السلمي، وزمعة بن صالح المكي، وعبد اللَّه بن عمر العمري، ونحوهم. والرابعة: قوم شاركوا أهل الثالثة في الجرح والتعديل، وتفردوا بقلة ممارستهم لحديث الزهري؛ لأنهم لم يلازموه كثيرًا، وهم شرط الترمذي ... ومن هذه الطبقة: معاوية بن يحيى الصدفي، وإسحاق بن يحيى الكلبي، والمثنى بن الصباح، وإبراهيم ابن يزيد المكي، وإسحاق بن عبد اللَّه بن أبي فروة ونحوهم. والخامسة: نفر من الضعفاء والمجهولين، لا يجوز لمن يخرج الحديث على الأبواب أن يخرج لهم إلا على سبيل الاعتبار والاستشهاد عند أبي داود فمن دونه، فأما عند الشيخين فلا؛ كبحر بن كنيز السقاء، والحكم بن عبد اللَّه الأيلي، وعبد القدوس بن حبيب، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغيرهم. وقد يخرج البخاري أحيانًا عن أعيان الطبقة الثانية، ومسلم عن أعلام الطبقة الثالثة، وأبو داود عن مشاهير الرابعة؛ وذلك لأسباب اقتضته. اهـ. ثالثًا: قول ابن تيمية: سُئل رحمه الله: ما شرط البخاري ومسلم فإنهم فرقوا بينهما؟ فأجاب: "أما شرط البخاري ومسلم، فلهذا رجالٌ يروي عنهم يختص بهم، ولهذا رجالٌ يروي عنهم يختص بهم، وهما مشتركان في رجال آخرين، وهؤلاء الذين اتفقا عليهم: عليهم مدار الحديث المتفق عليه وقد يروي أحدهم عن رجلٍ في المتابعات والشواهد دون الأصل، وقد يروي عنه ما عُرف من طريق غيره، ولا يروي ما انفرد

رابعا: قول العراقي

به, وقد يترك من حديث الثقة ما عَلم أنه أخطأ فيه، فيظن من لا خبرة له أن كل ما رواه ذلك الشخص يَحتجُّ به أصحاب "الصحيح"، وليس الأمر كذلك؛ فإن معرفة علل الحديث علم شريف يعرفه أئمة الفن كيحيى بن سعيد القطان، وعليّ بن المديني، وأحمد بن حنبل، والبخاري صاحب "الصحيح"، والدارقطني وغيرهم، وهذه علوم يعرفها أصحابها. اهـ. مجموع الفتاوى (18: 42) رابعًا: قول العراقي: قال: في صدد الكلام عن "الصحيحين": "هنا أمر فيه غموض لابد من الإشارة إليه, وذلك أنهم لا يكتفون في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتصال من غير نظر إلى غيره، بل ينظرون في حاله مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها، أو كونه في بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد من أخذ عنه، وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك". اهـ. "تدريب" (1/ 128). قال أبو أنس: هذا مُجْمَلُ أَشْهَرِ ما قيل في هذا الصَّدَد، ولكثيرٍ منه حاجةٌ إلى تحرير، وسأحاول -بعونه تعالى وتوفيقه- أن أُلَخِّصَ أَهَمَّ النقاط العملية التي يُمكن استخراجُها بممارسة "الصحيحن" -لاسيما البخاري هنا- وذلك عقب تطبيقات المعلمي الآتية. * * *

مقصد تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه"

مقصد تطبيقات العلامة المعلمي على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه" 1 - ذكر الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 298) حديثَ: "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه آمنه اللَّه على داره، ودار جاره، ودويراتٍ حوله". ثم قال: ... وقد رواه الدارقطني (¬1) عن أبي أمامة مرفوعًا بدون قوله: "ومن قرأها حين يأخذ مضجعه ... " إلخ. وقد أدخله ابن الجوزي في الموضوعات (¬2) وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث "المشكاة" وقال: "غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات وهو من أسمج ما وقع له". قال في "اللآلىء": "وقد أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وصححه الضياء في المختارة. اهـ. كلام الشوكاني. وأورد السيوطي في "اللآلىء" قولَ الدارقطني عقب الحديث: تفرد به محمد بن حِمْيَر وليس بالقوي، ثم تعقبه بقوله: "كلا، بل قويٌّ ثقةٌ من رجال البخاري، والحديث صحيحٌ على شرطه ... "، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي في جزءٍ جمعه في تقوية هذا الحديث: "محمد بن حِمْيَر القضاعي السليحي الحمصي، احتج به البخاري في "صحيحه"، وكذلك محمد بن زياد الألهاني الحمصي احتج به البخاري أيضًا". ¬

_ (¬1) وقال: تفرد به محمد بن حِمْيَر، وليس بالقويّ. (¬2) (1/ 244).

فعلَّق الشيخ المعلمي على ذلك كله بقوله: "مدار الحديث على محمد بن حِمْيَر، رواه عن محمد بن زياد الأَلْهاني، عن أبي أمامة، وابنُ حِمْيَر موثَّق (¬1)، غمزه أبو حاتم (¬2)، ويعقوب بن سفيان (¬3)، وأخرج له البخاري في "الصحيح" حديثين قد ثبتا من طريق غيره, وهما من روايته عن غير الأَلْهاني (¬4)، فَزَعْمُ أن هدا الحديث على شرط البخاري غَفْلَةٌ". ¬

_ (¬1) وثقه ابن معين -رواية الدارمي عنه- وقال في رواية ابن محرز: لا بأس به. ووثقه دحيم. وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: ما علمت إلا خيرًا. وقال النسائي والدارقطني: ليس به بأس. "تاريخ الدارمي" (ت 759)، و"سؤالات ابن محرز" (350)، و"العلل ومعرفة الرجال" (2/ 132)، و"تهذيب الكمال" (25/ 118). (¬2) فقال: يكتب حديثه, ولا يحتج بما ومحمد بن حرب وبقية أحبُّ إِليَّ منه. "الجرح" (7 / ت 1315). (¬3) قال: ليس بالقوي. "المعرفة والتاريخ" (2/ 309). (¬4) قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "الفتح" (ص 460): "ليس له في البخاري سوى حديثين، أحدهما: عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن عقبة بن وسَّاج، عن أنس في "خضاب أبي بكر" وذكر له متابعًا. والآخر: عن ثابت ابن عجلان, عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- بعنز ميتة, فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها". أورده في الذبائح، وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة". اهـ. قلت: الأول: في مناقب الأنصار (7/ 302) رقم (3919)، قال البخاري: حدثنا سليمان بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن حمير حدثنا إبراهيم بن أبي عبلة أن عقبة بن وسَّاج حدثه عن أنس -رضي الله عنه- قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة .. ثم أتبعه البخاري (3920) بقوله: وقال دحيم: حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي حدثني أبو عبيد، عن عقبة بن وسَّاج حدثني أنس ... وساقه بنحوه. قال الحافظ في "الفتح" (7/ 303): "وصله الإسماعيلي، عن الحسن بن سفيان, عن دحيم. وأبو عبيد هو حاجب سليمان بن عبد الملك وهو ثقة, وقد أفاد هذا الطريق متابعة محمد بن حمير، وتصريح عقبة ابن وسَّاج بسماعه من أنس". الثاني: في كتاب الذبائح والصيد (9/ 575) رقم (5532) قال البخاري: حدثنا خطاب بن عثمان حدثنا محمد بن حمير، عن ثابت بن عجلان قال: سمعت سعيد بن جبير قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنه- يقول: مَرَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- ...

2 - وفي "الفوائد" أيضًا (ص: 56): "أخرج البزار في "مسنده" من حديث أبي هريرة: "إذا دخلت منزلك فَصَلّ ركعتين تمنعانك مدخل السوء، وإذا خرجت من مجلسك فَصَلِّ ركعتين تمنعانك من مخرج السوء". قال في "مجمع الزوائد": رجاله موثقون". فقال الشيخ المعلمي: "هو من طريق يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن صفوان بن سليم. وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الوجه (¬1)، وفيه: قال بكر: حسبته عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. كذا في "شرح الإحياء". وفي "شرح الإحياء" عن ابن حجر: هو حديث حسن، ولولا شك بكر لكان على شرط "الصحيح". أقول: بكر لم يوثقه أحد، وليس له في البخاري إلا حديث واحد متابعة، وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى. كذا قال ابن حجر نفسه في مقدمة "الفتح" (ص 391)، وليس له عند مسلم إلا حديث واحد، وهو حديث أبي ذر: "قلت: يا رسول اللَّه ألا تستعملني؟ قال: يا أبا ذر، إنك ضعيف ... "، ثم أخرجه مسلم من ¬

_ = وقد قدَّم البخاري في الباب ما رواه عن زهير بن حرب حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا أبي، عن صالح قال: حدثني ابن شهاب أن عبيد اللَّه بن عبد اللَّه أخبره أن عبد اللَّه بن عباس -رضي الله عنه- أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ بشاة ميتة فقال: "هلا استمتعتم بإهابها؟ " قالوا: إنها ميتة. قال: "إنما حرم أكلها". ثم ذكر ما رواه عن خطاب بن عثمان. وحديث ابن شهاب هذا هو الذي أشار إليه الحافظ في مقدمة "الفتح" بقوله: "وله أصل من حديث ابن عباس عنده في الطهارة"، وكأن الحافظ ذَهَل عن إيراد البخاري له مُصَدِّرًا به الباب الذي ذكر فيه رواية محمد ابن حمير! فقد تكلم الحافظ في "الفتح" (9/ 576) على إسناد حديث محمد بن حمير هذا، وذكر ما في إسناده من الكلام، ثم قال: فهذا الحديث من أجل هؤلاء من "المتابعات"، لا من الأصول، والأصل فيه الذي قبه ... (¬1) (3/ 124)

وجه آخر، فروايته عن بكر في معنى المتابعة، وليس له عند مسلم غيره، كما يعلم من الجمع بين رجال "الصحيحين"، ففي تحسين حديثه نظر، كيف وقد شك فيه؟! مع أن الراوي عنه: يحيى بن أيوب هو الغافقي، راجع ترجمته في مقدمة "الفتح" (¬1). 3 - وفي "الفوائد" (ص 85): حديث: "من أنظر معسرا كان له مثله كل يوم صدقة". قال الشوكاني: "إسناده ضعيف، وهو في "سنن" ابن ماجه (¬2) وأخرجه الحاكم، وقال: صحيح على شرطهما". فقال العلامة المعلمي: "هو في "المستدرك" (2/ 29) من طريق سليمان بن بريدة، عن أبيه وليس هو على شرط البخاري؛ لأن البخاري لم يخرج لسليمان، وذكر أنه لم يذكر سماعا من أبيه، ولفظ الحديث في "المستدرك" آخر، وهو مع ذلك مخالف للفظه عند أحمد في "المسند" (5/ 360)، وأحسب بعض الخطأ من النساخ". اهـ. قال أبو أنس: أُلَخِّصُ هنا ما وعدتُّ به من أهم النقاط المتعلقة بمنهج البخاري -ونحوه مسلم- في انتقاء رجال "صحيحيهما"، وكيفية إخراجهما لحديثهم في ضوء ما سبق من تحقيق الشيخ المعلمي، فأقول: أولا: مجرد إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" لا يكفي في استحقاقه التوثيق المطلق، بل لابد من النظر في كلام سائر أهل النقد في تفصيل حاله من حيث الضبط وغيره من الأحوال التفصيلية التي يُستفاد منها في معرفة حاله في كل حديثٍ يأتي من طريقه. ¬

_ (¬1) انظر ترجمة بكر بن عمرو وهو المعافري المصري في قسم تراجم الرواة من كتابنا هذا رقم (137). (¬2) علق المعلمي فقال: "هو من طريق نفيع أبي داود الأعمى وهو هالك رواه عن بريدة".

وهذا خلافٌ لمن اغتر بقول القائل: "من أُخرج له في الصحيح فقد جاز القنطرة" فلا يَعتبرُ بما ورد فيه من الجرح وأوجه الضعف من قِبَل غير صاحب "الصحيح"، بل ربما من صاحب "الصحيح" نفسه. والبخاري ومسلم رحمهما اللَّه تعالى لم يشترطا أن يخرجا لمن لم يتكلم فيه أحدٌ من أهل النقد المتقدمين عنهما أو المعاصرين لهما، بل ربما خرَّجا لمن وصفاه هما بالوهم ونحوه، ويكون إخراجُهما لهذا وأمثالِه ممن وصفهم غيرهما من الأئمة بذلك، إنما هو على سبيل انتقاء ما قامت القرائن عندهما على صحة ما رَوَياه لهؤلاء في الكتابين، وربما لم تنهض تلك القرائن عند غيرهما من النقاد للحكم على حديثٍ ما بالصحة، فينشأ من هنا الاختلاف في الحكم على بعض ما خرجه صاحبا "الصحيح". ثانيا: مجرد إخراج الشيخين للرجل في بعض المواضع من "الصحيح" لا يعني بالضرورة أنهما يرياه أَهْلا لأن يُخرَّجَ له في كل موضع، فلا يقال لإسنادٍ أخرج البخاري أو مسلم لجميع رواته: هذا مما أخرجا أو أحدُهما لرجال إسناده, فينبغي أن يُصَحَّحَ هذا الإسنادُ قياسا على ذلك!. ثالثا: هناك فرقٌ بين من يخرجا له احتجاجا، ومن يخرجا له متابعةً أو استشهادا، فليس من احتجابه فأخرجا له في صَدْر الباب -لا سيما مسلما-، أو ما يدور الحديث عليه، كمن أخرجا له مستشهَدا به، مؤخَّرا عن صدر الباب , أو ثبت الحديث عندهما من غير طريقه. رابعا: قد يخرجا للرجل عن شيخٍ، ومن طريق شيخٍ معين عنه؛ لِمَا يريانه من استقامة حديث كل من هؤلاء عن الآخرة لمزيد اختصاصٍ به، أو حفظٍ لحديثه، أو غير ذلك من القرائن، وعليه فليس بلازمٍ ولا سائغٍ أن يقال لإسنادٍ ورد فيه هذا الرجل -لكن ليس بذاك النَّسق المشار إليه: هذا على شرطهما.

خامسا: لا يستوي من خرجا له فَأَكْثَرَا، ومن خرجا له حديثا أو حديثين؛ فالإكثار مظنة القوة والاحتجاج، والإقلال بخلافه غالبا. هذا إجمالٌ وتلخيصٌ يُعرف بشيء من الاستقراء والتتبع، ولتفصيل هذه الأمور وشرح ذلك بأمثلة توضح المقصود منها موضعٌ آخر، كما أشرت آنفًا، ويأتى مزيد بيان في الأمور التالية، واللَّه تعالى الموفق. * * *

الأمر الثاني: انتقاء البخاري من أحاديث شيوخه المتكلم فيهم

الأمر الثاني: انتقاء البخاري من أحاديث شيوخه المتكلم فيهم في ترجمة: أحمد بن عبد اللَّه أبي عبد الرحمن الفرياناني من "التنكيل" رقم (23) - وستأتي هنا في المبحث الثاني عند ذكر منهج البخاري في رجال غير "الصحيح". قال العلامة المعلمي: "في باب: الإمام ينهض بالركعتين من "جامع الترمذي": قال محمد بن إسماعيل البخاري: (ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه شيئًا؛ لأنه لا يُدرى صحيح حديثه من سقيمه, وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا ...) (¬1). فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من سقيمه لا تحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين: إما أن يكون الراوي ثقة ثبتًا فَيُعرف صحيح حديثه بتحديثه. وإما أن يكون صدوقًا يغلط ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى؛ كأن يكون له أصولٌ جيدة، وكأن يكون غلطه خاصًّا بجهةٍ؛ كيحيى بن عبد اللَّه ابن بكير، روى عنه البخاري (¬2) وقال في "التاريخ الصغير": "ما روى يحيى [ابن عبد اللَّه] بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه"، ونحو ذلك". اهـ. ¬

_ (¬1) انظر تمام كلام الشيخ المعلمي في المبحث المشار إليه أعلاه. (¬2) يعني في "الصحيح".

قال أبو أنس: نقله ابن حجر في "تهذيبه" (11/ 238)، ومقدمة "الفتح" (ص 475) وقال في المقدمة: "فهذا يدلك على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا ما أخرج عنه عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة (¬1)، ومعظم ما أخرج عنه عن الليث (¬2) ... ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) راجعا "الصحيح" (2629) (3149) (4095) (4420) (5315) (5394) وليس شيء منها في التاريخ. (¬2) هو ابن سعد، أخرج له عنه في ثمانين ومائة موضع.

الأمر الثالث: الرواة المتكلم فيه داخل "الصحيحين"

الأمر الثالث: الرواة المتكلم فيه داخل "الصحيحين" (1) شرح العلامة المعلمي أسباب ما أوقع الحاكمَ أبا عبد اللَّه في كتابه "المستدرك" من الخلل والتساهل في التصحيح، وفي وصف الأحاديث بأنها على شرط الشيخين أو أحدهما، وذلك في ترجمة الحاكم من "التنكيل" رقم (215). فكان مما ذكر المعلمي قولَ الحاكم في خطبة "المستدرك": "سألني جماعة ... أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيدَ يحتج محمد ابن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له، فإنهما رحمهما اللَّه لم يدعيا ذلك لأنفسهما". فقال: معلقًا: "لم يُصب في هذا؛ فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة، وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما، وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة". ثم ذكر المعلمي أن الحاكم توسع معنى قوله: "بأسانيد يحتج ... بمثلها" (¬1) فبنى على أن في رجال "الصحيحين"، من فيه كلام، فأخرج عن جماعة يعلم أن فيهم كلامًا. ¬

_ (¬1) يراجع هذا المعنى في ترجمة الحاكم من هذا الكتاب، ففيه زيادة فائدة.

قال: ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة: أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضره في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة. الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك. ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاصٌّ بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يسمع منه من غير كتابه، أو بما سُمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنةً وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس. فيُخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح". اهـ. (2) وقال العلَّامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 259): "إذا تدبرنا حال أولئك الثمانين -يعني الذين تُكلم فيهم من رجال البخاري- واستقرأنا ما أخرجه البخاري لهم، اتضح أن الأمر هيِّنٌ، وقد ساق الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" تراجم هؤلاء، وما قيل فيهم من مَدْحٍ وقَدْحٍ، وما أخرجه لهم البخاري، فذكر في أولهم ممن اسمه أحمد: تسعة نفر، اختلف فيهم، وغالبهم من شيوخ البخاري الذين لقيهم واختبرهم. فثلاثةٌ منهم: اتضح أنهم ثقات، وأن قَدْحَ منْ قَدَحَ فيهم ساقطٌ كما تراه جليًّا في مقدمة "الفتح".

وثلاثةٌ فيهم كلام، وإنما أخرج لكل واحد منهم حديثًا واحدًا متابعةً؛ يروي البخاري الحديثَ عن ثقة أو أكثر، ويرويه مع ذلك عن ذاك المتكلم فيه. واثنان: رَوى عن كلٍّ منهما أحاديثَ يسيرة متابعة أيضًا. التاسع: أحمد بن عاصم البلخي، ليس له في "الصحيح" نفسه شيء, ولكن المستملي -أحد رواة "الصحيح" عن الفِرَبْرِي عن البخاري- أدرج في باب رفع الأمانة من الرقاق قوله: قال الفربري: قال أبو جعفر: حَدَّثْتُ أبا عبد اللَّه [البخاري] فقال: سمعت أبا [جعفر] أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما: جذر قلوب الرجال، الجذر الأصل من كل شيء، والوكت أثر الشيء. هذا هو التحقيق، وإن وقع في "التهذيب"، ومقدمة "الفتح" ما يوهم خلافه، وراجع "الفتح" (11/ 286). وإِذْ قد عرفتَ حالَ التسعة الأولين، فقِسْ عليهم الباقي، وإن شئت فراجع وابحث، يتضح لك أن البخاري عن اللوم بمنجاة. اهـ. وقال بعده بقليل: "رجال البخاري يناهزون ألفي رجل، وإنما وقع الاختلاف في ثمانين منهم، وقد عرفتَ سابقًا حال الثمانين". اهـ. (3) وقال الشيخ في "الأنوار الكاشفة" (ص 282): "لو فرض أن البخاري احتج في "الصحيح" بمن لم يوثقه غيره، فاحتجاجه به في "الصحيح" توثيق وزيادة". اهـ. * * *

الأمر الرابع: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" يقتضي ضعفه أو لينه عندهما؟

الأمر الرابع: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في "الصحيح" يقتضي ضعْفَهُ أو لِينَهُ عندهما؟ قد طعن الكوثري في جماعةٍ من الرواة والمحدثين مُحْتَجًّا بأن البخاري -وربما أصحاب الكتب الستة- لم يخرجوا لهم، فشَرَحَ المعلمي بعضَ أسباب ذلك بما لا يقتضي الطعن. من ذلك: (1) قول العلامة المعلمي في ترجمة إبراهيم بن شماس الغازي من "التنكيل" رقم (6): أما عدم إخراج البخاري عنه في "صحيحه" فكأنه إنما لقيه مرة؛ فإن إبراهيم كان دائبًا في الجهاد، فلم يسمع منه البخاري ما يحتاج إلى إخراجه في "الصحيح". وقد أدرك البخاري من هو أكبر من إبراهيم وأعلى إسنادًا، وكم من ثقةٍ ثبتٍ لم يتَّفِقْ أن يخرج عنه البخاري في "صحيحه" وأخرج عمن هو دونه بكثير. فأما بقية الستة؛ فأبو داود ولد سنة 202، فقد أدرك إبراهيم؛ فإن إبراهيم استشهد سنة 220، ولكن لعله لم يَلْقَهُ وإنما روى في مسائل مالك عن رجل عنه, على ما يظهر من "التهذيب"، وقد سمع أبو داود جماعةً ممن هو أكبر وأعلى إسنادًا من إبراهيم. ومسلم ولد سنة 204، والباقون بعد ذلك.

وجامعو الكتب الستة يتحرون علوّ الإسناد والاختصار، ولا ينزلون إلا لحاجةٍ، والروايةُ عن إبراهيم قليلةٌ؛ لاشتغاله بالجهاد، ولأنه لم يُعَمَّرْ حتى يُحتاج إليه، وقد رَوى عنه من هو أجَلُّ من أصحاب الكتب الستة كما مرّ (¬1). (2) وقوله في ترجمة: محمد بن علي بن الحسن بن شقيق رقم (221): "من شأنهما -يعني الشيخين- في "الصحيح" أن يتطلبا العلوّ ما وجدوا إليه سبيلًا، ولا يرضيان بالنزول إلا أن يتفقَ لهما حديثٌ صحيحٌ تشتد الحاجة إلى ذكره في "الصحيح" ولا يقع لهما إلا بنزول، فلم يتفق لهما ذلك هنا، وهذا الرجل سِنُّهُ قريبٌ من سِنِّهِما، فروايتهما عنه نزولٌ. وهناك وجوهٌ أُخَر لعدم إخراجهما للرجل في "الصحيح"، راجع ترجمة إبراهيم ابن شماس. ولهذا لم يلتفت المحققون إلى عدم إخراجهما، فلم يَعُدُّوا عدمَ إخراجهما الحديث دليلا على عدم صحته، ولا عدم إخراجهما للرجل دليلا على لِينِه (¬2). ومحمد هذا وثقه النسائي، والنسائي ممن قد يفوق الشيخين في التشدد كما نبهوا عليه في ترجته، ووثقه غيره أيضًا. وروى عنه أبو حاتم وقال: "صدوق" وأبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (2/ 416)، وبقي بن مخلد، وهو لا يروي إلا عن ثقة كما مرّ في ترجمة أحمد بن سعد، وابنُ خزيمة, وهو لا يروي في "صحيحه" إلا عن ثقةٍ، واللَّه الموفق". اهـ .. ¬

_ (¬1) مثل أحمد وكذا أبي زرعة رحمهما اللَّه وهما لا يرويان إلا عن ثقة عندهما، كا ذكره المعلمي، وعظَّم إسحاقُ بن راهويه شأنه وحرَّض على الكتابة عنه, ووثقه الدارقطني وابن حبان. (¬2) سيأتي النظر في هذا القول في نهاية هذا الأمر الرابع.

(3) وقوله في ترجمة رجاء بن السندي رقم (92): "توفي رجاء سنة (231) فلم يدركه الترمذي والنسائي وابن ماجه، وأدركوا مِنْ أقرانه ومَنْ هو أكبر منه مَنْ هو مثله أو أعلى إسنادًا منه، فلم يحتاجوا إلى الرواية عن رجلٍ عنه؛ لإيثارهم العلوّ. وأدركه أبو داود في الجملة؛ لأنه مات وسنّ أبي داود نحو تسع عشرة سنة، ولكنه في بلد غير بلده، فالظاهر أنه لم يلقه. فأما مسلم فإنه كان له حين مات رجاء نحو لست عشرة سنة، وهو بلديُّه، ويمكن أن يكون سمع منه وهو صغير، فلم ير مسلم ذلك سماعًا لائقًا بأن يعتمده في "الصحيح"، ويمكن أن يكون مسلم تشاغل أول عمره بالسماع ممن هو أسنُّ من رجاء وأعلى إسنادًا، فَفَاتَهُ رجاء. وأما البخاري فقد ذكر الكمال أنه روى عنه لكن قال المزي: لم أجد له ذكرًا في "الصحيح" (¬1). فقد لا يكون البخاري لقيه (¬2)، وقد يكون لقيه مرة فلم يسمع منه إلا شيئًا عن شيوخه الذين أدرك البخاري أقرانهم فلم يَحْتَجْ إلى النزول بالرواية عن رجاء. ¬

_ (¬1) هكذا هو في "تهذيب" ابن حجر (3/ 231) مختصرًا من كلام المزي، وتمامه: ولا ذكره أحدٌ من المصنفين في رجاله، "وإنما قال الحاكم في "تاريخ نيسابور": "روى عنه البخاري، ولم يقل في "الصحيح" فلعلَّه روى عنه خارج "الصحيح". هكذا قاله المزي في حاشية نسخته من "تهذيب الكمال"، كما نقله عنه محققه (9/ 164). (¬2) هكذا قال المعلمي اعتمادا على نقل الحافظ ابن حجر المختصر لكلام المزي، وسبق كلام الحاكم في ذلك.

فتحصَّلَ مِنْ هذا أنهم إنا لم يخرجوا عنه إيثارًا للعلوّ من غير طريقه على النزول من طريقه (¬1). وراجع ترجمة إبراهيم بن شماس. وقد رَوى عنه الإمام أحمد، وهو لا يروي إلا عن ثقةٍ، كما يأتي في ترجمة محمد بن أعين، وروى عنه أيضًا إبراهيم بن موسى وأبو حاتم وقال: "صدوق". وقال الحاكم: "ركن من أركان الحديث". (4) وقوله في ترجمة: محمد بن معاوية الزيادي رقم (234): "قد قدَّمْنا مِرارًا أن كونَهم -يعني الأئمة الستة- لم يخرجوا للرجل، ليس بدليل على وَهَنِه عندهم، ولاسيما مَنْ كان سنُّهُ قريبًا من سِنِّهم وكان مقلا كهذا الرجل، فإنهم كغيرهم من أهل الحديث إنا يُعنون بعلوّ الإسناد، ولا ينزلون إلا لضرورة. وقد روى النسائي عن هذا الرجل في "عمل اليوم والليلة" وقال في مشيخته: "أرجو أن يكون صدوقًا، كتبت عنه شيئًا يسيرًا" وإنما قال: "أرجو ... "؛ لأنه إنما سمع منه شيئًا يسيرًا ولم يتفرغ لاختباره؛ لاشتغاله بالسعي وراء مَنْ هُم أعلى منه إسنادًا ممن هم في طبقة شيوخ هذا الرجل ... ". (5) وقوله في ترجمة: إسماعيل بن عرعرة رقم (51): "قد يكون الرجلُ ثقةً مقلا من الرواية، إنا يروي قليلا من الحكايات، فلا يعتني به أهل التواريخ، ولا يُحتاج إليه في الأمهات الست". ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "تاريخ الإسلام" - الطبقة 23: "من كبار أصحاب الحديث، لكنه مات قبل أن ينتشر ذكره". اهـ. وهو مؤيد لكلام المعلمي رحمه الله.

(6) - (7) انظر ترجمتي: أحمد بن الحسن الترمذي رقم (14)، وترجمة عامر بن إسماعيل البغدادي رقم (115) من "التنكيل". قاله أبو أنس: قد لخَصَّ الشيخُ المعلمي القولَ في هذا المبحث بقوله آنفًا: "لم يلتفت المحققون إلى عدم إخراجهما -يعني الشيخين- فلم يَعُدُّوا عدمَ إخراجهما الحديث دليلا على عدم صحته, ولا عدم إخراجهما للرجل دليلا على لِينِه".اهـ. فأقول: هذا الكلام فيه تفصيلٌ لابدَّ منه، وذلك أن الملاحظ في النماذج التي سبق جواب الشيخ المعلمي عن عدم إخراج الشيخين لأصحابها، إنما هو لأسباب لا تتعلق بلِينِ الراوي ونحوه, إنما هو لعدم الاحتياج لما عند الراوي، لاسيما إذا كانت روايتهما عنه بنزول، مع الاستغناء عما عنده حينئذ بطرق أخرى عالية، وهذا واضحٌ وسائغٌ جدًّا في طبقة أصحاب الكتب الستة -لاسيما الشيخين- أو طبقة شيوخهم، وهو جل النماذج السابقة. أما الطبقات المتقدمة, فالراوي إذا كان معروفًا، وروى أحاديثَ لا توصف بالندرة، ومنها ما هو في أبواب يُحتاج إليها، وظهر الاحتياج لما عنده حينئذ لضيق مخارجه أو قلة طرقه، أو وضوح متنه في بابه، أو نحو ذلك من مُهمات الإسناد أو المتن، فعدمُ إخراج صاحبي "الصحيح" لمثل هذا -مع ما وصفنا- يُعد إعراضا عنه وعما عنده من الحديث.

نعم، هذا لا يلزمُ منه توهينُ الراوي -إلا أن يصرحا بضعفه، أو يتفق الأئمة على ذلك- ولكن يدل ذلك على أنهما لم يرياه صالحا للاحتجاج، ولا ما عنده ناهضا للاستشهاد. وقد دَأَبَ غيرُ واحد من المحققين على غمز الراوي -لا سيما المختلف فيه- بعدم إخراج صاحبي "الصحيح" له، تدعيما لمن ضعفه على من أَجمل فيه القولَ. من هؤلاء: البيهقي، فقد ذكر ذلك في جماعة من الرواة في كتابه "السنن الكبرى". قاله في: عبد خير (1/ 292)، وداود بن عبد اللَّه الأودي (1/ 190)، وقيس بن عباية (2/ 52)، والأجلح بن عبد اللَّه (10/ 267) (¬1). قال في كُلٍّ من هؤلاء: لم يحتج به صاحبا "الصحيح". وخليد بن جعفر (6/ 71) قال فيه: لم يحتج به محمد بن إسماعيل البخاري في كتاب "الصحيح"، وأخرج مسلم بن الحجاج حديثه الذي يرويه مع المستمر بن الريان عن أبي نضرة عن أبي سعيد في المسك وغيره. اهـ. ولخليد هذا في صحيح مسلم ثلاثة أحاديث: أحدها هذا الذي أشار إليه البيهقي، وهو برقم (2252) مقرون بالمستمر بن الريان. والثاني برقم (1738) وقد أعقبه أيضًا بمتابعة المستمر بن الريان عن أبي نضرة. والثالث برقم (2341) من رواية شعبة عنه عن أبي إياس عن أنس أنه سئل عن شيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: ما شانه اللَّه ببيضاء. أخرجه في آخر باب شيب النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد قدَّم عليه حديث أنس من طرق أخرى أصح من هذه، وفيها قول أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان به شعرات قليلة بيضاء. وسيأتي مزيدُ بيانٍ لإخراج صاحبي "الصحيح" للرجل في الشواهد ونحوها دون الأصول، وذلك في الأمر التالي، واللَّه الموفق. ¬

_ (¬1) وحمزة بن ربيعة: "نصب الراية" عنه: (3/ 228).

الأمر الخامس: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عندهما؟

الأمر الخامس: هل عدم إخراج الشيخين للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عندهما؟ سبق في المطلب الثالث عند شرح العلامة المعلمي لأسباب الخلل والتساهل الواقعَيْن في "مستدرك" الحاكم، أن الحاكم توسَّع في الإخراج عن جماعة من الرواة المتكلم فيهم مقارنةً ومشابهةً بمن أُخرج لهم في "الصحيحن" ممن تُكلم فيهم كذلك. وبيَّن الشيخُ المواضعَ التي إنما يخرج فيها صاحبا "الصحيح" لمن فيه كلام، فذكر ثلاثة مواضع: الثاني منها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يُحتج به مقرونًا، أو حيث تابعه غيره، ونحو ذلك. اهـ. وكذلك سبق في المثالين الأول والثاني من تطبيقاته على منهج البخاري وشرطه في رجال "صحيحه" أنه نصَّ على انتفاء وصف الرجل بأنه على شرط "الصحيح" بإطلاق، محتجًّا بأن البخاري -ومسلمًا- إنما أخرجا له متابعة، أو أن الحديث ثبت عندهما من طريق غيره، وذلك عند الكلام على كُلٍّ من: محمد بن حِمْيَر الحمصي - وراجع تعليقي هناك وقولِ الحافظ ابن حجر: إنه إنما أُخرج له في "الصحيح" في المتابعات لا في الأصول، وكذا عند الكلام على بكر بن عمرو المصري. وذكر الشيخ في حاشيته على "الفوائد المجموعة" (ص 351) أن الطبقة الثانية من طبقات المدلسين - على تقسيم ابن حجر، وهي طبقة من احتمل الأئمة تدليسه

وأخرجوا له في "الصحيح"- لا تُقبل عنعنتهم مطلقًا كمن ليس بمدلس البتة، وإنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو أن الساقط منه ثقة، أو كان ثابتًا من طريق أخرى، ونحو ذلك، كشأنهما فيمن أخرجا له ممن فيه ضعف. اهـ. قال أبو أنس: قد استفاض هذا المعنى في كلام العلامة المعلمي، وقد سبقه إليه غير واحد من المحققين، وقد اعتمد الحافظ ابن حجر في جوابه عن كثير من الرواة المتكلم فيهم داخل "الصحيح" على أنهم ما احتج بهم البخاري في الأصول، وإنما أخرج لهم في المتابعات والشواهد، وذلك في الفصل التاسع من مقدمة "الفتح" (ص 403) بل وكتب عنوانه: "الفصل التاسع: في سياق أسماء من طُعن فيه من رجال هذا الكتاب مرتبًا على حروف المعجم، والجواب عن الاعتراضات موضعًا موضعًا، وتمييز من أَخرج له منهم في الأصول أو في المتابعات والاستشهادات مفصلا لجميع ذلك". لكن قد مال الشيخ المعلمي في دفاعه عن حماد بن سلمة من "التنكيل" رقم (85) إلى خلاف ما قرره في غير موضع من منهج البخاري في تفريقه بين من يخرج له في الأصول محتجًّا به، ومن يخرج له على غير ذلك. فقال هناك: "استشهد به البخاري في مواضع من "الصحيح" (¬1)، فأما عدم ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "السير" (7/ 446): "تحايد البخاري إخراج حديثه, إلا حديثًا خرجه في الرقاق, فقال: قال لي أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أُبَيّ". وقال ابن حجر في مقدمة "الفتح" (ص 419): "استشهد به البخاري تعليقًا ولم يخرج له احتجاجًا ولا مقرونًا ولا متابعة إلا في موضع واحد قال فيه: قال لنا أبو الوليد حدثنا حماد بن سلمة فذكره, وهو في كتاب الرقاق، وهذه يستعملها البخاري في الأحاديث الموقوفة، وفي المرفوعة أيضًا إذا كان في إسنادهما من لا يحتج به عنده".

إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غيرَ أهلٍ لذلك، ولذلك نظائر؛ هذا سليمان بن المغيرة الذي تقدم أنه من أثبت الناس في ثابت، وأنه أثبت فيه من حماد بن زيد، وقد ثَبَّتَه الأئمة جدًّا، قال أحمد: "ثبت ثبت"، وقال ابن معين: "ثقة ثقة" والثناء عليه كثير، ولم يغمزه أحد، ومع ذلك ذكروا أن البخاري لم يحتج به ولم يخرج له إلا حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره ... " (¬1). قال أبو أنس: هذا قياسٌ مع الفارق؛ فأين مَنْ ثَبَّتَهُ الأئمة ووثقوه لإطلاق، ولم يغمزه أحد منهم بشيء، بمن ذكروه بسوء الحفظ وكثرة الخطأ، ولم يثبتوه إلا في روايته عن ثابت وحميد، ومع ذلك فقد خطئوه في عدة مواضع من روايته عنهما كما يُعلم بالنظر في كتب العلل. والمقصود أن عدم إخراج البخاري لسليمان بن المغيرة في الأصول أو عدم احتجاجه به لا يمكن أن يكون لسبب يتعلق بعدالة سليمان أو ضبطه؛ للإجماع على ثقته وإتقانه، وإنما هو لأسباب خارجة عن ذلك؛ كأن يكون استغنى برواية غيره فيما احتاج إلى إيراده من الأحاديث لأغراضٍ ربما تتعلق بالإسناد أو المتن. أما حماد بن سلمة، فالدلائلُ على خِفَّةِ ضبطه، والأوهامِ التي استفاضَ عن النقادِ وقوعُه فيها، جديرٌ ذلك بأن يكون هو سبب إعراضِ البخاري عن الاحتجاج به. فالدفاع عن حماد بحمل صنيع البخاري معه على أنه لم يقصد الإعراض عن الاحتجاج به -استدلالا بصنيعه مع سليمان بن المغيرة- فيه نظر كبير، واللَّه تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) في تهذيب ابن حجر (4/ 221): "قال أبو مسعود الدمشقي في الأطراف في مسند أنس: ليس لسليمان بن المغيرة عند البخاري غير هذا الحديث الواحد وقرنه بغيره".

المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون

المطلب الثاني: فيما يتعلق بالمتون وفيه ستة أمور: الأمر الأول من منهح البخاري في ترتيب أحاديث الباب ذكر الشيخ المعلمي في المسألة الرابعة عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل" -وهي مسألة: "تُقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدًا"- حديثَ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وذكر اختلاف الرواة فيه عن هشام سندًا ومتنًا (¬1). قال: وأما المتن فعلى ثلاثة أوجه: الأول (¬2): ما رواه البخاري، عن عثمان بن أبي شيبة, عن عبدة، عن هشام عن أبيه، عن عائشة: "أن يد السارق لم تُقطع على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا في مِجَنِّ حَجَفَةٍ أو تُرس". ثم روى البخاري، عن عثمان أيضًا، عن حميد: "ثنا هشام، عن أبيه، عن عائشة" مثله. ¬

_ (¬1) قال: "أما السند فمنهم من ذكر عائشة, ومنهم من لم يذكرها وجعله مرسلًا من قول عروة، نبه على ذلك البخاري في "الصحيح" والصواب ذكر عائشة". (¬2) "الفتح" (12/ 99) رقم (6792).

الثاني (¬1): ما رواه البخاري، عن محمد بن مقاتل، عن ابن المبارك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: "لم تكن تُقطع يدُ السارق في أدنى من حجفة أو ترس، كل واحد منهما ذو ثمن" (¬2). الثالث (¬3): رواه البخاري: حدثني يوسف بن موسى، ثنا أبو أسامة, قال: هشام ابن عروة أخبرنا، عن أبيه، عن عائشة، قالت: "لم تُقطع يدُ سارقٍ على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في أدنى من ثمن المجن: ترسٍ أو حجفةٍ, وكان كل منهما ذا ثمن". فالأول: مداره على عثمان بن أبي شيبة، عن عبدة، وعن حميد، وقد خولف عن كل منهما. فرواه مسلم في "صحيحه" عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير، عن حميد بسنده: "لم تُقطع يدُ سارقٍ في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- في أقل من ثمن المجن حجفة أو ترس وكلاهما ذو ثمن". وهذا على الوجه الثالث كما ترى. ورواه البيهقي في "السنن" (8/ 256) من طريق هارون بن إسحاق، عن عبدة بسنده: "لم تكن يدٌ تُقطع على عهد رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- في أدنى من ثمن مجن حجفة أو ترس". وهذا على الوجه الثاني كما ترى. وبهذا بانَ ضعفُ الوجهِ الأول، بل ظاهره باطل؛ لأنه يعطي أن القطع لم يقع على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا مرة واحدة في ذاك المجن، وقد ثبت قطع سارق رداء صفوان الذي كانت قيمته ثلاثين درهمًا، وثبت قطع يد المخزومية التي كانت تستعير الحلي ثم تجحدهُ. ¬

_ (¬1) رقم (6793). (¬2) زاد البخاري هنا: رواه وكيع وابن إدريس، عن هشام، عن أبيه مرسلًا. (¬3) رقم (6794).

وأما الوجه الثاني فقد اختلف على عبدة كما رأيت، وكذلك اختلف على ابن المبارك، رواه النسائي عن سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: "لم تقطع يد سارق في أدنى من حجفة أو ترس، وكل واحد منهما ذو ثمن". وهذا على الوجه الثالث كما ترى، فبانَ رجحانُ الوجه الثالث؛ لأنه رواه عن هشام: أبو أسامة ولم يختلف عليه فيه، ورواه ابن نمير، عن حميد، عن هشام، وابنُ نمير أثبتُ من عثمان بن أبي شيبة، ورواه سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام. وقد رجح الشيخان والنسائي الوجهَ الثالث. أما البخاري فساقها على هذا الترتيب، ثم عَقَّبَ بحديث ابن عمر (¬1)، فأشار -واللَّه أعلم- بالترتيب إلى ترتيبها في القوة، فالثاني أقوى من الأول، والثالث أرجح منهما. أو قُلْ: أشار إلى أن الثاني يُفَسِّرُ الأولَ من وجهٍ، والثالث (¬2) يفسرهما جميعًا. وأشار بالتعقيب بحديث ابن عمر إلى أن هذا الحديثَ وحديثَ ابن عمر عن واقعة واحدة؛ فعائشة حفظتْ أَنَّ أقلَّ ما قطع فيه النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ذاك المجن ولم تذكر قيمته، وابن عمر حفظ قيمته، ولم يذكر أنه أقل ما قطع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيه. وأما مسلم (¬3) فصدَّرَ بحديثه عن محمد بن عبد اللَّه بن نمير وساقه بتمامه، وهو على الوجه الثالث كما مرَّ، ثم قال: ¬

_ (¬1) من رقم (6795) حتى (6798) ولفظه: "أن رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم" وفي رواية الليث: "قيمته". (¬2) في أصل التنكيل: "والثاني" وصُوِّبَ في حاشية الطبع إلى "والثالث" وهو الصواب. (¬3) (ص 313) رقم (1685).

حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبدة بن سليمان وحميد بن عبد الرحمن ح وثنا أبو بكر بن أبي شيبة ثنا عبد الرحيم بن سليمان ح. وثنا أبو كريب ثنا أبو أسامة كلهم عن هشام بهذا الإسناد نحو حديث ابن نمير عن حميد بن عبد الرحمن، وفي حديث عبد الرحيم وأبي أسامة: (وهو يومئذ ذو ثمن). اهـ. فحمل سائر الروايات على حديث ابن نمير، وهو على الوجه الثالث كا مَرَّ، ولم يَعْتَدَّ بمخالفة بعضها له في الأوجه المذكورة، مع اعتداده بالاختلاف في قول ابن نمير: "وكلاهما ذو ثمن" وقولِ عبد الرحيم وأبي أسامة: "وهو يومئذ ذو ثمن"، ثم عَقَّبَ ذلك مسلم بحديث ابن عمر. وأما النسائي (¬1) فإنه مع تصدِّيه لجميع الروايات في ذكر المجن، لم يَسُقْ من طرق حديث هشام المذكور إلا رواية سويد بن نصر، عن ابن المبارك، عن هشام، وهي على الوجه الثالث. اهـ. قال أبو أنس: تحقيق العلامة المعلمي لترتيب البخاري أحاديث هذا الباب تحقيقٌ بديعٌ، والأمر بحاجة إلى بحثٍ مستقل؛ للنظر: هل هذا المنهج يَطّردُ في نظائره من "الجامع الصحيح"، أم أن لكل موضع تحقيقًا خاصًّا بحسب القرائن المحتفة به؟ وانظر ما يأتي من تعليقي عقب الأمر الثاني. * * * ¬

_ (¬1) المجتبى (8/ 82).

الأمر الثاني من منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب

الأمر الثاني من منهج البخاري في إخراج الحديث في باب دون باب (1) روى البخاري في "صحيحه"، كتاب الرقاق، باب التواضع، حديث رقم (6502) عن محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: "إن اللَّه قال: من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضته عليه ... ". ذكر الشيخ المعلمي هذا الحديثَ في "الأنوار الكاشفة" (ص 193)، فقال: هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من "الميزان" (¬1) وابن حجر في "الفتح"؛ لأنه لم يُرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان بن كرامة، حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد اللَّه بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة. ومثل هذا التفرد يريب في صحة الحديث، مع أن خالدًا له مناكير، وشريكًا فيه مقال. ¬

_ (¬1) قال الذهبي: "هذا حديث غريب جدًّا، لولا هيبةُ "الجامع الصحيح" لعدّوه في منكرات خالد بن مخلد؛ وذلك لغرابة لفظه، ولأنه مما ينفرد به شريك, وليس بالحافظ, ولم يُرو هذا المتن إلا بهذا الإسناد، ولا خرجه مَنْ عدا البخاري، ولا أظنه في مسند أحمد، وقد اختلف في عطاء, فقيل: هو ابن أبي رباح، والصحيح أنه عطاء بن يسار". اهـ.

وقد جاء الحديثُ بأسانيدَ فيها ضعف من حديث علي، ومعاذ، وحذيفة، وعائشة، وابن عباس، وأنس، فقد يكون وقع خطأٌ لخالد أو شريك؛ سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثًا آخر بهذا السند، ثم التبسا عليه, فغلط فروى هذا المتن بسند الحديث الآخر ... وإلا فهو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من آيات القرآن إلى تفسير، وقد فَسَّرَهُ أهلُ العلم بما تجده في "الفتح"، وفي "الأسماء والصفات" (ص 345 - 348). وقد أومأ البخاري إلى حالِهِ فلم يخرجه إلا في باب "التواضع" من كتاب "الرقاق". اهـ. (2) في المسألة الحادية عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل" وهي: "للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة؛ سهم له وسهمان لفرسه". ذكر الشيخ المعلمي مَنْ وقع عليه من الرواة لهذا الحديث عن عبيد اللَّه بن عمر ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، حتى بلغ الثامن: زائدة بن قدامة عند البخاري في "صحيحه" في غزوة خيبر (¬1)، رواه البخاري، عن الحسن بن إسحاق، عن محمد بن (سابق، عن) (¬2) زائدة (¬3) ... "قسم رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يوم خيبر للفرس: سهمين، وللراجل: سهمًا. فسَّرَهُ نافع فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم، فإن لم يكن له فرس فله سهم". ¬

_ (¬1) "الفتح" (7/ 553) رقم (4228). (¬2) سقط ما بين القوسن من طبعة دار الكتب السلفية من "التنكيل" وهو مثبت في الطبعة الأم. (¬3) تمامه: عن عبيد اللَّه بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر.

وهذا التفسير يدل أن الصواب في المتن "للرجل" لكن وقع في نسخ "الصحيح" كما رأيت. وزائدة متقن، لكن شيخ البخاري ليس بالمشهور، ومحمد بن سابق، قال ابن حجر في ترجمته من الفصل التاسع من مقدمة "الفتح": وثقه العجلي، وقوَّاهُ أحمد بن حنبل، وقال يعقوب بن شيبة: كان ثقة, وليس ممن يوصف بالضبط, وقال النسائي: لا بأس بمع وقال ابن أبي خيثمة, عن ابن معين: ضعيف. قلت: ليس له في البخاري سوى حديث واحد في "الوصايا" ... وقد تابعه عليه عبيد اللَّه بن موسى. اهـ. كذا قال، وفاتَهُ هذا الحديثُ، وعُذْرُ البخاري أنه رأى أنَّ الوهْمَ في هذا الحديث يسيرٌ يجبرهُ التفسيرُ. ومع ذلك فلم يذكرْهُ في باب: "سهمان الخيل" وإنما ذكره في: "غزوة خيبر". اهـ. قال أبو أنس: تحقيق الشيخ المعلمي لقضية "الترتيب" -هنا وفي ترجمة مسلم كما سيأتي- و"إخراج الحديث في باب دون باب" يقتضي أمرا مهمًّا، نَدَر من يتعرض له، ألا وهو: أن صاحبي "الصحيح" قد يخرجان في كتابيهما بعض الأحاديث التي ليست في الدرجة العليا من الصحة، ولا يخرجانها بقصد تصحيح متونها أو بعض ألفاظٍ فيها، بل لِيُنَبِّها على وهم يقع فيها من بعض الرواة, وهذا التنبيه يأخذ أشكالا متعددة, يعرفها الممارسُ، ويغفل عنها من لم يوفق لها، فينتقد تلك الأحرف على صاحبي "الصحيح"، وما أُتِي إلا من عدم التفاته لاصطلاحهما في ذلك، كما سيشير إليه الشيخ المعلمي في الأمر التالي.

النموذج الأول

وهذا فهم دقيقٌ، تَدْعَمُه الممارسَةُ المَرِنَةُ للصحيحين، وهو سبيلٌ لم يُطْرَقْ بالقَدْر الكافي من المحققين. وهذه الأحرف المشار إليها، والتي يعرفها الحذاق من أهل الاختصاص، لا تُعكر على أصل وضع "الصحيح" كما يتوهمه أكثر المعترضين، بل هي كالفوائد والنِّكات الإسنادية والمَتْنِيَّة، لم ير الشيخان إخلاءَ الكتابين منها، وهي دليلُ البراعة والتمكن، خلافا لمن لم يقبل ذلك، فعاد عليهما بالانتقاد والتناقض أحيانا. ويبقى أن لكلٍّ من صاحبي "الصحيح" طريقته في سَوْق وعرض تلك الفوائد، يحتاج كل منهما إلى أن يُفرد بالبحث، للاقتراب من التصور المقبول لذلك. وأنا أسوق في هذا القسم بعضَ النماذج التي تُلاحظُ بممارسة الصحيحين، أَعرضها على الباحثين للنظر في مدلولاتها، عسى أن تصلح نواةً لهذا المبحث، ودَرءا لما يكون أحيانا سببًا في توجيه نَقْدٍ أو رَمْي بنقصٍ لأحدهما. أما البخاري فهناك ثلاثة نماذج نستعرضها للتأمل فيها، وأما مسلم فنؤخره إلى ترجمته: النموذج الأول: في باب: الأكفاء في الدِّين، من كتاب النكاح: قال البخاري (5089): حدثنا عبيد بن إسماعيل، حدثنا أبو أسامة, عن هشام، عن أبيه, عن عائشة قالت: دخل رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- على ضباعة بنت الزبير فقال لها: لعلك أردت الحج. قالت: واللَّه لا أجدني إلا وجعة. فقال لها: حجي واشترطي، قولي: اللهم محلي حيث حبستني، وكانت تحت المقداد بن الأسود. اهـ.

فأقول: هذا الحديث يشتمل على قصة ضباعة بنت الزبير، وهي أصح وأشهر ما يُستدل به على قضية الاشتراط في الحج، وحديثها معروفٌ من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، لكن اختلف على هشام فيه وصلا وإرسالا. وقد أخرجه مسلم (1207) وصَدَّرَ به الباب من طريق أبي أسامة موصولا كما أخرجه البخاري، ثم خرجه من طريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة به. وأعقبه برواية عبد الرزاق، عن معمر، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، ثم خرجه من طرق عن ابن عباس، وأرسله ابن عيينة عن هشام، فلم يذكر عائشة في الإسناد، ولذا فقد تردد الشافعي فيه فقال: لو ثبت حديث عروة لم أَعْدُهُ إلى غيره. وفي الحديث بحثٌ ليس هذا محله, انظر "الفتح" (4/ 12). والمقصود هنا أن مقتضى صنيع البخاري في "صحيحه" أنه لا يرى الاشتراط في الحج، ففي باب: الإحضار في الحج من كتاب المحصر (4/ 11 - فتح) لم يخرج البخاري سوى حديث ابن عمر، وابن عمر معروف أنه كان ينكر الاشتراط، ويقول: "أليس حسبكم سنة رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-، إن حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا ... قال ابن حجر: أشار ابن عمر بإنكار الاشتراط إلى ما كان يفتي به ابن عباس. أما حديث عائشة، فالقدر المقصود منه هو قوله: وكانت -يعني ضباعة- تحت المقداد بن الأسود - كما في "الفتح" (9/ 38) فهو المراد للتبويب المذكور، فقد كانت ضباعة فوق المقداد في النسب، ولم يمنع ذلك من زواجه منها.

النموذج الثاني

وصار ما ذكر في هذا الحديث من الاشتراط لا يراه البخاري حجة؛ لما سبق من الخلاف الواقع في إسناده، ولو كان يراه حجة لخرجه في باب الإحصار في الحج على سبيل اختلاف النصوص أو نحو ذلك، وهو أليقُ مكانٍ به. لكنه نبَّه بإخراجه في كتاب النكاح إلى أنه -على الأقل- متوقف عن الحكم بمقتضاه فيما يتعلق بالاشتراط، وخرج في باب الإحصار من حديث ابن عمر ما يدل على خلاف مقتضاه، مكتفيًا بذلك، وهذا واضح بحمد اللَّه. فالبحث هنا إنما هو في تصرف البخاري في أبوابه , وما يخرج فيها من الأحاديث؛ لتوافق رأيه وما ذهب إليه من الأحكام، لا مجرد إخراج الحديث بين دفتي "الصحيح"، بغض النظر عن ملابسات ومناسبات الأبواب؛ لأن من المعروف أن فقه البخاري في تراجم أبوابه. والمتخصص إذا عزا حديثا للصحيحين؛ فحري به أن يذكر الباب الذي خرج فيه الحديث؛ ليلتفت الناظر إلى ما قد يدعوه إلى مطالعة الكتاب بنفسه. ومثاله هنا: مَن أراد الاستدلال على قضية الاشتراط في الحج مثلا، فليس من الإنصاف مع البخاري و"صحيحه"، بل لا يُستبعد وصفُ ذلك بالقُصور المبعد عن حقيقة الحال أن يُعزى حديثُ أبي أسامة هذا إلى البخاري بإطلاق، دون التنبيه على كيفية إخراجه له، فأما إذا عزاه على النحو المذكور، ثم خالفَ البخاريَّ في نقده للحديث، فهذا أمر آخر، واللَّه الهادي إلى سواء السبيل. النموذج الثاني: في باب: الرطب والتمر من كتاب الأطعمة (9/ 477 - فتح). أخرج البخاري (5443) حديث إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد اللَّه بن أبي ربيعة، عن جابر بن عبد اللَّه قال: كان بالمدينة يهودي، وكان يسلفني في تمري

إلى الجذاذ ... ، فجاءني اليهودي عند الجذاذ، ولم أجد منها شيئا، فجعلت أستنظره إلى قابل، فيأبى، فأخبر بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فقمتُ، فجئتُ بقليل رطب، فوضعته بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأكل ... فأقول: في هذا الحديث قضيتان، قد استشكلهما بعضُ المحققين: أولهما: أن فيه أن قصة دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في النخل بالبركة كانت فيما كان على جابر من الدَّيْن، وإنما المحفوظ المعروف أنها كانت فيما كان على والد جابر. هكذا أخرجه البخاري في غير موضع موصولا ومعلقا في مواضعه المعهودة, منها (2395) (2601) (2781) (3580) (4053). القضية الثانية: أن في هذا الحديث "السَّلف إلى الجذاذ" وهذا لا يقول به البخاري ولا يجيزه هو، هكذا قال الإسماعيلي، كما نقله عنه ابن حجر في "الفتح" (9/ 479)، وهذا واضح جدًّا؛ فقد اعتمد البخاري في كتاب السَّلَم من "صحيحه" (4/ 500): "السَّلَم إلى أجل معلوم" لم يذكر غيره، وهو الموضع اللائق بكل ما يتعلق بـ: "السَّلَم" شريطة أن تكون النصوص يراها البخاري حُجة في بابها، بغض النظر عن رجحان بعضها على بعض لأسباب خارجة عن صحتها في نفسها. فإذا أبعد البخاري حديث إبراهيم هذا عن كتاب السَّلَم، مع اشتماله على ما هو صريح في بابه، ووضعه في كتاب آخر لأجل ما فيه من أكل "الرطب"، فإن ذلك يدل للمتأمل أن البخاري لا يرى أن عبارة: "كان يسلفني في تمري إلى الجذاذ" محفوظة، وهذه إشارةٌ بديعةٌ، لا تصدر إلا من مثل البخاري في براعته، فإذا أراد أحدهم أن يستدل لمن يقول بالسلم إلى الجذاذ بتصحيح البخاري هذا الحديث، محتجا بأنه مخرج في "الصحيح"، لكان هذا محل نظر كبير وتعجب طويل.

نعم، يمكن أن يُختلف مع البخاري، أو يخالِف في ذلك مَنْ يرى من المحققين صحةَ الحديث بلفظه وسياقه هذا، متجشما تأويله وتوجيهه. فبينما ذهب الإسماعيلي -ومثله ابن التين- إلى شذوذ هذه الرواية لما فيها من جعل الدَّيْن لجابر وليس لوالده، دفع ذلك ابنُ حجر بتعدد القصة، وأنه لا مانع من وقوعها لدَيْن جابر ودَيْن أبيه. وكذلك قول الإسماعيلي: السَّلَف إلى الجذاذ مما لا يجيزه البخاري وغيره، فقد ذهب ابن حجر إلى أنه وقع في الاقتصار على الجذاذ اختصار، وأن الوقت كان في أصل العقد معيَّنًا. نتجاوز هنا القضية الأولى لقبولها الأخذ والرد والاحتمال، أما القضية الثانية فقد اتفق ابن حجر مع الإسماعيلي على أن لفظ "السَّلم إلى الجذاذ" لا يصح، ولا يُراد مدلولُه، وأوَّلَهُ ابن حجر بأنه لفظٌ "مختصر" عن أصل كلام العقد، ولا يخفى على الحافظ ابن حجر أن "الاختصار" -لو كان هو الواقع هنا- هو أحد مداخل الخلل وأسباب التعليل التي يُعِلُّ بها النقادُ أحيانا بعضَ المتون، وهو منتشر في كلامهم، فثبت الاتفاق بين المُنْكِر والمؤَوِّل على أن هذا اللفظ غير موافق لواقع الحال، فهو خطأ. وهذا هو المراد لمن تأمل هذا الموضع: أن البخاري خرج هذا الحديث في كتاب الأطعمة، وهو لا يرى أن جميعَ لفظه محفوظ، بل أراد أن يضرب بسهم واحد غرضين: الأول: الاستفادة من اشتماله على أكل الرطب وحده, وقد بوَّب قبله على أكل القثاء بالرطب. الثاني: الإشارة إلى ما وقع في رواية إبراهيم بن أبي ربيعة هذا من الأوهام في متنه.

النموذج الثالث

وإبراهيم هذا ليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وليس هو بالمحل الذي يُقبل منه تفرده بهذين المعنيين المذكورين، فإنه لم يوثق توثيقا يعتد به، وهو مقل من الحديث، واللَّه تعالى الموفق للصواب. النموذج الثالث: في باب: المسح على الخفين (1/ 365 فتح): أخرج البخاري أولا حديث سعد بن أبي وقاص والمغيرة بن شعبة في المسح على الخفين، ثم أخرج (204) حديث شيبان، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري، أن أباه أخبره، أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين. قال البخاري: وتابعه حرب بن شداد وأبان عن يحيى، ثم أخرجه (205) من طريق ابن المبارك، أخبرنا الأوزاعي، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن جعفر بن عمرو، عن أبيه، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على عمامته وخفيه. قال: وتابعه معمر، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عمرو، قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ... اهـ. فلم يذكر جعفرا في الإسناد. فأقول: المتأمل يلاحظ أن البخاري لم يبوب على المسح على العمامة، وإنما أورد رواية الأوزاعي تحت باب المسح على الخفين، فهل ذكر العمامة في هذا الحديث محفوظ عنده؟ إن كانت الإجابة: نعم؛ لأنه خرجها، وذكر متابعة معمر للأوزاعي عن يحيى، فقد يقال: لِمَ لَمْ يبوب عليها بابا مستقلا: "المسح على العمامة"، وهو الذي يترجم بأدق من هذا بكثير، وأبواب المسح على العمامة مما اعتنى بذكرها الأئمة، فكان حري به أن يخرجها في بابها إذًا؟

وقد اتفق -فيما ذكره البخاري- شيبان، وحرب بن شداد، وأبان بن يزيد العطار على رواية هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير بلفظ المسح على الخفين فقط. ورواه الأوزاعي عن يحيى، فزاد فيه المسح على العمامة. ورواه معمر عن يحيى فأسقط من الإسناد جعفرا، كما ساقه البخاري، ولكنه عبر عن رواية معمر بالمتابعة, ومع ذلك فقد بين أنه خالفه في الإسناد، فهل يعني بالمتابعة: موافقته في المتن؟ هذا هو الظاهر، وإلا فيكون المقصود: متابعته في أصل الحديث، مع مخالفته في اللفظ والإسناد، وهو بعيد. قال ابن حجر: ذكر أبو ذر في روايته لفظ المتن، وهو قوله: "يمسح على عمامته" زاد الكشميهني: "وخفيه" وسقط ذكر المتن من سائر الروايات في "الصحيح". ورواية معمر قد أخرجها عبد الرزاق في "مصنفه" عن معمر بدون ذكر العمامة، ولكن أخرجها ابن منده في كتاب الطهارة له من طريق معمر بإثباتها. اهـ. أقول: ظاهر صنيع البخاري أنه عني أن معمرا تابع الأوزاعي في ذكر العمامة، وإلا لم يكن لمتابعته أي معنى، ولا يكون لإرداف رواية الأوزاعي برواية معمر أي مزية, وإلا فيكون معمر حينئذ قد وافق الثلاثة الأول: شيبان، وحرب، وأبان، في لفظه، وخالف الجميع -ومعهم الأوزاعي- في إسناده بإسقاط جعفر. فدل هذا السياق أن البخاري قصد متابعة معمر للأوزاعي على ذكر العمامة. يؤيد ذلك رواية أبي ذر والكشميهني وفيها ذكر العمامة من رواية معمر، وكذلك رواية ابن منده، وإن لم يذكر الحافظ راويها عن معمر؛ ليقارن بعبد الرزاق في روايته عنه. ومع رجحان إرادة البخاري متابعة معمر للأوزاعي في ذكر المسح على العمامة، فهل ذلك كافٍ في كونها محفوظة عنده؟

استقراء "الصحيح" يقتضي أن الإجابة لو كانت: نعم، لأفرد لها البخاري بابا خاصا بها، وخرج فيه حديث الأوزاعي ومتابعة معمر، لكن تصرف البخاري يشير إلى توقفه -على الأقل- في صحة هذه الزيادة. هذا بغض النظر عن صحة "المسح على العمامة" سواء في حديث عمرو بن أمية، أو غيره، وقد خرجه مسلم من حديث المغيرة بن شعبة، لكن المراد هنا هو التأمل في رأي البخاري في ذلك، ومقتضى إخراج رواية الأوزاعي فيها. وقد نقل ابن بطال في شرح "صحيح البخاري" (1/ 306) عن أبي محمد الأصيلي قوله: ذكر العمامة في هذا الحديث من خطأ الأوزاعي؛ لأن شيبان روى الحديث عن يحيى بن أبي كثير ولم يذكر العمامة، وتابعه حرب بن شداد، وأبان العطار، فهؤلاء ثلاثة من رواة يحيى بن أبي كثير خالفوا الأوزاعي، فوجب تغليب الجماعة على الواحد، وأما متابعة معمر للأوزاعي فهي مرسلة، وليس فيها ذكر العمامة. روى عبد الرزاق عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن عمرو بن أمية قال: رأيت رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- يمسح على خفيه. هكذا وقع في مصنف عبد الرزاق، ولم يذكر العمامة، وأبو سلمة لم يسمع من عمرو، وإنما سمع من ابنه جعفر، فلا حجة فيهما. وذكر ابن أبي خيثمة عن ابن معين أن حديث عمرو بن أمية في المسح على العمامة مرسل. اهـ. نقل ابن حجر في "الفتح" (1/ 369) كلام الأصيلي عن كتاب ابن بطال، دون حكاية ابن أبي خيثمة عن ابن معين، ثم أجاب عن الإرسال بأن سماع أبي سلمة من عمرو ممكن ... وعن تفرد الأوزاعي برواية معمر عند ابن منده، ثم قال: "وعلى

تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته؛ لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل، ولا تكون شاذة، ولا معنى لرد الروايات الصحيحة بهذه التعليلات الواهية. اهـ. أقول: نعم، التفرد لا يستلزم الخطأ، ولكنها هنا زيادة حكم أو حكاية فِعل في حديثٍ لا يتعدى بضع كلمات ممن لم يُقدَّم على أحد ممن خالفهم -وهم جماعة- فكيف يُقدم عليهم جميعا؟! فإذا انضاف إلى ذلك أن رواية الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير قد تكلم فيها بعض الأئمة؛ ففي "شرح علل الترمذي" لابن رجب (ص 486): ذكر أحمد في رواية غير واحد من أصحابه أن الأوزاعي كان لا يُقيم حديث يحيى ابن أبي كثير، ولم يكن عنده في كتاب، إنما كان يحدث به من حفظه, ويهم فيه, ويروي عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي قلابة, عن أبي المهاجر، وإنما هو أبو المهلب. اهـ. فالتفرد بمثل هذه الزيادة، مع هذه القرائن، يُريب في صحتها، وهذا هو مقتضى عدم اعتماد البخاري لها، فلم يبوب عليها. والحكم بالخطأ أو الشذوذ في الحديث يكفي فيه غلبة الظن إذا انقدح في ذهن الناقد ذلك، كما هو معلوم. وبعد، فهذه النماذج -إضافة إلى ما ذكره الشيخ المعلمي- إنما هي أُطروحات ربما تَفتح بابَ النظر في "صحيح البخاري" على أساس محاولة فهم تصرفات البخاري في أبوابه وما يحتج فيها من الأحاديث، وما هو على شرطه في الباب الذي يخرج فيه الحديث، وما يخرج في غير بابه. ولعل هذا يدفع عن البخاري -ومسلم- بعض الانتقاد الذي أُخذ عليهما في إخراج بعض الأحاديث، إذا لوحظ تصرفهما في إخراجها.

ولا يخفى أن مثل هذا النظر لا يتهيأ لغير أهل الصنعة الذين قد وُضع هذا "الصحيح" من أجل نظرهم وبحثهم -رزقنا اللَّه فَهْمَهُم- والأمر يحتاج إلى تحصيل الملكات الخاصة بهذا الشأن، مع شيء من التأمل المجرد، والنية الخالصة - وهبنا اللَّه إياها. واللَّه تعالى من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل. * * *

الأمر الثالث الأحاديث المنتقدة على "الصحيحين"

الأمر الثالث الأحاديث المنتقدة على "الصحيحين" لخَّص العلامة المعلمي حال تلك الأحاديث، فقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 9): "في كل منهما -يعني "الصحيحين"- أحاديثُ يسيرة، انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس، ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد (¬1)، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر". اهـ. وقال في (ص 258): "قد ساقها الحافظ ابن حجر -يعني الأحاديث المنتقدة على البخاري- في مقدمة "الفتح" (¬2)، وبين حالها، ومن تدبر ذلك علم أن الأمر فيها هيِّنٌ، ليس فيه ما يحطُّ من قدر البخاري و"صحيحه"". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) راجع الأمرين السابقين. (¬2) في الفصل الثامن منها (ص 364).

الأمر الرابع ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم

الأمر الرابع ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم ذكر الشيخ المعلمي في "عمارة القبور" ص (154) أن: "ما علقه البخاري بصيغة الجزم، قد قالوا إنه محمول على أنه صَحَّ لديه في الجملة، أي: إما على شرطه، وإما على شرط غيره على الأقل، وفي هذا إجمال؛ فإن من الأئمة الذين يصدق عليهم أنهم غيره، من يتساهل في التصحيح. ومع هذا فقد يصحح أحدهم لمن يكذبه غيره، فلابد من النظر في رجال السند". وأكده في ص (157) بقوله: "ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم، لا يغني ذلك عن النظر في سنده". وقد أعل المعلمي في هذين الموضعين أثرين علقهما البخاري بصيغة الجزم. * ففيه (ص 153 - 156): "البخاري في "صحيحه" تعليقا: "لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سَنَة، ثم رُفعت، فسمعت صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا". قال المعلمي: علقه البخاري بصيغة الجزم، وقد قالوا: إن ما كان كذلك فهو محمول على أنه صح لديه في الجملة، أي: إما على شرطه وإما على شرط غيره على الأقل، وفي هذا إجمال؛ فإن من الأئمة الذين يصدق عليهم أنهم غيره، من يتساهل في التصحيح.

ومع هذا فقد يصحح أحدهم لمن يكذبه غيره، فلابد من النظر في رجال السند. وقد راجعنا "فتح الباري" فذكر فيه ما لفظه: (3/ 161). "أي: الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط، كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهاني عنه". وفي كتاب ابن أبي الدنيا في "القبور" من طريق المغيرة بن مقسم قال: "لما مات الحسن بن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطًا، فأقامت عليه سنة، فذكر بنحوه". ولا ندري ما حال السندين إلا أن المغيرة بن مقسم كان أعمى ومدلسا. وقد ذكر البخاري هذه القصة في (باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور). قال في "الفتح": "ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو عن الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة. وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه؛ تعليلا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألفوف من الأُنس، ومكابرة للحس .. فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا .. الخ". أقول: تعقبه بعضهم بأن الظاهر أنها إنما ضربت الخيمة للاجتماع لقراءة القرآن، وهذا مع كونه ممنوعًا -أيضًا- مردود بقول الهاتفين: "هل وجدوا ما فقدوا، بل يئسوا فانقلبوا". فالقصة فيها زِراية على زوجة الحسن، وهي كما في الفتخ، فاطمة بنت الحسين بن علي، بل وعلى أهل البيت الموجودين حينئذ كلهم. فالذي عندي أن هذه القصة لا تصح؛ فإن أهل البيت أعلم بالله وأكمل عقولا، وأثبت قلوبًا، من أن يقع لهم مثل هذه القصة. وفي الحديث: "لعن زوارات القبور"، أي: المكثرات لزيارتها، وضرب الخيمة على القبر، والإقامة فيها سَنَة، أبلغ من إكثار الزيارة وأهل البيت أَولى من ينزه عن ذلك.

هذا مع علمنا أن مثل هذا لا تقوم به حجة، بل القصة بنفسها في ذكر كلام الهاتفين تدل على قبح ذلك الصنع، ولكن رأينا حقا علينا الذب عن أهل البيت. اهـ. * وفيه أيضًا (ص 157): البخاري في "صحيحه" تعليقًا -أيضًا- في (باب: الجريد على القبر): وقال خارجه بن زيد: رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان -رضي الله عنه- وإن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يُجاوزه. قال في "الفتح": "وقد وصله المصنف في "التاريخ الصغير"، من طريق ابن إسحاق". أقول: قال في "التاريخ الصغير" ص (23) طبعة إله آباد: "وحدثنا عمرو بن محمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: سمعت خارجة بن زيد بن ثابت: رأيتني ونحن غلمان شبان زمن عثمان، وأن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه". وقد مر قريبًا الكلام على ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم، وأنه لا يغني ذلك عن النظر في سنده، وقد عُلم هاهنا سنده. فأقول: شيخ ابن إسحاق لم أر له ترجمة وابن إسحاق كما تقدم في حديث فضالة أنه قال الذهبي: "ما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئًا". ولا نعلم أحدًا تابعه في هذا الأثر، ولا ثَم قرينة تدل على حفظه، ينجبر بها تفرده، ففي الأثر نكارة. بل على القول بأنه يُفهم منه رفع القبر فوق الشبر شذوذ، إذ المعروف المشهور أن القبور لم تكن ترفع في ذلك العصر.

بل نفس قبر عثمان بن مظعون ورد "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع حجرًا، وقال: أعلم به قبر أخي". وأسلفنا أن ذلك يدل أنه لم يرفع عن وجه الأرض. ومع ذلك فيبعد جدا أن يخرج الشبان من أولاد الصحابة يتواثبون على قبر رجل من أفاضل السابقين، بحيث أنه لا يجاوز القبر إلا أشدهم وثبة، وغالبهم تقع وثبته على القبر، مع أن بجواره من قبور أبناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبر إبراهيم وغيره. نعم، قد كان بعض الصحابة والتابعن، ومنهم خارجة لا يرون بأسًا بالجلوس على القبور، ولكن أين الجلوس من التوثب، وقد كان أبناء الصحابة بغاية التمسك بالآداب الشرعية، ولا سيما مثل خارجة بن زيد. اهـ. * * *

الأمر الخامس رواية البخاري من حفظه

الأمر الخامس رواية البخاري من حفظه حكى الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 85) ما وقع في حديث "الصلاة في بني قريظة" عند البخاري بلفظ: "لا يصلين أحدكم العصر إلا ... " وعند غيره: "لا يصلين أحدكم الظهر إلا ... " مع اتحاد المخرج، فقال رحمه الله: في "الفتح": إن الذي عند أهل المغازي: "العصر" وكذلك جاء من حديث عائشة، ومن حديث كعب بن مالك، ورواه جويرية بن أسماء، عن نافع، عن ابن عمر، فقال أبو حفص السلمي، عن جويرية: "العصر"، وقال أبو غسان، عن جويرية: "الظهر". ورواه عبد اللَّه بن محمد بن أسماء عن جويرية، فقال البخاري عنه: "العصر"، وقال مسلم وغيره عنه: "الظهر". فذكر ابنُ حجر احتمالين: حاصل الأول: أن جويرية قال مرة "العصر" كما رواه عنه أبو حفص السلمي، ومرة "الظهر" كما رواه عنه أبو غسان، وكتبه عبد اللَّه بن محمد بن أسماء، عن جويرية على الوجهين، فسمعه البخاري من عبد اللَّه على أحدهما، ومسلم وغيره على الآخر. وكأن البخاري راجع عبد اللَّه في ذلك، ففتش عبد الله أصولَه، فوجد الوجه الذي فيه "العصر" فأخذ به البخاري لعلمه أنه الصواب. الاحتمال الثاني: أن يكون البخاري إنما سمعه من عبد اللَّه بلفظ: "الظهر" ولم يكتبه البخاري إلا بعد مدة من حفظه فقال: "العصر" أخطأ لفظ شيخه وأصاب الواقع.

أما ما ذُكر أن البخاري كان يحفظ ثم يكتب من حفظه، فإن صح ذلك، فهذا "صحيحه" فيه آلاف الأحاديث، وقلَّ حديث منها إلا وقد رواه جماعةٌ غيره عن شيخه وعن شيخ شيخه، وقد تتبع ذلك المستخرجون عليه وشرَّاحُه، فإذا لم يقع له خطأ إلا هذا الموضع -على فرض أنه أخطأ- كان هذا من أدفع الحجج لتشكيك أبي رية. اهـ. * * *

الأمر السادس فيما ذكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه

الأمر السادس فيما ذكر أن البخاري مات قبل أن يبيض كتابه نقل العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 257)، عن أبي رية قولَه: يظهر أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه، فقد ذكر ابن حجر في مقدمة "فتح الباري" أن أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفِرَبْرِيّ، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يُثبت بعدها شيئًا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول أن رواية أبي إسحاق المستملي ورواية ... (¬1) مختلفة بالتقديم والتأخير، مع أنهم انتسخوا من أصلٍ واحد، وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرفٍ (¬2) أو رقعةٍ مضافة أنه من موضع ما أضافه (¬3) إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث. اهـ. فعلَّق العلامة المعلمي بقوله: أقول: قول أبي رية: قبل أن يبيض، يوهم احتمال أن يكون في النسخة ما لم يكن البخاري مطمئنًّا إليه على عادة المصنفين؛ يستعجل أحدهم في التسويد على أن يعود فينقح، وهذا باطل هنا. ¬

_ (¬1) هكذا اختصره المعلمي، وتمامه: "ورواية أبي محمد السرخسي، ورواية أبي الهيثم الكشمهيني، ورواية أبي زيد المروزي". (¬2) هكذا في "الأنوار" وفي المقدمة: "طرة"، ومثله في كتاب الباجي "التعديل والتجريح" (1/ 311) وهو الصحيح. (¬3) هكذا في "الأنوار" وفى المقدمة وكتاب الباجي: "فأضاف".

فإن البخاري حدَّث بتلك النسخة وسمع الناس منه منها، وأخذوا لأنفسهم نسخًا في حياته، فثبت بذلك أنه مطمئن إلى جميع ما أثبته فيها، لكن ترك مواضع بياضًا، رجاء أن يضيفها فيما بعد، فلم يتفق ذلك. وهي ثلاثة أنواع: الأول: أن يثبت الترجمة وحديثًا أو أكثر، ثم يترك بياضًا لحديث كان يفكر في زيادته، وأخَّر ذلك لسببٍ ما، ككونه كان يحب إثباته كما هو في أصله ولم يتيسر له الظفر به حينئذ. الثاني: أن يكون في ذهنه حديثٌ يرى إفراده بترجمة فيثبت الترجمة ويؤخر إثبات الحديث لنحو ما مرَّ. الثالث: أن يثبت الحديث ويترك قبله بياضًا للترجمة؛ لأنه يُعنى جدًّا بالتراجم ويضمنها اختياره، وينبه فيها على معنًى خفي في الحديث، أو حمله على معنى خاص، أو نحو ذلك، فإذا كان مترددًا ترك بياضًا ليتمه حين يستقر رأيه. وليس في شيء من ذلك ما يوهم احتمال خلل فيما أثبته. فأما التقديم والتأخير فالاستقراء يبين أنه لم يقع إلا في الأبواب والتراجم؛ يتقدم أحدُ البابين في نسخةٍ ويتأخر في أخرى، وتقع الترجمة قبل هذا الحديث في نسخة وتتأخر عنه في أخرى، فيلتحق بالترجمة السابقة، ولم يقع من ذلك ما يمسُّ سياقَ الأحاديث بضرر. وفي مقدمة "الفتح" بعد العبارة السابقة: "قلت: وهذه قاعدة حسنة يُفزع إليها حيث يتعسر وجه الجمع بين الترجمة والحديث، وهي مواضع قليلة جدًّا" اهـ. * * *

المبحث الثاني: منهج البخاري في غير "الصحيحين"

المبحث الثاني: منهج البخاري في غير "الصحيحين" يشتمل الكلام في هذا المبحث على منهج البخاري في رجال غير "الصحيح". أولًا: شيوخه: (1) ترجم الشيخ المعلمي في "التنكيل" لأحمد بن عبد اللَّه بن حكيم أبي عبد الرحمن الفرياناني المروزي، رقم (23)، وقد قال هو في تعليقه على "الفوائد المجموعة" (ص 71): "تالف"، ثم قال (ص 354): "البخاري لا يمتنع في غير "الصحيح" عن الرواية عن الضعفاء؛ فقد روى عن أبي نعيم النخعي وهو كذاب، وعن الفرياناني وهو كذاب أيضًا". كذا جزم المعلمي بكذبه مع أنه مال في "التنكيل" إلى أنه لم يجد ما تحصل به نسبته إلى ذلك، وأنه -مع ضعفه في الرواية- كان صدوقًا في الأصل. وللفرياناني ترجمة في قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (53)، فراجعها. والذي يُعنينا هنا هو بحث الشيخ المعلمي في "التنكيل" في مقتضى رواية البخاري عن الرجل. قال رحمه الله: "قال الذهبي في "الميزان": وقد رأيت البخاري يروي عن الفرياناني في كتاب "الضعفاء". أقول: في باب الإمام ينهض بالركعتين من "جامع الترمذي": قال محمد بن إسماعيل البخاري: ابن أبي ليلى هو صدوق، ولا أروي عنه شيئًا؛ لأنه لا يدرى صحيح حديثه من سقيمه وكُلُّ من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا.

والبخاري لم يدرك ابن أبي ليلى، فقوله: "لا أروي عنه" أي بواسطة. وقوله: "وكل من كان مثل هذا فلا أروي عنه شيئًا". يتناول الرواية بواسطة وبلا واسطة، وإذا لم يرو عمن كان كذلك بواسطة، فلأن لا يروي عنه بلا واسطة أولى؛ لأن المعروف عن أكثر المتحفظين أنهم إنما يتقون الرواية عن الضعفاء بلا واسطة، وكثيرًا ما يروون عن متقدمي الضعفاء بواسطة. وهذه الحكاية تقتضي أن يكون البخاري لم يَرو عن أحدٍ إلا وهو يَرى أنه يمكنه تمييز صحيح حديثه من سقيمه، وهذا يقتضي أن يكون الراوي على الأقل صدوقًا في الأصل؛ فإن الكذاب لا يمكن أن يُعرف صحيح حديثه. فإن قيل: قد يُعرف بموافقته الثقات. قلت: قد لا يكون سمع، وإنما سرق من بعض أولئك الثقات. ولو اعتدَّ البخاري بموافقة الثقات لروى عن ابن أبي ليلى، ولم يقل فيه تلك الكلمة؛ فإن ابن أبي ليلى عند البخاري وغيره صدوق، وقد وافق الثقات في كثير من أحاديثه، ولكنه عند البخاري: كثير الغلط، بحيث لا يؤمن غلطه حتى فيما وافق عليه الثقات. وقريب منه من عُرف بقبول التلقين؛ فإنه قد يلقَّنُ من أحاديثِ شيوخه ما حدثوا به، ولكنه لم يسمعه منهم. وهكذا: مَنْ يحدث على التوهم، فإنه قد يسمع من أقرانه عن شيوخه، ثم يتوهم أنه سمعها من شيوخه، فيرويها عنهم. فمقصود البخاري من معرفة صحيح حديث الراوي من [سقيمه] (¬1) لا يحصل بمجرد موافقة الثقات، وإنما يحصل بأحد أمرين: ¬

_ (¬1) في "التنكيل": شيوخه، كذا، وهو وهم.

- إما أن يكون الراوي ثقةً ثبتًا، فيُعرف صحيح حديثه بتحديثه. - وإما أن يكون صدوقًا يغلط، ولكن يمكن معرفة ما لم يغلط فيه بطريق أخرى؛ كأن يكون له أصول جيِّدة؛ وكأن يكون غلطه خاصًا بجهةٍ؛ كيحيى بن عبد اللَّه بن بكير روى عنه البخاري، وقال في "التاريخ الصغير": "ما روى يحيى بن عبد اللَّه بن بكير عن أهل الحجاز في التاريخ فإني أتقيه" (¬1)، ونحو ذلك. فإن قيل: قضية الحكاية المذكورة أن يكون البخاري التزم أن لا يروي إلا ما هو عنده صحيح؛ فإنه إن كان يروي ما لا يرى صحته، فأيُّ فائدة في تركه الرواية عمن لا يدري صحيح حديثه من سقيمه؟! لكن كيف تصح هذه القضية مع أن في كتب البخاري غير "الصحيح" أحاديث غير صحيحة، وكثير منها يَحكم هو نفسه بعدم صحتها؟! قلت: أما ما نبَّه على عدم صحته فالخطب فيه سهل؛ وذلك بأن يُحمل كونه لا يروي ما لا يصح على الرواية بقصد التحديث أو الاحتجاج، فلا يشمل ذلك ما يذكره ليبين عدم صحته ويبقى النظر فيما عدا ذلك. وقد يقال: إنه إذا رأى أن الراوي لا يعرف صحيح حديثه من سقيمه تركه البتة؛ ليعرف الناس ضعفه مطلقًا، وإذا رأى أنه يمكن معرفة صحيح حديثه من سقيمه في باب دون باب ترك الرواية عنه في الباب الذي لا يعرف فيه كما في: يحيى بن بكير. وأما غير ذلك فإنه يروي ما عرف صحته وما قاربه أو أشبهه مبينًا الواقع بالقول والحال. والله أعلم. ¬

_ (¬1) عن تهذيب ابن حجر (11/ 238)، ومقدمة "الفتح" له (ص 475)، وقال هناك: "فهذا يدلك على أنه ينتقي حديث شيوخه، ولهذا ما أخرج عنه عن مالك سوى خمسة أحاديث مشهورة متابعة، ومعظم ما أخرج عنه عن الليث ... ". وسبق التعرض لروايته في الصحيح.

(2) وترجم المعلمي في "التنكيل" أيضًا لضرار بن صرد رقم (112)، وقد روى عنه البخاري في غير "الصحيح" قال: أما ضرار فروى عنه أبو زرعة أيضًا، وقال البخاري والنسائي: "متروك الحديث". لكن البخاري روى عنه، وهُو لا يروي إلا عن ثقة كما صرح به الشيخ تقي الدين بن تيمية، ومَرَّ النظر في ذلك في ترجمة أحمد بن عبد الله أبي عبد الرحمن الفرياناني. والظاهر: التوسلى وهو أن البخاري لا يروي إلا عمن هو صدوق في الأصل يتميز صحيح حديثه من سقيمه كما صرح به في رواية الترمذي عنه. فقوله في ضرار: "متروك الحديث" محمول على أنه كثير الخطأ والوهم، ولا ينافي ذلك أن يكون صدوقًا في الأصل يمكن لمثل البخاري تمييز بعض حديثه. اهـ. وانظر ترجمة ضرار من القسم الأول؛ فإنها أتم مما هنا، واكتفيت هنا بموضع الحاجة منها، والله الموفق. (3) وترجم الشيخ لإسماعيل بن عرعرة بن البرند رقم (51)، وقد روى عنه البخاري في "التاريخ الصغير" قال: سمعت إسماعيل بن عرعرة يقول: قال أبو حنيفة ... فقال الكوثري: "بين إسماعيل وبين أبي حنيفة انقطاع، وإسماعيل هذا مجهول الصفة، لم يذكره أحد من أصحاب التواريخ التي اطلعنا عليها، حتى البخاري ... نعم له ذكر في كتاب "السنة" لعبد اللَّه بن أحمد في (ص 27، 154) بما يدل أنه بصري، معاصر لعباس بن عبد العظيم العنبري، وليس في هذا أدنى غَناء بعد أن عُلم أنه لم يرو أحد من أصحاب الأصول الستة عن ابن عرعرة هذا".

ثانيا: غير شيوخه

فقال الشيخ المعلمي في "إكمال ابن ماكولا": (برند) أن لعرعرة (¬1) بن البرند البصري ابنًا اسمه: إسماعيل. وعرعرة ولد سنة (110)، ومات سنة (193)، فلا مانع أن يكون له ابنٌ أدرك أبا حنيفة ثم عاش حتمًا حتى أدركه البخاري. وقد مَرَّ في ترجمة أحمد بن عبد اللَّه أبو عبد الرحمن أن البخاري لا يروي إلا عن صدوقٍ يتميز صحيح حديثه من سقيمه وقد يكون الرجل ثقةً مقلا من الرواية إنما يروي قليلا من الحكايات فلا يَعتني به أهل التواريخ، ولا يُحتاج إليه في الأمهات الست". اهـ. (4) وترجم لعبد اللَّه بن أُبَيٍّ الخوارزمي القاضي رقم (117)، وفيها نحو ما سبق في ترجمة إسماعيل بن عرعرة، فانظرها في مكانها من التراجم من هذا الكتاب. (5) ومثله في ترجمة إبراهيم بن شماس رقم (6). ثانيًا: غير شيوخه: قال الشيخ المعلمي في ترجمة القاسم بن محمد بن حميد المعمري من "التنكيل" رقم (180): "وأخرج البخاري قصة ذبح "الجعد بن إبراهيم" من طريقه في كتاب "خلق أفعال العباد"، ورواية البخاري من طريقه تقويه كما مرّ في ترجمة أحمد بن عبد اللَّه أبو عبد الرحمن". اهـ. ¬

_ (¬1) في المطبوع من "التنكيل": عروة وهو خطأ من الطبع، وانظر "الإكمال" (1/ 252).

المبحث الثالث: البخاري وكتابه "التاريخ الكبير"

المبحث الثالث: البخاري وكتابه "التاريخ الكبير" فيه مطلبان: المطلب الأول: طريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير"، ومنهجه في تصنيفه، والجواب المجمل عن الأوهام التي أوردها الرازيان ومن بعدهما الخطيب عليه فيه. المطلب الثاني: إشارة البخاري أحيانًا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته من "التاريخ". * * *

المطلب الأول طريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير" ومنهجه في تصنيفه والجواب المجمل على ما أخذ عليه فيه

المطلب الأول طريقة البخاري في إخراج كتابه "التاريخ الكبير" ومنهجه في تصنيفه والجواب المجمل على ما أُخذ عليه فيه أشار إلى ذلك الشيخ المعلمي في مقدمة كتاب "موضح أوهام الجمع والتفريق"، فقال (ص 10): "من اللطائف أن تاريخ البخاري مُثَلَّثٌ من ثلاث جهات: الأولى: في مقدمة "فتح الباري" عنه: "لو نشر بعض أستاذي هؤلاء لم يفهموا كيف صنفت التاريخ"، ثم قال: "صنفته ثلاث مرات". ومعنى هذا أنه بدأ فقيد التراجم بغير ترتيب، ثم كَرَّ عليها فرتبها على الحروف، ثم عاد فرتب تراجم كل حرف على الأسماء: باب: إبراهيم، باب: إسماعيل ... إلخ. هذا هو الذي التزمه، ويزيد في الأسماء التي تكثر مثل: محمد وإبراهيم، فيرتب تراجم كل اسم على ترتيب الحروف الأوائل لأسماء الآباء ونحوها. الجهة الثانية: في مقدمة "الفتح" أيضًا عنه: "صنفت جميع كتبي ثلاث مرات". يعني والله أعلم أنه يصنف الكتاب ويخرجه للناس، ثم يأخذ يزيد في نسخته ويصلح، ثم يخرجه مرة ثانية، ثم يعود يزيد ويصلح، حتى يخرجه الثالثة، وهذا ثابت للتاريخ كما يأتي. الجهة الثالثة: أن له ثلاثة تواريخ: الكبير، والصغير، والأوسط.

ومعرفة الجهتين الأوليين نافعة: أما الثانية، فإن ما تقدم من كلام أبي زرعة وصالح بن محمد الحافظ، وما جمعه ابن أبي حاتم من المآخذ على البخاري كان بالنظر إلى النسخة التي أخرجها البخاري أولا، وبهذا يتضح السبب فيما ذكره الخطيب معترضا على ابن أبي حاتم، قال: "وحكى عنه -أي عن البخاري- في ذلك الكتاب أشياء [على الغلط] هي مدونة في تاريخه على الصواب بخلاف الحكاية عنه". فكلام ابن أبي حاتم كان بحسب النسخة التي أخرجها أولا، وكلام الخطيب بالنظر إلى النسخة التي أخرجها البخاري ثانيا، وهي رواية أبي أحمد محمد بن سليمان ابن فارس الدلال النيسابوري المتوفى سنة 312 ... (¬1). في رواية ابن فارس هذه مواضع على الخطأ، وهي في رواية محمد بن سهل بن كردي عن البخاري على الصواب، انظر "الموضح"، الأوهام: 7، 9، 13 من أوهام البخاري مع تعليقي. فظهر أن رواية ابن فارس مما أخرجه البخاري ثانيا؛ ورواية ابن سهل مما أخرجه ثالثا". وأستطردُ هنا في النقل عن الشيخ المعلمي بما له تعلق بهذه الجهة فأقول: ¬

_ (¬1) وذكر المعلمي في حاشية "الموضح" (1/ 51) قضية استدل بها على أن: "البخاري أخرج التاريخ قديما، وأن رواية ابن فارس مما أخرجه قبل سنة 224 ". وذكر كذلك في حاشية (ص 166): "أن ابن فارس إنما قرأ على البخاري من التاريخ إلى باب: فضيل". وما بعد ذلك فبالإجازة وقد نَبَّه الشيخُ المعلمي في حاشية "الموضح" (1/ 167) (1/ 174 - 175) (1/ 196) (1/ 198) وغيرها، على ما وقع لابن فارس من الخطأ من جَرَّاءِ أَخْذِهِ ذلك القَدْر بالإجازة بينما وقع لابن سهل على الصواب؛ لأنه أخذه سماعا، فراجعه إن شئت.

قال المعلمي في مقدمة تحقيقه لكتاب "بيان خطأ محمد بن إسماعيل البخاري في تاريخه" لابن أبي حاتم الرازي: "موضوع الكتاب على التحديد بيانُ ما وقع من خطأ أو شبهه في النسخة التي وقف عليها الرازيان من "تاريخ البخاري"، والشواهد تقضي أن أبا زرعة استقرأ تلك النسخة من أولها إلى آخرها، ونبه على ما رآه خطأ أو شبهه مع بيان الصواب عنده، وترك بياضا في مواضع، ثم تلاه أبو حاتم، فوافقه تارة وخالفه أخرى، واستدرك مواضع. وإذ كان البخاري والرازيان من أكابرِ أئمةِ الحديث والرواية وأوسعِهم حفظًا، وأثقبِهم فهمًا، وأسدّهم نظرًا، فمن فائدة هذا الكتاب أنَّ كُلَّ ما في التاريخ مما لم يعترضْهُ الرازيان فهو على ظاهره من الصحة بإجماعهم، ومثلُه -بَلْ أَوْلىَ- ما ذكرا أنه الصواب وحكيا عن التاريخ خلافَه والموجود في نسخ التاريخ ما صَوَّباه. ومن فائدته بالنظر إلى المواضع التي هي في نسخ التاريخ على ما حكياه وذكرا أنه خطأ: معرفةُ الخلاف؛ ليجتهد الناظرُ في معرفة الصواب، وكثيرٌ من ذلك لم ينبه عليه في الجرح والتعديل ولا غيره فيما علمتُ. النظر في تعقبات الرازييْن: وجدتُ المواضعَ المتعقَّبَةَ على أضربٍ: الأول: ما هو في التاريخ على ما صوَّبَهُ الرازيان، لا على ما حكياه عنه وخَطَّآهُ، وهذا كثيرٌ جدًّا، لعله أكثر من النصف، وقد ذكرتُ في مقدمة "الموضح" أن البخاري أخرج التاريخ ثلاث مرات، وفي كل مرة يزيد وينقص ويصلح، واستظهرتُ أن النسخة التي وقعت للرازييْن كانت مما أخرجه البخاري لأول مرة، وهذا صحيح، ولكني بعد الاطلاع على هذا الكتاب علمت أنه لا يكفي لتعليل ما

وقع فيه من هذا الضرب لكثرته، ولأن كثيرًا منه يبعد جدًّا أن يقع من البخاري بعضه فضلًا عن كثيرٍ منه، وتبين لي أن معظم التبعة في هذا الضرب على تلك النسخة التي وقعت للرازيين، وعلى هذا فوق ما تقدم شاهدان: الأول: أن الخطيب ذكر في "الموضح" (ج 1 ص 7) هذا الكتاب ثم قال: "وقد حكى عنه في ذلك الكتاب أشياء هي مدونة في تاريخه على الصواب بخلاف الحكاية عنه" وقد وقف الخطيب على عدة نسخ من التاريخ مختلفة الأسانيد إلى البخاري. والثاني: أن أبا حاتم -وهو زميل أبي زرعة، ولابد أن يكون قد اطلع على تلك النسخة، وعرف حالها- يقول في مواضعَ كثيرة من هذا الكتاب: "وإنما هو غلط من الكاتب"، أو نحو هذا، راجع رقم 10، 31، 42، 66، 89، 210، 229، 230، 239، 404، 460، 472، 609، يعني أن الخطأ فيها ليس من البخاري ولا ممن فوقه، وإنما هو من كاتب تلك النسخة التي حكى عنها أبو زرعة، وثَمَّ مواضع أكثر مما ذكره الحملُ فيها على الكاتب أوضحُ. قد يُعترض هذا بما في أولِ هذا الكتاب عن أبي زرعة: "حَمل إليَّ الفضلُ بنُ العباس المعروف بالصائغ كتابَ "التاريخِ"، ذكر أنه كتبه من كتاب محمد بن إسماعيل البخاري، فوجدت فيه ... " والفضل بن العباس الصائغ حافظٌ كبيرٌ يبعد أن يخطىءَ في النقل ذاك الخطأ الكثير، وقد ذكر أنه كتب من كتاب البخاري، والظاهر أنه يريد به نسخة البخاري التي تحت يده والأوْجُهُ التي تُحملُ التبعةُ على تلك النسخة توجب أحدَ أمرين: الأول: أن يكون الفضل بن العباس حين نَقل النسخة لما يستحكم علمه، وقد تكون نسخة البخاري حين نقل منها لا تزال مسودة، فنقل ولم يسمع ولا عرض ولا قابل.

الثاني: أن تكون كلمة "كتاب محمد بن إسماعيل" في عبارة أبي زرعة لا تعني نسخة البخاري التي تحت يده، وإنما تعني مُؤَلَّفَهُ الذي هو التاريخ، وتكون النسخةُ التي نقل منها الصائغُ نسخةً لبعضِ الطلبة غير محررة، وإنما نُقلت عن نسخةٍ أخرى، مع جهل الكاتب، ولم يسمع ولا عرض ولا قابل. الضرب الثاني: ما اختلفت فيه نسخ التاريخ، ففي بعضها كما حكاه أبو زرعة وخَطَّأَهُ، وفي بعضها كما ذكر أنه الصواب، والأمر في هذا محتمل، وموافقة بعض النسخ للنسخة التي وقف عليها أبو زرعة لا تكفي لتصحيح النسبة إلى البخاري، ولاسيما ما يكثر فيه تصحيف النساخ؛ كاسم: "سعر" يتوارد النساخ على كتابته: "سعد". الثالث: ما وقع في الموضع الذي أحال عليه أبو زرعة كما حكاه، وفي موضع آخر من التاريخ على ما صَوَّبَهُ، وهذا قريب من الذي قبله، لكن إذا حكى البخاري كلًّا من القولين من وجهٍ غير وجه الآخر، فالخلاف من فوق. وقد يذكر البخاري مثل هذا ويرجح تصريحًا أو إيماء، وقد يسكت عن الترجيح، ولا يعد هذا خطأ، والبخاري معروف بشدة التثبت. الرابع: ما هو في التاريخ على ما حكاه أبو زرعة وخَطَّأَهُ، ولا يوجد فيه كما صوبه، والأمر في هذا أيضًا محتمل، ولاسيما في المواضع التي تنفرد نسخة واحدة من التاريخ، وفي المواضع التي يغلب فيها تصحيف النساخ، وما صحت نسبته إلى البخاري من هذا، فالغالب أنه كذلك سمعه، فإن كان خطأ فالخطأ ممن قبله، وما كان منه يكون أمره هينًا، كالنسبة إلى الجد، فإن أبا زرعة يعدها في جملة الخطأ، وقد دفع ذلك أبو حاتم في بعض المواضع - راجع رقم 36، 92، وقد يكون الصواب مع البخاري وأخطأ أبو زرعة في تخطئته، وقد قضى أبو حاتم بذلك في مواضع، منها ما هو مصرح به في هذا الكتاب، ومنها ما يعلم من الجرح والتعديل - راجع رقم (11، 32، 33، 44، 49).

وبالجملة، فقد استقرأتُ خمسين موضعًا من أول الكتاب، فوجدته يتجه نسبة الخطأ إلى أبي زرعة في هذه المواضع الخمسة، ولا يتجه نسبة الخطأ على البخاري نفسه إلا في موضع واحد، هو رقم 25، ذكر رجلا ممن أدركه، سماه محمدا، وقال الرازيان وغيرهما: اسمه أحمد. حكم الخطأ هنا: من الناس من عرف طرفا من علم الرواية ولم يحققه، فسمع أن كثرة خطأ الراوي تخدش في ثقته، فإذا رأى هنا نسبة الخطأ إلى البخاري أو أبي زرعة، تَوَّهَمَ أن هذا الخطأ من جنس ذاك، ومن الناس من يعرف الحقيقة ولكنه يتجاهلها لهوًى له، والحقيقة هي أن غالب الخطأ الذي تتجه نسبته إلى البخاري نفسه أو إلى أبي زرعة إنما هو من الخطأ الاجتهادي الذي يوقع فيه اشتباهُ الحال وخفاء الدليل، وما قد يكون في ذلك مما يسوغ أن يعد خطأ في الرواية، فهو أمر هين لا يسلم من مثله أحد من الأئمة، وعلى كل حالٍ فليس هو بالخطأ الخادش في الثقة". اهـ. ثم أستكمل نقل كلام الشيخ المعلمي في مقدمة "الموضح"، إذ يقول: "وأما الجهة الأصلى فيتعلق بها اصطلاحات للبخاري: الأول: أنه حيث يرتب الأسماء الكثيرة بحسب أوائل أسماء الآباء يتوسع، فيعد كل لفظ يقع بعد: "فلان بن" بمنزلة اسم الأب، ويزيد على ذلك فيمن لم يذكر أبوه، فيعد اللفظ الواقع بعد الاسم كاسم الأب، فمن ذلك: "عيسى الزرقي"، ذكره فيمن اسمه: عيسى، وأول اسم أبيه: زاي، وهكذا: "مسلم (¬1) الخياط" فيمن اسمه: "مسلم" وأول اسم أبيه: خاء. ¬

_ (¬1) في الموضع المشار إليه من المقدمة: "أسلم" وهو خطأ، راجع: "التاريخ الكبير" (7/ 260).

الثاني: أنه إذا عرف اسم الرجل على وجهين، يقتضي الترتيب وضعه بحسب أحدهما في موضع، وبحسب الآخر في آخر ترجمة في الموضعين. فمن ذلك شيخه: محمد بن إسحاق الكرماني، يعرف أيضًا بـ: محمد بن أبي يعقوب، ذكره في موضعين من المحمدين، فقال في المجلد الأول رقم 66: "محمد بن إسحاق هو ابن أبي يعقوب الكرماني مات سنة 224 " وقال في رقم 858: "محمد بن أبي يعقوب أبو عبد اللَّه الكرماني ... ". ومن ذلك: عبد اللَّه بن أبي صالح ذكوان، يقال لعبد اللَّه: "عباد"، فذكره البخاري في باب: "عبد اللَّه" وفي باب: "عباد". وكلامه في الموضعين وفي ترجمة صالح بن أبي صالح ذكوان صريح في أنه لم يلتبس عليه. ... فهذا هو اصطلاحه ... وصنيعُ البخاري على كُلِّ حالٍ ليس بوهم، ولكن الخطيب يَعُدُّ هذه أوهاما، انظر "الموضح": الوهم 2، 42، 55 من أوهام البخاري، ولم يكتفِ بذلك، بل فضل هذه المواضع بمزيد من التشنيع، وتشنيعُه عائدٌ عليه كما لا يخفى (¬1). ¬

_ (¬1) من ذلك قول الخطيب في الوهم العشرين (1/ 75): "وقد وهم البخاري ... وأخطأ خطأ قبيحا ... "، فقال المعلمي في الحاشية: "لم يكن للخطيب بحالٍ أن يَزِلَّ قلمُه بهذه الكلمة، فكيف ولم يقع من البخاري وهمٌ ولا خطأ، وإنما الخطأ من نسخة الخطيب، ثم منه ... ". ويقول الخطيب في الوهم الخامس والخمسين: " ... وهذا أطرف الأشياء من البخاري ... والخطأُ في فِعله هذا ظاهرٌ، يُغني عن الإسهاب فيه، والله يغفر لنا وله". فأجاب الشيخ المعلمي عمَّا زعمه الخطيب وهما، ثم قال: "والأمر في ذلك ظاهر، فلا وَهْمَ البتة، ولا ما يُسَوِّغُ أن يقال فيه: أطرف الأشياء ... خطأ ظاهر، غفر الله للجميع". اهـ. وقد رَدَّ الشيخُ المعلمي إلى الخطيب قولَهُ: "وهذا أطرف الأشياء" مشيرا إلى أن الخطيب قد وضعها =

الاصطلاح الثالث: (وقد نبهت عليه في تعليقاتي على التاريخ 2/ 1 / 269 رقم 1001) وهو: أن البخاري إذا وجد من وُصِفَ بوصفين، وكان محتملا أن يكون واحدا وأن يكون اثنين، فإنه يَعقدُ ترجمتين، فإن لم يمنعه مقتضى الترتيب الذي التزمه من قَرْنهما قَرَنَهُما؛ كي يسهل فيما بَعْدُ جعلُهما ترجمة واحدة إذا تبين له، أو الإشارة القريبة البينة إذا قوي ذلك ولم يتحقق، كأن يزيد في الثانية: "أُراه الأول". ولما جرت عادتُه بهذا، صار القَرْنُ في مواضع الاحتمال كالإشارة إليه والتنبيه عليه. أما إذا لم يسمح مقتضى الترتيب بالقرن فإنه يضع كلا من الترجمتين في موضعهما، ويشير إشارة أخرى، وقد يكتفي بظهور الحال، انظر "الموضح": 6، 12، 14، 15، 38، 55 من أوهام البخاري. وكثير من المواضع التي لم يقض فيها دليل الخطيب على أحد الاحتمالين غير كافٍ للجزم بحسب تحري البخاري وتثبته، وما كان كافيا للجزم، فلا يليق أن يسمى توقف البخاري وهما. هذا وللبخاري: ولوعٌ بالاجتزاء بالتلويح عن التصريح، كما جرى عليه في مواضع من "جامعه الصحيح"؛ حرصا منه على رياضة الطالب، واجتذابا له إلى التنبه والتيقظ والتفهم. ¬

_ = هنا في غير موضعها؛ ففي الوهم التاسع والستين، وقع في نسخة الخطيب من "التاريخ" خطأ في اسم رجل وقع في إسنادٍ سيق في ترجمة رجل آخر، وقد ذكر الخطيب أنه وقع على الصواب في الترجمة الأصلية لذاك الآخر، ومع ذلك قال (1/ 206): "وقول البخاري ... وهم"، فقال الشيخ المعلمي: "يحمل خطأ نسخته في هذا الموضع على البخاري ... وهذا أطرف الأشياء من الخطيب، [الـ] كلمة التي وضعها غير موضعها في الوهم 55 ". اهـ.

قدمت هذا الفصل هنا لأحيل عليه في التعليقات كما ستراه، وترى بقية الأجوبة عن أكثر القضايا التي سماها الخطيب أوهاما. ومما يجب التنبه له أن المزي وابن حجر وغيرهما قد يقلدون الخطيب، ويذكرون أن البخاري وهم، ولا يبينون شيئا مما بينته ولا يذكرون ما استدل به الخطيب. فمن الواجب على كل من يريد التحقيق في علوم الحديث تحصيلُ هذا الكتاب؛ ليتبينَ له الحالُ في تلك المواضع وغيرها، مع الوقوف على الأدلة، وما لها وما عليها، ويَعرف ما يتعلق بهذا الفن الخاص؛ ليُحَصِّلَ فوائدَهُ التي تقدمت الإشارةُ إليها، مع فوائدَ أخرى جزيلة لهذا الكتاب، واللَّه الموفق". اهـ. وفي حاشية "الموضح" (1/ 26) قال الشيخ المعلمي: "نُسخةُ الخطيب كما بَيَّنَهُ في صَدْرِ هذه الأوهام ترجع إلى رواية ابن فارس، وهي متقدمة عن نسخة ابن سهل، فنسخة ابن سهل هي المعتمدة عند الاختلاف، واللَّه الموفق". اهـ. يشير الشيخ المعلمي إلى قول الخطيب عند ذكر أول وَهَمٍ: "فمن أوهام البخاري في الجمع والتفريق أنه قال في تاريخه الكبير الذي يرويه عنه أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس الدلال النيسابوري ... ". لكن يقول الشيخ المعلمي في تلك الحاشية (1/ 33): " ... وهذا مما يدل على أن رواية ابن سهل هي المتأخرة، وقد كانت عند الخطيب نسخة منها، سينقل عنها فيما يأتي، فلا أدري لماذا لم يلتزم مراجعتها في جميع المواضع". يشير الشيخ المعلمي إلى ما ذكره الخطيب في الوهم الثامن عشر والوهم السابع والثلاثين من "الموضح".

المطلب الثاني إشارة البخاري أحيانا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته من "التاريخ"

المطلب الثاني إشارة البخاري أحيانًا إلى حال الرجل بإخراج شيء من حديثه في ترجمته من "التاريخ" (1) في "الفوائد" (ص 179): حديثٌ في فضل التمر البرني، له طرق واهية، منها ما في إسناده عقبة بن عبد اللَّه الأصم الرفاعي البصري، قال ابن حبان: عقبة بن عبد اللَّه الأصم ينفرد بالمناكير عن المشاهير. قال السيوطي: "روى له الترمذي، وقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، والبيهقي في "الشعب"، وصحَّحه المقدسي. وأخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في الطب، والحاكم في "المستدرك" فالحكم بوضعه مجازفة". فقال الشيخ المعلمي: "بل المجازفة في هذا الكلام؛ فإن ألفاظ الخبر مختلفة، ومنها ما ينادي على نفسه بالوضع، وإخراج البخاري في "التاريخ" لا يفيد الخبر شيئا، بل يضره؛ فإن من شأن البخاري أن لا يخرج الخبر في "التاريخ" إلا ليدل على وَهَن راويه. وتصحيح المقدسي لرواية عقبة الأصم مع ضعفه، وتدليسه، وتفرده، وإنكار المتن مردود عليه. أما حديث أبي سعيد ففي سنده من لا يُعرف، ولم يصححه الحاكم، وإنما قال: "أخرجناه شاهدًا". اهـ.

في "الفوائد" (ص 350) حديث أسماء بنت عميس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُوحَى إليه ورأسُه في حِجْرِ عَلِيٍّ، فلم يُصَلِّ العصر حتى غربت الشمس ... " وهو حديث ردّ الشمس لعلي ليدرك صلاة العصر. فَوَهَّنَهُ الشيخ المعلمي وحكى استنكار أكثر أهل العلم له، وبيَّن وجوه هذا الاستنكار. ذكر مِنْ طُرقه: ما رواه فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن (¬1)، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت عميس. وقيل: عن فضيل عن إبراهيم عن فاطمة بنت علي عن أسماء. وقال الشيخ المعلمي في التعليق على هذا الإسناد: "إبراهيم لا يكاد يُعرف بالرواية، إنما يذكر عنه هذا الخبر، وخبرٌ آخر رواه عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ مرفوعًا: "يظهر في آخر الزمان قومٌ يُسَمَّوْن الرافضة، يرفضون الإسلام" أُخرج في "زوائد مسند" أحمد، الحديث (808)، وذكره البخاري في "التاريخ" في ترجمة إبراهيم (¬2)، وفي ذلك إشارة إلى أن الحمل فيه عليه، وذكره الذهبي في "الضعفاء" (¬3). وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" كأنه بنى على أن هذين الخبرين لا يثبتان عنه فبقي عنده على أصل العدالة بحسب قاعدته". اهـ. ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أخو عبد الله بن الحسن الهاشمي. (¬2) (1 / ت 897). (¬3) "ديوان الضعفاء" (ص 9)، وهو مترجم أيضًا في "اللسان" (1/ 47)، و"تعجيل المنفعة" (1/ 256) وغيرهما.

المبحث الرابع: اصطلاح البخاري في بعض عبارات الجرح

المبحث الرابع: اصطلاح البخاري في بعض عبارات الجرح أولاً: قوله: "فيه نظر"، "سكتوا عنه"، "منكر الحديث": قال الشيخ المعلمي في ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني (42): "ذكروا أن البخاري يقول: "فيه نظر"، أو"سكتوا عنه" فيمن هو عنده ضعيف جدًّا، قال السخاوي في "فتح المغيث" (ص 161): "وكثيرًا ما يعبر البخاري بهاتين ... فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير: إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها" ولم يقل البخاري في الحنيني: "فيه نظر" إنما قال: "في حديثه نظر" وبينهما فرق؛ فقوله: "فيه نظر" تقتضي الطعن في صدقه، وقوله: "في حديثه نظر" تشعر بأنه صالح في نفسه، وإنما الخلل في حديثه لغفلةٍ أو سوءِ حفظٍ ... والمقصود هنا أن الحنيني كان صالحا في نفسه، وقد سقنا شواهد ذلك، فأما حديثه فكلمة البخاري تقتضي أنه مطرح لا يصلح حتى للاعتبار ... ". اهـ. المعلمى. قال أبو أنس: أزيد هنا فأقول: • قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (12/ 439): "وقال بكر بن منير: سمعت أبا عبد الله البخاري يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا. قلت: صدق رحمه الله، ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس، وإنصافه فيمن يضعفه؛ فإنه أكثر ما يقول: "منكر الحديث"، "سكتوا عنه"، "فيه نظر" ونحو هذا، وقَلَّ أن يقول: "فلان كذاب"، أو "كان يضع الحديث"،

حتى إنه قال: إذا قلت: "فلان في حديثه نظر" فهو مُتَّهَمٌ واهٍ (¬1)، وهذا معنى قوله: لا يحاسبني اللَّه أني اغتبت أحدا، وهذا هو واللَّه غاية الورع". اهـ. • وقال في ترجمة: عبد اللَّه بن داود الواسطي التمار من "الميزان" (4296): "وقد قال البخاري: فيه نظر، ولا يقول هذا إلا فيمن يتهمه غالبا". اهـ. • وفي ترجمة: إبراهيم بن يزيد الخوزي من "الكامل" لابن عدي (1/ 226): "سمعت محمد بن أحمد بن حماد -يعني الدولابي- يقول: قال محمد بن إسماعيل -يعني البخاري: إبراهيم بن يزيد أبو إسماعيل الخوزي المكي، سكتوا عنه يروي عن عمرو بن دينار. قال ابن حماد: يعني سكتوا عنه: تركوه". اهـ. • وقال المزي في ترجمة: عبد الكريم بن أبي المخارق من "تهذيب الكمال" (18/ 265): "قال الحافظ أبو محمد عبد اللَّه بن أحمد بن سعيد بن يربوع الإشبيلي: بَيَّنَ مسلمٌ جَرْحَهُ في صَدْر كتابه، وأما البخاري فلم يُنَبِّهْ من أمره على شيء، فدل أنه عنده على الاحتمال؛ لأنه قد قال في "التاريخ": كل من لم أُبَيِّنْ فيه جُرْحَةً فهو على الاحتمال، وإذا قلت: "فيه نظر" فلا يحتمل". اهـ. وقد أهمل ابن حجر هذا النقل في "تهذيب التهذيب" (6/ 379)، ونقله العراقي في "البيان والتوضيح" (ص 144). لكن في "تهذيب التهذيب" (6/ 290) نقل ابن حجر في ترجمة: عبد الرحمن بن هانىء أبي نعيم النخعي، قولَ البخاري فيه: "فيه نظر، وهو في الأصل صدوق"، فتعرض الشيخ المعلمي لهذه العبارة في "التنكيل" (1/ 288) بقوله: "وكلمة: "فيه ¬

_ (¬1) هكذا لم يفرق الذهبي بين قول البخاري: "فيه نظر" و"في حديثه نظر".

ثانيا: قوله: "لم يصح حديثه"، "في إسناده نظر"، "يتكلمون في إسناده"

نظر" معدودة من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، لكن تعقيبه هنا بقوله: "وهو في الأصل صدوق" يخفف من وطأتها". اهـ. قال أبو أنس: تُنظر ترجمة أبي نعيم هذا في قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (450)، والأكثر على ضعفه، لكن روى عنه البخاري في "التاريخ" كما قال المزي. ثانيا: قوله: "لم يصح حديثه"، "في إسناده نظر"، "يتكلمون في إسناده": • في "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم (2/ 345) ترجمة الأخنس، روى عن ابن مسعود، روى عنه ابنه بكير بن الأخنس. قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي ينكر على من أخرج اسمه في كتاب "الضعفاء" ويقول: لا أعلم روى عن الأخنس إلا ما روى أبو جناب يحيى بن أبي حية الكوفي، عن بكير بن الأخنس، عن أبيه. فإن كان أبو جناب لين الحديث، فما ذنب الأخنس والد بكير؟ وبكير ثقة عند أهل العلم! فعلق الشيخ المعلمي على هذه الترجمة في حاشية الجرح بقوله: "الذي ذكره في "الضعفاء": البخاري قال -كما في "الضعفاء الصغير": (لم يصح حديثه)، وفي هذا تنبيه على أن الحمل على غيره، وكذلك ذكر البخاري في "الضعفاء": هند بن أبي هالة، وهو صحابي، وقال: (يتكلمون في إسناده)، فهذا اصطلاح البخاري يذكر في "الضعفاء" من ليس له إلا حديث واحد لا يصح على معنى أن الرواية عنه ضعيفة، ولا مشاحة في الاصطلاح". هذا آخر ما وقع اختياره مما يتعلق بالبخاري في هذا الموضع من ترجمته، وفيه أمور أخرى تأتي في ثنايا القسم الآتي من هذا الكتاب، والله تعالى الموفق. * * *

مسلم بن الحجاج

مسلم بن الحجاج (ت 261 هـ)

تنقسم النكت المتعلقة بمسلم رحمه الله تعالى في "صحيحه" إلى سبعة مطالب: المطلب الاول: منهجه في انتقاء رجال "صحيحه" وكيفية إخراجه لأحاديثهم، أو شرطه في رجال "صحيحه". المطلب الثاني: الرواة المتكلم فيهم داخل "صحيحه". المطلب الثالث: هل مجرد عدم إخراج مسلم للرجل في "الصحيح" يقتضي ضعفه أو لينه عنده؟ المطلب الرابع: هل عدم إخراج مسلم للرجل في الأصول يقتضي أنه لا يحتج به عنده؟ المطلب الخامس: الأحاديث المنتقدة داخل "الصحيح". المطلب السادس: منهج مسلم في عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين. المطلب السابع: منهج مسلم في ترتيب أحاديث الباب. * * * أما الخمسة الأُول فتراجع نظائرها في ترجمة الإمام البخاري السابقة، فهما يشركان في أصل تلك المباحث، وقد ألممنا بشيء منها، ويأتي شيءآخر أثناء عرض المطلب الآتي. وأما المطلب السادس فقد عرضتُه بشيء من التوسع في المبحث الخاص بشرط الاتصال من القسم الثالث من هذا الكتاب، أوردتُّ كلام العلامة المعلمي في هذا الصدد، وأتبعتُه ببعض الملاحظات والتعقبات على ذلك، ثم زدتُّ فصلا في ذِكر

مُجمل النِّكات التي ظهرت لي في هذه القضية، وذلك من خلال جواب وضعته على كتاب "إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين" للدكتور/ حاتم العوني. أما هنا فأتناول المطلب الأخير، وهو المتعلق بمنهج مسلم في ترتيب أحاديث الباب. وبالله تعالى التوفيق، ومنه أستمد العون. * * *

المطلب السابع منهج مسلم في ترتيب روايات الحديث في الباب الواحد

المطلب السابع منهج مسلم في ترتيب روايات الحديث في الباب الواحد • تناول الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 28 - 29) قصة تأبير النخل، فقال: "أخرج مسلم في "صحيحه" من حديث طلحة قال: "مررت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوم على رءوس النخل. فقال: ما يصنع هؤلاء؟ فقالوا: يلقحونه؛ يجعلون الذَّكَرَ في الأنثى فيلقح. فقال رسول اللَّه -صلى الله عليه وسلم-: ما أظن يغني ذلك شيئًا. قال: فأخبروا بذلك فتركوه. فأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك فقال: إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإني إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن اللَّه شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على اللَّه عز وجل". ثم أخرجه عن رافع بن خديج وفيه: "فقال: لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا، فتركوه فنقضت ... فقال: إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. قال عكرمة: أو نحو هذا". ثم أخرجه عن حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وعن ثابت، عن أنس ... وفيه: "فقال: لو لم تفعلوا لصلح". وقال في آخره: "أنتم أعلم بأمر دنياكم". عادة مسلم أن يرتب روايات الحديث بحسب قوَّتها: يقدم الأصح فالأصح. قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث طلحة: "ما أظن يغني ذلك شيئًا إخبار عن ظنه، وكذلك كان ظنه، فالخبر صدق قطعًا، وخطأ الظن ليس كذبًا وفي معناه قوله في حديث رافع: "لعلكم ... " وذلك كما أشار إليه مسلم أصح مما في رواية حماد؛ لأن حمادًا كان يخطىء.

وقوله في حديث طلحة: "فإني لن أكذب على اللَّه" فيه دليل على امتناع أن يكذب على الله خطأ؛ لأن السياق في احتمال الخطأ، وامتناعه عمدًا معلوم من باب أولى، بل كان معلومًا عندهم قطعًا". اهـ. • وقال الشيخ في "التنكيل" (2/ 257 - 258) في باب تنزيه الأنبياء عن الكذب: "فأما الخطأ فلا ريب أن الأنبياء قد يخطىء ظنهم في أمور الدنيا، وأنهم يحتاجون إلى الإخبار (¬1) بحسب ظنهم إذا احتاجوا إلى ذلك فإنما يخبر أحدهم بأنه يظن وذلك -كما تقدم- صدق حتى على فرض خطأ الظن. فمن ذلك ما جاء في قصة تأبير النخل؛ نشأ النبي -صلى الله عليه وسلم- بمكة وليست بأرض نخل، ورأى عامة الأشجار تثمر ويصلح ثمرها بغير تلقيح، فلا غرو ظنَّ أن الشجر كلها كذلك، فلما ورد المدينة مرَّ على قوم يؤبرون نخلا فسأل فأخبروه فقال: "ما أظن يغني ذلك شيئًا"، وفي رواية: "لعلكم لو لم تفعلوا كان خيرًا". فتركوه فلم يصلح فبلغه صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه؛ فإني إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن اللَّه شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على اللَّه". وفي رواية: لا إنما أنا بشر، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر. أو كما قال". أخرج مسلم الرواية الأولى من حديث طلحة بن عبيد الله، والثانية من حديث رافع بن خديج، ثم أخرج من طريق حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة وعن ثابت، عن أنس: القصة مختصرة وفيها: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لو لم تفعلوا لصلح". وحماد على فضله كان يخطىء فالصواب ما في الروايتين الأوليين. ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "الأخبار" بفتح الهمزة، وهو خطأ.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به؛ فإني لن أكذب على الله"، و"إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به" واضح الدلالة على عصمته -صلى الله عليه وسلم- من الكذب خطًا فيما يخبر به عن الله وفي أمر الدين. اهـ. قال أبو أنس: قضية ترتيب مسلم روايات الحديث بحسب القوة قد تعرض لها مسلم في مقدمة "صحيحه"، نورد نصه في ذلك، ثم نعرج على كلام أهل العلم حيال كلامه هناك، ثم نذكر طرفا مما وقفنا عليه من الفوائد المتعلقة بهذه القضية. قال الإمام مسلم: في مقدمة "صحيحه" (ص 4): " ... ثم إنا -إن شاء الله- مبتدئون في تخريج ما سألتَ وتأليفِه على شريطةٍ سوف أذكرها لك، وهو أنا نعمد إلى جملةِ ما أُسند من الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فنقسمها على ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس، على غير تكرار، إلا أن يأتي موضعٌ لا يُستغنى فيه عن ترداد حديثٍ فيه زيادةُ معنًى، أو إسنادٌ يقع إلى جنب إسناد، لِعلةٍ تكون هناك؛ لأن المعنى الزائد في الحديث المحتاج إليه يقوم مقام حديثٍ تام، فلابد من إعادة الحديث الذي فيه ما وصفنا من الزيادة، أو أن يفصل ذلك المعنى من جملة الحديث على اختصاره إذا أمكن، ولكن تفصيله ربما عَسُر من جملته، فإعادته بهيئته إذا ضاق ذلك أسلمُ، فأما ما وجدنا بدا من إعادته بجملته من غير حاجة منا إليه فلا نتولى فعله إن شاء الله. فأما القسمُ الأول فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى من أن يكون ناقلوها أهلَ استقامةٍ في الحديث وإتقانٍ لما نقلوا، لم يوجد في روايتهم اختلافٌ شديد، ولا تخليطٌ فاحش، كما قد عُثر فيه على كثير من المحدثين، وبان ذلك في حديثهم.

فإذا نحن تقصَّينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم -وإن كانوا فيما وصفنا دونهم- فإن اسم الستر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سليم، وأضرابهم من حُمَّال الآثار، ونُقَّال الأخبار -فهم وإن كانوا بما وصفنا من العلم والستر عند أهل العلم معروفين- فغيرهم من أقرانهم ممن عندهم ما ذكرنا من الإتقان والاستقامة في الرواية يفضلونهم في الحال والمرتبة؛ لأن هذا عند أهل العلم درجة رفيعة، وخصلة سنية. ألا ترى أنك إذا وازنتَ هؤلاء الثلاثة الذين سميناهم: عطاء، ويزيد، وليثا بـ: منصور بن المعتمر، وسليمان الأعمش، وإسماعيل بن أبي خالد في إتقان الحديث والاستقامة فيه، وجدتَّهم مباينين لهم لا يدانونهم، لا شك عند أهل العلم بالحديث في ذلك للذي استفاض عندهم من صحة حفظ منصور، والأعمش، وإسماعيل، وإتقانهم لحديثهم، وأنهم لم يَعرفوا مثل ذلك من عطاء، ويزيد، وليث. وفي مثل مَجْرى هؤلاء إذا وازنتَ بين الأقران، كابن عون وأيوب السختياني مع عوف بن أبي جميلة وأشعث الحمراني، وهما صاحبا الحسن وابن سيرين، كما أن ابن عون وأيوب صاحباهما، إلا أن البَوْن بينهما وبين هذين بعيدٌ في كمال الفضل وصحة النقل، وإن كان عوف وأشعث غير مدفوعين عن صدق وأمانة عند أهل العلم، ولكن الحال ما وصفنا من المنزلة عند أهل العلم. وإنما مَثَّلْنا هؤلاء في التسمية ليكون تمثيلُهم سمةً يصدر عن فهمها من غَبِيَ عليه طريقُ أهل العلم في ترتيب أهله فيه فلا يقصر بالرجل العالي القدر عن درجته، ولا يرفع متضع القدر في العلم فوق منزلته، ويعطى كل ذى حق فيه حقه وينزل منزلته.

وقد ذُكر عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ننزل الناس منازلهم" مع ما نطق به القرآن من قول الله تعالى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}. فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه نؤلف ما سألتَ من الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم، كعبد الله بن مسور أبي جعفر المدائني، وعمرو بن خالد، وعبد القدوس الشامي، ومحمد بن سعيد المصلوب، وغياث بن إبراهيم، وسليمان بن عمرو أبي داود النخعي، وأشباههم ممن اتهم بوضع الأحاديث وتوليد الأخبار. وكذلك من الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضًا عن حديثهم. وعلامة المنكر في حديث المحدث: إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا خالفتْ روايتُه روايتهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك كان مهجورَ الحديث، غيرَ مقبولِه ولا مستعملِه. فمن هذا الضرب من المحدثين: عبد الله بن محرر، ويحيى بن أبي أنيسة، والجراح ابن المنهال أبو العطوف، وعباد بن كثير، وحسين بن عبد الله بن ضميرة، وعُمر بن صُهبان، ومَن نحا نحوهم في رواية المنكر من الحديث، فلسنا نعرج على حديثهم ولا نتشاغل به؛ لأن حُكم أهل العلم والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئا ليس عند أصحابه قُبلت زيادته.

فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنن لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروى عنهما، أو عن أحدهما العدد من الحديث مما لا يعرفه أحد من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في "الصحيح" مما عندهم، فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم. قد شرحنا من مذهب الحديث وأهله بعض ما يتوجه به من أراد سبيل القوم ووفق لها، وسنزيد إن شاء الله تعالى شرحا وإيضاحا في مواضع من الكتاب عند ذكر الأخبار المعللة إذا أتينا عليها في الأماكن التي يليق بها الشرح والإيضاح إن شاء الله تعالى". انتهى كلام الإمام مسلم. قال أبو أنس: قد فهم الحاكم من قول مسلم في مقدمته ما يلي: "أنه يفرد لكل طبقة كتابا، ويأتي باحاديثها خاصة مفردة، وأن المنية اخترمته قبل إخراج القسم الثاني، وأنه إنما ذكر القسم الأول". ووافقه تلميذه الحافظ البيهقي (¬1). وناقشه القاضي عياض: فقال: "هذا الذي تأوله أبو عبد الله الحاكم على مُسْلم من اخترام المنية قبل استيفاء غرضه مما قَبِلَهُ الشيوخ، وتابعه عليه الناسُ في أنه لم يُكْمِلْ غرضه إلا من الطبقة الأولى، ولا أدخل في تأليفه سواها". ¬

_ (¬1) نقله القاضي في شرحه لـ "صحيح" مسلم. "الإكمال" (1/ 19 / 1).

وأنا أقول: إن هذا غير مُسَلَّم لمن حقَّق نظره، ولم يتقيد بتقليد ما سمعه، فإنك إذا نظرتَ تقسيمَ مُسْلم في كتابه الحديثَ كما قال على ثلاث طبقات من الناس، فذكر أن القسمَ الأولَ حديثُ الحفاظ، ثم قال بأنه إذا تقصَّى هذا أَتْبَعَهُ بأحاديث من لم يوصف بالحذق والإتقان مع كونهم من أهل الستر والصدق وتعاطي العلم، وذكر أنهم لاحقون بالطبقة الأولى، وسمَّى أسماء من كل طبقة من الطبقتن المذكورتين، ثم أشار إلى ترك حديث من أجمع أو اتفق الأكثر على تهمته، وبقي من اتهمهم بعضُهم وصححه بعضهم فلم يذكره هنا. ووجدته: قد ذكر في أبواب كتابه وتصنيفِ أحاديثه حديثَ الطبقتين الأوليين التي ذكر في أبوابه، وجاء بأسانيد الطبقة الثانية التي سماها وحديثها، كما جاء بالأولى، على طريق الإِتْباع لأحاديث الأولى والاستشهاد بها، أو حيث لم يجد في الكتاب للأولى شيئا، وذكر أقواما تكلم قوم فيهم وزكَّاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري. فعندى أنه قد أَتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذَكر ورتَّب في كتابه وبيَّنَهُ في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه (¬1)، فتأوَّل الحاكمُ أنه إنما أراد أن يُفرد لكل طبقة كتابا، ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه وبأن من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريقة الاستشهاد والإتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد الطبقات الثلاث من الناس الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها (¬2) والله أعلم بمراده. ¬

_ (¬1) مسلم إنما قسَّم الرواة ثلاثة أقسام وثلاث طبقات، وطرح أحاديث الثالثة، هذا ما صرَّح به. (¬2) هذا هو الأقرب، والله تعالى أعلم.

وكذلك أيضًا عِلَل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها: قد جاء بها في مواضعها من الأبواب؛ من اختلافهم في الأسانيد، والإرسال والإسناد، والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه وإدخاله في كتابه كما وعد به. وقد فاوضتُ في تأويلي هذا ورأيي فيه مَن يفهم هذا الباب، فما وجدت منصفا إلا صوَّبه وبأن له ما ذكرتُ، وهو ظاهرٌ لمن تأمَّل الكتابَ وطالع مجموعَ الأبواب، والله الموفق للصواب. ولا يعترض على هذا ما نقلتُ عن ابن سفيان من أن مسلما خرج بثلاث كتب، فإنك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك إن شاء الله". اهـ. ثم قال -شارحا لقول مسلم: "وسنزيد إن شاء الله شرحا وإيضاحا ... "-: "قيل: هذا الكلام الذي وعد به ليس منه شيء في الكتاب، وأنه مما اخترمته المنية قبل جمعه، إذ ما أدخله في كتابه من "الصحيح" المتفق عليه ليس يحتاج إلى شيء من الكلام عليه؛ لعلو رتبته، وقلة غلط رواته؛ وحفظهم وإتقانهم، وقد قدمنا الكلام عليه، وأنه قد ذكره في أبواب". اهـ. كلام القاضي. وقد نقل النووي في شرح "صحيح" مسلم عن القاضي قوله في بعض أحاديث "الصحيح": "هذا الإسناد من الأحاديث المعللة في كتاب مسلم التي يبين مسلم علتها كما في خطبته، وذكر الاختلاف فيه" (4/ 26). وفي موضع آخر عنه: "هذا وشبهه من العلل التي وعد مسلم في خطبة كتابه أنه يذكرها في موضعها، فظن ظانون أنه يأتي بها مفردة، وأنه تُوفي قبل ذِكرها، والصواب أنه ذكرها في تضاعيف كتابه كما أوضحناه في أول هذا الشرح" (11/ 81).

قال أبو أنس: قد تبع الحاكمَ في قوله: تلميذُهُ البيهقي، وتبع القاضي جماعةٌ من المحققين؛ كابن الصلاح والنووي. وفي المسألة نقل كثير، نطويه هنا، ويحتاج البتُّ فيها إلى استقراء صحيح مسلم، مع دراسة أسانيده ومتونه، ومحاولة فهم طريقته في سرد الأحاديث، مع استحضار الأحوال التفصيلية للرواة، وعرض أحاديثه على نظر النقاد؛ ليتبينَ الحالُ. ولابد حينئذ من استخراج النماذج التي تقضي لأحد الرأْيَيْن، بحيادٍ تام وموضوعية، بعيدا عن التعصب لقولٍ دون الآخر، وقد أثارت هذه القضية جدلا في هذا العصر. وهذه مناسبةٌ حسنةٌ لعرض بعض ما وقفتُ عليه حيال ذلك، أسأل الله تعالى التوفيق والسداد. ونُذَكِّرُ بأن محور الخلاف في هذه القضية قديما وحديثا يكمن في سؤالين: 1 - هل خرج مسلم هذه الأقسام من الحديث وتلك الطبقات من الرواة (¬1) في كتابه "الصحيح" الذي بين أيدينا، أم ليس فيه إلا القسم الأول والطبقة الأولى؟ 2 - هل يحتوي كتاب "الصحيح" لمسلم على أخبار مُعلَّة ذكرها مسلم على سبيل الشرح والإيضاح منه، كما قال هو، أم أنه أيضا لم يُقدَّر له ذلك في هذا الكتاب، واخترمته المنية كما قال الحاكم؟ وكما هو معلوم، فإنه لا يلزم من وجود الأخبار المعلَّة أن يكون في أسانيدها أحدٌ من أهل الطبقة الثانية. ¬

_ (¬1) البحث في الطبقتين الأوليين أما الثالثة وهي من اتهموا أو غلب عليهم المنكر، فقد صرح بأنه لم يتشاغل بإخراجها.

ويمكن تقسيم النماذج الآتية بحسب قوة وضوحها إلى أنواع: الأول: ما وقفتُ لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها. الثاني: ما نبَّهَ مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة. الثالث: ما يورد فيه مسلمٌ الحديثَ أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريقٍ أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يُعرض عن متنها. الرابع: ما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى. الخامس: ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك. * * *

النوع الأول ما وقفت فيه لمسلم فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها

النوع الأول ما وقفتُ فيه لمسلمٍ فيه على كلام خارج "الصحيح"، وهو أعلاها نموذج (1) في باب: مواقيت الحج والعمرة (ص 838): أخرج مسلم ثلاثة أحاديث: الأول: حديث طاوس عن ابن عباس (1181/ 11، 12): وقَّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل المدينة: ذا الحُليفة، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، ولأهل اليمن يَلَمْلَم ... أخرجه من طريق حماد بن زيد، عن عمرو بن دينار، ووهيب عن عبد الله بن طاوس -كلاهما: مفرقين- عن ابن عباس بذلك. الثاني: حديث ابن عمر (1182/ 13 - 15) من طريق مالك عن نافع، والزهري عن سالم، وعبد الله بن دينار، ثلاثتهم -مفرقين- عن ابن عمر مرفوعا، بالثلاثة مواقيت الأولى في حديث ابن عباس، ويقول في الرابعة: بلغني، وفي رواية: وذُكر لي ولم أسمع، وفي أخرى: وزعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم أسمع ذلك منه، وفي آخرها: وأخْبِرتُ أنه قال: ويهل أهل اليمن من يلملم. الثالث: حديث روح بن عبادة ومحمد بن بكر البرساني -فرقهما- عن ابن جريج قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله يُسْأَلُ عن المُهَلّ؟ فقال: سمعت. في رواية روح: ثم انتهى فقال: أُرَاه، يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية محمد بن بكر: أحسبه رفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. واتفقا، فقال: مُهَلُّ أهل المدينة من ذي الحليفة، والطريق الآخر الجحفة، ومُهَلُّ أهل العراق من ذات عرق، ومُهَلُّ أهل نجد من قرن، ومُهَلُّ أهل اليمن من يلملم. اهـ.

أقول: في الحديث الثالث زيادةٌ ليست في واحدٍ من الحديثين الأولين، ألا وهي: ميقات أهل العراق، وفي كلا الطريقين عن ابن جريج عن أبي الزبير شكٌ في رفع هذا الحديث إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، والشَّك عِلَّةٌ تقدح في الحديث. ومقتضى صنيع مسلم في تأخيره لهذه الرواية أنه لا يرى الرفع فيها محفوظا، وذلك أن الثابت في توقيت ذات عرق لأهل العراق إنما صنعه عمر -رضي الله عنه-، ولم يكن على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل مشرق، كما قاله طاوس، من رواية ابن جريج، عن ابن طاوس، عن أبيه. قال الشافعي: "لا أحسبه إلا كما قال طاوس". "مسند" الشافعي (1/ 115). وأخرج البخاري (1531) من حديث عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: لما فُتح هذان المِصْران أَتَوْا عُمر، فقالوا: يا أمير المؤمنين إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حَدَّ لأهل نجد قرنا، وهو جَوْزٌ عن طريقنا، وإنا إن أردنا قرنا شقَّ علينا. قال: فانظروا حذوها من طريقكم. فحدَّ لهم ذات عرق. اهـ. والمراد بالمصران: الكوفة والبصرة. وقد أعلَّ مسلم كُلَّ ما جاء أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل العراق ذات عرق. ففي كتاب "التمييز" له ص (212) قال: "ذِكْر حديث منقول على الخطأ في الإسناد والمتن. حدثنا إسحاق، أنا عبد الرزاق، قال: سمعت مالكا يقول: وقَّت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأهل العراق قرنا. فقلت: من حدثك هذا يا أبا عبد الله؟ قال: أخبرنيه نافع، عن ابن عمر ... قال عبد الرزاق: وأخبرني بعض أهل المدينة أن مالكا بأخرة محاه من كتابه. قال مسلم: ذِكْر الروايات التي فيها بيان خطأ هذه الرواية عن عبد الرزاق.

ثنا يحيى بن يحيى، قال: قرأت على مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: يهل أهل المدينة من ذي الحليفة وأهل الشام من الجحفة، وأهل نجد من قرن، قال عبد الله: وبلغني أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ويهل أهل اليمن من يلملم. ثم سَرَدَ مسلمٌ طرق هذا الحديث عن ابن عمر، وابن عباس، وجابر، وعطاء مرسلا، وذكر ألفاظَ كُلِّ رجلٍ منهم بعد أن بين أن رواية عبد الرزاق عن مالك خطأ غير محفوظ، هكذا حكى راوي الكتاب عن مسلم. ثم قال مسلم: فأما الأحاديث التي ذكرناها من قَبْلُ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل العراق ذات عرق، فليس منها واحد يثبت (¬1). وذلك أن ابن جريج قال في حديث أبي الزبير عن جابر (¬2). فأما رواية المعافى بن عمران عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة، فليس بمستفيض عن المعافى، إنما روى هشام بن بهرام، وهو شيخ من الشيوخ، ولا يُقَرّ الحديث بمثله إذا تفرد (¬3). ¬

_ (¬1) قاله أيضًا ابن خزيمة في "صحيحه" (2592) وغيره. (¬2) هكذا وقع في المطبوع من "التمييز" والظاهر أنه سقط القَدْر الذي يدل على الشك في رفع هذا الحديث، على ما أوردناه سابقا، وقد أخرجه مسلم كما سلف، وهو آخر حديث في باب المواقيت عنده. وقد رواه عن أبي الزبير -بدون شك في رفعه- اثنان: إبراهيم بن يزيد الخوزي عند ابن ماجه (2915) وهو متروك، وابن لهيعة عند أحمد (3/ 336). ذكره البيهقي في "سننه الكبرى" (5/ 27) وقال: الصحيح رواية ابن جريج، ويحتمل أن يكون جابر سمع عمر بن الخطاب يقول ذلك في مهل أهل العراق. ثم استدل بما ثبت عن عمر أنه هو الذي وقت ذات عرق لأهل العراق، كما رواه البخاري. (¬3) لكن قد رواه النسائي من طريق محمد بن علي الموصلي عن المعافى بن عمران (5/ 94).

وأما حديث يزيد بن أبي زياد، عن محمد بن علي، عن ابن عباس: فيزيد هو ممن اتقى حديثه الناس، والاحتجاج بخبره إذا تفرد؛ للذي اعتبروا عليه من سوء الحفظ والمتون في رواياته التي يرويها. ومحمد بن علي لا يُعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه، أو رآه. وأما رواية جعفر، عن ميمون بن مهران، عن ابن عمر، فلم يُحْكِمْ حِفْظَهُ؛ لأن فيه: لأهل الطائف قرنا. وفي رواية سالم ونافع وابن دينار: ولأهل نجد قرنا، وميَّزوا في رواياتهم لأهل اليمن أن ابن عمر لم يسمع ذلك من النبي -صلى الله عليه وسلم-. وفي رواية ميمون: جعل لأهل المشرق ذات عرق. وسالم ونافع وابن دينار؛ كل واحد منهم أول بالصحيح عن ابن عمر من ميمون الذي لم يسمعه من ابن عمر. اهـ. قال أبو أنس: قد أعلَّ مسلمٌ كُلَّ الرواياتِ المشتملة على رفع توقيت ذات عرق لأهل العراق، وقد أخرج منها حديثا واحدا، اكتفى في إعلاله بوقوع الشك في رفعه من طريقين عن ابن جريج. قال النووي في شرح "صحيح مسلم" (8/ 81): "ذكر مسلم في الباب ثلاثة أحاديث، حديث ابن عباس أكملها؛ لأنه صرح فيه بنقله المواقيت الأربعة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلهذا ذكره مسلم في أول الباب، ثم حديث ابن عمر؛ لأنه لم يحفظ ميقات أهل اليمن، بل بلغه بلاغا، ثم حديث جابر؛ لأن أبا الزبير قال: "أحسب جابرا رفعه"، وهذا لا يقتضي ثبوته مرفوعا". اهـ. * * *

نموذج (2) في باب: من باع نخلا عليها ثمر

نموذج (2) في باب: من باع نخلا عليها ثمر (ص 1172): أورد مسلم حديث ابن عمر من طريقين عنه. بدأ برواية نافع (1543) (77 - 79) عن ابن عمر-من رواية مالك، وعبيد الله والليث، وأيوب، عن نافع- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من باع نخلا قد أُبِّرت فثمرتها للبائع إلا أن يشترط المبتاع" هذا لفظ مالك. ثم ثَنَّى برواية سالم (1543) (80) عن ابن عمر -من رواية الليث، وابن عيينة ويونس-مفرَّقين -: جميعا عن الزهري، عن سالم- مرفوعا، بنحو حديث نافع، وزاد: ومن ابتاع عبدا فمالُه للذي باعه، إلا أن يشرط المبتاع. قد اتفق نافع وسالم على رواية قصة النخل عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فرفعاها جميعا عن ابن عمر، واختلفا في قصة العبد؛ فرفعها سالم، ووقفها نافع، عن ابن عمر، عن عمر. هذا هو المحفوظ عنهما. لكن قد اكتفى مسلم بتصدير القَدْر المرفوع من حديث نافع، وهو أصح ما ورد في هذا الباب، ولم يختلف فيه. وأخَّر حديثَ سالم، على الرغم من اشتماله على زيادة، ولو كان قاصدا تصحيح قصتي النخل والعبد جميعا مرفوعتين لقدَّم روايةَ سالم؛ لأن اللفظَ التامَّ أَوْلَى. ومما يؤيد ذلك ويقويه أن مسلما قد سُئل عن اختلاف سالم ونافع في قصة العبد، فقال: القول ما قال نافع، وإن كان سالم أحفظ منه. أسنده البيهقي في "سننه الكبرى" (5/ 324)، وانظر "فتح الباري" (4/ 402) ومقدمته (ص 361) و"تهذيب السنن" لابن القيم (5/ 79).

وهذا قاض لهذا التوجيه بالصحة، والله تعالى الموفق. وهذا من الأحاديث التي اختلف فيها سالم ونافع عن ابن عمر، لكن قدَّم الحفاظ رواية نافع على الرغم من جلالة سالم وحفظه. وقد كانت رواية نافع -من رواية هؤلاء الكبار عنه- كافيةٌ في الباب، إلا أن مسلما أراد تدعيمَ روايته برواية سالم، لكن في قصة النخل، مشيرا في نفس الوقت إلى تقديم رواية نافع، كما سبق بيانه. وقد وافق مسلما على تقديم رواية نافع: النسائي في سننه، وجماعة من الحفاظ، كما قاله ابن القيم في "تهذيب السنن" (5/ 80). أما البخاري، ومِن قَبله الإمام أحمد، وجماعة من الحفاظ، كما قال ابن القيم، فقد قالوا: هُما جميعا صحيحان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني أن في حديث سالم زيادةً على حديث نافع، وهي مقبولة. أخرج البخاري (2379) حديث سالم بالقصتين، ثم قال: وعن مالك عن نافع عن ابن عمر عن عمر في العبد، وقد أخرج حديث نافع بقصة النخل في (2204) (2716). ونقل الترمذي عن البخاري في الجامع (1244) ترجيحَ قول سالم، ونقل عنه في العلل تصحيح الروايتين. * * *

نموذج (3) في أول كتاب القسامة

نموذج (3) في أول كتاب القسامة (ص 1291): ذكر مسلم (1669/ 1) حديث سهل بن أبي حثمة -ورافع بن خديج في بعض الطرق- قال: خرج عبد الله بن سهل بن زيد، ومحيصة بن مسعود بن زيد، حتى إذا كانا بخيبر، تفرقا في بعض ما هنالك، ثم إذا محيصة يجد عبد الله بن سهل قتيلا، فدفنه، ثم أقبل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو وحويصة بن مسعود وعبد الرحمن بن سهل ... فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أتحلفون خمسين يمينا فتستحقون صاحبكم -أو قاتلكم-؟ قالوا: وكيف نحلف ولم نشهد؟ قال: فتبرئكم يهود بخمسين يمينا؟، قالوا: وكيف نقبل أيمان قوم كفار؟ فلما رأى ذلك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعطى عَقْلَه. اهـ. وفي روايةٍ: فَوَداهُ مِنْ عنده. وفي أخرى: فعقله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِنْ عنده. أخرجه مسلم (1669/ 1 - 4) بنحو هذه الألفاظ من طريق جماعة من الحفاظ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بُشَيْر بن يسار، عن سهل بن أبي حثمة به. ثم أخرجه (1669/ 5) من طريق عبد الله من نمير: حدثنا سعيد بن عبيد حدثنا بشير بن يسار الأنصاري، عن سهل بن أبي حثمة الأنصاري، أنه أخبره أن نفرا منهم انطلقوا إلى خيبر، فتفرقوا فيها، فوجدوا أحدهم قتيلا. قال مسلم: وساق الحديث، وقال فيه: فكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يبطل دمه، فوداه مائة من إبل الصدقة. اهـ. أقول: يلاحظ أن مسلمًا اكتفى بقوله: وساق الحديث -يعني سعيد بن عبيد- ولم يذكر لفظه، وذلك لأنه قد شرح ما وقع فيه من الوهم لسعيد بن عبيد في كتابه "التمييز".

ففيه (ص 191): "مِنَ الحديث الذي نُقل على الوهم في متنه ولم يُحفظ". ثم ساق حديث سعيد بتمامه من نفس طريق "الصحيح". وفيه بعد قوله: فوجدوا أحدهم قتيلًا: "فقلنا للذين وجدناه عندهم: قتلتم صاحبنا. قالوا: ما قتلنا ولا علمنا. قال: تجيئون بالبيّنة على الذين تدعون عليهم؟ قالوا: ما لنا ببينة. قال: فيحلفون لكم. قالوا: لا نقبل أيمان يهود. فكره رسول الله ... ". ثم أشار إلى أنه قد رواه أبو نعيم أيضًا عن سعيد. ورواية أبي نعيم قد أخرجها البخاري في "الصحيح" (6898) وكذا النسائي وأبو داود. ثم قال مسلم: "هذا خبرٌ لم يحفظه سعيد بن عُبيد على صحته، ودخله الوهم حتى أغفل موضع حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جهته. وذلك أن في الخبر حُكم النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقسامة: أن يحلف المدَّعُون خمسين يمينا ويستحقون قاتلهم، فأبوا أن يحلفوا، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: تبرئكم يهود بخمسين يمينا، فلم يقبلوا أيمانهم، فعند ذلك أعطى النبي -صلى الله عليه وسلم- عَقْلَهُ. اهـ. ثم لخص مسلم طرق هذا الحديث عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بُشير بن يسار، بمثل ما ساقه في "الصحيح". وزاد طرقا أخرى، ثم قال: قد ذكرنا جملةً من أخبار أهل القسامة في الدم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكلها مذكور فيها سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- إياهم قسامة خمسين يمينا، وليس في شيء من أخبارهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سألهم البَيِّنة، إلا ما ذكر سعيد من عبيد في خبره، وترك سعيد القسامة في الخبر، فلم يذكره.

وتواطؤ هذه الأخبار التي ذكرناها بخلاف رواية سعيد يقضي على سعيد بالغلط والوهم في خبر القسامة. وغير مُشْكَلٍ على من عقل التمييز من الحفاظ من نَقَلَةِ الأخبار ومن ليس كمثلهم: أن يحيى بن سعيد أحفظ من سعيد بن عبيد، وأرفع منه شأنا في طريق العلم وأسبابه. فلو لم يكن إلا خلاف يحيى إياه حين اجتمعا في الرواية عن بُشير بن يسار، لكان الأمر واضحا في أن أَوْلاهما بالحفظ: يحيى بن سعيد، ودافعٌ لما خالفه. اهـ. ثم ذكر مسلم -استطرادا- وجوها أخرى للخلاف في متن هذا الحديث، فقال: "غير أن الرواة قد اختلفوا في موضعين من هذا الخبر سوى الموضع الذي خالف فيه سعيد، وهو أن بعضهم ذكر في روايته أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بدأ المدَّعِين بالقسامة، وتلك رواية بُشير بن يسار ومن وافقه عليه، وهو أصح الروايتين. وقال الآخرون: بل بدأ بالمدَّعَى عليهم. والموضع الآخر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وَداهُ مِنْ عنده، وهو ما قال بُشير في خبره، ومن تابعه. وقال فريق آخر: بل أغرم النبي -صلى الله عليه وسلم- يهودا الدية، وحديث بُشير -يعني: ابن يسار- في القسامة، أقوى الأحاديث فيها وأصحها. اهـ. قال أبو أنس: بهذا البيان البديع، والشرح الماتع، يتضح أن مسلما قد وفَّى بما وعد به في مقدمة "صحيحه"، وألزم نفسه به: أنه يبدأ بالأحاديث ذات الطرق والمتون الأسلم من العيوب وهي أقوى وأصح ما ورد عنده في الأبواب التي يعقدها في "صحيحه". وما يُؤخِّرُه ليس بهذه الصفة، وربما يشتمل مع ذلك على عِلَّةٍ أو وهمٍ لبعض الرواة، تتباين وسائلُ شرحه لها، وتنبيهه عليها بحسب كل موضع وما يليق به.

ولو عُثِر على كتاب "التمييز" كاملا، لأبان عن أكثر ما أودعه مسلم في تضاعيف كتابه "الصحيح" من الصناعة الحديثية التي يرتاب فيها أو يهابها كثير من الباحثين. وَرَأْيُ مسلمٍ في رواية سعيد بن عبيد واضحٌ من منطوق كلامه في "التمييز" أنه يراها وهما من سعيد، ومن مفهوم صنيعه في "الصحيح". وشرح ذلك -على فرض أننا لم نقف على كلامه في "التمييز"- أنه قد ساق حُكم القسامة من خلال ما اشتهر من طريق جماعة من الحفاظ عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن بشير بن يسار في ذلك، وهو البدء باستحلاف خمسين من المدَّعِين، فلما أَبَوْا عرض عليهم استحلاف مثلهم من المدَّعى عليهم. ثم لما ذكر حديث سعيد بن عبيد، ولم يسق لفظه تاما كما فعل مع حديث يحيى، ولم يقل: مثله أو نحوه، ليدل على أنه لم يسق لفظه اختصارا، أثار ذلك هِمَّةَ الباحث لينظر في لفظ حديث سعيد من طريق مسلم، فلما وُجد في لفظه البدءُ بسؤال البينة، وعدم ذكر الخمسين في المستحلَفِين، عَلم أن مسلما لو كان يرى أن لفظ سعيد محفوظا، لما ساغ له طيُّه في معرض بيان حكمٍ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بخلاف ما لو كان لفظ سعيد موافقا للفظ يحيى. فلما تحقق الباحث من هذه المعطيات، ترجح عنده أن مسلما قصد الإعراض عن سياق لفظ سعيد لما يراه من وهمه فيه. وقد كان يمكن لمسلم أن يسوق لفظ سعيد بتمامه، وينبه على وهمه صراحة، لكنه قد نصب أماراتٍ تُرشد الباحث إلى مراده من ذلك، تعلم بالاستقراء والتتبع والنظر. وإنما شَرْحُ تلك العلل وبيان أوهام الرواة موضعه كتابٌ كالتمييز له، فهذا هو مقام التفصيل، أما "الصحيح" فإنه إذا احتاج إلى شيء منه لمزيد فائدة، فإنما يسلك في ذلك طرائق عدة، ولكل مقام مقال.

وشاء الله عز وجل أن يُسَطِّرَ مسلم رأيه في كثير من الأحاديث التي احتاج إلى إيراد بعضها في "الصحيح" ليجلي طريقته التي أشار إليها في مقدمة "صحيحه"، لئلا تبقى خافيةً على من ينظر في كتابه "الصحيح"، إلا أنه قد فُقد كثر ذلك، فَوَعَرَ الطريق، واحتاج الأمر إلى مزيد بحث مع كثير من التوفيق والاحتياط. * * * استطراد: أما البخاري فقد ذكروا أنه لا يذهب إلى القول بالقسامة؛ لأنها مما خالفت فيه بقيةَ الحقوق من حيث أن القاعدة: "البينة على من ادَّعَى، واليمن على من أنكر". وقد أقام البخاري الشواهد والقرائن الدالة على مذهبه هذا، ففي باب القسامة من "صحيحه" (12/ 239 فتح) قال: وقال الأشعث بن قيس: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "شاهداك أو يمينه". وقال ابن أبي مليكة: لم يُقِدْ بها معاوية. وكتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطاة -وكان أمَّره على البصرة- في قتيلٍ وُجد عند بيت من بيوت السمانين: إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس، فإن هذا لا يُقضي فيه إلى يوم القيامة. ثم أخرج حديث سعيد بن عبيد عن بشير بن يسار الذي فيه: تأتون ببينة على من قتله، قالوا: ما لنا بينة. قال: فيحلفون. ثم أخرج قصة سؤال عمر بن عبد العزيز للناس عن القسامة فقالوا: نقول القسامة القود بها حق، وقد أقادت بها الخلفاء، وسؤاله لأبي قلابة، وإنكار أبي قلابة لها. واحتجاجه فيما احتج بما ذكره -مرسلا- من قصة تشبه قصة عبد الله بن سهل ومحيصة -أو لعلها هي- وفيها أترضون نفل خمسين من اليهود ما قتلوه؟ فقالوا: ما

يبالون أن يقتلونا أجمعين ثم ينتفلون. قال: أفتستحقون الدية بأيمان خمسين منكم؟ قالوا: ما كنا لنحلف. فوداه من عنده. والنَّفْل هو الحلف. فلم يخرج البخاري في باب القسامة إلا ما يؤيد عدم القول بمقتضى القسامة الواردة في حديث يحيى بن سعيد عن بُشير بن يسار. وقد أخرج مع ذلك حديث يحيى بن سعيد ومالك عن أبي ليلى في أبواب أُخر بعيدة عن باب القسامة. أخرج الأول في باب: الصلح مع المشركين (2702) من كتاب الصلح؛ لقول سهل بن أبي حثمة: "انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر، وهي يومئذ صلح ... " والمراد مصالحة أهلها اليهود مع المسلمن. ثم أخرجه في باب: الموادعة والمصالحة مع المشركين بالمال وغيره ... من كتاب: الجزية والموادعة (3173) لنفس السبب. ثم أخرجه في باب: إكرام الكبير، ويبدأ الأكبر بالكلام والسؤال من كتاب: الأدب (6142) لقوله في الحديث: فبدأ عبد الرحمن -وكان أصغر القوم- فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: كَبِّرِ الكُبْرَ. قال يحيى: ليلي الكلام الأكبر. وأخرج الثاني -حديث مالك عن أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سهل- في باب: كتاب الحاكم إلى عُمَّاله، والقاضي إلى أمنائه من كتاب: الأحكام (7192) لقوله: "فكتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم -أي إلى أهل خيبر- به". فقد أخرج الرواية المشتملة على القسامة في أربعة مواضع من "الصحيح" مُبْعدا لها عن بابها (¬1). ¬

_ (¬1) قال بنحو هذا ابن المنير، نقله عنه الحافظ في "الفتح" (12/ 248 - 249).

وهذا مما تَنَوَّعَ فيه تصرفُ الشيخين في التعبير عن رأيهما في هذا الحديث. وحديث سعيد بن عبيد قد أعله الإمام أحمد، ففي كتاب "التمهيد" لابن عبد البر (23/ 209): " ... وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه ضعف حيث سعيد بن عبيد هذا عن بشير بن يسار. وقال: الصحيح ما رواه عنه يحيى بن سعيد، وإليه أذهب". اهـ. وقال ابن رجب الحنبلي في "جامع العلوم والحكم" (ص 313): " ... ذكر الأئمة الحفاظ أن رواية يحيى بن سعيد أصح من رواية سعيد بن عبيد الطائي؛ فإنه أجل وأحفظ وأعلم، وهو من أهل المدينة وهو أعلم بحديثهم من الكوفيين، وقد ذُكر للإمام أحمد مخالفةُ سعيد بن عبيد ليحيى بن سعيد في هذا الحديث، فنفض، وقال: ذاك ليس بشيء ... وتواطؤ الأخبار بخلافه يقضي عليه بالغلط" اهـ. وقال ابن القيم في "تهذيب السنن" (6/ 321): "الصواب رواية الجماعة الذين هم أئمة أثبات أنه بدأ بأيمان المدَّعِين، فلما لم يحلفوا ثَنَّى بأيمان اليهود، وهذا هو المحفوظ في هذه القصة، وما سواه وهم، وبالله التوفيق. وقد نحا البيهقي إلى الجمع بين الروايتين في ذلك، فقال في رواية سعيد بن عبيد: "كأنه أراد بالبينة: أيمان المدعين، مع اللَّوْث (¬1)، كما فسره يحيى بن سعيد وطالبهم بالبينة كما في هذه الرواية فلما لم يكن عندهم بينة عرض عليهم الأيمان كما في رواية يحيى بن سعيد، فلما لم يحلفوا ردها على اليهود، كما في الروايتين جميعا (¬2) ". اهـ. ¬

_ (¬1) اللوث هنا: خفاء الأمر والتواؤه، واسترخاء قيام الدليل على الدم. (¬2) نقله ابن القيم في "تهذيب السنن"، وردَّه بتصويب رواية يحيى بن سعيد، وتوهيم ما عداها، كما سبق.

وبنحو هذا قال الحافظ في "الفتح" (12/ 244). وفي حديث القسامة يقول القاضي عياض - كما نقله عنه الحافظ في "الفتح" (12/ 245): "هذا الحديث أصل من أصول الشرع، وقاعدة من قواعد الأحكام، وركن من أركان مصالح العباد، وبه أخذ كافة الأئمة والسلف من الصحابة والتابعين وعلماء الأمة وفقهاء الأمصار من الحجازيين والشاميين والكوفيين، وإن اختلفوا في صورة الأخذ به. وروي التوقف عن الأخذ به عن طائفة، فلم يروا القسامة ولا أثبتوا بها في الشرع حكما، وهذا مذهب: الحكم بن عتيبة، وأبي قلابة، وسالم بن عبد الله، وسليمان بن يسار، وقتادة، ومسلم بن خالد، وإبراهيم بن علية، وإليه ينحو البخاري، وروي عن عمر بن عبد العزيز باختلاف عنه. اهـ. وبعد، فالذي يعنينا هنا أصالةً فهو: كيف عَبَّر مسلمٌ عن رأيه في هذا الحديث داخل "الصحيح"، وقد اتضح ذلك، والحمد لله رب العالمين. * * *

النوع الثاني ما نبه مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة

النوع الثاني ما نبَّهَ مسلم عقب إيراده على ما وقع فيه من الوهم أو المخالفة نموذج (1) في باب: المستحاضة وغسلها وصلاتها من "الصحيح" ص (262) ذكر مسلم (333/ 62) حديثَ هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، في سؤال فاطمة بنت أبي حبيش للنبي -صلى الله عليه وسلم- في استحاضتها وصلاتها، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم- لها: "إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي". أخرجه من طريق وكيع عن هشام. ثم ذكر من حديث عبد العزيز بن محمد، وأبي معاوية -جمعهما- وجرير، وعبد الله من نمير، وحماد بن زيد -فرقهم-: كلهم عن هشام. قال مسلم: بمثل حديث وكيع وإسناده. ثم قال: وفي حديث حماد بن زيد زيادةُ حرفٍ تركنا ذكره. اهـ. أقول: فقد أشار مسلم إلى اتفاق وكيع، والدراوردي، وأبي معاوية الضرير، وجرير بن عبد الحميد، وعبد الله بن نمير، جميعا عن هشام في لفظ هذا الحديث. لكن في حديث حماد وحده عن هشام زيادةُ حرف، ترك مسلم ذكره لينبه على خطئه، وهذا الحرف هو الأمر بالوضوء وهو قوله: "اغسلي عنك الدم وتوضئي".

والمحفوظ أن هذا الحرف إنما هو من قول عروة، كذلك خرجه البخاري في كتاب الوضوء من طريق أبي معاوية، عن هشام، فذكر الحديث، وقال في آخره: قال: وقال أبي: "ثم توضئي لكل صلاة حتى يجيء ذلك الوقت". اهـ. فأدرجه حماد بن زيد في الحديث، راجع لذلك "السنن الكبرى" للبيهقي (1/ 116) و"فتح الباري" لابن رجب (2/ 69 - 73)، وغيرها. والمقصود أن مسلما عبر عن إعلاله لهذه الزيادة بتركه لذكرها أصلا، وتنبيهه على هذا الترك؛ ليعلم الناظر في هذا الموضع رأيه في ذلك. ولم يكن سائغا له أن يشير إلى رواية حماد بن زيد دون التنبيه على ما فيها من الزيادة، لكن كان من السائغ أن يذكر هذه الزيادة بلفظها، كأن يقول: وفي حديث حماد بن زيد زيادة: وتوضئي، ثم يحكم عليها بالخطأ. لكنه آثر طريقة الإشارة في هذا الموضع، دون التنصيص. * * *

نموذج (2)

نموذج (2) ذكر مسلم في "صحيحه" (162/ 259) حديث حماد بن سلمة، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك، في قصة الإسراء بطولها، ومختصرة (162/ 261). ثم أورد (262) من حديث ابن وهب، عن سليمان بن بلال، قال: حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا عن ليلة أسري برسول الله -صلى الله عليه وسلم- من مسجد الكعبة، أنه جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه، وهو نائم في المسجد الحرام. قال مسلم: وساق الحديث بقصته نحو حديث ثابت البناني، وقدَّم فيه شيئا وأخَّر، وزاد ونقص. اهـ. أقول: قد عبَّر مسلمٌ عما يراه من أوهام شريك في هذا الحديث بتلك العبارة: "قدَّم وأخَّر"، و"زاد ونقص". ولو كان ذلك السياق بهذا التقديم والتأخير، والزيادة والنقصان محفوظا عند مسلم في حديث أنس؛ لما تردد في إيراده هنا؛ لأنه قد جمع في هذا الموضع ما رآه صحيحا في قصة الإسراء. وقد كان يمكن أن يُعرض مسلم عن ذكر حديث شريك أصلا، لكنه أراد التنبيه على أوهامه وتفرداته فيه، لِمَا وعد من شرح وإيضاح الأخبار المعلَّة في أماكنها. وقد عَدَّ ابنُ القيم ومِن بعده ابنُ حجر أكثر من عشرة أشياء خالف فيها شريكٌ غيرَه من المشهورين في سياق هذا الحديث. انظر "الفتح" (13/ 494). وقد نقل ابن حجر (13/ 488) استنكارَ جماعة من الحفاظ والمحققين لأوهام شريك في هذا الحديث؛ منهم: الخطابي، وابن حزم، وعبد الحق الإشبيلي، والقاضي

عياض، والنووي. قال ابن حجر ص (493): "وقد سبق إلى التنبيه على ما في رواية شريك من المخالفة: مسلمٌ في "صحيحه"، فإنه قال بعد أن ساق سنده وبعض المتن، ثم قال: "فقدَّم وأخَّر، وزاد ونقص". استطراد: أما البخاري فقد خرج حديث الإسراء في أول كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء (349) من طريق يونس، عن الزهري، عن أنس، عن أبي ذر به، مرفوعا بطوله، ثم أخرجه مختصرا من حديث يونس أيضا في كتاب الحج باب: ما جاء في زمزم (1636). ثم أخرجه كذلك مطولا في كتاب أحاديث الأنبياء باب ذكر إدريس عليه السلام (3342). وأخرجه في كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة رقم (3207) من طريق قتادة، عن أنس، عن مالك بن صعصعة مرفوعا مطولا. وكذلك في (3393) (3430) مختصرا و (3887) في كتاب مناقب الأنصار، باب: المعراج مطولا، ولعل هذا هو أليق موضع به؛ لأن البخاري قد بوب باسمه، ولذا فقد ادَّخَر الحافظ ابن حجر شرحه مفصلا فيه. ثم ختم البخاري مواضع هذا الحديث من "الصحيح" بإخراجه في آخر الكتاب، باب ما جاء في قوله عز وجل: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} من كتاب التوحيد، رقم (7517) من طريق سليمان بن بلال عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن أنس بن مالك بتمامه. والحافظ ابن رجب كلما تناول شيئا من رواية شريك أثناء شرحه لأول موضع في كتاب الصلاة، يقول: الذي خرجه البخاري في آخر كتابه "الصحيح"، فقد جاء ذلك في أربعة مواضع من كلامه (2/ 311، 314، 316، 319)، وهو مشعر بما

نموذج (3)

يتبادر إلى ذهن الممارس لصحيح البخاري، بأن تأخير رواية شريك إلى آخر الكتاب، يُلمح إلى حاله عنده في الجملة، بأنه لا يعتمد عليه في تفاصيل سياقه للحديث، والمعتمد عنده قد قدَّمه قبل ذلك مطولا ومختصرا. ولا يبعد أن يريد تنبيه الناظر إلى ما خالف فيه شريك غيره من الحفاظ. فبينما نبه مسلم على ذلك إجمالا، فقد نبه البخاري عليه تفصيلا، وطريقةُ مسلم أسلمُ وأوضحُ وأقطعُ للاختلاف في مقصوده، ولذا لم يَسلم البخاري من انتقاد مَنْ استنكر ألفاظا وعباراتٍ في حديث شريك؛ كالخطابي، وهو معذور في ذلك، لكن ما طرحناه من طريقة البخاري في إخراج أحاديث الإسراء أليقُ بالبخاري وإمامته وبراعته، وذلك أَوْلَى من إلصاق العيب على كتابه واختياره، والله تعالى الموفق. نموذج (3) انظر الحديث رقم (1162) من الصحيح. * * *

النوع الثالث ما يورد فى فيه مسلم الحديث أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريق أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يعرض عن متنها

النوع الثالث ما يورد فى فيه مسلمٌ الحديثَ أولا بالسياق المحفوظ، ثم يشير إلى وروده من طريقٍ أخرى يسوق إسنادها أو يقول: بمثل إسناد السابق، لكنه يُعرض عن متنها نموذج (1) في باب التيمم من "الصحيح". ذكر مسلم حديث شعبة (368/ 112) أخرجه من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة قال: حدثني الحكم، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، أن رجلا أتى عمر، فقال: إني أجنبت فلم أجد ماء ... وفيه قول عمار عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنما كان يكفيك أن تضرب بيديك الأرض، ثم تنفخ، ثم تمسح بها وجهك وكفيك". فقال عمر: اتق الله يا عمار. قال: إن شئت لم أحدث به. قال الحكم: وحدثنيه ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه مثل حديث ذر. قال (¬1): وحدثني سلمة، عن ذر في هذا الإسناد الذي ذكر الحكم. فقال عمر: نوليك ما توليت. أقول: فقد ساق مسلم لفظ حديث شعبة عن الحكم، ثم أشار إلى أن لشعبة فيه إسنادا آخر عن سلمة بن كهيل بمثل إسناد الحكم بن عتيبة، لكن مسلما لم يذكر لفظ سلمة، بل اكتفى منه بقول عمر لعمار: نوليك ما توليت. ¬

_ (¬1) القائل هو: شعبة.

فذكر مسلم اتحاد إسناد شعبة عن الحكم وسلمة. لكن بالنظر في لفظ حديث سلمة، وُجد أنه كان يشك فيه: هل ذكر في الحديث مسح الكفين أو المرفقين. وكان أحيانا يحدث سلمة به ويقول: إلى الذراعين. فأنكر ذلك عليه منصور بن المعتمر، فقال سلمة: لا أدري أذكر الذراعين أم لا؟ خرج ذلك أبو داود (324، 325) والنسائي (312، 319). وقد حكى ابن رجب نحو هذا عن سلمة في شرحه لـ"صحيح" البخاري، ثم قال (2/ 244): "ولهذا المعنى أشار مسلم إلى اتحاد الإسناد من رواية الحكم وسلمة" وسكت عن اللفظ؛ فإنه مختلف". اهـ. ولم يخرج البخاري حديث شعبة إلا من روايته عن الحكم، فإنها متفقة، ذكره من طريق ستة عن شعبة بهذا، ولم يخرج طريق يحيى بن سعيد القطان، عن شعبة التي خرجها مسلم، قال ابن رجب: "لم يخرجها لأمرين: أحدهما: أن سفيان الثوري والأعمش روياه عن سلمة بن كهيل، فخالفا شعبة في إسناده، على اختلاف عليهما فيه. والثاني: أن سلمة شك ... ". أقول: أما مسلم، فقد جمع بين الحسنيين، أخرج اللفظ المتفق المحفوظ من رواية شعبة عن الحكم، من الوجه المشتمل أيضا على رواية شعبة عن سلمة بمثل إسناد الحكم، وأشار إلى اختلاف لفظه فلم يَسُقْهُ، وإنما أشار إلى اتحاد الإسناديين فقط.

نموذج (2) راجع النموذج الآتي المتعلق بصلاة الكسوف في النوع الرابع.

نموذج (2) راجع النموذج الآتي المتعلق بصلاة الكسوف في النوع الرابع. أقول: يحتاج هذا النوع إلى عمل استقراء لكتاب "الصحيح"؛ فمسلم يكثر من إحالة الأحاديث بعضها على بعض بعبارات مثل: بنحوه، بمثله، بإسناده ... فينظر مدى اتفاق اللفظن والسياقين، وهل توجد فروق مؤثرة يمكن أن يكون مسلم أعرض عن ذكرها لما يراه من وهمٍ أو علةٍ؟ * * *

النوع الرابع ما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى.

النوع الرابع ما تدل طريقة عرضه لأحاديث الباب، ولقرائن تحتف بذلك على إرادته ترجيح أحاديث على أخرى. نموذج (1) الأحاديث الواردة في صفة صلاة الكسوف. قد اختُلف في عدد الركعات -أي الركوعات- في صلاة الكسوف، بعد الاتفاق على أنها ركعتان، وفي كل ركعة سجدتان. فقيل: في كل ركعة ركوعان، وقيل ثلاث، وقيل أربع. فعلى الأول يكون عدد الركوعات في الصلاة: أربع، وعلى الثاني: ست، وعلى الثالث: ثمان ركوعات. انقسم أهل العلم حيالَ ذلك إلى قسمين: قسمٍ صحَّحوا جميعَ ما ورد في ذلك، وذهبوا إلى تعدد صلاته -صلى الله عليه وسلم- للكسوف، فصلى في كل مرة عددا من الركوعات في الركعة بحسب طول فزة الكسوف، فإنه كان يصلي حتى تنجلي الشمس، فحكى كل صحابي ما حضره من ذلك، فصار الجميعُ سنةً يشرع الأخذ بأيٍّ منها. من هؤلاء: إسحاق بن راهوية والنسائي، والترمذي، وابن خزيمة، وابن حبان، وابن المنذر، والخطابي، وقوَّاه النووي في شرح مسلم. وقسمٍ لم يصححوا إلا صفة واحدة منها، وهي الأولى، وذهبوا إلى خطأ ما عداها، واستندوا في ذلك إلى قوة وشهرة طرقها، وأنه قد ثبت في غير ما طريق منها ومن بعض الصفات الأخرى أن ذلك كان يوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد قال في تلك المناسبة: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ... ".

وكثير من سائر الطرق قد ثبت فيها قوله هذا دون ذكر موت إبراهيم، وهو المراد من جوابه هذا عما قد يتبادر إلى أذهان البعض أن هذا الكسوف إنما حصل لموت إبراهيم، فالتصريح بأن ذلك كان في ذلك اليوم، أو الإشارة إليه بهذا القول المذكور - يدل على أن هذه الصلاة إنما صلاها -صلى الله عليه وسلم- مرة واحدة بصفة واحدة فوجب المصير إلى الترجيح بين الصفات الواردة فتعين ترجيح الصفة الأولى لما ذكرنا قَبلُ من قوة طرقها وشهرة رجالها. من هؤلاء: الشافعي، والبخاري، والبيهقي، وابن عبد البر، وابن تيمية، وابن حجر. أقول: أما البخاري فلم يخرج سوى الأحاديث المشتملة على الصفة الأولى، وأعرض عن سائرها، فأخرج حديث عائشة من طريق الوليد بن مسلم، عن الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة عنها به (1066)، وأخرج حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (1051) وحديث ابن عباس من طريق مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عنه به (1052). ونقل الترمذي في العلل الكبير (ترتيبه 1/ 299) عن البخاري قوله: "أصح الروايات عندي في صلاة الكسوف أربع ركعات في أربع سجدات". اهـ. أما مسلم فقد تجشَّم إخراجَ أحاديث الصفات الثلاث. وبتأمّل سياق مسلم لتلك الأحاديث يلاحظ ما يلي: • أخرجَ مسلمٌ صلاةَ الكسوف لتسعة من الصحابة، بدأ بأربعةٍ منها؛ تشتمل على عدد الركوعات في كل ركعة، هؤلاء الأربعة هم الثلاثة الذين أخرج لهم البخاري كما سلف، وهم: عائشة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، يضاف إليهم: جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-.

أما حديث عبد الله بن عمرو، فلم يختلف الرواة فيه أنه على الصفة الأولى: أربع ركعات في أربع سجدات. وأما الثلاثة الآخرون فقد وقع اختلافٌ للرواة في حكاية ذلك العدد في أحاديثهم، اكتفى البخاري بإيراد مَن رواه على تلك الصفة المذكورة؛ من حديث عائشة وابن عباس كما سبق، وأعرض عمن رواه على خلاف ذلك. • أما مسلم فقد ساق هذا الخلاف على نمط واحد: يبدأ في أحاديث كل صحابي من الثلاثة المذكورين: عائشة، وابن عباس، وجابر، بمن رواه على الصفة الأولى، ثم يتبعها بمن رواه على خلاف ذلك، مع عدم خلو الأسانيد المؤخرة من علة أو مقال -وإن لم ينص هو على شيء منها صراحة- كما سيأتي. وطريقته في عرض أحاديث تلك الصلاة ينسجم تماما مع ما صرح به في مقدمة "صحيحه" أنه يبدأ بالأحاديث التي هي أسلم من العيوب، فالأحاديث التي قدَّمها -وقد اتفق معه البخاري على إخراجها، واكتفى بها- أصحُّ أسانيدَ، وأشهرُ طرقا مما أخَّره عن ذلك. وقد حافظ مسلم على تقديم رواية الصفة الأصلى من صلاة الكسوف على غيرها، وهذا مؤدَّاه -حسب تصريحه- أن تلك الصفة عنده أقوى من غيرها. بل إن مسلما قد أَلْمح إلى تلك التقوية بشيء آخر -سوى ما سبق- فعلى الرغم من اشتمال أكثر تلك الأحاديث الأربعة على قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في مناسبة تلك الصلاة: "إن الشمس والقمر لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته" وفي سياق واحد منها التصريح بأن ذلك كان يوم مات إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم- (904/ 10) فقد أعقب مسلم تلك الأحاديث الأربعة في صفة صلاة الكسوف بأحاديث خمسة من الصحابة، هم: أبو مسعود الأنصاري، وأبو موسى الأشعري، وعبد الرحمن بن سمرة، وعبد الله بن عمر، والمغيرة بن شعبة ليس فيها جميعا -سوى حديث عبد الرحمن بن سمرة- إلا مقالة النبي -صلى الله عليه وسلم- المذكورة، وفي بعض طرق حديث أبي مسعود: يوم مات إبراهيم،

فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، وكذلك هو في حديث المغيرة بن شعبة - وهو آخرها، وليس في شيء منها عدد الركوعات. فلا تظهر فائدةُ إيراد تلك الأحاديث بعد عرض أحاديث صفة الصلاة، واشتمال أكثرها على ما اشتملت عليه تلك الأحاديث إلا أن يريد مسلمٌ التنبيه على أن صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الكسوف كان يوم مات إبراهيم، فهى مرة واحدة لم تتكرر منه -صلى الله عليه وسلم-، وهذا دال على أنه يَلزم ترجيح صفة واحدة لتلك الصلاة، فتعيَّن أن تكون هي ما قدَّمه في كل رواية على ما سبق بيانه. أقول: هذا على سبيل الإجمال، أما على سبيل التفصيل لما ساقه مسلم من طرق هذا الباب، وما في أحاديث الصفات المخالفة للصفة الأولى من المقال، فهاك البيان: • بدأ مسلم بحديث عائشة (901) وقد رواه عنها مشتملا على عدد الركوعات: عروة بن الزبير، والزهري، وعبيد بن عمير. فبدأ برواية عروة من طريق مالك وعبد الله بن نمير وأبي معاوية -فرقهم- عن هشام بن عروة، عن عروة به. ثم برواية الزهري من طريق يونس بن يزيد الأيلي عنه، ومن طريق الوليد بن مسلم قال: قال الأوزاعي وغيره: سمعمت ابن شهاب يخبر عن عروة به. ومن طريق الوليد بن مسلم: أخبرنا عبد الرحمن بن نمر أنه سمع ابن شهاب به. ثم ذكر للزهري إسنادا آخر من طريق عبد الرحمن بن نمر أيضًا، مختصر، ومن طريق محمد بن الوليد الزبيدي عنه بمثل حديث عروة عن عائشة. جميع ذلك من حديث عروة والزهري عن عائشة، اتفقت الرواية فيها على الصفة الأولى: أربع ركعات في ركعتين وأربع سجدات. ثم ختمها برواية عبيد بن عمير عنها، أوردها من طريقين عن عبيد:

الأول: قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا محمد بن بكر أخبرنا ابن جريج قال: سمعت عطاء يقول: سمعت عبيد بن عمير يقول: حدثني من أصدق -حسبته يريد عائشة- أن الشمس انكسفت على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... وفيه: ثلاث ركعات وأربع سجدات. الثاني: من طريق معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن عطاء بن أبي رباح عن عبيد بن عمير عن عائشة بمثله مختصرا. أما رواية ابن جريج عن عطاء ففيها شك فيمن سمع منه عبيد بن عمير هذا الحديث. وأما حديث معاذ عن أبيه، فلم يشك فيه قتادة، لكن قد خولف معاذ في إسناده، فرواه وكيع بن الجراح ويحيى بن سعيد القطان عن هشام الدستوائي، فأوقفاه على عائشة، ذكره النسائي عقب حديث معاذ في "السنن الكبرى"، وكذلك أوقفه أبو داود الطيالسي عن هشام. ومعاذ قد تُكلم في حفظه، لكن قد رواه ابن خزيمة (1382) عن محمد بن بشار عن معاذ وابن أبي عدي كلاهما عن هشام به مرفوعا، فقد تابع ابن أبي عدي معاذا. لكن يُخشى من جمعهما أن تُحمل روايةُ أحدهما على الآخر، وكذلك رواه حماد بن سلمة عن قتادة به مرفوعا، أخرجه الطحاوي في "شرح المعاني" (1/ 328). وحماد قد قال مسلم في "التمييز" (ص 218): يخطىء في حديث قتادة كثيرا. وقد قال ابن عبد البر في "التمهيد" (3/ 307): "سماع قتادة عندهم من عطاء غير صحيح". • ثم ثَنَّى مسلم بحديث جابر، أورده من طريقين، بدأ بطريق إسماعيل بن علية وعبد الملك بن الصباح -فرقهما- عن هشام الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر به، بالصفة الأولى. ولم يختلف على أبي الزبير في رفع هذا الحديث.

ثم أتبعه مسلم بطريق عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر مرفوعا، وفيه: يوم مات إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال الناس: إنما انكسفت لموت إبراهيم. فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى بالناس ست ركعات بأربع سجدات ... وهي الصفة الثانية. فقد خالف عبدُ الملك كُلَّ من رواه عن عطاء في إسناده، فجعله عن جابر بدلا من عبيد بن عمير عن عائشة. وفي متنه؛ إذ أن المعروف في حديث جابر: أربع ركوعات في أربع سجدات أشار إلى ذلك النسائي عقب حديث يحيى بن سعيد عن هشام في "السنن". وفي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد (5123): قال ابنه عبد الله: سمعت أبي يقول في حديث عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن جابر: انكسفت الشمس: خالفه ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، قال: أخبرني من أصدق -فظننته يريد عائشة-، قال أبي: رواه قتادة، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قال أبي: أقضي بابن جريج على عبد الملك في حديث عطاء. اهـ. • أما حديث ابن عباس -وهو ثالثها- فقد أورده من طريقين أيضا، بدأ برواية حفص بن ميسرة ومالك بن أنس -فرقهما- عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن ابن عباس مرفوعا بالصفة الأولى، وهي أربع ركوعات في أربع سجدات، ثم أتبعه برواية إسماعيل بن علية ويحيى بن سعيد القطان -فرقهما- عن سفيان الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس مرفوعا بالصفة الثالثة، وهي: ثمان ركعات في أربع سجدات، وزاد مسلم بعد حديث إسماعيل بن علية: وعن عليٍّ مثل ذلك. • أما حديث حبيب بن أبي ثابت، فقد قال ابن حبان في "الصحيح" (7/ 98): "خبر حبيب عن طاوس ليس بصحيح؛ لأن حبيبا لم يسمع من طاوس هذا الخبر". وقال البيهقي في "سننه الكبرى" (3/ 327): "حبيب بن أبي ثابت وإن كان من الثقات فقد كان يدلس، ولم أجده ذكر سماعه في هذا الحديث عن طاوس ... وقد

روى سليمان الأحول، عن طاوس، عن ابن عباس من فعله أنه صلاها ست ركعات في أربع سجدات، فخالفه في الرفع والعدد جميعا". اهـ. • وأما حديث عليٍّ المشار إليه فهو من رواية حنش بن ربيعة، عن علي، وقد اختلف في وقفه ورفعه، كما في "السنن الكبرى" للبيهقي (3/ 329 - 330) وقد أعلَّه ابن حبان أيضا في "صحيحه" (7/ 98) بحنش راويه عن علي. وبعد، فقد وضح المراد من عرض مسلم أحاديث ذلك الباب على النحو الذي لم يَخْتَلَّ في موضع واحد. يبقى أنه ذكر حديث عائشة من رواية عمرة عنها، وحديث أسماء بنت أبي بكر. أما حديث عمرة فهو بعد حديث عبيد بن عمير، لكن اقتصرت فيه على ركوعين في ركعة واحدة قالت: ثم رفع وقد تجلت الشمس. فلم تذكر ركعتين، هكذا ساقه من طريق سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عنها به، ثم ذكره من طريق عبد الوهاب، وابن أبي عمر عن سفيان كلاهما عن يحيى، ولم يسق لفظه، وإنما قال: بمثل معنى حديث سليمان بن بلال، لكن رواه الحميدي عن سفيان عن يحيى عنها بالصفة الأولى. وأما حديث أسماء بنت أبي بكر فهو بعد حديث جابر، وذكرت فيه طول القيام جدًّا، ولم تذكر فيه عددا. قال البيهقي في "سننه الكبرى" (3/ 326) تعقيبا على حديثي عبد الملك عن عطاء، وأبي الزبير، عن جابر: "من نظر في هاتين القصتين علم أنها قصة واحدة، وأن الصلاة التي أخبر عنها إنما فعلها يوم توفي إبراهيم ابن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقد اتفقت رواية عروة ابن الزبير وعمرة بنت عبد الرحمن -يعني من رواية الحميدي السابقة- عن عائشة، ورواية عطاء بن يسار وكثير بن عباس عن ابن عباس، ورواية أبي سلمة بن عبد الرحمن عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما صلاها ركعتين، في كل ركعة ركوعين.

وفي حكاية أكثرهم قوله -صلى الله عليه وسلم- يومئذ: "إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا تنخسفان لموت أحد ولا لحياته" دلالةٌ على أنه إنما صلاها يوم توفي ابنه، فخطب وقال هذه المقالة ردا لقولهم: إنما كسفت لموته. وفي اتفاق هؤلاء العدد مع فضل حفظهم دلالةٌ على أنه لم يزد في كل ركعة على ركوعين، كما ذهب إليه الشافعي ومحمد بن إسماعيل البخاري رحمها الله تعالى". اهـ. وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (2/ 532) فيما زاد على الصفة الأولى: "لا يخلو إسنادٌ منها عن علة، وقد أوضح ذلك البيهقي وابن عبد البر، ونقل صاحب الهدي -يعني ابن القيم في زاد المعاد (¬1) - عن الشافعي، وأحمد، والبخاري أنهم كانوا يعدون الزيادة على الركوعين في كل ركعة غلطا من بعض الرواة، فإن أكثر طرق الحديث يمكن رد بعضها إلى بعض، ويجمعها أن ذلك كان يوم مات إبراهيم، وإذا اتحدت القصة تعين الأخذ بالراجح ... " ثم ذكر الأقوال الأخرى في المسألة. أقول: لا محيصَ من فَهْمِ طريقة مسلم في عرض تلك الروايات تقديما وتأخيرا بناءً على طريقته التي صرح هو نفسه بها -ولم يذكرها عنه أحدٌ نظرا أو استقراءً- أنه يبدأ بالأخبار التي هي أسلم من العيوب، مع قرينةِ إخراجه عقب ذلك لطرق الحديث التي تشتمل فقط على قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: إن الشمس والقمر ... وفي بعضها التصريح بأن ذلك يوم مات إبراهيم كما سبق، على ما سلف شرحه ونقله عن البيهقي وغيره، مع اشتمال بعض ما قدمه من الأحاديث على هذه المعاني. ¬

_ (¬1) (1/ 123 - 127).

فالقول بأن مسلما إنما عرض هذه الأخبار على هذا النحو في ضوء ما وعد به من زيادة البيان والإيضاح للأخبار المعلَّة: أمرٌ يتفق مع منهجه الذي صرح به، ومع إمامته في هذا الشأن، فيتفق مع جهابذة هذا الفن، وهذا أَولى وأَحْرى بالقول من مثل قول ابن تيمية في مجموع الفتاوى (1/ 256): "لا يبلغ تصحيح مسلم مبلغ تصحيح البخاري ... وكان من عادة البخاري إذا روى حديثا اختلف في إسناده أو في بعض ألفاظه أن يذكر الاختلاف في ذلك لئلا يغتر بذكره له بأنه إنما ذكره مقرونا بالاختلاف فيه. ولهذا كان جمهور ما أُنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحا على قول من نازعه. بخلاف مسلم بن الحجاج، فإنه نُوزع في عدة أحاديث مما خرجها، وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركعات كما روي أنه صلى ركعتين. والصواب أنه لم يُصل إلا بركوعين، وأنه لم يصل الكسوف إلا مرة واحدة يوم مات إبراهيم. وقد بيَّن ذلك الشافعي، وهو قول البخاري وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه. والأحاديث التي فيها الثلاث والأربع فيها أنه صلاها يوم مات إبراهيم، ومعلوم أنه لم يمت في يومي كسوف، ولا كان له إبراهيمان". اهـ. فأقول: إذا تحقق ما ذكرناه آنفا من تأمُّل طريقة مسلم في إخراج أحاديث هذا الباب، ظهرت موافقته لمن ذكرهم ابن تيمية، ولا يُعَدُّ هذا حينئذٍ مما نُوزع مسلم في تصحيحه، والله تعالى الهادي إلى الصواب.

نموذج (2) الأحاديث المتعلقة بصلاة العشاء: وقتها وتأخيرها.

نموذج (2) الأحاديث المتعلقة بصلاة العشاء: وقتها وتأخيرها. أخرج مسلم (638 - 644): • أولا: (638/ 218) من حديث ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: أعتم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة من الليالي بصلاة العشاء وهي التي تُدْعَى العتمة ... • ثم خرج (642/ 225) بعد أحاديث: روايةً لعبد الرزاق، عن ابن جريج، قال: قلت لعطاء: أيُّ حينٍ أحبُّ إليك أن أصلي العشاء التي يقولها الناس العتمة ... ؟ قال: سمعت ابن عباس يقول: أعتم نبي الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلةٍ العشاءَ ... • ثم خرج بعده (643/ 226) حديث أبي الأحوص، عن سماك، عن جابر بن سمرة قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يؤخر صلاة العشاء الآخرة. • ثم أعقبه (643/ 227) برواية أبي عوانة، عن سماك، عن جابر بلفظ: كان يؤخر العتمة بعد صلاتكم شيئا. • ثم ختم (644/ 228) برواية ابن عيينة، عن ابن أبي لبيد، عن أبي سلمة، عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم، ألا إنها العشاء، وهم يُعتمون بالإبل". وفي لفظ بعده: " ... فإنها في كتاب الله العشاء، وإنها تُعتم بحلاب الإبل". قال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري (4/ 364): "كذا رواه ابن أبي لبيد عن أبي سلمة، وابن أبي لبيد كان يُتهم بالقدر، وقال العقيلي: كان يخالف في بعض حديثه.

وتابعه عليه ابن أبي ليلى عن أبي سلمة، وابن أبي ليلى ليس بالحافظ. ورواه عبد الرحمن بن حرملة، عن أبي سلمة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلا (¬1). وقيل: عن ابن حرملة عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعا. وخرجه ابن ماجه (¬2) وليس بمحفوظ. وفيه أيضًا: عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفي إسناده جهاله (¬3). اهـ. قلت: عبد الله بن أبي لبيد قد أخرج له البخاري حديثا واحدا مقرونا، وأخرج له مسلم سوى هذا الحديث حديثن آخرين، هي كل ما له في الكتب الستة. والحاصل أنه لا يخلو ما جاء في كراهة هذه التسمية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن المقال، لكن قد روي عن طائفة من السلف كراهة ذلك، منهم ابن عمر، وابنه سالم، وابن سيرين. فأما البخاري فعنده: باب ذكر العشاء والعتمة ومن رآه واسعا (2/ 53 - فتح). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه (2/ 439) من طريق حاتم بن إسماعيل عن عبد الرحمن بن حرملة. (¬2) رقم (705) وهو من طريق شيخ ابن ماجه يعقوب بن حميد -وهو ابن كاسب- عن ابن أبي حازم عن عبد الرحمن بن حرملة به. وابن كاسب مشَّاه بعضهم، وضعفه غير واحد، ووهاه آخرون، وهو صاحب غرائب ومناكير. ورواه ابن ماجه قبله عن يعقوب هذا عن المغيرة بن عبد الرحمن، عن محمد بن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة وقد أجاد ابن رجب إذ قال في هذا الحديث من هذا الطريق: إنه غير محفوظ. (¬3) أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 439) عن وكيع ثنا ابن أبي رواد، عن رجل لم يسمه، عن عبد الرحمن بن عوف به مرفوعا. وقد استنكره واستغربه غير واحد، انظر مسند البزار (3/ 1055) وحلية الأولياء (8/ 385). وقد أخرج ابن أبي شيبة أيضًا في هذا الموضع عن وكيع ثنا عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع قال: كان ابن عمر إذا سمعهم يقولون: العتمة غضب غضبا شديدا.

علَّق فيه بعضَ الأخبار التي وردت التسمية فيها بالعشاء وبالعتمة، قد خرج عامَّتها في مواضع أخر من كتابه. قال: والاختيار أن يقول: العشاء لقوله تعالى: (ومن بعد صلاة العشاء). ثم خرج في الباب حديثا واحدا، هو حديث يونس، عن الزهري، قال سالم: أخبرني عبد الله قال: صلى لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلةً صلاة العشاء - وهي التي يدعو الناس العتمة ... قال ابن رجب في شرحه (4/ 369): "في هذا الحديث أن صلاة العشاء يدعوها الناس: العتمة، وكذا في حديث عائشة وأبي برزة، وهذا كله يدل على اشتهار اسمها بين الناس بالعتمة، وهو الذي نهى عنه النبي -صلى الله عليه وسلم-". اهـ. قلت: هكذا جزم هنا بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، مع أنه قد مال إلى تعليل ما ورد في ذلك، كما سلف. قال: وكان ابن عمر وغيره يكرهون أن يغلب عليها اسم العتمة حتى لا تسمى بالعشاء إلا نادرا، وأما إذا غلب عليها اسم العشاء، ثم سميت أحيانا بالعتمة بحيث لا يزول بذلك غلبة اسم العشاء عليها، فهذا غير منهي عنه، وإن كان تسميتها بالعشاء، كما سماها الله بذلك في كتابه أفضل. وقد ذكر البخاري في الباب السابق لهذا باب: من كره أن يقال للمغرب العشاء، فخرج فيه حديث عبد الله بن مغفل المزني أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم المغرب، قال: الأعراب تقول: هي العشاء. فذكر ابن رجب في توجيهه مثلما قال في هذا الحديث.

أقول: المراد أن مسلما قد صدر هذا الباب بما يدل على أن تسمية العشاء بالعتمة من الأمور التي اشتهرت ونطق بها غير واحد من الصحابة، وأنها مما تعارف عليها الناس حينئذ، فأورد ذلك من طرق مشهورة، لا مغمز فيها. ثم أخَّر ما فيه نهي عن ذلك، فلقائلٍ أن يقول: المعول عنده على ما قدمه في هذا الباب، أما المؤخر فإما أنه ينبه على أنه لا ينهض لمعارضة ما قدم، وإما أنه لا يراه -لو صح- معارضا، بل هو نهي عن "تغليب" لفظ العتمة على لفظ العشاء فقط، لا أنه نهي مطلق عن تسمية تلك الصلاة بالعتمة، بدليل ما قدمه من الأخبار. والله تعالى أعلم. * * *

نموذج (3) أحاديث "سترة المصلي"

نموذج (3) أحاديث "سترة المصلي": أخرج مسلم (ص 358) حديث ابن عباس في ذلك. • بدأ بطريق مالك، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله، عن ابن عباس، قال: أقبلتُ راكبا على أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بالناس بمنى، فمررت بين يدي الصف ... • ثم ثَنَّى بطريق ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب به بلفظ: ... ورسول الله قائم يصلي بمنى في حجة الوداع ... • ثم طريق ابن عيينة عن الزهري بهذا الإسناد قال: والنبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي بعرفة. • ثم ختم روايات حديث ابن عباس بطريق عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري بهذا الإسناد. قال: ولم يذكر فيه منى ولا عرفة، وقال: في حجة الوداع أو يوم الفتح. أقول: واضح من سياق مسلم لرواية ابن عيينة ومعمر، واكتفائه فيهما بذكر زمن هذه الحادثة، مع ذكر الشك الوارد في حديث عبد الرزاق عن معمر، واتفاق ابن عيينة مع مالك ويونس، أنه أراد أن ينبه على وهم المخالفة الواردة في شك عبد الرزاق -أو معمر- في وقتها. وربما لم يتكلف شرح هذا الوهم؛ لوضوح أن ابن عباس يوم الفتح لم يكن قد ناهز الاحتلام.

قال ابن رجب في شرحه لصحيح البخاري (4/ 6) بعد إيراد تلك الروايات عند مسلم: "اقتصر -يعني مسلما- من حديث ابن عيينة ومعمر على هذا. وذِكْرُ يوم الفتح لا وجه له؛ فإن ابن عباس لم يكن قد ناهز يومئذ الاحتلام، ولا كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي يومئذ بمنى ولا عرفة". اهـ. وقد اكتفى البخاري برواية مالك -من طرق عنه- عن ابن شهاب، وعلَّق رواية يونس. وجميعها على الجادة والصواب كما خرجها مسلم، إلا أن مسلما تجشَّم إخراج رواية عبد الرزاق عن معمر؛ للتنبيه على ما ذكرنا، والله تعالى ولي التوفيق. * * *

النوع الخامس: ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك.

النوع الخامس: ما شرح مسلم فيه ما وقع أحيانا من الإدراج في بعض الأحاديث، دون النص على وقوع ذلك. نموذج (1) باب: الجهر بالقراءة في الصبح والقراءة على الجن من "الصحيح". أخرج مسلم (450/ 150) عن محمد بن المثنى، عن عبد الأعلى، عن داود -وهو ابن أبي هند- عن عامر -وهو الشعبي- قال: سألت علقمة: هل كان ابن مسعود شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟ قال: فقال علقمة: أنا سألت ابن مسعود فقلت: هل شهد أحد منكم مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليلة الجن؟ قال: لا، ولكنا كنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات ليلة، ففقدناه ... قال: فقلنا: يا رسول الله فقدناك، فطلبناك، فلم نجدك .... فقال: أتاني داعي الجن فذهبت معه فقرأت عليهم القرآن. قال: فانطلق بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم. وسألوه الزاد، فقال: لكم كل عظم ذُكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما يكون لحما، وكُلُّ بَعْرَةٍ علفٌ لدوابكم. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فلا تستنجوا بهما، فإنهما طعام إخوانكم. اهـ. ثم قال مسلم: وحدثنيه علي بن حجر السعدي، حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، عن داود، بهذا الإسناد إلى قوله: وآثار نيرانهم.

قال الشعبي: وسألوه الزاد، وكانوا من جن الجزيرة، إلى آخر الحديث من قول الشعبي مفصلا من حديث عبد الله. ثم قال: وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن إدريس، عن داود، عن الشعبي، عن علقمة، عن عبد الله، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى قوله: وآثار نيرانهم. ولم يذكر ما بعده. اهـ. أقول: فقد بيَّن مسلم ما في حديث عبد الأعلى عن داود من إدراج قول الشعبي في الحديث؛ بإيراده رواية ابن علية عن داود. وأيده بما في رواية عبد الله بن إدريس من الاكتفاء بالقَدْر المرفوع فقط. لكن قد يقال هنا: كان مقتضى منهج مسلم -لو كان مراده إعلال رواية عبد الأعلى عن داود بالإدراج- أن يقدم رواية إسماعيل بن إبراهيم ابن علية التي فصلت قول الشعبي على أساس أنها الأصح والأسلم من العيوب، ثم يتبعها برواية من أدرج قول الشعبي في الحديث. وهو قولٌ متين، جدير بالتحقيق، أُرجىء النظر فيه لما بعد النموذج الآتي. * * *

نموذج (2) باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه

نموذج (2) باب: تحريم الكذب وبيان المباح منه: أخرج مسلم فيه حديثا واحدا رقم (2605/ 101) قال: حدثني حرملة بن يحى أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس، عن ابن شهاب أخبرني حميد بن عبد الرحمن ابن عوف، أن أُمَّهُ أَمَّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط -وكانت من المهاجرات الأول، اللاتي بايعن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخبرته أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يقول: "ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، ويقول خيرا وينمي خيرا". قال ابن شهاب: ولم أسمع يرخص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث: الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها. ثم قال: حدثنا عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد حدثنا أبي، عن صالح حدثنا محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب، بهذا الإسناد، مثله. غير أن في حديث صالح: وقالت: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إلا في ثلاث - بمثل ما جعله يونس من قول ابن شهاب. ثم قال مسلم: وحدثناه عمرو الناقد حدثنا إسماعيل بن إبراهيم أخبرنا معمر، عن الزهري، بهذا الإسناد، إلى قوله: "ونَمى خيرا" ولم يذكر ما بعده. اهـ. أقول: • فقد بدأ مسلم برواية يونس، وفيها فصل قول الزهري عن الحديث، ولم ينسب الزهري عدم الترخيص لأحد بعينه. • ثم أتبعه برواية صالح بن كيسان بمثل إسناد يونس، إلا أنه أدرج قول الزهري في الحديث، وجعله من قول أم كلثوم، ناسبةً عدم الترخيص للنبي -صلى الله عليه وسلم-.

• ثم أيَّد مسلم قضية الإدراج برواية معمر عن الزهري، فلم يجاوز معمر القول المرفوع. فلعل الزهري كان يحدث به أحيانا هكذا، فسمعه منه معمر، وتارة يضيف من عنده مسألة الترخيص المذكورة، ففصلها يونس، وأدرجها صالح، أو أن معمرا سمعه كما سمعه الآخرون، لكنه اقتصر على القدر المرفوع. وسياق مسلم لهذه الروايات عن الزهري يوافق طريقته المعهودة في تقديم الأصح والأسلم من ذلك. ويلاحظ أن هذا الباب ليس فيه إلا هذا الحديث الواحد، فتعيَّن على مسلم أن يسوقه على هذا النسق. • أما في النموذج السابق، فقد صدَّر مسلم الباب بحديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن وما رآهم، انطلق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ، وقد حيل بين الشياطن وبين خبر السماء، وأرسلت عليهم الشهب، فرجعت الشياطين إلى قومهم، فقالوا: ما لكم؟ قالوا: حيل بيننا وبين خبر السماء، وأرسلت علينا الشهب ... فانطلقوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فمر النفر الذين أخذوا نحو تهامة، وهو بنخل، عامدين إلى سوق عكاظ، وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر، فلما سمعوا القرآن استمعوا له ... وهذا قد أخرجه البخاري (4921) لكن ليس فيه عنده: "ما قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الجن وما رآهم". ففي هذا الحديث تصريح ابن عباس بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقرأ على الجن، ولكنهم استمعوا إلى قراءته دون أن يشعر بهم، حتى أنزل الله تعالى عليه قرآنا يخبره خبرهم.

وهو الذي يشتمل على جهره -صلى الله عليه وسلم- في صلاة الفجر بالقراءة، وهو المقصود بهذا الباب، وقد استفيد من قوله: فلما سمعوا القرآن استمعوا له. ثم أتبعه مسلم بحديث علقمة عن ابن مسعود، وقد وقع فيه الاختلاف المذكور في قول الشعبي. وكذلك فليس فيه إلا مطلق قراءته -صلى الله عليه وسلم- القرآن عليهم، دون ذكر لصلاة الصبح، فإيراد هذا الحديث هنا هو على سبيل الاستطراد، وليس مقصودا لهذا الباب؛ لخلوه من محل الشاهد. وكذلك فإن فيه قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أتاني داعي الجن فذهبت معه، فقرأت عليهم القرآن". وهو مخالف لحديث ابن عباس. وجمع البيهقي بأن ما حكاه ابن عباس إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعلمت حاله، وفي ذلك الوقت لم يقرأ عليهم ولم يرهم، ثم بعد ذلك أتاه داعي الجن فقرأ عليهم القرآن، ودعاهم إلى الله عز وجل، كما رواه عبد الله بن مسعود. وكذلك ذهب الحافظ في "الفتح" إلى تعدد القصة، وليس هذا محل تحقيق هذه القضية، لكن المراد هنا هو تأمُّل طريقة عرض مسلم للخلاف في هذا الحديث. وواضح من الروايات التي ساقها مسلم أن الخلاف في هذا الحديث هو على داود بن أبي هند، وهو بصري، ساقه مسلم من طريق ثلاثة عنه؛ هم عبد الأعلى بن عبد الأعلى البصري، وإسماعيل بن علية كذلك، وعبد الله بن إدريس الكوفي، وجميعا ثقات أثبات. ولو قدَّم مسلمٌ روايةَ ابن علية وابن إدريس وأخَّر رواية عبد الأعلى، لكان مقتضاه تخطئته لعبد الأعلى فيه.

لكنه قدم رواية عبد الأعلى التي وقع فيها الإدراج، مع إرادته التنبيه على الوهم الواقع فيها، فتحصل من ذلك أن مسلما كأنه يرى أن الاختلاف في هذا الحديث ليس من الرواة عن داود، بل من داود نفسه، اضطرب فيه، فكان يحدث به تارة مدرجا، وتارة مفصلا، وروى كل واحد ما سمعه منه. وداود قال الأثرم عن أحمد: كان كثير الاضطراب والخلاف. يؤكد ذلك أن محمد بن أبي عدي البصري قد رواه عن داود إلى قوله: وآثار نيرانهم. ثم قال: قال داود: ولا أدري في حديث علقمة أو في حديث عامر أنهم سألوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تلك الليلة الزاد. أسنده البيهقي في "سننه الكبرى" (1/ 109) إلى ابن أبي عدي. فوضح أن داود كان أحيانا يصرح بِشَكِّهِ في هذا القَدْر، عمَّن هو؟ إذًا، فقد كان يحدث به على ثلاث صور: الجزم بالتفصيل، والجزم بالإدراج، والشك فيه. يبين ذلك أيضا أنه قد رواه: يزيد بن زريع عند البزار في "مسنده" (5/ 35). ويحيى بن أبي زائدة عند ابن خزيمة (82) وابن حبان (1432). ووهيب بن خالد عند أبي داود الطيالسي (1/ 37) -وجمعه مع يزيد-. ثلاثتهم: عن داود بالإدراج، فوافقوا عبد الأعلى في روايته. ورواه النسائي من طريق يحيى بن أبي زائدة (6/ 499) وكذلك الطحاوي في شرح المعاني (1/ 96) مثلما حدث به ابن إدريس، لم يذكر القدر المدرج أصلا.

ورواه البخاري في التاريخ الكبير (2/ 201) من طريق وهيب، لكن إلى قوله: وآثار نيرانهم، كرواية ابن إدريس. وهذا كله يدل على ما سبق، فإذا كان الاختلاف من داود، صح اختلاف الرواة عنه، بل والاختلاف على أفراد منهم، تبعا لسماع كل واحد منهم للحديث من داود في مجالس متعددة. والله تعالى أعلم. وبعد: فهذا آخر ما أردت عرضه فيما يتعلق بهذه القضية، آثرت فيه الاختصار، والاقتصار على أوضح النماذج التي وقفت عليها حال المطالعة، ومذاكرة بعض النابهين في هذا الشأن. وبين يدي نماذج أخرى، أرجأتها لموضع آخر. فما كان فيه من صواب فمن الله تعالى التوفيق، وإن كانت الأخرى فأسأله سبحانه العفو والهداية. * * *

أبو حاتم الرازي

أبو حاتم الرازي (ت 277 هـ)

يتعلق بأبى حاتم هاهنا أمر واحد، وهو ما اشتهر عنه لدى كثير من المتأخرين مِن وَصْفهِ بالتشدد أو التعنت في باب الجرح، وقد جاء وصفُهُ بذلك في كلام الشيخ المعلمي، أُورِدُهُ أولًا، ثم أنظرُ في ذلك إجمالًا. 1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 350): "معروف -يعني أبا حاتم- بالتشدد، قد لا تقِلُّ كلمةُ (صدوق) منه عن كلمة (ثقة) من غيره؛ فإنك لا تكاد تجده أطلق كلمة (صدوق) في رجل إلا وتجد غيره قد وثقه هذا هو الغالب". اهـ. 2 - وبنحوه في (1/ 325). 3 - وقال في ترجمة: نعيم بن حماد من "التنكيل" (1/ 495): "وقال أبو حاتم مع تشدده: صدوق". 4 - ومثله في ترجمة: محمد بن كثير العبدي منه (1/ 467). 5 - وقال في ترجمة محمد بن بشار بندار (1/ 430): "ثقة جليل، وثقه أبو حاتم مع تشدده".

قال أبو أنس: نظرت هنا إجمالا في وصف أبي حاتم بالتشدد في باب الجرح: فأقول: "قسَّم الذهبيُّ المتكلمين في الجرح والتعديل إلى ثلاثة أقسام: قِسْمٍ منهم: متعنت في الجرح متثبت في التعديل، يغمز الراوي بالغلطتين والثلاث، قال: فهذا إذا وَثَّقَ شخصًا، فَعَضَّ قوله بنواجذك، وتَمَسَّكْ بتوثيقه، وإذا ضَعَّفَ رجلا، فانظر: هل وافقه غيرُه على تضعيفه، فإن وافقه، ولم يوثِّقْ ذاك الرجل أحدٌ من الحُذَّاقِ، فهو ضعيف، وإن وَثَّقَهُ آخر، فهذا هو الذي قالوا: لا يُقبل فيه الجرحُ إلا مفسَّرا؛ يعني لا يكفي فيه قولُ ابنِ معين مثلا: هو ضعيف -ولم يوضح سببَ ضعفه- ثم يجيءُ البخاري وغيره يوثقه، ومثل هذا يُختلفُ في تصحيح حديثه وتضعيفه. وقسمٍ منهم يتسمَّح، كالترمذي والحاكم. وقسمٍ معتدل، كأحمد بن حنبل والدارقطني وابن عدي". اهـ. ولم يُسَمِّ الذهبيُّ من القسم الأول أحدًا هنا، لكنه ذكر بعد ذلك طبقات من تكلموا في الجرح والتعديل، فبلغ: عبد الرحمن بن يوسف بن خراش البغدادي فقال: "له مصنَّف في الجرح والتعديل، قويُّ النَّفَس كأبي حاتم". وقد نعت الذهبي جماعةً بذلك في كتابه "الميزان". فمن هؤلاء: 1 - يحيى بن سعيد القطان: وصفه الذهبي بـ "متعنت جدًّا في الرجال" في ترجمة: سفيان بن عيينة رقم (3327)، وقال في ترجمة: سيف بن سليمان المكي رقم (3636): "حدث يحيى القطان مع تعنته عن سيف".

2 - ابن حبان البستي: وصفه الذهبي بـ "الحشاف -أو الخساف- المتهور" في ترجمة: محمد بن الفضل السدوسي عارم رقم (8057)، وقال في ترجمة: سويد بن عمرو الكلبي رقم (3624): "أسرف واجترأ"، وفي ترجمة: عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي رقم (5532): "يُقَعْقِعُ كعادته". 3 - ابن القطان الفاسي: ترجم له الذهبي وقال: "تعنَّتَ في أحوال الرجال، فما أَنْصَفَ، بحيث إنه أخذ يُلَيِّنُ هشامَ بن عروة، ونحوه". 4 - وقد حملَ الذهبي جدًّا على العقيلي بسبب ترجمته لـ: علي بن المديني، في كتابه "الضعفاء"، فقال عند ذكر ابن المديني رقم (5874): "ذكره العقيلي في كتاب "الضعفاء"، فبئس ما صنع ... أفما لك عقلٌ يا عقيليُّ، أتدري فيمن تتكلم، وإنما تبعناك في ذكر هذا النمط لنذب عنهم، ولنزيف ما قيل فيهم، كأنك لا تدري أن كل واحد من هؤلاء أوثق منك بطبقات، بل وأوثق من ثقاتٍ كثيرين لم توردهم في كتابك، فهذا مما لا يرتاب فيه محدث، وأنا أشتهي أن تعرفني من هو الثقة الثبت الذي ما غلط ولا انفرد بما لا يتابع عليه، بل الثقة الحافظ إذا انفرد بأحاديث كان أرفع له وأكمل لرتبته وأدل على اعتنائه بعلم الأثر وضبطه دون أقرانه لأشياء ما عرفوها، اللهم إلا أن يتبين غلطه ووهمه في الشيء فيعرف ذلك ... ". اهـ. ولم أر الذهبي يصف أبا حاتم بالتشدد إلا في موضعين -على كثرة ما نقل عنه في كتبه:

الأول: في ترجمة عاصم بن علي الواسطي شيخ البخاري من "الميزان" (4058) قال الذهبي: "هو كما قال فيه المتعنت أبو حاتم: صدوق" اهـ. يقوي بذلك تعديلَه على مَنْ ليَّنَهُ. الثاني: في ترجمة طالوت بن عباد من "السير" (11/ 26) قال: "حَسْبُكَ بقول المتعنّت في النقد أبي حاتم فيه اهـ. يعني قوله: صدوق. يردُّ بذلك على ابن الجوزي في قوله: "ضعَّفه علماء النقل". ويلاحظ في هذين المثالين أن وصف الذهبي لأبي حاتم بالمتعنت، ليس ردًّا لقوله بسبب العنت، وإنما هو من باب: إذا وَثَّقَ المتعنِّتُ أحدًا فعض عليه بالنواجذ، وهو يوافق كلمة الشيخ المعلمي التي نقلناها آنفا أن كلمة "صدوق" من أبي حاتم قد لا تقل عن كلمة "ثقة" من غيره. ولم أر الذهبي ردّ قولا لأبي حاتم من أجل تعنته. بل إن الذهبي اعتمد على أبي حاتم في ذكر المجاهيل من الرواة بقوله فيهم: "مجهول"، حتى إنه يقول هذا في تراجم "الميزان"، ولا يذكر قائله، وهو قول أبي حاتم في "الجرح"، كما صرح بذلك الذهبي في ترجمة: أبان بن حاتم الأملوكي من "الميزان" رقم (4) فقال: "اعلم أن كل من أقول فيه "مجهول" ولا أسنده إلى قائلٍ، فإن ذلك هو قول أبي حاتم فيه، وسيأتي من ذلك شيء كثير جدًّا، فاعلمه، فإن عزوته إلى قائله، كابن المديني وابن معين، فذلك بَيِّنٌ ظاهرٌ، وإن قلت: "فيه جهالة" أو: "نكرة" أو: "يجهل" أو: "لا يعرف"، وأمثال ذلك، ولم أعزه إلى قائلٍ فهو مِنْ قِبَلي". اهـ. لكن قال الذهبي في ترجمة أبي زرعة من "السير" (13/ 81):

"يعجبني كثيرا كلام أبي زرعة في الجرح والتعديل، يَبِينُ عليه الورعُ والمَخْبَرَةُ، بخلاف رفيقه أبي حاتم، فإنه جَرَّاح". اهـ. إلا أنه لا يدل على التشدد، بل على أنه أجرأ على جرح من يراه مستحقا لذلك من الرواة، والله أعلم أما الحافظ ابن حجر، فقد قال في ترجمة: محمد بن أبي عدي البصري من مقدمة "الفتح" (ص 463): "من شيوخ أحمد، قال عمرو بن علي: أحسن عبد الرحمن بن مهدي الثناء عليه، وقال أبو حاتم والنسائي وابن سعد: ثقة، وفي "الميزان" أن أبا حاتم قال: لا يحتج به، فينظر في ذلك، وأبو حاتم عنده عَنَت، وقد احتج به الجماعة". اهـ. قلت: مع النظر الذي أشار إليه ابن حجر، وثبوت توثيق أبي حاتم له، لا يتجه وصفه بالعنت هنا. ولو ثبتت هذه العبارة عن أبي حاتم، لدَلَّتْ على درجة التوثيق التي عناها؛ لأن الثقة درجات، كما هو معلوم. وقال ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح": "كل طبقة من نقاد الرجال لا تخلو من متشدد ومتوسط، فمن الأولى: شعبة وسفيان الثوري، وشعبة أشد منه، ومن الثانية: يحيى القطان وعبد الرحمن بن مهدي، ويحيى أشد منه، ومن الثالثة: يحيى بن معين وأحمد بن حنبل، ويحيى أشد من أحمد، ومن الرابعة: أبو حاتم والبخاري وأبو حاتم أشد من البخاري". اهـ. أقول: بالنسبة للرابعة، فربما بناها ابن حجر على: تجهيلِ أبي حاتم لجماعةٍ مِمَّنْ أخرج لهم البخاري في "صحيحه"، أو طعنِهِ فيهم، أو إعلالِه لبعض ما أخرجه البخاري

فيه، وهذا لا يلزمُ، وإلا لاطَّرَدَ، فيقال مثلُهُ في جماعةٍ من الحفاظ، انتقدوا على البخاري إخراجَهُ لبعض الأحرف، أو تكلموا في بعض رجال "صحيحه"، ولا شك أن هذا غير مُسَلَّم، فهذا ابن طاهر لما قال: "شرط البخاري ومسلم أن يخرجا الحديث المجمع على ثقة رجاله إلى الصحابي المشهور"، قال العراقي: "ليس ما قاله بجيد؛ لأن النسائي ضعف رجالا أخرج لهم الشيخان أو أحدهما، وأجيب بأنهما أخرجا من أجمع على ثقته إلى حين تصنيفهما، ولا يقدح في ذلك تضعيف النسائي بعد وجود الكتابين، فأجاب الحافظ ابن حجر بقوله: "تضعيف النسائي إن كان باجتهاده أو نَقْلِهِ عن معاصرٍ، فالجواب ذلك، وإن نقله عن متقدم، فلا ... ". قلت: لاحِظْ أنه لما ضَعَّفَ النسائيُّ جماعةً من رجال الشيخين، بل وتجنب إخراجَ أحاديثهم، قيل: إنَّ له في الرجال شرطًا أشد من شرطهما، ولم يقل أحد أنه أشد تعنتا منهما، وذلك لأنها قضية تختلف فيها الأنظار، ولا شك أن أكثر ما خالف فيه النسائي -أو وافق أيضا- إنما مرجعه إلى الاجتهاد والنظر- ونَقْلُهُ في الأبواب كلامًا لغيره قليلٌ. فكذلك الحالُ بالنسبة لأبي حاتم أو غيره من النقاد، يُجَهِّلُ أحدُهم مَنْ يَعرفُهُ غيرُه، أو يُضَعِّفُ مَنْ يُوثقُهُ غيرُه، والعكسُ بالعكسِ، ولا غضاضةَ في ذلك، ولا إشكالَ البَتَّةَ لِمَنْ تدبر كتب القوم واختلافهم فيها. وقواعدُ النظرِ في اختلافهم، والترجيحِ بين أقوالهم: منشورةٌ في كتب الفن قديما، لا يعوز الطالبَ إلا تحصيلُ أسبابها، وليس من تلك القواعد أن تُطرحَ أقوالُ أَحدهم -لمجرد مخالفة غيره له من النقاد- بدعوى أنه متعنت، والأمرُ دائرٌ حولَ القرائن، وتابعٌ لاختلافِ الأحوال، والحججُ والدلائلُ والشواهدُ قاضيةٌ على كُلِّ دعوى.

1 - أيوب بن سويد الرملي

ومن تلك الدلائل والحجج على ما ذكرتُ، أن من وُصف في كلام متأخري الحفاظ والمحققين بالعنت أو التشدد، سواء بإطلاق أو بالمقارنة بغيره، تجده في مواضع -ليست بالقليلة- يُجْمِلُ القولَ ويُسَهِّلُه فيمن يضعفه غيره، فإذا ثبت هذا وتكرر، دل على ما سبق من اعتماد ذلك على الاجتهاد والنظر، لا أنها صفةٌ لازمة لكل إمام لا ينفك عنها، بحيث يُرد جرحُه إذا لم يوافقه عليه غيره. وفيما يخص أبا حاتم هنا، فهذه بعض المواضع التي تدل على ما أسلفتُه من عدم اطِّراد ما قيل بشأن تعنته في باب الجرح، أذكرها -على سبيل الاختصار- كنماذج على ما سبق: 1 - أيوب بن سويد الرملي: كلام الأئمة فيه شديد، فقد ضعفه أحمد وأبو داود وغيرهما، وقال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء يسرق الأحاديث ... وقال في رواية معاوية بن صالح عنه: كان يدعي أحاديث الناس. وقال البخاري: يتكلمون فيه. وهي كلمة شديدة كما مَرَّ، وقريب منها قول النسائي: ليس بثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات" لكنه قال: كان رديء الحفظ يخطىء، يُتقى حديثه من رواية ابنه محمد بن أيوب عنه ... قلت: قد أورد له ابن عدي في ترجمته من "الكامل" مناكير من غير رواية ابنه عنه. أما أبو حاتم فقد نقل عن ابن معين نحو ما سبق عنه، ولما سأله ابنه عنه قال: "هو لين الحديث". "الجرح" (2/ 250)

2 - ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي

وقد فسَّر ابن أبي حاتم هذه العبارة عند بيانه درجات رواة الآثار في الجرح (2/ 37) فقال في الدرجة الخامسة - من أصل ثمانية: "إذا أجابوا في الرجل بلين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه اعتبارا". ثم ذكر بعده: "ليس بقوي" وهو دون ذلك، ثم ذكر: "ضعيف الحديث" ثم: "متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب". فإذا قارنت قول أبي حاتم في أيوب بقول ابن معين والبخاري ظهر أبو حاتم كأنه سَهَّلَ والآخران شدَّدا، لاسيما البخاري الذي سبقت مقارنته بأبي حاتم في كلام ابن حجر. 2 - ثابت بن أبي صفية أبو حمزة الثمالي: نقل ابن أبي حاتم عن أحمد وابن معين قولهما فيه: "ليس بشيء" وزاد أحمد: "ضعيف الحديث". ولما سأل أبا حاتم عنه قال: "لين الحديث، يكتب حديثه ولا يحتج به" ومثله قول أبي زرعة: كوفي لين. فقول أبي حاتم -ومثله أبو زرعة- تضعيفٌ هَيِّنٌ، وهو أعلى من قول أحمد وابن معين بدرجتين كما سبق بيانه. 3 - حسين بن علي بن الأسود العجلي الكوفي: قال أحمد: لا أعرفه. وقال ابن عدي: يسرق الأحاديث، وذكر له شيئا من ذلك، ثم قال: له غير هذا مما سرقه من الثقات، وأحاديثه لا يتابع عليها. اهـ. وقال ابن حبان في "الثقات": ربما أخطأ. ووهَّاه الأزدي.

4 - سماك بن حرب الكوفي

أما أبو حاتم فقد سمع منه، وسئل عنه فقال: صدوق. نعم، قد يقال هنا إن أبا حاتم أَخْبَرُ به؛ لأنه سمع منه، لكن قد يقال أيضًا: لعله طرأ عليه بعد أن لقيه أبو حاتم ما أوقعه فيما أخذه عليه ابن عدي. وعلى كلا الاحتمالين، فالأمر دائر على النظر في حيثيات كل من الجرح والتعديل، وفي: أيهما أبعد عن الخلل وأقرب لحال الراوي، وهذا هو العمدة في هذا الفن، لا مجرد النظر في مراتب المجرحين والمعدلين في هذا الباب لإنزال قوله بحسب مرتبته في ذلك. 4 - سماك بن حرب الكوفي: وصفه أحمد بأنه مضطرب الحديث، وقدَّمه مع ذلك على عبد الملك بن عمير، ووثقه ابن معين، وذكر أن مما عيب عليه أنه أسند أحاديث لم يسندها غيره. وضعفه الثوري وشعبة، وذكر الأخير أنه كان يُلقَّن، وكذلك قال النسائي، وذكر أنه إذا انفرد بأصل لم يكن بحجة. وذكر ابن المديني أن روايته عن عكرمة مضطربة. وقد احتج مسلم به في روايته عن جابر بن سمرة والنعمان بن بشير وجماعة كما قاله الذهبي في "الميزان". أما أبو حاتم فقد سئل عنه فأطلق القول بأنه: صدوق ثقة (4/ 280). 5 - ضرار بن صرد أبو نعيم الطحان الكوفي: نقل ابن أبي حاتم عن ابن معين تكذيبه. وقال البخاري والنسائى: متروك الحديث. وقال النسائي مرة: ليس بثقة. وضعفه أكثر الحفاظ المتأخرين. وقد روى عنه أبو حاتم وأبو زرعة والبخارى في "خلق أفعال العباد" حديثين (161، 544)

وقال أبو حاتم: صاحب قرآن وفرائض، صدوق، يكتب حديثه ولا يحتج به، روى حديثا عن معتمر عن أبيه عن الحسن عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في فضيلة لبعض الصحابة ينكرها أهل المعرفة بالحديث. اهـ. فقارن العبارات التي استعملها أبو حاتم في مقابل عبارة ابن معين والبخاري والنسائي، فهل يقال: هم شددوا؟ أم يقال: هو سَهَّل؟ الحق أنه لا هذا ولا ذاك، وإنما هو بحسب نظر كل منهم، وما أدَّاه إليه اجتهادُه في حال ضرار. وعلى الناقد أن ينظر في أسباب حُكم كل منهم إذا وسعه ذلك وكان أهلا له. من ذلك أن الحديث الذي ذكره أبو حاتم وأنكره أهل المعرفة بالحديث، قد أخرجه الحاكم في "المستدرك" (3/ 122) بلفظ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: أنت تُبين لأمتي ما اختلفوا فيه بعدي" وقال: صحيح على شرط الشيخين!! فرده الذهبي في "التلخيص" بقوله: "بل هو فيما أعتقده من وضع ضرار، قال ابن معين كذاب". فهذان طرفان، فقال الشيخ المعلمي في ترجمة ضرار من "التنكيل" (112): "لا ذا ولا ذاك، والصواب ما أشار إليه أبو حاتم، فإنه أعرف بضرار وبالحديث وعلل، فكأنَّ ضرارا لُقِّنَ أو أُدْخل عليه الحديث أو وَهِم". ثم قال في حال ضرار: "الذى يظهر أن ضرارا صدوق في الأصل، لكنه ليس بعمدة، فلا يحتج بما رواه عنه من لم يعرف بالإتقان، ويبقى النظر فيما رواه عنه مثل أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري، والله أعلم". اهـ.

6 - عبد الرحمن بن النعمان بن معبد

6 - عبد الرحمن بن النعمان بن معبد: نقل ابن أبي حاتم عن ابن معين قوله فيه: ضعيف. ثم سأل أباه عنه فقال: صدوق (5/ 294). ذكره الذهبي في "الميزان" (4991) ثم قال: "وقد روى عن سعد بن إسحاق العجري، فقلب اسمه أولا، فقال: إسحاق بن سعد بن كعب، ثم غلط في الحديث، فقال: عن أبيه عن جده، فَضَعْفُهُ راجح". اهـ. ونقل الحافظ ابن حجر في "التهذيب" (6/ 287) عن ابن المديني قوله فيه: مجهول. والحديث الذي أشار إليه الذهبي قد رواه أبو داود في "سننه" (2377). وقال عقبه: قال لي يحيى بن معين: هو منكر. 7 - أبو جعفر الرازي واسمه عيسى، واخلتف في اسم أبيه: وثقه غير واحد من الأئمة، ومع ذلك لَيَّنُوه، وذكروه بالخطأ والتخليط وسوء الحفظ. وقال أبو زرعة: شيخ يهم كثيرا. أما أبو حاتم فقد أطلق فيه أنه: ثقة صدوق صالح الحديث. 8 - مجاهد بن وردان: قال ابن معين: لا أعرفه. ذكره أبو حاتم، فلما سئل عنه قال: ثقة، روى عنه شعبة (8/ 320) 9 - محمد بن موسى بن أبي نعيم الواسطي: قال أبو حاتم: سألت يحيى بن معين عن ابن أبي نعيم فقال: ليس بشيء. وقال الآجري: سئل أبو داود عن ابن أبي نعيم فقال: سمعت ابن معين يقول: أكذب

10 - الوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي

الناس، عفر من الأعفار. وقال ابن عدي: عامة ما يرويه لا يتابعه عليه الثقات. وقال أحمد بن سنان القطان: ثقة صدوق. وروى عنه أبو زرعة وأبو حاتم، وقال أبو حاتم: صدوق (8/ 83 - 84). 10 - الوليد بن الوليد بن زيد العنسي الدمشقي: قال أبو حاتم: صدوق، ما بحديثه بأس، حديثه صحيح. لكن قال الدارقطني وغيره: متروك. وروى له نصر المقدسي في "أربعينه" حديثا منكرا، وقال: تركوه. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يروي عن الأوزاعي مسائل مستقيمة، ثم أعاده في "المجروحين" وقال: روى عن ابن ثوبان نسخة أكثرها مقلوب، وأورد له عن الأوزاعي خبرا قال فيه: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 451): "متروك، وإنما قال: "صدوق" من لم يخبر حاله". اهـ. فرجع الأمر إلى اختلاف النظر والاجتهاد، فليس من وُصف بالعنت في باب الجرح يصير توثيقُه حُجة حيثما وجد، بل لكل ترجمة نظر خاص بها. 11 - يمان بن عدي الحضرمي الحمصي: قال أحمد: ضعيف، رفع حديث التفليس. وقال البخارى: في حديثه نظر. وقال الدارقطنى: ضعيف. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوى عندهم. أما أبو حاتم فقال: شيخ صدوق.

12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب

12 - يوسف بن محمد بن يزيد بن صيفي بن صهيب: قال البخارى: فيه نظر. وقال أبو حاتم: شيخ، وهو من ولد صهيب ليس به بأس. 13 - يونس بن أبي يعفور العبدي الكوفي: ضعفه أحمد وابن معين والنسائي، ووثقه الدارقطني، وأخرج له مسلم موضعا واحدا (1852) شاهدا. وقال أبو حاتم: صدوق. قال أبو أنس: هذه نماذج على تعديل أبي حاتم لمن ضعفه أو وهَّاه غيره، وكذلك على تعديله لمن لم يعرفه مثل ابن معين، وسبق تعليقي على بعض هذه النماذج بما يدل مجموع ذلك على المواد منها. ويلاحظ من بعض تلك النماذج أن أبا حاتم بينما يَنقل هو تضعيف غيره للراوي، أو ينقل ابنه التضعيف أو التجهيل، فإنه مع ذلك يوثقه أو يقول: صدوق، ونحو ذلك. ومن المعلوم أن صاحب النَّفَس المتشدد في الجرح، لا تسمح له نفسه غالبا بتوثيق من ضعفه غيره أو جهَّله، لاسيما وهو الذي يحكي ذلك أو يُحكى له، فقد كان مقتضى الطَّبْع أن يستروح لكلام غيره في ذلك. فدل صنيع أبي حاتم في هذه المواضع أن اختلاف الاجتهاد هو الذي دفعه لهذا التوثيق.

فالأمر إذًا دائر مع: الدلائل والشواهد والقرائن التي تدعم أو تخالف أو تُفَسِّر أو تُقَيِّد كلام إمام الجرح والتعديل. مع عرض كلام بعضهم على بعض، واستصحاب بعض الانطباعات التي أُخذت عن أيٍّ منهم في غالب تصرفاته في الأحوال المشابهة من الرواة، على سبيل حمل الغامض أو المجمل من ذلك على الواضح المبين. والأصل في جميع ذلك أن يدل كلام أئمة الجرح والتعديل في مجمله على معنى متقارب، مع تقارب ألفاظهم وعباراتهم في ذلك، فإن عبارات الجرح والتعديل متجاذبة، يمكن حمل بعضها على بعض، للتقريب بينها. وما لم يمكن التقريب بينه من عباراتهم حُمل على تباين الاجتهاد، وللنظر في كلامهم حينئذ قواعد تُعرف بالممارسة لكتبهم، ترى شيئا منها في أقسام هذا الكتاب، مما قرره الشيخ المعلمي في مصنفاته، ومما فتح الله به من بعض التحريرات والأطروحات التي أضعها بين يدي الباحثن، عسى أن تكون موفَّقَةً وناهضةً لتدقيق أهل الاختصاص، عاملين فيها بالنقد؛ تمحيصا وتدعيما وتصويبا وتعقيبا، والله من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل. وأعود لأبي حاتم، فأقول: لقد طال عجبي وأنا أطالع كتاب "الرفع والتكميل في الجرح والتعديل" لأبي الحسنات اللكنوي الهندي الحنفي -وما أكثر ما في هذا الكتاب من العجائب، وقد شرعتُ في تحريرِ الجوابِ عن كثيرٍ من المسائل التي خالفَ فيها مؤلفُه وجهَ الصواب، وقد دأبَ مؤلفُه على تمييعِ كثيرٍ من القضايا الاصطلاحية، وتفريغِ العديدِ من ألفاظِ الجرحِ من مضمونها، وملأ كتابَه بكثيرٍ من الإطلاقات والتعميمات في غير محلها- إذ عقد فيه ما أسماه: "إيقاظ 14 " وقال فيه (ص 107):

لا تغترر بقول أبي حاتم في كثير من الرواة -على ما يجده من يطالع "الميزان" وغيره- إنه (مجهول)، ما لم يوافقه غيره من النقاد؛ فإن الأمان من جرحه بهذا مرتفع عندهم، فكثيرا ما ردوه عليه بانه جَهَّلَ مَن هو معروف عندهم. فقد قال الحافظ ابن حجر في مقدمة "فتح الباري": • الحكم بن عبد الله البصري، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: (مجهول). قلت: ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات، ووثقه الذهلي. • وقال أيضًا: عباس القنطري، قال ابن أبي حاتم عن أبيه: (مجهول). قلت: إن أراد العين، فقد روى عنه البخاري، وموسى بن هلال، والحسن بن علي المعمري. وإن أراد الحال، فقد وثقه عبد الله بن أحمد، قال: سألت أبي، فذكره بخير. وقال السيوطي في "تدريب الراوي": جَهَّل جماعةٌ من الحفاظ قوما من الرواة لعدم علمهم بهم، وهم قوم معروفون بالعدالة عند غيرهم، وأنا أسرد ما في "الصحيحين" من ذلك: 1 - أحمد بن عاصم البلخي، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن حبان، وقال: روى عنه أهل بلده. 2 - إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي، جَهَّلَهُ ابن القطان وعرفه غيره فوثقه ابن حبان. 3 - أسامة بن حفص المديني، جَهَّلَهُ أبو القاسم اللالكائي، وقال الذهبي: ليس بمجهول، روى عنه أربعة. 4 - أسباط أبو اليسع، جَهَّلَهُ أبو حاتم، وعرفه البخاري. 5 - بيان بن عمرو، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن المديني وابن حبان وابن عدي وعبيد الله بن واصل.

6 - الحسين بن الحسن بن يسار، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه أحمد وغيره. 7 - الحكم بن عبد الله البصري، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه الذهلي، وروى عنه أربع ثقات. 8 - عباس القنطري، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه أحمد وابنه. 9 - محمد بن الحكم المروزي، جَهَّلَهُ أبو حاتم، ووثقه ابن حبان". اهـ. نقل اللكنوي. قال أبو أنس: ما أشدَّ خطورة هذا الفصل -ككثير من فصول ذاك الكتاب- ومُؤَدَّاهُ كما رَمَى إليه مؤلفُه هو: طَرْحُ قولِ أبي حاتم في الرواة: "مجهول" إذا لم يوافقه على ذلك أحدٌ من النقاد. وما استدل مؤلفُه بنقله عن ابن حجر والسيوطي فيما يخصُّ أبا حاتم، فَأَوْهَى من بيت العنكبوت. وهذا إجمالٌ لنكاتٍ تُفيد في الجوابِ عمَّا ذَكره، ثم أُعَرِّجُ على ما نقله تفصيلًا. والله تعالى الموفق. أولا: الجهالة عند أبي حاتم وكثر المتقدمين في أدقِّ معانيها هي عدم الوقوف على ما يفيد في معرفة ما يمكنُ الاعتمادُ عليه في قبول حديث الراوي، وليس عند الحُذَّاق منهم فرقٌ في ذلك بين مَن روى عنه واحد، أو روى عنه جماعة، فربما وثقوا مِنَ الصنف الأول، وجَهَّلُوا مِن الثاني. وعدم الوقوف هذا ربما انبنى على: عزةِ حديث الراوي، أو عزةِ مَنْ روى عنه أو عدمِ سلامةِ الطرق إليه، أو نحو ذلك مما يُعرف بالتتبع والاستقراء.

والأمر في ذلك أوسعُ مما حدَّه المتأخرون في شأن الجهالة، فقسموها إلى الصنفين السابقن، وسموا الأول: "مجهول العين"، والثاني: "مجهول الحال"، وجعلوا الأول: مردودا مطلقا، والثاني: صالحا للاستشهاد والمتابعة. ثانيا: فَرَّعَ البعضُ على هذا التقسيم أمورا، من ذلك -وهو لصيقٌ بما نحن بصدده- قولُ اللكنوي في كتابه المذكور "الرفع والتكميل" في "الإيقاظ 13 ": "فرقٌ بين قولِ أكثر المحدثين في حق الراوي: (إنه مجهول)، وبين قول أبي حاتم: (إنه مجهول)، فإنهم يريدون به غالبا: جهالةَ العين، بأن لا يروي عنه إلا واحد، وأبو حاتم يريد به جهالةَ الوصف، فافهمْه واحفظْه؛ لئلا تحكم على كل من وجدتَّ في "الميزان" إطلاقَ المجهول عليه أنه مجهول العين". اهـ. أقول: فهذا تلبيسٌ ظاهرٌ، لأنه يُلزِمُ أبا حاتم بهذا التقسيم المذكور، ثم يُقْصِرُ قولَه: "مجهول" على أنه أراد به جهالةَ الوصف أو الحال، لا العين. واللكنوي هو الذي نقل بعد ذلك عن تقي الدين السبكي في "شفاء السقام في زيارة خير الأنام" قوله: "أما قول أبي حاتم الرازي في موسى بن هلال: إنه "مجهول"، فلا يضره؛ فإنه إما أن يريد به جهالة العين أو جهالة الوصف ... ". وعن "فتح المغيث" للسخاوي قوله: "على أن قول أبي حاتم في الرجل: إنه "مجهول"، لا يريد به أنه لم يرو عنه سوى واحد؛ بدليل أنه قال في: "داود بن يزيد الثقفي" إنه مجهول، مع أنه قد روى عنه جماعة، ولذا قال الذهبي عقبه: هذا القول يوضح لك أن الرجل قد يكون مجهولا عند أبي حاتم، ولو روى عنه جماعة ثقات. يعني إنه مجهول الحال انتهى.

ومعنى كلام هؤلاء واضح جدًّا أن أبا حاتم لا يتقيد في تجهيله للرواة برواية الواحد أو الجماعة، وهو ما قررناه آنفًا، فكيف يقال مع ذلك: " ... وأبو حاتم يريد به جهالة الوصف، فافهمه واحفظه ... "! أما تفصيل الجواب عما نقله اللكنوي فأقول: أبو حاتم من أهل الاصطلاح الذين تُؤخذ عنهم القواعد، بل هو من المقدَّمين منهم، الذين أثّرَوْا عِلْمَ النقد بوافرٍ من التحقيقات والتعليلات، وعليه مدار كثير من المنقول في نقد الرواة والأخبار؛ فلا يقال له في رجل قال فيه "مجهول": "ليس بمجهول من روى عنه أربع ثقات، ووثقه الذهلي". بل يقال كما سبق: لا يشترط في الوصف بالجهالة عدمُ رواية أكثر من واحد عن الراوي، كما قاله الذهبي؛ استدلالًا بصنيع أبي حاتم. أو قُلْ: هو اصطلاح أبي حاتم على أَقَلِّ تقدير. أما الذُّهلي فكان فيه تسمُّح؛ ترتفع الجهالةُ عنده برواية اثنين عن الراوي، فلعله أثبت له العدالة هنا بناءً على هذا، ولا يُقارَن الذهلي بأبي حاتم في هذا الباب. وأبو حاتم إمامٌ، فلا يُبْطَلُ نَقْدُهُ بنَقْدِ إمامٍ آخر، ولكن يُجمع بينهما بقواعد الجمع المعروفة، فربما اطَّلع الواحد منهم على ما لم يطلع عليه الآخر، أو يكونا اطَّلعَا، لكنِ اعْتَدَّ أحدُهما بما وقف عليه فوثَّق أو صحَّح، ولم يعتد الآخر به فجهَّل أو توقَّف، ولكُلِّ مقامٍ نقدٌ خاصٌ. وقد يكون من اعتدَّ: قد اغترَّ بما لا ينهضُ، فخالفه الصوابُ. هذا ربما تدل عليه القرائن، وهو خلاف الأصل المتعارف عليه: أن من علم حُجة على من لم يعلم.

وأما ما سرده السيوطي، فمما يُؤخذُ عليه: اعتمادهُ توثيق ابن حبان للطبقات المتقدمة، لاسيما في مقابل تجهيل أبي حاتم، وراجع ترجمة ابن حبان في هذا القسم. وقابل ما أورده من النماذج بما أوردته سابقا، تعلم أن القضية ليست بمطردة، وأن الأمر دائرٌ على الاجتهاد واختلاف النظر في كل موضع. هذا آخر ما أردتُّ التنبيه عليه فيما يتعلق بأبي حاتم هنا، وإن كان تناولُ منهجه يحتاج إلى دراسة مستقلة، لكن كما نبهت في مقدمة هذا القسم أنني إذا تناولت تحرير شيء فإني أتقيدُ بما يأتي ذكره في كلام الشيخ المعلمي. * * *

ابن معين

ابن معين (ت 233 هـ)

يتعلق به هاهنا ثمانية أمور: الأول: اختلافُ قوله في الراوي. الثاني: تكذيبه أحيانًا بمعنى كثرة الخطأ ونحوه. الثالث: قوله: "ليس بثقة" قد يريد بها نفي الدرجة العليا من التوثيق. الرابع: تشدده أحيانا فيما يتفرد به الراوي. الخامس: معنى قوله: "ليس بشيء". السادس: توثيقُه لبعض المجاهيل. السابع: توثيقه لمن ضعفه غيره. الثامن: تَجَمُّلُ بعضِ الرواة الضعفاء له، واستقباله بأحاديث مستقيمة، فَيُحْسِنُ القولَ فيهم. * * *

الأمر الأول اختلاف قوله في الراوي

الأمر الأول اختلاف قوله في الراوي • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 69): "قد اختلف كلام ابن معين في جماعة، يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى، منهم: إسماعيل بن زكريا الخُلقاني، وأشعث بن سوار، والجراح بن مليح الرؤاسي، وحرب (¬1) بن أبي العالية، والحسن بن يحيى الخشني، والزبير بن سعيد، وزهير بن محمد التميمي، وزيد بن حبان الرقي، وسَلْم العلوي، وعافية القاضي، وعبد الله بن (¬2) الحسن أبو حريز، وعبد الله بن عقيل أبو عقيل، وعبد الله بن عمر بن حفص العمري، وعبد الله بن واقد أبو قتادة الحراني، وعبد الواحد بن غياث، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، وعتبة بن أبي حكيم، وغيرهم ... وقد يقول ابن معين في الراوي مرة: "ليس بثقة"، ومرة: "ثقة"، أو: "لا بأس به"، أو نحو ذلك (راجع تراجم جعفر بن ميمون التميمي وزكريا بن منظور ونوح بن جابر) ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "جرير" وهو تحريف. (¬2) سقط من "التنكيل".

الأمر الثاني تكذيبه أحيانا بمعنى كثرة الخطأ ونحوه

الأمر الثاني تكذيبه أحيانًا بمعنى كثرة الخطأ ونحوه • في ترجمة: ضرار بن صرد من "التنكيل" رقم (122): قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 60): "ضرار بن صرد هو أبو نعيم الطحان الذي يقول عنه ابن معين: كذاب ... ". فقال الشيخ المعلمي: "قال علي بن الحسن الهسنجاني عن ابن معين: بالكوفة كذابان؛ أبو نعيم النخعي وأبو نعيم ضرار بن صرد، وظاهر هذا تعمد الكذب"، لكن قال الأستاذ (ص 163): "الإخبار بخلاف الواقع هو الكذب، والكذب بهذا المعنى يشمل الغالط والواهم، فمن غلط أو وهم في شيء يمكن عده كاذبًا على هذا الرأي ... فلا يعتد بقول من يقول: فلان يكذب، ما لم يفسر وجه كذبه ... " أقول: وقد قال ابن معين لشجاع بن الوليد أبي بدر السكوني: يا كذاب. وقد قال ابن أبي خيثمة، عن ابن معين: شجاع بن الوليد ثقة، ووثقه غيره، ولكنه يهم ويغلط. فلننظر كلام غير ابن معين في أبي نعيم النخعي واسمه عبد الرحمن بن هانىء، ثم في أبي نعيم ضرار بن صرد" (¬1). قال أبو أنس: هذا -كما هو واضح- خلاف الأصل في استعمال تلك العبارة، وإنما ساغ صَرْفُهَا عن أصل وضعها واستعمالها لِمَا ثبت عن ابن معين من سائر العبارات، فوجب الجمعُ، وحَمْلُ بعضها على بعض، فالجمع كما هو معلوم أوْلى من التضاد أو الطَّرْح. ¬

_ (¬1) ترجمتاهما في قسم التراجم برقمي (356، 450).

الأمر الثالث قوله "ليس بثقة" قد يريد به نفي الدرجة العليا من التوثيق

الأمر الثالث قوله "ليس بثقة" قد يريد به نفي الدرجة العليا من التوثيق • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: محمد بن فليح بن سليمان من "التنكيل" رقم (29): "روى أبو حاتم عن معاوية بن صالح، عن ابن معين: فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه فسئل أبو حاتم فقال: ما به بأس، ليس بالقوي. وقد اختلفت كلمات ابن معين في فليح؛ قال مرة: ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه، وهو دون الدراوردي، وقال مرة: ضعيف ما أقربَهُ من أبي أويس، وقال مرة: أبو أويس مثل فليح فيه ضعف وقال في أبي أويس: صالح ولكن حديثه ليس بذاك الجائز. وقال مرة: صدوق وليس بحجة. فهذا كله يدل أن قوله في الرواية الأصلى: ليس بثقة إنما أراد أنه ليس بحيث يقال له ثقة". اهـ. قال أبو أنس: يقال هاهنا مثل ما قيل في الأمر السابق. * * *

الأمر الرابع تشدده أحيانا فيما يتفرد به الراوي

الأمر الرابع تشدده أحيانًا فيما يتفرد به الراوي • قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 240): "قد كان يحيى بن معين ينتقد على الرواة ما يراهم تفردوا به، وربما شَدَّد". • وقال في "التنكيل" أيضًا (1/ 68): "ربما يجرح أحدهم الراوي لحديثٍ واحدٍ استنكره وقد يكون له عذر. وَرَدَ ابنُ معين مصرَ، فدخل على عبد الله بن الحكم فسمعه يقول: حدثني فلان وفلان وفلان. وعَدَّ جماعةً روى عنهم قصة، فقال ابنُ معين: حدَّثك بعضُ هؤلاء بجميعه وبعضهم ببعضه؟ فقال: لا، حدثني جميعُهم بجميعه، فراجعه فأصَرَّ، فقام يحيى وقال للناس: يكذب. ويظهر لي أن عبد الله إنما أراد أنَّ كُلا منهم حدَّثه ببعض القصة، فجمع ألفاظهم، وهي قصة في شأن عمر بن عبد العزيز ليست بحديث، فظن يحيى أن مراده أن كلا منهم حدَّثه بالقصة بتمامها على وجهها، فكذَّبه في ذلك، وقد أساء الساجي إذ اقتصر في ترجمة عبد الله على قوله: كذبه ابن معين. وبلغ ابنَ معين أن أحمد بن الأزهر النيسابوري يحدِّث عن عبد الرزاق بحديثٍ استنكره يحيى فقال: مَنْ هذا الكذاب النيسابوري الذي يحدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟ وكان أحمد بن الأزهر حاضرًا فقام فقال: هو ذا أنا، فتبسم يحيى وقال: أما إنك لست بكذاب ... ". اهـ. * * *

الأمر الخامس معنى قول ابن معين: ليس بشيء

الأمر الخامس معنى قول ابن معين: ليس بشيء • قال الشيخ المعلمي في طليعة "التنكيل" (ص 54 - 55): "ابن معين مما يطلق: ليس بشيء، لا يريد بها الجرحَ وإنما يريد أن الرجلَ قليلُ الحديث". وقد ذكر الكوثري ذلك (ص 129)، ويأتي تحقيق ذلك في ترجمة ثعلبة من "التنكيل". وحاصله أن ابنَ معين قد يقول: "ليس بشيء" على معنى قلة الحديث، فلا تكون جرحًا، وقد يقولها على وجه الجرح كما يقولها غيره فتكون جرحًا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابنُ معين: "ليس بشيء" قليل الحديث وقد وُثِّقَ، وجبَ حملُ كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث لا الجرح، وإلا فالظاهر أنها جرح، فلما نظرنا في حال ثعلبة وجدناه قليل الحديث، ووجدنا ابن معين نفسه قد ثبت عنه أنه قال في ثعلبة: لا بأس به، وقال مرة: ثقة، كما في "التهذيب". وممن قال ابن معين فيه: ليس بشيء: أبو العطوف الجراح بن المنهال، فنظرنا في حاله، فإذا له أحاديث غير قليلة، ولم يوثقه أحد بل جرحوه، قال ابن المديني: لا يكتب حديثه، وقال البخاري ومسلم: منكر الحديث، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أبو حاتم والدولابي الحنفي: متروك الحديث ذاهب لا يكتب حديثه، وقال النسائي في "التمييز": ليس بثقة ولا يكتب حديثه وذكره البرقي فيمن اتُّهِم بالكذب، وقال ابن حبان: كان يكذب في الحديث ويشرب الخمر ... والكلام فيه أكثر من هذا، فعرفنا أن قول ابن معين فيه: "ليس بشيء" أراد بها الجرح كما هو المعروف عند غيره في معناها.

• وقال المعلمي في ترجمة أبي العطوف جراح بن المنهال من "التنكيل" (1/ 215): "أما قول ابن معين: ليس بشيء، فلا ريب أنه قد يقولها في الراوي بمعنى قلة ما رواه جدًّا، يعني أنه لم يُسند من الحديث ما يُشتغل به كما مرت الإشارة إليه ... ، فأما أنه كثيرًا ما يقول هذا فيمن قلَّ حديثه فهذه مبالغة الأستاذ - يعني الكوثري". وحاصله أن الظاهر المتبادر من هذه الكلمة: الجرحُ، فلا يُعدل عنه إلا بحجة فلما كان ابن معين قد وثق ثعلبة -وهو ابن سهل القاضي- ولم يقدح فيه غيره، وثعلبة قليل الحديث جدًّا، تبين أن مراد ابن معين بتلك الكلمة - لو ثبتت: قلة الحديث. وأبو العطوف لم يوثقه ابن معين ولا غيره، بل أوسعوه جرحًا، وحديثه غير قليل، فقد ذكر له الأستاذ خمسة، وفي "لسان الميزان" ثلاثة أخرى، لو لم يكن له غيرها لما كانت من القِلَّة بحيث يصح أن يقال: إنها ليست بشيء. ولولا أنهم تركوه ولم يكتبوا حديثه لوجدنا له غير ما ذكر ... فمن الواضح أن قول ابن معين في أبي العطوف: "ليس بشيء" إنما محملها الجرح الشديد. اهـ. * * *

الأمر السادس توثيقه لبعض المجاهيل

الأمر السادس توثيقه لبعض المجاهيل • قال الشيخ المعلمي "التنكيل" (1/ 66 - 67): "ينبغي أن يُبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له وتمكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلسًا واحدًا، أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه، ومنهم من يجاوز ذلك. فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يَعرف ما روى وعمَّن روى ومَن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنَّت فيمن وجد في روايته ما استنكره وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا، والعجلي قريبٌ منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد وابن معين والنسائي وآخرون غيرهم يوثقون مَنْ كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا روايةَ أحدِهم مستقيمة، بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديثٌ واحد. فمِمَّن وثقه ابن معين من هذا الضرب: الأسقع بن الأسلع (¬1). ¬

_ (¬1) ذكره الذهبي في "الميزان" (822) وقال: ما علمت روى عنه سوى سويد بن حجير الباهلي، وثقه مع هذا يحيى بن معين، فلما كُلُّ من لا يُعرف ليس بحجة، لكن هذا الأصل".

والحكم بن عبد الله البلوي (¬1). ووهب بن جابر الخيواني (¬2) وآخرون ... وقد روى العوام بن حوشب عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية، فوثقهما ابن معين. وروى همَّام، عن قتادة، عن قُدامة بن وبرة، عن سمرة بن جندب حديثًا، ولا يُعرف قُدامة إلا في هذه الرواية، فوثقه ابن معين، مع أن الحديثَ غريبٌ، وله علل أخرى، راجع "سنن" البيهقي (3/ 248) ". • وقال: (1/ 68 - 69): "قد عرفنا رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيمًا، ولو كان حديثا واحدًا لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد. فإن شئتَ فاجعل هذا رأيًا لأولئك الأئمة كابن معين، وإن شئت فاجعله اصطلاحًا في كلمة "ثقة"؛ كأن يراد بها استقامة ما بلَغَ الموثِّقَ من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) ذكره أيضًا الذهبي (2184) وقال: "عنه يزيد بن أبي حبيب وحده ولا يُعرف، لكن هذا وثقه يحيى ابن معين". (¬2) روى عنه أبو إسحاق السبيعي وحده، وقال ابن المديني والنسائي: مجهول.

الأمر السابع توثيقه لمن ضعفه غيره

الأمر السابع توثيقه لمن ضعفه غيره • قال الشيخ في "التنكيل" (1/ 69): "وجاء عن ابن معين توثيقُ جماعةٍ ضعفهم الأكثرون، منهم: تمام بن نجيح، ودراج بن سمعان، والربيع بن حبيب الملاح، وعباد بن كثير الرملي، ومسلم بن خالد الزنجي (¬1)، ومسلمة بن علقمة، وموسى بن يعقوب الزمعي، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن عبد الحميد الحمَّاني. وهذا يُشعر بأن ابن معين كان ربما يطلق كلمة "ثقة" لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب". اهـ. قال أبو أنس: هذا يتمشى مع ما قررناه سلفًا، أن الغالب في مجموع كلام الأئمة في الرجل أن يكون قريبًا بعضه من بعض، يُردُّ المجمل منه إلى المبيَّن، والمُطْلَقُ إلى المُقَيَّد، والمُبْهَمُ إلى المُفَسَّر، إلا إذا دَلَّت القرائنُ على تباين واضح في الاجتهاد فيُلجأ حينئذٍ إلى الترجيح بينها حسب القواعد المقررة لذلك. * * * ¬

_ (¬1) لم يتفق الرواة عن ابن معين على توثيقه فقد نقل بعضهم عنه تليينه أيضًا، ونقل بعضهم تضعيفه. وراجع ترجمة مسلم هذا في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (734)، مع تعليقي عليها.

الأمر الثامن تجمل بعض الرواة الضعفاء لابن معين واستقباله بأحاديث مستقيمة فيحسن القول فيهم

الأمر الثامن تجمُّل بعض الرواة الضعفاء لابن معين واستقباله بأحاديث مستقيمة فيُحسن القولَ فيهم • قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 30): "عادةُ ابنِ معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئةُ الشيخ يسمعُ منه جملةً من أحاديثه، فإذا رأى أحاديثه مستقيمةً ظنَّ أن ذلك شأنَه، فوثَّقَهُ، وقد كانوا يَتَّقُونَهَ ويخافونه. فقد يكون أحدُهم مِمنْ يُخَلِّطُ عمدًا، ولكنه استقبل ابن معين بأحاديث مستقيمة ولَمَّا بَعُدَ عنه خَلَّطَ. فإذا وجدنا مِمَّنْ أدركه ابنُ معين من الرواة مَن وثقه ابنُ معين وكَذَّبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا، فالظاهر أنه مِنْ هذا الضَّرْب، فإنما يزيدُه توثيقُ ابن معين وَهَنًا؛ لدلالته على أنه كان يتعمد". اهـ. • وقال: في "التنكيل" (1/ 67 - 68): "كان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخًا فسمع منه مجلسًا، أو ورد بغداد شيخٌ فسمع منه مجلسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة ثم سُئل عن الشيخِ وثَّقَهُ، وقد يتفقُ أن يكون الشيخُ دجالا، استقبل ابنَ معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلَّط قبل ذلك أو يخلِّط بعد ذلك. ذكر ابنُ الجنيد أنه سأل ابنَ معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس" فحَكَى له عنه أحاديثَ تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيمًا".

وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثقة وقد كتبت عنه" وقد كذبه أحمد وقال: "أحاديثه موضوعة"، وقال أبو داود: "غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة". اهـ. • وعلق الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 400) على حديثٍ بقوله: "في سنده محمد بن كثير الكوفي: هالك؛ تَصَنَّعَ لابن معين بأحاديث مستقيمة، فظنَّ ابنُ معين أن ذلك شأنه فأثنى عليه، ثم ذُكر له بعض مناكيره، فقال: فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب"، وقال أحمد: حرقنا حديثه، وقال ابن المديني: كتبنا عنه عجائب وخططت على حديث". اهـ. • وقال: في "الفوائد" أيضًا (ص 293): "أبو الصلت -وهو عبد السلام بن صالح الهروي- فيما يظهر لي كان داهيةً؛ من جهةٍ: خدم علي الرضا بن موسى بن جعفر بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب، وتظاهر بالتشيع، ورواية الأخبار التي تدخل في التشيع. ومن جهةٍ: كان وجيهًا عند بني العباس. ومن جهةٍ: تقرَّبَ إلى أهل السنة بردِّه على الجهمية. واستطاع أن يتجمَّلَ لابن معين حتى أحسن الظن به، ووثقه ... " (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر: ترجمة أبي الصلت في قسم التراجم رقم (455).

قال أبو أنس: من تأمَّل تلك الأمور الخاصَّة بابن معين، عَلم ما قررناه سابقًا أن لكل إمام نظرًا يختلف من حالٍ إلى حال، ومن راوٍ إلى آخر، وأن الحَقَّ يُعرفُ بمجموع كلام الإمام. ولو استحق الإمامُ وصفًا ما برأي كرره في مواضع، وخالف فيه غيره من الأئمة، لاستحق كُلُّ إمامٍ أوصافا متناقضة فمن نظر إلى الأمر السادس والسابع، رمى ابن معين بالتساهل، ومن نظر إلى الأمر الرابع، رماه بالتشدد، وإلى الأمر الثاني والثالث، رماه بالمجازفة والتعدِّي في استعمال ألفاظ الجرح فيمن لا يستحق. ومن نظر في الأمر الثامن ربما ظن عدم الخبرة أو نحو ذلك، وفي الأمر الأول ظن اضطراب ابن معين في أقواله. وجميعُ هذا لا يصحُّ وصفُ ابن معين -ولا غيره من الأئمة- به، ولا يكادُ يسلمُ كلامُ أحدٍ من الأئمة في الرواة من بعض هذه الأمور، كما سبق في ترجمة أبي حاتم، فبينما جَهَّلَ جماعة من الرواة قد عرفهم أو وثقهم غيره فقد عرف ووثق جماعةً قد جهلهم أو ضعفهم غيره. وهذا أمر منتشر مستفيض في كتب التراجم، لا يلزم من شيء منه إلصاق الأوصاف بالأئمة، وتعطيل أقوال بعضهم في الرواة بحجة كونه يتشدد أو يُسَهِّلُ. اللهم إلا أن يُصرِّحَ الإمامُ بمنهجٍ له في توثيق الرواة، يُعلم من مذاهب النقاد وقوع الخلل في ذاك المنهج، كتوثيقات ابن حبان مثلًا، كما سيأتي. والله تعالى الهادي إلى الصواب. * * *

الإمام أحمد بن حنبل

الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ)

يتعلق به هاهنا ثلاثة أمور: الأول: كيف يُشير إلى تعليل الروايات في "مسنده" أحيانا؟ الثاني: منهجُه في ترتيب الروايات من حيث القوة. الثالث: موضوع "المسند"، وهل يُخرج فيه مراسيل؟ * * *

الأمر الأول كيف يشير إلى تعليل الروايات في "مسنده" أحيانا؟

الأمر الأول كيف يشير إلى تعليل الروايات في "مسنده" أحيانا؟ ذكر الشوكاني في "الفوائد" (ص 149) حديث: "الربا سبعون بابًا، أصغرها كالذي ينكح أمه". وذكر من خرَّجه إلى أن قال: وأخرجه أحمد في "مسنده" من حديث عبد الله بن حنظلة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "درهم ربا يأكله الرجل -وهو يعلم- أشدُّ من ستةٍ وثلاثين زنية". قال: وفي إسناده حسين بن محمد بن بهرام. قال أبو حاتم: رأيته ولم أسمع منه ... وأخرجه أحمد من قول كعب موقوفًا. قال الدارقطني: وهذا أصح من المرفوع. اهـ. قال: ولم يُصِبْ ابن الجوزي لإدخال هذا الحديث في الموضوعات؛ فحسين المذكور قد احتج به أهل "الصحيح"، وقد وثقه جماعة. فعلَّق العلامة المعلمي هنا بقوله: "لكنهم حكموا عليه -يعني حسينًا- بالغلط في هذا، أشار إلى ذلك الإمام أحمد؛ إذ روى الخبر عن حسين، ثم عقبه بالرواية التي جعلته من قول كعب، وكذلك أعلَّهُ أبو حاتم، راجع كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 387)، وكذلك الدارقطني كما مَرَّ ... ". اهـ. * * *

الأمر الثاني منهجه في ترتيب الروايات في "المسند" من حيث القوة

الأمر الثاني منهجه في ترتيب الروايات في "المسند" من حيث القوة قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 118): "ولِقُوَّةِ هذه الرواية -يعني رواية ابن المبارك عن يونس بن يزيد- ذكرها الإمام أحمد عقب رواية ابن عيينة -يعني: عن الزهري- كأنه يشير إلى أن رواية يونس هذه هي الصواب". وانظر: ترجمة يونس من قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (831). * * *

الأمر الثالث موضوع "المسند" وهل يخرج فيه مراسيل؟

الأمر الثالث موضوع "المسند" وهل يخرج فيه مراسيل؟ ذكر العلامة المعلمي طرقَ حديث: "للفرس سهمان وللرجل سهم" في المسألة رقم (11) من القسم الثالث من "التنكيل" إلى أن قال (2/ 75): "وعند الدارقطني (ص 471) عن إسماعيل بن عياش، عن هشام بن عروة روايتان: إحداهما: عن أبيه عن عبد الله بن الزبير، عن الزبير قال: "أعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم بدر أربعة أسهم ... ". والأخرى: عن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن الزبير ... بمعناه، وإسماعيل يخلط فيما يرويه عن غير الشاميين. وفي "مسند" أحمد (1/ 166): "ثنا عتاب، ثنا عبد الله، ثنا فليح بن محمد، عن المنذر بن الزبير، عن أبيه: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أعطى الزبير سهمًا وأمه سهمًا وفرسه سهمين". ذكره أحمد في مسند الزبير وليس من عادة أحمد في "المسند" إخراج المراسيل. وعتاب هو ابن زياد المروزي، وثقه أبو حاتم وغيره، ولم يغمزه أحد، وعبد الله هو ابن المبارك. وقد تصحفت على بعضهم كلمة "بن "بين محمد والمنذر، فجرى البخاري في تاريخه ومن تبعه على ذلك كما في ترجمة فليح في "تعجيل المنفعة"، ولم يذكر البخاري مَنْ رواه كذلك، عن ابن المبارك، فالصواب إن شاء الله رواية أحمد ... أما فليح فغير مشهور، لكن رواية ابن المبارك عنه تقويه. اهـ.

قال أبو أنس: قول الشيخ المعلمي: "وليس من عادة أحمد في "المسند" إخراج "المراسيل" مع ما بعده، يعني أن الصواب ما وقع في "المسند": "فليح بن محمد (عن) المنذر بن الزبير عن أبيه" لأن هذا ظاهره الاتصال بين المنذر وأبيه الزبير. أما ما وقع في "التاريخ الكبير" للبخاري (1/ 243): "محمد بن المنذر بن الزبير ابن العوام القرشي الأسدي، روى ابن المبارك عن فليح بن محمد عن أبيه عنه، مرسل، عداده في أهل المدينة". اهـ. فهو يدل على أن الإسناد وقع لدى البخاري هكذا: فليح بن محمد (بن) المنذر بن الزبير عن أبيه عن الزبير ومحمد عن الزبير مرسل، ولم يذكر البخاري من رواه هكذا عن ابن المبارك حتى يقارنه بـ "عتاب" الذي وثقه أبو حاتم وغيره. وقوَّى المعلمي صحة ما في "المسند" بأن الإمام أحمد ليس من عادته إخراج المراسيل. * * *

الإمام مالك بن أنس

الإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ)

قضية تركه للعمل بما لم يعمل به أهل المدينة

قضية تركه للعمل بما لم يعمل به أهل المدينة. قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 23): "كان مالك: يدين باتباع الأحاديث الصحيحة، إلا أنه ربما توقف عن الأخذ بحديث، ويقول: ليس عليه العمل عندنا؛ يرى أن ذلك يدل على أن الحديث منسوخ أو نحو ذلك. والإنصاف أنه لم تتحَرَّرْ لمالك قاعدةٌ في ذلك؛ فوقعت له أشياء مختلفة. راجع الأم للشافعي (7/ 177 - 249). وقد اشتهر عن مالك قوله: "كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر" يعني النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقوله للمنصور إذ عرض عليه أن يَحملَ الناسَ على الموطأ: "إن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تفرقوا في الأمصار فعند أهل كل مصر عِلم". اهـ. ثم أجاب الشيخ المعلمي عن قول مالك: "أحب الأحاديث إليَّ ما اجتمع الناس عليه". فقال: "لا ريب أن المُجمع عليه أعلى من غيره، مع قيام الحجة بغيره إذا ثبت عند مالك وغيره". اهـ. * * *

عبد الله بن المبارك

عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ)

الأول: أن من عادته تتبع أصول شيوخه

يتعلق به هاهنا ثلاثة أمور: الأول: أن من عادته تتبع أصول شيوخه: قاله الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 117) وقدم بذلك روايةً لابن المبارك، عن يونس، عن الزهري على رواية ابن وهب، عن يونس، قال: "هذا أثبت؛ لأن ابن المبارك أثبت من ابن وهب. وكان يقول: كتاب يونس صحيح، وكان من عادة ابن المبارك تتبع أصول شيوخه، فالظاهر أنه أخذ هذا عن يونس من أصل كتابه ... " اهـ. الثاني: هل روايته عن الرجل تقويه؟ قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 75): "أما فليح -يعني: ابن محمد- فغير مشهور، لكن رواية ابن المبارك عنه تقويه". لكن هذا يعارضه ما يأتي. الثالث: هل هو ممن لا يشدد في الرواية عن الرجال؟ قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 213): " ... وروى ابن المبارك، عن إبراهيم بن يزيد الخوزي مَرَّة، ثم تركه، فسئل أن يحدث عنه فقال: تأمرني أن أعود في ذنب قد تبت منه ... مع أن ابن المبارك ليس ممن يُشَدِّدُ؛ فقد روى عن الكلبي ... (¬1) ". اهـ. ¬

_ (¬1) وانظر ترجمة إبراهيم من قسم التراجم رقم (29).

قال أبو أنس: فإذا كان لا يُشدد، فظاهره أنه لا يقتصر في روايته عن مشايخه على الثقات، فروايته عن غير مشهور إذًا لا تقويه. إلا أنَّ وصفَه بأنَّه ليس مِمَّنْ يشُدِّدُ؛ بناءً على ما ذُكر من روايته عن الكلبي، قد نظرتُ في ذلك فوجدت ما يلي: كان ابن المبارك يتوسع الرواية عمن يلقى من المشايخ، حتى يكتب عمن هو أصغر منه، لِعَلَّةٍ ذكرها: ففي كتاب "الجامع" للخطيب (2/ 219): "أخبرني القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله الطبري، أنا المعافى بن زكريا الجريري، نا أبي، نا الفضل بن محمد بن عقيل، قال: سمعت أبا حاتم الرازي يقول: كان عبد الله بن المبارك يكتب عمن دونه؛ مثل: رشدين بن سعد وغيره. فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، كم تكتب؟ قال: فقال: لعل الكلمة التي فيها نجاتي لم تقع إلي". اهـ. فقد كان يسمعُ ويكتبُ عمَّن يَلْقَى؛ بغيةَ الانتفاع بالمعاني والفوائد والمواعظ، ككثير من الأئمة الذين يتساهلون في مثل ذلك، فإذا جاءت الأحكام والحجة في دين الله شددوا وانتقوا. يدل على ذلك ما جاء في "السير" (8/ 397): "قال العباس بن مصعب في "تاريخه" عن إبراهيم بن إسحاق البناني، عن ابن المبارك، قال: حملتُ العلمَ عن أربعةِ آلافِ شيخٍ، فرويتُ عن ألف شيخٍ، ثم قال العباس: فتتبعتهم حتى وقع لي ثمانمائة شيخ له". اهـ. فلم يرو إلا عن رُبع مَن سَمع وكَتب عنه.

وفي تصونه وانتقائه للمشايخ: قال المسيب بن واضح كما في "تذكرة الحفاظ" (1/ 277): "سمعت ابن المبارك، وسئل: عَمَّنْ نأخذ؟ قال: من طلب العلم لله، وكان في إسناده أشدَّ، قد تلقى الرجل ثقة وهو يحدث عن غير ثقة، وتلقى الرجل غير ثقة وهو يحدث عن ثقة، ولكن ينبغي أن يكون ثقة عن ثقة". اهـ. وفي امتناعه عن إتيان الشيخ لخبرٍ بلغه عنه أنه حدث به: ما في ترجمة: عبيد الله بن عبد الله أبي المنيب العتكي الهروي من "التاريخ الكبير" (5/ 388): " ... عنده مناكير، قال أبو قدامة: أراد ابن المبارك أن يأتيه، فأُخبر أنه روى عن عكرمة: "لا يجتمع الخراج والعشر"، فلم يأته". وفي احتياطه حتى في صيغ الأداء: نقل في "التذكرة" أيضا أن نعيم بن حماد قال: "ما رأيت ابن المبارك يقول قط: "حدثنا"، كأنه يرى "أخبرنا" واسع". اهـ. هذا، ولم ينفرد ابن المبارك بالرواية عن الكلبي -فيما ذكروا- بل شاركه جماعة من الحفاظ في ذلك، منهم: شعبة، والثوري، وابن عيينة، ومعمر، وحماد بن سلمة وغيرهم. وقد ذكر ابن عدي في "الكامل" أن شعبة والثوري إنما حدثا عنه بالشيء اليسير غير المسند، وأما غيرهما -ولم يذكر ابن المبارك- فقد رضوه في التفسير. وأما في الحديث، فخاصة إذا روى عن أبي صالح، عن ابن عباس، ففيه مناكير ... اهـ. وذلك أن الكلبي نفسَه قد اعترف بأن هذه النسخة كذب.

أما الثوري، ففي "الجرح والتعديل" (7/ 270): "نا أحمد بن سليمان الرهاوي -فيما كتب إلي- قال: سمعت زيد بن حباب يقول: سمعت سفيان الثوري يقول: عجبا لمن يروي عن الكلبي. نا عبد الرحمن قال: فذكرته لأبي وقلت له: إن الثوري يروي عن الكلبي؟ قال: كان لا يقصد الرواية عنه، ويحكي حكايةً تعجبا، فيعلقه من حضره، ويجعلونه روايةً عنه. ... وكيع، قال: كان سفيان لا يعجبه هؤلاء الذين يفسرون السورة التي من أولها إلى آخرها، مثل الكلبي". اهـ. وفي "الكامل": " ... إبراهيم بن عبد الله بن المنذر، ثنا يعلى بن عبيد، قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه؟ قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ. فالظاهر أن هذا هو حالُ سائرِ مَنْ ذكروا روايتَه عنه من الكبار، فقد سمعوا منه أشياء لم يتحققوا كذبه فيها، فذكروها على وجه سوى أوجه الرواية المعروفة. يدل على ذلك دلالةً بينةً خلوُّ الكتب الأصول، كالسنن والمسانيد والتفسير من رواية هؤلاء عنه، فهذا قاطع في أن الكلبي لم يَرو -أو لم يَسمع هؤلاء منه- ما يُحتاج إليه. والله تعالى أعلم. والمقصود هنا أن مجرد ذكر الكلبي فيمن روى عنهم ابن المبارك، مع ما سبق من تثبت ابن المبارك واحتياطه وتصونه في هذا الباب، لا يكفي في دعوى أنه لم يكن يشدد. والله الموفق. * * *

الإمام النسائي

الإمام النسائي (ت 303 هـ)

فيه مبحثان، وتطبيقٌ يتعلق بتشيعه: المبحث الأول: منهجه في الجرح والتعديل. ويشتمل على مطلبين: الأول: شرط النسائي في الرجال مقارنةً بشرط الشيخين. الثاني: توسعه في توثيق المجاهيل. المبحث الثاني: منهجه في إيراد اختلاف الروايات في سننه. * * *

المبحث الأول: منهجه في الجرح والتعديل

المبحث الأول: منهجه في الجرح والتعديل المطلب الأول شرط النسائي في الرجال مقارنةً بشرط الشيخين قال الكوثري في محمد بن علي بن الحسن بن شقيق: "يكفي في إثبات أنه ليس بالقوي إعراض الشيخين عن إخراج حديثه في "الصحيح" مع روايتهما عنه خارج "الصحيح". اهـ. فأجاب العلامة المعلمي بقوله في ترجمة محمد من "التنكيل" رقم (221): "ليس هذا بشيء، فمن شأنهما في "الصحيح" أن يتطلبا العلوّ ما وَجَدَا إليه سبيلا، ولا يرضيان بالنزول إلا أن يتفق لهما حديثٌ صحيحٌ تشتد الحاجة إلى ذكره في "الصحيح" ولا يقع لهما بنزول، فلم يتفق لهما ذلك هنا. وهذا الرجل سِنُّهُ قريب من سِنِّهِما، فروايتُهُما عنه نُزول. وهناك وجوهٌ أُخر لعدم إخراجهما للرجل في "الصحيح"، راجع ترجمة إبراهيم ابن شماس، ولهذا لم يلتفت المحققون إلى عدم إخراجهما، فلم يَعُدُّوا عدم إخراجهما الحديث دليلا على عدم صحته ولا عدم إخراجهما للرجل دليلا على لِينِه (¬1). ¬

_ (¬1) قد نظرت في هذا في ترجمة البخاري من هذا القسم، فراجعه.

ومحمد هذا وَثَّقه النسائي، والنسائي قد يفوق الشيخين في التشدد كما نبهوا عليه في ترجمته (¬1)، ووثقه غيره أيضًا ... " قال أبو أنس: الذي يظهر أن قائل هذا ومن وافقه قد بَنَوْا ذلك على أن النسائي قد تكلم في بعض الرجال الذين أخرج لهم الشيخان أو أحدهما على أساس أن إخراجهما للرجل يدل على أنه على شرطهما -سواء احتجا به أم خرجا له في الشواهد، كُلٌّ بحسبه- فإذا ليَّنَهُ النسائي أو ضعَّفهُ، كان مقتضى ذلك عند هذا القائل أن النسائي لا يراه أهلًا لأن يخرج له في "الصحيح"، أو أن تليينه أو تضعيفه يكون في مقابل ما يدل عليه إخراج الشيخين من تعديلهما له. فأقول: هذا المقتضى ليس بلازم هنا؛ وأمر الجرح والتعديل دائر على الاجتهاد، وأكثر الذين تكلم فيهم النسائي من هؤلاء إنما لَيَّنَهُم تليينًا هيِّنًا، وهذا اللِّينُ لا يمنع الشيخين من إخراج أحاديث لهم على سبيل الانتقاء مما اطمأنا إلى صحته، فلا مقابلةَ حينئذٍ بين مَنْ خَرَّجَا له، وقد ليَّنَه النسائي أو غيره. وأما من ضَعَّفَهُ بإطلاق أو وَهَّاه من هؤلاء -وهم قليل جدًّا- فإن مرجعه إلى اختلاف الاجتهاد كما مَرَّ في ترجمة أبي حاتم الرازي وابن معين. ثم إن الكلام في بعض رجال "الصحيحن" لم يختصّ بالنسائي وحده، بل شاركه فيه غيره من الأئمة، فهل يقال فيهم جميعا إن لهم شروطًا في الرجال أشد من شرطهما؟ ¬

_ (¬1) قال ابن طاهر: سألت سعد بن علي الزنجاني عن رجل فوثقه، فقلت: قد ضعفه النسائي. فقال: يا بني، إن لأبي عبد الرحمن شرطا في الرجال أشد من شرط البخاري ومسلم. اهـ. ووافقه الذهبي بقوله: "صدق، فإنه لين جماعة من رجال صحيحي البخاري ومسلم.

وكذلك، ففي مقابل ذلك قد انفرد النسائي بتوثيق جماعة من متقدمي الرواة لم يشتهروا ولم يُعرفوا إلا بحديث أو حديثين، فلا شك أن شرطه في هؤلاء أنزلُ من شرط غيره من الأئمة. وهكذا، فإن الأمر لا يطَّرِدُ، وقد يكون للناقد بعض الاصطلاحات الخاصة في بعض الأمور، تُعرف بالاستقراء. على كُلِّ حالٍ فهذه قائمة بأسماء من تكلم فيهم النسائي من رجال الشيخين أولا، مع ذِكْرٍ مختصرٍ لمن شاركوه في ذلك، أُتبعها في المطلب الآتي بمن تفرد بتوثيقهم من المتقدمين، وأنظر في ذلك إجمالا: 1 - خ: أبي بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬1). 2 - خ: إبراهيم بن عبد الرحمن بن إسماعيل السكسكي. 3 - م: إبراهيم بن مهاجر بن جابر البجلي. 4 - خ م: إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق. 5 - خ: أحمد بن بشير الكوفي، قال النسائي: ليس بذاك القوي (¬2). 6 - خت م: أسامة بن زيد الليثي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬3). 7 - خت م: أسباط بن نصر، قال النسائي: ليس بالقوي (¬4). 8 - خ: إسحاق بن محمد الفروي، قال النسائي: متروك (¬5). ¬

_ (¬1) وضعفه أحمد وابن معين. (¬2) وقال عثمان الدارمي: متروك، وقال الدارقطني: ضعيف يعتبر به. (¬3) وتكلم فيه غير واحد. (¬4) وضعفه غير واحد. (¬5) وقد وهاه غيره.

9 - خ م: إسماعيل بن أبي أويس، ضعفه النسائي (¬1). 10 - خ: إسماعيل بن مجالد، قال النسائي: ليس بالقوي (¬2). 11 - خ مقرونا بغيره: أسيد بن زيد الجمال، قال النسائي: متروك (¬3). 12 - م: أشعث بن سوار، قال النسائي: ضعيف (¬4). 13 - خ م: حاتم بن إسماعيل المدني، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ليس به بأس (¬5). 14 - م: الحارث بن عبيد الإيادي البصري، قال النسائي: ليس بذاك القوي (¬6). 15 - خ م: حبيب المعلم أبو محمد البصري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬7). 16 - م (مقرونًا): حجاج بن أرطاة، قال: ليس بالقوي (¬8). 17 - خ م: حسان بن إبراهيم الكرماني قال: ليس بالقوي (¬9). 18 - خ: الحسن بن بشر بن سلم البجلي الكوفي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬10). ¬

_ (¬1) وتكلم فيه غيره وقال الدارقطني: لا أختاره في الصحيح. (¬2) وقال أبو زرعة: وسط ليس ممن يكذب وغمزه غير واحد. (¬3) وقال ابن معين: كذاب حدث بأحاديث كذب وضعفه الدارقطني، قال ابن عدي: لا يتابع على روايته وقال أبو حاتم: رأيتهم يتكلمون فيه، وتكلم فيه غيرهم. (¬4) وضعفه غير واحد. (¬5) قال أحمد: زعموا أنه كان فيه غفلة، وغمزه ابن المديني بوصل بعض المراسيل. (¬6) وقال أبو حاتم: ليس بالقوي يكتب حديثه، ولا يحتج به، وضعفه ابن معين وقال أحمد: مضطرب الحديث. (¬7) قال عمرو بن علي الفلاس: كان يحيى لا يحدث عنه، وكان عبد الرحمن يحدث عنه. (¬8) وضعفه ولينه غير واحد. (¬9) أنكرت عليه بعض الأحاديث. (¬10) روى مناكير ذكره بها بعضهم في الضعفاء.

19 - خ: الحسن بن الصباح البزار أبو علي الواسطي قال مرة: ليس بالقوي، وقال مرة: صالح (¬1). 20 - م: رباح بن أبي معروف، قال: ليس بالقوي وقال مرة: ضعيف (¬2). 21 - خ م: زياد بن عبد الله البكائي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬3). 22 - م: سالم بن نوح، قال: ليس بالقوي (¬4). 23 - م: سعد بن سعيد الأنصاري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬5). 24 - خ م: سلْم بن زرير، قال: ليس بالقوي (¬6). 25 - خ: سنان بن ربيعة الباهلي، قال: ليس بالقوي (¬7). 26 - م: سويد بن سعيد الحدثاني، قال النسائي: ليس بثقة (¬8). 27 - خ م: عبدالحميد بن أبي أويس ضَعَّفه النسائي (¬9). 28 - خ م: عبد ربه بن نافع أبو شهاب، قال النسائي: ليس بالقوي (¬10). ¬

_ (¬1) لم يلينه أحد. (¬2) وضعفه ابن معين، وكان يحيى وعبد الرحمن لا يحدثان عنه. (¬3) قال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة ضعيف، وضعفه ابن المديني، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وقد روى له البخاري حديثا واحدا مقرونا. (¬4) وقال الدارقطني مثله، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به. (¬5) وضعفه أحمد ولينه غيره. (¬6) وضعفه غير واحد. (¬7) ومثله قال ابن معين، وقال أبو حاتم: شيخ مضطرب الحديث. وروى له البخاري مقرونا بغيره. (¬8) والكلام فيه كثير. (¬9) ووثقه غيره. (¬10) وقال يعقوب بن شيبة: تكلموا في حفظه. وقال الساجي: صدوق يهم في بعض حديثه. وقال القطان: لم يكن بالحافظ، ولم يرض أمره.

29 - م: عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬1). 30 - م: عبد الله بن عبد الله أبو أويس المدني، قال النسائي: ليس بالقوي (¬2). 31 - م: عبد الله بن عطاء الطائفي، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ضعيف (¬3). 32 - م: عبد الله بن عمر العمري، قال النسائي: ليس بالقوي، وقال مرة: ضعيف الحديث (¬4). 33 - خ: عبد الله بن المثنى الأنصاري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬5). 34 - م: عبد الوهاب بن عطاء الخفاف، قال: ليس بالقوي (¬6). 35 - خ م: عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، قال النسائي: ليس بالقوي (¬7). 36 - خ م: فضيل بن سليمان النميري أبو سليمان البصري، قال النسائي: ليس بالقوي (¬8). 37 - م: فضيل بن مرزوق ضعفه النسائي (¬9). ¬

_ (¬1) وكذا قال أبو حاتم، وقال الدارقطني: يعتبر به. (¬2) وكذلك قال ابن معين وضعفه مرة وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا، وقال الفلاس: فيه ضعف. (¬3) لم يغمزه أحد. (¬4) وتكلم فيه غير واحد. (¬5) وتكلم فيه العقيلي والساجي، وقال ابن معين: ليس بشيء، وقال مرة: ليس بثقة، وتكلم فيه غيرهم. (¬6) وليَّنَهُ غير واحد، وأنكرت عليه أحاديث. (¬7) وقال أبو داود: ليس هو بذاك، وضعفه عثمان الدارمي، وتكلم فيه ابن معين، وقال الجوزجاني: مضطرب الحديث. (¬8) وكذلك قال أبو حاتم، وقال ابن معين: ليس بثقة، وقال مرة: ليس بشيء، ولينه أبو زرعة، وقال صالح جزرة: منكر الحديث. (¬9) وغيره قال أبو حاتم: صدوق صالح الحديث، يهم كثيرا، يكتب حديثه قيل له: يحتج به؟ قال: لا.

38 - خ م: كثير بن شنظير، قال: ليس بالقوي (¬1). 39 - خ: محبوب بن الحسن البصري، ضعفه النسائي (¬2). 40 - خ م: محمد بن بكر البرساني، قال النسائي: ليس بالقوي. 41 - خ م: محمد بن أبي حفصة ضعفه النسائي (¬3). 42 - خ م: محمد بن طلحة بن مصرف قال: ليس بالقوي (¬4). 43 - خ م: مغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله الحزامي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬5). 44 - م: هشام بن سعد، ضعفه النسائي (¬6). 45 - خ م: يحيى بن أيوب الغافقي، قال مرة: ليس بالقوي، ومرة: ليس به بأس (¬7). 46 - خ م: يحيى بن سليم الطائفي، قال النسائي: ليس بالقوي. ونقل عنه أنه قال: ليس به بأس، وهو منكر الحديث عن عبيد الله بن عمر (¬8). 47 - خ م: يحيى بن عبد الله بن بكير، ضعفه النسائي، وقال مرة أخرى: ليس بثقة (¬9). ¬

_ (¬1) وليَّنَهُ غير واحد. (¬2) وقال أبو حاتم: ليس بقوي. أخرج له البخاري حديثا واحدا شاهدا. (¬3) ولينه بعضهم، وقال الدارقطني: ليس بقوي. (¬4) ولينه بعضهم. (¬5) وقال ابن معين: ليس بشيء. (¬6) وتكلم فيه أحمد وابن عدي وكان القطان لا يحدث عنه. (¬7) وقال أحمد: كان سيء الحفظ، وقال الساجي: صدوق يهم، وقال الحاكم أبو أحمد: كان إذا حدث من حفظه يخطىء، وما حدث من كتابه فلا بأس به وقال الدارقطني: في بعض حديثه اضطراب. (¬8) وتكلم فيه أحمد، وقال الدولابي: ليس بالقوي، وتكلم في حفظه. (¬9) وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وكان يفهم هذا الشأن. وتكلم فيه ابن معين، وأنكر الذهبي على النسائي تضعيفه.

48 - م: يحيى بن عيسى الرملي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬1). 49 - م: يحيى بن يمان العجلي، قال النسائي: ليس بالقوي (¬2). قال أبو أنس: قد كان يمكن أن يقال: إن شرط النسائي في الرجال أشد من شرط الشيخين أو أنه أكثر تشددًا منهما في باب الجرح إذا كان قد انفرد بجرح من أخرجا له، فيقال: هذا نظرٌ قد اختصَّ به في مقابل نظرهما، فتصح المقارنة حينئذٍ، أو إذا كان النسائي قد صَنَّفَ صحيحًا تجنَّب فيه إخراج أحاديث لجماعة من رجال الشيخين. لكن قد بان بما سبق أن النسائي قد شُورك في نظره فخرج عن أن يكون نظرًا خاصًّا به، بل هو من اختلاف الاجتهاد الذي لا ينفك عنه البشر. ثم إنه لما صنف "السنن" أخرج لجماعة من المجهولين والضعفاء عند غيره، وربما نبَّه أحيانًا على ذلك، وكثيرا ما لا ينبه وموضوعُ "السنن" أوسع من "الصحيح"، فلا يتعقب عليه في ذلك. يضاف إلى ذلك أن كثيرًا ممن ذكرناهم آنفًا، إنما خرج لهم الشيخان -أو أحدهما- مقرونًا أو استشهادًا، على قلة ذلك -حديثٍ أو حديثين- فلا يمكن مع هذا أن يُقَالَ: إنهما احتجا بهم، كما سبق تقريره في غير موضع. وبالجملة فالنسائي إمامٌ له نظره الخاص، فقد يوثق من يجهله أو يجرحه غيره أو العكس، شأنه في ذلك شأن سائر الأئمة. ويتضح ذلك -في مقابل ما سبق- من المطلب الآتي. ¬

_ (¬1) قال ابن معين: ليس بشيء، وقال ابن عدي: عامة رواياته مما لا يتابع عليه. (¬2) وقال أحمد: لين، وتكلم فيه ابن معين وابن المديني.

المطلب الثاني توسعه في توثيق المجاهيل

المطلب الثاني توسُّعُه في توثيق المجاهيل • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 164): "النسائي يتوسع في توثيق المجاهيل". • وقال في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من مقدمة "التنكيل" (1/ 66): "ينبغي أن يُبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدَّله؛ فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستُهم له وتمكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلسًا واحدًا، أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه، ومنهم من يجاوز ذلك. فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يَعرف ما روى وعمَّن روى ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا. والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما؛ يوثقون مَن كان من التابعن أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد (¬1)، وإن لم يرو عنه إلا واحد ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد. ... وممن وثَّقَهُ النسائي من هذا الضرب: رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة وآخرون". اهـ. ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "مشاهد" وهو خطأ.

قال أبو أنس: هذه أمثلة لمن انفرد النسائي بتوثيقهم من الطبقات المتقدمة: 1 - أوفى بن دلهم العدوي البصري (¬1). 2 - خ م: بعجة بن عبد الله بن بدر الجهني. 3 - ثابت بن قيس الأنصاري الزرقي المدني (¬2). 4 - م: ثمامة بن شفي الهمداني أبو علي المصري. 5 - جابر بن يزيد السوائي (¬3). 6 - الحسن بن علي بن أبي رافع القرشي الهاشمي المدني (¬4). 7 - الحسين بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي المدني (¬5). 8 - خالد بن سُمير السدوسي البصري (¬6). 9 - خشف بن مالك الطائي الكوفي (¬7). 10 - خليفة بن حصين بن قيس بن عاصم التميمي المنقري البصري (¬8). ¬

_ (¬1) قال أبو حاتم: لا يعرف، ولا أدري من هو. وقال الأزدي: فيه نظر. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقد مَرَّت عادة ابن حبان في توثيق أمثال هؤلاء. (¬2) وقال النسائي أيضًا -إضافة إلى توثيقه-: لا أعلم روى عنه غير الزهري. وذكره ابن حبان في "الثقات" وله حديث واحد. (¬3) وقال ابن المديني: لم يرو عنه غير يعلى بن عطاء. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وخرج حديثه في صحيحه. (¬4) ذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته. (¬5) كذلك، وله عند الترمذي والنسائي حديث واحد. (¬6) ووثقه ابن حبان والعجلي، وذكر له ابن عبد البر والبيهقي حديثا أخطأ في لفظةٍ منه. (¬7) وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الدارقطني في "السنن": مجهول. وتبعه البغوي في المصابيح. وقال الأزدي: ليس بذلك. (¬8) وذكره ابن حبان في "الثقات".

11 - رزيق بن حكيم أبو حكيم الأيلي (¬1). 12 - رفاعة بن شداد بن عبد الله بن قيس الفتياني البجلي أبو عاصم الكوفي (¬2). 13 - زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف القرشي الزهري المدني (¬3). 14 - زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد الأسلمي المدني (¬4). 15 - زفر بن صعصعة بن مالك (¬5). 16 - زياد بن جارية التميمي الدمشقي (¬6). 17 - زياد بن الحصن بن أوس، ويقال: ابن قيس النهشلي، عم غسان بن الأغر (¬7). 18 - زيد بن عقبة الفزاري الكوفي (¬8). 19 - سعيد بن سلمة المخزومي من آل ابن الأزرق (¬9). 20 - سعيد بن عبيد بن السباق الثقفي أبو السباق المدني (4). ¬

_ (¬1) ووثقه ابن حبان -لكن وهم فذكره في حرف الزاي- والعجلي وابن سعد، وجميعًا لا يُعوَّل على توثيقهم. (¬2) وذكره ابن حبان في "الثقات"، وله عند النسائي وابن ماجه حديث واحد. (¬3) وذكره ابن حبان في "الثقات"، وله عند الترمذي حديث واحد. (¬4) كذلك. (¬5) كذلك، وله حديث واحد عند النسائي وأبي داود. (¬6) وقال أبو حاتم: شيخ مجهول، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، وذكره ابن أبي عاصم وأبو نعيم في الصحابة، ولا يصح. (¬7) وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى له النسائي حديثا واحدًا. (¬8) ووثقه العجلي وابن حبان. (¬9) وذكره ابن حبان في "الثقات".

21 - سلمة بن صفوان بن سلمة الأنصاري الزرقي المدني (¬1). 22 - سويد بن قيس التجيبي المصري (¬2). 23 - صعصعة بن مالك، والد زفر بن صعصعة، بصري (1). 24 - عاصم بن عمرو، ويقال: ابن عمر، حجازي من أهل المدينة (¬3). 25 - عاصم بن لقيط بن صبرة العقيلي، حجازي (¬4). 26 - عاصم العدوي، كوفي (1). 27 - عبد الله بن السائب بن يزيد الكندي أبو محمد المدني ابن أخت نمر (¬5). 28 - عبد الله بن سفيان بن عبد الله الثقفي الطائفي (¬6). 29 - عبد الله بن قدامة بن عنزة أبو السواء العنبري البصري (¬7). 30 - عبد الله بن نجي بن سلمة بن جشم الحضرمي الكوفي (¬8). ¬

_ (¬1) كذلك. (¬2) كذلك، ووثقه يعقوب بن سفيان وقال الذهبي في "الميزان": "لا يعرف، تفرد عنه يزيد بن أبي حبيب، لكن وثقه النساني". اهـ. (¬3) كذلك، وقال علي بن المديني: ليس بمعروف، لا أعرفه إلا في أهل المدينة. له عند الترمذي والنسائي حديث واحد. (¬4) كذلك، وذكره الذهبي في "الميزان" وقال: "ما روى عنه سوى إسماعيل بن كثير المكي، وقيل: روى دلهم عن أبيه عنه قال النسائي: ثقة". اهـ. (¬5) قال أحمد: لا أعرفه من غير حديث ابن أبي ذئب. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: روى عنه أهل المدينة. قال ابن حجر في "التهذيب": إن كان أراد بهذا الإطلاق ابن أبي ذئب فهو محتمل، وإن كان مراده ظاهر اللفظ فشاذّ. اهـ وذكره الذهبي في "الميزان" بتفرد ابن أبي ذئب عنه. (¬6) ووثقه العجلي وابن حبان، وذكره الذهبي في "الميزان". (¬7) وذكره ابن حبان في "الثقاته"، وله عند النسائي حديث واحد. (¬8) قال البخاري: فيه نظر. وقال الدارقطنى: ليس بقوي في الحديث. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال الشافعي: مجهول.

31 - عبد الله بن يسار الجهني الكوفي (¬1). 32 - عبدالحميد بن المنذر بن الجارود العبدي البصري (¬2). 33 - عبد الرحمن بن أبان بن عثمان بن عفان القرشي الأموي المدني (¬3). 34 - عبد الرحمن بن عائذ الأزدي الثمالي، ويقال: الكندي، ويقال: اليحصبي أبو عبد الله، ويقال: أبو عبيد الله الشامي الحمصي (¬4). 35 - عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد القرشي الأموي المكي (3). 36 - عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشي العدوي أبو محمد المدني (3). 37 - عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي الأموي أبو الأصبغ المدني (¬5). 38 - عبيد الله بن عبد الله بن أقرم بن زيد الخزاعي، حجازي. 39 - عبيد بن تعلى الطائي الفلسطيني (¬6). 40 - عدي بن دينار المدني (¬7). 41 - عفيف بن عمرو بن المسيب السهمي (¬8). ¬

_ (¬1) وذكره ابن حبان في "الثقات". (¬2) كذلك، وله حديث واحد عند ابن ماجه. (¬3) كذلك. (¬4) كذلك، وهو تابعي، وذكره بعضهم في الصحابة ولا يصح. وضعفه الأزدي. (¬5) كذلك، ووثقه ابن سعد، ووصفه بقلة الحديث. وذكره الذهبي في "الميزان". (¬6) كذلك، وقال ابن المديني: "لم يسمع به في شيء من الأحاديث". وله حديث واحد عند أبي داود، قد اختلف في إسناده. (¬7) كذلك، وله عندهم حديث واحد. (¬8) كذلك وقال الذهبي: شيخ لبكير بن الأشج لا يدرى من هو.

42 - علي بن خالد الدؤلي المدني (¬1). 43 - عمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري الأوسي أبو عبد الله، ويقال: أبو محمد المدني (¬2). 44 - عمرو بن وهب الثقفى (¬3). 45 - عمران بن نافع (¬4). 46 - كثير بن أفلح المدني مولى أبي أيوب الأنصاري (¬5). 47 - محمد بن عبد الله بن أبي سليم المدني (¬6). 48 - معمر بن مخلد الجزري أبو عبد الرحمن السروجي، وقيل: معمر بالتشديد. 49 - المغيرة بن أبي بردة، ويقال: المغيرة بن عبد الله بن أبي بردة، حجازي، ويقال: عبد الله بن المغيرة بن أبي بردة الكناني (¬7). 50 - نوفل بن مساحق بن عبد الله الأكبر بن مخرمة القرشي العامري أبو سعد، ويقال: أبو سعيد، ويقال: أبو مساحق. 51 - يحيى بن عبيد المكي مولى السائب بن أبي السائب المخزومي. ¬

_ (¬1) كذلك، وقال الدارقطني: شيخ يعتبر به. (¬2) وثقه ابن سعد وابن حبان، وقال ابن حزم: مجهول لا يدرى من هو. (¬3) ووثقه ابن سعد والعجلي وابن حبان. وذكره الذهبي في "الميزان" وقال: تفرد عنه ابن سيرين إلا أن النسائي وثقه. (¬4) وذكره ابن حبان في "الثقات". وله عند النسائي حديث واحد. وذكره الذهبي في "الميزان" وقال: "لا يعرف، روى عنه بكير بن الأشج، لكن وثقه النسائي". اهـ. (¬5) كذلك ووثقه العجلي. (¬6) وقال الذهبي: لا يعرف. (¬7) ذكره الذهبي في "الميزان".

52 - يزيد بن زياد، ويقال: يزيد بن أبي زياد، ويقال: يزيد بن قلاد بن أبي زياد المدني (¬1). 53 - أبو مريم الثقفي المدائني، ويقال: الحنفي الكوفي (¬2). قال أبو أنس: يلاحظ مما سبق، أن جماعةً من هؤلاء لم يتفق مع النسائي في توثيقهم إلا أمثال ابن حبان، والعجلي، وابن سعد، وحالهم في التوثيق معروفة، وترى شيئا من ذلك في تراجمهم من هذا الكتاب. وجماعة أخرى قد جهَّلهم أمثال: أحمد، وابن المديني، وأبو حاتم، والشافعي، والدارقطني، وابن حزم. وآخرون قد ضعفهم البعض كالبخاري، والدارقطني. وأكثرهم لم يرو عنهم إلا واحد، وليس لهم إلا حديث واحد، ومن أجل ذلك ذكر بعضَهم الذهبي في "الميزان" مع ذكره توثيق النسائي له، ولم يمنعه توثيقُ النسائي من ذكر هؤلاء في "الميزان" مع أنه لم يذكر فيهم جرحا. يشير جميع ذلك إلى ما لابد منه؛ وهو القول أن للنسائي اصطلاحا خاصًّا في إطلاق كلمة "ثقة" على رجال هذه الطبقة من التابعين، وأنه يبعد جدًّا أن تكون كإطلاقها على مشاهير الرواة الذين كثرت أحاديثهم وسُبرت، واعتمد عليها الأئمة، وملئوا بها مصنفاتهم. وقد سبق توجيه الشيخ المعلمي لذلك، فراجعه. ¬

_ (¬1) وقال البخاري: لا يتابع على حديثه. (¬2) وقال الدارقطني: مجهول.

المبحث الثاني: منهجه في إيراد اختلاف الروايات في سننه

المبحث الثاني: منهجه في إيراد اختلاف الروايات في سننه ترتيب النسائي أحاديث عند ذكر الخلاف فيه. يقول ابن رجب الحنبلي في "شرح العلل" (1/ 411): "وقد اعترض على الترمذي بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالبًا، وليس ذلك بعيب، وكان قصده: ذكر العلل، ولهذا تجد النسائي إذا استوعب طرق الحديث بدأ بما هو غلط، ثم يذكر بعد ذلك الصواب المخالف له، وأما أبو داود: فكانت عنايته بالمتون أكثر، ولهذا يذكر الطرق واختلاف ألفاظها، والزيادات المذكورة في بعضها دون بعض، فكانت عنايته بفقه الحديث أكثر من عنايته بالأسانيد، فلهذا يبدأ بالصحيح من الأسانيد، وربما لم يذكر الإسناد المعلل بالكلية ... ". اهـ. هكذا أطلق ابنُ رجب، والأمر ليس على إطلاقه؛ فقد تبين أنه قدم أحيانا الصواب وأخَّر الخطأ في عدة مواضع، منها: كتاب الصلاة - ذكر اختلاف الناقلين لخبر زيد بن ثابت في صلاة الوسطى. كتاب الصيام -فضل شهر رمضان- ذكر الاختلاف على الزهري فيه. أما الشيخ المعلمي فقد صرح بأن النسائي إذا اكتفى بإيراد الطريق السالمة من العيوب، ولم يورد ما يُعكر عليها مما فيه علّة مع وجوده واشتهاره أَشْعَرَ ذلك بأنه يرى الحكم للسالمة من العلة، وأن الأخرى لا تضر. فقد قال الشيخ في "التنكيل" (2/ 75): "وروى سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عند النسائي، ومحاضر بن المورع عند الدارقطني، عن هشام بن عروة، عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن جده

أنه كان يقول: ضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام خيبر للزبير بن العوام أربعة أسهم: سهما للزبير وسهمًا لذي القربى -لصفية بنت عبد المطلب أم الزبير- وسهمين للفرس. سعيد ومحاضر من رجال مسلم، وفي كل منهما مقال. واقتصر النسائي في باب: سهمان الخيل على هذا الحديث، ولم يتعقبه بشيء، وذاك يشعر بأنه صحيح عنده لا يضره الخلاف. وقد رواه عيسى بن يونس عند ابن أبي شيبة، ومحمد بن بشر العبدي عند الدارقطني (ص 471)، وابن عيينة عند الشافعي كما في "مسند" بهامش "الأم" (6/ 250) ثلاثتهم، عن هشام بن يحيى مرسلا ... ". قال أبو أنس: قول الشيخ المعلمي: "وذاك يشعرُ ... " ربما يقويه أن النسائي طويلُ النَّفَس في ذكر الخلاف في الأبواب، وربما ذكر أنواعًا من الخلاف قد لا تراها في كتاب آخر، فيصير تركه لخلاف مشهور ومؤثر؛ كإرسال موصول أو وقف مرفوع ونحو ذلك مُشعر بما قاله المعلمي، أو يقال: لعلَّه لم يطَّلِعْ عليه، ويؤيدُه خلوّ بعض الأبواب من أنواع من الخلاف الذي تراه في كتب الأئمة. فكلا الطرفين يمكن رؤيتهما في سنن النسائي: طُول النَّفَس جدًّا، مع تفرده أحيانا بذكر وجوه من الخلاف، وفي المقابل: اقتصاره أحيانا على وجه واحد مع حكاية غيره وجوه أُخر. ولذا، فالذي يظهر لي أن الترك حيئذ يصعب حَمْلُه على عدم الاعتداد أو على أنه رآه خلافا لا يضر، والساكت لا يُنسب له قولٌ إلا بقرينة قوية، والله تعالى أعلم. * * *

تطبيق يتعلق بما نسب إلى النسائي من التشيع

تطبيق يتعلق بما نسب إلى النسائي من التشيع في ترجمة سليمان بن عبدالحميد البهراني الحمصي من "التنكيل" (105): "قال الأستاذ -يعني الكوثري-: "مختلف فيه يقول النسائي عنه: كذاب ليس بثقة" (¬1). فقال الشيخ المعلمي: "قد أحسن الأستاذ بقوله: "مختلف فيه"؛ فإن سليمان هذا وثقه مَسلمة، وقال ابن أبي حاتم: "هو صديق أبي، كتب عنه، وسمعت منه بحمص، وهو صدوق" وروى عنه أبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده كما مرّ في ترجمة أحمد بن سعد ابن أبي مريم. وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "كان ممن يحفظ الحديث ويتنصَّب". والنسائي: نُسب إلى طرفٍ من التشيع، وهو ضدّ التنصّب، فلعلّه سمع سليمان يحكي بعض الكلمات الباطلة التي كان يتناقلها أهل الشام في تلك البدعة التي كانت رائجة عندهم وهي النَّصْب. وقد قال الأستاذ (ص 163): "فلا يعتد بقول من يقول: فلان يكذب ما لم يفسر وجه كذبه ... ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) في "تهذيب الكمال" (12/ 23) زيادة: "ولا مأمون".

ابن حبان

ابن حبان (ت 354 هـ)

يتعلق بابن حبان هنا إجمالا مطلبان: الأول: فيما قيل في حَقِّهِ مما لا تعلق له بمنهجه في باب الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل. وفيه ثلاثة أمور: 1 - قولُ ابن الصلاح فيه: غلط الغلط الفاحش في تصرفه. 2 - ما نُقل عنه أنه قال: "النبوة: العلم والعمل". 3 - ما نُقل من إنكاره الحدّ لله تعالى. الثاني: ما له تعلُّقٌ بذلك. وفيه تسعة أمور: 1 - منزلة ابن حبان بين أهل النقد. 2 - منهج ابن حبان في شرائط إيراده للرواة في كتاب "الثقات". 3 - ذِكْرُ بعض عادات ابن حبان في إيراد الرواة في كتاب "الثقات". 4 - درجات توثيق ابن حبان. 5 - فيما ذُكر من تعنت ابن حبان في باب الجرح في مقابل ما وُصف به من التساهل في باب التوثيق. 6 - تفسير بعض الألفاظ التي يطلقها ابن حبان في كتاب "الثقات". 7 - شرائط ابن حبان في تصحيح الأخبار. 8 - النظر في طبقة شيوخ وشيوخ شيوخ ابن حبان. 9 - أمثلة لما أُخذ على ابن حبان في تناقضه بتوثيق مَنْ ضَعَّفَهُ في موضع آخر.

المطلب الأول ما لا صلة له بمنهجه في الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل

المطلب الأول ما لا صلة له بمنهجه في الجرح والتعديل أو التصحيح والتعليل الأمر الأول قولُ ابن الصلاح فيه: غلط الغلط الفاحش في تصرفه نقله الشيخ المعلمي -فيما يظهر- عن "اللسان"، وهذا بِدَوْره يذكره عن "الميزان"، وهو نَقْلٌ مجملٌ لم يتضح فيه مراد ابن الصلاح بهذا الغلط الفاحش. ولذا فقد اضطر الشيخ المعلمي أن يجيب عنه جوابًا مجملًا أيضًا حسبما حَدَسَ أن يكون هو مراد ابن الصلاح، فقال: في "التنكيل" (1/ 436): "ابن الصلاح ليس منزلته أن يُقبلَ كلامُه في مثل ابن حبان بلا تفسير، والمعروف مما يُنْسَبُ ابنُ حبان فيه إلى الغلط أنه يذكر بعض الرواة في "الثقات" ثم يذكرهم في "الضعفاء"، أو يذكر الرجل مرتين، أو يذكره في طبقتين ونحو ذلك، وليس ذلك بالكثير، وهو معذور في عامَّةِ ذلك، وكثير من ذلك أو ما يشبهه قد وقع لغيره كابن معين والبخاري". اهـ. كلام المعلمي.

قال أبو أنس: بالرجوع إلى أصل كلام ابن الصلاح -الذي لم يَطَّلِعْ عليه المعلمي- يتضح المراد، فقد قال ابن الصلاح في كتابه "طبقات الشافعية" (1/ 115 - 116): "كان أبو حاتم هذا: واسعَ العلم، جامعًا بين فنون منه، كثيرَ التصنيف، إمامًا من أئمة الحديث، كثيرَ التصرف فيه والافتنان، يسلك مسلك شيخه ابن خزيمة في استنباط فقه الحديث ونُكَتِهِ، وربما غلط في تصرُّفِهِ الغلطَ الفاحش على ما وجدتُّه". اهـ. قلت: فوضح أنه أراد غلطه في بعض استنباطاته وتأويلاته وتبويباته في كتابه "التقاسيم والأنواع" المعروف بـ "صحيح ابن حبان". ولذا فقد عَقَّبَ الذهبيُّ في "الميزان" (4/ 427) قولَ ابن الصلاح بقوله: "صَدَقَ أبو عمرو، وله أوهام كثيرف تَتَبَّعَ بعضَها الحافظُ ضياء الدين" (¬1). اهـ. وقال في "السير" (16/ 97): "في تقاسيمه من الأقوال والتأويلات البعيدة والأحاديث المنكرة عجائب، وقد اعترف أن "صحيحه" لا يقدر على الكشف منه إلا من حفظه" (¬2). وأبان السيوطي عن سبب ذلك فقال في "تدريب الراوي" (1/ 109): "صحيح ابن حبان ترتيبه مخترع، ليس على الأبواب ولا على المسانيد، ولهذا سماه ¬

_ (¬1) سأورد ما ذكره الذهبي منها بعد قليل. (¬2) قال ابن حبان في مقدمة "التقاسيم والأنواع" (ص 150): "قصدنا في نظم السنن حذو تأليف القرآن؛ لأن القرآن أُلِّفَ أجزاءً، فجعلنا السنن أقسامًا بإزاء أجزاء القرآن ... وإذا كان عنده هذا الكتاب وهو لا يحفظه، ولا يتدبر تقاسيمه وأنواعه، وأحبَّ إخراج حديث منه، صعب عليه ذلك، فإذا رام حفظه أحاط علمه بالكل، حتى لا ينخرم منه حديثه أصلًا، وهذا هو الحيلة التي احتلنا ليحفظ الناس السنن ... ".

"التقاسيم والأنواع" وسببه أنه كان عارفًا بالكلام والنحو والفلسفة، ولهذا تُكلم فيه ونُسب إلى الزندقة ... " (¬1). وذكر الذهبي في "السير" (16/ 98 - 102) عن الحافظ الضياء أمثلةً لما غلط ابن حبان في تأويله، فقال الذهبي: "قرأت بخط الحافظ الضياء -في جزء عَلَّقَهُ- مآخذَ على كتاب ابن حبان، فقال في حديث أنس في "الوصال": فيه دليل على أن الأخبار التي فيها وضع الحَجَر على بطنه من الجُوع كلها بواطيل، وإنما معناها: الحُجَز، وهو طرف الرداء، إِذِ الله يطعم رسوله، وما يغني الحجرُ من الجوع" (¬2). قلت: فقد ساق في كتابه حديثَ ابن عباس في خروج أبي بكر وعمر من الجوع، فلقيا النبي -صلى الله عليه وسلم- فأخبراهُ فقال: أخرجني الذي أخرجكما. فدلَّ على أنه كان يُطْعَمُ ويُسْقَى في الوِصَال خَاصَّة (¬3). وقال في حديث عمران بن حصين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لرجل: "أَصُمْتَ من سَرَرِ شعبان شيئًا؟ " قال: لا. قال: "إذا أفطرت فصم يومين" (¬4). فهذه لفظة استخبار، يريد الإعلام بَنفْي جواز ذلك، كالمُنْكِرِ عليه لو فعله، كقوله لعائشة: "تسترين الجدر". وأمره بصوم يومين من شوَّال، أراد به انتهاء السِّرار. وذلك في الشهر الكامل، والسِّرار في الشهر الناقص يوم واحد. ¬

_ (¬1) سيأتي ما في هذه النسبة في الأمر الثاني والثالث إن شاء الله تعالى. (¬2) "الإحسان" (3579). (¬3) "الإحسان" (5216). (¬4) "الإحسان" (3588).

قلنا: لو كان مُنْكِرًا عليه لما أمره بالقضاء. ... وحديث: "كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله تسع نسوة" وفي رواية الدستوائي، عن قتادة: "وهي إحدى عشرة" (¬1). قال ابن حبان: فحكى أنس ذلك الفعلَ منه أولَ قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، والخبر الأول إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة، حيث كان تحته تسع؛ لأن هذا الفعل كان منه مرات. قلنا: أول قدومه فما كان له سوى امرأة، وهي سودة، ثم إلى السنة الرابعة من الهجرة لم يكن عنده أكثر من أربع نسوة، فإنه بنى بحفصة وبأمِّ سلمة في سنة ثلاث، وقبلها سَوْدة وعائشة، ولا نعلم أنه اجتمع عنده في آنٍ إحدى عشرة زوجة. ... حديث ابن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر في رجب (¬2). قال ابن حبان: "فيه البيان بأنَّ الحَبْر الفاضل قد يَنْسى، قال: لأنَّ المصطفى ما اعتمر إلا أربعًا: أولاها: عمرة القضاء عام القابل من عام الحديبية، قال: وكان ذلك في رمضان. ثم الثانية حين فَتح مكة في رمضان، ولما رجع من هوازن اعتمر من الجِعِرَّانَة وذلك في شوال، والرابعة مع حجته". فوهم أبو حاتم كما ترى في أشياءة ففي "الصحيحين" (¬3) لأنس: اعتمر نبي الله أربع عُمر، كلهن في ذي القعدة إلا التي في حجته: عمرة الحديبية، وعمرته من العام المقبل، وعمرته من الجِعِرَّانَة. وقال: ذِكْر ما كان يقرأ عليه السلام في جلوسه بين الخطبتين، فما ذكر شيئًا. اهـ. ¬

_ (¬1) (1209). (¬2) (3945). (¬3) البخاري (1780) (4148) ومسلم (1253).

الأمر الثاني ما نقل عنه أنه قال: "النبوة: العلم والعمل"

الأمر الثاني ما نُقل عنه أنه قال: "النبوة: العلم والعمل" قال أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري مؤلف كتاب "ذم الكلام": "سمعت عبد الصمد بن محمد بن محمد يقول: سمعت أبي يقول: أنكروا على أبي حاتم بن حبان قوله: "النبوة: العلم والعمل" فحكموا عليه بالزندقة، وهُجِرَ، وكُتب فيه إلى الخليفة، فَكَتب بقتله". حكاه الذهبي في "السير" (¬1) ثم عقبه بقوله: "هذه حكاية غريبة، وابن حبان فمن كبار الأئمة، ولسنا ندعي فيه العصمة من الخطأ، لكن هذه الكلمة التي أطلقها، قد يطلقها المسلم، ويطلقها الزنديق الفيلسوف، فإطلاق المسلم لها لا ينبغي، لكن يُعْتَذَرُ عنه فنقول: لم يُرِدْ حَصْرَ المبتَدأ في الخبر (¬2)، ونظيرُ ذلك قولهُ عليه الصلاة والسلام: "الحج عرفة" ومعلوم أن الحاجَّ لا يصير بمجرد الوقوف بعرفة حاجا، بل بقي عليه فروض وواجبات، وإنما ذكر مُهِمَّ الحج. وكذا هذا ذكر مُهِمَّ النبوة؛ إذْ من كمل صفات النبي -صلى الله عليه وسلم-: كمال العلم والعمل، فلا يكون أحدٌ نبيًّا إلا بوجودهما، وليس كُلُّ من برز فيهما نبيًّا؛ لأن النبوة موهبة من الحقِّ تعالى، لا حيلةَ للعبد في اكتسابها، بل بها يتولد العلم اللَّدُنِّي والعمل الصالح. وأما الفيلسوف فيقول: النبوة مكتسبة ينتجها العلم والعمل، فهذا كُفْرٌ، ولا يريده أبو حاتم أصلًا، وحاشاه". اهـ. ¬

_ (¬1) "السير" (16/ 95 - 96). (¬2) يعني أنه لم يُرد حصر النبوة في العلم والعمل.

وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/ 922) نحو هذا مختصرًا، ثم قال: "ولا ريب أن إطلاق ما نُقل عن أبي حاتم لا يَسُوغُ، وذلك نفسٌ فَلْسَفِيٌّ". وقال الشيخ المعلمي في الجواب عن ذلك أيضًا في "التنكيل" (1/ 437): "إن صَحَّ هذا عنه فهو قول مُجْمَلٌ، وابنُ حبان معروف عنه في جميع تصانيفه أنه يعظم النبوة حق تعظيمها، ولعله أراد أن المقصود من إيحاء الله عز وجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يَعْلَمَ هو ويعملَ، ثم يبين للناس فيعلموا ويعملوا". اهـ. * * *

الأمر الثالث ما نقل من إنكاره الحد لله تعالى

الأمر الثالث ما نُقل من إنكاره الحدّ لله تعالى قال أبو إسماعيل الأنصاري: "سمعت يحيى بن عمَّار الواعظ وقد سألته عن ابن حبان، فقال: نحن أخرجناه من سجستان، كان له علم كثير، ولم يكن له كبيرُ دِين، قدم علينا فأنكر الحدَّ لله، فأخرجناه". عقبه الذهبي في "السير" (¬1) بقوله: "إنكاركم عليه بدعة أيضًا، والخوض في ذلك مما لم يأذن به الله، ولا أتى نصٌّ بإثبات ذلك ولا بِنَفْيِه. ومن حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه، وتعالى الله أن يُحدَّ أو يوصف إلا بما وصف به نفسَهُ، أو عَلَّمه رسلَه بالمعنى الذى أراد، بلا مِثْل ولا كيف {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. اهـ. قال الشيخ المعلمي في الجواب عن ذلك في "التنكيل" (1/ 437): "لعلَّه امتنع من التصريح بإثبات الحدِّ باللفظ الذي اقْتُرِحَ عليه، أو أَتى بعبارةٍ حملها المُشَنِّعُون (¬2) على إنكار الحدّ كما اتفق للبخاري في القرآن، وغير ذلك، وكتبُ ابن حبان من أولها إلى آخرها جارية على التمسك بالسنة والثناء على أصحابها وذم من يخالفها، وهو من أَخَصِّ أصحاب ابن خزيمة أحد أئمة السنة". اهـ. ¬

_ (¬1) "السير" (16/ 97). (¬2) وذلك أنه لم يُنقل هنا اللفظُ الذي قاله في هذه المسألة، وإنما حَكى مخالِفُه إنكارَه للحدِّ دون تفسيرٍ لألفاظ هذا الإنكار. لكن قد قال ابن حبان في مَطْلَعِ مقدمته لكتاب "الثقات": "الحمد لله الذي ليس له حدٌّ محدود ... ".

المطلب الثاني ما يتعلق بمنهج ابن حبان في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل وغير ذلك

المطلب الثاني ما يتعلق بمنهج ابن حبان في الجرح والتعديل والتصحيح والتعليل وغير ذلك وهو المراد هنا. وينتظم ذلك هنا في تسعة أمور: الأمر الأول منزلة ابن حبان بين أهل النقد قال الحازمي في كتابه "شروط الأئمة الخمسة" (ص 31 - 32): "ابنُ حبان أَمْكَنُ في الحديث من الحاكم". اهـ. وقال ابن كثير في كتابه: "اختصار علوم الحديث" (ص 26): "قد التزم ابن خزيمة وابن حبان الصحة، وهما خير من "المستدرك" بكثير، وأنظف أسانيد ومتونًا". اهـ. قال أبو أنس: قد نُسب ابنُ حبان إلى التعنت في الجرح، وإلى التساهل في التصحيح والتوثيق أيضا، وهذا مما قد يُوهِمُ الاضطرابَ في الحكم على ابن حبان من حيث الاعتماد عليه في باب النقد.

وسيأتي في الفصول الآتية شرحُ ما يدفعُ هذا الإيهامَ، ويُبَيِّنُ وَجْهَ الحكم عليه في الحالتين إن شاء الله تعالى. وخلاصة ذلك: أنه وإن كان يتساهل في توثيق من لم يَعرف من حالهم شيئًا بناءً على البراءة الأصلية عنده، فإنه ربما تعنَّت فيمن وقف له على حديث منكر أو أكثر ممن وثقه جمهور الأئمة، فلا هو بالمتساهل مطلقًا، ولا هو بالمتعنت مطلقًا، ولِكُلِّ مقامٍ مقالٌ، فلا تعارض ولا إيهام، ويأتي تفصيل ذلك قريبًا، والله الموفق. ومما يبُيّنُ منزلةَ ابن حبان عند الشيخ المعلمي، مع ما سيأتي من تفصيل قوله فيه: (1) أنه قابلَ قولَ أبي زرعة وأبي حاتم بقول ابن حبان في القاسم بن أُمية؛ ففي تعليق المعلمي على "الفوائد المجموعة" (ص 265): "ذكر الرازيان أنه -يعني القاسم بن أمية- صدوق. وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث (¬1). وقال: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أَوْلى. أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وُجد الأمر كما قال ابن حبان ترجَّح قولُه وبان أن هذا الرجل تغيَّرت حالُه بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهمَ، وقد تفرد بهذا". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك".

قال أبو أنس: فهاك منهجٌ للمعلمي تُضربُ له أكبادُ الإبل، وهو: أن الجرحَ المُفسَّرَ المُبَرْهَنَ عليه لا يُدفعُ بالتعديل المطلق، مهما تفاوتَ قدرُ الجارح والمعدِّل، بل ربما كان مع الجارح زيادةُ علمٍ أو غيرها من الملابسات، هذا حتى ولو كان الجارح معروفًا بالتعنت والمجازفة في الجرح. وأوضحُ من ذلك في إرساء هذا المنهج ما ذكره الشيخ المعلمي في ترجمة مهنأ بن يحيى من "التنكيل" رقم (255) إذ قال فيه أبو الفتح الأزدي: "منكر الحديث". فقال الشيخ المعلمي: "الأزدي نفسه متكلم فيه حتى رُمي بالوضع ... و ... في عبارة ابن الجوزي في "المنتظم" (8/ 368): ذكر -يعني الخطيب- مهنأ بن يحيى، وكان من كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحكى ... عن أبي الفتح الأزدي ... وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكُلِّ ... فلا يستحيي الخطيب أن يقابلَ قولَ الدارقطني في مهنأ بقول هذا ثم لا يتكلم عليه؟ أقول: عفا الله عنك يا أبا الفرج ... وعليك في كلامك هذا مؤاخذات: ... الرابعة: أن الأزدي ذكر مُتَمَسَّكَهُ، فلا يسوغُ ردُّ قوله إلا ببيانِ سقوطِ حجته. أما متمسك الأزدي فهو أن مهنأ روى عن زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر حديثًا في الجمعة، ولا يُعلم رواه أحدٌ غيره عن زيد بن أبي الزرقاء، ولا أحد غير زيد بن أبي الزرقاء عن سفيان الثوري، فلا يُعرف عن الثوري إلا بهذا الإسناد ... فلو كان ابن الجوزي نظر في هذا الحديث وحَقَّقَ، لكان أَوْلَى به مما صنع، وعلى كل حال فغاية ما في الباب أن يكون مهنأ أخطأ في سند هذا الحديث، فكان ماذا؟ وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان من خيار الناس في حديث أحمد بن حنبل وبشر

الحافي، مستقيم الحديث" ويكفيه مكانته عند أحمد وثناء أصحابه عليه. والله أعلم". اهـ. كلام المعلمي. قلت: فانظر كيف أقام المعلمي لجرح الأزدي -على ما فيه- وزنًا؛ لَمَّا فسَّرَهُ الأزدي وبَيَّن مستنده فيه ولم يقبل المعلمي دَفْعَ ابن الجوزي له لمجرد ما في الأزدي من الطعن. وفي جواب المعلمي عما رُمي به ابن حبان من المجازفة والتهور في الجرح أحيانًا يقول المعلمي في ترجمة ابن حبان من "التنكيل" رقم (200): "إنما ذلك في مواضع غير كثيرة، يرى ما يستنكره للراوي، فيبالغ في الحطّ عليه، وهذا أمرٌ هيِّن؛ لأنه إن كان فيمن قد جرحَه غيره فكما يقول العامّة: "لا يضر المقتول طعنة" وإن كان فيمن وثقه غيره، لم يُلتفت إلى تشنيعه، وإنما ينظر في تفسيره وما يحتج به". اهـ. (2) مثال آخر لبيان منزلة ابن حبان عند المعلمي أنه قابلَ تجهيلَ أبي حاتم للراوي بمعرفة ابن حبان له. فقد ترجم ابن أبي حاتم في "الجرح" (8 / ت 1431) لمصعب بن خارجة، ولم يزد في نسبه شيئًا، وبيَّض لشيوخه والآخذين عنه، ونقل عن أبيه قولَه فيه: "مجهول". فقال الشيخ المعلمي في ترجمة مصعب من "التنكيل" (246): "قد عرفه ابن حبان فقال في "الثقات": مصعب بن خارجة بن مصعب، من أهل سرخس، يروي عن حماد بن زيد وأبيه، روى عنه أهل بلده، مات سنة إحدى أو اثنتن ومائتين، وكان على قضاء سرخس". اهـ. كلام المعلمي.

قال أبو أنس: واضح من سياق ابن أبي حاتم للترجمة أن أباه لم يعرف عنه سوى أنه وقع له هكذا في بعض الأسانيد. والله تعالى أعلم. (3) وفي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم من "التنكيل" رقم (244): "وثقه الخطيب لكن في "اللسان" أنه ربما يخطىء. وقال البيهقي: غير قوي، وقال أبو الفتح الأزدي: حدث بأحاديث لا يتابع عليها". قال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات": مسلم بن أبي مسلم الجرمي، سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين. وقدمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه. فأما أبو الفتح محمد بن الحسن الأزدي، فليس في نفسه بعمدة حتى لقد اتهموه بوضع الحديث. ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يُتابَعَ في كل ما حدَّث به، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر. والظاهر أن الأزدي إنما عنى الحديث الذي ذكره البيهقي، وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يقل أحدكم زرعته، ولكن ليقل حرثته". قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63 - 64].

وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة عن أحمد بن الوليد القرشي عن مسلم. وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه] وقال: إن مسلمًا غيرُ قويّ. ولعل ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث، على أن الصواب موقوف، وأخطأ مسلم في رفعه. ومسلم مكثر في التفسير كما يُعلم من "تفسير ابن جرير" فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله. وابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي". اهـ. * * *

الأمر الثاني منهج ابن حبان في شرائط إيراده للرواة في كتاب "الثقات"

الأمر الثاني منهج ابن حبان في شرائط إيراده للرواة في كتاب "الثقات" • قال الشيخ المعلمي: في ترجمة ابن حبان من "التنكيل" (1/ 436): "بَيَّن ابنُ حبان اصطلاحه وهو أنه يذكر في "الثقات" كُلَّ مَنْ روى عنه ثقة ولم يرو منكرًا، وأن المسلمين على العدالة حتى يثبت الجرح، وقد ذهب غيره من الأكابر إلى قريبٍ من هذا كما قدمته في "قسم القواعد" في القاعدة السادسة. نعم، إنه ربما يظهر أنه يذكر الرجل ولم يعلم ما روى، ولا عمَّن روى، ولا من روى عنه. وعذره في هذا أنه بنى على رأيه أن المسلمن على العدالة، واستأنس بصنيع بعض من تقدمه من الأئمة (¬1) مِنْ ذكر ذلك الرجل بدون إشارة إلى ضعفٍ فيه ... ومع ذلك يُبين ابن حبان بعدم ذكر شيخ الرجل ولا راوٍ عنه أنه لم يعرفه". اهـ. • وقال في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من قسم القواعد من "التنكيل" (1/ 66): "ينبغي أن يُبحث عن معرفة الجارح أو المعدِّل بمن جرحه أو عدله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له وتمكنت معرفتهم به، بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة وسمع منه مجلسًا واحدًا، أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه ومنهم من يجاوز ذلك. ¬

_ (¬1) لاسيما البخاري في "التاريخ الكبير" كما سيأتي.

فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سمَّاه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى، وعمَّن روى، ومن روى عنه ... والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد. وابن معين والنسائي وآخرون غيرهما يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا روايةَ أحدهم مستقيمة؛ بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد (¬1)، وإن لم يَرْوِ (¬2) عنه إلا واحد، ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد ... وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، نَصَّ على ذلك في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (1/ 14) واستغربه، ولو تدبَّر لوجد كثيرًا من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديثَ الراوي فوجدها مستقيمة تدل على صدق وضبط ولم يبلغه ما يوجب طعنًا في دينه وثَّقَهُ، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف". اهـ. قال أبو أنس: قد أفصح ابن حبان عن شرطه في كتاب "الثقات"، فقال في مقدمة الكتاب: "كل من أذكره في هذا الكتاب فهو صدوق يجوز الاحتجاج بخبره إذا تعرَّى عن خصالٍ خمسٍ، فإذا وُجد خبرٌ منكرٌ عن شيخٍ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرتُ أسماءهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفك عن إحدى خصالٍ خمسٍ: إما: أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخ ضعيف سوى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الله نَزَّه أقدارهم عن إلزاق الضعف بهم. ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "مشاهد" وهو خطأ. (¬2) في "التنكيل": "يروا" كذلك.

أو: دونه شيخ واهٍ لا يجوز الاحتجاج بخبره. أو: الخبر يكون مرسلًا لا يلزمنا به الحجة. أو: يكون منقطعًا لا تقوم بمثله الحجة. أو: يكون في الإسناد شيخ مدلس لم يبين سماع خبره عمن سمع منه ... فإذا وُجد الخبرُ متعرّيًا عن هذه الخصال الخمس، فإنه لا يجوز التنكب عن الاحتجاج به؛ لأن العدل من لم يُعرف منه الجرح ضد التعديل، فمن لم يُعلم بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده؛ إذ لم يُكَلَّف الناسُ من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم". اهـ. ويقول ابن حبان في موضع آخر: "الناس في أقوالهم على الصلاح والعدالة حتى يتبين ما يوجب القدح هذا حكم المشاهير من الرواة، فأما المجاهيل الذين لم يَرو عنهم إلا الضعفاءُ، فهم متروكون على الأحوال كلها". اهـ. وقال الحافظ ابن حجر كما في كتاب "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 37) عنه: "إذا لم يكن في الراوي جرح ولا تعديل، وكان كلٌ من شيخه والراوي عنه ثقة، ولم يأت بحديث منكر، فهو عنده -أي ابن حبان- ثقة، وفي كتاب "الثقات" له كثير ممن هذه حاله". اهـ. قال أبو أنس: الناظر في كلام ابن حبان السابق، تتبين له ملامحُ منهجه في التصحيح والتوثيق. • أما في التصحيح فإنه اختزل شرطين من الشرائط المعروفة عند أهل النقد في الحكم على الحديث بالصحة، هما: الأول: انتفاء الشذوذ.

الثاني: انتفاء العلة (¬1). وستأتي إشارة الشيخ المعلمي إلى عدم تَقَيُّد ابن حبان بشرائط المنكر عند أهل العلم، والتي بيَّنها الإمام مسلم في مقدمة "صحيحه". • وأما في التوثيق ففيه ملاحظتان: الأولى: أنه لم يشترط في العدالة ما يرفع جهالة حال الرجل، بل اكتفى برفع جهالة عينه برواية ثقة عنه، وربما كان ذاك الراوي عنه ممن أجرى عليه ابن حبان تلك الشرائط فلا يمتنع أن يكون مجهول الحال أيضًا (¬2)، وهكذا. وقد علَّق الحافظ ابن حجر على مذهب ابن حبان هذا بقوله في مقدمة كتاب "لسان الميزان" (1/ 93): "وهذا الذي ذهب إليه ابن حبان -من أن الرجل إذا انتفت جهالة عينه كان على العدالة إلى أن يتبين جرحه- مذهب عجيب، والجمهور على خلافه، وهذا هو مسلك ابن حبان في كتاب "الثقات" الذي ألَّفَهُ؛ فإنه يذكر خَلْقًا ممن يَنُصُّ عليهم أبو حاتم وغيره على أنهم مجهولون، وكأنَّ عند ابن حبان أن جهالة العين ترتفع برواية واحد مشهور، وهو مذهب شيخه ابن خزيمة، ولكن جهالة حاله باقية عند غيره". اهـ. الثانية: أنه لم يشترط في العدالة أيضا ما يثبت به ضبط الراوي (¬3). ¬

_ (¬1) ثم رأيت الحافظ ابن حجر يشير إلى عدم اشتراط ابن حبان لهذين الشرطين، وذلك في كتابه: "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/ 290). (¬2) بل أكثر من هذا، وانتظر. (¬3) قد أشار إلى ذلك أيضًا الحافظ ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/ 290).

وبعد، فقد أبانَ ابنُ حبان عن منهجه، وأفصح عن طريقته، وتبين من صريح كلامه، وأكَّده الحافظ ابن حجر، أن في كتاب "الثقات" جملةً وافرةً مِمَّن ذكرهم ابن حبان على البراءة الأصلية في تعديل المسلمين، خلافًا لجمهور أهل العلم الذين اعتبروا هذا الضرب من الرواة في حَيِّز الجهالة. وقد سبقت بعض النكات المتعلقة بحدود "الجهالة" في ترجمة أبي حاتم الرازي من هذا الكتاب. والمقصود هنا أن ابن حبان قد وضع شروطًا لتوثيق الرواة تَقْصُرُ عن الشروط المعتبرة عند أئمة الحديث. أقول: مع ما سبق من صريح كلام ابن حبان فقد أفاد بعض الباحثين أن ابن حبان لا ينبغي أن يُنسبَ له توثيقُ أحدٍ ممن ذكرهم في "الثقات" إلا إذا ضمَّن ترجمته تعديلا صريحا؛ كان يصفه بالثقة أو التثبت أو الإتقان أو اليقظة، ونحو ذلك، أما غير هذا فإنه لم يقصد توثيقه، إنما أراد فهرسة ما وقف عليه من رواة الأسانيد، وهذا بلا شك أَعَذْرُ لابن حبان، وأرفعُ للإشكال؛ وهو أمرٌ مرغوبٌ فيه، إلا أنه لا يُساعد عليه صريحُ كلامِ ابن حبان. وعلى كل حالٍ، فالمحصلة بالنسبة إلينا واحدة، وقد سبقت مراتب الاعتماد على ابن حبان في توثيق الرواة، والله تعالى الموفق. وقد أجاد الشيخ العلامة المعلمي في تعليقاته النفيسة على كتاب "الفوائد المجموعة" للشوكاني، إذ وضع الأمور في نصابها، وأعطى كتاب "الثقات" حَقَّهُ وأنزله منزلته.

(1) ففي "الفوائد" (ص 294) حديث: "من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة لم تقبل له صلاة تلك الليلة". قال الشوكاني: قيل هو موضوع، وقد تفرد به عاصم بن مخلد، وهو مجهول. وقال في "اللآلىء": هو في "مسند" أحمد من هذه الطريق. قال ابن حجر في "القول المسدد": ليس في شيء مما ذكره أبو الفرج ابن الجوزي ما يقتضي الوضع. وعاصم ليس مجهولا، بل ذكره ابن حبان في "الثقات" ... فعلَّق الشيخ المعلمي بقوله: "قاعدة ابن حبان أن يذكر في "ثقاته" المجهول إذا لم يعلم في روايته ما يستنكره، وهذا معروف مشهور، فَذِكْرُهُ الرجل في "ثقاته" لا يمنع كونه مجهولا". اهـ. (2) وقال الشيخ في تعليقه على "الفوائد" (ص 492): "موسى هذا -يعني: ابن جبير- ذكره ابن حجر في "التقريب" وقال: مستور. وذكره ابن حبان في "ثقاته"، لكنه قال: يخطىء ويخالف. وذِكْرُ ابن حبان للرجل في "ثقاته" وإخراجُه له في "صحيحه" لا يخرجه عن جهالة الحال، فأما إذا زاد ابن حبان فغمزه بنحو قوله هنا: يخطىء ويخالف، فقد خرج عن أن يكون مجهول الحال إلى دائرة الضعف". اهـ.

(3) وقال في تعليقه على "الفوائد" (ص 70): "محمد بن ثابت بن سباع ذكره ابن حبان في "الثقات" وذلك لا يكفي في معرفة حاله". (4) وقال في تعليقه على "الفوائد" (ص 240) في أبي المبارك الذي روى عنه يزيد بن سنان الرهاوي: "مجهول، وذِكْرُ ابن حبان له في "الثقات" لا يُخرجه عن ذلك". (5) وقال فيه (ص 299): "عمر بن إبراهيم بن محمد بن الأسود، له ترجمة في "الميزان" و"اللسان" وهو مجهول، ذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في ذكر المجاهيل ... ". قال أبو أنس: هذا من حيث بيان الخلل الواقع في منهج ابن حبان في باب توثيق الرواة. ولكن هل وَفَّى ابنُ حبان بتلك الشروط التي وضعها للتوثيق؟ قد عقد السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 108) مقارنةً بين ابن حبان والحاكم في شرائط التوثيق والتصحيح، ثم قال: "فالحاصل أن ابنَ حبان وَفَّى بالتزام شروطه، ولم يُوَفِّ الحاكم". اهـ.

أقول: أما الحاكم فسيأتي الكلام عنه في موضعه، وأما ابن حبان، فَزَعْمُ أنه وَفَّى بالتزام شروطه -على ما فيها- زَعْمٌ ينقصه التدقيق والتحرير، ويتبين ذلك مما يلي: (1) في "الفوائد" (ص 414 - 415) حديث: "دعوني من السودان، إنما الأسود لبطنه وفرجه". ... وقد رواه العقيلي، عن أم أيمن مرفوعًا، وفي إسناده خالد بن محمد بن خالد ابن الزبير. قال أبو حاتم: هو مجهول. وقال في "اللسان": ذكره ابن حبان في "الثقات". فعلَّق الشيخ المعلمي بقوله: "هذا لا ينفي الجهالة، فإنه من قاعدة ابن حبان أن يذكر المجهولين في "ثقاته" بشرطٍ قرَّرَه، ومع ذلك لا يفي به؛ فإن من شرطه أن لا يروي الرجلُ منكرًا، وهذا قد روى هذا المنكر، بل قال البخاري: منكر الحديث". اهـ. (2) وفي "الفوائد" (ص 474) حديث: "مِنْ سعادة المرء خِفَّةُ لحيته". رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا، وفي إسناده: المغيرة بن سويد وهو مجهول. ورواه ابن عدي ... قال السيوطي في "اللآلىء": المغيرة ذكره ابن حبان في "الثقات".

فقال الشيخ المعلمي: "قاعدة ابن حبان ذِكْرُ المجهولين في "ثقاته" بشروطٍ ذكرها، ومع ذلك يخل بالوفاء بها". اهـ. (3) وفي "الفوائد" (ص 273): بشر بن عبيد ... كذَّبه الأزدي، وقال في "اللسان": ذكره ابن حبان في "الثقات". فقال الشيخ المعلمي: "لا ينفعه ذلك، فقد قال ابن عدي: منكر الحديث عن الأئمة، بَيِّن الضعف جدًّا". اهـ. وقال الشيخ في "الفوائد" (ص 61) معلقًا على ترجمة بشر هذا: "بشر هالك ... وابن حبان معروف بالتسامح في كتابه "الثقات". (4) وفي "الفوائد" (ص 343) قولُ عليٍّ: "أنا عبد الله وأخو رسول الله، أنا الصديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلا كاذب، صليت قبل الناس بسبع سنين". رواه النسائي في "الخصائص"، وفي إسناده: عباد بن عبد الله الأسدي، وهو المتهم بوضعه. وقال ابن المديني: ضعيف الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات". فقال الشيخ المعلمي: "لا يفيد ذلك شيئًا مع كلام كبار الأئمة فيه وظُهور سُقوطِه". اهـ.

قال أبو أنس: •• ومن أمثلة من ذكرهم ابن حبان في "الثقات" وهم من الهَلْكى والمتروكين: (1) عمرو بن مالك الراسبي. وقال: يخطىء ويغرب. وانظر: "تهذيب الكمال" (22/ 257)، و"ميزان الاعتدال" (6435). (2) إبراهيم بن هشام بن يحيى الغساني الدمشقي. وقد أخرج له في "صحيحه"، وهو كذاب، وانظر: "الميزان" (244). (3) عبد الله بن خراش. وقال: ربما أخطأ، وقد كُذِّب. انظر: "تهذيب الكمال" (14/ 453). (4) الحسن بن عبد الأول. وهو كذاب. انظر: "الميزان" (2016)، و"اللسان" (2775). •• ومن أمثلة ما خالف فيه ابن حبان شرطه فيمن يورده في كتابه أن يكون الراوي عنه وشيخه ثقات: (1) خالد بن زيد الجهني: ذكره ابن حبان في "الثقات" (4/ 197) بروايته عن أبيه وعنه: عبد الله بن محمد ابن عقيل، وعبد الله مجروح عند ابن حبان نفسه، كما في "المجروحين" (2/ 3). (2) محمد بن عقبة بن أبي مالك القرشي: ذكره ابن حبان في "الثقات" (5/ 359) وذكر أنه روى عنه زكريا بن منظور، وهو عنه منكر الحديث جدًّا كما في "المجروحين" (1/ 314)، ومحمد بن رفاعة وهو ابن ثعلبة بن أبي مالك القرظي، ذكره ابن حبان وحده في "الثقات" على قاعدته، وقال الأزدي: منكر الحديث.

الأمر الثالث في ذكر بعض عادات ابن حبان في إيراد الرواة في كتاب "الثقات"

الأمر الثالث في ذكر بعض عادات ابن حبان في إيراد الرواة في كتاب "الثقات" أولًا: يذكر الرجل في "الثقات" بناء على أنه يروي المناكير التى رويت من طريقه أنَّ الحمل فيها على غيره: (1) في "الفوائد" (ص 350) حديث أسماء بنت عميس: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُوحَى إليه ورأسُه في حِجْرِ عَلِيٍّ، فلم يُصَلِّ العصر حتى غربت الشمس ... " وهو حديث ردّ الشمس لعلي ليدرك صلاة العصر. فَوَهَّنَهُ الشيخ المعلمي وحكى استنكار أكثر أهل العلم له، وبيَّن وجوه هذا الاستنكار. وذكر مِنْ طُرقه: ما رواه فضيل بن مرزوق، عن إبراهيم بن الحسن (¬1)، عن فاطمة بنت الحسن، عن أسماء بنت عميس. وقيل: عن فضيل عن إبراهيم عن فاطمة بنت علي عن أسماء. وقال الشيخ المعلمي في التعليق على هذا الإسناد: "إبراهيم لا يكاد يُعرف بالرواية، إنما يُذكر عنه هذا الخبر، وخبرٌ آخر رواه عن أبيه، عن جدِّه، عن عليٍّ مرفوغا: "يظهر في آخر الزمان قومٌ يُسَمَّوْن الرافضة، يرفضون الإسلام" أُخرج في "زوائد مسند أحمد"، الحديث (808)، وذكره البخاري ¬

_ (¬1) هو إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أخو عبد الله بن الحسن الهاشمي.

في "التاريخ" في ترجمة إبراهيم (¬1)، وفي ذلك إشارة إلى أن الحمل فيه عليه، وذكره الذهبي في "الضعفاء" (¬2). وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" كأنه بنى على أن هذين الخبرين لا يثبتان عنه فبقي عنده على أصل العدالة بحسب قاعدته". اهـ. (2) في "الفوائد" (ص 55 - 56) حديث أبي هريرة: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، وإذا دخل بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين، فإن الله جاعلٌ له من ركعتيه في بيته خيرًا". قال الشيخ المعلمي في تعليقه: "في سنده: إبراهيم بن يزيد بن قديد، رواه سعد بن عبد الحميد عنه، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا. ذكر البخاري إبراهيم هذا في "التاريخ" (1/ 1 / 336) وذكر هذا الحديث، ثم قال: هذا لا أصل له. وفي ترجمة إبراهيم من "الميزان" (¬3) ذكر هذا الحديث، وأن ابن عدي (¬4)، قال: هذا منكر بهذا الإسناد عن الأوزاعي. ¬

_ (¬1) (1 / ت 897). (¬2) "ديوان الضعفاء" (ص 9)، وهو مترجم أيضا في "اللسان" (1/ 47)، و"تعجيل المنفعة" (1/ 256) وغيرهما. (¬3) (748). (¬4) "الكامل" (1/ 252).

وفي "اللسان" أن العقيلي (¬1) ذكر إبراهيم وقال: في حديثه وهم وغلط. ثم ساق هذا الحديث. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في "الموضوعات" (¬2) عن الأزدي، وأنه قال في إبراهيم: ليس حديثه بشيء، روى عن الأوزاعي مناكير، منها ... فذكر هذا الحديث ثم قال: لا أصل له. تعقَّبَهُ السيوطي في "اللآلىء" (2/ 24) بقوله؛ قلت: قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان" (¬3): إبراهيم هذا ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬4). اهـ. ثم ذكر الشواهد، وكذا صنع "شارح الإحياء" (3/ 465) مع أن بقية عبارة "اللسان": فقال -يعني: ابن حبان: يعتبر حديثه من غير رواية سعد (¬5) ... (و) سعد بن عبد الحميد بن جعفر ... ترجمته في "التهذيب" (3/ 477)، وفيها عن ابن حبان: كان ممن يروي المنكير عن المشاهير، وممن فحش وهمه حتى حسن التنكب عن الاحتجاج به. وعلى كل حال فقد بان أن ابن حبان إنما ذكر إبراهيم في "الثقات"؛ لأنه يرى الحمل في هذا الحديث على الراوي عنه. اهـ. ¬

_ (¬1) (1/ 72). (¬2) (3/ 75). (¬3) (1/ 125). (¬4) (8/ 61). (¬5) ذكره الشيخ المعلمي نقلا عن "اللسان": "سعيد" ونبَّه المعلمي على خطأ الحافظ ابن حجر في ذلك بالدلائل، وقد أوردته كاملا في ترجمة إبراهيم من قسم التراجم رقم (28) ولا حاجة بنا هنا إلى ذلك فاكتفيت بما نحن بصدده منه، والله تعالى الموفق.

ثانيا: إذا تردد ابن حبان في توثيق راو ذكره في "الثقات" وغمزه

ثانيًا: إذا تردد ابن حبان في توثيق راوٍ ذكره في "الثقات" وغَمَزَهُ: (1) ترجم الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 484) لـ: محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان الأموي أبي عبد الله المدني الملقب بـ: الديباج، فقال: "فيه نظر، قال البخاري: عنده عجائب. وقال العقيلي: لا يكاد يتابع على حديثه. وقال النسائي في موضع: ثقة. ثم كأنه رجع، فقال في موضع آخر: ليس بالقوي، ولم يخرج له هو ولا أحد من الستة غير ابن ماجه. وقال ابن حبان في "الثقات": في حديثه عن أبي الزناد بعض المناكير. ومن شأن ابن حبان إذا تردد في راوٍ أنه يذكره في "الثقات" ولكنه يغمزه ... " اهـ (2) وترجم في "الفوائد" أيضًا (ص 364) لـ: ميمون أبي عبد الله الكندي البصري مولى عبد الرحمن بن سمرة، فقال: "كان يحيى القطان لا يحدث عنه، وسُئل عنه فحمض وجهه، وقال: زعم شعبة أنه كان فسلا. وقال الإمام أحمد: عنده مناكير (¬1). وقال النسائي والحاكم أبو أحمد: ليس بالقوي. وقال ابن حبان في "الثقات" (¬2): كان يحيى القطان سيءَ الرأي فيه. ¬

_ (¬1) في "الجرح" (8 / ت 1057)، وتهذيب الكمال" (29/ 232)، و"تهذيبه" (10/ 393): "أحاديثه مناكير" وبينهما فرق. (¬2) (5/ 418).

ثالثا: عادة ابن حبان فيمن لم يجد عنه إلا راو واحد

ولم يتعقب ابنُ حبان هذا بشيء، وقد عُرف من صنيعه أنه قد يذكر الرجل في "الثقات" ويضعفه أو يتردد فيه، فهذا من ذاك". اهـ. ثالثًا: عادة ابن حبان فيمن لم يجد عنه إلا راوٍ واحدٍ: قال الشيخ المعلمي في مقدمة تحقيقه لكتاب "الجرح والتعديل" (ص: يو). "قد يذكر المؤلف -يعني: ابنَ أبي حاتم- الرجلَ ولا يستحضر عمَّن رَوى، ولا مَنْ رَوى عنه، أو يستحضر أحدهما دون الآخر، فيدع لما لا يستحضره بياضًا: روى عن ... روى عنه .... ويكثر ذلك في الأسماء التي ذكرها البخاري ولم ينص. وعادة ابن حبان في "الثقات" أن لا يدع بياضًا، ولكن يقول: "يروي المراسيل - روى عنه أهل بلده" كأنه اطلع على ذلك، أو بنى على أن البخاري إنما لم يذكر عمن يروي الرجل لأنه لم يرو عن رجل معين وإنما أرسل، وأن الغالب أنه إذا كان الرجل ممن يُروى عنه، فلابد أن يروي عنه بعض أهل بلده. وطريقة المؤلف -يعني ابنَ أبي حاتم- أحوط كما لا يخفى". اهـ. * * *

الأمر الرابع في درجات توثيق ابن حبان

الأمر الرابع في درجات توثيق ابن حبان نَعَى الشيخ المعلمي على الكوثري إكثاره من ردّ توثيق ابن حبان -يعني حينما يكون هواه في الردِّ- وحقَّق القولَ في درجات توثيقه، فقال في ترجمة ابن حبان من "التنكيل" رقم (200): "التحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يصرح به كأن يقول: "كان متقنًا" أو"مستقيم الحديث" أو نحو ذلك. الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم (¬1). الثالثة: أن يكون من المعروفين بكثرة الحديث بحيث يُعلم أن ابن حبان وقف له على أحاديث كثيرة. الرابعة: أن يظهر من سياق كلامه أنه قد عرف ذاك الرجل معرفة جيدة. الخامسة: ما دون ذلك. فالأولى: لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم. والثانية: قريب منها. والثالثة: مقبولة. والرابعة: صالحة. والخامسة: لا يُؤْمَنُ فيها الخلل. والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬1) سيأتي في المطلب التاسع: النظر في طبقة شيوخ ابن حبان.

قال أبو أنس: يُعْلَمُ مما سبق ومما يأتي إن شاء الله تعالى أنَّ هذه الأحكامَ أَغْلَبيَّةٌ، وكُلُّ حالةٍ تتجاذبها القرائن المحتفة بها، ولعل أحكام الشيخ المعلمي على توثيقات ابن حبان فيما ذكرناه آنفًا وسيأتي، أكثر واقعية من الناحية العملية التطبيقية بعيدًا عن الناحية النظرية التقسيمية. وعلى كل حال فإن للشيخ المعلمي تطبيقات على ما يراه مقبولا من توثيقات ابن حبان، وكلها في كتاب "التنكيل"، وهاك بيانها: (1) في ترجمة: محمد بن معاوية الزيادي وهو البصري الذي يلقب: عصيدة من "التنكيل" رقم (234): " ... وقال ابن حبان في "الثقات": "كان صاحب حديث". فدل هذا أنه قد عرفه حق معرفته، وقدمنا في ترجمة ابن حبان أن مثل هذا من توثيقه توثيقٌ مقبولٌ، بل قد يكون أثبتَ من توثيق كثير من الأئمة؛ لأن ابن حبان كثيرًا ما يتعنت في الذين يعرفهم". اهـ. فذاك من الدرجهَ الأولى من درجات التوثيق الآنفة. (2) وفي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم وهو الجرمي رقم (244): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: مسلم بن أبي مسلم الجرمي سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون، ومخلد بن الحسين، ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين وقد قدمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه". اهـ. فذاك من الدرجة الثالثة أو الرابعة.

(3) وفي ترجمة: عبد الله بن عمر بن الرماح وهو النيسابوري قاضي نيسابور، رقم (126): "قال ابن حبان في "الثقات" (¬1): عبد الله بن عمر بن ميمون بن الرماح السعدي أبو عبد الرحمن البلخي قاضي نيسابور، روى عن مالك ووكيع وأهل العراق، حدثنا عنه الحسين بن إدريس الأنصاري، وعبد الله بن محمد الأزدي، مستقيم الحديث إذا حدث عن الثقات، وقد قيل: كنيته أبو محمد، وكان مرجئًا، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. وهذا من ابن حبان توثيق مقبول كما يأتي في ترجمته". اهـ. فذاك كسابقه. (4) وفي ترجمة: الحسن بن إدريس الهروي رقم (81): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: (كان ركنًا من أركان الحديث في بلده) وأخرج له في "صحيحه". وقد عرفه حق المعرفة، وتوثيق ابن حبان لمن عرفه حق المعرفة من أثبت التوثيق كما يأتي في ترجمة ابن حبان، وقد وافقه غيره على توثيق الحسين". اهـ. وذاك من الدرجة الأولى. (5) وفي ترجمة: عبد الله بن محمود السعدي المروزي، من طليعة "التنكيل" (ص 59) قال الشيخ المعلمي في الحاشية: ¬

_ (¬1) (8/ 357) وفيه: عبد الله بن عمرو ...

"هو من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان، وذكره ابن حبان في "ثقاته" مع روايته عنه في "صحيحه"، وتوثيق ابن حبان لمن عرفهم وخبرهم من أعلى التوثيق؛ فإنه يتشدد في هؤلاء ويحسن الظن بغيرهم". اهـ. وذاك من الدرجة الثانية. (6) وفي ترجمة: إسماعيل بن حمدويه وهو البيكندي من طليعة "التنكيل" (ص 60)؛ قال الكوثري: مجهول. فقال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يروي عن أبي نعيم وأبي الوليد وأهل البصرة، حدثنا عنه مُحَمَّد بن المنذر شكّر، كان مقيمًا بالرملة زمانًا وكتب عنه شكّر. فقد عرفه ابن حبان وعرف حديثه، وتوثيقه لمن عرفه وعرف حديثه مقبول، كتوثيق غيره من الأئمة، ويأتي شرح ذلك في ترجمة ابن حبان". اهـ. فذاك من الدرجة الثالثة أو الرَّابعة. * * *

الأمر الخامس فيما ذكر من تعنت ابن حبان في باب الجرح في مقابل ما وصف به من التساهل في باب التوثيق

الأمر الخامس فيما ذُكر من تعنت ابن حبان في باب الجرح في مقابل ما وُصف به من التساهل في باب التوثيق قال أبو أنس: سبقت الإشارة في الأمر الأول إلى نسبة ابن حبان إلى أمرين ظاهرهما التعارض، أَلا وهما: التساهل في التوثيق، والتعنت في الجرح. وقد مَرَّ في الأمر الثاني تقرير الشيخ المعلمي لتساهل ابن حبان في قاعدته في توثيق المجاهيل، مع ما زدناه من البيان والنقل عن أهل العلم. لكن مما يلفت النظر أنه يوجد في كلام بعض النقاد وصفُ ابن حبان بالتعنت في باب الجرح بما ظاهره عكس ما مَرَّ في تلك القاعدة. (1) ففي ترجمة: مُحَمَّد بن الفضل السدوسي ولقبه عارم من "الميزان" (3/ 121) بعد ذكر توثيقه وتقديمه: "قال الدارقطني: تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديث منكر، وهو ثقة. قال الذهبي: فهذا قول حافظ العصر الذي لم يأت بعد النسائي مثله فأين هذا القولُ من قولِ ابن حبان الخسَّاف المتهور في عارم فقال: اختلط في آخر عمره وتغيَّر حتَّى كان لا يدري ما يحدَّثُ به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة؛ فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون؛ فإذا لم يُعلم هذا من هذا تُرك الكُلُّ، ولا يحتج بشيء منها. قلت: ولم يَقْدِر ابنُ حبان أن يسوق له حديثًا منكرًا، فأين ما زعم؟ ". اهـ.

(2) وفي ترجمة: سعيد بن عبد الرحمن الجمحي من "الميزان" أيضًا (1 / ت 3227). "وثقه ابن معين وغيره. وقال ابن عدي: له غرائب حسان، وأرجو أنها مستقيمة؛ وإنما يهم فيرفع موقوفًا ويوصل مرسلًا، لا عن تعمد. وأما ابن حبان، فإنه خسَّاف قصَّاب، فقال: روى عن الثَّقات أشياء موضوعة". اهـ. (3) وفي ترجمة: عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي منه (3/ 442): "يحدث عن قوم ضعاف ... وهو لا بأس به في نفسه. وأما ابن حبان فإنه يُقَعْقِعُ كعادته، فقال فيه: يروي عن قوم ضعاف أشياء يدلسها عن الثقات، حتَّى إذا سمعها المستمع لم يَشُكَّ في وضعها، فلما كثر ذلك في أخباره أُلزقت به تلك الموضوعات، وحمل الناس عليه في الجرح، فلا يجوز عندي الاحتجاج بروايته كلها بحال ... (و) لم يرو ابن حبان في ترجمته شيئًا، ولو كان له عنده شيء موضوع لأسرع بإحضاره، وما علمت أن أحدًا قال في عثمان بن عبد الرحمن هذا: إنه يدلس عن الهَلْكى، إنما قالوا: يأتي عنهم بمناكير، والكلام في الرجال لا يجوز إلا لتامَّ المعرفة تامِّ الورع". اهـ. (4) وفي ترجمة: أفلح بن سعيد المدني منه (1 / ت 1023): "وثقه ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث. وقال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحل الاحتجاج به، ولا الرواية عنه بحال. فقال الذهبي: ابن حبان ربما قَصَبَ الثقة حتى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه". اهـ.

(5) وفي ترجمة: سالم بن عجلان الأفطس من "هدي الساري" للحافظ ابن حجر: "قال أبو حاتم: صدوق نقي الحديث وكان مرجئًا، وقال الجوزجاني: كان يخاصم في الإرجاء، داعيةً، وهو في الحديث متماسك، وأفرط ابن حبان فقال: كان مرجئًا يقلب الأخبار وينفرد بالمعضلات عن الثقات ... قلت: ... وأما ما وصفه به من قلب الأخبار وغير ذلك فمردود بتوثيق الأئمة له، ولم يستطع ابن حبان أن يورد له حديثًا واحدًا". اهـ. قال أبو أنس: ومن مجازفات ابن حبان في جرحه للرواة: (1) قوله في بهز بن حكيم بن معاوية: "يخطىء كثيرًا، فأما أحمد وإسحاق فيحتجان به، وتركه جماعة من أئمتنا، ولولا حديث" إنا آخذوها وشطر إبله عزمة من عزمات ربنا" لأدخلناه في "الثقات" وهو ممن أستخير الله فيه". قال الذهبي في ترجمة بهز من "تاريخ الإسلام" في الطبقة الخامسة عشرة: "على أبي حاتم البستي في قوله مؤاخذات: إحداها: قوله: "كان يخطىء كثيرًا"، وإنما يُعرف خطأ الرجل بمخالفة رفاقه له، وهذا فانفرد بالنسخة المنفردة المذكورة وما شاركه فيها [أحد] ولا له في عامتها رفيق، فمن أين لك أنه أخطأ؟ الثانية: قوله: "تركه جماعة" فما علمت أحدًا تركه أبدًا، بل قد يتركون الاحتجاج بخبره، فهلا أفصحت بالحق؟ الثالثة: قوله: ولولا حديث: "إنا آخذوها" فهو حديث انفرد به بهز أصلا ورأسًا، وقال به بعض المجتهدين". اهـ.

(2) قوله في عبد الله بن إنسان الطائفي في "الثقات": "كان يخطىء". فقال الذهبي في ترجمة عبد الله من "الميزان" (3 / ت 4215): "هذا لا يستقيم أن يقوله الحافظ إلا فيمن روى عدَّة أحاديث، فأما عبد الله هذا فهذا الحديث (¬1) أول ما عنده وآخره، فإن كان قد أخطأ فحديثه مردود على قاعدة ابن حبان". اهـ. ويجيب الشيخ المعلمي عن تنديد الكوثري على ابن حبان بوصف الذهبي له بمثل تلك الأوصاف، بقوله في ترجمة ابن حبان من "التنكيل": "إنما ذلك في مواضع غير كثيرة، يرى ما يستنكره للراوي فيبالغ في الحطِّ عليه وهذا أمر هيّن؛ لأنه إن كان فيمن قد جرحه غيره فكما يقول العامة: "لا يضر المقتول طعنة" (¬2) وإن كان فيمن وثقه يخرج لم يُلتفت إلى تشنيعه، وإنما ينظر في تفسيره وما يحتج به". اهـ. لكن يعلق الشيخ في الأمر التاسع من القاعدة السادسة من "التنكيل" على قول ابن حبان في شعبة مولى ابن عباس: "روى عن ابن عباس ما لا أصل له حتى كأنه ابن عباس آخر" بقوله: "ابن حبان كثيرًا ما يُهَوِّلُ مثل هذا التهويل في غير محلِّه كما يأتي في ترجمته". ويُفَصِّلُ الشيخ هذه القضية في الأمر الثامن من تلك القاعدة، فيقول: "ابن حبان قد يذكر في "الثقات" مَنْ يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه. ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا ... ". ¬

_ (¬1) هو حديثه عن عروة عن أَبيه مرفوعًا: "إن صَيْد وَجٍّ وعضاهه حرم محرم الله". (¬2) التنديد بابن حبان إنما هو في جرحه البالغ للثقة أو من هو قريب منه، لا في مبالغته في جرح المجروح، والأمثلة التي سقتها آنفًا تدل على ذلك.

قال أبو أنس: في هذا فَصْلُ الخِطاب إن شاء الله تعالى، فابنُ حبان بينما يذكر في ثقاته من لم يعرفهم أصلا، إذا هو يبالغ في الحطِّ على الراوي الثقة بالحديث الواحد أو الحديثين مما يستنكره عليه. إذًا، فلا يعتد بتوثيق ابن حبان إلا لمن عرفهم وخبرهم وسبر أحاديثهم، ولا يُعتد بجرحه لمن وثَّقه غيرُه ما لم يُفَسِّرْ وجهَ جرحِه فيُنظر فيه، والله تعالى الموفق. * * *

الأمر السادس في تفسير بعض الألفاظ التي يطلقها ابن حبان في كتاب "الثقات"

الأمر السادس في تفسير بعض الألفاظ التي يطلقها ابن حبان في كتاب "الثقات" أولاً: قوله: ربما أخطأ، وربما خالف، ونحوهما: قال أبو أنس: يطلق ابن حبان هذا في كبارٍ، ولا تعني الضعف عنده، وقد أفصح عن منهجه في ذلك. • فقال في ترجمة: عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي في "الثقات" (7/ 97): "ربما أخطأ، كان عبد الملك من خيار أهل الكوفة وحفاظهم، والغالب على من يحفظ ويحدث من حفظه أن يَهِمَ في روايته، ولو سلكنا هذا المسلك للزمنا ترك حديث الزهري وابن جريج والثوري وشعبة؛ لأنهم أهل حفظ وإتقان، وكانوا يحدثون من حفظهم ولم يكونوا معصومين حتَّى لا يَهِمُوا في الروايات. والأَوْلى في مثل هذا قبولُ ما يَروي الثبت من الروايات، وتركُ ما صح أنه وَهِمَ فيها، ما لم يفحش ذلك حتَّى يغلب على صوابه، فإن كان كذلك استحق الترك حينئذ". اهـ. • وقال في ترجمة: سعيد بن سفيان الجَحْدري من"الثقات" أيضًا (8/ 265): "كان ممن يخطىء، حمل عليه عليّ بن المديني، وليس من سَلك مَسْلك الأثبات، ثم لم يتعرَّ من الوهم والخطأ، استحق الحمل عليه حتَّى يُعدل به عن مسلك الأثبات إلى غيرهم". اهـ.

ثانيا: قوله: يغرب

وقد قرَّر الشيخ المعلمي هذا المنهج. • فقال في ترجمة: مسلم بن أبي مسلم وهو الجرمي رقم (244) من "التنكيل": "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: مسلم بن أبي مسلم الجرمي سكن بغداد يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعن ومائتين. وقد قدَّمْنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه". اهـ. • وقال في ترجمة يوسف بن أسباط من "التنكيل" أيضًا رقم (268): "قال ابن معين: ثقة. وقال ابن حبان في "الثقات": كان من عباد أهل الشام، وقرائهم، سكن أنطاكية وكان لا يأكل إلا الحلال، فإن لم يجده استف التراب، وكان من خيار أهل زمانه، مستقيم الحديث، ربما أخطأ، مات سنة 195. فعبارة ابن حبان تعطي أن خطأه كان يسيرًا لا يمنع من الاحتجاج بخبره حيث لم يتبين خطؤه، ويشهد لذلك إطلاق ابن معين أنه ثقة ... ". اهـ. ثانيًا: قوله: يغرب: قال الشيخ المعلمي في ترجمة: علي بن صدقة من "التنكيل" رقم (161): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يغرب". وابن حبان قد يقول مثل هذا لمن يستغرب له حديثًا واحدًا أو زيادة في حديث". اهـ. لكن قال الشيخ في تعليقه على "الفوائد" (ص 347): "السندي بن عبدويه مجهول الحال، وذكره ابن حبان في "الثقات"، ثم نقض ذلك بقوله: يغرب". هـ.

ثالثا: قوله: يخطىء ويخالف

ثالثًا: قوله: يخطىء ويخالف: علَّق الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 492) على حديث من طريق موسى بن جبير فقال:"موسى هذا ذكره ابن حجر في التقريب وقال: "مستور" وذكره ابن حبان في "ثقاته"، لكنه قال: "يخطىء ويخالف" وذِكْرُ ابن حبان للرجل في "ثقاته" وإخراجه له في "صحيحه" لا يُخرجه عن جهالة الحال، فأما إذا زاد ابن حبان فغمزه بنحو قوله هنا: "يخطىء ويخالف" فقد خرج عن أن يكون مجهول الحال إلى دائرة الضعف". اهـ. * * *

الأمر السابع في شرائط ابن حبان في تصحيح الأخبار

الأمر السابع في شرائط ابن حبان في تصحيح الأخبار قال أبو أنس: اشتهر كتابُ ابنِ حبان "التقاسيم والأنواع" المعروف بـ "صحيح ابن حبان" بذكره في كتب "مصطلح الحديث" عند الكلام على مظانِّ الحديث الصحيح الزائد على ما في "الصحيحين"، لكن مع ذِكْرهم له بالتساهل في التصحيح، وأنه قريب من الحاكم في ذلك. وقد أسلفتُ في الفصل الثاني أن ابن حبان قد أفصح عن شرائطه في التوثيق والتصحيح، إذ يقول في مقدمة "الثقات": "كُلُّ شيخٍ ذكرتُه في هذا فهو صدوق يجوز الاحتجاج بروايته إذا تعرَّى عن خمسِ خصالٍ: فإذا وُجد خبرٌ منكرٌ عن شيخٍ من هؤلاء الشيوخ الذين ذكرتُ أسماءهم فيه كان ذلك الخبر لا ينفكُّ عن إحدى خصالٍ خمسٍ: إما: أن يكون فوق الشيخ الذي ذكرته في هذا الكتاب شيخٌ ضعيفٌ سوى أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن الله نَزَّه أقدارهم عن إلزاق الضعف بهم. أو: دونه شيخ واهٍ لا يجوز الاحتجاج بخبره. أو: الخبر يكون مرسلًا لا يلزمنا به الحجة. أو: يكون منقطعًا لا تقوم بمثله الحجة. أو: يكون في الإسناد شيخ مدلس لم يبيَّن سماع خبره عمن سمع منه ...

فإذا وُجد الخبرُ متعرِّيًا عن هذه الخصال الخمس، فإنه لا يجوز التنكب عن الاحتجاج به؛ لأن العدلَ من لم يُعْرَفْ منه الجرحُ ضد التعديل، فمن لم يُعلم بجرح فهو عدل إذا لم يتبين ضده؛ إذْ لم يكلف النَّاسُ من الناس معرفة ما غاب عنهم، وإنما كُلفوا الحكم بالظاهر من الأشياء غير المغيب عنهم". اهـ. وقد نظر الحافظ ابن حجر في كتابه "النكت على ابن الصلاح" (1/ 290 - 291) في تلك الشروط، واعترض على قول ابن الصلاح عند قوله على الزيادة في "الصحيح" على ما في "الصحيحين" في مقدمته (¬1): "ويكفي مجرد كونها في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه كابن خزيمة ... ". فقال ابن حجر: "مقتضى هذا أن يؤخذ ما يوجد في كتاب ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما ممن اشترط الصحيح -بالتسليم ... وفي ذلك نظر، فلم يلتزم ابن خزيمة وابن حبان في كتابيهما أن يخرجا الصحيح الذي اجتمعت فيه الشروط التي ذكرها المؤلف- يعني ابن الصلاح (¬2) ... وقد صرح ابن حبان بشرطه، وحاصله: أن يكون راوي الحديث عدلا مشهورًا بالطلب (¬3)، غير مدلس، سمع ممن فوقه إلى أن ينتهي، فإن كان يروي من حفظه، فليكن عالمًا بما يحيل المعاني. فلم يشترط على الاتصال والعدالة ما اشترطه المؤلف في "الصحيح" من وجود: (1) الضبط. (2) ومن عدم الشذوذ والعلة. ¬

_ (¬1) (ص 93). (¬2) حيث قال ابن الصلاح (ص 83): "أما الحديث الصحيح فهو: الحديث المسند الذي يتصل إسناده بنقل العَدْل الضابط عن العَدْل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذًّا ولا مُعَلَّلا. وفي هذه الأوصاف: احتزاز عن المرسل والمنقطع والمعضل والشاذ، وما فيه علَّة قادحة، وما في راويه نوع جرح". اهـ. (¬3) أما العدالة فعلى منهجه فيها، وأما الشهرة بالطلب ففي تحقق التزامه بها نظر كبير، وقد سبق في المطلب الثاني بيان ذلك مفصلا؛ إذ ربما أخرج ابن حبان لمن لا يعرفه ولا يعرف أباه ولا شيئًا عنه.

وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه، فهو إن وجده كذلك أخرجه، وإلا فهو ماشٍ على ما أصَّل؛ لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه. وسمى ابن خزيمة كتابه "المسند الصحيح المتصل بنقل العدل عن العدل من غير قطع في السند ولا جرح في النقلة". وهذا الشرط مثل شرط ابن حبان سواء؛ لأن ابن حبان تابعٌ لابن خزيمة، مغترفٌ من بحره، ناسجٌ على منواله. ومما يُعَضِّدُ ما ذكرنا: احتجاجُ ابن خزيمة وابن حبان بأحاديثِ أهل الطبقة الثَّانية اللذين يخرج مسلم أحاديثهم في المتابعات، كابن إسحاق، وأسامة بن زيد الليثي، ومحمد بن عجلان، ومحمد بن عمرو بن علقمة، وغير هؤلاء. فإذا تقرر ذلك عرفتَ أن حكم الأحاديث التي في كتاب ابن خزيمة وابن حبان صلاحية الاحتجاج بها لكونها دائرة بين الصحيح والحسن ما لم يظهر في بعضها علة قادحة. وأما أن يكون مراد من يسميها صحيحة أنها جمعت الشروط المذكورة في حَدِّ الصحيح فلا، والله أعلم". اهـ. كلام ابن حجر. وعلَّق السخاوي في "فتح المغيث" (1/ 37) على قول العراقي في "ألفيته": "والبستي -يعني: ابن حبان- يداني الحاكما" يعني في التساهل، بقوله: "وذلك يقتضي النظر في أحاديثه أيضًا؛ لأنه غير متقيد بالمعدَّلين، بل ربما يخرج للمجهولين".

قال أبو أنس: قد بأن بما سبق نقلُه عن ابن حبان، ونَكَّت به ابن حجر، وعلَّق به السخاوي ما يلي: أولًا: لم يزد ابن حبان في شروط التصحيح على شرطين: (1) العدالة - بمعناها عنده. (2) الاتصال - ويشمل انتفاء الإرسال والانقطاع والتدليس. ويُفهم من سائر صنيعه اعتبار ألا يكون المتن منكرًا، حتَّى إنه ليسارع إلى الحكم على الحديث بالوضع إذا وجد متنه مما لا يقبله عقل أو لا يوافقه شرع. وكذا شَرَط في قبول زيادات الألفاظ في الأحاديث أن يكون الزائدُ فقيهًا حتَّى يَعلم ما يزيده، وإن حَدَّث الراوي من حفظه فَشَرَط أن يكون عالمًا بما يحيل المعاني. ثانيًا: لم ينص ابن حبان على اشتراط ما يلي: (1) الضبط. (2) انتفاء الشذوذ. (3) انتفاء العلَّة. أما العدالة فقد مرَّ النظر في منهج ابن حبان في شرائطها، وأنه لا يمكن الاعتبار بتعديله لمن لم يعرفهم، فإنه يتوسع جدًّا في توثيق المجاهيل بناءً على قاعدته في أن المسلمين على الصلاح والعدالة ما لم يتبين فيهم جرح، وهذه القاعدة لا تصلح في باب الرواية، وقد بيَّن الحافظ ابن حجر أن الجمهور على خلاف ما ذهب إليه ابن حبان، وارجع إلى تفصيل هذا في الفصل الثاني. ولذا فقد نَبَّهَ السخاوي إلى أن تساهل ابن حبان في باب توثيق المجاهيل، يقتضي النظر في أحاديث "صحيحه".

أقول: وذلك أنه يبني تصحيحه على كثير من هؤلاء، فوجب التفتيش في أسانيده، وعرْض رجالها على موازين التعديل المعتبرة عند جمهور أهل العلم. ولا شك أن "صحيحه" يشتمل على جملة من أحاديث هؤلاء، يجب ألا تندرج تحت اسم الصحيح لعدم تحقق شرط العدالة المعتبر عند أئمة النقد. وأما الاتصال فلم يبيِّن ابن حبان شروطه في إثبات صحة السماع على نحو الخلاف المشهور في: هل الواجب تحقق اللقاء ولو مرة، أم الواجب تحقق المعاصرة مع الخلوِّ من التدليس والقرائن الدالة على عدم السماع؟ وعلى هذا فالأمر يحتاج إلى استقراء وتتبع لمنهجه في ذلك، وهل يتقيَّدُ ابن حبان بكلام المتقدمين في ذِكْر عدم سماع الرواة بعضهم من بعض، أم أن له اجتهاد خاص في ذلك؟ فإنا نرى ابن حبان لا يكاد يذكر في كتبه كثيرًا من الأئمة الذين عليهم مدار النقد في باب الجرح والتعديل والاتصال والانقطاع ونحو ذلك من أحوال الرواة التفصيلية. وأما الضبط، فقد نصَّ ابن حجر أن ابن حبان لم يشترطه، كما سبق، لكن في قول ابن حبان: "فإن كان -يعني: الراوي- يروي من حفظه فليكن عالمًا بما يحيل المعاني" إشارةٌ إلى اعتباره للفرق بين أن يروي الراوي من كتابه أو من حفظه، وإلى تلميحه لاحتمال خطأ الذي يروي من حفظه إذا لم يكن عارفًا بمقتضيات الألفاظ ومدلولاتها.

وضَبْطُ الراوي إنما يُعرف بعرض أحاديثه على أحاديث الثقات المتقنين، فَيُقَارَنُ سياقُه بسياقهم؛ إسنادًا ومتنًا، ويُحكم على ضبطه بقدر موافقته لهم. فإن اعتبرَ ابنُ حبان ذلك في المشاهير من الرواة، ورجح بعضَهم على بعض لحالِ اختلاف الضبط بينهم، فإنه لا سبيل له في ذلك في المجاهيل الذين وثقهم وهو لا يعرف عنهم شيئًا؛ بناءً على أصل العدالة عنده، وليس الضبط من العدالة بسبيل! فتبيَّن من هذا أن ابن حبان لم يتقيد باشتراط الضبط أو البحث فيه بصورة مُطَّرِدَة، لكن إن وجد ما يدل عليه اعتبره، وإلا فهو جارٍ على أصله. وأما نفي الشذوذ والعلة فقد أشار الحافظ ابن حجر -كما سبق- إلى عدم اشتراط ابن حبان له في باب التصحيح، فقال في "النكت" (1/ 290): "وهذا وإن لم يتعرض ابن حبان لاشتراطه، فهو إن وجده كذلك أخرجه، وإلا فهو ماشٍ على ما أَصَّل؛ لأن وجود هذه الشروط لا ينافي ما اشترطه". اهـ. قال أبو أنس: قد قطع شيخنا العلامة المعلمي بمخالفة ابن حبان -ومثله الدارقطني- للمتقدمين في هذا. ففي كتاب "الأنوار الكاشفة" (ص 112) من قول أبي رية: "أخرج الخطيب عن مالك أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي -أي كعب الأحبار- يقول: إنك من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله، ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه، فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتَّى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرة

في الجنة ومرة في النار! قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا، وقد صدقت يمينه ... فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23 هـ". فنظر الشيخ المعلمي في متن هذه الحكاية، وخلص إلى تجويز -إن صحت الحكاية- أن يكون كعب استند إلى بعض العلامات المنقولة عن عمر، ويكون مع ذلك وجد في صحفه إشارةً فَهِمَ منها بطريق الرمز مع النظر في القرائن وتلك العلامات أن عمر لا يعيش بعد تلك السنة. ثم قال: "وبعدُ، فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجلٌ يقال له: "عبد الوهاب ابن موسى" لا يكاد يعرف، وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذُكر في تاريخ البخاري ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدرى مَنْ ذا الحيوان الكذاب". وفي مقدمة "صحيح" مسلم: "الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه قُبل منه ... ". وهذا الرجل لم يمعن في المشاركة، فضلا عن أن يكون ذلك على الموافقة، لكن هذا الشرط لا يتقيَّدُ به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني، ومِنْ ثَمَّ -والله أعلم- وَثَّق الدارقطني عبد الوهاب هذا، وزعم أن الخبر صحيح عن مالك". اهـ.

قال أبو أنس: قد اتَّسعَ الخَرْقُ على مَنْ جاء بعد هؤلاء مِمّن نَحَا هذا النَّحْوَ؛ بسبب عدم التَقَيُّدِ بانتفاء الشذوذ والعلَّة، فكان من لازم ذلك: التصحيحُ بظواهر الأسانيد، دون اعتبارٍ لتفردات الرواة ومخالفاتهم لمن هم أوثق منهم، ولا التفتيش عن العلل الخفية في الأخبار، ومداخل الخلل في المرويات، والأسباب المتباينة للتعليل عند أئمة هذا الشأن، والله تعالى المستعان (¬1). * * * ¬

_ (¬1) وسيأتي مزيدُ بيانٍ لهذه المسائل عند الحديث عن أسباب التعليل وغيرها في قسم القواعد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

الأمر الثامن في النظر في طبقة شيوخ وشيوخ شيوخ ابن حبان

الأمر الثامن في النظر في طبقة شيوخ وشيوخ شيوخ ابن حبان 1 - طبقة شيوخ ابن حبان: سبق في الفصل الرابع النقلُ عن المعلمي في بيان درجات توثيق ابن حبان، قوله: "التحقيق أن توثيقه على درجات: الأولى: أن يصرح به كأن يقول: "كان متقنًا" أو"مستقيم الحديث" أو نحو ذلك. الثانية: أن يكون الرجل من شيوخه الذين جالسهم وخبرهم ... ثم قال رحمه الله: فالأولى لا تقل عن توثيق غيره من الأئمة بل لعلها أثبت من توثيق كثير منهم، والثانية قريب منها ... ". قال أبو أنس: لا شك أن معرفةَ ابنِ حبان لشيوخه وخبرتَه بهم تقضي بقبول قوله فيهم، واحتجاجُه بهم في "صحيحه" فمن أعلى التوثيق عنده، وقد عرفنا أنه قد يتعنَّتُ فيمن عرفهم ووقف على أحاديثَ لهم. إذًا فشيوخ ابن حبان في "صحيحه" هم ثقات عنده، وتوثيقه لهذه الطبقة معتبر مقبول. وقال الشيخ المعلمي في ترجمة: عبد الله بن محمود السعدي في حاشية "الطليعة" (ص 56): "هو من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان، وذكره ابن حبان في "ثقاته" مع روايته عنه في "صحيحه"، وتوثيق ابن حبان لمن عرفهم وخبرهم من أعلى التوثيق؛ فإنه يتشدد في هؤلاء ويحسن الظن بغيرهم". اهـ. لكن هل الثقة بشيوخ ابن حبان في "صحيحه" أمر مُطَّرِدٌ لا يدخله الخلل؟

2 - طبقة شيوخ شيوخ ابن حبان

فأقول: أولا: وُجد في شيوخ ابن حبان في "صحيحه" طائفة لا يكادون يُعرفون، ولا توجد لهم تراجم في الكتب المتداولة بعد البحث والتفتيش، من هؤلاء: (1) ثابت بن إسماعيل بن إسحاق (11/ 308) رقم (4936). (2) الحسن بن مُحَمَّد بن أسد (11/ 498) رقم (5098). (3) الحر بن سليمان (11/ 590) رقم (5185). ثانيًا: لابن حبان في "الصحيح" شيوخٌ لم يُوَثَّقُوا. منهم: جعفر بن أحمد بن صليح العابد الصليحي الواسطي (7/ 163) رقم (2093)، (8/ 151) رقم (3364). ثالثًا: لابن حبان في "الصحيح" شيخٌ ضُعِّفَ، بل واتُّهِمَ، هو: • نصر بن الفتح السمرقندي العائذي "الميزان" (5/ 378)، (14/ 210) رقم (6302). 2 - طبقة شيوخ شيوخ ابن حبان: لم يذكر الشيخ المعلمي هذه الطبقة في درجات توثيق ابن حبان كما توهَّمَهُ البعض، وإنما اعتدَّ بتوثيق ابن حبان لبعض هؤلاء بناءً على أنه عرفهم، فتوثيقه لهم من أثبت التوثيق. (1) ففي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم الجرمي، رقم (244) من "التنكيل"، قال: "ذكره ابن حبان في "الثقات" [وقال]: "مسلم بن أبي مسلم الجرمي سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن حسين ثنا عنه الحسن بن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين.

قال: وقد قدَّمْنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه". اهـ. (2) وفي ترجمة: عبد الله بن عمر بن الرماح رقم (126)، قال: "قال ابن حبان في "الثقات": "عبد الله بن عمر بن ميمون بن بحر بن الرماح السعدي أبو عبد الرحمن البلخي قاضي نيسابور، روى عن مالك ووكيع وأهل العراق، حدثنا عنه الحسين بن إدريس الأنصاري وعبد الله بن مُحَمَّد الأَزدي: مستقيم الحديث إذا حدث عن الثقات، وقد قيل: كنيته أبو مُحَمَّد، وكان مرجئًا، مات سنة أربع وثلاثين ومائتين. وهذا من ابن حبان توثيق مقبول كما يأتي في ترجمته". اهـ. (3) وفي ترجمة: إسماعيل بن حمدويه من "الطليعة" (ص 60): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: فيروي عن أبي نعيم وأبي الوليد وأهل البصرة، حدثنا عنه مُحَمَّد بن المنذر شكّر، كان مقيمًا بالرملة زمانًا، وكتب عنه شكَّر. فقد عرفه ابن حبان وعرف حديثه، وتوثيقه لمن عرفه وعرف حديثه مقبول، كتوثيق غيره من الأئمة، ويأتي شرح ذلك في ترجمة ابن حبان من "التنكيل". اهـ. قال أبو أنس: العبرة في الاعتداد بتوثيق ابن حبان لهذه الطبقة -ما لم يأت جرحٌ معتبرٌ- هو قُرْبُ عهد ابن حبان بها، واطلاعه على أحاديث رجالها، وسبره لمروياتهم، والله تعالى أعلم. * * *

الأمر التاسع أمثلة لما أخذ على ابن حبان في توثيقه لمن ضعفه في موضع آخر

الأمر التاسع أمثلة لما أُخذ على ابن حبان في توثيقه لمَنْ ضَعَّفَهُ في موضع آخر 1 - في ترجمة: أفلح بن سعيد الأنصاري من "تهذيب التهذيب" (1/ 368): "قال ابن حبان: يروي عن الثقات الموضوعات، لا يحلّ الاحتجاج به ولا الرواية عنه بحالٍ. وقرأت بخط الحافظ الذهبي بعد هذه الحكاية: ابن حبان ربما قَصَبَ الثقة؛ حتَّى كأنه لا يدري ما يخرج من رأسه، ثم ذكر مستنده فساق حديثًا له. أجاب عنه الذهبي وابن حجر، وردوا تضعيفه له، قال ابن حجر: وقد غفل مع ذلك -يعني: ابن حبان- فذكره في الطبقة الرَّابعة من الثقات". اهـ. 2 - وفي ترجمة: بشر بن شعيب بن أبي حمزة منه (1/ 452): "أما ابن حبان ففصَّل، فقال في "الثقات": كان متقنًا وبعض سماعه عن أَبيه مناولة، وسمع نسخة شعيب سماعًا. وذكره أيضًا في "الضعفاء"، ونقل عن البخاري أنه قال: تركناه. وهذا خطأ نشأ عن حذفٍ، فالبخاري إنما قال: تركناه حيًّا كما تقدم، وقد تعقب ذلك أبو العباس النباتي على ابن حبان في "الحافل" فأسهب". اهـ. 3 - وفي ترجمة: الحكم بن مصعب القرشي عنه (2/ 439): "ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: يخطىء ... وذكره أيضًا في "الضعفاء" وقال: روى عنه أبو المغيرة أيضًا، لا يجوز الاحتجاج بحديثه ولا الرواية عنه إلا على سبيل الاعتبار. قال ابن حجر: وهو تناقض صعب ... ". اهـ.

4 - وفي ترجمة: خالد بن عمرو بن مُحَمَّد بن عبد الله بن سعيد بن العاص الأُموي منه (3/ 109): "قال ابن حبان -يعني: في "الضعفاء"-: كان يتفرد عن الثقات بالموضوعات، لا يحلّ الاحتجاج بخبره. وذكره أيضًا في "الثقات". قال ابن حجر: وهي إحدى غفلاته". اهـ. 5 - وفي ترجمة: عبد الله بن بشر بن التيهان الرقي منه (5/ 160): "ذكره ابن حبان في "الثقات"، وغفل فذكره في "الضعفاء" فقال: ... كان ممن يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، وينفرد بأشياء يشهد السمع لها أنها مقلوبة". اهـ. 6 - وفي ترجمة: الحارث بن عبيدة الحمصي من "تعجيل المنفعة" رقم (161): "قال ابن حبان في "الضعفاء": روى عنه أهل بلده، وأتى عن الثقات بما ليس من أحاديثهم، لا يعجبني الاحتجاج بخبره إذا انفرد. قال ابن حجر: قد تناقض ابن حبان فذكره في كتاب "الثقات"، وقال: روى عنه أهل مصر". اهـ. قدمنا بعض النماذج، وتراجع التراجم الآتية في "تهذيب التهذيب": 7 - أحمد بن عيسى بن زيد اللخمي المصري (1/ 65 - 66). 8 - جعفر بن الحارث الواسطي (2/ 89). 9 - الحارث بن النعمان بن سالم (2/ 160). 10 - دهثم بن قران العكلي (3/ 213). 11 - رزيق أبو عبد الله الألهاني (3/ 275).

12 - زياد بن عبد الله النميري (3/ 378). 13 - سعيد بن سلمة بن هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم الأموي (4/ 83). 14 - سفيان بن حسين بن الحسن الواسطي (4/ 108). 15 - سَلْم بن زرير العطاردي أبو موسى البصري (4/ 130). 16 - عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري (5/ 52). 17 - عبيد الله بن سعيد بن مسلم بن عبيد بن مسلم الجعفي أبو مسلم الكوفي (7/ 16). 18 - كلثوم بن جوشن القشيري الرقي (8/ 443). 19 - مُحَمَّد بن عمرو الأنصاري البصري (9/ 378). 20 - مروان بن شجاع الجزري الحراني (10/ 94). 21 - معروف بن خربوذ المكي (10/ 231). 22 - يحيى بن سلمة بن كهيل الحضرمي أبو جعفر الكوفي (11/ 224). 23 - يحيى بن عثمان القرشي التيمي (11/ 257). 24 - يحيى بن ميمون بن عطاء بن زيد القرشي أبو أَيوب التمار البصري البغدادي (11/ 290). 25 - يونس بن أبي يعفور (11/ 452). وأما في ترجمة: إسحاق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي، فقد صرح ابن حبان فيه أنه قد ذكره في "الثقات" و"الضعفاء" لما ظهر له من حالة، وأنه لتغير اجتهاده فيه. انظر التهذيب (1/ 255).

فهل يُقال: إن سائر المواضع إنما هو تغير اجتهاد، وأنه قصد أن يُحَوَّلوا جميعًا من "الثقات" إلى "الضعفاء"، إلا أنه اكتفى بالتنبيه في ترجمة إسحاق -وربما غيره- للدلالة على سائر المواضع؟ قد قال بهذا بعض الباحثين، وهو أَعْذَرُ لابن حبان، فلا بأس بذلك، والله تعالى الموفق. * * *

الحاكم صاحب "المستدرك"

الحاكم صاحب "المستدرك" (ت 405 هـ)

يتعلق به هاهنا أربعة مطالب: الأول: شرط الحاكم في كتابه "المستدرك". الثاني: تناقضه في إخراج أحاديث في "المستدرك" بأسانيد قد وَهَّن بعض رجالها في مواضع أخرى. الثالث: البحث في القَدْر الذي أصاب الحاكم فيه التساهل في "المستدرك". الرابع: منزلته في التوثيق والتصحيح. * * *

المطلب الأول شرط الحاكم في كتابه "المستدرك"

المطلب الأول شرط الحاكم في كتابه "المستدرك" مقدمة: قال الحاكم في صدر كتابه "المستدرك" (ص 2 - 3): "سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيدَ يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له؛ فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيا ذلك لأنفسهما ... وأنا أستعينُ اللهَ على إخراجِ أحاديثَ رواتُها ثقاتٌ، قد احتج بمثلها الشيخان -رضي الله عنهما- أو أحدُهما. وهذا شرطُ الصحيح عند كافَّة فقهاء الإسلام: أن الزيادة في الأسانيد والمتون من الثقات مقبولة". اهـ. كلام الحاكم قال أبو أنس: هاهنا عدةُ قضايا اشتملت عليها تلك المقدمة الوجيزة: الأولى: معنى المثلية في عبارة الحاكم. الثَّانية: زَعْم الحاكم أنه لا سبيل إلى إخراج ما لا علَّة له، وأن الشيخين لم يدعيا ذلك لأنفسهما. الثالثة: اتفاق كافة فقهاء الإسلام على قبول زيادة الثقة. نتعرض هنا للأوليين، أما الثالثة فمحلها بحث "زيادة الثقة" في موضع آخر.

أما بالنسبه للقضية الأولى فقد اخْتُلِفَ في حَدِّ قولِ الحاكم: " ... أجمعُ كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها ... وأنا أستعينُ اللهَ على إخراجِ أحاديثَ، رواتها ثقات، قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما ... ". فماذا تعني "المثلية" في عبارة الحاكم؟ هل تعني: "الذاتية"؛ أي يُخرجُ لنفس من خرَّج لهم الشيخان أو أحدهما؟ أم تعني: "المشابهة"؛ أي يُخرجُ لرجالٍ يشُبهون رجال الشيخين أو أحدهما في الصفات من حيث العدالة والضبط؟ أكثرُ الذين تعرَّضوا لهذه القضية؛ كابن الصلاح، والنووي، وعليه عمل ابن دقيق العيد، والذهبي: مالوا إلى المعنى الأول. وممن رأى المعنى الثاني فيما وقفت عليه: البلقيني في "محاسن الاصطلاح"، والعراقي في "التقييد والأيضاح"، والزركشي في "نكته على ابن الصلاح". أصحاب المعنى الأول: قال ابن الصلاح في "مقدمته" (ص 93): "اعتنى الحاكم أبو عبد الله الحافظ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في "الصحيحين" وجمع ذلك في كتاب سمَّاه: "المستدرك"، أودعه ما ليس في واحد من "الصحيحين" مما رآه على شرط الشيخين، قد أخرجا عن رواته في كتابيهما، أو على شرط البخاري وحده، أو على شرط مسلم وحده ... ".

وقال النووي في "التقريب" (1/ 127 تدريب): "إن المراد بقولهم على شرطهما: أن يكون رجال إسناده في كتابيهما؛ لأنه ليس لهما شرط في كتابيهما ولا في غيرهما" اهـ. وقال العراقي في "التقييد والإيضاح" (ص 30): "وعلى هذا عمل ابن دقيق العيد؛ فإنه ينقل عن الحاكم تصحيحه لحديثٍ على شرط البخاري مثلًا، ثم يعترض عليه بأن فيه فلانًا، ولم يخرج له البخاري، وكذا فعل الذهبي في مختصر "المستدرك". اهـ. أصحاب المعنى الثاني: قال البلقيني في "محاسن الاصطلاح" (ص 94 حاشية مقدمة ابن الصلاح): " ... شرط الحاكم أن يخرج أحاديث جماعة كَمَنْ خرج لهم الشيخان ... وإيراد كون الرجل لم يخرج له من استدرك عليه، لا يُلتفت إليه؛ لأنه لم يلتزم العَيْنَ، بل الشَّبَه، ومع ذلك فلم يوجد ما شرطه ... ". وقال العراقي في "التقييد" بعد حكاية المعنى الأول عن ابن الصلاح والنووي وعمل ابن دقيق العيد والذهبي: "ليس ذلك منهم بجيد؛ فإن الحاكم صرح في خطبة "المستدرك" بخلاف ما فهموه عنه، فقال: وأنا أستعين الله تعالى على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان أو أحدهما. فقوله "بمثلها" أي بمثل رواتها، لا بِهِم أنفسهم، ويحتمل أن يراد بمثل تلك الأحاديث، وإنما تكون مثلها إذا كانت بنفس رواتها، وفيه نظر.

وتحقيقُ "المثلية" أن يكون بعضُ من لم يخرج عنه في "الصحيح" مثل مَنْ خرج عنه فيه، أو أعلى منه عند الشيخين، وتُعرفُ "المثلية" عندهما: إما بنصهما على أن فلانًا مثل فلان، أو أرفع منه، وقلَّما يوجد ذلك، وإما بالألفاظ الدالة على مراتب التعديل؛ كأن يقولا في بعض من احتجا به: "ثقة"، أو "ثبت"، أو "صدق"، أو "لا بأس به"، أو غير ذلك من ألفاظ التعديل، ثم يوجد عنهما أنهما قالا ذلك أو أعلى منه في بعض من لا يَحتجان به؛ لأن مراتبَ الرواةِ معيارُ معرفتِها ألفاظُ الجرح والتعديل. ولكن هنا أمر فيه غموض لابد من الإشارة إليه، وذلك أنَّهم لا يكتفون في التصحيح بمجرد حال الراوي في العدالة والاتصال من غير نظر إلى غيره، بل ينظرون في حالة مع من روى عنه في كثرة ملازمته له أو قلتها، أو كونه في بلده ممارسًا لحديثه، أو غريبًا من بلد من أخذ عنه، وهذه أمور تظهر بتصفح كلامهم وعملهم في ذلك". اهـ. كلام العراقي وقبل أن أختم تلك النقولات بتحرير الحافظ ابن حجر لهذه القضية، أُورد ما قاله الزركشي في "نكته" على ابن الصلاح، ليتم نقل ما له تعلق بأصحاب المعنى الثاني. قال الزركشي في "نكته" (1/ 198) تعقيبًا على أصحاب المعنى الأول: "ليس ذلك منهم بحسن؛ لِما ذكرنا من كلام الحاكم في خطبته أنه لم يشترط نفسَ الرجال المخرَّج لهم في "الصحيح"، بل اشترط رواة احتج بمثلهم الشيخان أو أحدهما، وإنما ينبغي منازعته في تحقيق المماثلة بين رجاله ورجال "الصحيحين". نعم، القوم معذورون؛ فإنه قال عقب أحاديث أخرجها هو: صحيح على شرط مسلم، فقد احتج بفلان وفلان، يعني المذكورين في سنده، فهذا منه جنوح إلى إرادة نفس رجال "الصحيح"، وهو يخالف ما ذكره في مقدمة كتابه، ثم إنه خالف الاصطلاحين في أثناء كتابه، وقال -لما أخرج "التاريخ" و"السير": ولابد لنا من نقل كلام ابن إسحاق والواقدي". اهـ. كلام الزركشي.

ويلاحظ من كلام الزركشي أنه رجح المعنى الثاني، إلا أنه عَرَض ما يقوي المعنى الأول، ولم يأت على ترجيحه للثاني بدليل، إلا ما فهمه من عبارة الحاكم. تحرير الحافظ ابن حجر لمقصد الحاكم من تلك العبارة: قال ابن حجر نقلا عن "تدريب الراوي" (1/ 128): "ما اعترض به شيخنا يعني العراقي على ابن دقيق العيد والذهبي ليس بجيد؛ لأن الحاكم استعمل لفظة "مثل" في أعم من الحقيقة والمجاز في الأسانيد والمتون، دَلَّ على ذلك صنيعُه؛ فإنه تارة يقول: على شرطهما، وتارة: على شرط البخاري، وتارة: على شرط مسلم، وتارة: صحيح الإسناد، ولا يعزوه لأحدهما. وأيضًا فلو قصد بكلمة: "مثل" معناها الحقيقي حتَّى يكون المراد: احتج بغيرها ممن فيهم من الصفات مثل ما في الرواة الذين خرَّجا عنهم، لم يقل قط: على شرط البخاري؛ فإن شرط مسلم دونه، فما كان على شرطه فهو على شرطهما؛ لأنه حوى شرط مسلم وزاد". وقال في "النكت على ابن الصلاح" تعقيبًا على العراقي أيضًا: "تصرُّفُ الحاكم يقوي أحد الاحتمالين الذين ذكرهما شيخنا: -يعني: العراقي- فإنه إذا كان عنده الحديث قد أخرجا أو أحدهما لرواته قال: صحيح على شرط الشيخين أو أحدهما، وإذا كان بعض رواته لم يخرجا له قال: صحيح الإسناد حسب. ويوضح ذلك قوله في باب التوبة لما أورد حديث أبي عثمان (¬1)، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا تُنزعُ الرحمةُ إلا من شقي"، قال: هذا حديث صحيح الإسناد، ¬

_ (¬1) "المستدرك" (4/ 249).

وأبو عثمان هذا ليس هو النهدي، ولو كان هو النهدي لحكمتُ بالحديث على شرط الشيخين. فدلَّ هذا على أنه إذا لم يخرجا لأحد رواة الحديث لا يحكم به على شرطهما، وهو عَيْنُ ما ادعى ابن دقيق العيد وغيره، وإن كان الحاكم قد يغفل عن هذا في بعض الأحيان، فيصحح على شرطهما بعض ما لم يخرجا لبعض رواته، فيحمل ذلك على السهو والنسيان، ويتوجه به حينئذ عليه الاعتراض والله أعلم ". اهـ. كلام ابن حجر. قال أبو أنس: يتبين مما سبق عرضُه أن الحاكم لم تكن له طريقة مُطَّرِدة في إخراج أحاديث رواة هم مثل ما أخرج لهم الشيخان، ولو كان له ذلك لما اختُلف فيه على هذا النحو، بل إن الخلاف يشير إلى أنه ربما أخرج لرواة على المعنى الأول -وهم عَيْنُ من أُخرج لهم في "الصحيحين"- وربما أخرجهم على المعنى الثاني -وهم شَبَهُ من أُخرج لهم فيهما- فربما نظر البعض إلى مواضعَ تؤيد أحد المعنين فركن إليه. وحرَّر الحافظ ابن حجر فقوّى المعنى الأول بأمثلة ذكرها، لكنه لم ينف وجود بعض المواضع على المعنى الثاني على سبيل الوهم والنسيان. والذي يعنينا هنا هو ما يتعلق برواة المعنى الأول، وهم الذين صحح لهم الحاكم في "مستدركه" على شرط الشيخين أو أحدهما، وهم في الأصل معدودون في رجال الكتابين أو أحدهما. أما رواة المعنى الثاني فقد صحح لهم الحاكم مطلقًا في غالب الأحيان -وسيأتي البحث معه في ذلك- وعلى شرط الشيخين أو أحدهما أحيانًا -على سبيل الوهم- كما قال ابن حجر.

وأهمية هذه المباحث هنا هو الوقوف على مدى حُجِّيَّةِ تصحيح الحاكم على شرط "الصحيح"، فإنه قد أكثر المتأخرون من الاحتجاج بتصحيح الحاكم على هذا النحو، وجعلوا تصحيحه من جملة الأدلة على صحة الحديث. والمقصود هنا أن نقارن بين حُجِّية تصحيح الحاكم على شرط "الصحيح" وبين منهج الشيخين في إخراج الرجال في كتابيهما، بحيث يكون الكلام على تلك الحجية هو المدخل لما نحن بصدده، وسبق التنويه بأن الحاكم هو أكثر المصنفين استعمالًا لهذا النوع من التصحيح، وهو التصحيح على شرط الشيخين أو أحدهما. تحقيق الحافظ ابن حجر لأقسام أحاديث "المستدرك": قال ابن حجر في "النكت على كتاب ابن الصلاح": "ينقسم "المستدرك" أقسامًا، كل قسم منها يمكن تقسيمه: الأول: أن يكون إسناد الحديث الذي يخرجه محتجًّا برواته في "الصحيحين" أو أحدهما على صورة الاجتماع، سالمًا من العلل. واحترزنا بقولنا: على صورة الاجتماع عما احتجا برواته على صورة الانفراد؛ كسفيان بن حسين عن الزهري؛ فإنهما احتجا بكل منهما على الانفراد (¬1)، ولم يحتجا برواية سفيان بن حسين عن الزهري؛ لأن سماعه من الزهري ضعيف دون بقية مشايخه، فإن وُجد حديثٌ من روايته عن ¬

_ (¬1) هذا وهم من الحافظ؛ فإن البخاري ومسلمًا لم يحتج واحد منهما بسفيان بن حسين أصلًا، إنما ذكره البخاري تعليقًا، وأخرج له مسلم في مقدمة صحيحه، ولأجل أن البخاري لم يسند من طريقه شيئًا، لم يذكره الحافظ فيمن تُكلم فيهم من رجال البخاري، وذلك في الفصل الذي عقده لذلك في مقدمة "فتح الباري". انظر: (ص 426 - 427). وكذلك لم يذكره أحد ممن صنَّف في رجال الشيخين، فذهوله هنا عجيب منه رحمه الله تعالى.

الزهري لا يقال: على شرط الشيخين؛ لأنهما احتجا بكل منهما، بل لا يكون على شرطهما إلا إذا احتجا بكل منهما على صورة الاجتماع. وكذا إذا كان الإسناد قد احتج كل منهما برجل منه ولم يحتج بآخر منه، كالحديث الذي يُروى من طريق شعبة مثلًا، عن سماك بن حرب، عن عكرمة، عن ابن عباس -رضي الله عنهما-؛ فإن مسلمًا احتج بحديث سماك إذا كان من رواية الثقات عنه، ولم يحتج بعكرمة، واحتج البخاري بعكرمة دون سماك، فلا يكون الإسناد والحالة هذه على شرطهما حتَّى يجتمع فيه صورة الاجتماع، وقد صرح بذلك الإمام أبو الفتح القشيري وغيره. واحترزت بقولي: أن يكون سالمًا من العلل، بما إذا احتجا بجميع رواته على صورة الاجتماع، إلا أن فيهم من وصف بالتدليس أو اختلط في آخر عمره؛ فإنا نعلم في الجملة أن الشيخين لم يخرجا من رواية المدلسن بالعنعنة إلا ما تحققا أنه مسموع لهم من جهة أخرى. وكذا لم يخرجا من حديث المختلطين عمن سمع منهم بعد الاختلاط إلا ما تحققا أنه من صحيح حديثهم قبل الاختلاط. فإذا كان كذلك لم يجز الحكم للحديث الذي فيه مدلس قد عنعنه أو شيخ سمع ممن اختلط بعد اختلاطه بأنه على شرطهما، وإن كانا قد أخرجا ذلك الإسناد بعينه إلا إذا صرح المدلس من جهة أخرى بالسماع، وصح أن الراوي سمع من شيخه قبل اختلاطه، فهذا القسم يوسف بكونه على شرطهما أو على شرط أحدهما. ولا يوجد في "المستدرك" حديث بهذه الشروط لم يخرجا له نظيرًا أو أصلًا إلا القليل كما قدمناه.

نعم وفيه جملة مستكثرة بهذه الشروط، لكنها مما أخرجها الشيخان أو أحدهما استدركها الحاكم واهمًا في ذلك ظانًّا أنهما لم يخرجاه. القسم الثاني: أن يكون إسناد الحديث قد أخرجا لجميع رواته، لا على سبيل الاحتجاج، بل في الشواهد والمتابعات والتعاليق أو مقرونًا بغيره. ويلتحق بذلك ما إذا أخرجا لرجل وتجنبا ما تفرد به أو ما خالف فيه، كما أخرج مسلم من نسخة العلاء بن عبد الرحمن، عن أَبيه، عن أبي هريرة ما لم يتفرد به. فلا يحسن أن يقال: إن باقي النسخة على شرط مسلم؛ لأنه ما خرج بعضها إلا بعد أن تبين أن ذلك مما لم ينفرد به، فما كان بهذه المثابة لا يلتحق أفراده بشرطهما. وقد عقد الحاكم في كتاب "المدخل" بابًا مستقلًا، ذكر فيه من أخرج له الشيخان في المتابعات، وعدد ما أخرجا من ذلك، ثم إنه مع هذا الاطلاع يخرج أحاديث هؤلاء في "المستدرك" زاعمًا أنها على شرطهما. ولا شك في نزول أحاديثهم عن درجة الصحيح، بل ربما كان فيها الشاذ والضعيف، لكن أكثرها لا ينزل عن درجة الحسن. والحاكم إنما يُناقَشُ في دعواه أن أحاديث هؤلاء على شرط الشيخين أو أحدهما، وهذا القسم هو عمدة الكتاب. القسم الثالث: أن يكون الإسناد لم يخرجا له، لا في الاحتجاج ولا في المتابعات وهذا قد أكثر منه الحاكم، فيخرج أحاديث عن خلق ليسوا في الكتابين ويصححها، لكن لا يدعي أنها على شرط واحد منهما ... ". اهـ. كلام ابن حجر.

تحقيق الشيخ المعلمي لهذه القضية والتي تليها: فقال في معرض حديثه عن أسباب الخلل الواقع في "المستدرك": " ... توسع الحاكم في معنى قوله: "بأسانيد يحتج ... بمثلها"، فبنى على أن في رجال "الصحيحين" من فيه كلام، فأخرج عن جماعةٍ يَعلم أن فيهم كلامًا. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة. أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضر في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة. الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضي أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا، أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك. ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه، أو بما يُسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنةً وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس، فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقَصَّرَ الحاكم في مراعاة هذا، وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا، ولو وفَّى بهذا لهان الخطب، لكنه لم يَفِ به بل أخرج لجماعة هلكى". اهـ. وبالنسبة للقضية الثانية يقول الشيخ المعلمي: "ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة:

سألني جماعة ... أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد ابن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له؛ فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيَا ذلك لأنفسهما. ولم يُصِبْ في هذاة فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة. وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة". اهـ. * * *

المطلب الثاني تناقضه في إخراج أحاديث في "المستدرك" بأسانيد قد وهن هو بعض رجالها في مواضع أخرى

المطلب الثاني تناقضه في إخراج أحاديث في "المستدرك" بأسانيد قد وَهَّنَ هو بعض رجالها في مواضع أخرى (1) قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 444): "فأما "مستدرك" الحاكم فحدِّث عنه ولا حرج؛ فإن في "مستدركه" كثيرًا من الرواة التالفين، وجماعة منهم قد قطع هو نفسه بضعفهم الشديد ... ". (2) ونقل السيوطي قول الحاكم في: فائد بن عبد الرحمن أبي الورقاء الكوفي العطار في "المستدرك": مستقيم الحديث. فقال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 39): "في ترجمة فائد من "التهذيب": وقال الحاكم أبو أحمد: حديثه ليس بالقائم ... وقال الحاكم: روى عن ابن أبي أوفى أحاديث موضوعة. أقول: الظاهر أن الحاكم الثاني هو أبو عبد الله صاحب "المستدرك"؛ لأنه هو المراد عند الإطلاق، ولو كان المراد أَبا أحمد لجمع كلمتيه، فإذا كان هذا كما قلت، فقد غفل الحاكم في "المستدرك" غفلة شديدة ... ". اهـ. وانظر: ترجمة فائد من قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (594). * * *

المطلب الثالث البحث في القدر الذي أصاب الحاكم فيه التساهل في "المستدرك"، والسبب في ذلك

المطلب الثالث البحث في القَدْر الذي أصاب الحاكم فيه التساهُل في "المستدرك"، والسبب في ذلك قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 455): "قال ابن حجر في "اللسان" بعد أن ذكر ما في "المستدرك" من التساهل: قيل في الاعتذار عنه: أنه عند تصنيفه لـ "المستدرك" كان في أواخر عمره، وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب "الضعفاء" له، وقطع بترك الرواية عنهم، ومنع من الاحتجاج بهم، ثم أخرج أحاديث بعضهم في "مستدركه" وصححها". اهـ. ولعل المراد بقوله: وذكر بعضهم ما في "تذكرة الحفاظ" عن بعضهم أن الحاكم قال له: "إذا ذاكرتُ في باب لابد من المطالعة؛ لكبر سني"، وهذا لا يستلزم الغفلة، ومع ذلك فقوله "تغير وغفلة" لا يؤدي معنى الاختلاط، فكيف الاختلاط الشنيع؟ (¬1). وقد رأيت في "المستدرك" المطبوع إثبات تواريخ السماع على الحاكم في أوله أي ج 1 ص 2 ثم ص 36، فـ: ص 69، فـ: ص 94، فـ: ص 129، فـ: ص 163، وتاريخ الأول سابع المحرم سنة 393، والثاني بعد ثلاثة أشهر تقريبًا، وهكذا بعد كل ثلاثة أشهر يملي جزءًا في نيف وثلاثين صفحة من المطبوع، ولم يستمر إثبات ذلك في جميع الكتاب. وآخر ما وجدته فيه ج 3 ص 156 في غرة ذي القعدة سنة 402، وهذا يدل على أن تلك الطريقة استمرت منتظمة إلى ذاك الموضع، فأما بعد ذلك فاللَّه أعلم، فإنه لو ¬

_ (¬1) يَرُدُّ بذلك الشيخ المعلمي على الكوثري في قوله في الحاكم: اختلط اختلاطًا شنيعًا.

بقي ذاك الانتظام لم يتم الكتاب إلا سنة 410، لكن الحاكم توفي سنة 405، وفي المجلد الرابع (ص 249)، ذكر الحاكم أول سند "أخبرنا الحاكم أبو عبد الله ... " لكن بلا تاريخ. هذا واقتصاره في كل ثلاثة أشهر على مجلس واحد يملي فيه جزءًا بذاك القدر يدل أنه إنما أَلَّفَ الكتاب في تلك المدة، فكان الحاكم مع اشتغاله بمؤلفاتٍ أخرى يشتغل بتأليف "المستدرك"، والتزم أن يحضر في كل ثلاثة أشهر جزءًا ويخرجه للنَّاس، فيسمعونه؛ إذ لو كان قد ألَّف الكتاب قبل ذلك وبَيَّضَهُ، فلماذا يقتصر في إسماع الناس على يوم في كل ثلاثة أشهر؟ فأما إسراعه في الأواخر فلعله فرغ من مصنفاته الأخرى التي كان يشتغل بها مع "المستدرك" فتفرغ لـ"المستدرك". وفي "فتح المغيث" (ص 13) عند ذكر تساهل الحاكم في "المستدرك": فيه عدة موضوعات، حمله على تصحيحها إما التعصب لِما رمي به من التشيع، وإما غيره فضلًا عن الضعيف وغيره، بل يقال: إن السبب في ذلك أنه صنَّفه في أواخر عمره، وقد حصلت له غفلة وتغير، وأنه لم يتيسر له تحريره وتنقيحه، ويدل له أن تساهله في قَدْر الخُمْس الأول منه قليل جدًّا بالنسبة لما فيه؛ فإنه وجد عنده: إلى هنا انتهى إملاء الحاكم. أقول: لا أرى الذنب للتشيع؛ فإنه يتساهل في فضائل بقية الصحابة كالشيخين وغيرهما، وفي المطبوع ج 3 (ص 156): (حدثنا الحاكم ... إملاء غرة ذي القعدة سنة اثنتين وأربعمائة). وعادته كما تقدم أن يملي في المجلس جزءًا في بضع وثلاثين صفحة من المطبوع، فقد أملى إلى نحو صفحة 190 من المجلد الثالث المطبوع، وذلك أكثر من نصف

الكتاب، فأما الموضع الذي في ج 4 (ص 349) فإنما فيه "أخبرنا ... " وليس فيه لفظ "إملاء" ولا ذكر التاريخ. والذي يظهر لي فيما وقع في "المستدرك" من الخلل أن له عدة أسباب: الأول: حرص الحاكم على الإكثار، وقد قال في خطبة "المستدرك": (قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة، يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على أَلْف جزء أو أقل أو أكثر كلها سقيمة غير صحيحة). فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء. والثاني: أنه قد يقع له الحديث بسندٍ عالٍ أو يكون غريبًا مما يتنافس فيه المحدثون فيحرص على إثباته، وفي "تذكرة الحفاظ" ج 2 (ص 270): قال الحافظ أبو عبد الله الأخرم: استعان بي السَّرَّاج في تخريجه على "صحيح مسلم" فكنت أتحير من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليًا يقول: لابد أن نكتبه -يعني في المستخرج- فأقول: ليس من شرط صاحبنا -يعني مسلمًا- فشفعني فيه. فعرض للحاكم نحو هذا؛ كما وجد عنده حديثًا يفرح بعلوه أو غرابته اشتهى أن يثبته في "المستدرك". الثالث: أنه لأجل السببين الأولين، ولكي يخفف عن نفسه من التعب في البحث والنظر لم يلتزم أن لا يخرج ما له علة وأشار إلى ذلك، قال في الخطبة: "سألني جماعة ... أن أجمع كتابًا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد ابن إسماعيل ومسلم بن الحجاج بمثلها؛ إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له؛ فإنهما رحمهما الله لم يَدَّعِيَا ذلك لأنفسهما".

ولم يُصِبْ في هذا؛ فإن الشيخين ملتزمان أن لا يخرجا إلا ما غلب على ظنهما بعد النظر والبحث والتدبر أنه ليس له علة قادحة. وظاهر كلامه أنه لم يلتفت إلى العلل البتة، وأنه يخرج ما كان رجاله مثل رجالهما وإن لم يغلب على ظنه أنه ليس له علة قادحة. الرابع: أنه لأجل السببين الأولين توسَّع في معنى قوله: "بأسانيد يحتج ... بمثلها"، فبنى على أن في رجال "الصحيحين" من فيه كلام، فأخرج عن جماعةٍ يَعلم أن فيهم كلامًا. ومحل التوسع أن الشيخين إنما يخرجان لمن فيه كلام في مواضع معروفة. أحدها: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام لا يضر في روايته البتة، كما أخرج البخاري لعكرمة. الثاني: أن يؤدي اجتهادهما إلى أن ذاك الكلام إنما يقتضى أنه لا يصلح للاحتجاج به وحده، ويريان أنه يصلح لأن يحتج به مقرونًا، أو حيث تابعه غيره ونحو ذلك. ثالثها: أن يريا أن الضعف الذي في الرجل خاص بروايته عن فلان من شيوخه، أو برواية فلان عنه أو بما يُسمع منه من غير كتابه، أو بما سمع منه بعد اختلاطه، أو بما جاء عنه عنعنةً وهو مدلس ولم يأت عنه من وجه آخر ما يدفع ريبة التدليس، فيخرجان للرجل حيث يصلح، ولا يخرجان له حيث لا يصلح. وقَصَّرَ الحاكم في مراعاة هذا، وزاد فأخرج في مواضع لمن لم يخرجا ولا أحدهما له بناء على أنه نظير من قد أخرجا له، فلو قيل له: كيف أخرجت لهذا وهو متكلم فيه؟ لعله يجيب بأنهما قد أخرجا لفلان وفيه كلام قريب من الكلام في هذا، ولو وفَّى بهذا لهان الخطب، لكنه لم يَفِ به بل أخرج لجماعة هلكى.

الخامس: أنه شرع في تأليف "المستدرك" بعد أن بلغ عمره اثنتن وسبعين سنة، وقد ضعفت ذاكرته كما تقدم عنه، وكان فيما يظهر تحت يده كتب أخرى يصنفها مع "المستدرك"، وقد استشعر قرب أجله فهو حريص على إتمام "المستدرك" وتلك المصنفات قبل موته، فقد يتوهم في الرجل يقع في السند أنهما أخرجا له، أو أنه فلان الذي أخرجا له، والواقع أنه رجل آخر، أو أنه لم يجرح أو نحو ذلك. وقد رأيت له في "المستدرك" عدة أوهام من هذا القبيل يجزم بها، فيقول في الرجل: قد أخرج له مسلم -مثلًا- مع أن مسلمًا إنما أخرج لرجل آخر شبيه اسمُه باسمِه، ويقول في الرجل: فلان الواقع في السند هو فلان ابن فلان، والصواب أنه غيره. لكنه مع هذا كله لم يقع خلل ما في روايته؛ لأنه إنما كان ينقل من أصوله المضبوطة، وإنما وقع الخلل في أحكامه، فكل حديث في "المستدرك" فقد سمعه الحاكم كما هو، هذا هو القدر الذي تحصل به الثقة، فأما حكمه بأنه على شرط الشيخين، أو أنه صحيح، أو أن فلانًا المذكور فيه صحابي، أو أنه هو فلان ابن فلان، ونحو ذلك، فهذا قد وقع فيه كثير من الخلل. هذا وذكرهم للحاكم بالتساهل إنما يخصونه بـ"المستدرك"، فكتبه في الجرح والتعديل لم يغمزه أحد بشيء مما فيها فيما أعلم، وبهذا يتبين أن التشبث بما وقع له في "المستدرك" وبكلامهم فيه لأجله: إن كان لإيجاب التروي في أحكامه التي في "المستدرك" فهو وجيه، وإن كان للقدح في روايته أو في أحكامه في غير "المستدرك" في الجرح والتعديل ونحوه فلا وجه لذلك، بل حالة في ذلك كحال غيره من الأئمة العارفين، إن وقع له خطأ فنادر كما يقع لغيره، والحكم في ذلك اطِّراح ما قام الدليل على أنه أخطأ فيه، وقبول ما عداه، والله الموفق". اهـ. * * *

المطلب الرابع: منزلته في التوثيق والتصحيح،

المطلب الرابع: منزلته في التوثيق والتصحيح، وهو مبني على ما سبق قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 64): "كلمة "ثقة" عند الحاكم لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة "صدوق" عند غيره، بل دون ذلك". اهـ. وقال فيها (ص 240): "تصحيح الحاكم ليس بحجة كما هو معروف". اهـ. * * *

ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام"

ابن القطان صاحب "بيان الوهم والإيهام" (ت 628 هـ)

يتعلق به هنا أمران: الأول: قول المعلمي فيما وقع لابن القطان من التصحيف في أسماء الرواة. الثاني: ما زدته من: بعض الفوائد والنكات الحديثية المتعلقة بكتاب "بيان الوهم والإيهام". ويليه: نماذج من مناقشات واعتراضات بعض الحفاظ على ابن القطان في جانب نقده للرواة: 1 - الرد عليه في رميه هشام بن عروة بالاختلاط والتغير. 2 - الاعتراض عليه في إطلاق التجهيل على من لم يَطَّلِعْ على حالة من الرواة مع مناقشة هذا الاعتراض إن لم يُسلَّم لصاحبه. 3 - عدم معرفة ابن القطان بأئمة كبار. 4 - الاعتراض عليه في ذهابه إلى أن انفراد الثقات أو اختلافهم لا يضر. 5 - الاعتراض على ابن القطان في إبطاله لكثير من تعليلات النقاد بأنواع من التجويزات والاحتمالات العقلية. 6 - الاعتراض عليه في رده مراسيل الصحابة. * تعليق مجمل على ما سبق. * * *

الأمر الأول قول المعلمي فيما وقع لابن القطان من التصحيف في أسماء الرواة

الأمر الأول قول المعلمي فيما وقع لابن القطان من التصحيف في أسماء الرواة قال العلامة المعلمي في "التنكيل" (1/ 256): "ابن القطان ربما يأخذ من الصحف فيصحف؛ فقد وقع له في موضعٍ تصحيفٌ ثلاثة أسماء متوالية (¬1). راجع "لسان الميزان" (2/ 201 - 202). ¬

_ (¬1) من ذلك: 1 - قول ابن حجر في "اللسان" (4/ 188): "ز صدقة بن عبيد عن عمرو بن عبد الجبار، وعنه داود بن إبراهيم، قال ابن القطان: لا يعرف، وحديثه في ترجمة عمرو بن عبد الجبار من كتاب العقيلي. قلت: وقد انقلب عليه وإنما هو: عبيد بن صدقة، ولا بأس به". اهـ. وترجمة عمرو بن عبد الجبار -وهو السنجاري- في "ضعفاء العقيلي" (3/ 287)، وفيها: عبيد بن صدقة على الصواب، ونسبه: التغلبي. ونقل هذا الإسناد كذلك الذهبي في ترجمة: عمرو بن عبد الغفار الفقيمي، من "الميزان" (6403). لكني مع ذلك لم أقف على ترجمة لـ: عبيد بن صدقة هذا. 2 - وفي "اللسان" (7/ 231) أيضًا: "نعيم بن سالم عن أنس، وعنه عمرو بن خليفة. قال ابن القطان: لا يعرف. قلت: تصحف عليه اسمه، وإلا فهو معروف، مشهور بالضعف، متروك الحديث، وأول اسمه: ياء مثناة من تحت، ثم غين معجمة، ثم نون، وسيأتي". اهـ. يعني هو: يغنم بن سالم، "اللسان" (7/ 383). 3 - وفي "تهذيب التهذيب" (1/ 136): "س ق إبراهيم بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عثمان بن خواستى العبسي أبو شيبة بن أبي بكر بن أبي شيبة الكوفي ... وأغرب ابن القطان فزعم أنه ضعيف، وكأنه اشتبه عليه بجده إبراهيم بن عثمان فهو المعروف بأبي شيبة أكثر مما يعرف بها هذا، وهو المضعف كما سيأتي". اهـ. =

قد قال ابن حجر في الموضع المشار إليه من "اللسان" متعقبًا كلمة ابن القطان (¬1): "ولا يغتر أحدٌ بقولِ ابن القطان، قد جازف بهذه المقالة، وما ضعف زكريا الساجي هذا أحد. ... وذكره ابن أبي حاتم، فقال: كان ثقة يعرف الحديث والفقه، وله مؤلفات حسان في الرجال واختلاف العلماء وأحكام القرآن. وقال مسلمة بن القاسم: بصري ثقة". اهـ. * * * ¬

_ = 4 - وفي "تهذيب التهذيب" (12/ 425): "د ت ق سلمى أم رافع، مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقال: مولاة صفية بنت عبد المطلب، وهي زوجة أبي رافع، روت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن فاطمة الزهراء، وعنها ابن ابنها عبيد الله بن علي بن أبي رافع. قال ابن عبد البر: كانت قابلة إبراهيم ابن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي التي غسلت فاطمة الزهراء. وقال هشام بن عروة عن أبيه، عن عائشة: جاءت سلمى مولاة صفية امرأة أبي رافع مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تستعديه على أبي رافع، فذكر حديثًا. قلت: جزم ابن القطان بأن سلمى مولاة صفية هي والدة أبي رافع، لا زوجته، وأن سلمى زوجة أبي رافع مولاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأورد لابن السكن من طريق جارية بن محمد، عن عبيد الله بن أبي رافع، عن جدته سلمى، وكانت خادما للنبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بيت لا تمر فيه كأن ليس فيه طعام"، وأما زوجته فذكر ابن أبي خيثمة أنها شهدت خيبر، وولدت لأبي رافع ابنه عبد الله وغيره. وتعقب ابنُ المَوَّاق كلامَ ابنِ القطان، ومداره على ثبوت رواية جارية بن محمد، والله تعالى أعلم. والذي يظهر لي أن الشبهة دخلت على ابن القطان من ظنه أن عبيد الله بن أبي رافع الذي روى عنه جارية ابن عمد هو الكبير، وليس كذلك بل هو الصغير، وهو عبيد الله بن علي بن أبي رافع، نسب إلى جده، فعلى هذا فجدته سلمى هي أم رافع زوج أبي رافع، وأما ابن أبي رافع فلا يعرف اسمه ولا صحبته. وهذا من المواضع الدقيقة، والعلل الخفية التي ادخرها الله تعالى للمتأخر، لا إله إلا هو، ما أكثر مواهبه، ولا نحصي ثناء عليه، لا إله إلا هو". اهـ. (¬1) يعني كلمته في زكريا بن يحيى الساجي: "مختلف فيه في الحديث، وثقه قوم وضعفه آخرون".

الأمر الثاني ما زدته من بعميه الفوائد والنكات الحديثية المتعلقة بكتاب "بيان الوهم والإيهام"

الأمر الثاني ما زدتُّه من بعميه الفوائد والنكات الحديثية المتعلقة بكتاب "بيان الوهم والإيهام" قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (22/ 306): "عَلَّقْتُ من تأليفه كتاب: "الوهم والإيهام" فوائدَ تدل على قوة ذكائه، وسيلان ذهنه، وبصره بالعلل، لكنه تَعَنَّتَ في أماكن، ولَيَّنَ هشامَ بن عروة، وسهيل بن أبي صالح، ونحوهما". اهـ. قال أبو أنس: هذا وصفٌ دقيقٌ لابنِ القطان -مع إضافةِ أمورٍ أخرى تأتي- وقد اعتمد أكثر الحفاظ الذين صنفوا في الرجال والتخريج ابنَ القطان في كلامه على الرواة والأخبار، حتَّى إنه في بعض الأحيان لا يوجد لديهم سوى ما قاله ابن القطان في كتابه "بيان الوهم والإيهام". ومن أكثر هؤلاء الحفاظ: الذهبي وابن حجر، تتابعا على نقل كلامه في كتبهما، وعلى الرغم من وصفهما له بالعنت في باب الجرح -لا سيما التجهيل- واعتراضهما عليه في غير موضع، فقد كثرا من نقل عبارات الجهالة عنه في كثير من الرواة، لا سيما من لم يوجد للمتقدمين فيه كلام. وقد حاولتُ هنا أن أساعد في تكوين صوررةٍ أوضحَ لمكانة ابن القطان في نقد الرواة والحكم على الأخبار، وفي موقفه من بعض قواعد هذا الفن وأصوله. وقد جعلت ذلك من خلال عرض نماذج لانطباعات أهل العلم إزاء تصرفات ابن القطان في تعامله مع تلك الأمور من غير استقصاءٍ للمباحث التي تعرض لها، والله الموفق، وهو الهادي إلى الصواب.

نماذج من مناقشات واعتراضات بعض الحفاظ على ابن القطان في جانب نقده للرواة

نماذج من مناقشات واعتراضات بعض الحفاظ على ابن القطان في جانب نقده للرواة 1 - الرد عليه في رميه هشام بن عروة بالاختلاط والتغير: • قال الذهبي في ترجمة هشام بن عروة من "السير" (6/ 35 - 36): "لا عبرة بما قاله الحافظ أبو الحسن بن القطان من أنه هو وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا؛ فإن الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر، وتَنقصُ حِدَّةُ ذهنه، فليس هو في شيخوخته كهو في شبيبته، وما ثَمَّ أحدٌ بمعصومٍ من السهو والنسيان، وما هذا التغير بضار أصلًا، وإنما الذي يضرُّ الاختلاطُ، وهشام فلم يختلط قط، هذا أمر مقطوع به. وحديثه محتج به في "الموطأ" و"الصحاح" و"السنن". فقول ابن القطان: "إنه اختلط" قولٌ مردودٌ مرذولٌ. فَأَرِنِي إمامًا من الكبار سَلِم من الخطأ والوهم؛ فهذا شعبة -وهو في الذروة- له أوهام، وكذلك معمر والأوزاعي ومالك رحمة الله عليهم". اهـ. • وفي "الميزان" (9233): "صح هشام بن عروة (ع) أحد الأعلام حجة إمام لكن في الكبر تناقص حفظه، ولم يختلط أبدًا. ولا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه وسهيل بن أبي صالح اختلطا وتغيرا، نعم الرجل تغير قليلًا ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة، فنسي بعض محفوظه أو وهم، فكان ماذا؟ أهو معصوم من النسيان. ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها، ومثل هذا يقع لمالك، ولشعبة، ولوكيع، ولكبار الثقات. فَدَعْ عنك الخَبْطَ، وذَرْ خَلْطَ الأئمة الأثبات بالضعفاء والمخلطين. فهشام شيخ الإسلام، ولكنْ أحسنَ الله عزاءنا فيك يا ابن القطان". اهـ.

2 - الاعتراض عليه في إطلاق التجهيل على من لم يطلع على حاله من الرواة مع مناقشة هذا الاعتراض

2 - الاعتراض عليه في إطلاق التجهيل على من لم يَطَّلِعْ على حاله من الرواة مع مناقشة هذا الاعتراض: • قال الذهبي في "الميزان" (2109): "حفص بن بُغَيْل" عن زائدة وجماعة، وعنه أبو كريب وأَحمد بن بديل، قال ابن القطان: لا يعرف له حال ولا يعرف. "قلت: لم أذكر هذا النوع في كتابي هذا؛ فإن ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمام عاصر ذاك الرجل، أو أخذ عمن عاصره، ما يدل على عدالته. وهذا شيء كثير؛ ففي "الصحيحين" من هذا النمط خلق كثير مستورون؛ ما ضعفهم أحد ولا هم بمجاهيل". اهـ. قال أبو أنس: لكن إخراج مثل هؤلاء في "الصحيحين" له مزية على غيرهم كما هو معلوم، فلا يقاس عليهم، وانتظر جواب ابن حجر على الترجمة الآتية. • وفيه (7015): "مالك بن الخير الزيادي مصري محله الصدق، يروي عن أبي قبيل عن عبادة مرفوعًا: "ليس منا من لم يبجل كبيرنا". روى عنه حيوة بن شريح، وهو من طبقته، وابن وهب، وزيد بن الحباب، ورشدين. قال ابن القطان: هو ممن لم تثبت عدالته. يريد أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة، وفي رواة "الصحيحين" عددٌ كثيرٌ ما عَلِمْنا أن أحدًا نَصَّ على توثيقهم. والجمهور على أن مَنْ كان من المشايخ قد روى عنه جماعة، ولم يأتِ بما يُنكر عليه أن حديثه صحيح". اهـ.

تعقبه ابن حجر في "اللسان" (6/ 82) بقوله: "هذا الذي نسبه للجمهور لم يُصَرِّحْ به أحدٌ من أئمة النقد إلا ابن حبان، نعم هو حَقٌّ في حَقِّ مَنْ كان مشهورًا بطلب الحديث، والانتساب إليه، كما قررته في علوم الحديث. وهذا الرجل قد ذكره ابن حبان في "تاريخ الثقات"، فهو ثقة عنده، وكذا نص الحاكم في "مستدركه" على أنه ثقة. ثم إن قول الشيخ: إن في رواة "الصحيح" عددًا كثيرًا ... إلى آخره، مما يُنازَعُ فيه، بل ليس كذلك، بل هذا شيء نادر؛ لأن غالبهيم معروفون بالثقة، إلا من خرجًا له في الاستشهاد" اهـ. • وفيه (9936): "أبو إدريس السكوني (د) حمصي عن جبير بن نفير عن أبي الدرداء قال: أوصاني خليلي بثلث منها الضحى. رواه عنه صفوان بن عمرو. قال ابن القطان: حالة مجهولة. قلت: قد روى عنه غير صفوان، فهو شيخ محله الصدق. وحديثه جيد". اهـ. تعقب ابنُ حجر الذهبيَّ في "التهذيب" (12/ 6) بقوله: "قرأت بخط الذهبي: قال ابن القطان: حالة مجهولة. قال الذهبي: قد روى عنه غير صفوان بن عمرو، فهو شيخ محله الصدق. كذا قال، ولم يسم الراوي الآخر، وقد جزم ابن القطان بأنه ما روى عنه غير صفوان. وقول الذهبي: أن من روى عنه أكثر من واحد فهو شيخ محله الصدق لا يوافقه عليه من يبتغي على الإسلام مزيدَ العدالة، بل هذه الصفة هي صفة المستورين الذين اختلفت الأئمة في قبول أحاديثهم، والله تعالى أعلم". اهـ.

• وقال ابن حجر في "اللسان" (1/ 318): "ن أحمد بن عبيد الله بن الحسن العنبري عن أَبيه، وعنه الحسن بن علي المعمري، وإبراهيم بن حماد، وعلي بن سعيد الرازي، وآخرون. قال ابن القطان: مجهول. قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: روى عن ابن عيينة وعنه ابن الباغندي. [قال ابن القطان]: لم تثبت عدالته. وابن القطان يتبع ابن حزم في إطلاق التجهيل على من لا يطلعون على حاله، وهذا الرجل بصري شهير، وهو ولد عبيد الله القاضي المشهور". اهـ. • وفي "تهذيب التهذيب" (9/ 487): "ت محمد بن نجيح أبي معشر بن عبد الرحمن السندي أبو عبد الملك مولى بني هاشم رأى ابن أبي ذئب وروى عن أَبيه والنضر بن منصور الغبري وأبي نوح الأنصاري، روى عنه الترمذي، وروى أيضًا عن يحيى بن موسى البلخي عنه. و ... وأبو حاتم الرازي، وأبو يعلى الموصلي، وابن جرير الطبري ... وآخرون. قال أبو حاتم: محله الصدق. وقال الحسين بن حبان: سألت أَبا زكريا عنه، فقال: قدم المصيصة فسألت حجاجا عنه، فقال: جاءني، فطلب مني كتبًا مما سمعت من أَبيه فأخذها ونسخها وما سمعها مني. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو يعلى الموصلي: ثقة. قلت: ... عَدَّهُ أبو الحسن بن القطان فيمن لا يعرف، وذلك قصور منه، فلا تغتر به. وقد أكثر مِنْ وَصف جماعةٍ من المشهورين بذلك، وتبعه إلى مثل ذلك: أبو محمد ابن حزم، ولو قالا: لا نعرفه لكان أولي لهما". اهـ. • وفيه (10478): "أبو عمير (د س ق) ابن أنس بن مالك عن عمومة له في ثبوت العيد بعد الزوال وصلاة العيد من الغد.

لا يعرف إلا بهذا، وبحديث آخر، تفرد عنه أبو بشر. قال ابن القطان: لم تثبت عدالته. وصحح حديثه ابنُ المنذر، وابن حزم، وغيرهما؛ فذلك توثيق له، فالله أعلم". اهـ. قال أبو أنس: تصحيح ابن المنذر وابن حزم وغيرهم -على جلالتهم- للحديث، لا يستلزم توثيقَ كُلِّ راوٍ فيه، فربما يُصَحَّحُ الحديثُ لاعتباراتٍ أخرى سوى توثيق رواته توثيقا اصطلاحيا، فالأمر يحتاج إلى اشتراطٍ من المُصَحِّحِ بذلك، حينئذٍ يقال: الأصل أنه ثقة عنده. فلو سلمنا بصحة دلالة تصحيحهما على ثقته عندهما، فهل هما من أئمة الجرح والتعديل الذين يثبت بتوثيقهما لأحد التابعين ما يدفع توقف ابن القطان في إثبات العدالة له؟ والأصل معه؛ فإنه لم يأت عن أئمة هذا الشأن لا تصريحًا ولا تضمينا ما يثبت له الثقة بمعناها الاصطلاحي. والله تعالى أعلم. • وفيه (10494): "أبو عيسى الخراساني (د) عن الضحاك مرسلًا: نهى أن يخرج يوم العيد بسلاح. قال ابن القطان: لا يعرف حالة. قلت: ذا ثقة؛ روى عنه حيوة بن شريح، وسعيد بن أبي أَيوب، وابن لهيعة، وجماعة، سكن مصر، ووثقه ابن حبان". اهـ. قال أبو أنس: انظر ما مرَّ من جواب ابن حجر على ترجمة: مالك بن الخير، وذِكْرُ ابنِ حبان للرجل من هذه الطبقات في ثقاته لا يُركن إليه، راجع ترجمة ابن حبان من هذا الكتاب.

• وفي الميزان: (2868): "زفر بن وثيمة (د) ابن مالك بن أوس بن الحدثان النصري من الشاميين عن حكيم بن حزام في النهي عن الشِّعْر والحدود في المسجد. ضعفه عبد الحق - أعني الحديث. وقال ابن القطان: علته الجهل بحال زفر، تفرد عنه محمد بن عبد الله الشعيثي. قلت؛ قد وثقه ابن معين، ودحيم". اهـ. • وفي "اللسان" (3/ 259): "داود بن حماد بن فرافصة البلخي كان بنيسابور عن ابن عيينة، ووكيع، وإبراهيم ابن الأشعث، وجرير. وعنه: أبو زرعة، وأَحمد بن سلمة النيسابوري، والحسن بن سفيان، وغيرهم. قال ابن القطان: حالة مجهول. قلت: بل هو ثقة؛ فمن عادة أبي زرعة أن لا يحدث إلا عن ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال: كان ضابطًا، صاحب حديث، يغرب". اهـ. قال أبو أنس: فمثل هذا -مع ثقته- يُحتاط فيما أغرب أو تفرد به، حسبما تقتضيه عبارة ابن حبان، والله تعالى أعلم. • وفي "اللسان" (3/ 326): "زكريا بن الحكم عن عمرو بن عمرو العسقلاني، وعنه أحمد بن حماد بن عبد الله الرقي، وأبو عروبة، وجماعة من أهل الجزيرة. قال ابن القطان: مجهول. قلت: وليس بمجهول؛ فقد روى عنه هؤلاء، ووثقه ابن حبان". اهـ.

قال أبو أنس: نعم، هو مستور على رأي ابن حجر نفسه، كما شرحه في ترجمة مالك بن الخير الزيادي التي مرت، وانظر الترجمة الآتية. • وفي "الميزان" (5035): "عبد الرحيم بن كردم بن أرطبان عن الزهري، روى عنه جماعة، سماهم ابن أبي حاتم، مجهول. قلت: من الرواة عنه: العقدي، ومعلى بن أسد، وإبراهيم بن الحجاج السامي، فهذا شيخ ليس بواهٍ، ولا هو بمجهول الحال، ولا هو بالثبت، ويكنى أَبا مرحوم. قال البزار في "مسنده": حدثنا محمد بن معمر ثنا أبو عامر ثنا أبو مرحوم الأرطباني ثنا زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الغيرة من الإيمان والبذاء من النفاق". قال البزار: لا نعلمه يُروى عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بهذا اللفظ، تفرد به أبو مرحوم، هو ابن عم عبد الله بن عون بن أرطبان الإمام. قال أبو الحسن بن القطان: قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: مجهول. ثم قال أبو الحسن: فانظر كيف عرفه برواية جماعة عنه، ثم قال فيه: مجهول. وهذا منه صواب". اهـ. زاد ابن حجر في "اللسان" (5/ 10): "يعني مجهول الحال، قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: كان يخطىء. وقال أبو أحمد الحاكم: لا يتابع على حديثه. وأخرج له الحاكم في "المستدرك"". اهـ.

• وفي "اللسان" (7/ 73): "مرداس بن محمد بن الحارث بن عبد الله بن أبي بردة بن أبي موسى الأَشعري عن محمد بن أَبان عن أَيوب بن عائذ بحديث في الوضوء عند الدارقطني، وعنه محمد بن عبد الله الزهري. قال ابن القطان: لا يعرف البتة. قلت: هو مشهور بكنيته أبو بلال من أهل الكوفة يروي عن قيس بن الربيع والكوفيين روى عنه أهل العراق. قال ابن حبان في "الثقات": يغرب ويتفرد. ولينه الحاكم أيضًا. وقول ابن القطان: لا يعرف البتة وهم في ذلك؛ فإنه معروف". اهـ. • وفيه (8/ 135): "أبو الوليد بن برد الأَنطاكي. قال ابن القطان: لا يعرف. انتهى. وقد ذكره النسائي في "الكني" وقال: صالح". اهـ. • وفي "تهذيب التهذيب" أيضًا (8/ 226): "د س عيسى بن أبي عيسى واسمه هلال بن يحيى السليحي الطائي الحمصي المعروف بابن البراد، وسليح بطن من قضاعة. روى عن ... روى عنه: أبو داود، والنسائي، ويعقوب بن سفيان، وإبراهيم بن يوسف الهسنجاني، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، والحسين بن إدريس الهروي ... وأبو بكر بن أبي داود وآخرون. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: ربما أغرب.

قلت: ... وعده ابن القطان فيمن لا يُعرف حالة، فما أصاب، فقد ذكره النسائي في أسماء شيوخه، وقال: لا بأس به". اهـ. • وفي "تهذيب التهذيب" (4/ 19): "د ت سعيد بن حيان التيمي، من تيم الرباب الكوفي، روى عن علي وأبي هريرة والحارث بن سويد وشريح القاضي ومريم بنت طارق وغيرهم وعنه ابنه أبو حيان التيمي. ذكره ابن حبان في "الثقات". قلت: وجعل الحارث بن سويد راويًا عنه عكس ما هنا. وقال العجلي: كوفي ثقة، ولم يقف ابن القطان على توثيق العجلي، فزعم أنه مجهول". اهـ. قال أبو أنس: توثيق العجلي قريب من ابن حبان في التساهل، فلا يُعَوَّلُ على ما انفردا بتوثيقه. والله تعالى أعلم. • ومثله قوله في "التلخيص الحبير" (1/ 154): "ومدار طريق خالد على عمرو بن بجدان، وقد وثقه العجلي، وغفل ابن القطان فقال: إنه مجهول". اهـ. • وفي "تهذيب التهذيب" (10/ 116): "س مسعود بن جويرية بن داود المخزومي الموصلي أبو سعيد روى عن المعافى بن عمران، وهشيم، وعفيف بن سالم، وابن عيينة، ووكيع، وغيرهم. وعنه النسائي، وجعفر بن محمد البلدي، وعلي بن الهيثم الفزاري، وأَحمد بن العباس البغدادي ... وغيرهم.

قال النسائي: لا بأس به. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال أبو زكريا الأزدي في "تاريخ الموصل": كان نبيلا من الرحالة توفي سنة ثمان وأربعن ومائتين. قلت: تتمة كلام ابن حبان: مستقيم الحديث. وقال مسلمة بن قاسم: لا بأس به. وغفل ابن القطان فقال: لا يعرف". اهـ. • وفي "مقدمة الفتح" (408): "خ س ق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي المدني. قال ابن القطان الفاسي: لا يعرف حالة. قلت: وروى عنه جماعة، ووثقه ابن حبان. وله في "الصحيح" حديث واحد في كتاب الأطعمة في دعائه -صلى الله عليه وسلم- في تمر جابر بالبركة حتى أوفى دينه، وهو حديث مشهور، له طرق كثيرة عن جابر، وروى له النسائي وابن ماجه". اهـ. قاله أبو أنس: نعم، هو مستور، انتقى له البخاري حديثا دلت القرائن على أنه حفظه، فاكتسب قوة بإخراج البخاري له. • وفي "ذيل ميزان الاعتدال" للعراقي (614): "عميرة بن أبي ناجية، واسم أبي ناجية: حريث أبو يحيى الرعيني المصري مولى حجر بن رعين. روى عن أَبيه، وعن بكر بن سوادة، ويزيد بن أبي حبيب في آخرين. روى عنه الليث بن سعد، وابن وهب وآخرون. له عند النسائي عن الليث قال: حدثني عميرة بن أبي ناجية وغيره عن بكر بن سوادة عن عطاء بن يسار، مرسلًا: أن رجلين خرجًا في سفر ... فذكر الحديث في صلاتهما بالتيمم، ثم وجدا الماء في الوقت. الحديث.

قال ابن القطان: إنه مجهول الحال. وكأنه لم يمعن الكشف عنه؛ وإلا فقد قال النسائي في "التمييز": إنه ثقة. وكذا قال يحيى بن بكير: إنه ثقة. وذكره ابن حبان في "الثقات". وقال: توفي سنة إحدى وخمسين ومائة. وقال ابن يونس: سنة ثلاث وخمسن ومائة، وكانت له عبادة وفضل". اهـ. • وفيه أيضًا (658): "محمد بن عبد الملك بن زنجويه أبو بكر البغدادي الغزال، صاحب أحمد بن حنبل، روى عن يزيد بن هارون، وعبد الرزاق، وغيرهما روى عنه أصحاب "السنن"، وغيرهم. قال ابن القطان: وهو مجهول الحال، لم أجد له ذكرًا. قلت: هذا عجيب من أبي الحسن، وهو كثير النقل من كتاب ابن أبي حاتم، وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، فقال: روى عن عبد الرزاق، والحسن بن موسى الأشيب، وجعفر بن عون، ويزيد بن هارون، والفريابي، وعصام بن خالد، وأسد ابن موسى، وطلق بن السمح. سمع منه أبي، وسمعت منه وهو صدوق. قلت: ووثقه النسائي أيضًا، وروى عنه جماعة من الأئمة، منهم: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وإبراهيم الحربي، وإسماعيل القاضي، وعبد الله ابن أحمد، وأبو يعلى الموصلي، وابن صاعد، وآخرون. فَمَنْ هذه ترجمته، كيف تكون حالة مجهولة؟ ولكن الذي أوقع أَبا الحسن في ذلك كون ابن أبي حاتم لم يصفه بأنه الغزال، ونسبه إلى جده، ثم إن صاحب "الكمال" ترجمه ترجمتين؛ مرة نسبه إلى جده، ومرة ذكره من غير ذكر جده، ووصفه بأنه الغزال، وهو وهم. وقد ذكره على الصواب: ابنُ عساكر في أسماء "شيوخ النبل"، فنسبه إلى جده، ووصفه بأنه الغزال، ونقل توثيق النسائي له، وتبعه على ذلك: المزي في "تهذيبه"، والذهبي في مختصره". اهـ.

3 - عدم معرفة ابن القطان بأئمة كبار

• وفي حاشية ابن القيم على "سنن أبي داود" (1/ 107): "قال الشيخ شمس الدين بن القيم -في حديث أنس في تخليل اللحية-: قال أبو محمد بن حزم: لا يصح حديث أنس هذا؛ لأنه من طريق الوليد بن زوران (¬1)، وهو مجهول، وكذلك أعله ابن القطان بأن الوليد هذا مجهول الحال، وفي هذا التعليل نظر؛ فإن الوليد هذا روى عنه جعفر بن برقان، وحجاج بن منهال، وأبو المليح الحسن بن عمر الرقي، وغيرهم، ولم يُعلم فيه جرح". اهـ. قاله أبو أنس: قد روى عنه غير واحد، ولم يُجرح، لكنه لم يُوثق توثيقا معتبرا، إنما ذكره ابن حبان في "الثقات" -على شرطه المعروف- ولذا قال الذهبي في "الميزان" (9366): "ماذا بحجة، مع أن ابن حبان وثقه". اهـ. وقد أخرج أبو داود هذا الحديث في "سننه" (145) ونقل الآجري عن أبي داود قوله -لما سأله عنه-: "لا ندري سمع من أنس أم لا؟ ". اهـ. فهذه علة أخرى. 3 - عدم معرفة ابن القطان بأئمة كبار: • في "ذيل الميزان" للعراقي (499): "عبد الله بن محمد بن يوسف شيخ لأبي عمر بن عبد البر، جهله ابن القطان. قلت: وهو عجب، فهو أبو الوليد الفرضي الحافظ الكبير وليس هو ممن يجهل مثله". اهـ. ¬

_ (¬1) ويقال: زروان، بتقديم الراء على الواو.

• وفيه (763): "أبو أحمد الحاكم، صاحب "الكني". قال ابن القطان: لا أعرفه، واعترض عليه ابن الوكيل. فقال: قلت: هو محمد بن محمد بن إسحاق الحافظ، ذكره الحاكم في "تاريخ نيسابور"، فقال كان إمام الصنعة ... ". اهـ. • وفيه (767): "أبو بكر بن أبي عاصم روى عن عبد الجبار بن العلاء أبي بكر العطار روى أبو نعيم عن عبد الله بن محمد بن جعفر عنه. قال ابن القطان: لا أعرفه. قلت: أبو بكر بن أبي عاصم إمام ثقة حافظ مصنف لا يجهل مثله". اهـ. • وفي "اللسان" (1/ 403): "أحمد بن محمد بن إسماعيل بن الفرج عن أَبيه. قال ابن القطان: لا يعرف. قلت: هذا رجل من كبار المسندين بمصر، يكنى أبا بكر، وهو مصري، ويعرف بابن المهندس روى عن أبي بشر الدولابي ... وآخرين روى عنه عبد الملك بن عبد الله بن مسكين ... وآخرون. قال أبو سعيد: ثقة متقن، وقال ابن الطحان في" ذيل تاريخ مصر: "ثقة سمعت منه. وتوفي في سنة خمس وثمانين وثلاثمائة، وكان مولده سنة خمس وتسعين ومائتين، قاله الماليني. وقال الحبال: ولد سنة تسع وثلاثين ومائتين، فقارب المائة". اهـ.

4 - الاعتراض عليه في ذهابه إلى أن انفراد الثقات أو اختلافهم لا يضر

4 - الاعتراض عليه في ذهابه إلى أن انفراد الثقات أو اختلافهم لا يضر: • عند حديث جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أَلقى البحر، أو جزر عنه، فكلوه، وما مات فيه وطفا، فلا تأكلوه". قال ابن القيم في حاشيته على "سنن أبي داود" (5/ 324): "قال عبد الحق: هذا الحديث إنما يرويه الثقات من قول جابر، وإنما أُسند من وجه ضعيف من حديث يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن أبي الزبير، عن جابر. ومن حديث عبد العزيز بن عبد الله بن حمزة بن صهيب، وهو ضعيف لم يرو عنه إلا إسماعيل بن عياش. وقال ابن القطان: يحيى بن سليم وثقه ابن معين، وتكلم فيه غيره من أجل حفظه، والناس رووه موقوفا غير يحيى. وذكر أبو داود هذا الحديث، وقال: رواه الثوري، وحماد عن أبي الزبير، وقفاه على جابر. وقد أُسند من وجهٍ ضعيف عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر. قال ابن القطان: فإن كان عبد الحق ضَعَّفَ المرفوعَ لكونه من رواية أبي الزبير، فقد تناقض؛ لتصحيحه الموقوف، وهو عنه، وإن عنى به ضعف يحيى بن سليم، ناقض أيضًا، فكم من حديث صححه من روايته، ولم يخالف يحيى بن سليم في رفعه عن إسماعيل بن أمية إلا مَنْ هو دونه؛ وهو إسماعيل بن عياش. وأما إسماعيل بن أمية فلا يسأل عن مثله. وهذا تعنت من ابن القطان، والحديث إنما ضُعِّفَ؛ لأن الناس رووه موقوفًا على جابر، وانفرد برفعه يحيى بن سليم، وهو مع سوء حفظه قد خالف الثقات وانفرد عنهم. ومثل هذا لا يَحتج به أهل الحديث، فهذا هو الذي أراده أبو داود وغيره من تضعيف الحديث.

وأما تصحيحه حديث يحيى بن سليم هذا، فلا إنكار عليه فيه؛ فهذه طريقة أئمة الحديث، العالِمِين بعلله؛ يصححون حديثَ الرجل، ثم يضعفونه بعينه في حديث آخر إذا انفرد أو خالف الثقات. ومن تأمل هذا وتتبعه رأى منه الكثير؛ فإنهم يصححون حديثه لمتابعة غيره له، أو لأنه معروف الرواية صحيح الحديث عن شيخ بعينه ضعيفها في غيره، وفي مثل هذا يعرض الغلط لطائفتين من الناس: طائفة: تجد الرجل قد خرج حديثه في الصحيح، وقد احتج به فيه، فحيث وجدوه في حديثٍ، قالوا: هذا على شرط الصحيح، وأصحابُ الصحيح يكونون قد انتقوا حديثه، ورووا له ما تابعه فيه الثقات، ولم يكن معلولا، ويتركون من حديثه المعلولَ، وما شذ فيه وانفرد به عن الناس وخالف فيه الثقات، أو رواه عن غير معروف بالرواية عنه، ولا سيما إذا لم يجدوا حديثه عند أصحابه المختصين به، فإن لهم في هذا نظرًا واعتبارًا اختصوا به عمن لم يشاركهم فيه، فلا يلزم حيث وُجد حديثُ مثل هذا أن يكون صحيحًا، ولهذا كثيرا ما يعلل البخاري ونظراؤه حديثَ الثقة بأنه لا يتابع عليه. والطائفة الثانية: يرون الرجل قد تُكلم فيه بسبب حديثٍ رواه، وضُعف من أجله، فيجعلون هذا سببًا لتضعيف حديثه أين وجدوه، فيضعفون من حديثه ما يجزم أهل المعرفة بالحديث بصحته. وهذا باب قد اشتبه كثيرا على غير النقاد. والصواب ما اعتمده أئمة الحديث ونقاده من تنقية حديث الرجل وتصحيحه والاحتجاج به في موضع، وتضعيفه وترك حديثه في موضع آخر، وهذا فيما إذا تعددت شيوخ الرجل ظاهر، كإسماعيل بن عياش في غير الشاميين، وسفيان بن حسين في الزهري، ونظائرهما متعددة.

وإنما النقد الخفي إذا كان شيخه واحدا؛ كحديث العلاء بن عبد الرحمن مثلًا عن أبيه عن أبي هريرة، فإن مسلمًا يصحح هذا الإسناد ويحتج بالعلاء، وأعرض عن حديثه في الصيام بعد انتصاف شعبان، وهو من روايته على شرطه في الظاهر، ولم هي إخراجه لكلام الناس في هذا الحديث وتفرده وحده به، وهذا أيضًا كثير يعرفه من له عناية بعلم النقد ومعرفة العلل. وهذا إمام الحديث البخاري يعلل حديث الرجل بأنه لا يتابع عليه، ويحتج به في "صحيحه"، ولا تناقض منه في ذلك". اهـ. قال أبو أنس: هذا كلام أهل الصنعة، وأرباب الفن، الذين ذاقوا طعم هذا العلم من ينابيعه الصافية قبل أن تكدره دلاء أهل الكلام والمنطق والأصول، ومن تأثَّر بهم. • وفي "الميزان" (1368): "صح ثابت بن عجلان (خ د س ق) شامي، حدث عنه بقية، ومحمد بن حمير. وثقه ابن معين، وقال أحمد بن حنبل: أنا متوقف فيه. وقال أبو حاتم: صالح. وذكره ابن عدي، وساق له ثلاثة أحاديث غريبة. وذكره العقيلي في كتاب "الضعفاء". وقال: لا يتابع في حديثه. فمما أنكر عليه: حديث عتاب بن بشير عنه، عن عطاء، عن أم سلمة، قالت: كنت ألبس أوضاحًا من ذهب، فقلت: يا رسول الله، أكنز هو؟ قال: "ما بلغ أن تؤدي زكاته فَزُكِّيَ فليس بكنز". قال الحافظ عبد الحق: ثابت لا يحتج به. فناقشه على قوله أبو الحسن بن القطان، وقال: قول العقيلي أيضًا فيه تحامل عليه، وقال: إنما يُمس بهذا من لا يُعرف بالثقة مطلقًا، أما من عرف بها فانفراده لا يضر، إلا أن يكثر ذلك منه.

قلت: أما من عرف بالثقة، فنعم، وأما من وثق، ومثل أحمد الإمام يتوقف فيه، ومثل أبي حاتم يقول: صالح الحديث فلا نرقيه إلى رتبة الثقة، فتفرد هذا يعد منكرا، فرجح قول العقيلي وعبد الحق. وهذا شيخ حمصي ليس بالمكثر، رأى أنسًا وسمع من مجاهد وعطاء وجماعة، ووقع إلى باب الأبواب غافلًا. قال دحيم: ليس به بأس. وقال النسائي: ثقة. وسئل عنه أحمد بن حنبل مرة: أكان ثقة؟ فسكت". اهـ. قال أبو أنس: لكن وافق ابنُ حجر ابنَ القطان على قوله في مقدمة "الفتح" (ص 413) فقال: "هو كما قال، له في البخاري حديث واحد في الذبائح، وآخر في التاريخ". اهـ. قلت: هما حديث واحد، رواه محمد بن حمير عنه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: مر النبي -صلى الله عليه وسلم- بعنز ميتة، فقال: "ما على أهلها لو انتفعوا بإهابها". قال ابن حجر في ترجمة محمد بن حمير من مقدمة "الفتح" (ص 460): "له أصل من حديث ابن عباس عنده -يعني البخاري- في الطهارة". والحق مع الذهبي؛ فإذا كان الأئمة يتوقفون في تفردات بعض الحفاظ، أفلا يردون تفرد مثل هذا؟ لكنه مذهب عُرف عن ابن القطان في قبول ما جاء به الثقة مهما كان، وهو مذهب مردود، ولتفصيل الجواب عن هذه القضية موضع آخر. والله الموفق. • وفي "فتح الباري" لابن حجر (1/ 696): "باب إثم الإشارة بين يدي المصلي: أورد فيه البخاري حديث بسر بن سعيد أن

زيد بن خالد -أي الجهني الصحابي- أرسله إلى أبي جهيم، أي ابن الحارث بن الصمة الأنصاري الصحابي. هكذا روى مالك هذا الحديث في "الموطأ"، لم يُختلف عليه فيه أن المرسِل هو زيد، وأن المرسَل إليه هو أبو جهيم. وتابعه سفيان الثوري عن أبي النضر عند مسلم وابن ماجه وغيرهما. وخالفهما ابن عيينة عن أبي النضر، فقال: عن بسر بن سعيد، قال: أرسلني أبو جهيم إلى زيد بن خالد أسأله، فذكر هذا الحديث. قال ابن عبد البر: هكذا رواه ابن عيينة مقلوبا، أخرجه ابن أبي خيثمة عن أَبيه عن ابن عيينة، ثم قال ابن أبي خيثمة: سُئل عنه يحيى بن معين فقال: هو خطأ؟ إنما هو: أرسلني زيد إلى أبي جهيم، كما قال مالك. وتعقب ذلك ابن القطان فقال: ليس خطأ ابن عيينة فيه بمتعين؛ لاحتمال أن يكون أبو جهيم بعث بسرا إلى زيد، وبعثه زيد إلى أبي جهيم يستثبت كل واحد منهما ما عند الآخر. قلت: تعليل الأئمة للأحاديث مبني على غلبة الظن، فإذا قالوا: أخطأ فلان في كذا لم يتعين خطؤه في نفس الأمر، بل هو راجح الاحتمال فيعتمد، ولولا ذلك لما اشترطوا انتفاء الشاذ، وهو ما يخالف الثقة فيه من هو أرجح منه في حد الصحيح". اهـ. قال أبو أنس: ما أبرد هذا الكلام على الصدر، لا سيما حينما يخرج من مثل الحافظ ابن حجر، فهو يبعث روح الطمأنينة في قلوب سالكي هذا الدرب، ويزرع الأمل في عودة ما غاب من الفهم السليم لقواعد هذا الفن وأصوله. والله الهادي إلى الصواب، وإليه المرجع والمآب.

5 - الاعتراض على ابن القطان في إيطاله لكثير من تعليلات النقاد بأنواع من التجويزات والاحتمالات العقلية

5 - الاعتراض على ابن القطان في إيطاله لكثير من تعليلات النقاد بأنواع من التجويزات والاحتمالات العقلية: • قال ابن القيم عند تعليقه على حديث أنس في "تخليل اللحية" في حاشيته على "سنن" أبي داود (1/ 107): "وقد روى هذا الحديث محمد بن يحيى الذهلي في كتاب "علل" حديث الزهري فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن خالد الصفار من أصله -وكان صدوقًا- حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ فأدخل أصابعه تحت لحيته فخللها بأصابعه، ثم قال: "هكذا أمرني ربي عز وجل". وهذا إسناد صحيح. ... قلت: وتصحيح ابن القطان لحديث أنس من طريق الذهلي فيه نظر؛ فإن الذهلي أعله، فقال في "الزهريات": وحدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب عن الزبيدي أنه بلغه عن أنس بن مالك ... فذكره. قال الذهلي: هذا هو المحفوظ. قال ابن القطان: وهذا لا يضره؛ فإنه ليس مَنْ لم يحفظ حجةً على من حفظ، والصفار قد عَيَّن شيخ الزبيدي فيه، وبَيَّن أنه الزهري حتَّى لو قلنا: إن محمد بن حرب حدث به تارة، فقال فيه: عن الزبيدي بلغني عن أنس لم يضره ذلك، فقد يراجع كتابه فيعرف منه أن الذي حدث به الزهري فيحدث به عنه فأخذه عن الصفار هكذا. وهذه التجويزات لا يَلتفت إليها أئمة الحديث وأطباء علله، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوق لا يحول بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات". اهـ. قال أبو أنس: هذه أخطر وأشنع الآفات التي أصابت منهج ابن القطان في مقتل، فهو لا يرى

6 - الاعتراض عليه في رده مراسيل الصحابة

الاختلاف في الرواية: وصلًا وإرسالًا، أو رفعًا ووقفًا، أو زيادة ونقصًا: سببًا في التعليل، طالما أن رواةَ الكُلِّ ثقاتٌ، فكأنَّ الثقةَ عنده لا يخطىء، وفي هذا إهدارٌ لميراثٍ عظيم من تعليلات النقاد، وهَلْ عملُ النُّقَّادِ إلا على أحاديث الثقات؟! أما غيرهم، فقد كفى ضعفُهم مئونةَ التفتيشِ عن أخطائهم، ولبسط هذا المبحث موضع آخر. والله تعالى الموفق. 6 - الاعتراض عليه في رده مراسيل الصحابة: • قال ابن القيم في حاشيته على "سنن أبي داود" (2/ 71) تعليقًا على حديث أبي بكرة في باب: من قال يصلي بكل طائفة ركعتين: "حديث أبي بكرة هذا رواه الدارقطني عنه ... قال ابن القطان: وعندي أنه غير متصل؛ فإن أبا بكرة لم يصل معه صلاة الخوف؛ لأنه بلا ريب أسلم في حصار الطائف، فتدلى ببكرة من الحصن، فسمي أبا بكرة، وهذا كان بعد فراغه -صلى الله عليه وسلم- من هوازن، ثم لم يلق -صلى الله عليه وسلم- كيدا إلى أن قبضه الله. وهذا الذي قاله لا ريب فيه، لكن مثل هذا ليس بعلة ولا انقطاع عند جميع أئمة الحديث والفقه؛ فإن أبا بكرة وإن لم يشهد القصة، فإنه سمعها من صحابي غيره، وقد اتفقت الأمة على قبول رواية ابن عباس ونظرائه من الصحابة، مع أن عامتها مرسلة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم ينازع في ذلك اثنان من السلف وأهل الحديث والفقهاء، فالتعليل على هذا باطل والله أعلم". اهـ. • وقال ابن حجر في "التلخيص" (2/ 75): "وأعله ابن القطان بأن أبا بكرة أسلم بعد وقوع صلاة الخوف بمدة، وهذه ليست بعلة؛ فإنه يكون مرسل صحابي". اهـ.

تعليق مجمل على ما سبق

تعليق مجمل على ما سبق قال أبو أنس: بعد عرض ما سبق انتقاؤه من مناقشات الحفاظ لابن القطان يتضح أن ابن القطان -كما قالوا- شديد الذكاء والفطنة، دءوبا في البحث والمناظرة، إلا أنه -بجرأته في الاستقلال بالنقد- كثيرُ المخالفة لقواعد أهل الفن، وما اشتهر واستقر من أصولهم في ذلك، مما دفع غير واحد من الحفاظ بعده إلى الإقذاع في الرد عليه، وكشف شذوذه وحيدته عن المنهج السديد. أما عبد الحق الإشبيلي، فقد كان -على الرغم مما أُخذ عليه- أقربَ إلى منابع هذا الفن من ابن القطان، وكان ألزمَ لكلام أهل النقد في تحقيقاتهم وتحريراتهم، وكان أكثر ما أخذ عليه إنما هو في اجتهاده في تطبيق قواعدهم، لا في مخالفتهم فيها كابن القطان. ولا شك أن اللصوق بأهل الفن في أصولهم هو أحرى بالنجاة في هذا الباب، والله تعالى الموفق إلى وجه الصواب. * * *

الضياء المقدسي صاحب "المختارة"

الضياء المقدسي صاحب "المختارة" (ت 643 هـ)

يتعلق به هنا أمران: الأول: قول المعلمي في تصحيحٍ للضياء. الثاني: ما زدتُّه من: بعض الفوائد والنكات المتعلقة لإخراج الضياء المقدسي للحديث في كتابه "المختارة" وتصحيحه له بناء على ذلك. 1 - مدح كتابه لا سيما عند مقارنته بـ"مستدرك الحاكم". 2 - تصحيحه ما لم يُسبق إليه. 3 - بعض ما انتقده الحفاظ عليه في "المختارة". تعليق المؤلف على هذه الانتقادات. * * *

الأمر الأول قول المعلمي في تصحيح للضياء

الأمر الأول قول المعلمي في تصحيحٍ للضياء • في "الفوائد" (ص 179) حديثٌ في فضل التمر البرني، له طرق واهية، منها ما في إسناده: عقبة بن عبد الله الأصم. قال ابن حبان: "عقبة بن عبد الله الأصم ينفرد بالمناكير عن المشاهير". قال السيوطي: "روى له الترمذي. وقد أخرجه البخاري في "التاريخ" والبيهقي في "الشعب". وصححه المقدسي ... ". فقال الشيخ المعلمي: " ... وتصحيح المقدسي لرواية عقبة الأصم مع ضعفه وتدليسه وتفرده وإنكار المتن مردود عليه". اهـ. * * *

الأمر الثاني ما زدته من بعض الفوائد والنكات المتعلقة بإخراج الضياء المقدسي للحديث في كتابه "المختارة" وتصحيحه له بناء على ذلك

الأمر الثاني ما زدتُّه من بعض الفوائد والنكات المتعلقة بإخراج الضياء المقدسي للحديث في كتابه "المختارة" وتصحيحه له بناء على ذلك 1 - مدح كتابه لا سيما عند مقارنته بـ "مستدرك الحاكم": • ذكر ابن تيمية في غير موضع من كتبه أن "المختارة" أصح من صحيح الحاكم. كما في "مجموع الفتاوى" (3/ 43) على سبيل المثال. وزاد في التأكيد على ذلك في "اقتضاء الصراط المستقيم" (ص 322) عند الكلام على حديث "لا تتخذوا قبري عيدا ولا بيوتكم قبورا فإن تسليمكم يبلغني أينما كنتم". فقال: "رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي الحافظ فيما اختاره من الأحاديث الجياد الزائدة على "الصحيحين"، وشرطه فيه أحسن من شرط الحاكم في "صحيحه". • وزاد في "الفتاوى الكبرى" (1/ 98): "ومن له أدنى خبرة في الحديث وأهله، لا يعارض بتوثيق الحاكم ما قد ثبت في "الصحيح" خلافه؛ فإن أهل العلم متفقون على أن الحاكم فيه من التساهل والتسامح في باب التصحيح، حتى إن تصحيحه دون تصحيح الترمذي والدارقطني وأمثالهما بلا نزاع، فكيف بتصحيح البخاري ومسلم، بل تصحيحه دون تصحيح أبي بكر بن خزيمة وأبي حاتم بن حبان البستي وأمثالهما، بل تصحيح الحافظ أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "مختارته" خير من تصحيح الحاكم، فكتابه في هذا الباب خير من كتاب الحاكم بلا ريب عند من يعرف الحديث". اهـ.

2 - تصحيحه ما لم يسبق إليه

• وفي "الرسالة المستطرفة" (ص 24): "وذكر ابن تيمية والزركشي وغيرهما أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وفي "اللآلىء" ذكر الزركشي في تخريج الرافعي أن تصحيحه أعلى مزية من تصحيح الحاكم، وأنه قريب من تصحيح الترمذي وابن حبان. اهـ. وذكر ابن عبد الهادي في "الصارم المنكي" نحوه، وزاد: "فإن الغلط فيه قليل، ليس هو مثل صحيح الحاكم؛ فإن فيه أحاديث كثيرة يظهر أنها كذب موضوعة؛ فلهذا انحطت درجته عن درجة غيره". اهـ. • وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (13/ 198): "فيه علوم حسنة حديثية، وهي أجود من "مستدرك" الحاكم لو كمل". اهـ. 2 - تصحيحه ما لم يُسبق إليه: • قال العراقي في "التقييد والإيضاح": "وممن صَحَّحَ أيضًا من المعاصرين له - يعني لابن الصلاح: الحافظ ضياء الدين محمد بن عبد الواحد المقدسي، جمع كتابًا سماه "المختارة"، التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يُسبق إلى تصحيحها فيما أعلم". • وقال الكتاني في "الرسالة المستطرفة" (ص 24): "وكتاب "الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما" لضياء الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي الحافظ الثقة الجبل الزاهد الورع المتوفى سنة ثلاث وأربعين وستمائة. وهو مرتب على المسانيد على حروف المعجم، لا على الأبواب في ستة وثمانين جزءًا، ولم يكمل، التزم فيه الصحة، وذكر فيه أحاديث لم يُسبق إلى تصحيحها، وقد سلم له فيه، إلا أحاديث يسيرة جدًّا، تُعقبت عليه ... ". اهـ.

3 - بعض ما انتقده الحفاظ عليه في "المختارة"

3 - بعض ما انتقده الحفاظ عليه في "المختارة": 1 - في "الميزان" (4520): "عبد الله بن كثير بن جعفر (ق) عن أَبيه، عن جده، عن بلال، مرفوعًا: رمضان بالمدينة خير من ألف رمضان فيما سواها، والجمعة كذلك". لا يُدرى من ذا، وهذا باطل، والإسناد مظلم، تفرد به عنه عبد الله بن أيوب المخزومي. لم يحسن ضياء الدين بإخراجه في "المختارة". وقيل: هو عبد الله بن كثير بن جعفر بن أبي كثير، الراوي عن كثير بن عبد الله بن عوف المزني، فلعله سقط اسم شيخه: كثير، وبقي: عن أَبيه". اهـ. 2 - وفي "تهذيب التهذيب" لابن حجر (12/ 62): " (خت: أبو الجودي) عن أبي الصديق الناجي، وعنه شعبة كذا وقع في "المختارة" للضياء، من طريق أبي زائدة زكريا بن يحيى بن أبي زائدة، عن عبد الصمد، عن شعبة. وقد أخرجه النسائي والدارقطني وغيرهما من طرق عن شعبة، عن زيد العمي، عن أبي الصديق. فإن كان زيد يكنى أبا الجودي، فلا اختلاف، وإلا فهي رواية شاذة. وقد جاز ذلك على الضياء، وزيد ضعيف". اهـ. 3 - وفي "الإصابة" (3/ 171): "سهل بن مالك بن أبي كعب بن القين الأنصاري أخو كعب بن مالك الشاعر المشهور. قال ابن حبان: له صحبة. روى سيف بن عمر في أوائل "الفتوح" عن أبي همام سهل بن يوسف بن مالك، عن أَبيه، عن جده، قال: لما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من حجة الوداع صعد المنبر، فقال: يَا أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط ... الحديث.

وأخرجه ابن شاهين وأبو نعيم من طريق سهل بطوله. وأخرجه ابن منده من طريق خالد بن عمرو الأموي عن سهل به، وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. قلت: خالد بن عمرو متروك واهي الحديث. وروى أبو عوانة والطحاوي من طريق مالك، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن عمه، "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ينهى الذين قتلوا ابن أبي الحقيق عن قتل النساء والصبيان". فإن كان محفوظا، احتمل أن يكون اسم عمه سهلا، لكن أخرجه أبو عوانة والطحاوي من وجهين آخرين عن الزهري عن عبد الرحمن عن أبيه. وزعم الدمياطي أن جدَّ سهل بن يوسف هو سهل بن قيس بن أبي كعب الماضي وهو ابن عم هذا. ويرده ما رويناه في "فوائد" الأبنوسي من طريق محمد بن عمر المقدمي، عن علي بن يوسف بن محمد بن سفيان، عن قنان بن أبي أيوب، عن خالد بن عمرو، عن سهل بن يوسف بن سهل بن مالك ابن أخي كعب بن مالك، عن أبيه، عن جده، فذكر الحديث، وكذا زعم ابن عبد البر أنه سهل بن مالك بن عبيد بن قيس الأنصاري، ذكره أبو عمر، ثم قال: ويقال: سهل بن عبيد بن قيس، ولا يصح واحد منهما. قال: ويقال: إنه حجازي سكن المدينة. ومدار حديثه على خالد بن عمرو، وهو متروك، وفي إسناد حديثه مجهولون ضعفاء، يدور على سهل بن يوسف بن سهل بن مالك، أو مالك بن يوسف بن سهل بن عبيد. وهو حديث منكر موضوع انتهى. ووقع للطبراني فيه وهم؛ فإنه أخرجه من طريق المقدمي، عن علي بن يوسف بن محمد، عن سهل بن يوسف. واغتر الضياء المقدسي بهذه الطريق، فأخرج الحديث في "المختارة"، وهو وهم؛ لأنه سقط من الإسناد رجلان. فإن علي بن محمد بن يوسف إنما سمعه من قنان بن أبي أيوب عن خالد بن عمرو عن سهل.

وقد جزم الدارقطني في "الأفراد" بأن خالد بن عمرو تفرد به عن سهل، لكن طريق سيف بن عمر ترد عليه، وقد خبط فيه أيضًا ابن قانع؛ فجعله من مسند سهل ابن حنيف". اهـ. 4 - وفي "الإصابة" أيضًا (3/ 415): "طارق بن علقمة بن أبي رافع والد عبد الرحمن، قال البغوي: سكن الكوفة. وقال ابن منده: له ذكر في حديث أبي إسحاق. وله حديث مرفوع مختلف فيه، فروى الطبراني وابن شاهين من طريق عمرو بن علي، عن أبي عاصم، عن ابن جريج، عن عبيد الله بن أبي يزيد، عن عبد الرحمن بن طارق بن علقمة، أخبره عن أبيه" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا حاذى مكانا عند دار يعلى بن أمية، استقبل البيت ودعا". وهذا وهم ممن دون عمرو بن علي، فقد أخرجه النسائي عنه، فقال: عن أمه. ولم يقل: عن أَبيه. وكذا أخرجه البخاري في "تاريخه" عن أبي عاصم. وكذا أخرجه البغوي والطبري من طريق أبي عاصم. وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، وتابعه هشام بن يوسف، وهو عند أبي داود. واغتر الضياء المقدسي بنظافة السند، فأخرجه من طريق الطبراني في "المختارة"، وهو غلط، فقد أخرجه البغوي وابن السكن وابن قانع من طريق روح بن عبادة عن ابن جريج، كالأول، وأن البرساني رواه عن ابن جريج، فقال: عن عمه. فهذا اضطراب يُعَلُّ به الحديث، لكن يقوي أنه "عن أمه"، لا "عن أَبيه"، ولا "عن عمه" أن في آخر الحديث عند أبي نعيم: "فنخرج معه يدعو ونحن مسلمات". وحكى البغوي أنه قيل: إن رواية روح أصح". اهـ.

5 - وفيه (4/ 606): "عمير غير منسوب روى عنه ولده أبو بكر. قال البخاري: له صحبة. ولم يسم البخاري أباه، ولا أبو حاتم، ولا ابن شاهين، ولا الطبراني، ولا من بعدهم. ولم أجده منسوبا عند أحد منهم، وذكره ابن أبي حاتم فيمن لا يعرف اسم والده. وقد قيل فيه: عمير بن سعد. كما سأذكره في الميم من القسم الرابع في محمود بن عمير. وروى البغوي وابن أبي خيثمة وابن السكن والطبراني وغيرهم من طريق قتادة، عن أبي بكر بن أبي أنس، عن أبي بكر بن عمير، عن أبيه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل من أمتي ثلاثمائة ألف الجنة بغير حساب. فقال عمير: يا رسول الله زدنا. فقال هكذا بيده. فقال عمير: يا رسول الله زدنا. فقال عمر: حسبك يا عمير. فقال عمير: ما لنا ومالك يا ابن الخطاب، وما عليك أن يدخلنا كلنا الجنة، فقال عمر -رضي الله عنه-: إن الله إن شاء أدخل الناس الجنة بحفنة واحدة. فقال نبي الله -صلى الله عليه وسلم-: صدق عمر". قال ابن السكن: تفرد به معاذ بن هشام، عن أبيه، عن قتادة وكان معاذ ربما ذكر أبا بكر بن أنس في الإسناد، وربما لم يذكره. وقال البغوي: بلغني أن معاذ بن هشام كان في أول أمره لا يذكر أبا بكر بن أنس في الإسناد، وفي آخر أمره كان يزيده في السند. وقد خالف معاذًا في سنده: معمر. فقال: عن قتادة عن النضر بن أنس عن أنس. أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه"، وأبو يعلى من طريقه، وكذلك وقع لي بعلو في جزء البعث لابن أبي داود. قال: حدثنا سليمان بن معبد حدثنا عبد الرزاق بسنده هذا، ولفظه عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله عز وجل وعدني أن يدخل من أمتي الجنة أربعمائة ألف. فقال

أبو بكر: زدنا يا رسول الله. فقال: كذا وكذا. قال: زدنا يا رسول الله. قال وهكذا قال: زدنا يا رسول الله. فقال عمر: دعنا يا أبا بكر. أو قال: حسبك يا أبا بكر. فقال أبو بكر: ما عليك أن يدخلنا الله كلنا الجنة. فقال عمر: يا أبا بكر إن الله إن شاء أن يدخل خلقه الجنة بكف واحدة فعل. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: صدق عمر". أخرجه الضياء في "الأحاديث المختارة"، وصححه الحاكم من طريق أبي بكر بن عمير عن أبيه، ولكن أبو بكر لا أعرف من وثقه". اهـ. 6 - وفيه (2/ 89): "حصين بن مشمت -بضم أوله وسكون المعجمة وكسر الميم بعدها مثناة- ابن شداد بن زهير. قال ابن حبان وغيره: له صحبة. وروى البخاري في "تاريخه" وابن أبي عاصم والحسن بن سفيان وابن شاهين والطبراني من طريق محرز بن ورد بن عمران بن شعيث -بالمثلث- ابن عاصم بن حصين بن مشمت، حدثني أبي، أن أباه حدثه، أن أباه شعيثا حدثه، أن أباه عاصمًا حدثه، أن أباه حصينا حدثه، أنه وفد إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فبايعه بيعة الإسلام، وصدق إليه صدقة ماله، وأقطعه النبي -صلى الله عليه وسلم- وشرط عليه ألا يمنع ماءه، ولا يمنع فضله، وفي ذلك يقول زهير بن حصن: إن بلادي لم تكن أملاسا ... بهن خط القلم الأنقاسا من النبي حيث أعطى الناسا وأكثر رواته غير معروفين، لكن قد صححه ابن خزيمة. وأخرجه الضياء في "المختارة"". اهـ. 7 - وذكر ابن حجر في "الفتح" (9/ 509): ما ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- عق عن نفسه بعد النبوة، فقال:

" ... وأخرجه أبو الشيخ من وجهين آخرين ... ثانيهما: من رواية أبي بكر المستملي، عن الهيثم بن جميل وداود بن المحبر، قالا: حدثنا عبد الله بن المثنى، عن ثمامة، عن أنس. وداود ضعيف، لكن الهيثم ثقة، وعبد الله من رجال البخاري، فالحديث قوي الإسناد. وقد أخرجه محمد بن عبد الملك بن أيمن، عن إبراهيم بن إسحاق السراج، عن عمرو الناقد. وأخرجه الطبراني في "الأوسط" عن أحمد بن مسعود، كلاهما عن الهيثم بن جميل وحده به، فلولا ما في عبد الله بن المثنى من المقال، لكان هذا الحديث صحيحًا، لكن قد قال ابن معين: ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بقوي. وقال أبو داود: لا أخرج حديثه. وقال الساجي: فيه ضعف، لم يكن من أهل الحديث، روى مناكير. وقال العقيلي: لا يتابع على أكثر حديثه. قال ابن حبان في "الثقات": ربما أخطأ. ووثقه العجلي، والترمذي، وغيرهما. فهذا من الشيوخ الذين إذا انفرد أحدهم بالحديث لم يكن حجة. وقد مشى الحافظ الضياء على ظاهر الإسناد فأخرج هذا الحديث في "الأحاديث المختارة مما ليس في "الصحيحين"". ويحتمل أن يقال -إن صح هذا الخبر- كان من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-، كما قالوا في تضحيته عمن لم يضح من أمته". اهـ. 8 - وفي "لسان الميزان" (4463): "عباد بن سعيد، بصري مقل، روى عن مبشر، لا شيء انتهى. وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" في الثالثة، فقال: عباد بن سعيد، روى عن أبي بردة بن أبي موسى، روى عنه أهل العراق.

فما أدري عنى هذا أو غيره. ومبشر الذي أشار إليه المصنف، هو ابن أبي المليح بن أسامة. وقد أخرج حديثه الضياء في "المختارة" من "الأفراد" للدارقطني ومن الطبراني، ولكن كلاهما من رواية يحيى بن أبي زكريا الغساني عن عباد بن سعيد بسنده. وقال الدارقطني: تفرد به مبشر بن أبي المليح عن أبيه عن جده. وقد وجدت له في "الكبير" للطبراني في ترجمة أسامة بن عمير حديثًا منكرًا، والآفة فيه من مبشر". اهـ. 10 - وفيه (4550): "عبد الله بن إسحاق الهاشمي. قال العقيلي: له أحاديث لا يتابع منها على شيء. علي بن العباس، حدثنا محمد بن يحيى القطعي، ثنا عبد الله بن إسحاق بن الفضل بن عبد الرحمن بن العباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، حدثني أبي، عن صالح بن خوات، عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "ما أسكر كثيره فقليله حرام". انتهى. وهذا الحديث أخرجه ابن السكن وابن قانع وابن شاهين في "الصحابة" من رواية محمد بن يحيى القطعي، ثنا عبد الله بن إسحاق ... وساقوا السند عن صالح ابن خوات بن صالح بن خوات بن جبير عن أبيه عن جده عن خوات بن جبير. وأخرج الطبراني من رواية خليفة بن خياط، عن عبد الله بن إسحاق، عن خوات ابن صالح بن خوات بن جبير، عن أبيه، عن جده مثله. وأخرجه أيضًا المقدسي في "المختارة" من طريقه، وقال: لا أعرف هذا الحديث إلا بهذا الإسناد. كذا قال، وقد أخرجه الطبراني وابن السكن وابن شاهين وغيرهم من طريق محمد بن الحجاج المصغر عن خوات كذلك، وهو معروف بالمصغر.

وأما من طريق عبد الله بن إسحاق فغريب، ووقع في رواية الطبراني: عبيد الله بالتصغير، وفي رواية غيره مكبر كما هنا". اهـ. 11 - وفي "فتح المغيث" للسخاوي (1/ 213) عند الكلام على نوع "المعلل": " ... وكذا إذا تبين أن راوي الطريق الفرد لم يسمع ممن فوقه مع معاصرته له؛ كحديث أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين عن تميم الداري؛ فإن ابن سيرين لم يسمع من تميم؛ لأن مولده لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وكان قتل عثمان -رضي الله عنه- في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين. وتميم مات سنة أربعين، ويقال قبلها. وكان ابن سيرين مع أبويه بالمدينة، ثم خرجوا إلى البصرة، فكان إذ ذاك صغيرًا، وتميم مع ذلك كان بالمدينة، ثم سكن الشام، وكان انتقاله إليها عند قتل عثمان. وحينئذ فهو منقطع بخفي الإرسال. وقد خفي ذلك على الضياء مع جلالته، وأخرج حديث هذه الترجمة في "المختارة" اعتمادا على ظاهر السند في الاتصال من جهة [المعاصرة] (¬1)، وكون أشعث وابن سيرين أخرج لهما مسلم". اهـ. قال أبو أنس: بِعَرْضِ ما سبق من النُّقُولِ تتضح المعاني التالية: أولًا: كتاب الضياء المقدسي: "الأحاديث الجياد المختارة مما ليس في الصحيحين أو أحدهما" يشبه "مستدرك" الحاكم في أصل تصنيفه. ثانيًا: صَحَّحَ الضياءُ في "المختارة" بناءً على ذلك أحاديثَ لم يُسبق إليها. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "المواثرة"، وهو تصحيف.

ثالثا: تابع كثيرٌ من الحفاظ: ابنَ تيمية في تقديم "المختارة" على "المستدرك" في شرطه، ونظافة أسانيده، وقلة ما فيه من الغلط. رابعًا: لم تَخْلُ أسانيدُ "المختارة" -مع ذلك- من بعض المجاهيل والضعفاء، بل والمتروكين. خامسًا: لم تَسْلَم "المختارة" من وقوع التصحيف والخطأ أو الشذوذ في بعض أسانيد المصنَّفات التي نقل منها الضياء في "المختارة". سادسًا: اعتمد الضياء أحيانًا في تصحيحه للحديث على ظاهر الإسناد، فلم يفطن إلى ما فيه من العلل الخفية. سابعًا: قد يخرج الضياءُ الحديثَ ويُشيرُ إلى ما يدفع صحته، كالتفرد وغيره. والخلاصة: أن "المختارة" أنظفُ أسانيدَ، وأسلمُ متونا من "مستدرك" الحاكم، لكن ينبغي إجراء قواعد النقد على كل حديث فيها، ولا يُرْكَنُ إلى عُلُوِّ مرتبته على غيره في ذلك؛ لِمَا حَكَيْنا مِن صنيع المحققين حيالَهُ، والله تعالى الهادي إلى الصواب. * * *

أبو عوانة

أبو عوانة صاحب "الصحيح المستخرج على صحيح مسلم" (ت 316 هـ)

يتعلق به هنا أمران: الأول: قول المعلمي في أبي عوانة والمستخرجات بصفة عامة. الثاني: ما زدته من: بعض النماذج التي وقفت عليها مما يؤيد تلك المعاني التي شرحها المعلمي. * * *

الأمر الأول قول المعلمي في أبي عوانة والمستخرجات بصفة عامة

الأمر الأول قول المعلمي في أبي عوانة والمستخرجات بصفة عامة تقدمة: الكلام المتعلق بأبي عوانة لا يختص بذاته، وإنما يتعلق بالكلام على "المستخرجات" ومناهج أصحابها وطريقتهم في تصنيفها، وشرائطهم فيما يخرجونه فيها من الأحاديث، أو من يخرجون له من الرواة، وهل مجرد إخراج الحديث في تلك الكتب قاضٍ له بالصحة في جميع لفظه الوارد به؟ وهل مجرد الإخراج للراوي فيها قاضٍ بثقته عند أصحابها؟ ونحو ذلك من القضايا التي لا يسع من يطالع تلك الكتب الجهل بها أو الغفلة عنها. وإليك بعض الأمثلة التي ألقى بها الشيخ المعلمي الضوء على هذه القضايا، لكن يبقى استخراج تلك الزيادات التي في أحاديث "الصحيحين" مما زادها أصحاب المستخرجات بأسانيدهم إلى شيوخ صاحبي "الصحيح" أو من فوقهم، والنظر في صحتها التي يزعمها بعض من تكلم على تلك المصنفات، وسيأتي جواب الحافظ ابن حجر على هذا الزعم جوابًا عامًا، لكن تبقى الشواهد على ذلك محل استقراء، ولهذا موضع آخر إن شاء الله تعالى. • قال الشيخ المعلملي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 356): "عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، اتَّهَمَهُ ابن عدي لروايته عن أبيه حديثين منكرين ... وقال ابن حبان: "يروي عن الثقات المقلوبات".

ولا ينفعه رواية أبي عوانة عنه في "صحيحه"؛ لأن "صحيح" أبي عوانة مستخرج على "صحيح" مسلم، يعمد إلى أحاديث مسلم فيخرجها بأسانيده إلى شيخ مسلم أو شيخ شيخه، فربما لا يجد الحديث إلا عند راوٍ ضعيف فيخرجه عنه؛ لأن الحديث ثابت من غير طريقه". اهـ. • وحاول الكوثري تقوية الحسن بن زياد اللؤلؤي -وهو كذاب مكشوف الأمر- بقوله: " ... أخرج عنه الحافظ أبو عوانة ... في "الصحيح المسند المستخرج" وهذا توثيق منه ... ". فأجاب الشيخ المعلمي بقوله في "التنكيل" (1/ 443): "أما أبو عوانة ... ففي "الميزان" و"اللسان" في ترجمة عبد الله بن محمد البلوي: "روى عنه أبو عوانة في "صحيحه" في الاستسقاء خبرًا موضوعًا" (¬1). وروى أبو عوانة في "صحيحه" (1/ 236 - 237) حديثًا في سنده: عبد الله بن عمرو الواقفي، وجابر بن يزيد الجعفي، وكلاهما مُتَّهم. وفي "فتح الباري" في شرح باب "القصد والمداومة على العمل" من كتاب "الرقاق": " ... وهذا من الأمثلة لِما تعقبته على ابن الصلاح في جزمه بأن الزيادات التي تقع في المستخرجات يُحكم بصحتها ... ووجه التعقب أن الذين استخرجوا لم يصرحوا بالتزام ذلك، سَلَّمْنَا أنهم التزموا ذلك، لكن لم يَفُوا به". ¬

_ (¬1) زاد ابن حجر في "اللسان" (4/ 339): "وهو صاحب رحلة الشافعي، طَوَّلَها ونَمَّقَها، وغالب ما أورده فيها مختلق". اهـ. (182) (3/ 308).

أقول: أصحاب المستخرجات يلتزمون إخراج كل حديث من الكتب التي يستخرجون عليها، فأبو عوانة جعل كتابه مستخرجًا على "صحيح" مسلم، ومعنى ذلك أنه التزم أن يخرج بسند نفسه كل حديث أخرجه مسلم، فقد لا يقع له بسند نفسه الحديثُ إلا من طريق رجلٍ ضعيفٍ فيتساهل في ذلك؛ لأن أصل الحديث صحيح من غير طريقه، ومع ذلك زاد أبو عوانة أحاديث ضعيفة لم يحكم هو بصحتها، فإنما يسمى كتابه "صحيحًا"؛ لأنه مستخرج على "الصحيح"، ولأن معظم أحاديثه -وهي المستخرجة- صحاح، فإخراجه لرجلٍ لا يستلزم توثيقه ولا تصديقه، بل صاحب "الصحيح" نفسه قد يخرج في المتابعات والشواهد لمن لا يوثقه، وهذا أمر معروف عند أهل الفن". اهـ. * * *

الأمر الثاني ما زدته من بعض النماذج التي وقفت عليها مما يؤيد تلك المعاني التي شرحها المعلمي.

الأمر الثاني ما زدتُّه من بعض النماذج التي وقفت عليها مما يؤيد تلك المعاني التي شرحها المعلمي. 1 - في الميزان (331): "أحمد بن الحسن بن القاسم بن سمرة، الكوفي، روى بمصر عن وكيع، وكان يعرف بـ"رسول نفسه". قال الدارقطني وغيره: متروك. وقال ابن حبان: كذاب. روى عن وكيع، عن سفيان، عن ابن جريج، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس، مرفوعًا: "إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من تحت العرش، فيؤتى بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ... " الحديث. وروى عن حفص بن غياث، عن أشعث، عن الحسن، عن أنس، مرفوعًا: "يجزي من بر الوالدين الجهاد في سبيل الله". قال ابن يونس: حدث بمناكير، ومات سنة اثنتين وستين ومائتين بمصر. اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (1/ 248): "وقد تقدم لإبراهيم بن عبد الله بن خالد، عن وكيع، عن الثوري مخالفة في السند، وفي سياق المتن. واستنكر له ابن حبان أيضًا حديثه المذكور عن حفص بن غياث، وجزم بأنه يضع الحديث.

وذكره ابن الفرضي في "الألقاب"، قاله النباتي، قال: وحُقُّ لمن يروي مثل هذا الحديث أن لا يكتب حديثه. وقد روى عنه أبو عوانة في "صحيحه"، فكأنه ما خبر حاله". اهـ. 2 - وفيه (593): "أحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، البتلهي، الدمشقي عن أبيه. له مناكير. قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر. وحدث عنه أبو الجهم المشغرائي ببواطيل. ومن ذلك: قال: حدثنا بكر بن محمد، ثنا ابن عيينة، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، مرفوعًا: "ما استرذل الله عبدًا إلا حظر عنه العلم والأدب". وله عن أبيه، عن جده، عن الأعمش، عن ابن المنكدر، عن جابر، يرفعه: "من أحب أن يشم رائحتي فليشم الورد". اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (1/ 393): "ويأتي في ترجمة أبيه محمد كلام ابن حبان فيه أيضًا. وقال أبو عوانة الإسفراييني في "صحيحه" بعد أن روى عنه: سألني أبو حاتم: ما كتبت بالشام قدمتي الثالثة؟ فأخبرته بكتبي مائة حديث لأحمد بن محمد بن يحيى بن حمزة، كلها عن أبيه، فساءه ذلك، وقال: سمعت أنا أحمد يقول: لم أسمع من أبي شيئًا. فقلت: لا يقول: حدثني أبي، إنما يقول: عن أبيه إجازة. وقال الحاكم أبو أحمد: الغالب علي أنني سمعت أبا الجهم، وسألته عن حال أحمد ابن محمد، فقال: قد كان كبر، فكان يلقن ما ليس من حديثه، فيتلقن. مات سنة تسع وثمانين ومائتين.

روى عنه أيضًا الطبراني وخيثمة وابن جوصا ... وآخرون". اهـ. 3 - وفيه (3980): "طاهر بن الفضل الحلبي عن سفيان بن عيينة، وحجاج الأعور. قال ابن حبان: يضع الحديث على الثقات وضعا، لا يحل كتب حديثه إلا على جهة التعجب، حدثنا عنه محمد بن أيوب بن مشكان النيسابوري بطبرية، ثم ساق له أربعة أحاديث. وقال الحاكم: روى الموضوعات. اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (4/ 209): "وفي ثقات ابن حبان أيضًا: طاهر بن الفضل بن سعيد، يروي عن سفيان بن عيينة، حدثنا عنه محمد بن المنذر بن سعيد، يخطىء ويخالف. فهو هو، فما لذكره في "الثقات" معنى. وقال أبو نعيم: روى عن ابن عيينة، وحجاج بن محمد مناكير لا شيء. وقرأت بخط الحسيني: تفرد بحديث: "بنو أسامة مني وأنا منهم". قلت: أخرجه الدارقطني في "الأفراد" عن أحمد بن إبراهيم بن حبيب الزراد عنه عن ابن عيينة بسند صحيح، وله أصل أخرجه أحمد من حديث سعد بن أبي وقاص بلفظ: "بنو ناجية مني وأنا منهم"، وبنو ناجية بطن من بني أسامة. وقد ذكره ابن النجار في "الذيل"، فقال: طاهر بن الفضل بن سعيد البغدادي، سكن حلب، وحدث بها عن ابن عيينة، ووكيع، وروى عنه أبو عوانة الإسفراييني، والحسن بن علي الطرائفي، وإبراهيم بن محمد الفرائضي، وابن مشكان، ثم ساق من طريق أبي عوانة عنه عن ابن له، وهو موجود في "صحيحه" في كتاب الصلاة من حديث المغيرة في قيام الليل.

وساق من طريق أبي أحمد الحاكم، عن الفرائضي، عن طاهر، عن وكيع، عن حمزة الزيات، عن حمران بن أعين، عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، مرفوعًا في تفسير {إِنَّ لَدَيْنَا أَنْكَالًا وَجَحِيمًا}. قال أبو أحمد: لم يذكر فيه أحدٌ عبدَ الله بن عمر إلا طاهر بن الفضل. ثم ساق من طريق أبي سعيد النقاش، عن محمد بن فارس، عن ابن مشكان، عنه، عن وكيع، عن الأعمش، عن مغيرة، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود، رفعه: "أصبح نور صومك دهنا مرجلا". قال النقاش: هذا حديث موضوع على وكيع، لعل طاهرًا وضعه". اهـ. 4 - وفيه (4075): "عامر بن خارجة عن جده سعد بن مالك. قال البخاري: في إسناده نظر. قلت: روى حفص بن النضر السلمي، حدثنا عامر، عن جده: "أن قومًا شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قحط المطر، فقال: اجثوا على الركب، وقولوا: يا رب يا رب، ففعلوا، فسقوا". اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (4/ 228): "وهذه الترجمة كلها للعقيلي (182)، فذكر كلام البخاري، ثم ساق الحديث من طريق ابن عائشة (¬1) عن حفص. وذكره ابن حبان في "الثقات"، فقال: يروي عن جده حديثًا منكرًا في المطر لا يعجبني ذكره. ¬

_ (¬1) هو عبيد الله بن محمد التيمي.

وأورد الحديث المذكور أبو عوانة في "صحيحه" من طريقه". اهـ. 5 - وفيه (5056): "عبد السلام بن عبيد بن أبي فروة, صاحب سفيان بن عيينة، تأخر بمدينة نصيبين. ورحل إليه الحافظ أبو عوانة، وروى عنه في "صحيحه". قال ابن حبان: كان يسرق الحديث، ويروي الموضوعات. وقال الأزدي: لا يكتب حديثه. وذكر ابن حبان له عن سفيان، عن الزهري، عن أنس حديث: "من كذب علي متعمدا"، وعن سفيان، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة حديث: "لا يلسع المؤمن من جحر مرتين". وهذان ليسا عند ابن عيينة أصلا؛ فالأول يرويه يونس والليث عن الزهري. والثاني إنما رواه ابن عيينة عن الزهري عن سعيد، لا عن أبي الزناد عن الأعرج". اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (5/ 18): "وقال الدارقطني في "العلل": ليس بشيء". اهـ. 6 - وفيه (5365): "عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، المصري عن أبيه، وعنه علي بن قديد والحسين بن إسحاق. قال ابن حبان: يروي عن الثقات المقلوبات، لا يجوز الاحتجاج به. قلت: روى عنه أبو عوانة في "صحيحه". اهـ. زاد ابن حجر في "اللسان" (5/ 107): "قال ابن حبان: يكنى أبا القاسم، لا يشبه حديثه حديث الثقات.

وأورد ابن عدي في "الكامل" في ترجمة أبيه حديثين من رواية ابنه عنه، أحدهما: عن مالك، عن أبي سهيل، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عمر، أن رجلا قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أي المؤمنين أفضل؟ قال: أحسنهم خلقا ... الحديث، وأورده الدارقطني في "الغرائب" من هذا الوجة مطولا، ثم قال ابن عدي: ما رواه عن مالك إلا سعيد، ولا عنه إلا ابنه. وقال الدارقطني: تفرد به عبيد الله بن سعيد، عن أبيه، عن مالك. وأورده ابن حبان عن الحسين بن إسحاق الأصبهاني عنه، وقال: ليس هذا من حديث مالك، ولا أبي سهيل، ولا عطاء، ولا ابن عمر. ثم قال ابن عدي: سعيد بن عفير مستقيم الحديث، فلعل البلاء فيهما من ابنه". 7 - وفي اللسان (2/ 84): "ذ (¬1) إسماعيل بن إبراهيم أبو الأحوص، روى عن يحيى بن يحيى، قال الذهبي في "المغني": كذبه ابن طاهر. قلت: روى عنه أبو عوانة في "صحيحه" عدة أحاديث، يقول فيها: حدثنا أبو الأحوص صاحبنا، ونسبه في بعضها. وذكره الحاكم في "تاريخه"، فقال: إسماعيل بن إبراهيم بن الوليد الإسفراييني أبو الأحوص، سمع مكي بن إبراهيم، وأبا الوليد الطيالسي، وجماعة، روى عنه أيوب بن الحسن، ومحمد بن إبراهيم المروزي، ومحمد بن جعفر الفقيه، وأبو بكر محمد بن النضر بن سلمة الجارودي، وآخرون. قال الجارودي: قدم علينا في ربيع الأول سنة تسع وخمسين ومائتين. ¬

_ (¬1) إشارة إلى أنه مما زاده العراقي على "الميزان".

قال الحاكم: وحدثني محمد بن علي الإسفراييني، سمعت أحمد بن بشر بن محمود الإسفراييني، يقول: سألت أبا بكر محمد بن محمد بن رجاء: هل رأيت من مشايخنا أحدا يكذب في الحديث؟ قال: نعم. قلت: من هو؟ فسكت، حتى أعدت عليه مرة بعد أخرى، فقلت: أسألك بالله إلا ما أخبرتني به، قال: أبو الأحوص. قال الحاكم: بلغني أنه توفي سنة ستين ومائتين. ووقفت له على حديث باطل، أخرجه ابن عساكر في "أماليه" من طريق أبي حامد ابن بلال البزاز عنه، حدثنا حماد بن سفيان، ثنا إسماعيل بن أبان الغنوي، عن عمران ابن يزيد، عن عبد الرحمن بن زيد، عن أبيه، عن أنس -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من أتى عليه ستون سنة في الإسلام حرمه الله على النار، وكان من أهل الرجاء في الله". اهـ. * * *

الخطيب البغدادي

الخطيب البغدادي (ت 463 هـ)

يدور الكلام حول الخطيب هاهنا في سبعة أمور: الأول: النظر في عقيدته، وتقرير أنه كان على مذهب السلف. الثاني: النظر في مذهبه في الفروع. الثالث: حول اختصاصه بالبغداديين. الرابع: حول انفراده بالرواية عن الرجل وتصديقه إياه. الخامس: تثبته واحتياطه. السادس: عادته في تاريخه التعويل فيما يورده من الجرح والتعديل على الكلام المؤخر في الترجمة. السابع: الإشارة إلى وَهَن الراوي بإيراد الأحاديث الشاذة والمنكرة في ترجمته من "التاريخ". * * *

الأمر الأول النظر في عقيدته وتقرير أنه كان على مذهب السلف

الأمر الأول النظر في عقيدته وتقرير أنه كان على مذهب السلف قال الشيخ المعلمي في ترجمة الخطيب من "التنكيل" رقم (26): "زعم بعضهم أنه كان يذهب إلى مذهب الأشعري، فردَّ الذهبي ذلك بقوله: "قلت: مذهب الخطيب في الصفات أنها تمر كما جاءت، صرح بذلك في تصانيفه" فاعترضه ابن السبكي في "طبقات الشافعية" (3/ 13) بقوله: "قلت: هذا مذهب الأشعري ... وللأشعري قولٌ آخر بالتأويل". أقول: الذي شهره المتعمقون عن الأشعري التأويل، وإن كان آخر مصنفاته "كتاب الإبانة" أعلن فيه اعتماده مذهب الإمام أحمد وأهل الحديث، فالقائل أن الخطيب كان يذهب مذهب الأشعري أَوْهَمَ أنه كان من المتأولين، ولم يزد الذهبي على دفع هذا الإيهام، ولكن ابنَ السكن لِغُلُوِّهِ شديدُ العُقوق لأستاذه الذهبي. وقد نقل الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/ 319) فصلًا من كلام الخطيب في الاعتقاد ينفي عنه التأويل والتعطيل، قال الخطيب: "أما الكلام في الصفات فإن ما روي منها في السنن الصحاح: مذهب السلف إثباتها وإجراؤها على ظواهرها ونفي الكيفية (¬1) والتشبيه عنها، وقد نفاها قوم ¬

_ (¬1) علَّق الشيخ "المعلمي" هاهنا بقوله: "مراده كغيره نفي الكيفية المدركة بالعقول كما جاء عن ربيعة الرأي ومالك وغيرهما: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول"، وليس المراد نفي أن يكون في نفس الأمر كيفية, كيف وذلك من لوازم الوجود". اهـ.

فأبطلوا ما أثبته الله، وحققها قوم من المثبتين فخرجوا بذلك إلى ضربٍ من التشبيه والتكييف، والفصل إنما هو سلوك الطريقة المتوسطة بين الأمرين ... ". ويظهر أن ابنَ الجوزي أمْيَلُ إلى المبتدعة من الخطيب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 68): "وأما الانتساب فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصًا وسائر أئمة الحديث عمومًا ظاهرٌ مشهورٌ في كتبهم كلها، وما في كتب الأشعري مما يوجد مخالفًا للإمام أحمد وغيره من الأئمة فيوجد في كلام كثير من المنتسبين إلى أحمد كأبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج بن الجوزي وصدقة بن الحسين وأمثالهم ما هو أبعد عن قول أحمد والأئمة من قول الأشعري وأئمة أصحابه". * * *

الأمر الثاني النظر في مذهبه في الفروع

الأمر الثاني النظر في مذهبه في الفروع قال الشيخ المعلمي في ترجمة الخطيب من "التنكيل": "وإذ قد بان أن عقيدة الخطيب كانت مباينة لعقائد المبتدعة، فلننظر في انتقاله عن مذهب أحمد في الفروع. الظاهر: أن معنى أنه كان على مذهب أحمد أن والده وأهله كانوا على مذهب أحمد، وأنه هو انتقل إلى مذهب الشافعي في صغره زمان طلبه العلم، فما الباعث له على الانتقال؟ يقول ابن الجوزي: "إن ذلك لِمَيْلِ الحنابلة عليه وإيذائهم له"، فلماذا آذوه؟ يقول ابن الجوزي: "لِمَا رأوا من ميله إلى المبتدعة". قد تقدم إثبات أن عقيدة الخطيب كانت مباينة لعقائد المبتدعة, وذلك ينفي أن يكون ميلُه إليهم رغبة منه في بدعتهم أو موافقة عليها، فما معنى الميل وما الباعث عليه؟ كان الحنابلة في ذاك العصر يَنفرون بحقٍّ مِنْ كُلِّ مَنْ يقال إنه أشعري أو معتزلي، ويَنفرون عن الحنفية والمالكية والشافعية لشيوع البدعة فيهم، وكان كثير من الحنابلة يبالغون في النفرة ممن نفروا عنه، فلا يكادون يروون عنه إذا كان من أهل الرواية ولا يأخذون عنه غير ذلك من العلوم، وإذا رأوا الطالب الحنبلي يتردد إلى حنفي أو مالكي أو شافعي سخطوا عليه. وقد ذكر ابن الجوزي نفسه في "المنتظم" (9/ 213)، عن أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي قال: "وكان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء، وكان ذلك يحرمني علمًا نافعًا".

وتقدم في ترجمة أحمد بن عبد الله أبي نعيم الأصبهاني ما لفظه: "قال إنسان: من أراد أن يحضر مجلس أبي نعيم فليفعل -وكان مهجورًا في ذلك الوقت بسبب المذهب، وكان بين الحنابلة والأشعرية تعصب زائد يؤدي إلى فتنة وقال وقيل وصداع - فقام إلى ذلك الرجل أصحاب الحديث بسكاكين الأقلام وكاد أن يُقتل"، مع أن مجلس أبي نعيم إنما كان لسماع الحديث لا للدعوة إلى الأشعرية. وقد قال ابن الجوزي في "المنتظم" (8/ 267) في وصف الخطيب: "كان حريصًا على علم الحديث وكان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه" وقال قبل ذلك بورقة: "أول ما سمع الحديث في سنة 403 وهو ابن إحدى عشرة سنة ... وأكَثْرَ مِنَ السماع من البغداديين، ورحل إلى البصرة ثم إلى نيسابور ثم إلى أصبهان، ودخل في طريقه همذان والجبال ثم عاد إلى بغداد، وخرج إلى الشام وسمع بدمشق وصور ووصل إلى مكة ... وقرأ" صحيح البخاري "على كريمة ... في خمسة أيام". أقول: فحرصُه على تحصيل العلم وولوعُه به هو الذي كان يحمله على أن يقصدَ كُلَّ من عُرف بالعلم مَهْما كان مذهبه وعقيدته، وكان الحنابلة إذ ذاك يخافون عليه بحقٍّ أن يقع في البدعة، وإذا كانت نهمته تضطره إلى الانطلاق في مخالفتهم، وغيرتُهم تضطرهم إلى المبالغة في كَفِّه: بَلَغَ الأمرُ إلى الإيذاء، وكان وهو حنبلي لا يرجو من غيرهم أن يعطف عليه ويحميه وينتصر له، فاحتاج أن يتحول إلى مذهب الشافعي ليحميه الشافعيون ولا يعارضوه في الاختلاف إلى مَنْ شاء من أهل العلم مهما كان مذهبه وعقيدته؛ لأن الشافعية لم يكونوا يُضيقون في ذلك، مع أنهم إنما استفادوا الخطيب، فَهُمْ أشدُّ مسامحةً له، وهذا وإن نفعه من جهة الظفر بأنصارٍ أقوياء، يتمكن في حمايتهم من طلب العلم كيف شاء، لكن من شأنه أن يزيد حنق الحنابلة عليه وغيظهم منه, وكانت بغداد مقر الحنابلة وأكثر العامة معهم، والعامة كما لا يخفى إذا اتصل بهم السخط على رجل تسارعوا إلى إيذائه وبالغوا.

قال الكوثري في "التأنيب" (ص 12): "وفي" مرآة الزمان "لسبط ابن الجوزي: وقال ابن طاهر: جاء جماعة من الحنابلة يوم الجمعة إلى حلقة الخطيب بجامع المنصور فناولوا حَدَثًا صبيحَ الوجه دينارًا وقالوا له: قِفْ بإزائه ساعة وناوله هذه الرقعة، فناوله الصبي وإذا فيها -ما ذكره السبط مما لا حاجة إلى ذكره هنا (¬1)، ثم قال: وكانوا يُعطون السَّقَّاء قطعةً يوم الجمعة فكان يقف من بعيد بإزائه ويميل رأس القربة وبين يديه أجزاء فيبتل الجميع فتتلف الأجزاء، وكانوا يطينون عليه باب داره في الليل فربما احتاج إلى الغسل لصلاة الفجر فتفوته ... ". أقول: السبط ليس بعمدة كما يأتي، وابن طاهر لم يدرك الخطيب، لكن ما تضمنته القصة من تتبع أولئك العامة للخطيب وإيذائه يوافق في الجملة ما تقدم عن ابن الجوزي، وكذلك يوافق ما في "تذكرة الحفاظ" (3/ 318) عن الحافظ المؤتمن الساجي: "تحامَلَتِ الحنابلة على الخطيب حتى مال إلى ما مال إليه". وابن الجوزي نفسه يتألم آخر عمره من أصحابه الحنابلة حتى قال في "المنتظم" (10/ 253) بعد أن ذكر تسليم المدرسة إليه وحضور الأكابر وإلقاءه الدرس: "وكان يومًا مشهودًا لم يُرَ مثلُه، ودخل على قلوبِ أهلِ المذهبِ غَمٌّ عظيمٌّ". وزاد سِبْطُهُ في "المرآة" عنه: "لأنهم حسدوني" قال السبط: "وكان جدي يقول: والله لولا أحمد والوزير ابن هبيرة لانتقلت عن المذهب؛ فاني لو كنت حنفيًّا أو شافعيًّا لحملني القوم على رءوسهم". وليس السبط بعمدة، لكن عبارة "المنتظم" تشعر بصحة الزيادة. هذا حالُ ابنِ الجوزي في آخر عمره، فأما الخطيب فإنه كان انتقاله في حداثته ليتمكن من طلب العلم، لا لِيُحملَ على الرءوس". اهـ. ¬

_ (¬1) انظر إلى عِفَّةِ الشيخ المعلمي وحيائه من ذكر ما يبغض سماعه أهل الصيانة والتقى، رحمة الله عليه.

الأمر الثالث حول اختصاصه بالبغداديين

الأمر الثالث حول اختصاصه بالبغداديين قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 17): "بغدادي لا يعرفه الخطيب الذي صرف أكثر عمره في تتبع الرواة البغداديين لا يكون إلا مجهولا". اهـ. الأمر الرابع حول انفراده بالرواية عن الرجل وتصديقه إياه نقل الشيخ المعلمي في ترجمة: محمد بن المظفر بن إبراهيم أبي الفتح الخياط من "التنكيل" (1/ 472) قولَ الكوثري: "لا يعرفه أحدٌ سوى الخطيب، ولا روى عنه أحدٌ سواه". فقال: "بنى هذه المجازفة على قول الخطيب في ترجمة هذا الرجل: "كتبت عنه في سنة 413، وهو شيخ صدوق، كان يسكن دار إسحاق، ولا أعلم كتب عنه أحد غيري". ويكفي هذا الرجل رواية الخطيب وتصديقه". اهـ. * * *

الأمر الخامس تثبته واحتياطه

الأمر الخامس تثبته واحتياطه (1) قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 230): "الخطيب معروف بشدة التثبُّت، بل قد يبلغ به الأمر إلى التعنُّت". (2) وقال أيضًا في ترجمة ابن رزقويه (1/ 390): "قد حقَّقَ الخطيب في "الكفاية" (ص: 226 - 229) و (ص: 258 - 259) ... وذكر من كان يروي من كتبه بعدما عمي، ومنهم: يزيد بن هارون وأبو معاوية محمد بن خازم وعبد الرزاق، والذين حَكَى عنهم المنعَ مِنْ ذلك اعتلوا بخشية أن يُزاد في كتاب الأعمى وهو لا يدري، وغيرهم يقول: المدار في هذا الأمر على الوثوق، فإذا كان الضرير واثقا بحفظ كتابه, ثم قرأ عليه منه ثقة مأمون متيقظ فقد حصل الوثوق، وقد استغنى أهل العلم منذ قرون بالوثوق بصحة النسخة، فمن وثق بصحة نسخة كان له أن يحتج بما فيها كما يحتج به لو سمعه من مؤلف الكتاب. والخطيب كما يُعلم من "تاريخه" غايةٌ في المعرفة والتيقظ والاحتياط، فإذا وثق بأن كتب ابن رزق محفوظة، ثم دفع إليه ابنُ رزق كتابا منها فرأى سماعه فيه صحيحا، وعلم أنه قد رواه مرارا قبل عماه، فقد حق له أن يحتج بما يجد فيه وإن لم يقرأه هو أو غيره بحضرته على ابن رزق ... بل إذا تدبرت علمت أن الوثوق بهذا أمتن من الوثوق بما يرويه الرجل من حفظه فإن الحفظ خوَّان. وقد رأيت في "تاريخه" (9/ 309): "دَفَعَ إليَّ ابنُ رزقٍ أصلَ كتابه الذي سمعه من مكرم بن أحمد القاضي، فنقلتُ منه، ثم أخبرنا الأزهري أخبرنا عبد الله بن عثمان أخبرنا مكرم ... " فذكر خبرًا، وهذا مما يبين تحري الخطيب وتثبته". اهـ.

قال أبو أنس: يعني أن الخطيبَ مع وُثُوقِه بكتاب ابن رزق، لم يكتفِ بما وجده فيه، بل عضَّدَهُ بما رواه بإسناده هو. (3) وقال في ترجمة: محمد بن عبد الله بن أبان أبي بكر الهيتي: "الخطيب معروف بالتيقظ والتثبت، فلم يكن ليروي عن هذا الرجل (¬1) إلا ما يثق بصحته، وقضية الاستتابة (¬2) متواترة". وانظر آخر ترجمة محمد بن العباس بن حيويه أبي عمر الخزاز من "التنكيل" رقم (208) ففيها مثال باهر على كمال احتياط الخطيب وتثبته. * * * ¬

_ (¬1) قد قال الخطيب في الهيتي: "كانت أصول أبي بكر الهيتي سقيمةً كثيرةَ الخطأ، إلا أنه كان شيخًا مستورًا صالحًا فقيرًا، معروفًا بالخير وكان مغفلا ... ". (¬2) التي رواها الخطيب من طريق الهيتي هذا.

الأمر السادس عادته في "تاريخه" التعويل فيما يورده من الجرح والتعديل على الكلام المؤخر في الترجمة

الأمر السادس عادته في "تاريخه" التعويل فيما يورده من الجرح والتعديل على الكلام المؤخر في الترجمة قال الشيخ المعلمي في ترجمة: مهنأ بن يحيى من "التنكيل" رقم (255): "روى ابن الآبنوسي عن الخطيب: "كُلُّ مَنْ ذكرتُ فيه أقاويلَ الناس من جرح أو تعديل، فالتعويل على ما أَخَّرْتُ" كما في "تذكرة الحفاظ" (3/ 315). وهاهنا بدأ الخطيب في ترجمة مهنأ بحكاية قول الأزدي: منكر الحديث -وهو نفسه متكلم فيه حتى رمي بالوضع- ثم أتبعها برواية السلمي عن الدارقطني: "ثقة نبيل". ثم ذكر مكانة مهنأ عند أحمد، وثناء أصحابه عليه, فعُلم بذلك أن التعويل عنده على التوثيق. وبهذا يُعلم ما في عبارة ابن الجوزي في "المنتظم" (8/ 368) في تجنياته على الخطيب: "ذَكَر مهنأ بن يحيى، وكان من كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحَكى بعد ذلك عن أبي الفتح الأزدي ... وهو يَعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكُلِّ ... ". ... والموجود في "تاريخ الخطيب" تعقيب كلمة الأزدي بحكاية السلمي عن الدارقطني كما مَرَّ ... ". اهـ. * * *

الأمر السابع الإشارة إلى وهن الراوي بإيراد الأحاديث الشاذة والمنكرة في ترجمته من "التاريخ"

الأمر السابع الإشارة إلى وَهَن الراوي بإيراد الأحاديث الشاذَّة والمنكرة في ترجمته من "التاريخ" في "الفوائد المجموعة" (ص 97): حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الصرد أول طير صام عاشوراء". قال الشيخ المعلمي: "أخرجه الخطيب في "التاريخ" (6/ 296) في ترجمة إسماعيل -يعني ابن إسحاق ابن الحصين ابن بنت معمر بن سليمان المعمري أبا محمد الرقي- من وجهين عنه، ثم ذكر من وجهٍ ثالث عنه أيضًا، ولكن وقع فيه تخليطٌ، ولم يَذكر الخطيب في إسماعيل جرحًا ولا تعديلا، وإنما أشار إلى وَهَنِه بذكر هذا الحديث، ولم يُذكر إسماعيل في "الميزان"، ولا "اللسان" ... ". اهـ. * * *

ابن الجوزي

ابن الجوزي (ت 597 هـ)

يتلخص الكلام حوله هاهنا في ثلاثة أمور: الأول: النظر في عقيدته. الثاني: التنبيه على أنه لا يُعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه. الثالث: كشف ما في كلامه في الخطيب من التجني والتحامل. * * *

الأمر الأول النظر في عقيدته

الأمر الأول النظر في عقيدته (1) قال ابنُ الجوزي في عبْد بن أحمد أبي ذر الهروي في "المنتظم" (7/ 194): "كان من الأشاعرة المبغضين، وهو أول من أدخل الحرمَ مذهبَ الأشعري، ولا يُقبلُ جرحُه لحنبلي يَعتقدُ كُفْرَهُ". فقال الشيخ المعلمي في ترجمة أبي ذر من "التنكيل" (ص 150): أقول: قال ابنُ الجوزي نفسُه في ترجمة أبي ذر من "المنتظم" نفسه (8/ 115): "كان ثقةً ضابطًا فاضلا ... وقيل: إنه كان يَميلُ إلى مذهب الأشعري" ويظهر من هذه العبارة الأخيرة أن المَيْلَ لم يَثبتْ، فإن ثبت فما مقداره؟ وقد كان ابن الجوزي نفسه مائلا، بل يوجد في كلامه وكلام كثير من الحنابلة ما هو أبعد عن قول أحمد والأئمة من كلام الأشعري وأصحابه. هكذا قاله أعرفُ الناس بهم، وهو رجل منهم (¬1) كما تقدم في ترجمة الخطيب. هَبْ أن أبا ذر كان أشعريًّا فما تفصيل ذلك؟ والنقل عن الأشعري مختلف وأصحابه مختلفون، وعلى كل حال فلا يكفرون الحنابلة، نعم قد يبدعونهم، ولكن عقلاءهم -ولاسيما العارفين بالرواية منهم كالبيهقي- لا يرون ذلك موهنًا للرواية، ولا مُسَوَّغًا للبغض والعداوة. ¬

_ (¬1) هو شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى، سيأتي كلامه قريبًا.

وقد مرت الإشارة إلى ذلك في القواعد، وأشبعت القول في قسم الاعتقاديات، فالحق الذي لا معدل عنه أن أبا ذر ثقةٌ تُقبلُ روايتُه ويُردُّ عليه من قوله ورأيه ما أخطأ فيه الحقَّ". اهـ. (2) ونقل الشيخ المعلمي في ترجمة الخطيب من "التنكيل" رقم (26) قولَ ابن الجوزي في "المنتظم" (8/ 267): "كان أبو بكر الخطيب قديمًا على مذهب أحمد ابن حنبل، فمال عليه أصحابه [الحنابلة] لِما رأوا من ميله إلى المبتدعة، وآذوه فانتقل إلى مذهب الشافعي". فأجاب الشيخ المعلمي بما تراه في ترجمة الخطيب (¬1) من هذا القسم، إلى أن قال: "ويظهر أن ابن الجوزي أَمْيَلُ إلى المبتدعة، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "شرح العقيدة الأصفهانية" (ص 68): "وأما الانتساب فانتساب الأشعري وأصحابه إلى الإمام أحمد خصوصًا وسائر أئمة الحديث عمومًا ظاهرٌ مشهورٌ في كتبهم كلها، وما في كتب الأشعري مما يوجد مخالفًا للإمام أحمد وغيره من الأئمة فيوجد في كلام كثير من المنتسبين إلى أحمد؛ كأبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج بن الجوزي وصدقة بن الحسين وأمثالهم، ما هو أبعد عن قول أحمد والأئمة من قول الأشعري وأئمة أصحابه". * * * ¬

_ (¬1) وفيها تقرير أن الخطيب كان على مذهب السلف.

الأمر الثاني التنبيه على أنه لا يعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه

الأمر الثاني التنبيه على أنه لا يُعلم أنه يلتزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، والتنبيه على كثرة أوهامه في تصانيفه (1) قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 221): "لا نعلمُ ابنَ الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر؛ لأنه كثير الأوهام، وقد أثنى عليه الذهبي في "تذكرة الحفاظ" كثيرًا، ثم حكى عن بعض أهل العلم أنه قال في ابن الجوزي: "كان كثيرَ الغلط فيما يصنفه؛ فإنه كان يفرغ من الكتاب ولا يعتبره". قال الذهبي: "نعم له وهم كثير في تآليفه، يدخل عليه الداخل من العجلة والتحويل إلى مصنف آخر، ومن أجلِ أن علمه من كتبِ صحفٍ ما مارس فيها أربابَ العلم كما ينبغي". وذكر ابن حجر في "لسان الميزان" (3/ 84) حكايةً عن ابن الجوزي، ثم قال: "دلت هذه القصة على أن ابنَ الجوزي حاطبُ ليلٍ لا يَنْقُدُ ما يحدث به". وقد وقفتُ أنا على جملةٍ من أوهامه: منها: أنه حَكَى عن أبي زرعة وأبي حاتم أنهما قالا في داود بن عمرو بن زهير: "منكر الحديث" وإنما قالا ذلك في داود بن عطاء المدني، راجع التعليق على "تاريخ البخاري" (ج 2 قسم 1 ص 215). ومنها: أنه حَكَى في إسحاق بن ناصح عن الإمام أحمد كلاما، إِنما قاله أحمد في إِسحاق بن نجيح، راجع "لسان الميزان" (1/ 376).

ومنها: أنه قال في الربيع بن عبد الله بن خطاف: "كان يحيى بن سعيد يُثْنِي عليه, وقال ابن مهدي: لا ترو عنه شيئًا"، وهذا مقلوب كما في ترجمة الربيع من "التهذيب". ومنها: أنه حَكَى في سوار بن عبد الله بن سوار أن الثوري قال فيه: "ليس بشيء" مع أن سوارًا هذا إنما ولد بعد موت الثوري، وإنما قال الثوري تلك الكلمة في جده سوار بن عبد الله كما في "التهذيب". ومنها: أنه حَكَى في صخر بن عبد الله بن حرملة الحجازي أن ابن عدي وابن حبان اتهماه بالوضع، وإنما اتهما صخر بن محمد، ويقال ابن عبد الله الحاجبي المروزي، راجع "التهذيب"، و"اللسان". ومنها: أنه حَكَى في جعفر بن حيان أبي الأشهب البصري كلامًا عن الأئمة، إنما قالوه في جعفر بن الحارث أبي الأشهب الواسطي. راجع: "التهذيب". ومنها: أنه ذكر معاوية بن هشام (¬1)، فقال: وقيل: هو معاوية بن أبي العباس روى ما ليس من سماعه فتركوه, كذا قال، ومعاوية بن هشام من الثقات لم يرو ما ليس من سماعه، ولم يتركه أحد، وإنما روى مروان بن معاوية الفزاري، عن معاوية بن أبي العباس أحاديثَ عن شيوخِ الثوري، وهي معروفة من حديث الثوري، فقال ابن نمير -وأخذه عنه أبو زرعة وغيره: إن معاوية بن أبي العباس رجلٌ متروكٌ, كان جارًا للثوري، فلما مات الثوري أخذ معاوية كتبه فرواها عن شيوخه فسمعوا منه، ثم فطنوا لصنيعه فافتضح وتركوه، وبقي مروان يروي عنه. ورأى بعض الحفاظ أن معاوية بن هشام روى تلك الأحاديث عن الثوري، فسمعها منه مروان، ثم دَلَّسَ مروان اسمه وأسقط الثوري من السند فدلس مروان [تدليس] تسوية بعد تدليسه الاسم، وهذا القول على وَهَنِهِ كما بينته في تعليقي على ¬

_ (¬1) انظر: ترجمته رقم (747) من قسم التراجم.

"الموضح" (¬1) لا يُفِيدُ أن معاوية بن هشام روى ما لم يسمع ولا أنهم تركوه, ولكنَّ ابنَ الجوزي جمع بين القولين؛ فإن القائل أن ابن أبي العباس روى ما لم يسمع وتركوه بَنَى على أنه غير معاوية بن هشام، والقائل أنه هو لم يقل أنه روى ما لم يسمع ولا أنهم تركوه. ومنها: أنه ذكر في موضوعاته حديثًا رواه الطبراني قال: "حدثنا أحمد حدثنا إسحاق بن وهب العلاف حدثنا بشر بن عبيد الفارسي ... ". ثم قال ابن الجوزي: "إسحاق كذاب ... "، قال السيوطي في "اللآلىء" (1/ 206): "إنما الكذاب إسحاق بن وهب الطهرمسي فالتبس على المؤلف ... " يعني ابن الجوزي، وصدق السيوطي، العلاف موثق وهو من شيوخ البخاري في "صحيحه" والطهرمسي كذبوه، إلى غير ذلك من أوهامه". اهـ. (2) وفي "الفوائد" (ص 97) حديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الصرد أول طير صام عاشوراء". رواه الخطيب (¬2) من طريق إسماعيل بن إسحاق الرقي حدثنا عبد الله بن معاوية الجمحي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه ... قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 204): في إسناده: عبد الله بن معاوية، منكر الحديث. فقال الشيخ المعلمي: "هذا من أوهام ابن الجوزي؛ فإن الذي قيل فيه "منكر الحديث" هو عبد الله بن معاوية بن عاصم بن المنذر بن الزبير بن العوام الأسدي, ¬

_ (¬1) (2/ 424 - 425). (¬2) "تاريخ بغداد" (6/ 295 - 296).

والذي في السند منصوصٌ على أنه جمحي، وهو عبد الله بن معاوية وهو ابن موسى ابن أبي غليظ الجمحي، ثقةٌ عندهم. والبلاء في هذا الحديث من غيره, إما أبيه، وإما الراوي عنه: إسماعيل بن إسحاق ابن الحصين المعمري الرقي ابن بنت معمر بن سليمان الرقي، رواه الرقي عن عبد الله: سمعت أبي يحدث، عن أبيه، عن جده، عن أبي غليظ بن أمية بن خلف, قال: رآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلخ. أخرجه الخطيب في "التاريخ" (6/ 296) في ترجمة إسماعيل من وجهين عنه, ثم ذكر من وجهٍ ثالث عنه أيضًا، ولكن وقع فيه تخليط, ولم يذكر الخطيب في إسماعيل جرحًا ولا تعديلا، وإنما أشار إلى وهنه بذكر هذا الحديث, ولم يذكر إسماعيل في "الميزان"، ولا "اللسان"، وإنما ذكرا (¬1): معاوية بن موسى والد عبد الله، وفيهما: "هذا حديث منكر، رواه ثلاثة عن الرقي". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) "الميزان" (4/ 137)، و"اللسان" (6/ 159).

الأمر الثالث كشف ما في كلامه في الخطيب من التجني والتحامل

الأمر الثالث كشف ما في كلامه في الخطيب من التجني والتحامل نقل الشيخ المعلمي في ترجمة مهنأ بن يحيى الشامي من "التنكيل" رقم (255) قولَ الكوثري في مهنأ: "قال أبو الفتح الأزدي ... منكر الحديث، وتابعه الخطيب". فقال المعلمي: "الأزدي نفسه متكلم فيه (¬1) ... وقول الكوثري: "وتابعه الخطيب" باطل، فقد روى ابن الآبنوسي عن الخطيب: "كُلُّ من ذكرت فيه أقاويل الناس من جرح أو تعديل فالتعويل على ما أَخَّرْتُ". كما في "تذكرة الحفاظ" (3/ 315). وهاهنا بدأ الخطيب في ترجمة مهنأ بحكاية قول الأزدي، ثم أتبعها برواية السلمي عن الدارقطني: "ثقة نبيل"، ثم ذكر مكانة مهنأ عند أحمد وثناء أصحابه عليه، فعُلِم بذلك أن التعويل عنده على التوثيق. وبهذا يُعلم ما في عبارة ابن الجوزي في "المنتظم" (8/ 368) في تجنياته على الخطيب: "ذكر مهنأ بن يحيى وكان من كبار أصحاب أحمد وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحكى بعد ذلك عن أبي الفتح الأزدي ... وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكُلّ ... فلا يستحي الخطيب أن يقابل قول الدارقطني في مهنأ بقول هذا ثم لا يتكلم عليه؟ ". ¬

_ (¬1) انظر: ترجمة الأزدي في هذا القسم من الكتاب.

أقول: عفا الله عنك يا أبا الفرج، ما أرى الباعث لك على التجني على الخطيب إلا ما قدمته في ترجمته (¬1). وعليك في كلامك هذا مؤاخذات: الأولى: أن الموجود في "تاريخ الخطيب" تعقيبُ كلمة الأزدي بحكاية السلمي عن الدارقطني كما مَرَّ. الثانية: أن هذا مع ذكر مكانة مهنأ عند أحمد وثناء أصحابه عليه في قوة الردّ على كلمة الأزدي كما مَرَّ. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني ترجمة الخطيب وانظرها في هذا القسم.

ابن عدي

ابن عدي (ت 365 هـ)

يتعلق بابن عدي هاهنا ثلاثة أمور: الأول: ذِكْرُه الأحاديث في ترجمة الرجل، مع أن الحمل فيها على غيره. الثاني: النظر في جواب المعلمي على رمي ابن عدي رجلا بالسرقة من أجل حديث واحد لا يتبين الحمل فيه عليه. الثالث: معنى قوله في التراجم: أرجو أنه لا بأس به. * * *

الأمر الأول ذكره الأحاديث في ترجمة الرجل مع أن الحمل فيها على غيره واعتذار المعلمي عنه في بعض المواضع

الأمر الأول ذكره الأحاديث في ترجمة الرجل مع أن الحمل فيها على غيره واعتذار المعلمي عنه في بعض المواضع تقدمة: قال أبو أنس: مِنْ عادةِ ابن عدي في كتابه "الكامل" أن يُخرجَ الأحاديثَ التي أُنكرت على الثقة أو على غير الثقة، فقد قال في مقدمته: " ... وذاكرٌ في كتابي هذا كُلَّ مَن ذُكِرَ بضرْبٍ من الضَّعف، ومن اختلف فيهم، فجرحه البعضُ وعدَّلَهُ البعضُ الآخر ... وذاكرٌ لِكُلِّ رجلٍ منهم مِمَّا رواه ما يُضَعَّفُ مِن أجله ... لحاجةِ الناسِ إليها؛ لِأُقَرَّبَهُ على الناظر فيه". اهـ. فهذا هو الأصل في وضع الكتاب, ومقتضاه أن الأحاديث التي يوردها ابن عدي في تراجم كتابه تشتمل على أوهامٍ للرُّواةِ في الأسانيد والمتون، وأصنافٍ من العلل الخفية, وبالتالي فما يُورَدُ في مثل كتاب ابن عدي هو أشد ما يُنْكَر على الراوي، وما سواه فهو دون ذلك. ويَنْبَنِي على هذا عدمُ صلاحيةِ ما يورده ابنُ عدي فيه للاعتبار: متابعةً أو استشهادا، خلافا لصنيعِ مَنْ لم يَلتفتْ إلى ذلك مِنَ المُتَهافِتين على تقوية الأحاديثِ بالطرق المنكرةِ والمُعَلَّةِ, وهو ذهولٌ عن مناهج الأئمة في كتبهم، وسقوطٌ في بَراثنِ شهوة التصحيح والتحسين.

نَعَمْ، قد يُختلفُ مع ابنِ عديٍّ فيمن تُعْصَبُ به جنايةُ حديثٍ بعينه، أو مَنْ يُلصقُ به الوهمُ مِن رجال الإسناد، وقد اخْتَلف معه في بعض ذلك أئمةٌ بعده, كما سيأتي، لكنِ الذي لا يتجهُ بحالٍ هو: النظر إلى تلك الطرق نظرات مجردة وكأنَّها محفوظةُ المتنِ والإسناد، واستعمالُها في تقوية الواهي والضعيف من الروايات. ولهذا المعنى نظائرُ في التعامل مع كتب أخرى، راجع مقدمة القسم الأول من هذا الكتاب. ونعود إلى نُكَتِ المعلمي في ذلك، وبالله تعالى التوفيق: فأقول: ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة: مطرف بن عبد الله الأصم من "التنكيل" (1/ 480) قول ابن عدي فيه: "يروي المناكير عن ابن أبي ذئب ومالك". فقال المعلمي: "أقول: فسَّر ابنُ عدي كلمتَه بأن ذكر أحاديث مناكير رواها ابن عدي عن أحمد ابن داود بن عبد الغفار، عن أبي مصعب, فَرَدَّ الذهبي وغيره على ابن عدي بأن الحمل في تلك الأحاديث على أحمد بن داود، وأحمد بن داود كذبه الدارقطني، ورماه العقيلي وابن طاهر بالوضع. أقول: قد وقع لابن عدي شبيه بهذا في: غالب القطان؛ قال ابن حجر في "مقدمة الفتح": "وأما ابن عدي فذكره في "الضعفاء" وأورد له أحاديث الحمل فيها على الراوي عنه عمر بن مختار البصري، وهو من عجيب ما وقع لابن عدي، والكمال لله". ويظهر لي أن لابن عدي هنا عذرًا ما؛ ففي ترجمة أحمد بن داود من "اللسان": "قال أبو سعيد بن يونس: حدَّث عن أبي مصعب بحديث منكر، فسألته عنه فأخرجه من كتابه كما حدث به"، وفيه بعد ذلك: ذكر حديثه عن أبي مصعب، عن عبد الله بن عمر،

عن سهيل، عن أبيه, عن أبي هريرة مرفوعًا: "من رأى مبتلى فقال: الحمد لله ... "، إلخ، قال: "قال ابن عدي: لما حدث أحمد بهذا الحديث عن مطرف: كانوا يتهمونه ... فظلموه لأنه قد رواه عن مطرف: علي بن عمر وعباس الدوري والربيع ... ". فقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس هو هذا الحديث: من رأى مبتلى ... إلخ؛ رآه ابن عدي في أصل أحمد بن داود، وعرف أن غيره قد رواه عن مطرف، ورأى أن الحمل فيه على مطرف البتة، فقاس بقية الأحاديث عليه، وقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس غير هذا الحديث، ويكون ابن عدي رأى الأحاديث في أصل أحمد بن داود فاعتقد براءته منها للدليل الظاهر وهو ثبوتها في أصله فحملها كلها على مطرف، فإن كان الأمر على هذا الوجه الثاني فذاك الدليل -وهو ثبوت الأحاديث في أصله- يحتمل الخلل؛ ففي "لسان الميزان" (1/ 253): "أحمد بن محمد بن الأزهر ... قال ابن حبان: كان ممن يتعاطى حفظ الحديث ويجري مع أهل الصناعة فيه ولا يكاد يُذكر له باب إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرتُه بأشياء كثيرة فأغرب عليَّ فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليَّ أصولَ أحاديث ... فأخرج إليَّ كتابه بأصلٍ عتيقٍ ... قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه ... ". فهذا رجلٌ رَوى أحاديث باطلة وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجالا من وقت طلبه، كان يسمع شيئًا ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقتَ طلبِه بعضُ الدجالين, فكان يُدخل عليه ما لم يَسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة عثمان بن صالح السهمي من "مقدمة الفتح". وفي ترجمة محمد بن غالب تمتام من "الميزان" أنه أُنكر عليه حديث فجاء بأصله إلى إسماعيل القاضي، فقال له إسماعيل: "ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة".

وفي "الكفاية" (ص 118 - 119) عن حسين بن حبان: "قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجلٍ حدث بأحاديث منكرة فردها عليه أصحاب الحديث، إن هو رجع وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها علي فقد رجعت عنها؟ فقال: لا يكون صدوقًا أبدًا ... فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتابًا عتيقًا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتاب عتيق فهو صدوق، فيكون شُبِّهَ له وأخطأ كما يخطىء الناس فيرجع عنها". فأنت ترى ابن معين لم يجعل ثبوتها في الأصل العتيق دليلا على ثبوتها عمن رواها صاحب الأصل عنهم، بل حمله على أنه شُبه له وأخطأ في أيام طلبه. إذا تقرر هذا فلعلَّ الأحاديث التي ذكرها ابن عدي عن أحمد بن داود عن أبي مصعب رآها ابنُ عديّ في أصلٍ عتيقٍ لأحمد بن داود، فبنى على أن ذلك دليل ثبوتها عن أبي مصعب، وهذا الدليل لا يوثَقُ به كما رأيت، لكن في البناء عليه عذر ما لابن عدي يخف به تعجب الذهبي إذ يقول: هذه أباطيل حاشا مطرفا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عديّ؟! ". اهـ. تنبيه: مِنْ عجيب ما بَيَّنَ الذهبي خطأ ابن عدي فيه، ما قاله الذهبي في ترجمة: عبد الله ابن نافع الصائغ من "السير" (10/ 373) إذ قال: "وقد أخطأ الإمام أبو أحمد بن عدي في ترجمته خطأ لا يحتمل منه، وذلك أنه لم يرو في ترجمته سوى حديث واحد، فساقه بإسناده إلى عبد الوهاب بن بُخت المكي، عن عبد الله بن نافع، عن هشام بن عروة، عن أبيه، فذكر حديثا، ثم إنه قال: وإذا روى عن عبد الله مثل عبد الوهاب بن بُخت، يكون ذلك دليلا على جلالته، وهو من رواية الكبار عن الصغار.

قلت: من أين يمكن أن يروي عبد الله بن نافع الصائغ عن هشام، ولم يأخذ عن أحد حتى مات هشام؟ ومن أين يمكن أن يحدث عبد الوهاب عن الصائغ وإنما ولد الصائغ بعد موت عبد الوهاب بأعوام عديدة، وإنما عبد الله بن نافع المذكور في الحديث مولى ابن عمر، مات قديما في دولة أبي جعفر المنصور". اهـ. * * *

الأمر الثاني النظر في جواب المعلمي على رمي ابن عدي رجلا بالسرقة من أجل حديث واحد لا يتبين الحمل فيه عليه

الأمر الثاني النظر في جواب المعلمي على رمي ابن عدي رجلا بالسرقة من أجل حديث واحد لا يتبين الحمل فيه عليه قال ابن عدي في: محمد بن يونس الجمال: "ممن يسرق حديث الناس". فقال الشيخ المعلمي في ترجمة الجمال من "التنكيل" (1/ 475): "ابن عديّ إنما رماه بالسرقة لحديثٍ واحدٍ، رواه عن ابن عيينة، فذكر ابن عديّ أنه حديثُ حسين الجعفي، عن ابن عيينة، يعني أنه معروف عندهم أنه تفرد به حسين الجعفي، عن ابن عيينة، وحسن الجعفي ثقة ثبت، فالحديث ثابت عن ابن عيينة، وقد سمع الجمال من ابن عيينة، فالحكم على الجمال بأنه لم يسمعه وإنما سرقه ليس بالبَيِّن. لكن لم أر من وثق الجمال (¬1)، فهو ممن يستشهد به في الجملة, والله أعلم". اهـ. قال أبو أنس: قد علَّقْتُ هاهنا في قسم التراجم (ص 617) بقولي: "قد ذكر ابنُ عدي للجمّال حديثين سوى هذا، قد رواهما الجمَّال بإسنادين وصفهما ابن عدي بأنهما غير محفوظين، أوَّلُهما: الذي رواه عنه محمد بن الجهم السمري وقال عقبه المقالة السابقة. ¬

_ (¬1) قد ذكر ابن عساكر في "الشيوخ النبل" أن مسلمًا روى عنه. قال المزي والذهبي وغير واحد: لم نقف على روايته عنه. زاد الذهبي: فلعله روى عنه خارج الصحيح. وقال ابن حجر: لم يثبت أن مسلمًا روى عنه.

ثم قال ابن عدي: ولمحمد بن يونس أحاديث أخر من طراز ما ذكرت، وهو ممن يسرق حديث الناس. وابن عديّ من نقاد هذا الفن، وعبارته: "له أحاديث أخر من طراز ما ذكرت" تعني أن الجمال يروي أحاديث سوى ما ذكره بأسانيد غير محفوظة، فمن أين له بها؟ إما أنه يسرقها ويفتعلها، وإما أنها تُدخل عليه، أو غير ذلك. فلما روى عن ابن عيينة ما عَلم ابن عدي أنه إنما ينفرد به حسين الجعفي، انقدح في ذهن ابن عدي -مع اتهام السمري له وهو من الآخذين عنه- أنه قد سرق هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي يرويها بأسانيد غير محفوظة. ولا يُعرف مخالفٌ لابن عدي فيما رَمى به الجمَّال، فمع نَصْب ابن عديّ الشواهد على ما قال فلا محيصَ من إعمال قوله، وعدم الاعتبار بما رواه الجمال رأسًا، والله تعالى أعلم. * * *

الأمر الثالث معنى قوله في التراجم: أرجو أنه لا بأس به

الأمر الثالث معنى قوله في التراجم: أرجو أنه لا بأس به قال السيوطي في: درست بن زياد: "وثَّقَه ابن عديّ، فقال: أرجو أنه لا بأس به". فقال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 459): "ليس هذا بتوثيق، وابن عدي يذكر منكرات الراوي، ثم يقول: "أرجو أنه لا بأس به" يعني بالبأس: تعمد الكذب، ودرست واهٍ جدًّا". اهـ. * * *

الدارقطني

الدارقطني (ت 385 هـ)

يشتمل هذا الموضع على: التنبيه على منهج الدارقطني في عدم تقيّده بمذاهب المتقدمين في اشتراط إمعان الراوي في موافقة الثقات من أجل توثيقه، وقبول تفرداته. في "الأنوار الكاشفة" (ص 112 - 114) خبرٌ أخرجه الخطيب عن مالك: "أن عمر دخل على أم كلثوم بنت علي وهي زوجته فوجدها تبكي، فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي -أي كعب الأحبار- يقول إنك من أبواب جهنم، فقال عمر: ما شاء الله, ثم خرج فأرسل إلى كعب، فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين، والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة، فقال عمر: ما هذا؟ مرّة في الجنة ومرّة في النار! قال كعب: إنا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم، تمنع الناس أن يقتحموا فيها، فإذا متّ اقتحموا. وقد صدقت يمينه ... فقد قتل عمر في ذي الحجة سنة 23 هـ" (¬1). تناول الشيخ المعلمي ما في هذه الحكاية مما يُستنكر من بيان وقت موت عمر على التحديد، فقد كان عمر في شهر ذي الحجة سنة 23 حاجًّا ... إلى آخر ما قال رحمه الله، ثم قال: ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في "اللسان" (4/ 91): "قد ذكر الخطيب عبد الوهاب بن موسى صاحب الترجمة في "الرواة عن مالك"، وكناه: أبو العباس، ونسبه زهريًّا، وأورد له من طريق سعيد بن أبي مريم، عنه, عن مالك، عن عبد الله بن دينار أثرًا موقوفا على عمر في قصةٍ له مع كعب الأحبار، وقال: إنه تفرد به، ولم يذكر فيه جرحًا. وأورده الدارقطني في "الغرائب" من هذا الوجه, وقال: هذا صحيح عن مالك، وعبد الوهاب بن موسى ثقة، ومن دونه كذلك". اهـ. كلام الحافظ.

"وبَعْدُ فسند الحكاية غير صحيح، تفرد بها عن مالك رجل يقال له: "عبد الوهاب ابن موسى" لا يكاد يعرف، وليس من رجال شيء من كتب الحديث المشهورة، ولا ذُكر في تاريخ البخاري، ولا كتاب ابن أبي حاتم، بل قال الذهبي في "الميزان": "لا يُدرى من ذا الحيوان الكذاب" (¬1). وفي مقدمة "صحيح مسلم": "الذي نعرف من مذهبهم في قبول ما يتفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك الثقاتِ من أهل العلم والحفظ في بعض ما رووا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه، قُبل منه ... " (¬2). وهذا الرجل لم يُمعن في المشاركة، فضلا عن أن يكون ذلك على الموافقة. لكن هذا الشرط لا يتَقَيَّدُ به بعض المتأخرين كابن حبان والدارقطني، ومن ثَمَّ -والله أعلم- وَثَّق الدارقطني عبد الوهاب هذا، وزعم أن الخبر صحيح عن مالك. أما بقية سنده عن مالك فهو عن عبد الله بن دينار عن سعد الجاري، وسعد الجاري غير مشهور ولا موثق، ولا يُدرى أدركه عبد الله بن دينار أم لا؟ ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "الميزان" (2/ 684): "عبد الوهاب بن موسى، عن عبد الرحمن بن أبي الزناد بحديث: إن الله أحيا لي أمي فآمنت بي" الحديث. لا يُدرى مَنْ ذا الحيوان الكذاب؛ فإن هذا الحديث كذب مخالف لما صَحَّ أنه -صلى الله عليه وسلم- استأذن ربه في الاستغفار لها فلم يؤذن له. اهـ. (¬2) (ص 7) من "مقدمة مسلم"، وبقيته: فأما من تراه -يعني من الرواة - يَعْمد لمثل الزهري أو مالك كما في مثالنا- في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره, وحديثه عند أهل العلم مبسوط مشترك، قد نقل أصحابه عنه حديثه على الاتفاق منهم في أكثره, فيروي عنه -يعني ذاك الراوي- العددَ من الحديث، مما لا يعرفه أحد من أصحابه, وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبولُ حديث هذا الضرب من الناس، والله أعلم. اهـ. بتصرف.

ومقطع الحق أن ليس بيد من يتهم كعبًا بالمؤامرة غير كلمات يروى أن كعبًا قالها لعمر، وقد كان عمر والصحابة أعلم بالله ورسوله وكتبه منا، وأعلم بعد أن طعن عمر بالمؤامرة وقد انكشفت وهو حي، وأعلم بحال كعب لأنه صحبهم وجالسهم. والمعقول أنه لو كان فيما خطب به عمر ما يوجب اتهامه لاتهموه، وقد علمنا أنهم لم يتهموه، لا قبل انكشاف المؤامرة ولا بعده، فوجب الجزم بأنه لم يقع منه ما يقتضي اتهامه. اهـ. قال أبو أنس: يؤيد ما ذكره المعلمي ما ذُكر في مذهب الدارقطني في رفع الجهالة وإثبات العدالة: قال السخاوي في "فتح المغيث": "عبارة الدارقطني: من روى عنه ثقتان، فقد ارتفعت جهالته وثبتت عدالته، وقال أيضًا في الديات نحوه. وكذا اكتفى بمجرد روايتهما ابنُ حبان، بل توسع كما تقدم في مجهول العين، وقيل: يفصل، فإن كانا لا يرويان إلا عن عَدْلٍ قُبِلَ، وإلا فلا". اهـ. * * *

البيهقي

البيهقي (ت 458 هـ)

يتعلق به هاهنا ثلاثة أمور: الأول: بيان عذر البيهقي في إخراج أحاديث البخاري وغيره بإسناد البيهقي إليهم ونسبتها إليهم مع وجود خلاف في اللفظ. الثاني: جواب الشيخ المعلمي عن قول البيهقي في حماد بن سلمة. الثالث: مقارنة البيهقي بابن حبان والخطيب في معرفة دقائق هذا الفن. * * *

الأمر الأول بيان عذر البيهقي في إخراج أحاديث البخاري وغيره بإسناد البيهقي إليهم، ونسبتها إليهم مع وجود خلاف في اللفظ

الأمر الأول بيان عذر البيهقي في إخراج أحاديث البخاري وغيره بإسناد البيهقي إليهم، ونسبتها إليهم مع وجود خلاف في اللفظ نقل الشيخ المعلمي في "الأنوار" (ص 86)، عن أبي رية قوله: "وبلغ من أمرهم أنهم كانوا يروون الحديث بألفاظهم وأسانيدهم، ثم يعزونه إلى كتب السنة ... ". فقال: "حاصله أن البيهقي يروي في كتبه الأحاديثَ بأسانيده إلى شيخ البخاري أو شيخ شيخه ومن فوقه, ويقع في لفظه مخالفة للفظ البخاري مع اتفاق المعنى، ومع ذلك يقول: "أخرجه البخاري عن فلان"، ولا يبين اختلاف اللفظ, وكذا يصنع البغوي. وأقول: العذر في هذا واضح، وهو اتفاق المعنى، مع جريان العادة بوقوع الاختلاف في بعض الألفاظ، وكتاب البخاري متواتر، فأقلّ طالب حديث يشعر بالمقصود". اهـ. * * *

الأمر الثاني جواب الشيخ المعلمي عن قول البيهقي في حماد بن سلمة

الأمر الثاني جواب الشيخ المعلمي عن قول البيهقي في حماد بن سلمة ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة حماد بن سلمة من "التنكيل" رقم (85) ما قيل فيه من الكلام، وهي أربعة أوجه، قال: ... الوجه الثاني: أنه تغيَّر بأخرة، وهذا لم يذكره إلا البيهقي، والبيهقي أَرْعَبَتْهُ شقاشقُ أستاذه ابن فُورك المتجهم الذي حذا حذو ابن الثلجي في كتابه الذي صنفه في تحريف أحاديث الصفات والطعن فيها. وإنما قال البيهقي: "هو أحد أئمة المسلمين، إلا أنه لما كبر ساء حفظه، فلذا تركه البخاري، وأما مسلم فاجتهد وأخرج من حديثه عن ثابت ما سمع منه قبل تغيره، وما سوى حديثه عن ثابت لا يبلغ اثني عشر حديثًا أخرجها في الشواهد". أقول: أما التغير فلا مستند له (¬1)، ونصوص الأئمة تبين أن حمادًا أثبت الناس في ثابت وحميد مطلقًا، وكأنه كان قد أتقن حفظ حديثهما، فأما حديثه عن غيرهما فلم يكن يحفظه، فكان يقع له فيه الخطأ إذا حدث من حفظه أو حين يحول إلى الأصناف التي جمعها كما مرَّ. ¬

_ (¬1) عَلَّقْتُ على هذا الموضع من ترجمة حماد بن سلمة من قسم التراجم (ص 306) بقولي: "لكن قال أبو حاتم لمَّا سُئل عن أبي الوليد الطيالسي وحجاج بن المنهال: أبو الوليد عند الناس أكثر، كان يقال: سماعه من حماد بن سلمة فيه شيء, كأنه سمع منه بأخرة, وكان حماد ساء حفظه في آخر عمره". اهـ. (الجرح 9 / ت 253). وإن كان سوء الحفظ لا يُعطي معنى التغير الاصطلاحي، إلا أنه يفيد في اختلاف حال حماد بأخرة, والله تعالى أعلم".

ولم يتركه البخاري، بل استشهد به في مواضع من "الصحيح" (¬1)، فأما عدم إخراجه له في الأصول فلا يوجب أن يكون عنده غير أهل لذلك (¬2)، ولذلك نظائر؛ هذا سليمان بن المغيرة الذي تقدم أنه من أثبت الناس في ثابت، وأنه أثبت فيه من حماد بن زيد، وقد ثبَّتَه الأئمة جدًّا، قال أحمد: "ثبت ثبت"، وقال ابن معين: "ثقة ثقة" والثناء عليه كثير ولم يغمزه أحد، ومع ذلك ذكروا أن البخاري لم يحتج به ولم يخرج له إلا حديثًا واحدًا مقرونًا بغيره (¬3). وقد عتب ابن حبان على البخاري في شأن حماد بن سلمة، وذكر أنه قد أخرج في غير الشواهد لمن هو دون حماد بكثير كأبي بكر بن عياش، وفليح، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "السير" (7/ 446): "تحايد البخاري إخراج حديثه, إلا حديثًا خرجه في الرقاق، فقال: قال لي أبو الوليد: حدثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس، عن أُبَيٍّ". (¬2) راجع منهج البخاري في "صحيحه" من هذا القسم. (¬3) قد سبق الجواب عن قياس حماد بن سلمة على سليمان بن المغيرة, فراجعه.

الأمر الثالث مقارنة البيهقي بابن حبان والخطيب في معرفة دقائق هذا الفن

الأمر الثالث مقارنة البيهقي بابن حبان والخطيب في معرفة دقائق هذا الفن في "التنكيل" رقم (244) قال الكوثري: "مسلم بن أبي مسلم عبد الرحمن الجرمي، وثَّقَهُ الخطيب، لكن في "اللسان": "أنه ربما يخطىء". وقال البيهقي: "غير قوي". وقال أبو الفتح الأزدي: "حدَّثَ بأحاديث لا يتابع عليها"". فقال الشيخ المعلمي: "ذكره ابن حبان في "الثقات": "مسلم بن أبي مسلم الجرمي سكن بغداد، يروي عن يزيد بن هارون ومخلد بن الحسين، ثنا عنه الحسن ابن سفيان وأبو يعلى، ربما أخطأ، مات سنة أربعين ومائتين"". وقد قَدَّمنا في ترجمة ابن حبان أن توثيقه لمن قد عرفه من أثبت التوثيق، وقوله: "ربما أخطأ" لا ينافي التوثيق، وإنما يظهر أثر ذلك إذا خالف من هو أثبت منه. فأما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي فليس في نفسه بعمدة, حتى لقد اتهموه بوضع الحديث. ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يتابَع في كل ما حدث به، وإنما شرطه أن لا يتفرد بالمناكير عن المشاهير فيُكثر. والظاهر أن الأزدي إنما عنى الحديث الذي ذكره البيهقي، وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يقل أحدكم زرعته، ولكن ليقل حرثته"، قال أبو هريرة: ألم تسمع إلى قول الله: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.

وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة عن أحمد بن الوليد القرشي عن مسلم. وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه] وقال: إن مسلمًا غير قوي. ولَعَلَّ ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث، على أن الصواب موقوف، وأخطأ مسلم في رفعه. ومسلم مكثر في التفسير كما يعلم من: "تفسير ابن جرير" فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله، وابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي. اهـ. * * *

ابن قانع

ابن قانع (ت 351 هـ)

وصفه الشيخ المعلمي

وصفه الشيخ المعلمي في غير موضع من "التنكيل" بـ: حافظ الحنفية. لكن قال في "حاشية الموضح" (1/ 225): "كثير الوهم". اهـ. أقول: قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 88): سألت البرقاني عن عبد الباقي بن قانع، فقال: في حديثه نكرة، وسُئل وأنا أسمع عنه، فقال: أما البغداديون فيوثقونه، وهو عندنا ضعيف. قلت: لا أدري لأي شيء ضعفه البرقاني، وقد كان عبد الباقي من أهل العلم والدراية والفهم، ورأيت عامة شيوخنا يوثقونه، وقد كان تغير في آخر عمره. حدثني الأزهري عن أبي الحسن بن الفرات، قال: كان عبد الباقي بن قانع قد حَدَثَ به اختلاطٌ قَبْلَ أن يموت بمدة نحو سنتين، فتركنا السماع منه، وسمع منه قوم في اختلاطه. حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري، قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: سألت أبا بكر بن عبدان عن عبد الباقي بن قانع، فقال: لا يدخل في الصحيح. قال حمزة: وسأل أبو سعد الإسماعيلي أبا الحسن الدارقطني عن أبي الحسين بن قانع، فقال: كان يحفظ ويعلم، ولكنه كان يخطىء ويُصِرُّ على الخطأ. قرأت في كتاب أبي عمر محمد بن علي بن عمر بن الفياض: عرفني عبد الباقي بن قانع أنه ولد في ذي القعدة لخمس ليالٍ بقين منه، من سنة خمس وستين ومائتين. أخبرنا السمسار، حدثنا الصفار، قال: مات عبد الباقي بن قانع لسبعٍ خلون من شوال سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة". اهـ.

• وقال الذهبي في "السير" (15/ 526): "الإمام، الحافظ، البارع، الصدوق إن شاء الله ... صاحب كتاب "معجم الصحابة" الذي سمعناه. ... وكان واسع الرحلة، كثير الحديث، بصيرا به". ثم نقل ما في "تاريخ بغداد". • ونقله أيضًا في "الميزان" (4735). • وقال ابن حزم في "المحلى" (6/ 168): "اختلط ابن قانع قبل موته بسنة، وهو منكر الحديث، تركه أصحاب الحديث جملة". اهـ. فأجاب ابن حجر في "اللسان" (4/ 379 - 380) بقوله: "قلت: ما أعلم أحدا تركه، وإنما صح أنه اختلط فتجنبوه". اهـ. • وقال ابن حزم أيضًا فيه (9/ 57): "وابن شعبان (¬1) في المالكيين نظير عبد الباقي بن قانع في الحنفيين، قد تأملنا حديثهما، فوجدنا فيه البلاء البين، والكذب البحت، والوضع اللائح، وعظيم الفضائح، فإما تَغَيَّرَ ذِكْرُهُمَا، أو اختلطت كتبهما، وإما تعمدا الرواية عن كل من ¬

_ (¬1) هو محمد بن القاسم بن شعبان أبو إسحاق المصري المالكي الفقيه، سمع من شيوخ المصريين, ولم يكثر، ولم يرحل، وكان رأس المالكية بمصر، وأحفظهم للمذهب مع التفنن في التاريخ والأدب، مع الدين والورع، وله "أحكام القرآن" و"مناقب مالك والرواة عنه" و"المناسك" و"الزاهي في الفقه"، وغير ذلك، وكان سلفي المذهب. ذكر ذلك ابن الطحان في "ذيل تاريخ مصر"، كما نقله ابن حجر في ترجمته في "اللسان" (6/ 404). وقد قال الذهبي في "الميزان" (8078): "وهاه أبو محمد بن حزم, ما أدري لماذا؟ " اهـ.

نماذج مما تعقب فيه ابن حجر ابن قانع

لا خير فيه من كذاب ومغفل يقبل التلقين، وأما الثالثة -وهي ثالثة الأثافي- أن يكون البلاء من قِبَلِهِمَا، ونسأل الله العافية". اهـ. نقله ابن حجر في "اللسان" ووقع في المطبوع منه تصحيفات، فجاء فيه: "ابن سفيان"، و"ثالثة الأثاني" وكلاهما خطأ. وزاد ابن حجر: "وقال ابن أبي الفوارس في "تاريخه": قيل إنه سمع منه قوم في اختلاطه، قال: وكان من أصحاب الرأي، وكان مولده سنة ست وستين ومائتين. ... وقال ابن فتحون في "ذيل الاستيعاب": لم أر أحدا ممن يُنسب إلى الحفظ أكثر أوهاما منه، ولا أظلم أسانيد، ولا أنكر متونا، وعلى ذلك فقد روى عنه الجلة, ووصفوه بالحفظ، منهم أبو الحسن الدارقطني، فمن دونه. قال: وكنت سألت الفقيه أبا علي -يعني الصدفي- في قراءة "معجمه" عليه, فقال لي: فيه أوهام كثيرة, فإن تفرغت إلى التنبيه عليها فافعل. قال: فخرجت ذلك، وسميته "الإعلام والتعريف مما لابن قانع في معجمه من الأوهام والتصحيف". اهـ. • وقال الحافظ في الإصابة (2/ 150) ترجمة (3901): "ابن قانع ليس بعمدة في النسب ولا السند". اهـ. قال أبو أنس: هذه نماذج مما تعقب فيه ابنُ حجر ابنَ قانع: 1 - في "تهذيب التهذيب" (1/ 318): "الأغر بن يسار المزني، ويقال الجهني، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنه ليغان على قلبي". وروى عن أبي بكر، وعنه أبو بردة بن أبي موسى الأشعري، ومعاوية بن قرة.

قلت: أنكر ابن قانع على من جعله مزنيا، وإنكاره هو المنكر". اهـ. 2 - وفيه (2/ 141): "الحارث بن زياد الأنصاري الساعدي، قيل إنه شهد بدرا، يعد في الكوفيين، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه حمزة بن أبي أسيد الساعدي، له حديث واحد في فضل الأنصار. قلت: قال أبو القاسم البغوي: لا أعلم له غيره. وزعم ابن قانع أنه خال البراء بن عازب، وهو من أوهامه، وإنما خال البراء هو: الحارث بن عمرو". اهـ. 3 - وفيه (2/ 167): "حازم بن حرملة الغفاري، معدود في الصحابة، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعنه مولاه أبو زينب، أخرج له ابن ماجه حديثا واحدا في الأمر بالإكثار من الحوقلة. قلت: ذكره ابن أبي حازم والطبراني وغيرهما في الحاء المهملة. وذكره ابن قانع في الخاء المعجمة، فصحف". اهـ. وفي "الإصابة" نماذج عدة على ذلك، انظر: • أوس بن حارثة الطائي (1/ 147). • أوس المزني (1/ 260). • سهل بن مالك بن أبي كعب بن القين الأنصاري (3/ 205). • شبل بن مالك (3/ 393). • شداد بن أسيد (3/ 318). • شرحبيل العبسي (3/ 395). • شرحبيل والد عمرو (3/ 396).

• شيبان بن محرز الحنفي (3/ 40). • شيبة المهري (3/ 400). • الصامت الأنصاري (3/ 465). • الضحاك بن عبد الرحمن الأشعري (3/ 502). • عامر بن مالك بن صفوان (5/ 176). • عبد الله الصنابحي (4/ 271). • عبيد الله بن ثعلبة العذري (5/ 253). • عبيد الذهلي (5/ 255). • عقيل بن مقرن المزني أبو حكيم (4/ 532). • عمرو بن سعيد الثقفي (5/ 294). • عمرو بن سليمان المزني (5/ 297). • غرفة بن الحارث اليماني (5/ 318). • غرقدة والد شبيب (5/ 343). • فضيل بن فضالة التابعي (5/ 399). • كعب بن علقمة (5/ 663). • كليب بن شهاب الجرمي (5/ 668). • معاوية بن معبد (6/ 364). * * *

الدولابي

الدولابي (ت 310 هـ)

نعيم بن حماد

(1) تعرض الشيخ المعلمي للكلام في الدولابي في ترجمة نعيم بن حماد من "التنكيل" (1/ 494) حيث قال الدولابي: "نعيم يروي عن ابن المبارك. قال النسائي: ضعيف، وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب". فقال الشيخ المعلمي: "فأما الدولابي فهو محمد بن أحمد بن حماد، له ترجمة في "الميزان"، و"اللسان" قال ابن يونس: "من أهل الصنعة، حسن التصنيف، وكان يُضَعَّف". وقال الدارقطني: "تكلموا فيه لما تبين من أمره الأخير" (¬1). وذكر ابن عدي قول الدولابي في معبد الجهني الذي روى أبو حنيفة عن منصور ابن زاذان عن الحسن عنه, أنه معبد بن هوذة الذي ذكره البخاري في "تاريخه". قال ابن عدي: "هذا الذي قاله غير صحيح، وذلك أن معبد بن هوذة أنصاري فكيف يكون جهنيًّا؟ ومعبد الجهني معروف ليس بصحابي، وما حمل الدولابي على ذلك إلا ميله لمذهبه". وقال ابن عدي أيضًا: "ابن حماد متهم فيما قاله في نعيم بن حماد؛ لصلابته في أهل الرأي". ¬

_ (¬1) عَلَّقْتُ في هذا الموضع من قسم التراجم (ص 660) بقولي: "هكذا جاءت العبارة في "الميزان" (3/ 459)، و"اللسان" (5/ 41 - 42) المطبوعين، ومنه ينقل المعلمي، وهو خطأ من الطبع، ففي أصلين خطيين من "اللسان" وهو كذلك في النسخة المطبوعة عن خمس نسخ خطية (6/ 118) منه، ومثله في "سؤالات السهمي للدارقطني" رقم (82): "تكلموا فيه, ما تبين من أمره إلا خير"، وهو كذلك في سير النبلاء (14/ 309) وغيره, وبين العبارتين بون شاسع.

وفي ترجمة نعيم من "مقدمة الفتح" بعد الإشارة إلى حكاية الدولابي: "وتعقب ذلك ابن عدي بأن الدولابي كان متعصبًا عليه لأنه كان شديدًا على أهل الرأي. وهذا هو الصواب" وقال في "التهذيب": "حاشى الدولابي أن يُتَّهَم، وإنما الشأن في شيخه الذي نقل ذلك عنه فإنه مجهول متهم". أقول: لا أرى الدولابي يبرأ من عهدة ذاك النقل المريب؛ فإن ابن عدي قال (¬1) كما في "التهذيب": "قال لنا ابن حماد - يعني الدولابي: نعيم يروي عن ابن المبارك، قال النسائي: ضعيف، وقال غيره: كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات في ثلب أبي حنيفة كلها كذب. قال ابن عدي: وابن حماد متهم ... ". فلا يحتمل أن يكون الدولابي سمع تلك الكلمة ممن يعتد به، وإلا لصرح به وصرخ به صراخا. فإن كان سمعها ممن لا يعتد به, فلم يكن له أن يحكيها على هذا الوجه، بل كان عليه أن يُعرض عنها لعدم الاعتداد بقائلها، أو على الأقل أن يصرح باسمه. وإن كان لم يسمعها من أحد -وإنما اختلق ذلك- فأمره أسوأ، وإن كان كنى بقوله: "غيره" عن نفسه -كأنه أراد: "وقلت أنا"- فالأمر في هذا أخف، وقد عُرف تعصب الدولابي على نعيم، فلا يقبل قوله فيه بلا حجة، مع شذوذه عن أئمة الحديث الذين لا يكاد هو يذكر معهم". اهـ. ¬

_ (¬1) الكامل (7/ 2482).

حماد بن سلمة

(2) ذكر الشيخ المعلمي أوجه الطعن في حماد بن سلمة في "التنكيل" رقم (85) والجواب عنها، وقال في الوجه الثالث منها: "زعم بعضهم أنه كان له ربيب يُدخل في كتبه وقيل ربيبان، وصحَّف بعضهم" ربيب حماد إلى "زيد بن حماد" راجع "لسان الميزان" (2/ 506). ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي: قال الذهبي في "الميزان": "الدولابي: حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثنا إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يُعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى عَبَّادان، فجاء وهو يرويها فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر يحفظ، وكانوا يقولون إنها دُسَّت في كتبه, وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه". قال الذهبي: "قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله، وقَدِ اتُّهِم نسأل الله السلامة". أقول: الدولابي حافظ حنفي (¬1) له ترجمة في "لسان الميزان" (4/ 41)، وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله، إلا في قبوله لها من ابن الثلجي وروايتها عنه. اهـ. ثم ذكر المعلمي محمد بن شجاع بن الثلجي هذا وما يتعلق به من اتهامه ورميه بالكذب ووضع الحديث -وترى ذلك في ترجمته من قسم التراجم (¬2)، ثم ذكر ¬

_ (¬1) زاد في "التنكيل" (1/ 392): "فيه مقال". (¬2) رقم (667).

الأمارات الدالة على كذبه في هذه الحكاية بالنظر في إمكانية سماعه من إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، وكذا في معرفة إبراهيم هذا بحماد بن سلمة، وحكايته عنه ما غاب عن أبيه وكبار الأئمة!! * * *

العقيلي

العقيلي (ت 322 هـ)

قال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (1/ 465): "قد كان في العقيلي تَشَدُّدٌ ما، فينبغي التثبتُ فيما يقول من عند نفسه في مَظَانِّ تَشَدُّدِه". اهـ. فائدة: قول العقيلي في بعض التراجم: يخالف في حديثه، أو: في بعض حديثه. ذكر العقيلي: صباح بن محارب الكوفي، في كتابه "الضعفاء" (2/ 214) وقال: "يخالف في حديثه" وذكر له حديثا فيه خلاف كثير. وذكره الذهبي في الميزان (2/ 306) وقال: "صالح الحديث، أثنى عليه أبو زرعة وأبو حاتم فقالا: صدوق ... وذكره العقيلي فقال: يخالف في بعض حديثه. قلت: هكذا سائر الثقات يتفردون". اهـ. * * *

مسلمة بن القاسم الأندلسي

مسلمة بن القاسم الأندلسي (ت 353 هـ)

هو مسلمة بن القاسم بن إبراهيم أبو القاسم الأندلسي قال الذهبي في "السير" (16/ 110): "لم يكن بثقة. قال ابن الفرضي: سمعت من ينسبه إلى الكذب، وقال لي محمد بن أحمد بن يحيى ابن مفرج: لم يكن كذابا، بل كان ضعيف العقل، قال: وحُفظ عليه كلام سوء في التشبيه". اهـ. وفي "الميزان" (8528): "ضعيف، وقيل كان من المشبهة". اهـ. فتعقبه ابن حجر في "اللسان" (7/ 95) بقوله: "هذا رجل كبير القدر، ما نسبه إلى التشبيه إلا من عاداه, وله تصانيف في الفن، وكانت له رحلة لقي فيها الأكابر. قال أبو جعفر المالقي في "تاريخه": "فيه نظر". وهو مسلمة بن قاسم بن إبراهيم بن عبد الله بن حاتم، جمع تاريخا في الرجال، شرط فيه أن لا يذكر إلا من أغفله البخاري في "تاريخه"، وهو كثير الفوائد في مجلد واحد. وقال أبو محمد بن حزم: يكنى أبا القاسم، كان أحد المكثرين من الرواية والحديث، سمع الكثير بقرطبة, ثم رحل إلى المشرق قبل العشرين وثلاثمائة, فسمع بالقيروان وأطرابلس والإسكندرية وأقريطش ومصر والقلزم وجدة ومكة والمدينة واليمن والبصرة وواسط والأيلة وبغداد والمدائن وبلاد الشام، وجمع علما كثيرا، ثم رجع إلى الأندلس، فكف بصره ... وكان قوم بالأندلس يتحاملون عليه، وربما كذبوه, وسئل القاضي محمد بن يحيى بن مفرج عنه، فقال: لم يكن كذابا، ولكن كان ضعيف العقل.

وقال عبد الله بن يوسف الأزدي -يعني ابن الفرضي: كان مسلمة صاحب رقى ونيرنجات، وحُفظ عليه كلام سوء في التشبيهات". اهـ. قول الشيخ المعلمي في كلام مسلمة في الرجال: قال الشيخ المعلمي في ترجمة محمد بن سعد العوفي من "التنكيل" (1/ 444) جوابا على توثيق مسلمة له: "أما مسلمة بن القاسم فقد جعل لكل شيء قدرًا، حَدُّهُ أن يُقبل منه توثيق من لم يجرحه مَنْ هو أجلُّ منه ونحو ذلك، فأما أن يعارض بقوله نصوص جمهور الأئمة فهذا لا يقوله عاقل". اهـ. قال أبو أنس: مما قد يُختلف فيه مع المعلمي -في ضوء هذا الكلام- قولُه في: 1 - أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد أبي جعفر المصري. قال المعلمي فيه في ترجمة نعيم بن حماد رقم (258) من "التنكيل": "فيه كلام، وقد وثقه مسلمة". اهـ. فَعَلَّقْتُ في ترجمة أحمد من القسم الأول من هذا الكتاب رقم (163) فقلت: قال ابن أبي حاتم: سمعت منه بمصر، ولم أحدث عنه لِمَا تكلموا فيه. وحكى ابن عديّ قصةً فيها تكذيب أحمد بن صالح المصري له، ثم ساق له ابن عديّ حديثًا، وقال: هذا الحديث بهذا الإسناد ليس بمحفوظ، وهو محتمل، وابن رشدين هذا صاحب حديث كثير، يحدث عنه الحفاظ بحديث مصر، أُنكرت عليه أشياء مما رواه، وهو ممن يكتب حديثه مع ضعفه. اهـ.

وفي "اللسان" عن ابن عديّ: وكأن آل بيت رشدين خُصوا بالضعف، من أحمد إلى رشدين. وفي "اللسان" أيضًا: وقال ابن يونس: توفي ليلة عاشوراء سنة (292) وكان من حفاظ الحديث وأهل الصنعة. وقال عبد الغنى بن سعيد: سمعت حمزة بن محمد يقول: هو أَدْخَل على أحمد بن سعيد الهمداني حديث بكير بن الأشج، عن نافع، عن ابن عمر -رضي الله عنهما- حديث "الغار". وسمعت الفقيه أبا بكر بن الحداد يقول: سمعت النسائي يقول: لو رجع أحمد بن سعيد عن حديث الغار عن بكير لحدثت عنه. وفيه أيضًا: قال مسلمة في "الصلة": "حدثنا عنه غير واحد، وكان ثقة عالمًا بالحديث". قلت: أما كونه عالمًا بالحديث، فقد وصفه ابن يونس بأنه من حفاظ الحديث وأهل الصنعة، لكنه لم يصرح بتوثيقه، ومسلمة بن قاسم مجروح، فلا يقبل منه تفرده بهذا التوثيق، وتوثيقه مُعارَضٌ بتضعيف ابن عديّ، بل وتكذيب أحمد بن صالح -فيما حكاه ابن عدي- ثم إن الرجل له مناكير يتفرد بها، ولم يوثقه مُعْتَبَرٌ، فقول ابن أبي حاتم مما يُقَوِّي الحُكْمَ عليه بالضعف، والله تعالى أعلم. 2 - وقوله في: علي بن زيد بن عبد الله أبي الحسن الفرائضي من "التنكيل" رقم (159): "قال ابن يونس: "تكلموا فيه"، ولم يبين من المتكلم ولا ما هو الكلام، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة"، والتوثيق مقدم على مثل هذا الجرح كما لا يخفى". اهـ. وقد علقْتُ على هذه الترجمة هناك، فنقلت كلام ابنَ الفرضي، والمالقي، والذهبي، وابن حجر، ثم قلت: فمثل هذا ليس بعمدة أصلًا، ولا يُعتد بقوله في الجرح والتعديل، لاسيما إذا انفرد أو خالف.

وقد قال الشيخ المعلمي نفسه في ترجمة: محمد بن سعد العوفي، من "التنكيل": أما مسلمة بن قاسم فقد جعل الله لكل شيء قدرًا ... وقول ابن يونس: "تكلموا فيه" ظاهره الجرح بلا شك، لكن إذا ثبت توثيق من قيل فيه هذا توثيقا معتبرا، تطمئن النفس إليه، فيقال حينئذ: التوثيق مقدم، والجرح غير مفسر - فلعله تُكلم فيه بكلام لا يضر، أما إذا لم يوثق توثيقا يعتد به، كما في هذه الحالة، صار الجرح وإن كان غير مفسر، محلا للاعتبار والقبول، والله تعالى أعلم". * * *

أبو الفتح الأزدي

أبو الفتح الأزدي صاحب كتاب "الضعفاء" (ت 274 هـ)

• قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 476): "ليس في نفسه بعمدة, حتى لقد اتهموه بوضع الحديث". اهـ. • وفيه (1/ 495): "هو في نفسه على يديّ عدلٍ، وترجمته في "تاريخ بغداد" و"الميزان" و"اللسان" تبين ذلك". اهـ. • وفيه (1/ 221): "أما الأزدي فقد تكلموا فيه حتى اتهموه بالوضع، راجع ترجمته في "لسان الميزان" (ج 7) رقم (464) مع الرقم الذي يليه من: "قال الخطيب"، إلى آخر الترجمة، فإنه كله متعلق بالأزدي، وقال ابن حجر في ترجمة أحمد بن شبيب في الفصل التاسع من مقدمة "الفتح": "لا عبرة بقول الأزدي؛ لأنه هو ضعيف، فكيف يعتمد في تضعيف الثقات"، وذكر نحو ذلك في ترجمة خثيم بن عراك وغيرها، وقال في ترجمة علي بن أبي هاشم: "قدَّمت غير مرة أن الأزدي لا يعتبر تجريحه؛ لضعفه هو". اهـ. قال أبو أنس: ومع ما سبق من ذِكْرِ المعلمي له بالضعف والتهمة، فقد أقام له وزنا ما لمَّا ذكر الأزدي مستنده في تضعيف من ضعفه. ففي ترجمة: مهنأ بن يحيى -وهو من كبار أصحاب الإمام أحمد بن حنبل- من "التنكيل" رقم (255): "قال الكوثري: قال أبو الفتح الأزدي ... منكر الحديث ...

فقال الشيخ المعلمي: الأزدي نفسه متكلم فيه، حتى رُمي بالوضع، وقد رَدَّ ابن حجر في مواضع من: "مقدمة الفتح" جَرْحَهُ وبيَّن أنه لا يُعتد به. ... ثم ذكر المعلمي - في أثناء رَدِّهِ على ابن الجوزي: أن الأزدي ذكر مُتَمَسَّكَهُ، فلا يسوغُ ردُّ قولِه إلا ببيان سُقُوطِ حُجَّتِهِ. قال: أما متمسك الأزدي فهو أن مهنأ روى عن زيد بن أبي الزرقاء, عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر حديثًا في الجمعة. ولا يُعلم رواه أحدٌ غيره عن زيد بن أبي الزرقاء، ولا عن غيره عن سفيان الثوري. فلا يُعرف عن الثوري إلا بهذا الإسناد. وإنما يُعرف من رواية عبد الله بن محمد العدوي التميمي رواه عن علي بن زيد، والعدوي طعنوا فيه، وقال وكيع: يضع الحديث، وحكى ابن عبد البر عن جماعة أهل العلم بالحديث أنهم يقولون: إن هذا الحديث من وضعه، كذا في ترجمة العدوي من "التهذيب". وفي ترجمة مهنأ من "اللسان" عن ابن عبد البر: لهذا الحديث طرق ليس فيها ما يقوم به حجة، إلا أن مجموعها يدل على بطلان قول من حمل على العدوي أو على مهنأ بن يحيى. ... وعلى كل حالٍ، فغاية ما في الباب أن يكون مهنأ أخطأ في سند هذا الحديث، فكان ماذا؟!

وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان من خيار الناس في حديث أحمد بن حنبل وبشر الحافي، مستقيم الحديث. ويكفيه مكانته عند أحمد، وثناء أصحابه عليه, والله أعلم. اهـ. قال أبو أنس: • قال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (3/ 967): "له مصنف كبير في الضعفاء، وهو قويُّ النَّفَسِ في الجَرْحِ، وَهَّى جماعة (¬1) بلا مستند طائل". اهـ. • وقال في "السير" (16/ 347): "وعليه في كتابه في الضعفاء مؤاخذات، فإنه ضَعَّفَ جماعةً بلا دليل، بل قد يكون غيره قد وثقهم". اهـ. قلت: مع ما سبق من بيان حال الأزدي، وإشارة مثل الذهبي إلى تلك المؤاخذات، إلا أن الحفاظ -لاسيما من صنف منهم في الرجال، وبخاصة الضعفاء- قد استوعبوا كتابه هذا في مصنفاتهم، فنقلوا كلامه ونقده للرواة، على اختلاف الحال في ذلك: فتارةً: يوافق سائر من تناول ذاك الراوي بالضعف. وتارةً: يوافق بعضا، ويخالف آخرين. وتارةً: يخالف كُلَّ من نُقِلَ عنه قولٌ فيه. وتارةً: ينفرد الأزدي بذكر الرجل في الضعفاء، مكتفيا بقوله فيه، أو ذاكرا له حديثا استنكره عليه. ¬

_ (¬1) في "التذكرة": "وهاه جماعة"، وهو خطأ، يدل عليه قوله الآتي في "السير".

أما الحالان الأولان فلا إشكال فيهما، ولا غبار عليه إذا وافق غيره، أما الأخيران وهما مخالفة الجميع أو التفرد فهذه نماذج ينظر فيها منتزعة من "ميزان الاعتدال" للذهبي. أولا: المخالفة: • في "الميزان" (1076): "أيوب بن سليمان (خ د ت س) ابن بلال أبو يحيى المدني، عن أبي بكر عبد الحميد بن أبي أويس، عن سليمان بن بلال بنسخة كبيرة. وعنه البخاري، والذهلي، ومحمد بن إسماعيل الترمذي. ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال البخاري: لا بأس به. وقال أبو الفتح الأزدي: يحدث بأحاديث لا يتابع عليها، ثم ساق له أحاديث جيدة غريبة". اهـ. زاد ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (1/ 404): "وقال الآجري عن أبي داود: ثقة، وقال الحاكم عن الدارقطني: ليس به بأس، وقال زكريا الساجي وأبو الفتح: يحدث بأحاديث لا يتابع عليها، ثم ساق الأزدي له أحاديث غرائب صحيحة. ... وقال ابن عبد البر في "التمهيد": "أيوب بن سليمان بن بلال ضعيف، ووهم في ذلك، ولم يسبقه من الأئمة إلى تضعيفه إلا ما أشرنا إليه عن الساجي ثم الأزدي، والله أعلم". اهـ. • وفيه (1325): " (صح) بهز بن أسد (خ م) العمي عن شعبة وطائفة، وعنه أحمد وبندار وطائفة.

قال أحمد: إليه المنتهى في التثبت. وقال أبو حاتم: ثقة إمام. وقال أبو الفتح الأزدي: كان يتحامل على عثمان -رضي الله عنه-، كذا قال الأزدي، والعهدة عليه، فما علمت في بهز مغمزا". اهـ. • وفيه (2891): "زكريا بن يحيى بن أسد المروزي، صاحب ابن عيينة, قال أبو الحسين بن المنادي: توفي أبو يحيى زكرويه صاحب الخبر الواحد الذي رواه لنا عن سفيان في ربيع الآخر سنة سبعين ومائتين. وقال الدارقطني: لا بأس به. وقال أبو الفتح الأزدي: لقبه جوذابه، كذا قال. ولولا أن الأزدي أورده في كتاب "الضعفاء" لما أوردته, ثم إنه ما نطق فيه بشيء، بل قال: زعم أنه سمع من ابن عيينة". اهـ. • وفيه (3093): "السري بن يحيى (س) ابن إياس بن حرملة أبو الهيثم الشيباني البصري عن الحسن وجماعة, وعنه ابن وهب وسعيد بن أبي مريم وأبو الوليد وعدة. قال أحمد: ثقة ثقة. وقال أبو الفتح الأزدي: حديثه منكر، فآذى أبو الفتح نفسه. وقد وقف أبو عمر بن عبد البر على قوله هذا، فغضب أبو عمر، وكتب بإزائه: السري بن يحيى أوثق من مؤلف الكتاب -يعني الأزدي- مائة مرة. قلت: ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة وابن معين والنسائي وآخرون ... ". اهـ.

• وفيه (819): " (صح) إسرائيل بن موسى (خ د ت س) البصري، نزيل السند عن الحسن وجماعة، وعنه حسين الجعفي ويحيى القطان. وثقه أبو حاتم وابن معين. وشذ الأزدي، فقال: فيه لين". ثم ذكر الذهبي حديثا من طريقه استغربه جدًّا. • وفيه (873): " (صح) إسماعيل بن رجاء الزبيدي (م عو). وثقه ابن معين وغيره، وحدث عنه شعبة وفطر. وقال أبو الفتح الأزدي وحده: منكر الحديث". اهـ. • وفيه (1069): "أيوب بن أبي حجر الشامي، منكر الحديث، قاله الأزدي، وهو ابن سليمان بن أبي حجر، روى عن بكر بن صدقة. وأما أبو حاتم فقال: أحاديثه صحاح". اهـ. تعقبه ابن حجر في "اللسان" بقوله: "والذي في كتاب ابن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عنه، فقالا: لا نعرفه". اهـ. قلت: هو فيه كذلك (2/ 249)، ثم قال ابن أبي حاتم: "وقال أبي: هذه الأحاديث التي رواها صحاح". اهـ. • وفيه (1106): "أيوب بن موسى بن عمرو الأشدق، لا يقوم إسناد حديثه، قاله الأزدي، فلا عبرة بقوله؛ لأنه وثقه أحمد ويحيى وجماعة". اهـ.

• وفيه (1389): " (ت) ثعلبة بن سهيل (ت ق) الطهوي أبو مالك الكوفي الطبيب نزيل الري عن الزهري وجماعة، وعنه جرير ومحمد بن يوسف الفريابي وجماعة. وثقه ابن معين ... قال أبو الفتح الأزدي: قال ابن معين: ثعلبة بن سهيل ليس بشيء. قلت: هذه رواية منقطعة, والصحيح ما رَوى إسحاق الكوسج عن ابن معين: ثقة، أو لعل ليحيى فيه قولان والله أعلم". اهـ. فهذه مخالفة في النقل. • وفيه (1416): "جابر بن صبح (د ت س) أبو بشر بصري عن خلاس وغيره, وعنه شعبة والقطان. وثقه ابن معين وغيره. وقال الأزدي: لا يقوم حديثه". • وفيه (1545): " (صح) جعيد بن عبد الرحمن (خ م)، ويقال: جعد، شيخ لمكي بن إبراهيم. صدوق (¬1)، شذ الأزدي، فقال: فيه نظر". اهـ. • وفيه (1740): "حجاج بن صفوان المدني عن أسيد بن أبي أسيد، وعنه أبو ضمرة والقعنبي. وكان القعنبي يثني عليه، وقال الأزدي: ضعيف، وقال أحمد بن حنبل: ثقة". اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (2/ 389): "وقال أبو حاتم: صدوق، وهو ابن صفوان بن أبي يزيد، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وروى أيضًا عن موسى بن أبي موسى الأشعري عن أبيه". اهـ. ¬

_ (¬1) وثقه ابن معين والنسائي، وأخرج له الشيخان.

• وفيه (1888): "الحسن بن عطية (ت) ابن نجيح القرشي الكوفي عن إسرائيل وخالد بن طهمان وأبي عاتكة وقيس بن الربيع، وعنه أبو كريب. ضعفه الأزدي، وقال أبو حاتم: صدوق، وحدث عنه أيضًا أبو زرعة، وعباس الدوري، والبخاري في "التاريخ"، وتمتام، وعدة". اهـ. قال ابن حجر في "التهذيب" (2/ 294): "أظنه اشتبه عليه بالذي قبله". اهـ. يعني: الحسن بن عطية بن سعد بن جنادة، المتفق على ضعفه. • وفيه (2024): "الحسن بن عروة (ق) البصري عن الحمادين ومالك، وعنه أحمد بن المعذل ونصر بن علي الجهضمي. قال أبو حاتم: لا بأس به، وقال الأزدي: ضعيف". اهـ. • وفيه (2164): "حفص بن ميسرة (خ م س ق) الصنعاني أبو عمر نزيل عسقلان عن زيد بن أسلم والعلاء بن عبد الرحمن وجماعة، وعنه آدم وسعيد بن منصور وجماعة. وثقه أحمد وابن معين، وقال أبو حاتم: صالح الحديث، يكتب حديثه في حديثه بعض الأوهام. وقال الأزدي: يتكلمون فيه. قلت: بل احتج به أصحاب الصحاح، فلا يلتفت إلى قول الأزدي". اهـ. • وفيه (2235): " (صح) حماد بن أسامة أبو أسامة الحافظ الكوفي (ع) أحد الأثبات، سمع من هشام بن عروة وطبقته.

قال الأزدي: قال المعيطي: كان كثير التدليس، ثم بعد ذلك تركه, وذكر الأزدي عن سفيان الثوري -بلا إسناد- قال: إني لأعجب، كيف جاز حديثُ أبي أسامة, كان أمرُه بَيِّنًا؛ كان من أسرقِ الناس لحديثٍ جيدٍ. قلت: أبو أسامة، لم أورده لشيء فيه, ولكن ليُعْرَفَ أن هذا القولَ باطلٌ، قد روى عنه أحمد، وعلي، وابن معين، وابن راهويه. وقال أحمد: ثقة, من أعلم الناس بأمور الناس وأخبارهم بالكوفة، وما كان أرواه عن هشام، وما كان أثبته، لا يكاد يخطىء. وقال عبد الله مشكدانه: سمعت أبا أسامة يقول: كتبت بأصبعي هاتين مائة ألف حديث". اهـ. قال أبو أنس: قد نظرت فيما نسب إلى أبي أسامة من التدليس في ترجمته من القسم الأول من هذا الكتاب رقم (228)، فرأيت من الفائدة إيراد هذا المبحث هنا: فأقول: "قال المعلمي في المسألة (14) من "التنكيل" (2/ 113): "كان يدلس، ثم ترك التدليس بأخرة، ولا يُدرى متى حدث بهذا". اهـ. أقول: في نسبة حماد بن أسامة إلى التدليس نظر؛ فقد حمل عنه الأئمة واحتجوا به مطلقًا، ووثقوه وثبتوه، ولم يذكره أحدٌ منهم بشيء من التدليس. فقد روى عنه ابن مهدي على تقدمه، وأحمد، وابن المديني، وابن معين، وإسحاق بن راهويه، والشافعي، والحميدي، وغيرهم، واحتج به البخاري ومسلم وباقي الستة.

وقال أحمد: كان ثبتًا، ما كان أثبته, لا يكاد يخطىء. "العلل ومعرفة الرجال" (745). وقال في موضع آخر: أبو أسامة أثبت من مائة مثل أبي عاصم -يعني النبيل- كان أبو أسامة صحيح الكتاب، ضابطًا للحديث, كيسًا صدوقًا. (772، 4891). وقال الثوري: ما بالكوفة شاب أعقل من أبي أسامة. "تهذيب الكمال" (7/ 223). أما ابن سعد فقد قال في "طبقاته" (6/ 395): كان ثقة مأمونًا كثير الحديث، يدلس وتبين -كذا- تدليسه. وليس ابن سعد ممن يُقبل منه تفرده بمثل هذا؛ فإن مادته من شيخه الواقدي، والواقدي ليس بعمدة، وانظر ترجمة ابن سعد من هذا الكتاب. ولعل ابن سعد أو شيخه قد بَنَى على ما لا يصح، أو ما لا يُفيد الوصف بالتدليس. فقد قال الآجري عن أبي داود: دَفَن أبو أسامة كتبه فما أخرجها، وكان بعد ذلك يستعير الكتب. "سؤالات الآجري" (284). وقال عنه أيضًا: قال وكيع: قد نهيتُ أبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان دفن كتبه. (585). ومثله في "العلل ومعرفة الرجال" لعبد الله بن أحمد عن أبيه عن وكيع، بدون ذكر دفن الكتب (1726). فقد كان أمرُ دَفْنِه كتبه واستعارته كتب غيره معروفًا عند الآخذين عنه من الأئمة الأثبات, ومع ذلك لم يغمزه أحدٌ بذلك، ولا وصفه أحدٌ بتدليس أو غيره, وانتظر. قال الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" (3/ 4): "حكى الأزدي في "الضعفاء" عن سفيان بن وكيع، قال: كان أبو أسامة يتتبع كتب الرواة, فيأخذها وينسخها. قال لي ابن نمير: إن المحسِنَ لأبي أسامة يقول: إنه دفن كتبه، ثم تتبع الأحاديث بَعْدُ من الناس.

قال سفيان بن وكيع: إني لأعجب كيف جاز حديث أبي أسامة! كان أمره بَيِّنًا، وكان من أسرق الناس لحديثٍ جيد". اهـ. أقول: هاهنا أمور: الأول: الأزدي في نفسه متهم، فلا يؤتمن على مثل هذا النقل. الثاني: سفيان بن وكيع قد اتهمه أبو زرعة بالكذب, وأسقطه غيرُ واحد، فليس هو ممن يقبل قوله في مثل هذا، وستأتي ترجمته, فلعلَّه سمع قول أبيه, فأساء فَهْمَهُ. الثالث: ذكر الذهبي حكاية الأزدي في "الميزان" (2 / ت 2235) لكن وقع له: عن سفيان الثوري، ووهَّمَهُ الحافظ في "التهذيب" (3/ 3). ثم قال الذهبي: أبو أسامة لم أورده لشيء فيه، ولكن ليُعرف أن هذا القول باطل. اهـ. الرابع: لابن نمير -وهو محمد بن عبد الله- قولٌ في أبي أسامة، يُوهم تهمته له بالتدليس؛ فقد قال يعقوب الفسوي في "المعرفة والتاريخ" (2/ 801): قال ابن نمير: هو الذي يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، ونرى أنه ليس بابن جابر المعروف، ذكر لي أنه رجل يسمى بابن جابر، فدخل فيه، وإنما هو إنسان يسمى بابن جابر. قال يعقوب: صدق، هو ابن تميم، وكأني رأيت ابن نمير يتهم أبا أسامة أنه علم ذلك وعرف، ولكن تغافل عن ذلك، قال لي ابن نمير: أما ترى روايته لا تشبه شيئًا من حديثه الصحاح الذي روى عنه أهل الشام وأصحابه الثقات. اهـ. قال الذهبي في "تاريخ الإسلام": تلقت الأُمَّةُ حديث أبي أسامة بالقبول لحفظه ودينه، ولم يُنْصِفْهُ ابن نمير. اهـ.

أقول: لو ثبت أن ابن نمير اتهم أبا أسامة بتدليس اسم هذا الرجل، فقد عَذَرَ أبا أسامة سائر الأئمة, ووصفوه بالوهم فيه، وقد شاركه في هذا الوهم: حسين الجعفي -وهو ثقة أيضًا- كما حكاه البخاري في "التاريخ الكبير" (5 / ت 1156) وأبو زرعة وأبو حاتم "الجرح" (5 / ت 1423) وراجع "تهذيب الكمال" (17/ 482 - 486)، (18/ 8) وغيره. الخامس: قضية دفن أبي أسامة كتبه واستعارته كتب غيره -إن ثبتت الاستعارة- لا تخدش فيه؛ وذلك لأنه هو في نفسه قد سبق أنه كان ثقةً ثبتًا حافظًا صحيح الكتاب، كيِّسًا عاقلًا، لا يكاد يخطىء، فقد دفن كتبه ثقةً بحفظه, وربما لغير ذلك أيضًا، وقد دفن بعض الأئمة كتبهم، انظر "سير أعلام النبلاء" (11/ 377). وأما استعارته الكتب، فقد قال وكيع: "نهيتُ أبا أسامة أن يستعير الكتب، وكان دفن كتبه". فليس في هذا القول تصريح بأن أبا أسامة كان يستعير الكتب، وإنما فيه نهي وكيع له عن ذلك، فلعلَّ وكيعًا لما رأى أبا أسامة دفن كتبه، بادر فحذَّره من استعارة الكتب، خشيةَ أن يروي أبو أسامة ما فيها من أحاديثه, فتقع له أشياء لم تكن في كتبه التي دفنها. لكن لو ثبتت الاستعارة, فلا يلزم منها أن يروي حماد ما ذُكر، ولو ثبت أنه نظر في كتب غيره، فوجد فيها أحاديث يحفظها فرواها، لا يقدح هذا فيه البتة؛ لأن مدار الأمر على الضبط والتثبت، وقد كان حافظًا ضابطًا متثبتًا، فلا يُظَنُّ به إلا أن يروي ما حفظه وضبطه, يدل على ذلك تداول الأئمة النقاد لحديثه، والاحتجاج به، دون الإشارة إلى روايته من كتب غيره، وذلك اطمئنانًا إلى ضبطه.

وقضية الرواية من كتب الغير قد تناولها الأئمة، وبَيَّنوا أن الرواة في ذلك ليسَوا على وتيرة واحدة، وأنه بينما يُقْبَلُ هذا الأمرُ من البعض، فربما سقط به آخرون، وربما أُعِلَّ به أحاديثُ قومٍ من الثقات ممن لم يبلغوا من الضبط ما بلغ مثل حماد بن أسامة. فمثال الأول: قول الخطيب في بندار محمد بن بشار: "وإن كان يقرأ من كل كتاب، فإنه كان يحفظ حديثه". "تاريخ بغداد" (2/ 104). وقد قال الدارقطني في بندار: "من الحفاظ الأثبات". "تهذيب التهذيب" (9/ 73). وقال الذهبي في "الميزان" (3 / ت 7269): "ثقة صدوق، احتج به أصحاب الصحاح كلهم، وهو حجة بلا ريب، كان من أوعية العلم". ومثال الثاني: أقوام من الرواة أخذوا كتب الناس بغير سماع، فرووا ما فيها سرقةً وانتحالًا، انظر على سبيل المثال ترجمة عبد الله بن زياد بن سمعان. ومثال الثالث: ما رواه أبو بكر الأثرم، قال: سمعت أبا عبد الله أحمد بن حنبل ذكر الحديث الذي رواه الأنصاري -وهو محمد بن عبد الله بن المثنى- عن حبيب ابن الشهيد، عن ميمون، عن ابن عباس: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم"، فضعَّفَهُ، وقال: كانت ذهبت للأنصاري كُتُبٌ، فكان بَعْدُ يُحدثُ من كُتُبِ غلامه أبي حكيم، أُراه قال: وكان هذا من ذلك. اهـ. "تاريخ بغداد" (5/ 410). والأنصاري ثقة, ولكنه لم يكن مبرزًا في الحفظ، وكان قد غلب عليه الرأي، ولم يكن من فرسان الحديث. انظر "تهذيب الكمال" (25/ 542 - 545). والمقصود هنا أن مَنْ وَصَفَ أبا أسامة بالتدليس، إن كان بنى على قضية استعارته للكتب، فليس فيها أنه كان يروي منها ما لم يسمع مما ليس من حديثه، كما سبق بيانه،

وإن كان بنى على كلام ابن نمير، فقد كان ابن نمير متحاملًا عليه، أما سائر الأئمة فقد بَيَّنوا أن أبا أسامة إنما أخطأ في ذلك، ووهم فيه -كما مَرَّ- والواهم غيرُ قاصدٍ للإيهام، فليس بمدلسٍ. ومما يحسن التنبيه عليه بهذه المناسبة، ما وقع من الأستاذ/ نور الدين عتر في تعليقه على كتاب "شرح علل الترمذي" من الإغراب في تصوُّرِ معنى كلام الحافظ ابن رجب في تبويبه لِمَا وقع لأبي أسامة وغيره بنحو هذا الوهم. فقد قال ابن رجب (2/ 679): "ذِكْرُ من حَدَّث عن ضعيفٍ وسماهُ باسم ثقة"، وأورد ما وقع لأبي أسامة، ومثله لحسين الجعفي، ولزهير بن معاوية، ولأبي بلج الواسطي، ولجرير بن عبد الحميد، ولأهل الشام عن زهير بن محمد. وبيَّن ابن رجب أخطاء هؤلاء في تسمية بعض شيوخٍ لهم؛ فأبو أسامة وحسين الجعفي أخطئا في عبد الرحمن بن يزيد فجعلاه: ابن جابر، وإنما هو: ابن تميم. وزهير بن معاوية انقلب عليه اسم: صالح بن حيان، فجعله: واصل بن حيان ولم يوصف زهير بتدليس أصلًا. وأبو بلج الواسطي أخطأ في اسم عمرو بن ميمون، وليس هو ذاك المشهور، وإنما هو ميمون أبو عبد الله مولى عبد الرحمن بن سمرة، وهو ضعيف. ونحو ذلك الباقون، وليس في هذا الباب ذكر التدليس، وإنما هي أوهام وأخطاء، إلا ما كان من قول ابن نمير في أبي أسامة، وقد سبق الجواب عليه. ثم قال ابن رجب بعد ذلك (2/ 690): "ذِكْرُ من روى عن ضعيف وسماه باسم يتوهم أنه اسم ثقة". فزاد في العنوان هنا لفظ الإيهام، وهو شرط التدليس، ثم ذكر ما وقع من عطية العوفي، والوليد بن مسلم، وبقية بن الوليد، وحسين بن واقد.

وبَيَّن ابن رجب تدليس هؤلاء -وبخاصة الثلاثة الأُوَل- لبعض أسامي شيوخهم. فأما عطية فكان يأخذ عن الكلبي التفسير -والكلبي كذاب- ويكنيه بأبي سعيد، يوهم أنه أبو سعيد الخدري الصحابي. وأما الوليد بن مسلم فكان يروي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الدمشقي -وهو ضعيف جدًّا- ويكنيه بأبي عمرو، موهمًا أنه أبو عمرو الأوزاعي الإمام. وأما بقية بن الوليد فكان ربما روى عن سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، أو زرعة ابن عمرو الزبيدي -وكلاهما ضعيف الحديث- فيقول فيه: نا الزبيدي، موهمًا أنه محمد بن الوليد الزبيدي الثقة صاحب الزهري. ثم ذكر ابن رجب ما يتعلق بمن كان يدلس تدليس التسوية بعد ذكره تدليس الشيوخ. أقول: واضح مما سلف من سياق ابن رجب أنه قرن بين صورتين تتشابهان في إبدال اسم راوٍ بغيره, لكن افترقا في القصد، فأولاهما محمولة على الخطأ، والثانية محمولة على التدليس. لكن الأستاذ نور الدين العتر قد حمل الصورتين على تدليس الشيوخ، وقد بان بحمد الله الفرق بين الصورتين، والله تعالى الموفق. وبعد: فقد تبين مما سبق براءة أبي أسامة من التدليس، وأنه لم يثبت في حقه اتهامه بذلك، ولا ما يخدش في روايته البتَّة، والله تعالى أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل". اهـ.

• وفيه -أعني "الميزان"- (2493): " (صح) خثيم بن عراك (خ م) ابن مالك عن أبيه وسليمان بن يسار، وعنه ابنه إبراهيم ويحيى القطان وحماد بن زيد وطائفة. وثقه النسائي وغيره. وقال الأزدي وحده: منكر الحديث، كذا قال". اهـ. • وفيه (3104): "سعد بن أوس (عو) العبسي عن بلال بن يحيى. صدوق، وثقه بعض الحفاظ، وضعفه الأزدي فقط، وهو كوفي، قال أبو حاتم: صالح. قلت: روى عنه أبو نعيم وأبو أحمد الزبيري وعدة. قال ابن الجوزي: أحاديثه مناكير". اهـ. • وفيه (3684): "شرحبيل بن شريك (م تِ س) روى عنه الليث بن سعد وغيره. قال أبو حاتم: صالح الحديث، وقال الأزدي: ضعيف، وقال النسائي: ليس به بأس، يروي عن أبي عبد الرحمن الحبلي". اهـ. • وفيه (4764): " (صح) عبد الحميد بن أبي أويس (خ د م س ق) عبد الله بن عبد الله أبو بكر المدني، أخو إسماعيل، روى عن ابن أبي ذئب وسليمان بن بلال وخلق، وعنه أخوه وأيوب بن سليمان وابن راهويه.

وثقه يحيى بن معين وغيره. وأما الأزدي، فقال: كان يضع الحديث. قلت: وهذه منه زلة قبيحة". اهـ. • وفيه (5518): " (صح) عثمان بن أبي شيبة (خ م د ق) أبو الحسن، أحد أئمة الحديث الأعلام كأخيه أبي بكر ... وقال الأزدي: رأيت أصحابنا يذكرون أن عثمان روى أحاديث لا يتابع عليها. قلت: عثمان لا يحتاج إلى متابع، ولا يُنكر له أن ينفرد بأحاديث؛ لسعة ما روى، وقد يغلط، وقد اعتمده الشيخان في "صحيحيهما"، وروى عنه أبو يعلى والبغوي والناس. وقد سئل عنه أحمد، فقال: ما علمت إلا خيرا، وأثنى عليه، وقال يحيى: ثقة مأمون. قلت: إلا أن عثمان كان لا يحفظ القرآن فيما قيل ... ". اهـ. • وفيه (6086): "عمر بن حبيب المكي عن عمرو بن دينار عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو، قال: كان كركرة على ثقل النبي -صلى الله عليه وسلم- فمات. قلت: الحديث صحيح، أورده الأزدي لعمر بن بن حبيب، وعمر نزل اليمن، وقد وثقه أحمد ويحيى (¬1)، فافتضح الأزدي". اهـ. • وفيه (6209): "عمر بن محمد (م د س) ابن المنكدر. ¬

_ (¬1) انظر "الجرح" (6/ 104).

قال الأزدي: في القلب منه شيء. قلت: احتج به مسلم (¬1)، فليسكن قلبك، له حديث واحد عندهم". اهـ. • وفيه (6981): "كهمس بن الحسن (ع) التميمي البصري العبد الصالح الثقة، يروي عن أبي الطفيل ويزيد بن الشخير وطائفة، وعنه يحيى القطان والمقرىء وعدة. قال أحمد: ثقة (¬2) وزيادة. ... وقال أبو حاتم: لا بأس به. وقال الأزدي: قال ابن معين: ضعيف. كذا نقله أبو العباس النباتي، ولم يسنده الأزدي عن يحيى، فلا عبرة بالقول المنقطع، لاسيما وأحمد يقول في كهمس: ثقة وزيادة. وقال عثمان بن دحية: ضعيف روى مناكير، وهذا أخذه ابن دحيم -كذا والصواب: دحية- من المعدن -كذا- الذي نقل عنه النباتي". اهـ. وقال الذهبي في "المغني" (2/ 534): "كَهْمَس بن الحسن، ضعفه عثمان بن دحية بجهلٍ، فقال: ضعيف، روى مناكير. ¬

_ (¬1) حديث رقم (1910) قال مسلم: "حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَهْمٍ الْأَنْطَاكِيُّ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهَ بْنُ الْمُبَارَكِ, عَنْ وُهَيْبٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ سُمَيٍّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ, مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ. قَالَ ابْنُ سَهْمٍ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: فَنُرَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-". اهـ. ووثقه النسائي، وهو قليل الحديث, كما قال أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" (642). (¬2) وكذا وثقه ابن معين وأبو داود، وغيرهما.

• وفيه (8693): "مُعمَّر، بالتثقيل، (ت ق س) ابن سليمان الرقي عن خُصيف وإسماعيل بن أبي خالد، وعنه أحمد وسعدان وعدة. وثقه ابن معين وغيره. وقال أبو عبيد: كان خيرَ مَنْ رأيت. وذكره أحمد، فذكر من فضله وهيبته. وقال الأزدي: في حديثه مناكير. قلت: ما التُفتَ بلى غمز الأزدي له، ويكفيه أنه ذكره فيمن اسمه مَعمَر، بالتخفيف، وإنما هو مُثَقَّل". اهـ. ثانيا: التفرد: • في "الميزان" (704): "أسامة بن حفص عن عبيد الله بن عمر، صدوق، ضعفه أبو الفتح الأزدي بلا حجة، وقال اللالكائي: مجهول، قلت: روى عنه أربعة". اهـ. • وفيه (710): "أسباط بن عبد الواحد، منكر الحديث، ذكره أبو الفتح الأزدي". اهـ. • وفيه (905): "إسماعيل بن عبد الله بن زرارة الرقي عن حماد بن زيد وطبقته، وعنه ابن الإمام أحمد، وابن أبي الدنيا. وثقه ابن حبان، وقال أبو الفتح الأزدي: منكر الحديث". اهـ. • وفيه (1169): "بسطام بن جميل شامي عن التابعين. قال الأزدي: ليس حديثه بشيء". اهـ.

زاد ابن حجر في "اللسان" (2/ 200): "وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: يروي عن يوسف بن عمر، روى عنه محمد بن المهاجر الشامي. وكذا قال ابن أبي حاتم (¬1)، وقال البخاري (¬2): روى عنه بقية، قليل الحديث". اهـ. • وفيه (1175): "بشار بن عبيد الله عن عطاء بن أبي ميمونة، روى عنه أبو عمر الغداني، قال الأزدي: متروك منكر الأمر جدًّا". اهـ. • وفيه (1212): "بشر بن غالب الأسدي عن الزهري. قال الأزدي: مجهول". اهـ. زاد ابن حجر في "اللسان" (2/ 215): "وفي "الكني" للنسائي: حدثنا لوين، ثنا حسين بن بسطام، حدثني أبو مالك بشر بن غالب بن بشر، عن الزهري، عن مجمع بن جارية، عن عمه، يرفعه: "لا دين لمن لاعقل له". قال النسائي: هذا حديث باطل منكر. قلت: واستفدنا منه كنيته وتسمية جده". اهـ. • وفيه (1240): "بشير بن طلحة، من التابعين، روى عنه خالد بن دريك. ¬

_ (¬1) في "الجرح" (2/ 414). (¬2) في "التاريخ" (2/ 126).

قال الموصلي: ليس بالقوي". اهـ. واستدرك ابن حجر في "اللسان" (2/ 227 - 228) فقال: "هذا من أغلاط أبي الفتح؛ فإن ابن أبي حاتم ذكره، فقال: الخشني شامي، روى عن خالد بن دريك، روى عنه بقية، ومنصور بن عمار، وأبو توبة، والهيثم بن خارجة، قال: وروى هو عن عطاء الخراساني، والعباس بن عبد الله بن معبد، ويزيد بن يزيد بن جابر، سألت أبي عنه (¬1)، فقال: ليس به بأس، حدث عنه ضمرة. وذكره ابن حبان في الطبقة الثالثة من "الثقات"، قال: يروي عن خالد بن دريك، عن يعلى بن منبه، روى عنه بقية بن الوليد، وأعاده في الطبقة الرابعة، فقال: الخشني من أهل الشام، يروي عن خالد بن دريك، روى عنه الهيثم بن خارجة. فقد تبين أن خالد بن دريك شيخه، لا الراوي عنه، وأنه ليس من التابعين، وأنه ليس بضعيف". اهـ. • وفيه (1749): "حجاج بن النعمان عن سليمان بن الحكم، قال الأزدي: لا يكتب حديثه". اهـ. وزاد ابن حجر في "اللسان" (2/ 391): "وقال في موضع آخر -يعني الأزدي: مجهول ضعيف، وقال ابن عدي في ترجمة الحسن بن علي العدوي: لا يعرف". اهـ. • وفيه (1805): "حسان بن سنيد، لا يُدرى مَنْ هو، ضعفه أبو الفتح الأزدي". اهـ. ¬

_ (¬1) هكذا في "اللسان"، والذي في "الجرح" (2/ 375): "أنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: سألت أبي عن بشير بن طلحة، فقال ... "

زاد ابن حجر في "اللسان" (3/ 6): "وإنما أخشى أن يكون هو: حنان، بنون خفيفة، وأبوه: سدير، بمهملة وزن: قدير، تصحف، هو وأبوه".اهـ. • وفيه (1807): "حسان بن عبد الله المزني البصري عن أيوب، وعنه إسماعيل بن عياش، له حديث في البيع. قال الأزدي: منكر الحديث. قلت: النكارة من جهة الراوي عنه". اهـ. زاد ابن حجر في "اللسان" (3/ 8): "والحديث المذكور رواه عن أيوب، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَرَّ برجلٍ، وهو يساوم صاحبه، فجاءه رجل، فقال للمشتري: دعه لا تزد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض، ومن استنصح أخاه فلينصحه"". اهـ. • وفيه (2248): "حماد بن راشد عن جابر الجعفي، قال الأزدي: يتكلمون فيه". اهـ. • وفيه (2582): "خيثمة بن خليفة عن ربيعة الرأي، ضعفه أبو الفتح الأزدي جدًّا، وهو جعفي كوفي".اهـ. زاد ابن حجر في "اللسان" (3/ 252): "وقد نسبه الأزدي، فسمَّى جدَّهُ: خيثمة بن عبد الرحمن، وأورد له حديثًا من رواية أصرم بن حوشب عنه، وأصرم ضعيف أيضًا". اهـ.

• وفيه (3274): "سعيد بن معروف بن رافع بن خديج، قال الأزدي: لا تقوم به حجة، ثم ساق له عن أبيه، عن جده مرفوعًا: "التمسوا الجارَ قبلَ الدار، والرفيقَ قبلَ الطريق"، رواه عنه أَبان بن المحبر. قلت: أَبان متروك، فالعهدةُ عليه". اهـ. • وفيه (5754): "علاق بن أبي مسلم (ق) عن أَبان بن عثمان. وَهَّاهُ الأزدي (¬1)، وما لَيَّنَهُ القدماء". اهـ. • وفيه (6019): "عمارة بن أبي حجار عن نافع. قال أبو الفتح الأزدي: لا يصح حديثه". اهـ. • وفيه (6900): "قطن بن صالح الدمشقي عن ابن جريج، قال أبو الفتح الأزدي: كذاب". اهـ. • وفيه (7481): "محمد بن خثيم عن شداد بن أوس، قال أبو الفتح الأزدي: يتكلمون فيه". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) فقال: ذاهب الحديث، ذكره ابن حجر في "التهذيب".

السليماني

السليماني (ت 404 هـ)

في ترجمة: عمار بن رُزَيق (¬1) الضبي التميمي أبي الأحوص الكوفي من "التنكيل" رقم (169) نقل المعلمي عن الذهبي في "الميزان" قوله فيه: "ثقة ما رأيت لأحدٍ فيه تليينًا إلا قول السليماني: إنه من الرافضة، والله أعلم". فقال المعلمي: "لم يذكر المزّي ولا ابن حجر هذه الكلمة في ترجمة عمار بن رزيق، والسليماني مع تأخره (¬2) وانزوائه في (بيكند) مما يَنْسُبُ المتقدمين إلى نحو هذا. وفي "لسان الميزان" (3/ 433) عنه أنه قال: "ذكر أسامي الشيعة من المحدثين ... الْأَعمش، النعمان بن ثابت، شعبة بن الحجاج ... ". والمتقدمون الذين هم أعرف بعمّار اعتمدوه ووثقوه ولم يعيبوه بشيء. قال الإمام أحمد: "كان من الأثبات". ووثقه ابن معين وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم، وأخرج له مسلم وأبو داود والنسائي". اهـ. قول بعض أهل العلم في السليماني: هو أبو الفضل أحمد بن علي بن عمرو البيكندي البخاري. ¬

_ (¬1) عَلَّقْتُ في هذا الموضع من قسم التراجم (ص 525) بقولي: "بضم الراء ثم بالزاي كما في كتاب "الإكمال" لابن ماكولا (4/ 51) ويخرج ووقع في "التنكيل" بتقديم الزاي على الراء وهو خطأ، إنما ذاك شيخ آخر لا يُعرف روى عنه القاسم بن الفضل الحذاني، كما في كتاب "مشتبه النسبة" للذهبي (1/ 315) وغيره ولم يذكره صاحب "الإكمال". (¬2) ولد السليماني سنة 311 هـ، وتوفي سنة 404 هـ. وفي ترجمة عمار بن رزيق من "تهذيب الكمال" (21/ 190): "قيل إنه مات قبل سفيان الثوري سنة تسع وخمسين ومائة". اهـ. فقد وُلد السليماني بعد وفاة عمار بـ (152) سنة.

• قال ابن السمعاني في كتاب "الأنساب" (7/ 122 - 123): "كانت له رحلة إلى الآفاق، وعُرف بالكثرة والحفظ والإتقان، ولم يكن له نظير في زمانه إسنادًا وحفظًا ودراية بالحديث وضبطًا وإتقانًا، كان يصنف كل أسبوع شيئًا، ويحمله إلى جامع بخارى من بيكند ويحدث به". اهـ. • وفي "طبقات الشافعية" للسبكي (4/ 42): "كان محفظ الحديث، ورحل فيه، وكان من الحفاظ الزهاد". • وفي طبقات الإسنوي (1/ 327): "كان من الفقهاء الزهاد الحفاظ للحديث، الراحلين فيه". • لكن قال الذهبي في ترجمة السليماني من كتاب "سير أعلام النبلاء" (17/ 202): "رأيت للسليماني كتابًا فيه حَطٌّ على كِبَار، فلا يُسمع منه ما شَذَّ فيه". اهـ. وهو فصل الخطاب فيه إن شاء الله. * * *

السيوطي

السيوطي (ت 911 هـ)

كَشْفُ الشيخ المعلمي عن حالِ السيوطي في باب التصحيح والتعديل من التساهل والجازفة. وقد نبَّه المعلمي على منهج السيوطي في كتابه "اللآلىء المصنوعة" تنبيهًا عامًّا، فقال في مقدمة تحقيقه لـ"الفوائد المجموعة" (ص 3 - 4). "ورأيته -يعني الشوكاني- كثيرًا ما يورد الحديث، وأن ابن الجوزي ذكره في الموضوعات، ثم يذكر أن صاحب "اللآلىء المصنوعة" -وهو السيوطي- تعقبه في ذلك، أو ذكر له طريقًا أخرى، فصاعدًا ... وقد تتبعتُ كثيرًا من تلك الطرق، وفتَّشْتُ عن تلك الأسانيد، فوجدتُ كثيرًا منها أو أكثرها، يكون ما ذكره السيوطي من الطرق ساقطًا، لا يفيدُ الخبرَ شيئًا من القوة. ومنها: ما غايته أن يقتضي التوقف عن الجزم بالوضع، فأما ما يفيد الحسن أو الصحة فقليل". اهـ. أقول: تمتلىء تعليقات العلامة المعلمي على كلام السيوطي بما يُقَرِّرُ هذا ويؤيده، وهذه جُلُّ المواضع المعنيَّة بذلك: (1) في "الفوائد" (ص 179): حديثٌ في فضل التمر البرني، له طرق واهية، منها ما في إسناده عقبة بن عبد الله الأصم الرفاعي البصري، قال ابن حبان: عقبة بن عبد الله الأصم ينفرد بالمناكير عن المشاهير.

قال السيوطي: "روى له الترمذي، وقد أخرجه البخاري في "التاريخ"، والبيهقي في "الشعب"، وصحيحه المقدسي. وأخرجه من حديث أبي سعيد: أبو نعيم في "الطب"، والحاكم في "المستدرك" فالحكم بوضعه مجازفة اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "بل المجازفة في هذا الكلام؛ فإن ألفاظ الخبر مختلفة، ومنها ما ينادي على نفسه بالوضع، وإخراج البخاري في "التاريخ" لا يفيد الخبر شيئًا، بل يضره؛ فإن من شأن البخاري أن لا يخرج الخبر في "التاريخ" إلا ليدل على وَهَن راويه. وتصحيح المقدسي لرواية عفبة الأصم مع ضعفه وتدليسه وتفرده وإنكار المتن مردود عليه. أما حديث أبي سعيد ففي سنده من لا يُعرف، ولم يصححه الحاكم، وإنما قال: "أخرجناه شاهدًا". اهـ. (2) قال الشيخ المعلمي في: إبراهيم بن يزيد الخوزي من "الفوائد" (ص 213): "هالك، قال أحمد والنسائي وابن الجنيد: "متروك الحديث" وقال ابن معين: "ليس بثقة وليس بشيء". وقال أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني: "منكر الحديث". وقال البخاري: "سكتوا عنه". وهذه من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال البرقي: "كان يُتَّهَمُ بالكذب". وقال ابن حبان: "روى المناكير الكثيرة حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد لها" وروى ابن المبارك عنه مرّة ثم تركه، فسئل أن يحدث عنه فقال: "تأمرني أن أعود في ذنب قد تُبْتُ منه". أَهْمَلَ السيوطي هذا كُلَّهُ وقال: "أخرج له الترمذي وابن ماجه وقال ابن عديّ: يكتب حديثه" وهو يعلم أن فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن أجمع الناس على تكذيبه كالكلبي.

وابن عديّ إنما قال: "هو في عداد من يكتب حديثه". وقد قال ابن المديني: "ضعيف لا أكتب عنه شيئًا". وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه". وعَدَّ ابن المبارك الرواية عنه ذنبًا تجب التوبة منه كما مَرَّ، مع أن ابن المبارك ليس ممن يشُدد فقد روى عن الكلبي. فإن كان إبراهيم يكذب عمدًا كما اتُّهم بذلك فيما قال البرقي فواضح، وإلا فهو ممن يكثر منه الكذب خطأ". اهـ. (3) في "الفوائد" (ص 314) ذكر المعلمي خبر: "ما أنزل الله من وَحْيٍ قطّ عَلى نبيّ بينه وبينه إلا بالعربية ثم يكون هو مبلغه قومه بلسانهم". وقال: "في سنده العباس أبو الفضل الأنصاري، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال ابن الجوزي: "سليمان متروك". فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له (د س ت) ولم يُتهم بكذب ولا وضع، وأن له شاهدًا. أقول: سليمان ساقط؛ قال أبو داود، والترمذي وغيرهما: "متروك الحديث". وقال النسائي: "لا يكتب حديثه". والكلام فيه كثير، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له لِيُعْلَمَ أن إخراجَهم له لا يدفع كونه متروكًا، والمتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولاسيما مع التفرد المريب، كتفرد سليمان هنا عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وفوق هذا، فالراوي عن سليمان وهو العباس بن الفضل الأنصاري تالف ...

وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي عن أبي صالح ... والكلبي كذاب، وشيخه تالف. اهـ. (4) في "الفوائد" (ص 471) حديث: "مَنْ وُلد له مولود وسمَّاه محمدًا تبركًا به، كان هو ومولوده في الجنة". قال الشوكاني: "ذكره ابن الجوزي في الموضوعات، وقال: في إسناده من تُكلم فيه. وقال في "اللآلىء": هذا أمثلُ حديثٍ أورده في الباب، وإسناده حسن". فقال العلامة المعلمي: "هيهات؛ راح السيوطي ينظر في آخر السند، وغفل عن أوله، وفي "الميزان"، و"اللسان": حامد بن حماد العسكري، عن إسحاق بن سيار النصيبي بخبر موضوع، فذكر هذا، وهذا أول سنده". اهـ. (5) واكتفى السيوطي عند كلامه في: زكريا بن يحيى المصري الوقار بقوله: "ذكره ابن حبان في الثقات". فكشف الشيخ المعلمي عن هذا التفريط الشنيع بقوله في "الفوائد" (ص 336): "ولكنه -يعني ابن حبان- قال: "يخطىء ويخالف" وقال صالح بن محمد الحافظ: "حدثنا زكريا بن يحيى الوقار وكان من الكذابين الكبار" وذكر ابن عدي أنهم كانوا يُثْنون عليه في العبادة ويتهمونه بوضع الحديث". اهـ. (6) ونحو ذلك قول السيوطي في: يزيد بن سنان الجزري الرهاوي: "محله الصدق".

فقال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 240): "تتمة كلام أبي حاتم: والغالب عليه الغفلة، يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ضعيف متروك الحديث. وقال أيضًا: ليس بثقة. وقال ابن عديّ: له حديث صالح، وروى عن زيد بن أبي أنيسة نسخة تفرد بها عنه بأحاديث، وله عن غير زيد أحاديث مسروقة عن الشيوخ، وعامّة حديثه غير محفوظ، والكلام فيه كثير". اهـ. (7) وقال السيوطي في: محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي: "وثقه الخطيب في تاريخه". فكشف الشيخ المعلمي عن هذه المغالطة بقوله في "الفوائد" (ص 409): "إنما قال الخطيب (3/ 57): "أخبرنا محمد بن علي الدقاق قال: قرأنا على الحسن -الصواب الحسن- من هارون، عن أبي-الصواب: ابن- سعيد وهو أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة، يروي الخطيب من تاريخه بهذا الإسناد، قال ابن عقدة: محمد بن علي بن خلف العطار الكوفي سكن بغداد سمعت محمد بن منصور يقول: "كان محمد بن علي بن خلف ثقة مأمونًا حسن العقل". فهذا قول محمد بن منصور، ولم يتبين من هو، والظاهر أنه من تَمَامِ حكاية ابن عقدة، فعلى هذا: لا يثبت عن محمد بن منصور؛ لأن ابن عقدة رافضي مُتَّهَم، ومحمد ابن علي بن خلف هذا رافضي لأنه كوفي، وروايته تدل على ذلك (¬1) وعلى كل حال فكلام ابن عدي هو المعتمد" (¬2).اهـ. ¬

_ (¬1) حديثه المشار إليه: "أن عمار بن ياسر قال لأبي موسى -رضي الله عنهما-: سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يلعنك. قال: إنه استغفر لي. قال عمار: شهدت اللعن ولم أشهد الاستغفار". (¬2) يعني قول ابن عدي: أن البلاء في هذا الحديث من ذاك العطار. وذكره ابن الجوزي في موضوعاته.

(8) في "الفوائد" (ص 459) قال ابن الجوزي: "درست بن زياد ليس بشيءٍ". قال السيوطي في "اللآلىء": "لم يُتَّهم بكذب، بل قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، ووثقه ابن عديّ فقال: أرجو أنه لا بأس به". فقال الشيخ المعلمي: "ليس هذا بتوثيق، وابن عديّ يذكر منكرات الراوي ثم يقول: أرجو أنه لا بأس به، يعني بالباس: تعمد الكذب، ودرست واهٍ جدًّا". اهـ. (9) وفي "الفوائد" (ص 350) حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُوحَى إليه ورأسُه في حجر عليٍّ، فلم يصل العصر حتَّى غربت الشمس ... ". له طرق قد نقدها الشيخ المعلمي، حتَّى قال الشوكاني (ص 354): "وقد رواه الطحاوي في "مشكل الحديث" من طريقين، وقال: هما ثابتان، ورواتهما ثقات". فعلَّق الشيخ المعلمي بقوله: "للبحث في "مشكل الآثار" للطحاوي (2/ 8 - 14) ليس فيه هذه العبارة، والمؤلف -الشوكاني- أخذها من "اللآلىء"، وصاحب "اللآلىء" نقلها عن "شفاء" عياض، ولا يبعد أن يكون السيوطي راجع كتاب الطحاوي فلم يجد هذه العبارة ولكن لم تسمح نفسه بتركها ... ".

(10) وفيها ص (442): حديث: إن بين الله وبين الخلق سبعين ألف حجاب، وأقرب الخلق إلى الله جبريل، وإسرافيل، ومياكائيل، وأن بينهم وبينه أربعة حجب من نار، وحجاب من ظلمة، وحجاب من غمام، وحجاب من الماء. رواه الدارقطني عن سهل بن سعد مرفوعًا، وفي إسناده: حبيب بن أبي حبيب، وكان وضاعًا. وقال في الميزان: وهاه أبو زرعة، وتركه ابن المبارك، وقد استدرك صاحب اللآلىء على ابن الجوزي، حكمه بوضع هذا الحديث، وأطال الكلام عليه .. فقال الشيخ المعلمي: وقع في السند (محمد بن يوسف بن أبي معمر. ثنا حبيب بن أبي حبيب ثنا هشام ابن سعد - الخ) قال ابن الجوزي: (تفرد به حبيب وكان يضع). زعم السيوطي أن ابن الجوزي وهم، فظن أن الواقع في السند (حبيب) بالتكبير ابن أبي حبيب الخرططي) قال: (والذي في هذا الإسناد حبيب بالتصغير ابن حبيب بالتكبير، وهو أخو حمزة بن حبيب الزيات). أقول: وهم السيوطي وهما مضاعفًا؛ ليس هذا بالخرططي، ولا أخى حمزة، إنما هذا كاتب مالك فإنه حبيب بن أبي حبيب كما في السند، وفي ترجمته من التهذيب 2/ 181 (قال ابن حبان، ... وذكر له عدة أحاديث عن هشام بن سعد وغيره، وقال: كلها موضوعة) وترجمة الراوي عنه في تاريخ بغداد 3/ 393 رقم 1516 (محمد بن يوسف بن أبي معمر أبي جعفر السعدي، حدث حبيب كاتب مالك - إلخ).

(11) وفيها ص (346): حديث: أولكم ورودًا على الحوض، أولكم إسلامًا: علي بن أبي طالب. رواه ابن عدي عن سلمان مرفوعًا. وفي إسناده: عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، وهو وضاع، وتابعه سيف بن محمد، وهو شر منه. وقد رواه الخطيب من طريقه، وأخرجه الحاكم في المستدرك من طريقه أيضًا. وقد رواه الحارث بن أبي أسامة من طريق يحيى بن هاشم السمسار متابعًا لهما، وهو كذاب. وروى أبو بكر بن أبي عاصم من طريق عبد الرزاق متابعًا لهم، لكن موقوفًا على سلمان. قال في اللآلىء: وهذه متابعة قوية جدًّا، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف، لأن له حكم الرفع. انتهى. فقد رواه كل واحد من هؤلاء الأربعة عن سفيان الثوري. ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن يحيى المازني عن سفيان. فكان خامسًا لهم، وعبد الرزاق، لا يحتاج إلى متابع. فقال المعلمي: ... أما خبر عبد الرزاق، فعبد الرزاق عمي بآخره، وصار يلقن فيتلقن. وربما دلس، وكان يتشيع، فلا يؤمن أن يكون سمعه من بعض أولئك الدجالين فدلسه. وذكره السيوطي من وجه آخر عن سلمة بن كهيل. وفيه السندي بن عبدويه مجهول الحال. وذكره ابن حبان في الثقات ثم نقض ذلك بقوله (يغرب) وهو أيضًا عن سلمان من قوله ...

وفوق هذا فقول السيوطي: إن له حكم الرفع مردود؛ إذ لا مانع أن يستشعر سلمان أن السبق إلى الإسلام يقتضي السبق في الورود. اهـ. (12) وفيها ص (480): حديث: إني لأستحيي من عبدي وأمتي يشيب رأسهما في الإسلام ثم أعذبهما بعد ذلك، ولأنا أعظم عفوًا من أن أستر على عبدي ثم أفضحه، ولا أزال أغفر لعبدي ما استغفرني. رواه ابن حبان عن أنس مرفوعًا، وقال: باطل لا أصل له، وله طرق أوردها صاحب اللآلىء. فقال المعلمي: كلها هباء ... في السادسة: أحمد بن عبيد، ثنا عمرو بن جرير، راح السيوطي يذكر كلامهم في أحمد بن عبيد لثناء بعضهم عليه، وأغفل ذكر شيخه، وهو كذاب ... ويكفي في هذا الباب قول الله تبارك وتعالى: (إن الله لا يستحي من الحق). (13) وفيها ص (214): حديث: إن لقيتم عشارًا فاقتلوه. هو موضوع. قال في اللآلىء: أخرجه أحمد، وفيه ابن لهيعة ذاهب الحديث، وقال في الوجيز: في إسناده مجاهيل، وأخرجه البخاري في تاريخه والطبراني. .... قال السيوطي: والصواب أنه حسن.

فقال الشيخ المعلمي: "هذا عجيب؛ فإن الخبر مع ما تقدم وقع فيه (عن رجل من جذام)، وهذا لا يُدرى من هو، وفيه تحيس بن ظبيان، وهو مجهول، وفيه عبد الرحمن بن أبي حسان، أو عبد الرحمن بن حسان، وهو مجهول، وهو من طريق إمالك بن عتاهية، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-) وفي الإصابة عن يحيى بن بكير، يقولون: مالك بن عتاهية سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ريح لم يسمع منه شيئًا. اهـ. (14) وفيها ص (407): حديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ قال أبو برزة: فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اركسهما في الفتنة ركسًا، ودعّهما إلى النَّار دَعًّا". ذكره ابن الجوزي في "موضوعات"، وقال: لا يصح، يزيد بن أبي زياد كان يتلقن. قال السيوطي في "اللآلىء": "هذا لا يقتضي الوضع". فقال المعلمي: "لكنه مظنة رواية الموضوع؛ فإن معنى قبول التلقين أنه قد يقال له: أَحَدَّثَكَ فلان عن فلان بكيت وكيت؟ فيقول: نعم، حدثني فلان ابن (¬1) فلان بكيت وكيت. مع أنه ليس لذلك أصل وإنما تلقنه وتوهم أنه من حديثه. وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا، ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن ويروي ما وضعوه. ¬

_ (¬1) كذا والظاهر أنها "عن".

وشيخ يزيد في هذا الخبر سليمان بن عمرو بن الأحوص، مجهول الحال كما قال ابن القطان، ولا يدفع ذلك ذكر ابن حبان له في "الثقات". ولا أرى البلاء إلا من يزيد؛ فإنه من أئمة الشيعة الكبار، والراوي عنه لهذا الخبر شيعي (¬1)، وله عنه خبر آخر باطل، وإذا كان من أئمة الشيعة فلا بدع أن يستحوذ عليه بعض دجاجلتهم فيلقنه الموضوعات". اهـ. قاله أبو أنس: قد كنت وقفت قديمًا على كلام للسيوطي على حديث إحياء الله تعالى لأبوي النبي -صلى الله عليه وسلم- وإيمانهما به، وتقويته له، في كتابه "اللآلىء المصنوعة" 1: 266، وأشار هناك أن له في ذلك جزءًا سَمَّاهُ "نشر العلمين المنيفين في إحياء الأبوين الشريفين". ثم وقفت على مجلد، مكتوب عليه "الرسائل التسع" لجلال الدين السيوطي، طبع دار إحياء العلوم - بيروت، الطبعة الثانية 1409 هـ يحتوي على تسع رسائل، منها ست رسائل تتعلق بهذا الموضوع، أحدهما "نشر العلمين" والباقي هي: "مسالك الحنفا في والدي المصطفى"، و"الدرج المنيفة في الآباء الشريفة" و"السبل الجلية في الآباء العلية" و"المقامة السندسية في النسبة المصطفوية" و"التعظيم والمنة في أن أبوي رسول الله في الجنة" وهذه الأخيرة رأيتها مطبوعة مفردة. وهذه الست رسائل جميعًا كأنها واحدة مع تغير في السياق والترتيب، ويدور محورها جميعًا على رفع رتبة هذا الحديث من الوضع إلى الضعف، كي يسوغ له رحمه الله تعالى إجراء ما يعرف بالتساهل في أحاديث الفضائل. ¬

_ (¬1) هو محمد بن فضيل بن غزوان.

وفي كلامه على أسانيد هذا الحديث مؤاخذات عديدة، وكنت قد شرعت في تَقْييد رسالةٍ في مناقشاتي على كلامه ذلك، وتفنيد ما قَوَّى به هذا الحديث الباطل الذى حكم عليه بالوضع والنكارة والبطلان كثير من الحفاظ الجهابذة، على رأسهم: الدراقطني رحمه الله تعالى. وقد وقع في كلام السيوطى رحمه الله تعالى عند نقله لكلام الأئمة في نقد أسانيد هذا الحديث، ما يتعب الصدور، من اقْتِضَابٍ وبَتْرٍ للكلام على الرجال، وحَذْفِ ما فيه تُهْمَةٌ لَهُم. والسّيُوطي: يُصِرُّ على أن أحدًا من رجال تلك الأسانيد لم يُتهم، ولم يُرْمَ بالوضع. ومدار الحديث على ثلاثة رجال هُمْ: 1 - أبو بكر محمد بن الحسن النَّقَّاش. 2 - أبو غَزِيَّه محمد بن يحيى الزهري. 3 - عُمر بن أيوب الكَعْبى. وكذا نسخة أو صحيفة: أبي الزناد، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة ... أما الأول: فهو كذاب، راجع "ميزان الاعتدال" (3: 516، 40: 35)، "واللسان" (5: 632). أما السيوطي: فقد اكتفى بنقل الذهبي لمعرفته بالقرآن، وترك تصريحَهُ بكذبه، وراجع "الميزان" في المصدرين السابقين. وأما الثاني: فقد ذكر ابن الجوزي في "الموضوعات" 1: 284 أنه مجهول، فتعقبه الحافظ في "اللسان" 4: 91 بقوله: "وأما محمد بن يحيي فليس بمجهول، بل هو معروف، له ترجمه جيدة في "تاريخ مصر" لأبي سعيد بن يونس، ورماه الدراقطني بالوضع" اهـ.

فلما أن جاء السيوطي ليَرُدَّ كلامَ ابن الجوزي في تجهيله، نَقَل كلامَ الحافظ السابق، لكنه لم يذكر قوله: "ورماه الدراقطني بالوضع"! ثم قال بعد ذلك: "ومدار الحديث على أبي غزية، وهو ضعيف، ما رمي بكذب"!. وأما الثالث: فهو مُتَّهم، تردد الدارقطني في واضع هذا الحديث: هو أم الكعبي. ومع ذلك يكتفي السيوطي بقوله: "فيه جهالة"!. وراجع "اللسان" 4: 192. وأما النسخة المذكورة فيقول الدارقطني: "لا يصح منها شيء" وراجع "اللسان" 4: 192. وانظر مزيدا للبيان كتاب: "الأباطيل والمناكير" للجورقاني، الجزء الأول، حديث رقم (207). هذا ما كنت كتبته في حاشية كتابي: "حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال". وسيأتي شيء من ذلك في الحديث رقم (17) من ملحق (المنتقى) في آخر هذا القسم. * * *

ابن التركماني

ابن التركماني صاحب كتاب "الجوهر النقي في الرد على البيهقي" (ت 749 هـ)

قال أبو أنس: عَلَى ابن التركماني مؤاخذات عديدة في تعقباته للبيهقي، أوقعه فيها تعصبه لمذهبه، كشف بعضها الشيخ المعلمي. 1 - ففي ترجمة الشافعي من "التنكيل" (1/ 423 - 426) يقول الشيخ المعلمي: "ومن براعة الشافعي الفائقة ومهارته الخارقة أنه يجمع في مناظرته بين لطف الأدب وحسن العشرة واستيفاء الحق حتى في التشنيع ... " إلى أن قال: "ومن لطائفه ما تراه في "الأم" (6/ 160) ذكر مناظرته مع بعضهم إلى أن قال: "وكانت حجته في أن لا يقتل المرأة على الردة شيئًا رواه عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ... وكلمني بعض من يذهب هذا المذهب، وبحضرتنا جماعة من أهل العلم بالحديث، فسألناهم عن هذا الحديث، فما علمت واحدًا منهم سكت عن أن قال: هذا خطأ، والذي روى هذا ليس ممن يُثبت أهل العلم حديثه، فقلت له: قد سمعت ما قال هؤلاء الذين لا شك في علمهم بحديثك ... قال: إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس ... ". فكأن الشافعي كان متوقعًا البحث في ذاك المجلس عن هذه المسألة، وأن يستدل مناظره بحديث أبي حنيفة عن عاصم وكره الشافعي أن يقول هو في أبي حنيفة شيئًا يسوء صاحبه، وكان لابد له من بيان أن الحديث لا يصلح للحجة. فتلطف في الجمع بين المصلحتين، بأن أوعز إلى جماعة من العلماء بالحديث أن يحضروا المجلس ليكون الكلام في أبي حنيفة منهم، ولعله أتَمَّ اللطفَ بأن أظهر أنه لم يتواطأ معهم على الحضور! وألطف من هذا أنه حافظ على هذا الخلق الكريم في حكايته المناظرة في كتابه وهو بمصر بعيدًا عن الحنفية؛ فقال: "رواه عن عاصم" وترك تسمية

الراوي عن عاصم؛ وهو أبو حنيفة. وقال في حكاية قوله الجماعة: "والذي روى هذا" ولم يقل: "وأبو حنيفة". وقد حاول التركماني استغلال هذا الأدب؛ فقال في "الجوهر النقي": "أبو رزين صحابي، وعاصم وإن تكلم فيه بعضهم. قال الدارقطني: في حفظه شيء. وقال ابن سعد: ثقة. إلا أنه كثير الخطأ في حديثه. فإن ضعَّفوا هذا الأمر لأجله فالأمر فيه قريب، فقد وثقه جماعة ... وإن ضُعف لأجل أبي حنيفة فهو وإن تكلم فيه بعضهم فقد وثقه كثيرون، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه" ... ". أطنب في مدح أبي حنيفة، بلى أن قال: "وذكر أبو عمر في" "التمهيد" "أن أبا حنيفة والثوري رويا هذا الأثر عن عاصم. وكذا أخرجه الدارقطني بسند جيد عنهما عن عاصم. وأخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" عنه فقد تابع الثوري أبا حنيفة ... ". كذا قال، وسعى جهده في قلب الحقائق؛ فذكر أولا احتمال أن يكونوا أرادوا عاصمًا، ومَهَّدَ لذلك بأن ذكر غمز الدارقطني وابن سعد له، ولما ذكر أبا حنيفة لم يذكر شيئًا من كلامهم فيه، وإنما اكتفى بخطفه مجملة، ثم راح يطنب في إطرائه، وذكر إخراج ابن حبان في "صحيحه"، ونسي كلام ابن حبان في أبي حنيفة في "كتاب الضعفاء" كما يأتي في ترجمة ابن حبان. وغرضه أن يُوقع في نفس القارىء ترجيحَ أنهم أرادوا عاصمًا، وهو يعلم حق العلم أنهم إنما أرادوا أبا حنيفة، وأعرض عما رواه البيهقي نفسه في ذاك الموضع " ... أحمد بن حنبل ثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة، فقال: أما مِنْ ثقةٍ فلا". وحكى عن "التمهيد"، ولا أشك أن صاحب "التمهيد" قد أوضح أن الثوري إنما سمعه من أبي حنيفة، ثم حكى عن الدارقطني. والذي في "سنن" الدارقطني المطبوع (ص 338): " ... عبد الرزاق، عن سفيان، عن أبي حنيفة، عن عاصم ... ".

نعم ذكروا أن عبد الرزاق رواه في "مصنفه": "عن سفيان عن عاصم" ولا يبعد أن يكون سفيان إنما قال: "يحكى عن عاصم" أو نحو ذلك، فأطلق بعضهم: "سفيان عن عاصم" اتكالا على أنه لا مفسدة في هذا؛ لاشتهار سفيان بالتدليس، فلا يحمل على السماع، كما قدمت لضرحه في ترجمة حجاج بن محمد. وقد ساق الخطيب في "تاريخه" بعض ما يتعلق بهذا الحديث، فاكتفى الأستاذ بالتبجح بأن سفيان قد روى عن أبي حنيفة! وقد روى ابن أبي حاتم في ترجمة الثوري من "تقدمة الجرح والتعديل" عن صالح بن أحمد بن حنبل، عن علي بن المديني، عن يحيى بن سعيد القطان قال: "سألت سفيان عن حديث عاصم في المرتدة، فأنكره. وقال: "ليس من حديثي". وقد أعَلَّ ابن التركماني بعضَ الأحاديث بأن سفيان الثوري مدلس، وتغافل عن ذلك هنا مُصِرًّا على أن الثوري قد تابع أبا حنيفة. وإذا تسامح العالم نفسه مثل هذه المسامحة، فالجاهل خير منه بألف درجة". اهـ. 2 - وفي المسألة الحادية عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل": "للراجل سهم من الغنيمة وللفارس ثلاثة؛ سهم له وسهمان لفرسه" (ص 71 - 72). ذكر الشيخ المعلمي مَنْ روى هذا الحديثَ عن عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب قال: ... السابع: عبد الله بن نمير. رواه عنه الإمام أحمد في "المسند" (ج 2 ص 143): " .... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قسم للفرس سهمين وللرجل سهما". وكذلك رواه الدارقطني (ص 467) من طريق أحمد. ورواه مسلم في "الصحيح" عن محمد بن عبد الله بن نمير، عن أبيه، وأحال على متن سُليم بن أخضر قال: "مثله. ولم يذكر: في النفل". ورواه الدارقطني أيضًا من طريق عبد الرحمن بن بشر بن الحكم، عن عبد الله بن نمير.

وفي "مصنف ابن أبي شيبة": باب "في الفارس كم يُقسم له؟ من قال: ثلاثة أسهم": حدثنا أبو أسامة وعبد الله بن نمير قالا: ثنا عبيد الله بن عمر ... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل للفرس سهمين وللرجل سهمًا. "وذكره ابن حجر في "الفتح" عن "مصنف ابن أبي شيبة"، وذكر أن ابن أبي عاصم رواه في "كتاب الجهاد" له عن ابن أبي شيبة كذلك. وقال الدارقطني (ص 469): "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور (الرمادي) نا أبو بكر بن أبي شيبة نا أبو أسامة وابن نمير ... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا. قال الرمادي: كذا يقول ابن نمير. قال لنا النيسابوري: هذا عندي وهم من ابن أبي شيبة أو من الرمادي؛ لأن أحمد بن حنبل وعبد الرحمن بن بشر وغيرهما رووه عن ابن نمير خلاف هذا، وقد تقدم ذكره عنهما. ورواه ابن كرامة وغيره عن أبي أسامة خلاف هذا أيضًا وقد تقدم". أقول: الوهم من الرمادي؛ فقد تقدم عن "مصنف ابن أبي شيبة": "للفرس، للرجل" وكذلك نقله ابن حجر عن "المصنف". وكذلك رواه ابن أبي عاصم عن ابن أبي شيبة كما مَرَّ، ويؤكد ذلك أن ابن أبي شيبة صدَّر بهذا الحديث البابَ الذي قال في عنوانه: "من قال ثلاثة أسهم" كما مَرَّ، ثم ذكر بابًا آخر عنوانه: "من قال: للفارس سهمان؟ " فذكر فيه حديث مجمع وأَثَرَيْ عليٍّ وأبي موسى، فلو كان عنده أن لفظ ابن نمير كما زعم الرمادي أو لفظ أبي أسامة أو كليهما: "للفارس، للراجل" لوضع الحديث في الباب الثاني ... فإن قيل: فقد قال ابن التركماني في "الجوهر النقي": "وفي "الأحكام" لعبد الحق: وقد روي عن ابن عمر أنه عليه السلام جعل للفارس سهمين وللراجل سهمًا. ذكره أبو بكر بن أبي شيبة وغيره".

ونقل الزيلعي في "نصب الراية" (3/ 417) حديث ابن أبي شيبة، وفيه: "للفارس، للراجل"، ثم قال: "ومن طريق ابن أبي شيبة رواه الدارقطني في "سننه" وقال: قال أبو بكر النيسابوري ... ". أقول: أما عبد الحق فلا أُراه إلا اعتمد على رواية الرمادي. وأما ابن التركماني فالمعتبة عليه؛ فإنه ينقل كثيرًا عن "مصنف ابن أبي شيبة" نفسه، بل نقل عنه بعد أسطر أثرَ عليٍّ، فبها بالُه أعرض هنا عن النقل عنه، وتناوله من بعيد من "أحكام عبد الحق"؟! وأما الزيلعي فلا أُراه إلا اعتمد على رواية الدارقطني عن النيسابوري عن الرمادي، فإما أن لا يكون راجع "المصنَّف" لظنه موافقته لما رواه الرمادي، وإما أن يكون حمل الخطأ على النسخة التي وقف عليها من "المصنف" ولم يتنبه لزاجم الأبواب، وإما -وهو أبعد الاحتمالات- أن يكون وقع في نسخته في "المصنف" خطأ كما قاله الرمادي. والله المستعان ... التاسع: ابن المبارك، رواه عنه علي بن الحسن بن شقيق كما في "فتح الباري" ذكر رواية الرمادي، عن نعيم، عن ابن المبارك الآتية، ولفظها: " ... عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهمًا"، ثم قال: "وقد رواه علي بن الحسن بن شَقِيق -وهو أثبت من نعيم- عن ابن المبارك بلفظ: أسهم للفرس" ولم يذكر بقيته؛ لأنه إنما اعتنى بلفظ الفارس والفرس، وقد قال قبل ذلك: " ... فيما رواه أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة ... بلفظ: أسهم للفارس سهمين. قال الدارقطني ... ". فأما ما رواه الدارقطني (ص 469) "حدثنا أبو بكر النيسابوري نا أحمد بن منصور (الرمادي) نا نعيم بن حماد نا ابن المبارك ... عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أسهم للفارس سهمين وللراجل سهمًا. قال أحمد: "كذا لفظ نعيم عن ابن المبارك، والناس يخالفونه".

قال النيسابوري: "ولعل الوهم من نعيم؛ لأن ابن المبارك من أثبت الناس". أقول: نعيم كثير الوهم، وكلام الحنفية فيه شديد جدًّا، كما في ترجمته من قسم التراجم، ولكني أخشى أن يكون الوهم من الرمادي، كما وهم على أبي بكر بن أبي شيبة، ولا أدري ما بليته في هذا الحديث مع أنهم وثقوه. وقال ابن التركماني: "رواه ابن المبارك عن عبيد الله بإسناده فقال فيه: للفارس سهمين وللراجل سهمًا ذكره صاحب "التمهيد". أقول: وهذه معتبة أخرى على ابن التركماني؛ إذ لم يذكر أن صاحب "التمهيد" إنما رواه من طريق الرمادي عن نعيم! والله المستعان. اهـ. * * *

ابن سعد

ابن سعد صاحب "الطبقات" وكاتب الواقدي (ت 230 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في ترجمة أبي إسحاق الفزاري من "التنكيل" (1/ 94 - 95): "وابن سعد هو محمد بن سعد بن منيع كاتب الواقدي، روى الخطيب في ترجمته أن مصعبًا الزبيري قال لابن معين: "حدثنا ابن سعد الكاتب بكذا وكذا" فقال ابن معين: "كذب" واعتذر الخطيب عن هذه الكلمة وقال: "محمد عندنا من أهل العدالة وحديثه يدل على صدقه ... " وقال أبو حاتم: "يصدق". ووفاة ابن سعد سنة (230) فقد أدركه أصحاب الكتب الستة إدراكًا واضحًا، وهو مقيم ببغداد حيث كانوا يترددون، وهو مكثر من الحديث والشيوخ، وعنده فوائد كثيرة، ومع ذلك لم يخرجوا عنه شيئًا، إلا أن أبا داود روى عن أحمد بن عبيد -وستأتي ترجمته- عن ابن سعد، عن أبي الوليد الطيالسي، أنه قال: "يقولون: قبيصة ابن وقاص له صحبة" وهذه الحكاية ليست بحديث ولا أثر، ولا ترفع حكمًا ولا تضعه. والأستاذ -يعني الكوثري- كثيرًا ما يتشبث في التليين بعدم إخراج أصحاب الكتب الستة للرجل مع ظهور العذر كما تقدم في ترجمة إبراهيم بن شماس، فأما ابن سعد فلا مظنة للعذر، إلا أنهم رغبوا عنه. وأظن الأستاذ أوَّل من منح ابن سعد لقب: "الإمام" ولم يقتصر عليه بل قال: "الإمام الكبير" وتغاضى الأستاذ عن قول ابن سعد في أبي حنيفة؛ فإنه ذكره في موضعن من "الطبقات" (6/ 256)، و (7/ 67 قسم 2) وقال في كلا الموضعين: "وكان ضعيفًا في الحديث" ولم يقرن هذه الكلمة بشيء مما قرن به كلمته في أبي إسحاق فلم يقل: "ثقة"، ولا "فاضل"، ولا "صاحب سنة"!

ومع ذلك فليس ابن سعد في معرفة الحديث ونقده ومعرفة رجاله في حَدٍّ أن يقبل منه تليين من ثبَّته غيره، على أنه في أكثر كلامه إنما يتابع شيخه الواقدي، والواقدي تالف. • وفي "مقدمة الفتح" في ترجمة "عبد الرحمن بن شريح": "شذَّ ابن سعد فقال: منكر الحديث، ولم يلتفت أحد إلى ابن سعد في هذا؛ فإن مادته من الواقدي في الغالب، والواقدي ليس بمعتمد". • وفيها في ترجمة "محارب بن دثار": "قال ابن سعد: لا يحتجون به. قلت: بل احتج به الأئمة كلهم ... ولكن ابن سعد يقلد الواقدي". • وفيها في ترجمة "نافع بن عمر الجمحي": "قد قدمنا أن تضعيف ابن سعد فيه نظرة لاعتماده على الواقدي". اهـ. 2 - وقال الشيخ في "الفوائد" (ص 69): "لا اعتداد بتوثيق ابن سعد إذا خالف؛ فإن مادته من الواقدي، كما قاله ابن حجر في تراجم: عبد الرحمن بن شريح، ومحارب بن دثار، ونافع بن عمر الجمحي من مقدمة الفتح، والواقدي لا يحتج به". اهـ. 3 - وقال بنحو ذلك في "الفوائد" أيضًا (ص 355). 4 - وقال في "التنكيل" (1/ 316): "أبو داود أثبت من عدد مثل ابن سعد". اهـ. * * *

ابن شاهين

ابن شاهين (ت 385 هـ)

يشتمل ذلك هنا على: عدم الاعتداد بما يحكيه فيه "الثقات" عمَّن لم يدركه: 1 - قال ابن شاهين في "ثقاته": "قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع صدوق وليس بحجة". فقال الشيخ المعلمي في ترجمة الحسن من "التنكيل" رقم (75): "هذه الحكاية منقطعة؛ لأن ابن شاهين إنما ولد بعد وفاة عثمان بنحو ستين سنة، ولا نعلمه التزم الصحة فيما يحكيه في "ثقاته" عمن لم يدركه". اهـ. وانظر ترجمة الحسن من قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (181). 2 - وضعَّف الشيخ المعلمي الخليل بن مرة الضبعي في "الفوائد" (ص 401). وقال (ص 304): "صالح متعبد فمن ثَمَّ أثنى بعضهم عليه، فأما في الحديث، فقد قال البخاري: "منكر الحديث"، وقال أيضًا: "فيه نظر" وهاتان من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال أبو الوليد الطيالسي: "ضال مضل". اهـ. كلام المعلمي. وعَلَّقْتُ أنا في هذا الموضع من قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (254) بقولي: "وقال ابن معين والنسائي: ضعيف. وقال أبو حاتم: ليس بقوي في الحديث، هو شيخ صالح، بابة بكر بن خنيس وإسماعيل بن رافع. وقال أبو زرعة: شيخ صالح.

وقال ابن حبان في "المجروحين": "منكر الحديث عن المشاهير، كثير الرواية عن المجاهيل". وقال ابن عدي - وذكر له جملة من المناكير: للخليل أحاديث غرائب، وقد حدث عنه الليث وأهل الفضل، ولم أر في حديثه حديثًا منكرًا قد جاوز الحدَّ، وهو في جملة من يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث. وأغرب ابن شاهين، فقال في "ثقاته" (¬1): "الخليل بن مرة ثقة، قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا يتكلم فيه، ورأيت أحاديثه عن قتادة ويحيى بن أبي كثير صحاحًا، وإنما استغنى عنه البصريون لأنه كان خاملا، ولم أر أحدًا تركه وهو ثقة". فَبَيْن ابن شاهين وأَحمد بن صالح مفاوز، فلا يُدرى من أين أخذ هذا النقل؟ وهو خلاف ما سبق نقله عن الأئمة. قول بعض أهل العلم في ابن شاهين: قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 265): "عمر بن أحمد بن عثمان بن أحمد بن محمد بن أيوب بن ازداذ بن سراج بن عبد الرحمن أبو حفص الواعظ المعروف بابن شاهين. كان ثقة أمينا ... وسمعت محمد بن عمر الداودي يقول: كان ابن شاهين شيخًا ثقة يشبه الشيوخ، إلا أنه كان لَحَّانًا، وكان أيضًا لا يعرف من الفقه لا قليلًا ولا كثيرًا، وكان إذا ذُكر له مذاهب الفقهاء كالشافعي وغيره، يقول: أنا محمدي المذهب، ورأيته يومًا اجتمع مع أبي الحسن الدارقطني، فلم ينبس أبو حفص بكلمةٍ هيبةً وخوفًا أن يخطىء بحضرة أبي الحسن. ¬

_ (¬1) رقم (333).

قال الداودي: وقال لي الدارقطني يومًا: ما أعمى قلب ابن شاهين! حمل إليَّ كتابَه الذي صنفه في التفسير، وسألني أن أصلح ما أجد فيه من الخطأ، فرأيته قد نفل تفسير أبي الجارود وفرقه في الكتاب، وجعله عن أبي الجارود عن زياد بن المنذر، وإنما هو عن أبي الجارود وزياد بن المنذر. أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عمر بن يزداذ -إمام جامع الكرخ بها- قال: قال لي أبو بكر البقال: كان ابن شاهين يسألني عن كلام الدارقطني على الأحاديث، فأخبره فيعلقه، ثم يذكره بعد ذلك في أثناء تصانيفه. قال لي ابن يزداذ: وكان ابن شاهين عند ابن البقال ضعيفًا. وذكر ابن البقال عنه، أنه قال: رجعت من بعض سفري، فوجدت كتبي قد ذهبت، فكتبت من حفظي عشرين ألف حديث، أو قال ثلاثين ألف حديث استدراكًا مما ذهب. وحدثنا البرقاني قال: قال ابن شاهين: جميع ما خرجته وصنفته من حديثي لم أعارضه بالأصول -يعني ثقة بنفسه فيما ينقله- قال البرقاني: فلذلك لم أستكثر منه زهدا فيه. حدثني علي بن محمد بن نصر الدينوري، قال: سمعت حمزة بن يوسف السهمي يقول: سمعت الدارقطني يقول: أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين يلج (¬1) على الخطأ، وهو ثقة. وقال الذهبي في "السير" (16/ 434) بعد أن أورد معظم ترجمته من "تاريخ بغداد": "ما كان الرجل بالبارع في غوامض الصنعة، ولكنه راوية الإسلام". اهـ. ¬

_ (¬1) كذا في التاريخ بالجيم، وفي سؤالات السهمي رقم (344) بالحاء، وعزاه للنسختين من السؤالات، ومثله في "سير النبلاء" (16/ 433).

ابن يونس

ابن يونس صاحب "تاريخ علماء مصر" (ت 347 هـ)

قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (15/ 578): "الإمام الحافظ المتقن أبو سعيد عبد الرحمن بن أحمد ابن الإمام يونس بن عبد الأعلى الصدفي المصري ... ما ارتحل ولا سمع بغير مصر، ولكنه إمام بصير بالرجال فهم متيقظ ... وقد اختصرتُ "تاريخه"، وعَلَّقْت عنه غرائب .. اهـ. ترجيح قوله في المصريين على غيره: قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 176): "ابن جَزْء قيل في وفاته سنة 85، 86، 87، 88 وأرجحها الثاني؛ لأنه قول ابن يونس؛ لأنه مؤرخ مصر". اهـ. * * *

أبو الشيخ الأصبهاني

أبو الشيخ الأصبهاني (ت 369 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 257): "حافظ ثقة جبل". اهـ. 2 - وقال عن كتابه "العظمة" في "الأنوار" (ص 116): "كتاب العظمة تكثر فيه الرواية عن الكذابين والساقطين والمجاهيل". اهـ. 3 - وقال في ترجمته من "التنكيل" (1/ 308): "أما ما في كتبه من الأخبار الواهية، فهو كغيره من حفاظ عصره وغيرهم. قال ابن حجر في "لسان الميزان" (3/ 75) في ترجمة الطبراني: "عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جمعه الأحاديث بالأفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات ... وهذا أمر لا يختص به الطبراني ... بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته". وقد مرَّ النظر في ذلك في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأَصبهاني". اهـ. 4 - وقال في طليعة "التنكيل" (ص 45): "وأبو الشيخ ... التزم في كتابه -يعني طبقات الأصبهانيين- النصّ على الغرائب، حتى قال في ترجمة الحافظ الجليل أبي مسعود أحمد بن الفرات: "وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير". اهـ. 5 - وقال في ترجمة موسى بن المساور الضبي من "التنكيل" (1/ 485): "قال أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانين": "روى عن سفيان بن عيينة وعبيد الله بن معاذ ووكيع والناس، وكان خيرًا فاضلًا، ترك ما ورثه من أبيه

لإخوته ولم يأخذ منه شيئًا؛ لأن أباه كان يتولى للسلطان ... " ونحو ذلك في "تاريخ أَصبهان" لأبي نعيم. وبهذا يثبت أن الرجل عدل صدوق، ويبقى النظر في ضبطه، وسكوت هذين الحافظين وغيرهما من حفاظ أَصبهان وغيرهم عن الكلام في روايته يدل أنه لم يكن به بأس". اهـ. * * *

السلمي

السُّلَمي (ت 412 هـ)

هو محمد بن الحسين أبو عبد الرحمن النيسابوري الصوفي. 1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 100): "تكلموا فيه حتى رموه يوضع الحديث". 2 - وبنحوه في "الأنوار الكاشفة" (ص 117). 3 - وقال في "التنكيل" أيضًا (1/ 379): "أراهم يحتملون حكاياته عن الدارقطني، مع أنه على يديّ عَدْلٍ". 4 - وقال فيه أيضًا (1/ 503): "ذُكرتْ ترجمته في "المنتظم" (8/ 6) فيها قول محمد ابن يوسف القطان: "كان أبو عبد الرحمن غير ثقة، ولم يكن سمع من الأصم إلا شيئًا يسيرًا، فلما مات الحاكم أبو عبد الله بن البيع حدث عن الأصم بـ "تاريخ يحيى بن معين "وبأشياء كثيرة سواها، وكان يضع للصوفية الأحاديث" (¬1). اهـ. كلام المعلمي. قول بعض أهل العلم في السلمي: قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 248): "كان ذا عناية بأخبار الصوفية، وصنف لهم سننا وتفسيرًا وتاريخا". وقال الذهبي في "سير النبلاء" (17/ 247): ¬

_ (¬1) قول القطان هذا قد أخذه عنه الخطيب، وذكره في تاريخ بغداد (2/ 248) بلفظ: وقال لي محمد بن يوسف القطان، وأعقبه الخطيب بقوله: "قَدْر أبو عبد الرحمن عند أهل بلده جليل، ومحله في طائفته كبير، وقد كان مع ذلك صاحب حديث مجودًا، جمع شيوخًا وتراجم وأبوابًا". وكان قد قال في صَدْر ترجمته: "كان ذا عناية بأخبار الصوفية، وصنف لهم سننًا وتفسيرًا وتاريخًا"، كما سيأتي.

"ما هو بالقوي في الحديث (¬1)، ... وله سؤالات للدارقطني عن أحوالِ المشايخِ الرواةِ سؤال عارف، وفي الجملة ففي تصانيفه أحاديث وحكايات موضوعة، وفي "حقائق تفسيره" أشياء لا تسوغ أصلًا، عدها بعض الأئمة من زندقة الباطنية، وعدها بعضهم عرفانا وحقيقة، نعوذ بالله من الضلال، ومن الكلام بهوى؛ فإن الخير كل الخير في متابعة السنة، والتمسك بهدي الصحابة والتابعين -رضي الله عنهم-. ... وقيل بلغت تآليف السلمي ألف جزء، و"حقائقه" قرمطة، وما أظنه يتعمد الكذب، بلى يروي عن محمد بن عبد الله الرازي الصوفي أباطيل، وعن غيره. قال الإمام تقي الدين ابن الصلاح في "فتاويه": وجدت عن الإمام أبي الحسن الواحدي المفسر: أنه قال: صنف أبو عبد الرحمن السلمي "حقائق التفسير"، فإن كان اعتقد أن ذلك تفسير فقد كفر. قلت: واغوثاه! واغربتاه! ". اهـ. وفي "الميزان" (7419): "تكلموا فيه، وليس بعمدة ... وعُني بالحديث ورجاله ... وفي القلب مما يتفرد به" (¬2). اهـ. ¬

_ (¬1) وقال في "تذكرة الحفاظ" (ص 1046): "ضعيف ... ألف "حقائق التفسير"، فأتى فيه بمصائب، وتأويلات الباطنية، نسأل الله العافية. ثم قال: قد سألَ أبا الحسن الدارقطني عن خَلْقٍ من الرجال سؤال عارف بهذا الشأن. اهـ. (¬2) هل عنى بذلك تفرده بحديث أو حكاية، أم عنى كل تفرد ليشمل نقله أقوال الجرح والتعديل مثلًا؟

قال أبو أنس: على الرغم مما قيل في السلمي، فقد أكثر المصنفون في الرجال من نقل سؤالاته للدارقطني، وسبق قولُ الذهبي: "وللسلمي سؤالات للدارقطني عن أحوالِ المشايخِ الرواةِ سؤال عارفٍ -يعني بهذا الشأن". فلم أجد الذهبيَّ أو أحدًا من الحفاظ اتَّهَمَهُ في نقله عن الدارقطني، ورواة السؤالات عن الدارقطني كثير، ولم أقف على من ذكر أنه يخالفهم أو ينفرد عنهم بما يدل الحال على وهمه، ولذا فقد لَخَّصَ المعلمي هذا الأمر فقال: "أراهم يحتملون حكاياته عن الدارقطني، مع أنه على يديّ عَدْلٍ". * * *

ابن طاهر

ابن طاهر (ت 507 هـ)

يشتمل ذلك هنا على: وُلُوعِه بالجمال، وتعلقه به، وتسمُّحِه فيه، وأثرِ ذلك في حكايته عن الخطيب ما فيه غضٌّ منه. قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 132): "وأما ابن طاهر وما أدراك ما ابن طاهر؟ ... يقول ابن الجوزي في ترجمة ابن طاهر من "المنتظم" (9/ 178): " ... فمن أثنى عليه فلأجل حفظه للحديث، وإلا فالجرح أولى به، ذكره أبو سعد بن السمعاني وانتصر له بغير حجة بعد أن قال: سألت شيخنا إسماعيل بن أحمد الطلحي عن محمد بن طاهر، فأساء الثناء عليه، وكان سيء الرأي فيه، وقال: سمعت أبا الفضل محمد بن ناصر يقول: محمد بن طاهر لا يحتج به، صنف كتابًا في جواز النظر إلى المرد، وأورد فيه حكاية عن يحيى بن معين قال: رأيت جارية بمصر مليحة صلى الله عليها، فقيل له: تصلي عليها؟ فقال: صلى الله عليها وعلى كل مليح، ثم قال: كان يذهب مذهب الإباحة. قال ابن السمعاني: وذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الدقاق الحافظ، فأساء الثناء عليه جدًّا، ونسبه إلى أشياء، ثم انتصر له ابن السمعاني، فقال: لعله قد تاب. فواعجبًا ممن سيره قبيحة، فيترك الذم لصاحبها لجواز أن يكون قد تاب، ما أبله هذا المنتصر!.

ويدل على صحة ما قاله ابن ناصر من أنه كان يذهب مذهب الإباحة ما أنبأنا به أبو المعمر المبارك بن أحمد الأنصاري، قال: أنشدنا أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي لنفسه: دع التصوف والزهد الذي اشتغلت ... به جوارح أقوام من الناس وعج على دير داريا فإن به ... الرهبان ما بين قسيس وشماس فاشرب معتقة من كف كافرة ... تسقيك خمرين من لحظ ومن كاس ثم استمع رنة الأوتار من رشأ ... مهفهف لحظه أمضي من الماس وذكره الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (4/ 37)، وذب عنه قال: "الرجل مسلم مُعَظِّمٌ للآثار، وإنما كان يرى إباحة السماع [يعني سماع الغناء والملاهي] لا الإباحة المطلقة ... معلوم جواز النظر إلى الملاح عند الظاهرية فهو منهم"، وذكر ثناء جماعة عليه، وله ترجمة في "لسان الميزان". والمقصود أن ابن طاهر كان له ولوع بالجمال، وتعلق به، وتسَمُّح فيه، وإن لم يُخرجه إن شاء الله تعالى إلى ما يوجب الفسق، وإنما ذكرته هنا لأن له أثرًا على حكايته الآتية، كما سترى. في "تذكرة الحفاظ" (3/ 318): "قال ابن طاهر في "المنثور" أخبرنا مكي الرملي [صوابه الرميلي] قال: كان سبب خروج الخطيب من دمشق أنه كان يختلف إليه صبي مليح، فتكلم فيه الناس، وكان أمير البلد رافضيًا متعصبًا، فجعل ذلك سببًا للفتك بالخطيب، فأمر صاحب شرطته أن يأخذ الخطيب بالليل ويقتله، وكان سنيا، فقصده تلك الليلة في جماعته فأخذه، وقال له بما أمر به، ثم قال: لا أجد لك حيلة إلا أنك تفر منَّا، وتهجم دار الشريف ابن أبي الحسن العلوي ... ففعل ذلك، فأرسل الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال

له: أيها الأمير ... ليس في قتله مصلحة ... أرى أن تخرجه من بلدك، فأمر بإخراجه، فذهب إلى صور، وأقام بها مدة". وذكر ياقوت في "معجم الأدباء" (4/ 34) عن ابن طاهر نحو ذلك، وفيه: " ... كان يختلف إليه صبي مليح الوجه قد سماه مكي، وأنا نكبت عن ذكره". أجاب الشيخ المعلمي عن تلك القصة التي أوردها ابن طاهر بأمورٍ، وبيَّن أن مكي الرميلي هذا حافظ فاضل شافعي من تلامذة الخطيب المعظمين له، إلى أن قال: "طَهَّر الله ابنَ طاهر من اختلاق الكذب، ولكن لا مانع أن يسمع حكايةً لها علاقةٌ ما بالجمال الذي كان مولعًا به متسمحًا في شأنه، فتصطبغ في نفسه صبغة تناسب هواه، فيحكيها بتلك الصبغة على وجه الرواية بالمعنى. فعسى أن يكون بعض أعداء الخطيب في دمشق لما سعوا به إلى ذاك الأمير الرافضي على ما تقدم عن ابن عساكر توقف؛ لأن أكثر أهل الشَّام أهل سُنَّة، ويخشى أن يعلموا أنه تعرض للخطيب لأجل المذهب، ففكر أولئك السعاة في حيلة، فرأوا في طلبة العلم الذين كانوا يختلفون إلى الخطيب فتى صبيحًا، فتكلموا بين الناس بأن في اختلاف مثله إلى الخطيب ريبة، وربما اختلقوا ما يوقع الريبة عند بعض الناس، ثم قالوا للأمير: تأخذ الخطيب على أنك أخذته بهذه التهمة التي قد تحدث بها الناس. فإذا كانت الواقعة هكذا فهي معقولة، فقد يقع مثلها لأفضل الناس، ويخبر بوقوعها له أعقل الناس وأحزمهم إذا كان يعلم أن معرفتهم بحاله تحجزهم عن أن يتخرصوا منها ما يكره، ويحكي وقوعها لأستاذه أبر الناس وأوفاهم، لكن ابن طاهر لما سمعها اصطبغت في فهمه ثم في حفظه، ثم في عبارته بميله وهواه ورأيه الذي أَلَّف فيه، ويؤيد هذا أن الرميلي لما حكى القصة سمَّى ذاك الفتى، ولم هي في ذكر اسمه غضاضة عليه، فلما حكاها ابن طاهر، لم يسمه بل قال: "قد سماه مكي وأنا نكبت عن ذكره؛ لأن لونها عند ابن طاهر غير لونها عند مكي، ولم يحتج ابن طاهر إلى تسميته كما

احتاج إلى ذكر وقوع القصة للخطيب لتكون شاهدًا لابن طاهر على ما يميل إليه، كما استشهد بما حكاه عن ابن معين من قصة الجارية". اهـ. كلام المعلمي. قول بعض الأئمة في ابن طاهر: قال الذهبي في "السير" (19/ 361): " ... كتب ما لا يوصف كثرة بخطه السريع، القوي الرفيع، وصنف وجمع، وبرع في هذا الشأن، وعُني به أتم عناية، وغيره كثر إتقانا وتحريا منه ... قال أبو القاسم بن عساكر: سمعت إسماعيل بن محمد الحافظ يقول: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر. وقال أبو زكريا يحيى بن منده: كان ابنُ طاهر أحدَ الحفاظ، حسنَ الاعتقاد، جميلَ الطريقة، صدوقًا، عالمًا بالصحيح والسقيم، كثيرَ التصانيف، لازما للأثر. قال أبو سعد السمعاني: سألت الفقيه أبا الحسن الكرجي عن ابن طاهر، فقال: ما كان على وجه الأرض له نظير، وكان داودي المذهب ... ... وقد ذكره الدقاق في رسالته، فَحَطَّ عليه، فقال: كان صوفيا ملامتيا، سكن الري، ثم همذان، له كتاب "صفوة التصوف"، وله أدنى معرفة بالحديث في باب شيوخ البخاري ومسلم وغيرهما. قلت: يا ذا الرجل أقصر؟ فابن طاهر أحفظ منك بكثير. ثم قال: وذُكِرَ لي عنه الإباحة. قلت: ما تعني بالإباحة؟ إن أردت بها الإباحة المطلقة، فحاشا ابن طاهر، هو والله مسلم أَثَرِيٌّ، معظمٌ لحرمات الدين، وإن أخطأ أو شذ. وإن عنيت إباحة خاصة؛ كإباحة السماع، وإباحة النظر إلى المرد، فهذه معصية، وقول للظاهرية بإباحتها مرجوح.

قال ابن ناصر: محمد بن طاهر لا يحتج به؛ صنف في جواز النظر إلى المرد، وكان يذهب مذهب الإباحة. قال أبو سعد السمعاني: سألت إسماعيل بن محمد الحافظ عن ابن طاهر، فتوقف، ثم أساء الثناء عليه، وسمعت أبا القاسم بن عساكر يقول: جمع ابن طاهر أطراف "الصحيحين"، و"أبي داود"، و"أبي عيسى"، و"النسائي"، و"ابن ماجه"، فاخطأ في مواضع خطأ فاحشا. وقال الذهبي في "الميزان" (7710): "ليس بالقوي؛ فإنه له أوهام كثيرة في تآليفه ... وله انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق، لم يتُهم، وله حفظ ورحلة واسعة". اهـ. * * *

رزين بن معاوية العبدري

رزين بن معاوية العبدري أبو الحسن الأندلسي السَّرَقُسْطِيّ (ت 525 أو 535 هـ)

قال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 49): "ولقد أدخل -يعني رزين- في كتابه الذي جمع فيه بين دواوين الإسلام بلايا وموضوعات لا تعرف، ولا يكرى مِنْ أين جاء بها، وذلك خيانة للمسلمين، وقد أخطأ ابن الأثير خطًا بينًا بذكر ما زاده رزين في "جامع الأصول"، ولم ينبه على عدم صحته في نفسه إلا نادرًا، كقوله بعد ذكر هذه الصلاة -يعني: صلاة الرغائب- ما لفظه: "هذا الحديث مما وجدته في كتاب رزين، ولم أجده في واحدٍ من الكتب الستة، والحديث مطعون فيه". فعلق الشيخ المعلمي هاهنا بقوله: "رزين معروف وكتابه مشهور، ولم أقف عليه ولا على طريقته وشرطه فيه، غير أنه سماه فيما ذكر صاحب "كشف الظنون" (¬1): تجريد الصحاح الستة هي: الموطأ، والصحيحان، وسنن أبي داود، والنسائي، والترمذي. ويظهر من "خطبة جامع الأصول" (¬2) لابن الأثير أن رزينًا لم يلتزم نسبة الأحاديث إلى تلك الكتب، بل يسوق الحديث الذي هو فيها كلها والحديث الذي في واحد منها كـ "جامع الترمذي" مُغْفِلا النسبة في كل منها، فعلى هذا لا يستفاد من كتابه في الحديث، إلا أنه في تلك الكتب أو بعضها، ومع ذلك زاد أحاديث ليست فيها ولا في واحد منها. فإذا كانا الواقع هكذا ومع ذلك لم ينبه في خطبة كتابه أو خاتمته على هذه الزيادات فقد أساء، ومع ذلك فالخطب سهل؛ فإن أحاديث غير الصحيحين من تلك الكتب ليست كلها صحاحًا. فصنيع رزين -وإنْ أَوْهَمَ في تلك الزيادات أنها في بعض تلك ¬

_ (¬1) (1/ 345). (¬2) (1/ 48).

الكتب، فلم يوهم أنه صحيح ولا حسن، وأحسب الأحاديث التي زادها كانت وقعت له بأسانيده؛ فإنها أحاديث معروفة في الجملة؛ ومنها: حديث صلاة الرغائب، فإنه مختصر الخبر المتقدم (¬1)، والخبر المتقدم حدث به علي بن عبد الله بن جهضم المتوفى سنة (414)، وكان ابن جهضم شيخًا لحرم مكة، وإماما به، وجاء بعده رزين، فإن وفاته سنة (535) وكان بمكة. فالظاهر أنه وقع له الحديث بسنده إلى ابن جهضم، ولم يكن رزين من أهل النقد فلم يعرف حال الحديث. ورزين لم يُذْكَرْ في "الميزان"، ولا فيما استدرك عليه، وذكره الذهبي عند ذكر المتوفن سنة (535) في "تذكرة الحفاظ" (¬2)، وذلك في ترجمة إسماعيل التيمي قال: "والمحدث أبو الحسن رزين ... مؤلف "جامع الصحاح"، جاور بمكة وسمع عن الطبري وابن أبي ذر" (¬3). وذكره الفاسي في "العقد الثمين" (¬4)، فقال: "إمام المالكية بالحرم" ونقل عن السلفي أنه ذكر رزينًا فقال: "شيخ علام لكنه نازل الإسناد"، وذكر أنه توفي سنة (525) وله ترجمة في "الديباج المذهب" (ص 188) (¬5)، وذكر الفاسي وصاحب "الديباج" أن كتابه جمع فيه بين الصحاح الخمسة والموطأ، وفي "الديباج": توفي بمكة سنة خمس وعشرين، وقيل: خمس وثلاثين وخمسمائة" (¬6). اهـ. ¬

_ (¬1) خبر: رجب شهر الله وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي. (¬2) (4/ 1281). (¬3) وفي "السير" (20/ 86): "وفيها مات الامام الكبير المحدث أبو الحسن رزين بن معاوية العبدري السرقسطي المجاور" اهـ. (¬4) (4/ 398). (¬5) (1/ 366) طبعة دار التراث. (¬6) وله ترجمة أيضًا في "الصلة" لابن بشكوال (1/ 186)، وبغية الملتمس للضبي (ص 293)، وسير النبلاء (20/ 204)، والعبر (2/ 447)، وتاريخ الإسلام (الطبقة 40)، ومرآة الجنان (3/ 263)، =

قال أبو أنس: ترجمه السمعاني في "التحبير" (214) فقال: "أبو الحسن رزين بن معاوية بن عمار العبدري المالكي الأندلسي الفقيه السرقسطي، فقيه فاضل من أصحاب مالك ... وكان إمام المالكية بحرم الله تعالى، والمصلي بهم إمامًا في المسجد الجامع، سمع الفقيه أبا الحسن علي بن عبد الله الصقلي، وأبا العباس أحمد بن الشاطبي، وغيرهما، كتب إلي الإجازة بجميع مسموعاته من مكة حرسها الله". اهـ. وترجمه الذهبي في "السير" (20/ 204) فقال: "رزين بن معاوية بن عمار الإمام المحدث الشهير أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي صاحب كتاب "تجريد الصحاح". جاور بمكة دهرا، وسمع بها: "صحيح البخاري" من عيسى بن أبي ذر، و"صحيح مسلم" من أبي عبد الله الطبري. أدخل كتابه زياداتٍ واهيةً، لو تنزه عنها لأجاد. اهـ. * * * ¬

_ = والنجوم الزاهرة (5/ 267)، وشذرات الذهب (4/ 106)، وروضات الجنات للموسوي (3 / رقم 303)، و"الرسالة المستطرفة" (130)، وشجرة النور الزكية (1/ 133)، وتاريخ الأدب العربي (6/ 266)، وهدية العارفين (1/ 367)، ومعجم المؤلفين (4/ 155). قلت: له كتاب آخر في "أخبار مكة"، ذكره السلفي، لكن قال الفاسي: قد رأيته وهو ملخص من كتاب الأزرقي.

النووي

النووي (ت 676 هـ) على المشهور

في "الفوائد" (ص 225) حديث أبي هريرة: "مَنْ حَدَّث حديثًا فَعُطس عنده فهو حق". لا يعرف إلا من طريق بقية بن الوليد، عن معاوية بن يحيى، عن أبي الزناد، عن أبي هريرة مرفوعا. وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عنه كما في "العلل" (2552) فقال: "هذا حديث كذب". اهـ. وقد ذكره ابن عدي وعنه الذهبي في ترجمة شيخ بقية هذا. وله إسناد آخر ضعيف أخرجه الطبراني عن أنس. وفي "كشف الخفاء" (2/ 321): "رواه أبو يعلى عن أبي هريرة رفعه. وأخرجه الطبراني والدارقطني في "الأفراد" والبيهقي وقال: منكر. وقال غيره: باطل، ولو كان سنده مثل الشمس. لكن قال النووي في "فتاويه": له أصل أصيل انتهى. وقال في "الدرر" تبعا للزركشي: حسنه النووي. وأخطأ من قال: إن الحديث باطل انتهى. نَقَدَ الشيخ المعلمي إسناديه. وقال في الأول: منكر جدًّا سندا ومتنا وضعف الثاني. وعلَّقَ على تحسين النووي لحديث أبي هريرة بقوله: "بنى النووي على أن كل إسناده ثقات متقنون، وقد علمتَ أن شيخ بقية (¬1) ليس كذلك، بل هو هالك، والذين استنكروا الخبر من الأئمة أعلمُ بالحديث وبرواته من النووي". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) هو معاوية بن يحيى، وانظر: الترجمة رقم (748) من قسم التراجم من هذا الكتاب.

ابن تيمية

ابن تيمية (ت 728 هـ)

* قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 127). "يورد الأحاديث في مؤلفاته من حفظه". اهـ. قاله أبو أنس: في "العقود الدرية من مناقب شيخ الإسلام ابن تيمية" لابن عبد الهادي (1/ 42): "وللشيخ: من المصنفات والفتاوى والقواعد والأجوبة والرسائل وغير ذلك من الفوائد ما لا ينضبط، ولا أعلم أحدًا من متقدمي الأمة ولا متأخريها جمع مثل ما جمع، ولا صنف نحو ما صنف، ولا قريبًا من ذلك، مع أن أكثر تصانيفه إنما أملاها من حفظه، وكثير منها صنفه في الحبس، وليس عنده ما يحتاج إليه من الكتب". اهـ. قلت: هذا مفاده لمن يطالع كتب شيخ الإسلام إذا أراد اعتماد لفظ ما، أو أراد أن يعزو حديثًا إلى مصادره من كتب السنة أن يراجع ما ذكره شيخ الإسلام في مصادره التي أحال عليها؛ خشيةَ وقوع فرقٍ ما بين اللفظين أو بين السياقين ربما ترتب عليه أمرٌ ذو بال، والله تعالى أعلم. * * *

ابن السبكي

ابن السبكي صاحب "طبقات الشافعية الكبرى" (ت 771 هـ)

هو تاج الدين قاضي القضاة أبو النصر عبد الوهاب بن تقي الدين علي بن عبد الكافي بن تمام الأنصاري السبكي الشافعي. قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 127): " ... لِغُلُوُّهِ شديدُ العُقوق لأستاذه الذهبي". اهـ. قاله أبو أنس: أسرد هنا ما يتعلق بهذه القضية، مما لخصه الدكتور/ بشار عواد في ترجمته للذهبي في مقدمة "سير أعلام النبلاء" (ص 128) قال: " ... وقد عرفنا من حياة الذهبي أنه رافق الحنابلة، وتأثر بشيخه ابن تيمية، لا سيما في العقائد، فكان شافعي الفروع، حنبلي الأصول، ولذلك عني عند النقد بإيراد العقائد على طريقة أهل الحديث، وعَدَّها جزءا منه كما بيَّنَا قبل قليل، ووجدنا في البيئة الدمشقية في الوقت نفسه من يتعصب للأشاعرة غاية التعصب. وبسبب العقائد انْتُقِدَ الذهبيُّ مِنْ بعض معاصريه، لا سيما تلميذه تاج الدين عبد الوهاب السبكي (¬1) (728 - 771) في غير موضع من كتابه "طبقات الشافعية الكبرى" (¬2) وفي كتابه الآخر "معيد النعم" (¬3)، فقال في ترجمته من "الطبقات": "وكان شيخنا -والحق أحق ما قيل، والصدق أولي ما آثره ذو السبيل- شديدَ الميل إلى آراء الحنابلة، كثير الازدراء بأهل السنة الذين إذا حضروا كان أبو الحسن ¬

_ (¬1) اتصل السبكي بالذهبي سنة 739 هـ، ولم يبلغ آنذاك اثني عشر عامًا، ولازمه، فكان يذهب إليه في كل يوم مرتين، وقد ترجم له الذهبي في "معجمه المختص" انظر مقدمة "طبقات الشافعية". (¬2) انظر مثلًا 2/ 13 فما بعد، 3/ 299، 352 - 353، 356، 4/ 33، 133، 147، 9/ 103 - 104، وغيرها. (¬3) "معيد النعم" (ص 74، 77).

الأَشعري فيهم مقدم القافلة، فلذلك لا ينصفهم في التراجم، ولا يصفهم بخير إلا وقد رغم منه أنف الراغم. صنف "التاريخ الكبير"، وما أحسنه لولا تعصب فيه، وكمله لولا نقص فيه، وأي نقص يعتريه" (¬1). وقال في ترجمة: أحمد بن صالح المصري من "الطبقات" أيضًا: "وأما تاريخ شيخنا الذهبي غفر الله له، فإنه على حسنه وجمعه مشحون بالتعصب المفرط لا واخذه الله، فلقد أكثر الوقيعة في أهل الدين؛ أعني الفقراء الذين هم صفوة الخلق، واستطال بلسانه على أئمة الشافعيين والحنفيين، ومال فأفرط على الأشاعرة، ومدح فزاد في المجسمة، هذا وهو الحافظ المِدْرَه، والإمام المبجل، فما ظنك بعوام المؤرخين" (¬2). وذكر في موضع آخر أنه نقل من خط صلاح الدين خليل بن كيلكلدي العلائي (694 - 761) وهو من تلاميذ الذهبي والمتصلين به، أنه قال ما نصه: "الشيخ الحافظ شمس الدين الذهبي، لا أشك في دينه وورعه وتحريه فيما يقوله الناس، ولكنه غلب عليه مذهب الإثبات، ومنافرة التأويل، والغفلة عن التنزيه، حتى أثَرَ ذلك في طبعه انحرافا شديدًا عن أهل التنزيه وميلا قويًا إلى أهل الإثبات، فإذا ترجم لواحدٍ منهم يُطنب في وصفه بجميع ما قيل فيه من المحاسن، ويبالغ في وصفه، ويتغافل عن غلطاته، ويتاول له ما أمكن، وإذا ذكر أحدًا من الطرف الآخر كإمام الحرمين والغزالي ونحوهما، لا يبالغ في وصفه، ويُكثر من قول من طعن فيه، ويُعيد ذلك ويُبديه، ويعتقده دينًا، وهو لا يشعر، ويُعْرِضُ عن محاسنهم الطافحة، فلا يستوعبها، وإذا ظفر لأحدٍ منهم بغلطة ذكرها. ¬

_ (¬1) (2/ 22). (¬2) (9/ 103 - 104).

وكذلك فِعْلُهُ في أهل عصرنا، إذا لم يقدر على أحدٍ منهم بتصريحٍ يقول في ترجمته: والله يُصلحه، ونحو ذلك، وسببه المخالفة في العقائد" (¬1). ثم ذكر السبكي أن الحال أزيد مما وصف العلائي، ثم قال: "والذي أدركنا عليه المشايخ النهي عن النظر في كلامه، وعدم اعتبار قوله، ولم يكن يستجرىء أن يظهر كتبه التاريخية إلا لمن يغلب على ظنه أنه لا ينقل عنه ما يعاب عليه" (¬2). وبالغ السبكي بعد ذلك، فقال: "إن الذهبي متقصد في ذلك، وأنه كان يغضب عند ترجمته لواحد من علماء الحنفية والمالكية والشافعية غضبا شديدًا، ثم يقرطم الكلام ويمزقه، ثم هو مع ذلك غير خبير بمدلولات الألفاظ كما ينبغي، فربما ذكر لفظة من الذم لو عقل معناها لما نطق بها" (¬3). وقد أثارتْ انتقاداتُ السبكي هذه نقاشا بين المؤرخين، فَرَدَّ عليه السخاوي (ت 902 هـ) حيث اتَّهَمَ السبكيَّ بالتعصب الزائد للأشاعرة. ونقل قولَ عز الدين الكناني (ت 819 هـ) في السبكي: "هو رجلٌ قليلُ الأدب، عديمُ الإنصاف، جاهلٌ بأهل السنة ورتبهم" (¬4). وقال يوسف بن عبد الهادي (ت 909 هـ) في "معجم الشافعية": "وكلامُه هذا في حَقِّ الذهبيِّ غيرُ مقبول؛ فإن الذهبي كان أَجل من أن يقول ما لا حقيقة له ... والإنكار عليه أشدُّ من الإنكار على الذهبي، لا سيما وهو شيخه وأستاذه فما كان ينبغي له أن يفرط فيه هذا الإفراط". اهـ. ¬

_ (¬1) "الدرر الكامنة" لابن حجر: (2/ 179 - 182). (¬2) نفسه (2/ 13 - 14). (¬3) نفسه (2/ 14). (¬4) "الإعلان بالتوبيخ" (ص 469) فما بعدها.

والحق أن السبكي أشعري جلد متعصب غاية التعصب، ولا أدل على ذلك من شتيمته المقذعة في حقِّ الذهبي في ترجمة أبي الحسن الأَشعري من "الطبقات"، فقد سفَّ بها إسفافا كثيرا؛ بسبب عدم قيام الذهبي بترجمته ترجمة طويلة في "تاريخ الإسلام"، ولأنه اكتفى بإحالة القارىء إلى كتاب "تبيين كذب المفتري" لابن عساكر، فعَدّ ذلك نقيصة كبيرة في حق الأَشعري ... ولقد أبانت دراستنا لـ "تاريخ الإسلام" أن الذهبي قد وُفِّقَ إلى أن يكون منصفا إلى درجة غير قليلة في نقده لكثير من الناس، وما رأينا عنده تفريقا كبيرًا بين علماء المذاهب الأربعة، وما كان يرضى الكلام بغير حق، ولا حتَّى نقله في بعض الأحيان. * قال في ترجمة: الحسن بن زياد اللؤلؤي الفقيه الحنفي: "قد ساق في ترجمة هذا أبو بكر الخطيب أشياء لا ينبغي لي ذكرها". اهـ. * وقال في ترجمة: ابن الحريري الدمشقي الحنفي (ت 728 هـ): "قاضي القضاة، علامة المذهب، ذو العلم والعمل". اهـ. * وقوله في قاضي الحنفية: شمس الدين الأذرعي (ت 673 هـ): "لم يخلف بعده مثله". اهـ. * وترجم لأبي جعفر الطحاوي ترجمة رائقة ودلل على سعة معرفته وفضله وعلمه الجمّ. * وقال في ترجمة عماد الدين الجابري الحنفي المتوفى سنة (584 هـ) من "السير" (¬1): "شيخ الحنفية نعمان الزمان". اهـ. * وقال في ترجمة المرغيناني الحنفي: "كان من أوعية العلم" (¬2). ¬

_ (¬1) (21/ 172). (¬2) نفسه (21/ 232).

وهذا هو منهجه في معظم الحنفية، لم نره تكلم في أحدهم بسبب المذهب، لا من الشافعية ولا المالكية ولا الحنفية. ولو قال السبكي: إنه كان يتعصب على الأشاعرة حَسْب لَوَجَد بعضَ الآذان الصاغية، ولبحث له المؤيدون عن بضعة نصوص قد تؤيد رأيه علمًا أني بحثت في "تاريخ الإسلام" و"سير أعلام النبلاء" وغيرهما، فلم أستطع أن أحصل على مثلٍ يصلح أن يسمى انتقادا لأشعري. نعم قد نجد بعض تقصير في تراجم قسمم من الأشاعرة، وفي هذا المجال صرت أشعر أن سبب قصر بعض تراجم الأشاعرة قد جاء من عدم قيام الذهبي بنقل آراء المخالفين بتوسع حبا منه للعافية، كما في ترجمة أبي الحسن الأشعري الذي لم يأت الذهبي بكلمةِ نقدٍ فيه، مع أن الأشعري قضى القسم أكبر من حياته معتزليا. ونحن نعرف موقف الذهبي من المعتزلة. والواقع أن الذهبي ما بخس فضل هذا الرجل إلى درجة أنه عده مجددا في أصول الدين على رأس المائة الرابعة (¬1). أما كلام الذهبي في الصوفية، فصحيحٌ ما قاله السبكي، ولكن في النادر منهم، وهذا رأي ارتآه الذهبي، واعتقد فيه وآمن بمع فقد ميَّز بين طائفتين منهم: أولاهما: كانت متمسكة بالدين القويم، متبعة للسنة، احترمهم الذهبي الاحترام كله، بل لبس هو خرقة التصوف من الشيخ ضياء الدين عيسى بن يحيى الأنصاري السبتي عند رحلته إلى مصر، وكان يعتقد ببعض كرامات كبار الزهاد، ويُعنى بايرادها في كتابه، بل يكثر منها عادة، ويورد بعض أقوالهم وحكاياتهم في الزهد والمحبة فيه. ¬

_ (¬1) انظر "طبقات" السبكي (3/ 26).

أما الثانية: فقد عدهم الذهبي مارقين عن الدين، مشعوذين بِهِم مَسٌّ من الجنون ومنهم الأحمدية أتباع الشيخ أحمد الرفاعي، والقلندرية (¬1)، وشيخُها جمال الدين محمد الساوجي، فقد ذكر تُرَّهاته، وانغشاش الناس به وبحاله الشيطاني ووصف بعض أحوالهم في ترجمة يوسف القميني (ت 657 هـ) فقال: "وكان يأوي إلى قمين حمام نور الدين، ولما تُوفي شيَّعَهُ خلقٌ لا يحصون من العامة، وقد بصَّرنا الله تعالى وله الحمد وعرفنا هذا النموذج ... فقد عم البلاء في الخلق بهذا الضرب ... ومن هذه الأحوال الشيطانية التي تضل العامة: أكل الحيات ودخول النار، والمشي في الهواء ممن يتعانى المعاصي، ويخل بالواجبات ... وقد يجىء الجاهل، فيقول: اسكت، لا تتكلم في أولياء الله ولم يشعر أنه هو الذي تكلم في أولياء الله وأهانهم إذ أدخل فيهم هؤلاء الأوباش المجانين أولياء الشيطان". ولم يكن الذهبي متعصبا للحنابلة بالمعنى الذي صوره السبكي، فالرجل كان محدثا يحب أهل الحديث ويحترمهم، إلا أن هذا لم يمنعه من تناول مساوىء بعضهم؛ فقد نقل عن الإمام ابن خزيمة في ترجمة الطبري المؤرخ قوله: "ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة"، ثم قال الذهبي معقبًا: "كان محمد بن جرير ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، مع عظيم ما يلحقه من الأذى والشناعات من جاهلٍ وحاسدٍ وملحدٍ". وقال في ترجمة: عبد الساتر بن عبد الحميد، تقي الدين، الحنبلي، المتوفى سنة 679: "ومهر في المذهب ... وقلَّ من سمع منه؛ لأنه كان فيه زعارة. وكان فيه غلو في السنة ومنابذة للمتكلمين، ومبالغة في اتباع النصوص ... وهو فكان حنبليا خشنا، متحرقا على الأشعري ... كثير الدعاوى قليل العلم". ¬

_ (¬1) القلندرية: المحلقون أي الذي يحلقون رءوسهم ولحاهم.

ومع ما كان للذهبي من إعجابٍ بشيخه ابن تيمية، فإنه أخذ عليه: "تغليظه، وفظاظته، وفجاجة عبارته، وتوبيخه الأليم المبكي المنكي المثير النفوس" ... وقد رأى في بعض فتاويه انفرادًا عن الأمة. قال: "وقد انفرد بفتاوى نِيلَ من عِرضه لأجلها، وهي مغمورةٌ في بحر علمه، فالله تعالى يسامحه، ويرضى عنه، فما رأيت مثله، وكُلُّ أحدٍ من الأمة فيؤخذ من قوله ويترك فكان ماذا؟ " (¬1). وقد بلغ حرص الذهبي في النقد وشدة تحريه: أنه تكلم في ابنه أبي هريرة عبد الرحمن، فقال: "إنه حفظ القرآن، ثم تشاغل عنه حتَّى نسيه" (¬2). ولست هنا في حال دفاع عن الرجل فكتاباته خير مدافع عنه، وهي الحكَمُ في تقويمه ولكنني أقول: إن تحقيق كثيرٍ من الإنصاف -وإن لم يكن كله- أمر له قيمته العظمى في كل عصر". اهـ. النقل عن مقدمة "السير" للدكتور/ بشار عواد، بغالب حواشيه. * * * ¬

_ (¬1) "تذكرة الحفاظ" (4/ 1497). (¬2) "الإعلان بالتوبيخ" للسخاوي (ص 488).

سبط ابن الجوزي

سبط ابن الجوزي (ت 654 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 128): "معروف بالمجازفة". 2 - وقال في "التنكيل" (1/ 129): "ليس بعمدة". 3 - وفيه (1/ 335): "كثير التصرف في الحكايات". 4 - وقال فيه (1/ 135): "استمعْ لسبط ابن الجوزي وتصرفه، قال الذهبي في "الميزان": "يوسف بن قُزْغُلي الواعظ المؤرخ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي، روى عن جده وطائفة وألَّف "مرآة الزمان" فتراه يأتي فيه بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقة فيما ينقله، بل يجنف ويجازف، ثم إنه ترفَّض، وله في ذلك مؤلف ... قال الشيخ محيي الدين ... لما بلغ جدي موت سبط ابن الجوزي قال: لا رحمه الله؛ كان رافضيًّا. قلت: كان بارعًا في الوعظ ومدرسًا للحنفية". أقول: قد تقدم أنه كان حنبليًّا، ثم تحنف في الصورة الظاهرة على ما قاله مذيل مرءاته لأجل الحظوة عند الملك عيسى بن أبي بكر بن أيوب الذي يلقبه الكوثري" عالم الملوك الملك المعظم، فإن هذا الملك كان أهله شافعية فتحنف وتعصب ... فأما السبط فقد مرَّ عن الذهبي ما علمت، ومن طالع "المرآة" علم صدق الذهبي فيما يتعلق بالحكايات المنكرة والمجازفات ولا سيما فيما فيه مدح لنفسه، ويظهر من "المرآة" ما يوافق قول صاحب الذيل عليها أنه إنما تحنف في الصورة الظاهرة، وكذلك لا يظهر منها أنه رافضي، فكأنه إنما أَلَّف كتابه في الترفض تقربًا إلى بعض الرافضة من أصحاب الدنيا.

فهذا المجازف اتصل بالملك عيسى، وقد عرفت بعض حالة في التعصب، فتحنف السبط إرضاء له، وألَّف كلٌّ منهما ردًّا على الخطيب كما مر في ترجمة أحمد بن الحسن بن خيرون، وحاول السبط التقرب إلى عيسى بذم الخطيب، وذكر حكاية ابن طاهر (¬1) فزاد فيها. قال الأستاذ (ص 12): "قال سبط ابن الجوزي في "مرآة الزمان": قال محمد بن طاهر المقدسي: لما هرب الخطيب من بغداد عند دخول البساسيري إليها قدم دمشق فصحبه حدثٌ صبيحُ الوجه كان يختلف إليه، فتكلم الناس فيه وكثروا حتَّى بلغ والي المدينة وكان من قبل المصريين شيعيًّا، فأمر صاحب الشرطة بالقبض على الخطيب وقتله وكان صاحب الشرطة سنيًّا فهجم عليه فرأى الصبي عنده وهما في خلوة فقال للخطيب: قد أمر الوالي بقتلك وقد رحمتك ... فأخرجوه فمضى إلى صور واشتد غرامه بذلك الصبي ... ". فيقال لهذا الجانف المجازف: توفي ابن طاهر قبل أن يولد جدك، فمن أين لك هذه الحكاية عنه على هذا اللون؟ قد حكاها غيرك عن ابن طاهر حتَّى ياقوت مع شدة غرامه بالحكايات الفاجرة حتَّى في ترجمة الكسائي فلم يذكروا فيها ما ذكرت، بل نقلها خليلك الملك عيسى في رده على الخطيب (ص 277) من خط ابن طاهر كما قال، ولم يذكر هذه الزيادة ولا ما يشير إليها. استفدت هذه من ترجمة الخطيب للدكتور يوسف العش. وكانت القصة وابن طاهر سنه تسع سنين ولم يكن بدمشق فممن سمع الحكاية؟ لم يسمعها على هذا الوجه من مكي الرميلي فإنه حكى ما سمعه من مكي على غير هذا، وقد تقدم حال مكي بما يعلم أنه يمتنع أن يحكيها على هذا الوجه أو ما يقرب منه، مع أن مكيا لم يشهد القصة فممن سمعها؟ وفي أقل من هذا ما يتضح به نكارة القصة على هذا الوجه وبطلانها، ولو كان السبط ثقة لاتجه الحمل على ابن طاهر وتثبت مجازفته، لكن حال السبط كما علمت، وقد حكاها غيره عن ابن طاهر على وجهٍ يغتفر في الجملة، فالحمل على السبط". اهـ. ¬

_ (¬1) انظر: ترجمة ابن طاهر في هذا القسم.

ابن فورك

ابن فُورَك (ت 604 هـ)

وصفه الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 242) بـ: "المُتَجَهِّمُ الذي حَذا حَذْوَ ابنِ الثَّلْجِي في كتابه الذي صنفه في تحريفِ أحاديثِ الصفاتِ والطعنِ فيها" (¬1). اهـ. قلت: هو: أبو بكر محمد بن الحسن بن فُورَك الأَصبهاني. قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (17/ 214): كان أشعريا، رأسًا في فَنِّ الكلام، أخذ عن أبي الحسن الباهلي صاحب الأشعري. * * * ¬

_ (¬1) ليس العيبُ على ابنِ فَوْرَك في هذا، فهو مَشْرَبُهُ، وكُلُّ إناءٍ يَنضحُ بما فيه، ولكنَّ المَلامَ على الشُرَّاحِ من أهل الحديث الذين أكثروا من النقل عنه في تأويل الصفات وتحريفها، والله المستعان.

ابن الثلجي

ابن الثلجي (ت 266 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 252): "كان ابنُ الثَّلْجِيِّ مِنْ أتباعِ بِشر المريسي، جهميًّا داعيةً عدوًّا للسنة وأهلها، قال مَرة: "عند أحمد بن حنبل كتبُ الزندقة، وأَوْصَى أن لا يُعطَى من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه، قال ابن عدي: "كان يضع أحاديث في التشبيه، وينسبها إلى أصحاب الحديث، يثلبهم بذلك". وذكر ما رواه عن حبان بن هلال، وحبان ثقة، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها" (¬1). وكذبه أيضًا الساجي، والأزدي، وموسى بن القاسم الأشيب. فأما ما نُسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد فلا يدفع ما تقدم، وحكايته هذه يلوح عليها الكذب ... الحمل فيها على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي". اهـ. وقال الذهبي في ترجمة حماد من "الميزان": "ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقَدِ اتُّهِم، نسأل الله السلامة". اهـ. كلام المعلمي. قوله بعض أهل العلم في ابن الثلجي: في "تاريخ بغداد" (5/ 350): "كان فقيه أهل العراق في وقته، وهو من أصحاب الحسن بن زياد اللؤلؤي ... وكان يذهب إلى الوقف في القرآن. ... عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سمعت القواريري يقول قبل أن يموت بعشرة أيام -وذكر ابن الثلجي- فقال: هو كافر. فذكرت ذلك لإسماعيل القاضي، فسكت، فقلت له: ما أكفره إلا بشيء سمعه منه، قال: نعم. ¬

_ (¬1) انظر "الكامل" (2/ 260)، و (6/ 291).

أبو مزاحم موسى بن عبيد الله بن يحيى بن خاقان، عن عمه أبي علي عبد الرحمن بن يحيى بن خاقان، أنه سأل أحمد بن حنبل عن ابن الثلجي، فقال: مبتدع صاحب هوى. أخبرني أبو بكر البرقاني، حدثني محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الملك الأدمي، حدثنا محمد بن علي بن أبي داود البصري، حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: فأما محمد بن شجاع الثلجي فكان كذابا، احتال في إبطال الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورَدِّه نصرةً لأبي حنيفة ورأيه. حدثني أحمد بن محمد المستملي، أخبرنا محمد بن جعفر الوراق، أخبرنا أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي الحافظ، قال: محمد بن شجاع الثلجي البغدادي كذاب لا تحل الرواية عنه لسوء مذهبه وزيغه عن الدين ... اهـ. * * *

ابن قتيبة

ابن قتيبة (ت 276 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 94): "ابن قتيبة لا شان له بمعرفة الرواية والخطأ والصواب فيها وأحوال الرواة ومراتبهم؛ وإنما فَنُّه معرفة اللغة والغريب والأدب". اهـ. 2 - ونقل الشيخ المعلمي في مبحث رواية المبتاع من "التنكيل" (1/ 47) عن ابن قتيبة كلامًا يتعلق بهذا المبحث، فناقشه وفَنَّدَهُ ثم قال (ص 49): "وعلى كل حال فابن قتيبة على فضله ليس هذا فَنَّهُ، ولذلك لم يعرج أحد من أئمة الأصول والمصطلح على حكاية قوله ذلك فيما أعلم. والله الموفق". اهـ. قلت: هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي الكاتب صاحب التصانيف، نزل بغداد وصنف وجمع. قال الخطيب: كان ثقة دينا فاضلا. قال الذهبي في "السير": (13/ 298): "كان رأسا في علم اللسان العربي والأخبار وأيام الناس، وقال أبو بكر البيهقي: كان يرى رأي الكرامية، ونقل صاحب "مرآة الزمان" بلا إسناد عن الدارقطني أنه قال: كان ابن قتيبة يميل إلى التشبيه. قلت: هذا لم يصح، وإن صح عنه فسحقا له، فما في الدين محاباة. وقال مسعود السجزي: سمعت أبا عبد الله الحاكم، يقول: "أجمعت الأمة على أن القتيبي كذاب". قلت: هذه مجازفة وقلة ورع، فما علمت أحدا اتهمه بالكذب قبل هذه القولة، بل قال الخطيب: إنه ثقة.

وقد أنبأني أحمد بن سلامة عن حماد الحراني أنه سمع السلفي ينكر على الحاكم في قوله: لا تجوز الرواية عن ابن قتيبة ويقول: ابن قتيبة من الثقات وأهل السنة، ثم قال: لكن الحاكم قصده لأجل المذهب. قلت: عهدي بالحاكم يميل بلى الكرامية، ثم ما رأيت لأبي محمد في كتاب "مشكل الحديث" ما يخالف طريقة المثبتة والحنابلة، ومن أن تُمَرَّ ولا تتأول. فالله أعلم. ... والرجل ليس بصاحب حديث، وإنما هو من كبار العلماء المشهورين، عنده فنون جمة، وعلوم مهمة. ... قيل لابن أصبغ: فكتابه في الفقه كان ينفق عنه؟ قال: لا والله، لقد ذاكرت الطبري وابن سريج، وكانا من أهل النظر، وقلت: كيف كتاب ابن قتيبة في الفقه؟ فقالا: ليس بشيء. ولا كتاب أبي عبيد في الفقه ... قالا: ليس هؤلاء لهذا، بالحَري أن تصح لهما اللغة، فإذا أردت الفقه فكتب الشافعي وداود ونظرائهما. قال قاسم بن أصبغ: كنا عند ابن قتيبة، فأتوه بأيديهم المحابر، فقال: اللهم سلمنا منهم فقعدوا، ثم قالوا: حَدِّثْنا رحمك الله. قال: ليس أنا ممن يحدث، إنما هذه الأوضاع، فمن أحب؟ قالوا له: ما يحل لك هذا، فحدِّثْنا بما عندك عن إسحاق بن راهويه؛ فإنا لا نجد فيه إلا طبقتك، وأنت عندنا أوثق. قال: لست أحدث، ثم قال لهم: تسألوني أن أحدث وببغداد ثمانمائة محدث كلهم مثل مشايخي، لست أفعل، فلم يحدثهم بشيء". اهـ. * * *

ابن خراش

ابن خراش (ت 283 هـ)

هو أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش المروزي ثم البغدادي. قال الشيخ المعلمي في ترجمة هشام بن عروة من "التنكيل" (1/ 503): " ... بَقِيَ ما قيل: إن هشامًا كان يدلس، قال يعقوب بن سفيان: "ثقة ثبت لم يُنْكَر عليه إلا بعدما صار إلى العراق؛ فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده، والذي نرى أن هشامًا تسهل لأهل العراق أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمعه منه، فكان تسهله أنه أرسل عن أبيه [مما] كان يسمعه من غير أبيه عن أبيه. وجاء عن ابن خراش ما يفهم منه هذا المعنى وقد تفهم منه زيادة لا دليل عليها، فلا تقبل من ابن خراش ... ". اهـ. قلت: قال ابن عدي في "الكامل" (4/ 322): "سمعت عبدان نسبه إلى الضعف ... وقد ذكر في عبدان أن ابن خراش حدَّث بأحاديثَ مراسيل أوصلها، ومواقيف رفعها ... سمعت عبدان يقول: وحمل ابن خراش إلى بندار جزأين صنفهما في مثالب الشيخي، فأجازه بألفي درهم، فبنى بذلك حجرة ببغداد ليحدث فيها فما مُتِّعَ بها، ومات حين فرغ منها. وسمعت أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدة يقول: كان ابن خراش في الكوفة إذا كتب شيئا من باب التشيع يقول في: هذا لا يتفق إلا عندي وعندك يا أبا العباس. وسمعت عبد الملك بن محمد أبا نعيم يثني على ابن خراش هذا، وقال: ما رأيت أحفظ منه، لا يُذكر له شيخ من الشيوخ والأبواب إلا مَرَّ فيه.

وابن خراش هذا هو أحد من يذكر بحفظ الحديث من حفاظ العراق، وكان له مجلس مذاكرة لنفسه على حدة، إنما ذكر عنه شيء من التشيع كما ذكره عبدان، فأما الحديث فأرجو أنه لا يتعمد الكذب". اهـ. وفي "سؤالات حمزة للدارقطني" (341): "سألت أحمد بن عبدان عن عبد الرحمن ابن يوسف بن خراش يقبل قوله؟ قال: لم أسمع فيه شيئا، سألت أبا زرعة محمد بن يوسف الجرجاني عن عبد الرحمن بن خراش فقال: كان أخرج مثالب الشيخين وكان رافضيًّا". اهـ. وصفه الذهبي في "السير" (13/ 508) بـ: الحافظ الناقد البارع ... ثم نقل ما سبق عن ابن عدي، ثم قال: "هذا مُعَثَّرٌ مخذولٌ، كان علمه وبالا، وسعيه ضلالا، نعوذ بالله من الشقاء". اهـ. وقال في "الميزان": "هذا واللهِ الشيخُ المُعَثَّر الذكره ضل سعيه، فإنه كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة والاطلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة". اهـ. * * *

ابن نمير

ابن نمير (ت 234 هـ)

هو محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ أبو عبد الرحمن الهمداني ثم الخارفي مولاهم الكوفي من أقران أحمد بن حنبل وعلي بن المديني. * قال الشيخ المعلمي في "الموضح" (2/ 426): "ثبت متقن فاضل، إليه المنتهى في معرفة شيوخ الكوفيين حتى كان أحمد بن حنبل ويحيى بن معين يقولان فيهم ما يقوله". اهـ. قلت: قال الذهبي في "السير" (11/ 455): "كان رأسا في العلم والعمل. قال أبو إسماعيل الترمذي: كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا، ويقول: أي فتى هو؟! وقال إبراهيم بن مسعود الهمذاني: سمعت أحمد بن حنبل يقول: محمد بن عبد الله بن نمير درة العراق. قال علي بن الحسين بن الجنيد الحافظ: كان أحمد وابن معين يقولان في شيوخٍ ما يقول ابن نمير فيهم يعني: يقتديان بقوله في أهل بلده. * * *

عثمان بن أبي شيبة

عثمان بن أبي شيبة (ت 239 هـ)

تعنته في الرجال: 1 - قال الشيخ المعلمي في ترجمة: الحسن بن الربيع أبي علي البجلي الكوفي من "التنكيل" رقم (75): "عثمان على قلة كلامه في الرجال يتعنت". 2 - وقال أيضًا: "نقل ابن شاهين عن عثمان قوله في الحسن: "صدوق وليس بحجة". فقال المعلمي: "كلمة ليس بحجة لا تنافي الثقة، فقد قال عثمان نفسه في أحمد بن عبد الله بن يونس الثقة المأمون: ثقة وليس بحجة". وراجع فتح المغيث (ص 157) ". اهـ. وانظر ترجمة الحسن من قسم التراجم من هذا الكتاب رقم (181). 3 - وفي ترجمة: إسرائيل بن يونس من الجرح والتعديل (2/ 330) قول ابن مهدي فيه: "كان إسرائيل في الحديث لصًّا يعني أنه يتلقف العلم تلقفًا". فعلق الشيخ المعلمي بقوله: "في "التهذيب" (263): قال عثمان بن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن مهدي: إسرائيل لص يسرق الحديث. كذا قال، والمعروف عن ابن مهدي توثيق إسرائيل والثناء عليه. وفي "التهذيب": وقال ابن مهدي: إسرائيل في أبي إسحاق أثبت من شعبة والثوري". فكلمة "يسرق الحديث" إنما هي من قول عثمان، فسَّر بها كلمة "لص" والصواب ما قاله المؤلف". اهـ. يعني بالمؤلف: ابن أبي حاتم. * * *

دحيم

دحيم (ت 245 هـ)

هو أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم بن عمرو بن ميمون الدمشقي قاضي مدينة طبرية. في "الفوائد" (ص 464) حديث: "في السماء الدنيا بيت يقال له: المعمور بحيال هذه الكعبة ... ". قال ابن الجوزي: هو موضوع؛ آفته روح بن جناح ... قال السيوطي: ما هو بموضوع ... وروح لم يتهم بالكذب، بل قال النسائي وغيره: ليس بالقوي. ووثقه دحيم. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. فقال الشيخ المعلمي: "توثيقُ دحيم لا يُعارضُ توهينَ غيرهِ من أئمة النقد؛ فإن دحيمًا ينظر إلى سيرة الرجل، ولا يُمعِنُ النظرَ في حديثه وهذا الحديث قد أنكره الأئمة إنكارًا شديدًا، منهم: الجوزجاني والحاكم أبو أحمد والعقيلي وغيرهم، وهو منكر جدًّا سندًا ومتنًا ... ". اهـ. قلت: قال الخليلي في "الإرشاد" (1/ 450): "أحد حفاظ الأئمة، متفق عليه، مخرج في "الصحيحين"، روى عن أصحاب الأوزاعي وأصحاب مالك، وروى عن ابن عيينة، ويعتمد عليه في تعديل شيوخ الشام وجرحهم ... سمعت محمد بن علي الفرضي والحسن بن عبد الرزاق يقولان: سمعنا سليمان بن يزيد الفامي يقول: سمعت أبا حاتم محمد بن إدريس الرازي يقول: لم أر بالشام مثل دحيم، ولا بالعراق مثل عمرو بن علي". اهـ.

وقال الذهبي في "السير" (11/ 515): "القاضي الإمام الفقيه الحافظ محدث الشام ... وعُنِيَ بهذا الشأن، وفاق الأقران، وجمع وصنف، وجرح وعدل، وصحح وعلل ... قال ابن أبي حاتم: كان يُعرف بدحيم اليتيم، فسمعت أبي يقول: كان دحيم يميز ويضبط وهو ثقة. وقال النسائي: ثقة مأمون ... قال عبدان: سمعت الحسن بن علي بن بكر يقول: قدم دحيم بغداد سنة اثنتي عشرة ومائتين، فرأيت أبي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وخلف بن سالم بين يديه كالصبيان قعودا. قلت: هؤلاء أكبر منه، ولكن كرموه؛ لكونه قادما، واحترموه لحفظه. قال أحمد العجلي: دحيم ثقة، كان يختلف إلى بغداد، فذكروا: الفئة الباغية هم أهل الشام، فقال: من قال هذا فهو ابن الفاعلة، فنكب عنه الناس، ثم سمعوا منه. قلت: هذه هفوة من نصب، أو لعله قصد الكف عن التشغيب بتشغيب. قال أبو عبيد الآجري: سمعت أبا داود يقول: دحيم حجة، لم يكن بدمشق في زمانه مثله. قال المروذي: سمعت أحمد بن حنبل يثني على دحيم ويقول: هو عاقل ركين. وقال الدارقطني: ثقة. وقال أبو أحمد بن عدي: هو أوثق من حرملة". اهـ. * * *

العجلي

العجلي (ت 261 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 22): "قد استقرأت كثيرًا من توثيق العجلي، فبان لي أنه نحو من ابن حبان". 2 - وفيه (ص 64): "كلمة ثقة عنده لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة صدوق عند غيره، بل دون ذلك". 3 - وفيه (ص 220): "متسمح جدًّا". 4 - وفيه (ص 282): "العجلي مثل ابن حبان أو أشد تسهلا في توثيق التابعين كما يعلم بالاستقراء". اهـ. 5 - وفيه (ص 485): "العجلي متسمح جدًّا، وخاصة في التابعين، فكأنهم كلهم عنده ثقات، فتجده يقول" تابعي ثقة "في المجاهيل وفي بعض المذمومين؛ كعمر بن سعد، وفي بعض الهلكى كأصبغ بن نباتة". اهـ. 6 - وفي "الأنوار الكاشفة" (68): "توثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع". 7 - وفي "التنكيل" (1/ 66): "العجلي قريب من ابن حبان في توثيق المجاهيل من القدماء". * * *

ابن أبي خيثمة

ابن أبي خيثمة (ت 279 هـ)

ذكر الكوثري أنه نُسب إلى القدر، وكان مختصًّا بعلي بن عيسى. فقال الشيخ المعلمي (1/ 273): "أما ابن أبي خيثمة فقال الدارقطني: "ثقة مأمون". وقال الخطيب: "كان ثقة عالمًا متقنًا حافظًا" هكذا في "تذكرة الحفاظ"، و"لسان الميزان". ووقع في "تاريخ بغداد": "متفننًا" بدل "متقنًا". وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ": الحافظ الحجة الإمام". فأما القَدَر، فلو ثبت عنه لم يضره كما سلف في القواعد، فكيف وهو غير ثابت؟ إذ لا يُدرى من الناس الذين نسبوه إليه؟ وما مستندهم في تلك النسبة؟ وأما اختصاصه بعلي بن عيسى، فالظاهر أن الفرغاني لم يذكرها على جهة الذم؛ إذ ليس فيها ما يقتضيه؛ فإن علي بن عيسى الوزير كان من خيار الوزراء مع مشاركته في العلم وعنايته بالعلماء واختصاص ابن أبي خيثمة به إنما كان لعلقة العلم". اهـ. * * *

ابن محرز

ابن محرز راوي السؤالات عن ابن معين

هو أبو العباس أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز. قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 350): "له ترجمة في تاريخ بغداد، لم يذكر فيها من حاله إلا أنه روى عن ابن معين، وعنه جعفر بن درستويه". اهـ. "التاريخ" (5/ 83). قال أبو أنس: لم أجد له ترجمةً سوى في هذا الموضع، وقد أكثر الخطيب مع ذلك من النقل في تاريخه عن ابن معين من طريقه عنه، ولم أر من غمز ابنَ محرز في شيءٍ مِنْ نقله عن ابن معين، وربما احتاج الأمر إلى سَبْرِ رواياتِ ابن محرز عن ابن معين، ومقارنتها برواية غيره عنه؛ ليتضح ما شارك فيه غيره مما خالف فيه، مع الأخذ في الاعتبار أن ابن معين مما يكثر اختلاف قوله في الرجل الواحد. * * *

موسى بن عقبة

موسى بن عقبة صاحب "المغازي" (ت 141 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "رسالة مقام إبراهيم" (ص 186): "ثقة أدرك بعض الصحابف لكن ذكروا أنه تتبع المغازي بعد كِبَرِ سِنِّهِ؛ فربما يسمع ممن هو دونه". اهـ. قال أبو أنس: في "سير النبلاء" (6/ 144) قال إبراهيم بن المنذر: حدثني مطرف ومعن ومحمد ابن الضحاك قالوا: كان مالك إذا سئل عن المغازي قال: عليك بمغازي الرجل الصالح موسى بن عقبة؛ فإنها أصح المغازي. وقال أيضًا: سمعت محمد بن طلحة سمعت مالكا يقول: عليكم بمغازي موسى؛ فإنه رجل ثقة، طلبها على كبر السن؛ لِيُقَيِّدَ من شهد مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولم يُكَثِّرْ كما كَثَّر غيره. قلت: هذا تعريضٌ بابن إسحاق، ولا ريب أن ابن إسحاق كَثَّرَ وطوَّل بأنساب مستوفاة، اختصارُها أملحُ، وياشعارِ غيرِ طائلةِ حذفُها أرجحُ، وبآثارِ لم تُصَحَّحْ، مع أنه فاته شيء كثير من الصحيح لم يكن عنده، فكتابه محتاج على تنقيح وتصحيح ورواية ما فاته. وأما مغازي موسى بن عقبة فهي في مجلد ليس بالكبير، سمعناها وغالبها صحيح ومرسل جيد، لكنها مختضرة تحتاج إلى زيادة بيان وتتمة ... إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا سفيان بن عيينة قال: كان بالمدينة شيخ يقال له: شرحبيل أبو سعد، وكان من أعلم الناس بالمغازي، قال: فاتهموه أن يكون يجعل لمن لا سابقة له سابقة، وكان قد احتاج، فاسقطوا مغازيه وعلمه. قال إبراهيم: فذكرت هذا لمحمد بن طلحة بن الطويل، ولم يكن أحد أعلم بالمغازي منه فقال لي: كان شرحبيل أبو سعد عالما بالمغازي، فاتهموه أن يكون يدخل فيهم من لم يشهد بدرا ومن قتل يوم أحد والهجرة ومن لم يكن منهم، وكان قد احتاج فسقط عند الناس. فسمع بذلك موسى بن عقبة، فقال: وإن الناس قد اجترءوا على هذا؟ فدب على كبر السن، وقيد من شهد بدرا وأحدا، ومن هاجر إلى الحبشة والمدينة، وكتب ذلك ...

قال أبو أنس: "التحديث عن الصغار"، أو: تحديثُ الرجلِ عمَّنْ هو أصغرُ منه، هو من مظنَّاتِ الخطأ وأسبابِ التعليل المعروفة؛ وذلك لأنه مظنة عدم ضبط الراوي عمن يصغره. من الشواهد على ذلك: * قول يعقوب بن سفيان الفسوي في "تاريخه" (2/ 172): حدثني الفضل بن زياد، قال: قال أبو عبد الله -يعني أحمد بن حنبل: أبو بكر - يعني: ابن عياش- يضطرب في حديث هؤلاء الصغار، فأما حديثه عن أولئك الكبار ما أقربه عن أبي حصين وعاصم، وإنه ليضطرب عن أبي إسحاق، أو نحو هذا. اهـ. وهو في "تاريخ بغداد" أيضًا (14/ 379). * وفي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لعبد الله ابن الإمام أحمد رقم (950): "سمعت أبي يذكر عن يحيى بن سعيد القطان قال: كان ثور -يعني: ابن يزيد بن زياد أبو خالد الشامي الحمصي- إذا حدثني بحديث عن رجل لا أعرفه، قلت: أنت أكبر أو هذا؟ فإذا قال: هو أكبر مني، كتبته، وإذا قال: أصغر مني، لم أكتبه". اهـ. * وفيه رقم (1253). "سمعت أبي يقول: قال وكيع: وجدناه عند أبي عوانة، عن سليمان بن أبي العتيك، عن أبي معشر، عن إبراهيم: كره الكراريس. قال أبي: كان وكيع إذا حدث عن مثل أبي عوانة وحماد بن زيد وحماد بن سلمة يقول: وجدناه عند أبي عوانة، وجدناه عند حماد بن زيد؛ يستصغرهم". اهـ. وفي المسألةِ شواهدُ ونصوصٌ أخرى، تراها مع شيء من الشرح والبيان في كتابي: "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل" وهو قيد الجمع، يسر الله إتمامه.

الحكيم الترمذي

الحكيم الترمذي صاحب "نوادر الأصول" (240 - 320 هـ) تقريبا

هو أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن بن بشر الترمذي المؤذن. 1 - قال الشيخ المعلمي في "الفوائد" (ص 226): " ... إنما ذكرت هذا ليُعرف أن غالب ما ينفرد به الحكيم الترمذي هو من هذه الأكاذيب، وله ترجمة في لسان الميزان (5/ 308) ". 2 - وقال في الفوائد أيضًا (ص 248): "وتفرد نوادر الأصول بحديث يدل على سقوطه". قال أبو أنس: قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (13/ 439): كان ذا رحلةٍ ومعرفةٍ، وله مصنفاتٌ وفضائلُ ... وله حكم ومواعظ وجلالة، لولا هفوة بدت منه ... قال أبو عبد الرحمن السلمي: أخرجوا الحكيم من ترمذ، وشهدوا عليه بالكفر وذلك بسبب تصنيفه كتاب: "ختم الولاية"، وكتاب "علل الشريعة"، وقالوا: إنه يقول: إن للأولياء خاتما كالأنبياء لهم خاتم، وإنه يفضل الولاية على النبوة، واحتج بحديث: "يغبطهم النبيون والشهداء" فقدم بلخ، فقبلوه لموافقته لهم في المذهب. وقال السلمي: هُجر لتصنيفه كتاب: "ختم الولاية"، و"علل الشريعة"، وليس فيه ما يوجب ذلك، ولكن لِبُعد فَهمهم عنه. قلت: كذا تُكلم في السلمي من أجل تأليفه كتاب: "حقائق التفسير"، فيا ليته لم يؤلفه، فنعوذ بالله من الإشارات الحَلاجية، والشطحات البسطامية، وتصوف الاتحادية، فواحزناه على غربة الإسلام والسنة.

قال الله تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: 153] اهـ. وقال الحافظ في "اللسان": "ذكره القاضي كمال الدين بن العديم صاحب "تاريخ حلب" في جزءٍ له سماه: "اللمحة في الردّ على ابن طلحة" قال فيه: "وهذا الحكيم الترمذي لم يكن من أهل الحديث وروايته، ولا عِلْمَ له بطرقه وصناعته، وإنما كان فيه الكلام على إشارات الصوفية والطرائق ودعوى الكشف عن الأمور الغامضة والحقائق ... ". * * *

بدر الدين العيني

بدر الدين العيني (ت 855 هـ)

محاولته تقوية حديث موضوع في فضل أبي حنيفة رحمه الله تعالى: قال الشيخ المعلمي في ترجمة محمد بن سعيد البورقي من "التنكيل" رقم (206): في "تاريخ بغداد" (13/ 335) من طريقه: "حدثنا سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر حدثنا بشر بن يحيى قال: أخبرنا الفضل بن موسى السيناني، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في أمتي رجلا اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي، هو سراج أمتي، هو سراج أمتي". قال الخطيب: "قلت: وهو حديث موضوع، تفرد بروايته البورقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمرَه وبَيَّنَا حالَه". يعني في ترجمته، وهي في "التاريخ" (5/ 308 - 309) وفيها عن حمزة السهمي: "محمد بن سعيد البورقي كذاب، حدث بغير حديث وضعه"، وعن الحاكم: "هذا البورقي قد وضع من المناكير على الثقات ما لا يُحصى، وأفحشها روايته: "سيكون في أمتي رجل يقال له أبو حنيفة هو سراج أمتي". هكذا حدث به في بلاد خراسان، ثم حدث به بالعراق بإسناده وزاد فيه أنه قال: "وسيكون في أمتي رجل يقال له: محمد ابن إدريس، فتنته على أمتي أضر من إبليس"، وذكر الخطيب غير هذا من مناكيره". قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 30): "استوفى طرقَه البدرُ العيني في "تاريخه الكبير"، واستصعبَ الحكمَ عليه بالوضع مع وروده بتلك الطرق الكثيرة، وقد قال: " ... فهذا الحديث كما ترى قد روي بطرقٍ مختلفةٍ ومتونٍ متباينةٍ، ورواةٍ متعددةٍ عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أنه له أصلا، وإن كان بعضُ المحدثين بل أكثرهم ينكرونه وبعضهم يَدَّعون أنه موضوع، وربما كان هذا من أثر التعصب، ورواةُ الحديثِ أكثرُهم علماء، وهم من خير الأمم، فلا يليق بحالهم الاختلاق على النبي عليه الصلاة والسلام متعمدًا".

ذَيَّلَ عليه الكوثري بقوله: "وعالمٌ مضطهدٌ طولَ حياتِه، يموتُ وهو محبوسٌ، ثم يعمُّ علمُه البلادَ من أقصاها إلى أقصاها، شرقًا وغربًا، ويتابعه في فقهه شطرُ الأمة المحمدية، بل ثلثاها على توالي القرون، رغم مواصلة الخصوم من فقيهٍ ومحدثٍ ومؤرخٍ مناصبةَ العداءِ له نبأٌ جللٌ لا يُستبعد أن يخبر به النبي -صلى الله عليه وسلم- ... "! أقول: لا أدري أَعِلْمُ هؤلاء القوم أَحْرَى أن يؤسفَ عليه أم دينُهم أم عقولُهم؟! قد تأملتُ رواياتِ هذا الحديث في "مناقب أبي حنيفة" وغيرها، فرأيته يدور على جماعة: أولهم: البورقي، وقد عرفتَ حاله، رواه عن مجهول عن مثله عن السيناني بذاك السند، وقد صح عن السيناني أنه قال: "سمعت أبا حنيفة يقول: مِنْ أصحابي مَنْ يبول قُلَّتَيْن، يَردُّ على النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا كان الماء قُلَّتَيْن لم ينجس" ذكره الأستاذ (ص 83). الثاني: أبو علي أحمد بن عبد الله بن خالد الجويباري الهروي، وهو مشهورٌ بالوضع، مكشوف الأمر جدًّا، وله فيه أربع طرق: الأولى: عن السيناني بذاك السند. الثانية: عن أبي يحيى المعلم عن حميد عن أنس. الثالثة: عن أبي يحيى عن أبان عن أنس. الرابعة: عن عبد الله بن معدان عن أنس. والراوي عنه في بعض هذه مأمون بن أحمد السلمي، وهو شبيهه في الشهرة بالوضع الفاحش. الثالث: أبو المعلى بن مهاجر، إن كان له ذنب، وهو مجهول. رواه محمد بن يزيد المستملي -وهو متهم- عن مجهول عن مثله عن أبي المعلى عن أبان عن أنس، ورواه النضري بثلاثة أسانيد أخرى كلهم مجاهيل عن أبي المعلى عن أبان عن أنس.

الرابع: أبو علي الحسن بن محمد الرازي، وهو متهم، قد تقدم بعض ما يتعلق به في ترجمة: أحمد بن محمد بن الصلت رقم (34)، رواه النضري من طريقه بسند كلهم مجاهيل إلى عبد الله بن مغفل عن علي بن أبي طالب قوله. الخامس: النضري؛ قال فيه ابنُ السمعاني في "الأنساب": (الخِيُّوِي) باسم "أبي القاسم يونس بن طاهر بن محمد بن يونس بن خيَّو النضري الخيوي من أهل بلخ الملقب شيخ الإسلام ... "، ولم يذكر فيه توثيفًا ولا جرحًا والله أعلم به، وبعض الطرق المتقدمة من طريقه، وزاد: بسند كلهم مجاهيل عن أبان عن أنس. وبسند كلهم مجاهيل عن أبي هُدبة عن أنس. وبسند كلهم مجاهيل عن موسى الطويل عن ثابت بن أنس. وبسند كلهم مجاهيل عن حماد عن رجل عن نافع عن ابن عمر. وبسند كلهم مجاهيل عن أبي قتادة الحراني عن جعفر بن محمد عن جوير عن الضحاك عن ابن عباس. هذا ما وقفتُ عليه فالأربعة الأولون قد عرفتهم. وأما الخامس وهو النضري فالله أعلم به. وعلى كل حال فكان بين قومٍ أعاجم جهال متعصبين، لا بِدْعَ أن يتقربوا إلى الله عز وجل بتكثير الطرق وكلهم مجاهيل. وأبان وأبو هدبة وموسى الطويل ثلاثتهم هلكى، ومع ذلك لا أراهم إلا أبرياء من هذا الحديث، وإلا لاشتهر في زمانهم، فما بالُه لم يُعرف له أثر إلا بعد أن وضعه الجويباري في القرن الثالث؟ وأبو قتادة الحراني فسد بأخرة، ومع ذلك لا أراه إلا بريئًا من هذا. وحماد الذي روى عنه عن رجل عن نافع عن ابن عمر لا أدري من هو، وربما يكون المقصود: حماد بن أبي حنيفة؛ فإنه قد قيل إنه يروي عن مالك عن نافع عن ابن

عمر فكأنَّ بعضَ المجاهيل سمع بذلك، فركب السند إليه بهذا الحديث، فاستحيا النضري عن أن يقول: عن مالك عن نافع عن ابن عمر، فيكون أشنعَ للفضيحة، فكنى عن مالك برجل! هذا، ومن شأنِ الدجالين أن يركبَ أحدُهم للحديثِ الواحدِ عدةَ أسانيدَ؛ تغريرًا للجهال، وأن يضعَ أحدُهم فيسرق الآخر، ويركب سندًا من عنده، ومن شأن الجهال المتعصبين أن يتقربوا بالوضع والسرقة وتركيب الأسانيد. وقد قال أبو العباس القرطبي: "استجاز بعضُ فقهاءِ أهلِ الرأي نسبةَ الحكمِ الذي دل عليه القياسُ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ولهذا ترى كتبهم مشحونةً بأحاديثَ تشهد متونُها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ... ولأنهم لا يقيمون لها سندًا صحيحًا". وقد أشار إلى هذا ابن الصلاح بقوله: "وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-". فتدبر ما شرحناه، ثم تأمل ما تقدم عن العيني ... وانظر ما يقول العيني والكوثري؛ حتى كأنَّ أئمةَ الحديثِ ورجالِه وفقهاءَ المذاهبِ الأخرى أهلٌ عند العيني والكوثري لِكلِّ كذبٍ، وإن اشتهروا بالإمامة والثقة والصدق والتقوى، بخلاف أصحابِهما أهلِ الرأي، كأنه لا يكون منهم ولا من حُمُرهم وكلابهم إلا الصدق ... ". اهـ. * * *

ياقوت الحموي

ياقوت الحموي (ت 626 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 437): "ليس بعمدة". 2 - وفيه (1/ 136 - 137): "شديد الغرام بالحكايات الفاجرة". قول بعض أهل العلم في ياقوت: • قال الذهبي في "السير" (22/ 312): "الأديب الأوحد شهاب الدين الرومي مولى عسكر الحموي السفار النحوي الأخباري المؤرخ. أعتقه مولاه، فَنَسخ بالأجرة، وكان ذكيا، ثم سافر مضاربة إلى كيش، وكان من المطالعة قد عرف أشياء، وتكلم في بعض الصحابة فأُهين، وهرب إلى حلب، ثم إلى إربل وخراسان، وتجر بمرو وبخوارزم، فابتلي بخروج التتار، فنجا برقبته، وتوصَّل فقيرا إلى حلب، وقاسى شدائد. وله كتاب "الأدباء" في أربعة أسفار، وكتاب "الشعراء المتأخرين والقدماء"، وكتاب "معجم البلدان"، وكتاب "المشترك وضعا والمختلف صقعا" كبير مفيد، وكتاب "المبدأ والمآل في التاريخ"، وكتاب "الدول"، وكتاب "الأنساب". وكان شاعرا، متفننا، جيد الإنشاء ... توفي في العشرين من رمضان سنة ست وعشرين وستمائة عن نيف وخمسين سنة، ووقف كتبه ببغداد على مشهد الزيدي، وتآليفه حاكمة له بالبلاغة، والتبحر في العلم. استوفى ابن خلكان ترجمته وفضائله". اهـ.

• وفي "لسان الميزان" (7/ 307): "قال ابن النجار: كان ذكيا، حسن الفهم، ورحل في طلب النسب إلى بلاد الشام ومصر والبحرين وخراسان، وسمع الحديث، وصنف "معجم البلدان"، و"معجم الأدباء"، و"أسماء الجبال والأنهار والأماكن". قال ابن النجار: كان غزير الفضل، وكان حسن الصحبة، طيب الأخلاق، حريصا على الطلب ... قال ابن خلكان في ترجمته: ... وقع بينه وبين شخص بغدادي في دمشق منازعة في علي بن أبي طالب، فبدر من ياقوت ما لزم منه أنه نسب إلى رأي الخوارج في التعصب على علي، فثاروا عليه فهرب، وخرج عن بغداد؛ خشية أن يؤخذ فيقتل، حتى وصل إلى خراسان ... قلت: ولم أر في شيء من تصنيفه التصريحَ بالنصب، بل يحكي فيها فضائل علي ما يتفق ذكره". اهـ. * * *

الحسن بن صالح بن حي

الحسن بن صالح بن حي (ت 169 هـ)

هو الحسن بن صالح بن صالح بن حيّ أبو عبد الله الهمداني الثوري الكوفي الفقيه العابد. قال السمعاني في "الأنساب" (2/ 74) في نسبه: البَتْري: "هذه النسبة لجماعة من الشيعة من الفرقة الزيدية، وهي إحدى الفرق الثلاث من الزيدية وهي (¬1) الجارودية والسليمانية والبترية. أما البترية فهم أصحاب كثير النواء والحسن بن صالح بن حي. وقولهم كقول السليمانية، غير أنهم توقفوا في عثمان وأمره وحاله، وأضللنا هذه الطائفة لأنهم شكوا في إيمان عثمان، وأجازوا كونه كافرًا من أهل النار، ومن شك في إيمان من أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه من أهل الجنة فقد شك في صحة خبره، والشاكُّ في خبره كافر. وهذه الفرق الثلاثة من الزيدية يكفر بعضهم بعضًا؛ لأن الجارودية أكفرت أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما-، والسليمانية والبترية كفرت من أكفرهما". اهـ. فعلَّق الشيخ المعلمي بقوله: "لا يصدق هذا على الزيدية المعروفين باليمين وأسلافهم من أئمة أهل البيت النبوي، والحسن بن صالح بن حي إمام من أئمة المسلمين (¬2)، إنما أنكر عليه بعض معاصريه من الأئمة تحبيذه الخروج على خلفاء الجور؛ رأى المنكرون عليه أن الخروج في زمنهم لا يؤدي إلا إلى ما هو أعظم شرًّا، ويخشون أن يعمل بعض أهل الخير والصلاح برأي الحسن فيخرجوا، فيشتد الشر على المسلمن جميعًا، فشددوا النكير عليه؛ ليكفوا الناس عن التسرع في العمل برأيه. ¬

_ (¬1) في "الأنساب": "وفي" خطأ. (¬2) وثقه جمهور الأئمة: أحمد وابن معين وأبو زرعة وأبو حاتم والنسائي.

ويجب التثبت فيما يحكيه العالم عن الفرق المخالفة لفرقته؛ فربما اغتر بحكاية من لا يوثق به، وربما حكى عنهم ما لم يقله إلا بعض من ينتسب إليهم، وربما حكى عنهم ما يعلم أخهم لا يقولون به. ولكنه يراه لازمًا لهم، وكتب الزيدية موجودة، فمن أحب أن يعرف مقالاتهم فلينظرها في كتبهم والله المستعان". اهـ. (¬1). * * * ¬

_ (¬1) قال الذهبي في "السير" (7/ 361): "هو من أئمة الإسلام، لولا تلبسه ببدعة"، وقال (ص 371): "كان يرى الخروج على أمراء زمانه لظلمهم وجورهم، ولكن ما قاتل أبدًا، وكان لا يرى الجمعة خلف الفاسق". وقال في "الميزان" (2/ 19): "فيه بدعة تشيع قليل".

الإمام أبو حنيفة

الإمام أبو حنيفة (ت 150 هـ على الصحيح)

الإمام المبجل النعمان بن ثابت التيمي مولاهم الكوفي فقيه أهل العراق ومفتيهم. • في "الأنوار الكاشفة" (51) أجاب الشيخ المعلمي عن قول أبي رية: "ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قَلَّ وعدم تعنِّيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه". بقوله: "لزمَ أبو حنيفةَ حمادَ بن أبي سليمان، يأخذ عنه مدة، وكان حمادٌ كثيرَ الحديث، ثم أخذ عن عددٍ كثيرٍ غيره كما تراه في مناقبه، وقلَّةُ الأحاديثِ المروية عنه لا تدل على قِلَّةِ ما عنده؛ ذلك أنه لم يَتَصَدَّ للرواية. وقد قدمنا أن العالم لا يُكَلَّفُ جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفًا بالقرآن، وعنده طائفةٌ صالحةٌ من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب، كان له أن يُفتي، وإذا عرضتْ قضيةٌ لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل، وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل، والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه. وما من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء، ولم يَدَّع هو العصمةَ لنفسه ولا ادَّعاها له أحد، وقد خالفه كبارُ أصحابه في كثيرٍ من أقواله. وكان جماعةٌ من علماء عصره ومن قربَ منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله، فإن فُرض أنه خالف أحاديثَ صحيحةً بغير حجة بَيِّنَة فليس معنى ذلك أنه زعم أن

العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم، بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة. بل ذهب إلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعًا لحديث ضعيف (¬1)، ومن ثَمَّ ذكر أصحابه أن مِنْ أصله تقديم الحديث الضعيف -بَلْه الصحيح- على القياس. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) علَّق المعلمي هنا بقوله: وذكر ابن القيم في إعلام الموقعين مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره.

أبو بكر الرازي

أبو بكر الرازي (ت 370 هـ)

ذكر الكوثري: زكريا بن يحيى الساجي فقال: "شيخ المتعصبين، كان وقاعًا، ينفرد بمناكير عن مجاهيل، وتجد في "تاريخ بغداد" نماذج من انفراداته عن مجاهيل بأمور منكرة، ونضال الذهبي عنه من تجاهل العارف ... وقال أبو بكر الرازي بعد أن ساق حديثا بطريقه: انفرد به الساجي ولم يكن مأمونًا ... ". فقال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 255): "أما التعصب فقد حكمه في القواعد، وبينا أنه إذا ثبتت ثقة الرجل وأمانته لم يقدح ما يسميه الأستاذ تعصبًا في روايته، ولكن ينبغي التروي فيما يقوله برأيه، لا اتهامًا له بتعمد الكذب والحكم بالباطل، بل لاحتمال أن الحنق حال بينه وبين التثبت. وبهذه القاعدة نفسها نعامل ما حكاه الأستاذ عن أبي بكر الرازي: إن كان ممن ثبتت ثقته وأمانته، فلا نقبلها منه بغير مستند، مع مخالفته لمن هو أثبت منه وأعلم بالحديث ورجاله، ولأمر ما ستر الأستاذ على نفسه وعلى الرازي، فلم يذكر الحديث، ولا بين موضعه ... وليس الرازي ممن يذُكر في هذا الشأن حتى يتتبع الذهبي وغيره كلامه، فيسوغ أن يظن بالذهبي أنه وقف على كلمته وأعرض عنها لمخالفتها هواه كما يتوهمه أو يوهمه الأستاذ! ". اهـ. * * *

عبد القادر القرشي

عبد القادر القرشي صاحب كتاب "الجواهر المضيئة في طبقات الحنفية" (ت 775 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 280): "من أهل القرن الثامن، ولم يشتهر بالضبط والإتقان". اهـ. قال أبو أنس: في "ذيل تذكرة الحفاظ" (1/ 157) للحسيني الدمشقي: "هو عبد القادر بن محمد بن محمد بن نصر الله بن سالم بن أبي الوفاء القرشي الحنفي الإمام العلامة الحافظ محيي الدين أبو محمد ... أجاز له الحافظ الدمياطي، وتفقه وبرع، وأفتى ودرس، وصنف وجمع. من ذلك: "طبقات الفقهاء الحنفية" و"تخريج أحاديث الهداية". وحدث، وسمع منه الحفاظ والفضلاء. اهـ. وله أيضًا "الدرر المنيفة في الرد على ابن أبي شيبة فيما أورده على أبي حنيفة". * * *

ابن خالويه

ابن خالويه (ت 371) أو (370 هـ)

قال سالم الكرنكوي في ترجمة ابن خالويه من آخر كتاب الأخير: "إعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم" (ص 246): "قد يظهر من كتابه هذا أنه كان شيعيًّا؛ فإنه ذكر فيه أشياء لا يقولها أحدٌ من أهل السنة، مثل الحكاية الركيكة في أكل النبي -صلى الله عليه وسلم- السفرجلة التي لا أصل لها في الحديث النبوي (¬1)، وغير ذلك مما لا يخفى على القارىء". اهـ. عَلَّق الشيخ المعلمي هاهنا بقوله: "لكن في هذا الكتاب عَيْيه ما ينفي عنه الرفض انظر كلامه على "الصراط المستقيم" في تفسير الفاتحة، وعبارته في تفسير "أن لن يقدر عليه أحد". إلا أن عبارته في نسخة رامفور قد تناقض ذلك. فأما ما قاله في تفسير "اهدنا" من الفاتحة استطرادًا، واقتصاره في الصلاة على الآل، وقوله عند ذكر علي: "عليه السلام" أو: "صلوات الله عليه" ونحو ذلك، فليس فيه دلالة على رفضه". اهـ. قال أبو أنس: كلامه في "الصراط المستقيم" هو في (ص 29)، قال: "حدثني محمد بن أبي هاشم، عن ثعلب، عن ابن الأعرابي قال: سئل الحسن البصري عن الصراط المستقيم، فقال: هو والله أبو بكر وعُمر وعثمان وعليٌّ الحجة بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-. ¬

_ (¬1) قال ابن خالويه في ذاك الكتاب (ص 120): "وكان -صلى الله عليه وسلم- ليلة أُسري به رُفعت له شجرة وهي سفرجلة فأكلها ثم نزل فواقع خديجة فخلق الله تلك السفرجلة ماءً في ظهر رسول صلى الله عليه وآله وسلم، فلما واقع خديجة خلق الله تعالى من ذلك الماء فاطمة عليها السلام .. ".

وقال أبو العالية في قوله: (اهدنا الصراط المستقيم) قال: أبو بكر وعُمر. فسئل الحسن عن ذلك، فقال: صدق أبو العالية ونصح". اهـ. وعبارته في تفسير (أن لن يقدر عليه أحد) هي في (ص 89): قال: "وقوله جل وعز (وما لأحد عنده من نعمة تجزى) فالهاء كناية عن أبي بكر الصديق. اهـ. وفي الحاشية: "الذي في م، ر: فأحد هاهنا أبو بكر الصديق". اهـ. وبينهما بون شاسع. التعريف بابن خالويه: • قال الذهبي في الطبقة السابعة والثلاثين من "تاريخ الإسلام": "الحسن بن أحمد بن حمدان بن خالويه أبو عبد الله الهمذاني، النحوي، اللغوي، قدم بغداد، ثم إنه قدم الشام، وصحب سيف الدولة بن حمدان، وأدب بعض أولاده، ونفق سوقه بحلب، واشتهر ذكره، وقصده الطلاب من الآفاق. وكان صاحب سنة، وصنف في اللغة: كتاب "ليس" (¬1)، وكتاب "شرح الممدود والمقصور"، وكتاب "أسماء الأسد" ذكر له خمسمائة اسم، وكتاب "البديع" في القراءات، و"الجُمَل" في النحو، وكتاب "الاشتقاق"، وكتاب "غريب القرآن"، وله مصنفات سوى ما ذكرنا ... اهـ. ¬

_ (¬1) بنى كلامه فيه على أنه: ليس من كلام العرب كذا، وليس كذا، فسمي به وهو مختصر، طبع في أوروبا عن النسخة الوحيدة الموجودة في بريتيش موزيوم، باعتناء: ديرنبرغ 1894، هكذا قال يوسف إليان سركيس في "معجم المطبوعات العربية" (1/ 91).

• وذكره ابن حجر في "اللسان" (3/ 93) وزاد: "وسمع على أبي العباس بن عقدة وغيره. قال ابن أبي طي (¬1): كان إماميًّا، عالما بالمذهب. قلت: وقد ذكر في كتاب "لَيْسَ" ما يدل على ذلك. وقال الذهبي في "تاريخه": كان صاحب سنة. قلت: كان يُظْهِرُ ذلك تقربا لسيف الدولة صاحب حلب؛ فإنه كان يعتقد ذلك، وقد قرأ أبو الحسين النصيبي -وهو من الإمامية- عليه كتابه في الإمامة. ... وكان يقال له: ذو النونين؛ لأنه كان يكتب في آخر كتبه: الحسين بن خالويه، فيغرق النونين. ... ووقع بينه وبين المتنبي منازعات عند سيف الدولة". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) هو: يحيى بن أبي طي حميد بن ظافر بن علي بن الحسين بن علي بن محمد بن الحسن بن صالح بن علي ابن سعيد ابن أبي الخير الطائي أبو الفضل البخاري الحلبي المولود سنة 575 والمتوفى سنة 630. له كتاب: "معادن الذهب في تاريخ حلب" و"شرح نهج البلاغة" و"الحماوي في رجال الإمامية" وغيرها، ترجمه ابن حجر في "اللسان" (7/ 331)، وفيه: "كان بارعا في الفقه على مذهب الإمامية ... وقفت على تصانيفه، وهو كثير الأوهام والسقط والتصحيف، وكان سبب ذلك ما ذكره ياقوت من أخذه من الصحف" اهـ.

أبو الحسن الأشعري

أبو الحسن الأشعري (ت 324 هـ. وقيل بقي إلى 330 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 126 - 127): "الذي شهره المتعمقون عن الأشعري التأويل، وإن كان آخر مصنفاته "كتاب الإبانة" أعلن فيه اعتماده مذهب الإمام أحمد وأهل الحديث". اهـ. * * *

الدميري

الدميري وكتابه: "حياة الحيوان" (808 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 100): "ثم ذكر -يعني أبا رَيَّة- حكايةً عن "حياة الحيوان"، وحَسْبها أنه لم يجد لها مصدرًا إلا "حياة الحيوان"". اهـ. قال أبو أنس: النقد لا يتجزأ، وربما احتاجتِ الحكاياتُ إلى احتياطٍ أبلغَ من الروايات؛ لِمَا يكثرُ فيها من التساهل في النقل والرواية بالمعنى، وتأثر ذلك بمعتقدات الناقلين وأهواءهم ومشاربهم، فضلا عن الثقة والضبط، هذا مع وجود الأسانيد، فما بالك بالحكايات المنقطعة والمعضلة والمرسلة؟ والدميري هو كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي. • في "كشف الظنون" (1/ 696): "حياة الحيوان للشيخ كمال الدين محمد بن عيسى الدميري الشافعي المتوفى سنة 808 ثمان وثمانمائة وهو كتابٌ مشهورٌ في هذا الفن، جامعٌ بين الغَثِّ والسَّمينِ؛ لأن المصنفَ فقيهٌ فاضلٌ، محققٌ في العلوم الدينية، لكنه ليس من أهل هذا الفن كالجاحظ، وإنما مقصده تصحيح الألفاظ وتفسير الأسماء المبهمة. وذكر أنه ألفه من خمسمائة وستين كتابا ومائة وتسعة وتسعين ديوانا من دواوين شعراء العرب، وجعله نسختين كبرى وصغرى، في كُبراه زيادة "التاريخ" و"تعبير الرؤيا"، وفرغ من مسودته في شهر رجب سنة 773 ثلاث وسبعين وسبعمائة ... ولهذا الكتاب مختصرات منها: مختصر الشيخ شمس الدين محمد بن أبي بكر الدماميني المتوفى سنة 828 ثمان وعشرين وثمانمائة، ذكر فيه أن كتاب شيخه هذا كتاب حسن في بابه، جمع بين أحكام شرعية، وأخبار نبوية، ومواعظ نافعة، وفوائد بارعة،

وأمثال سائرة، وأبيات نادرة، وخواص عجيبة، وأسرار غريبة، لكنه طَوَّل في بعض أماكنه، ووقع في بعضه ما لا يليق بمحاسنه ... قال السخاوي في حق الأصل: وهو نفيس، مع كثرة استطراده فيه من شيء إلى شيء، وأتوهم أن فيها ما هو مدخول؛ لما فيها من المناكير، وقد جردها الفاسي، ونبه على أشياء مهمة يحتاج الأصل إليها انتهى ... ومختصر علي القاري نزيل مكة المكرمة المتوفى سنة 1016 ست عشرة وألف سماه "بهجة الإنسان في مهجة الحيوان" ... * * *

أبو جعفر الإسكافي

أبو جعفر الإسكافي (ت 240 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "الأنوار" (ص 152): "من دُعاة المعتزلة والرفض في القرن الثالث، ولا يُعرف له سند". قلت: • قال السمعاني في "الأنساب" (1/ 245): "أما الإسكافية، فهم طائفة من المعتزلة، وهم أصحاب أبي جعفر الإسكافي الذي زعم أن الله تعالى لا يقدر على ظلم العقلاء وإنما يقدر على ظلم المجانين والأطفال، وهذا تدقيق منه في الكفر بديع! ". • وقال الذهبي في "السير" (10/ 550) -تلخيصا لما في "الفهرست لابن النديم" المعتزلي أيضًا: "هو العلامة أبو جعفر محمد بن عبد الله السمرقندي ثم الإسكافي المتكلم وكان أعجوبة في الذكاء وسعة المعرفة، مع الدين والتصون والنزاهة، وكان في صباه خياطا، وكان يحب الفضيلة فيأمره أبواه بلزوم المعيشة، فضمه جعفر بن حرب إليه، وكان يبعث إلى أمه في الشهر بعشرين درهما بدلا من كسبه، فبرع في الكلام، وبقي المعتصم معجبا به كثيرا، فأدناه وأجزل عطاعما وكان إذا ناظر أصغى إليه وسكت الحاضرون، ثم ينظر المعتصم إليهم ويقول: من يذهب عن هذا الكلام والبيان، ويقول: يا محمد، اعرض هذا المذهب على الموالي، فمن أبى فعَرِّفْنِي خبره؛ لأنكل به. ذكر له النديم (¬1) مصنفاتٍ عدةٍ: منها: "نقض كتاب حسين النجار"، وكتاب "الرد على من أنكر خلق القرآن"، وكتاب "تفضيل علي"، وكان يتشيع، مات سنة أربعن ومئتين". اهـ. ¬

_ (¬1) ص: (213).

الثعالبي

الثعالبي (ت 429 هـ)

قال الشيخ في "الأنوار" (ص 150): "ومن هو الثعالبي حتى يُقبل قولُه بغير سند؟ " (¬1). تعريف بالثعالبي: • في "سير أعلام النبلاء" (17/ 347): "العلامة شيخ الأدب أبو منصور عبد الملك بن محمد بن إسماعيل النيسابوري الشاعر، مصنف كتاب "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر"، وله كتاب "فقه اللغة"، وكتاب "سحر البلاغة"، وكان رأسا في النظم والنثر، مات سنة ثلاثين وأربعمائة، وله ثمانون سنة". اهـ. • وفي "أبجد العلوم" (3/ 71): "صاحب كتاب "يتيمة الدهر في محاسن أهل العصر"، وهو أكبر كتبه وأحسنها وأجمعها، والثعالبي نسبة إلى خياطة جلود الثعالب وعملها. وله كتاب "فقه اللغة"، و"سحر البلاغة وسر البراعة". * * * ¬

_ (¬1) قاله المعلمي ردا على قول أبي رية في كتابه (ص 199): "وفي خاص الخاص للثعالبي: كان أبو هريرة يقول: ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز الحار، وما رأيت فارسا أحسن من زيد على تمر".

الملك عيسى بن أبي بكر بن أيوب

الملك عيسى بن أبي بكر بن أيوب (ت 624 هـ)

1 - قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 136): "يلقبه الكوثري": عالم الملوك الملك المعظم "فإن هذا الملك كان أهله شافعية فتحنف وتعصب. قال فيه الملا علي القاري الحنفي كما في"الفوائد البهية في مناقب الحنفية" (ص 152): "كان متغاليًا في التعصب لمذهب أبي حنيفة. قال له والده يومًا: كيف اخترت مذهب أبي حنيفة وأهلك كلهم شافعية؟ فقال: أترغبون عن أن يكون فيكم رجل واحد مسلم"! وهذا الملك قد أثنى عليه خليله السبط في "المرآة" ومع ذلك ذكره في مواضع متفرقة بفظائع، وقد سبق له ذكر في ترجمة أحمد بن الحسن بن خيرون، وذكرت المانع من تتبع هفواته". اهـ. 2 - وقال في الموضع المشار إليه (1/ 108): "أما الملك عيسى فحسبك أن تتبع ما يحكيه عنه خليله في المجلد الأخير من تاريخه "مرآة الزمان" في مواضع متعددة، ويمنعني من نقل ذلك هنا أنه كان له مشاهد في قتال الكفار، وأنه حكى عنه ما يدل على محافظته على الصلاة حتى في مرض موته والله أعلم". اهـ. * * *

ابن دحية

ابن دحية (ت 633 هـ)

"صاحب مجازفات". قاله الشيخ المعلمي في حاشية "الأنساب" (2/ 81)، (3/ 284). تعريفٌ مُجْمَلٌ بابن دحية: • قال الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (22/ 389): "قال أبو عبد الله الأبار: كان بصيرا بالحديث، معتنيا بتقييده، مكبا على سماعه، حسن الخط، معروفا بالضبط، له حظ وافر من اللغة، ومشاركة في العربية وغيرها، روى عنه ابن الدبيثي، فقال: كان له معرفةٌ حسنةٌ بالنحو واللغة، وأَنَسَةٌ بالحديث، فقيها على مذهب مالك، وكان يقول إنه حفظ "صحيح مسلم" جميعه، وإنه قرأه على شيخ بالمغرب من حفظه ويدير أشياء كثيرة ... قلت: كان هذا الرجل صاحب فنون وتوسع ويد في اللغة، وفي الحديث على ضعفٍ فيه ... قال الضياء: لقيته بأصبهان، ولم أسمع منه، ولم يعجبني حاله؛ كان كثير الوقيعة في الأئمة، وأخبرني إبراهيم السنهوري بأصبهان أنه دخل المغرب وأن مشايخ المغرب كتبوا له جرحه وتضعيفه. قال الضياء: وقد رأيت منه غير شيء مما يدل على ذلك. وقال ابن نقطة: كان موصوفا بالمعرفة والفضل ولم أره، إلا أنه كان يدعي أشياء لا حقيقة لها، ذكر في أبو القاسم بن عبد السلام ثقة قال: نزل عندنا ابن دحية فكان يقول: أحفظ "صحيح مسلم" و"الترمذي" قال: فأخذت خمسة أحاديث من الترمذي، وخمسة من المسند، وخمسة من الموضوعات، فجعلتها في جزء، ثم عرضت عليه حديثا من الترمذي فقال: ليس بصحيح. وآخر فقال: لا أعرفه. ولم يعرف منها شيئا.

وقال ابن واصل الحموي: كان ابن دحية مع فرط معرفته بالحديث، وحفظه الكثير له، متهما بالمجازفة في النقل، وبلغ ذلك الملك الكامل، فأمره أن يعلق شيئا على كتاب الشهاب فعلق كتابا تكلم فيه على أحاديثه وأسانيده، فلما وقف الكامل على ذلك خلاه أياما وقال: ضاع ذاك الكتاب فعلق لي مثله ففعل، فجاء الثاني فيه مناقضة للأول، فعلم السلطان صحة ما قيل عنه، ونزلت مرتبته عنده، وعزله من دار الحديث التي أنشأها آخرا وولاها أخاه أبا عمرو ... قلت: وكان ممن يترخص في الإجازة، ويطلق عليها "حدثنا"، وقد سمع منه أبو عمرو بن الصلاح الموطأ بُعيد سنة ستمائة ... ولمتأخري المغاربة مذهب في إطلاق "حدثنا" على الإجازة، وهذا تدليس. ... قال ابن النجار: قدم علينا، وأملى من حفظه وذكر أنه سمع من ابن الجوزي، وسمع بأصبهان "معجم الطبراني" من الصيدلاني، وسمع بنيسابور وبمرو وواسط، وأنه سمع من جماعة بالأندلس، غير أني رأيت الناس مجمعين على كذبه وضعفه، وادعائه ما لم يسمعه، وكانت أمارات ذلك لائحة على كلامه وفي حركاته، وكان القلب يأبى سماع كلامه، سكن مصر وصادف قبولا من السلطان الكامل، وأقبل عليه إقبالا عظيما، وسمعت أنه كان يسوأنه المداس حين يقوم ... إلى أن قال: ونسبه ليس بصحيح، وكان حافظا ماهرا، تام المعرفة بالنحو واللغة، ظاهري المذهب، كثير الوقيعة في السلف، أحمق شديد الكبر، خبيث اللسان، متهاونا في دينه، وكان يخضب بالسواد. حكى ابن النجار في "تاريخه" وابن العديم في "تاريخ حلب" وأبو صادق محمد ابن العطار وابن المستوفي في "تاريخه" عنه أشياء تُسقطه". اهـ. * * *

محمد بن مخلد أبو عبد الله العطار

محمد بن مخلد أبو عبد الله العطار (ت 331 هـ)

كتابه: "ما رواه الأكابر عن مالك" (¬1). قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 187): "ابن مخلد لم يشترط في ذاك الجزء الصحة، وإنما اكتفى بما قد روي". اهـ. تعريف به: • قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 310): "كان أحد أهل الفهم، موثوقا به في العلم، متسع الرواية مشهورًا بالديانة، موصوفًا بالأمانة، مذكورًا بالعبادة. ... حدثني علي بن محمد بن نصر، قال: سمعت حمزة بن يوسف يقول: سألت الدارقطني عن أبي عبد الله محمد بن مخلد العطار، فقال: ثقة مأمون". اهـ. • وزاد الذهبي في "السير" (15/ 256): "كتب ما لا يوصف كثرة مع الفهم والمعرفة وحسن التصانيف ... وكان موصوفًا بالعلم والصلاح والصدق والاجتهاد في الطلب، طال عمره واشتهر اسمه، وانتهى إليه العلو مع القاضي المحاملي ببغداد". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) طبع هذا الكتاب في مؤسسة الريان ببيروت عام 1416 هـ، في مجلد واحد، بعناية: عواد الخلف.

ابن أبي الحديد

ابن أبي الحديد (ت 656 هـ)

قال الشيخ المعلمي في "الأنوار" (ص 152): "من دعاة الاعتزال والرفض والكيد للإسلام، وحاله مع ابن العلقمي الخبيث معروفة". قال أبو أنس: هو عز الدين أبو حامد بن هبة الله بن محمد بن محمد بن الحسين بن أبي الحديد المدائني. صاحب "شرح نهج البلاغة" للإمام علي. طبعة/ دار إحياء الكتب الغربية -القاهرة- سنة 1378 هـ. لمحققه: محمد أبي الفضل إبراهيم. • قال محققه في ترجمته: "أحد جهابذة العلماء، وأثبات المؤرخين، ممن نجم في العصر العباسي الثاني، أزهى العصور الإِسلامية إنتاجا وتأليفا، وأحفلها بالشعراء والكتاب والأدباء والمؤرخن واللغويين وأصحاب المعاجم والموسوعات، كان فقيهًا أصوليا، وله في ذلك مصنفات معروفة مشهورة، وكان متكلما جدليا نظارا، اصطنع مذهب الاعتزال، وعلى أساسه جادل وناظر. وحاجَّ وناقش. وفي "شرح النهج" وكثير من كتبه آراء منثورة مما ذهب إليه، وله مع الأشعري والغزالي والرازي كتب ومواقف. وكان أديبا ناقدًا، ثاقب النظر، خبيرا بمحاسن الكلام ومساوئه، وكتابه "الفلك الدائر على المثل السائر" دليل على بعد غوره، ورسوخ قدمه في نقد الشعر وفنون البيان، ثم كان أديبا متضلعا في فنون الأدب، متقنًا لعلوم اللسان، عارفًا بأخبار العرب، مطلعا على لغاتها، جامعًا لخطبها ومنافراتها، راويًا لأشعارها وأمثالها، حافظًا لمُلحها وطرفها، قارئًا مستوعبا لكل ما حوته الكتب والأسفار في زمانه.

وكان وراء هذا شاعرا عذب المورد، مشرق المعنى، متصرفا مجيدا، كما كان كاتبا بديع الإنشاء حسن الترسل ناصع البيان. ولد بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة ست وثمانن وخمسمائة، ونشأ بها، وتلقى عن شيوخها، ودرس المذاهب الكلامية فيها، ثم مال إلى مذهب الاعتزال منها، وكان الغالب على أهل المدائن التشيع والتطرف والمغالاة، فسار في دربهم، وتقبل مذهبهم، ونظم القصائد المعروفة بالعلويات السبع على طريقتهم، وفيها غالَى وتَشَيَّعَ، وذهب به الإسراف في كثير من أبياتها كل مذهب. وحينما انقضت أيام صباه، وطوى رداء شبابه، خَفَّ إلى بغداد، حاضرة الخلافة، وكعبة القُصَّاد، وعشّ العلماء، وكانت خزائنها بالكتب معمورة، ومجالسها بالعلم والأدب مأهولة، فقرأ الكتب واستزاد من العلم، وأوغل في البحث، ووعى المسائل، ومحَّص الحقائق، واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب، ثم جنح إلى الاعتزال. وأصبح كما يقول صاحب "نسمة السحر": معتزليا جاحظيا ... في أكثر شرحه للنهج - بعد أن كان شيعيا غاليا. وفي بغداد أيضًا نال الحظوة عند الخلفاء من العباسيين ومدحهم، وأخذ جوائزهم، ونال عندهم سني المراتب ورفيع المناصب، فكان كاتبا في دار التشريقات، ثم في الديوان، ثم ناظرا للبيمارستان، وأخيرا فوض إليه أمر خزائن الكتب في بغداد ... وذكر ابن الفوطي في كتاب "مجمع الألقاب" أنه أدرك سقوط بغداد، وأنه كان ممن خلص من القتل في دار الوزير مؤيد الدين العلقمي مع أخيه موفق الدين. كما ذكر أيضًا في كتابه الحوادث الجامعة في وفيات سنة 656: "توفي فيها الوزير مؤيد الدين محمد بن العلقمي في جمادى الآخرة ببغداد ... والقاضي موفق الدين أبو المعالي القاسم بن أبي الحديد المدائني في جمادى الآخرة، فرثاه أخوه عز الدين عبد الحميد بقوله ... ".

• وفي "البداية والنهاية" لابن كثير (17/ 313): "ثم دخلت سنة 649 ... وفيها كمل شرح الكتاب المسمى بـ "نهج البلاغة" في عشرين مجلدا مما ألفه عبد الحميد بن داود بن هبة الله بن أبي الحديد المدائني الكاتب للوزير مؤيد الدين بن العلقمي، فأطلق له الوزير مائة دينار وخلعة وفرسا وامتدحه عبد الحميد بقصيدة لأنه كان شيعيا معتزليا". اهـ. • وفي "مرآة الجنان" (4/ 147): "في حوادث 656 فيها دخلت التتار بغداد وسبب دخولهم أن الملك المؤيد ابن العلقمي كاتَبَهم وحرضهم على قصد بغداد؛ لأجل ما جرى على إخوانه الرافضة من النهب والخزي، وظن أن الأمر يتم ويبقى خليفةً علويا، فأشار على المستعصم أني أخرج إليهم لتقرير الصلح، فخرج الخبيث، وتوثق لنفسه بالأمان ورجع، وقال للخليفة: إنهم يريدون أن يكون الأمر كما كان لأجدادك مع السلجوقية، فخرج المستعصم مع عدة فقتلوا" ثم قال اليافعي: "وفيها توفي الوزير الرافضي ابن العلقمي، ولي وزارة العراق 14 سنة، وكان ذا حقد على أهل السنة، فصار سبب دخول التتار بغداد، ثم انعكس حالة، وكل يده ندما، وبقي بعد تلك الرتبة الرفيعة في حالة وضيعة، وولي مع غيره وزارة التتار على بغداد بطريق الشركة، ثم مرض غما ومات بعد قليل". اهـ. * * *

محمد رشيد رضا

محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار (ت 1354 هـ)

يتعلق به هاهنا أربعة أمور: الأول: مناقشته في قضية خطيرة، نسبها إلى أبي حامد الغزالي وهو منها براء. الثاني: الردّ عليه في قوله أن النهي عن كتابة الأحاديث متأخر عن الإذن بالكتابة. الثالث: الجواب عما زعمه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصدق المنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب. الرابع: البحث في: هل السنة تنسخ القرآن أم لا؟ * * *

الأمر الأول مناقشته في قضية خطيرة نسبها إلى أبي حامد الغزالي، وهو منها براء

الأمر الأول مناقشته في قضية خطيرة نسبها إلى أبي حامد الغزالي، وهو منها براء نقل أبو رية عن صاحب المنار قوله: "والعمدة في الدين: كتاب الله تعالى في المرتبة الأولى، والسُّنَّة العملية المتفق عليها في المرتبة الثانية وما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحاديث الآحاد فيها رواية ودلالة في الدرجة الثالثة". فقال العلامة المعلمي في "الأنوار" (ص: 24): "أقول (¬1): قد سبق أن المعروف بين أهل العلم ذكر الكتاب والسنة، ثم يُقسمون السنة إلى متواتر وآحاد وغير ذلك. قال -يعني صاحب "المنار": "ومن عمل بالمتفق عليه كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى وقد قرر ذلك الغزالي". علق أبو رية في الحاشية: "قرر الغزالي ذلك في كتاب "القسطاس المستقيم". وعبارة صاحب المنار في مقدمته لمغني ابن قدامة: "فَمِنْ مقتضى أصولهم كلهم وجوب ترك أسباب كل هذا التفرق والاختلاف (¬2) حتَّى قال الغزالي في "القسطاس المستقيم" بالاكتفاء بالعمل بالمجمع عليه، وعد المسائل الظنية المختلف فيها كأن لم تكن". ¬

_ (¬1) هاهنا عنوان جانبي: "قضية خطيرة". (¬2) علق هنا الشيخ المعلمي بقوله: "أسباب التفرق والاختلاف الواجب تركها باتفاقهم هي الجهل والهوى والتعصب، وكذلك الخطأ بقدر الوسع، فأما أن يترك أحدهم ما يراه حقًا فلا قائل به، بل هو محظور باتفاقهم".

كذا قال، والذي في "القسطاس المستقيم" خلاف هذا، فإن فيه (ص 89) فما بعدها أنه: "يعظ العامِّي الطالب الخلاص من الخلاف في الفروع بأن يقول له: لا تشغل نفسك بمواقع الخلاف ما لم تفرغ من جميع المتفق عليه، فقد اتفقت الأمة على أن زاد الآخرة هو التقوى والورع، وأن الكسب الحرام والمال الحرام والغيبة والنميمة والزنا والسرقة والخيانة ... حرام، والفرائض كلها واجبة، فإن فرغت من جميعها علمتك طريق الخلاص من الخلاف". قال: "فإن هو طالبني بها قبل الفراغ من هذا كده فهو جَدَلي وديس بعامِّي ... نعم لو رأيتم صالحًا قد فرغ من حدود التقوى كلها، وقال: ها أنا تشكل عليَّ مسائل ... فأقول له: إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع، فتوضأ من كل ما فيه خلاف، فإن كل من لا يوجبه يستحبه ... فإن قال: هو ذا يثقل عليَّ ... فأقول له: الآن اجتهد مع نفسك وانظر إلى الأئمة أيهم أفضل ... فمن غلب على ظنك أنه الأفضل فأتبعه". حاصل هذا أن الغزالي كان يعلم أن العامَّة في زمانه ينتسب كل منهم إلى مذهب ويتعصب له، فإن فرض أن أحدهم سأل عن الخلاف وكيف يتخلص منه فلن يكون إلا أحد رجلين: إما فارغًا متلهيًا، وإما ورعًا تقيًا، والتقي الورع لا بد أن يكون قد شغل فكره المحافظة على الفرائض المتفق عليها وتجنب المحرمات المتفق عليها، وعمل بذلك على مذهبه قبل أن يشغله الخلاف. فإذا كان السائل مقصرًا مفرطًا وجاء يسأل عن الخلاف فلن يكون إلا متلهيًا، فيقال له: ابدأ بالعمل بما تعلمه يقينًا ثم سَلْ، فإن أَبَى فهو جَدليَ يتعنت في السؤال ولا يهمه العمل، والإعراض عن مثله أَوْلى.

فأما من أتى بما عليه بحسب مذهبه، وسأل عن الخلاص من الخلاف، فالظاهر أنه يَسأل ليعلم ويعمل، قال الغزالي: "فأقول له: إن كنت تطلب الأمان في طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخذ بما يتفق عليه الجميع". وفَسَّر ذلك بما بعده، وذلك يوضح قطعًا أن مراده بما يتفق عليه الجميع أن يلتزم أن يكون وضوءه الذي يصلي به وضوءًا يتفق العلماء على صحته، يتوضأ من كل ما قال عالم إنه ينقض الوضوء، وهكذا في سائر عمله، يأخذ بالأشد الأشد من أقوال المختلفن، وفهم منها صاحب المنار أن لا يتوضأ من شيء قال عالم إنه لا ينقض الوضوء، وهكذا في سائر عمله، يأخذ بالأخف الأخف من أقوال المختلفين، فلينظر العالم أين هذا من ذاك؟ على أنه إن لم يتوضأ إلا مما اتفقوا على أنه ينقض الوضوء قد يكون وضوءه باطلًا باتفاقهم؛ وذلك أن بعض العلماء يوجب الوضوء بمس الذكر ولا يوجبه من خروج الدم، وبعضهم يعكس، فإذا وقع لعامي هذا وهذا ولم يتوضأ، فوضوءه الأول باطل باتفاق الفريقين. ومع أن مراد الغزالي الاحتياط الأكيد، اقتصر على أن فيه الأمان في طريق الآخرة، ومع أن صاحب المنار قلبه إلى التفريط الشديد لم يقتصر على أن صاحبه يكون ناجيًا في الآخرة بل زاد مقربًا عند الله تعالى. وبعد فلندع الغزالي وصاحب المنار، ولنرجع إلى الحجة. إننا نعلم أن لكثيرٍ من علماء الفرق زلاتٍ وشواذ مخالفة لدلالات واضحة من القرآن ولأحاديث تبلغ درجة التواتر المعنوي أو درجة القطع عند من يعرف الرواية والرواة، ومثل هذا غير قليل، فالمقتصر على ما اتُّفِق عليه على ما فهمه صاحب المنار

لا بد أن يخالف الكتاب والسنة حتمًا في كثير من القضايا، هذا في المخالفة القطعية، فأما الظنية فحدِّث عن كثرتها ولا حرج. ومن جهةٍ أخرى فمن المحال عادة أن يكون الحق دائمًا من المسائل الخلافية مع المرخصين، فالترخص فيها كلها ترك متيقن لكثير من الحق. ولنفرض أن جماعةً تتبعوا أقوال علماء المسلمين من جميع الفرق ثم جمعوا كتابًا ضمنوه ما اتفق المسلمون على أنه واجب أو حرام أو باطل (¬1) وأهملوا ما عدا ذلك، فهل يقال: إن من حافظ على ما في ذاك الكتاب بدون نظر إلى غيره كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى ثم يستغني الناس بذاك الكتاب عن كتاب الله وتفسيراته وعن كتب السنة وشروحها ومتعلقاتها وعن كتب الفقه كلها، ثم لا يعدم المشذبون مقالا يشكك فيما ضمَّه ذاك الكتاب كالشك في تحقق الإجماع وفي حجيته، ولتغير الأحكام بتغير الزمان، وحينئذ يستريح الذين يدعون أنفسهم بالمصلحين من كل أثرٍ للإسلام. وقال ابن حزم في "الأحكام" (3/ 114): "وبالجملة فهذا مذهبٌ لم يُخلق له معتقدٌ قطُّ، وهو أن لا يقول القائل بالنص حتَّى يوافقه الإجماع، بل قد صح الإجماع على أن قائل هذا القول معتقدًا له كافر بلا خلاف؛ لرفضه القول بالنصوص التي لا خلاف في وجوب طاعتها". هذا وقد برئت ذمةُ الغزالي من ذاك القول كما علمتَ. ¬

_ (¬1) علَّق هاهنا الشيخ المعلمي بقوله: انظر: هل يسمحون بزيادة: أو مندوب.

وأنا أُجِلُّ السيدَ محمد رشيد رضا عن أن يقول به متصوِّرًا حقيقته، وإنما هذا شأن الإنسان؛ كَمَن يكون على جسر غير محجر، فتستولي على ذهنه خشية السقوط من جانب، فيتأخر عنه ويتأخر حتَّى يسقط بغير اختياره من الجانب الآخر. بلى، من عمل بالمتفق عليه كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى، وهذا المتفق عليه هو العمل بالدلائل القطعية والظنية من كتاب الله تعالى ومن سنة رسوله الثابتة قطعًا أو ظنا، فالعالم يتحرَّى ذلك بالنظر في الأدلة، فإن اشتبهت عليه أو تعارضت أَخذ باحسنها مع تجنب خرق الإجماع الصحيح. والعامِّي يسأل العلماء ويأخذ بفتواهم، فإن اختلفوا عليه احتاط أو طلب ترجيحًا ما، وإذا علم الله حسن نيته فلابد أن ييسر له ذلك، فأما تقليد الأئمة فمهما قيل فيه فلا ريب أنه خيرٌ بكثير من تتبع الرخص. وراجع "الموافقات" (4/ 72 - 81). اهـ. * * *

الأمر الثاني الرد عليه في قوله إن النهي عن كتابة الأحاديث متأخر عن الإذن بالكتابة

الأمر الثاني الرَّدُّ عليه في قوله إن النهي عن كتابة الأحاديث متأخر عن الإذن بالكتابة قضية كتابة الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- قد أشبع الشيخ المعلمي القولَ فيها في "الأنوار الكاشفة" (ص 31 - 35)، وسأفردها بالذكر إن شاء الله تعالى في قسم "القواعد" من كتابنا هذا. وأكتفي هنا بإيراد ما يتعلق بردِّه المجمل على "صاحب المنار". قال الشيخ المعلمي في "الأنوار" (ص 43): "ثم نقل أبو رية (ص 25 - 27) عن مجلة المنار كلامًا بُدِىءَ فيه بمحاولة الجمع بين حديث النهي (¬1) وقصة "اكتبوا لأبي شاه" بأن ما أمر بكتابته لأبي شاه من الدين العام، وأن النهي كان عن كتابة سائر الأحاديث التي هي من الدين الخاص. أقول: نظرية "دين عام ودين خاص" مردودة عليه، وقد تقدمت الإشارة إليها (ص 15) (¬2)، وحديث الإذن لعبد الله بن عمرو قاطع لشغبه البتَّة. قال صاحب المنار: "ولنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين: أحدهما: استدلال من روى عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة ومنعها بالنهي عنها وذلك بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-". ¬

_ (¬1) يعني: عن كتابة الحديث. (¬2) انظر ما سبق في الأمر الأول.

أقول: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالمرويُّ عن زيد بن ثابت متفق على ضعفه وعن أبي سعيد روايتان: إحداهما: فيها الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر فيها امتناع أبي سعيد، ونحن لم نقل في هذا إنه منسوخ، إنما قلنا إنه إما خطأ والصواب عن أبي سعيد من قوله، كما قال البخاري وغيره، وإما محمول على أمر خاص تقدم بيانه. وثانيتهما: رواية أبي نضرة عن أبي سعيد امتناعه هو، وليس فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى، وقد بقيت صحيفة عليّ عنده إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله ابن عمرو عنده، ثم عند أولاده كما مَرَّ، فلو كان هناك نسخ لكان بقاء الصحيفتين دليلا واضحًا جدًّا على أن الإذن هو المتأخر، وتقدم أن عُمر عزم على الكتابة، وأشار عليه الصحابة بها ثم تركها لمعنى آخر، ولم يذكروا نهيًا كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك صريح فيما قلنا، وقد أجاز الكتابةَ من الصحابة: عبد الله بن عمرو، وأبو هريرة، وأبو أُمامة، وأنس -رضي الله عنهما-، وروى هارون بن عنترة عن أبيه أن ابن عباس رخص فيها ثم أجمعت عليها الأمة". اهـ. * * *

الأمر الثالث الجواب عما زعمه هو وأبو رية من تصديق النبي للمنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب

الأمر الثالث الجواب عما زعمه هو وأبو رية من تصديق النبي للمنافقين والكفار في أحاديثهم لعدم علمه بالغيب نقل الشيخ المعلمي في "الأنوار" (ص 29 - 30) عن أبي رية قوله: "وقد ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصدّق بعض ما يفتريه المنافقون كما وقع في غزة تبوك وغيرها، وصدَّق بعض أزواجه، وتردد في حديث الإفك ... حتَّى نزل عليه آيات البراءة". وذكر (ص 142) عن صاحب المنار: " ... والنبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان يعلم الغيب، فهو كسائر البشر يحمل كلام الناس على الصدق إذا لم تَحُفَّ به شبهة وكثيرًا ما صدَّق المنافقين والكفار في أحاديثهم، وحديث العرنيين وأصحاب بئر معونة مما يدل على ذلك ... إذ أذن لبعض المعتذرين من المنافقين في التخلف عن غزوة تبوك، وما علَّلَه به وهو قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} وإذا جاز على الأنبياء والمرسلين أن يصدّقوا الكاذب فيما لا يخل بأمر الدين ... ". وذكر (ص 22) عن عياض حديث: "فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض، فأحسب أنه صادق فاقضي له" وفي رواية: "لعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض فأقضي له على نحو ما أسمع ... ". فقال العلَّامة المعلمي: أقول: لم يكن -صلى الله عليه وسلم- يعلم من الغيب ما لم يُعلمه الله تعالى به ولم يكن -بأبي وأمي- مغفلا، ولم يصدق المنافقين أي يعتقد صدقهم، بل ولا ظَنَّه وإنما كان الأمر عنده على الاحتمال، ولهذا عاتبه الله عز وجل على الإذن لهم، هذا واضح بحمد الله.

والعُرَنيون لم يتحقق منهم كذب، فلعلهم كانوا صادقن في إسلامهم، وإنما بدا لهم أن يرتدّوا لما وجدوا أنفسهم منفردين بالإبل والراعي بعيدًا عن المدينة. وقصة بئر معونة اختلف فيها فلم يتحقق فيها شاهد على ما نحن فيه. راجع "فتح الباري" (7/ 296). وقصته مع بعض أزواجه أراها في "الصحيحين"عن عائشة: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يمكث عند زينب بنت جحش ويشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيَّنَنَا دخل عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- فلتقل: إنِّي لأجد منك ريح مغافير، أكلتَ مغافير؟ فدخل على إحديهما، فقالت له ذلك فقال: لا بل شربتُ عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له، فنزلت: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ}، إلى {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} لعائشة وحفصة ... ". وتمام الآية {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} ولو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- صدَّق المرأة أن لذاك العسل رائحة كريهة، لكان امتناعه لكراهيتها، وكذلك كان خلقه الكريم المطلوب منه شرعًا، وسياق الآية يخالف ذلك كما هو واضح. فالذي يظهر أنه -صلى الله عليه وسلم- فطن للحيلة، وعلم أن قائلة ذلك إنما غارت لطول مكثه عند ضرتها وانفرادها بسقيه العسل الذي يحبه، فحملتها شدة المغيرة، فتكرم فلم يكاشفها، وامتنع من شرب العسل عند ضرتها تطييبًا لنفسها. وأما تردده في قصة الإفك فليس فيه ما يوهم التصديق ولا ظن الصدق. وأما قوله: "فأحسب أنه صادق" فالحسبان هو الظن، ولينظر سند هذه الحكاية. اهـ. * * *

الأمر الرابع هل السنة تنسخ القرآن أم لا؟

الأمر الرابع هل السنة تنسخ القرآن أم لا؟ نقل أبو رية عن صاحب المنار قوله: "والنبي -صلى الله عليه وسلم- مبين للقرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان التفصيلُ والتخصيصُ والتقييدُ، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره، ولذلك كان التحقيق أن السنة لا تنسخ القرآن". فقال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 23): "أقول: أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه فهذا لا يقع من السنة للقرآن ولا من بعض القرآن لبعض، فالقرآن كله حق وصدق {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ} (¬1). وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ فليست بإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان. فالتخصيص مثلًا إن اتصل بالخطاب العام كأن نزلت آيةٌ فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي -صلى الله عليه وسلم- وبيَّن ما يخصصها فالأمر واضح؛ إذ البيان متصل بالمبيَّن، فكان معه كالكلام الواحد. ¬

_ (¬1) سورة فصلت، آية: 42.

وإن تأخر المخصِّص عن وقت الخطاب بالعام، ولكنه تبعه قبل وقت العمل بالعام أو عنده، فهذا كالأول عند الجمهور، وهذا مرجعه إلى عُرْف العرب في لغتهم كما بيَّنه الشافعي في "الرسالة" (¬1). أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته التخصيص فإنما يكون نسخًا جزئيا، لكن بعضهم يُسَمِّي النسخ تخصيصًا جزئيا كان أو كليًا؛ نظرًا إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات عموم، والنسخ إخراج لبعض تلك الأوقات، وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ، وهذا مما يَحتج به من يُجيز نسخ بعض أحكام الكتاب بالسنة". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) علق المعلمي هاهنا بقوله: "قد يكون كذلك في غير العربية، ولكن الشافعي رأى بعض المستغربين يستنكرونه، فجوَّز مخالفةَ لغاتهم الأعجمية للعربية في ذلك".

المدعو مسعود بن شيبة

المدعو مسعود بن شيبة وكتابه المزعوم "كتاب التعليم"

قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 396): " ... وإذا بحنفي آخر محترق يكتب كتيبًا يضمنه أشياء في فضل أبي حنيفة، وعيب سائر الأئمة، ولا سيما الشافعي، وخوفًا من الفضيحة نَحل الكتابَ من لا وجود له، فكتب عنوانه "كتاب التعليم" لشيخ الإسلام عماد الدين مسعود بن شيبة ابن الحسين السندي، ثم رمى بالكتاب في بعض الخزائن، فعثر الناس عليه بعد مدة، فتساءل العارفون: من مسعود بن شيبة؟ لا يجدون له خبرًا ولا أثرًا إلا في عنوان ذاك الكتيب. القضية مكشوفة، إلا أنها صادفت هوى في نفوس بعض الحنفية، فصار بعض مؤرخيهم وجامعي طبقاتهم ومناقبهم يذكرون مسعود بن شيبة، وينقلون من ذاك الكتيب، فاضطر الحافظ ابن حجر إلى أن يقيم لذلك وزنًا ما، فقال في "لسان الميزان": "مسعود بن شيبة ... مجهول لا يُعرف عمن أخذ العلم، ولا من أخذ عنه، له مختصر سماه" التعليم "كذب فيه على مالك وعلى الشافعي كذبًا قبيحًا ... ". فيجيء الأستاذ الذي يصف نفسه كما في لوح كتابه الذي طبع بتصحيحه ومراجعته بأنه: "الإِمام الفقيه المحدث والحجة الثقة المحقق العلامة الكبير صاحب الفضيلة مولانا الشيخ محمد زاهد بن الحسن الكوثري، وكيل المشيخة الإِسلامية في الخلافة العثمانية سابقًا". فيحتج بذاك الكتيب المسمى بـ "التعليم"، ويذكر مسعود بن شيبة كعالمٍ حقيقي، ويزيد لي ذلك فيقول في حاشية (ص 3) من التأنيب: "وابن شيبة هذا جهله ابن حجر فيما جهل، مع أنه معروف عند الحافظ عبد القادر القرشي، وابن دقاق المؤرخ، والتقي

المقريزي، والبدر العيني، والشمس ابن طولون الحافظ، وغيرهم (¬1) فنَعُدُّ صنيعَ ابن حجر هذا من تجاهلاته المعروفة -لحاجةٍ في النفس- وقانا الله اتباع الهوى". كذا يقول هذا الظالم لنفسه، وهو يعلم حق العلم أن هؤلاء الذين سماهم - وكلهم متأخرون، لم يعرفوا إلا ذاك الكتيب، فتجاهلوا حالة، وذكروا مسعود بن شيبة بما أخذوه من ذاك الكتيب، فإن كانت هذه معرفة فالحافظ ابن حجر لم ينكرها، بل أثبتها في تلك الترجمة، والداهية الدهياء أن يختم الأستاذ عبارته بقوله: "وقانا الله اتباع الهوى" أفليس هذا أشنع وأفظع وأدل على المكروه من قول شارب الخمر حين يشربها: باسم الله؟! * * * ¬

_ (¬1) وجاء النقل عنه أيضًا في "نصب الراية" للزيلعي الحنفي (1/ 31)، وجاء ذكره فيمن جمع "طبقات الحنفية" في "كشف الظنون" (2/ 1099)، و (1/ 426).

القسم الثالث «القواعد النظرية والاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد»

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي وَأَثَرُهُ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ المُسَمَّاة النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد إِعدَاد أَبِي أَنَس إِبْرَاهِيَم بنْ سَعِيْد الصبَيْحي الْقسم الثالث «القواعد النظرية والاستقرائية التي بنى عليها المعلمي منهجه في النقد» دَارُ طَيْبَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد (3)

(ح) دَار طيبَة للنشر والتوزيع، 1431 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الصبيحي، إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم موسوعة المعلمي الْيَمَانِيّ وأثره فِي علم الحَدِيث الْمُسَمَّاة (النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد)./ إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم الصبيحي - الرياض، 1431 هـ 4 مج. ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 3) 1 - عُلُوم الحَدِيث. 2 - الحَدِيث - الْجرْح وَالتَّعْدِيل. 3 - الحَدِيث - علل. أ - العنوان ديوى 230 - 19/ 1431 رقم الْإِيدَاع: 19/ 1431 ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 3) جَمِيعُ الحُقُوق مَحفُوظَةٌ الطَّبعَةُ الأولى 1431 هـ - 2010 م دَار طيبَة للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - السويدي ش. السويدي الْعَام - غرب النفق - ص. ب 7612 الرَّمْز البريدي 11472 - هَاتِف 4253737 (6 خطوط) - فاكس 4258277

مقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة إن الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره، ونَعوذُ بالله من شُرُور أنفسِنا ومِن سَيِّئاتِ أعمالنا، من يَهْده الله فلا مُضِلَّ لَهُ، ومن يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وَحْدَهُ لا شريك لَهُ، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102] {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1]. {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)} [الأحزاب: 70، 71]. أما بعد: فهذه هي الحلقة الثالثة والأخيرة من سلسلة "النكت الجياد المنتخبة من كلام شيخ النقاد" وقد سبقت حلقتان: الأولى: في تراجم الرجال الذين تكلم عليهم المعلمي جرحًا وتعديلًا. والثانية: في تناوله لمناهج وشيء من أحوال وخصائص بعض الأئمة والمصنفين في كتبهم.

وتتعلق هذه الحلقة الثالثة بعلوم السُنة، وقواعد المصطلح الاستقرائية التي بني عليها العلامة المعلمي منهجه في نقد الرواة والأخبار. فأما ما يتعلق بعلوم السُنة فيشمل: تعريف السُنة، ومنزلتها من الدين، وحفظ الله تعالى لها، وعناية الأئمة بها، واحتياطهم البالغ في باب النقد، والانتصار لأصحاب الحديث، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول، وبيان إعراض كثير من الناس عن هذا العلم، ووجوب تسليم مَنْ دون أئمة الحديث لهم في معرفة الصحيح من المعلول. وهي فصولٌ نافعةٌ في بابها، على اختصارها وقِلَّةِ مبناها. وأما علوم المصطلح، فتشمل قواعد نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث، بالإضافة إلى مباحث في الجرح والتعديل، وفنون من علم الرجال. وقَوْلي: "الاستقرائية" أردتُّ به أن كثر مباحث هذا المطلب ليست نقلًا مجردًا من كتب المصطلح المتداولة، بل تظهر فيها -بوضوح- شخصية الشيخ العلمية النقدية التي بناها على ممارسته لكتب الفن، وتخصصه في هذا المجال، كما شهد له بذلك القاصي والداني، والموافق والمخالف، كما ترى شيئًا منه في ثناء أهل العلم عليه في مقدمة القسم الأول من هذا الكتاب. وقد قال: في مقدمة "الفوائد المجموعة" (ص 9): "القواعدُ المقررة في مصطلح الحديث: منها ما يُذكر فيه خلافٌ، ولا يُحقَّقُ الحقُّ فيه تحقيقًا واضحًا، وكثيرًا ما يختلف الترجيحُ باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرًا. وإدراكُ الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسةٍ طويلةٍ لكتب الحديث والرجال والعلل، مع حسن الفهم وصلاح النية ... ".

ثم قال: "صيغ الجرح والتعديل، كثيرًا ما تُطلق على معانٍ مغايرة لمعانيها المقررة في كتب المصطلح، ومعرفة ذلك تتوقف على طول الممارسة واستقصاء النظر". ثم قال: "ما اشتهر أن فلانًا من الأئمة مُسَهِّل، وفلانًا مشدِّد، ليس على إطلاقه؛ فإن منهم من يسهل تارة، ويشدد أخرى، بحسب أحوال مختلفة. ومعرفة هذا وغيره من صفات الأئمة التي لها أثر في أحكامهم، لا تحصل إلا باستقراءٍ بالغ لأحكامهم مع التدبر التامّ". اهـ. فوضح من هذه العبارات المنهجُ العام للشيخ المعلمي في باب النقد، وهو اعتماده على البحث المتواصل، والنظر الدءوب، والاستقراء الهادىء لكتب الأئمة، مع شرطين أساسين، وهما: حسن الفهم، وصلاح النية. أما حُسْن الفهم فيتأتى بتحصيل أدوات هذا العلم وأسبابه المُعينة على تكوين الملكة التي تمدُّ صاحبَها بحسن التصور وجوْدة الفهم. وهذا كله يحتاج إلى ديمومة النظر والتفتيش في تصرفات الأئمة في الأحوال المتشابهة والمختلفة، مع جمع النظائر، وعرض بعضها على بعض. هذا مع عدم التقيُّد بالأقوال التي يُطلقها بعضُ المتأخرين في مناهج بعض الأئمة أو معاني بعض المصطلحات، مما لا يُساعدُ عليه تقليبُ صفحات كتبهم، إلا في مواضع نادرة، لا يتعذر حملها على الأشهر والأوضح من ذلك. وأما صلاح النيَّة فيقتضي التجرد عن الهوى والعصبية والمصلحة، ووجودُ أحد هذه الآفات مانعٌ صاحبه من بلوغ الحقِّ مهما أُوتي من علمٍ وفَهْمٍ. والمتأمِّل في سيرة الشيخ المعلمي؛ مِنْ نشأته، وطلبه للعلم، وما حصَّله من أنواع العلوم والمعارف، واشتغاله بهذا الفَنّ طول حياته، وعنايته بالأصول من كتب أهل العلم، وتصحيحه للمطولات من كتب الرجال والسنن، وإبداعه في التصدي للدفاع عن مثل البخاري في إمامته مما اشتمل عليه كتابا "بيان خطأ البخاري في

التاريخ" لابن أبي حاتم، و"موضح أوهام الجمع والتفريق" للخطيب، مما يوهم التنقص من البخاري أو وصفه بخلاف مقتضى الإتقان، ولا يُعرف قبل المعلمي -مع كثرة الحفاظ والمحققين الذين اعتنوا بكتب البخاري- مَنْ تجشَّم الجواب عما انتُقِدَ على البخاري في كتابه "التاريخ الكبير" جوابَ دارسٍ وناقدٍ، فكان للمعلمي سَبْقٌ في ذلك، اختصه الله تعالى به، دلَّ على تمكُّنه في هذا الباب. ومن قلَّبَ صفحاتِ كتاب "الإكمال" لابن ماكولا وتعليقه عليه, طال تعجبه من صبر الشيخ المعلمي على ذكر الزيادات في الأبواب، وعلى ضبط كثير من الأسماء مستعينًا في ذلك بكُلِّ ما أُوتي من علوم الآلة التي حاز فيها نصيبًا وافرًا، حتَّى صار الكتاب بتعليقات المعلمي موسوعة في باب المؤتلف والمختلف، لا يستغني عنها باحثٌ في هذا الفن، بالإضافة إلى احتوائه على خبرات عديدة وفوائد غزيرة في باب ضبط ما يشتبه من الأسماء، تنمُّ عن باعٍ طويل في هذا المجال، وعلى ملكة واسعة في استقراء الكتب المعنية بذلك، مع تدقيق النظر في مناهج أصحابها، وقواعد الضبط فيها بصفة عامة. والناظر في سيرته: يعلم أنه كان جامعًا بين أصناف العلوم، فقد كان قارئًا مجودًا، وحديثيا بارعًا، وفقيهًا حاذقًا، وأديبًا لغويا شاعرًا، ومُجيدًا لطرفٍ من اللغات الحية، كما كان فَهِمًا لكلام أهل المنطق والفلسفات، مما أعانه على الإبداع في الردّ عليهم والتصدي لهم. ومن تأمَّل ثَبْت مؤلفات الشيخ، والكتب التي قام بالعناية بها وتصحيحها، وإمعان النظر فيها، على تباين فنونها وتنوع علومها: تبيَّن له أبعاد تلك الملكة المتكاملة التي كان الشيخ يتمتع بها، وأنه كان محصِّلا لكل ما يحتاج إليه الناظر في كلام أهل النقد، وأنه كان من أهل الاستقراء الذين يُرجع لتحقيقاتهم ويُستفاد من تحريراتهم.

وهذا بَيِّنٌ لكل مُنْصِفٍ، سليمِ الصَّدر، لم يُعْمِهِ الهَوَى، ولم تمنعه العصبية من الاعتراف بالحق لصاحبه، ولذا فقد شهد له كثير من المحققين بما قدمنا، راجع لذلك ترجمة المعلمي من القسم الأول من هذا الكتاب. ويكفيه شهادةُ مِثْل الكوثري، إذ وصفه في "الترحيب بنقد التأنيب" بـ: "العلامة المفضال المحقق"، وإن حاول بعد ذلك تشويهَ تلك الصورة بطرقٍ شتى، لكن الوصف يدل على ما ذكرنا، و"الحقُّ ما شهدت به الأعداء". لكن لما كان الشيخ المعلمي ليس محققًا وباحثًا تقليديا، وإنما كان رمزًا من رموز أهل السُنة، والمتمسكين بمنهج السلف الكرام في العقيدة والحديث والفقه، فليس بمستغربٍ أن يظهر بعد حينٍ من الزمن، وفي غفلةٍ من أهل العلم: بعضُ أذيال أهل الهوى والزيغ، الذي يُوكِلُ إليه أسيادُه وأولياءُ نعمته مُهمةَ الإطاحة برموز السُنة ومتبعي السلف، فيتولَّى كِبْرَ هذا الأمر، فيحملُه على كاهله الواهي، ويجلب عليهم بخيله ورَجِلِه، مستعينًا بألوانٍ من التلفيق والتنميق، والتغرير والتبرير، والتحريف والتزييف، مستغلا غُربة هذا العلم، ومدعيا زورا وبهتانا أن المعلمي ليس من أهل الاستقراء؛ ليتسنَّى له ردُّ ما لا يوافق هواه من تحقيقاته. فهذا كسحابة صَيْفٍ، لا تلبث أن تنقشع مع أول ضوءٍ للشمس، ولا يدري هذا المتهافت ومن يُعينه ويُنفق عليه أن الكرامة والتأييد هما عاقبة أهل السُنة ومن شايعهم، وأن المذلة والخذلان هما شيمة مخالفيهم في الدنيا والآخرة. هذا تلميحٌ لمن يؤثر السلامةَ، وإلا فعسى الله أن يُقَيِّضَ له ولأمثاله من يهدمُ عليهم (مَعْبَدَهُم) كما هُدمت معابدُ أسلافهم مِن قَبْل، وهي أوهنُ من بيت العنكبوت. نسأل الله تعالى التوفيق والهداية، وأن يحشرنا في زمرة ناصري السُنة، وخادميها، ومحبي أهلها.

وأعود إلى هذه الحلقة من حلقات هذا الكتاب، فأقول: اعتمدت في جمع المادة العلمية لهذا القسم على تصنيفات خاصة للشيخ المعلمي، ويبدو أنه لم يُسعفه عُمره للتصنيف في علوم الحديث كما يحبُّ, وإن كانت له بعض الكتابات التي خصَّصَها لذلك، وهي: 1 - كتاب "الاستبصار في نقد الأخبار"، وهي عبارة عن أربع مقالات، لم يوجد منها إلا المقالة الأولى، وقد طُبعت. 2 - رسالة في أحكام الجرح والتعديل وحجية خبر الواحد، قال في أولها: " ... وجدت كلام المتقدمين في أحكام الجرح والتعديل قليلًا ومنتشرًا، وكلام من بعدهم مختلفًا غير وافٍ بالتحقيق، ورأيت لبعض المتأخرين كلامًا حادَ فيه عن الصواب، ويُسِّرَ لي في تحقيق بعض المسائل ما لم أعثر عليه في كتب القوم، فأردت أن أقيد ذلك، ثم رأيت أن أضم إلى ذلك شيئًا من الكلام على أحكام خبر الواحد وشرائطه, فجمعت هذه الرسالة، وقد بنيتها على ثلاثة أبواب، ومن الله تعالى أسأل الإعانة والتوفيق ... "، ذكرها ماجد الزيادي، وسأعتني بها منفردة إن شاء الله. 3 - رسالة في أحكام الحديث الضعيف. ذكرها منصور السماري، كذلك. 4 - قسم القواعد من "التنكيل". 5 - مقدمة "الفوائد المجموعة". 6 - "الأنوار الكاشفة". 7 - الأحاديث التي استشهد بها مسلم في بحث الخلاف في اشتراط العلم باللقاء. 8 - محاضرة: "علم الرجال وأهميته". وقد شارك الشيخ المعلمي في تصحيح كتاب "الكفاية في علوم الرواية" للخطيب، وهو من أهم ما صُنف في هذا الباب، واعتمد عليه كُل من جاء بعده ممن صنف في ذلك.

وأما سائر تحقيقات المعلمي وأبحاثه وأطروحاته فهي في ثنايا كتاباته في "التنكيل" وتعليقات "الفوائد المجموعة". هذا آخر ما أردتُ التقديم به بين يدي هذا القسم من أقسام كتاب "النكت الجياد". لكن هاهنا تنبيهات: الأول: حاولتُ عَرْضَ محتويات هذا القسم، لا سيما الباب الثاني منه, على نحو ترتيب كتب المصطلح المشتهرة. الثاني: سلكتُ في هذا القسم مسلك الاختصار، والتركيز على تبويب وفهرسة كلام المعلمي في هذا الباب، وكان أكثر ذلك التقسيم والتبويب من وضعي واستنباطي، فأردت إبرازَ أقوالِ المعلمي في صورة تلفتُ الانتباه إلى رءوس تلك المسائل المطروحة، مما يُتيحُ للباحث إجراء النظر اللازم لتمحيص تلك القضايا وتحقيق القول فيها. الثالث: قد يحتملُ كُلُّ بابٍ أو فصلٍ أو مبحثٍ أو نوعٍ أو قاعدةٍ أو فائدةٍ أو مسألةٍ أو فرعٍ مما اشتمل عليه هذا القسم: جزءًا أو رسالةً مستقلةً؛ لإجراء التمحيص المذكور، وقد قمتُ أنا بشيء من ذلك في بعض المواضع، ويحتاج كثير من المباحث إلى استقراءٍ كافٍ لتحقيق القول فيها, ولا يتسعُ هذا المقامُ للاستطراد. وقد أفردتُّ بعضَ تلك القضايا بالتصنيف في رسائل مستقلة، منها: "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل"، و"القواعد المهمة في إحياء مناهج الأئمة"، و"إمعان النظر في وجوب التسليم لأئمة الأثر"، و"شحذ الهمة في بيان ألفاظ أعلها الأئمة" وغير ذلك، وهي جميعًا قيد الجمع. فاكتفيتُ بذلك وغيره عن تَعَنِّ التعليق والبَسْط في كل موضع من مواضع الكتاب.

الرابع: إمعانًا في تدقيق النظر في عبارات العلامة المعلمي لاستخراج ما يمكن من الفوائد والقواعد، فقد لزم إدراجُ كثير من تحقيقاته في عديد من المواضع بحسب ما تحويه من المعاني والإشارات، فلزم من ذلك وقوعُ التكرار أحيانًا. الخامس: ربما استطردتُ في بعض المواضع بحسب ما يقتضيه: النشاط أو الاستحضار أو الأهمية؛ تتميمًا لفائدةٍ, أو رَفْعًا لإشكالٍ، أو دَفْعًا لتوهمٍ. السادس: قد كنتُ قيَّدتُ بعضَ التعليقات على كتاب "إجماع المحدثين على عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين" للباحث الدكتور: حاتم العوني؛ لِمَا رأيتُ من اشتماله على أكثر الشُّبَهِ المتعلقة بتلك المسألة، فرأيتُ إلحاقَ ذلك في آخر المبحث الخاص بها من هذا القسم؛ أداءً لبعض الواجب على المشتغلين بهذا الفن، ومشاركةً في إبداء ما يظهر لهم من تحقيقاتٍ في هذا الصَّدَد، لعلَّ تلك التعليقات أن تحوي: إنشاءً لفكرة, أو شرحًا لغامضٍ، أو تصويبا لخطأ، أو دفعًا لوهم، أو إبطالا لشبهة، أو نحو ذلك من المهمات. أو لعلَّ المشاركَ أن يستفيدَ من: إكمالٍ، أو تعقيبٍ، أو تنبيهٍ, أو تصويبٍ، أو استدراكٍ عليه، يقوم به بعضُ النابهين في هذا الشأن. والأمرُ دائرٌ حولَ خدمةِ هذا العلم، والغيرةِ عليه, وأداءِ الأمانة، فَمَنْ أصاب فَمِنَ الله التوفيق، ومَنْ أخطأ فَمِنْ قِبَلِهِ أُتِي، والله أعلم بالسرائر، وهو حسبي ونعم الوكيل. وأخيرًا، فهذه خطواتٌ -أُراها ثابتةً- تَقطعُ مسافاتٍ -وإن قصُرَتْ- على طريقٍ يُثير ما كَمُنَ من أسرار هذا الفنِّ ودقائقه, لعلَّ الله عز وجل أن يُيَسِّر لنا ولغيرنا متابعةَ الخُطَا على هذا الدرب، يُكمل اللاحقُ عَمَلَ السابق، نُصحًا للسُّنَّة، وأداءً لبعض الواجب، وحملًا للأمانة التي بلَّغها لنا الأوائل.

أسأله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه، وأن يجعل صوابَه أكثر من خطئه، وأن يكتب له القَبول لدى المُنْصِفِين من أهل العلم، عسى أن يكون فيما سَطَّرْنَاهُ سُلَّمًا إلى مُلتَمَسٍ، أو مَسْلَكًا إلى مَغْزَى، أو وسيلةً إلى غاية، والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى الصواب، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وبعد، فيشتمل هذا القسم على تمهيد وثلاثة أبواب: التمهيد: في بيان منزلة أئمة الحديث ودورهم في حفظ السنة. الباب الأول: في فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي. الباب الثاني: في قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث. وفيه فصلان: الفصل الأول: القواعد النظرية ومنزلتها من النقد. الفصل الثاني: مراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث. وهي أربع مراتب، ذكرها الشيخ المعلمي في "الاستبصار"، وشرح الأُولى منها، وسنذكر طرفًا من بقية المراتب -حسبما تيسَّر- على طريقتنا في ذلك: المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا. وتشتمل على الشروط الواجب توفرها في المخبِر أو"الراوي"، وهي خمسة: • الشرط الأول: الإسلام. • الشرط الثاني: البلوغ. • الشرط الثالث: العقل. • الشرط الرابع: العدالة. • الشرط الخامس: الضبط. المرتبة الثَّانية: النظر في اتصاله. المرتبة الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطأ إن كان. وتشتمل على:

• دلائل العلة. • أسباب التعليل. • السبر والاعتبار - الشواهد والمتابعات. • نقد المتن أو النقد الداخلي. المرتبة الرابعة: النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه. وتشتمل على قواعد الجمع والترجيح بين الروايات المتعارضة. الباب الثالث: فوائد وقواعد في الجرح والتعديل وفنون من علم الرجال. يشتمل هذا الباب على مقدمة وثلاثة فصول: أما المقدمة فهي محاضرة للعلامة المعلمي ألقاها في أهمية علم الرجال. وأما الفصول فهي: الفصل الأول: قواعد النظر في كتب الفن لتعيين الرواة والبحث عن أحوالهم والحكم عليهم. الفصل الثاني: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف في الجرح والتعديل. ويشتمل هذا الفصل على مطالب: المطلب الأول: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف عامة. المطلب الثاني: ألفاظ وأوصاف ظاهرها الجرح، لكنها ربما لا تقتضيه إذا دلت القرائن على ذلك. المطلب الثالث: ألفاظ وأوصاف ظاهرها التعديل وربما لا تقتضيه. الفصل الثالث: قواعد ومسائل وفوائد في الجرح والتعديل. وكتبه أبو أنس إبراهيم بن سعيد الصبيحي الدوحة - قطر 4/ 8 / 1430 هـ الموافق 26/ 7 / 2009 م هاتف جوال: 9745788137 + بريد إلكتروني: [email protected]

تمهيد

تمهيد الحمد لله الذي جعل على رأس كل زمانٍ بقايا من أهل العلم، يَدُلُّونَ مَنْ ضَلَّ إلى الهُدى، ويُبَصِّرُون بنور الله أهلَ العَمى، يَلُمُّون شَعَثَ العِلْم، وَيسُدُّونَ ثَغَراتِه، يُصلحون ما فَسَدَ منه، ويجمعون شَتَاتَهُ. عَلموا أن الغُرْبَةَ في هذا الفنِّ -أعني عِلْمَ الحديث- مُسْتَحْكِمَةٌ فيه مُنذ نشأته، وبَيْن أهلِه، وفي زمن ازدهاره. قال أبو حاتم الرازي - كما في تقدمة "الجرح والتعديل" (ص 356): "جرى بيني وبين أبي زرعة يومًا تمييزُ الحديث ومعرفتُه، فجعلَ يَذكرُ أحاديثَ ويذكر عِلَلَها، وكذلك كنتُ أذكر أحاديثَ خطأ، وعِلَلَها، وخطأَ الشيوخ. فقال لي: يا أبا حاتم، قَلَّ مَنْ يفهمُ هذا، ما أعزَّ هذا، إذا رفعت هذا من واحدٍ واثنين، فما أقلَّ مَنْ تجدُ مَنْ يُحْسِنُ هذا، وربما أشُكُّ في شيء أو يتخالجني شيءٌ في حديثٍ، فإلى أن ألتقيَ معك لا أجدُ من يَشْفِيني منه. قال أبو حاتم: وكذاك كان أَمْرِي. فقال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: محمد بن مسلم -يعني: ابن وارة-؟ قال: يحفظ أشياءَ عن محُدِّثِين يُؤَدِّيها، ليس معرفتُه للحديث غريزةً". اهـ. ومحمد بن مسلم بن وارة الرازي حافظٌ ثَبْتٌ، قال ابن أبي حاتم: ثقة صدوق، وجدتُّ أبا زرعة يُجِلُّهُ ويُكْرِمُهُ. وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أحفظُ مَنْ رأيتُ: ابنُ الفرات وابنُ وارة، وأبو زرعة. وقال النسائي: ثقةٌ صاحبُ حديثٍ. وقال الطحاوي: ثلاثةٌ بالرّيّ لم يكن في الأرض مثلُهم في وقتهم: أبو حاتم، وأبو زرعة، وابن وارة.

فقولُ أبي حاتم في ابن وارة -مع ما سبق-: "ليس معرفتُه للحديث غريزةً"، وعدمُ وِجْدان أبي حاتم وأبي زرعة مَنْ يذاكرانه في دقائق هذا الفن، يَدُلَّان على غُربة هذا الشأن في بلدهما حينئذٍ، وقِسْ على هذا سائرَ البلدان. هذا مع وجود جُملةٍ من حُفاظ الحديث المشتغلين به، المُطلعين علي كثير من أحوال رواته في ميادين الرواية ومجالس السماع، فكيف الحالُ إذًا في ما بعد عصور الرواية؟ ولهذه الغُربة، ربما اتُّهِم بعضُ أولئك النقادِ الصيارفةِ بالكهانةِ وادِّعاءِ عِلم الغيب، أو بالتخمين والحَدَس، أو بالتَّكلُّف والتنطُّع ... ومَن جَهِل شيئًا عاداه. ولما اختص الله تعالى به هذه الفئةَ من ذلك، فقد عَلموا خطورةَ ما كُلِّفُوا به، فحَمَلُوا أنفسَهم على المتاعب، ورفعوا الأَلْوِيَة وسْط المخاطر، لم يَرُعْهُمُ الوَغَى، ولم يأبهوا بكثرة المخالِف. هم الأئمة العلماء، والسَّادة الفُهَماء، أهْلُ الفضل والفضيلة، والمرتبة الرفيعة، لولا عنايتُهم بضبطِ السُّنن، وجمعِها، واستنباطِها من معادخها، والنظرِ في طُرُقها، لبطلت الشريعة، وتعطَّلت أحكامُها؛ إذ كانت مستخرجةً من الآثار المحفوظة، ومستفادةً من السنن المنقولة. فمن عَرِف للإسلام حقَّهُ، وأوجب للدين حُرْمَتَهُ، أَكْبَرَ أن يحتقر مَن عظَّم الله شأَنَهُ، وأَعْلَى مكانه، وأظهر حُجَّتَهُ، وأبان فضيلته، ولم يَرْتَقِ بطعنه إلى حزب الرسول، وأتباع الوحي، وأوعية الدين، وخزنة العلم. ولم يَألُ أئمةُ هذا الفنِّ ومُؤَسِّسُوهُ جهدًا في بيان قواعده، وشرح أصوله، وكشف غُموض مسائله؛ أداءً للأمانة، وتعليمًا للجاهل، ودلالةً للطالب، إلا أنهم لم يضعوا لذلك مصنفاتٍ خاصة، ولم يسلكوا حيال ذلك سبيلَ البَسْط في كل موضع، بل

تُؤخذُ قواعدُ هذا الفن وأصولُه من مجموع كلامهم وتصرفاتهم في الأحوال المختلفة، مع فهم ما أجملوه في مواضع في ضوء ما بيَّنُوه في أخرى. وإذا كان حفظُ السُّنة من حفظِ الكتاب، فكذلك حفظُ ما تُحفظ به السُّنة، فلِلْوسائل أحكامُ المقاصد، لذا فقد حفظ الله تعالى أصولَ هذا العلم؛ لأنه لا يمكن حفظُ السُّنة إلا به، فيه يتميز صحيحُ السُّنة من ضعيفها، ولو لم يُحفظ هذا العلمُ، لما أمكن التوصل إلى معرفة ما صح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما لم يصحّ، ولا يمكن حينئذٍ أن يُقال: إن السُّنة قد حُفظت. وقد أجرى الله تعالى على أَلْسِنة وبأقلام أئمةِ هذا الشأن من أنواع العلوم، والمسائل، والمباحث، والقضايا المتعلقة بأحوال الراوي والمروي: ما كَفَى الله به مؤنة هذا الفنِّ مَنْ بعدهم، وجعله مَقنعًا لكل مُنصف يريد الحقَّ، ويَعرفه لأهله، فلكل عِلْمٍ "أهلُ ذكرٍ" يُرجع إليهم فيه، فَهُمُ المعيار الذي يُقاس عليه، فلا يُلتفت إلى مَنْ خالفهم. لكن مع مرور الزمان، وتقادُم العهد، وتتابُع عوامل التغيير: التاريخي، والفقهي، والفكري، والعقائدي، بل والسياسي: وقع انحرافٌ عَمَّا أسَّسَهُ الأوائل من قواعدِ هذا الفن وأصولِه. وتزداد زاويةُ هذا الانحراف كلما استحكمتْ أمورٌ: منها: البُعدُ عما خَلَّفَهُ المتقدمون من كتب أحوال الرواة، والتواريخ، والعلل، والسؤالات، ونحو ذلك مما سَطَّرُوا فيه النَّهْجَ السديد الذي يتضح منه اتفاقهم على أصوله العامة وقواعده الأساسية.

ومنها: هجومُ غير أهل الاختصاص على التصنيف في علوم هذا الفن، يُعلم ذلك بالنظر في قائمة مَنْ صنفوا فيه، فأكثرهم ممن جُلُّ اشتغالهم بالفقه، والأصول، والكلام، لذا تجد هذه الصِّبْغة غالبةً في تناول المسائل والمباحث هناك. وصار منهجُ المحدثين يُحكَى على أنه مجرد رأي في مقابل مناهج غيرهم من الأصوليين والفقهاء، بل وُيرد قولُ المحدثين -وهم أهل الشأن والاختصاص- بقول غيرهم، أو يُشَوَّشُ عليه. وهذا ظُلمٌ بَيِّنٌ، وهَضْمٌ لِحَقِّ مَنْ أعلى الله شأنَهم، وأوجب على الناس اتباعهم، ولي في ذلك رسالة؛ أجمع فيها تلك المسائل والقضايا التي أشغب فيها الأصوليون والفقهاء وغيرهم على أهل الحديث، ونازلوهم فيها؛ تنقيةً لهذا العلم من مُداخلة غير أهله فيه، وإعادةً للأمور إلى نصابها، يَسَّرَ الله إتمامها. ومنها: الاسترواح إلى مذاهب أهل التساهل الذين دَأَبُوا على الميل إلما ترك الاحتياط والاعتماد على حسن الظن في باب الرواة والحكم على الأخبار، وهو خلاف ما قرَّره أئمة هذا الشأن. ومنها: تطرق الكثير من التجويزات العقلية والاحتمالات المجرَّدة في ردِّ تحقيقات النقاد وتعليلاتهم. ومنها: تطرق أهل التعصب المذهبي، الذين تدفعهم محاولةُ تقوية ما يَستدل به مذهبُهم من الأحاديث، أو توهينُ ما سوى ذلك: إلى مخالفاتٍ واضحةٍ في تحريف القواعد، ولَيِّ أعناق الأصول، وادعاءِ تقريراتٍ وتحريراتٍ يُصَنِّفون فيها من أَجل هذا المقصد، يتناولون ذلك من قريب ومن بعيد، تصريحًا تارة وتلميحًا أخرى، كاسِينَ ذلك كلَّهُ ثوبَ الكلام في "مصطلح الحديث" مع النقولات المحتملة التي يوجهونها حسبما يتفق مع آرائهم الفقهية أو الحديثية.

ومنها: تطرق أهل البدع، والمذاهب الفكرية المخالفة للمذهب الحق: مذهب أهل السُنة والجماعة، وهو مذهب أهل الحديث من المتقدمين كثير من المتأخرين. فهؤلاء نحو الطائفة السابقة في تعاملهم مع السُنة وأهلها، لكنَّ هؤلاء لا يأْلُون في حديثيِّ سُنِّيٍّ إلا ولا ذِمَّةً، يَسْعَون بكل ما أُوتوا من أساليب الحِيل والتلبيس والتغرير إلى محاولة الإطاحة بكل مَنْ يرفعُ لواءَ السُّنة ويدافع عنها وعن أهلها، لا سيما من يكشف زيغَهم ومكائدَهم. ولا يدري هؤلاء المساكين أن الله تعالى هو ناصرُ السُّنَّةِ وأهلِها، وقامعُ البدعة وأذيالها، على مَرِّ الأيام وتتابع الزمان، وأن هذه السهام الطائشة التي يوجهونها بين الفَيْنَةِ والأخرى لأحد معالم السُّنة ورموز أهلها، إنما ترتد في نحورهم: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ}. ولعل سائلًا يسأل عن سِرِّ اشتغال هذه الطوائف بعلم الحديث، وتصنيفهم فيه، ومزاحمتهم لأهله. فأقول: احتاج هؤلاء إلى تدعيم آرائهم ومذاهبهم، فرأوا أن كثيرًا من المسائل التي تُبْنَى عليها تلك الآراء، إنما ترجع أصولُها إلى أخبار وآثار، فاحتاجوا إلى تثبيتها وتصحيحها بأيِّ سبيلٍ كان، وكذا الأخبار والآثار التي يَحتج بها المخالف لهم، احتاجوا إلى دَفْعِها وتَوهِينها مَهْمَا كان. لكنهم رَأَوْا أن التَثْبِيتَ والدَّفْعَ إذا كان بالصَّدْر وبلا حجةٍ: كان أَدَلَّ على الجهل والعصبية، فلم يُقبل منهم، ورُموا بالعجز مع ذلك، فرأوا أنه لا بد لهم من أن يُعْرَفُوا بالمشاركة في علوم الحديث، حتَّى يَسُوغَ لهم الكلامُ فيه كما يشتهون. ولأنهم لا يرون في كلام أهل النقد حُجَّةً ولا مَقنعًا؛ لمخالفة أكثرة لأهوائهم، عمدوا إلى قواعد هذا الفنّ ومصطلحاته، فحاولوا تمييعَ كثيرٍ منها؛ لتناسب آراءهم،

وإلى أئمة الجرح والتعديل فأنزلوهم منازلَ تمُكنهم من قبول قولِ هذا، وردّ قول ذاك، حسبما يتفق مع مرادهم. ولكشف هذه الأمور مواضعُ أخرى، ترى شيئًا منها في رسائل لي، منها: "القواعد المهمة في إحياء مناهج الأئمة" وهي قيد الجمع. وتأكيدًا لِمَا سبق بيانُه من فضل الأوائل من أئمة هذا الفن في إرساء قواعده، وتحرير مسائله، وشرح غوامضه، نذكر هاهنا عباراتٍ مهمة لبعض المُنْصِفين من الحفاظ والمحققين، سجَّلُوا فيها شهاداتٍ غالية، أعطَوْا فيها كل ذي حق حقه، وسلَّمُوا القوس إلى باريها. 1 - قال الدارقطني: "من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف، فلينظر في "علل حديث الزهري" لمحمد بن يحيى -يعني: الذهلي". "تهذيب التهذيب" (9/ 515). 2 - وقال الذهبي في ترجمة: أبي بكر الإسماعيلي من "تذكرة الحفاظ" (3/ 948): "صنَّف الصحيح وأشياء كثيرة، من جُملتها مسند عمر -رضي الله عنه-، هذَّبه في مجلدين، طالعتُه، وعلَّقْتُ منه، وابتهرت بحفظ هذا الإِمام، وجزمتُ بأن المتأخرين على إياسٍ من أن يلحقوا المتقدمين في الحفظ والمعرفة". اهـ. 3 - وفي ترجمة: أحمد بن يوسف بن خلاد بن منصور النصيبي ثم البغدادي العطار من "سير أعلام النبلاء" (16/ 69): "قال الخطيب: كان لا يَعرف شيئًا من العلم، غير أن سماعه صحيح، وقد سأل أبا الحسن الدارقطني، فقال: أيما كبر الصالح أو المُدّ؟ فقال للطلبة: انظروا بلى شيخكم. وقال أبو نعيم: كان ثقة.

وكذا وثقه أبو الفتح بن أبي الفوارس، وقال: لم يكن يعرف من الحديث شيئًا. قال الذهبي: فمن هذا الوقت، بل وقبله، صار الحفاظ يُطلقون هذه اللفظة على الشيخ الذي سماعُه صحيحٌ بقراءة مُتقنٍ، وإثباتِ عَدْلٍ، وترخَّصُوا في تسميته بالثقة. وإنما الثقة في عُرْف أئمة النَّقد كانت تقع على العَدل في نفسه، المتقين لما حمله، الضابط لما نَقَل، وله فهمٌ ومعرفةٌ بالفنِّ، فتوسَّعَ المتأخرون. مات ابن خلَّاد في صفر سنة تسع وخمسن وثلاثمائة. اهـ. 4 - وقال الذهبي في "تذكرة الحفاظ" (2/ 627 - 628): "فبالله يا شيخ: ارفق بنفسك، والزم الإنصاف، ولا تنظر إلى هؤلاء الحفاظ النظر الشَّزْر، ولا ترمقنَّهم بعين النقص، ولا تعتقد أنهم من جنس محدثي زماننا، حاشا وكلا ... وليس في كبار محدثي زماننا أحدٌ يبلغ رتبة أولئك في المعرفة، فإني أحسبُك لِفَرْطِ هواك تقول بلسان الحال إن أعوزَكَ المقال: مَنْ أحمدُ؟ وما ابن المديني؟ وأي شيء أبو زرعة وأبو داود؟ هؤلاء محُدِّثون ولا يدرون ما الفقه؟ وما أصوله؟ ولا يفقهون الرأي، ولا عِلْمَ لهم بالبيان والمعاني والدقائق، ولا خبرة؟ لهم بالبرهان والمنطق، ولا يعرفون الله تعالى بالدليل، ولا هُم من فقهاء الملة. فاسكتْ بحِلمٍ، وانطِقْ بعلمٍ، فالعلم النافع هو ما جاء عن أمثال هؤلاء. ولكن نِسبتك إلى أئمة الفقه كنسبة محدثي عصرنا إلى أئمة الحديث، فلا نحن ولا أَنْتَ، وإنما يَعرف الفضلَ لأهل الفضل ذو الفضل، فمن اتقى الله راقب الله واعترف بنقصه ... ". اهـ. 5 - وقال الذهبي عند ذكر الخلاف في الاحتجاج بالحديث المعنعن من كتاب

"الموقظة" (ص 46): "وهذا في زماننا يَعْسُر نَقْدُهُ على المحدث؛ فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول، وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد، وفُقدت العباراتُ المتيقنة". اهـ. 6 - وذكر ابن القيم في "تهذيب السنن" (1/ 107 - 109) حديث أنس في تخليل اللحية، وقال: "رواه الذهلي في كتاب "علل حديث الزهري" عن محمد بن عبد الله بن خالد الصفار، حدثنا محمد بن حرب، حدثنا الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك، به مرفوعًا، ثم قال: تصحيح ابن القطان لحديث أنس من طريق الذهلي فيه نظر، فإن الذهلي أعلَّهُ، فقال في الزهريات: وحدثنا يزيد بن عبد ربه، حدثنا محمد بن حرب، عن الزبيدي، أنه بلغه عن أنس بن مالك -فذكره- قال الذهلي: هذا هو المحفوظ. قال ابن القطان: وهذا لا يضره؛ فإنه ليس مَن لم يحفظ حُجَّةً على مَنْ حفظ، والصفَّار قد عيَّنَ شيخَ الزبيدي فيه، وبيَّن أنه الزهري، حتَّى لو قلنا: إن محمد بن حرب حدث به تارة، فقال فيه: عن الزبيدي بلغني عن أنس، لم يضره ذلك، فقد يراجع كتابه، فيعرف منه أن الذي حدّث به: الزهري، فيحدث به عنه، فأخذه عن الصفار هكذا. قال ابن القيم: "وهذه التجويزات لا يَلتفتُ إليها أئمةُ الحديث وأطباءُ عِلَلِه، ويعلمون أن الحديث معلول بإرسال الزبيدي له، ولهم ذوقٌ لا يحولُ بينه وبينهم فيه التجويزات والاحتمالات". اهـ.

7 - وذكر ابن رجب الحنبلي في "فتح الباري" (1/ 361) مَنْ رخَّص في نوم الجنب من غير وضوء، ثم قال: "قد ورد حديثٌ يدل على الرخصة من رواية أبي إسحاق، عن الأسود، عن عائشة، قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينام وهو جنب، ولا يمسُّ ماءً. قال: خرجه الإمام أحمد، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، والترمذي، وقال: قد روى غير واحد عن الأسود، عن عائشة، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يتوضأ قبل أن ينام -يعني جنبًا- قال: وهذا أصح من حديث أبي إسحاق عن الأسود، قال: ويرون أن هذا غلط من أبي إسحاق. ... وهذا الحديث مما اتفق أئمة الحديث من السلف على إنكاره على أبي إسحاق، منهم: إسماعيل بن أبي خالد، وشعبة، ويزيد بن هارون، وأَحمد بن حنبل، وأبو بكر ابن أبي شيبة، ومسلم بن الحجاج، وأبو بكر الأثرم، والجوزجاني، والترمذي، والدارقطني ... وقال أحمد بن صالح المصري الحافظ: لا يحلُّ أن يُروى هذا الحديث -يعني أنه خطأ مقطوع جمع فلا تحلُّ روايته من دون بيان علته. وأما الفقهاء المتأخرون، فكثيرٌ منهم نظر إلى ثقة رجاله فظنَّ صحته، وهؤلاء يظنون أن كُلَّ حديث رواه ثقة، فهو صحيح، ولا يتفطنون لدقائق علم علل الحديث. ووافقهم طائفة من المحدثين المتأخرين كالطحاوي والحاكم والبيهقي ... اهـ. 8 - وفي باب: "ما يقول بعد التكبير" من شرح ابن رجب لـ "صحيح" البخاري (6/ 372): بحث ابن رجب الأحاديث المتعلقة بالجهر بالبسملة، لا سيما حديث أنس في ذلك، ورجح ما جاء صريحًا في بعض روايات أنس من ترك ذكر البسملة في القراءة.

وأشار ابنُ رجب إلى ما ورد مما يدلُّ على الجهر، وأعلَّها بالاضطراب في الإسناد والمتن، وأنه لا يجوز أن يكون معارضًا لأحاديث أنس الصحيحة الصريحة، ثم قال: "فمن اتقى وأنصف علم أن حديث أنس الصحيح الثابت لا يُدفع بمثل هذه المناكير والغرائب والشواذ التي لم يرض بتخريجها أصحابُ "الصحاح"، ولا أهل "السنن" مع تساهل بعضهم فيما يخرجه، ولا أهل المسانيد المشهورة مع تساهلهم فيما يخرجونه. وإنما جُمعتْ هذه الطرق الكثيرة الغريبة والمنكرة لمَّا اعتنى بهذه المسألة من اعتنى بها، ودخل في ذلك نوعٌ من الهوى والتعصُّب، فإنَّ أئمة الإسلام المجتمع عليهم إنما قصدوا اتباعَ ما ظهر لهم من الحق وسُنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، لم يكن لهم قصدٌ في غير ذلك -رضي الله عنهم-. ثم حدث بعدهم مَنْ كان قصدُه أن تكون كلمةُ فلانٍ وفلانٍ هي العليا -ولم يكن هذا قصدَ أولئك المتقدمين- فجمعوا، وكثَّرُوا الطرق، والروايات الضعيفة، والشاذة، والمنكرة، والغريبة، وعامَّتها موقوفات، رفعها من ليس بحافظ أو من هو ضعيف لا يُحتج به، أو مرسلات وصلها من لا يحتج به ... والعجب ممن يعلل الأحاديث الصحيحة المخرجة في "الصحيح" بعلل لا تساوي شيئًا، إنما هي تَعنُّتٌ مَحضٌ، ثم يحتجُّ بمثل هذه الغرائب الشاذة المنكرة، ويزعم أنها صحيحة لا عِلة لها". اهـ. 9 - وقال ابن كثير عند الكلام على اشتراط بيان السبب في الجرح من كتابه "اختصار علوم الحديث" (ص 79):

"أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن، فينبغي أن يُؤخذ مُسَلَّمًا من غير ذكر أسباب؛ وذلك للعلم بمعرفتهم واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح ... ". اهـ. 10 - وقال ابن حجر عند ذكر "معرفة العلل" من كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح" (2/ 711): "وهذا الفن أغمضُ أنواع الحديث وأدقُّها مسلكًا، ولا يقوم به إلا مَنْ منحه الله تعالى فهمًا غائصًا، واطلاعًا حاويًا، وإدراكًا لمراتب الرواة، ومعرفةً ثاقبة. ولهذا لم يتكلم فيه إلا أفراد أئمة هذا الشأن وحُذَّاقهم، وإليهم المرجع في ذلك؛ لِمَا جعل الله تعالى فيهم من معرفة ذلك والاطلاع على غوامضه دون غيرهم ممن لم يمارس ذلك. وقد تقصر عبارة المعلِّل منهم، فلا يفصح بما استقر في نفسه من ترجيح إحدى الروايتين على الأخرى، كما في نقد الصيرفي سواء، فمتى وجدنا حديثًا قد حكم إمام من الأئمة المرجوع إليهم بتعليله، فالأَوْلى اتباعه في ذلك، كما نتبعه في تصحيح الحديث إذا صححه. وهذا الشافعي مع إمامته يحيلُ القول على أئمة الحديث في كتبه فيقول: وفيه حديث لا يثبته أهل العلم بالحديث". اهـ. 11 - ثم قال بعد ذلك (2/ 726) تعقيبًا على تعليل الأئمة لحديث أبي هريرة في كفارة المجلس: " ... بهذا التقرير يتبين عظمُ موقعِ كلام الأئمة المتقدمين، وشدةُ فحصهم، وقوةُ بحثهم، وصحةُ نظرهم، وتقدمُهم بما يوجب المصيرَ إلى تقليدهم في ذلك، والتسليمَ لهم فيه، وكل من حكم بصحة الحديث مع ذلك إنما مشى على ظاهر الإسناد، كالترمذي،

وكأبي حاتم ابن حبان، فإنه أخرجه في "صحيحه"، وهو معروف بالتساهل في باب النقد". اهـ. 12 - وقال السخاوي عند ذكر "الموضوع" من أنواع الحديث في كتابه "فتح المغيث" (1/ 237): "لذا كان الحكم من المتأخرين عسرًا جدًّا، وللنظر فيه مجالٌ، بخلاف الأئمة المتقدمين، الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث، والتوسع في حفظه؛ كشعبة، والقطان، وابن مهدي ونحوهم، وأصحابهم مثل أحمد، وابن المديني، وابن معين، وابن راهويه وطائفة، ثم أصحابهم مثل البخاري، ومسلم، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وهكذا إلى زمن الدارقطني، والبيهقي، ولم يجيء بعدهم مساوٍ لهم ولا مقارب، أفاده العلائي، وقال: متى وجدنا في كلام أحد من المتقدمين الحكم به كان معتمدًا، لما أعطاهم الله من الحفظ الغزير، وإن اختلف النقل عنهم عُدِلَ إلى الترجيح". اهـ. 13 - وقال في آخر نوع "المعلل" منه (1/ 220): "هو أمر يهجم على قلوبهم، لا يمكنهم رَدُّه، وهيئة نفسانية لا معدل لهم عنها، ولهذا ترى الجامع بين الفقه والحديث كابن خزيمة، والإسماعيلي، والبيهقي، وابن عبد البر، لا ينكر عليهم، بل يشاركهم، ويحذو حذوهم، وربما يطالبهم الفقيه أو الأصولي العاري عن الحديث بالأدلة. هذا مع اتفاق الفقهاء على الرجوع إليهم في التعديل والتجريح، كما اتفقوا على الرجوع في كل فَنٍّ إلى أهله. ومَنْ تَعاطى تحريرَ فَنٍّ غير فَنِّه فهو مُتَعَنّ، فالله تعالى بلطيف عنايته أقام لعلم الحديث رجالًا نقادًا تفرغوا له، وأفنوا أعمارهم في تحصيله، والبحث في غوامضه وعلله ورجاله، ومعرفة مراتبهم في القوة واللين.

فتقليدهم، والمشي وراءهم، وإمعان النظر في تآليفهم، وكثرة مجالسة حفاظ الوقت، مع الفهم، وجودة التصور، ومداومة الاشتغال، وملازمة التقوى والتواضع، يوجب لك إن شاء الله معرفة السنة النبوية، ولا قوة إلا بالله". اهـ. قاله أبو أنس: هذه نماذج مما سَطَّر به مَنْ ذكرنا من الحفاظ شهادتَهم في حَقِّ متقدمي أهل هذا الفَنِّ، وقد قامت الحُججُ على استحقاقهم لتلك المنزلة، وتظاهَر مَنْ ذكرنا من متأخري المحدثين على تأكيد ذلك. وإذا كان هذا المعنى مستقرًا لدى كُلِّ مُنصف قد ألم بطرفٍ من هذا العلم؛ فإن دلالة ذلك واضحة على ما يلي: أولًا: وجوب التسليم لهم في باب جرح الرواة وتعديلهم، ولا يُدفع قولهم بقول مَنْ بعدهم ممن لم يبلغوا مبلغهم في العلم والاحتياط والورع. ثانيًا: وجوب التسليم لهم في باب تصحيح الأخبار وتعليلها، وعدم الالتفات إلى مخالفة غيرهم لهم ممن لم يفطنوا إلى دقائق هذا الفنّ وغوامضه. ثالثًا: لزوم العناية التامَّة بكتبهم، واستقرائها بتأنٍّ لمن رُزِق أدوات هذا العلم وحَصَّل أسبابه، وذلك مِنْ أَجل الوقوف على أصول هذا الفنّ، وقواعده وحدود ألفاظه، ومعاني مصطلحاته عندهم؛ فَهُمْ قِبلةُ هذا الأمر، فلا يجوز الالتفاتُ عنها لمن أراد القَبُول، فمن ترك كلامهم، وذهب يتلمس ذلك في عبارات المتأخرين التي يخلو كثير منها من التحرير، ويُردد المصنفون فيها كلامَ بعضهم بعضًا مع زيادة كُل منهم شيئًا مما يراه في بعض الأبواب، فلم يأت البيتَ من بابه، ولم يستقبل قبلة هذا العلم.

وليس في هذه الدلالة غَمْصٌ لكتب المتأخرين في "مصطلح الحديث" فإنهم قد ألموا بمجامع هذا العلم وأطرافه، ورتبوا مسائله، وفي تحقيقات بعضهم قطعُ أشواطٍ طويلة في الوصول إلى حقيقة أصول هذا الفن عند بعض الأئمة. والمقصود أن علم أصول الحديث لم ينضجْ ويحترقْ كما زعم البعض، بل ما زالت كثير من قضاياه بحاجةٍ إلى تحرير. وهذا الكتاب الذي نحن بصدده إنما هو خطوة على سبيل محاولة تحرير بعض قضايا المصطلح من خلال تحقيقات العلامة المعلمي، ومما يتيسر لي إضافته أثناء ذلك، والله من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل. وهذا أوانُ الشُّروع في المقصود، ومِنَ الله تعالى استمِدُّ العَوْنَ والتوفيق.

الباب الأول في فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي

الباب الأول في فصول نافعة في السنة وأهلها، وعناية الأئمة بها، ومدح أصحاب الحديث، وذم مخالفيهم من أهل الكلام والرأي ويشتمل على تسعة فصول: الفصل الأول: في تعريف السنة. الفصل الثاني: في منزلة السنة من الدين. الفصل الثالث: في كتابة الحديث في العهد النبوي ودحض شبهات حول ذلك وحفظ الله تعالى للسنة. الفصل الرابع: في عناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار. الفصل الخامس: في الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول. الفصل السادس: في بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكُتاب العصرين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة - وغير ذلك.

الفصل السابع: في بيان إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم الشريف، ووجوب تسليم من دون أئمة الحديث لهم في معرفة الصحيح من المعلول. الفصل الثامن: في رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها. الفصل التاسع: في الإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَنْ دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود. * * *

الفصل الأول في تعريف "السنة"

الفصل الأول في تعريف "السنة" قال العلامة المعلمي في كتاب "الأنوار الكاشفة" (ص 20): "تطلق السنة لغة وشرعًا على وجهين: الوجه الأول: الأمر يبتدئُه الرجل فيتبعه فيه غيره. ومنه ما في "صحيح" مسلم في قصة الذي تصدق بِصُرَّةٍ، فتبعه النَّاسُ، فتصدقوا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من سَنَّ في الإسلام سنة حسنة فُعُمل بها بعده كُتب له مثل أجر من عمل بها ... " (¬1). الوجه الثاني: السيرة العامة. وسنة النبي -صلى الله عليه وسلم- بهذا المعنى هي التي تقابل الكتاب وتسمى: "الهَدْي". وفي "صحيح" مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في خطبته: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة" (¬2). هذا وكُلُّ شَأْنٍ من شئون النبي -صلى الله عليه وسلم- الجزئية المتعلقة بالدِّين من قول أو فعل أو كَفٍّ أو تقريرٍ: سنةٌ بالمعنى الأول، ومجموعُ ذلك هو السنة بالمعنى الثاني. ومدلولات الأحاديث الثابتة هو السنة أو من السنة حقيقة، فإن أُطلقت "السنة" على ألفاظها فمجاز أو اصطلاح، وإنما أوضحتُ هذا لأن أبا رية (¬3) يتوهم أو يوهم أنه لا علاقة للأحاديث بالسنة الحقيقية. اهـ. ¬

_ (¬1) "صحيح مسلم" رقم (1017). (¬2) رقم (867). (¬3) صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية" والذي تعقبه الشيخ المعلمي وكشف عواره في كتابه "الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة المحمدية من التضليل والجازفة".

الفصل الثاني في منزلة السنة من الدين

الفصل الثاني في منزلة السنة من الدين قال المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 21): * فأما منزلة السنة جُمْلَةً من الدين فلا نزل بين المسلمين ن ما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أمر الدين فهو ثابت عن الله عز وجل، ونصوص القرآن في ذلك كثيرة، منها: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80]. وكل مسلم يعلم أن الإيمان لا يحصل إلا بتصديق الرسول فيما بلغه عن ربه، وقد بلغ الرسول بسنته كما بلغ كتاب الله عز وجل. * ثم تكلم الناس في الترتيب بالنظر إلى التشريع، فمِنْ قائلٍ: السنة قاضية على الكتاب، وقائلٍ: السنة تُبين الكتاب، وقائل: السنة في المرتبة الثَّانية بعد الكتاب، وانتصر الشاطبي في "الموافقات" لهذا القول وأطال. ومما استدل به هو وغيره قول الله عز وجل: {وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)} [النحل: 89]. {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)} [النحل: 90]. قالوا: فقوله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} واضح في أن الشريعةَ كلَّها مُبَيَّنَةٌ في القرآن، ووجدنا الله تعالى قد قال في هذه السورة {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}. [النحل: 44].

فعلمنا أن البيان الذي في قوله {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} غير البيان الموكول إلى الرسول. ففي القرآن سوى البيان المفصل الوافي بيانٌ مجملٌ، وهو ضربان: الأول: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، والنهي عن الفحشاء والنكر والبغي، وتحريم الخبائث وأكل أموال الناس بالباطل وغير ذلك. الثاني: الأمر باتباع الرسول وطاعته وأخذ ما آتى، والانتهاء عما نهى ونحو ذلك. وفي "الصحيحين" وغيرهما من علقمة بن قيس النخعي -وكان أعلم أصحاب عبد الله بن مسعود أو من أعلمهم- قال: "لعن عبد الله الواشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله". فقالت أم يعقوب: ما هذا؟ قال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي كتاب الله؟ قالت: والله لقد قرأت ما بين اللوحين فبها وجدته. قال: والله لئن قرأتيه لقد وجدتيه {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} (¬1) [الحشر: 7]. * ظاهر صنيع ابن مسعود أن الاعتماد في كون القرآن مبينًا لكل ما بينته السنة على الضرب الثاني. وتعقيب آية التبيان بالتي تليها كأنه يشير إلى أن الاعتماد على الضربين مجتمعين، ورجحه الشاطبي، وزعم أن الاستقراء يوافقه، فعلى هنا لا يكون للخلاف ثمرة. * ثم قال قوم: جميع ما بيَّنَهُ الرسول عَلِمَهُ بالوحي. وقال آخرون: منه ما كان باجتهادٍ، أَذِنَ الله له فيه وأقره عليه. ¬

_ (¬1) "صحيح البخاري" (4886) (5931) (5939) (5943) (5948)، ومسلم (2125) ..

ذكرهما الشافعي في "الرسالة" ثم قال (ص 104): "وأي هذا كان فقد بين الله أنه فرض فيه طاعة رسوله ... ". وبالغ بعضهم فقال: كل ما بلَّغه الرسول فَهِمَهُ من القرآن، ونسبه بعض المتأخرين إلى الشافعي. فعلى هذا كان القرآن في حق الرسول تبيانا لكل شيء وتفصيلًا، فأما في حق غيره فعلى ما مر، والله الموفق. اهـ. ثم تعقب المعلمي (ص 23) قولَ بعض المتأخرين: "والنبي مبين للقرآن بقوله وفعله، ويدخل في البيان: التفصيل والتخصيص والتقييد، لكن لا يدخل فيه إبطال حكم من أحكامه أو نقض خبر من أخباره، ولذلك كان التحقيق أن السنة لا تنسخ القرآن". فقال: أقول: * أما الإبطال ونقض الخبر بمعنى تكذيبه فهذا لا يقع من السنة للقرآن ولا من بعض القرآن لبعض. فالقرآن كله حق وصدق {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (42)} [فصلت: 42]. * وأما التخصيص والتقييد ونحوهما والنسخ فليست لإبطال ولا تكذيب، وإنما هي بيان: 1 - فالتخصيص مثلًا إن اتصل بالخطاب بالعام؛ كأن نزلت آية فيها عموم ونزلت معها آية من سورة أخرى فيها تخصيص للآية الأولى، أو نزلت الآية فتلاها النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبيَّن ما يخصصها: فالأمر واضح؛ إذ البيان متصل بالمبيَّن، فكان معه كالكلام الواحد.

2 - وإن تأخر المخصِّصُ عن وقت الخطاب بالعام ولكنه تبعه قبل وقت العمل بالعام أو عنده: فهذا كالأول عند الجمهور، وهذا مرجعه إلى عُرف العرب في لغتهم كما بيَّنه الشافعي في "الرسالة". 3 - أما إذا جاء بعد العمل بالعام ما صورته التخصيص: فإنما يكون نَسخا جزئيا، لكن بعضهم يُسمي النَّسخ تخصيصا جزئيا كان أو كليا؛ نظرًا إلى أن اقتضاء الخطاب بالحكم لشموله لما يستقبل من الأوقات: عموم، والنسخ إخراج لبعض تلك الأوقات وهو المستقبل بالنسبة إلى النص الناسخ، وهذا مما يحتج به من يُجيز نَسْخَ بعض أحكام الكتاب بالسنة. اهـ. * * *

الفصل الثالث كتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف

الفصل الثالث كتابة الحديث في العهد النبوي، وأسباب عدم انتشار ذلك حينئذٍ، والاستدلال بحفظ الله تعاله للسنة على دحض شبهات المخالف قال العلامة المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 31): "كتابة الحديث في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-". ونقل عن أبي رية قوله: "تضافرت الأدلة ... على أن أحاديث الرسول صلوات الله عليه لم تُكتب في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كما كان يُكتب القرآن، ولا كان لها كُتَّابٌ يقيدونها عند سماعها منه وتلفظه بها ... ". فقال رحمه الله: أقول: قد وقعت كتابةٌ في الجملة كما يأتي، لكن لم تشمل ولم يؤمر بها أمرًا. * أما حِكْمَة ذلك فمنها: أن الله تبارك وتعالى كما أراد لهذه الشريعة البقاء، أراد سبحانه أن لا يكلف عبادة من حفظها إلا بما لا يشق عليهم مشقة شديدة، ثم هو سبحانه يحوطها ويحفظها بقدرته. * كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نزل عليه الوحي يعجل بقراءة ما يوحى إليه قبل فراغه خشية أن ينسع شيئًا منه، فأنزل الله عليه: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه: 14]. وقوله: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (16) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)} [القيامة: 16 - 19].

وقوله: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى (6) إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى (7) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى} [الأعلى: 6 - 8]. * وكانت العرب أمة أمية يندر وجود من يقرأ أو يكتب منهم، وأدوات الكتابة عزيزة ولا سيما ما يكتب فيه. * وكان الصحابة محتاجين إلى السعي في مصالحهم، فكانوا في المدينة: منهم من يعمل في حائطه، ومنهم من يبايع في الأسواق، فكان التكليف بالكتابة شاقًّا، فاقتصر منه على كتابة ما ينزل من القرآن شيئًا فشيئا ولو مرة واحدة في قطعة من جريد النخل أو نحوه تبقى عند الذي كتبها. وفي "صحيح" البخاري (¬1) وغيره من حديث زيد بن ثابت في قصة جمعه للقرآن بأمر أبي بكر: "فتتبعت القرآن أجمعه من العُسُبِ والِّلخافِ وصدور الرجال، حتَّى وجدت آخر سورة التربة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع أحد غيره {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ} حتَّى خاتمة سورة براءة. وفي "فتح الباري": إن العُسُبَ جريدُ النخل، وإن الِّلخاف الحجارةُ الرقاق، وإنه وقع في روايةٍ: القصب والعُسُب والكرانيف وجرائد النخل، ووقع في روايات أُخر ذكر الرقاع وقطع الأديم والصحف. * وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يلقن بعض أصحابه ما شاء الله من القرآن، ثم يلقن بعضهم بعضًا، فكان القرآن محفوظًا جملة في صدورهم، ومحفوظًا بالكتابة في قطع مفرقة عندهم. والمقصود أنه اقتصر من كتابة القرآن على ذلك القدر؛ إذ كان كر منه (¬2) شاقًّا عليهم، وتكفَّل الله عز وجل بحفظه في صدورهم وفي تلك القطع، فلم يتلف منها شيء، حتَّى جُمعت في عهد أبي بكر، ثم لم يتلف شيء حتَّى كُتبت عنها المصاحف في عهد عثمان. ¬

_ (¬1) رقم (7191). (¬2) يعني: من ذلك القدر.

وقد قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]. وتَكَفُّلُهُ سبحانه بحفظه لا يعفي المسلمين أن يفعلوا ما يمكنهم كما فعلوا -بتوفيقه لهم- في عهد أبي بكر ثم في عهد عثمان. فأما السنة: * فقد تكفل الله بحفظها أيضا؛ لأن تكفله بحفظ القرآن يستلزم تكفله بحفظ بيانه وهو السنة، وحفظ لسانه وهو العربية، إذ المقصود بقاء الحجة قائمة والهداية باقية بحيث ينالها من يطلبها؛ لأن محمدًا خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، بل دلَّ على ذلك قوله {ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ}. * فحفظ الله السنة في صدور الصحابة والتابعن حتى كُتبت ودُونت كما يأتي، وكان التزام كتابتها في العهد النبوي شاقًّا جدا؛ لأنها تشمل جميع أقوال النبي -صلى الله عليه وسلم- وأفعاله وأحواله وما يقوله غيره بحضرته أو يفعله وغير ذلك. * والمقصود الشرعي منها معانيها، ليست كالقرآن المقصود لفظه ومعناه؛ لأنه كلام الله بلفظه ومعناه، ومعجز بلفظه ومعناه، ومتعبد بتلاوته بلفظه بدون أدنى تغيير. لا جرم خفف الله عنهم واكتفى من تبليغ السنة غالبًا بأن يطلع عليها بعض الصحابة، ويكمل الله تعالى حفظها وتبليغها بقدرته التي لا يعجزها شيء. * فالشأن في هذا الأمر هو العلم بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد بلَّغ ما أُمر به التبليغ الذي رضيه الله منه، وأن ذلك مظنَّهُ بلوغِهِ إلى من يحفظه من الأمة، ويبلغه عند الحاجة ويبقى موجودًا بين الأمة. وتَكَفُّلُ الله تعالى بحفظ دينه يجعل تلك المظنَّة مَئِنَّة، فتمَّ الحفظُ كما أراد الله تعالى. وبهذا التكفُّل يُدفع ما يتطرق إلى تبليغ القرآن كاحتمال تلف بعض القطع التي كُتبت فيها الآيات، واحتمال أن يغير فيها من كانت عنده ونحو ذلك.

* ومن طالع تراجم أئمة الحديث من التابعين فمن بعدهم وتدبر ما آتاهم الله تعالى من قوة الحفظ والفهم والرغبة الأكيدة في الجدِّ والتشمير لحفظ السنة وحياطتها بأن له ما يحير عقله، وعلم أن ذلك ثمرة تكفل الله تعالى بحفظ دينه، وشأنهم في ذلك عظيم جدًّا، أو هو عبادة من أعظم العبادات وأشرفها. * وبذلك يتبين أن ذلك من المصالح المترتبة على ترك كتابة الأحاديث كلها في العهد النبوي، إذ لو كُتبت لانْسَدَّ باب تلك العبادة، وقد قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]. وثَمَّ مصالح أخرى: * منها: تنشئة علوم تحتاج إليها الأمة. فهذه الثروة العظيمة التي بيد المسلمين من تراجم قدمائهم إنما جاءت من احتياج المحدثين إلى معرفة أحوال الرواة فاضطروا إلى تتبع ذلك، وجمع التواريخ والمعاجم، ثم تبعهم غيرهم. * ومنها: الإسناد الذي يُعرف به حال الخبر. كان بدؤه في الحديث ثم سرى إلى التفسير والتاريخ والأدب، هذا والعالِم الراسخ هو الذي إذا حصل له العلم الشافي بقضيةٍ لزمها ولم يبال بما قد يشكك فيها، بل إما أن يعرض عن تلك المشككات، وإما أن يتأملها في ضوء ما قد ثبت. * فهاهنا، من تدبر كتاب الله وتتبع هدي رسوله ونظر إلى ما جرى عليه العمل العام في عهد أصحابه وعلماء أمته بوجوب العمل بأخبار الثقات عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنها من صُلْب الدين، فمن أعرض عن هذا وراح يقول: لماذا لم تُكتب الأحاديث؟ بماذا؟ لماذا؟ ويتبع قضايا جزئية -إما أن لا تثبت، وإما أن تكون شاذة، وإما أن يكون لها محمل لا يخالف المعلوم الواضح- من كان هذا شأنه فلا ريب في زَيْغِه .. اهـ.

وفي موضع آخر من "الأنوار" (ص 238 - 239) أوضح الشيخ المعلمي أسباب عدم اعتناء الصحابة بجمع الحديث في كتابٍ كما فعلوا مع القرآن الكريم، فقال: "بين القرآن والسنة فرقٌ من وجوه: وبيان ذلك أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ الشريعة مما فيه الكتاب والسنة كما مَرَّ، ومع ذلك كَلَّف الأمةَ القيام بما يتيسر لها من الحفظ. ولما كان القرآن مقصودًا حفْظ لفظِه ومعناه، وفي ضياع لفظة واحدة منه فواتُ مقصود ديني، وهو مقدار محصور يسهل على الصحابة حفظه في الصدور وكتابته في الجملة - كُلِّفوا بحفظه بالطريقتين. وبذلك جرى العمل في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فتوفاه الله تبارك وتعالى والقرآنُ كلُّه محفوظٌ في الصدور مفرقًا، إلا أن معظمَه عند جماعةٍ معروفين، وإنما حفظه جميعَه بضعةُ أشخاص، ومحفوظ كله بالكتابة مفرقًا في القِطع التي بأيدي الناس كما مَرَّ. فلما استحَرَّ القتل بالقُرَّاء في اليمامة، وخشي أن يستحرَّ بهم في كل موطن، ومن شأن ذلك -مع صرف النظر عن حفظ الله تعالى- أن يؤدي إلى نقصٍ في الطريقة الأولى - رأى الصحابة أنهم إذا تركوا تلك القطع -كما هي مفرقة بأيدي الناس- كان من شأن ذلك احتمال أن يتلف بعضها، فيقع النقص في الطريقة الثَّانية أيضًا، ورأوا أنه يمكنهم الاحتياط للطريقة الثَّانية بجمع تلك القطع وكتابة القرآن كله في صحف تُحفظ عند الخليفة، وإذ كان ممكنًا بدون مشقة شديدة -وهو من قبيل الكتابة التي ثبت الأمر بها ولا مفسدة فيه البتة- علموا أنه من جملة ما كُلفوا به، فوفقهم الله تعالى للقيام به. أما السنة: فالمقصود منها معانيها، وفوات جملة من الأحاديث لا يتحقق به فوات مقصود ديني؛ إذ قد يكون في القرآن وفيما بقي من الأحاديث ما يفيد معاني الجملة التي فاتت، وهي مع ذلك منتشرة لا تتيسر كتابتها كما تقدم.

فاكتفى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الصحابة بحفظها في الصدور كما تيسر، بأن يحفظ كل واحد ما وقف عليه، ثم يبلغه عند الحاجة، ولم يأمرهم بكتابتها، ولم يكن حفظ معظمها مقصورًا على القُرَّاء، بل كان جماعةٌ ليسوا من القراء عندهم من السنة أكثر مما عند بعض القراء. فالدلائل والقرائن التي فهم منها الصحابة أن عليهم أن يصنعوا ما صنعوا من جمع القرآن لم يتوفر لهم مثلها ولا ما يقاربها لكي يفهموا منه أن عليهم أن يجمعوا السنة ... وتوقفهم عن الجمع كما تقدم لا يعني عدم العناية بالأحاديث، فقد ثبت بالتواتر تدينهم بها وانقيادهم لها وبحثهم عنها كما تقدم في مواضعه، ولكنهم كانوا يؤمنون بتكفل الله تعالى بحفظها ويكرهون أن يعملوا من قِبَلِهم غيرَ ما وضح لهم أنه مصلحة محضة (¬1) ويعلمون أنه سيأتي زمان تتوفر فيه دواعي الجمع وتزول الموانع عنه، وقد رأوا بشائر ذلك من انتشار الإسلام وشدة إقبال الناس على تلقي العلم وحفظه والعمل به، وقد أتم الله ذلك كما اقتضته حكمته". اهـ. وأفاض المعلمي: في بيان هذا المعنى (ص 44 - 45) فقال: "أعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلا بد أن يُحفظ. وقد علمنا من دين الله أن على عبادة مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء وأنه لا تنافي بين الأمرين. وفي "جامع" الترمذي و"المستدرك" وغيرهما عن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت يا رسول الله: أرأيت رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به وتُقاة نتقيها هل تَردُّ من قدر الله شيئًا؟ قال: هو من قدر الله" (¬2). ¬

_ (¬1) راجع (ص 30). (¬2) هذا الحديث رواه الزهري، واختلف عليه، فرواه الأكثر عنه عن أبي خزامة عن أبيه به مرفوعًا.

فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين: الأولى: حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب. الثانية: بالكتابة، فكان يُكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، قلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقليل، استحرَّ القتل بالقرَّاء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنَّة نقصٍ في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار عَلَى أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منها أبو بكر وقال: "كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ". فقال عمر: "هو والله خير" يريد أنه عملٌ يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- له إنما كان لعدم تحقق المقتضى وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور، فهو خيرٌ محضٌ. فجمع القرآن في صحف بقيت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان في خلافته وكتب المصاحف. ومعنى هذا أنه طول تلك المدة التي لم تَبْدُ حاجةٌ إلى تلك الصحف، بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم، ومنهم من كتب من صدره مصحفًا لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره - وكتب عثمان بضعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار، لا لتبليغ القرآن، بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها. ¬

_ = ورواه بعضهم عنه عن ابن أبي خزامة عن أبيه به مرفوعًا. وروي عن ابن عيينة عن الزهري على الوجهين، ورجح الإِمام أحمد والترمذي والبيهقي الوجه الأول، انظر: "المسند" (3/ 421)، و"جامع" الترمذي (2065 - 2148)، و"سنن البيهقي الكبرى" (9/ 349)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح ... ولا يُعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث. اهـ. وأبو خزامة هذا قد تفرد عنه الزهري، وليس له سوى هذا الحديث الواحد، ولا يعرف أبوه إلا بروايته عنه هذا الحديث، وبه ذكروه في الصحابة. وأبو خزامة هذا فيه جهالة.

هذا شأن القرآن، فأما السنة فمخالِفةٌ لذلك في أمور: الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يُعْنَ بكتابتها، بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها، أي بنحو الطريق الأولى في القرآن. الثاني: أنها كانت منتشرة، لا يمكن جمعها كلها بيقين. الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن؛ إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرا، ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين. الرابع: أنهم كانوا إذا هَمُّوا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: "هو والله خير" أي خيرٌ محضٌ لا يترتب عليه محذور. كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببًا لرد من بعدهم ما فاتهم منها. وقد مَرَّ (ص 24) عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها: "أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خفي على أبي بكر". وخشوا أيضًا من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يُقبل الناسُ على تلك الكتب ويدعوا القرآن لما مَرَّ (ص 25) عن عمر و (ص 27) عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتف وابن شرها بطريق الرواية، ويَكِلُوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به. اهـ. وأجاب المعلمي: عن شبهات المستشرقين ومن نحا نحوهم في التشكيك في السنة جملة بسبب وقوع "الوضع" في الحديث، فقال (ص 89): "هو واقع في الجملة، ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يُطوِّلُون في هذا ويُهوِّلُون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل والعقاقير والحرير والصوف والذهب والفضة

واللؤلؤ والياقوت والمسك والعنبر وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء، ويطيل في ذلك. والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يُرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهلَ صدق وأمانة، وأن في الناس أهلَ خبرة ومهارة، يميزون الحقيقي الخالص من غيره، فلا يكاد يدخل الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ. والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عز وجل بعبادة في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لا بد أن تكون أتم وأبلغ. ومن تتبع الواقع وتدبره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان. اهـ. * * *

الفصل الرابع تحقيق المقال في الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة الحديث

الفصل الرابع تحقيق المقال في الأحاديث الواردة في النهى عن كتابة الحديث قال أبو رية (ص 23): "وقد جاءت أحاديث صحيحة وآثار ثابتة تنهى كلها عن كتابة أحاديثه -صلى الله عليه وسلم-". فقال الشيخ المعلمي: "أما الأحاديث فإنما هي حديث يختلف في صحته، وآخر متفق على ضعفه. فالأول: حديث مسلم وغيره عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا: "لا تكتبوا عني، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه، وحدثوا عني ولا حرج، ومن كذب عليّ -قال همام: أحسبه قال: متعمدًا- فليتبوأ مقعده من النَّار" هذا لفظ مسلم. وذكره أبو رية مختصرًا، وذكر لفظين آخرين، وهو حديث واحد. والثاني: ذكره بقوله: "ودخل زيد بن ثابت على معاوية فسأله عن حديث وأمر إنسانًا أن يكتبه فقال له زيد: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمرنا أن لا نكتب شيئًا من حديثه، فمحاه"، وقد كان ينبغي لأبي رية أن يجري على الطريقة التي يطريها وهي النقد التحليلي: فيقول: معقول أن لا يأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بكتابة أحاديثه؛ لقلة الكَتَبة، وقلة ما يكتب فيه، والمشقة، فأما أن ينهى عن كتابتها ويأمر بمحوها فغير معقول، كيف وقد أذن لهم في التحديث فقال: "وحدثوا عني ولا حرج". أقول: أما حديث أبي سعيد ففي "فتح الباري" (1/ 185): "منهم -يعني الأئمة- من أعلّ حديث أبي سعيد وقال: الصواب وقفه على أبي سعيد، قاله البخاري

وغيره" أي الصواب أنه من قول أبي سعيد نفسه، وغلط بعض الرواة فجعله عن أبي سعيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد أورد ابن عبد البر في كتاب العلم (1/ 64) قريبًا من معناه موقوفًا على أبي سعيد من طرقالم يذكر فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). وأما حديث زيد بن ثابت فهو من طريق كثير بن زيد عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخل زيد بن ثابت الخ. وكثير غير قوي، والمطلب لم يدرك زيدًا (¬2). أما البخاري فقال في "صحيحه": "باب كتابة العلم" (¬3) ثم ذكر قصة الصحيفة التي كانت عند علي -رضي الله عنه- (¬4). ¬

_ (¬1) حديث أبي سعيد معروف برواية همام بن يحيى عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه به مرفوعًا. أخرجه كذلك مسلم في آخر "الصحيح" (3004)، وأخرجه أحمد في غير موضع من "المسند"، وابن حبان (64) وغيرهم. وذكره الخطيب في "تقييد العلم" (ص 31) وقال: "هذا الحديث تفرد بروايته همام عن زيد بن أسلم هكذا مرفوعًا". وقد روي عن سفيان الثوري أيضًا عن زيد، ويقال إن المحفوظ رواية هذا الحديث عن أبي سعيد الخدري من قوله غير مرفوع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم ذكر رواية الثوري من طريق واهٍ عنه، ثم ذكر حديثًا آخر لأبي سعيد أنه استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفي كتب الحديث فلم يأذن له، وهو من طريق عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، وعبد الرحمن ضعيف. ثم ذكر نحو حديث أبي سعيد من رواية عبد الرحمن هذا أيضًا عن أبيه عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة به مرفوعًا. ثم ساق طرقا لأبي سعيد الخدري في هذا المعنى من قوله، لم يرفعه. وكذلك عن بعض الصحابة والتابعين. (¬2) أخرجه أبو داود (3647) وغيره. (¬3) فتح الباري (1/ 246). (¬4) حديث رقم (111).

ثم خطبة النبي -صلى الله عليه وسلم- زمن الفتح وسؤال رجل أن يكتب له، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اكتبوا لأبي فلان" (¬1) وفي غير هذه الرواية "لأبي شاه". ثم قول أبي هريرة: "ما من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد أكثر حديثًا عنه مني إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب وأنا لا أكتب" (¬2). ثم حديث ابن عباس في قصة مرض النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقوله: "ائتوني بكتاب أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده" (¬3). وفي بعض روايات حديث أبي هريرة في شأن عبد الله بن عمرو: "استأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكتب بيده ما سمع منه فأذن له" رواه الإمام أحمد والبيهقي. قال في "فتح الباري" (1/ 185): "إسناده حسن، وله طريق أخرى ... ". وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو نفسه جاء من طرق، راجع "فتح الباري" و"المستدرك" (1/ 104) و"مسند" أحمد بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر: الحديث: (6510) وتعليقه. وقد اشتهرت صحيفة عبد الله بن عمرو التي كتبها عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكان يغتبط بها ويسميها: "الصادقة"، وبقيت عند ولده يروون منها، راجع ترجمة عمرو بن شعيب في "تهذيب التهذيب". أما ما زعمه أبو رية أن صحيفة عبد الله بن عمرو إنما كانت فيها أذكار وأدعية فباطل قطعًا. وأما زيادة ما انتشر عن أبي هريرة من الحديث عما انتشر عن عبد الله بن عمرو؛ فلأن عبد الله لم يتجرد للرواية تجرد أبي هريرة، وكان أبو هريرة بالمدينة وكانت دار ¬

_ (¬1) حديث رقم (112). (¬2) حديث رقم (113). (¬3) حديث رقم (114).

الحديث؛ لعناية أهلها بالرواية، ولرحلة الناس إليها لذلك، وكان عبد الله تارة بمصر، وتارة بالشام، وتارة بالطائف، مع أنه كان يكثر من الأخبار عما وجده من كتبٍ قديمةٍ باليرموك، وكان الناس لذلك كأنهم قليلو الرغبة في السماع منه، ولذلك كان معاوية وابنه قد نهياه عن التحديث. فهذه الأحاديث وغيرها مما يأتي إن لم تدل على صحة قول البخاري وغيره: إن حديث أبي سعيد غير صحيح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنَّها تقضي بتأويله، وقد ذكر في "فتح الباري" أوجها للجمع، والأقرب ما يأتي: قد ثبت في حديث زيد بن ثابت في جمعه القرآن: "فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف"، وفي بعض رواياته ذكر القصب وقطع الأديم. وقد مَرَّ قريبًا (ص 20)، وهذه كلها قطع صغيرة، وقد كانت تنزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- الآية والآيتان فكان بعض الصحابة يكتبون في تلك القطع فتتجمع عند الواحد منهم عدة قطع في كل منها آية أو آيتان أو نحوها، وكان هذا هو المتيسر لهم، فالغالب أنه لو كتب أحدهم حديثًا لكتبه في قطعة من تلك القطع، فعسى أن يختلط عند بعضهم القطع المكتوب فيها الأحاديث بالقطع المكتوب فيها الآيات، فنهوا عن كتابة الحديث سدًّا للذريعة. أما قول أبي رية (ص 27): "هذا سبب لا يقتنع به عاقل عالم ... اللهم [إلا] إذا جعلنا الأحاديث من جنس القرآن في البلاغة وأن أسلوبها في الإعجاز من أسلوبه". فجوابه: أن القرآن إنما تحدَّى أن يُؤتَى بسورة من مثله، والآية والآيتان دون ذلك. ولا يشكل على هذا الوجه صحيفةُ علي؛ لأنه جمع فيها عدة أحكام، وكان علي لا يُخشى عليه الالتباس. ولا قصة أبي شاه؛ لأن أبا شاه لم يكن ممن يكتب القرآن، وإنما سأل أن تكتب له تلك الخطبة.

ولا قوله -صلى الله عليه وسلم- في مرض موته: "ائتوني بكتاب" الخ؛ لأنه لو كتب لكان معروفًا عند الحاضرين وهم جمع كثير. ولا قضية عبد الله بن عمرو، فإنه فيما يظهر حصل على صحيفة فيها عدة أوراق، فاستأذن أن يكتب فيها الأحاديث فقط. وكذلك الكتب التي كتبها النبي -صلى الله عليه وسلم- لعماله وفيها أحكام الصدقات وغيرها، وكان كلها أو أكثرها مُصدرًا بقوله: "من محمد رسول الله" الخ، هذا كله على فرض صحة حديث أبي سعيد. أما على ما قاله البخاري وغيره من عدم صحته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فالأمر أوضح، وسيأتي ما يشهد لذلك. قال أبو رية (ص 23): وروى الحاكم بسنده عن عائشة قالت: جمع أبي الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكانت خمسمائة حديث، فبات يتقلب ... فلما أصبح قال: أي بنية هلمي الأحاديث التي عندك، فجئته بها فأحرقها، وقال: خشيت أن أموت وهي عندك فيكون فيها أحاديث عن رجل ائتمنته ووثقت به ولم يكن كما حدثني فأكون قد تقلدت ذلك، زاد الأحوص بن المفضل في روايته: أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خفي على أبي بكر. أقول: لو صح هذا لكان حجة على ما قلناه، فلو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابة الأحاديث مطلقًا لما كتب أبو بكر، فأما الإحراق فلسبب أو سببين آخرين كما رأيت، لكن الخبر ليس بصحيح، أحال به أبو رية على "تذكرة الحفاظ" للذهبي، و"جمع الجوامع" للسيوطي ولم يذكر طعنهما فيه، ففي التذكرة عقبة: "فهذا لا يصح" (¬1). ¬

_ (¬1) (ج 1 ص 5).

وفي "كنز العمال" (5/ 237) -وهو ترتيب جمع الجوامع ومنه أخذ أبو رية: "قال ابن كثير هذا غريب من هذا الوجه جدًّا، وعلي بن صالح أحد رجال سنده لا يعرف". أقول: وفي السند غيره ممن فيه نظر (¬1). ثم وجهه ابن كثير على فرض صحته. قال أبو رية (ص 24): "وروى حافظ المغرب ابن عبد البر والبيهقي في "المدخل" عن عروة: أن عمر أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك -ورواية البيهقي: فاستشار- فأشاروا عليه أن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله شهرًا، ثم أصبح يومًا وقد عزم الله له فقال: إنِّي كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قومًا كانوا قبلكم كتبوا كتبًا فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله، وإني والله لا أشوب كتاب الله بشيء أبدًا. ورواية البيهقي: لا ألبس بكتاب الله بشيء أبدًا" (¬2). أقول: وهذا وإن صح حجة لما قلناه، فلو كان النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن كتابة الأحاديث مطلقًا لما هَمَّ بها عمر وأشار بها عليه الصحابة، فأما عدوله عنها فلسبب آخر كما رأيت. لكن الخبر منقطع؛ لأن عروة لم يدرك عمر، فإن صح فإنما كانت تلك الخشية في عهد عمر ثم زالت، وقد قال عروة نفسه كما في ترجمته من تهذيب التهذيب: "وكنا نقول: لا نتخذ كتابًا مع كتاب الله، فمحوت كتبي، فوالله لوددت أن كتبي عندي وإن كتاب الله قد استمرت مريرته" يعني قد استقر أمره وعلمت مزيته وتقرر في ¬

_ (¬1) هما: موسى بن عبد الله بن حسن بن حسن، الظاهر أنه هو العلوي الهاشمي، وهو مترجم بها "الميزان"، و"اللسان"، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمي، لم أجده. (¬2) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن عروة به. أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (11/ 258) ومن طريقه ابن عبد البر في "جامع بيان العلم" (ص 109) والخطيب في "تقييد العلم" (ص 49) والبيهقي في "المدخل" (ص 407). وهو منقطع بين عروة وعمر، كما سيأتي، انظر: "المراسيل" لابن أبي حاتم (149)، و"تحفة التحصيل" (ص 226).

أذهان الناس أنه الأصل، والسنة بيانٌ له، فزال ما كان يخشى من أن يؤدي وجود كتاب للحديث إلى أن يكب الناس عليه، ويدعوا القرآن. قال أبو رية: "وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار: من كان عنده شيء فليمحه" (¬1). أقول: وهذا منقطع أيضًا، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، عروة أقدم منه وأعلم جدًّا، وزيادة يحيى منكرة، لو كتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة. قال أبو رية: "وروى ابن سعد عن عبد الله بن العلاء قال: سألت القاسم بن محمد أن يعلى على أحاديث فقال: إن الأحاديث كثرت على عهد عمر بن الخطاب فأنشد الناس أن يأتوه بها، فلما أتوه بها أمر بتحريقها: مثناة كمثناة أهل الكتاب. قال فمنعني القاسم بن محمد يومئذ أن أكتب حديثًا" (¬2). أقول: وهذا منقطع أيضا؛ إنما وُلد القاسم بعد وفاة عمر ببضع عشرة سنة. ثم ذكر خبر زيد بن ثابت وقد مَرَّ. ثم قال: "وعن جابر بن عبد الله بن يسار قال: سمعت عليًّا يخطب يقول: أعزم على كل من عنده كتاب إلا رجع فمحاه فإنما هلك الناس حي تتبعوا أحاديث علمائهم وتركوا كتاب ربهم". أقول: ذكره ابن عبد البر من طريق شعبة عن جابر (¬3)، ولم أجد لجابر بن عبد الله ابن يسار ذكرًا، وقد استوعب صاحب التهذيب مشايخ شعبة في ترجمته، ولم يذكر ¬

_ (¬1) أخرجه أبو خيثمة في "العلم" رقم (26)، وابن عبد البر في "الجامع" (ص 109). (¬2) "الطبقات" (5/ 188) رواه عن زيد بن يحيى بن عبيد الدمشقي قال: أخبرنا عبد الله بن العلاء به. وذكره الذهبي في ترجمة القاسم من "سير أعلام النبلاء" (5/ 59). (¬3) "جامع بيان العلم وفضله" (ص 108) وفيه: جابر بن عبد الله بن يسار.

فيهم من اسمه جابر إلا جابر بن يزيد الجعفي، فلعل الصواب "جابر عن عبد الله ابن يسار" وجابر الجعفي ممقوت كان يؤمن برجعة علي إلى الدنيا، وقد كذبه جماعة في الحديث منهم أبو حنيفة، وصدقه بعضهم في الحديث خاصة بشرط أن يصرح بالسماع. ولم يصرح هنا، وعبد الله بن يسار لا يعرف (¬1). وقد كان عند علي نفسه صحيفة فيها أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- كما مَرَّ، فإن صحت هذه الحكاية فإنما قال: "أحاديث علمائهم" ولم يقل: "أحاديث أنبيائهم"، وكلمة "حديث" بمعنى "كلام" واشتهارها فيما كان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- اصطلاح متأخر، وقد كان بعض الناس يثبتون كلام علي في حياته. وفي مقدمة "صحيح مسلم" (¬2) عن ابن عباس ما يُعلم منه أنه كان عنده كتاب فيه قضايا علي، منها ما عرفه ابن عباس ومنها ما أنكره، ولفظه: "فدعا بقضاء علي فجعل يكتب منه أشياء، ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضل"، ثم ذكر عن طاوس قال: "أُتي ابنُ عباس بكتاب فيه قضاء علي ... ". فإن صحت هذه الحكاية فكأن بعض الناس كتب شيئًا من كلام علي أو غيره من العلماء، فتناقله الناس، فبلغ عليًّا ذلك، فقال ما قال. قال أبو رية: "وعن الأسود بن هلال قال: أُتي عبد الله بن مسعود بصحيفة فيها حديث، فدعا بماء فمحاها ثم غسلها ثم أمر بها فأحرقت". ¬

_ (¬1) لكن في ترجمة عبد الله بن يسار الجهني الكوفي من "تهذيب الكمال" أنه يروي عن علي بن أبي طالب وعنه جابر ابن يزيد الجعفي. وعبد الله هذا قد وثقه النسائي وذكره ابن حبان في "الثقات". (¬2) ص 13.

ثم قال: "أذكر الله رجلًا يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أعلم أنها بدير هند لبلغتها، بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم حين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" (¬1). أقول: روى الدارمي (¬2) هذه القصة من وجه آخر (¬3) عن الأشعت [بن أبي الشعثاء سليم بن أسود] عن أبيه - وكان من أصحاب عبد الله قال: "رأيت مع رجل صحيفة فيها: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. فقلت له: أنسخنيها، فكأنه بخل بها، ثم وعدني أن يعطينيها، فأتيت عبد الله فإذا هي بين يديه فقال: إن ما في هذا الكتاب بدعة وفتنة وضلالة ... أقسم لو أنها ذكرت له بدار الهند (¬4) (كذا) -أراه يعني مكانًا بالكوفة بعيدًا- إلا أتيته ولو مشيًا". لا ريب أنه لم يكن في الصحيفة تلك الكلمات فقط وإلا ما طلب استنساخها لأنه قد حفظها فيمكنه أن يكتبها إن شاء من حفظه. وعند الدارمي قصة أخرى تفسر لنا هذه، ذكرها في باب كراهية أخذ الرأي (¬5)، وفيها: "إن قومًا تحلقوا في المسجد في كل حلقة رجل وفي أيديهم حصى فيقول: كبروا مائة، فيكبرون، فيقول: هللوا مائة فيهللون ... "، وذكر إنكار ابن مسعود عليهم، فكأنه كان في تلك الصحيفة وصفُ طريقةٍ للذكر بتلك الكلمات ونحوها ¬

_ (¬1) "جامع بيان العلم" (ص 110) عن أبي معاوية عن الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود. (¬2) (1/ 135). (¬3) عن سهل بن حماد عن شعبة عن الأشعث. (¬4) في الطبعة المعزو إليها: الهنداريه. (¬5) (1/ 79) عن الحكم بن المبارك أنا عمر (كذا، وصوابه: عمرو) بن هي قال: أبي يحدث عن أبيه قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود ... الحكم بن المبارك هو أبو صالح البلخي، وعمرو بن يحيى هو ابن عمرو بن سلمة الهمداني.

بعدد مخصوص وهيئة مخصوصة كما يبينه قول ابن مسعود: "إن ما في هذا الكتاب بدعة وفتنة وضلالة". وقد ذكر الدارمي (¬1) رواية أخرى في صحيفة جيء بها من الشام فمحاها ابن مسعود، وفيها: "فقال مُرَّة [ابن شرحبيل الهمداني أحد كبار أصحاب ابن مسعود]: أما إنه لو كان من القرآن أو السنة لم يمحه، ولكن كان من كتب أهل الكتاب". ثم قال أبو رية (ص 25): "هناك غير ذلك أخبار كثيرة ... ". أقول: ذكر ابن عبد البر (¬2) عن مالك: "أن عمر أراد أن يكتب الأحاديث، أو كتبها، ثم قال: لا كتاب مع كتاب الله"، وهذا معضل، وقد مرت رواية عروة عن عمر وبيان وجهها. وذكر (¬3) عن أبي بردة بن أبي موسى أنه كتب من حديث أبيه، فعلِمَه أبوه، فدعا بالكتاب فمحاه. وقد أخرج الدارمي (¬4) نحوه، ثم أخرج (¬5) عن أبي بردة عن أبيه "أن بني إسرائيل كتبوا كتابًا فتبعوه وتركوا التوراة"، وهذا كما مَرَّ عن عمر. وذكر (¬6) عن أبي نضرة قال: قيل: لأبي سعيد [الخدري] لو أكتبتنا الحديث فقال: لا نكتبكم، خذوا عنا كما أخذنا عن نبينا -صلى الله عليه وسلم-، ثم ذكره من وجه آخر في سنده من لم ¬

_ (¬1) (1/ 134) عن أحمد بن عبد الله بن يونس ثنا أبو زيد (كذا، وصوابه: أبو زبيد وهو عبثر بن القاسم) ثنا حصين (وهو ابن عبد الرحمن) عن مُرَّة الهمداني به. (¬2) (ص 109). (¬3) (ص 110) من طريق وكيع عن طلحة بن عمرو عن أبي بردة، وطلحة هو الحضرمي تالف. (¬4) (1/ 133) من طريق شعبة عن أبي موسى عن حميد بن هلال عن أبي بردة وشيخ شعبة لا يعرف. (¬5) (1/ 135) من طريق عبيد الله بن عمرو (هو الرقي) عن عبد الملك بن عمير عن أبي بردة به. (¬6) (ص 108) من طريق عبد الأعلى (وهو ابن عبد الأعلى السامي) عن سعيد الجريري عن أبي نضرة به.

أعرفه (¬1) وفيه: "أتريدون أن تجعلوها مصاحف" ثم من وجه ثالث بنحوه (¬2). وهذا من أبي سعيد بمعنى ما مَرَّ عن عمرو أبي موسى. وذكر (¬3) عن سعيد بن جبير قال: "كنا نختلف في أشياء، فكتبتها في كتاب، ثم أتيت بها ابن عمر أسأله عنها خفيًا، فلو علم بها كانت الفيصل بيني وبينه". في رواية (¬4): "كتب إليَّ أهل الكوفة مسائل ألقى بها ابنَ عمر، فلقيتُه، فسألته عن الكتاب، ولو علم أن معي كتابًا لكانت الفيصل بيني وبينه". وهذا ليس مما نحن فيه؛ إنما هو باب كراهية الصحابة أن تكتب فتاواهم وما يقولونه برأيهم. وذكر (¬5) عن ابن عباس أنه قال: "إنا لا نكتب العلم ولا نكتبه". وقد ذكر (¬6) عن هارون بن عنزة عن أبيه أن ابن عباس أرخص له أن يكتب. هذا وقد أخرج الدارمي (¬7) بسند رجاله ثقات عن أنس أنه كان يقول لبنيه: "يا بني قيدوا هذا العلم" وذكره ابن عبد البر (¬8) ولفظه: "قيدوا العلم بالكتاب"، وروي هذا من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن قول عمرو من قول ابن عمر، وإنما يصح من قول أنس -رضي الله عنه-. ¬

_ (¬1) (ص 108) وهو قبل الموضع السابق من طريق مسلم بن إبراهيم عن المعتمر (كذا، وصوابه: المستمر، ولذا لم يعرفه المعلمي) بن الريان، عن أبي نضرة. (¬2) نفس الموضع قبلهما من طريق أبي أسامة عن كهمس عن أبي نضرة، والأسانيد الثلاثة مستقيمة. (¬3) (ص 111) من طريق ابن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن أيوب قال: سمعت سعيد بن جبير. (¬4) كذلك من طريق حماد بن زيد عن أيوب. (¬5) (ص 109) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس. (¬6) (ص 121). (¬7) (1/ 137) من طريق مسلم بن إبراهيم عن عبد الله بن المثنى عن ثمامة بن عبد الله بن أنس أن أنسًا كان يقول ذلك لبنيه. (¬8) (ص 120) مرفوعًا.

وروى الدارمي (¬1) وابن عبد البر (¬2) وغيرهما بسند حسن أن أبا أمامة الباهلي -رضي الله عنه- سئل عن كتاب العلم فقال: لا بأس به. وأخرج الدارمي (¬3) وغيره بسند رجاله ثقات عن بشير بن نهيك وهو ثقة قال: "كنت أكتب ما أسمع من أبي هريرة، فلما أردت أن أفارقه أتيته بكتابه فقرأته عليه وقلت له: هذا ما سمعت منك؛ قال: نعم". فالحاصل أن ما روي عن عمر وأبي موسى من الكراهة إنما كان كما صرحا به خشية أن يكب الناس على الكتب ويدَعُوا القرآن، وأما من عاش بعدهما من الصحابة فمنهم أبو سعيد بقي على الامتناع، ومنهم ابن عباس امتنع ورخص، ومنهم من رأى أنه قد زال المانع كما قال عروة الراوي امتناع عمر: "إن كتاب الله قد استمرت مريرته" وقد مَرَّ ذلك ورأوا أن الحاجة إلى الكتابة قد قويت؛ لأن الصحابة قد قلوا وبقاء الأحاديث تتناقل بالسماع والحفظ فقط لا يؤمن معه الخلل فرأوا للنَّاس الكتابة كما مَرَّ عن أبي هريرة وأبي أُمامة وأنس -رضي الله عنهم-. وأما التابعون فغلبت فيهم الكتابة، إلا أن من كان ذا حافظة نادرة كالشعبي والزهري وقتادة كانوا لا يرون إبقاء الكتب، لكن يكتب ما يسمع ثم يتحفظه فإذا أتقنه محاه. وأكثرهم كانت كتبه باقية عنده كسعيد بن جبير والحسن البصري وعَبيدة السلماني ومُرَّة الهمداني وأبي قلابة الجرمي وأبي المليح وبشير بن نهيك وأيوب السختياني ومعاوية بن قرة ورجاء بن حيوة وغيرهم (¬4). ¬

_ (¬1) (1/ 137) من طريق ابن وهب عن معاوية (وهو ابن صالح) عن الحسن بن جابر قال: سألت أبا أمامة والحسن لم يوثق توثيقا معتبرا. (¬2) (ص 122) من نفس الطريق. (¬3) (1/ 138) من طريق معاذ (وهو ابن معاذ البصري) عن عمران بن حدير عن أبي مجلز (وهو لاحق ابن حميد) عن بشير بن نهيك به. (¬4) مقتبس من كتاب "العلم" لابن عبد البر، و"سنن" الدارمي، وغيرهما.

ثم قال أبو رية (ص 25): "ولئن كانت هناك بعض أحاديث رويت في الرخصة بكتابة الأحاديث فإن أحاديث النهي أصح، بَلْهَ ما جرى عليه العمل في عهد الصحابة والتابعين". أقول: قد علمت أنه ليس في النهي غير حديثين؛ أحدهما متفق على ضعفه وهو المروي عن زيد بن ثابت، والثاني مختلف في صحته وهو حديث أبي سعيد، فأما أحاديث الإذن فلو لم يكن منها إلا حديث أبي هريرة في الإذن لعبد الله بن عمرو لكان أصح مما جاء في النهي. أما الصحابة والتابعون فقد تقدم ويأتي ما فيه كفاية. ثم نقل أبو رية (ص 25 - 27) عن مجلة المنار كلامًا بدىء فيه بمحاولة الجمع بين حديث النهي وقصة "اكتبوا لأبي شاه" بأن ما أمر بكتابته لأبي شاه من الدين العام وأن النهي كان عن كتابة سائر الأحاديث التي هي من الدين الخاص. أقول: نظرية "دين عام ودين خاص" مردودة عليه، وقد تقدمت الإشارة إليها (ص 15). وحديث الإذن لعبد الله بن عمرو قاطع لشغبه البتة. قال صاحب المنار: "ولنا أن نستدل على كون النهي هو المتأخر بأمرين: أحدهما: استدلال من روي عنهم من الصحابة الامتناع عن الكتابة ومنعها بالنهي عنها وذلك بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-". أقول: لم يثبت استدلال أحد منهم بنهي النبي -صلى الله عليه وسلم-، فالمروي عن زيد بن ثابت متفق على ضعفه، وعن أبي سعيد روايتان، إحداهما: فيها الرفع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يذكر فيها امتناع أبي سعيد، ونحن لم نقل في هذا إنه منسوخ، إنما قلنا: إنه إما خطأ والصواب عن أبي سعيد من قوله، كما قال البخاري وغيرها، وإما محمول على أمر خاص تقدم بيانه. وثانيتهما: رواية أبي نضرة عن أبي سعيد امتناعه هو، وليس فيها أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى.

وقد بقيت صحيفة علي عنده إلى زمن خلافته، وكذلك بقيت صحيفة عبد الله بن عمرو عنده وعند أولاده كما مَرَّ، فلو كان هناك نسخ لكان بقاء الصحيفتن دليلًا واضحًا جدًّا على أن الإذن هو المتأخر، وتقدم أن عمر عزم على الكتابة، وأشار عليه الصحابة بها ثم تركها لمعنى آخر، ولم يذكروا نهيًا كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك صريح فيما قلنا. وقد أجاز الكتابة من الصحابة: عبد الله بن عمرو وأبو هريرة وأبو أُمامة وأنس -رضي الله عنهم-، وروى هارون بن عنترة عن أبيه، أن ابن عباس رخص فيها ثم أجمعت عليها الأمة. قال (ص 26): "وثانيهما عدم تدوين الصحابة الحديث ونشره". أقول: أما النشر فقد نشروه بحمد الله تعالى، وبذلك بلغنا. وأما التدوين فيعني به الجمع في كتاب كما جمعوا القرآن، فاعلم أن الله تبارك وتعالى تكفل بحفظ القرآن وبيانه وهو السنة كما مر، وما تكفل الله بحفظه فلا بد أن يحفظ وقد علمنا من دين الله أن على عبادة مع إيمانهم بحفظ ما تكفل بحفظه أن يعملوا ما من شأنه في العادة حفظ ذاك الشيء، وأنه لا تنافي بين الأمرين، وفي جامع الترمذي و"المستدرك" وغيرها عن أبي خزامة عن أبيه قال: "قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقي بها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئًا؟ قال: هو من قدر الله". فأما القرآن فأمروا بحفظه بطريقين: الأولى: حفظ الصدور، وعليها كان اعتمادهم في الغالب. الثانية: بالكتابة، فكان يكتب في العهد النبوي في قطع صغيرة من جريد النخل وغيرها، فلما غزا المسلمون اليمامة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بقليل استحر القتل بالقراء قبل أن يأخذ عنهم التابعون، فكان ذلك مظنة نقص في الطريق الأولى، فرأى عمر المبادرة إلى تعويض ذلك بتكميل الطريق الثانية، فأشار على أبي بكر بجمع القرآن في صحف، فنفر منه أبو بكر وقال: "كيف تفعل ما لم يفعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ " فقال عمر: "هو والله خير" يريد أنه عمل يتم به مقصود الشرع من حفظ القرآن، وعدم

فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- له إنما كان لعدم تحقق المقتضى وقد تحقق، ولا يترتب على الجمع محذور، فهو خير محض. فجمع القرآن بها صحف بقيت عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين حتى طلبها عثمان في خلافته وكتب المصاحف. ومعنى هذا أنه طول تلك المدة لم تبد حاجة إلى تلك الصحف بل بقي القراء يبلغون القرآن من صدورهم ومنهم من كتب من صدره مصحفًا لنفسه، فلما كان في زمن عثمان احتيج إلى تلك الصحف لاختيار الوجه الذي دعت الحاجة إلى قصر الناس على القراءة به دون غيره - وكتب عثمان بضعة مصاحف وبعث بها إلى الأمصار لا لتبليغ القرآن بل لمنع أن يقرأ أحد بخلاف ما فيها. هذا شأن القرآن. فأما السنة فمخالفة لذلك في أمور: الأول: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يعن بكتابتها بل اكتفى بحفظهم في صدورهم وتبليغهم منها أي بنحو الطريق الأولى في القرآن. الثاني: أنها كانت منتشرة لا يمكن جمعها كلها بيقين. الثالث: أنه لم يتفق لها في عهد الصحابة ما اتفق للقرآن إذ استحر القتل بحفاظه من الصحابة قبل أن يتلقاه التابعون، فإن الصحابة كانوا كثيرًا ولم يتفق أن استحر القتل بحفاظ السنة منهم قبل تلقي التابعين. الرابع: أنهم كانوا إذا هَمُّوا بجمعها رأوا أنه لن يكون كما قال عمر في جمع القرآن: "هو والله خير" أي خير محض لا يترتب عليه محذور. كانوا يرون أنه يصعب جمعها كلها، وإذا جمعوا ما أمكنهم خشوا أن يكون ذلك سببًا لرد من بعدهم ما فاتهم منها، وقد مَرَّ (ص 24) عن أبي بكر في سبب تحريقه ما كان جمعه منها: "أو يكون قد بقي حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما خفي على أبي بكر".

وخشوا أيضًا من جمعها في الكتب قبل استحكام أمر القرآن أن يقبل الناس على تلك الكتب ويدَعُوا القرآن لما مَرَّ (ص 25) عن عمر و (ص 27) عن أبي موسى، فلذلك رأوا أن يكتفوا بنشرها بطريق الرواية ويأكلوها إلى حفظ الله تعالى الذي يؤمنون به. ثم ذكر (ص 26) أشياء قد تقدم الجواب عنها. ثم قال: "وكون التابعين لم يدونوا الحديث إلا بأمر الأمراء". أقول: وجمع القرآن إنما كان بأمر الأمراء أبي بكر وعمر وعثمان، فإن قيل: هم أمراء المؤمنين وأئمة في العلم وأئمة في التقوى، قلنا: فعمر بن عبد العزيز كذلك في هذا كله وهو الآمر بالتدوين، وتبعه الخلفاء بعده. قال: "يؤيد ما ورد أنهم كانوا [قبل ذلك] يكتبون الشيء لأجل حفظه ثم يمحونه". أقول: هذه حال بعضهم، وقد تقدم (ص 27 - 28) أن جماعة كانوا يكتبون ويبقون كتبهم. قال: "وإذا أضفت إلى هذا ما ورد في عدم رغبة كبار الصحابة في التحديث بل في رغبتهم عنه". أقول: سيأتي رد هذا مفصلًا، والتحقيق أن بعض كبار الصحابة يرون أن تبليغ الأحاديث إنما يتعين عند وقت الحاجة، ويرون أنهم إذا بلغوا بدون حضور حاجة فقد يكون منهم خطأ ما قد يؤاخذون به، بخلاف ما إذا بلغوا عند حضور الحاجة فإن ذلك متعين عليهم، فإما أن يحفظهم الله تعالى من الخطأ، وإما أن لا يؤاخذهم، ولهذا رويت الأحاديث عنهم كلهم، ولم ينقل عن أحد منهم أنه كان عنده حديث فتحققت الحاجة إلى العمل به فلم يحدث به.

وكان جماعة آخرون من الصحابة يحدثون وإن لم تتحقق حاجة، يرون أن التبليغ قبل وقت الحاجة مرغب فيه لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "حدثوا عني ولا حرج" وغير ذلك من الأدلة الداعية إلى نشر العلم وتبليغ السنة. ولكل وجهة، وكلهم على خير، على أنه لما قَلَّ الصحابة رجحت كفة الفريق الثاني. قال: "بل في نهيهم عنه". أقول: لم ينهوا، وكيف ينهون وما من أحد منهم إلا وقد حدث بعدد من الأحاديث، أو سأل عنها، وإنما جاء عن عمر أنه نهى عن الإكثار، ومرجع ذلك إلى أمرين: الأول: استحباب أن لا يكون التحديث إلا عند حضور الحاجة. الثاني: ما صرح به من إيثار أن لا يشغل الناس -يعني بسماع الأحاديث دون حضور حاجة- عن القرآن. وجاء عنه كما يأتي: "أقلوا الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا فيما يعمل به" والعمل في كلامه مطلق، يَعُمُّ العبادات والمعاملات والآداب، لا كما يهوى أبو رية. قال: "قوي عندك ترجيح كونهم لم يريدوا أن يجعلوا الأحاديث (كلها) دينًا عامًّا دائمًا كالقرآن". أقول: هذه نظريته القائلة: "دين عام ودين خاص" والذي يظهر من كلماته أن الدين العام الدائم هو الدين الحقيقي اللازم وأنه كما عبر عنه فيما مضى (ص 15) "المتفق عليه" وعلى هذا فمقصوده أن ما ذكر هنا يقوي عند مخاطبه أن الصحابة كانوا لا يوجبون العمل بالأحاديث الثابتة عندهم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا قدرًا يسيرًا هو الذي اتفقوا ووافقهم بقية الأمة بعدهم على العمل به، وأن ما زاد على ذلك فالأمر فيه على الاختيار من شاء أخذ، ومن شاء ترك، بل إنهم كانوا يرون من الخير إماتة تلك الأحاديث!

فإن كان هذا مراده فبطلانه معلوم من الدين قطعًا. وحسبك أنه لم يجد أحدًا من علماء الأمة ينسب إليه هذا القول بحق أو باطل سوى ما مَرَّ (ص 15) من نسبته أو نحوه إلى الغزالي، وقدمنا بيان بطلان تلك النسبة. هذا ونصوص الكتاب والسنة والمتواتر عن الصحابة وإجماع علماء الأمة، كل ذلك يبطل قوله هذا قطعًا، على أن نظريته هذه لا تقتصر على إهمال الأحاديث الصحيحة بل تتضمن كما تقدم (ص 15) إهمال دلالات القرآن التي نقل ما يخالفها عن بعض من نسب إلى العلم ولو واحدًا فقط، فعلى زعمه: دلالات القرآن الظاهرة والأحاديث الصحيحة ولو رواها عدد من الصحابة لا يلزم المسلم أن يعمل بشيء منها قد نُقل عن منسوب إلى العلم ما يخالفه وإن كان الجمهور على وفق ذلك الدليل، كأن عنده أن العالم إن خالف الدليل فهو معصوم من أن يغلط أو يغفل أو يزل أو يضل، وإن وافق الدليل فليس بمعصوم، هذا حكمهم غير متفقين، فأما إذا اتفقوا فهم معصومون إلا في مخالفتهم لنظريته هذه. قال: "ولو كانوا فهموا من النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك لكتبوا أو لأمروا بالكتابة ولجمع الراشدون ما كتب وضبطوا ما وثقوا به ولم يكتفوا بالقرآن والسنة المتبعة المعروفة للجمهور بجريان العمل بها". أقول: قد بينا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يكتب مصحفًا، وأن أبا بكر وعمر وعثمان مدة من ولايته لم يكتبوا إلا مصحفًا واحدًا بقي عندهم لا يكاد يصل إليه أحد، فما بالك بالإرسال إلى العمال، وإن عثمان إنما كتب وبعث بضعة مصاحف إلى بعض الأقطار لمنع الناس من القراءة بخلاف ما فيها، وقد علمنا أنه لم يحفظ القرآن كله في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا نفر يسير، أربعة أو نحوهم، وذكر ابن سعد وغيرهم أن أبا بكر وعمر ماتا قبل أن يحفظا القرآن كله.

وقد بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم أبو بكر ثم عمر جماعة من العمال لم يحفظ كل منهم القرآن كله ولا كان عنده مصحف، فهل يقال لهذا: إن القرآن لم يكن حينئذ من الدين العام؟ نعم كان العامل يحفظ طائفة من القرآن ويعلم جملة من السنة، فكان يبلغ هذا وهذا. ومن عرف وضع الشريعة عرف الحقيقة: إن وضع الشريعة عدم الإعنات، وتوجيه معظم العناية إلى التقوى. كان كثير من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- هاجروا من مكة إلى الحبشة، ونزل بعدهم قرآن وأحكام، وجعلت كل من الظهر والعصر والعشاء أربعًا بعد أن كانت ركعتين، وحولت القبلة وغير ذلك، فلم ينقل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان عقب تجدد حكم من هذه وغيرها يبعث رسلًا إلى من بالحبشة أو إلى غيرهم ممن بعد عنه يبلغهم ذلك، بل كان يدعهم على ما عرفوا حتى يبلغهم ما تجدد اتفاقًا. وجاء أنه صلى الظهر إلى الكعبة أول ما صلى إليها، فخرج ممن كان معه لحاجته فمَرَّ وقت العصر ببني حارثة -وهم في بعض أطراف المدينة- وهم يصلون إلى بيت المقدس، فأخبرهم فاستداروا إلى الكعبة فأتموا صلاتهم. وهكذا تحريم الكلام في الصلاة وتحريم الخمر. ومن المتفق عليه فيما أعلم أنه ليس واجبًا على الأعيان حفظ القرآن سوى الفاتحة، ولا تعلم القراءة والكتابة واتخاذ مصحف، ولا يجب على الرجل أن يتعلم الفريضة إلا قرب العمل بها، وإنما الواجب أن يكون في الأمة علماء ثم على العامي أن يسأل عالمًا ويعمل بفتواه، وكان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه يكتفى في العامل أن يكون -مع حفظه لما شاء الله من القرآن- عارفًا بطائفة حسنة من السنة ثم يقال له: إذا لم تجد الحكم في الكتاب والسنة فأسأل من ترجو أن يكون عنده علم، فإن لم تجد فاجتهد رأيك، وقد كان أبو بكر وعمر إذا لم يجدا الحكم في الكتاب ولا فيما يعلمانه من السنة سألا الصحابة فإذا أُخبرا بحديث أخذا به، وربما أخبرهما من هو دونهما في العلم والفضل بكثير.

وترى في رسالة الشافعي عدة قضايا لعمر من هذا القبيل. وإذ كان الواجب على الأمة أن يكون فيها علماء، كل منهم عارف بالقرآن، عارف بجملة حسنة من السنة؛ ليعمل ويفتي ويقفيى بما علم، ويسأل من تيسر له من العلماء عما لم يعلم، فإن لم يجد اجتهد: فقد كان الصحابة يعلمون أن منهم عددًا كثيرًا هكذا، وأن من تابعيهم عددًا كثيرًا كذلك لا يزالون في ازدياد، وأن حال من بعدهم سيكون كذلك، وأن القرآن والسنة موجودان بتمامهما عند أولئك العلماء، ما فات أحدهم منهما فموجود عند غيره، رأوا أن هذا كافٍ في أداء الواجب عليهم مع الإيمان التام بأن الله تعالى حافظ لشريعته. نعم، فكَّروا في الاحتياط لجمع السنة فعرض لهم خشية أن يؤدي ذلك إلى محذور كما مَرَّ فكفّوا عنه؛ مكتفين بما ظهر لهم من حرص المسلمين وما آمنوا به من حفظ رب العالمين. وغاية ما يُخشى بعد هذا أن يجهل العالم شيئًا من السنة ولا يتيسر له من يخبره بها فيجتهد فيخطىء، وهذا في نظر الشرع ليس بمحذور كما علم مما مَرَّ في حال من كان من المسلمين بعيدًا عن المدينة؛ إذ بقوا مدة يصلون الرباعية ركعتين، ويتكلمون في الصلاة، ويصلون إلى بيت المقدس، ويستحلون الخمر بعد نزول الأحكام المخالفة لذلك حتى بلغتهم. وكما أذن الله تعالى أن يبني المسلم على ظنه وإن اتفق له أن ينكح أخته وهو لا يدري، وأن يقتل مسلمًا يحسبه كافرًا، وأن يأكل لحمًا يظنه حلالًا فبان لحم خنزير أو ميتة وغير ذلك، إنما المحذور أن تدع الدليل الشرعي عمدًا اتباعًا منك لقول عالم قد يجهل ويذهل ويغفل ويغلط ويزل. وأشد من ذلك وأضر وأدهى وأمَرّ ما يقول صاحب تلك النظرية: إن الدليل الشرعي إذا وُجد قولٌ لعالمٍ يخالفه ينزل بذلك عن الدين العام اللازم إلى الدين الخاص

الاختياري، من شاء أخذ ومن شاء ترك، ومن خالف كل دليل من هذا القبيل مع علمه بها وعقله لها واقتصر على ما لم يخالفه أحد "كان مسلمًا ناجيًا في الآخرة مقربًا عند الله تعالى" كما تقدم عنه (ص 16)، فهذا هو المحذور عند من يعقل. قال: "وبهذا يسقط قول من قال: إن الصحابة كانوا يكتفون في نشر الحديث بالرواية". أقول: قد عرفت الحقيقة ولله الحمد، وعرفت ما هو الساقط. قال: "وإذا أضفت إلى ذلك حكم عمر بن الخطاب على أعين الصحابة بما يخالف بعض تلك الأحاديث". أقول: كان عليه أن يبينها، فإن كان يريد مطاعن الرافضة في أمير المؤمنين عمر فجوابها في "منهاج السنة" وغيره، ويكفينا هنا أن نسأله: هل علمت عمر ثبت عنده حديث فتركه لغير حجة قائلًا: لا يلزمنا الأخذ بالأحاديث؟ قال: "ثم ما جرى عليه علماء الأمصار في القرن الأول والثاني من اكتفاء الواحد منهم كأبي حنيفة بما بلغه ووثق به من الحديث وإن قَلَّ، وعدم تعنيه في جمع غيره إليه ليفهم دينه ويبين أحكامه". أقول: لزم أبو حنيفة حماد بن أبي سليمان يأخذ عنه مُدَّة، وكان حماد كثير الحديث، ثم أخذ عن عدد كثير غيره كما تراه في مناقبه، وقلة الأحاديث المروية عنه لا تدل على قلة ما عنده؛ ذلك أنه لم يتصد للرواية، وقد قدمنا أن العالم لا يُكلَّف جمع السنة كلها، بل إذا كان عارفًا بالقرآن وعنده طائفة صالحة من السنة بحيث يغلب على اجتهاده الصواب كان له أن يفتي، وإذا عرضت قضية لم يجدها في الكتاب والسنة سأل من عنده علم بالسنة، فإن لم يجد اجتهد رأيه. وكذلك كان أبو حنيفة يفعل، وكان عنده في حلقته جماعة من المكثرين في الحديث كمسعر وحبان ومندل، والأحاديث التي ذكروا أنه خالفها قليلة بالنسبة إلى ما وافقه، وما

من حديث خالفه إلا وله عذر لا يخرج إن شاء الله عن أعذار العلماء، ولم يَدَّعِ هو العصمةَ لنفسه ولا ادعاها له أحد، وقد خالفه كبار أصحابه في كثير من أقواله. وكان جماعة من علماء عصره ومن قرب منه ينفرون عنه وعن بعض أقواله، فإن فرض أنه خالف أحاديث صحيحة بغير حجة بينة فليس معنى ذلك أنه زعم أن العمل بالأحاديث الصحيحة غير لازم، بل المتواتر عنه ما عليه غيره من أهل العلم أنها حجة، بل ذهب بلى أن القهقهة في الصلاة تنقض الوضوء اتباعًا لحديث ضعيف (¬1) ومن ثم ذكر أصحابه أن من أصله تقديم الحديث الضعيف -بله الصحيح- على القياس. قال: "قوي عندي ذلك الترجيح". أقول: أما عند من يعرف دينه فهيهات. قال: "بل تجد الفقهاء بعد اتفاقهم على جعل الأحاديث أصلًا من أصول الأحكام الشرعية، وبعد تدوين الحفاظ لها في الدواوين وبيان ما يحتج به وما لا يحتج به لم يتفقوا على تحرير الصحيح والاتفاق على العمل به، فهذه كتب الفقه في المذاهب المتبعة -ولا سيما كتب الحنفية فالمالكية فالشافعية- فيها مئات من المسائل المخالفة للأحاديث المتفق على صحتها، ولا يعد أحد منهم مخالفًا لأصول الدين". أقول: أما ما اعترفت به من اتفاقهم على أن الأحاديث الصحيحة أصل من أصول الأحكام الشرعية، فحجة عليك وعليهم مضافة إلى سائر الحجج. وأما عدم اتفاقهم على تحرير الصحيح وعدم اتفاقهم على العمل به فإنما حاصله أنهم يختلفون في صحة بعض الأحاديث، وذلك قليل بالنسبة إلى ما اتفقوا عليه، ويتوقف بعضهم عن الأخذ ببعضها بدعوى أنه منسوخ أو مؤول أو مرجوح، وليس في ذلك مخالفة للأصل الذي اتفقوا عليه. ¬

_ (¬1) وذكر ابن القيم في "إعلام الموقعين" مسائل أخرى لأبي حنيفة من هذا القبيل وكذلك غيره.

فإن قيل: منهم من يتعمد رد الصحيح بدعوى ضعفه أو نسخه أو تأويله أو رجحان غيره عليه وهو يعلم أنه لا شيء من ذلك. قلنا: لنا الظاهر والله يتولى السرائر - على أنهم قد تراموا بهذا زمنًا طويلًا وجرت فتن وحروب ثم ملوا فمالوا إلى التجامل وحسن الظن غالبًا. وعلى كل حال فلا متشبث لك فيما ذكر، والفرق واضح بين من يستحل معلنًا قتل المؤمنين بغير حق، ومن يقول: قتل المؤمن حرام، ثم يتفق له أن يقتل مؤمنًا قائلًا: حسبته كافرًا حربيًّا، وإن فرض دلالة القرائن على كذبه. قال: "وقد أورد ابن القيم في "إعلام الموقعين" شواهد كثيرة جدًّا من رد الفقهاء للأحاديث الصحيحة عملًا بالقياس ولغير ذلك". أقول: القياس في الجملة دليل شرعي، وعلى كل حال فلا متنفس لك في ذلك كما مَرَّ. قال: "ومن أغربها أخذهم ببعض الحديث الواحد دون باقيه، وقد أورد لهذا أكثر من ستين شاهدًا". أقول: نصف عليك، ونصف ليس لك. ثم ذكر أبو رية (ص 27 - 28) كلامًا قد تقدم جوابه مستوفى ولله الحمد. اهـ. هذا آخر ما حرره الشيخ المعلمي في هذه القضية، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. * * *

الفصل الخامس عناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار

الفصل الخامس عناية الأئمة بحفظ السنة واحتياطهم البالغ في نقد الرواة والأخبار قال العلامة المعلمي في "الأنوار" (ص 90): "كان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم -أظنه الحسن بن صالح بن حي- أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حالة حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟ وجاء جماعة إلى شيخٍ ليسمعوا منه فرأوه خارجًا وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم يسمعوا منه، قالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث. وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه، فلما جاءه وجده يشتري شيئًا ويسترجح في الميزان، فامتنع شعبة من السماع منه. وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في "كفاية" الخطيب (ص 110 - 114). وكان عامة علماء القرون الأولى -وهي قرون الحديث- مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم، فلا يستجيبون، بل يفرون ويستترون. وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثا يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئًا. وقد جرحوا بذلك كثيرًا من الرواة ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفرادا علم الأئمة

علمًا يقينًا سلامة دينهم وأنه لا مغمز فيهم البتة (¬1). وكان محمد بن بشر الزنبري (¬2) محدثا يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر، فخرج الزنبري يُشَيِّعُه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزقوا ما كانوا كتبوا عنه. وكثيرا ما كانوا يُكذبون الرجل ويتركون حديثه لخبر واحد يتهمونه فيه، وتجد من هذا كثيرًا في "ميزان" الذهبي وغيره. وكذلك إذا سمعوه حدث بحديث ثم حدث به بعد مدة على وجه ينافي الوجه الأول. وفي "الكفاية" (ص 113) عن شعبة قال: "سمعت من طلحة بن مصرف حديثًا واحدًا وكنت كما مررت به سألته عنه ... أردت أن انظر إلى حفظه، فإن غَّير فيه شيئًا تركته". وكان أحدهم يقضي الشهر والشهرين يتنقل في البلدان يتتبع رواية حديث واحد، كما وقع لشعبة في حديث عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر (¬3)، وكما وقع لغيره في الحديث الطويل في فضائل السور. ومن تتبع كتب التراجم وكتب العلل بأن له من جدهم واجتهادهم ما يحير العقول. وكان كثير من الناس يحضرون أولادهم مجالس السماع في صغرهم ليتعودوا ذلك، ثم يكبر أحدهم فيأخذ في السماع في بلده، ثم يسافر إلى الأقطار ويتحمل السفر الطويل والمشاق الشديدة، وقد لا يكون معه إلا جراب من خبز يابس يجعله على ظهره، يصبح فيأخذ كسرة ويبلها بالماء ويأكلها ثم يغدو للسماع، ولهم في هذا قصص كثيرة. ¬

_ (¬1) كالزهري رحمه الله. (¬2) بفتح الزاي وسكون النون بعدها موحدة، وهو ابن بطريق العكري المصري، ترجمته في "لسان الميزان". (¬3) انظر مقدمة "المجروحين" لابن حبان (ص 29).

فلا يزال أحدهم يطلب ويكتب إلى أن تبلغ سنه الثلاثين أو نحوها فتكون أمنيته من الحياة أن يقبله علماء الحديث ويأذنوا للناس أن يسمعوا منه، وقد عَرف أنهم إن اتهموه في حديث واحد أسقطوا حديثه وضاع مجهوده طول عمره وربح سوء السمعة واحتقار الناس. وتجد جماعة من ذرية أكابر الصحابة قد جرحهم الأئمة، وتجدهم سكتوا عن الخلفاء العباسيين وأعمامهم لم يرووا عنهم شيئًا مع أنهم قد كانوا يروون أحاديث. ومن تتبع أخبارهم وأحوالهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون، بل يعجب من وجود كذابين منهم. ومن تتبع تشدد الأئمة في النقد لم يعجب من كثرة من جرحوه وأسقطوا حديثه، بل يعجب من سلامة كثير من الرواة وتوثيقهم لهم مع ذلك التشديد. وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتابًا مستقلًا، وأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يدفع ما يرمي إليه المستشرقون وأتباعهم -بإفاضتهم في ذكر الوضع- من تشكيك المسلمين في دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أحل بما تكفل به من حفظ دينه، وأن سلف الأمة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل، ولم يبق سبيل إلى تمييزه، كلا بل حجة الله تعالى لم تزل ولن تزال قائمة، وسبيل الحق مفتوحا لمن يريد أن يسلكه ولله الحمد. وفي "تهذيب التهذيب" (1/ 152): "قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقا فأراد قتله، فقال: أين أَنْتَ من ألف حديث وضعتها؟ فقال له: أين أَنْتَ يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا". وفي "فتح المغيث" (ص 109): "قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} ". اهـ.

• قال المعلمي: في "التنكيل" (1/ 48): "لا ريب أن فيمن يتسم بالصلاح من المبتدعة وكذا من أهل السنة من يقع في الكذب إما تقحما في الباطل، وإما على زعم أنه لا حرج في الكذب في سبيل تثبيت الحق، ولا يختص ذلك بالعقائد، بل وقع فيما يتعلق بفروع الفقه وغيرها كما يعلم من مراجعة كتب الموضوعات. وأعداء الإسلام وأعداء السنة يتشبثون بذلك في الطعن في السنة كأنهم لا يعلمون أنه لم يزل في أخبار الناس في شئون دنياهم الصدق والكذب، ولم تكن كثرة الكذب بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء ويبنون عليه أمورًا عظامًا. ولم يزل الناس يغشون الأشياء النفيسة، ويصنعون ما يشبهها كالذهب والفضة والدر والياقوت والمسك والعنبر والسمن والعسل والحرير والخز وغيرها. ولم يَحُلْ ذلك دون معرفة الصحيح، والخالق الذي هيأ لعبادة ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام وتكفل بحفظه إلى الأبد، وعنايته بحفظ الدين أشد وآكد؛ لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا. قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} [الذاريات: 56]. ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل عنها، والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها. قيل لابن المبارك: "هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة". وتلا قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (9)} [الحجر: 9]. والذِّكْرُ يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى

يوم القيامة؛ لأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء وشريعته خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته، فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاع لعلة بقائهم فيها. قال العراقي في "شرح ألفيته" (ج 1 ص 267): "روينا عن سفيان قال: ما ستر الله أحدًا يكذب في الحديث. وروينا عن عبد الرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلًا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله. وروينا عن ابن المبارك قال: لو هَمَّ رجل في السَّحَر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون فلان كذاب". اهـ. • وقال المعلمي في "الأنوار" (ص 80 - 81): "أما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن، كما جاء عن قتادة أنه: "كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه" هذا مع قوة حفظه؛ ذكروا أن صحيفة جابر على كِبَرها قرئت عليه مرة واحدة -وكان أعمى- فحفظها بحروفها، حتى قرأ مرة سورة البقرة فلم يخطىء حرفًا ثم قال: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة". وكان غالبهم يكتبون ثم يتحفظون ما كتبوه، ثم منهم من يبقي كتبه ومنهم من إذا أتقن المكتوب حفظًا محا الكتاب. وهؤلاء ونفر لم يكونوا يكتبون، غالبهم ممن رُزقوا جودة الحفظ وقوة الذاكرة كالشعبي والزهري وقتادة. وقد عُرف منهم جماعة بالتزام رواية الحديث بتمام لفظه كالقاسم بن محمد بن أبي بكر ومحمد بن سيرين ورجاء بن حيوة. أما أتباع التابعين فلم يكن فيهم راوٍ مكثر إلا كان عنده كتب بمسموعاته يراجعها ويتعاهدها ويتحفظ حديثه منها. ثم منهم من لم يكن يحفظ، وإنما يحدث من كتابه.

ومنهم من جرب عليه الأئمة أنه يحدث من حفظه فيخطىء، فاشترطوا لصحة روايته أن يكون السماع منه من كتابه. ومنهم من عرف الأئمة أنه حافظ، غير أنه قد يقدم كلمة أو يؤخرها، ونحو ذلك مما عرفوا أنه لا يغير المعنى، فيوثقونه ويبينون أن السماع منه من كتابه أثبت. فأما مَنْ بعدهم فكان المتثبتون لا يكادون يسمعون من الرجل إلا من أصل كتابه. كان عبد الرزاق الصنعاني ثقةً حافظا، ومع ذلك لم يسمع منه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين إلا من أصل كتابه. هذا، وكان الأئمة يعتبرون حديثَ كلِّ راو فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا بخلافٍ لا يُحتمل ضعَّفوه. وربما سمعوا الحديث من الرجل ثم يدعونه مدة طويلة ثم يسألونه عنه، ثم يُعتبر حرف مروياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حالة في حديثه كما مرَّ، وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطىء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدق من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يسهِّل ويخفِّف، لكن العارف لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيت المحققين قد وثقوا رجلًا مطلقًا فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه. فإن بأن لهم خلاف ذلك نبهوا عليه كما تقدم (ص 18). اهـ. * * *

الفصل السادس في الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول

الفصل السادس في الانتصار لأصحاب الحديث، وبيان مراعاتهم للعقل في نقد الأسانيد والمتون، وذم ما عليه المتكلمون والمتفلسفون لخوضهم في غوامض المعقول • نقل العلامة المعلمي في "الأنوار" (ص 5) قول أبي رية: "وعلى أنه -يعني: الحديث النبوي- بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والحرس، وتركوا أمره لمن يسمون "رجال الحديث" يتداولونه فيما بينهم ويدرسونه على طريقتهم. وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة لا تتغير ولا تتبدل. فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحًا في نفسه أو غير صحيح، معقولا أو غير معقول، إذ وقفوا بعلمهم عند ما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء ... ". فقال المعلمي: أقول: مراده بقوله "العلماء": المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة، ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء كلهم ممن سماهم "رجال الحديث" ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف.

أولئك كلهم ليسوا عند أبي رية "علماء"؛ لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرون منها وينهون عنها ويعدونها زيفًا وضلالا وخروجا عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة. وأقول: مهما تكن حالهم فقد كانوا عقلاء العقل الذي ارتضاه الله عز وجل لأصحاب رسوله ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضي ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم {الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}، {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال لهم في أواخر حياة رسوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. فمن زعم أن عقولهم لم تكن مع تسديد الشرع لها كافية وافية بمعرفة الله تعالى وفهم كتابه ومعرفة ما لا يتم الإيمان ولا يكمل الدين إلا بمعرفته فإنما طعن في الدين نفسه. وكان التابعون المهتدون بهدي الصحابة أقرب الخلق إليهم عقلا وعلما وهديا، وهكذا من اهتدى بهديهم من الطبقات التي بعدهم، وهؤلاء هم الذين سماهم أبو رية "رجال الحديث". قد يقال: أما نفي العلم والعقل عنهم فلا التفات إليه، ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟ أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الرواة، وعند الحكم على الأحاديث. فالمتثبتون إذا سمعوا خبرا تمتنع صحته أو تبعد لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرت مصلحة لذكره ذكروه مع القدح فيه وفي الراوي الذي عليه تبعته. قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص 399): "وذلك أن يستدل على الصدق والكذب فيه بأن يحدث المحدث ما لا يجوز أن يكون مثله أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه". أهـ

وقال الخطيب في "الكفاية في علم الرواية" (ص 429): "باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث". وفي الرواة جماعة يتسامحون عند السماع وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثا بيِّن البطلان إلا وجدت في سنده واحدا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة، والأئمة كثيرا ما يجرحون الراوي بخبرٍ واحدٍ منكرٍ جاء به، فضلا عن خبرين أو أكثر. ويقولون للخبر الذي تمتنع صحته أو تبعد "منكر" أو"باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء وكتب العلل والموضوعات. والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا. فأما تصحيح الأحاديث فَهُم به أَعْنَى وأشدُّ احتياطا. نعم ليس كل من حُكِي عنه توثيق أو تصحيح متثبتا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك. هذا وقد عَرف الأئمة الذين صححوا الأحاديث أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمين ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقة للعقل المعتد به في الدين، مستكملة شرائط الصحة الأخرى. وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها أو هي من قبيلها قد ثقلت هي أيضًا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدين بالقرآن يقتدي به، فمن المعقول جدًّا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات. من الحقائق التي يجب أن لا يُغفل عنها أن الفريق الأول وهم الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وإن الفريق الثاني وهم المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات.

والمؤمن يعلم أن الهُدى بيد الله، وأنه سبحانه إذا شرع إلى الهدى سبيلا فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعدًا عنه وتعرضا للحرمان منه، وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوال السلف، واعتراف بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم. والدقائق الطبيعية شيء والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظن الطريق إلى تلك طريقا إلى هذه فقد ضل ضلالا بعيدا. واعلم أن أكثر المتكلمين لا يردُّون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تعسُّفٌ ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها. ولهم عدَّة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو رَدِّها -قد طُبع بعضُها- فلم يهملوا الحديث كما زعم أبو رية. قول أبي رية: "والأدباء" يعني بهم: علماء البلاغة، يريد أنهم لم يتصدوا لنقد الأحاديث بمقتضى البلاغة، قال في (ص 6): "ولما وصلتُ من دراستي إلى كتب الحديث ألفيتُ فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه من محكم قوله وبارع منطقه صلوات الله عليه .. . ومما كان يثير عجبي أني إذا قرأت كلمةً لأحدِ أجلاف العرب أهتزُّ لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت بعض ما يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ لا أجد له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة والعاري عن الفصاحة، وهو أبلغ من نطق بالضاد، أَوَ يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة وهو أحكم من دعا إلى رشاد؟ "!.

أقول: أما الأحاديث الصحيحة فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقًا في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسوره إلا قريبا من ذلك. هذا، والبلاغةُ مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان همُّه إفهامَ الناس وتعليمَهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. والكلمات المنقولة عن العرب ليست بشيء يُذكر بالنسبة إلى كلامهم كلِّه، وإنما نُقِلَتْ لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يُستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شِعرهم قليل، وإنما نُقل ما اسْتُجِيدَ، والشِّعْر مظنَّة التصنُّع البالغ، ومع ذلك قد تَقرأ القصيدة فلا تهتز إلا للبيت والبيتين. ثم إن كثيرًا مما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- رُوي بالمعنى كما يأتي. فأما سقم المعنى، فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه (ص 104)، وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة "الجرح والتعديل" (ص 351) في علامات الصحيح: "أن يكون كلاما يصلح أن يكون من كلام النبوة". فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة فمن نفسه أُتِيَ: ومَنْ يَكُ ذا فَمٍّ مُرٍّ مريضِ ... يَجِدْ مُرًّا بِهِ العَذْبَ الزُّلالا قوله: " ... أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء" كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقةٌ، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح. ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية (ص 104): "ذكر المحققون أمورًا كلية يُعرف بها أن الحديث موضوع ... " فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى - نقلا عنهم. فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك.

قلت: أما المتثبتون كالبخاري ومسلم فقد راعوا ذلك. بلى في كل منهما أحاديث يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس، ومرجع ذلك إما إلى اختلاف النظر، وإما إلى اصطلاح لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر. وقد انتُقدت عليهما أحاديثُ من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهما لم يراعيا هذا أيضًا؟. اهـ. • ثم ختم العلامة المعلمي كَشْفَهُ لما في مقدمة أبي رية من التضليل والمجازفة بقوله (ص 18): "وبعدُ، فإن أضرَّ الناس على الإسلام والمسلمين هم المحامون الاستسلاميون، يطعن الأعداء في عقيدة من عقائد الإسلام أو حُكم من أحكامه ونحو ذلك فلا يكون عند أولئك المحامين من الإيمان واليقين والعلم الراسخ بالدين والاستحقاق لعون الله وتأييده ما يثبتهم على الحق ويهديهم إلى دفع الشبهة، فيلجئون إلى الاستسلام بنظام، ونظام المتقدمين: التحريف، ونظام المتوسطين: زعْم أن النصوص النقلية لا تفيد اليقين، والمطلوب في أصول الدين اليقين، فعزلوا كتاب الله وسنة رسوله عن أصول الدين. ونظام بعض العصريين التشذيب، وأبو رية يحاول استعمال الأنظمة الثلاثة، ويوغل في الثالث. على أن أولئك الذين سميتُهم محامين كثيرا ما يكونون هم الخصوم، والباطل جشع، وقد قال الله تبارك وتعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} [المؤمنون: 71]. وقال عز وجل: {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} [البقرة: 120]. وقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ} [آل عمران: 100، 101]، والرسول فينا بِسُنَّتِهِ.

وقال تعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة: 217]. قال أبو رية (ص 15): "وإني لأتوجه بعملي هذا -بعد الله سبحانه وله العزة- إلى المثقفين من المسلمين خاصة، وإلى المهتمين بالدراسات الدينية عامة -يعني المستشرقين من اليهود والنصارى والملحدين؛ ذلك بأن هؤلاء وهؤلاء الذين يعرفون قدره- واللهَ أدعو أن يجدوا فيه جميعًا ما يرضيهم ويرضي العلم والحق معهم". أقول: أما المستشرقون فالذي يرضيهم معروف، وأما المثقفون فيريد أبو رية الثقافة الغربية، ويُطمِع أبا رية فيهم أن يرى أكثرهم عزلا عن الواقيين الإِسلاميين: العلم الديني، والمناعة. وأما علماء المسلمين، وعامتهم وهم مظنة الخير فهم عند أبي رية سفهاء، واقرأ عشرين آية من أول سورة البقرة. اهـ. * * *

الفصل السابع في بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكتاب العصريين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة وغير ذلك

الفصل السابع في بيان بعض ما انتقد على أهل الرأي والكلام والكُتَّاب العصريين في دفع الصحيح من المرويات وقدح الثقات من الرواة وغير ذلك • قال العلامة المعلمي في الفصل الخامس من مقدمة "التنكيل": "الأستاذ -يعني الكوثري- من أهل الرأي، ويظهر أنه من غلاة المقلدين في فروع الفقه، ومن مقلدي المتكلمين، ومن المجارين لكُتَّاب العصر إلى حَدٍّ ما، وكل واحدة من هذه الأربع تقتضي قلة مبالاة بالمرويات، ودُربة على التمحل في ردها، وجرأة على مخالفتها واتهام رواتها. أما أهل الرأي فهذه بدايتهم: في "الصحيح" (¬1) عن أبي هريرة قال: "إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واللهُ الموعدُ، إني كنت امرأ مسكينا أصحب رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يشغلهم القيام على أموالهم ... ". ومن تتبع السيرة والسنة، علم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ربما يقضي بالقضية أو يحدث بالحديث أو يفتي في مسألة، وليس عنده من أصحابه إلا الواحد أو الاثنان، ثم كان معظم أصحابه لا يحدثون بالحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- إلا عندما تدعو الحاجة، ومِنْ لازِمِ ما تقدم مع احتمال نسيان بعضهم أو موته قبل أن يخبر بالحديث أن يكون كثير من ¬

_ (¬1) البخاري (2350) (7354)، ومسلم (3492).

السنن ينفرد بسماعها أو بحفظها أو بروايتها آحاد الصحابة، ثم تفرق الصحابة في الأقطار، فمنهم من هو في باديته ومنهم من صار إلى الشام والعراق ومصر واليمن، فكان عند أهل كل جهة أحاديث من السنة لم تكن عند غيرهم في أول الأمر -كما روي عن مالك- ثم اجتهد أصحاب الحديث في جمع السنة من كل وجه. وقد عُلم من الشريعة أنه ليس على العالم الإحاطة بالعلم كله، وأن من شَهد له أهل العلم بأنه عالم، فإنما عليه إذا احتاج إلى قضاءٍ أو فتوى أن ينظر في كتاب الله عز وجل وفيما يعلمه من السنة، فإن لم يجد فيهما النص على تلك المسألة سأل من يسهل عليه ممن يرجو أن يكون عنده دليل، فإن لم يجد وعَرف أن لبعض الصحابة قولًا في تلك المسألة -لم يعلم له مخالفا- أخذ به، وإن علم خلافًا رَجَّح، فإن لم يجد قول صحابي ووجد قول تابعي ممن تقدمه -لم يعلم له مخالفا فيه- أخذ به، وإن علم خلافا رجح. وكان الغالب في الترجيح أن يرجح العالمُ قولَ من كان ببلده من الصحابة أو التابعين لمزيد معرفته بهم المقتضيةِ لزيادة الوثوق، هذا مع ما لِلإلف والعادة من الأثر الخفي، فإن لم يجد شيئًا مما تقدم اجتهد رأيه وقضى وأفتى بما يظهر له. ثم إذا قضى أو أفتى مستندا إلى شيء مما تقدم ثم وجد دليلًا أقوى مما استند إليه -يخالف ما ذهب إليه سابقا- أخذ من حينئذٍ بالأقوى. على هذا جرى الخلفاء الراشدون وغيرهم كما هو مبسوط في مواضعه ومنها: "إعلام الموقعين". وكان كثير من أهل العلم من الصحابة وغيرهم يتَّقُون النظر فيما لم يجدوا فيها نصا، وكان منهم من يتوسع في ذلك، ثم نشأ من أهل العلم ولا سيما بالكوفة من توسع في ذلك، وتوسع في النظر في القضايا التي لم تقع، وأخذوا يبحثون في ذلك ويتناظرون ويصرفون أوقاتهم في ذلك، واتصل بهم جماعة من طلبة العلم تشاغلوا بذلك، ورأوه

أشهى لأنفسهم وأيسر عليهم من تتبع الرواة في البلدان والإمعان في جمع الأحاديث والآثار، ومعرفة أحوال الرواة وعاداتهم، والإمعان في ذلك ليعرف الصحيح من السقيم والصواب من الخطأ والراجح من المرجوح، ويعرف العام والخاص والمطلق والمبيَّن، وغير ذلك، فوقعوا فيما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إياكم والرأي، فإن أصحاب الرأي أعداء السنن، أعيَتْهم الأحاديث أن يعوها، وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم". راجع: "إعلام الموقعين" طبعة مطبعة النيل بمصر (ج 1 ص 62) وراجع كتاب "العلم" لابن عبد البر. فوقع فيما ذهبوا إليه وعملوا بعْدُ وأفتوْا مسائل ثبتت فيها السنة مخالفة لما ذهبوا إليه، لم يكونوا اطلعوا عليها، فكان الحديث من تلك الأحاديث إذا بلغهم ارتابوا فيه لمخالفته ما ذهب إليه أسلافهم واستمر عليه عملهم، ورأوا أنه هو الذي يقتضيه النظر المعقول (القياس). فمن تلك الأحاديث ما كان من الثبوت والصراحة بحيث قهرهم فلم يجدوا بُدًّا من الأخذ به، وكثير منها كانوا يردونها ويتلمسون المعاذير، مع أن منها ما هو أثبت وأظهر وأقرب إلى القياس من أحاديث قد أخذوا بها، لكن هذه التي أخذوا بها مع ما فيها من الضعف ومخالفة القياس وردت عليهم قبل أن يذهبوا إلى خلافها فقبلوها اتباعا، وتلك التي ردوها مع قوة ثبوتها إنما بلغتهم بعد أن استقر عندهم خلافها واستمروا على العمل بذلك ومضى عليه أشياخهم، وربما أخذوا بشيء من النقل ثم بلغهم من السنة ما يخالفه فأعجزهم أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم والخطأ من الصواب والراجح من المرجوح، فقنعوا بالرأي كما ترى أمثلة لذلك في قسم "الفقهيات"، ولا سيما في مسألة ما تُقطع فيه يدُ السارق، وهذا في دَيدَنُهُم وعليه يعتمد الطحاوي وغيره منهم.

ولهذا بينما تجد الحنفية يتبجحون بأن مذهب أبي حنيفة وسائر فقهاء العراق تقديم الحديث الضعيف على القياس -وقد ذكر الأستاذ ذلك في "التأنيب" (ص 161) - إذا بهم يردُّون كثيرا من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها آراء سلفهم وآراءهم التي أخذوا بها، وقد كان الشافعي ينْعي عليهم ذلك. ومن كلامه كما في "سنن" البيهقي (ج 1 ص 148): "والذي يزعم أن عليه الوضوء في القهقهة يزعم أن القياس أن لا ينتقض، ولكنه يتبع الآثار، فلو كان يتبع منها الصحيح المعروف كان بذلك عندنا حميدا، ولكنه يردُّ منها الصحيح الموصول المعروف ويقبل الضعيف المنقطع". فالحنفية يعرفون شناعة ردِّ السنة بالرأي، ولكنهم يتلمسون المعاذير فيحاولون استنباط أصول يمكنهم إذا تشبثوا بها أن يعتذروا عن الأحاديث التي ردوها بعذر سوى مخالفة القياس وسوى الجمود على اتباع أشياخهم، ولكن تلك الأصول مع ضعفها لا تطَّردُ لهم؛ لأنَّ أشياخهم قد أخذوا بما يخالفها، ولهذا يكثر تناقضهم، وفي مناظرات الشافعي لهم كثير من بيان تناقضهم، بل من تدبر ما كتبوه في أصول الفقه بأن له كثير من التناقض، كما ترى المتأخر منهم يخالف المتقدم. حتى إن الأستاذ الكوثري ذكر في "التأنيب" (ص 152 - 153) عدة أصول لمحاربة السنن الثابتة، ومنها ما خالف فيه مَنْ تقدمه منهم. ولما تعقبته في "الطليعة" (ص 102) في قوله: "عنعنة قتادة متكلم فيها" بأن ذلك الحديث في "صحيح" البخاري وفيه: "حدثنا قتادة حدثنا أنس ... " وفي "مسند" أحمد وفيه: "أنا قتادة أنَّ أنسًا أخبره ... " أجاب في "الترحيب" (ص 49) بقوله: "مِنْ مذهب أبي حنيفة أيضًا كما يقول ابن رجب في شرح "علل الترمذي" ردُّ الزائد إلى الناقص في الحديث متنا وسندا، وهذا احتياطٌ بالغٌ في دين الله ... فهل عرفت الآن يا معلمي مذهب الإمام لتقلع عن نسج الأوهام".

هذا والأستاذ: يعلم أولًا: أن النسبة إلى أبي حنيفة لا يكفي في إثباتها قولُ رجلٍ حنبلي بينه وبين أبي حنيفة عدة قرون! ويعلم ثانيًا: ما في كتب مذهبه مما يخالف هذا. ويعلم ثالثًا: أن قول الراوي: "قتادة عن أنس" وقوله مرة أخرى أو قول غيره: "قتادة أن أنسًا أخبره" ليس من باب النقص والزيادة، وإنما هو من باب المحتمل والمعين أو المجمل والمبين. ويعلم رابعًا: أن من أصل الحنفية الاحتجاج بالمنقطع، فما لم يتبين انقطاعه بل هو متردد بين الاتصال والانقطاع أَوْلَى، فإذا ثبت مع ذلك اتصاله من وجه آخر فآكَدُ. ويعلم خامسًا: أنه لا ينبغي له أن يدفع عن نفسه بإلقاء التهم على إمامه. فأما الاحتياط البالغ في دين الله الذي يُمَوِّهُ به الأستاذ فالتحري البالغ الذي سبق ما فيه في الفصل الثالث فلا نعيده ... والمقصود هنا أن أصحاب الرأي لهم عادة ودُربة في دفع الروايات الصحيحة، ومحاولة القدح في بعض الرواة حتى لم يسلم منهم الصحابة -رضي الله عنهم-، على أن الأستاذ لم يقتصر على كلام أسلافه وما يقرب منه بل أرْبَى عليهم جميعًا كما تراه في "الطليعة" ويأتي بقيته في التراجم إن شاء الله تعالى. وأما غُلاة المقلدين فأَمْرُهم ظاهر؛ وذلك أن المتبوع قد لا تبلغه السنة، وقد يغفل عن الدليل أو الدلالة، وقد يسهو أو يخطىء أو يزِلَّ، فيقع في قولٍ تجيء الأحاديث بخلافه، فيحتاج مقلدوه إلى دفعها والتمحل في ردها، ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عرف عنهم لهان الخطْب، ولكنه يَعُدُّ غلوهم تقصيرًا!.

وأما المتكلمون فأوَّلُ مَنْ بلَغَنا أنه خاض في ذلك: عمرو بن عبيد، ذُكر له حديثٌ يخالف هواه، رواه الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمرو: "لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعته من زيد بن وهب لما صدقته، ولو سمعت ابن مسعود يقوله لما قبلته، ولو سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله عز وجل يقول هذا لقلت: ليس على هذا أخذت ميثاقنا" وتعدَّى إلى القرآن فقال في: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ} وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}: "لم يكونا في اللوح المحفوظ" كأنه يريد أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلم بما سيكون من أبي لهب ومن الوحيد. ثم كان في القرن الثاني جماعةٌ ممن عُرف بسوء السيرة والجهل بالسنة ورِقَّةِ الدين كثمامة بن أشرس والنظام والجاحظ، خاضوا في ذلك، كما أشار إليه ابن قتيبة وغيره، وجماعة آخرون كانوا يتعاطون الرأي والكلام يردُّون الأخبار كلها، وآخرون يردُّون أخبار الآحاد أي ما دون المتواتر، كسر الله تعالى شوكتهم بالشافعي، حتى إن شيوخه ومن في طبقتهم من الأكابر كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي انتفعوا بكتبه. قال الشافعي في "الأم" (ج 7 ص 250): "باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها" ثم ذكر مناظرته لهم. ثم قال بعدُ: "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" فذكر كلامه معهم، وبسط الكلام في ذلك في "الرسالة"، وفي كتاب "اختلاف الحديث". ثم كانت المحنة وويلاتها، وكان دعاتُها لا يجرءون على ردِّ الحديث، وسيأتي في ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني بعض ما يتعلق بذلك، ثم جاء محمد بن شجاع بن الثلجي فلم يجرؤ على الرد، إنما لَفَّقَ ما حاول به إسقاط حماد بن سلمة، كما يأتي في

ترجمة حماد إن شاء الله تعالى، وجمع كتابا تكلف فيه تأويل الأحاديث، وتبعه من الأشعرية ابن فورك في كتابه المطبوع. ثم اشتهر بين المتكلمين أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لا تصلح حجة في صفات الله عز وجل ونحوها من الاعتقاديات، وصرحوا بذلك في كتب الكلام والعقائد كالمواقف وشرحها، والأمر أشد من ذلك كما يأتي في الاعتقادات إن شاء الله تعالى. والأستاذ يدين بالكلام ويتشدد، ومع هذا كله فغالب أصحاب الرأي وغلاة المقلدين وأكثر المتكلمن لم يُقْدِمُوا على اتهام الرواة الذين وثقهم أهل الحديث، وإنما يحملون على الخطأ والغلط والتأويل، وذلك معروف في كتب أصحاب الرأي والمقلدين، أما الأستاذ فبرز على هؤلاء جميعًا! وأما كُتَّابُ العصر فإنهم مقتدون بكُتَّاب الإفرنج الذين يتعاطون النظر في الإِسلاميات ونحوها، وهم مع ما في نفوسهم من الهوى والعداء للإسلام إنما يعرفون الدواعي إلى الكذب ولا يعرفون معظم الموانع منه. فمن الموانع: التدين والخوف من رب العالمين الذي بيده ملكوت الدنيا والآخرة، وقد قال سبحانه: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} وفي "الصحيح" عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "علامة المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حدث كذب وإذا ائتمن خان وإذا وعد أخلف". وإخلاف الوعد أغلب ما يكون إذا كان الوعد كذبا، والخيانة تعمد الكذب كما لا يخفى، وقال أبو بكر الصديق: "الكذب مجانب للإيمان". فأما توهم حِلِّ الكذب في مصلحة الدين فلا يكون إلا من أجهل الناس وأشدهم غفلة؛ لأنَّ حَظْرَ الكذب مطلقا هو من أظهر الأحكام الشرعية.

وأولئك الكُتَّاب لا يَعرفون هذا المانع؛ لأنهم لا يجدونه في أنفسهم، ولا يجدون فيمن يخالطونه مَنْ تقهرهم سيرتُه على اعتقادِ اتصافِه بهذا المانع؛ لضعف الإيمان في غالب الناس ورقة التدين. ولا يَعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع؛ لأنهم إنما يُطالعون التواريخ وكتب الأدب كـ"الأغاني" ونحوها، وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة. كان فجرة الإخباريين يضعون تلك الحكايات لأغراضٍ: منها: دفع الملامة عن أنفسهم -يقولون ليس هذا العيب خاصًا بنا بل كان من قبلنا كذلك حتى المشهورون بالفضل. ومنها: ترويج الفجور والدعاية إليه ليكثر أهله فيجد الداعي مساعدين عليه ويقوى عذره. ومنها: ترغيب الأمراء والأغنياء في الفجور وتشجيعهم عليه ليجد الدعاة المتأدبون مراعي خصبة يتمتعون فيها بلذاتهم. ومنها: التقرب إلى الأمراء والأغنياء بالحكايات الفاجرة التي يلذُّ لهم سماعُها، إلى غير ذلك. وما يوجد في تلك الكتب من الصدق إنما يصوِّر طائفةً مخصوصةً كالأمراء المترفين والشعراء والأدباء ونحوهم. ولو عكف أولئك الكُتَّاب على كتب السنة ورجالها وأخبارهم، لعلموا أن هذه الطائفة وهي طائفة أصحاب الحديث كان ذلك المانع غالبا فيهم. وقد احتج بعضهم بما في "الأغاني" في أخبار عمر بن أبي ربيعة من طريق عبد العزيز ابن أبي ثابت -وهو عبد العزيز بن عمران- عن محمد بن عبد العزيز عن ابن أبي نهشل عن أبيه قال: قال لي أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام ... ولو راجع تراجم هؤلاء في كتب رجال الحديث وفكَّر في أحوالهم وفي حال القصة لعلم بطلان القصة حتما.

ومن الموانع: خوف الضرر الدنيوي، وأولئك الكُتَّاب يُعرفون شرط هذا المانع وهو الضرر المادي، فإنهم يعلمون أن أرباب المصانع والمتاجر الكبيرة يتجنبون الخيانة والكذب في المعاملات خوفًا من أن يسقط اعتماد المعاملين عليهم فيعدلوا إلى معاملة غيرهم، بل أصحاب المصانع والمتاجر الصغيرة يجرون على ذلك غالبا، وإلا لكانت الخصومات مستمرة في الأسواق بل لعلها تتعطل الأسواق فليتدبر القارىء ذلك. فأما الشطر المعنوي فان أولئك الكُتَّاب لا يقدرون قدره. فأقول: كان العرب يحبون الشرف، ويرون أن الكذب من أفحش العيوب المسقطة للرجل، وفي أوائل "صحيح" البخاري في قصة أبي سفيان بن حرب: أن هرقل لما جاءه كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، دعا بمن كان بالشام من تجار قريش، فأُتِي بأبي سفيان ورهطٍ معه قال: "ثم دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيُّكُم أقربُ نسبا بهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قال أبو سفيان: قلت: أنا أقربهم نسبا، قال: أدنوه مني، وقربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره، ثم قال لترجمانه: قل لهم: إني سائل هذا عن هذا الرجل، فإن كذبني فكذبوه. قال: فوالله لولا الحياء من أن يأْثِرُوا عليَّ كذبا لكذبت عليه ... ". قال ابن حجر في "فتح الباري": "وفي قوله: يأثروا دون قوله يكذبوا دليل على أنه كان واثقا منهم بعدم التكذيب أن لو كذب؛ لاشتراكهم معه في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه ترك ذلك استحياءً وأَنفَةً من أن يتحدثوا بعد أن يرجعوا، فيصير عند سامعي ذلك كذابا. وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك". أقول: وهذا هو الذي أراه هرقل. ثم جاء الإسلام فشدد في تقبيح الكذب جدًّا حتى قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ}. وروي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رجلًا كذب عليه فبعث عليا والزبير فقال: "اذهبا فإن أدركتماه فاقتلاه". وتوهَّمَ رجل من صغار الصحابة أمرًا، فأخبر بما توهَّمَهُ وما يقتضيه، ففضحه الله عز وجل إلى يوم القيامة؛ إذ أنزل فيه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا}.

ثم كان الصحابي يرى من إكرام التابعين له وتوقيرهم وتبجيلهم ما لا يخفى أثره على النفس، ويعلم أنه إن بان لهم منه أنه كذب كذبة سقط من عيونهم ومقتوه واتهموه بأنه لم يكن مؤمنا وإنما كان منافقا. وقد كان بين الصحابة ما ظهر واشتهر من الاختلاف والقتال ودام ذلك زمانا، ولم يبلغنا عن أحد منهم أنه رمى مخالفَهُ بالكذب في الحديث، وكان التابعون إذا سمعوا حديثا من صحابي سألوا عنه غيره من الصحابة، ولم يبلغنا أن أحدًا منهم كذَّبَ صاحبه، غاية الأمر أنه قد يخطئه، وكان المهلب بن أبي صفرة في محاربته الأزارقة يعمل بما رُخِّصَ فيه للمحارب من التورية الموهمة، فعاب الناسَ عليه ذلك حتى قيل فيه: أنتَ الْفَتَى كُلَّ الْفَتَى ... لَوْ كُنْتَ تَصْدُقُ مَا تَقُولُ ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشَّحُ لطلب الحديث وهو طفل، ثم ينشأ دائبا في الطلب والحفظ والجمع ليلًا ونهارا، ويرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان، ويقاسي المشاقَّ الشديدة كما هو معروف في أخبارهم، ويصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة، وتكون أمنيته الوحيدة من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث ويسمعوا منه ويرووا عنه. وفي "تهذيب التهذيب" (ج 1، ص 183): "قال عبد الله بن محمود المروزي: سمعت يحيى بن أكثم يقول: كنت قاضيا وأميرا ووزيرا، ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي (¬1): من ذكر رضي الله عنك؟ ". وفيه (ج 6، ص 314): "روي عن عبد الرزاق أنه قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث فتعلقت بالكعبة وقلت: يا رب ما لي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ فرجعت إلى البيت فجاءوني". ¬

_ (¬1) كان إذا أكثر الجمع عند المحدث يقوم رجل صيت يسمع إملاء الشيخ الحديث ويستفهمه فيما يخفى، ثم يعيد ذلك بصوت عال ليسمعه الحاضرون فهذا الرجل يقال له "المستملي"، كتبه العلامة الألباني رحمه الله.

وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم، حتى إن جماعة من أصحاب الحديث ذهبوا إلى شيخٍ ليسمعوا منه فوجدوه خارج بيته يتبع بغلة له قد انفلتت يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها البغلة ويدعوها لعلها تستقر فيمسكها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة فتركوا الشيخ وذهبوا وقالوا: إنه كذاب؛ كذب على البغلة بإيهامها أن في المخلاة شعيرا، والواقع أنه ليس فيها شيء. وفي "تهذيب التهذيب" (ج 11، ص 284): "وقال هارون بن معروف: قدم علينا بعض الشيوخ من الشام، فكنت أول من بكَّر عليه، فسألته أن يملي على شيئًا، فأخذ الكتاب يملي فإذا بإنسان يدق الباب فقال الشيخ من هذا؟ ... فإذا بآخر يدق الباب قال الشيخ من هذا؟ قال: يحيى بن معين، فرأيت الشيخ ارتعدت يده ثم سقط الكتاب من يده. وقال جعفر الطيالسي عن يحيى بن معين: قدم علينا عبد الوهاب بن عطاء، فكتب إلى أهل البصرة: وقدِمْتُ بغداد وقَبِلَنِي يحيى بن معين والحمد لله". فمن تدبر أحوال القوم بأن له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الكذب منهم طول عمره، وإنما العجب ممن اجترأ على الكذب، كما أنه من تدبر كثرة ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه، وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب ممن جرحوه بل العجب ممن وثقوه. ومن العجب أن أولئك الكُتَّاب يلاحظون الموانع في عصرهم هذا، بل في وقائعهم اليومية، فيعلمون من بعض أصحابهم أنه صدوق فيثقون بخبره، ولو كان مخالفًا لبعض ما يظهر لهم من القرآن بحيث لو كان المدار على القرائن لكان الراجح خلاف ما في الخبر، ويعرفون آخر بأنّه لا يتحرز عن الكذب فيرتابون في خبره ولو ساعدته قرائن فلا تكفي وحدها لحصول الظن، وهكذا يصنعون في أخبار مكاتبي الصحف وفي الصحف أنفسها؛ فمن الصحف ما تعوَّد الناس منها أنها لا تكاد تنقل إلا الأخبار الصحيحة، فيميلون إلى الوثوق بما يقع فيها وإن خالف القرائن، وفيها ما هو على خلاف ذلك.

وبالجملة فلا يرتاب عاقل أن غالب مصالح الدنيا قائما على الأخبار الظنية، ولو التزم الناس أن لا يعملوا بخبر من عرفوا أنه صدوق حتى توجد قرائن تغني في حصول الظن عن خبره لاستغنوا عن الأخبار، بل لفسدت مصالح الدنيا. ولست أجهل ولا أجحد ما في طريقة الكُتَّاب من الحق ولكنني أقول: ينبغي للعاقل أن يفكر في الآراء التي يتظناها العقلاء في عصرهم نفسه بناء على العلامات والقرائن، أليس يكثر فيها الخطأ؟ هذا مع تيسر معرفتهم بعصرهم وطابع أهله وأغراضهم وسهولة الاطلاع على العلامات والقرائن، فما أكثر ما يقع لأحدنا كل يوم من الخطأ يتراءى أن القرائن والأمارات تقتضي وقوع الأمر، ثم لا يقع، وتقتضي أن لا يقع، ثم يقع، فما بالك بالأمور التي مضت عليها قرون، ولا سيما إذا لم يتهيأ للناظر تتبع ما يمكن معرفته من القرائن والأمارات ولم يلاحظ الموانع، فأما إذا كان له هوى فالأمر أوضح. والناظر إنما يشتد حرصه على الإصابة في القضايا العصرية؛ لأنه يخشى انكشاف الحال فيها على خلاف ما زعم، فأما التي مضت عليها قرون -والباحثون عنها قليل- فإنه لا يبالي، اللهم إلا أن يكون متدينا محترسا من الهوى، على أن الأستاذ لم يخلص لطريقة الكُتَّاب، بل كثيرا ما يرمي بالقرائن القوية والدلالات الواضحة خلف ظهره، ويحاول اصطناع خلافها، وسدّ الفراغ بالتهويل والمغالطة، كما سترى أمثلة من ذلك في هذا الكتاب. وأسأل الله لي وله التوفيق. اهـ * * *

الفصل الثامن في رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها

الفصل الثامن في رفع الإشكال عن كلمات في ذم الحديث وطلبته خرجت من أصحابها دون قصد ظاهرها قال الثوري: "لو كان الحديث خيرًا لذهب كما ذهب الخير". • قال المعلمي في "الأنوار": (ص 287 - 289): أقول: لم يقصد نفي الخير عن الحديثِ نفسِه، كيف والقرآنُ خيرٌ كُلُّهُ ولم يذهب، ولا عن طلب الحديث جملة. فإن المتواتر المعلوم قطعا عن الثوري خلاف ذلك. وإنا قصد أن كثيرًا من الناس يطلبون الحديث لغير وجه الله، وذلك أنه رأى أن الرغبة في الخير المحض لم تزل تَقِلّ، كانت في الصحابة أكثر منها في التابعين، وفي كبار التابعين أكثر منها في صغارهم، وَهَلُمَّ جَرَّا، وفي جانب ذلك رأى رغبة الناس في طلب الحديث لم تنقص، فرأى أنها ليست خيرا على الإطلاق، يعني أن كثيرا ممن يطلب الحديث يطلبه لِيُذْكَر ويشتهر ويقصده الناس ويجتمعوا حوله ويعظموه. وأقول: إن العليم الخبير أحكم الحاكمين كما شرع الجهاد في سبيله لإظهار دينه، ومع ذلك يسَّر ما يرغب فيه من جهة الدنيا، فكذلك شرع حفظ السنة وتبليغها، ومع ذلك يسَّر ما يرغب في ذلك من جهة الدنيا؛ لأنه كما يحصل بالجهاد عن الإسلام -وإن قلَّ- ثوابُ بعض المجاهدين، فكذلك يحصل بطلب الحديث وحفظه حفظُ الدين ونشره -وإن قلَّ- أجرُ بعض الطالبين. وذكر أبو رية (ص 330) كلماتٍ لبعض المحدثين في ذم أهل الحديث -يعنون طلابه، التقطها من كتاب (العلم) لابن عبد البر، وقد قال ابن عبد البر هناك (2/ 125): "هذا كلام خرج على ضجر، وفيه لأهل العلم نظر". اهـ

وإيضاح ذلك أن الرغبة في طلب الحديث كانت في القرون الأولى شديدة، وكان إذا اشتهر شيخ ثقة معمِّر مكثر من الحديث، قصده الطلاب من آفاق الدنيا، منهم من يسافر الشهر والشهرين وأكثر ليدرك ذاك الشيخ، وأكثر هؤلاء الطلاب شُبَّان، ومنهم من لا سعة له من المال، إنما يستطيع أن يكون معه من النفقة قدرٌ محدودٌ يتقوَّت منه حتى يرجع أو يلقى تاجرا من أهل بلده يأخذ منه الشيء، وكان منهم مَنْ كل نفقته جراب يحمله، فيه خبز جاف يتقوت كل يوم منه كسرة يبلها بالماء ويجتزىء بها، ولهم في ذلك قصص عجيبة. فكان يجتمع لدى الشيخ جماعة من هؤلاء، كلُّهم حريص على السماع منه، وعلى الاستكثار ما أمكنه في أقل وقت، إذ لا يمكنه إطالة البقاء هناك؛ لقلة ما بيده من النفقة، ولأنه يخاف أن يموت الشيخ قبل أن يستكثر من السماع منه، ولأنه قد يكون شيوخ آخرون في بلدان أخرى يريد أن يدركهم ويأخذ عنهم. فكان هؤلاء الشباب يتكاثرون على الشيخ ويلحُّون عليه ويبرمونه، فيتعب ويضيق بهم ذرعا، وهو إنسان له حاجات وأوقات يجب أن يستريح فيها، وهم لا يَدَعُونَهُ (¬1). ومع ذلك فكثير منهم لا يرضون أن يأخذوا من الشيخ سلاما بسلام، بل يريدون اختباره ليتبين لهم أضابط هو أم لا. فيوردون عليه بعض الأسئلة التي هي مظنة الغلط، ويناقشونه في بعض الأحاديث، ويطالبونه بأن يبرز أصل سماعه. وإذا عثروا للشيخ على خطأ أو سقط، أو استنكروا شيئًا من حاله، خرجوا يتناقلون ذلك بقصد النصيحة، فكان بعض أولئك الشيوخ إذا ألَحَّ عليه الطلبة وضاق بهم ذرعًا أطلق تلك الكلمات: ¬

_ (¬1) من ذلك ما روي عن معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية قال: "ما رأيت قومًا أعجب من أصحاب الحديث؛ يأتون من غير أن يُدْعَوْا، ويزورون من غير شوق، ويُبرمون بالمساءلة، يُملُّون بطول الجلوس". "كامل" ابن عدي (6/ 2400).

"أنتم سخنة عين". "لو أدركنا وإياكم عمر بن الخطاب لأوجعنا ضربًا". "ما رأيت علمًا أشرف ولا أهلًا أسخف من أهل الحديث". "صرت اليوم ليس شيء أبغض إليَّ من أن أرى واحدًا منهم". "إن هذا الحديث يصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون". "لأنا أشد خوفًا منهم من الفساق"؛ لأنهم يبحثون عن خطئه وزلَلِه ويُشيعون ذلك. والغريب أن أولئك الطلاب لم يكونوا يدَعون هذه الكلمات تذهب، بل يكتبونها ويروُونها فيما يروون، فيذكرها من يريد عتاب الطلاب وتأديبهم كابن عبد البر، ويهتبلها أبو رية ليعيب بها الحديث وأهله جملة. فأما قول الثوري: "أنا في هذا الحديث منذ ستين سنة، وودت أني خرجت منه كفافًا لا عليّ ولا لي". فهذا كلام المؤمن الشديد الخشية تتضاءل عنده حسناته الكثيرة العظيمة، ويتعاظم في نظره ما يخشى أن يكون عرض له من تقصير أو خالطه من عُجب. وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب نحو هذا فيما كان له بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من عمل، وإنما كان عمله ذلك جهادًا في سبيل الله وإعلاء دينه وتمكين قواعده وإقامة العدل التام، وغير ذلك من الأعمال الفاضلة. وقد كان فيها كلها أبعد الناس عن حظ النفس، بل كان يبالغ في هضم نفسه وأهل بيته. وكل عارف بالإيمان وشأنه يعرف لكلمة عمر حقها، ولكن الرافضة عكسوا الوضع، وقفاهم أبو رية في كلمة الثوري وما يشبهها". اهـ * * *

الفصل التاسع الإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم من دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود

الفصل التاسع الإشارة إلى إعراض كثير من الناس في العصور المتأخرة عن هذا العلم العظيم، ووجوب تسليم مَن دون أئمة الحديث لهم في معرفة المقبول من المردود تناول العلامة المعلمي في "الأنوار" (ص 87 - 88) معنى التساهل في رواية الفضائل عند المتقدمين والمتأخرين، فقال: "كان من الأئمة من إذا سمع الحديث لم يروه حتى يتبين له أنه صحيح أو قريب من الصحيح أو يوشك أن يصح إذا وجد ما يعضده، فإذا كان دون ذلك لم يروه البتة. ومنهم من إذا وجد الحديث غير شديد الضعف وليس فيه حكم ولا سنة، إنما هو في فضيلة عمل متفق عليه كالمحافظة على الصلوات في جماعة ونحو ذلك، لم يمتنع من روايته، فهذا هو المراد بالتساهل في عباراتهم. غير أن بعض من جاء بعدهم فهم منها التساهل فيما يرد في فضيلةٍ لأمر خاص قد ثبت شرعه في الجملة، كقيام ليليةٍ معينة فإنها داخلة في جملة ما ثبت من شرع قيام الليل، فبنى على هذا جواز أو استحباب العمل بالضعيف. وقد بيَّن الشاطبي في "الاعتصام" خطأ هذا الفهم، ولي في ذلك رسالة لا تزال مسودة (¬1). على أن جماعة من المحدثين جاوزوا في مجاميعهم ذاك الحد، فأثبتوا فيها كل حديث سمعوه ولم يتبين لهم عند كتابته أنه باطل. ¬

_ (¬1) ولي في ذلك رسالة: "حكم العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" وهي مطبوعة.

وأفرط آخرون فجمعوا كل ما سمعوا، معتذرين بأنهم لم يلتزموا إلا أن يكتبوا ما سمعوه ويذكروا سنده، وعلى الناس أن لا يثقوا بشيء من ذلك حتى يعرضوه على أهل المعرفة بالحديث ورجاله. ثم جاء المتأخرون فزادوا الطين بلة بحذف الأسانيد. والخلاص من هذا أسهل، وهو أن تُبَيَّنَ للناس الحقيقة، ويُرجع إلى أهل العلم والتقوى والمعرفة. لكن المصيبة حق المصيبة إعراض الناس عن هذا العلم العظيم، ولم يبق إلا أفراد يلمّون بشيء من ظواهره، ومع ذلك فالناس لا يرجعون إليهم، بل في الناس من يمقتهم ويبغضهم ويعاديهم ويتفنن في سبهم عند كل مناسبة ويدّعي لنفسه ما يدّعي، ولا ميزان عنده إلى هواه لا غير، وما يخالف هواه لا يبالي به ولو كان في "الصحيحين" عن جماعة من الصحابة، ويحتج بما يحلو له من الروايات في أي كتاب وجد، وفيما يحتج به: الواهي والساقط والموضوع، كما ترى التنبيه عليه في مواضع من كتابي هذا، والله المستعان". اهـ • وقال المعلمي في "التنكيل" (2/ 34): "أئمة الحديث قد يتبين لهم في حديث من رواية الثقة الثبت المتفق عليه أنه ضعيف، وفي حديث من رواية من هو ضعيف عندهم أنه صحيح. والواجب على مَنْ دونهم التسليمُ لهم". اهـ قال أبو أنس: راجع مقدمتي لهذا القسم، ففيها إشارة إلى ذلك. * * *

الباب الثاني في قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث

الباب الثاني في قواعد نقد الخبر وشرائط قبول الحديث وفيه فصلان: الفصل الأول: القواعد النظرية منزلتها من النقد. الفصل الثاني، مراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث. وهي كما ذكرها المعلمي: المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا. [وتشمل الشروط الواجب توافرها في المُخْبِر "الراوي"، وهي: • الشرط الأول: الإسلام. • الشرط الثاني: البلوغ. • الشرط الثالث: العقل. • الشرط الرابع: العدالة. • الشرط الخامس: الضبط]. المرتبة الثانية: النظر في اتصاله. [وتبحث شرط اتصال السند لقبول الخبر]. المرتبة الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطإٍ إن كان. [وتبحث في مسائل الشذوذ والعلة]. المرتبة الرابعة: النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه.

الفصل الأول القواعد النظرية ومنزلتها من النقد

الفصل الأول القواعد النظرية ومنزلتها من النقد • قال العَلّامةُ المعلمي في القاعدة "الخامسة" من مقدمة "الفوائد المجموعة" (ص 9): "القواعد المقررة في مصطلح الحديث: منها ما يُذكر فيه خلاف، ولا يُحقق الحق فيه تحقيقًا واضحًا، وكثيرًا ما يختلف الترجيح باختلاف العوارض التي تختلف في الجزئيات كثيرًا. وإدراك الحق في ذلك يحتاج إلى ممارسة طويلة لكتب الحديث والرجال والعلل، مع حسن الفهم وصلاح النيّة". اهـ. • وقال في "الأنوار الكاشفة": (ص 285 - 286): "أما القواعد النظرية قديمها وحديثها فحقها أن تضاف بلى القواعد السندية بعد دراسة الناقد لهذه دراسة وافية وإيفائها حقها. فأما الاقتصار على القواعد النظرية أو ترجيح غير القطعي الحقيقي منها على رواية الثقات الأثبات، أو الاستدلال به على صدق الحكايات الواهية، فضرره أكثر من نفعه. كثيرًا ما يبلغنا حدوثُ حادثةٍ في عصرنا هذا، فنرى صحتها؛ لأننا نرى أن الأسباب تستدعيها وتكاد توجب وقوعها، ثم يتبين أنها لم تقع. وتبلغنا واقعةٌ فنرتاب فيها، ونكاد نجزم بتكذيبها، ثم يتبين أنها وقعت، فإن قيل: إنما ذلك لخطئنا في اعتقاد أن هذا سببٌ أو مانعٌ، أو في تقدير قوته، أو لجهلنا بزماننا ومكاننا وبيئتنا، فكيف بما مضى عليه بضعة عشر قرنا؟

ومما يجب التنبيه له أنه قد يثبت من جهة السند نصٌ يستنكره بعض النقاد، وحَقُّ مثل هذا أن لا يبادَر إلى ردِّه، بل يمعن النظر في أمرين: الأول: معنى النص، فقد يكون المراد منه معنى غير الذي استنكر. الثاني: سبب الاستنكار، فكثيرا ما يجيء الخلل من قِبَلِهِ. وقد تقضي القرائنُ وقوعَ أمرٍ سكتت عنه الروايات الصحيحة، وتَرِد روايةٌ واهيةُ السند فيها ما يؤدى ذاك الأمر في الجملة فيبادر الناقد إلى تثبيتها، وفي هذا ما فيه. ألا ترى أنه قد يجيئك شخصٌ ضربه آخر فتسأله: لم ضربك؟ فيقول: بلا سبب. فترتاب في صدقه، فإذا جاء خصمه فقال: إنما ضربته لأنه سبني سبا شنيعا، قال: كيت وكيت، ظننتَ أنه صادقٌ في الجملة، أي أنه قد كان سبٌّ، ولكنه قد يكون دون ما ذكره الضارب بكثير. فالصواب أن تذكر الرواية، وأنها واهية السند، ثم يقال: ولكن القرائن تقتضي أنه قد كان شيءٌ من ذاك القبيل. هذا هو مقتضى التحقيق والأمانة". اهـ. قال أبو أنس: نطرح هاهنا سؤالًا مُهِمًّا، ونحاول الجواب عنه؛ تَتِمَّةً لهذا الموضوع، وهو: مِنْ أين تُؤْخَذُ القواعدُ النظريةُ في هذا الفن؟ وكيف يُفهم التطبيقُ العَمَليّ لها؟ فأقول، وبالله تعالى التوفيق: أما الشِّقُّ الأول من السؤال؛ فلا يختلف ناظران ولا باحثان في علمٍ من العلوم أو فَنٍّ من الفنون أن لِكُلٍّ رجالًا يُؤْخَذُ عنهم حدودُه وأقسامُه، ومعاني مصطلحاته، وغير ذلك مما لا يقوم إلا به. وهؤلاء الرجال يتعاقبون جيلًا بعد جيلٍ، يضع الأوائل منهم قواعدَه وأصولَه، ويُبَيِّنُون أُسسَهُ ومبادئه، ويحدُّون ضوابطَه، ثم يسير مَن بَعْدهم على خُطاهم.

ولا شَكَّ أن تلك الأَوَّليَّة مِن بديهياتها أن يكون كلامُ السابقين: منتشرًا في ثنايا الكتب؛ ليس مجموعًا في مكانٍ واحدٍ، قليلًا بحسب ما اقتضاه السؤال والمقام، ليس كثيرًا مُتكلفًا، موجزًا مجملًا في غالب الأحيان، لا مُسهبًا مطولًا مشروحًا، معتمدًا أكثره على إشارات وإيماءات يفهمها أهل الفن في حينها، وهي كاللغة؛ فلا يحتاج الطلبة إلى تفسيرها وشرح المقصود منها. ثم تتابع المعتنون بهذا العلم في تَأمُّل ما ورثوه عن الأوائل، محاولين جمع ما تشتت منه، وتصنيفه وتبويبه، وذكر أنواعه، وشرح ما غمض منه، فكانت الكتب المصنفة في "مصطلح الحديث" على مَرِّ العصور. وأَلْفِتُ النظر هنا إلى أوائل ما كُتب في هذا الشأن كتابةً خاصَّةً؛ إرشادا للطالب إلى مطالعة تلك المصنفات، فهي أصل هذا العلم، وعليها المعوَّل، بالإضافة إلى تصرفات النقاد العملية في ذلك، فأقول وبالله التوفيق: (1) ضَمَّنَ الشافعي رحمه الله تعالى (المتوفَّى سنة 240 هـ) كتابه "الرسالة" بعض الأبحاث المتعلقة بعلم المصطلح، منها: الصفات اللازم توفرها في خبر الخاصة كي يكون حجة، فقال: 1 - أن يكون من حدَّث به ثقةً في دينه. 2 - معروفًا بالصدق في حديثه. 3 - عاقلًا لما يحدث به. 4 - عالمًا بما يُحيلُ معاني الحديث من اللفظ. 5 - أن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمعه، لا يحدث به على المعنى ... 6 - حافظًا إن حدَّث به من حفظه.

7 - حافظًا لكتابه إن حدَّث من كتابه. 8 - إذا شرك أهل الحفظ في حديثٍ وافق حديثهم. 9 - بريًّا من أن يكون مدلسًا يحدث عمن لقي ما لم يسمع منه. 10 - و [بريًّا أن] يحدث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ما يحدث الثقات خلافه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. 11 - ويكون هكذا مَنْ فوقه مِمَّن حدثه. 12 - حتى ينتهي بالحديث موصولًا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- أو إلى من انتهى به إليه دونه. اهـ فقد تَضمَّنَ كلامُ الشافعي ما اشتهر بعد ذلك بـ: "شروط صحة الحديث"، وهي: • العدالة (رقم 1، 2). • الضبط (رقم 6، 7). • الاتصال (9، 12). • انتفاء الشذوذ والعلة (8، 10). ويزيد عليها ما عُرف بـ: • "دراية" المحدث لما يحدث به (3، 4). • رواية الحديث على اللفظ دون المعنى (5). ثم ذكر مسألة الرواية بالمعنى بشيء من التفصيل. وذكر قبول عنعنة غير المدلس، وأن من دلّس مَرَّة فقد أبان عورته في روايته. وأن من كثر غلطه من المحدثين، ولم يكن له أصل كتابٍ صحيح، لم يقبل حديثه. وذكر تقديم المعروف بطلب علم الحديث وسماعه وطول مجالسة أهل التنازع فيه على من خالفه من أهل التقصير عنه. وبيَّن طريقة الاستدلال على حفظ الراوي بموافقة أهل الحفظ فيما رَوَوْا.

وتكلم على الحديث المنقطع والمرسل، وذكر شروط الاحتجاج بالحديث المرسل عنده. وكذا ذكر بعض القضايا الأصولية، كالاحتجاج بخبر الواحد، والفرق بين شروط الرواية والشهادة. (2) ووَضَعَ مسلمٌ (المتوفَّى سنة 261 هـ) مقدمةً لصحيحه، أبان فيها شيئًا من قواعد هذا الفن، منها: مراتب ناقلي الأخبار، وبيَّن انقسامهم إلى ثلاثة أو أربعة مراتب: الأولى: أهل الاستقامة في الحديث، والإتقان، وصفتهم: أنه لا يوجد في روايتهم اختلافٌ شديد، ولا تخليطٌ فاحش. الثانية: من لم يوصف بالحفظ والإتقان، لكن اسم السِّتر والصدق وتعاطي العلم يشملهم، وهم أنزل من المرتبة الأولى. الثالثة: قوم عند أهل الحديث أو أكثرهم مُتَّهَمُون. الرابعة: من كان الغالب على حديثه المُنكر أو الغلط. ثم شرح ما يُستدل به على المنكر، فقال: "وعلامةُ المنكر في حديث المحدث: إذا ما عُرِضَتْ روايتُه للحديث على رواية غيره من أهل الحفظ والرضا: خالفتْ روايتُه روايتَهم، أو لم تكد توافقها، فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجورَ الحديث، غيرَ مقبوله ولا مستعمله". قال: "فلسنا نعُرج على حديث هذا الضرب ولا نتشاغل به؛ لأنَّ حُكم أهل العلم، والذي نعرف من مذهبهم في قبول ما تفرد به المحدث من الحديث أن يكون قد شارك

الثقات من أهل العلم والحفظ في بعض ما رَوَوْا، وأمعن في ذلك على الموافقة لهم، فإذا وُجد كذلك، ثم زاد بعد ذلك شيئًا ليس عند أصحابه، قُبلتْ زيادته. فأما مَنْ تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره، أو لمثل هشام بن عروة، وحديثُهما عند أهل الحديث مبسوطٌ مشتركٌ قد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على الاتفاق منهم في أكثره، فيروي عنهما أو عن أحدهما العَدَد من الحديث، مما لا يعرفُه أحدٌ من أصحابهما، وليس ممن قد شاركهم في الصحيح مما عندهم، فغير جائز قبولُ حديثِ هذا الضرب من الناس". * ثم ذكر أن الواجب على كُلِّ أحدٍ عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها، وثقات الغافلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه، والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان منها عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع. ثم ذكر ما يدل على ذلك من القرآن. ثم ذكر أبوابًا في: • تغليظ الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. • والنهي عن الحديث بكل ما سمع. • والنهي عن الرواية عن الضعفاء والاحتياط في تحملها. • وبيَّن أن الإسناد من الدين. • ووجوب بيان ما في الرواة من الجرح حفظًا للسنة. • والتنبيه على أن صلاح المرء في نفسه ودينه شيء، وثقته في الحديث وأخذه عنه شيء آخر، وأنه يكثر وقوع الكذب -وهو هنا بمعنى الخطأ- على لسان أهل الخير والصلاح -من غير أهل الثبت في الحديث- من غير تعمّد منهم لذلك. • وأهمية التفتيش عن صدق الرواة وكيفية تحديثهم للحديث في الأوقات المختلفة، والنظر في كتب البعض إن احتاج الأمر وحصلت الريبة.

• وذمّ مجالسة القُصَّاص لكثرة تحديثهم بالغرائب والمناكير. • وذم الرافضة وترك حديثهم. • وكشف الذين يَدَّعون سماعاتٍ كذبًا. • والذين يضعون كلامًا صحيح المعنى، وينسبونه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- كذبًا. • ومن يكذب لِيُرَوِّجَ بدعتَه. • وأن من لا يؤتمن على دينه لا يؤتمن على الحديث. • ومن أطلق الكذب أحيانًا بمعنى مخالفة الرواية للواقع، وإن لم يكن هناك تعمُّد. • وكشف كذب الراوي بروايته عن شيخه ما ثبت عنه خلافه إذا تكرر منه ذلك، وبروايته الحديث الواحد مراتٍ عن شيوخ مختلفين. • وبيان التصحيف في الأسانيد والمتون. • وذم تدليس الشيوخ، فربما دُلِّسَ الكذاب فلا يُعرفُ. • والعناية بمعرفة التاريخ في نقد الروايات. • وأن جرح الرواة ليس بالغيبة المحرمة. • وذِكْر إنصاف أهل الحديث وتقديمهم له على أهليهم، فيجرح الراوي أخاه ويبيِّن ضعفه لئلا يؤخذ عنه الحديث. ثم قال رحمه الله: "وأشباه ما ذكرنا من كلام أهل العلم في مُتَّهَمي رواة الحديث وإخبارهم عن معايبهم كثيرٌ يطول الكتابُ بذكره على استقصائه، وفيما ذكرنا كفاية لمن تفهَّم وعقل مذهب القوم فيما قالوا من ذلك وبيَّنُوا. وإنما ألزموا أنفسهم الكشفَ عن معايب رواة الحديث وناقلي الأخبار، وأفتوا بذلك حين سُئِلُوا؛ لما فيه من عظيم الخطر؛ إذ الأخبار في أمر الدين إنما تأتي بتحليلٍ

أو تحريم أو أمرٍ أو نهي أو ترغيبٍ أو ترهيبٍ، فإذا كان الراوي لها ليس بمعدنٍ للصدق والأمانة، ثم أقدم على الرواية عنه من قد عرفه ولم يبيِّن ما فيه لغيره ممن جهل معرفته، كان آثمًا بفعله ذلك، غاشًا لعوام المسلمين؛ إذ لا يؤمن على بعض من سمع تلك الأخبار أن يستعملها أو يستعمل بعضها، ولعلها أو أكثرها أكاذيب لا أصل لها، مع أن الأخبار الصحاح من رواية الثقات وأهل القناعة أكثر من أن يضطر إلى نقل من ليس بثقة ولا مقنع. ولا أحسب كثيرًا ممن يعرج من الناس على ما وصفنا من هذه الأحاديث الضعاف والأسانيد المجهولة، ويعتدّ بروايتها بعد معرفته بما فيها من التوهن والضعف إلا أن الذي يحمله على روايتها والاعتداد بها إرادة التكثر بذلك عند العوام، ولأن يقال: ما أكثر ما جمع فلان من الحديث وألَّف من العَدد. ومَنْ ذهب في العلم هذا المذهب، وسَلك هذا الطريق فلا نصيب له فيه، وكان بأن يُسَمَّى جاهلًا أَوْلى من أن يُنسب إلى علم" اهـ فتأمَّلْ أيها اللبيبُ عناوينَ تلك المسائل، وطالِعْها في تلك المقدمة، تحظى بعلم وافر. ثم انتقل مسلم إلى مناقشة قضية صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن، وقد أطال في تقرير مذهبه فيها، ولعلَّ هذه القضية هي ما يستحوذ على الناظر في تلك المقدمة دون غيرها من الفوائد، ويأتي تحقيقها إن شاء الله عند الكلام على شرط الاتصال من شروط صحة الحديث، فلينظر هناك. ولمسلم كتاب "التمييز" وهو كتاب حافلٌ، شرح فيه مسلم أنواعَ العلل والأخطاء الواقعة في الأحاديث، والقطعة التي وُجدت منه تنمُّ عن علمٍ جَمٍّ وتمكُّنٍ بالغٍ، وتعطي إشارة مجملة عن قواعد هذا الفن. وكذا وضع مسلم أصنافًا أخرى من الكتب؛ ككتاب "العلل"، و"أوهام المحدثين"، و"أفراد الشاميين"، و"الوحدان"، و"الأفراد" وغيرها، وإن لم يبلغنا أكثر ذلك.

(3) وكتب ابن أبي حاتم (المتوفَّى سنة 327 هـ) مقدمةً لكتاب "الجرح والتعديل" له، بَيَّن فيها: وجوب التمييز بين عدول الرواة وثقاتهم وأهل الحفظ والمثبت والإتقان منهم، وبَيْن أهل الغفلة والوهم وسوء الحفظ والكذب. ثم بيَّن تمييز طبقات الرواة ومراتبهم إلى خمسٍ: الأولى: أهل الحفظ والانتقاد والبحث عن الرجال، وهم أهل التزكية والجرح. الثانية: أهل العدالة والثبت والصدق والورع والحفظ. الثالثة: الصدوق الورع الثبت الذي يهم أحيانًا، وقد قبله النقاد، فهو يحتج بحديثه. الرابعة: الصدوق الورع المغفل الغالب عليه الوهم والخطأ، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب ونحوه، ولا يحتج بحديثه في الحلال والحرام. الخامسة: مَن أَلْصَقَ نفسه بمن سبق، ودلَّسَها بينهم وليس من أهل الصدق والأمانة، فهذا يترك حديثه ويُطرح. ثم ذكر طبقات العلماء الجهابذة النقاد، وذكر من أحوالهم ما يستدل به على مكانتهم وبراعتهم وحفظهم، وشيء من مناهجهم وطرائقهم في النقد. ثم ذكر أبوابًا في الجرح والتعديل وشرح أحوال الرواة، منها: • نفي تهمة الكذب عن الصحابة في الرواية عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. • وأن الأخبار من الدين ووجوب التحرز والتوقي فيها. • وأن للأخبار جهابذة نُقَّادًا. فذكر منهم:

إبراهيم النخعي، وقتادة، والزهري، وأيوب، ووكيع، والثوري، وشعبة، وحماد ابن زيد، ومالك، وابن عيينة، والأوزاعي، وابن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبل، وابن معين، وابن المديني، وأبو زرعة. ثم قال ابن أبي حاتم: قيل لأبي: فغير هؤلاء -يعني آخر أربعة- تعرف اليوم أحدًا؟ قال: لا. • وأن وصف الرواة بالضعف ليس بغيبة. • ووجوب تبيين أمر المجروح. • وأن صحة الأسانيد خير من علوّها. • واختيار الأسانيد، وتفضيل بعضها على بعض. • وعدم سقوط عدالة أهل الكوفة بشرب النبيذ. • وأنه لا يضر الراوي إذا لم يرزق الحفظ إذا اقتصر على ما في كتابه فحدث به، ولم يزد فيه، ولم ينتقص منه، ولم يقبل التلقين، وهو قول الحميدي. • وبيان صفة من يحتمل منه الرواية في الأحكام والسنن: 1 - فذكر وصية غير واحدٍ بأن لا يؤخذ الحديث إلا من الثقات. 2 - وذكر قول ابن عون وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر: لا يؤخذ العلم إلا ممن شُهد له بالطلب. 3 - وقول ابن سيرين في الأخذ من أهل السنة وترك أهل البدع. 4 - وقول يزيد بن هارون: لا يكتب عن الرافضة؛ فإنهم يكذبون. 5 - وأن وقوع الغلط في حديث الراوي لا يمنع من الكتابة عنه إلا إذا كان غالبًا. 6 - وقول شعبة: خذوا العلم من المشهورين. 7 - وقول الشافعي في "الرسالة" والذي سبق نقله قريبًا.

• وذِكر ما تحتمل الرواية عنه من الضعفاء في الآداب والمواعظ ونحوها. • وبيان صفة من لا يحتمل الرواية عنه في الأحكام والسنن، فذكر: 1 - قول من نهى عن أخذ الحديث ممن يعتمد على الصحف دون السماع. 2 - وقول شعبة في صفة مَن يترك حديثه: إذا حدَّث عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، وإذا أكثر الغلط، وإذا اتُّهم بالكذب وإذا روى حديثًا غلطا مجتمعًا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه. 3 - وقول مالك في الثقة الذي له كتاب إلا أنه لا يحفظ حديثه: أنه لا يؤخذ عنه؛ لأنه لا يؤمن عليه إذا زيد في الحديث شيء لم يعرفه. 4 - وقوله أيضًا فيمن لا يؤخذ عنه العلم؛ قال: رجل معلن بالسَّفَه وإن كان أروى الناس، ورجل يكذب في أحاديث الناس إذا حدَّث بذلك وإن لم يتهم أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وصاحب هوى يدعو الناس إلى هواه، وشيخ له فضل وعبادة إذا كان لا يعرف ما يحدث به. 5 - وذم السماع من أهل الأهواء. 6 - وقول الحميدي في صفة الغفلة التي يرد بها حديث الرجل، قال: أن يكون في كتابه غلط، فيقال له في ذلك فيترك ما في كتابه ويحدّث بما قالوا، أو يغيره في كتابه بقولهم؛ لا يعقل فرق ما بين ذلك، أو يصحف تصحيفًا فاحشًا فيقلب المعنى لا يعقل ذلك فيكف عنه. وكذلك من لُقِّنَ فتلقَّن، التلقين يرد حديثه الذي لقّن فيه، وأخذ عنه ما أتقن حفظه، إذا علم أن ذلك التلقين حادثٌ في حفظه لا يعرف به قديمًا، فأما من عرف به قديمًا في جميع حديثه فلا يقبل حديثه ولا يؤمن أن يكون ما حفظ مما لُقِّن.

• وذكر بابًا في التيقظ في أخذ العلم والتثبت فيه، وفيه: 1 - كلامٌ لهشام بن عروة وشعبة ويحيى بن سعيد القطان في توقيف المحدث على سماع ما يرويه من الحديث: هل سمعه ممن رواه عنه أم لا؟ ويتأكد الأمر في حَقِّ من عرف بالتدليس إذا لم يصرح بالسماع. 2 - وقول يحيى القطان في ذم من تدفع إليه كتبه فيقرأ منها ولا يحفظها. 3 - وقول عبد الرحمن بن مهدي: خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن: الحُكم والحديث - يعني: لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي. 4 - وقوله: لا يكون الرجل إمامًا مَن يسمع مِن كُلِّ أحدٍ، ولا يكون إمامًا في الحديث مَنْ يحدث بكل ما سمع، ولا يكون إمامًا في الحديث من يتبع شواذ الحديث، والحفظ هو الإتقان. 5 - وقول مروان بن محمد فيمن أخطأه الحفظ، فرجع إلى كتب صحيحة: لم يضره. • وذكر بابًا في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنها تقويه وعن المطعون عليه أنها لا تقويه. 1 - وقال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجلٍ غير ثقة مما يقويه؟ قال: إذا كان معروفًا بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولًا نفعه رواية الثقة عنه. 2 - ونحوه عن أبي زرعة، وتعليله رواية الثوري عن الكلبي مع ضعفه عنده: بأنه كان على وجه الإنكار والتعجب، لا على وجه القبول له. • وختم بباب في بيان درجات رواة الآثار، فذكر ثمانية مراتب: 1 - ثقة أو متقن ثبت، فهو ممن يحتج بحديثه. 2 - صدوق أو محله الصدق أو لا بأس به، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه. 3 - شيخ، وهذا يكتب حديثه وينظر فيه، إلا أنه دون المنزلة السابقة. 4 - صالح الحديث، فهذا يكتب حديثه للاعتبار.

5 - لين الحديث، فهو ممن يكتب حديثه، وينظر فيه اعتبارًا. 6 - ليس بقوي، فهو بمنزلة السابق إلا أنه دونه. 7 - ضعيف الحديث، فهو دون السابق، لا يطرح حديثه بل يعتبر به. 8 - متروك الحديث أو ذاهب الحديث أو كذاب، فهذا ساقط الحديث، لا يكتب حديثه. وهي عنده أربعة منازل: رقم (1) المنزلة الأولى، ورقم (2) المنزلة الثانية، ومن (3) إلى (7) المنزلة الثالثة وهي متفاوتة، و (8) المنزلة الرابعة. ثم ذكر قول ابن مهدي في تقسيم الرواة إلى ثلاث مراتب: الأولى: الحافظ المتقن، وهذا لا يُختلف فيه. الثانية: مَنْ يهم والغالب على حديثه الصحة، فهذا لا يترك حديثه. الثالثة: من يهم والغالب على حديثه الوهم، فهذا يترك حديثه. (4) ثم وضع الرامهرمزي (المتوفى بعد سنة 350 هـ) كتاب "المحدث الفاصل بين الراوي والواعي" ذكروا أنه أول كتاب صُنِّفَ في علوم الحديث، مدحه الذهبي وقال: كتاب ينبىءُ بإمامته. وهذا تلخيصٌ لما تعرَّض له الرامهرمزي في هذا الكتاب: • السِّنّ الذي يصلح معه طلب الحديث، وعادة أهل الأمصار في ذلك. • سِنُّ التحديث والامتناع منه. • العلوّ والنزول في طلب الحديث. • فضل الجمع بين الرواية والدراية.

• تقييد العلم وما يتعلق به. • من كان يحفظ ثم يكتبه بعد ذلك، وليس في المجلس. • الصفات الواجب توفرها فيمن يؤخذ منه الحديث. • العرض على المحدث، والإجازة، والمناولة. • صيغ الأداء الواردة في الأسانيد. • قولهم: وجدت في كتاب فلان كذا وكذا. • إصلاح اللحن والخطأ. • الرواية بالمعنى. • التقديم والتأخير، واختصار الحديث. • المعارضة. • المذاكرة. • من كان يتهيب الرواية ويتوقاها ويكثر التشكك. • من كره كثرة الرواية. • من كره أن يروي أحسن ما عنده - يعني أغرب ما عنده. • من كان يقول: مثله ونحوه، ومن كره ذلك. • في الذي يسمع من المحدث ولا يرى وجهه. • في الجماعة يسأل بعضهم بعضًا، ويستفهم بعضهم بعضًا في المجلس. • الانتخاب. • نقل السماع من الكتب أو من الحفظ بعد المجلس. • الحك والضرب والحواشي والعلامات والنقط والشكل. • الجمع بين الرواة. وهي مباحث مفيدة تلفت النظر إلى قضايا حديثية مهمة في دقائق علم الإسناد والمتن.

(5) ثم جاء أبو عبد الله الحاكم (المتوفى سنة 405 هـ) فوضع كتاب "معرفة علوم الحديث" وهو أوسع وأشمل ما كُتب في ذلك حتى زمانه، وهو بديعٌ في بابه، محكمٌ في تصنيفه، جوَّده الحاكم، وأكثر من أنواعه، وشرح أجناس العلل الواقعة في الأسانيد والمتون؛ ونقل عن أئمة هذا الشأن وأهل الاختصاص فيه قواعدَ جمَّة، وتقريرات مهمّة في هذا الباب. إلا أنه: قد عاد فنقض طائفة من تلك التقريرات والتحريرات في كتابه "المستدرك"، لا سيما بعض الأنواع مثل: النوع (التاسع عشر) وهو: "معرفة الصحيح والسقيم"، الذي يقول فيه: "إن الصحيح لا يُعرف بروايته فقط، إنما يُعرف بالفهم والحفظ وكثرة السماع، وليس لهذا النوع من العلم عونٌ أكثر من مذاكرة أهل الفهم والمعرفة ليظهر ما يخفى من علة الحديث. فإذا وجد مثل هذه الأحاديث بالأسانيد الصحيحة غير مخرجة في كتابي الإمامين البخاري ومسلم لزم صاحب الحديث التنقير عن علته، ومذاكرة أهل المعرفة به لتظهر علته". اهـ فقارن هذا بما قاله في صدر كتاب "المستدرك" والذي أسَّس عليه تصنيفه له. وكذلك النوع (السابع والعشرين) في "معرفة علل الحديث"، فذكر عشرة أجناس للعلة وجعلها كالمثال لغيرها. وقارن ذلك بما أُخذ عليه في كتابه "المستدرك" من إخراج كثير من الأخبار المعلَّة. وراجع ترجمة "الحاكم" في القسم الثاني من هذا الكتاب.

(6) ثم جاء الخطيب البغدادي (المتوفى سنة 463 هـ) فوضع كتبًا شتى في مجالات علوم الحديث، أهمها "الكفاية في علم الرواية" وهو من أجمع ما كُتب في هذا الشأن، وقد اعتمد كل من أتى بعد الخطيب على كتبه المتنوعة في فنون المصطلح. وكتاب الخطيب: "الكفاية" من أنفع ما وضع في هذا الباب، إلا أن الخطيب قد خلَط أحيانًا أقوال أهل الاختصاص من أئمة النقد بكلام غيرهم من الأصوليين والمتكلمين. مثال ذلك ما ذكره في مسألة "زيادة الثقة" (ص 424)، حيث قال: "باب القول في حُكم خبر العدل إذا انفرد برواية زيادةٍ فيه لم يروها غيره"، وكذلك ذكر ما اختلف فيه وصلًا وإرسالًا (ص 409) ورفعًا ووقفًا (ص 417) وذكر مذاهب الناس في ذلك، واختار قبول زيادة الثقة مطلقًا في جميع الأحوال، وكذا تقديم الوصل والرفع على الإرسال والوقف. وقد انتقده في صنيعه هذا ابنُ رجب في "شرح علل الترمذي" (ص 428) عند الكلام على هذا النوع من الاختلاف، فقال: "كلام أحمد وغيره من الحفاظ يدور على اعتبار قول الأوثق في ذلك والأحفظ ... وذكر الحاكم أن أئمة الحديث على أن القول قول الأكثرين الذين أرسلوا الحديث، وهذا يخالف تصرفه في "المستدرك"، وقد صنَّف في ذلك الحافظ أبو بكر الخطيب مصنفًا حسنًا سماه: "تمييز المزيد في متصل الأسانيد" وقسمه قسمين: أحدهما: ما حَكم فيه بصحة ذكر الزيادة في الإسناد وتركها. والثاني: ما حَكم فيه برد الزيادة وعدم قبولها.

ثم إن الخطيب تناقض، فذكر في كتاب "الكفاية" للناس مذاهب في اختلاف الرواة في إرسال الحديث ووصله، كلها لا تُعرف عن أحدٍ من متقدمي الحفاظ، وإنما هي مأخوذة من كتب المتكلمين. ثم إنه اختار أن الزيادة من الثقة تقبل مطلقًا، كما نصره المتكلمون وكثير من الفقهاء، وهذا يخالف تصرفه في كتاب "تمييز المزيد". اهـ ثم ذكر ابنُ رجب أن مراد الأئمة في قبول زيادة الثقة أحيانًا إذا كان الثقة مبرزًا في الحفظ. قلت: هذا هو الأصل، والقبول يدور على القرائن، فربما توقفوا في زيادة بعض الحفاظ، والميزان بأيديهم، رحمة الله عليهم. (7) ثم جاء القاضي عياض (المتوفى سنة 544 هـ) فأخذ من ذلك بنصيب، فألَّف كتابه "الإلمام إلى معرفة أصول الرواية وتقييد السماع"، وضَمَّنَهُ: • ضوابط سماع الصغير. • أنواع الأخذ والتحمل، وصحة الاحتجاج بكل منها. • صيغ التعبير عن تلك الأنواع. • ضوابط التحديث من الكتب، ومداخل الخلل في الاعتماد على ذلك دون الحفظ لما فيها، وتقديم صاحب الحفظ والكتاب على صاحب الكتاب فقط. • عناية الراوي بالنقط والشكل، وأثر غياب ذلك في وقوع التصحيف والتحريف لمن لم يتقن حفظ كتابه. • ضوابط مقابلة ومعارضة الأصول. • آداب تناول الأصول بالإلحاقات والتصحيح والتمريض والتضبيب والضرب والحك والمحو، ونحو ذلك.

• تحري الرواية باللفظ، وضوابط الرواية بالمعنى. • ضوابط تغيير اللحن والخطأ في الكتب. • ضرورة ضبط اختلاف الروايات في الكتاب الواحد، حتى تتميز ولا تختلط على صاحبها مع طول الزمن وكبر السن، أو على الناظر في كتابه من بعده. • كيفية رواية الشيخ أحاديثه من كتبه، وكيف يسوق إسناده في كل حديث. • ضوابط سِنّ ابتداء التحديث والامتناع منه. • قولٌ لابن مهدي في أهمية انتقاء المحفوظ من العلم، وترك الشاذ، وانتقاء من يروي عنه، وما يرويه. (8) ثم صنف أبو حفص الميانشي (المتوفى سنة 580 هـ) جزءًا سماه: "ما لا يسع المحدث جهله" اعتنى به من بعده، ونقلوا عنه في غير موضع. * * * وبَعْدُ، فهذا أشهر ما كُتب في هذا الفن رأسًا حتى نهاية القرن الخامس الهجري، وتبقى بعض كتب السؤالات والتواريخ ونحوها، والمتدبر لما حاولتُ سردَه من فوائد تلك الكتب، والمطالع لأصلها، يستطيع الإلمام بحدود هذا العلم وقواعده وأصوله عند أهله على سبيل الإجمال، وعلى التفصيل أحيانا. وستأتي قريبا أطروحاتٌ بهذا الصدد. وما سبق سردُه إنما هو دلالةٌ لما يُمكن استخراجُه من كتب أهل الاختصاص، ومحاولةٌ إلى بعث المكنون من مصنفاتهم، فهكذا ينبغي أن تكون فهرسة ما فيها من الفوائد والفرائد، ويبقى كثير منها يحتاج إلى قراءةٍ متأنية، وتحليل لما تحويه من ذلك،

مع محاولة دفع التأثر بالأفكار المسبقة التي يتداولها أهل المصطلح من المتأخرين، حتى تكون النتائج صافية نقية خالية من العوارض والمؤثرات الخارجية، ثم يُعرض كلامُ المتأخرين على تلك النتائج؛ ليتبين مدى قربه أو بعده منها. لكن يبقى هنا الشق الثاني من السؤال المتقدم وهو: كيف نفهم التطبيق العملي لتلك القواعد النظرية؟ والجواب: أن هذا ليس بالأمر الله الهيِّن، وقد كان ما قام به الشيخ العلامة عبد الرحمن المعلمي جهدا من تلك الجهود، بأطروحاته العلمية وتحقيقاته النقدية، ولقد حاولتُ في هذا الكتاب بأقسامه إبراز ذلك الجهد، بما فتح الله عليَّ من ذلك. أسأله تبارك وتعالي أن يجعل هذا العمل خطوة موفقة على هذا الدرب. وإن من المؤسف أنه قد هُجرت كثيرٌ من قواعد هذا الفن، فنتج عن ذلك ميلٌ واضحٌ عن أحكام المتقدمين وتصرفاتهم حيال الأخبار والاختلاف في أسانيدها ومتونها، ووسَّع المتأخرون ما ضيَّقه المتقدمون واحتاطوا فيه، فتاهت بعض الحقائق، فلزمت العودة إلى أصول هذا الفن لكشف تلك الحقائق. وإن للأئمة مصنفات، هي كالبيان التطبيقي لكيفية التعامل مع المرويات ورواتها، من ذلك: الكتب المصنفة في التواريخ، والسؤالات، والعلل، والسنن، والصحاح، ونحوها. • أما كتب التواريخ فمثالها: "تاريخ" ابن معين برواية كل من: الدوري، والدارمي، وتواريخ البخاري الثلاثة: "الكبير"، و"الأوسط"، و"الصغير"، و"تاريخ" يعقوب الفسوي، و"تاريخ" أبي زرعة الدمشقي، و"تاريخ دمشق" لابن عساكر، و"تاريخ بغداد" للخطيب، وغيرها.

• وأما كتب السؤالات فمنها: ما كان عن الإمام أحمد بن حنبل مثل: "سؤالات أبي داود" له في جرح الرواة وتعديلهم، ويلتحق بها: مسائل ابنه صالح، وابن هانىء وأبي داود، والكرماني، والكوسج، وهي مسائل عامة في الفقه والحديث وغيرهما. ومنها سؤالات لابن معين حكاها عنه: عثمان بن أبي شيبة، والدقاق، وابن محرز، وابن مرثد الطبراني، وغيرهم. ومنها سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي. ويلتحق بها: سؤالات جماعة للدارقطني مثل: الحاكم، والسهمي، والبرقاني، والسلمي، وغيرهم. • أما كتب العلل فمنها: كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد رواية ابنه عبد الله، ورواية المروذي، و"علل" الخلال عنه أيضًا. ومنها: "علل" ابن المديني، و"علل" يعقوب بن شيبة، و"العلل" المنقولة عن أبي زرعة وأبي حاتم الرازي، وما صنفه الذهلي وغيره من الحفاظ في علل أحاديث بعض مشاهير الرواة كالزهري وغيره، ويلتحق بها "علل الدارقطني". • يضاف إلى ما سبق بعض الكتب المصنفة في الضعفاء ككتاب "الضعفاء الكبير" و"الصغير" للبخاري، وكتاب النسائي أيضًا، ثم كتاب العقيلي، وابن عدي، ويلتحق بها كتاب "المجروحين" لابن حبان. • بالإضافة إلى بعض كتب السنن التي عنيت بشرح بعض أحوال الرجال، وعلل أحاديثهم، ككتاب "السنن" لأبي داود والنسائي. • وكذلك اختيارات الشيخين في "صحيحيهما". * * *

والسبيل إلى الوقوف على دقائق هذا الفن وخفاياه إنما هو بالتصدي لاستقراء تلك الكتب، ممن له الأهلية في ذلك؛ إذ الأمر يحتاج إلى خلفيات متعددة يُستقرأ من خلالها، من أهمها: 1 - الإلمام بأحوال مشاهير الرواة، ومَن تدور عليهم الأحاديث في البلدان المختلفة، من حيث: طبقاتهم، ومراتبهم، وأصحاب كل منهم، ورحلاتهم، ونحو ذلك من أحوالهم. 2 - ثم ينبغي أن يتحلى المستقرأ بالخبرة اللازمة لفهم عبارات وتصرفات الأئمة. 3 - ويتصف مع ذلك بالإنصاف والخشية والورع. 4 - ويكون مُنْزلا لكل إنسان منزلته اللائقة به، فلا يضع مَنْ حَقُّهُ الرفعُ أو العكس. 5 - ويكون محترِما لأهل هذا الفن، مُقَدِّرًا لهم، لا يتقدم عليهم بهواه أو بإعجابه برأيه، بل يَتَّهِم نفسه بالقصور نحوهم، ويضع من نفسه حيال علمهم، وما حباهم الله عز وجل، ضارعا إلى الله تعالى أن يَمُنَّ عليه بفهم طريقتهم كأقرب ما يكون مرادهم، ثم التوفيق من عند الله سبحانه. ثم إن مما يُعينُ الطالبَ على إدراك حدودِ هذا العلم ورَسْمِه: ما بدأه أبو عمرو بن الصلاح (المتوفى سنة 643 هـ) من محاولة جمع الأبواب والفصول المستخرجة مِنْ كتب مَنْ سبق، فوضع كتابه الشهير في "أنواع علوم الحديث"، وتلاه جمعٌ من أهل الحديث وغيرهم ممن أَثْرَوا هذا المجال بمصنفات عِدَّه، اعتمدوا في وضعها على كتاب ابن الصلاح. وقد وصف ابن الصلاح نفسُهُ كتابَه وسبب تأليفه له، فقال في صدره: "لقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيمًا، عظيمةً جموعُ طلبته، رفيعةً مقاديرُ حفاظه وحملته، وكانت علومهم بحياتهم حَيَّةً وأفنان فنونه ببقائهم غَضَّة، ومغانيه بأهله آهلة.

فلم يزالوا في انقراضٍ، ولم يزل في اندراسٍ، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهلُه إنما هم شرذمة قليلة العَدد، ضعيفة العُدد، لا تُعنى على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غُفْلا، ولا تتعنى في تقييده بأكثر من كتابته عُطْلا، مُطَّرحين علومه التي بها جَلَّ قدرُه، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره. فحين كاد الباحثُ عن مُشْكَلِه لا يُلفي بها عارفا، منَّ الله الكريم -تبارك وتعالى وله الحمد أجمع- بكتاب "معرفة أنواع علوم الحديث" هذا الذي أباح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وقعَّد قواعده، وأنار معالمه، وبيَّن أحكامه، وفصَّل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وأصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفوائده". فذكر من ذلك خمسة وستين نوعا من أنواع علوم الحديث. وقد اعتنى بهذا الكتاب جماعة من أهل العلم -على اختلاف تخصصاتهم ومشاربهم- بَيْنَ ناظمٍ ومختصر وشارح له، ومن هؤلاء من تناول كثيرًا من قضاياه ومسائله بالتنكيت والتعقيب والاعتراض، وهذا شأن من يُنشىء فنًّا ويبتدؤه، فيأتي من بعده فيزيدُ المسائل تحريرًا وتقعيدًا، كلٌّ بحسب اجتهاده. فألف النووي (631 - 676) عليه كتابي "الإرشاد"، و"التقريب"، وابن جماعة (639 - 733) كتاب "المنهل الروي"، وابن دقيق العيد (625 - 702) كتاب "الاقتراح"، وابن كثير (701 - 774) كتاب "اختصار علوم الحديث"، والزركشي (745 - 794) كتاب "النكت"، وابن الملقن (723 - 804) كتاب "المقنع"، والبلقيني (724 - 805) وكتاب "محاسن الاصطلاح"، وزين الدين العراقي (725 - 806) "الألفية وشرحها"، وكتاب "التقييد والإيضاح"، وابن حجر (773 - 852) كتاب "النكت"، و"نزهة النظر"، والسخاوي المتوفى (902) كتاب "فتح المغيث"، والسيوطي المتوفى (911) كتاب "تدريب الراوي" على "تقريب" النووي، والصنعاني المتوفى (1182) كتاب "توضيح الأفكار".

وغيرهم، لكنَّ هؤلاءِ أشهرُهم. وكثيرٌ من مباحث هذه الكتب يبْنِيها المتأخر على كلام المتقدم ويزيد شيئًا، أو يحرر قضية، أو يخالف نتيجة، أو يخصص عامًّا، أو يقيد مطلقًا، أو عكسهما، ونحو ذلك من ثمرات النظر. وقد كانت مباحث هذا الفن وأصوله وقواعده ودقائقه إنما مرجعها إلى أهله الذين هم أعرف به من غيرهم -كدأب أي فن من الفنون- وكان التسليم لهم هو شأن المنصفين من أهل سائر الفنون، حتى إن إمامًا كالشافعي وهو محدث فقيه لا يُنْكَرُ علمُه وفضلُه فيهما، إلا أنه لم يكن يرى في نفسه في كثير من الأحيان أهليةً للاستقلال بالحكم على الحديث، فَيَكِلُ علمَ ذلك إلى أهله، ويُوقفُ عملَه وذهابَه إلى مقتضاه على قول أصحاب الحديث فيه، وهذا مستفيضٌ عنه. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل. * * *

الفصل الثاني مراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث

الفصل الثاني مراتب نقد الخبر، وشرائط قبول الحديث ذكر العَلَّامة المعلمي في "الاستبصار" (ص 8) أربع مراتب لنقد الخبر: المرتبة الأولى: النظر في أحوال رجال سنده واحدًا واحدًا (¬1). وسيأتي تفصيل الكلام على هذه المرتبة في "الشروط الواجب توفرها في الراوي" من شرائط قبول الحديث. الثانية: النظر في اتصاله. وسيأتي تناوله في الشروط المذكورة أيضًا. الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل على خطإ إن كان. وهذه تشمل: جمع طرق الخبر، مع السبر والاعتبار، والبحث عما يكون من علَّةٍ أو شذوذٍ أو غير ذلك. وسيأتي شيء من ذلك. الرابعة: النظر في الأدلة الأخرى مما يوافقه أو يخالفه. وهذه تشمل: جمع سائر الأخبار في الباب، والنظر فيما يتعلق بذلك الخبر من عام وخاص، ومطلق ومقيد، وناسخ ومنسوخ، ونحو ذلك، أي ما يتعلق بعلم الجمع والترجيح. ¬

_ (¬1) سبق التنبيه على أن محقق "الاستبصار" لم يقف إلا على المقالة الخاصة بتلك المرتبة، قال: ولا نعلم هل أتم الشيخ الكتاب أم فقد؟ وهو ضمن "مجموعة المعلمي" في مكتبة الحرم المكي الشريف.

شرائط قبول الحديث: أولًا: الشروط الواجب توفرها في المخبِر "الراوي". - الشرط الأول: الإسلام. - الشرط الثاني: البلوغ. - الشرط الثالث: العقل. - الشرط الرابع: العدالة. - الشرط الخامس: الضبط. وهذه الشروط الخمسة هي المندرجة تحت المرتبة الأولى من مراتب نقد الخبر، وهي محل البحث في الصفحات التالية. ثانيًا: شرط الاتصال؛ وسيبحث في المرتبة الثانية من مراتب نقد الخبر. ثالثًا: انتفاء الشذوذ والعلّة؛ وسيبحث ذلك في المرتبة الثالثة، وهي بأول المجلد الرابع من هذا الكتاب. * * *

الشرط الأول: الإسلام

أولًا: الشروط الواجب توافرها في الراوي الشرط الأول: الإسلام قال العلامة المعلمي في "الاستبصار" (ص 8 - 14): "شرط قبول الخبر أن يكون المُخْبِرُ حين أخبر به مسلمًا بالغًا عاقلًا عدلًا ضابطًا. أما الإسلام فلاشتراطه أدلةٌ، منها: أن عامة الأدلة على مشروعية العمل بخبر الواحد في الدين خاصة واردة في خبر المسلم، ومنها: قول الله تبارك وتعالى في المنافقين والرد عليهم: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التوبة: 61]. أي ويصدق المؤمنين. ومنها: قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6)} [الحجرات: 6]. والكفر من الفسق قال تعالى: {أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ (18)} إلى قوله: {وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} [السجدة: 20]. وقال سبحانه: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ} [البقرة: 99]. والآيات في ذلك كثيرة.

وتبادر "المسلم" من نحو قولك: "رأيت رجلًا فاسقا" من العرف الحادث بعد صَدْر الإسلام، وسببه أنها (¬1) صار الغالب إذا ذُكر الكافر أن يُذكر بلفظه الخاص به "كافر" أو ما يعطي ذلك مثل: يهودي، ونصراني، ومجوسي، وإذا ذُكر المسلم الذي ليس بعدل أن يذكر بنحو: فاسق، وفاجر، ومثل هذا العرف لا يعتد به في فهم القرآن. وغفل بعضهم عن هذا، فظن أن دخول الكافر في الآية إنما هو من باب الفحوى، قال: لأنه أسوأ حالًا من الفاسق. ونوقش في ذلك بأن الفسق مظنة التساهل في الكذب؛ إذ المانع من الكذب هو الخوف من الله عز وجل ومن عيب الناس، ومرتكب الكبيرة قد دل بارتكابه إياها على ضعف هذا الخوف من نفسه. وأما الكافر فقد يكون عدلا في دينه بأن يكون يحسب أنه على الدين الحق، ويحافظ على حدود ذلك الدين، ويخاف الله عز وجل والناس بحسب ذلك. أقول: في هذا نظر؛ فإن الحجة قد قامت على الكافر، فدل ذلك على كذبه في زعمه أنه يعتقد أن دينه حق. والكافر الذي بلغته دعوة الإسلام لا يخلو عن واحد من ثلاثة أمور: الأول: التقصير في البحث عن الدين الحق. الثاني: الهوى الغالب. الثالث: العناد. ولو برىء من هذه الثلاثة لأسلم، قال الله تبارك وتعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 68 - 69]. ¬

_ (¬1) كذا، والظاهر أن الصواب: "أنه".

وقد اتفقوا على أن من كان مسلما مخالطا للمسلمين، ثم ارتكب كبيرة قد قامت الحجة بأنها كبيرة؛ كأن ترك صوم رمضان، فهو فاسق، فإن زاد على ذلك فزعم أنه لا حجة عنده على تحريم ما ارتكبه كان مرتدا، وهو في باب الأخبار أسوأ حالًا من المسلم المرتكب الكبيرة مع اعترافه بأنها كبيرة. فإن قيل: إننا نجد من الكفار من يبالغ في تحري الصدق والأمانة حتى إن من يخبر حاله، ويتبع أخباره، قد يكون أوثق بخبره من خبر كثير من عدول المسلمين. قلت: وكذلك في فساق المسلمين ممن يترك الصلاة المفروضة -مثلا- من يكون حاله في إظهار تحري الصدق والأمانة كحال الكافر المذكور. وحَلُّ الإشكال من أوجه: الوجه الأول: أن الظاهر من حال الكافر والفاسق الذي يُعرف بتحري الصدق أن المانع له من الكذب: الخوفُ من الناس، وحُبُّ السمعة الحسنة بينهم، وعلى هذا فهذا المانع إنما يؤثر في الأخبار التي يَخاف من اطلاع الناس على جلية الحال فيها، فلا يؤمن ممن هذا حاله أن يكذب إذا ظن أنه لا يوقف على كذبه. الوجه الثاني: أنه لا يستنكر من الشارع أن لا يعتد بصدق مثل هذا؛ لأنه ليس بصدق يحمده عليه الشارع؛ إذ الباعث عليه هو رئاء الناس كما علمت. الوجه الثالث: أنه لو فرض أنه يحصل من الوثوق بخبره كما يحصل بخبر المسلم العدل، فقد يكون الشارع جعل كفر هذا الرجل أو فسقه مانعا من قبول خبره في الدين؛ زجرا له، وعونا له على نفسه، لعله يستنكف من تلك الحال فيتوب، ورفعا لتلك المرتبة العلية -وهي أن يدان بخبر الرجل- عمن لا يستحقها. الوجه الرابع: أن السبب الباعث على الحكم قد يكون خفيا، أو غير منضبط، فإذا كان هكذا فلو كَلَّفَ الشارعُ الناسَ ببناء الحُكم عليه، كان في ذلك مفاسد:

منها: أنه من باب التكليف بما لا يطاق. ومنها: أنه فتح لباب اتباع الهوى، ولكثرة الاختلاف واتهام الحكام، وغير ذلك. فاقتضت الحكمة أن يبني الشارع الحكم على أمر آخر يشتمل على ذلك السبب غالبا، ثم تكفل الله عز وجل بتطبيق العدل بقضائه وقدره. مثل ذلك: أن السبب الباعث على شرع العقوبة على ذنب هو الذنب، فإذا شرعت العقوبة على وجهين -مثلا- فإنما ذلك لاختلاف حال ذلك الذنب، فمن ذلك الزنا شرع الحد عليه على وجهين: الأول: الجلد. الثاني: الرجم. ولا يخفى أن الجلد أخف من الرجم، وأن حقه أن يكون الرجم عقوبة لمن يكون زناه جرما أغلظ من زنا من عقوبته الجلد، ولكن الغلظ والخفة في الإجرام بالزنا لا ينضبط؛ لأنَّ شديد الشهوة أقرب إلى العذر من ضعيفها، وشدتها وضعفها أمر خفي وغير منضبط، والعاشق أقرب إلى العذر من غيره، والعشق يَخْفى ولا ينضبط، والمصادف للمرأة بغتة أقرب إلى العذر من المتصدي لها، والعاجز عن التزوج بالمرأة أقرب إلى العذر من القادر على زواجها، في أمور أخر. فلذلك عَلَّقَ الشارعُ الفرقَ بالإحصان وعدمه؛ لأنَّ الغالب أن يكون المحصن أضعف عذرا من غيره، على أنه قد يتفق خلاف ذلك، فقد يكون شاب فقير، قوي البنية، شديد الشهوة، عاشقا لامرأة، عاجزا عن التزوج بها، وهو يحبس نفسه عن التعرض لها، والقرب من مكانها، ثم حاول أن يدافع داعيته، فتزوج امرأة فقيرة، فبات معها ليلة فهلكت، ثم لم يستطع الزواج بغيرها، ولم تزل نفسه متعلقة بمعشوقته، فبينا هو ليلة في خلوة لم يفجأه إلا دخول معشوقته عليه، ورميها نفسها بين ذراعيه، فلم يتمالك أن كان ما كان.

وآخر غني، ضعيف البنية، ضعيف الشهوة، لم يتزوج حتى شاخ وضعف، فتعرض مرة لامرأة لو شاء لتزوجها، ولكنه لم يلتفت إلى ذلك، بل تبعها ووقع عليها، فظاهرٌ أن ذنب هذا الشيخ الذي لم يحصن أغلظ من ذنب ذلك الشاب الذي قد أحصن بدرجات، ولكن مع ذلك حَدّ الشاب المحصن الرجم، وحَدّ الشيخ الذي لم يحصن الجلد. إلا أننا نقول: إن الحكمة اقتضت في القانون الكلي أن يُناط الفرقُ بالإحصان وعدمه، والله سبحانه وتعالى هو الرقيب على عباده، يطبق العدل بقضائه وقدره، كأن يستر ذلك الشاب، ويفضح هذا الشيخ، أو غير ذلك، فإنه سبحانه بكل شيء خبير، وعلى كل شيء قدير. ومن ذلك: القاتل إذا تعمد الضرب قد تكون عقوبته الدية، وقد تكون القتل قودا، والمعقول أن جرمه إنما يختلف بأن يكون قصد القتل أو لم يقصده، ولكن قصده القتل أمر خفي لا يعلم كما ينبغي إلا بقوله، والقاتل غالبا يدفع عن نفسه القتل، فهو وإن قصد القتل -حري بأن يقول: لم أقصده، والقرائن عامتها تشتبه، فناط الشارعُ الفرقَ بأقوى القرائن، وهي الآلة، وموضع الضرب بها، فإن كان الضرب في ذلك المكان من قِبل تلك الآلة من شأنه أن يَقتل حُكم بالقود؛ إذ الغالب أن القاتل قصد القتل، وإلا فلا، وكأنه -والله أعلم- بناء على هذا ذهب مالك: إلى أن الوالد إذا قتل ولده قتلة شنيعة كأن أضجعه فذبحه وجب القصاص، وإلا فلا، كأنه بنى دفع القصاص عن الوالد بأن الغالب أنه لا يقصد القتل، فلم يوجب القصاص عليه إلا في الحال التي يمتنع فيها أن يكون لم يقصد القتل.

هذا وقد يتفق في مَن حقُّه بحكم الشرع أن يُقاد منه أن لا يكون قصد القتل، وفي مَن حقُّه أن لا يُقاد منها (¬1) أنه قصد القتل، فمثل هذا يطبق الله سبحانه وتعالى العدل فيه بقضائه وقدره. إذا تقرر هذا فمظنته (¬2) أن لا يكذب المخبِر في خبر عن الشرع مما لا ينضبط، فضبطه الشارع بالإِسلام والعدالة، وقد يتفق في المسلم العدل أن يكذب خطأ أو عمدًا، وفي غيره أن يصدق، ولكن الله تبارك وتعالى يطبق العدل بقضائه وقدره، فيهدي أهل العلم إلى معرفة خطأ ذلك أو عمده، ويغنيهم عن خبر الكافر أو الفاسق بأن ييسر لهم علمه من غير طريقه. فإن قيل: قد لا يهتدي بعضهم إلى الخطأ، وقد لا يقف بعضهم على الطريق. قلت: إن قصَّر فهو الموقع نفسه في ذلك، وإن لم يُقَصِّر فذلك داخل في تدبير الله عز وجل، وتطبيقه العدل، والحكم بقضائه وقدره، والبحث طويل، وفي هذا كفاية. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) كذا، والظاهر أن الصواب: "منه". (¬2) كذا، ويظهر أن الصواب: "فمظنة".

الشرط الثاني: البلوغ

الشرط الثاني: البلوغ قال المعلمي في "الاستبصار" (ص 15): "وأما البلوغ فهو حَدُّ التكليف، ولا يتحقق الخوف من الله عز وجل والخوف من الناس إلا بعده؛ لأن الصبي مرفوع عنه القلم، فلا يخاف الله عز وجل، وكذلك لا يخاف الناس؛ لأنهم إن ظهروا على كذبٍ منه قالوا: صبي، ولعله لو قد بلغ وتمَّ عقلُه لتحرز، ومع هذا فلا تكاد تدعو الحاجة إلى رواية الصبي؛ لأنه إن روى فالغالب أن المروي عنه حي، فيُراجع، فإن كان قد مات فالغالب إن كان الصبي صادقًا أن يكون غيره ممن هو أكبر قد سمع من ذلك المخبر أو غيره، فإن اتفق أن لا يوجد ذلك الخبر إلا عند ذلك الصبي فمثل هذا الخبر لا يوثق به. هذا، وعامَّةُ الأدلة على شرع العمل بخبر الواحد موردها في البالغين. اهـ. قال أبو أنس: ما ذكره الشيخ المعلمي: ينطبق على الراوي حال الأداء، أما التحمّل ففي الكُتب المعنية بهذا الشأن جدلٌ وكلامٌ لكبار الأئمة بهذا الصدد، أرى من تمام الفائدة أن ألقي الضوء عليها: • فمن أول من تعرض لهذه المسألة: الرامهرمزي في كتاب "المحدث الفاصل" ففيه باب: "القول في أوصاف الطالب والحد الذي إذا بلغه صلح يطلب فيه". وهو باب طويل، أسند فيه إلى ابن عيينة قوله: قال الزهري: ما رأيت طالبا للعلم أصغر منه، يعنيني، وسمعت منه وأنا ابن خمس عشرة سنة. قال الرامهرمزي: وقد أخبر ابن عيينة من رواية الجوهري أنه كتب عن الزهري وهو ابن خمس عشرة، فصار بين ابتداء كتبه عنه إلى يوم توفي الزهري سنتان أو نحوهما، واستصغره الزهري لخمس عشرة، وهي حدّ البلوغ عند مالك والشافعي وأبي يوسف ومحمد.

ثم قال: وحكى لي حال أن الأوزاعي سُئل عن الغلام يكتب الحديث قبل أن يبلغ الحدَّ الذي تجري عليه فيه الأحكام؟ فقال: إذا ضبط الإملاء جاز سماعه وإن كان دون العشر، واحتج بحديث سبرة بن معبد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر". قال: وهذه حكاية عن الأوزاعي لا أعرف صحتها، إلا أنها صحيحة الاعتبار؛ لأنَّ الأمر بالصلاة والضرب عليها إنما هو على وجه الرياضة، لا على وجه الوجوب. وكذلك كَتْبُ الحديث، إنما هو لِلِّقاء وتحصيل السماع، وإذا كان هذا هكذا فليس المعتبر في كَتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يُعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط. قال: وقد دَلَّ قولُ الزهري: ما رأيت طالبا للعلم أصغر من ابن عيينة، على أن طلاب الحديث عصر التابعين كانوا في حدود العشرين، وكذلك يُذكر عن أهل الكوفة ... وذكر أخبارا في ذلك. ثم قال: ولو كان السماع لا يصح إلا بعد العشرين لسقطت رواية كثير من أهل العلم سوى من هو في عداد الصحابة ممن حفظ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو صغير، ثم ذكر من هؤلاء: الحسن بن علي، وعبد الله بن عباس، قال: وقال علي بن المديني: حفظ المسور بن مخرمة وهو ابن ثمان، وحفظ عمر بن أبي سلمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن سبع سنين، وكذلك السائب بن يزيد، وكذلك سهل بن أبي حثمة وثابت بن الضحاك الأشهلي، هؤلاء أبناء ثمان سنين، فأما عبد الله بن حنظلة الراهب، فإن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو ابن سبع سنين، وله رواية. قال: وقال أحمد بن حنبل: حدثني ثابت بن الوليد بن عبد الله بن جميع حدثني أبي قال: قال أبو الطفيل: أدركت ثماني سنين من حياة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وولدت عام أحد. وإلى مسلمة بن مخلد قال: قدم النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة وأنا ابن أربع سنين، ومات وأنا ابن أربع عشرة.

ثم ذكر حكايات في حضور ما عُبِّرَ عنه بـ"الصبيان" مجالس بعض المشايخ مثل: الأعمش، وحماد بن سلمة، وعبد الله بن المبارك، وإسماعيل بن رجاء، ثم ذكر حكاية عن ابن عيينة استدل بها على أنه حفظ عن عبدة بن أبي لبابة وهو ابن عشر أو في حدودها. • ثم جاء الخطيب فذكر في كتابه "الكفاية" (ص 54) بابًا في: "ما جاء في صحة سماع الصغير"، صدَّره بقوله: قد اختلف أهل العلم في التحمُّل قبل البلوغ، فمنهم من صحح ذلك، ومنهم من دفع صحته. قال: قلَّ من كان يثبت -وفي رواية: يكتب- الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حدَّ البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكرتهم وسؤالهم. وقيل إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة، ويشتغل قبل ذلك بحفظ القرآن وبالتعبد. وقال قوم: الحد في السماع خمس عشرة سنة: وقال غيرهم: ثلاث عشرة، وقال جمهور العلماء: يصح السماع لمن سنه دون ذلك، وهذا عندنا هو الصواب. ثم ذكر الخطيب حكايات عن بعض العلماء تؤيد ما ذكره آنفا، ثم نقل عن الرامهرمزي -وهو ابن خلاد- ما نقلناه عنه قريبا في سماع جماعة من الصحابة وهم صبية، وزاد: وتزوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عائشة وهي بنت ست سنين، وابتنى بها وهي بنت تسع، وروت عنه ما حفظته في ذلك الوقت. وروى معاوية بن قرة المزني عن أبيه قال: كنت غلاما صغيرا فمسح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رأسي ودعا لي. ... وممن كثرت الرواية عنه من الصحابة وكان سماعه في الصغر: أنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وأبو سعيد الخدري. وكان محمود بن الربيع يذكر أنه عقل مجة مجها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو كان معلقا في دارهم، وتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وله خمس سنين.

ثم ذكر الخطيب بأسانيده سماع طائفة من الصحابة من النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم صغار، ثم ذكر جماعة كسعيد بن عامر وسفيان بن عيينة احتج أهل العلم بروايتهم ما سمعوه قبل الاحتلام. ثم أسند الخطيب إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي: متى يجوز سماع الصبي في الحديث؟ فقال: إذا عقل وضبط. قلت: فإنه بلغني عن رجل سميته أنه قال: لا يجوز سماعه حتى يكون له خمس عشرة سنة؛ لأنَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- رد البراء وابن عمر استصغرهم يوم بدر، فأنكر قوله هذا، وقال: بئس القول، يجوز سماعه إذا عقل، فكيف يصنع بسفيان بن عيينة ووكيع، وذكر أيضًا قوما. وفي رواية لاحقة عن أحمد أيضًا: "إنما ذلك في القتال، يعني: ابن خمس عشرة سنة"، أو كلاما ذا معناه، وفي أخرى: سئل عن سماع الصغير متى يصح؟ قال: إذا عقل. وسئل عن إسحاق بن إسماعيل وقيل له: إنهم يذكرون أنه كان صغيرا، فقال: قد يكون صغيرا يضبط. قيل له: فالكبير وهو لا يعرف الحديث ولا يعقل؟ قال: إذا كتب الحديث فلا بأس أن يرويه. قال الخطيب: أراد أبو عبد الله بذلك أن يكون الكبير يضبط كتابه، غير أنه لا يعرف علل الأحاديث واختلاف الروايات ولا يعقل المعاني واستنباطها، فمثل هذا يكتب عنه لصدقه وصحة كتابه وثبوت سماعه. وممن قال بما استنكره أحمد: ابن معين. فأسند الخطيب إلى عباس الدوري قال: سمعت يحيى بن معين يقول: حد الغلام في كتاب الحديث: أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة، أو كما قال (¬1). ¬

_ (¬1) قال السخاوي في "فتح الغيث" (2/ 12): "على أن قول ابن معين هذا يُوَجَّهُ بحمله على إرادة تحديد ابتداء الطلب بنفسه، أما من سمع اتفاقا أو اعتُني به فسُمِّعَ وهو صغير فلا". وهذا قاله ابن حجر في "الفتح" (1/ 206) بلفظه.

وإلى أبي داود السجستاني قال: سمعت الحسن بن علي يعني الحلواني يقول: سمعت يزيد يعني ابن هارون يقول: مقدار الغلام عندنا في الحديث يعني ثلاث عشرة سنة، ثم أورد الخطيب حديثا لحفص بن غياث من رواية علي بن المديني عنه، وذكر ابن المديني عن حفص قوله: سمعت هذا الحديث من سبعين سنة ولم أبلغ عشر سنين. ثم اسند إلى الرامهرمزي ما نقلناه عنه آنفا حتى قوله: ... فليس المعتبر في كتب الحديث البلوغ ولا غيره، بل يعتبر فيه الحركة والنضاجة والتيقظ والضبط. فقال الخطيب: قد تقدمت منا الحكاية عن بعض أهل العلم أن السماع يصح بحصول التمييز والإصغاء حسب، ولهذا بكروا بالأطفال في السماع من الشيوخ الذين علا إسنادهم. ثم ذكر شواهد على ذلك، منها: رواية الدبري عن عبد الرزاق، وقد مات الثاني وللأول ست سنين أو سبع، قال الخطيب: روى الدبري عن عبد الرزاق عامّة كتبه، ونقلها الناس عنه، وسمعوها منه. ومنها: رواية القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي عن أبي علي اللؤلؤي كتاب "السنن" لأبي داود وأكبر سن سمعه فيه وله خمس سنين. قال الخطيب: واعتد الناس بذلك السماع ونقل عنه الكتاب عامةُ أهل العلم من حفاظ الحديث والفقهاء وغيرهم. ثم ذكر حالات كأنها نادرة مستظرفة في سماع البعض في سن الرابعة، وأخرى في سن أقل من الثالثة. ثم أسند إلى موسى بن هارون الحمال وسأله أبو القاسم عبيد الله بن أحمد بن بكير التميمي: متي يسمع الصبي الحديث؟ فقال: إذا فرق بين البقرة والحمار. ثم عاد الخطيب بعد أبواب، فذكر فصل (ص 76) قال فيه: قد ذكرنا حكم السماع، وأنه يصح قبل البلوغ، وأما الأداء بالرواية فلا يكون صحيحا يلزم العمل به إلا بعد البلوغ، ويجب أيضًا أن يكون الراوي في وقت أدائه عاقلا مميزا.

واستدل الخطيب على ذلك بحديث أبي الضحى عن علي (ولم يدركه) عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يفيق" (وفي الحديث خلاف كثير، وفي رفعه ووقفه وغير ذلك، راجع نصب الراية 4/ 209). قال الخطيب: ولأن حال الراوي إذا كان طفلا أو مجنونا دون حال الفاسق من المسلمين، وذلك أن الفاسق يخاف ويرجو ويتجنب ذنوبا ويعتمد قربات، وكثير من الفساق يعتقدون أن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والتعمد له ذنب كبير وجرم غير مغفور، فإذا كان خبر الفاسق الذي هذه حاله غير مقبول، فخبر الطفل والمجنون أَوْلى بذلك، والأمة مجمعة على ما ذكرناه، لا نعرف بينها خلافا فيه. هذا آخر ما أورده الخطيب حيال هذه القضية. ولخص أبو عمرو بن الصلاح ذلك، وجمع شتاته في النوع الرابع والعشرين من كتابه "معرفة علوم الحديث" (ص 241) فقال: "يصح التحمل قبل وجود الأهلية، فتقبل رواية من تحمل قبل الإسلام وروى بعده، وكذلك رواية من سمع قبل البلوغ وروى بعده، ومنع من ذلك قوم فأخطئوا؛ لأن الناس قبلوا رواية أحداث الصحابة كـ: الحسن بن علي، وابن عباس، وابن الزبير، والنعمان بن بشير، وأشباههم من غير فرق بين ما تحملوا قبل البلوغ وما بعده، ولم يزالوا قديما وحديثا يحضرون الصبيان مجالس التحديث والسماع، ويعتدون بروايتهم لذلك، والله أعلم". ثم قال بعد قليل: "أما الاشتعال بكتبة الحديث وتحصيله وضبطه وتقييده، فمن حين يتأهل لذلك ويستعد له، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وليس ينحصر في سن مخصوص".

ثم ذكر الاختلاف في أول زمان يصح فيه سماع الصغير، فأورد ما سبق نقله عن موسى بن هارون، وأحمد بن حنبل في ذلك. ثم نقل عن القاضي عياض قوله: قد حدد أهل الصنعة في ذلك أن أقله سن محمود بن الربيع. وذكر رواية البخاري في "صحيحه" بعد أن ترجم: "متى يصح سماع الصغير" بإسناده عن محمود بن الربيع قال: عقلت من النبي -صلى الله عليه وسلم- مجة مجها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلو -وفي رواية أخرى- أنه كان ابن أربع سنين. هذا ما نقله عن القاضي وأزيد عنه قوله: وليعلم إنما أرادوا أن هذا السن أقل ما يحصل به الضبط وعقل ما يسمع وحفظه وإلا فمرجع ذلك للعادات؛ فرب بليد الطبع غبي الفطرة لا يضبط شيئًا فوق هذا السن. ثم قال ابن الصلاح: "التحديد بخمس هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس فصاعدا: سمع، ولمن لم يبلغ خمسًا: حضر، أو أُحضر. والذي ينبغي في ذلك أن نعتبر في كل صغير حاله على الخصوص، فإن وجدناه مرتفعا عن حال من لا يعقل فهما للخطاب وردا للجواب ونحو ذلك صححنا سماعه، وإن كان دون خمس، وإن لم يكن كذلك، لم نصحح سماعه وإن كان ابن خمس بل ابن خمسين". ثم قال بعد: "وأما حديث محمود بن الربيع فيدل على صحة ذلك من ابن خمس مثل محمود، ولا يدل على انتفاء الصحة فيما لم يكن ابن خمس، ولا على الصحة فيمن كان ابن خمس ولم يميز تمييز محمود -رضي الله عنه-، والله أعلم. اهـ

قال أبو أنس: مع صحة سماع من يُميز ما يسمعه، دون التقيد بسن في ذلك كما سبق رجحانه، فإن الأئمة لم يُنزلوا سماعَ الصغير والكبير منزلة واحدة، فإن من الأسباب التي ربما أعلوا بها رواية رجل عن شيخه إذا قامت القرائن عندهم على ذلك: استصغار الرجل في شيخه؛ كما قيل في: قبيصة بن عقبة السوائي في سفيان الثوري، وابن وهب في ابن جريح، ومعمر في قتادة وأبي بكر بن أبي الأسود في ابن عيينة، وإسحاق بن إسماعيل الطالقاني في نحو جرير بن عبد الحميد، وغيرهم. وممن تكلم في بعض هذا السماع للصغر: أحمد بن حنبل، وهو الذي سبق النقل عنه أنه يرى أن الصغر ليس يلزم معه عدم الضبط، وترى شرح ذلك بشيء من التفصيل في رسالتي "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل". والله تعالى الموفق. * * *

الشرط الثالث: العقل

الشرط الثالث: العقل وقال (ص 15) أيضًا: "وأما العقل فالأمر فيه أظهر؛ إذ المراد هنا أن لا يكون مجنونًا، فأما المغفَّل فيأتي الكلام فيه في الباب الخامس (¬1) إن شاء الله تعالى. الشرط الرابع: العدالة وفيه مباحث: المبحث الأول: في معنى العدالة. المبحث الثاني: في ذكر بعض شروط تحقيق العدالة. أولًا: هل يكفي أن يكون المُعَدِّلُ واحدًا أم يشترط التعدد؟ ثانيًا: هل يشترط أن يكون المعَدِّلُ معاصرًا لمن يعدِّله؟ المبحث الثالث: في عدالة الصحابة. المبحث الرابع: في عدالة التابعين. المبحث الخامس: في أوجه الطعن في العدالة. * * * ¬

_ (¬1) هو الباب المتعلق بـ"الضبط" ولم يوجد في الجزء المطبوع من "الاستبصار" كما سبق التنبيه عليه لكن سيأتي الكلام عليه فيما يتعلق بأوجه الخلل في الضبط في موضعه إن شاء الله تعالى.

المبحث الأول في معنى العدالة

المبحث الأول في معنى العدالة قال العلامة المعلمي في "الاستبصار" (ص 16): "والعدالة مصدر عدل الرجل صار عادلًا، والعدل في الحكم: الإنصاف فيه، كأنه من عدل الغِرَارَتين (¬1) على البعير مثلا، أي التسوية بينهما حتى تكونا متعادلتين، فيبقى الحمل معتدلًا مستقيمًا لا ميل فيه، فالعدل في الحكم إذًا: أن ننظر ميل المائل عن الحق فيرده (¬2) إليه، وحاصله أن يُتحرى الحق فيقضي به. فالعدالة إذًا: هي الاستقامة على حدود الشرع، والفسق هو الخروج عن هذه الصفة، قالوا: وأصله من فسقت الرطبة إذا خرجت عن قشرتها. اهـ. قال أبو أنس: تعريف العدالة إجمالا: هو ملكة في الشخص تحمله على ملازمة التقوى والمروءة. وسيأتي شيء من ذلك في الكلام على الوجه الخامس والسادس من أوجه الطعن في العدالة من المبحث الخامس منه. سؤال: هل تقتضي العدالةُ انتفاءَ "هوى النفس" عن صاحبها؟ قال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل" وهي "رواية المبتدع": ¬

_ (¬1) الغِرارَةُ: وعاء من الخيش ونحوه يوضع فيه القمح ونحوه. "المعجم الوسيط". (¬2) كذا في المطبوع والظاهر أن الصواب: "فنرده".

"قد عَرَّفَ أهلُ العلم العدالةَ بأنها "ملكة تمنع عن اقتراف الكبائر وصغائر الخسّة ... " زاد السبكي: "وهوى النفس"، وقال: "لا بد منه، فإن المتقي للكبائر وصغائر الخسّة مع الرذائل المباحة قد يتبع هواه عند وجوده لشيء منها فيرتكبه، ولا عدالة لمن هو بهذه الصفة". نقله المحلى في "شرح جمع الجوامع" لابن السبكي، ثم ذكر أنه صحيح في نفسه ولكن لا حاجة إلى زيادة القيْد، قال: "لأن من عنده ملكة تمنع عن اقتراف ما ذكر ينتفي عنه اتباع الهوى لشيء منه، وإلا لوقع في المهوي فلا يكون عنده ملكة تمنع منه". أقول: ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة، وإنما المحذور اتباع الهوى. ومقصود السبكي تنبيه المعدِّلين، فإنه قد يخفى على بعضهم معنى "الملكة" فيكتفي في التعديل بأنه قد خبر صاحبه فلم يره ارتكب منافيًا للعدالة فيعدِّله، ولعله لو تدبَّر لعلم أن لصاحبه هوى غالبًا يُخشى أن يحمله على ارتكاب منافي العدالة إذا احتاج إليه وتهيأ له، ومتى كان الأمر كذلك فلم يغلب على ظن المعدِّل حصول تلك الملكة وهي العدالة لصاحبه، بل إما أن يترجح عنده عدم حصولها فيكون صاحبه ليس بعدل، وإما أن يرتاب في حصولها لصاحبه، فكيف يشهد بحصولها له؟ كما هو معنى التعديل. وأهل البدع كما سماهم السلف: "أصحاب الأهواء" واتّباعهم لأهوائهم في الجملة ظاهر، وإنما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يُؤمن كذبه. وفي "الكفاية" للخطيب (ص 123) عن علي بن حرب الموصلي: "كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي". يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك، فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته.

هذا إذا كانت حجج السنة بينة، فالمخالف لها لا يكون إلا معاندًا أو متبعًا للهوى معرضًا عن حجج الحق، واتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق قد يفحش جدًّا حتى لا يحتمل أن يعذر صاحبه، فإن لم يجزم أهل العلم بعدم العذر فعَلَى الأقَلّ لا يمكنهم تعديل الرجل، وهذه حال الداعية ... فأما غير الداعية فقد مَرَّ نقل الإجماع على أنه كالسني، إذا ثبتت عدالته قبلت روايته ... ". * * *

المبحث الثاني في ذكر بعض شروط تحقيق العدالة

المبحث الثاني في ذكر بعض شروط تحقيق العدالة الشرط الأول هل يكفي أن يكون المُعَدِّلُ واحدًا، أم يشترط التعدد؟ تمهيد: قال أبو بكر الخطيب البغدادي في "الكفاية" (ص 96): باب القول في العدد المقبول تعديلهم لمن عَدَّلُوه: قال بعض الفقهاء: لا يجوز أن يقبل في تعديل المحدث والشاهد أقل من اثنين، وردوا ذلك إلى الشهادة على حقوق الآدميين، وأنها لا تثبت بأقل من اثنين. وقال كثير من أهل العلم: يكفي في تعديل المحدث المزكي الواحد، ولا يكفي في تعديل الشاهد على الحقوق إلا اثنان. وقال قوم من أهل العلم: يكفي في تعديل المحدث والشاهد تزكية الواحد إذا كان المزكي بصفة من يجب قبول تزكيته. والذي نستحبه أن يكون من يزكي المحدث اثنين للاحتياط، فإن اقتصر على تزكية واحد أجزأ، يدل على ذلك أن عمر بن الخطاب قَبِلَ في تزكية سُنين أبي جميلة قولَ عريفه، وهو واحد ... (¬1). ¬

_ (¬1) ذكر الخطيب هنا خبر عمر هذا، وسيأتي تحقيق ما فيه من كلام المعلمي رحمه الله تعالى.

ويدل على ذلك أيضًا أنه قد ثبت وجوب العمل بخبر الواحد، فوجب لذلك أن يُقبل في تعديله واحد ... (¬1). تحقيق العلامة المعلمي لهذا المبحث: قال في "الاستبصار" (ص 41): "أما المعدِّل فشرطه أن يكون في نفسه بالغًا، عاقلا، عدلا، عارفا بما يثبت العدالة وما ينافيها، ذا خبرة بمن يعدله، ولا بد أن يكون متيقظًا، عارفا بطباع الناس وأعرافهم. وهل يكفي الواحد؟ اختلف في ذلك: فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: لا بد من ثلاثة، واحتج بما في "صحيح" مسلم (¬2) من حديث قبيصة بن المخارق عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمَّل حمالة ... ورجل أصابته فاقةٌ حتى يقول ثلاثةٌ من ذوي الحِجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقةٌ، فحلَّت له المسألة حتى يُصيب قِواما من عَيش". قال أبو عبيد: "وإذا كان هذا في حق الحاجة فغيرها أولى" "فتح المغيث" (ص 123). أقول: ومما يساعده أن العدالة تتعلق بما يخفى من حال الإنسان كالحاجة. ولكن يَرِدُ عليه أمورٌ: منها: أن هذا الحديث تفرد به عن قبيصة: كنانة بن نعيم، ولم يُعَدِّلْهُ ثلاثة ... وإنما قال ابن سعد: "فهو معروف ثقة إن شاء الله" فلم يجزم، ووثقه العجلي، وسيأتي في بحث المجهول أن في توثيقه نظر، وأن مذهبه قريب من مذهب ابن حبان، ووثقه ¬

_ (¬1) سأنقل تتمة هذا الاستدلال عند مناقشة المعلمي له قريبًا. (¬2) رقم (1044).

ابن حبان، ومذهبه معروف في التسامح، ويأتي بيانه -أيضًا-، فإذا عددنا إخراج مسلم لحديثه توثيقا، فلم يَسلمْ له إلا مسلم. الأمر الثاني: أن هؤلاء كلهم لم يدركوا كنانة، وإنما وثقوه بناء على مذاهبهم أن من روى عنه الثقات، ولم يجرح، ولم يأت بمنكر، فهو ثقة، وسيأتي الكلام في هذا - إن شاء الله تعالى. الأمر الثالث: ظاهر الحديث أنه لا يحل لمحتاج المسألة حتى يقوم ثلاثة من ذوي الحجا من قومه فيخبرون أنه نزلت به فاقة، ولا يُعرف أحدٌ قال بهذا، بل مدار الحِلِّ عند أهل العلم على نفس الحاجة، فإن احتاج في نفسه إلى المسألة حلَّت له، ولا نعلم أحدا تكلف العمل بهذا، وليس هذا من ردِّ السنة بعدم العمل بموافقٍ لها، أو عاملٍ بها، المقصود أن مثل هذا قد يُستنكر فيصير الحديث منكرا، فيقدح في راويه -أعني: كنانة بن نعيم- مع قِلِّة مَا لَه من الحديث ومع أنه في حديثه هذا شيء من الاختلاف: فرواه حماد بن زيد عن هارون بن رئاب عن كنانة كما مَرَّ. ورواه ابن عيينة عن هارون، فقال في أوله: "إن المسألة لا تصلح" وقال مرة: "حرمت" أخرجه أحمد في "المسند" (3/ 475). ورواه إسماعيل بن علية عن أيوب عن هارون، فلم يذكر محل الشاهد أصلًا، بل قال: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة ... ورجل أصابته فاقة فيسأل حتى يصيب قواما من عيش" أخرجه أحمد في "المسند" (5/ 60). الأمر الرابع: أن مقتضى حمل الشاهد والمخبر على المحتاج: أن لا يحل أن يشهد أحد أو يخبر حتى يعدله ثلاثة، وهذا لا قائل به، ولا يُعلم واحد فضلا عن ثلاثة عَدَّلَ كنانة قبل أن يخبر. الأمر الخامس: أن الأولوية التي ادعاها أبو عبيد غير ظاهرة، بل الصواب عكس ما قال: وبيان ذلك أن الحكمة في تحريم المسألة حتى يشهد ثلاثة من ذوي الحجا من

قومِ مَنْ يريدُ المسألة هي أولًا: منع أهل الستر عن المسألة بدون حاجة؛ لأن أحدهم يرى أنه لو استشهد ثلاثة من قومه لا يشهدون له، وإن أقدم على المسألة بدون شهادة كان عند الناس أنه أقدم على محرم، وهو يكره ذلك محبة الستر. وثانيًا: شَرْعُ طريقٍ يُرجى أن يَستغني بها المحتاج من أهل الصلاح أو الستر، فلا يحتاج إلى المسألة البتة، وإيضاحه أنه لا يقدم على المسألة بدون استشهاد فيضطر إلى أن يطالب ثلاثة من ذوي الحجا من قومه بأن يشهدوا له، ولا ريب أنهم إذا علموا حاجته وجب عليهم أحد أمرين: إما أن يقوموا فيشهدوا، وإما أن يواسوه من أموالهم بما يغنيه عن المسألة، ولعل هذا الثاني يكون أيسر عليهم؛ لأنهم يرون أن اقتصارهم على أن يقوموا فيشهدوا يحمل الناس على أن يرموهم باللؤم، ويقول الناس: أما كان في أموال هؤلاء الثلاثة متسع لأن يواسوا ابن عمهم بما يسد فاقته إلى أن يجد قواما من عيش؟! ولهذا -والله أعلم- شرط في الحديث أن يكونوا من قومه، وأن يكونوا من ذوي الحجا، وأن يكونوا ثلاثة؛ لأن الغالب أن الثلاثة لا يكونون كلهم فقراء أو لؤماء. وعلى فرض أنهم قاموا فشهدوا، فالغالب أن قومه عندما يسمعون شهادة الثلاثة من ذوي الحجا فيهم يجمعون له ما يكفيه بدون أن يحتاج إلى مسألة، وعلى هذا قد أغنى الله عز وجل ذلك المحتاج بدون أن يحتاج إلى مسألة؛ لأن مطالبة الثلاثة بأن يشهدوا ليس مسألة لهم، وإظهاره الحاجة ليس بمسألة صريحة، وإظهاره العزم على المسألة ليس بمسألة فتدبر، وليس في الشهادة والإخبار أثر لهذا المعنى، على أن المحتاج مضطر إلى أن يستشهد الثلاثة، فلا يكون في اشتراط ذلك مفسدة، والشاهد والمخبر غير مضطرين إلى الشهادة والإخبار، بل إن شروط أن يتقدم تعديل الثلاثة على الشهادة والإخبار -ما هو مقتضى حملهما على المسألة كما مَرَّ- وجد الشاهد عذرًا لعدم حضوره إلى الحاكم، وأما المخبر فيجد عذرا لكتمانه العلم.

وقال جماعة: لا بد من اثنين، قال السخاوي في "فتح المغيث" (ص 123): حكاه القاضي أبو بكر بن الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة وغيرهم؛ لأن التزكية صفة فيحتاج في ثبوتها إلى عدلين، كالرشد والكفاءة وغيرهما، وقياسا على الشاهد بالنسبة لما هو المرجح فيها عند الشافعية والمالكية، بل هو قول محمد بن الحسن، واختاره الطحاوي. وعارض الخطيب في الكفاية (ص 47) (¬1) هذا القياس بقياس آخر (¬2) حاصله أنه لا يكفي في شهود الزنا إلا أربعة، ومع ذلك اكتفي في إثبات الإحصان الذي به ثبت الرجم باثنين، وقد اكتفي في إثباتها بدون ما اكتفي به في الأخبار، إلا أنه غير ممكن. وكأن الخطيب عدل عما هو أوضح في هذا خوف النقض؛ وذلك أن أوضح من هذا أن يقال: لم يكتف في عدد شهود الزنا بأقل من أربعة واكتفى في عدد مزكيهم باثنين وواحد عند قوم، فقياس ذلك أن يكفي في عدد مزكي المخبر دون ما يكفي في عدد المخبر، ونقضه أن يقال: قد اكتفى قوم في الأموال بشاهد ويمين، ولم يكتفوا في تعديل هذا الشاهد إلا باثنين اتفاقا. ¬

_ (¬1) كذا في "الاستبصار"، وصوابه (ص 97). (¬2) قال الخطيب في "الكفاية" (ص 97): "ويدل على ذلك أيضًا -يعني إجْزَاء تزكية الواحد- أنه قد ثبت وجوب العمل بخبر الواحد، فوجب لذلك أن يقبل في تعديله واحد، وإلا وجب أن يكون ما به ثبتت صفة من يقبل خبره آكد مما يثبت وجوب قبول الخبر والعمل به، وهذا بعيد؛ لأن الاتفاق قد حصل على أن ما به تثبت الصفة التي بثبوتها يثبت الحكم أخفض وأنقص في الرتبة من الذي يثبت به الحكم. ولهذا وجب ثبوت الإحصان الذي بثبوته يجب الرجم بشهادة اثنين، وإن كان الرجم لا يثبت بشهادة اثنين. فبان بذلك أن ما يثبت به الحكم يجب أن يكون أقوى مما تثبت به الصفة التي عند ثبوتها يجب الحكم. وكذلك يجب أن يكون ما به تثبت عدالة المحدث أنقص مما به يثبت الحكم بخبره، والحكم في الشرعيات يثبت بخبر الواحد، فيجب أن تثبت تزكيته بقول الواحد، ولو أمكن ثبوتها بأقل من تزكية واحد لوجب أن يقال بذلك لكي يكون ما به تثبت صفة المخبر أخفض مما به يثبت الحكم، غير أن ذلك غير ممكن". اهـ

وهذا كله حِجَاج (¬1)، والصواب إنما هو النظر في النصوص، فإن وجد فيها دلالة بَيِّنَةً فذاك، وإلا نظر في التعديل: أشهادة هو، أم خبر، أم شهادة في تعديل الشاهد وخبر في تعديل المخبر؟ فإن تعين واحدٌ من هذه الثلاثة فذاك وإلا نظر في الحكمة التي لأجلها فرق الشارع بين الشهادة والخبر، ثم ينظر في التعديل: أَمِثْل الشهادة في تلك الحكمة، أم كالخبر؟ فهذه ثلاثة مسالك. فأما النصوص فهاكها: فمنها: حديث "الصحيحين" (¬2) عن أنس في الثناء على الميت وفيه: "مر بجنازة فأثنوا عليها خيرا. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت"، ثم مروا بأخرى فأثنوا عليها شرا. فقال: "وجبت"، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: ما وجبت؟ قال: "هذا أثنيتم عليه خيرا فوجبت له الجنَّة، وهذا أثنيتم عليه شرا فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض". ولهما (¬3): من طريق أبي الأسود عن عمر نحو هذه كقصته، فقال أبو الأسود: فقلت: وما وجبت يا أمير المؤمنين؟ قال: قلت كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة فقلنا: وثلاثة؟ قال: وثلاثة، فقلنا: واثنان؛ قال: واثنان، ثم لم نسأله عن الواحد". فورد تفسير هذا بما رواه أحمد وابن حبان والحاكم في حديث أنس مرفوعًا: "ما من مسلم يموت فيشهد له أربعة من جيرانه الأدنين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا إلا قال الله تعالى: قد قبلت قولكم وغفرت له ما لا تعلمون". ¬

_ (¬1) أي: جدال. (¬2) البخاري (1367) (2642) ومسلم (949). (¬3) البخاري (1368) (2643) فقط.

ذكره الحافظ في "الفتح"، وإيضاحه أن في الصحيحين أيضًا عنه -صلى الله عليه وسلم-: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين"، وعقبه البخاري بحديث ابن عمر مرفوعًا: "يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه، ثم يقول: عملت كذا وكذا فيقول: نعم، ويقول: عملت كذا وكذا، فيقول: نعم، فيقرره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم". وفي معنى هذا أحاديث أخرى في أن من ستره الله عز وجل من المؤمنين في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. ومن السر في ذلك والله أعلم؛ أن الإنسان إذا أظهر المعصية كان ذلك مما يجرىء الناس عليها: أولًا: لأنه يكثر تحديثهم بها فتنتبه الدواعي إلى مُتعها، وقد قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19]. ثانيًا: لأنه إذا لم يعاجَل بالعقوبة هانت على الناس. ثالثًا: لأن العاصي يتجرأ على المعاصي بعد ذلك؛ لأنه كان يخاف أولًا على شرفه وسمعته، وبعد الفضيحة لم يبق ما يخاف عليه، بل يقول كما تقول العامة: "يا آكل الثوم كُل وأكثر". رابعًا: أنه يحرص على أن يدعو الناس إلى مثل فعله؛ ليشاركوه في سوء السمعة، فتخف الملامة عنه. خامسًا: يخرج بذلك عن قول الله عز وجل {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] لأنه إن أمر بمعروف أو نهى عن المنكر قيل له: ابدأ بنفسك ألم تفعل كذا وكذا؟!. سادسًا: يكون سببًا لعدم إفادة أمر غيره بالمعروف ونهيه عن المنكر؛ لأن من يؤمر أو يُنهى يقول: لست وحيدا في هذا، قد فعل فلان كذا وفلان كذا، وأنا واحد من جملة الناس.

سابعًا: أن ذلك يقلل خوف الناس من الله عز وجل، يقول أحدهم: أنا من جملة عباد الله العاصين، هذا فلان وهذا فلان وذاك فلان، وقد تقدم في فصل (5) حديث: " ... ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده". وفي "الصحيحين" (¬1): "لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل منها؛ لأنه أول من سن القتل". وقد قال الله عز وجل: {لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ} [النحل: 25]. وقوله: "بغير علم" يصح أن يكون حالًا من الفاعل والمفعول معا فيدخل فيه أن المتبوع يحمل من أوزار من تبعه وإن لم يعلم بأنهم يتبعونه، كما أن ابن آدم الأول لم يكن يعلم بمن سيستن به في القتل، وليس ما تقدم بمخالف لقول الله عز وجل: {أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [النجم: 38]. وما في معناها؛ لأن التحقيق أن المتبوع إنما عُذب بوزره. وبيان ذلك أن أصل الإثم في المعصية منوط بتعمدها، وأما زيادة قدره فمنوط بما ينشأ عنها من المفاسد. ألا ترى لو أن ثلاثة صوبوا بنادقهم إلى ثلاثة قاصدين رميهم، ثم أطلقوا بنادقهم: أن أصل الإجرام قد وقع من كل منهم، وأما زيادة مقداره فموقوف على ما ترتب على ذاك الفعل، فلو أخطأ أحدُهم وأصاب آخرُ فجَرَحَ وأصاب الثالثُ فقَتَل، لكان جُرْمُ الثالث أغلظَ من جُرم الثاني، وجُرمُ الثاني أغلظَ من جُرم الأول. وقد حرَّم الله عز وجل ما حرَّم ولم يُفَصِّلْ ما يترتب على المحرمات من المفاسد، فمن علم بالتحريم، ثم أقدم على الفعل، فقد التزم ما يترتب عليه من المفاسد، فدخلت كلها في وزره، وإن لم يعلم بتفصيلها، فتدبر. ¬

_ (¬1) البخاري (3336) (6867) (7321) ومسلم (1677).

هذا وقوله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله عز وجل يقول: "وغفرت له ما لا يعلمون" ظاهر في أن شهادتهم إنما تنفع إذا كانت مطابقة لعلمهم؛ لأنه إنما يغفر له ما لا يعلمون، فإن كانوا علموا شرا فكتموه وقالوا: لم نعلم إلا خيرًا أو نحو ذلك، لم ينفعه ذلك، بل يضرهم؛ لأنهم شهدوا زورا. وبناء النبي -صلى الله عليه وسلم- الحكم على ثناء الناس بقوله: "وجبت" صريح في أن الذين أثنوا كانوا عدولا عنده -صلى الله عليه وسلم-، فبنى على أن شهادتهم مطابقة للواقع في أن الذي أثنوا عليه خيرًا لم يظهر منه للناس إلا خير. وإذا كان الإنسان بحيث لا يظهر منه لجيرانه الأدنيين ونحوهم من أهل الخبرة إلا الخير العدل، والمُثني عليه منهم بذلك معدل له، فالمثنون على الميت من جيرانه وأهل الخبرة به معدلون له، وقد نص في الحديث على أنه يكفي في ذلك الأربعة ويكفي الثلاثة ويكفي الاثنان، ففي هذا دليل واضح على كفاية الاثنين في التعديل. ويبقى النظر في الواحد، فقد يقال: قد ثبت في حديث جابر وغيره أنه كان للصحابة -رضي الله عنهم- أن يراجعوا النبي -صلى الله عليه وسلم- مرتين، فإذا قال الثالثة، لم يكن لهم أن يراجعوه بعدها، وشواهد هذا في الأحاديث كثير، فابتداؤه -صلى الله عليه وسلم- بذكر الأربعة يشعر بالنهي عن السؤال عن الواحد؛ وذلك أنه -صلى الله عليه وسلم- لعله إنما ابتدأ بالأربعة مستشعرًا أنهم سيراجعونه فيسألونه عن الثلاثة، ثم يراجعونه ثانية فيسألونه عن الاثنين، ثم يقفون؛ لما تقرر عندهم من المنع عن المراجعة فوق اثنتين. وفي هذا دلالة ما على أن ثناء الواحد لا يكفي لبناء الحكم بوجوب الجنة، فأما وجوب الجنة في نفس الأمر فقد ظهر مما تقدم أنها تجب لمن لم يظهر منه إلا الخير وإن لم يُثن عليه أحد، ففائدة الشهادة على هذا إنما هي لحكم من يسمعها ممن لم يخبر حال الميت بمقتضاها؛ كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وجبت".

وقد يحتمل أن الشهادة تنفع، فمن لم يشهدوا له في الدنيا، وكان في نفسه لم يظهر للناس منه إلا الخير، فيحتاج في الآخرة إلى أن يسأله الله عز وجل، كما في حديث ابن عمر المتقدم، ثم يقول له: "إني سترت عليك في الدنيا فأنا أغفرها لك اليوم"، ومن شهدوا له لم يحتج إلى هذا السؤال والعلم عند الله عز وجل. وقد يقال: إن قول عمر: "ثم لم نسأله عن الواحد" يشعر بأنّه لم يفهم من الحديث أن الواحد لا يكفي. وأقول: إذا صح أن في الحديث إشارة إلى ذلك لم يضرها أن يتردد فيها الصحابي، لكن لقائل أن يقول: فسلمنا إشارة ما إلى أنه لا يكفي ثناء الواحد على الميت في الحكم له بالجنة، ولكن لا يلزم من هذا عدم الاكتفاء بتعديل الواحد للشاهد والمخبر، فإن الحكم للميت بالجنة لا ضرورة إليه ولا كبير حاجة. فإذا كان من أهل الجنة ولم يحكم له [الناس بأنه من أهلها] (¬1) لم يترتب على ذلك مفسدة بخلاف الشهادات والأخبار؛ فإن الضرورة فيها قائمة، وفي رد شهادة العدل وخبر الصادق ما لا يخفى من المفاسد، فتأمل. ومن النصوص ما وقع في قضية الإفك من سؤال النبي -صلى الله عليه وسلم- أسامة عن عائشة، فأخبر أنه لا يعلم إلا خيرًا، وكذلك سأل بريرة وسأل أيضًا زينب بنت جحش وكلتاهما أثنت خيرًا، وبنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على ذلك قوله على المنبر: "من يعذرني في رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرًا". وفي الاحتجاج بهذا نظر؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان هو نفسه خبيرًا بعائشة، وإنما استظهر بسؤال غيره؛ لئلا يقول المنافقون: إن محبته إياها (والعياذ بالله) ... (¬2). وهذا -والله أعلم- من الحكمة في تأخير الله عز وجل إنزال براءتها. ¬

_ (¬1) في التعليق على المطبوع: "في الأصل كلام مطموس والذي كتب فهم من سياق الكلام". (¬2) في التعليق على المطبوع: "هكذا وضع المؤلف النقط لبشاعة العبارة".

وقال البخاري في "الصحيح": "باب إذا زكى رجل رجلًا كفاه"، وقال أبو جميلة: وجدت منبوذا فلما رآني عمر قال: "عسى الغوير أبؤسًا" كأنه يتهمني، قال عريفي: إنه رجل صالح قال: كذلك، اذهب وعلينا نفقته. وهذا الأثر أخرجه مالك في "الموطأ"، وفيه بعد قوله "كذلك": "قال: نعم. فقال عمر: اذهب فهو حر، ولك ولاؤه، وعلينا نفقته". والحجة فيه أن عمر قَبِلَ تعديل التعريف وَحْدَهُ، وبنى على ذلك تصديق أبي جميلة في أن ذلك الطفل كان منبوذًا، وأقره في يده، ولا يُقر اللقيط إلا في يد عدل، وحكم له بولائه، وأنفق عليه من بيت المال. وقد أجيب على هذا بأنه مذهب لعمر مع أن أبا جميلة إما صحابي وإما من كبار التابعين، فلا يلزم من الاكتفاء في تعديله بواحد أن يكتفى بذلك فيمن بعد ذلك. وهذا الجواب ضعيف، والظاهر أن هذا مذهب عمر، فإن لم يكن في النصوص ما يخالفه ولا نقل عن الصحابة ما يخالفه صح التمسك به. ثم ذكر البخاري في الباب حديث أبي بكرة: "أثنى رجل على رجل عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: ويلك قطعت عنق صاحبك، مرارا"، ثم قال: "من كان منكم مادحًا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا، والله حسيبه؛ ولا أزكي على الله أحدا، أحسبه كذا وكذا، إن كان يعلم ذلك منه". قال ابن حجر في "الفتح": "ووجه احتجاجه بحديث أبي بكرة أنه -صلى الله عليه وسلم- اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد؛ لأنه لم يعب عليه إلا الإسراف والتغالي في المدح. واعترضه ابن المنير بأن هذا القدر كاف في قبول تزكيته، وأما اعتبار النصاب فمسكوت عنه. وجوابه أن البخاري يجري على قاعدته بأن النصاب لو كان شرطا لذكر؛ إذ لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة".

أقول: لا يخفى حال هذا الجواب؛ فإنه ليس في الحديث أن الممدوح شهد أو أخبر، ولا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- بنى على مدح المادح حُكْمًا يحتاج فيه إلى عدالة الممدوح، وليس هناك حاجة لبيان نصاب التعديل. نعم الأشبه بدقة نظر البخاري: تعالى، ولطف استنباطه، إذ فهم من قول النبي -صلى الله عليه وسلم- للمادح: "قطعت عنق صاحبك" ثناء على الممدوح؛ فإن قطع العنق كناية عن الإهلاك، والمعنى كما قال الغزالي: "إن الآفة على الممدوح أنه لا يأمن أن يُحدث فيه المدح كبرًا أو إعجابًا، أو يتكل على ما شهره به المادح، فيفتر عن العمل؛ لأن الذي يستمر على العمل غالبا هو الذي يعد نفسه مقصرًا" ذكره في "الفتح". فكأن البخاري: فهم أن المدح إنما يقطع عنق من له عنق، والكافر والفاسق مقطوعة أعناقهما، ففي قوله -صلى الله عليه وسلم-: "قطعت عنق صاحبك" دلالة على أنه -صلى الله عليه وسلم- قضى بأن للممدوح عنقًا يخشى أن يقطعها المادح بمدحه، العنق هي العدالة، فقد تضمن ذلك القضاء بأن الممدوح عدل، وهذا على لطفه لا يكفي للحجة، وفيه بُعْد؟ ذلك أنه ليس في الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يكن يعرف الممدوح، حتى يقال: إنه إنما أثبت له سلامة العنق بثناء ذاك المادح. وأما المسلك الثاني (¬1): فالأقرب أن تزكية الشاهد شهادة، وأما تزكية المخبر فإن كانت ممن جاوره أو صحبه مدة فالظاهر أنها خبر، وإن كانت ممن تأخر عليه كتعديل الإمام أحمد لبعض التابعين فقد يقال: إنها حكم؛ لأن أئمة هذا الفن في معنى المنصوبين من الشارع أو من جماعة الأمة لبيان أحوال الرواة ورواياتهم، وقد يقال: إنها فتوى؛ لأنها خبر عما أدى إليه النظر والاجتهاد، وهو إن لم يكن حكمًا شرعيا فتبنى عليه أحكام شرعية كما لا يخفى، والأقرب أنها خبر أيضًا. ¬

_ (¬1) يعني مسلك النظر في التعديل: أشهادة هو أم خبر، أم شهادة في تعديل الشاهد وخبر في تعديل المخبر؟

وأما المسلك الثالث (¬1): فقد شرحت في رسالة الاحتجاج بخبر الواحد بعض ما ظهر لي من الحكمة في أنه لا يكفي في الزنا أقل من أربعة شهود، وفي الدماء وغيرها بشاهدين، وفي الأموال بشاهدين ويمين المدعي عند قوم، والاكتفاء في الخبر بواحد، والذي يظهر من ذلك أن تعديل الشاهد كالشهادة بالدماء ونحوها في أنه لا يكفي إلا اثنان، وأن تعديل المخبر كالخبر. وعلى كل حال فخبر من عدله اثنان أرجح من خبر من لم يعدله إلا واحد، وإن قامت الحجة بكل منهما، والله أعلم. هذا كله حال المُعَدِّل، فأما الجارح، فشرطه أن يكون عدلًا، عارفًا بما يوجب الجرح إن جرح ولم يفسر وقلنا يقبوله. واشترط بعضهم أيضًا أن لا يكون بينه وبين المجروح عداوة دنيوية شديدة؛ فإنها ربما أوقعت في التحامل ولا سيما إذا كان الجرح غير مفسر، وزاد غيرهم العداوة الدينية (¬2). كما يقع بين المختلفين في العقائد، وقد بسطت القول في ذلك في " ... " (¬3). والكلام في عدد الجارح كما مر في المعدل. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني مسلك النظر في الحكمة التي لأجلها فرق الشارع بين الشهادة والخبر. (¬2) في التعليق على المطبوع: "في الأصل كلام مطموس والذي كتب فهم من سياق الكلام". اهـ (¬3) في التعليق على المطبوع "في الأصل مقدار كلمة غير مقروءة وهي تشير إلى كتاب". اهـ قلت: الظاهر أنه "التنكيل"؛ فقد بسط القول في هذه المسألة في القاعدة التي عنون لها بـ"قدح الساخط ومدح المحب" من قسم القواعد.

الشرط الثاني هل يشترط أن يكون المُعَدِّل معاصرًا لمن يُعدِّلُه؟ مقدمة: ممن اشتهر بالقول بهذا: ابن القطان الفاسي. قال الذهبي في ترجمة: حفص بن بُغَيْل -بالموحدة والمعجمة مصغرًا، الهمداني، المُرهبي، الكوفي: وقد قال فيه ابن القطان: "لا يعرف له حال". قال الذهبي: "ابن القطان يتكلم في كل من لم يقل فيه إمامٌ عاصر ذلك الرجل أو أخذ عمن عاصره ما يدل على عدالته". وفي "الصحيحين" من هذا النمط كثيرون ما ضعفهم أحدٌ ولا هم بمجاهيل. اهـ وقال الذهبي أيضًا في ترجمة: مالك بن الخير الزبادي بالزاي والموحدة، نسبة إلى زباد وهو موضع بالمغرب كما في "الأنساب" وذكر مالكًا هذا -المصري الإسكندراني- وقد قال فيه ابن القطان: "لم تثبت عدالته"، قال الذهبي: "يريد أنه ما نصَّ أحدٌ على أنه ثقة، وفي رواة "الصحيحين" عدد كثير ما علمنا أن أحدًا نص على توثيقهم، والجمهور على أن من كان من المشايخ قد روى عنه جماعةٌ ولم يأت بما يُنكَرْ عليه أن حديثه صحيح". اهـ قال ابن حجر في "اللسان": "وهذا الذي نسبه إلى الجمهور لم يصرح به أحدٌ من أئمة النقد إلا ابن حبان. نَعَم هو حقٌ في حقِّ مَنْ كان مشهورًا بطلب الحديث والانتساب إليه، كما قررتُه في علوم الحديث، وهذا الرجل قد ذكره ابن حبان في "تاريخ الثقات" فهو عنده ثقة، وكذا نص الحاكم في "مستدركه" على أنه ثقة.

ثم إن قول الشيخ: إن في رواة الصحيح عددًا كثيرًا إلى آخره مما يُنازَعُ فيه، بل ليس كذلك، بل هذا شيء نادر؛ لأن غالبهم معروفون بالثقة إلا من خرجا له في الاستشهاد". اهـ. تحقيق العلَّامة المعلمي لهذا المبحث: قال في "الاستبصار" (ص 54). "تقدم أن من شرط المعدِّل أن يكون ذا خبرة بمن يعدِّلُه، وذكروا أن الخبرة تحصل بالجِوار أو الصحبة أو المعاملة، ولا شك أنه يكفي جوارُ يوم أو يومين، وكذلك الصحبة، وكذا المعاملة لا يكفي فيها أن يكون قد اشترى منه سلعة أو سلعتين، بل لا بد من طول الجوار أو الصحبة أو المعاملة مدّة يغلب على الظن حصول الخبرة فيها، والمَدَارُ في ذلك على غلبة ظن المُزكِّي الفطن العارف بطباع الناس وأغراضهم. واشتراط الخبرة بهذا التفصيل في مُزكِّي الشاهد لا إشكال فيه، وإنما الإشكال في تزكية الرواة؛ فإن ما في كتب الجرح والتعديل من الكلام في الرواة المتقدمين غالبًا من كلام من لم يدركهم، بل ربما كان بينه وبينهم نحو ثلاثمائة سنة، هذا الدارقطني المولود سنة 306 يتكلم في التابعين، فيوثق ويضعف. قد يتوهم من لا خبرة له أن كلام المحدث فيمن لم يدركه، إنما يعتمد النقل عمن أدركه، فالمتأخر ناقلٌ فقط أو حاكمٌ بما ثبت عنده بالنقل، وهذا الحصر باطل، بل إذا كان هناك نقل فإن المتأخر يذكره، فإن لم يذكره مرة ذكره أخرى أو ذكره غيره، والغالب فيما يقتصرون فيه على الحكم بقولهم "ثقة" أو"ضعيف" أو غير ذلك إنما هو اجتهاد منهم، سواء أكان هناك نقل يوافق ذاك الحكم أم لا، وكثيرًا ما يكون هناك نقل يخالف ذاك الحكم.

واعتمادهم في اجتهادهم على طرق: الطريقة الأولى: النظر فيمن روى عن الرجل، فإن لم يرو عنه إلا بعض المتهمين كابن الكلبي والهيثم بن عدي، طرحوه ولم يشتغلوا به، وإن كان قد روى عنه بعض أهل الصدق، نظروا في حال هذا الصدوق، فيكون له واحدة من أحوال: الأولى: أن يكون يروي عن كل أحد، حتى من عُرف بالجرح المسقط. الثانية: كالأول، إلا أنه لم يرو عمن عرف بالجرح المسقط. الثالثة: كالأولى، إلا أنه لم يُعرف بالرواية عمن عرف بالجرح، وإنما شيوخه بين عدول ومجاهيل، والمجاهيل في شيوخه كثير. الرابعة: كالثالثة، إلا أن المجاهيل في شيوخه قليل. الخامسة: أن يكون قد قال: "شيوخي كلهم عدول"، أو: "أنا لا أحدث إلا عن عدل". فصاحب الحال الأولى لا تفيد روايته عن الرجل شيئًا، وأما الأربع الباقية فإنها تفيد فائدة ما، تضعف هذه الفائدة في الثانية، ثم تقوى فيما بعدها على الترتيب، فأقوى ما تكون في الخامسة. الطريقة الثانية: النظر في القرائن؛ كأن يوصف التابعي بأنه كان من أهل العلم، أو من سادات الأمصار (¬1)، أو إمامًا في مسجد النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مؤذنًا لعمر أو قاضيًا لعمر بن عبد العزيز، أو ذَكَر الراوي عنه أنه أخبره في مجلس بعض الأئمة وهو يسمع كما قال الزهري. الطريقة الثالثة: وهي أعمّ الطرق، اختبار صدقه وكذبه بالنظر في أسانيد رواياته ومتونها، مع النظر في الأمور التي قد يستفاد منها تصديق تلك الروايات أو ضعفها. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "الأنصار"، وهو خطأ.

فأما النظر في الأسانيد: • فمنه أن ينظر تاريخ ولادته وتاريخ وفاة شيخه الذي صرح بالسماع منه، فإن ظهر أن ذلك الشيخ مات قبل مولد الراوي، أو بعد ولادته بقليل بحيث لا يمكن عادةً أن يكون سمع منه ووعى كَذَّبُوه. • ومنه أن يسأل عن تاريخ سماعه من الشيخ، فإذا بَيَّنَهُ وتبيَّن أن الشيخ قد كان مات قبل ذلك كَذَّبُوه. • ومنه أن يسأل عن موضع سماعه من الشيخ، فإذا ذكر مكانًا يُعرف أن الشيخ لم يأته قط كَذَّبُوه. • وقريب من ذلك أن يكون الراوي مكيًّا لم يخرج من مكة وصرح بالسماع من شيخ قد ثبت عنه أنه لم يأت مكة بعد بلوغ الأول سن التمييز، وإن كان قد أتاها قبل ذلك. • ومنه أن يحدث عن شيخ حيّ فيسأل الشيخ عن ذلك فيكذبه. فإذا لم يوجد في النظر في حاله وحال سنده ما يدل على كذبه، نظر في حال شيوخه المعروفين بالصدق، مع الشيوخ الذين زعم أنه سمع منهم على ما تقدم. فإذا كان قد قال: حدثني فلان أنه سمع فلانًا، فتبَّين بالنظر أن فلانًا الأول لم يلق شيخه كَذَّبُوا هذا الراوي، وهكذا في بقية السند. لكن إذا وقع شيء من هذا ممن عرفت عدالته وصدقه، وكان هناك مظنة للخطأ حملوه على الخطأ، وقد يختلفون فيكذبه بعضهم ويقول غيره: إنما أخطأ هو أو شيخه أو سقط في الإسناد رجل أو نحو ذلك. اهـ

قال أبو أنس: قد شرح الشيخ المعلمي وبيَّن ما يدل على خطأ ما ذُكر عن ابن القطان -أو غيره- من اشتراطِ توثيقِ معاصرٍ أو آخذٍ عنه لإثبات عدالة الراوي. واعلم أن للأئمة في الحكم على الرواة مسالكَ، منها وعلى رأسها: اللقاء بالراوي وحضور مجالس تحديثه مثلا، والنظر في كتبه، وعرض أحاديثه على أحاديث أقرانه عن شيوخهم - كما سبق في كلام المعلمي. ثم تأتي المعاصرة -وهي دون اللقاء- ويعتمد فيها الناقد على ما يبلغه من سيرة الراوي وحديثه، ونحو ذلك. ومن الجدير بالذكر أن اللقاء أو المعاصرة لا يكفيان بمجردهما، بل لا بد أن ينضم إليهما ما سبق شرحه، حتى إنه ربما يتوفر للناقد من المعلومات عن الراوي الذي لم يعاصره ما لم يتوفر له عمن عاصره، فالأمر دائر مع مقومات ومسوغات تقويم حال الراوي في نظر الناقد، سواء كانت معاصرة أم لا؟ بل في الرواة من لقيهم بعض الأئمة، فتجملوا لهم، واستقبلوهم بأحاديث مستقيمة، فوثقوهم، وقد خبرهم أئمة آخرون واطلعوا منهم على ما يقدح في عدالتهم (راجع ترجمة ابن معين من القسم الثاني من هذا الكتاب). وهذا نموذج تطبيقي للشيخ المعلمي ناقش فيه تلك القضية في "تنكيله". ذكر المعلمي في النوع السابع من مغالطات ومجازفات الكوثري من "طليعة التنكيل" (ص 56) قوله في المعروف الموثق: "مجهول"، أو"مجهول الصفة"، أو"لم يوثق"، أو نحو ذلك، فمن الأمثلة: "عبد الله بن محمود السعدي المروزي". قال الكوثري: "مجهول الصفة".

فقال المعلمي: "لعبد الله بن محمود السعدي المروزي ترجمة في كتاب ابن أبي حاتم، وقال: "كتب إلى أبي بمسائل ابن المبارك من تأليفه"، وله ترجمة في "تذكرة الحفاظ" (جـ 2 ص 257). قال الذهبي: "الحافظ الثقة محدث مرو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمود بن عبد الله السعدي ... قال الحاكم: ثقة مأمون". وزاد المعلمي الحاشية: "وهو من شيوخ ابن خزيمة وابن حبان، وذكره ابن حبان في ثقاته مع روايته عنه في "صحيحه"، وتوثيق ابن حبان لمن عرفهم وخبرهم من أعلى التوثيق؛ فإنه يتشدد في هؤلاء ويحسن الظن بغيرهم". ثم ذكره المعلمي في "التنكيل" رقم (135) وقال: "زعم الأستاذ -الكوثري- في "الترحيب" أنه لم يوثقه أحد من أهل عصره، وأن الحاكم متأخر عنه، وقد نعى الشيخ المعلمي على الكوثري تناقضه، إذ رَدَّ هنا توثيق الحاكم؛ لأنه ليس عصريّ عبد الله بن محمود، ثم هو يردّ جرح المتقدمين لبشار ابن قيراط، ويتشبث بقول الخليلي -المتأخر عنه بقريب من مائتي سنة: "رضيته الحنفية بخراسان". (راجع ترجمة بشار من هذا الكتاب)، مع أن الحاكم لا يعتد به، فأما الذهبي فمتابع للحاكم، ثم أومأ الأستاذ إلى أن بعض أهل عصره وثقه، وإنني إذا فتشت وجدته. فأقول: لا حاجة إلى التفتيش، والحاكم أقرب إلى عبد الله بن محمود من ابن معين إلى أبي حنيفة! فضلا عن التابعين وأتباعهم الذين يوثقهم ابن معين، ويعمل أهل العلم بتوثيقه لهم. والحاكم إمام مقبول القول في الجرح والتعديل ما لم يخالفه من يرجح عليه وستأتي ترجمته.

ولم يقتصر الذهبي على حكاية كلمة الحاكم بل قال من عنده: "الحافظ الثقة" وفوق ذلك فعبد الله من شيوخ ابن خزيمة كما في "تذكرة الحفاظ" ولعله روى عنه في "صحيحه"، ومن شيوخ ابن حبان كما في "معجم البلدان" (بُسْت)، وذكره في "ثقاته" وذكر تاريخ وفاته، وتوثيق ابن حبان لمن عرفه حق المعرفة من أثبت التوثيق كما يأتي في ترجمته". اهـ. * * *

المبحث الثالث في عدالة الصحابة

المبحث الثالث في عدالة الصحابة وفيه: إثبات القول بعدالة الصحابة مطلقًا، وبيان عصمة الله تعالى لهم من الكذب لا سيما على رسوله -صلى الله عليه وسلم-؛ وفاءً بما تكفل به سبحانه من حفظ دينه، وصونًا لهم من الطعن المؤدي إلى الطعن في الإسلام جملةً، مع دحض الشبه المثارة حول القول بإطلاق تلك العدالة. إِجْمالٌ قبل تفصيل: قال أبو بكر الخطيب في "الكفاية" (ص 46): باب: ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يُحتاج إلى سؤالٍ عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم. كل حديث اتصل إسناده بكان من رواه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يلزم العمل به إلا بعد ثبوت عدالة رجاله، ويجب النظر في أحوالهم سوى الصحابي الذي رفعه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ لأن عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم، وإخباره عن طهارتهم، واختياره لهم في نص القرآن ... (¬1). ثم قال: والأخبار في هذا المعنى تتسع، وكلها مطابقة لما ورد في نص القرآن، وجميع ذلك يقتضي طهارة الصحابة، والقطع على تعديلهم ونزاهتهم، فلا يحتاج ¬

_ (¬1) ذكر الخطيب هنا آيات في فضل الصحابة، ستأتي وأزيد منها في بحث المعلمي، ثم ذكر الخطيب عدة أخبار في هذا المعنى أيضًا، منها خبر: "خير الناس قرني ... " وخبر: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبًا ... ".

أحد منهم مع تعديل الله تعالى لهم، المطلع على بواطنهم إلى تعديل أحد من الخلق له ... (¬1). هذا مذهب كافة العلماء ومن يعتد بقوله من الفقهاء. وذهبت طائفة من أهل البدع إلى أن حال الصحابة كانت مرضية إلى وقت الحروب التي ظهرت بينهم، وسفك بعضهم دماء بعض، فصار أهل تلك الحروب ساقطي العدالة، ولما اختلطوا بأهل النزاهة وجب البحث عن أمور الرواة منهم، وليس في أهل الدين والمتحققين بالعلم من يصرف إليهم خبر ما لا يحتمل نوعًا من التأويل وضربًا من الاجتهاد، فَهُم بمثابة المخالفين من الفقهاء المجتهدين في تأويل الأحكام لإشكال الأمر والتباسه. ويجب أن يكونوا على الأصل الذي قدمناه من حال العدالة والرضا؛ إذا لم يثبت ما يزيل ذلك عنهم. اهـ تحقيق العلَّامة المعلمي لهذا الفصل: وفيه مواضع: الموضع الأول: قال في "الاستبصار في نقد الأخبار" (ص 19 - 28): "اسم الصحابي: يعمُّ الجمهورُ كُلَّ من رأى (¬2) النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلمًا ومات على ذلك. والمراد رؤيته إياه بعد البعثة وقبل الوفاة. والاسم يشمل من ارتد بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن كان قد رآه مسلما إذا عاد إلى الإسلام ومات عليه كطليحة بن خويلد، وعيينة بن حصن، وأضرابهما. ¬

_ (¬1) هاهنا كلام للخطيب سينقله عنه المعلمي في بحثه الآتي قريبًا. (¬2) التعبير بلفظ الاجتماع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- أو لقائه أدقُّ؛ ليشملَ من كان أعمى، كعبد الله بن أم مكتوم -رضي الله عنه-.

لكن قضيته ما نُقل عن الشافعي وغيره -من أن الردة تحبط العمل الصالح قبلها ولو عقبتها توبة- أن هؤلاء لا حَظَّ لهم في فضل الصحبة. وذهب الجمهور إلى أن الصحابة كلهم عدول، قال ابن الأنباري: "وليس المراد بعدالتهم ثبوت العصمة لهم واستحالة المعصية منهم، وإنما المراد قبول رواياتهم من غير تكلف للبحث عن أسباب العدالة والتزكية، إلا إن ثبت ارتكاب قادح، ولم يثبت ذلك ولله الحمد، فنحن على استصحاب ما كانوا عليه في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى يثبت خلافه، ولا التفات إلى ما يذكره أصحاب السير فإنه لا يصح، وما صح فله تأويل صحيح" "فتح المغيث" (ص 378). وقال الخطيب في "الكفاية" (ص 46): "باب ما جاء في تعديل الله ورسوله للصحابة، وأنه لا يحتاج إلى سؤال عنهم، وإنما يجب فيمن دونهم ... " فذكر عدة آيات وأحاديث في الثناء عليهم، إلى أن قال: "فهم على هذه الصفة، إلا أن يثبت على أحد ارتكاب ما لا يحتمل إلا قصد المعصية، والخروج من باب التأويل، فيحكم بسقوط العدالة، وقد برَّأهم الله من ذلك، ورفع أقدارهم، على أنه لو لم يرد من الله عز وجل ورسوله فيهم شيء مما ذكرناه لأوجبت الحال التي كانوا عليها -من: الهجرة، والجهاد، والنصرة، وبذل المهج والأموال، وقتل الآباء والأولاد، والمناصحة في الدين، وقوة الإيمان واليقين- القطعَ على عدالتهم، والاعتقاد لنزاهتهم، وأنهم أفضل من جميع المعدلين والمزكين الذين يجيئون من بعدهم أبد الآبدين". أقول: أما الآيات فمنها: 1 - {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (8) وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ

فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (9) وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 8 - 10]. 2 - {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 100]. 3 - {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 117]. 4 - {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا} [الفتح: 18]. 5 - {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} [الفتح: 29]. 6 - {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} [آل عمران: 172 - 174].

7 - {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [الحديد: 10]. 8 - {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121]. 9 - {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110]. 10 - {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143]. ومن تدبر هذه الآيات وغيرها من القرآن وجد الثناء على المهاجرين عامًّا سالمًا من التخصيص، فإذا تَتَبَّع السنة أيضًا لم يجد ما ينافي ذلك سوى فلتات، ربما كانت تقع من بعضهم فلا تضرهم. • فمنها: ما جرى منهم يوم بدر من ترجيح أخذ الفداء فأقرَّهم الله عز وجل عليه وأنزل: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68) فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنفال: 68، 69]. • ومنها: تولِّي بعضهم يوم أحد فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]. ومنها: قصة مسطح بن أثاثة لما خاض مع أهل الإفك فكان ما كان، وأقسم أبو بكر أن لا ينفق عليه، فأنزل الله عز وجل: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22].

• ومنها قصة حاطب بن أبي بلتعة ... • وأشد ما وقع من ذلك قصة عبد الله بن أبي سرح، مع أنه ليس من المهاجرين الأولين، وإنما كان ممن أسلم قُبيل الفتح، ثم ارتد، فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم الفتح بقتله فلم يُقتل وأسلم. قال ابن عبد البر: "فحسن إسلامه فلم يظهر منه شيء ينكر عليه بعد ذلك وهو أحد النجباء العقلاء الكرماء من قريش"، ثم ذكر ولايته مصر وفتحه إفريقية والنوبة، ثم قال: "ودعا ربه فقال: اللهم اجعل خاتمة عملي صلاة الصبح، فتوضأ ثم صلى الصبح، فقرأ في الركعة الأولى بأم القرآن والعاديات، وفي الثانية بأم القرآن وسورة، ثم سلم من يمينه، وذهب يسلم عن يساره فقبض الله روحه، ذكر ذلك كله يزيد بن أبي حبيب وغيره". ومع ذلك فلم يَرِدْ عنه من الحديث شيء إلا حديث واحد قد رواه غيره من الصحابة، ومع ذلك لم يصح السند إليه (¬1). ¬

_ (¬1) هو ما رواه ابن لهيعة قال: حدثنا عياش بن عباس القتباني، عن الهيثم بن شُفي، عن عبد الله بن سعد ابن أبي سرح قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعشرة من أصحابه معه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وغيرهم على جبل، إذ تحرك بهم الجبل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: اسكن حراء فإنه ليس عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد"، وابن لهيعة ليس بحجة. رواه ابن عبد الحكم في "فتوح مصر وأخبارها" (ص 172) عن أبي الأسود النضر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة به. وقال: ليس لهم -يعني أهل مصر- عنه، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حديث غيره وحديث آخر مرسل بِشَكٍّ، وهو حديث: ضمام بن إسماعيل عن عياش بن عباس القتباني قال: لما حصروا الإسكندرية قال لهم صاحب المقدمة: لا تعجلوا حتى آمركم برأيي، فلما فتح الباب دخل رجلان فقتلا، فبكى صاحب المقدمة. قال ضمام: أظنه عبد الله بن سعد. فقيل له: لم بكيت وهما شهيدان؟ قال: ليت أنهما شهيدان! ولكن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يدخل الجنة عاص".

وأما الأنصار فحالهم قريب من حال المهاجرين، إلا أنه لم يعم الإيمان جميع الأوس والخزرج، بل كان منهم أفراد منافقون، وقد ذكر الله عز وجل ذلك في كتابه، لكن أولئك الأفراد كانوا قليلين كما يظهر من الآيات والأحاديث، وكما يعلم ذلك بدلالة المعقول؛ فإنهم لو كانوا هم الأكثر أو كثيرا لكانوا أظهروا كفرهم، ولم يحتاجوا إلى النفاق، ومع ذلك فقد كانوا معروفين عند النبي -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين، إن لم يكن علم اليقين فالظن، قال الله عز وجل: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29) وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 29، 30]. وكانوا مع ذلك خائفين كما قال الله عز وجل فيهم: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: 4]. وكانوا مع ذلك إلى نقصٍ بالهلاك أو التوبة والإخلاص، والغالب على الظن أن من بقي منهم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يتعرض أحدٌ منهم لِأَن يَذكر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئًا لخوفهم من المؤمنين، وعلمهم بنفاقه: حذيفة أو غيره ممن كان قد أسرَّ إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بأسماء المنافقين. وأما الأعراب فقد قال الله عز وجل: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 14]. والظاهر أن أهل هذه الآية آمنوا بعد ذلك أو غالبهم كما تقتضيه كلمة "لمَّا". وقد ذكر الله عز وجل فِرقَهُم في سورة التوبة الآيات من (95 - 105) فذكر أن منهم منافقين، ومنهم مؤمنين مخلصين، ومنهم مخلطين يرجى لهم الخير، وقال في آخر ذلك: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

ثم ابتلاهم الله عز وجل بعد غزوة العسرة بوفاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فارتد أقوام من الأعراب فعرفهم المؤمنون حق المعرفة. وأما الطلقاء من أهل مكة فلم يرتد منهم أحد بعده -صلى الله عليه وسلم-، وقد شملتهم بعض الآيات المتقدمة كما يعلم بمراجعتها، وكذلك تشملهم بعض الأحاديث كالحديث المشهور: "خير الناس قرني ... ". وبالجملة فتعديل الله عز وجل ورسوله ثابت للمهاجرين عامة، ولم يجيء ما يخصصه. وأما الأنصار فالثناء عليهم عام، ولكن قد كان من الأوس والخزرج منافقون لكنهم قليل، ولم يحضر من المنافقين أحد بيعة العقبة، ولا شهد بدرا ولا أُحُدا؛ لأن كبيرهم اعتزل بهم، والظاهر أنه لم يبايع تحت الشجرة أَحَدٌ منهم، وقد قيل إنه كان هناك واحد منهم فلم يبايع، وقد سُمي (¬1). وقول الله عز وجل في ذكر تخلفهم عن غزوة تبوك: {وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (46) لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا وَلَأَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ} [التوبة: 46، 47]. يقتضي أنه لم يشهد تبوك أحد منهم، ولكن روي أن اثني عشر منهم اعترضوا النبي -صلى الله عليه وسلم- مرجِعَهُ من تبوك، وأرادوا ترديته من العقبة. وقد يقال - إن صح الخبر (¬2): لعل هؤلاء لم يشهدوا تبوك، وإنما ترصدوا قدومه -صلى الله عليه وسلم- من تبوك فالتقوه ببعض الطريق لما همّوا به، ومع ذلك ففي الخبر أن حذيفة عرف هؤلاء. ¬

_ (¬1) هو الجدّ بن قيس. راجع "الإصابة" (1/ 238). (¬2) وقفت له على طريقين: الأول: أحمد بن عبد الجبار -وهو العطاردي- عن يونس بن بكير عن ابن إسحاق به. والثاني: ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة به. وفيهما ضعف ظاهر وإرسال. انظر "الدلائل" للبيهقي (5/ 257) وكذا "سننه" (9/ 32).

هذا وقد سبق أن الظاهر أن من بقي من المنافقين لم يَرِدْ عن أَحَدٍ منهم شيءٌ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأما الأعراب فقد تم امتحانهم بوفاته -صلى الله عليه وسلم-، فمن ثبتت منهم الإسلام (¬1) فقد ثبتت عدالته، ومن ارتد فقد زالت، فمن عاد بعد ذلك إلى الإسلام فيحتاج إلى عدالة جديدة. وأما الطلقاء فقد شملتهم بعض الآيات كما عرفت، ولم تقع منهم رِدَّةٌ. ولو اقتصر المخالف في المسألة على القول بأن من تأخر إسلامُه وَقلَّت صحبتُه يحتاج إلى البحث عنهم، لكان لقوله وجهٌ في الجملة، وأوجهُ من ذلك من كان من الأعراب ويحتمل أنه ممن ارتد عقب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فأما من عُلم أنه ممن ارتدَّ فالأمر فيه أظهر. هذا وقد كان العرب يتحاشون من الكذب، وتأكد ذلك فيمن أسلم؛ وكان أحدهم وإن رَقَّ دينُه - لا يبلغ به أن يجترئ على الكذب على الله ورسوله، وكانوا يرون أن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون، وأنه إن اجترأ أحد على الكذب افتضح. ولو قال قائل: إن الله تبارك وتعالى منع القوم من تعمُّد الكذب على نبيه -صلى الله عليه وسلم- بمقتضى ضمانه بحفظ دينه ولا سيما مع إخباره بعدالتهم لما أبْعَدَ. ومن تدبر الأحاديث المروية عمن يُمكن أن يتكلم فيه من الطلقاء ونحوهم ظهر له صدق القوم؛ فإن المروي عن هؤلاء قليل، ولا تكاد تجد حديثا يصح عن أحد منهم إلا وقد صح بلفظه أو معناه عن غيره من المهاجرين أو الأنصار، وقد كانت بين القوم إِحَنٌ بعد النبي -صلى الله عليه وسلم-، فلو استساغ أحد منهم الكذب لاختلق أحاديث تقتضي ذم خصمه، ولم نجد من هذا شيئًا صحيحا صريحا. ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع ولعل الصواب: "فمن ثبت منهم على الإسلام".

وفوق هذا كله فأهل السنة لم يدَّعُوا عصمَة القوم، بل غاية ما ادَّعوه أنه ثبتَ لهم أصلُ العدالة، ثم لم يثبت ما يزيلها، والمخالف يزعم أنه قد ثبت عنده في حق بعضهم ما يزيل العدالة، فانحصر الخلاف في تلك الأمور التي زعمها، فإذا أثبتَ أهلُ السنة أنها لم تصح، وأن ما صح منها لا يقتضي زوال العدالة استتب الأمر. فأما من ثبتت شهادة النبي -صلى الله عليه وسلم- له بالمغفرة فقد تضمن ذلك تعديلهم أولًا وآخرًا. والله الموفق. تنبيه: أما الخطأ فقد وقع من بعض الصحابة كقول ابن عمر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- اعتمر في رجب وغير ذلك مما يُعرف بتتبُّع كتب السنة. مسألة: قال الخطيب في الكفاية (ص 52): "ومن الطريق إلى معرفة كونه صحابيًّا تظاهر الأخبار بذلك، وقد يحكم بأنه صحابي إذا كان ثقة أمينًا مقبول القول إذا قال: صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- وكثر لقائي له ... (¬1) وإذا قال: أنا صحابي ولم نجد (¬2) عن الصحابة رَدَّ قوله ولا ما يعارضه ... وجب إثباته صحابيا حكمًا بقوله لذلك، أو قول آحاد الصحابة". أقول: فعرف من هذا أن من لم تثبت صحبته إلا بقوله، حُكْمُهُ حُكْمُ التابعين في البحث عن عدالته؛ لأنها لا تثبت صحبته حتى تثبت عدالته. اهـ ¬

_ (¬1) تمام كلام الخطيب: "فيحكم بأنه صحابي في الظاهر لموضع عدالته، وقبول خبره، وإن لم يقطع بذلك، كما يعمل بروايته عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن لم يقطع بسماعه ولو رُدَّ قوله: إنه صحابي لرُدَّ خبره عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- ... ". (¬2) في الكفاية: "يحك".

قال أبو أنس: يتعلق بهذا المبحث في هذه المناسبة قضايا تتصل بمعرفة الصحابة، وكيف تثبت الصحبة؟ وهل كل من ترجم له في الكتب المصنفة في الصحابة قد ثبتت صحبتهم بحيث يكون جميع ما ورد عنهم من الأخبار التي تروى عنهم موصولة؟ وحتى لا أقطع على القارىء تصدي المعلمي للدفاع عن عدالة من ثبتت صحبته وكشفه لشبهات أهل الأهواء في ذلك أرجىء تلك القضايا لآخر هذا المبحث، والله تعالى الموفق. الموضع الثاني: وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 266 - 277): "الآيات القرآنية في الثناء على الصحابة والشهادة لهم بالإيمان والتقوى وكل خير معروفة، ومن آخرها نزولا قول الله عز وجل: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (117) وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 117، 118] ساعة العسرة: غزوة تبوك. وكلمة "المهاجرين" هنا تشمل السابقين واللاحقين ومن كان معهم من غير الأنصار، ولا نعلمه تخلف ممن كان بالمدينة من هؤلاء أحد إلا عاجز أو مأمور بالتخلف مع شدة حرصه على الخروج، وفي "الصحيح" قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لما رجع من تبوك: "إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم ... حبسهم العذر". وفي "الفتح": أن المهلب استشهد لهذا الحديث بقول الله تعالى {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] وهو استشهاد متين. والمأمور بالتخلف أولى بالفضل.

وفي هذا وآيات أخرى ثناء يعم المهاجرين ومن لحق بهم لا نعلم ثَمَّ ما يخصصه. فأما الأنصار فقد عمت الآية من خرج منهم إلى تبوك والثلاثة الذين خلفوا والعاجزين، ولم يبق إلا نفر كانوا منافقين. وفي "الصحيح" في حديث كعب بن مالك وهو أحد الثلاثة الذين خُلفوا: "فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطفت فيهم أحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصًا عليه النفاق، أو رجلا ممن عذر الله من الضعفاء". وفي هذا بيان أن المنافقين قد كانوا معروفين في الجملة قبل تبوك، ثم تأكد ذلك بتخلفهم لغير عذر وعدم توبتهم، ثم نزلت سورة براعة فقشقشتهم، وبهذا يتضح أنهم قد كانوا مشارًا إليهم بأعيانهم قبل وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-. فأما قول الله عز وجل: {لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ} فالمراد -والله أعلم- بالعلم ظاهره أي اليقين، وذلك لا ينفي كونهم مغموصين أي متهمين، غاية الأمر أنه يحتمل أن يكون في المتهمين من لم يكن منافقا في نفس الأمر، وقد قال تعالى: {وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ} ونص في سورة براءة وغيرها على جماعة منهم بأوصافهم، وعيَّن النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعة منهم، فمن المحتمل أنَّ الله عز وجل بعد أن قال: {لَا تَعْلَمُهُمْ} أعلمه بهم كلهم. وعلى كل حال فلم يمت النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا وقد عَرف أصحابُه المنافقين يقينا أو ظنا أو تُهمة، ولم يبق أحد من المنافقين غير متهم بالنفاق. ومما يدل على ذلك، وعلى قلتهم وذلتهم وانقماعهم ونفرة الناس عنهم، أنه لم يُحس لهم عند وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- حراك. ولما كانوا بهذه المثابة لم يكن لأحد منهم مجال في أن يحدث عن النبي؛ لأنه يعلم أن ذلك يعرضه لزيادة التهمة ويجر إليه ما يكره. وقد سَمَّى أهلُ السير والتاريخ جماعة من المنافقين لا يُعرف عن أحد منهم أنه حدَّث عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وجميع الذين حدثوا كانوا معروفين بين الصحابة بأنهم من خيارهم.

وأما الأعراب فإن الله تبارك وتعالى كشف أمرهم بموت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فارتد المنافقون منهم، فتبين أنه لم يحصل لهم بالاجتماع بالنبي -صلى الله عليه وسلم- ما يستقر لهم به اسم الصحبة الشرعية، فمن أسلم بعد ذلك منهم فحكمه حكم التابعين. وأما مُسلمة الفتح فإن الناس يغلطون فيهم يقولون: كيف يُعقل أن ينقلبوا كلهم مؤمنين بين عشية وضحاها، مع أنهم إنما أسلموا حين قُهروا وغُلبوا ورأوا أن بقاءهم على الشرك يضر بدنياهم؟ والصواب أن الإسلام لم يزل يعمل في النفوس منذ نشأته. ويدلك على قوة تأثيره أمور: الأول: ما قصه الله تبارك وتعالى من قولهم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} [فصلت: 26]. وقولهم: {إِنْ كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنْ آلِهَتِنَا لَوْلَا أَنْ صَبَرْنَا عَلَيْهَا} [الفرقان: 42]. الثاني: ما ورد من صدِّهم للناس أن يسمعوا القرآن حتى كان لا يَرِدُ مكةَ وارد إلا حذروه أن يستمع إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومن اشتراطهم على الذي أجار أبا بكر أن يمنعه من قراءة القرآن بحيث يسمعه الناس. الثالث: وهو أوضحها؛ إسلامُ جماعة من أبناء كبار رؤسائهم ومفارقتهم آباءهم قديما، فمنهم عمرو وخالد ابنا أبي أحيحة سعيد بن العاص، والوليد بن الوليد ابن المغيرة، وأبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة، وهشام بن العاص بن وائل، وعبد الله وأبو جندل ابنا سهيل بن عمرو وغيرهم. وآباء هؤلاء هم أكابر رؤساء قريش وأعزهم وأغناهم، فارقهم أبناؤهم وأسلموا. فتدبر هذا، فقد جرت عادة الكُتَّاب إذا ذكروا السابقين إلى الإسلام ذكروا الضعفاء فيتوهم القارىء أنهم أسلموا لضعفهم وسخطهم على الأقوياء وحبهم للانتقام منهم على الأقلِّ لأنه لم يكن لهم من الرياسة والعز والغنى ما يصدُّهم عن قبول الحق وتحمل المشاق في سبيله.

والحقيقة أعظم من ذلك كما رأيتَ، إلا أن الرؤساء عاندوا واستكبروا، وتابعهم أكثر قومهم مع شدة تأثرهم بالإسلام فكان في الشبان من كان قوي العزيمة فأسلموا وضحّوا برياستهم وعزهم وغناهم، متقبلين ما يستقبلهم من مصاعب ومتاعب، وبقي الإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين، فلم يزل الإسلام يفشو فيهم حتى بعد هجرة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-. ثم لما كان صلح الحديبية وتمكن المسلمون بعده من الاختلاطِ بالمشركين ودعوة كل واحد قريبه وصديقه فشا الإسلام بسرعة وأسلم في هذه المدة من الرؤساء خالد ابن الوليد وعمرو بن العاص وعثمان بن طلحة وغيرهم، والإسلام يعمل عمله في نفوس الباقين. ونستطيع أن نجزم أن الإسلام كان قد طرد الشرك وخرافاته من نفوس عقلاء قريش كلهم قبل فتح مكة، ولم يبق إلا العناد المحض يلفظ آخر أنفاسه، فلما فتحت مكة مات العناد ودخلوا في الإسلام الذي قد كان تربع في نفوسهم من قَبْل. نعم بقي أثر في صدور بعض الرؤساء فبسط لهم النبي -صلى الله عليه وسلم- التأليف يوم فتح مكة وبعده وآثرهم بغنائم حنين، ولم يزل يتحراهم بحسن المعاملة حتى اقتلع البقية الباقية من أثر العناد. ثم كان من معارضة الأنصار بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- لقريش في الخلافة واستقرار الخلافة لقريش غير خاصة ببيت من بيوتها، وخضوع العرب لها ثم العجم، ما أكد حب الإسلام في صدر كل قرشي. وكيف لا وقد جمع لهم إلى كل شبر كانوا يعتزون به من بطحاء مكة آلاف الأميال، وجعلهم ملوك الدنيا والآخرة. ومما يوضح لك ذلك أن الذين عاندوا إلى يوم الفتح كانوا بعد ذلك من أجدِّ الناس في الجهاد، كسهيل بن عمرو، وعكرمة بن أبي جهل، وعمه الحارث، ويزيد ابن أبي سفيان.

فأما ما يذكره كثير من الكُتَّاب من العصبية بين بني هاشم وبني أمية فدونك الحقيقة: شمل الإسلام الفريقن ظاهرا وباطنا، وكما أسلم قديما جماعة من بني هاشم فكذلك من بني أمية كابني سعيد بن العاص وعثمان بن عفان وأبي حذيفة بن عتبة، وكما تأخر إسلام جماعة من بني أمية فكذلك من بني هاشم. وكما عاداه بعض بني أمية فكذلك بعض بني هاشم كأبي لهب بن عبد المطلب وأبي سفيان بن الحارث بن المطلب، ونزل القرآن بذم أبي لهب ولا نعلمه نزل في ذم أُموي معّين، وتزوج النبي -صلى الله عليه وسلم- بنت أبي سفيان بن حرب الأموي ولم يتزوج هاشمية, وزوج إحدى بناته في بني هاشم وزوج ثلاثا في بني أمية. فلم يبق الإسلام في أحد الجانبين حتى يحتمل أن يستمر هدفا لكراهية الجانب الآخر، بل ألَّف الله بين قلوبهم فأصبحوا بنعمته إخوانا وأصبح الإسلام يلفهم جميعا؛ يحبونه جميعا ويعظمونه جميعا، ويعتزون به جميعا، ويحاول كل منهم أن يكون حظه منه أوفر. ولم تكن بين فتح مكة وبين ولاية عثمان الخلافة نُفرة ما بين العشيرتين، فلما كانت الشورى وانحصر الأمر في علي وعثمان وجدت الأوهامُ منفذا إلى الخواطر، ثم لما صار في أواخر خلافة عثمان جماعة من عشيرته بني أمية أمراء وعمالا وصار بعض الناس يشكوهم أشيعت عن علي كلمات يندد بهم ويتوعدهم بأنه إذا صلي الخلافة عزلهم وأخذ أموالهم وفعل وفعل، ثم كانت الفتنة، وكان لبعض من يُعَدُّ من أصحاب علي إصبع فيها، حتى قُتل عثمان، وقام قتلته بالسعي لمبايعة علي، فبويع له، وبقي جماعة منهم في عسكره. فمن تدبر هذا وجد هذه الأسباب العارضة كافية لتعليل ما حدث بعد ذلك، إذنْ فلا وجه لإقحام ثارات بدر وأُحد التي أماتها الإسلام، وما حُكي مما يشعر بذلك لا صحةَ له البتة، إلا نزعة شاعر فاجر في زمن بني العباس يصح أن تُعَدَّ من آثار الإسراف في النزل لا من مؤثراته.

وجرى من طلحة والزبير ما جرى، فأي ثأر لهما كان عند بني هاشم؟ وبهذا يتضح جليا أن لا مساغ البتة لأن يُعلل خلاف معاوية بطلبه بثأر من قتل من آله ببدر، ثم يتذرع بذلك إلى الطعن في إسلامه، ثم في إسلام نظرائه! فإن قيل: مهما يكن من حال الصحابة فإنهم لم يكونوا معصومن فغاية الأمر أن يُحملوا على العدالة ما لم يتبين خلافها، فلماذا يُعدِّل المحدثون من تبين ما يوجب جرحه منهم؟ فالجواب من أوجه: الوجه الأول: أنهم تدبروا ما نقل من ذلك فوجدوه ما بين غير ثابت نقلا أو حكما أو زلة تيب منها أو كان لصاحبها تأويل. الوجه الثاني: أن القرآن جعل الكذب على الله كفرا، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ} [العنكبوت: 68] والكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- في أمر الدين والغيب كذب على الله، ولهذا صرح بعض أهل العلم بأنه كفر، واقتصر بعضهم على أنه من أكبر الكبائر، وفرق شيخ الإسلام ابن تيمية بين من يخبر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بلا واسطة كالصحابي إذا قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبين غيره, فمال إلى أن تعمد الأول للكذب كفر وتردد في الثاني. ووقوع الزلة أو الهفوة من الصحابي لا يسوغ احتمال وقوع الكفر منه، هَبْ أن بعضهم لم يكن يرى الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- كفرا، فإنه -على كل حال- يراه أغلظ جدا من الزلات والهفوات المنقولة. الوجه الثالث: أن أئمة الحديث اعتمدوا فيمن يمكن التشكك في عدالته من الصحابة اعتبار ما ثبت أنهم حدثوا به عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أو عن صحابي آخر عنه، وعرضوها على الكتاب والسنة وعلى رواية غيرهم مع ملاحظة أحوالهم وأهوائهم، فلم يجدوا من ذلك ما يوجب التهمة، بل وجدوا عامة ما رووه قد رواه غيرهم من

الصحابة ممن لا تتجه إليه تهمة، أو جاء في الشريعة ما في معناه أو ما يشهد له، وراجع (ص 64) (¬1). وهذا الوليد بن عقبة بن أبي معيط (¬2) يقول المشنِّعون: ليس من المهاجرين ولا الأنصار، إنما هو من الطلقاء. ويقولون: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- لما أمر بقتل أبيه عقب بدر قال: يا محمد فمن لِلصبْيَة؟ يعني بَنيه، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لهم النار. ¬

_ (¬1) سيأتي نقل ما في هذا الموضع فإنه مهم. (¬2) هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط: أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو: ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس، أم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فالوليد بن عقبة أخو عثمان لأمه, يكنى أبا وهب، أسلم يوم الفتح هو وأخوه خالد بن عقبة, استعمله عثمان فولاه الكوفة بعد عزل سعد بن أبي وقاص، فاستعظم الناس ذلك، وكان الوليد شجاعًا شاعرًا جوادًا. قال مصعب الزبيري: وكان من رجال قريش وسراتهم. قال الشيخ محب الدين الخطيب في تعليقه على كتاب "العواصم من القواصم" لأبي بكر بن العربي القاضي المالكي (ص 98 - 99): "تلقفت دولة الإسلام الأُولى من خلافة أبي بكر هذا الشاب الماضي العزيمة الرضي الخلق، الصادق الإيمان, فاستعملت مواهبه في سبيل الله إلى أن توفي أبو بكر، وأول عمل له في خلافة أبي بكر أنه كان موضع السر في الرسائل الحربية التي دارت بين الخليفة وقائده خالد بن الوليد في وقعة المذار مع الفرس سنة 12 "الطبري" (4 - 7)، ثم وجهه مددا إلى قائده عياض بن غنم الفهري "الطبري" (4 - 22)، وفي سنة 13 كان الوليد يلي لأبي بكر صدقات قضاعة، ثم لما عزم الصديق على فتح الشام كان الوليد عنده بمنزلة عمرو بن العاص في الحرمة والثقة والكرامة, فكتب إلى عمرو بن العاص وإلى الوليد بن عقبة يدعوهما لقيادة فيالق الجهاد، فسار ابن العاص بلواء الإسلام نحو فلسطين، وسار الوليد بن عقبة قائدا إلى شرق الأردن "الطبري" (4/ 29 - 30)، ثم رأينا الوليد في سنة 15 أميرا على بلاد بني تغلب وعرب الجزيرة (الطبري 4: 155) يحمى ظهور المجاهدين في شمال الشام لئلا يؤتوا من خلفهم، فكانت تحت قيادته ربيعة وتنوخ، مسلمهم وكافرهم. وانتهز الوليد بن عقبة فرصة ولايتها وقيادته على هذه الجهة التي كانت لا تزال مليئة بنصارى القبائل العربية, فكان مع جهاده الحربي وعمله الإداري داعيا إلى الله؛ يستعمل جميع أساليب الحكمة والموعظة الحسنة لحمل نصارى إياد وتغلب على أن يكونوا مسلمين كسائر العرب. وهربت منه إياد إلى الأناضول وهو تحت حكم البيزنطيين، فحمل الوليد خليفته عمر على كتابة كتاب تهديد إلى =

ويقولون: إنه هو الذي أنزل الله تعالى فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} فنص القرآن أنه فاسق يجب التبين في خبره (¬1). ¬

_ = قيصر القسطنطينية بأن يردهم إلى حدود الدولة الإسلامية, وحاولت تغلب أن تتمرد على الوليد في نشره الدعوة الإسلامية بين شبابها وأطفالها، فغضب غضبته المضرية المؤيدة بالإيمان الإسلامي، وقال فيهم كلمته المشهورة: إذا ما عصبت الرأس منى بمشوذ ... فغيك منى تغلب ابنة وائل. وبلغت هذه الكلمة عمر، فخاف أن يبطش قائده الشاب بنصارى تغلب فيفلت من يده زمامهم في الوقت الذي يحاربون فيه مع المسلمين حمية للعروبة, فكف عنهم يد الوليد ونحاه عن منطقتهم. وبهذا الماضي المجيد جاء الوليد في خلافة عثمان فتولى الكوفة له، وكان من خير ولاتها عدلا ورفقا وإحسانا، وكانت جيوشه مدة ولايته على الكوفة تسير في آفاق الشرق فاتحة ظافرة موفقة". اهـ. (¬1) قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (ج 3 ص 1553): "ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أنّ قوله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} نزلت في الوليد بن عقبة ... ". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (ج 8 ص 216): "ذكر ذلك غير واحد من المفسرين، والله أعلم بصحة ذلك". قال ابن حجر في "الإصابة" (ج 4 ص 637): "هذه القصة أخرجها عبد الرزاق في تفسيره عن معمر، عن قتادة قال: وبعث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الوليد بن عقبة ... [يعني مرسلًا]، وأخرجه عبد بن حميد، عن يونس بن محمد، عن شيبان بن عبد الرحمن، عن قتادة نحوه. ومن طريق الحكم بن أبان، عن عكرمة نحوه. ومن طريق ابن أبي نجيح، عن مجاهد كذلك. وأخرجها الطبراني موصولة عن الحارث بن أبي ضرار المصطلقي مطولة، وفي السند من لا يُعرف". اهـ. وقال أبو بكر بن العربي في "العواصم من القواصم" (ص 102): "وأما الوليد فقد روى بعض المفسرين أن الله سماه فاسقًا في قوله: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: 6]. فإنها -في قولهم- نزلت فيه، أرسله النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بني المصطلق، فأخبر عنهم أنهم ارتدوا، فأرسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إليهم خالد بن الوليد، فتثبت في أمرهم فتبَّين بطلان قوله. وقد اختلف فيه, فقيل: نزلت في ذلك، وقيل: في عليّ والوليد في قصة أخرى، وقيل: إن الوليد سبق يوم الفتح في جملة الصبيان إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمسح رءوسهم وبرك عليهم إلا هو فقال: إنه كان على رأسي خَلوق، فامتنع -صلى الله عليه وسلم- من مَسِّه. (سيأتي تحقيق المعلمي لهذا الخبر قريبًا). فمن يكون في مثل هذه السن يرسل مصدقًا؟! ". اهـ. بَحْثُ الشيخ محب الدين الخطيب في تحقيق هذا الخبر: قال في تعليقه على "العواصم من القواصم" لابن العربي (ص 102): "كنت فيما مضى أعجب كيف تكون هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة, ويسميه الله فاسقا، ثم تبقى له في نفس خليفتي =

. . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبي بكر وعمر المكانة التي سجلها له التاريخ وأوردنا الأمثلة عليه في هامش (ص 98) عند استعراضنا ماضيه في بضعة عشر عاما قبل أن يوليه عثمان الكوفة، إن هذا التناقض بين ثقة أبي بكر وعمر بالوليد بن عقبة, وبين ما كان ينبغي أن يعامل به لو أن الله سماه فاسقا - حملني على الشك في أن تكون الآية نزلت فيه, لا استبعادا لوقوع أمر من الوليد يعد به فاسقا، ولكن استبعادا لأن يكون الموصوم بالفسق في صريح القرآن محل الثقة من رجلين لا نعرف في أولياء الله عز وجل بعد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم من هو أقرب إلى الله منهما. وبعد أن ساورني هذا الشك أعدت النظر في الأخبار التي وردت عن سبب نزول الآية {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ ...}، فلما عكفت على دراستها وجدتها موقوفة على مجاهد، أو قتادة, أو ابن أبي ليلى، أو يزيد بن رومان، ولم يذكر أحد منهم أسماء رواة هذه الأخبار في مدة مائة سنة أو أكثر مرت بين أيامهم وزمن الحارث، وهذه المائة من السنين حافلة بالرواة من مشارب مختلفة، وأن الذين لهم هوى في تسويىء سمعة مثل الوليد ومن هم أعظم مقامًا من الوليد قد ملئوا الدنيا أخبارًا مريبة ليس لها قيمة علمية. وما دام رواة تلك الأخبار في سبب نزول الآية مجهولين من علماء الجرح والتعديل بعد الرجال الموقوفة هذه الأخبار عليهم، وعلماء الجرح والتعديل لا يعرفون من أمرهم حتى ولا أسماءهم، فمن غير الجائز شرعا وتاريخا الحكم بصحة هذه الأخبار المنقطعة التي لا نسب لها. وهنالك خبران موصولان: أحدهما: عن أم سلمة زعم موسى بن عبيدة أنه سمعه من ثابت مولى أم سلمة. وموسى بن عبيدة ضعفه النسائي وابن المديني وابن عدي وجماعة. وثابت المزعوم أنه مولى أم سلمة ليس له ذكر في كل ما رجعت إليه من كتب العلم، فلم يذكر في "تهذيب التهذيب" ولا في "تقريب التهذيب" ولا في خلاصة "تهذيب الكمال"، بل لم أجده ولا في قفصي الاتهام أعني "ميزان الأعتدال" و"لسان الميزان" وذهبت بلى مجموعة أحاديث أم سلمة في "مسند" الإمام أحمد فقرأتها واحدا واحدا فلم أجد فيها هذا الخبر، بل لم أجد لأم سلمة أي خبر ذكر فيه اسم مولى لها يدعى ثابت، زد على كل هذا أن أم سلمة لم تقل في هذا الخبر -إن صح عنها، ولا سبيل إلى أن يصح عنها- أن الآية نزلت في الوليد، بل قالت - أي: قيل على لسانها: "بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا في صدقات بني المصطلق". والخبر الثاني الموصول رواه الطبري في التفسير عن ابن سعد عن أبيه عن عمه عن أبيه عن أبيه عن ابن عباس. والطبري لم يلق ابن سعد ولم يأخذ عنه؛ لأن ابن سعد لما توفي ببغداد سنة 230 كان الطبري طفلا في السادسة من عمره ولم يخرج إلى ذلك الحين من بلده آمل في طبرستان، لا إلى بغداد ولا لغيرها، وابن سعد وإن كان في نفسه من أهل العدالة في الدين والجلالة في العلم، إلا أن هذه السلسلة من سلفه يجهل علماء الجرح والتعديل أسماء أكثرهم فضلا عن أن يعرفوا شيئا من =

ويقولون: إنه في زمن عثمان كان أميرا على الكوفة، فشهدوا عليه أنه شرب الخمر، وكلَّم عليٌّ عثمانَ في ذلك فأمره أن يجلده فأمر عليٌّ عبد الله بن جعفر فجلده. ومنهم من يزيد، أنه صلى بهم الصبح سكران فصلى أربعا ثم التفت فقال: أزيدكم؟ (¬1). ¬

_ = أحوالهم، فكل هذه الأخبار من أولها إلى آخرها لا يجوز أن يؤاخذ بها مجاهدٌ كان موضع ثقة أبي بكر وعمر، وقام بخدمات للإسلام يرجى له بها أعظم المثوبة إن شاء الله، أضف إلى كل ما تقدم أنه في الوقت الذي حدثت فيه لبني المصطلق الحادثة التي نزلت فيها الآية كان الوليد صغير السن كما سيأتي". اهـ. (¬1) كَشْفُ الشيخ محب الدين الخطيب عن دخائل هذه الحكاية: ذكر رحمه الله في تعليقه على "العواصم" (ص 106 - 108): "أن فريقا من الأشرار وأهل الفساد أصاب بنيهم سوط الشريعة بالعقاب على يد الوليد، فوقفوا حياتهم على ترصد الأذى له، ومن هؤلاء رجل يسمى: أبا زينب بن عوف الأزدي, وآخر يسمى: أبا مورع، وثالث اسمه. جندب أبو زهير قبض السلطان على أبنائهم في ليلة نقبوا بها على ابن الحيسمان داره وقتلوه، وكان نازلا بجواره رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على جيش خزاعة يوم فتح مكة فجاء هو وابنه من المدينة إلى الكوفة ليسيرا مع أحد جيوش الوليد بن عقبة التي كان يواصل توجيهها نحو الشرق للفتوح ونشر دعوة الإسلام، فشهد هذا الصحابي وابنه في تلك الليلة سطو هؤلاء الأشرار على منزل ابن الحيسمان، وأدى شهادته هو وابنه على هؤلاء القتلة السفاحين، فأنفذ الوليد فيهم حكم الشريعة على باب القصر في الرحبة, فكتب آباؤهم العهد على أنفسهم للشيطان بأن يكيدوا لهذا الأمير الطيب الرحيم، وبثوا عليه العيون والجواسيس ليترقبوا حركاته, وكان بيته مفتوحا دائما. وبينما كان عنده ذات يوم ضيف له من شعراء الشمال كان نصرانيا في أخواله من تغلب بأرض الجزيرة وأسلم على يد الوليد، فظن جواسيس الموتورين أن هذا الشاعر الذي كان نصرانيا لابد أن يكون ممن يشرب الخمر ولعل الوليد أن يكرمه بذلك، فنادوا أبا زينب وأبا المورع وأصحابهما، فاقتحموا الدار على الوليد من ناحية المسجد، ولم يكن لداره باب فلما فوجىء بهم نحى شيئا أدخله تحت السرير، فأدخل بعضهم يده فأخرجه بلا إذن من صاحب الدار، فلما أخرج ذلك الشيء من تحت السرير إذا هو طبق عليه تفاريق عنب، وإنما نحاه الوليد استحياء أن يروا طبقه ليس عليه إلا تفاريق عنب، فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون من الخجل، وسمع الناس بالحكاية فأقبلوا يسبونهم ويلعنونهم، وقد ستر الوليد عليهم ذلك وطواه عن عثمان وسكت عن ذلك وصبر. ثم تكررت مكايد جندب وأبي زينب وأبي المورع، وكانوا يغتنمون كل حادث فيسيئون تأويله ويفترون الكذب. وذهب بعض الذين كانوا عمالا في الحكومة ونحاهم الوليد عن أعمالهم لسوء =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = سيرتهم فقصدوا المدينة وجعلوا يشكون الوليد لأمير المؤمنين عثمان ويطلبون منه عزله عن الكوفة. وفيما كان هؤلاء في المدينة دخل أبو زينب وأبو المورع دار الإمارة بالكوفة مع من يدخلها من غمار الناس وبقيا فيها إلى أن تنحى الوليد ليستريح، فخرج بقية القوم، وثبت أبو زينب وأبو المورع إلى أن تمكنا من سرقة خاتم الوليد من داره وخرجا. فلما استيقظ الوليد لم يجد خاتمه, فسأل عنه زوجتيه -وكانتا في مخدع تريان منه زوار الوليد من وراء ستر- فقالتا: إن آخر من بقي في الدار رجلان، وذكرتا صفتهما وحليتهما للوليد، فعرف أنهما أبو زينب وأبو المورع، وأدرك أنهما لم يسرقا الخاتم إلا لمكيدة بيتاها، فأرسل في طلبهما فلم يوجدا في الكوفة, وكانا قد سافرا توًّا إلى المدينة، وتقدما شاهدين على الوليد بشرب الخمر -وأكبر ظني أنهما استلهما شهادتهما المزورة من تفاصيل الحادث الذي سبق وقوعه لقدامة بن مظعون في خلافة عمر- فقال لهما عثمان: كيف رأيتما؟ قالا: كنا في غاشيته, فدخلنا عليه وهو يقيء الخمر. فقال عثمان: ما يقيء الخمر إلا شاربها. فجيء بالوليد من الكوفة فحلف لعثمان وأخبره خبرهم، فقال عثمان: "نقيم الحدود، ويبوء شاهد الزور بالنار". هذه قصة اتهام الوليد بالخمر كما في حوادث سنة 30 من تاريخ الطبري, وليس فيها -على تعدد مصادرها القديمة- شيء غير ذلك. وعناصر الخبر عند الطبري أن الشهود على الوليد اثنان من الموتورين الذين تعددت شواهد غلهم عليه, ولم يرد في الشهادة ذكر الصلاة من أصلها فضلا عن أن تكون اثنتين أو أربعا. وزيادة ذكر الصلاة هي الأخرى أمرها عجيب؛ فقد نقل خبرها عن الحضين بن المنذر-أحد أتباع علي- أنه كان مع علي عند عثمان ساعة أقيم الحد على الوليد، وتناقل عنه هذا الخبر فسجله مسلم في "صحيحه" (كتاب الحدود ب 8 ج 38 - ج 5 ص 126)، بلفظ: شهدت عثمان بن عفان وأتي بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال: أزيدكم؟ فشهد عليه رجلان: أحدهما: حمران أنه شرب الخمر، وشهد آخر أنه رآه يتقيأ. فالشاهدان لم يشهدا بأن الوليد صلى الصبح ركعتين وقال أزيدكم، بل شهد أحدهما بأنه شرب الخمر وشهد الآخر بأنه تقيأ. أما صلاة الصبح ركعتين وكلمة أزيدكم فهي من كلام حضين، ولم يكن حضين من الشهود، ولا كان في الكوفة في وقت الحادث المزعوم، ثم إنه لم يسند هذا العنصر من عناصر الاتهام إلى إنسان معروف ومن العجيب أن نفس الخبر الذي في "صحيح" مسلم وارد في ثلاثة مواضع من "مسند" أحمد رواية عن حضين، والذي سمعه من حضين في "صحيح" مسلم هو الذي سمعه منه في "مسند" أحمد بمواضعه الثلاثة, فالموضعان الأول والثاني (ج 1 ص 82 و 140 الطبعة الأولى- ج 2 رقم 264 و 1184 الطبعة الثانية) ليس فيهما ذكر للصلاة عن لسان حضين فضلا عن غيره, فلعل أحد الرواة من بعده أدرك أن الكلام عن الصلاة ليس من كلام الشهود فاقتصر على ذكر الحد. وأما في الموضع الثالث من "مسند" أحمد (ج 1 ص 144 - 145 الطبعة الأولى - ج 2 رقم 1229) =

وكان الوليد أخا عثمان لأمه فلما قتل عثمان صار الوليد ينشىء الأشعار يتهم عليًّا بالممالأة على قتل عثمان، ويحرض معاوية على قتال علي. هذا الرجل أشد ما يُشنِّعُ به المعترضون على إطلاق القول بعدالة الصحابة، فإذا نظرنا إلى روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- لنرى كم حديثًا روى في فضل أخيه ووليّ نعمته عثمان؟ وكم حديثا روى في ذم الساعي في جلده الممالىء على قتل أخيه في ظنه، عليّ؟ وكم حديثا روى في فضل نفسه ليدافع ما لحقه من الشهرة بشرب الخمر؟ هَالَنَا أننا لا نجد له رواية البتة، اللهم إلا أنه رُوي عنه حديث في غير ذلك لا يصح عنه، وهو ما رواه أحمد (¬1) وأبو داود (¬2) من طريق رجل يقال له: أبو موسى عبد الله الهمداني عن الوليد بن عقبة قال: "لما فتح النبي -صلى الله عليه وسلم- مكة جعل أهل مكة يأتونه بصبيانهم فيمسح على رءوسهم ويدعو لهم، فجيء بي إليه وأنا مطيب بالخلوق فلم يمسح رأسي، ولم يمنعه من ذلك إلا أن أمي خلقتني بالخلوق، فلم يمسني من أجل الخلوق". ¬

_ = فقد جاء فيه على لسان حضين: "أن الوليد صلى بالناس الصبح أربعا"، وهو يعارض ما جاء على لسان حضين نفسه في "صحيح" مسلم، ففي إحدى الروايتين تحريف، الله أعلم بسببه. وفي الحالتين لا يخرج ذكر الصلاة عن أنه من كلام حضين، وحضين ليس بشاهد، ولم يرو عن شاهد، فلا عبرة بهذا الجزء من كلامه. وبعد أن علمت بأمر الموتورين فيما نقله الطبري عن شيوخه, أزيدك علما بأمر حمران، وهو عبد من عبيد عثمان كان قد عصى الله قبل شهادته على الوليد فتزوج في مدينة الرسول امرأة مطلقة ودخل بها وهي في عدتها من زوجها الأولى، فغضب عليه عثمان لهذا ولأمور أخرى قبله فطرده من رحابه وأخرجه من المدينة, فجاء الكوفة يعيث فيها فسادا، ودخل على العابد الصالح عامر بن عبد القيس فافترى عليه الكذب عند رجال الدولة وكان سبب تسييره إلى الشام, وأنا أترك أمر هذا الشاهد والشاهدين الآخرين قبله إلى ضمير القارىء يحكم به عليهم بما يشاء, في اجتهادي أن مثل هؤلاء الشهود لا يقام بهم حد الله على ظنين من السوقة والرعاع كيف بصحابي مجاهد وضع الخليفة في يده أمانة قطر وقيادة جيوش فكان عند الظن به من حسن السيرة في الناس وصدق الرعاية لأمانات الله ... ". (¬1) (4/ 32). (¬2) رقم (4181).

هذا جميع ما وجدناه عن الوليد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). وأنت إذا تفقدت السند وجدته غير صحيح لجهالة الهمداني (¬2)، وإذا تأملت المتن لم تجده منكرا (¬3) ولا فيه ما يمكن أن يتهم فيه الوليد (¬4)، بل الأمر بالعكس فإنه لم يذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا له، وذكر أنه لم يمسح رأسه، ولذلك قال بعضهم: قد علم الله تعالى حاله فحَرَمَهُ بركة يد النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعائه (¬5). أفلا ترى معي في هذا دلالة واضحة على أنه كان بين القوم وبين الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- حجر محجور؟ ¬

_ (¬1) لم يذكر الإمام أحمد سواه في "مسنده" (4/ 32) وقد بوب له: "حديث الوليد بن عقبة ... "، وكذا ابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (1/ 405) لكن زاد الطبراني في "الكبير" (22/ 150) حديثا آخر، وفي إسناده: عبد الله بن حكيم أبو بكر الداهري وهو تالف. وأخرجه أيضا في "المعجم الأوسط" (1/ 37)، وقال ابن عبد البر في "الاستيعاب": "لم يَرْو الوليد بن عقبة سُنَّة يحتاج فيها إليه". (¬2) هذا الخبر يرويه جعفر بن برقان عن ثابت بن الحجاج الكلابي عن أبي موسى عبد الله الهمداني هذا عن الوليد بن عقبة به. هكذا رواه عن جعفر بن برقان جماعة, وخالف زيد بن أبي الزرقاء فجعله عن جعفر عن ثابت عن عبد الله الهمداني عن أبي موسى عن الوليد. فزاد في الإسناد: أبا موسى بين عبد الله هذا والوليد؟ فوهم فيه. انظر "التاريخ الكبير" للبخاري (8/ 140)، و"الضعفاء" للعقيلي (2/ 319)، و"المعجم الكبير" للطبراني (22/ 150، 151) وغيرها. قال ابن عبد البر في "الاستيعاب" (4/ 1553): "قالوا: أبو موسى هذا مجهول، والحديث منكر مضطرب لا يصح"، وترجمه العقيلي في "الضعفاء" فقال: "عبد الله الهمداني عن أبي موسى. حدثني آدم بن موسى، قال: سمعت البخاري قال: عبد الله الهمداني ولا يصح" يعني حديثه هذا، وقد ذكره العقيلي بعد ذلك. (¬3) بل قال ابن عبد البر في "الاستيعاب": "الحديث منكر ... لا يصح، ولا يمكن أن يكون من بعث مصدقا في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيًّا يوم الفتح. ويدل أيضا على فساد ما رواه أبو موسى المجهول أن الزبير وغيره من أهل العلم بالسير والخبر ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجا ليردا أختهما أم كلثوم عن الهجرة, فكانت هجرتها في الهدنة بين النبي -صلى الله عليه وسلم- وبين أهل مكة، ومن كان غلاما يوم الفتح ليس يجيء منه مثل هذا، وذلك واضح والحمد لله رب العالمين. اهـ. (¬4) نعم هذا صحيح. (¬5) ذكره الحاكم في "المستدرك" عن الإمام أحمد.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ردِّه على الأخنائي (ص 163): "فلا يُعرف من الصحابة من كان يتعمد الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كان فيهم من له ذنوب لكن هذا الباب مما عصمهم الله فيه". قد ينفر بعض الناس من لفظ "العصمة" وإنما المقصود أن الله عز وجل وفاءً بما تكفل به من حفظ دينه وشريعته هيأ من الأسباب ما حفظهم به وبتوفيقه سبحانه من أن يتعمد أحد منهم الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فإن قيل: فلماذا لم يحفظهم الله تعالى من الخطأ؟ قلت: الخطأ إذا وقع من أحد منهم فإن الله تعالى يهيىء ما يُوقَفُ به عليه, وتبقى الثقة به قائمة في سائر الأحاديث التي حدث بها مما لم يظهر فيه خطأ، فأما تعمد الكذب فإنه إن وقع في حديث واحد لزم منه إهدار الأحاديث التي عند ذاك الرجل كلها، وقد تكون عنده أحاديث ليست عند غيره. راجع (ص 20 - 21) (¬1). وقال أبو رية (ص 42): "الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- قبل وفاته ... " ثم ذكر ما رُوي عن ابن بريدة عن أبيه بريدة بن الحصيب قال: "كان حي من بني ليث على ميلين من المدينة، فجاءهم رجل وعليه حُلة, فقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كساني هذه الحلة وأمرني أن أحكم في دمائكم وأموالكم بما أرى - وكان قد خطب منهم امرأة [في الجاهلية] فلم يزوجوه, فانطلق [حتى نزل] على تلك المرأة, فأرسلوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فقال: كذب عدو الله. ثم أرسل رجلا فقال: إن وجدته حيا [ولا أراك تجده] فاضرب عنقه، وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار". أقول: عزاه إلى أحكام ابن حزم (¬2)، ومنه أضفت الكلمات المحجوزة, وانظر لماذا أسقطها أبو رية؟! وراويه عن ابن بريدة: صالح بن حيان، وهو ضعيف، له ¬

_ (¬1) تجد هذا في الفصل الثالث من الفصول النافعة في السنة من كتابنا هذا فراجعه. (¬2) هو فيه (2/ 211).

أحاديث منكرة، وفي السند غيره، وقد رُويت القصة من وجهين آخرين بقريب من هذا المعنى، وفي كل منهما ضعف، راجع "مجمع الزوائد" (1/ 145) (¬1). ¬

_ (¬1) هذا الحديث روي من ثلاث طرق: الأول: صالح بن حيان عن ابن بريدة عن أبيه. الثاني: عبد الله بن محمد بن الحنفية عن أبيه عن صهر لهم من أسلم سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-. الثالث: عطاء بن السائب عن عبد الله بن الحارث وقيل عن عبد الله بن الزبير به. أما الأول، فصالح بن حيان ضعيف باتفاق من يُعْتدُّ به من أهل العلم، وقد ذكر ابن عدي صالحًا هذا في "الكامل" (4/ 54) وأورد له هذا الحديث في مناكيره. وقال الذهبي في "السير" (7/ 374): "هذا حديث منكر ولم يأت به سوى صالح بن حيان القرشي هذا الضعيف". وكذا ذكره في "الميزان" (2/ 293)، وقال: "لم يصح بوجه". وقد روى هذا الحديث عن صالح: علي بن مسهر، وعن علي: يحيى بن عبد الحميد الحماني وزكريا بن عدي وسويد بن سعيد. أما الأولّان فذكرا تمام الحديث والقصة، وأما سويد فذكر حديث: "من كذب علي متعمدا ... " فقط دون القصة. وأما الثاني: فقد رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (6/ 277، رقم 6215) عن علي بن عبد العزيز عن أبي نعيم عن أبي حمزة الثمالي ثابت بن أبي صفية عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن محمد بن الحنفية به. وفيه حديث: ... يا بلال أرحنا بالصلاة وقصة هذا الرجل. وأبو حمزة الثمالي ضعيف رافضي. وقد رواه الإمام أحمد في "المسند" (5/ 371) من طريق ابن مهدي عن إسرائيل عن عثمان بن المغيرة عن سالم به، لكن بحديث: أرحنا بالصلاة فقط دون القصة. وعثمان ثقة وروايته عند المقارنة أوْلى من رواية الثمالي، ولا تصلح شاهدا لأصل القصة كما زعم الحافظ ابن حجر "التلخيص الحبير" (4/ 127) وسيأتي ما في كلامه. وأما الثالث: فرواه عن عطاء بن السائب: داود بن الزبرقان، وهو متروك، ولا يعرف عطاء بن السائب بالرواية عن عبد الله بن الحارث أو ابن الزبير. فالطرق الثلاثة واهية، وقد قال الذهبي في "الميزان" كما سبق عنه: "لم يصح بوجه"، فاعترض عليه ابن حجر بقوله في "التلخيص الحبير" (4/ 127): "طريقة أحمد ما بها بأس، وشاهدها حديث بريدة، فالحديث حسن". =

وعلى فرض صحته فهذا الرجل كان خطب تلك المرأة في الشرك فردوه، فلما أسلم أهلها سوَّلت له نفسه أن يظهر الإسلام ويأتيهم بتلك الكذبة لعله يتمكن من الخلوة بها ثم يفرّ، إذْ لا يعقل أن يريد البقاء وهو يعلم أنه ليس بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- سوى ميلين، فأنكر أهلها أن يقع مثل ذلك عن أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرأوا أن ينُزلوا الرجل محترسين منه، ويرسلوا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يخبرونه. وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "ولا أراك تجده" ظن منه أن عقوبة الله عز وجل ستعاجل الرجل، وكذلك كان كما في الطرق الأخرى، وجده الرسول قد مات، وفي رواية: "خرج ليبول فلدغته حية فهلك". وحدوث مثل هذا لا يصلح للتشكيك في صدق بعض من صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- غير متهم بالنفاق ثم استمر على الإسلام بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، يراجع (ص 193) فما بعدها (¬1). وتعجيل العقوبة القدرية لذلك الرجل يمنع غيره من أن تحدثه نفسه بكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وكذا من باب أولى بعد وفاته؛ فإن العقوبة القدرية لم تمهل ذاك مع أنه كان بصدد أن تناله العقوبة الشرعية، ولا يترتب على كذبه المفاسد. هذا ومن الحكمة في اختصاص الله تعالى أصحاب رسوله بالحفظ من الكذب عليه أنه سبحانه كره أن يكونوا هدفا لطعن مَنْ بعدهم؛ لأنه ذريعة إلى الطعن في الإسلام جملة، وليس هناك سبب مقبول للطعن إلا أن يقال: نحن مضطرون إلى ¬

_ = أقول: نعم، طريق أحمد ما بها بأس؛ لأنها لا تشتمل على القصة محل النظر، وقد سبق بيان مخالفة عثمان بن المغيرة لثابت بن أبي صفية الثمالي في ذلك. وأما حديث بريدة فإسناده ضعيف من أجل صالح بن حيان, فأين الحُسْنُ المذكور، بل الصواب ما قاله الذهبي أن الحديث منكر، ورَدَّ بذلك على شيخ الإسلام ابن تيمية؛ إذ صحح الحديث في "الصارم المسلول" (ص 169 - 170) وقد ذكر طرق هذه القصة على أنها السبب في حديث: "من كذب علي متعمدا ... " ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 50) وعنه "البدر المنير" (9/ 205 - 209). (¬1) سبق نقل هذا الموضع قريبًا.

بيان أحوالهم لِيُعرف من لا يحتج بروايته منهم، فاقتضت الحكمة حسم هذا؛ لقطع العذر عمن يحاول الطعن في أحد منهم. وقال (¬1) (ص 43): "الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد موته ... فإن الكذب قد كثر عليه بعد وفاته ... " أقول: قد كان كذب، لكن متى؟ وممن؟ لا شأن لنا بدعاوى أبي رية، وإنما ننظر في شواهده (¬2): ذكر قصة بُشير (بالتصغير) بن كعب العدوي مع ابن عباس في مقدمة "صحيح" مسلم وجعلها قصتين وإنما هما روايتان، وبُشير هذا غير بَشِير -بفتح فكسر- بن كعب بن أبي الحميري العامري الذي شهد اليرموك، بل هذا أصغر منه بكثير، وأخطأ من عدهما واحدا، وراجع "الإصابة". هذا عراقي بصري له قصة مع عمران ابن حصين في الحياء تدل أنه كان يقرأ صحف أهل الكتاب، وقصته مع ابن عباس يظهر أنها كانت حوالي سنة ستين، فإن ابن عباس توفي سنة 68 أو بعدها وعاش بشير بعد ابن عباس زمانا. روى مسلم القصة من طريق طاوس ومجاهد، وحاصلها أن بُشيرا جاء إلى ابن عباس فجعل يحدث -زاد مجاهد: ويقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال طاوس: فقال له ابن عباس: عُد لحديث كذا وكذا، فعادَ له. ثم حدثه فقال له: عد لحديث كذا وكذا. فعادَ له، فقال له: ما أدري أعرفتَ حديثي كله وأنكرتَ هذا، أم أنكرتَ حديثي كله وعرفتَ هذا؟ فقال ابن عباس: إنا كنا نحدث عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذْ لم يكن يُكذَب عليه، فلما ركب الناس الصعب والذلول تركنا الحديث عنه - وفي رواية عن طاوس هي أثبت من الأولى، قال: إنما كنا نحفظ ¬

_ (¬1) يعني أبا رية. (¬2) المقصود شواهد أي رية على ما ذكره من كثرة الكذب بعد وفاته -صلى الله عليه وسلم-.

الحديث يُحفظ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأما إذ ركبتم كل صعب وذلول فهيهات- ولفظ مجاهد: فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، ما لي لا أراك تسمع لحديثي؟! فقال ابن عباس: إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ابتدرته أبصارنا وأصغينا إلبه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف". عرف ابن عباس أن بُشيرا ليس بصحابي، ومع ذلك لم يدرك كبار الصحابة، ولعله مع ذلك لم يكن يعرفه بالثقة، وفوق ذلك كان يرسل، لا جرم لم يصغ إلى أحاديثه. أما استعادته بعضها فكأن المستعاد كان أحاديث يعرفها ابن عباس فأراد أن يصححها لبشير إن كان عنده فيها خطأ. كانت القصة حوالي سنة ستين كما مر، وقد ظهر الكذب بالعراق قبل ذلك كما يؤخذ مما يأتي، وبشير عراقي فليس في القصة ما يخدش في صدق الصحابة -رضي الله عنهم-، ولا ما يدل على ظهور الكذب بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- بمدة يسيرة. وقوله في إحدى روايتي طاوس: "تركنا الحديث عنه"، يريد تركنا أخذ الحديث عنه إلا من حيث نعرف. وذكر (ص 44) ما في مقدمة "صحيح" مسلم أيضا عن ابن أبي مليكة: "كتبتُ إلى ابن عباس أسأله أن يكتب لي كتابا ويخفي عني فقال: ولد ناصح، وأنا أختار له الأمور اختيارا وأخفي عنه، قال: فدعا بقضاء عليّ -رضي الله عنه- فجعل يكتب منه أشياء ويمر به الشيء فيقول: والله ما قضى بهذا علي إلا أن يكون ضل". أقول: أورد مسلم بعد هذا: "عن طاوس قال: أُتي ابن عباس بكتاب فيه قضاء علي ... "، ثم أورد: "عن أبي إسحاق قال: لما أحدثوا تلك الأشياء بعد عليّ -رضي الله عنه- قال رجل من أصحاب عليّ: قاتلهم الله أي عِلم أفسدوا". التفّ حول عليّ -رضي الله عنه- بالكوفة نفر ليس لهم علم ولا كبير دين، وذاك الكتاب جُمع من حكاياتهم وحكايات غيرهم عن قضاء عليّ، وجيء إلى ابن عباس بنسخة منه.

وذكر مسلم أيضا ونقله أبو رية عن المغيرة بن مقسم قال: "لم يكن يصدق على عليّ -رضي الله عنه- في الحديث عنه إلا من أصحاب عبد الله بن مسعود"؛ وذلك أن ابن مسعود كان بالكوفة في عهد عمر وبعده، فكان له أصحاب طالت صحبتهم له وفقهوا، فلما جاء علي إلى الكوفة أخذوا عنه أيضا وكانوا أوثق أصحابه. وهذه الآثار إنما تدل على فشو الكذب بالكوفة بعد علي -رضي الله عنه-. اهـ. الموضع الثالث: وقال في "الأنوار" أيضا (ص 92 - 94): ذكر أبو رية عن أئمة السنة: إسحاق بن راهويه، وأحمد بن حنبل، والبخاري، والنسائي، ثم ابن حجر، ما حاصله أنه لم يصح في فضل معاوية حديث. أقول: هذا لا ينفي الأحاديث الصحيحة التي تشمله وغيره، ولا يقتضي أن يكون كل ما روي في فضله خاصة مجزوما بوضعه. وبَعْدُ ففي هذه القضية برهان دامغ لما يفتريه أعداء السنة على الصحابة، وعلى معاوية، وعلى الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث، وعلى أئمة الحديث، وعلى قواعدهم في النقد. أما الصحابة -رضي الله عنهم- ففي هذه القضية برهان على أنه لا مجال لاتهام أحد منهم بالكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- وذلك أن معاوية كان عشرين سنة أميرا على الشام وعشرين سنة خليفة، وكان في حزبه وفيمن يحتاج إليه جمع كثير من الصحابة منهم كثير ممن أسلم يوم فتح مكة أو بعده، وفيهم جماعة من الأعراب، وكانت الدواعي إلى التعصب له والتزلف إليه متوفرة، فلو كان ثمَّ مساغ لأن يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- أحد لقيه وسمع منه مسلما لأقدم بعضهم على الكذب في فضل معاوية، وجهر بذلك أمام أعيان التابعين، فينقل ذلك جماعة ممن يوثقهم أئمة السنة فيصح عندهم ضرورة.

فإذا لم يصح خبر واحد، ثبت صحة القول بأن الصحابة كلهم عدول في الرواية، وأنه لم يكن منهم أحد مهما خفت منزلته وقوي الباعث له محتمَلا منه أن يكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم-. وأما معاوية فكذلك، فعلى فرض أنه كان يسمح بأن يقع كذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- ما دام في فضيلة له، وأنه لم يطمع في أن يقع ذلك من أحد غيره ممن له صحبة، أو طمع ولكن لم يُجْده ترغيب ولا ترهيب في حمل أحد منهم على ذلك، فقد كان في وسعه أن يحدث هو عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قد حدث عدد كثير من الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بفضائل لأنفسهم وقَبِلَهَا منهم الناس ورووها وصححها أئمة السنة. ففي تلك القضية برهان على أن معاوية كان من الدين والأمانة بدرجة تمنعه من أن يفكر في أن يكذب أو يحمل غيره على الكذب على النبي -صلى الله عليه وسلم- مهما اشتدت حاجته إلى ذلك. ومن تدبر هذا علم أن عدم صحة حديث عند أهل الحديث في فضل معاوية أدل على فضله من أن تصح عندهم عدة أحاديث. وأما الرواة الذين وثقهم أئمة الحديث فقد كان من حزب معاوية والموالين له عدد منهم، كان في وسعهم أن يكذبوا على بعض الصحابة الذين لقوهم ورووا عنهم فيرووا عنه حديثا أو أكثر في فضل معاوية، ينشروا ذلك فيمن يليهم من الثقات فيصححه أهل الحديث، فعدم وقوع شيء من ذلك يدل على أن الرواة الذين يوثقهم أئمة الحديث ثقات في نفس الأمر. وأما أئمة الحديث فهم معروفون بحسن القول في الصحابة عامة، وخصومهم ينقمون عليهم ذلك كما تراه في فصل عدالة الصحابة من كتاب أبي رية, ويرمونهم بالنصب ومحبة أعداء أهل البيت والتعصب لهم.

وتلك القضية براءة لهم؛ فلو كانوا من أهل الهوى المُتَّبَع لأمكنهم أن يصححوا عدة أحاديث في فضل معاوية، أو يسكتوا على الأقل عن التصريح بأن كل ما روي في ذلك غير صحيح. وأما قواعدهم في النقد فلا ريب أن نجاحها في هذا الأمر -وهو من أشد معتركات الأهواء- من أقوى الأدلة على وفائها بما وُضعت له". اهـ. الموضع الرابع: وقال في "الأنوار" أيضًا (ص 282): "ثم ذكر يعني أبا رية (ص 324 - 327) كلاما للدكتور طه حسين ذكره في معرض الرد على الذين يكذّبون غالب ما روي من الأحداث في زمن عثمان ويقولون إنه: "على كل حال لم يرد إلا الخير، ولم يكن يريد ولا يمكن أن يريد إلا الخير" ويرون في سائر الصحابة أنهم "يخطئون ويصيبون، ولكنهم يجتهدون دائما ويسرعون إلى الخير دائما فلا يمكن أن يتورطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلا هذه الصغائر التي يغفرها الله للمحسنين من عباده". أقول: أما أهل العلم من أهل السنة فلا يقولون في عثمان ولا في غيره من آحاد الصحابة إنه معصوم مطلقا أو من الكبائر، وإنما يقولون في المبشَّرين بالجنة: إنه لا يمكن أن يقع منهم ما يحول بينهم وبين ما بُشروا به, وإن الصحابي الذي سمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يُعرف بنفاق في عهده ولا ارتد بعد موته لا يكذب عليه -صلى الله عليه وسلم- متعمدا، وقد تقدم بيان ذلك، ولا يُظن به أن يرتكب كبيرة غير متأوِّل ويصرّ عليها. والعارف المنصف لا يستطيع أن يجحد أن هذه الحال كانت هي الغالبة فيهم، فالواجب الحمل عليها ما دام ذلك محتملا، وعلماء السنة يجدون الاحتمال قائما في كل ما نقل نقلا ثابتا، نعم قد يبعد في بعض القضايا ولكنهم يرونه مع بعده أقرب من ضده، وذلك مبسوط في كتبهم.

قال أبو رية (ص 325): "ونحن لا نغلو في تقديس الناس إلى هذا الحد البعيد". أقول: وعلماء السنة كما رأيت لا يبلغون ذلك الحد، وإن كانوا يعلمون أن حال الصحابة لا تقاس بحال غيرهم. قال: "ولا نرى في أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ما لم يكونوا يرون في أنفسهم". أقول: المدار على الحجة، فإذا ثبت عندنا أن أحدهم كان يرى في صاحبه أمرًا فليس لنا أن نوافقه إذا لم نعلمَ له حجة، فكيف إذا ما قامت الحجة على خلافه؟ وأوضح من ذلك أنه ليس لنا أن نتهم غير صاحبه بمثل تلك التهمة ما دام لا حجة لنا على ذلك، فأما الاستدلال على الإمكان فعلماء السنة لم ينفوا الإمكان إلا فيما قام عليه دليل شرعي كالتبشير بالجنة، والدليل الشرعي لا يعارضه ما دونه. قال: "وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روي أن عمار بن ياسر ... ". أقول: أما الترامي بالفسوق بمعنى ارتكاب بعض الكبائر فقد كان بعض ذلك وعُلم حكمُه مما مر، وأما الترامي بالكفر فلم يثبت، بل الثابت خلافه، وما ذكر أنه روي عن عمر وابن مسعود لم يثبت، وعلى فرض أنه ثبت عن بعضهم كلمة يظهر منها ذاك المعنى فهي فلتة لسان عند ثورة غضب لا يجوز أخذها على ظاهرها لشذوذها ونفي جمهور الصحابة لما يزعمه ظاهرها، كيف وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تبشير عثمان بالشهادة والجنة؟ ". اهـ. * * *

فائدة (1) دلالة ترك الصحابي للشيء • قال الشيخ المعلمي في مسألة رفع اليدين من الجزء الثاني من "التنكيل" ص (28): "لنا أن ندعي في قضيتنا هذه إجماع الصحابة؛ لأن جماعة منهم رووا الرفع وتواتر العمل به عن كثير منهم، بل نسبه غير واحد من التابعين كالحسن البصري وسعيد بن جبير إلى الصحابة مطلقًا، فاشتهر ذلك وانتشر، ولا يعرف عن أحد منهم ما يدل على أنه غير مشروع، فأما ما روي عن بعضهم أنه تركه فلم يثبت، وقد مر الكلام على ما روي عن ابن مسعود، ويأتي الكلام على غيره, ولو ثبت بعض ذلك فإنما هو ترك جزئي، أي في ركعة واحدة أو صلاة واحدة, وذلك لا يدل على أن التارك يراه غير مشروع، إذ قد يكون قَصَدَ بيان أن الرفع في غير الأولى ليس في مرتبتها، وقد يكون سها، وقد يكون ترخص لعذر أولغير عذر في ترك ما يعلمه مندوبًا. بل لو ثبت أن بعضهم تركه مدة طويلة لما دل ذلك على أنه يراه غير مشروع؛ فقد جاء عن أبي بكر وعمر وابن عباس أنهم كانوا لا يُضَحُّون. بل قد ثبت أن الصحابة تركوا في عهد عثمان تكبيرات الخفض والرفع أو الجهر بها، واستمر ذلك حتى أن عليًا لما قدم العراق وصلى بهم وأتى بالتكبيرات وجهر بها قال عمران بن حصين كما في "الصحيحين" وغيرهما (ذَكَّرنا هذا الرجل صلاةً كنا نصليها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-). وقال أبو موسى الأشعري فيما رواه أحمد وغيره بسند صحيح في (الفتح) (ذكرنا علي صلاة كنا نصليها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إما نسيناها وإما تركناها عمدًا).

واستمر الترك بالحجاز حتى إن أبا هريرة حين استخلفه مروان على إمارة المدينة في عهد معاوية صلى بهم، فأتى بالتكبيرات وجهر بها، فأنكروا ذلك، قال أبو سلمة ابن عبد الرحمن بن عوف كما في (صحيح مسلم): (قلنا يا أبا هريرة ما هذا التكبير؟ فقال: إنها لصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وصلى بهم بمكة فأتى بالتكبيرات وجهر بها فأنكروا ذلك، قال عكرمة كما في "صحيح البخاري" وغيره (فقلت لابن عباس إنه أحمق، قال ثكلتك أمك سنة أبي القاسم محمد -صلى الله عليه وسلم-). * * *

فائدة (2) فِعْلُ الصحابة هل يُفيد صحة الخبر المرفوع إذا ثبت وهنُه؟ • في "الفوائد المجموعة" ص (229): حديث: إن العجم يبدؤن بكبارهم إذا كتبوا إليهم، فإذا كتب أحدكم فليبدأ بنفسه. قال الشوكاني: رواه العقيلي عن أبي هريرة مرفوعًا، وهو موضوع، وفي إسناده: مجهول، وهو: محمد بن عبد الرحمن القشيري. وقد رواه الطبراني في الأوسط من طريق أخرى بلفظ: إذا كتب أحدكم إلى إنسان فليبدأ بنفسه، وإذا كتب فليترب كتابه فهو أنجح. (قال المعلمي: فيه الخبائري عن العكاشي، كذاب عن أكذب منه). ورواه الطبراني أيضًا في الكبير عن النعمان بن بشير. (قال المعلمي: اختصره في اللآلىء، وهو في قصة طويلة في مجمع الزوائد 10/ 34 وتهذيب تاريخ ابن عساكر 3/ 260 وفي سندها من لا يعرف، والصناعة فيها ظاهرة). وقد روى أبو داود، وابن أبي شيبة: أن العلاء بن الحضرمي كان عامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على البحرين، وكان إذا كتب إليه بدأ بنفسه وكان هذا هو المعلوم من حال الصحابة فمن بعدهم. فقال المعلمي: "هذا حق، ولكنه لا يفيد صحة ذاك الخبر القولي". اهـ.

قال أبو أنس: هاهنا ينتهي ما أردت عرضه من كلام الشيخ المعلمي فيما يتعلق بالصحابة. وقد أرجأتُ سابقًا الحديث عن معرفة الصحابة، وكيف تثبت الصحبة، إلى هذا الموضع، فأقول وبالله التوفيق: أهمية معرفة من ثبتت له الصحبة: أما فيما يتعلق بالحديث وعلومه, فللتمييز بي المسند والمرسل، فمن ثبتت صحبته كان ما رُوي من طريقه مسندًا، وما لا كان مرسلا، والمرسل ليس بحجة عند جمهور أهل العلم من أئمة هذا الفن. فمن لم تثبت صحبته -بعد أن يُختلف فيها أو تُدَّعى له من غير بَيِّنَة- نُظر: هل ثبتت عدالته أم لا؟ لأن مجرد الاختلاف في صحبة الرجل لا تُسوِّغُ ثبوت عدالته من غير حجة, فرب مجاهيل أو مستورين أُسندت إليهم أحاديث يرفعونها من طرق لا تقوم بها حجة، فنُسبت إليهم الصحبة خطأً. لذا، فقد اعتنى أهل العلم بهذا الفن وهو معرفة الصحابة، وأُلِّفت فيه المصنفات. فمن أول من صنف في ذلك: علي بن المديني، صنف "معرفة من نزل من الصحابة سائر البلدان" ذكروا أنه خمسة أجزاء. وضمن البخاري كتابه "التاريخ الكبير" أسماء الصحابة؛ يبدأ في كل حرف بأسماء من روي عنه الحديث من الصحابة، ثم يتلوه بمن بعدهم، وهكذا. ويمكن تقسيم ما صنفه الأئمة في التعريف بالصحابة إلى الأقسام التالية: 1 - كتب "الطبقات" (وهو تصنيف زمني) ككتاب "الطبقات" لابن سعد، وتبع فيه شيخه الواقدي، و"طبقات" خليفة بن خياط، و"طبقات" مسلم بن الحجاج. 2 - كتب التواريخ المصنفة على البلدان، فيبدأ عند كل بلد أو قطر أولًا بمن نزلها من الصحابة، كتاريخ يعقوب بن سفيان الفسوي في "المعرفة والتاريخ".

3 - كتب التواريخ المصنفة على حروف المعجم ككتاب "التاريخ الكبير" للبخاري كما سبق. 4 - كتب المسانيد وبعض المعاجم المصنفة على الصحابة، كمسند أحمد وغيره, والمعجم الكبر للطبراني. وفيها يجمع المصنف تحت كل ترجمة ما أُسند إلى صاحبها من الأحاديث، فإذا كانت قليلة استوعبها المصنف، سواء ثبتت أم لم يثبت، وعليه فسواء ثبتت الصحبة أم لا؟ وقد تثبت صحبة الرجل، ولا تثبت عنه رواية ما. 5 - الكتب المصنفة في الصحابة رأسًا. وأشهرها كتاب ابن منده وأبي نعيم الأصبهاني و"الاستيعاب" لابن عبد البر و"أسد الغابة" لابن الأثير و"معجم" ابن قانع. وقد اعتنى الأوَّلان بذكر الأحاديث المروية للصحابي لاسيما المقل منهم، مع ذكر الخلاف في أسانيدها إن وجد، وهو مسلك مهم لضبط أحاديث من ذكروا في الصحابة, فربما لا يُعرف الرجل في الصحابة إلا من خلال حديث أو عدة أحاديث، فيحتاج لإثبات صحبته إلى النظر في تلك الأسانيد وإجراء قواعد أهل الفن عليها، فإن كانت محفوظة ثبتت صحبته, وإلا توقف فيه. وقد حذف مَن بعدهما أكثر ذلك، واعتنوا بأنساب الصحابة وما يعرف بهم، مع ذكر طرف من أحاديثهم مختصرة متونها وأكثر أسانيدها. ثم جاء الحافظ ابن حجر، فأراد أن يجمع شتات ما سبقه، فقسَّم كل حرف من كتابه "الإصابة" إلى أربعة أقسام: القسم الأول: من وردت روايته أو ذكره من طريق صحيحة أو حسنة أو ضعيفة أو منقطعة. القسم الثاني: من له رؤية فقط.

القسم الثالث: من أدرك الجاهلية والإسلام ولم يرد في خبر أنه اجتمع بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. القسم الرابع: من ذكر في كتب مصنفي الصحابة أو مخرجي المسانيد غلطا مع بيان ذلك. لكن لا يُستغنى به عن كتاب ابن منده وأبي نعيم؛ لأن فيهما الأخبار مسندة تامة المتن، مع سياق الاختلاف في ذلك كله. أما القسم الأول فأحاديثهم مسندة إذا كان المذكورُ ثابتَ الصحبة من غير طريق تلك الأحاديث، أو كانت أسانيد تلك الأحاديث محفوظة, فإن لم يكن لا ذا ولا ذاك لم يمكن الجزم بصحبته, فإما أن يكون على الاحتمال، أو يقطع بعدم الثبوت لسقوط الإسناد مثلا. وأما القسم الثاني والثالث فحديثهما له حكم المرسل. وأما الرابع فمجزوم بغلطه على ما يبينه الحافظ. تعريف الصحابي: هو بمجموع ما قيل فيه: من اجتمع -أو التقى- بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في اليقظة حال حياته مسلما، ومات على الإسلام، وإن تخلل ذلك ردة على الأصح. فالتعبير بالاجتماع أو اللقاء أولى من التعبير بالرؤية تحرزًا ممن كان أعمى، وهو صحابي باتفاق؛ كعبد الله بن أم مكتوم. وعبارة: "في اليقظة" تحرزًا ممن رآه واجتمع به في رؤيا المنام. وعبارة: "حال حياته" تحرزًا ممن بلغ المدينة بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- مباشرة ورآه حينئذ. وقولهم: "مسلما" تحرزًا ممن التقى بالنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل أن يسلم ثم أسلم بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقولهم: "ومات على الاسلام" تحرزًا ممن ارتد ومات على غير الإسلام. وقولهم: "وإن تخلل ذلك ردة" يعني شريطة أن يموت على الإسلام. وقولهم: "على الأصح" إشارة إلى الراجح من الخلاف في ذلك. أقول: قد وقع جدل في القَدْر الذي يصح معه إطلاق اسم الصحبة. والذي يتحرر من الناحية العملية أن الصحبة نوعان: الأولى: صحبة فضيلة. والثانية: صحبة رواية. فالأولى تطلق على صنفين: أحدهما: كل من رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- ولو مرة، ولو للحظة، وإن لم يقع معها مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة. ثانيهما: الصغير غير المميز، كعبد الله بن حارث بن نوفل، وعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري وغيرهما ممن حنكه النبي -صلى الله عليه وسلم- ودعا له، ومحمد بن أبي بكر الصديق المولود قبل الوفاة النبوية بثلاثة أشهر وأيام، فهو وإن لم تصح نسبة الرؤية إليه، صدق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رآه، وعلى ذلك مشى غير واحدٍ ممن صنف في الصحابة؛ يذكرون كل من نال شرفَ وفضيلةَ رؤية النبي -صلى الله عليه وسلم-. والصنف الأول يقول فيه المحققون: له رؤية وليست له صحبة. يعنون بذلك أنه لم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا، أي له صحبة الفضيلة لرؤية النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن ليست له صحبة الرواية، فحديثه مرسل. وأما صحبة الرواية فهي لمن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- مدة أو حضر له مجلسا أو نحو ذلك مما مكَّنَهُ من سماع النبي -صلى الله عليه وسلم- والرواية عنه. ويتفاوت الصحابة في ذلك بين مقل ومكثر.

ومن هؤلاء من كان صغيرًا حين البعثة، ثم صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- بالغًا، فحكى أشياء عُرف بالتاريخ أنه لم يحضرها لصغره، أو حضرها، ولكن لم يسمح له سنه أن يضبطها؛ منهم: ابن عباس وابن الزبير. وقد ميز المحققون تلك الأحاديث، ونبهوا عليها وسموها مراسيل، ولكنهم قبلوها؛ لعلمهم أن هؤلاء إنما أخذوها ممن هم أكبر منهم من الأصحاب. لكن ربما استفيد من ذلك في بيان خطأ من روى شيئًا لهؤلاء، وأسند إليهم سماعه أو حضوره على سبيل الوهم والخطأ. ومن هؤلاء أيضا من كان إسلامه متأخرًا، فحكى أشياء لم يحضرها مما كان قبل إسلامه فهو كسابقه. وبعد، فهذه إشارة إلى بعض المسائل المتعلقة بقضية الصحبة، وفيها غير ذلك مما لا يتسع له هذا المقام، وبالله تعالى التوفيق. * * *

المبحث الرابع في عدالة التابعين

المبحث الرابع في عدالة التابعين قال المعلمي في "الاستبصار" (ص 9): "التابعي: من أدرك بعض الصحابة، ورأى بعضهم، وسمع منه سماعا يُعتد به بأن يكون السامع مميزا، وقيل بل تكفي الرؤية مع التمييز. والذي يظهر في حديث: "خير الناس قرني ثم الذين يلونهم" أن الدخول في الذين يلونهم يشترط فيه زيادة على ما تقدم. قال ابن الأثير في "النهاية" عن أبي عبيد الهروي فيه: "خيركم قرني ثم الذين يلونهم" يعني: الصحابة ثم التابعين, والقرن أهل كل زمان وهو مقدار التوسط في أعمار أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران، وكأنه المقدار الذي يقترن فيه أهل ذلك الزمان في أعمارهم، وأحوالهم، وقيل القرن: أربعون سنة، وقيل: ثمانون, وقيل: مائة". أقول: والقول الثاني كأنه ضابط تقريبي للأول. هذا، والقرون تتداخل -أعني أن القرن الأول إذا أخذ في النقصان أخذ الذي يليه في الزيادة, وهكذا- فقد يقال: إن قرنه -صلى الله عليه وسلم- بقي على الغلبة إلى تمام ثلاثين سنة من الهجرة، ثم أخذ في الضعف، وذلك حين بدأ الناس في الإنكار على أمراء عثمان، وأخذ القرنان يصطرعان، فكان بعد خمس سنين قبل عثمان، وذلك مصداق حديث البراء بن ناجية, عن ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تدور رحى الإسلام لخمس وثلاثين أو ست وثلاثين أو سبع وثلاثين، فإن يهلكوا فسبيل من هلك، وإن يقم لهم دينهم يقم لهم سبعين عاما، قال: فقلت: مما بقى أو مما مضى؟ قال: مما مضى" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه أبو داود (4254) (2/ 454)، والطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 236)، والبغوي في "شرح السنة" (4225) (15/ 17)، كلهم من طريق منصور عن ربعي عن البراء به.

وفي بعض الروايات "مما بقي" (¬1). وروى شريك، عن مجالد، عن الشعبي، عن مسروق، عن ابن مسعود مرفوعا: "إن رحى الإسلام ستزول بعد خمس وثلاثين، فإن اصطلحوا فيما بينهم على غير قتال يأكلوا الدنيا سبعين عاما رغدًا، وإن يقتتلوا يركبوا سنن من قبلهم" (¬2). فكان لخمس وثلاثين حصر عثمان، ولم يقم الدين كما ينبغي؛ إذ لم يصطلحوا على غير قتال، بل كان هلاك (¬3) بالقتل والفرقة والفتنة، فكان سبيلهم سبيل الأمم الماضية من الاختلاف، ثم تمت الغلبة للقرن الثاني بعد سنوات بقتل أمير المؤمنن علي عليه السلام، ثم بتسليم ابنه الحسن الخلافة لمعاوية, وذلك مصداق حديث سفينة مولى النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك" (¬4). أقول: فتمت الغلبة للقرن الثاني نحو أربعين سنة من الهجرة، فثلاثون سنة فيها كانت للقرن الأول، وعشر بينه وبين الثاني، ثم تمت للقرن الثاني ثلاثون سنة لستين من الهجرة, فكانت ولاية يزيد، ثم قتل الحسين بن علي عليه السلام، وقد صح عن أبي هريرة أنه كان يتعوذ من عام الستن وإمارة الصبيان، فمات قبلها. ثم كانت وقعة الحرف وإحراق الكعبة، ثم كان بعد السبعين رمي الكعبة بالمجانيق، وقتل ابن الزبير، واستتباب الأمر لعبد الملك. وعلى هذا المنوال يكون انتهاء القرن الثاني سنة سبعين، وانتهاء الثالث على رأس المائة. ¬

_ (¬1) أخرجه أحمد (1/ 393)، و (395)، وأبو نعيم في الفتن (1963) (2/ 692)، والطحاوي (2/ 236). والبيهقي في "دلائل النبوة" (6/ 393) من طريق منصور بلفظ: قال عمر: أمن هذا أو من مستقبله؟ قال: من مستقبله. (¬2) أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (2/ 236). (¬3) مقدار كلمة غير واضحة ولعلها "فيها" كذا قال محقق "الاستبصار". (¬4) "المسند" (5/ 220، 221) والترمذي: كتاب الفتن - باب ما جاء في الخلافة ح (2225).

ومن أسباب الفضل للثاني والثالث أنه لم يزل فيهما بقايا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ومنتهى ذلك بعد انتهاء المائة بقليل مصداقا لقوله -صلى الله عليه وسلم- قبيل موته: "أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة [منها] لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد" (¬1). هذا، والظاهر أنه يدخل في القرن الأول من أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم يجتمع به، وكذلك من أسلم بعده بقليل، وكذا من ولد بعده بقليل، بحيث يكون منشؤه في عهد كثرة الصحابة وظهورهم؛ فإنه يقتدي بهم، ويقتبس من أخلاقهم وآدابهم حتى يستحكم خلقه على ذلك، ولا مانع من أن يكون هؤلاء في القرن الأول وإن لم يكونوا صحابة. وعلى هذا فالدرجات تتفاوت: فمن ولد بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- أقرب إلى نيل خصائص القرن الأول ممن ولد بعده بخمس سنوات -مثلا- وهكذا، حتى إن من ولد بعده -صلى الله عليه وسلم- بخمس عشرة سنة أقرب إلى القرن الثاني، وقد يكون بعض من يولد متأخرا أمكن في خصائص القرن الأول ممن ولد متقدما لأسباب أخرى، ككثرة مجالسة أفاضل الصحابة, وقس على هذا. ومن استحكمت قوته في عهد القرن الأول فهو منهم وإن بقي إلى القرن الثاني والثالث، وهكذا، وقد يكون هذا هو السر -والله أعلم- في الشك في أكثر روايات الحديث وكرر النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ثم الذين يلونهم" مرتين أو ثلاثا، وذلك أنه بعد انتهاء قرنه ثم الذي يليه, ثم الذي يليه، تبقى جماعة من أهل الثالث يعيشون في الرابع. هذا وقد احتج بهذا الحديث على أن الظاهر في التابعن وأتباعهم العدالة، فمن لم يجرح منهم فهو عدل. ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (116) (1/ 255)، و (564) (2/ 54)، و (601) (2/ 88)، ومسلم (2537) (4/ 1965) من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما-.

وقد يوجه ذلك بأن الخير لم يرتفع من الأمة جملة بعد تلك القرون، فثناؤه -صلى الله عليه وسلم- عليها، وذمُّهُ منْ بعدها إنما هو بناء على الأغلب، فكأنه يقول: إن غالب أهلها أخيار، وغالب من بعدهم أشرار، وإذا ثبت أن غالبهم أخيار فمن لم يعرف حاله منهم حمل على الغالب. أقول: وفي هذا نظر من وجهين: الوجه الأول: أنه قد يجوز أن يكون -صلى الله عليه وسلم- راعَى الكثرة, فيكون حاصل ذلك أن القرن الأول -وهم الصحابة ومن انضم إليهم- غالبهم عدول، والقرن الثاني نصفهم عدول، والقرن الثالث ثلثهم عدول، والثلث كثير، وأما بعد ذلك فإن العدالة تقل عن ذلك، وعلى تسليم الغلبة في القرن الثاني -أيضا- فقد يكون في الثالث التعادل، واستحقوا الثناء؛ لأن شرهم لم يكن كثر من خيرهم، بخلاف من بعدهم. الوجه الثاني: أن الغلبة تصدق بخمسة وخمسين في المائة -مثلا- ومثل هذا لا يحصل به الظن المعتبر في أن من لم يعرف حاله من المائة فهو من الخمسة والخمسين، ولو قال المحدث: أكثر مشايخي ثقات لما كان توثيقا لمن لا يعرف حاله منهم. وتمام هذا البحث يأتي في الكلام على المجهول - إن شاء الله تعالى. اهـ. قال أبو أنس: تجدر الإشارة في هذا المقام إلى ارتباط هذا المبحث بمناقشة طائفة ممن صنفوا في ثقات الرواة؛ إذ اعتمدوا على ما حكاه المعلمي من اعتبار أن الظاهر في التابعين وأتباعهم العدالة، فمن لم يجرح منهم فهو عدل. راجع مزيدًا من إلقاء الضوء على هذه القضية في ترجمة ابن حبان من القسم السابق من هذا الكتاب. وانظر كذلك مبحث المجهول في هذا القسم.

وهذه تتمات موجزة: 1 - يأتي في تعريف التابعي أكثر ما سبق في تعريف الصحابي، فهو من التقى أو اجتمع بمن صحب النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما، واحدا أو أكثر. وبقية تعريف الصحابي لا وجه له غالبا هنا. ووصف التابعي منه ما هو وصف فضيلة فقط، ومنه ما هو وصف رواية. فالأول من كان صغيرا غير مميز، أو من له رؤية من البالغين لكن ليس له سماع ولا رواية، كالأعمش رأى أنسا ولم يسمع منه شيئا. وأما الثاني فكثير. 2 - لا شك أن التابعن يتفاوتون في القِدَمِ والفضل والعلم، وكذلك في العدالة، ليسوا على درجة واحدة, حسبما يقتضيه صنيع جمهور أهل العلم من تناولهم لهذه الطبقة بالنقد والجرح والتعديل، خلافا لمن شذ فأطلق القول بعدالتهم جميعا. نعم، العدالة فيهم أغلبية لاعتبارات معلومة, كما شرح المعلمي، لكن الأغلبية لا تنفي وجود ما يستثنى منها. 3 - اعتنى المحدثون بالنظر في سماع التابعين من الصحابة، وميزوا من سمع ومن لم يسمع، ومن له رؤية فقط، ومن سمع حديثا أو أحاديث قليلة وما عداه فمرسل. والناظر في كتب المراسيل المصنفة على تراجم الرواة يرى أكثر ما فيها العناية بمرويات التابعين عن الصحابة لنقد سماعاتهم. 4 - ممن اعتنى بذكر التابعين: مسلم، وابن سعد، وخليفة بن خياط، وأبو بكر بن البرقي، وأبو الحسن بن سميع في طبقاتهم، وفيهم من أفردهم بالتصنيف كأبي حاتم الرازي، وأبي القاسم بن منده وغيرهما.

5 - المخضرمون؛ هم من أدركوا الجاهلية والإسلام، إلا أنهم لم يجتمعوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، وربما أسلموا في حياته أو بعد موته، هؤلاء لهم في الرواية حكم كبار التابعين، وقد أفردهم البرهان الحلبي الحافظ في جزء سماه: "تذكرة الطالب المعلم فيمن يقال: إنه مخضرم" منهم: الأسود بن هلال المحاربي، والأسود بن يزيد النخعي، وثمامة بن حزن القشيري، وجبير بن نفير الحضرمي، وحجر بن عنبس، وربيعة ابن زرارة العتكي، وزيد بن وهب الجهني، وسعد بن إياس أبو عمرو الشيباني، وسويد بن غفلة، وشبيل بن عوف الأحمسي، وشريح بن الحارث القاضي، وشريح بن هانىء، وشقيق بن سلمة أبو وائل، وأبو مسلم الخولاني عبد الله بن ثوب، وعبد الرحمن بن عسيلة أبو عبد الله الصنابحي، وعبد الرحمن بن غنم الأشعري، وعبد الرحمن بن مل أبو عثمان النهدي، وعبيدة السلماني، وعلقمة بن قيس، وعمران بن ملحان أبو رجاء العطاردي، وعمرو بن ميمون الأودي، وقيس بن أبي حازم، ومسروق بن الأجدع، والمعرور بن سويد وغيرهم. * * *

المبحث الخامس أوجه الطعن في العدالة

المبحث الخامس أوجه الطعن في العدالة يشتمل هذا المبحث هنا على سبعة أوجه: الوجه الأول: رمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي. الوجه الثاني: أنواع من الكذب تُلحق بالكذب في الحديث النبوي. الوجه الثالث: رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي. الوجه الرابع: التهمة بالكذب. الوجه الخامس: خوارم المروءة. الوجه السادس: البدعة. الوجه السابع: الجهالة. * * *

الوجه الأول رمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي

الوجه الأول رمي الراوي بالكذب في الحديث النبوي ويشتمل على مطالب: المطلب الأول: في بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها، وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها. المطلب الثاني: في ذم الكذب. المطلب الثالث: في الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم. فائدة: ورود الرواية عمن فسد فصار يكذب قد تحمل على ما قبل أن يفسد. المطلب الرابع: في رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب. فائدة: في النظر في كتب الهلكى والمتروكين لأغراض صحيحة لا لأجل الاعتماد على ما فيها. المطلب الخامس: في سرقة الحديث. وفيه أمور: أولًا: المقصود بسرقة الحديث. ثانيًا: الباعث على سرقة الحديث وقيمة معرفة ذلك. ثالثًا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث. رابعًا: بعض مسالك الكذابين والسارقين: 1 - تركيب الأسانيد على متون مسروقة.

2 - السارق يدخل الحديث على من لا يظن به الكذب ترويجًا له. 3 - الكذب على المغمورين أبعد عن الفضيحة. 4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك. خامسًا: السارق لا يعتد بمتابعته. المطلب السادس: فوائد تتعلق بالحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب. * * *

المطلب الأول في بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها

المطلب الأول في بيان حفظ الله تعالى للسنة من اختلاط الكذب ونحوه بها وأن وقوع الكذب في الرواية لا يمنع من معرفة الصدق فيها وينحصر النقل عن المعلمي هنا في ثلاثة مواضع: الموضع الأول: قال: في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل": " ... أعداء الإسلام وأعداء السنة يتشبثون بذلك [يعني بوقوع الكذب في الرواية] في الطعن في السنة كأنهم لا يعلمون أنه لم يزل في أخبار الناس في شئون دنياهم: الصدق والكذب، ولم تكن كثرة الكذب بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء ويبنون عليه أمورًا عظامًا. ولم يزل الناس يغشون الأشياء النفيسة ويصنعون ما يشبهها كالذهب والفضة والدرّ والياقوت والمسك والعنبر والسمن والعسل والحرير والخز وغيرها، ولم يَحُلْ ذلك دون معرفة الصحيح. والخالق الذي هَيَّأ لعباده ما يحفظون به مصالح دنياهم هو الذي شرع لهم دين الإسلام تكفل بحفظه إلى الأبد، وعنايته بحفظ الدين أشد وآكد؛ لأنه هو المقصود بالذات من هذه النشأة الدنيا. قال الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 59]. ومن مارس أحوال الرواية وأخبار رواة السنة وأئمتها علم أن عناية الأئمة بحفظها وحراستها ونفي الباطل والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين كانت أضعاف عناية الناس بأخبار دنياهم ومصالحها.

وفي "تهذيب التهذيب" (ج 1 ص 152): "قال إسحاق بن إبراهيم: أخذ الرشيد زنديقًا فأراد قتله فقال: أين أنت من ألف حديث وضعتُها؟ فقال له: أين أنت يا عدو الله من أبي إسحاق الفزاري وابن المبارك ينخلانها حرفًا حرفًا؟ " وقيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة. وتلا قول الله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. والذكر يتناول السنة بمعناه إن لم يتناولها بلفظه، بل يتناول العربية وكل ما يتوقف عليه معرفة الحق، فإن المقصود من حفظ القرآن أن تبقى الحجة قائمة والهداية دائمة إلى يوم القيامة؛ لأن محمدًا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وشريعته خاتمة الشرائع، والله عز وجل إنما خلق الخلق لعبادته فلا يقطع عنهم طريق معرفتها، وانقطاع ذلك في هذه الحياة الدنيا انقطاع لعلة بقائهم فيها. قال العراقي في "شرح ألفيته" (ج 1 ص 267): "روينا عن سفيان قال: ما ستر الله أحدًا يكذب في الحديث. وروينا عن عبدالرحمن بن مهدي أنه قال: لو أن رجلًا هَمَّ أن يكذب في الحديث لأسقطه الله. وروينا عن ابن المبارك قال: لو هَمَّ رجل في السَّحَر أن يكذب في الحديث لأصبح والناس يقولون: فلان كذاب". اهـ. الموضع الثاني: وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 89): "وهو [يعني الوضع في الحديث] واقع في الجملة, ولكن المستشرقين والمنحرفين عن السنة يطوّلون في هذا ويهوّلون ويهملون ما يقابله، ومثلهم مثل من يحاول منع الناس من طلب الحقيقي الخالص من الأقوات والسمن والعسل، والعقاقير، والحرير والصوف، والذهب والفضة، واللؤلؤ والياقوت، والمسك والعنبر، وغير ذلك بذكر ما وقع من التزوير والتلبيس والتدليس والغش في هذه الأشياء ويطيل في ذلك.

والعاقل يعلم أن الحقيقي الخالص من هذه الأشياء لم يُرفع من الأرض، وأن في أصحابها وتجارها أهل صدق وأمانة وأن في الناس أهل خبرة ومهارة - يميزون الحقيقي الخالص من غيره، فلا يكاد يرجع الضرر إلا على من لا يرجع إلى أهل الخبرة من جاهل ومقصر ومن لا يبالي ما أخذ. والمؤمن يعلم أن هذه ثمرة عناية الله عز وجل بعباده في دنياهم، فما الظن بعنايته بدينهم؟ لابد أن يكون أتم وأبلغ. ومن تتبع الواقع وتدبَّره وأنعم النظر تبين له ذلك غاية البيان ... (¬1) وكان أهل العلم يشددون في اختيار الرواة أبلغ التشديد، جاء عن بعضهم -أظنه الحسن بن صالح بن حَيّ- أنه قال: كنا إذا أردنا أن نسمع الحديث من رجل سألنا عن حاله حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟ وجاء جماعة إلى شيخ ليسمعوا منه، فرأوه خارجًا وقد انفلتت بغلته وهو يحاول إمساكها وبيده مخلاة يريها إياها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة، فرجعوا ولم يسمعوا منه، قالوا: هذا يكذب على البغلة فلا نأمن أن يكذب في الحديث. وذكروا أن شعبة كان يتمنى لقاء رجل مشهور ليسمع منه، فلما جاءه وجده يشتري شيئا ويسترجح في الميزان، فامتنع شعبة من السماع منه. وتجد عدة نظائر لهذا ونحوه في "كفاية" الخطيب (ص 110 - 114). وكان عامّة علماء القرون الأول وهي قرون الحديث مقاطعين للخلفاء والأمراء، حتى كان أكثرهم لا يقبل عطاء الخلفاء والأمراء ولا يرضى بتولي القضاء، ومنهم من كان الخلفاء يطلبونهم ليكونوا بحضرتهم ينشرون العلم فلا يستجيبون، بل يفرّون ويستترون. ¬

_ (¬1) ثم أشار المعلمي بلى ما يتعلق بعدالة الصحابة والتابعين وقد أفردتهما بالذكر آنفًا في الفصل الثالث والرابع من فصول "العدالة" فراجعه إن شئت.

وكان أئمة النقد لا يكادون يوثقون محدثًا يداخل الأمراء أو يتولى لهم شيئا. وقد جرحوا بذلك كثيرًا من الرواة، ولم يوثقوا ممن داخل الأمراء إلا أفرادًا علم الأئمة علمًا يقينًا سلامة دينهم وأنه لا مغمز فيهم البتة. وكان محمد بن بشر الزنبري محدثًا يسمع منه الناس، فاتفق أن خرج أمير البلد لسفر فخرج الزنبري يشيعه، فنقم أهل الحديث عليه ذلك وأهانوه ومزقوا ما كانوا كتبوا عنه. وكثيرًا ما كانوا يكذبون الرجل ويتركون حديثه لخبر واحدٍ يتهمونه فيه وتجد من هذا كثيرًا في "ميزان" الذهبي وغيره. وكذلك إذا سمعوه حدث بحديث ثم حدث به بعد مُدّة على وجهٍ ينافي الوجه الأول، وفي "الكفاية" (ص 113) عن شعبة قال: "سمعت من طلحة بن مصرف حديثًا واحدًا، وكنت كلما مررت به سألته عنه ... أردت أن أنظر إلى حفظه، فإن غيَّر فيه شيئًا تركته". وكان أحدهم يقضي الشهر والشهرين يتنقل في البلدان يتتبع رواية حديث واحد، كما وقع لشعبة في حديث عبد الله بن عطاء عن عقبة بن عامر، وكما وقع لغيره في الحديث الطويل في فضائل السور، ومن تتبع كتب التراجم وكتب العلل بَانَ له من جَدِّهم واجتهادهم ما يُحَيِّر العقول. وكان كثير من الناس يُحْضِرون أولادهم مجالس السماع في صغرهم ليتعودوا ذلك ثم يكبر أحدهم فيأخذ في السماع في بلده, ثم يسافر بلى الأقطار ويتحمل السفر الطويل والمشاقّ الشديدة. وقد لا يكون معه إلا جراب من خبز يابس يحمله على ظهره، يصبح فيأخذ كسرة ويبلها بالماء ويأكلها ثم يغدو للسماع، ولهم في هذا قصص كثيرة.

فلا يزال أحدهم يطلب ويكتب إلى أن تبلغ سنه الثلاثين أو نحوها، فتكون أمنيته من الحياة أن يقبله علماء الحديث ويأذنوا للناس أن يسمعوا منه، وقد عرف أنهم إن اتهموه في حديثٍ واحدٍ أسقطوا حديثه وضاع مجهوده طول عمره وربح سوء السمعة واحتقار الناس. وتجد جماعة من ذُرِّيَّة أكابر الصحابة قد جرحهم الأئمة. وتجدهم سكتوا عن الخلفاء العباسين وأعمامهم لم يرووا عنهم شيئًا مع أنهم قد كانوا يروون أحاديث. ومن تتبع أخبارهم وأحوالهم لم يعجب من غلبة الصدق على الرواة في تلك القرون، بل يعجب من وجود كذابين منهم. ومن تتبع تشدد الأئمة في النقد لم يعجب من كثرة من جرحوه وأسقطوا حديثه، بل يعجب من سلامة كثير من الرواة وتوثيقهم لهم مع ذلك التشدّد. وبالجملة فهذا الباب يحتمل كتابًا مستقلا، وأرجو أن يكون فيما ذكرته ما يدفع ما يرمي إليه المستشرقون وأتباعهم -بإفاضتهم في ذكر الوضع- من تشكيك المسلمين في دينهم وإيهامهم أن الله تعالى أَخَلَّ بما تكفَّلَ به من حفظ دينه، وأن سلف الأمّة لم يقوموا بما عليهم أو عجزوا عنه فاختلط الحق بالباطل، ولم يبق سبيل إلى تمييزه. كلا، بل حجة الله تعالى لم تزل ولن تزال قائمة، وسبيل الحق مفتوحا لمن يريد أن يسلكه ولله الحمد. اهـ. الموضع الثالث: وقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 284 - 285): "لا يجهل عاقل أن أحوال الرواة مختلفة: فمنهم المغفل المتساهل الذي يبني على التوهم فيكثر غلطه، ومنهم الضابط المتقن المتثبت الذي يندر جدا أن يخطىء وليس كل ما يصلح مستندا للتوقف عن خبر الأول أو ردّه يصلح لمثل ذلك في خبر الثاني.

فأما الصدق وتعمد الكذب ولاسيما في الحديث النبوي فالأمر فيهما أعظم، وللكذب دواع وموانع، والناس متفاوتون جدا في الانقياد للدواعي أو الموانع، فإني أعرف من الأغنياء الوجهاء من يساوم بالسلعة الخفيفة فيقول له الدكاني: ثمنها ثلاثة قروش، فيقول كاذبا: إن صاحب ذاك الدكان يبيعها بقرشين؛ يكذب هذه الكذبة طمعا في أن يغُرَّ الدكاني فيعطيه إياها بقرشين مع علمه أن كذبه قد ينكشف كن قرب، بل إذا نجح فأخذها بقرشين، قد يذهب فيخبر بالقصة متمدحا بكذبته. وأعرف من المقلين من لا تسمح له نفسه بمثل هذا الكذب ولو ظن أنه يتحصل به على مقدار كبير. فأما الحديث النبوي فالأمر فيه أشد، والمتدينون من الكذب فيه أبعد وأبعد. فإن قيل: قد ذكر أهل الحديث أن جماعة صالحين كانوا يكذبون في الحديث عمدا في المواعظ ونحوها، وذكروا في الهيثم بن عدي -وهو ممن يكذبون- أنه كان يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب. قلت: أما صالحٌ يتعمد الكذب فلا يكون إلا شديد الجهل بالدين، ومثل هذا نادر لا يسوغ أن يقاس به من عرف بالدين والعلم والصدق، ولو ساغ هذا لساغ أن يُتهم كل إنسان بكل نقيصة عرفت لغيره, ولو عرف بأنه من أبعد الناس عنها. فأما الهيثم بن عدي فتلك الحكاية إنما حكاها عباس الدوري قال: "حدثنا بعض أصحابنا قال: قالت جارية الهيثم بن عدي: كان مولاي ... ". والجارية لا يعرف حالها، والمخبر عنها لا يُدرى من هو وما حاله، وإنما ذكروا هذه الحكاية على أنها نادرة مستطرفة؛ لأن مثل هذا نادر كما مر، وإنما استندوا في تكذيب الهيثم إلى دلائل ثابتة.

هذا وعلماء السنة لا يستندون في التصديق والتكذيب إلى أن ذاك يروقهم وهذا لا يعجبهم، ولكنهم ينظرون إلى الرواة, فمن كان من أهل الصدق والأمانة والثقة لا يكذبونه، غير أنهم إذا قام الدليل على خطئه خطئوه، سواء أكان ذلك فيما يسوءهم أم فيما يعجبهم. وأما من كان كذابا أو متهما أو مغفلا أو مجهولا أو نحو ذلك فإنهم لا يحتجون بروايته. ومن هؤلاء جماعة كثيرة قد رووا عنهم في كتب التفسير وكثير من كتب الحديث والسير والمناقب والفضائل والتاريخ والأدب، وليست روايتهم عنهم تصديقا لهم وإنما هي على سبيل التقييد والاعتبار، فإذا جاء دور النقد جروا على ما عرفوه, فما ثبت مما رواه هؤلاء برواية غيرهم من أهل الصدق قبلوه، وما لم يثبت فإن كان مما يقرب وقوعه لم يروا بذكره بأسا وإن لم يكن حجة، وإن كان مما يستبعد أنكروه، فإن اشتد البُعد كذبوه. وهذا التفصيل هو الحق المعقول، ومعلوم أن الكذوب قد يصدق فإذا صدقناه حيث عرفنا صدقه واستأنسنا بخبره حيث يقرب صدقه لم يكن علينا -بل لم يكن لنا- أن نصدقه حيث لم يتبين لنا صدقه, فكيف إذا تبين لنا كذبه؟. اهـ. * * *

المطلب الثاني في ذم الكذب

المطلب الثاني في ذم الكذب تكلم العلامة المعلمي في الفصل الخامس من مقدمة "التنكيل" على طوائف: أهل الرأي، وغلاة المقلدين في فروع الفقه، والمتكلمين، وذكر شيئا من نشأتها وخصائصها - لاسيما الأولى والأخيرة، ثم قال: ومع هذا كله فغالب أصحاب الرأي وغلاة المقلدين وأكثر المتكلمين لم يُقدموا على اتهام الرواة الذين وثقهم أهل الحديث، وإنما يَحملون على الخطأ والغلط والتأويل، وذلك معروف في كتب أصحاب الرأي المقلدين، أما الأستاذ -يعني الكوثري- فبرز على هؤلاء جميعًا! وأما كُتَّاب العصر فإنهم مقتدون بكُتَّاب الإفرنج الذين يتعاطون النظر في الإسلاميات ونحوها، وهم مع ما في نفوسهم من الهوى والعداء للإسلام إنما يعرفون الدواعي إلى الكذب ولا يعرفون معظم الموانع منه. فمن الموانع: التدين والخوف من رب العالمين الذي بيده ملكوت الدنيا والآخرة. وقد قال سبحانه: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ} [النحل: 105]. وفي "الصحيح" عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "علامة المنافق ثلاث وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم: إذا حَدَّث كذب، وإذا ائتمن خان، وإذا وعد أخلف" وإخلاف الوعد أغلب ما يكون إذا كان الوعد كذبًا، والخيانة تعتمد الكذب كما لا يخفى. وقال أبو بكر الصديق: "الكذب مجانب للإيمان".

فأما توهم حِلّ الكذب في مصلحة الدين فلا يكون إلا من أجهل الناس وأشدهم غفلة؛ لأن حظر الكذب مطلقًا هو من أظهر الأحكام الشرعية. وأولئك الكُتَّاب لا يعرفون هذا المانع لأنهم لا يجدونه في أنفسهم ولا يجدون فيمن يخالطونه مَنْ تقهرهم سيرته على اعتقاب اتصافه بهذا المانع لضعف الإيمان في غالب الناس ورقة التدين. ولا يعرفون من أحوال سلف المسلمين ما يقهرهم على العلم باتصافهم بذلك المانع؛ لأنهم إنما يطالعون التواريخ وكتب الأدب كـ "الأغاني" ونحوها، وهذه الكتب يكثر فيها الكذب والحكايات الفاجرة ... ولو عكف أولئك الكُتَّاب على كتب السُّنَّة ورجالها وأخبارهم لعلموا أن هذه الطائفة, وهي طائفة أصحاب الحديث، كان ذلك المانع غالبًا فيهم ... ومن الموانع: خوف الضرر الدنيوي، وأولئك الكُتَّاب يعرفون شرط هذا المانع وهو الضرر الماديّ، فإنهم يعلمون أن أرباب المصانع والمتاجر الكبيرة يتجنبون الخيانة والكذب في المعاملات خوفًا من أن يسقط اعتماد المعاملين عليهم فيعدلوا إلى معاملة غيرهم ... فأما الشطر المعنوي فإن أولئك الكُتَّاب لا يقدرون قدره. فأقول: كان العرب يحبون الشرف ويرون أن الكذب من أفحش العيوب المسقطة للرجل، وفي أوائل "صحيح" البخاري في قصة أبي سفيان بن حرب: "أن هرقل لما جاء كتاب النبي -صلى الله عليه وسلم- دعا بمن كان بالشام من تجار قريش، فأتي بأبي سفيان ورهط معه قال: دعاهم ودعا ترجمانه فقال: أيكم أقربهم نسبًا، قال: أدنوه مني، قربوا أصحابه فاجعلوهم عند ظهره, ثم قال لترجمانه: قل لهم إني سائل هذا عن هذا الرجل فإن كَذَبَني فَكَذِّبُوه قال: فوالله لولا الحياء من أن يأثروا عليّ كذبًا لكذبت عليه ... ".

قال ابن حجر في "فتح الباري": "وفي قوله: يأثروا دون قوله: يكذبوا دليل على أنه كان واثقًا منهم بعدم التكذيب أن لو كذب؛ لاشتراكهم معه في عداوة النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكنه ترك ذلك استحياءً وأَنَفَةً من أن يتحدثوا بعد أن يرجعوا فيصير عند سامعي ذلك كذابًا، وفي رواية ابن إسحاق التصريح بذلك". أقول -المعلمي: وهذا هو الذي أراده هرقل، ثم جاء الإسلام فشدّد في تقبيح الكذب جدًّا حتى قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105]. وتوهَّم رجل من صغار الصحابة أمرًا فأخبر بما توهمه وما يقتضيه ففضحه الله عز وجل إلى يوم القيامة إذ أنزل فيه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]. ثم كان الصحابي يرى من إكرام التابعين له وتوقيرهم وتبجيلهم ما لا يخفى أثره على النفس ويعلم أنه إن بان لهم منه أن كذب كذبة سقط من عيونهم مقتوه واتهموه بأنه لم يكن مؤمنًا وإنما كان منافقًا. وقد كان بين الصحابة ما ظهر واشتهر من الاختلاف والقتال، ودام ذلك زمانا ولم يبلغنا عن أحدٍ منهم أنه رمى مخالفه بالكذب في الحديث. وكان التابعون إذا سمعوا حديثًا من صحابي سألوا عنه غيره من الصحابة ولم يبلغنا أن أحدًا منهم كذب صاحبه، غاية الأمر أنه قد يخطئه ... ثم كان الرجل من أصحاب الحديث يرشح لطلب الحديث وهو طفل، ثم ينشأ دائبًا في الطلب والحفظ والجمع ليلًا ونهارًا أو يرتحل في طلبه إلى أقاصي البلدان، ويقاسي المشاقَّ الشديدة كما هو معروف في أخبارهم، ويصرف في ذلك زهرة عمره إلى نحو ثلاثين أو أربعين سنة وتكون أمنيته الوحيدة من الدنيا أن يقصده أصحاب الحديث ويسمعوا منه ويرووا عنه.

وفي "تهذيب التهذيب" (ج 11 ص 183): "قال عبد الله بن محمود المروزي: سمعت يحيى بن أكثم يقول: كنت قاضيا وأميرًا ووزيرًا، ما ولج سمعي أحلى من قول المستملي (¬1): من ذكرتَ؟ رضي الله عنك". وفيه (ج 6 ص 314): "روي عن عبد الرزاق أنه قال: حججت فمكثت ثلاثة أيام لا يجيئني أصحاب الحديث، فتعلقت بالكعبة وقلت: يا رب ما لي أكذاب أنا؟ أمدلس أنا؟ أمدلس أنا؟ فرجعت إلى البيت فجاءوني". وقد علم طالب الحديث في أيام طلبه تشدد علماء الحديث وتعنتهم وشدة فحصهم وتدقيقهم، حتى إن جماعة من أصحاب الحديث ذهبوا إلى شيخ ليسمعوا منه فوجدوه خارج بيته يتبع بغلة له قد انفلتت يحاول إمساكها وبيده مخلاة يرجها البغلة ويدعوها لعلها تستقر فيمسكها، فلاحظوا أن المخلاة فارغة فتركوا الشيخ وذهبوا وقالوا: إنه كذاب كذب على البغلة بإيهامها أن المخلاة (¬2) شعيرًا، والواقع أنه ليس فيه شيء. فمن تدبر أحوال القوم بان له أنه ليس العجب ممن تحرز عن الكذب منهم طول عمره، وإنما العجب ممن اجترأ على الكذب. كما أنه من تدبر كثرة ما عندهم من الرواية وكثرة ما يقع من الالتباس والاشتباه وتدبر تعنت أئمة الحديث بان له أنه ليس العجب ممن جرحوه، بل العجب ممن وثقوه ... ". ¬

_ (¬1) علق المعلمي هنا فقال: كان إذا كثر الجمع عند المحدث يقوم رجل صيت يسمع إملاء الشيخ الحديث ويستفهمه فيما يخفى، ثم يعيد ذلك بصوت عال ليسمعه الحاضرون، فهذا الرجل يقال له "المستملي". (¬2) كذا في "التنكيل"، ولعل الصواب: "بالمخلاة" أو "في المخلاة". والله أعلم.

تنبيه: قال العلامة المعلمي في القاعدة الأولى من قسم القواعد من "التنكيل": "تنبيه: ليس من الكذب ما يكون الخبر ظاهرًا في خلاف الواقع محتملًا للواقع احتمالًا قريبًا وهناك قرينة تدافع ذاك الظهور بحيث إذا تدبر السامع صار الخبر عنده محتملًا للمعنيين على السواء. كالمجمل الذي له ظاهر ووقت العمل به لم يجيء. وكالكلام المرخص به في الحرب. وكالتدليس، فإن المعروف بالتدليس لا يبقى قوله: "قال فلان" ويُسمي شيخا له: ظاهرًا في الاتصال، بل يكون محتملًا. وهكذا من عرف بالمزاح، إذا مزح بكلمة يعرف الحاضرون أنه لم يرد بها ظاهرها -وإن كان فيهم من لا يعرف ذلك- إذا كان المقصود ملاطفته أو تأديبه عَلى أن يُنَبَّه في المجلس. وهكذا فلتات الغضب، وكلمات التنفير عن الغلوّ ... على فرض أنه وقع فيها ما يظهر منه خلاف الواقع. وقد بسطت هذه الأمور وما يشبهها في رسالتي في "أحكام الكذب". فأما الخطأ والغلط فمعلوم أنه لا يضر وإن وقع في رواية الحديث النبوي، فإذا كثر وفحش من الراوي قدح في ضبطه ولم يقدح في صدقه وعدالته. والله الموفق". اهـ. * * *

المطلب الثالث في الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم

المطلب الثالث في الرواية عن الكذابين والمتروكين ونحوهم • في ترجمة: محمد بن أبي الأزهر من "التنكيل" رقم (190) الإشارة إلى حكاية ساقها الخطيب في "التاريخ" من طريق محمد هذا، مع قول الخطيب فيه: "كان كذابًا قبيح الكذب ظاهره". قال العلامة المعلمي: "قد يُعْرَفُ صدقُ بعض أخبار الكذاب بدلالة، وأشهر الرواة بالكذب محمد بن السائب الكلبي ومع ذلك روى عنه ابن جريج والسفيانان وابن المبارك وغيرهم من الأجلّة. وكان الثوري يُحذِّرُ منه ويروي عنه, فقيل له في ذلك؟ فقال: أنا أعرفُ صدقه من كذبه، وَرَووا عنه في التفسير وغيره, فما بالك بالتاريخ الذي تدعو الحاجة إلى تزيينه بالحكايات المستظرفة؟ ". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن عبد الرحمن بن الجارود من "التنكيل" رقم (24): قال المعلمي: "كذَّب الخطيب أحمد هذا وروى في غير ترجمة أبي حنيفة من طريقه حكايتين غير منكرتين، لا عيب في ذلك على الخطيب، فقد روى السفيانان وابن جريج وابن المبارك وغيرهم من الأئمة عن الكلبي مع اشتهاره بالكذب، وفي ترجمته من "الميزان": يعلى بن عبيد قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي فقيل: فإنك تروي عنه، قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ.

• وفي ترجمة: عباد بن كثير الثقفي البصري من "التنكيل" رقم (116): قال الكوثري: "كان الثوري يكذبه ويحذر الناس من الرواية عنه, فكيف يتصور أن يروي الثوري عن مثله؟ ". فقال العلامة المعلمي: "تحذير الثوري من الثقفي معروف، فأما تكذيبه له فإنما حكاه الحاكم وأبو نعيم الأصبهاني، ولا أدري من أين أخذاه، فإن صح فإنما أراد الوهم والغلط. وقد أثنى على الثقفي بالصلاح جماعة، منهم ابن المبارك وأحمد وابن معين وأبو زرعة والعجلي، ووصفوه مع ذلك بأنه ليس بشيء في الحديث، وأنه يحدث بما لم يسمع لبلهه وغفلته، فانظر هل يتناول ذلك حكايته المذكورة، وهي قوله: "قلت لأبي حنيفة ... " فذكر سؤالًا وجوابًا، وقد تقدم أن الخطيب روى نحوها من وجه آخر. وعلى كل حال فلا مانع أن يحكي الثوري عن عباد ما يظهر له صحته, وفي ترجمة محمد بن السائب الكلبي من "الميزان": "يعلى بن عبيد قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه. قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ. فائدة: الرواية عمن فسد فصار يكذب قد تُحمل على ما قَبل أن يفسد: • في ترجمة محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله أبي المفضل الشيباني من "التنكيل" رقم (216) وقد ساق الخطيب عن الأزهري عنه شيئًا، فقال المعلمي: "ذكروا أنه كان ذا هيئة وسمت حسن يحفظ، فانتخب عليه الدارقطني سبعة عشر جزءًا وسمعها الناس منه، وقال الدارقطني: "يشبه الشيوخ".

ثم روى (¬1) عن ابن العراد شيئًا، فقيل له: الأكبر أم الأصغر؟ فقال الأكبر. فقيل له: متى سمعت منه؟ فقال: سنة 310 فبلغ ذلك الدارقطني، فكذبه في ذلك وتركوا السماع منه، ثم فسد بعد ذلك فانضم إلى الرافضة، وصار يضع لهم على ما قال الخطيب. والأزهري الذي روى الخطيب هنا عنه عن هذا الرجل هو ممن حكى القصة، فإنما روى عنه من تلك الأجزاء التي انتخبها الدارقطني والله المستعان". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني أبا الفضل الشيباني.

المطلب الرابع في رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب

المطلب الرابع في رواية الأحاديث المكذوبة والباطلة والمنكرة في الكتب • ترجم المعلمي لأبي نعيم الأصبهاني الحافظ في "التنكيل" رقم (21) ونقل غمز الكوثري لأبي نعيم بقوله: " ... ويذكر الخبر الكاذب وهو يعلم أنه كذب، ويعلم أيضًا ما يترتب على ذلك من اغترار جهلة أهل مذهبه بذكره الخبر المذكور ... ومن المعروف أن عادة أبي نعيم سوق الأخبار الكاذبة بأسانيده بدون تنبيه على كذبها". فقال العلامة المعلمي: "أما سياقه في مؤلفاته الأخبار والروايات الواهية التي ينبغي الحكم على كثير منها بالوضع فمعروف، ولم ينفرد بذلك، بل كثير من أهل عصره ومن بعدهم شاركوه في ذلك، ولاسيما في كتب الفضائل والمناقب، ومنها مناقب الشافعي ومناقب أبي حنيفة, ثم يجيء من بعدهم فيحذفون الأسانيد ويقتصرون على النسبة إلى تلك الكتب، وكثيرًا ما يتركون هذه النسبة أيضًا كما في "الإحياء" وغيره. وفي "فتح المغيث" (ص 106) في الكلام على رواية الموضوع: "لا يبرأ من العهدة في هذه الأعصار بالاقتصار على إيراد إسناده بذلك لعدم الأمن من المحذور به وإن صنعه كثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا، خصوصًا الطبراني. وأبو نعيم وابن منده، فإنهم إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته ... قال شيخنا: وكان ذكر الإسناد عندهم من جملة البيان ... ". أقول: "مدار التشديد في هذا على الحديث الصحيح: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين".

ومن تدبر علم أنه إنما يكون كاذبا على أحد وجهين: الأول: أن يرسل ذاك الحديث جازمًا كأن يقول: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ... الثاني: أن يكون ظاهر حاله في تحديثه أن ذاك الخبر عنده صدق أو محتمل أن يكون صدقًا فيكون موهمًا خلاف الواقع فيكون بالنظر إلى ذاك الإيهام كاذبًا، وقد علمنا أن قول من صحب أنسًا: "قال أنس ... " موهم بل مفهم إفهامًا تقوم به الحجة أنه سمع ذلك من أنس، إلا أن يكون مدلسًا معروفًا بالتدليس، فإذا كان معروفًا بالتدليس فقال فيما لم يسمعه من أنس: "قال أنس ... " لم يكن كاذبًا ولا مجروحًا، وإنما يلامُ على شرهه، ويُذْكَرُ بعادته لتعرف فلا تحمل على عادة غيره، وذلك أنه لما عُرف بالتدليس لم يكن ظاهرُ حاله أن لا يقول: "قال أنس ... " إلا فيما سمعه من أنس، وبذلك زال الإفهام والإيهام فزال الكذب. فهكذا وأولى منه: من عُرف بأنه لحرصه على الجمع والإكثار والإغراب وعلو الإسناد يروي ما سمعه من الأخبار وإن كان باطلًا ولا يبّين، فإنه إذا عرف بذلك لم يكن ظاهر حاله أنه لا يحدث غير مبين إلا بما هو عنده صدق أو محتمل للصدق، فزال الإيهام فزال الكذب، فلا يجرح ولكن يلام على شرهه ويذكر بعادته لتعرف، وكما يكفي المدلس أن يعرف عادتَه أهلُ العلم وإن جهلها غيرهم فكذلك هذا؛ لأن الفرض على غير العلماء مراجعة العلماء، على أن العامّة يشعرون في الجملة بما يدفع اغترارهم الذي هوّل به الأستاذ، ولذلك كثيرًا ما نسمعهم إذا ذكر لهم حديث قالوا: هل هو في البخاري؟ فعلى هذا القول في أبي نعيم ومن جرى مجراه: إن احتمل أنهم لانهماكهم في الجمع لم يشعروا ببطلان ما وقع في رواياتهم من الأباطيل فعذرهم ظاهر، وهو أنهم لم يحدثوا بما يرون أنه كذب، وإنما يلامون على تقصيرهم في الانتقاد والانتقاء، وإن كانوا شعروا ببطلان بعض ذلك فقد عرفت عادتهم فلم يكن في ظاهر حالهم ما

يوجب الإيهام، فلا إيهام ولا كذب فإن اغتر ببعض ما ذكروه مَنْ قد عَرفَ عادتهم من العلماء بالرواية فعليه التَّبعَةُ، أو مَنْ لم يعرف عادتهم ممن ليس من العلماء بالرواية فَمِنْ تقصيره أُتِيَ؛ إذ كان الفرض عليه مراجعة العلماء بالرواية، ولذلك لم يَجْرَحْ أهلُ العلم أبا نعيم وأشباهه, بل اقتصروا على لومهم والتعريف بعادتهم، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". اهـ. • وترجم المعلمي لأبي الشيخ الأصبهاني الحافظ في "التنكيل" رقم (129) وأورد قول الكوثري فيه: "صاحب كتاب "العظمة" وكتاب "السنة" وفيهما من الأخبار التالفة ما لا آخر له". فقال المعلمي: "أما ما في كتبه من الأخبار الواهية فهو كغيره من حفاظ عصره وغيرهم. قال ابن حجر في "لسان الميزان" (ج 3 ص 75) في ترجمة الطبراني: "عاب عليه إسماعيل بن محمد بن الفضل التيمي جَمْعَهُ الأحاديث الأفراد مع ما فيها من النكارة الشديدة والموضوعات ... وهذا أمر لا يختص به الطبراني ... بل أكثر المحدثين في الأعصار الماضية من سنة مائتين وهلم جرا إذا ساقوا الحديث بإسناده اعتقدوا أنهم برئوا من عهدته". وقد مَرَّ النظر في ذلك في ترجمة أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني". اهـ. • وترجم المعلمي لأبي بكر الخطيب في "التنكيل" رقم (26) وأورد من مزاعم ابن الجوزي في الخطيب قوله: "وقد ذكر في كتاب الجهر أحاديث يعلم أنها لا تصح، وفي كتاب القنوت أيضًا، وذكر في مسألة صوم يوم الغيم حديثًا يَدْري أنه موضوع، فاحتج به ولم يذكر عليه شيئًا، وقد صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "من روى حديثا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". فقال المعلمي:

الجواب من أوجه: الأول: أن الخطيب إن كان قصد بجمع تلك الرسائل جمع ما ورد في الباب فلا احتجاج، وإن كان قصد الاحتجاج فبمجموع ما أورده, لا بكل حديث على حدة. الثاني: أننا عرفنا من ابن الجوزي تسرعه في الحكم بالوضع والبطلان، وترى إنكار أهل العلم عليه في كتب المصطلح في بحث "الموضوع". الثالث: أن من جملة ما أورده في "الموضوعات" وَحْدها أكثر من ثلاثين حديثًا رواها الإمام أحمد في "مسنده" ولعله أورد في "الأحاديث الواهية" أضعاف ذلك، فيقال له: إن كنت ترى أنه خفي على الإمام أحمد ما عَلِمْتَهُ من كون تلك الأحاديث موضوعة أو باطلة، فما نراك أحسنت الثناء عليه, وعلى ذلك فالخطيب أَوْلى أن يخفى عليه. الرابع: لا يلزم من زعم ابن الجوزي أن الحديث موضوع باطل أن يكون الخطيب يرى مثل رأيه. الخامس: قد يجوز أن يكون الحديث موضوعًا أو باطلًا ولم ينتبه الخطيب لذلك. السادس: إذا رُوي الحديث بسند ساقط لكنه قد روي بسند آخر حسن أو صالح أو ضعيف ضعفًا لا يقتضي الحكم ببطلانه لم يجز الحكم ببطلان المتن مطلقًا، ولا يدخل من رواه بالإسنادين معًا في حديث: "من حدث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين". وقد يُتوسع في هذا فَيُلْحق به ما إذا كان المتن المروي بالسند الساقط ولم يُرو بسند أقوى لكن قد رُوي معناه بسند أقوى، يقوي هذا أن المفسدة إنما تعظم في نسبة الحكم إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- مع ظن أنه كذب، لا في نسبة اللفظ، وشاهد هذا جواز الرواية بالمعنى. اهـ. فائدة: في النظر في كتب الهلكى والمتروكين لأغراض صحيحة لا لأجل الاعتماد على

ما فيها: • ساق المعلمي في ترجمة الإمام أحمد بن حنبل رقم (32) من "التنكيل" ما جاء في "تاريخ" الخطيب (3/ 177) أن أحمد كان ربما نظر في كتب أبي يوسف ومحمد بن الحسن، وكان أكثر نظره في كتب الواقدي، ثم قال المعلمي: "في الحكاية أنه كان قليل النظر في كتبهما، كثير النظر في كتب الواقدي، هذا مع أنه من أسوأ الناس رأيا في الواقدي، فلم يكن ينظر في كتبه ليعتمد عليه، بل رجاء أن يرى فيها الشيء مما يهمه فيبحث عنه من غير طريق الواقدي على حَدِّ قول الله تبارك وتعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} فلم يأمر بإلغاء خبر الفاسق إذ لعلّه صادق، بل أمر بالتبيّن، فخبر الفاسق يكون تنبيهًا يستدعي الالتفات إلى ما أخبر به والاستعداد له وعدم الاسترسال مع ما يقتضيه الأصل من عدمه حتى يبحث عنه فيتبين الحال. اهـ. * * *

المطلب الخامس في سرقة الحديث

المطلب الخامس في سرقة الحديث أولًا: المقصود بسرقة الحديث: إذا أخذ الرجل أحاديثَ الناس فرواها عن شيوخهم، فإن كان يصرح في ذلك بالسماع فهذا هو المعروف بسرقة الحديث، وهو كذب، وإلا فهو تدليس. أفاده المعلمي في ترجمة يحيى بن عبد الحميد الحماني من "التنكيل" رقم (265). ثانيًا: الباعث على سرقة الحديث وقيمة معرفة ذلك: قال الخطيب في "التاريخ" (ج 13 ص 394): "أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمدان حدثنا صالح بن أحمد التميمي الحافظ حدثنا القاسم بن أبي صالح ... ". زعم الكوثري أن صالحًا هذا هو ابن أبي مقاتل القيراطي الذي رماه ابن حبان بسرقة الحديث. فدفع العلامة المعلمي: تعالى هذا الزعم من سبعة أوجه في "طليعة التنكيل" (ص 13 - 14) ثم في ترجمة صالح بن أحمد من "التنكيل" رقم (109)، وأثبت أنه: صالح بن أحمد بن محمد أبو الفضل التميمي الهمذاني الحافظ الثقة الثبت. والذي يعنينا هنا قول المعلمي في صالح الواقع في السند: "ينبغي بمقتضى العادة ألا يكون توفي بعد القاسم بمدة؟ وأن لا يكون بين وفاته ووفاة الراوي عنه مدة طويلة بما يندر مثله". ثم قال: "لم تذكر له -يعني القيراطي- رواية عن القاسم".

ثالثا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث

وعلق المعلمي هنا في الحاشية قائلًا: "والقيراطي متهم بسرقة الحديث، إنما يحمله على ذلك تَرفُّعُه أن يروي عن أقرانه فمن دونهم، وشيوخه توفوا سنة 252 أو نحوها، وأقدم شيخ سمي: القاسم توفي سنة 277، وشيخه في هذه الحكاية توفي سنة 294، فكيف يروي سارق الحديث عن أصغر منه بنحو خمس عشرة سنة عن أصغر من شيوخ السارق بنحو أربعين سنة؟ • وقال المعلمي في ترجمة صالح رقم (109) من "التنكيل": "وشيوخ القيراطي قدماء كما مر، وهو مَرْمِيٌّ بسرقة الحديث، والباعث على سرقة الحديث هو الغرام بدعوى العلوّ، فمن حمله غرامه بالعلو على الكذب فكيف بَعْدَ سماعه من الذين توفوا سنة 252 ينزل إلى الرواية عمن كان في تلك السنة طفلًا أو لم يولد؟ وهو القاسم بن أبي صالح المتوفى سنة 338، فإن أقدم من سمي من شيوخ القاسم: أبو حاتم الرازي المتوفى سنة 277، بل إذا روى القيراطي عن محمد بن أيوب شيخ القاسم في تلك الحكاية لكان نزولًا؛ فإن محمد بن أيوب توفي سنة 294 ". اهـ. ثالثًا: من دلائل الاتهام بسرقة الحديث: • قال العلامة المعلمي في ترجمة: إبراهيم بن محمد بن يحيى أبي إسحاق المُزكِّي النيسابوري، رقم (9) من "التنكيل": "وكثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين: الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة. الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب. ففي الحال الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه منها.

رابعا: بعض مسالك الكذابين والسارقين

وفي الحال الثانية يقال: مِنْ أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه؟ فَيُتَّهم بسرقة الحديث، كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي: "كان أضعفَنا طَلَبًا وأكثرَنا غرائب". اهـ. (¬1). رابعًا: بعض مسالك الكذابين والسارقين: 1 - تركيب الأسانيد على متون مسروقة: • قال العلامة المعلمي في ترجمة محمد بن سعيد البورقي من "التنكيل" رقم (207): "من شأن الدجالين أن يركب أحدهم للحديث الواحد عدة أسانيد تغريرًا للجهال، وأن يضع أحدهم فيسرق الآخر ويركب سندًا من عنده, ومن شأن الجهال المتعصبن أن يتقربوا بالوضع والسرقة وتركيب الأسانيد" (¬2). أمثلة تطبيقية على ذلك: المثال الأول: • أورد الشوكاني في "الفوائد" (ص 374) حديث: "أن عليًّا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- عند الصفا وهو مقبل على شخص في صورة الفيل وهو يلعنه. فقلت: من هذا الذي تلعنه يا رسول الله؟ قال: هذا الشيطان الرجيم. فقلت: والله يا عدو الله لأقتلنك ولأريحن الأمة منك. فقال: ما هذا جزائي منك. قلت: وما جزاؤك يا عدو الله؟ قال: والله ما أبغضك أحدٌ إلا شاركتُ أباه في رحم أمه". ¬

_ (¬1) وسيأتي في المثال الأول من أمثلة التهمة بسرقة الحديث نحو هذا المعنى. (¬2) تتمة كلام المعلمي: وقد قال أبو العباس القرطبي: "استجاز بعض فقهاء أهل الرأي نسبة الحكم الذي دَلَّ عليه القياس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء .. ولأنهم لا يقيمون لها سندًا صحيحًا" وقد أشار إلى هذا ابن الصلاح بقوله: "وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دَلَّ عليه القياس إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-".

قال الشوكاني: "رواه ابن مردويه عن علي مرفوعًا، وفي إسناده: إسحاق بن محمد النخعي، وهو من الغلاف وكان يعتقد في عليّ الألوهية". ورواه الخطيب أيضًا بلفظ: والله ما أبغضك أحد إلا قد شاركت أباه في أمه". قال المعلمي على رواية الخطيب: "من طريق محمد بن يزيد بن أبي الأزهر، وهو كذاب يضع، سرق هذا الخبر من النخعي، وركب له إسنادا آخر، وزاد فيه". اهـ. المثال الثاني: • أورد الشوكاني (ص 379) حديث: "مثلي مثل شجرة, أنا أصلها، وعليٌّ فرعها، والحسن والحسن ثمرتها، والشيعة ورقها، فأي شيء يخرج من الطيب إلا الطيب". قال الشوكاني: رواه ابن مردويه عن علي مرفوعًا، وفي إسناده: عباد بن يعقوب وهو رافضي. قال المعلمي: "عباد على رفضه وحُمقه صدوق، رواه عن يحيى بن بشار الكندي، عن عمرو ابن إسماعيل الهمداني، وهما مجهولان، فالحمل عليهما، وفي ترجمتيهما من "الميزان" و"اللسان" ذكر هذا الخبر". وقال الشوكاني: وقد أخرج هذا الحديث: الحاكم في "المستدرك"، وقال: متن شاذ، وتعقب بأن في إسناده من يكذب وأن هذا الحديث موضوع. قال المعلمي: "أخرجه الحاكم عن "محمد بن حيويه بن المؤمل، عن الدبري، عن عبد الرزاق، عن أبيه، عن ميناء، قال: سمعت رسول الله ... إلخ".

2 - السارق يدخل الحديث على من لا يظن به الكذب ترويجا له

زعم الحاكم أن ميناء صحابي، وإنما أخذ صحبته من هذا الخبر، قال الذهبي: "ما قال هذا بشر سوى الحاكم، وإنما ذا -يعني ميناء- تابعي ساقط. قال أبو حاتم: كذاب يكذب ... ولكن أظن أن هذا وُضِعَ على الدبري، فإن ابن حيويه متهم بالكذب". قال المعلمي: "هذا هو الصواب، سرقه محمد بن حيويه من عباد، وركبه على ذاك السند، وافتضح بقوله عن ميناء: "سمعت". اهـ. 2 - السارق يُدخل الحديثَ على من لا يُظن به الكذب ترويجًا له: • أورد الشوكاني في "الفوائد المجموعة (ص 175) حديث: "أنه جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشكا قلة الولد، فأمره أن يأكل البيض والبصل" وقال: رواه ابن حبان عن ابن عمر مرفوعًا وقال: موضوع بلا شك. ... ورواه البيهقي في "شعب الإيمان" عن ابن عمر مرفوعًا: "أن نبيا من الأنبياء شكا إلى الله عز وجل الضعف فأمره بأكل البيض". قال: تفرد به ابن أزهر عن أبي الربيع. قال المعلمي: "الآفة فيه: محمد بن يحيى بن ضرار، راجع ترجمته في اللسان، وقد سرقه منه جماعة، وأدخلوه على بعض من لا يتعمد الكذب". وفي موضع آخر: "رواه غير ابن أزهر، والذي تولى كبره محمد بن يحيى بن ضرار، والباقون بين سارقٍ ومُدْخَل عليه". 3 - الكذب على المغمورين أبعد عن الفضيحة: • ترجم المعلمي لأحمد بن محمد بن الصلت الحِمَّاني في "التنكيل" رقم (34) وأورد ما رواه الخطيب من طريق ابن الصلت: حدثنا محمد بن المثنى صاحب بشر

ابن الحارث قال سمعت ابن عيينة قال: العلماء: ابن عباس في زمانه، الشعبي في زمانه، وأبو حنيفة في زمانه". قال الخطيب: ذِكْرُ أبي حنيفة في هذه الحكاية زيادة من الحماني، ثم بيّن أن المحفوظ عن ابن عيينة قوله: علماء الأزمنة ثلاثة: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، وسفيان الثوري في زمانه". بين المعلمي أن محمد بن المثنى المذكور في الإسناد ليس هو أبو موسى الزَّمِن البصري الحافظ كما يوهمه صنيع الكوثري، وإنما هو كما نُصَّ عليه في الاسناد: صاحب بشر بن الحارث وترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 286) وفيها: "محمد ابن المثنى بن زياد أبو جعفر السمسار كان أحد الصالحين صحب بشر بن الحارث وحفظ عنه وحدث عن نوح بن يزيد وعفان بن مسلم وغيرهم ... ". قال ابن أبي حاتم: "كتبت عنه مع أبي وهو صدوق" ومات سنة 260. لم يخرج له أحد من الستة. ثم قال المعلمي: "يظهر أنه لم يدرك ابن عيينة، وأنّ ابن الصلت افتضح في روايته عنه أنه قال: "سمعت ابن عيينة"؛ فإن ابن عيينة مات سنة 198، والمُسَمَّوْن من شيوخ السمسار ماتوا بعد ذلك بزمان، فبشر بن الحارث سنة 227، وعفان 220، ونوح بن يزيد قريبًا من ذلك، ولم أظفر بتاريخ وفاته لكن ذكروا في الرواة عنه أحمد بن سعد بن إبراهيم أبا إبراهيم الزهري الذي ولد سنة 198 كما في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 181)، وأحمد بن علي بن الفضيل أبا جعفر الخزاز المقرىء المتوفى سنة 286 كما في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 303)، فظهر بذلك أن وفاة نوح كانت سنة بضع عشرة ومائتين أو بعد ذلك.

4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك

أضف إلى ذلك أن من عادتهم أنهم يحرصون على أن يذكروا في ترجمة الرجل أقدم شيوخه وأجلهم، فلو عرفوا للسمسار سماعًا من ابن عيينة أو أحد أقرانه أو من قرب منهم لكان أَوْلى أن يذكروه في شيوخه من نوح وعفان. فإن قيل: إن كان ابن الصلت أراد الكذب فما الذي منعه أن يسمي شيخًا أشهر من السمسار وأثبت لا يُشك في سماعه من ابن عيينة؟ قلت: منعه علمه بأن الكذب على المشاهير سرعان ما يفتضح لإحاطة أهل العلم بما رووه، بخلاف المغمورين الذين لم يرغب أهل العلم في استقصاء ما رووه". اهـ. 4 - أمثلة للتهمة بسرقة الحديث ونظر المعلمي في ذلك: المثال الأول: ترجم العلامة المعلمي لـ: فهد بن عوف أبي ربيعة في "التنكيل" رقم (177) وقال: "قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: ما رأيت بالبصرة أكيس ولا أحلى من أبي ربيعة فهد بن عوف وكان ابن المديني يتكلم فيه ... قيل لأبي: ما تقول فيه؟ فقال: تعرف وتنكر، وحرك يده" ثم ذَكَر عن أبي زرعة قصةً حاصلُها: أن أبا إسحاق الطالقاني وَرَدَ البصرة فحدَّثَ من حديث ابن المبارك بحديثين غريبين، أحدهما: عن وهيب بسنده, والآخر: عن حماد بن سلمة بسنده، فبعد مدّة يسيرة حدث فهد بالحديث الأول عن وهيب بن خالد بذاك السند، والثاني عن حماد بن سلمة بسنده، فَرَمَوْا فهدًا بسرقة الحديثين، وأنه إنما سمعهما من الطالقاني عن ابن المبارك عن وهيب وعن حماد، فحدث بهما عن وهيب وعن حماد، وغلط مع ذلك فروى الأول عن وهيب بن خالد، وإنما وهيب شيخ ابن المبارك وهيب بن الورد. والحجة في رميه بسرقة الحديث الثاني أنه حديث غريب لم يكن في كتب حماد بن سلمة، ولا رواه عنه غير ابن المبارك حتى حدث به الطالقاني عن ابن المبارك فوثب عليه فهد.

وقد يحتمل في هذا أن يكون فهد قد سمعه من حماد بن سلمة ثم غفل عنه، فلما حدث به الطالقاني واستفاده الناس وأعجبوا به فتش فهد في كتبه فوجده عنده عن حماد بن سلمة، ولكن في هذا الاحتمال بُعْد. فأما الحديث الأول فالتهمة فيه أشدّة لأنه ليس من حديث وهيب بن خالد أصلًا، وإنما هو من حديث وهيب بن الورد. ولا يخفى أنه ليس من الممتنع أن يكون الحديث عند وهيب بن خالد أيضًا ولم يسمعه منه إلا فهد، لكن في هذا من البُعْد ما فيه. فالظاهر أن هذين الحديثين -هُمَا ولاسيما الأول- بَلِيَّةُ هذا الرجل؛ لأجل ذلك كذبه ابن المديني وتكلم فيه غيره. لكن يظهر من كلمة ابن أبي حاتم (¬1) أنه متوقف. وقال ابن أبي حاتم: "قلت لأبي زرعة: يكتب حديثه؟ فقال: أصحاب الحديث ربما أراهم يكتبونه"، وأسند إلى ابن معين أنه سئل عنه فقال: "ليس لي به علم، لا أعرفه، لم أكتب عنه" وقد يبعد أن لا تكون القصة بلغت ابن معين، ومع ذلك توقف. ... والذي يتجه أنه إن كان صرح في الحديث الأول بسماعه من وهيب بن خالد فقد لزمته التهمة، وإن لم يصرح وإنما رواه بصيغة تحتمل التدليس، فقد يقال: لعله دَلَّسه، ولكن يبقى أنهم لم يذكروه بالتدليس، والمدلِّس إنما يَسلم من الجرح بالتدليس إذا كان قد عُرف عنه أنه يدلس، فإن ذلك يكون قرينة تخلصه من أن يكون تدليسه كذبًا، وقد يقال: كان جازمًا بصحة الخبرين عن وهيب وحماد فاستجاز تدليسهما وإن لم يكن قد عُرف بالتدليس، وفي هذا نظر والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬1) كذا هنا، وإنما الكلمة لأبي حاتم كما سبق النقل عنه.

المثال الثاني: ترجم المعلمي لـ: قطن بن إبراهيم في "التنكيل" رقم (181) ونقل قولَ الكوثري فيه: "حدث بحديث إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في الدباغ، فطالبوه بالأصل فأخرجه وقد كتبه على الحاشية، فتركه مسلم بعد أن صار إليه وكتب عنه جُمْلَةً، وهو متهم بسرقة حديث حفص عن (¬1) محمد بن عقيل". فقال المعلمي: "هو حديث واحد رواه محمد بن عقيل، عن حفص، عن عبد الله السلمي، عن إبراهيم بن طهمان, وكان قطن قد سمع من حفص كثيرًا، ثم ذكر محمد بن عقيل أن قطنًا سأله: أي حديث عندك من حديث إبراهيم بن طهمان أغرب؟ فذكر له هذا الحديث. فذهب قطن فحدث به بالعراق عن حفص، فبلغ محمد بن عقيل فأنكر ذلك وقال: "لم يكن حفظ هذا الحديث -يعني عن حفص- إلا أنا ومحمود أخو خشتام" واتَّهَمَ قطنًا أنه سرقه منه، ثم حدث به قطن بنيسابور، فطالبوه بالأصل، فدافعهم، ثم أخرجه، فرأوا الحديث مكتوبًا على الحاشية، فأنكروا ذلك. هذا حاصل القصة، وقطن مكثر عن حفص وغيره. وقد قال الحاكم أبو أحمد: "حدث بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء" وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "يخطىء أحيانًا، يعتبر حديثه إذا حدث من كتابه" وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416). وقال النسائي: "فيه نظر"، ثم روى عنه في "السنن". وقال الذهبي في "الميزان": "صدوق". ¬

_ (¬1) كذا في"التنكيل" و"التأنيب"، وهو خطأ ظاهر، والصواب "من" كما يعلم من السياق بعد ذلك.

فإذا كانت هذه حاله، ولم يُنقم عليه مع إكثاره إلا ذاك الحديث، فلعل الأَوْلى أن يحمل على العذر، فلا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص ثم نسيه أو خفى عليه أنه غريب، أو طمع أن يدلَّهُ محمد بن عقيل على حديث غريب آخر ثم ذكره وتنبَّه لفرديته فرواه. وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون كتبه أولًا ثم لما ذكر أنه سمعه أو عرف أنه غريب ألحقه في الحاشية، وكان مع حفص في بلد واحد فلا مانع أن يكون سمع منه الحديث في غير المجلس الذي سمع فيه محمد بن عقيل وصاحبه. وأهل الحديث جزاهم الله خيرًا ربما يشددون على الرجل وهم يرون أن له عذرًا؛ خشية أن يتساهل غيره طمعًا في أن يعذروه كما عذروا ذاك. والله أعلم. اهـ. المثال الثالث: ترجم المعلمي لـ: محمد بن يونس الجمال في "التنكيل" رقم (240) ونقل قولَ الكوثري فيه: "قال محمد بن الجهم: هو عندي متهم، قالوا: كان له ابنٌ يُدخل عليه الأحاديث، وقال ابن عدي: ممن يسرق حديث الناس ... ". فقال المعلمي: "محمد بن الجهم هو السمري، صدوق، وليس من رجال هذا الشأن. وقوله: "قالوا: كان له ابن ... " لم يبيّن مَن القائل، وابن عدي إنما رماه بالسرقة لحديث واحد رواه عن ابن عيينة، فذكر ابن عدي أنه حديث حسين الجعفي عن ابن عيينة، يعني أنه معروف عندهم أنه تفرد به حسين الجعفي عن ابن عيينة، وحسن الجعفي ثقة ثبت، فالحديث ثابت عن ابن عيينة، وقد سمع الجمال من ابن عيينة, فالحكم على

خامسا: السارق لا يعتد بمتابعته

الجمال بأنه لم يسمعه وإنما سرقه ليس بالبين، لكن لم أر من وثق الجمال، فهو ممن يستشهد به في الجملة، والله أعلم. اهـ. المثال الرابع: راجع ترجمة: إبراهيم بن أبي الليث من القسم الأول من هذا الكتاب. خامسًا: السارق لا يُعتد بمتابعته: وهذا واضح ومستفيض في كلام الشيخ المعلمي، وقد سبقت نماذج من ذلك. * * *

المطلب السادس من قواعد الحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع، وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب

المطلب السادس من قواعد الحكم على الحديث بالبطلان أو الوضع، وأنه لا يلزم اشتمال إسناده على كذاب أولا: قال الشيخ المعلمي في مقدمة الفوائد المجموعة: هذه قواعد يحسن تقديمها: إذا قام عند الناقد من الأدلة ما غلب على ظنه معه بطلان نسبة الخبر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقد يقول: "باطل" أو"موضوع"، وكلا اللفظين يقتضي أن الخبر مكذوب عمدا أو خطأ، إلا أن المتبادر من الثاني الكذب عمدا، غير أن هذا المتبادر لم يلتفت إليه جامعوا كتب الموضوعات، بل يوردون فيها ما يرون قيام الدليل على بطلانه، وإن كان الظاهر عدم التعمد. قد تتوفر الأدلة على البطلان، مع أن الراوي الذي يصرح الناقد بإعلال الخبر به لم يُتهم بتعمد الكذب، بل قد يكون صدوقا فاضلا، ولكن يرى الناقد أنه غلط أو أدخل عليه الحديث. كثيرا ما يذكر ابن الجوزي الخبر، ويتكلم في راوٍ من رجال سنده، فيتعقبه بعض من بعده بأن ذاك الراوي لم يتهم بتعمد الكذب، ويعلم حال هذا التعقب من القاعدتين السابقتين. نعم، قد يكون الدليلُ الآخر غيرَ كافٍ للحكم بالبطلان، ما لم ينضم إليه وجود راوٍ في السند معروف بتعمد الكذب، ففي هذه الحال يتجه ذاك التعقب.

ثانيا: نماذج من تطبيق المعلمي لتلك القواعد

ثانيًا: نماذج من تطبيق المعلمي لتلك القواعد: 1 - قال المعلمي في "حاشية الفوائد المجموعة" (ص 215): ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب، ولكن كان يدلس، ثم احترقت كتبه, وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة، فيقرأ عليه وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه: لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه. وقد عوتب في ذلك فقال: "ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم". نعم، إذا كان الراوي عنه ابن المبارك أو ابن وهب وصرح مع ذلك بالسماع فهو صالح في الجملة .. فأما ما كان من رواية غيرهما، ولم يصرح فيه بالسماع، وكان منكرًا، فلا يمتنع الحكم بوضعه. اهـ. 2 - وقال في "الفوائد" (ص 470): ليث -ابن أبي سليم- كما في "التقريب": "صدوق اختلط أخيرًا، ولم يتميز حديثه فترك"، ومثله: "إذا جاء بالمنكر الشديد الإنكار اتجه الحكم بوضعه". اهـ. 3 - وفي "الفوائد" (ص 171): حديث: لا تسبوا الديك فإنه صديقي وأنا صديقه، وعدوه عدوي، والذي بعثني بالحق: لو يعلم بنو آدم ما في صوته لاشتروا ريشه ولحمه بالذهب والفضة، وإنه ليطرد مدى صوته من الجن. قال الشوكاني: رواه ابن حبان، وهو موضوع، وفي إسناده: رشدين وعبد الله بن صالح وهما ضعيفان جدًّا.

وروي من حديث أنس مرفوعا بلفظ: من اتخذ ديكا أبيض في داره لم يقربه شيطان ولا السحرة. وفي إسناده: يحيى بن عنبسة، وهو كذاب. ورواه أبو بكر الرقي بلفظ: الديك الأبيض صديقي - إلخ. وفي إسناده: وضاع. ورواه العقيلي بلفظ: الديك الأبيض الأفرق حبيبي. وهو أيضا موضوع. قال ابن حجر: لم يتبين لي الحكم بالوضع. قلت: وقد رُوي من طرق بألفاظ مختلفة، وأكثرها لفظ: الديك الكبير الأبيض. فيكون الحديث ضعيفا لا موضوعا. اهـ. فقال الشيخ المعلمي: دافع ابن حجر عن ثلاث روايات. وحاصل دفاعه: أن المطعون فيهم من رواتها لم يبلغوا من الضعف أن يحكم على حديثهم بالوضع. فإن كان مراده أنه لا يحكم بأنهم افتعلوا الحديث افتعالًا، فهذا قريب، ولكنه لا يمنع من الحكم على الحديث بأنه موضوع، بمعنى أن الغالب على الظن أن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يقله، وأن من رواه من الضعفاء الذين لم يُعرفوا بتعمد الكذب، إما أن يكون أُدخل عليهم، وإما أن يكونوا غلطوا في إسناده. اهـ. 4 - وفي "الفوائد" ص (361): حديث: أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي. ... قال ابن حجر في القول المسدد في الذب عن مسند أحمد: قول ابن الجوزي في هذا الحديث باطل، وأنه موضوع، دعوى لم يستدل عليها إلا بمخالفة الحديث الذي في الصحيحين. وهذا إقدام على رد الأحاديث الصحيحة بمجرد التوهم، ولا ينبغي

الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع، ولا يلزم من تعذر الجمع في الحال أنه لا يمكن بعد ذلك؛ لأن فوق كل ذي علم عليم ... قال الشوكاني: ما ذكره من قوله: ولا ينبغي الإقدام على الحكم بالوضع إلا عند عدم إمكان الجمع: كلام غير صحيح. فإنه إذا تعذر الجمع لا يحل لأحد أن يحكم بوضع الموضوع، بل غاية ما يلزم تقديم الراجح عليه. وذلك لا يستلزم كونه موضوعًا بلا خلاف ... فقال الشيخ المعلمي: بل إذا تحقق التناقض ولزم من صحة أحدهما بطلان الآخر لزم الوضع، والحكم بالوضع يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى. اهـ. 5 - وقال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد" ص (314): المتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولاسيما مع التفرد المريب. اهـ. 6 - وفي "الفوائد" ص (429): حديث: أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها. ... روى أحمد في المسند من حديث أنس مرفوعًا: عسقلان أحد العروسين ... أورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال في إسناده: أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة. وقال ابن حجر في القول المسدد: وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه. وطريق الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام.

قال الشوكاني: هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر، وخروج من الإنصاف. فإن كون الحديث في فضائل الأعمال، وكون طريقة أحمد: معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا، ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع. ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلا. فإن كان ابن حجر يسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي ... فقال الشيخ المعلمي: ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوب قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي، كأن يكون مما يحيله الشرع أو العقل. وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني. وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر، ليس معناه من جنس المعاني التي عني النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيانها، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا؛ فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرا عظيما، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغب الناس في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى. اهـ. 7 - وقال الشوكاني في آخر الكلام على الحديث السابق: وقد روى ابن النجار، عن أنس مرفوعًا ... في فضل رباط عسقلان.

فقال الشيخ المعلمي: الشطر الأول من سنده مظلم جدًّا، والثاني كالشمس، وهذا يدل على بطلانه حتما. اهـ. 8 - وفي "الفوائد" ص (429): حديث: ما حسن الله خُلق رجل وخَلقه فأطعم لحمه النار. في إسناده: عاصم بن علي، قيل: ليس بشيء، ورُدَّ بأنه أخرج له البخاري في صحيحه ووثقه الناس. وروى من حديث أبي هريرة وأنس. وفي إسنادهما: مقال، فالحديث إذا لم يكن حسنًا فهو ضعيف، وليس بموضوع. فقال الشيخ المعلمي بعد أن نقد أسانيده: المدار على المعنى. اهـ. 9 - وفي "الفوائد" ص (304): حديث: لا تقولوا سورة البقرة، ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله. رواه ابن قانع عن أنس مرفوعا. وقال أحمد: هو حديث منكر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. قال ابن حجر: أفرط ابن الجوزي في إيراد هذا الحديث في الموضوعات. ولم يذكر مستنده إلا قول أحمد [وتضيف عبيس]، وهو لا يقتضى الوضع. فقال الشيخ المعلمي: لكنه انضم بلى ذلك ما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من إطلاق (سورة البقرة) وإنما تنطع في ذلك الحجاج بن يوسف كما في حديث رمي الجمرة في الصحيحين. اهـ.

الوجه الثاني أنواع من الكذب تلحق بالكذب في الحديث النبوي.

الوجه الثاني أنواع من الكذب تُلحق بالكذب في الحديث النبوي. قال الشيخ المعلمي في آخر القاعدة الأولى من "التنكيل": "فأما الكذب في رواية ما يتعلق بالدين، ولو غير الحديث, فلا خفاء في سقوط صاحبه؛ فإن الكذب في رواية أثرٍ عن صحابي قد يترتب عليه أن يحتج بذلك الأثر مَنْ يرى قولَ الصحابي حُجة، ويحتج هو وغيره به على أن مثل ذلك القول ليس خرقًا للإجماع، ويستند إليه في فهم الكتاب والسنة، ويَرُدُّ به بعضُ أهل العلم حديثًا رواه ذاك الصحابي يخالفه ذلك القول، ويأتي نحو ذلك في الكذب في رواية قول عن التابعي، أو عالم ممن بعده، وأقل ما في ذلك أن يقلده العامي. وهكذا الكذب في رواية تعديل لبعض الرواة؛ فإنه يترتب عليه قبول أخبار ذلك الرواي، وقد يكون فيها أحاديث كثيرة، فيترتب على هذا من الفساد أكثر مما يترتب على كذبٍ في حديث واحد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك الكذب في رواية الجرح، فقد يترتب عليها إسقاط أحاديث كثيرة صحيحة، وذلك أشد من الكذب في حديث واحد. وهكذا الإخبار عن الرجل بما يقتضي جرحه. وهكذا الكذب في الجرح والتعديل؛ كقوله "هو ثقة" "هو ضعيف". فالكذب في هذه الأبواب في معنى الكذب في الحديث النبوي أو قريب منه، وتترتب عليه مضار شديدة ومفاسد عظيمة، فلا يُتوهم محل للتسامح فيه، على فرض أن بعضهم تسامح في بعض ما يقع [في] حديث الناس.

فالأستاذ -يعني الكوثري- يرمي بعض أئمة السنة فمن دونهم من ثقات الرواة بتعمد الكذب في الرواية وفي الجرح والتعديل، كذبا يترتب عليه الضرر الشديد والفساد الكبير، ثم يزعم أنه إنما يقدح بذلك فيما لا يقبله هو منهم، فأما ما عداه فإنهم يكونون فيه مقبولين، كذا يقول، وكأنه يقول: وإذا لزم أن يسقطوا البتة فليسقطوا جميعًا ... اهـ. * * *

الوجه الثالث رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي

الوجه الثالث رمي الراوي بالكذب في غير الحديث النبوي (¬1) قال الشيخ المعلمي في القاعدة الأولى من قسم القواعد من "التنكيل": "تقدم في الفصل الثالث (¬2) قول مالك: "لا تأخذ العلم من أربعة، وخذ ممن سوى ذلك: لا تأخذ عن معلن بالسفه (¬3)، وإن كان أروى الناس (¬4)، ولا تأخذ عن كذاب يكذب في حديث الناس، إذا جرب عليه ذلك، وإن كان لا يهتم أن يكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .... ". أسنده الخطيب في "الكفاية" (¬5) (ص 116) إلى مالك كما تقدم، ثم قال (¬6) (ص 117): "باب في أن الكاذب في غير حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترد روايته". وقد ذكرنا آنفا قول مالك بن أنس، ويجب أن يقبل حديثه إذا ثبت توبته. اهـ. ولم يذكر ما يخالف مقالة مالك. وأسند (¬7) (ص 23، 24) إلى: الشافعي " ... ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى ¬

_ (¬1) تنظر هذه القاعدة في نوع "المتروك" من أنواع الحديث الضعيف، ولا أعلم فيمن صنف في علوم الحديث من أفرد هذا النوع بالذكر قبل الحافظ ابن حجر في "نخبة الفكر" (ص 43 - 45) -كما سيأتي-، ولذا فقد قال السيوطي في "تدريب الراوي" (1/ 240): "وهو -أي المتروك- نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام". (¬2) (1/ 18) من التنكيل. (¬3) هكذا في "التنكيل"، وفي "الكفاية": "لا تأخذ من سفيه معلن بالسفه". (¬4) أي أكثرهم رواية. (¬5) "الكفاية في علم الرواية" للخطيب البغدادي (ص 189)، وتمام قول مالك: " ... ولا من صاحب هوى يدعو الناس إلى هواه, ولا من شيخ له فضل وعبادة, إذا كان لا يعرف ما يحدث". (¬6) (ص 190) من "الكفاية". (¬7) (ص 62) من "الكفاية".

يجمع أمورا: منها أن يكون من حدث به ثقة في دينه، معروفا بالصدق في حديثه ... ". وهذه العبارة ثابتة في رسالة الشافعي (¬1). وفي "لسان الميزان" (ج 1 ص 469): "قال ابن أبي حاتم (¬2)، عن أبيه، أن يحيى بن المغيرة سأل جريرا (ابن عبد الحميد) عن أخيه أنس، فقال: قد سمع من هشام بن عروة, ولكنه يكذب في حديث الناس، فلا يكتب عنه" (¬3). اهـ. ¬

_ (¬1) "الرسالة" ص (370) بتحقيق الشيخ العلامة أحمد محمد شاكر، وللكلام بقية نافعة مفيدة, آثرت أن أوردها. قال الشافعي بعد الذي نقله المعلمي هنا: " ... عاقلا لما يحدث به, عالما بما يحيل معاني الحديث من اللفظ، وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كا سمع، لا يحدث به على المعنى؛ لأنه إذا حدث به على المعنى، وهو غير عالم بما يحيل معناه, لم يدر -لعله يحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أدَّاه بحروفه فلم يبق وجهٌ يُخاف فيه إحالتُه الحديث، حافظا إن حدث به من حفظه, حافظا لكتابه إن حدث من كتابه, إذا شرك أهل الحفظ في الحديث وافق حديثهم، بريئا من أن يكون مدلسا: يحدث عمن لقى ما لم يسمع منه, ويحدث عن النبي ما يحدث الثقات خلافه عن النبي ... ". قال العلامة أحمد محمد شاكر في تعليقه (ص 379): "ومن فقه كلام الشافعي في هذا الباب، وجد أنه جمع كل القواعد الصحيحة لعلوم الحديث (المصطلح)، وأنه أول من أبان عنها إبانة واضحة، وأقوى من نصر الحديث، واحتج لوجوب العمل به, وتصدى للرد على مخالفيه، وقد صدق أهل مكة, وبروا، إذ سموه: "ناصر الحديث" -رضي الله عنه-". اهـ. قلت: وفي هذا دلالة واضحة على أن قواعد هذا العلم وأصوله قد دُونت منذ عهد بعيد، فضلا عن تخمرها في أذهان المحدثين ورواة الأخبار في العصور الأولى لعلم الرواية, مع تطبيقهم العملي لها قبل تدويتها، وذلك بداية من عصر خير القرون -الصحابة -رضي الله عنه- وما بعده. وما ذكروه عند الكلام على أول من صنف في "علم الحديث"، وإنه "الرامهرمزي"، إنما قصدوا به من أفرد التصنيف فيه مع شيء من التبويب والتفصيل والترتيب لمسائله وحدوده. وأصول هذا العلم وقواعده يشهد لصحتها القرآن والسنة، من الجرح والتعديل، وصفات من تقبل روايته أو ترد، ولتأسيس هذا المعنى موضع آخر، والله الموفق. (¬2) قاله في "الجرح والتعديل" المجلد الثاني (ص 289). وذكره الذهبي تبعا له في "ميزان الاعتدال" (1/ 277) دون ذكر هذه القصة، ثم الحافظ ابن حجر في "اللسان" (1/ 469). ولم أر ذكرا لأنس ابن عبد الحميد في مصنفات الضعفاء والمجروحين إلا فيما ذكرتهم. (¬3) انظر إلى هذا الصدق والورع وعدم المحاباة, فلم يمنع جريرا أخوة أنس، أن يذكر ما فيه من الجرح، حتى =

وفي "النخبة وشرحها" (¬1): " (ثم الطعن) يكون بعشرة أشياء ... ترتيبها على الأشد فالأشد في موجب الرد على سبيل التدلي ....) (إما أن يكون بكذب الراوي) في الحديث النبوي ... متعمدا لذلك (أو تهمته بذلك) بأن لا يُروى ذلك الحديث إلا من جهته، ويكون مخالفا للقواعد المعلومة، وكذا من عُرف بالكذب في كلامه، وإن لم يظهر منه وقوع ذلك في الحديث النبوي، وهو دون الأول (¬2) (أو فحش غلطه) أي كثرته (أو غفلته) عن الإتقان (أو فسقه) (¬3) .... (أو وهمه) بأن يروي على سبيل التوهم (أو مخالفته) أي للثقات (أو جهالته) .... (أو بدعته) .... (أو سوء حفظه) .... ". ¬

_ = يكون الناس على بينة من حديثه, ولهذا المعنى نظائر عند الرواة والمحدثين، حتى ليتكلم الرجل في أبيه, وابنه وأخيه؛ أداءً للأمانة وبراءةً للذمة, وسيأتي للمعلمي كلام في هذا مع ذكر أمثلته في رسالة "علم الرجال وأهميته". (¬1) "نزهة النظر شرح نخبة الفكر" (ص 43 - 45) للحافظ ابن حجر. (¬2) يعني أن "المتهم بالكذب" دون "الكذب في الحديث النبوي" في موجب الضعف والطعن، فالأول وهو "المتهم" حديثه متروك، والثاني حديثه موضوع كما سيأتي. (¬3) تنبيه: أطلق الحافظ في "النخبة" على الوجه الأول من وجوه الطعن: "الموضوع"، وعلى الثاني: "المتروك"، وقال في الثالث -وهو فحش الغلط-، وفي الرابع -وهو الغفلة-، وفي الخامس -وهو الفسق-: قال فيهم جميعا وصفا واحدا وهو: "المنكر" وقيده بقوله: "على رأي". وشرح "المتروك" بما نقله عنه المعلمي هنا، لكن السيوطي رحمه الله تعالى قال في "تدريب الراوي": (1/ 240): " .... فحينئذ فالحديث الذي لا مخالفة فيه, وراويه متهم بالكذب؛ بأن لا يروى إلا من جهته, وهو مخالف للقواعد المعلومة، أو عرف به -أي الكذب- في غير الحديث النبوي، أو كثير الغلط، أو الفسق, أو الغفلة يسمى"المتروك"، وهو نوع مستقل ذكره شيخ الإسلام ... " قلت: فالملاحظ أن السيوطي قد أقحم في حد "المتروك" ما ليس منه عند الحافظ في "النخبة" كما سبق إيراده؛ فإن وجوه الطعن الثلاثة وهي (كثرة الغلط، والفسق، والغفلة) إنا أطلق عليها الحافظ: "المنكر على رأي" وهي إشارة منه إلى وجود رأي أخر أو كثر في مسميات هذه الأوجه الثلاثة -فأدخل السيوطي ذلك كله في حد "المتروك" وسياقه في "التدريب" - وإن لم يكن فيه تصريح بنقل كلام الحافظ من "النخبة"- إلا أنه يشعر بذلك، فإذا صح هذا الإشعار، ففي هذا النقل نظر. وفي "النكت على ابن الصلاح" للحافظ (2/ 675) عند الكلام على "المنكر": قال: "وقد ذكر مسلم في مقدمة صحيحه ما نصه": "وعلامة المنكر في حديث المحدث إذا ما عرضت روايته للحديث على رواية =

. . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = غيره من أهل الحفظ والرضا، خالفت روايته روايتهم، ولم تكد توافقها. فإذا كان الأغلب من حديثه كذلك، كان مهجور الحديث, غير مقبوله ولا مستعمله". قلت: -القائل ابن حجر-: فالرواة الموصوفون بهذا هم "المتروكون"، فعلى هذا: رواية "المتروك" عند مسلم تسمى "منكرة" - وهذا هو المختار والله أعلم". اهـ. كلام الحافظ. قلت: الوصف بـ "الترك" عند علماء الجرح والتعديل أشد من الوصف بـ"النكارة" و"المتروك" يلي "الموضوع" في مراتب الجرح عندهم، فإطلاق الأخف على الأشد له وجه محتمل -وذلك عند التفرد، لكن عند اجتماعهما والمقارنة بينها يجب التفريق- هذا من غير عكس لذلك الإطلاق، وهو الذي صنعه السيوطي، حيث أطلق الأشد -وهو "المتروك" على الأخف- وهو "المنكر". فقول الحافظ إذن: "رواية المتروك عند مسلم تسمى منكرة" لا إشكال فيها ... لكن يبقى النظر في وصف مسلم للراوي، والذي أطلق عليه الحافظ لفظ "الترك"، مع مقارنته باصطلاحه في "النخبة". فأقول: هذا الوصف هو "مخالفة الثقات"، وينقسم صاحبه عند الحافظ في "النخبة" إلى أحد قسمين: "الشاذ" إذا كان المخالف ثقة, و"المنكر" إذا كان المخالف ضعيفا، فإطلاق الحافظ وصف "المتروك" عليه يعد قولا ثانيا له في حد "المتروك"، يمكن أن تحمل عليه مقالة السيوطي في "التدريب" .. فيقال: "مخالفة الثقة" إنما هي أثر ونتيجة لعدة أوجه من الطعن في الراوي، تخل بضبطه؛ كفحش الغلط, وفرط الغفلة، وكثرة النسيان. فإطلاق السيوطي على من كان هذا حاله -بالإضافة إلى "الفسق"- لفظ "الترك"، يعتبر جمعا بين قولي الحافظ في "النخبة" وفي "النكت"، سواء قصد السيوطي ذلك أم كان وهما في النقل عن "النخبة" كما قدمنا. هذا، وقد نقل عن شعبة بن الحجاج في حد "المتروك" ما يوافقه كلام السيوطي، ففي "شرح الألفية" للسخاوي: (ص 160، 161): "قال ابن مهدي: سئل شعبة: من الذي يترك حديثه. قال: من يتهم بالكذب، ومن يكثر الغلط, ومن يخطىء في حديث يجمع عليه فلا يتهم نفسه ويقيم على غلطه، ورجل روى عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون". وقال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (2/ 230): " ... وإن إكثار الراوي من الأحاديث التي لا يوافق عليها لفظا أو إسنادا يصيره متروك الحديث". وكذا قال الخليلي في "الإرشاد" (1/ 176): "والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ به ثقة أو غيره، فما كان عن غير ثقة "فمتروك"، وما كان عن ثقة توقف فيه ولا يحتج به". اهـ. لكن قول الخليلي: "ما ليس له إلا إسناد واحد" يشير إلى التفرد مع عدم المخالفة، وكذا بدا لي أن قول السيوطي السالف الذكر "فالحديث الذي لا مخالفة فيه ... " يرجح أنه لم يقصد نقل كلام الحافظ في "النكت" بل هو وهم في نقل كلام "النخبة" أو يكون إنشاء من عنده. والله تعالى أعلم بالصواب. =

هذه النقول تعطي أن الكذب في الكلام ترد به الرواية مطلقا، وذلك يشمل الكذبة الواحدة التي لا يترتب عليها ضرر ولا مفسدة. وقد ساق صاحب (الزواجر) الأحاديث في التشديد في الكذب، ثم قال (ج 2 ص 169): "هذا هو ما صرحوا به، قيل: لكنه مع الضرر ليس كبيرة مطلقا، بل قد يكون كبيرة كالكذب على الأنبياء، وقد لا يكون - انتهى". وفيه نظر -بل الذي يتجه أنه حيث اشتد ضرره بأن لا يحتمل عادة كان كبيرة، بل صرح الروياني (¬1) في "البحر" بأنه كبيرة وإن لم يضر، فقال: "من كذب قصدا ¬

_ = فوائد تتعلق بالترك: 1 - قال العراقي في "شرح ألفيته" (2/ 11): "فلان فيه نظر، وفلان سكتوا عنه"، هاتان العبارتان يقولهما البخاري فيمن تركوا حديثه. 2 - ذكر عن يحيى بن سعيد القطان أنه كان إذا رأى الرجل يحدث عن حفظه مرة هكذا، ومرة هكذا، ولا يثبت على رواية واحدة، تركه. نقله عنه الترمذي في "العلل الصغير" من آخر كتابه "الجامع" (4/ 390 - بشرح التحفة). وقال الترمذي أيضا في نفس الموضع: " ... وإن كان يحيى ترك الرواية عن هؤلاء -يعني: شريك، وأبا بكر بن عياش، والربيع بن صبيح، والمبارك بن فضالة- فلم يترك الرواية عنهم لأنه اتهمهم بالكذب، ولكنه تركهم لحال حفظهم". فلا يغتر بقولهم: "تركه يحيى القطان" ويظن أن هذا الراوي متهم بالكذب. (¬1) هو الإمام أبو المحاسن عبد الواحد بن أحمد بن محمد بن إسماعيل الروياني الشافعي، توفي سنة اثنتين وخمسمائة, له كتاب "بحر المذهب في الفروع"، وهو الذي عناه المعلمي هنا، وهو غير الحافظ الروياني صاحب "المسند". قال السمعاني في "الأنساب" (6/ 198) عن صاحب "البحر": "كان من رءوس الأئمة والأفاضل لسانا وبيانا، له الجاه العريض والقبول التام في تلك الديار، وحميد المساعي والآثار، والتصلب في المذهب، والصيت المشهور في البلاد، والإفضال على المنتابين والقاصدين إليه". وقال تاج الدين السبكي عن كتابه "البحر" في "طبقات الشافعية الكبرى" (7/ 195): "ومن تصانيفه "البحر" وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب, إلا أنه عبارة عن "حاوي" الماوردي، مع =

رُدَّتْ شهادتُه، وإن لم يضر بغيره؛ لأن الكذب حرام بكل حال، وروى فيه حديثا، وظاهر الأحاديث السابقة أو صريحها يوافقه، وكأن وجه عُدولهم عن ذلك ابتلاء أكثر الناس به، فكان كالغيبة، على ما مر فيه عند جماعة". أقول: لا يلزم من التسامح في الشاهد أن يتسامح في الراوي لوجوه: الأول: أن الرواية أقرب إلى حديث الناس من الشهادة، فإن الشهادة تترتب على خصومة، ويحتاج الشاهد إلى حضور مجلس الحكم، ويأتي باللفظ الخاص الذي لا يحتاج إليه في حديث الناس، ويتعرض للجرح فورا. فمن جربت عليه كذبة في حديث الناس لا يترتب عليها ضرر، فخوف أن يجره تساهله في ذلك إلى التساهل في الرواية أشد من خوف أن يجره إلى شهادة الزور. الثاني: أن عماد الرواية الصدق، ومعقول أن يشدد فيها فيما يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة، وقد خفف الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة؛ تقوم الحجة بخبر الثقة ولو واحدا، أو عبدا، أو امرأة، أو جالب منفعة إلى نفسه، أو أصله، أو فرعه، أو ضرر على عدوه -كما يأتي- بخلاف الشهادة، فلا يليق بعد ذلك أن يخفف في الرواية فيما يمس عمادها. الثالث: أن الضرر الذي يترتب على الكذب في الرواية أشد جدا من الضرر الذي يترتب على شهادة الزور، فينبغي أن يكون الاحتياط للرواية آكد. ¬

_ = فروع تلقاها الروياني عن أبيه وجده, ومسائل أخر، فهو أكثر من "الحاوي" فروعا، وإن كان "الحاوي" أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا". اهـ. وقال السبكي نقلا عن "البحر" (7/ 198): "وجزم -أي الروياني- بأن الكذب عن قصد يرد الشهادة، قال: لأنه حرام بكل حال قال: قال القفال: إلا أن يكون على عادة الكتاب والشعراء في المبالغة". اهـ. والروياني بضم الراء، وسكون الواو، كما في الأنساب.

وقد أجاز الحنفية قبول شهادة الفاسق دون روايته, والتخفيف في الرواية بما تقدم من قيام الحجة بخبر الرجل الواحد وغير ذلك لا ينافي كونها أولى بالاحتياط؛ لأن لذلك التخفيف حِكما أخرى، بل ذلك يقتضي أن لا يخفف فيها فيما عدا ذلك فتزداد تخفيفا على تخفيف. الرابع: أن الرواية يختص لها قوم محصورون، ينشأون على العلم والدين والتحرز عن الكذب، والشهادة يحتاج فيها إلى جميع الناس؛ لأن المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد، ولا يحضرها غالبا إلا أوساط الناس وعامتهم. والذين ينشأون على التساهل، فمعقول أنه لو رُدَّتْ شهادةُ كل من جُربت عليه كذبة، لضاعت حقوق كثيرة جدا، ولا كذلك الرواية. نعم، الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، وما يقع من الإنسان في أوائل عمره, ثم يقلع عنه, ويتوب منه, وما يدفع به ضرر شديد، ولا ضرر فيه, وصاحبه مع ذلك مستوحش منه ربما يغتفر (¬1) والله أعلم. * * * ¬

_ (¬1) من الفروق بين الكاذب في الحديث النبوي، والكاذب في حديث الناس، أن الأول لو ثبت عنه ولو مرة واحدة لا يقبل حديثه أبدا ولو تاب، بخلاف شاهد الزور إذا تاب وأما الثاني فيقبل حديثه إذا صحت توبته, وقد سبق قول الخطيب البغدادي في "الكفاية" ص (190): " ... ويجب أن يقبل حديثه إذا ثبت توبته". وقال في "النخبة النبهانية بشرح المنظومة البيقونية" ص (37) عن الحديث "المتروك": "وهو أخف من "الموضوع"، وهذا الرجل إذا تاب وصحت توبته, وظهرت أمارات الصدق فيه جاز سماع الحديث منه، والذي يقع منه أحيانا نادرا في كلامه غير الحديث النبوي، فذلك غير مؤثر في تسمية حديثه بـ "الموضوع" أو "المتروك".

الوجه الرابع التهمة بالكذب

الوجه الرابع التهمة بالكذب قال الشيخ المعلمي في القاعدة الثانية من "التنكيل": "تقدم أن أشدَّ موجباتِ ردِّ الراوي كذبُه في الحديث النبوي، ثم تهمتُه بذلك، وفي درجتها كذبُه في غير الحديث النبوي، فإذا كان في الرواية والجرح والتعديل بحيث يترتب عليه من الفساد نحو ما يترتب على الكذب في الحديث النبوي، فهو في الدرجة الأولى، فالتهمة به في الدرجة الثانية أو الثالثة. وقد ذكر علماء الحديث بعد درجة الكذب في الحديث النبوي ودرجة التهمة به درجتين، بل درجات، ونصوا على أن من كان من أهل درجة من الأربع الأولى فهو ساقط البتة في جميع رواياته، سواء منها ما طُعن فيه بسببه وغيره. ... وينبغي أن يعلم أن التهمة تقال على وجهين: الأول: قول المحدثين (فلان متهم بالكذب). وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده بدليل يصح الاستناد إليه أن الخبر لا أصل له، وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي: أتعمد الكذب أم غلط؟ فإذا تدبر وأنعم النظر، فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزمًا، وقد يميل ظنه إلى أحدهما، إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به. فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: (متهم بالكذب) أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى. ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغها أحد من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يَتهم بعض المتقدمن رجلًا في حديثٍ يزعم أنه تفرد بمع فيجد له

بعض أهل العصر متابعات صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح، فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر ولم يتهمه أحد من الأئمة فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه فهذا مردود؛ لأنه إن تهيأ له إثباتُ بطلان الخبر عن ذلك الراوي ثبوتًا لا ريب فيه فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد جمع ولا أن شيخه لم يروه قط، ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به. بلى قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون، لكن مع الاستناد إلى كلامهم، كما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت، وترجمة محمد بن سعيد البورقي. وإن كان الأستاذ -يعني الكوثري- يخالف في ذلك؛ فيصدق من كذبه الأئمة وكذبُه واضحٌ، كما يكذب أو يتهم من صدقوه وصدقُه ظاهرٌ، شأن المحامين في المحاكم؛ معيار الحق عند أحدهم مصلحة موكله! ... الوجه الثاني: مقتضى اللغة، والتهمة عند أهل اللغة مشتقة من الوهم، وهو كما في (القاموس): (من خطرات القلب أو مرجوح طرفي المتردد فيه). والتهمة بهذا المعنى تعرض في الخبر إذا كان فيه إثبات ما يظهر أن المخبر يحب أن يعتقد السامع ثبوته؛ وذلك كشهادة الرجل لقريبه وصديقه وعلى من بينه وبينه نفرة، وكذلك إخباره عن قريبه أو صديقه بما يحمد عليه، وإخباره عمن هو نافر عنه بما يذم عليه. وقِسْ على هذا كُلَّ ما من شأنه أن يدعو إلى الكذب، وتلك الدواعي تخفى وتتفاوت آثارها في النفوس وتتعارض، وتعارضها الموانع من الكذب، وقد تقدمت الإشارة إليها في الفصل الخامس، فلذاك اكتفى الشارع في باب الرواية بالإسلام والعدالة والصدق، فمن ثبتت عدالته وعُرف بتحري الصدق من المسلمين، فهو على العدالة والصدق في أخباره، لا يقدح في إخباره أن يقوم بعض تلك الدواعي، ولا أن يتهمه

من لا يعرف عدالته، أو لا يعرف أثر العدالة على النفس أو من له هوى مخالف لذلك الخبر، فهو يتمنى أن لا يصح، كما قال المتنبي: شقّ الجزيرة حتى جاءني نبأ ... فزعت منه بآمالي إلى الكذب حتى إذا لم يدع إلى صدقه أملًا ... شرقت بالدمع حتى كاد يشرق بي وكأنه أخذه من قول الأول: إني أتتني لسان ما أسر بها ... من علو لا عجب فيها ولا سخر جاءت مرجة قد كنت أحذرها ... لو كان ينفعني الإشفاق والحذر تأتي على الناس لا تلوي على ... حتى أتتنا وكانت دوننا مضر إذا يعادُله ذكر أكذبه ... حتى أتتني بها الأنباء والخبر وجماعة من الصحابة روى كل منهم فضيلةً لنفسه, يرون أن على الناس قبول ذلك منهم، فتلقت الأمة ذلك بالقبول، وكان من الصحابة والتابعين يقاتلون الخوارج، ثم روى بعض أولئك التابعين عن بعض أولئك الصحابة أحاديث في ذم الخوارج، فتلقت الأمة تلك الأحاديث بالقبول. وكثيرًا ما ترى في تراجم ثقات الرواة من التابعين فمن بعدهم إخبار الرجل منهم بثناء غيره عليه، فيتلقى أهل العلم ذلك بالقبول، وقبلوا من الثقة دعواه ما يُمكن من صحبته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لأصحابه أو إدراكه لكبار الأئمة وسماعه منهم وغير ذلك مما فيه فضيلة للمدعي وشرف له وداع للناس إلى الإقبال عليه وتبجيله والحاجة إليه. ولم يكن أهل العلم إذا أرادوا الاستيثاق من حال الرواي يسألون إلا عما يمسّ دينه وعدالته.

ونص أهل العلم على أن الرواية في ذلك مخالفة للشهادة، وفي (التحرير) لابن الهمام الحنفي مع (شرحه) لابن أمير حاج (جـ 3 ص 245): (وأما الحرية والبصر وعدم الحد في قذف) وعدم (الولاد و) عدم (العداوة) الدنيوية (فتختص بالشهادة) أي تُشترط فيها، لا في الرواية). فأما الشهادة فإن الشرع شرط لها أمورًا أخرى مع الإسلام والعدالة كما أشار إليه ابن الهمام، وشرط في إثبات الزنا أربعة ذكور، وفي غيره من الحدود ونحوها ذكرين، وفي الأموال ونحوها رجلا وامرأتين إلى غير ذلك. فأما الشهادة للنفس فمتفق على أنها لا تُقبل، وأما الشهادة للأصل وللفرع وللزوج وعلى العدو ففيها خلاف، وفي بعض كتب الفقه أن الرد في ذلك لأجل التهمة، وظاهر هذا أن التهمة هي العلة، فيبني عليها قياس غير المنصوص عليه، وهذا غير مستقيم؛ إذ ليس كل شاهدٍ لنفسه حقيقا بأن يُتهم؛ ألا ترى أن كبار الصحابة وخيار التابعين لو شهد أحدهم لنفسه لم نتهمه، ولا سيما إذا كان غنيًا والمشهود به يسيرًا كخمسة دراهم، والمشهود عليه معروفًا بجحد الحقوق. أقول هذا لزيادة الإيضاح، وإلا فالواقع أننا لا نتهمهم مطلقًا، حتى لو شهد أحدهم لنفسه على آخر منهم وأنكر ذاك لم نتهم واحدًا منهما، بل نعتقد أن أحدهما نسي أو غلط، وليس ذلك خاصًا بهم، بل كل من ثبتت عدالتُه لا يتهمه عارفوه الذين يعدلونه ولا الواثقون بتعديل المعدلِّين، فإن اتهمه غيرهم كان معنى ذلك أنه غير واثق بتعديل المعدلِّين، ومتى ثبت التعديل الشرعي لم يُلتفت إلى من لا يثق به. ولو كان لك أن تعدل الرجل وأنت لا تأمن أن يدعي الباطل ويشهد لنفسه زورًا بخمسة دراهم مثلًا، لكان لك أن تعدل من تتهمه بأنه لو رشاه رجل عشرة دراهم أو أكثر لشهدوا له زورًا، وهذا باطل قطعًا؛ فإن تعديلك للرجل إنما هو شهادة منك

له بالعدالة، والعدالة (ملكة تمنع صاحبها من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة ...) فكيف يسوغ لك أن تشهد بهذه الملكة لمن تتهمه بما ذُكر؟ ولو كان كل عدل حقيقًا بأن يتهمه عارفوه بنحو ما ذُكر لما كان في الناس عدل، وفي أصحابنا من لا نتهمه في شهادته ولو حصل له بسببها مائة درهم أو أكثر؛ كأن يدعي صاحبنا على فاجر بمائة درهم فيجحده, ثم تتفق للفاجر خصومة أخرى فيجيء إلى صاحبنا فيقول له: أنت تعرف هذه القضية، فاحضر فاشهد بما تعلم، فيقول صاحبنا: نعم أنا أعرفها ولكنك ظلمتني مائة درهم فأدِّها إليَّ إن أردتَّ أن أشهد، فيدفع له مائة درهم، فيذهب فيشهد، فإننا لا نتهم صاحبنا في دعواه ولا شهادته. وفي أصحابنا من لو ائتمن على مئات الدراهم، ثم بعد مدة ادعى ما يحتمل من تلفها أو أنه ردها على صاحبها الذي قد مات لما اتهمناه، نعم قد يتهمه من لا يعرفه كمعرفتنا، أو من لا يعرف قدر تأثير الموانع عن الخيانة في نفس من قامت به, فالفاسق المتهتك لا يعرف قدر العدالة، فتراه يتهم العدول، ولا يكاد يعرف عدالتهم ولو كانوا جيرانه. فإن قيل: يكفي في التعليل أن ذلك مظنة التهمة، ولا يضر تخلفها في بعض الأفراد، كما قالوا في قصر الصلاة في السفر أنه لأجل المشقة وإن تخلفت المشقة في بعض المسافرين كالمَلِك المترفه. قلت: العلة في قصر الصلاة هي السفر بشرطه, لا المشقة, فكذلك تكون العلة في رد الشهادة للنفس هي أنها شهادة للنفس أو دعوى، كما يومىء إليه حديث: "لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعي ناسٌ دماءَ رجالٍ وأموالهم ... " (¬1) ¬

_ (¬1) أخرجه البخاري (4187) ومسلم (3228) واللفظ له من حديث أبي هريرة مرفوعًا.

فعلى هذا لا يتأتى القياس؛ ألا ترى أن في أعمال العمال المقيمين ما مشقته أشد من مشقة السفر العادي، ذلك كالعمل في المناجم ونحوها، ومع ذلك ليس لهم أن يقصروا الصلاة. فإن قيل: الشهادة للأصل والفرع مظنة للتهمة كما أن الشهادةَ للنفس مظنة لها، قلت: فالعمل في المناجم مظنة للمشقة، بل المشقة فيه أشق وأغلب، والتهمة في الشهادة للأصل أو الفرع أضعف وأقل من التهمة في الشهادة للنفس، وقد يكون الرجل منفردًا عن أصله أو فرعه وبينهما عدواة. والشافعي ممن يقول برد الشهادة للأصل والفرع، ولم يعرج على التهمة، ولكنه لما علم أن جماعة ممن قبله ذهبوا بلى الرد، ولم يعلم لهم مخالفًا هاب أن يقول ما لا يعلم له فيه سلفًا، فحاول الاستدلال بما حاصله أن الفرع من الأصل فشهادة أحدهما للآخر كأنها شهادة لنفسه، ثم قال كما في (الأم) (ج 7 ص 42): (وهذا مما لا أعرف فيه خلافًا) كأنه ذكر هذا تقوية لذاك الاستدلال واعتذارًا عما فيه من الضعف، ولما علم بعض حذاق أصحابه كالمزني وأبي ثور أن هناك خلافًا ذهبوا إلى القبول. وليس المقصود هنا إبطال القول برد الشهادة للأصل والفرع والزوج، وإنما المقصود أن الاستدلال عليه بقياس مبني على أن التهمة علة غير مستقيم. فأما الشهادة على العدو فالقائلون أنها لا تُقبل يخصون ذلك بالعداوة الدنيوية التي تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه, فأما العداوة الدينية والدنيوية التي لم تبلغ ذاك فلا تمنع من القبول عندهم. والمنقول عن أبي حنيفة كما في كتب أصحابه أن العداوة لا تقتضي رد الشهادة إلا أن تبلغ أن تسقط بها العدالة. أقول: وإذا بلغت ذلك لم تُقبل شهادة صاحبها حتى لعدوه على صديقه، ويقوي هذا القول أن القائلين بعدم القبول يشرطون أن تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه،

وهذا يتمنى أن يفرح لذبح أطفاله ظلمًا والزنا ببناته وارتداد زوجاته ونحو ذلك، وقِسْ على ذلك الحزن لفرحه، وهذا مسقط للعدالة حتمًا. فإن قيل: قد يفرح بذلك من جهة أنه يحزن عدوه، ومع ذلك يحزن من جهة مخالفته للدين، قلت: إن لم يغلب حزنُه فرحَه فليس بعدل، وإن غلب فكيف يظن به أن يوقع نفسه في شهادة الزور التي هي من أكبر الكبائر وفيها أعظم الضرر على نفسه في دينه, ولا يأمن من أن يلحقه لأجلها ضرر شديد في دنياه، كل ذلك ليضر المشهود عليه في دنياه ضررًا قد يكون يسيرًا كعشرة دراهم. وهَبْهُ صحَّ الردُّ بالعدواة مع بقاء العدالة، فالقائلون بذلك يشرطون أن تكون عداوة دنيوية تبلغ أن يحزن لفرحه ويفرح لحزنه، وهذا لا يتأتى للأستاذ -يعني الكوثري- إثباته في أحدٍ ممن يتهمهم؛ لأنه إن ثبت انحرافهم عن أبي حنيفة وأصحابه وثبت أن ذلك الانحراف عداوة فهو عداوة دينية، وهَبْ أنه ثبت في بعضهم أنها عداوة دنيوية, فلا يأتي للأستاذ إثبات بلوغها ذاك الحد، أي أن يحزن لفرحه ويفرح لحزف وهَبْهُ بلغ فقد تقدم أن الرواية لا ترد بالعدواة. هذا على فرض مجامعة ذلك للعدالة، وإلا فالرد لعدم العدالة. وأما ما ذكره الشافعي في أصحاب العصبية، فالشافعي إنما عني العصبية لأجل النسب، كما هو صريح في كلامه, وذلك أمر دنيوي، وكلامه ظاهر في أنها بشرطها تسقط العدالة، ولا ريب أنه إذا بلغت العصبية أو العداوة إسقاط العدالة لم تُقبل لصاحبها شهادة ولا رواية البتة، سواء أكانت دنيوية أم مذهبية أم دينية؛ كمن يُسرف في الحنق على الكفار، فيتعدى على أهل الذمة والأمان بالنهب والقتل ونحو ذلك، بل قد يكفر.

فقد اتضح بما تقدم الجواب عن بعض ما يمكن التشبث به في رد رواية العدل، وبقي حكايةٌ عن شريك ربما يؤخذ منها أنه قد يقبل شهادة بعض العدول في القليل ولا يقبلها في الكثير، وفرع للشافعي قد يتوهم فيه نحو ذلك، وما يقوله أصحاب الحديث في رواية المبتدع، وما قاله بعضهم في جرح المحدث لمن هو ساخط عليه. فأما الحكاية عن شريك فمنقطعة, ولو ثبتت لوجب حملها على أن مراده القبول الذي تطمئن إليه نفسه، فإن القاضي قد لا يكون خبيرًا بعدالة الشاهدين وضبطهما وتيقظهما، وإنما عدَّلهما غيره، فإذا كان المال كثيرًا جدًّا بقي في نفسه ريبة، وقد بيَّن أهل العلم أن مثل هذا إنما يقتضي التروي والتثبت، فإذا تروى وبقيت الحال كما كانت، وجب عليه أن يقضي بتلك الشهادة ويعرض عما في نفسه. وأما الفرع المذكور عن الشافعي فليس من ذاك القبيل، وإنما هو من باب الاحتياط للتعديل، ومع ذلك فقد ردَّه إمام الحرمين، وقال: إن أكثر الأئمة على خلافه. وأما رواية المبتدع، وجرح المحدث لمن هو ساخط عليه، فأُفرد كلا منهما بقاعدة. اهـ. * * *

الوجه الخامس خوارم المروءة

الوجه الخامس خوارم المروءة قال العلامة المعلمي في "الاستبصار" (ص 36 - 38): "اشتهر بين أهل العلم أن مما يخرم العدالة تعاطي ما ينافي المروءة، وقيَّده جماعة بأن يكثر ذلك من الرجل حتى يصير إخلاله بما تقتضيه المروءة غالبًا عليه. قال الشافعي: تعالى: "ليس من الناس أحد نعلمه -إلا أن يكون قليلًا- يمحص الطاعة والمروءة حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحص المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما شيئا من الطاعة والمروءة، فإذا كان الغالب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة قُبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة رُدَّت شهادته" "مختصر المزني بهامش الأم" (5/ 256). أقول: ذكروا أن المدار على العُرْف، وأنه يختلف باختلاف حال الرجل وزمانه ومكانه، فقد يُعَدُّ الفعل خرمًا للمروءة إذا وقع من رجل من أهل العلم، لا إذا كان من فاجر -مثلًا- وقد يُعَدُّ ذلك الفعل من مثل ذلك الرجل خَرْمًا للمروءة في الحجاز -مثلًا- لا في الهند، وقد يُعَدُّ خرمًا للمروءة إذا كان في الصيف لا إذا كان في الشتاء، أو يُعَدُّ خرمًا في عصر ثم يأتي عصر آخر لا يُعَدُّ فيها خرمًا. ثم أقول: لا يخلو ذلك الفعل الذي يَعُدُّهُ أهل العُرْف خرمًا للمروءة عن واحد من ثلاثة أوجه: الأول: أن يكون -مع صرف النظر عن عُرْف الناس- مطلوبًا فعله شرعا وجوبًا أو استحبابًا.

الثاني: أن يكون مطلوبًا تركه بأن يكون حرامًا أو مكروهًا أو خلاف الأولى. الثالث: أن يكون مباحًا. فأما الأول: فلا وجه للالتفات إلى العُرف فيه؛ لأنه عرف مصادم للشرع، بل إذا ترك ذلك الفعلَ رجلٌ حفظًا لمروءته في زعمه كان أحق بالذم ممن يفعله لمجرد هواه وشهوته. وأما الثاني: فالُعْرف فيه مُعاضد للشرع، فالاعتداد به في الجملة متجه؛ إذ يقال في فاعله: إنه لم يستح من الله عز وجل ولا من الناس، وضعف الحياء من الله عز وجل ومن الناس أبلغ في الذم من ضعف الحياء من الله عز وجل فقط، وتقدم حديث: "كل أمتي معافى إلا المجاهرين". وأما الثالث: فقد يقال: يلتحق بالثاني؛ إذ ليس في فعل ذلك الفعل مصلحة شرعية، وفيه مفسدة شرعية، وهي تعريض النفس لاحتقار الناس وذمهم. هذا وقد يقال: إذا ثبت صلاح الرجل في دينه بأن كان مجتنبًا الكبائر والصغائر غالبًا فقد ثبتت عدالته، ولا يلتفت إلى خوارم المروءة؛ لأن الظاهر في مثل هذا أنه لا يتصور فيه أن يكون إخلاله بالمروءة غالبًا عليه، وعلى فرض إمكان ذلك فقد تبين من قوّة إيمانه وتقواه وخوفه من الله عز وجل ما لا يحتاج معه إلى معاضدة خوفه من الناس، بل يظهر في هذا أن عدم مبالاته بالناس إنما هو من كمال إيمانه وتقواه. وأما من كثر منه ارتكاب الصغائر ومع ذلك كثر منه مخالفة المروءة, ولم يبلغ أن يقال معاصيه أغلب من طاعاته، فهذا محل نظر، وفَصْل ذلك إلى المُعَدِّل: فإن كان يجد نفسه غير مطمئنة إلى صدقه فليس ممن يُرْضى، وقد قال الله عز وجل {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ}. اهـ. * * *

الوجه السادس البدعة

الوجه السادس البدعة • قال العلامة المعلمي في كتاب "الاستبصار" (ص 40): "البدعة التي جرت عادتهم بالبحث عن صاحبها عند الكلام في العدالة هي البدعة في الاعتقاديات وما بني عليها أو أُلْحِق بها. وأهل العلم مختلفون في هذا الضرب من البدعة أن يكون جرحًا في عدالة صاحبه. والذي يظهر لي أنه ينبغي أولًا النظر في أدلة تلك المقالة (¬1)، ثم في أحوال الرجل وأحوال عصره وعلاقته بها، فإن غلب على الظن بعد الإبلاغ في التثبت والتحري أنه لا يخلو إظهاره تلك المقالة عن غرض دنيوي: من عصبيته (¬2)، أو طمع في شهرة، أو حب دنيا، أو نحو ذلك، فحقه أن يُطرح، وكذلك إن احتمل ذلك احتمالًا قويًّا بحيث لا يغلب على ظن العارف به تبرئته مما ذكر. وإن ظهر إنما أدَّاه إليها اجتهاده, وابتغاؤه الحق، وأنه حريص على إصابة الحق في اتباع الكتاب والسنة، فلا ينبغي أن يُجرح بمقالته، بل إن ثبتت عدالته فيما سوى ذلك، وضبطه, وتحريه, نظر في درجته من العلم والدين والصلاح، والتحري والتثبت، فإن كان عالي الدرجة في ذلك احتج به مطلقًا، وإلا فقد قُبل منه (¬3) ما لا يوافق مقالته، ويتوقف عما يوافقها لموضع التهمة، وليس هذا بشيء؛ لأنه إن كان حقيقًا ¬

_ (¬1) يعني مقالة صاحب البدعة. (¬2) كذا، ولعل الصواب: "من عصبية". (¬3) يعني قَبل منه قومٌ ذلك، ويأتي نقض المعلمي له.

وقال في "عمارة القبور"

بأن يتهم في شيء من روايته مما ينافي العدالة فلم تثبت عدالته، وقد شرحت هذا في "التنكيل"". اهـ. • وقال في "عمارة القبور" ص (211 - 214): قال الذهبي في "الميزان" في ترجمة: ابن المديني: "ثم ما كل من فيه بدعة، أو له هفوة، أو ذنوب، يقدح فيه بما يوهن حديثه، ولا من شرط الثقة أن يكون معصومًا من الخطايا والخطأ". وفي "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص 49). قال ابن القشيري: والذي صح عن الشافعي، أنه قال: في الناس من يمحض الطاعة فلا يمزجها بمعصية، وفي المسلمين من يمحض المعصية، ولا يمزجها بالطاعة، فلا سبيل إلى رد الكل، ولا إلى قبول الكل؛ فإن كان الأغلب على الرجل من أمره الطاعة والمروءة، قُبلت شهادته وروايته، وإن كان الأغلب المعصية وخلاف المروءة، رددتُها". وفيه من جملة كلام عن الرازي: "والضابط فيه أن كل ما لا يؤمن من جراءته على الكذب، ترد الرواية وما لا، فلا". وفيه قال الجويني: "الثقة: هي المُعتمد عليها في الخبر، فمتى حصلت الثقة بالخبر، قبل". قال المعلمي: وهذا هو المعقول، وعليه عمل الأئمة الفحول؛ فإن الحكمة في اشتراط العدالة في الراوي هي كونها مانعة له عن الكذب، فيقوى الظن بصدقه، فإذا جرت منه هفوة لا تخدش قوة الظن بصدقه، لم تخدش قبول روايته.

وقال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل"

ومن هنا رجح الأئمة رواية الخوارج على رواية الشيعة؛ لأن الخوارج يعتقدون أن مطلق الكذب كفر، فضلًا عن الكذب على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أما الشيعة فيتدينون بالكذب، (التقية) حتى جوزوها من النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل على الله عز وجل؛ لتأويلهم الآيات الواردة في مدح بعض الصحابة على خلاف ظاهرها، قائلين: إنما جعل الله -تعالى- ظاهرها الثناء استداراجًا لأولئك القوم؛ ليقوموا بنصر الدين، ويكفوا ضررهم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهل بيته. اهـ. • وقال المعلمي في القاعدة الثالثة من قسم القواعد من "التنكيل": 1 - لا شُبهة أن المبتدع إن خرج ببدعته عن الإسلام لم تقبل روايته؛ لأن من شرط قبول الرواية: الإسلام. 2 - وأنه إن ظهر عناده أو إسرافه في اتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق ونحو ذلك مما هو أَدَلُّ على وَهَنِ التدين من كثير من الكبائر كشرب الخمر وأخذ الربا فليس بعدْلٍ، فلا تقبل روايته؛ لأن من شرط قبول الرواية: العدالة. 3 - وأنه إن استحل الكذب، فإما أن يكفر بذلك، وإما أن يفسق، فإن عذرناه (¬1) فمن شرط قبول الرواية: الصدق، فلا تقبل روايته. 4 - وأن من تردد أهل العلم فيه، فلم يتجه لهم أن يكفروه أو يفسقوه, ولا أن يعدلوه, فلا تقبل روايته؛ لأنه لم تثبت عدالته. ويبقى النظر فيما عدا هؤلاء. والمشهور الذي نقل ابن حبان والحاكم إجماع أئمة السنّة عليه أن المبتدع الداعية لا تقبل روايته، وأما غير الداعية فكالسني. واختلف المتأخرون في تَعْليل رَدّ الداعية. ¬

_ (¬1) يعني فلم يكفر ولم يفسق.

والتحقيق إن شاء الله تعالى أن ما اتفق أئمة السنة على أنها بدعة فالداعية إليها الذي حقه أن يُسَمَّى داعية لا يكون إلا من الأنواع الأولى: إن لم يتجه تكفيره اتجه تفسيقه، فإن لم يتجه تفسيقه فعلى الأقلّ لا تثبت عدالته. وإلى هذا أشار مسلم في مقدمة "صحيحه" إذ قال: "اعلم وفقك الله أن الواجب على كل أحد عرف التمييز بين صحيح الروايات وسقيمها وثقات الناقلين لها من المتهمين، أن لا يروي منها إلا ما عرف صحة مخارجه والستارة في ناقليه، وأن يتقي منها ما كان عن أهل التهم والمعاندين من أهل البدع، والدليل على أن الذي قلنا في هذا هو اللازم دون ما خالفه قول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} وقال جل ثناؤه: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} وقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فدل ما ذكرنا أن خبر الفاسق ساقط غير مقبول، وأن شهادة غير العدل مردودة، والخبر وإن فارق معناه معنى الشهادة في بعض الوجوه فقد يجتمعان في أعظم معانيهما؛ إذ كان خبر الفاسق غير مقبول عند أهل العلم كما أن شهادته مردودة عند جميعهم". اهـ. قال المعلمي: فالمبتدع الذي يتضح عناده: إما كافر وإما فاسق، والذي لم يتضح عناده ولكنه حقيق بأن يتهم بذلك وهو في معنى الفاسق. لأنه مع سوء حاله لا تثبت عدالته، والداعية الذي الكلام فيه واحدٌ من هذين ولَابُدَّ ... (¬1). ¬

_ (¬1) أشار المعلمي هنا إلى ما يتعلق بـ "هوى النفس" وأن ما من إنسان إلا وله أهواء فيما ينافي العدالة، وإنما المحذور اتباع الهوى. راجع نص كلامه في الفصل الأول من فصول العدالة من هذا الكتاب.

وأهل البدع كما سماهم السلف "أصحاب الأهواء" واتِّبَاعُهم لأهوائهم في الجملة ظَاهِرٌ، وإنّما يبقى النظر في العمد والخطأ، ومن ثبت تعمده أو اتهمه بذلك عارفوه لم يؤمن كذبه، وفي "الكفاية" للخطيب (ص 123) عن علي بن حرب الموصلي: "كل صاحب هوى يكذب ولا يبالي" يريد والله أعلم أنهم مظنة ذلك فيحترس من أحدهم حتى يتبين براءته. هذا وإذا كانت حججُ السنة بَيِّنَةً، فالمخالف لها لا يكون إِلَّا معاندًا أو متبعًا للهوى معرضًا عن حجج الحق. واتباع الهوى والإعراض عن حجج الحق قد يفحش جدًّا حتى لا يحتمل أن يعذر صاحبه، فإن لم يجزم أهل العلم بعدم العذر فعلى الأقل لا يمكنهم تعديل الرجل، وهذه حال الداعية الذي الكلام فيه، فإنه لولا أنه معاند ومنقاد لهواه انقيادًا فاحشًا، مُعْرِضٌ عن حجج الحق إعراضًا شديدًا لكان أقل أحواله أن يحمله النظر في الحق على الارتياب في بدعته فيخاف -إن كان متدينًا- أن يكون على ضلالة ويرجو أنه إن كان على ضلالة فعسى الله تبارك وتعالى أن يعذره، فإذا التفت إلى أهل السنة علم أنهم إن لم يكونوا أولى بالحق منه، فالأمر الذي لا ريب فيه أنهم أولى بالعذر منه وأحق إن كانوا على خطأ أن لا يضرهم ذلك؛ لأنهم إنما يتبعون الكتاب والسُّنَّة ويحرصون على اتباع سبيل المؤمنين ولزوم صراط المنعَم عليهم: النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه وخيار السلف، فيقول في نفسه: هَبْ أنهم على باطل فلم يأتهم البلاء من اتباع الهوى وتتبع السبل الخارجة. ولا ريب أن من كانت هذه حاله فإنه لا يُكَفِّرُ أهل السنة ولا يضللهم، ولا يحرص على إدخالهم في رأيه، بل يشغله الخوف على نفسه فلا يكون داعية. فأما غير الداعية فقد مَرَّ نقل الإجماع على أنه كالسُّنِّي، إذا ثبتت عدالته قبلت روايته، وثبت عن مالك ما يوافق ذلك، وقيل عن مالك إنه لا يُروى عنه أيضًا، والعمل على الأول.

وذهب بعضهم إلى أنه لا يروى عنه إِلَّا عند الحاجة، وهذا أمر مصلحي لا ينافي قيام الحجة بروايته بعد ثبوت عدالته. وحكى بعضهم أنه إذا روى ما فيه تقوية لبدعته لم يؤخذ عنه، ولا ريب أن ذلك المروي إذا حكم أهل العلم ببطلانه فلا حاجة إلى روايته إِلَّا لبيان حاله، ثم إن اقتضى جرح صاحبه بأن ترجح أنه تعمد الكذب أو أنه متهم بالكذب عند أئمة الحديث سقط صاحبه البتّة فلا يؤخذ عنه ذاك ولا غيره، وإن ترجح أنه إنما أخطأ فلا وجه لمؤاخذته بالخطأ، وإن ترجح صحة ذلك المروي فلا وجه لعدم أخذه. نعم قد تدعو المصلحة إلى عدم روايته حيث يُخشى أن يغتر بعض السامعين بظاهره فيقع في البدعة، قرأت في جزء قديم من "ثقات" العجلي ما لفظه: "موسى الجهني قال: جاءني عمرو بن قيس الملائي وسفيان الثّوري فقال (¬1): لا تحدث بهذا الحديث بالكوفة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لعلي: "أنت مني بمنزلة هارون من موسى" كان في الكوفة جماعة يغلون بالتشيع ويدعون إلى الغلو، فكره عمرو بن قيس وسفيان أن يسمعوا (¬2) هذا الحديث فيحملوه على ما يوافق غلوهم فيشتد شرهم. وقد يمنعُ العالمُ طلبةَ الحديث عن أخذ مثل هذا الحديث لِعلمه أنهم إذا أخذوه ربما رووه حيث لا ينبغي أن يروى، لكن هذا لا يختص بالمبتدع، وموسى الجهني ثقة فاضل لم ينسب إلى بدعة. هذا وَأَوَّلُ مَنْ نُسِبَ إليه هذا القولُ (¬3): إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني - وكان هو نفسه مبتدعًا منحرفًا عن أمير المؤمنين علي، متشددًا في الطعن علي المتشيعين كما ¬

_ (¬1) كذا في "التنكيل" ولعلها: "فقالا" ويؤيده قول المعلمي بعد ذلك: فكره "عمرو بن قيس وسفيان". (¬2) ضمير الجمع هنا يعود إلى تلك الجماعة المشار إليها. (¬3) يعني عدم قبول رواية غير الداعية فيما يقوى بدعته.

يأتي في القاعدةُ الآتية (¬1) - ففي "فتح المغيث" (ص 142): "بل قال شيخنا: إنه قد نص على هذا القيد في المسألة الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ النسائي، فقال في مقدمة كتابه في الجرح والتعديل: ومنهم زائغ عن الحق، صدوق اللهجة، قد جرى في الناس حديثه، لكنه مخذول في بدعته، مأمون في روايته، فهؤلاء ليس فيهم حيلة إِلا أن يؤخذ من حديثهم ما يعرف وليس بمنكر إذا لم تقو به بدعتهم فيتهمونه بذلك". والجوزجاني فيه نَصْبٌ، وهو مُولع بالطعن في المتشيعين كما مَرَّ، ويظهر أنه إنما يرمي بكلامه هذا إليهم، فإن في الكوفيين المنسوبين إلى التشيع جماعة أجلّة اتفق أئمة السنة على توثيقهم وحسن الثّناء عليهم وقبول رواياتهم وتفضيلهم على كثير من الثقات الذين لم ينسبوا إلى التشيع حتى قيل لشعبة: "حَدِّثْنا عن ثقات أصحابك، فقال: إن حدثتكم عن ثقات أصحابي فإنما أحدثكم عن نَفرٍ يسير من هذه الشيعة: الحكم بن عتيبة، وسلمة بن كهيل، وحبيب بن أبي ثابت، ومنصور". راجع تراجم هؤلاء في "تهذيب التهذيب". فكأن الجوزجاني لما علم أنه لا سبيل إلى الطعن في هؤلاء وأمثالهم مطلقًا، حاول أن يتخلص مما يكرهه من مروياتهم وهو ما يتعلق بفضائل أهل البيت. وعبارته المذكورة تُعطي أن المبتدع الصادق اللهجة، المأمون في الرواية، المقبول حديثه عند أهل السنة، إذا روى حديثًا معروفًا عند أهل السنة غير منكر عندهم، إِلَّا أنه مما قد تَقْوى به بدعتُهُ فإنه لا يؤخذ وأنه يُتَّهم. فأما اختيار أن لا يؤخذ فَلَهُ وجهٌ رِعَايَةً للمصلحة كما مَرَّ، وأمّا أنه يُتهم فلا يظهر له وجهٌ بعد اجتماع تلك الشرائط، إِلَّا أن يكون المراد أنه قد يَتَّهِمُهُ من عَرف ¬

_ (¬1) ترى ذلك في مبحث "قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك" من أبحاث الجرح والتعديل.

بدعته، ولم يعرف صدقه وأمانته، ولم يعرف أن ذاك الحديث معروف غير منكر، فيسيء الظن به وبمروياته، ولا يبعد من الجوزجاني أن يصانع عما في نفسه بإظهار أنه إنما يحاول هذا المعنى فبهذا تستقيم عبارته. أنها الحافظ ابن حجر ففهم منها معنى آخر، قاله في "النخبة وشرحها" (سيأتي الكلام معه قريبًا). ولابن قتيبة في كتاب "تأويل مختلف الحديث" كلام حاصله: "أن المبتدع الصادق المقبول لا يُقبل منه ما يُقَوِّي بدعته، ويُقبل منه ما عدا ذلك. قال: "وإنما يَمنع من قبول قول الصادق فيما وافق نحلته وشاكل هواه أن نفسه تُرِيه أن الحق فيما اعتقده، وأن القربة إلى الله عز وجل في تثبيته بكل وجه، ولا يؤمن مع ذلك التحريف والزيادة والنقص". كذا قال، واحتج بأن شهادة العدل لا تقبل لنفسه وأصله وفرعه، وقد مَرَّ الجواب عن ذلك (¬1). ولا أدري كيف يُنْعَتُ بالصادق من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص؟! وإنما يستحق النعت بالصادق من يوثق بتقواه، وبأنه مهما التبس عليه من الحق فلن يلتبس عليه أن الكذب بأي وجه كان منافٍ للتقوى، مجانب للإيمان. ... (¬2) والمقصود هنا أن من لا يؤمن منه تعمد التحريف والزيادة والنقص على أي وجه كان فلم تثبت عدالته، فإن كان كل من اعتقد أمرًا ورأى أنه الحق وأن ¬

_ (¬1) راجع مبحث "التهمة بالكذب"، و"الفرق بين الرواية والشهادة". (¬2) استطرد المعلمي هنا في بيان أن فيمن يَتَسِمُ بالصلاح من المبتدعة وكذا من أهل السنة من يقع في الكذب إما تقحمًا في الباطل، وإما على زعم أنه لا حرج في الكذب في سبيل تثبيت الحق وأن هذا لا يختص بالعقائد وأنه وقع فيما يتعلق بفروع الفقه وغيرها، ثم بيَّن أن كثرة وقوع الكذب ليست بمانعة من معرفة الصدق إما بيقين وإما بظن غالب يجزم به العقلاء. [راجع الفصل الأول من الوجه الأول من أوجه الطعن في العدالة]، ثم بين عناية الأئمة بحفظ السنة وحراستها والكشف عن دخائل الكذابين والمتهمين، وسيأتي في قوله "والمقصود هنا ... " بيان قيمة هذا الاستطراد.

القربة إلى الله تعالى في تثبيته لا يؤمن منه ذلك فليس في الدنيا ثقة، وهذا باطل قطعًا، فالحكم به على المبتدع إن قامت الحجة على خلافه بثبوت عدالته وصدقه وأمانته فباطل، وإلا وجب أن لا يحتج بخبره البتة، سواء أوافق بدعته أم خاللها. والعدالة "ملكة تمنع من اقتراف الكبائر ... " وتعديل الشخص شهادة له بحصول هذه الملكف ولا تجوز الشهادة بذلك حتى يغلب على الظن غلبةً واضحةً حصولها له، وذلك يتضمن غلبة الظن بأن تلك الملكة تمنعه من تعمد التحريف والزيادة والنقص. ومن غلب على الظن غلبةً يصح الجزم بها أنه لا يقع منه ذلك فكيف لا يؤمن أن يقع منه؟ ومن لا يؤمن أن يقع منه ذلك فلم يغلب على الظن أن له ملكة تمنعه من ذلك. ومن خيف أن يغلبه ضرب من الهوى فيوقعه في تعمد الكذب والتحريف لم يؤمن أن يغلبه ضرب آخر وإن لم نشعر به، بل الضرب الواحد من الهوى قد يوقع في أشياء يتراءى لنا أنها متضادة، فقد جاء أن موسى بن طريف الأسدي كان يرى رأي أهل الشام في الانحراف عن علي -رضي الله عنه- ويروي أحاديث منكرة في فضل علي ويقول: "إني لأسخر بهم" يعني بالشيعة، راجع ترجمته في "لسان الميزان". وروى محمد بن شجاع الثلجي الجهمي عن حبان بن هلال أحد الثقات الأثبات عن حماد بن سلمة أحد أئمة السنة عن أبي المهزم عن أبي هريرة مرفوعًا: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها". وفي "الميزان" إن غرض الجهمية من وضع هذا الحديث أن يستدلوا به على زعمهم أن ما جاء في القرآن من ذكر "نفس الله" عز وجل إنما المراد بها بعض مخلوقاته. أقول: ولهم غرضان آخران: أحدهما: التذرع بذلك إلى الطعن في حماد بن سلمة.

الثاني: التشنيع على أئمة السنة بأنهم يروون الأباطيل. والشيعي الذي لا يؤمن أن يكذب في فضائل أهل البيت لا يؤمن أن يكذب في فضائل الصحابة على سبيل التقية، أو ليري الناس أنه غير متشدد في مذهبه، يمهد بذلك ليُقبل منه ما يرويه مما يوافق مذهبه. وعلى كل حال فابن قتيبة على فضله ليس هذا فَنَّه، ولذلك لم يعرج أحد من أئمة الأصول والمصطلح على حكاية قوله ذلك فيما أعلم. والله الموفق. وفي "فتح المغيث" (ص 140) عن ابن دقيق العيد: "إن وافقه غيره فلا يلتفت إليه إخمادًا لبدعته وإطفاءً لِنَارِه، وإن لم يوافقه أحد. ولم يوجد ذلك الحديث إِلَّا عنده مع ما وصفنا من صدقه وتحرزه عن الكذب واشتهاره بالتدين وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته فينبغي أن تقدّم مصلحة تحصيل ذلك الحديث ونشر تلك السنة على مصلحة إهانته وإطفاء ناره". ويظهر أن تقييده بقوله: "وعدم تعلق ذلك الحديث ببدعته" إنما مغزاه أنه إذا كان فيه تقوية لبدعته لم تكن هناك مصلحة في نشره بل المصلحة في عدم روايته كما مَرَّ، ويتأكد ذلك هنا بأن الفرض أنه تفرد به، وذلك يدعو إلى التثبت فيه، وإذا كان كلام ابن دقيق العيد محتملًا لهذا المعنى احتمالًا، ظاهرًا فلا يسوغ حمله على مقالة ابن قتيبة التي مَرَّ ما فيها. وقال ابن حجر في "النخبة وشرحها": "الأكثر على قبول غير الداعية إِلَّا أن يروي ما يقوي مذهبه فَيُرَدُّ على المذهب المختار، وبه صرح الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني شيخ أبي داود والنسائي ... وما قاله متجه؛ لأن العلّة التي لها رُدَّ حديثُ الداعية واردةٌ فيما إذا كان ظاهر المروي يوافق مذهب المبتدع ولو لم يكن داعية. والله أعلم".

أقول: الضمير في قوله "فَيُرَدُّ" يعود فيما يظهر على المبتدع غير الداعية، أَوْقَعَ الرَّدَّ على الراوي في مقابل إطلاق القبول عليه، وقد قال قبل ذلك: "والتحقيق أنه لا يُرَدُّ كل مكفر ببدعة" والمراد بردّ الراوي ردّ مروياته كلها. وقد يقال: يحتمل عود الضمير على المروي المقوي لمذهبه، وعلى هذا فقد يفهم منه أنه يقبل منه ما عداه، وقد يُشعر بهذا استناد ابن حجر إلى قول الجوزجاني فأقول: إن كان معنى الردّ على هذا المعنى الثاني ترك رواية ذاك الحديث للمصلحة وإن كان محكومًا بصحته، فهذا هو المعنى الذي تقدم أن به تستقيم عبارة الجوزجاني. وإن كان معناه ردّ ذاك الحديث اتهامًا لصاحبه ويردّ معه سائر رواياته، فهذا موافق للمعنى الأول، ولا تظهر موافقته لعبارة الجوزجاني. كان كان معناه ردّ ذلك الحديث اتهامًا لراويه فيه ومع ذلك يبقى مقبولًا، فيما عداه فليست عبارة الجوزجاني بصريحة في هذا، ولا ظاهرة فيه كما مَرَّ وإنما هو قول ابن قتيبة. وسياق كلام ابن حجر ما عدا استناده إلى قول الجوزجاني يدل على أن مقصوده ردّ الراوي مطلقًا أو ردّ ذاك الحديث وسائر روايات راويه وذلك لأمور، منها: أن ابن حجر صرح بأن العلة التي ردّ بها حديث الداعية واردة في هذا، وقد قَدَّم أن العلة في الداعية هي: "أن تزيين بدعته قد يحمله على تحريف الروايات وتسويتها على ما يقتضيه مذهبه". ومن كانت هذه حاله فلم تثبت عدالته كما تقدّم فيردّ مطلقًا. ومنها: أن هذه العلة اقتضت في الداعية الردّ مطلقًا فكذلك هنا، بل قد يقال على مقتضى كلام ابن حجر: هذا أَوْلَى؛ لأن الداعية يردّ مطلقًا وإن لم يرو ما يوافق بدعته، وهذا قد رَوى. هذا وقد وثق أئمة الحديث جماعة من المبتدعة واحتجوا بأحاديثهم وأخرجوها في الصحاح، ومن تتبع رواياتهم وَجَدَ فيها كثيرًا مما يوافق ظاهره بدعهم، وأهل

العلم يتأولون تلك الأحاديث غير طاعنين فيها ببدعة راويها ولا في راويها بروايته لها (¬1)، بل في رواية جماعة منهم أحاديث ظاهرة جدًّا في موافقة بدعهم أو صريحة في ذلك إِلَّا أَنَّ لها عللًا أخرى، ففي رواية الأعمش أحاديث كذلك ضَعَّفَها أهلُ العلم، بعضُها بضعف بعض من فوق الأعمش في السند، وبعضُها بالانقطاع، وبعضُها بأن الأعمش لم يصرح بالسماع وهو مدلس، ومن هذا الأخير حديث في شأن معاوية ذكره البخاري في "تاريخه الصغير" (ص 68)، ووهَّنه بتدليس الأعمش، وهكذا في رواية عبد الرزاق وآخرين. هذا وقد مرَّ تحقيق علة رد الداعية (¬2)، وتلك العلّة ملازمة أن يكون بحيث يحق أن لا يؤمن منه ما ينافي العدالة، فهذه العلّة إن وردت في كل مبتدع روى ما يقوِّي بدعته ولو لم يكن داعية وجب أن لا يحتج بشيء من مرويات من كان كذلك ولو فيما يوهن بدعته (¬3)، وإلا -وهو الصواب- فلا يصح إطلاق الحكم بل يدور مع ¬

_ (¬1) عَلَّق المعلمي على هذا الموضع من "التنكيل" بقوله: "كحديث مسلم من طريق الأعمش عن عديّ ابن ثابت عن زرّ قال: قال عليّ: والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأميّ -صلى الله عليه وسلم- إليَّ أنه لا يحبني إِلَّا مؤمن ولا يبغضني إِلَّا منافق". عديّ قال فيه ابن معين: "شيعي مفرط"، وقال أبو حاتم: "صدوق، وكان إمام مسجد الشيعة وقاصهم"، وعن الإمام أحمد: "ثقة إِلَّا أنه كان يتشيع"، وعن الدارقطني: "ثقة إِلَّا أنه كان غاليًا في التشيع"، ووثقه آخرون. ويقابل هذا رواية قيس بن أبي حازم عن عمرو بن العاص: عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- جهارًا غير سِرٍّ يقول: "ألا إن آل طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليّي الله وصالح المؤمنين، إن لهم رحمًا سأبلها ببلاها". ورواه غندر عن شعبة بلفظ: "إن آل أبي ... " ترك بياضًا، وهكذا أخرجه الشيخان. وقيس ناصبي منحرف عن علي -رضي الله عنه- وولي في هذا كلام". اهـ. (¬2) وهي انتفاء شرط العدالة. (¬3) سبق بيان المعلمي أن صاحب البدعة -كالشيعي- كما أنه لا يؤمن أن يكذب في فضائل أهل البيت فكذلك لا يؤمن أن يكذب في فضائل الصحابة على سبيل التقية أو الخداع ونحو ذلك.

العلّة، فذاك المروي المقوي لبدعة راويه إما غير منكر فلا وجه لردِّه فضلًا عن ردّ راويه، وإما منكر، فحكم المنكر معروف، وهو أنه ضعيف. فأما راويه فإن اتجه الحمل عليه بما ينافي العدالة؛ كَرَمْيِه بتعمد الكذب أو اتهامه به سقط البتة، وإن اتجه الحمل على غير ذلك؛ كالتدليس المغتفر والوهم والخطأ لم يجرح بذلك. وإن تردد الناظر وقد ثبتت العدالة وجب القبول، وإلا أخذ بقول من هو أعرف منه أو وَقَفَ. ... وبما تقدم يتبين صحة إطلاق الأئمة قبول غير الداعية إذا ثبت صلاحه وصدقه وأمانته، ويتبين أنهم إنما نصوا على ردّ المبتدع الداعية تنبيها على أنه لا يثبت له الشرط الشرعي وهو ثبوت العدالة". اهـ. بعض تطبيقات العلامة المعلمي على رواية المبتدع: 1 - ما يُخشى من تدليس المبتدع إذا روى ما يؤيد بدعته: المثال الأول: • عَلَّق العَلَّامة المعلمي على حديث: "أنا مدينة العلم وعليٌّ بابها"، وفي لفظ: "أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها" (ص 349) من "الفوائد المجموعة"، وفَصَّل الكلام على طرقه، وبيَّن عِلَلَها -سوى ما لا نزل في سقوطه منها- ونظر في ذلك على ثلاثة مقامات: المقام الأول: سند الخبر باللفظ الأول إلى أبي معاوية الضرير، والثاني إلى شريك، وأنهى بحثه بأن الخبر لا يثبت عنهما، ثم قال: المقام الثاني: على فرض أن أبا معاوية حدث بذاك وشريكًا حدث بهذا، فإنما جاء ذاك عن أبي معاوية عن الأعمش، عن مجاهد"، وجاء هذا "عن شريك عن سلمة بن

كهيل"، وأبو معاوية والأعمش وشريك كلهم مُدَلِّسُون مُتَشَيِّعُون، ويزيد شريك بأنه يكثر منه الخطأ ... (¬1). وقد قَرَّرَ ابنُ حجر في "نخبته" ومقدمة "اللسان" وغيرهما أن من نوثقه ونقبل خبره من المبتدعة يختص ذلك بما لا يؤيد بدعته، فما يؤيد بدعته فلا يقبل منه البتّة، وفي هذا بحث (¬2)، لكنه حق فيما إذا كان مع بدعته مدلسًا، ولم يصرح بالسماع، وقد أَعَلَّ البخاري في "تاريخه الصغير" (ص 68) خبرًا رواه الأعمش عن سالم يتعلق بالتشيع - بقوله: "والأعمش لا يُدرى سمع هذا من سالم أم لا، قال أبو بكر بن عياش، عن الأعمش أنه قال: نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينًا" (¬3). ويشتد أعتبار تدليس الأعمش في هذا الخبر خاصة؛ لأنه عن مجاهد، وفي ترجمة الأعمش من "التهذيب": "قال يعقوب بن شيبة في "مسنده": ليس يصح للأعمش عن مجاهد إِلَّا أحاديث يسيرة، قلت لعلي بن المديني: كم سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إِلَّا ما قال: سمعت، هي نحو من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه في أحاديث الأعمش عن مجاهد قال أبو بكر بن عياش، عنه: حدثنيه ليث [بن أبي سليم] عن مجاهد". ¬

_ (¬1) تحدث المعلمي هنا عن الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، وبيَّن أن الشيخين ينتقيان من معنعناتهم في المتابعات ونحوها. (¬2) سبق قريبًا. (¬3) انظر ترجمة الأعمش من القسم الأول من هذا الكتاب مع تعليقي عليها، ففيها بحثٌ لصيقُ الصِّلَة بموضوعنا هذا.

أقول: والقتات وليث ضعيفان، ولَعَلَّ الواسطة في بعض تلك الأحاديث مَنْ هو شَرٌّ منهما، فقد سمع الأعمش من الكلبي أشياء، يرويها عن أبي صالح باذام، ثم رواها الأعمش عن باذام تدليسًا، وسكت عن الكلبي، والكلبي كذاب، ولاسيما فيما يرويه عن أبي صالح كما مر في التعليق (ص 315)، ويتأكل وَهَنُ الخبر بأن من يثبته عن أبي معاوية يقول: إنه حدث به قديمًا، ثم كَفَّ عنه، فلولا أنه علم وَهَنَهُ لما كَفَّ عنه ... ". المثال الثاني: • أورد الشوكاني في "الفوائد" (ص 346) حديث: "أولُكم ورودًا على الحوض أولُكم إسلامًا: علي بن أبي طالب". وقال: رواه ابن عدي عن سلمان مرفوعًا، وفي إسناده: 1 - عبد الرحمن بن قيس الزعفراني، وهو وضاع، وتابعه: 2 - سيف بن محمد وهو شَرٌّ منه، وتابعهما: 3 - يحيى بن هاشم السمسار عند الحارث بن أبي أُسامة، وهو كذاب. ثم قال: وروى أبو بكر بن أبي عاصم من طريق: 4 - عبد الرزاق متابعًا لهم لكن موقوفًا على سلمان. قال السيوطي: "وهذه متابعة قوية جدًّا، ولا يضر إيراده بصيغة الوقف؛ لأنَّ له حكم الرفع". قال الشوكاني: "فقد رواه كل واحد من هؤلاء الأربعة عن سفيان الثوري. ورواه ابن مردويه من طريق محمد بن يحيى المازني (¬1) عن سفيان، فكان خامسًا لهم، وعبد الرزاق لا يحتاج إلى متابع". اهـ. كلام الشوكاني. ¬

_ (¬1) كذا وصوابه: "المَأْربي" وهو محمد بن يحيى بن قيس السبئي المَأْربي، أبو عمر اليماني.

فتكلم المعلمي في الثّلاثة الأُوَل، ونقل أقوال أهل العلم في تكذيبهم، ثم قال: "وأما خبر ابن مردويه ففي سنده محمد بن أحمد الواسطي، أُراه المذكور في "لسان الميزان" (5/ 53 رقم 179) وهو تالف، هو صاحب حديث: "النظر في مرآة الحجام دناءة" رواه عن "إسحاق بن الضيف" وهو صدوق يخطىء، عن "محمد بن يحيى المأربي" وثقه الدارقطني، وقال ابن عديّ: "أحاديثه مظلمة منكرة" رواه عن الثوري، عن قيس ابن مسلم الجدلي، عن عُلَيْم (¬1) الكندي (وهو مجهول) عن سلمان، والثلاثة المتقدمون يقولون: عن الثوري عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق (¬2) عن عليم. وأما خبر عبد الرزاق، فعبد الرزاق عمي بأخرة، وصار يلقن فيتلقن، وربما دلس، وكان يتشيع، فلا يؤمن أن يكون سمعه من بعض أولئك الدجالين فدلسه ... وقول السيوطي: "إن له حكم الرفع" مردود؛ إِذْ لا مانع أن يستشعر سلمان أن السبق إلى الإسلام يقتضي السبق في الورود. اهـ. 2 - ما يُخشى من إدخال بعض دجاجلة المبتدعة أحاديث على أصحابهم من أهل الصدق ممّن يتلقن وفيه غفلة. • ذكر الشوكاني في "الفوائد" (ص 407) حديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع صوت غناء فقال: انظروا ما هذا؟ قال أبو برزة: فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: "اللهم اركسهما في الفتنة ركسًا، ودعِّهما إلى النار دَعًّا". ¬

_ (¬1) مصغر وهو: ابن قُعَيْر ويقال: ابن قُعْبُر، ذكر حديثه الدارقطني في "المؤتلف"، وزاد "حنش" بين أبي صادق، وعليم. (¬2) هو الأزدي الكوفي، ترجمته في "التهذيب".

وقال: ذكره ابن الجوزي في "موضوعاته"، وقال: لا يصح، يزيد بن أبي زياد كان يتلقن. قال السيوطي في "اللآلىء": "هذا لا يقتضي الوضع". فقال المعلمي: "لكنه مظنة رواية الموضوع؛ فإن معنى قبول التلقن أنه قد يقال له: أَحَدَّثَكَ فلان عن فلان بكيت وكيت؟ فيقول: نعم، حدثني فلان ابن (¬1) فلان بكيت وكيت. مع أنه ليس لذلك أصل وإنما تلقنه وتوهم أنه من حديثه. وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا، ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن ويروي ما وضعوه. وشيخ يزيد في هذا الخبر سليمان بن عمرو بن الأحوص، مجهول الحال كما قال ابن القطان، ولا يدفع ذلك ذكر ابن حبان له في "الثقات". ولا أرى البلاء إِلَّا من يزيد؛ فإنه من أئمة الشيعة الكبار، والراوي عنه لهذا الخبر شيعي (¬2)، وله عنه خبر آخر باطل، وإذا كان من أئمة الشيعة فلا بدع أن يستحوذ عليه بعض دجاجلتهم فيلقنه الموضوعات". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) كذا والظاهر أنها "عن". (¬2) هو محمد بن فضيل بن غزوان.

الوجه السابع الجهالة

الوجه السابع الجهالة وفيه بعض الفوائد المتعلقة بـ "المجهول" (¬1). الفائدة الأولى: مناهج بعض الأئمة في توثيق المجاهيل. الفائدة الثانية: المجهول قد يسقط أو يُتهم بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك. الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يُسَوِّغ لنا الحكم عليه بالجهالة. الفائدة الرابعة: أمثلة لمجهول الحال. الفائدة الأولى: مناهح بعض الأئمة في توثيق المجاهيل: الموضع الأول: * قال العلامة المعلمي في الأمر الثامن من القاعدة السادسة من مقدمة "التنكيل": " ... فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء وإن لم يعرف ما روى وعمن روى ومن روى عنه ... والعجليُّ قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين، والنسائي وآخرون غيرهم يوثقون من كان من التابعين أو أتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة؛ بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إِلَّا واحد، ولم يبلغهم عنه إِلَّا حديث واحد. ¬

_ (¬1) من أشهر المسائل المتعلقة بهذا المبحث: تقسيم المجهول إلى عَينٍ وحَالٍ مع اختلافهما في الحدِّ والاحتجاج، وقد ذكرتُ طَرَفًا من ذلك في ترجمة: أبي حاتم الرازي من القسم الثاني من هذا الكتاب.

فَمِمَّن وثقه ابن معين من هذا الضرب: الأسقع بن الأسلع، والحكم بن عبد الله البَلَوي، ووهب بن جابر الخيواني، وآخرون. وممَّن وثقه النسائي: رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة، وآخرون. وقد روى العوام بن حوشب عن الأسود بن مسعود عن حنظلة بن خويلد عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إِلَّا في تلك الرواية، فوثقهما ابن معين. وروى همام عن قتادة عن قدامة بن وبرة عن سمرة بن جندب حديثًا، ولا يُعرف قدامة إِلَّا في هذه الرواية فوثقه ابن معين، مع أن الحديث غريب، وله علل أخرى. راجع "سنن" البيهقي (ج 3 ص 248). اهـ. الموضع الثاني: * ثم قال المعلمي في الأمر التاسع من هذه القاعدة: "قد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيمًا، ولو كان حديثًا واحدًا لم يروه عن ذلك المجهول إِلَّا واحد، فإن شئت فاجعل هذا رأيًا لأولئك الأئمة كابن معين، وإن شئت فاجعله اصطلاحًا في كلمة "ثقة" كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثق من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة". اهـ. الموضع الثالث: * وقال المعلمي في "الاستبصار" (ص 7): "إن منهم -أئمة الجرح والتعديل- من لا يطلق "ثقة" إِلَّا على من كان في الدرجة العليا من العدالة والضبط. ومنهم من يطلقها على كل عدل ضابط وإن لم يكن في الدرجة العليا.

الفائدة الثانية: المجهول قد يسقط أو يتهم بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك

منهم من يطلقها على العدل وإن لم يكن ضابطًا. ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا واحدًا تُوبع عليه. ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا له شاهد. ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى حديثًا لم يستنكره هو. ومنهم من يطلقها على المجهول الذي روى عنه ثقة، إلى غير ذلك". اهـ. الفائدة الثانية: المجهول قد يَسْقُطُ أو يُتَّهَمُ بما يرويه إذا قامت القرائن على ذلك: وفيه أمثلة: المثال الأول: • في كتاب "الفوائد المجموعة" (ص 298) حديث: "مَنْ قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاف لم يمنعه من دخول الجنة إِلَّا الموت". قال الشوكاني: "رواه الدارقطني عن أبي أمامة مرفوعًا، وقد أدخله ابن الجوزي في "الموضوعات"، وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث "المشكاة"، وقال: غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات وهو من أسمج ما وقع له. قال في "اللآلىء": وقد أخرجه النسائي، وابن حبان في "صحيحه"، وابن السني في "عمل اليوم والليلة"، وصححه الضياء في "المختارة"". فقال المعلمي: "مدار الحديث على محمد بن حمير، رواه عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة، وابنُ حمير موثق، غمزه أبو حاتم ويعقوب بن سفيان، وأخرج له البخاري في "الصحيح" حديثين، قد ثَبَتا من طريق غيره، وهما من روايته عن غير الألهاني، فَزَعْمُ أَنَّ هذا الحديث على شرط البخاري غفلةٌ.

وفي "اللآلىء": أن الدمياطي ذكر له شواهد، منها عن عليّ وقد ذكر في الأصل (¬1)، ومنها عن ابن عمرو، والمغيرة، وجابر، وأنس. قال: "من الطرق التي ما نريدها، يعني: لسقوطها، ثم عاد فذكر الذي عن المغيرة، وأنه من طريق "هاشم بن هاشم" عن عمر ابن إبراهيم، عن محمد، عن المغيرة بن شعبة" رفعه، وأن أبا نعيم قال: "غريب من حديث المغيرة ومحمد، تفرد به هاشم عن عمر عنه"، ثم ذكر عن الدمياطي أن محمدًا هو محمد بن كعب، وأن عمر بن إبراهيم هو "أبو حفص العبدي البصري"، يعني المترجم في "التهذيب"، أقول: وَهِمَ الدمياطي ومَنْ تبعه، إنما هذا "عمر بن إبراهيم بن محمد بن الأسود، له ترجمة في "الميزان"، و"اللسان"، وهو مجهول، ذكره ابن حبان في "الثقات" على عادته في ذكر المجاهيل، وذكره العقيلي في "الضعفاء"، وذكر له خبرًا آخر لهذا السند نفسه، لم يتابع عليه، والمجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما، فهو تالف، ثم ذكره من طريق محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس، عن أبيه، عن جده مرفوعًا، ومحمد ابن الضوء كذاب فاجر". اهـ. المثال الثاني: • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 226) حديث: "إذا صافح المؤمنُ المؤمنَ نزلت عليهما مائة رحمة، تسعة وتسعون لأبَشِّهِما وأَحْسَنِهِمَا لقاءً". قال الشوكاني: "رواه الخطيب عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده: محمد بن عبد الله الأشناني، وهو وضاع، ورواه البيهقي في "الشُّعَبِ" عن عمر مرفوعًا". فقال المعلمي: "في سنده -يعني حديثَ "الشُّعَب"-: "عُمَرُ بنُ عَامِر"، وهو التَّمَّار كما صرح به في رواية لأبي الشيخ، وفي "الميزان" و"اللسان": "عمر بن عامر أبو حفص السعدي ¬

_ (¬1) يعني: "الفوائد"، قال الشوكاني: "وفي سنده: حبة العرني، ونهشل بن سعيد، كذابان".

التمار بصري، روى عنه أبو قلابة ومحمد بن مرزوق حديثا باطلًا"، فذكر حديثًا آخر، فَعُمر هذا مجهول يروي المنكرات فهو ساقط". اهـ. المثال الثالث: • وفي "الفوائد" أيضًا (ص 415) حديث: "زَوِّجُوا الاكفاء وتزوجوا الأكفاء، واختاروا لنطفكم، وإياكم والزنج فإنهم خَلْقٌ مُشَوَّهٌ". قال الشوكاني: "رواه ابن حبان عن عائشة مرفوعًا، وفي إسناده: محمد بن مروان السُّدِّي، وهو كذاب، وله طريق أخرى عند أبي نعيم في "الحِلْيَة" (¬1). فقال المعلمي في طريق "الحِلْيَة": "فيه مجهولان: أحدهما (¬2): نقل في "اللسان" أن ابن حبان ذكره في "الثقات"، وقال: "يغرب"، وإذا كان يغرب مع جهالته وإقلاله فهو تالف". اهـ. المثال الرابع: • وفيه أيضًا (ص 242) حديث: "فِكرَةُ ساعة خَيْرٌ من عبادة ستين سَنَة". ¬

_ (¬1) في "اللآلىء" (1/ 445): قال أبو نعيم في "الحلية": حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا أحمد بن عمر بن الضحاك، حدثني عبد العظيم بن إبراهيم السلمي، حدثنا عبد الكريم بن يحيى (بن) (كذا والظاهر أن صوابه: عن) سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن الزهري عن أنس مرفوعًا. قال أبو نعيم: غريب من حديث زياد والزهري، لم نكتبه إِلَّا من هذا الوجه والله أعلم. اهـ. ولم أجده في فهارس "الحلية" المطبوع. (¬2) هو عبد العظيم بن عمر السالمي (كذا جاء في "الثقات" و"اللسان" -مطبوع ومخطوط- وجاء في "اللآلىء" كما سبق النقل عنه: السلمي فالله أعلم)، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" (8/ 424) وقال: من أهل حمص، يروي عن أبي اليمان وأهل بلده، حدثنا عنه محمد بن المسيب، يغرب. اهـ. لكنه ذكر قبله بعدة تراجم: عبد العظيم بن إبراهيم بن عمر السالمي، من أهل حمص، يروي عن إسماعيل بن عياش والشاميين، روى عنه محمد بن عوف وأهل بلده، مستقيم الحديث. اهـ. ذكر في "اللسان" الأول ولم يذكرْ أو يُشِرْ إلى الثاني، ولم أره في "تاريخ دمشق"، فينظر هل هما واحد أم اثنان؟ وصنيع ابن حبان يدل على أنهما عنده اثنان. فالله أعلم.

قال الشوكاني: "رواه أبو الشيخ عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده: عثمان بن عبد الله القرشي، وإسحاق بن نجيح الملطي، كذابان، والمتهم به أحدهما. وقد رواه الديلمي من حديث أنس من وجه آخر". فقال المعلمي في حديث أنس: "في سنده علي بن إبراهيم القزويني، لعله المترجم في "لسان الميزان"؛ وهو مجهول يروي عن أبي زرعة خبرًا منكرًا (¬1) فهو تالف". اهـ. المثال الخامس: • وفيه (ص 481) حديث أنس مرفوعًا: "ما منْ معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إِلَّا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين ... ". ذكر الشوكاني ممن روى هذا الحديث: أحمد بن منيع في "مسنده"، وأنَّ في إسناده: عَبَّاد بن عَبَّاد المُهَلَّبي، ونقل عن ابن حبان قوله: كان يحدث بالمناكير فاستحق الترك". قال المعلمي: "إنما قال ابن حبان هذا في عباد بن عباد الأُرْسُوفي، وهو غير المُهَلَّبي، نَبَّهَ عليه ابن حجر، فأما المهلبي فثقة يخطىء. وأرى البلاء في هذا الخبر من شيخه "عبد الواحد بن راشد"، فإنه مجهول جدًّا (¬2) ". اهـ. ¬

_ (¬1) هو خبر: "إذا كان يوم القيامة يقول الله: اليوم أضع أنسابكم، أنا الملك الديان ... " الحديث. رواه عن أبي زرعة الرازي، عن محمد بن كثير، عن شعبة، عن داود بن أبي هند، عن الحارث بن عمرو، عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا. قال الخطيب: وهذا حديث منكر، لم أكتبه إِلَّا بهذا الإسناد. قال ابن حجر: الحمل فيه على هذا القزويني. (¬2) في "الميزان": "عبد الواحد بن راشد، عن أنس -رضي الله عنه-، وعنه عباد بن عباد، ليس بعمدة، روى حديث: "ما من معمر" هذا، ولم يزد ابن حجر في "اللسان" شيئًا.

المثال السادس: • وفيه (ص 379) حديث: "مَثَلي شجرة، أنا أَصْلُها، وعليٌّ فَرْعُها، والحسن والحسين ثمرتها، والشيعة ورقها. فأيُّ شَيءٍ يخرج من الطيِّب إلا الطيِّب". قال الشوكاني: "رواه ابن مردويه عن عليٍّ مرفوعًا، وفي إسناده: عباد بن يعقوب، وهو رافضي". قال المعلمي: "عَبَّادٌ عَلَى رَفْضِهِ وحُمْقِهِ صَدُوقٌ، رواه عن يحيى بن بشار الكندي (¬1)، عن عمرو ابن إسماعيل الهمداني (¬2)، وهما مجهولان، فالحمل عليهما، وفي ترجمتيهما من "الميزان" و"اللسان" هذا الخبر". اهـ. المثال السابع: • وفيه (ص 246) حديث: "إن لله في الخَلْق ثلاثمائة، قلوبهم على قَلْبِ آدم، ولله في الخَلْق أربعون قلوبهم على قلب موسى ... ". ذكر الشوكاني فيمن رواه: الطبراني عن ابن مسعود مرفوعًا، وقال: في إسناده مجاهيل. قال المعلمي: "هو من طريق عبد الرحيم بن يحيى الأدمي، ثنا عثمان بن عمارة، وهما مجهولان، والمتهم بوضعه أحدهما، وفي "الميزان": "فَقَاتَل اللَّهُ مَنْ وَضَعَ هَذا الإِفْكِ". اهـ. ¬

_ (¬1) ذكره الذهبي في "الميزان"، وقال: شيخ لعباد بن يعقوب الرواجني، لا يعرف وأتى بخبر باطل - وذكر هذا الخبر، ولم يزد في "اللسان" شيئًا. (¬2) ذكره الذهبي في "الميزان"، وقال: عن أبي إسحاق السبيعي بخبر باطل - فذكره.

الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يسوغ لنا الحكم عليه بالجهالة

الفائدة الثالثة: عدم وقوف أمثالنا على ترجمة للرجل لا يُسَوِّغُ لنا الحكم عليه بالجهالة: في هذه الفائدة أمثلة: المثال الأول: • في ترجمة: أحمد بن خالد الكرماني رقم (16) من "التنكيل" أشار المعلمي إلى ما رواه الخطيب في "تاريخه" (2/ 178) من طريق محمد بن إسماعيل التمار الرقي عن أحمد بن خالد. ونقل قول الكوثري في أحمد: "مجهول". فقال المعلمي: "وأنا أيضًا لم أظفر له بزجمة ولا خبر إِلَّا في هذه الرواية، أو ذكره في شيوخ التمار، لكن مثل هذا لا يسوغ لأمثالنا أن يقول: "مجهول"". اهـ. المثال الثاني: • وفي ترجمة: إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي رقم (531) نقل المعلمي قول الكوثري فيه: "من المجاهيل" فقال: "الصواب أن يقول: "لم أعرفه"، فإن عدم معرفة مثل الأستاذ بالرجل لا يستلزم أن يكون مجهولًا". اهـ. الفائدة الرابعة: أمثلة لـ: "مجهول الحال": المثال الأول: • قال المعلمي في تعليقه على "الفوائد" (ص 484): "أما عبد الله بن محمد بن رمح فمقل جدًّا، له ترجمة في "تهذيب التهذيب"، لم يذكر فيها راويًا عنه إِلَّا ثلاثة: بكر بن سهل راوي هذا (¬1) وسيأتي حاله، ومحمد بن محمد بن ¬

_ (¬1) يعني حديث أنس مرفوعًا: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إِلَّا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء ... " انفرد به بكر بن سهل الدمياطي عن ابن رمح، عن ابن وهب، عن حفص بن ميسرة، عن زيد بن أسلم، عن أنس، وله طرق أخرى واهية.

الأشعث أحد الكذابين، وابن ماجة، وليس له عند ابن ماجه إلا حديثان غريبان. ومع ذلك قال ابن حجر في القول المسدد: "ثقة"، وفي "التقريب": "صدوق"، وهذا مخالف لقاعدة ابن حجر التي جرى عليها في "التقريب"، ولكنه تسمّح هنا جريًا مع ما سمّاه في خطبة القول المسدد: "عصبية لا تخل بدين ولا مروءة". والتحقيق أن هذا الرجل مجهول الحال، ومثله لا يلتفت إلى ما تفرد به، ولاسيما عن ابن وهب، فكيف إذا انفرد عنه بكر بن سهل (¬1) ... ". المثال الثاني: • علق المعلمي على حديث: "سَيِّدُ طعام أهل الجنَّة اللَّحْمُ" في "الفوائد" (ص 167) فقال: "رواه سليمان -يعني: ابن عطاء- عن مسلمة -يعني: ابن عبد الله الجهني- عن أبي مشجعة عن أبي الدرداء، وأبو مشجعة ومسلمة لم يجرحا ولم يوثقا، فهما مجهولا الحال". المثال الثالث: • قال المعلمي في المسألة (14) من القسم الثالث من "التنكيل": "في "مصنف ابن أبي شيبة" عن شريك عن عطية بن مقسم عن القاسم بن عبد الرحمن قال: أُتي عمر بسارق فأمر بقطعه، فقال عثمان: إن سرقته لا تساوي عشرة دراهم قال: فأمر به عمر فقومت ثمانية دراهم فلم يقطعه. القاسم لم يدرك عمر ولا كاد، وعطية مجهول الحال، وشريك سيء الحفظ، ونسبه بعضهم إلى التدليس، ورواه الثوري عن عطية بن عبد الرحمن الثقفي عن القاسم قال: أُتي عمر بن الخطاب بنحو، ويؤخذ من كلام البخاري وأبي حاتم أن عطية هذا هو الذي روى عنه شريك، فإن صح هذا فهو مجهول الحال، وإلا فكلاهما مجهول". ¬

_ (¬1) راجع ترجمة بكر بن سهل من القسم الأول من هذا الكتاب.

الشرط الخامس من الشروط الواجب توفرها في الراوي: الضبط

الشرط الخامس من الشروط الواجب توفرها في الراوي: الضبط ينقسم الكلام على الضبط إلى قسمين: الأول: ضبط الراوي في نفسه، وهو المعروف بـ: ضبط الصدر. الثاني: ضبط الراوي لكتابه. أولا: ضبط الصدر: وفيه مسائل: الأولى: الأصل في الحفظ هو حفظ الصدور. الثانية: ضبط الصغير المميز. الثالثة: في بيان حَدِّ الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك؟ الرابعة: هل الضبط يتجزأ؟ الخامسة: الأُمِّيَّة وأثرها في ضبط الراوي. السادسة: أوجه الطعن في ضبط الراوي أو: مظاهر خفة ضبط الراوي. * * *

المسألة الأولى الأصل فى الحفظ هو حفظ الصدور

المسألة الأولى الأصل فى الحفظ هو حفظ الصدور قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" عند الكلام على الرواية بالمعنى (ص 77): "حفظُ الصدور قد اعتُمِدَ عليه في القرآن، وبقي الاعتمادُ عليه وحده -بعد حفظ الله عز وجل- في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمر، وسنين من عهد عثمان؛ لأن تلك القطع التي كُتب فيها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مفرقة عند بعض أصحابه، لا يعرفها إلا من هي عنده، وسائر الناس غيره يعتمدون على حفظهم، ثم لمَّا جُمِعت في عهد أبي بكر، لم تُنشر هي، ولا الصحف التي كُتبت عنها، بل بقيت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين، حتى طلبها عثمان، ثم اعتُمِد عليه في عامَّةِ المواضع التي يَحتمل فيها الرسمُ وجهين أو أكثر، واستمر الاعتماد عليه حتى استقرَّ تدوينُ القراءات الصحيحة. ... (و) حال الأميين قد اقتضتِ الترخيصُ لهم في الجملة في القراءة بالمعنى، وإذا كان ذلك في القرآن، مع أن ألفاظه مقصودة لذاتها؛ لأنه كلامُ ربِّ العالمين بلفظه ومعناه، مُعْجِرٌ بلفظه ومعناه، مُتَعَبَّدٌ بتلاوته، فما بالك بالأحاديث التي مدار المقصود الديني فيها على معانيها فقط؟ وإذا علمنا ... ما دلت عليه القواطع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مبينٌ لكتاب الله ودينه بقوله وفعله، وأنَّ كل ما كان منه مما فيه بيانٌ للدين، فهو خالدٌ بخلودِ الدين إلى يوم القيامة، وأن الصحابةَ مأمورون بتبليغ ذلك في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعد وفاته ... وأن

النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرهم بكتابة الأحاديث، وأقرَّهُم على عدم كتابتها، بل قيل: إنه نهاهم عن كتابتها كما مَرَّ بما فيه، ومع ذلك كان يأمرهم بالتبليغ لِمَا عَلِمُوه وفهموه. وعلمنا أن عادةَ الناس قاطبةً فيمن يُلْقَى إليه كلامٌ؛ المقصود منه معناه، ويُؤمر بتبليغه، أنه إذا لم يَحفظ لفظَهُ على وجهه -وقد ضَبط معناه- لزمه أن يُبلغه بمعناه، ولا يُعد كاذبًا ولا شبهَ كاذب: علمنا يقينًا أن الصحابة إنما أُمِروا بالتبليغ على ما جرت به العادة، مَنْ بَقي منهم حافظًا لِلَّفْظِ على وجهه، فليؤده كذلك، ومَنْ بقي ضابطًا للمعنى، ولم يَبق ضابطًا لِلَّفْظِ، فليؤده بالمعنى. هذا أمرٌ يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وبعد وفاته. ... وتشديده -صلى الله عليه وسلم- في الكذب عليه، إنما المرادُ به الكذبُ في المعاني، فإن الناس يَبعثون رسلهم ونُوابهم ويأمرونهم بالتبليغ عنهم، فإذا لم يُشترطْ عليهم المحافظةُ على الألفاظ، فبلغوا المعنى، فقد صدقوا. ولو قلتَ لابنك: اذهب فقل للكاتب: أبي يدعوك، فذهب، وقال له: والدي -أو الوالد- يدعوك، أو: يطلب مجيئك إليه، أو أمرني أن أدعوك له، لكان مطيعًا صادقًا، ولو اطلعتَ بعد ذلك على ما قال، فزعمتَ أنه عمى أو كذب، وأردت أن تعاقبَه لأنكر العقلاء عليك ذلك. وقد قَصَّ الله عز وجل في القرآن كثيرًا من أقوال خلقه بغير ألفاظهم، لأن من ذلك ما يطول فيبلغ الحَدَّ المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي، ومنه ما يأتي في موضعٍ بألفاظٍ، وفي آخر بغيرها، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى، ويطول في موضعٍ، ويختصر في آخر. فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي -صلى الله عليه وسلم- بيانَ شدة الكذب عليه، وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب، فقال: "نضر الله امرًا سمع منا شيئًا فأداه كما سمعه،

فرب مبلغ أوعى من سامع" جاء بهذا اللفظ أو معناه مطولا ومختصرا من حديث ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأنس، وجبير بن مطعم، وعائشة، وسعد، وابن عمر، وأبي هريرة، وعمير بن قتادة، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وزيد بن خالد، وعبادة بن الصامت، منها الصّحيح وغيره، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى معونتهم على الحفظ والفهم كما مر. ... أما التابعون فقد يتحفظون الحديث كما يتحفظون القرآن، كما جاء عن قتادة أنه: "كان إذا سمع الحديث أخذه العويل والزويل حتى يحفظه"، هذا مع قوة حفظه، ذكروا أن صحيفة جابر -على كِبرها- قُرئت عليه مرّة واحدة -وكان أعمى- فحفظها بحروفها، حتى قَرأ مرة سورة البقرة فلم يخطىء حرفًا، ثم قال: لأنا لصحيفة جابر أحفظ مني لسورة البقرة ... ". اهـ. اختبار حفظ الراوي: ثم قال الشيخ المعلمي: "كان الأئمةُ يعتبرون حديثَ كُلِّ راوٍ، فينظرون كيف حَدَّثَ به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يُحدث مرة كذا ومرة كذا، بخلافٍ لا يحتمل، ضَعَّفُوه، وربما سمعوا الحديثَ من الرجل، ثم يَدَعُونه مدةً طويلة، ثم يسألونه عنه. ثم يُعتبر حرفُ مروياته برواية مَنْ روى عن شيوخه، وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف روايةَ الثقات، حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مر. وتجدهم يجرحون الرجلَ بأنه يخطىء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا". اهـ.

• وقال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 200): "اعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرتْ عدالتُه وكان حديثُه مستقيمًا وثقوه، ثم صاروا يعتمدون الكتابة عند السماع ... ". اهـ. * * *

المسألة الثانية ضبط الصغير المميز

المسألة الثانية ضبط الصغير المميز (¬1) • ذكر الشيخ المعلمي في شرط قبول الخبر: البلوغ، فقال في "الاستبصار" (ص 15): "وأما البلوغ فهو حَدُّ التكليف، ولا يتحققُ الخوفُ من الله عز وجل والخوفُ من الناس إلا بعده؛ لأن الصبي مرفوعٌ عنه القلمُ، فلا يخاف الله عز وجل، وكذلك لا يخاف الناس؛ لأنهم إن ظهروا على كذبٍ منه، قالوا: صبي، ولعله لو قد بلغ وتم عقله لتحرز. ومع هذا، فلا تكادُ تدعو الحاجةُ إلى روايةِ الصبي؛ لأنه إن رَوى، فالغالبُ أن المرويَّ عنه حيٌّ، فيراجع، فإن كان قد مات، فالغالب -إن كان الصبي صادقًا- أن يكون غيره ممن هو أكبر منه قد سمع من ذلك المخبر أو غيره، فإن اتفق أن لا يوجد ذلك الخبر إلا عند ذلك الصبي، فمثل هذا الخبر لا يُوثَقُ به. هذا، وعامَّةُ الأدلة على شرع العمل بخبر الواحد مَوردُها في البالغين". اهـ. • وقال في ترجمة: عبد الله بن محمد بن حميد أبي بكر بن أبي الأسود من "التنكيل" (128): " ... فعلى ذلك يكون سِنُّ ابن أبي الأسود حين وفاة أبي عوانة خمس عشرة سنة أو أكثر، وكان ابنَ أختِ عبد الرحمن بن مهدي، فقد يكون ساعده هو أو غيره في الضبط، وقد صحح الجمهور السماع في مثل تلك السن وفيما دونها". اهـ. ¬

_ (¬1) راجع الكلام على سن الراوي عند الحديث على شروط قبول الراوي.

• وفي ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف (37): تكلم محمد بن أبي الفوارس في روايته عن المطيري وطعن فيه. قال الشيخ المعلمي: "ذكره الخطيب عن ابن أبي الفوارس، ثم روى عن عيسى بن أحمد بن عثمان الهمذاني كلامًا يتعلق بابن دوست، وفيه من قول عيسى: "كان محمد بن أبي الفوارس يُنكر علينا مُضينا إليه وسماعَنا منه، ثم جاء بعد ذلك وسمع منه". فكأن ابنَ أبي الفوارس تكلم أولًا في سماع ابن دوست من المطيري؛ لأنه كان عند موت المطيري ابن اثنتي عشرة سنة، ثم كأنه تبين لابن أبي الفوارس صحة السماع، فعاد فقصد ابن دوست، وسمع منه؛ وذلك أن والد ابن دوست كان من أهل العلم والصلاح والرواية والثقة، ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 3 ص 409)، ووفاته سنة 381، ومولد أحمد سنة 323، فقد وُلد له في شبابه، فكأنه اعتنى به، فَبَكَّرَ به للسماع، وقَيَّدَ سماعَه، وضَبَطَهُ له على عادة أهل العلم في ذاك العصر، وقد صَحَّحَ المحدثون سماعَ الصغير المميز". اهـ. قال أبو أنس: سماع الصغير وإن دلت القرائن أحيانا على أنه ضَبط ما سمع أو ضُبط له، إلا أنه من أحد أسباب التعليل المعروفة عند النقاد؛ فيستصغرون بعض الرواة في شيوخهم، كما سبق، وسيأتي في الكلام على شرط انتفاء العلة من شروط قبول الحديث. * * *

المسألة الثالثة في بيان حد الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك؟

المسألة الثالثة في بيان حد الضابط لحديثه، وهل من شرط الضابط أن لا يقع له النسيان أو الشك؟ • قال العلامة المعلمي في النوع الثامن من "طليعة التنكيل" رقم (1): "لا يلزم من النسيان اختلالُ الضبط؛ فإن الناسي إن نسي الحديثَ أصلا لم يُحَدِّثْ به البَتَّة، وكيف يُحدث به وهو ناسٍ له؟ وإن عرض له ترددٌ في قصةٍ أو في بعضها، فإنه إذا كان ضابطا لم يُحدث بها، أو يُحدث بها ويبين التردد والشك. فالضابطُ هو الذي لا يُحدث إلا بما يُتْقِنُهُ، فما لم يُتْقِنْهُ لم يُحدث به، أو حَدث به وبَيَّن شَكَّهُ، سواء أكان عدمُ الإتقان لذاك أول مرّة عند التلقي أم عارضا". اهـ. * * *

المسألة الرابعة هل الضبط يتجزأ؟

المسألة الرابعة هل الضبط يتجزأ؟ • في ترجمة: محبوب بن موسى أبي صالح الفراء من "التنكيل" (183): "قال أبو داود: ثقة، لا يُلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب". فقال العلامة المعلمي: "فقوله: ثقة، يدفع عنه الكذب والمجازفة والتساهل الفادح، ويعين أن المقصود أنه كان لا يُتقن حفظَ الحكاياتِ كما يحفظُ الحديثَ، فكان إذا حكاها من حفظه يخطىء. فلا يُحتج من حكاياته إلا بما رواه من كتابه، أو توبع عليه، أو ليس بمظنة للخطأ. وقد قال العجلي: "ثقة صاحب سنة". وقال ابن حبان في "الثقات": "متقن فاضل". وقال أبو حاتم: "هو أحب إلي من المسيب بن واضح"". اهـ. * * *

المسألة الخامسة الأمية وأثرها في ضبط الراوي

المسألة الخامسة الأمية وأثرها في ضبط الراوي • قال الشيخ المعلمي في النوع الثامن من "طليعة التنكيل"، مثال رقم (1) (ص 69): "أما الأمية، فليست مما يوجب قلةَ الضبط، وإنما غايتُها أن يكون في رواية صاحبها كثيرٌ من الرواية بالمعنى، وليس ذلك بقادح". اهـ. قال أبو أنس: الرواية بالمعنى، وإن لم تكن سببا للقدح في ضبط الراوي -إذْ فَعَلها كثير من الأكابر- إلا أنها تُعد أحيانا من أسباب الوهم والتعليل، كما هو معلوم، وسيأتي في موضعه. * * *

المسأله السادسة أوجه الطعن في ضبط الراوي أو مظاهر خفة ضبط الراوي

المسأله السادسة أوجه الطعن في ضبط الراوي أو مظاهر خفة ضبط الراوي وفيه ستة أوجه: الوجه الأول: وقوع الخطأ في حديث الراوي. الوجه الثاني: التغير والاختلاط. الوجه الثالث: قبول التلقين لما ليس من حديثه. الوجه الرابع: الإدخال في حديثه. الوجه الخامس: الغفلة. الوجه السادس: النسيان. * * *

الوجه الأول وقوع الخطأ في حديث الراوي

الوجه الأول وقوع الخطأ في حديث الراوي وفيه مطلبان: المطلب الأول تفاوت درجات وقوع الخطأ في حديث الراوي، وأثر ذلك في الحكم عليه بالقبول والرد وفيه قضايا: القضية الأولي الخطأ اليسير لم يسلم منه أحد، ولا يقدح في ضبط الراوي • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: الحارث بن عمير رقم (68) من "التنكيل": " ... ومثل هذا الخطأ -وهو وصلُ المرسل- وأظهرُ منه: قد يقعُ للأكابر؛ كمالك والثوري، والحُكم المُجمعُ عليه في ذلك: أنَّ من وقع منه ذلك قليلا لم يضره، بل يُحتجّ به مطلقا، إلا فيما قامت الحجةُ على أنه أخطأ فيه". اهـ. • وقال في ترجمة حنبل بن إسحاق رقم (86): "قال الدارقطني: كان صدوقا، وقال الخطيب: كان ثقة ثبتا، وتخطئته في حكايةٍ إنما تدل على اعتقاد أنه لم يكن معصوما من الخطأ، وليس هذا مما يوهن الثقة المكثر

كحنبل، وقد خَطَّأَ أهلُ العلم جماعةً من أَجِلَّةِ الصحابة، بل قالوا: إن الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام قد يُخطئون في أمور الدنيا، بل قال بعضهم: قد يُعرض لهم الخطأ في شيء من أمر الدين ولكن يُنبَّهون في الحال؛ لمكان العصمة في التبليغ، وقد تعرضت لذلك في قسم الاعتقاديات. والمقرر عند أهل العلم جميعا: أن الثقةَ الثبتَ قد يُخطىء، فإن ثبت خطؤه في شيء، فإنما يُترك ذاك الشيءُ، فأما بقية روايته فهي على الصواب، ومن ادَّعَى الخطأ في شيء فعليه البيان". اهـ. • وقال في ترجمة: محمد بن عثمان بن أبي شيبة رقم (219): "وليس من شرط الثقة أن لا يخطىء ولا يهم، فما من ثقة إلا وقد أخطأ، وإنما شرط الثقة أن يكون صدوقا، الغالب عليه الصواب، فإذا كان كذلك فما تبين أنه أخطأ فيه اطرح، وقُبل ما عداه، والله الموفق". اهـ. • وقال في ترجمة: هشام بن عروة رقم (261): "أما الوهم، فإذا كان يسيرا، يقع مثله لمالك وشعبة وكبار الثقات، فلا يستحق أن يُسمَّى خللا في الضبط، ولا ينبغي أن يُسمى تغيرا". اهـ. • وفي ترجمة: الهيثم بن جميل (263): قال ابن عدي: لم يكن بالحافظ، يغلط على الثقات. فذكر الشيخ المعلمي مَنْ وثقه ووصفه بالحفظ، ثم قال: "أما الغلط، فذكر له الذهبي في "الميزان" حديثًا واحدًا، فإن كان هو الذي أشار إليه ابن عدي، فابن عدي هو الغالط ... وذكره الدارقطني في "السنن" (ص 498) ثم قال: لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل، وهو ثقة حافظ.

أقول: فإن حُكم للهيثم كما قد يُشعر به كلام الدارقطني فذاك (¬1)، وإن ترجح خطؤه كما يُشير إليه كلامُ ابن عدي، فمثل هذا الخطأ اليسير لم يَسْلم منه كبار الأئمة، كما يُعلم من كتب العلل". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني: لإردافه تفرد الهيثم بقوله: وهو ثقة حافظ، فكأن فيه ميلا إلى عدم تخطئته في ذلك. والله تعالى أعلم.

القضية الثانية تقديم من لم يوصف بالخطأ على من وصف به • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 159): "عبد الله بن الحارث (¬1) فإنه أثبت من زيد بن الحباب؛ فإن زيدًا قد وصف بأنه يخطىء، ولم يوصف بذلك عبد الله، وكلاهما ثقتان من رجال مسلم". اهـ. القضية الثالثة كثرة الخطأ وأثرها في قبول حديث الراوي • في ترجمة: مؤمل بن إسماعيل (253): يقول فيه البخاري: منكر الحديث. ويقول أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير. فقال الشيخ المعلمي: "وثقه إسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، ووثقه أيضًا ابن سعد والدارقطني، ووصفاه بكثرة الخطأ، ولَخَّصَ محمد بن نصر المروزي حالَهُ، فقال: إذا انفرد بحديثٍ وجب أن يُتوقف فيه ويُتثبت؛ لأنه كان سيء الحفظ كثير الغلط. فَحَدُّه أن لا يُحتج به إلا فيما تُوبع فيه، وفيما ليس من مظانِّ الخطأ". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني: ابن عبد الملك المخزومي.

القضية الرابعة: ليس كل من وصف بالغلط أو الخطأ ونحوه من أوجه الطعن في الضبط يجب تخطئته في كل موضع، بل فيما قامت الحجة على خطئه فيه أو كان من مظان الخطأ. • في ترجمة: سفيان بن وكيع من "التنكيل" (100): في "تاريخ بغداد" (13/ 379) عنه (أعني: سفيان بن وكيع) قال: جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة، فجلس إلينا فقال: سمعت أبي حمادًا يقول: بعث ابنُ أبي ليلى إلى أبي حنيفة، فسأله عن القرآن ... قال الكوثري: كان وراقُه كذابا، يُدخل في كتبه ما شاء من الأكاذيب، فيرويها هو، فنبهوه على ذلك، وأشاروا عليه أن يُغير وراقَهُ، فلم يفعل، فسقط عن مرتبة الاحتجاج عند النقاد. فقال الشيخ المعلمي: "حَسَّنَ الترمذي بعضَ أحاديثه، وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان شيخًا فاضلا صدوقا، إلا أنه ابتلي بوراق سوء ... وهو من الضرب الذين لأن يخر أحدهم من السماء أحب إليهم من أن يكذبوا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وذكر له ابن عدي خمسة أحاديث معروفة، إلا أن في أسانيدها خللا، ثم قال: إنما بلاؤه أنه كان يتلقن، يقال: كان له وراق يلقنه من حديث موقوف فيرفعه، أو مرسل يوصله، أو يبدل رجلا برجل. والحكاية التي ساقها الخطيب ليست من مظنة التلقين، ولا من مظنة الإدخال في الكتب، فإذا صح أن هذا الرجل صدوق في نفسه، لم يكن في الطعن فيه بقصة الوراق فائدة هنا". اهـ.

• وفي ترجمة: سلام بن أبي مطيع رقم (101): قول سلام: كان أيوب قاعدا في المسجد الحرام فرآه أبو حنيفة ... فرد الكوثري الحكاية بقوله: قال ابن حبان: لا يجوز أن يحتج بما ينفرد به. فقال الشيخ المعلمي: "هذا رجل من رجال "الصحيحين" منسوبٌ إلى العقل، لا إلى الغفلة، فكأن الحاكم صَحَّف، قال أبو داود: كان يُقال هو أعقل أهل البصرة. وقال البزار: كان من خيار الناس وعقلائهم. وقال أحمد وأبو داود: ثقة. وقال ابن عدي: لم أر أحدا من المتقدمين نسبه إلى الضعف، وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، وهو مع ذلك كله عندي لا بأس به. فكأن ابن حبان رأى بعض حديثه عن قتادة غريبا، فأطلق. وروايته هنا ليست عن قتادة، وإنما هي قصة جرت لأيوب شهدها سلام، وليس ذلك من مظنة الغلط". اهـ. • وفي ترجمة: سلمة بن كلثوم رقم (103) منه: أبو توبة: حدثنا سلمة بن كلثوم، وكان من العابدين، ولم يكن في أصحاب الأوزاعي أحيى منه، قال: قال الأوزاعي لما مات أبو حنيفة ... فرد الكوثري هذه الحكاية بقوله: يقول عنه الدارقطني: كثير الوهم -يعني سلمة. فقال الشيخ المعلمي: "عبارة الدارقطني على ما في "التهذيب": "يهم كثيرا"، وليست حكايته هذه مظنة للوهم، وقد توبع عليها، وقال أبو اليمان: كان يقاس بالأوزاعي". اهـ.

• وفي ترجمة: محمد بن أعين أبي الوزير رقم (194) من "التنكيل": أنه حضر واقعة لعبد الله بن المبارك ... كما في "تاريخ بغداد" (ج 13 ص 384)، وقد كان خادمه ووصيه، فطعن الكوثري في الحكاية بقوله: وكون المرء خادما أو كاتبا أو وصيا أو معتمدا عنده في شيء ليس بمعنى توثيقه في الرواية عندهم ... فقال الشيخ المعلمي: " ... وابن أعين قالوا: أوصى إليه ابن المبارك وكان من ثقاته، وابن المبارك كان رجلا في الدين، ورجلا في الدنيا، فلم يكن ليعتمد بثقته في حياته وإيصائه بعد وفاته إلا إلى عدل أمين يقظ، لا يُخشى منه الخطأ في حفظ وصاياه وتنفيذها، فهذا توثيق فعلي، قد يكون أبلغ من التوثيق القولي. غاية الأمر أنه قد يقال: ليس من الممتنع أن يكون ابن أعين ممن ربما أخطأ في المواضع الملتبسة من الأسانيد، وهذا لا يضر هنا؛ لأن روايته في "تاريخ بغداد" إنما هي واقعة لابن المبارك ... ". اهـ. • وفي ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني رقم (42) من "التنكيل": في "تاريخ بغداد" (13/ 396) من طريق: الحسن بن الصباح، حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنيني قال: قال مالك ... ... قال البزار: كُفَّ بصرُهُ، فاضطربَ حديثُه. قال المعلمي: " ... كلمةُ البزار تقضي أن حديثَه كان قبل عماه مستقيما، فينظر متى عمي؟ ومتى سمع منه الحسن بن الصباح؟ وهل روايته التي ساقها الخطيب من مظانِّ الغلط؟ ". اهـ.

• وفي ترجمة: مطرف بن عبد الله بن مطرف بن سليمان بن يسار أبي مصعب اليساري الأصم، رقم (247) من "التنكيل": في "تاريخ بغداد" (13/ 399) من طريق القاسم بن المغيرة الجوهري حدثنا مطرف أبو مصعب الأصم قال: سئل مالك بن أنس عن قول عمر في العراق: بها الداء العضال. قال: الهلكة في الدين ... فرد الكوثري هذا الأثر بقول ابن عدي في مطرف: يروي المناكير عن ابن أبي ذئب ومالك. فقال الشيخ المعلمي بعد النظر فيما أورده ابن عدي في ترجمة مطرف من أحاديث: "والأثر: إن بالعراق الداء العضال، ثابت في "الموطأ" عن مالك، ومطرف يقول: سئل مالك، فليس هنا مظنة الخطأ. ومطرف قال فيه أبو حاتم: مضطرب الحديث، صدوق. ورجحه على إسماعيل ابن أبي أويس. وقال ابن سعد والدارقطني: ثقة. وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما مر مرارا، وروى عنه البخاري في "صحيحه"". اهـ. • وفي ترجمة: مؤمل بن إسماعيل رقم (253) من "التنكيل": قال فيه البخاري: منكر الحديث، وقال أبو زرعة: في حديثه خطأ كثير. ووثقه إسحاق بن راهويه ويحيى بن معين، ووثقه أيضًا ابن سعد والدارقطني، ووصفاه بكثرة الخطأ، ولَخَّصَ محمد بن نصر المروزي حاله، فقال: إذا انفرد بحديثٍ وجب أن يُتوقف فيه ويُتثبت؛ لأنه كان سيء الحفظ، كثير الغلط. فَحَدُّهُ أن لا يُحتج به إلا فيما توبع فيه، وفيما ليس من مظانِّ الخطأ". اهـ.

• وفي ترجمة: علي بن عاصم رقم (162): قال الشيخ المعلمي: "فأما علي بن عاصم فالذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خلط في أول أمره، ثم تحسَّنت حالُه، وبقي كثرة الغلط والوهم، فما حدث به أخيرا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد". اهـ. * * *

المطلب الثاني الإصرار على الخطأ وأثره في قبول الراوي

المطلب الثاني الإصرار على الخطأ وأثره في قبول الراوي • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: المسيب بن واضح (245): قال أبو حاتم: صدوق يخطىء كثيرا، فإذا قيل له لم يَقْبَل. أقول: "ذكر الخطيب في "الكفاية" (ص 143 - 147) ما يتعلق بخطأ الراوي، وبعدم رجوعه، فذكروا أنه يُرد روايةُ من كان الغالب عليه الغلط، ومن يغلط في حديثٍ مجتمع عليه، فَيُنْكَرُ عليه، فلا يرجع. ومعلومٌ من تصرفاتهم ومن مقتضى أدلتهم أن هذا حُكمُ الغلط الفاحش الذي تعظم مفسدتُه، فلا يدخلُ ما كان من قَبيل اللحن الذي لا يُفسد المعنى، ومن قبيل ما كان يقع من شعبة من الخطأ في الأسماء، وما كان يقع من وكيع وأشباه ذلك، وكما وقع من مالك؛ كان يقول في عمرو بن عثمان: "عمر بن عثمان"، وفي معاوية بن الحكم: "عمر بن الحكم"، وفي أبي عبد الله الصنابحي: "عبد الله الصنابحي"، وقد جاء عن معن بن عيسى أنه ذكر ذلك لمالك، فقال مالك: "هكذا حفظنا، وهكذا وقع في كتابي، ونحن نخطىء، ومن يَسلم من الخطأ". فلم يرجع مالك مع اعترافه باحتمال الخطأ. فكلمةُ أبي حاتم في المسيب لا تدل على أنه كان الغالب عليه، ولا أن خطأه كان فاحشا، ولا أنه بُيِّنَ له في حديثٍ اتفاقُ أهل العلم على تخطئته فلم يرجع. وقد قال أبو عروبة في المسيب: "كان لا يحدث إلا بشيء يعرفه يقف عليه". وهذا يُشعر بأن غالب ما وقع منه من الخطأ ليس منه بل ممّن فوقه، فكان يَثبت على ما سمع قائلا في نفسه: إن كان خطأ فهو ممّن فوقي لا مني". اهـ.

• وقال الشيخ في ترجمة: الهيثم بن خلف الدوري من "الطليعة" (ص 41): "الخطأ الذي يضر الراوي الإصرارُ عليه هو ما يُخشى أن تترتبَ عليه مفسدةٌ، ويكون الخطأ من المُصِرّ نفسِه، وذلك كمن يسمع حديثًا بسند صحيح، فيغلط فيركب على ذاك السند متنًا موضوعًا، فينبهه أهلُ العلم، فلا يرجع، وليس ما وقع للهيثم من هذا القبيل، إنما وقع عنده في حديث: الزهري، عن محمود بن الربيع، عن عتبان، وقع عنده "محمد بن الربيع" بدل "محمود بن الربيع" وثبت على ذلك، وهذا لا مفسدة فيه، بل ثبات الهيثم يدل على عظم أمانته وشدة تثبته؛ إِذْ لم يستحل أن يغير ما في أصله، وقد وقع لمالك بن أنس الإمام نحو هذا، كان يقول في عمرو بن عثمان: "عمر بن عثمان" وثبت على ذلك". اهـ. * * *

الوجه الثاني من أوجه الطعن في ضبط الراوي

الوجه الثاني من أوجه الطعن في ضبط الراوي التغير والاختلاط وفيه مطالب: المطلب الأول كبر السن أو ذهاب البصر لا يستلزم التغير، فإنا كان فإنه لا يستلزم الاختلاط الاصطلاحي. • قال الشيخ المعلمي في "طليعة التنكيل" (ص 66): "بلغ حسان (¬1) مائة وعشرين سنة، وكان سويد بن غفلة يؤم الناس في قيام رمضان وقد أتى عليه مائة وعشرون سنة، ثم عاش حتى تم له مائة وثلاثون سنة، وبلغ أبو رجاء العطاردي مائة وسبعًا وعشرين سنة، وبلغ أبو عمرو سعد بن إياس الشيباني مائة وعشرين سنة، وبلغ المعرور بن سويد مائة وعشرين سنة، وبلغ زر بن حبيش مائة وسبعًا وعشرين سنة، وبلغ أبو عثمان النهدي مائة وثلاثين، وقيل: مائة وأربعين سنة، وحسان صحابي، والستة الباقون كلهم ثقات أثبات، مجمع على الاحتجاج بروايتهم مطلقًا، ولم يطعن أحدٌ في أحدٍ منهم بأنه تغير بأخرة". اهـ. • وفي "الطليعة" أيضا (ص 72): "بلوغ التسعين لا يستلزم اختلال الضبط، ويتأكد ذلك في هؤلاء المتأخرين؛ لأن اعتمادهم على أصولٍ مثبتة منقحة محفوظة، لا على الحفظ، والله الموفق". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني: ابن ثابت.

• وفي ترجمة: سفيان بن عيينة (99): "كان ابن عيينة أشهر من نار على علم، فلو اختلط الاختلاط الاصطلاحي لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثيرٌ من أهل العلم، وشاع وذاع ... فالحق أن ابن عيينة لم يختلط ولكن كبر سنه، فلم يبق حفظه على ما كان عليه، فصار ربما يخطىء في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها؛ كحديثه عن أيوب، والذي يظهر أن ذلك خطأ هين، ولهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة، ووثقوا ابن عيينة مطلقا". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن ميمون أبي حمزة السكري (236): قال النسائي: "ذهب بصره في آخر عمره، فمن كتب عنه قبل ذاك فحديثه جيد". فقال الشيخ المعلمي: "إنما يُخشى منه بعد عماه أن يحدث من حفظه بالأحاديث التي تطول أسانيدها وتشتبه فيخطىء، فأما ذِكر ابنِ القطان الفاسي له فيمن اختلط، فلم يُعرف له مستندٌ غير كلام النسائي، وقد علمتَ أن ذلك ليس بالاختلاط الاصطلاحي". اهـ. • وقال الشيخ في ترجمة: الحجاج بن محمد الأعور من "التنكيل" (71): "التغيير أعم من الاختلاط". اهـ. • وقال في ترجمة: محمد بن عبد الله أبي عبد الله الحاكم النيسابوري صاحب "المستدرك" (215): "قولهم: "تغير وغفلة" لا يؤدي معنى الاختلاط". اهـ. • وقال في ترجمة الحجاج أيضًا: "إما أن لا يكون حجاج اختلط، وإنما تغير تغيرًا يسيرًا لا يضر ... ". اهـ.

• وقال في ترجمة: هشام بن عروة رقم (261): "أما النسيانُ، فلا يلزمُ منه خللٌ في الضبط؛ لأن غايتَهُ أنه كان أولًا يحفظ أحاديثَ، فحدث بها، ثم نسيها، فلم يحدث بها". اهـ. • ونَبَّهَ أيضًا في ترجمة: أبي عبد الله الحاكم رقم (215) من "التنكيل": أن كبرَ السِّنِّ والحاجةَ إلى مطالعة الكتب عند المذاكرة لا يستلزم الغفلة. * * *

المطلب الثاني قد يتغير الرجل أو يختلط ولا يظهر له في ذلك الحال ما ينكر عليه

المطلب الثاني قد يتغير الرجل أو يختلط ولا يظهر له في ذلك الحال ما يُنكر عليه • قال في ترجمة الحجاج تتمة لما سبق: " ... وإما أن لا يكون سمع منه أحدٌ في مدة اختلاطه، وهو أقرب، فكأن يحيى بن معين ذهب إلى حجاج عقب قدومه، فأحسَّ بتغيره، فقال لابنه: لا تدخل عليه أحدا، ثم عاد يحيى عشية ذاك اليوم في الوقت الذى جرت العادة بالدخول فيه على القادم للسماع منه؛ خشيةَ أن لا يعمل ابنُ حجاج بما أمره به، فوجد الأمر كذلك: أَذن لهم الابن، فدخلوا، ويحيى معهم، فسكت أولًا، فلما أخذ حجاج الكتاب، فخلط، قال يحيى للابن: ألم أقل لك؟ فكأنهم قطعوا المجلس، وحجبوا حجاجًا حتى مات، فلم يَسمعْ منه أحدٌ في الاختلاط. فلما وَثقَ يحيى وبقيةُ أهلِ العلم بذلك، لم يروا ضرورةً إلى أن يُشيعوا اختلاطَ حجاج، وبيان تاريخه، بل كانوا يوثقونه ويوثقون كثيرًا من الذين سمعوا منه مطلقًا؛ لعلّمهم أن ما بأيدى الناس من روايته كله كان في حال تمام ضبطه. • وفي ترجمة حجاج من مقدمة "الفتح": "أجمعوا على توثيقه وذكره أبو العرب الصقلي في "الضعفاء" بسبب أنه تغير في آخر عمره واختلط، لكن ما ضره الاختلاط فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحيى بن معين منع ابنه أن يدخل عليه بعد اختلاطه أحدًا". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن الفضل السدوسي المشهور بعارم (228): اختلط اختلاطا شديدا بعد سنة 220.

قال الشيخ المعلمي: "قال الدارقطني: "تغير بأخرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديثٌ منكرٌ، وهو ثقة"، وخالفه ابنُ حبان، فردَّ عليه الذهبي كما في "الميزان". اهـ. قال أبو أنس: في ترجمة عارم من "الميزان": " ... وقال أبو حاتم أيضًا: اختلط عارم في آخر عمره، وزالَ عقلُه، فمن سمع منه قبل العشرين ومائتين فسماعه جيد. ولقيه أبو زرعة سنة اثنتين وعشرين. وقال البخاري: تغير عارم في آخر عمره. وقال أبو داود: بلغني أن عارما أُنكر سنة ثلاث عشرة ومائتين، ثم راجعه عقله، ثم استحكم به الاختلاط سنة ست عشرة ومائتين. وقال الدارقطني: تغير بأَخَرة، وما ظهر له بعد اختلاطه حديثٌ منكرٌ، وهو ثقة. قال الذهبي: فهذا قولُ حافظِ العصر الذي لم يأتِ بعد النسائي مثله، فأين هذا القولُ من قولِ ابن حبان الخَسَّاف المتهور في عارم، فقال: اختلط في آخر عمره وتغير، حتى كان لا يدري ما يُحدث به، فوقع في حديثه المناكير الكثيرة، فيجب التنكب عن حديثه فيما رواه المتأخرون، فإذا لم يُعلم هذا من هذا تُرك الكُلُّ، ولا يُحتج بشيء منها. قلت: ولم يَقْدِرْ ابنُ حبان أن يسوق له حديثا منكرا، فأين ما زعم؟ ". اهـ. * * *

المطلب الثالث رواية حاكي الاختلاط عن المختلط هل يعتد بها؟

المطلب الثالث رواية حاكي الاختلاط عن المختلط هل يُعتد بها؟ • في ترجمة: نعيم بن حماد من "التنكيل" (258): ذكر الشيخ المعلمي مما أُخذ على حماد حديثا أخرجه الحاكم في "المستدرك" (ج 4 ص 430): " ... نعيم بن حماد ثنا عيسى بن يونس عن حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن عوف بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمها فرقة: قوم يقيسون الأمور برأيهم، فيحرمون الحلال، ويحللون الحرام". قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط الشيخين". فقال المعلمي: "هذا الحديثُ أشدّ ما أُنكر على نعيم، أنكره ابن معين ووثَّق نعيما، وقال: "شُبِّه له". وقال دحيم: "هذا حديث صفوان بن عمرو، حديث معاوية". يعني: أن إسناده مقلوب ... وقد تابع نعيمًا على روايته عن عيسى بن يونس جماعةٌ، منهم ثلاثة أقوياء: سُوَيْد بن سعيد الحدثاني، وعبد الله بن جعفر الرقي، والحكم بن المبارك الخواستي. ... والرقي مُوَثَّقٌ، إلا أنه نُسب إلى الاختلاط بأَخَرة، لكن ذكر ابنُ حبان أن اختلاطه لم يكن فاحشًا، وراوي هذا الحديثِ عنه ثقةٌ، وهو الذي أخبر بأنه اختلط (¬1)، فقد يقال: لو عَلم أنه اختلط اختلاطًا شديدًا، وكان إنما سمع منه هذا ¬

_ (¬1) هو هلال بن العلاء الرقي، قال: ذهب بصره سنة ست عشرة ومائتين، وتغير سنة ثماني عشرة ومائتين، ومات سنة عشرين ومائتين. "تهذيب الكمال" (14/ 378) وهلال إنما قال أبو حاتم: "صدوق"، وقال النسائي: "صالح"، وفي موضع آخر: "ليس به بأس، روى أحاديث منكرة عن أبيه، فلا أدري الريب منه أو من أبيه" وذكره ابن حبان في "الثقات".

الحديث عند اختلاطه، لكان الظاهر أن لا يرويه عنه إلا مقرونا ببيان أنه إنما سمع منه هذا الحديث بعد الاختلاط (¬1) ... ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) قد أجبتُ عما دافع به الشيخ المعلمى عن هذا الحديث في ترجمة نعيم من القسم الأول من هذا الكتاب.

الوجه الثالث من أوجه الطعن في الضبط: قبول التلقين

الوجه الثالث من أوجه الطعن في الضبط: قبول التلقين وهو من مظاهر غفلة الراوي وقلة ضبطه، وهو كذلك من أسباب التعليل. وفيه مطالب: المطلب الأول معنى التلقين وعلاقته بالوضع ونحوه • في "الفوائد المجموعة" (ص 407): حديث: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمع صوت غناء، فقال: انظروا ما هذا؟ قال أبو برزة: فصعدت فنظرت فإذا معاوية وعمرو بن العاص يتغنيان، فجئت فأخبرت النبي -صلى الله عليه وسلم-. فقال: اللهم اركسهما في الفتنة ركسًا ودعّهما إلى النار دعًّا". رواه أبو يعلى عن أبي برزة مرفوعًا. وقد ذكره ابن الجوزي في "موضوعاته". وقال: لا يصح؛ يزيد بن أبي زياد كان يتلقن. قال في "اللآلىء": هذا لا يقتضى الوضع. فتعقبه الشيخ المعلمي بقوله: "لكنه مظنة رواية الموضوع؛ فإن معنى قبول التلقن أنه قد يقال للراوي: أَحَدَّثَكَ فلانٌ عن فلانٍ بكيت وكيت؟ فيقول: نعم، حدثني فلان عن فلان بكيت وكيت، مع أنه ليس لذلك أصل، وإنما تَلَقَّنَهُ، وتَوَهَّمَ أنه من حديثه.

وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا، ويأتوا إلى هذا المسكين فيلقنونه فيتلقن، ويروي ما وضعوه". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في (ص 215) من "الفوائد": "ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب، ولكن كان يدلس، ثم احترقت كتبه وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة، فيقرأ عليه، وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه، لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه، ولا يرد من ذلك شيئا، ويذهبون يروون عنه، وقد عوتب في ذلك فقال: "ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم ... ". اهـ. * * *

المطلب الثاني جواز التلقين على سبيل الامتحان مع بيان ذلك في المجلس وأن الشيخ يسقط بكثرة قبوله له

المطلب الثاني جواز التلقين على سبيل الامتحان مع بيان ذلك في المجلس وأن الشيخ يسقط بكثرة قبوله له • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: الحجاج بن محمد الأعور رقم (71) من "التنكيل": "التلقنُ القادحُ في الملقّن هو أن يوقعَ الشيخَ في الكذب ولا يُبَيِّنُ، فإن كان إنما فعلَ ذلك امتحانا للشيخِ، وبَيَّنَ ذلك في المجلس لم يضره. وأما الشيخ فإن قبل التلقين وكثر ذلك منه فإنه يسقط. دخل حفص بن غياث ويحيى بن سعيد القطان على موسى بن دينار المكي، فوجدا عنده أبا شيخٍ جاريةَ بن هرم الفُقيمي، فجعل حفص يقول لموسى امتحانا: حدَّثَتْكَ عائشةُ بنت طلحة عن عائشة بكذا؟ وحدثك القاسم بن محمد عن عائشة بكذا؟ وحدثك سعيد بن جبير عن ابن عباس بكذا؟ ويذكر أحاديث قد علم أن موسى لم يسمعها ممن ذَكر، فأجابه موسى بالإثبات. وكان أبو شيخ مغفلا فكتبها، فلما فرغ حفص مَدَّ يده إلى ما كتبه أبو شيخ فمحاه، وبَيَّنَ له الواقع. راجع ترجمة موسى وجارية من "لسان الميزان". اهـ. * * *

المطلب الثالث الإعلال باحتمال وقوع التلقين ممن جرب عليه ذلك

المطلب الثالث الإعلال باحتمال وقوع التلقين ممن جُرِّبَ عليه ذلك • قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد" (ص 219): "هشام -يعني: ابن عمار- ثقة، ولكنه في آخر عمره صار يُلَقَّنُ فَيَتَلَقَّنُ، أَعَلَّ أبو حاتم بهذا أحاديث عديدة". اهـ. قال أبو أنس: انظر المواضع الآتية من "علل الرازي": [1575 - 1743 - 1899 - 2469 - 2629] وفيها التصريح بقبول هشام بن عمار للتلقين، و [1154 - 1481] وفيها ذكر الإدخال عليه، ومُؤَدَّاهُما واحدٌ. والترقيم يتوافق مع النسخة التي قمتُ بضبطها على النسخ الخطية، وقيَّدتُ عليها مُلحًا تَشرحُ غَوامِضها، وتُبينُ معانيها، سميتها: "ملح الحديث على كتاب علل الحديث"، يسر الله إتمامها. * * *

الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط: الإدخال في حديث الراوي

الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط: الإدخال في حديث الراوي وفيه مطالب: المطلب الأول الإدخال القادح وغير القادح • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: دعلج بن أحمد السجزي رقم (90) من "التنكيل": فأما مطاعن الأستاذ (الكوثري) في دعلج ... فثالثها: أن الرواة الأظناء كانوا يبيتون عنده، ويُدخلون في كتبه، وهذا تَخَرُّصٌ، نعم حُكي عن رجلٍ غيرِ ظِنِّين أنه بات عنده، وأَرَاهُ مالَهُ، ولم يَقل أن كتبه كانت مطروحةً له ولا لغيره ممّن يُخشى منه العبث بها. فأما إدخالُ بعضِهم عليه أحاديث، فذلك لا يقتضي الإدخالَ في كتبه؛ بل إذا استخرجَ الشيخُ أو غيرُه من أصوله أحاديثَ، وسَلمها إلى رجلٍ لِيُرتبَها، وينسخها، فذهب الرجل ونسخها، وأدخل فيها أحاديثَ ليست من حديث الشيخ، وجاء بالنسخة فدفعها إليه ليحدث بها، صدق أنه أدخل عليه أحاديث. ثم إذا كان الشيخُ يقظا، فاعتبر تلك النسخة بحفظه، أو بمراجعة أصوله، أو دفعها إلى ثقةٍ مأمونٍ عارفٍ، كالدارقطني، فاعتبرها، فأخرج تلك الزيادة، ولم يحدث بها الشيخُ، لم يكن عليه في هذا بأس.

ولعله هكذا جَرَى؛ فقد قال الخطيب في دعلج: كان ثقةً ثبتا، قَبِلَ الحكامُ شهادتَهُ، وأثبتوا عدالتَهُ ... وكان أبو الحسن الدارقطني هو الناظر في أصوله، والمصنف له كتبه، فحدثني أبو العلاء الواسطي عن الدارقطني قال: صنفت لدعلج "المسند الكبير" فكان إذا شك في حديث ضرب عليه، ولم أر في مشايخنا أثبت منه ... " ... جعل الأستاذ (الكوثري) المُدخِلين جماعة، والمعروفُ رجلٌ واحدٌ، ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 11 ص 385): علي بن الحسن (¬1) بن جعفر أبو الحسن البزاز يعرف بابن كرنيب وبابن العطار المخرمي ... بلغني عن الحاكم أبي عبد الله محمد بن عبد الله النيسابوري قال: ذكر الدارقطني ابن العطار فذكر من إدخاله على المشايخ شيئا فوق الوصف، وأنه أشهد عليه واتخذ محضرا بإدخاله أحاديث على دعلج ... ". وذلك لا يضر دعلجا وروايته ما لم يثبت أن ذلك كان على وجهٍ يوجب القدح فيه، وذلك مدفوع بأن المُخبرَ بذلك وكاتب المحضر ... هو الإمام أبو الحسن الدارقطني، وهو الذي كان الناظر في أمور دعلج، والمصنِّف له كتبه، وهو الذي وثَّقَهُ أثبتَ توثيق كما سلف". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) في "التنكيل": الحسين، وهو خطأ.

المطلب الثاني شأن من أدخلت عليه أحاديث ألا يقبل منه إلا ما رواه عنه متثبت ينظر في أصول كتبه

المطلب الثاني شأن من أُدخلت عليه أحاديث ألا يُقبل منه إلا ما رواه عنه متثبت ينظر في أصول كتبه • قال الشيخ المعلمي في تعليقه على حديث: "اتقوا فراسة المؤمن، فإنه ينظر بنور الله" من "الفوائد المجموعة" (ص 244): " ... أما عن أبي أمامة، فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك؛ فإن له أوابد، وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديثُ عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما عَلَّقَهُ عنه البخاري، فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرق أخرى يُوهنه حتما". اهـ. • وذكر الشوكاني في "الفوائد" حديث: "لا تسبوا الديك؛ فإنه صديقي وأنا صديقه ... " وقال: رواه ابن حبان، وهو موضوع، وفي إسناده: رشدين، وعبد الله بن صالح، وهما ضعيفان جدا. فَعَلَّقَ الشيخ المعلمي (ص 172) بقوله: "رشدين لشدة غفلته، وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديث، وراوي هذا عنه ليس من المتثبتين الذين كانوا ينظرون في أصول كتبه". اهـ. * * *

المطلب الثالث قد يسقط الرجل إذا حدث بأحاديث أدخلت عليه

المطلب الثالث قد يسقط الرجل إذا حدث بأحاديث أدخلت عليه • قال المعلمي في تعليقه على "الفوائد المجموعة" (ص 394): "قيس بن الربيع أُدخلت عليه أحاديث فحدث بها فسقط". اهـ. قال أبو أنس: لأن الإدخال القادح -ومن قبله: التلقين- يدلان على غفلةٍ شديدةٍ، تُوهنُ الثقةَ والاعتمادَ على الراوي، وربما منعت الأمنَ من تلبيسه في أي موضع. * * *

الوجه الخامس من أوجه الطعن في الضبط: الغفلة

الوجه الخامس من أوجه الطعن في الضبط: الغفلة وفيه: الصدق لا ينافي الوصف بالغفلة والوهم ونحو ذلك. • ذكر الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 63) حديث: "من جاع أو احتاج فكتمه الناسَ وأفضى به إلى الله، فتح الله له برزق [سنة] من حلال". وقال: رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: باطل، آفته إسماعيل بن رجاء الحصني. قال في "اللآلىء": أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الطريق، وقال: ضعيف، تفرد به إسماعيل بن رجاء عن موسى بن أعين وهو ضعيف، وأخرجه الخطيب في "المتفق والمفترق" وقال: غريب. وحكى ابن حجر في "اللسان" عن العجلي والحاكم توثيق إسماعيل، وعن أبي حاتم أنه صدوق. فقال الشيخ المعلمي: "لكن ضعفه الساجي، والعقيلي، والدارقطني، وابن حبان، وابن عدي، والبيهقي، وأنكروا هذا الحديث. وقول أبي حاتم: "صدوق" لا يدفع عنه الغفلة، وكذا توثيق العجلي والحاكم؛ فإن كلمة "ثقة" عندهما لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة "صدوق" عند غيرهما، بل دون ذلك". اهـ.

• وذكر الشوكاني فيه (ص 265) حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". وقال: قال في "الذيل": لا يصح. وقال الصغاني: موضوع. وقال في "الوجيز": هو من حديث واثلة بن الأسقع، وفيه عمر بن إسماعيل كذاب. وقد أخرجه البيهقي من طريقه. وقد تابعه أمية بن القاسم عن حفص بن غياث، وقال الترمذي: حسن غريب، وله شاهد عن ابن عمر. فقال الشيخ المعلمي: "أما عمر بن إسماعيل فهالك، وأما أمية بن القاسم فذكروا أن الصواب: القاسم ابن أمية. ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث. قال ابن حجر: شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أولى. أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وجد الأمر كما قال ابن حبان ترجح قوله، وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا". اهـ. * * *

الوجه السادس من أوجه الطعن في الضبط: النسيان

الوجه السادس من أوجه الطعن في الضبط: النسيان • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: هشام بن عروة من "التنكيل" (216): "النسيان لا يلزم منه خللٌ في الضبط؛ لأن غايته أنه كان أولًا يحفظ أحاديثَ، فحدث بها، ثم نسيها فلم يحدث بها". اهـ. • وقال في ترجمة: أنس -رضي الله عنه- من "الطليعة": "ذكروا أنه -رضي الله عنه- لما كبر نسي بعض حديثه، لكن لا يلزم من النسيان اختلال الضبط؛ فإن الناسي إن نسي الحديث أصلًا لم يُحدث به البتة، وكيف يحدث به وهو ناسٍ له؟ وإن عرض له ترددٌ في قصةٍ أو في بعضها، فإنه إذا كان ضابطًا لم يحدث بها، أو يحدث بها ويبين التردد والشك، فالضابط هو الذي لا يحدث إلا بما يتقنه، فما لم يتقنه لم يحدث به، أو حدث به وبَيَّنَ شَكَّه، سواء أكان عدم الإتقان لذاك أول مرة عند التلقي أم عارضًا". اهـ. • وفي "التنكيل" (2/ 156): "كان سهيل (¬1) أصيب بما أنساه بعض حديثه، ومن ذلك هذا الحديث، فكان سهيل بعد ذلك يرويه عن ربيعة (¬2) ويقول: أخبرني ربيعة وهو عندي ثقة أني حدثته إياه - ولا أحفظه. والنسيان علة غير قادحة". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني: ابن أبي صالح. (¬2) يعني: ربيعة الرأي.

ضبط الكتاب

القسم الثاني منه أقسام الضبط: ضبط الكتاب وفيه عشرة مطالب: المطلب الأول: أهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يبرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا؟ المطلب الثاني: صحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا. المطلب الثالث: هل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به؟ المطلب الرابع: هل الروايةُ من أصلٍ موثوقٍ فيه أمتنُ أم الرواية من الحفظ. المطلب الخامس: تقديم المفضول على الفاضل في شيخٍ لروايته عنه من أصله. المطلب السادس: رواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سُقْم واضطراب ونحو ذلك. المطلب السابع: وقوع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ. المطلب الثامن: ضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي. المطلب التاسع: رواية الضرير من كتبه. المطلب العاشر: فوائد تتعلق بالنُسَخِ والأصولِ، وذِكْرِ التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها.

المطلب الأول أهمية الضبط بالكتابة، وعناية المحدثين بأصل السماع، والمطالبة به إذا حدثت ريبة، وهل يغمز الراوي حينيذ إذا لم يبرزه؟ وهل يعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا؟

المطلب الأول أهميةُ الضبطِ بالكتابة، وعنايةُ المحدثين بأصلِ السماعِ، والمطالبةُ به إذا حَدَثتْ رِيبةٌ، وهل يُغمزُ الراوي حينيذٍ إذا لم يُبْرِزْهُ؟ وهل يُعذر أحيانا إذا لم يبرز بروايته أصلا؟ • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست أبي عبد الله العلاف، رقم (37) من "التنكيل": "اعلم أن المتقدمين كانوا يعتمدون على الحفظ، فكان النقادُ يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالتُه وكان حديثه مستقيما وثَّقُوه. ثم صاروا يعتمدون الكتابةَ عند السماع، فكان النقادُ إذا استنكروا شيئا من حديث الراوي طالبوهُ بالأصل. ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشَدَّدَ النقادُ، فكان أكثرُهم لا يسمعون من الشيخ حتى يُشاهدوا أصلَهُ القديم الموثوقَ به، المقيدَ سماعُه فيه، فإذا لم يكن للشيخِ أصلٌ لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضُهم بتضعيفه، فإذا ادَّعَى السماعَ ممن يستبعدون سماعَه منه كان الأمرُ أَشَدَّ، ولا ريبَ أن في هذه الحال الثالثة احتياطا بالغا. لكن إذا عُرِفَتْ عدالةُ الرجل، وضبطُه، وصدقُه في كلامه، وادَّعى سماعا محتملا ممكنا، ولم يُبرزْ به أصلا، واعتذر بعذرٍ محتملٍ قريبٍ، ولم يأت بما يُنكَر، فبأي حُجَّةٍ يُرَدُّ خبره؟ ". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن الغطريف أبي أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ، رقم (186) من "التنكيل": قال الكوثري: ... أنكروا عليه حديثه في إهداء الرسول -صلى الله عليه وسلم- جملا لأبي جهل، وكان يزعم أن فلانا وفلانا أفاداه من غير أن يخرج أصله ...

فقال الشيخ المعلمي: "أما حديث الجمل ففي "الموطأ" في المناسك، باب: ما يجوز من الهدي: مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أهدى جملا كان لأبي جهل بن هشام في حج أو عمرة. وهكذا رواه الناس عن مالك، حتى رواه سويد بن سعيد عن مالك فقال: عن الزهري عن أنس عن أبي بكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فأُنكر على سويد حتى قال ابن معين لما ذُكر له هذا: لو أن عندي فرسا خرجت أغزوه. وممن رواه عن سويد: أحمد بن الحسن بن عبد الجبار الصوفي، فاستنكره الناس، فأبرز الصوفي أصله العتيق، ثم تبين أن جماعة رووه عن سويد كذلك. ثم رواه الغطريفي، إما عن الصوفي كما يظهر من بعض العبارات، وإما عن ابن صاعد، وابن مظاهر عن الصوفي كما يظهر من بعضها. قال حمزة السهمي في ترجمة الغطريفي من "تاريخ جرجان" (ص 387): وقد أنكروا على أبي أحمد الغطريفي: حيث روى حديث مالك ... وكان يذكر أن ابن صاعد وابن مظاهر أفاداه عن الصوفي هذا الحديث ولا يبعد أن يكون قد سمع، إلا أنه لم يُخرج أصله، وقد حَدَّثَ غيرُ واحد من المتقدمين والمتأخرين هذا الحديث عن الصوفي ... وفي "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 83): أَخْبَرَنَا البرقاني قال: سألتُ أبا بكر الإسماعيلي عن حديثِ الصوفي ... : أهدى رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- جملا لأبي جهل؟ فقال: حدثناه بحضرة ابن صاعد وابن مظاهر فاختلفا فيه ... فأخرج الصوفي أصله العتيق فكان كما قال. قال البرقاني: وحدثناه عن الصوفي أيضًا أبو أحمد الغطريفي كذلك وذكر القصة نحو هذا.

والإسماعيلي إمام، وكذلك البرقاني، وكان الغطريفي رفيق الإسماعيلي في الطلب، ثم كان نازلا في بيته، وروى عنه الإسماعيلي في "الصحيح" أحاديث كثيرة، وسئل عنه فقال: ما علمته إلا صواما قواما. وكأن الذين أنكروا عليه الحديث توهموا أنه تفرد به، وقد اتضح خطأهم في ذلك. فأما عدم إبرازه أصله فلا يضره؛ إذ قد يكون قَصَّرَ فلم يكتبه، أو كتبه وغاب عنه أصلُه، أو لم يعثر عليه حينيذٍ؛ فإنه كان مكثرا جدا". اهـ. * * *

المطلب الثاني صحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا

المطلب الثاني صحة كتاب الراوي تغني عن النص على ضبطه إذا كان صدوقا • في ترجمة: سالم بن عصام من "التنكيل" (95): قال أبو الشيخ الأصبهاني: "كان شيخا صدوقا صاحب كتاب ... ". فقال الشيخ المعلمي (¬1): "صاحبُ الكتاب يكفيه كونُه في نفسه صدوقًا، وكونُ كتابه صحيحا". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن موسى البربري منه (235): قال الكوثري: قال عنه الدارقطني: إنه لم يكن بالقوي، ولم يكن يحفظ غير حديثين، أحدهما موضوع عند الأكثرين. فقال الشيخ المعلمي: "كلمة الدارقطني تعطي أنه قوي في الجملة، كما مَرَّ في ترجمة الحسن بن الصباح، وأما الحفظ فليس بشرط، كان علمُ الرجل في كتبه، ومنها يروي، وذلك أثبت من الحفظ ... ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) جوابا على قول الكوثري: كلمة "صدوق" دون كلمة "ثقة".

المطلب الثالث هل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به؟

المطلب الثالث هل تصح رواية الراوي من غير أصله إذا وثق به؟ • قال الشيخ المعلمي في ترجمة ابن حيويه من "التنكيل" (209): "من المقرر عندهم أن التلميذَ إذا سمعَ وضبطَ أصلَه، ثُمَّ بَعد مُدَّة وَجَدَ في أصل شيخه زيادةً أو مخالفةً لما في أصله لم يكن له أن يروي إلا ما في أصله. وقد قال حمزة السهمي في "تاريخ جرجان" (ص 122 - 123): "أخبرنا أبو أحمد بن عدي ... أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم - في كتابي بخطي: عثراتهم، ورأيتُ في كتاب ابن عدي بخطه: عقوبتهم". فلو أن حمزة روى ذاك الحديث وقال: "عقوبَتهم"، ثم رأى أهلُ العلم أصلَه، وفيه: "عثراتهم"، فراجعوه في ذلك، فقال: نعم، ولكني بعد سماعي بمُدة رأيتُ في أصل شيخي: "عقوبَتهم" لَعَدُّوا هذا تساهلا. ومَنْ رَوى مِن أصل شيخِه لا يَأمنُ أن يقعَ في نحو هذا، إلا إذا كان قد كَرَّرَ المقابلةَ، حتى وثق كُلَّ الوثوق بالمطابقة، وأَولى به -وإن وثق كل الوثوق- أن لا يروي إلا من أصل نفسه". اهـ. • وفي ترجمة: ابن الغطريف (186): قال: "أما تحديثه بـ "مسند" إسحاق من غير أصله، فمسند إسحاق كتابٌ مصنفٌ محفوظٌ مرويٌّ، فإذا لم يصل إلى أصله الذي سمع فيه، ووصل إلى نسخة أخرى يثق بمطابقتها لأصله، لم يكن عليه حرجٌ في ذلك، وإنما المحذور أن يحدث الرجل من كتابٍ لا يثق بمطابقته لأصله". اهـ.

المطلب الرابع هل الرواية من أصل موثوق فيه موثوق أمتن أم الرواية من الحفظ؟

المطلب الرابع هل الروايةُ من أصلٍ موثوقٍ فيه موثوقٍ أمتنُ أم الرواية من الحفظ؟ • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: ابن رزق من "التنكيل" (187): "قد استغنى أهلُ العلم منذ قرون بالوثوق بصحة النسخة، فمن وثق بصحة نسخةٍ كان له أن يحتج بما فيها، كما يحتج به لو سمعه من مؤلف الكتاب. والخطيبُ -كما يُعلمُ من "تاريخه"- غايةٌ في المعرفة والتيقظ والاحتياط، فإذا وثق بأن كتبَ ابنِ رزق محفوظةٌ، ثم دَفَعَ إليه ابنُ رزق كتابا منها، فرأى سماعَهُ فيه صحيحا، وعَلم أنه قد رواه مرارا قبل عَمَاهُ، فقد حُقَّ له أن يحتج بما يجدُ فيه، وإن لم يقرأه هو أو غيره بعضرته على ابن رزق، فكيف إذا وفى الحجة بقراءته عليه؟ بل إذا تدبرتَ علمتَ أن الوثوقَ بهذا أمتنُ من الوثوق بما يرويه الرجلُ من حفظه؛ فإن الحفظَ خوَّان". اهـ. * * *

المطلب الخامس تقديم المفضول على الفاضل في شيخ لروايته عنه من أصله

المطلب الخامس تقديم المفضول على الفاضل في شيخٍ لروايته عنه من أصله قال الشيخ المعلمي في ترجمة: عنبسة بن خالد (176): "قال الآجري عن أبي داود: عنبسة أحب إلينا من الليث بن سعد، سمعت أحمد ابن صالح يقول: عنبسة صدوق. كنتُ استعظمتُ هذه الكلمةَ للاتفاق على جلالة الليث وإمامته، ثم تبين لي -كما يرشد إليه السياق- أن مراده: تفضيل عنبسة على الليث في أمرٍ خاص، وهو روايتهما عن يونس بن يزيد الأيلي؛ فإن أصولَ يونس كانت صحيحةً، كما قاله ابن المبارك وغيره، وكان إذا حدث من غيرها ربما يخطىء، وكان الليث سمع من يونس من غير أصوله، وعنبسة سمع من عمه يونس من أصوله، وكانت أصوله عند عنبسة. ويدل على هذا أن أبا داود قال عقب كلمته تلك: سألت أحمد بن صالح قلت: كانت أصول يونس عنده أو نسخة؟ قال: بعضها أصول، وبعضها نسخة". اهـ. * * *

المطلب السادس رواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سقم واضطراب ونحو ذلك

المطلب السادس رواية أهل الثبت والتحري عمن في أصوله سُقْمٌ واضطراب ونحو ذلك • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: محمد بن عبد الله بن أبان أبي بكر الهيتي (210): "قال الخطيب: كانت أصولُ أبي بكر الهيتي سقيمةً، كثيرةَ الخطأ، إلا أنه كان شيخا مستورا، صالحا فقيرا، مقلا، معروفا بالخير، وكان مغفلا ... " والخطيب معروف بالتيقظ والتثبت، فلم يكن لم يروي عن هذا الرجل إلا ما يثق بصحته". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن علي أبي العلاء الواسطي القاضي (224): قال الخطيب: رأيت له أصولا مضطربة، وأشياء سماعه فيها مفسود، إما مصلح بالقلم، وإما مكشوط بالسكين. فقال الشيخ المعلمي: "ما وقع في أصول أبي العلاء، فالخطيب هو الذي حَقَقَ ذلك فالظن به أنه انتقى من مرويات أبي العلاء ما تبين له صحةَ سماعِه ... ". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن نصر بن مالك (237): قال الأزهري: حضرت عند محمد بن نصر بن مالك، فوجدته على حالة عظيمة من الفقر والفاقة، وعرض عليَّ شيئا من كتبه لأشتريه، ثم انصرفت من عنده وحضرت عند أبي الحسن بن رزقويه، فقال لي: ألَّا ترى ابن مالك؟ جاءني بقطعة من كتب أبي الدنيا، قال: اشترها مني، فإن فيها سماعك معي ... قال الأزهري: فنظرت في تلك الكتب، وقد سمع فيها ابن مالك بخطه لابن رزقويه تسميعا طريا.

قال الشيخ المعلمي: "فهذا الرجل إنما خلط بأخرة؛ لعظم ما نزل به، والحكاية التي رواها الخطيب من طريقه: راويها عنه من المتثبتين، الذين كانت عادتهم أن لا يسمعوا من الرجل إلا من أصوله الموثوق بها". اهـ. * * *

المطلب السابع وقع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ

المطلب السابع وقع الخطأ في الحداثة وبقاؤه في الأصل العتيق للشيخ • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: مطرف بن عبد الله أبي مصعب اليساري الأصم من "التنكيل" (247): "في ترجمة أحمد بن داود من "اللسان": قال أبو سعيد بن يونس: حَدَّثَ عن أبي مصعب بحديثٍ مناكير، فسألتُه عنه، فأخرجه من كتابه كما حَدَّثَ به. وفيه بعد ذلك، ذكر حديثه عن أبي مصعب، عن عبد الله بن عمر، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: من رأى مبتلى فقال: الحمد لله، إلخ. قال: قال ابن عدي: لما حَدَّثَ أحمد بهذا الحديث عن مطرف كانوا يتهمونه ... فظلموه؛ لأنه قد رواه عن مطرف: علي بن بحر (¬1)، وعباس الدوري، والربيع ... فقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس هو هذا الحديث: من رأى مبتلى ... إلخ. رآه ابن عدي في أصل أحمد بن داود، وعرف أن غيره قد رواه عن مطرف، ورأى أن الحمل فيه على مطرف البتة، فقاس بقية الأحاديث عليه. وقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس غير هذا الحديث، ويكون ابن عدي رأى الأحاديث في أصل أحمد بن داود، فاعتقدوا براءته منها للدليل الظاهر، وهو ثبوتها في أصله، فحملها كلها على مطرف. ¬

_ (¬1) في "التنكيل": عمر، وهو خطأ.

فإن كان الأمر على هذا الوجه الثاني، فذاك الدليل: وهو ثبوت الأحاديث في أصله، يحتمل الخلل، ففي "لسان الميزان" (ج 1 ص 253): "أحمد بن محمد بن الأزهر ... قال ابن حبان: كان ممن يتعاطى حفظ الحديث، ويجري مع أهل الصناعة فيه، ولا يكاد يُذكر له بابٌ إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرته بأشياء كثيرة فأغرب عليَّ فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليَّ أصولَ أحاديث ... فأخرج إليَّ كتابه بأصل عتيق ... قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه ... ". اهـ. فهذا رجلٌ روى أحاديثَ باطلة، وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجالا من وقت طلبه، كأن يسمع شيئًا، ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقت طلبه بعض الدجالين، فكان يُدخل عليه ما لم يسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة: عثمان بن صالح السهمي من مقدمة "الفتح". وفي ترجمة محمد بن غالب تمتام من "الميزان" أنه أُنكر عليه حديثٌ، فجاء بأصله إلى إسماعيل القاضي، فقال له إسماعيل: ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة. وفي "الكفاية" (ص 118 - 119) عن حسين بن حبان: "قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجلٍ حَدَّثَ بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحابُ الحديث، إن هو رجع وقال: ظننتها، فأما إذ أنكرتموها علي، فقد رجعت عنها؟ فقال: لا يكون صدوقا أبدا ... فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتابًا عتيقا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتابٍ عتيقٍ فهو صدوق، فيكون شُبِّهَ له، وأخطأ كما يُخطىء الناس، فيرجع عنها".

فأنت ترى ابن معين لم يجعل ثبوتها في الأصل العتيق دليلًا على ثبوتها عمن رواها صاحب الأصل عنهم، بل حمله على أنه شُبِّهَ له وأخطأ في أيام طلبه. إذا تقرر هذا فلعل الأحاديث التي ذكرها ابن عدي عن أحمد بن داود عن أبي مصعب رآها ابن عدي في أصلٍ عتيقٍ لأحمد بن داود، فبنى على أن ذلك دليل ثبوتها عن أبي مصعب، وهذا الدليل لا يوثق به كما رأيت، لكن في البناء عليه عذر ما لابن عدي، يَخِفُّ به تعجبُ الذهبي إذ يقول: هذه أباطيل، حاشا مطرفًا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عدي؟! ". اهـ. • وفي "حاشية الموضح" (1/ 34): "عبد الله بن عمر -هو ابن محمد بن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي أبو عبد الرحمن الكوفي- مُشْكُدانه، مُوَثَّقٌ، على ما فيه من الغلو والغفلة. وفي "الميزان": أنه كان مرة يقرأ التفسير، فمرَّ بقوله تعالى: {يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} فقرأ الكلمة الأخيرة: "ونشرا"، فروجع، فقال: هي منقوطة بثلاث. يعني أنها في كتابه الذي يقرأ منه: "ونشرا"، فقد صَحَّفَها عند كتابته، ثم قرأها على التصحيف". اهـ. * * *

المطلب الثامن ضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي

المطلب الثامن ضياع الكتب أو دفنها وأثر ذلك على ضبط الراوي • في ترجمة: يوسف بن أسباط من "التنكيل" (268): قال الكوثري: من مغفلي الزهاد، دفن كتبه واختلط، واستقر الأمر على أنه لا يحتج به. فقال الشيخ المعلمي: "أما التغفيل والاختلاط فمن مفتريات الكوثري، وأما دفن كتبه فصحيح، وكذلك فعل آخرون من أهل الورع؛ كانوا يرون أن حفظ الحديث وروايته فرض كفاية، وأن في غيرهم من أهل العلم من يقوم بالكفاية وزيادة، ويرون أن التصدي للرواية مع قيام الكفاية بغيرهم لا يخلو من حظ النفس بطلب المنزلة بين الناس، ثم لم يتصد يوسف للرواية بعد أن دفن كتبه، ولكن كان يأمر بالمعروف ويَنهى عن المنكر، ويُرغِّب في الطاعة ويُحذر من المعصية، ويَحُضُّ على اتِّباع السُّنة، ويُنَفِّرُ عن البدعة، فربما احتاج في أثناء ذلك لرواية الحديث، فيذكره من حفظه، فقد يقع له الخطأ في مظانه، وإلى أي حدٍّ كان ذلك؟ قال ابن معين: "ثقة"، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان من عباد أهل الشام وقرائهم، سكن أنطاكية، وكان لا يأكل إلا الحلال، فمان لم يجده استف التراب، وكان من خيار أهل زمانه، مستقيم الحديث، ربما أخطأ، مات سنة 195 ". فعبارة ابن حبان تعطي أن خطأه كان يسيرًا، لا يمنع من الاحتجاج بخبره حيث لم يتبين خطؤه، ويشهد لذلك إطلاق ابن معين أنه ثقة. وقال البخاري: "كان قد دفن كتبه، فصار لا يجيء بالحديث كما ينبغي".

وهذا يُشعر بأنه كان يكثر منه الخطأ في مظانه، وقريبٌ من ذلك قولُ ابن عدي: "من أهل الصدق، إلا أنه لما عدم كتبه صار يحمل على حفظه فيغلط، ويشتبه عليه، ولا يتعمد الكذب، وبالغ الخطيب فقال: "يغلط في الحديث كثيرًا". اهـ. قال أبو أنس: "قال ابن أبي حاتم في "العلل" (2366): سألت أبي: عن حديثٍ رواه المسيب ابن واضح، عن يوسف بن أسباط، عن الثوري، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: "مدارة الناس صدقة". قال أبي: هذا حديث باطل، لا أصل له، ويوسف بن أسباط دفن كتبه". اهـ. * * *

المطلب التاسع رواية الضرير من كتبه

المطلب التاسع رواية الضرير من كتبه • في ترجمة: ابن رزق من "التنكيل" (186): قال الكوثري: الكفيف لا يؤخذ عنه إلا ما يحفظه عن ظهر القلب. فقال الشيخ المعلمي: "قد حقق الخطيبُ نفسُه هذه القضية في "الكفاية" (ص 226 - 229) و (ص 258 - 259)، وذكر هنالك مَنْ كان يروي من كتبه بعدما عمي، ومنهم: يزيد بن هارون، وأبو معاوية محمد بن خازم، وعبد الرزاق. والذين حكى عنهم المنع من ذلك اعتلوا بخشية أن يُزادَ في كتاب الأعمى وهو لا يدري. وغيرهم يقول: المدار في هذا الأمر على الوثوق، فإذا كان الضريرُ واثقا بحفظ كتابه، ثم قرأ عليه منه ثقة مأمون متيقظ، فقد حصل الوثوقُ، وقد استغنى أهل العلم منذ قرون بالوثوق بصحة النسخة، فمن وثق بصحة نسخة، كان له أن يحتج بما فيها، كما يحتج به لو سمعه من مؤلف الكتاب ... بل إذا تدبرت علمت أن الوثوق بهذا أمتن من الوثوق بما يرويه الرجل من حفظه فإن الحفظ خوان". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن جابر اليمامي رقم (196): ذكر المعلمي الأمور التي لأجلها ضعفه ابن معين وغيره فقال:

الرابع: أن إسحاق ابن الطباع قال: "وحدثت محمدا يوما بحديث: قال: فرأيت في كتابه ملحقا بين سطرين بخط طري. والرجل كان أعمى، فالمُلحق غيرُه حتما، ورواية الأجلة عنه؛ مثل أيوب السختياني وعبد الله بن عون وسفيان الثوري وعبد الله بن المبارك وآخرين، وشهادة جماعة منهم له بأنه صدوق تدل أن الإلحاق لم يكن بعلمه. فأما قول ابن حبان: كان أعمى، يُلحق في كتبه مما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به، فيحدث به، فإنما أخذه من هذه القضية، وقد بان أن الإلحاق من غيره، وإذا كان بغير علمه كما يدل عليه ما سبق، فليس ذلك بسرقة (¬1)، فالحكم فيه أن ما رواه الثقات عنه ونصوا على أنه من كتابه الذي عرفوا صحته فهو صالح، ويتوقف فيما عدا ذلك". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) علقت على هذا الموضع في ترجمة ابن جابر من القسم الأول رقم (642) بقولي: "قد يُلْحِقُ الرجلُ في كتابه لمعانٍ غير السرقة، ولا يَمْنَعُ من إلحاقه بعلمه أن يكون أعمى؛ إذ قد يأمر بذلك مَنْ يُلْحِقُ له. وقد ترجم الشيخ المعلمي نفسه لقطن بن إبراهيم من "التنكيل" رقم (181)، وقد اتُّهِمَ قطن بسرقة حديث عن حفص بن غياث، وجدوه ملحقا في الحاشية، فقال المعلمي: لا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص، ثم نسيه، أو خفي عليه أنه غريب ... ثم ذكره وتنبَّه لفرديته فرواه، وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون كتبه أولًا، ثم لما ذكر أنه سمعه أو عرف أنه غريب ألحقه في الحاشية ... " أقول: سواء كان الإلحاق بعلم ابن جابر -وحُمل على غير السرقة- أو كان بغير علمه، فقد كان الرجل سيء الحفظ، وكان اعتماده على كتبه، ثم عمي، فَوُجد في كتبه أشياء ألحقت فيها واختلط عليه حديثه، وصار يُلقَّن ما ليس من حديثه، فسقط وتُرك، ولم يعتمد عليه أهل العلم في شيء من روايته، ولم يُخرج له في "الصحيحين" لا أصلا ولا استشهادا، وليس له في الكتب الستة سوى الحديث الذي ذكرنا، وهو أيضًا لا يثبت، فإنه من أفراد قيس بن طلق".

المطلب العاشر فوائد تتعلق بالنسخ والأصول، وذكر التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها

المطلب العاشر فوائد تتعلق بالنُسَخِ والأصولِ، وذِكْرِ التسميعات والتصحيحات، وعادة المحدثين في كتابة السماع في كل مجلس، وكيف تصح رواية الحفاظ المتأخرين للكتب الستة ونحوها (1) كثرةُ التسميعات والتصحيحات في الأصول القديمة لا ينفي وقوع الخلل فيها. قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 186): "وقع في جزء ابن مخلد (ما رواه الأكابر عن مالك): نا أبو محمد القاسم بن هارون، نا عمران، نا بكار بن الحسن الأصبهاني، نا حماد بن أبي حنيفة، ثنا مالك ... كما نقله الأستاذ فيما علقه على "الانتقاء"، وذكر هو أن ذاك الحديث قد رواه الدارقطني في "غرائب مالك" وابن شاهين عن: محمد بن مخزوم، عن جده محمد بن الضحاك، ثنا عمران بن عبد الرحيم الأصبهاني، ثنا بكار بن الحسن، ثنا حماد بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة، عن مالك ... فعمران في سند ابن مخلد هو عمران بن عبد الرحيم في سند الدارقطني وابن شاهين، وفي ترجمته من "الميزان" عن السليماني: هو الذي وضع حديث أبي حنيفة عن مالك. فابن مخلد لم يشترط في ذاك الجزء الصحةَ، وإنما اكتفى بما روي، فلو وقع في روايته من طريق عمران بسقوط أبي حنيفة لكان الظاهر أن يذكر الرواية الأخرى، فإنه لابد أن يكون عند تأليفه ذاك الجزء تتبع ما يصلح أن يُذكر فيه، ويبعد أن لا يظفر بالرواية المشهورة عن عمران بثبوت أبي حنيفة، وهي أدل على مقصوده، وقد ذكر الأستاذ أنه

عادة المحدثين كتابة السماع في كل مجلس، وما يترتب على ذلك.

ليس في ذاك الجزء من طريق أبي حنيفة عن مالك شيء، وبهذا يظهر أنه وقع في روايته كما وقع في رواية غيره: حماد بن أبي حنيفة، عن أبي حنيفة ثنا مالك. فزاغ نظرُ ناسخِ ذاك الجزء من "حنيفة" الأولى إلى الثانية، ولا يدفع ذلك ما على الجزء من التسميعات، وقد رأينا عدةً من الأصول القديمة عليها كثير من التسميعات والتصحيحات، وبقي فيها مثلُ هذا الخلل أو أشد منه، راجع "التاريخ الكبير" للبخاري (ج 1 قسم 1 ص 70، 79، 80، 101، 105، 154، 157) ". اهـ. (2) عادةُ المحدثين كتابةُ السماع في كل مجلس، وما يترتب على ذلك. • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: أحمد بن الحسن بن خيرون (15) من "التنكيل": "جرت عادةُ المُثْرين من طلبة العلم والمجتهدين منهم أن يَستنسخ كُلٌّ منهم الكتابَ قبل أن يسمعه على الشيخ، ثم يسمع في كتاب نفسه، ويصحح نسخته، وكثير منهم يستنسخ قبل كُلِّ مجلسٍ القطعةَ التي يتوقع أن تُقرأ في ذلك المجلس، إلى أن يتم الكتاب". اهـ. • وقال في ترجمة ابن المذهب (78): "جرت عادتُهم بكتابة السماعِ وأسماءِ السامعين في كُلِّ مجلسٍ، فمن لم يُسَمَّعْ له في بعض المجالس دَلَّ ذلك على أنه فاته، فلم يسمعه، فإذا ادَّعَى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه؛ لأنه خلافُ الظاهر، فإذا زاد فَأَلْحَقَ اسمَه أو تسميعه بخطِّ كاتبِ التسميع الأول، قالوا: زَوَّرَ. ... ولا ريب أن من استيقن أنه سمعَ، جاز له أن يُخبر أو يَكتب أنه سمع، وأن من تثبت عدالتُه وأمانتُه، ثم ادَّعَى سماعًا، ولا مُعارض له، أو يعارضه ما مَرَّ، ولكن

استغناء أهل العلم بالوثوق بصحة النسخة عن اشتراهما صحة السند إليها.

له عذرٌ قريبٌ؛ كأن يقول: فاتني أولًا ذلك المجلس، وكان الشيخُ يعتني بي، فأعاده لي وحدي، ولم يحضر كاتبُ التسميع، فإنه يُقبلُ منه". اهـ. • وقال في ترجمة ابن دوما (74): "ذكره الخطيب فقال: كان كثير السماع إلا أنه أفسد أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم يكن عليها سماعه. ثم قال الخطيب: وذكرت للصوري جزءا من حديث الشافعي: حدثنا ابن دوما فقال لي: لما دخلت بغداد رأيت هذا الجزء، وفيه سماع ابن دوما الأكبر، وليس فيه سماع أبي علي، ثم سمع أبو علي فيه لنفسه، وألحق اسمه مع اسم أخيه. فمن الجائز أنهم كانوا يحضرونه مع أخيه ولم يكتبوا إسماعه؛ لصغره، فرأى أنه كان مميزًا، وأن له حق الرواية بذلك، فإن كان كتب بخطه العادي أنه سمع، فلعله صادق، وإن كان قَلَّدَ خَطَّ كاتبِ السماع الأول إيهاما أنه كتب سماعه في المجلس، فهذا تدليس قبيح، قد يكون استجازه بناء على ما يقوله الفقهاء في مسألة: الظفر ونحوها، بعلة أنه لا يصل إلى حقه إلا بذلك". اهـ. (3) استغناء أهل العلم بالوثوق بصحة النسخة عن اشتراهما صحة السند إليها. • في ترجمة: الحسن بن الحسين بن العباس بن دوما النعالي من "التنكيل" (74): في "تاريخ بغداد" (13/ 374): أخبرنا الحسن بن الحسين بن العباس النعالي أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم حدثنا أحمد بن علي الأبار حدثنا أبو يحيى محمد بن عبد الله بن يزيد المقرىء عن أبيه قال: دعاني أبو حنيفة إلى الإرجاء. أخبرنا ابن رزق أخبرنا جعفر الخلدي حدثنا محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي قال: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد ... بمثله، وزاد فيه: فأبيت.

قال الكوثري: النعالي هو ابن دوما المزور، قال عنه الخطيب نفسه: أفسد أمره بأن ألحق لنفسه السماع في أشياء لم يكن عليها سماعه. وكأن الخطيب استشعر تداعي هذا السند حتى ساق شاهدًا فيه ابن رزق والحضرمي. فقال الشيخ المعلمي: "ابن رزق هو محمد بن أحمد بن رزق، ثقة تأتي ترجمته، والحضرمي حافظ جليل تأتي ترجمته، فالسند الثاني لا غبار عليه، وإذا كان المتن محفوظًا بسندٍ صحيحٍ، لم يزده سوقُه مع ذلك بسندٍ فيه مقالٌ إلا تأكيدا على أن المقال في ابن دوما لا يضر هاهنا. فإن كان الخطيب إنما يروي بذاك السند ما يأخذه من مصنف الأبار، والعمدة في ذلك على أن تكون النسخة موثوقًا بها، كما لو روى أحدُنا بسندٍ له من طريق البخاري حديثا ثابتا في "صحيحه"، فإنه لا يقدح في ذلك أن يكونَ في السند إلى البخاري مطعونٌ فيه، وقد شرحت هذا في "الطليعة" وغيرها، والأبار هو الحافظ أحمد بن علي بن مسلم، تقدمت ترجمته، والخطيب معروف بشدة التثبت، بل قد يبلغ به الأمر إلى التعنت، فلم يكن ليروي عن مصنف الأبار إلا عن نسخةٍ موثوقٍ بها، بعد معرفته صحة سماع ابن دوما". اهـ. • وفي ترجمة: عبد الله بن جعفر بن درستويه (119): قال الشيخ المعلمي: "كان يروي "تاريخ" يعقوب بن سفيان، فرواه عنه جماعةٌ، ويروي الخطيب عن رجلٍ عنه، فيأخذُ الخطيبُ الحكايةَ من "تاريخ" يعقوب، ولا يَنُصُّ على ذلك، بل يسوقها بالسند عن شيخه عن ابن درستويه عن يعقوب إلخ، على ما جرت به عادة محدثي عصره، كما ترى في "سنن" البيهقي؛ يأخذ من "سنن" أبي داود و"سنن"

الدارقطني ومؤلفات أخرى كثير؛، فيسوق الحديثَ بسنده إلى أبي داود، ثم يصله بسند أبي داود، ويكرر ذلك بها كل حديث. وقد قَرَّرَ أهلُ العلم أن جُلَّ الاعتماد في مثل هذا على الوثوق بصحة النسخة، فلا يضر أن يكون مع ذلك في الوسائط التي دون مؤلف الكتاب رجلٌ فيه كلامٌ؛ لأنه واسطة سندية فقط، والاعتماد على صحة النسخة. وهذا كما لو أحب إنسان منا أن يشوق بسندٍ له إلى البخاري، ثم يصله بسند البخاري لبعض الأحاديث في "صحيحه"، فإنه بعد ظهور أنه إنما يروي بذلك السند من "صحيح" البخاري، لا يكون هناك معنًى لأن يعترض عليه بأن في سنده إلى البخاري رجلًا فيه كلام. والأئمة الأثبات كالبيهقي والخطيب قد عُرف عنهم كمالُ التحري والتثبت في صحة النُّسخ، وتأكد ذلك بأن مَن كان من أهل العلم والنقد في عصرهم وما بعده لم يُنكروا عليهم شيئًا مما رووه من تلك الكتب مع وجود نسخ أخرى عندهم، وكانوا بغاية الحرص على أن يجدوا للمحدث زلةً أو تساهلًا فيشيعوا ذلك ويذيعوه؛ نصيحةً للدِّين مِن وجهٍ، وحبًّا للسمعة وللشهرة من وجه آخر، ولما قد يكون في صدر بعضهم من الحنق على الرجل أو الحسد له من وجهٍ ثالث. وقد كان القدماء كسعيد بن أبي عروبة ووكيع وغيرهما يروون من حفظهم، وتكون لأحدهم كتبٌ ومصنفاتٌ لا تحيط بحديثه، فكثيرًا ما يُحدث من حفظه بما ليس في كتبه، مع ذلك كان الرجل إذا روى عن أحدِ هؤلاء ما ليس في كتبه أَنكر الناسُ عليه ذلك، قائلين: ليس هذا في كتب ابن أبي عروبة، ليس هذا في كتب وكيع، حتى تناول بعضهم يحيى بن معين إذ روى عن حفص بن غياث حديثًا لم يوجد في كتب حفص، كما تقدم في ترجمة حسين بن حميد.

فما بالك بالمتأخرين الذين إنما يروون من الكتب. فما بالك بمثل الخطيب الذي قد عُرف أنه إنما يروي بذاك السند من كتاب يعقوب، فإذا لم يطعن أحدٌ في شيء يرويه الخطيب من طريق ابن درستويه عن يعقوب، ولا قال أحدٌ: هذه الحكاية ليست في "تاريخ" يعقوب، ولا هذا السياق مخالف لما في "تاريخ" يعقوب بزيادةٍ أو نقصٍ أو تغييرٍ، فقد ثبت بذلك وبغيره صحةُ نُسخة الخطيب، وثبوت ذلك عن يعقوب، وهكذا لم يطعن أحد في شيء رواه ابن درستويه عن يعقوب بأنه ليس في كتاب يعقوب، إما البتة وإما بذلك السياق. فظهر بهذا أن كُلَّ ما رواه ابنُ درستويه عن يعقوب فهو ثابت في كتاب يعقوب. وبهذا يتبين أن محاولةَ القدحِ في كل الحكايات التي يرويها الخطيب من طريق ابن درستويه عن يعقوب بمحاولة الطعن في ابن درستويه تعبٌ لا يجدي ولا يفيد ولا يبدىء ولا يعيد". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبي بكر القطيعي (12): قال الخطيب: كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نَسْخَهَا من كتابٍ لم يكن فيه سماعُه، فغمزه الناسُ، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين ... سمعت أبا بكر البرقاني سُئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا ... ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ، ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة. قال الخطيب: وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق، لا يشك في سماعه، وإنَّما كان فيه بُلْه، فلما غرقت "القطيعة" بالماء الأسود غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه.

فأجاب الشيخ المعلمي عما قيل في القطيعي حتى قال: "الذين ذكروا الاستنساخ، لم يذكروا أنه روى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أبينُ في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس مِنْ لازمِ الاستنساخ أن يروي عما استنسخه ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه. وقد قال الخطيب في "الكفاية" (ص 109): "ومذاهبُ النقاد للرجال غامضةٌ دقيقةٌ، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث، ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى؛ رجاء إن كان الراوي حيًّا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من نقل عنه منزلته، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده، حتى ينظر هل من أخوات ونظائر ... ". فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتابٍ ليس عليه سماعُه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته ولا بعد موته أنه حَدَّثَ بعد تغير شديد، أو حَدَّث مما استنسخه من كتاب ليس عليه سماعه، ولا استنكروا له روايةً واحدةً، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدّم، تبين بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به. هذا، وكتبُ الإمام أحمد كـ "المسند" و"الزهد" كانت نُسَخُها مشهورةً متداولةً، قد رواها غيرُ القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي، واشتهرتْ روايةُ الكتب من طريقه لعلو السند، ويأتي لهذا مزيد في ترجمة الحسن بن علي بن المذهب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". اهـ.

• وفي ترجمة ابن المذهب (78): بعد كلام طويل فيما قيل في ابن المذهب والجواب عنه، ذكر الشيخ المعلمي قول الخطيب: "ليس بمحل للحجة"، فقال: "حاصله أنه لا تقوم الحجة بما يتفرد بمع وهذا لا يدفع أن يُعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف: كـ "المسند" و"الزهد". وسيأتي في ترجمة عبد العزيز بن الحارث طعنهم فيه وتشنيعهم عليه وتشهيرهم به بسبب حديثين نسبهما إلى "المسند" وهم يرون أنهما ليسا منه، ولم يغمزوا ابن المذهب بشيء ما من هذا القبيل. وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما "المسند" و"الزهد" لسائر النسخ الصحيحة، فالكلام فيه وفي شيخه (¬1) لا يقتضي أدنى خدش في صحة "المسند" و"الزهد"، فليخسأ أعداء السنة". اهـ. • وفي ترجمة: عمر بن محمد بن عيسى السذابي الجوهري (173): في ترجمة أبي حنيفة من "تاريخ بغداد" حكاياتٌ من طريقه عن الأثرم. قال الكوثري: قال الذهبي: في حديثه بعض النكرة، تفرد برواية ذاك الحديث الموضوع: "القرآن كلامي ومني خرج ... ". فقال الشيخ المعلمي: "روى السذابي هذا الحديثَ عن الحسن بن عرفة، فقد يكون رواه من حفظه فوهم أو أدخله عليه بعض الجهال. ¬

_ (¬1) يعني: القطيعي.

فأما روايته عن الأثرم، فالظاهر أنها من كتابٍ مؤلف، والاعتماد في ذلك على صحةِ النسخة كما مَرَّ في ترجمة عبد الله بن جعفر وغيرها، ولذلك تجد تلك الحكايات مستقيمة، قد توبع عليها". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأدمي (187): في "تاريخ بغداد" (13/ 405): أخبرنا البرقاني حدثني محمد بن أحمد بن محمد الأدمي حدثنا محمد بن علي الإيادي حدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا بعض أصحابنا قال: قال ابن إدريس: ... قال الكوثري: ترى البرقاني يصفّ نفسَه في صفّ هؤلاء، فيروي عن مثل الأدمي ... راوي "العلل" للساجي ... فقال الشيخ المعلمي: " ... الخبر في كتاب "العلل" للساجي، ولم يكن البرقاني ليسمع الكتاب من الأدمي حتى يثق بصحة سماعه، وبصحة النسخة. فهب أن البرقاني أو الخطيب قال: قال الساجي في "العلل" ... ألَّا يكفي هذا للحجة؟ ".اهـ. * * *

المرتبة الثانية: النظر في اتصال الخبر

المرتبة الثانية: النظر في اتصال الخبر تحتوى هذه المرتبة على مطالب: المطلب الأول: قضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين. وفيه مباحث: 1 - المبحث الذي ذكره المعلمي في "عمارة القبور". 2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع. 3 - دراسة الأحاديث التي استشهد بها مسلم في مقدمة "صحيحه". فصله: في جواب الفقير إلى الله تعالى على كتاب: "إجماع المحدثين" للدكتور: حاتم العوني. المطلب الثاني: فوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس: الأولى: أثر التدليس على العدالة. الثانية: تحقيق القول في الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال. الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أنها تدليس التسوية فلابد فيه من التصريح به. الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين". الخامسة: الإعلال بالتدليس.

المطلب الثالث: ضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد. المطلب الرابع: قضايا ومسائل تتعلق بالسماع. المطلب الخامس: الاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك. المطلب السادس: نقد بعض صور التحمل سوى السماع: 1 - الوجادة. 2 - الإجازة. * * *

المطلب الأول قضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين

المطلب الأول قضية اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين قال الفقير إلى الله تعالى: للشيخ المعلمي: كتاباتٌ أفردها لهذا الشأن، وهي كتابات "بحثية" حاول فيها مناقشة رأى الفريقين المشهورين، وسلك فيها أسلوبَ المناظرة والمحاورة، ويغلب على اتجاهه فيها تقريرُ مذهب مسلم، والرد والجواب عمن يخالفه، وهذا واضح جدا فى بحثه فى "عمارة القبور"؛ حتى إنه قرر فى آخره فقال: "فالمختار ما قاله مسلم: أن ثبوت اللقاء ليس شرط الصحة ... " وقد أطال فى هذا التقرير. لكن قد خلا بحثه ذلك عن التعرض لأدلة مسلم التى نصبها لتقوية ما ذهب إليه، بل ونقل فيه إجماع السلف. أما فى "التنكيل" فقد اختصر الكلام فيه، لكن اتجه البحث أولًا إلى تقوية مذهب مسلم، وقال: "وقد كنت بسطت ذلك، ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه". ثم استشكل عدم تعرض أصحاب المذهب المخالف لمسلم للأحاديث التى ذكرها مسلم محتجا بها على مذهبه، فقال: "قد كان على المجيبن أن يتتبعوا طرق الأحاديث وأحوال رواتها، وعلى الأقل كان يجب أن يعتنوا بالستة التى فى "صحيح البخاري"، وكنت أظنهم قد بحثوا فلم يظفروا بما هو صريح فى رد دعوى مسلم .. ثم إنني بحثت، فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت فى بعضها السماع، بل فى "صحيح مسلم" نفسه التصريح بالسماع فى حديثٍ منها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى، وأما بقية الأحاديث فمنها

ما يثبت فيه السماع واللقاء فقط، ومنها ما يمكن أن يجاب عنه جواب آخر، ولا متسع هنا لشرح ذلك". وقد ذكر تلك الأجوبة عما ذكره مسلم من الأحاديث فى جزء مستقل. والذى يُفهم من جوابه عن تلك الأحاديث التى شمَّر مسلمٌ لنصبها أدلةً على ما يقول: أن المعلمي لم يحيى فيها حُجَّةً لما ذهب إليه مسلم، فإذا سقطت أدلةُ المستدل، قويتْ شوكةُ مخالله كما هو معلوم. وقطعًا للاستعجال، أورد أولًا ما كتبه المعلمي فى هذا الصدد، ثم أُعقب بما يفتح الله تعالى به. * * *

1 - البحث الذى ذكره الشيخ المعلمي في "عمارة القبور"

1 - البحث الذى ذكره الشيخ المعلمي في "عمارة القبور" قال المعلمي في (ص 233) منه: "لي بحث في اشتراط اللقاء، أحببت أن ألخصه هنا: فأقول: الأصل في الرواية أن تكون عما شاهده الراوي، أو أدركه، فتأمل هذا، وأفرض أمثلة بريئة عن القرائن من الطرفين، كأن تكون ببلدة فتسمع برجل غريب جاءها، وبعد أيام تلقاه، فيخبرك عن أناس من أهل تلك البلدة: أن فلانًا قال: كذا، وفلانًا قال: كذا، من دون أن يصرح بسماع، ولا علمت لقاءه لهم، ولكنك تعتقد أنه لا مانع له من لقائهم، ثم توسع في الأمثلة، ولاحظ أنها واقعة في عصر التابعين حين لا برق، ولا بريد، ولا صحافة، ولا تأليف، وإنما كان يتلقى العلم من الأفواه، والناس مشمرون لطلب العلم، ولاسيما للقاء أصحاب نبيهم -صلى الله عليه وسلم-. ثم لاحظ أنه لم يكن يوجد منهم إلا نادرًا من لم يزر الحرمين، وفيهما يمكن اجتماع الراوي بالمروي عنه، إذا كانا متعاصرين، وبهذا يندفع ما يوهمه تباعد البلدين مع عدم اللقاء، فإذا كان الحال ما ذكر، وثبت أن أحد المتعاصرين روى عن الآخر بلا تصريح بسماع، ولا عدمه، كان المتبادر السماع، فكيف إذا لاحظت أن كثيرًا من السلف كان يزور الحرمين كل عام؛ فكيف إذا كان أحدهما ساكنًا أحد الحرمين! فكيف إذا ثبت أن الآخر زارهما! وكذا إذا كان أحد الشخصين ببلد قد زاره الآخر. فأما إذا كانا ساكنين بلدًا واحدًا فإنه يكاد يقطع باللقاء. وزد على هذا أن الإسناد كان شائعًا في عهد السلف، لا تكاد تجد أحدًا إلا وهو يقول: عن فلان، أن فلانًا أخبره عن فلان، أن فلانًا أخبره عن فلان -مثلًا- مع أن السلف كانوا أهل تثبت واحتياط.

إذا تقرر هذا، فما المانع من الأخذ بهذه الدلالة الظاهرة، المحصلة للظن، المستوفية لنصاب الحجية؟! إن قيل: كان اصطلاح السلف خلاف ما يقتضيه الأصل، بدليل شيوع الإرسال فيهم. قلت: أما الإرسال الجلي فَمُسَلَّمٌ، ولكن أقل من الإسناد، كما يعلم بالاستقراء، فهو كالمجاز، لا يقدح شيوعه في تقديم الحقيقة عليه. وأما الخفي فقليل، حتى إنه أقل من التدليس. فإن قيل: فإن ذهاب ابن المديني والبخاري -رحمهما الله تعالى- إلى اشتراط اللقاء يدل على شيوع الإرسال الخفي في السلف. قلت: الاستقراء أقوى من هذا الاستدلال، مع أن مسلمًا: نقل في مقدمة "صحيحه" الإجماع على عدم اشتراط اللقاء -أي قبلهما- كما أشار إليه بالتشنيع على بعض معاصريه، فقيل: "إنه أراد به البخاري"، ولا مانع من أن يريده وشيخه ابن المديني؛ فقد كان -أيضًا- معاصرًا له، فلا يخدش خلافهما وخلاف من عاصرهما أو تبعهما في الإجماع السابق، على أن أقل ما يثبت بنقل مسلم أن الغالب في عهد السلف أن تكون الرواية عن السماع، والبخاري وشيخه لا ينكران أن الظاهر من الرواية السماع؛ بدليل تصحيحهما لعنعنة الملاقي غير المدلس، فلولا وفاقهما على أن الظاهر من الرواية السماع لكانا إنما يعتمدان مجرد اللقاء، فيلزمهما أن يثبتا لكل من لقي شخصًا أنه سمع منه جميع حديثه، وهذا كما ترى، وإنما اشترطا ثبوت اللقاء؛ لأن الدلالة معه تكون أقوى وأظهر، وهذا صحيح غالبًا، ولكنه لا يقتضي إهدار الدلالة الحاصلة مع عدم ثبوت اللقاء ما دامت دلالته ظاهرة؛ مُحَصِّلة للظن مستكملة النصاب كما مَرَّ، وقد ألزمهما مسلم -رحمهم الله- عدم تصحيح المعنعن أصلًا؛ لأنه كما أن عنعنة من لم يثبت لقاؤه تحتمل عدم السماع، فكذلك من ثبت لقاؤه. وأجيب بأن احتمال السماع في الثاني أقوى.

ويرد بأن احتمال السماع في الأول قوي ظاهر محصل للظن، فلا عبرة بزيادة الثاني؛ إذ هي زيادة على النصاب، مع أن لنا أمورًا تجيز هذه الزيادة. منها: قلة الإرسال الخفي في السلف. ومنها: أنه أقبح وأشنع من التدليس -كما سيأتي- فالثقة أشد تباعدًا عنه؛ تدينًا وخوفًا من نقد النقاد الذين كانوا يومئذ بالمرصاد، بخلاف التدليس؛ فإنه أشد خفاء على الناقد. وأجيب -أيضًا- بأن احتمال العنعنة لعدم السماع مع ثبوت اللقاء اتهام للراوي بالتدليس، والفرض سلامته منه، بخلاف احتمالها له مع عدم ثبوت اللقاء، فإنما فيه اتهامه بالإرسال الخفي فقط. ويُرد بأنه قد نقل محققون من أهل الفن أن الإرسال الخفي تدليس، منهم: ابن الصلاح (¬1)، والنووي (¬2)، والعراقي (¬3). وقال: "إنه المشهور بين أهل العلم بالحديث"، ولنا بحثٌ في تحقيق ذلك والإجابة عما ذكره الحافظ: لا حاجة لإثباته هنا؛ لأن الخلاف لفظي للاتفاق على أن في الإرسال الخفي إيهامًا، فاتهام الراوي به كاتهامه بالتدليس، فإذا اتهمتم الراوي بأنه يزسل خفيا -وإن لم يوصف به- فيلزمكم أن تتهموا الراوي بأنه يدلس، فإن قلتم: إن الأصل في الثقة عدم التدليس، قلنا: وكذا الإرسال الخفي. فإن قلتم: الإيهام في الإرسال الخفي أضعف منه في التدليس، فهو أقرب إلى اتصاف الثقة به. قلنا: مُسَلَّمٌ غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي أن لا يكون الأصل في الثقة عدمه، ما دام فيه إيهامٌ وتغريرٌ وغشٌّ منافٍ لكمال الثقة، مع أن الإيهام في الإرسال الخفي لأمرين ¬

_ (¬1) انظر: "المقدمة" (ص 14)، و"الاقتراح" (ص 213). (¬2) انظر: "الإرشاد" (1/ 314)، و"تدريب الراوي" (1/ 130). (¬3) انظر: "فتح المغيث" (1/ 113).

كلاهما خلاف الواقع: السماع لذلك الحديث واللقاء، بخلاف التدليس، فإنه وإن دل على الأمرين، فاللقاء موافق للواقع، فتبين أن الإرسال الخفي أقبح وأشنع من التدليس، كما قاله ابن عبد البر في "التمهيد"، ونحوه ليعقوب بن شيبة. انظر "فتح المغيث" (ص 75 - 74). وعليه فالثقة أشد بعدًا عنه تدينا وخوفًا من نقد النقاد، كما مر، فإذا اتهمتم الثقة به من غير أن يوصف به، لزمكم من باب أولى اتهام الثقة بالتدليس، وإن لم يوصف به. فإن قيل: لعل السامع يكون عالمًا بعدم اللقاء، فلا إيهام، فلا إرسال خفيا. قلنا: وكذلك لعل السامع يكون عالمًا بعدم السماع مطلقًا، أو لذلك الحديث، فلا إيهام، فلا تدليس. والتحقيق أنه لو كان الراوي يعلم بعدم اللقاء، أو عدم السماع، وهو ثقة غير مدلس، لبيَّنه لمن يأخذ عنه، ولو فرض أن الثاني كان عالمًا بذلك فاستغنى عن التبيين، فيلزم الثاني أن يبينه للثالث، وهكذا. فإذا جاءنا الحديث من رواية الثقات غير الموصوفين بالتدليس، أو الإرسال الخفي إلى ثقة كذلك روى بالعنعنة عمن عاصره وأمكن لقاؤه له، ولم ينص أحد من رجال السند ولا غيرهم على عدم اللقاء، فهو كما إذا جاءنا الحديث من رواية الثقات غير الموصوفين بالتدليس إلى ثقة كذلك روى بالعنعنة عمن لقيه، وأمكن سماعه لذلك الحديث منه، ولم ينص أحد من رجال السند أو غيرهم على عدم السماع. ففي قبول الأول احتمال اللقاء والسماع، وفي رده اتهام الثقة بإيهام اللقاء والسماع، وفي قبول الثاني احتمال السماع فقط، وفي رده اتهام الثقة بإيهام السماع فقط، فهذه بتلك. فإذا لاحظنا قلة الإرسال الخفي في السلف واعتيادهم للإسناد وخوفهم من نقد النقاد، كان الأمر واضحًا، فكيف إذا اعتبرنا القرائن الدالة على اللقاء -كما سبق بيانها أول البحث.

فالمختار ما قاله مسلم: إن ثبوت اللقاء ليس بشرط الصحة، ولم نختره لما ذكره من الإجماع والإلزام، بل لما قدمنا أن الدلالة حينئذ دلالة ظاهرة محصلة للظن، مستكملة لنصاب الحجية. والله أعلم. وقد رأيت عن الحافظ ما يوافق ما قلناه. قال تلميذه السخاوي في "فتح المغيث" (ص 62): "ولكن قيده ابن الصيرفي بأن يكون صرح بالتحديث ونحوه، أما إذا قال: عن رجل فن الصحابة وما أشبه ذلك، فلا يقبل. قال: لأني لا أعلم أسمع ذلك التابعي منه أم لا؟ إذ قد يحدث التابعي عن رجل وعن رجلين عن الصحابي، ولا أدري هل أمكن لقاء ذلك الرجل أم لا؟ فلو علمت إمكانه فيه لجعلته كمدرك العصر"، قال الناظم (العراقي): "وهو حسن متجه، وكلام من أطلق محمول عليه"، وتوقف شيخنا الحافظ في ذلك؛ لأن التابعي إذا كان سالمًا من التدليس، حملت عنعنته على السماع، وهو ظاهر. قال: ولا يقال: إنما يتأتى هذا في حق كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين فلا بد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي، والفرض أنه لم يسمه حتى نعلم هل أدركه أم لا؟ لأنا نقول: سلامته من التدليس كافية في ذلك؛ إذ مدار هذا على قوة الظن، وهي حاصلة في هذا المقام" اهـ. أقول: وإذا كان هذا مع احتمال عدم إدراك المعنعن للصحابي فضلا عن لقائه، ففي مسألتنا أولى وأظهر؛ لأنه قد ثبت الإدراك، وربما قامت عدة قرائن تدل على اللقاء، كمامر. والعجب من الحافظ: كيف مشى معهم في ترجيح رد عنعنة من علمت معاصرته دون لقائه، ولو مع قيام القرائن على اللقاء، وتوقف عن ردها، بل احتج لقبولها في حق من لم يعلم معاصرتها أصلا، فسبحان من له الكمال المطلق، وإنما ذكرنا هذا ليعلم صحة ما ذكرناه، من أن الدلالة ظاهرة، مستكملة نصاب الحجية. والله أعلم". اهـ.

قال الفقير إلي الله تعالى. تمام البحث ذكره صاحب "البناء على القبور" (ص 93) في صلب الكتاب، بينما ذكره صاحب "عمارة القبور" في الحاشية (ص 240) على اعتبار أنه أخذه من النسخة التي اعتمد عليها الأول، والتي كانت مسودة للكتاب. وقد وقع لهما -لا سيما الثاني- تصحيفات وتخليط في أرقام أصحاب المناظرة، فأصلحت ذلك، وزدت أشياء لتميم الفائدة جعلتها بين حاجزين []. قال المعلمي: "نقل مسلم في مقدمة "صحيحه" إجماع السلف من أئمة الحديث على الاكتفاء بالمعاصرة في تصحيح المعنعن من غير المدلس، ما لم يقم دليل على نفي اللقاء، وشنَّع على من اشترط ثبوت اللقاء من أهل عصره. ثم جاء المتأخرون فقالوا: إن الاشتراط قول المحققين، وذكروا منهم البخاري وشيخه ابن المديني. ولا يخفى أن هذا لا ينافي سَبْقَ الإجماعِ لهما، ومجردُ حسنِ الظن بهما أنهما لا يخرقان الإجماع، وأنهما اطلعا أنه لم يزل في طبقات السلف من يشترط اللقاء: لا يغني شيئًا. فلو ناظر مسلم البخاري، فقال: أنت وشيخك مسبوقان بالإجماع، لم يفده إلا أن يصرح بالنقل عن بعض السلف من جميع الطبقات في موافقة قوله؛ فأما مجرد إنكار الإجماع فلا يفيد؛ إذ الإجماع من الأمور التي لا يطالب مدعيها بدليل. أما لو قال البخاري: إنه يلزمك وغيرك حسن الظن بنا، لكان قد أتى بما يضحك منه. نعم، ذكر السخاوي في "فتح المغيث" (ص 66) [1/ 287 طبعة دار المنهاج] عن الحارث المحاسبي ما يُظن خادشًا للإجماع؛ حيث قال: "اختلف أهل العلم .. [فيما

يثبت به الحديث على ثلاثة أقوال: أولها أنه لابد أن يقول كُل عدل في الإسناد: حدثني أو سمعت إلى أن ينتهي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإن لم يقولوا أو بعضهم ذلك فلا؛ لما عُرف من روايتهم بالعنعنة فيما لم يسمعوه] ". اهـ. لكنه لا يصادم نقلَ مسلم؛ لاحتمال أن يكون [يعني المحاسبي] راعَى خلافَ ابن المديني، ومع هذا فإننا لا نقنع لأنفسنا بالتمسك بدعوى الإجماع، كما لا يهولنا دعوى التحقيق في الطرف الآخر، بل نسعى لتحقيق البحث بأدلته الحقيقية على صورة مناظرة؛ مشيرين لمذهب مسلم برقم (1) ومُقابله برقم (2). ونستوفي البحث بقدر الجهد، بحسب ما اطلعنا عليه من أدلة الفريقين، وما ظهر لنا أنه قد يستدل به. والله المستعان. (1) الأصل الثابت في الرواية أن يكون عما شاهده الراوي وأدركه، سواء أعلم السامع لقاء الراوي للمروي عنه أم لا، وعليه فهذا هو الأصل، والظاهر الذي يجب التمسك به حتى يتبين خلافه. (2) وما دليلكم على ذلك؟ (1) نذكر أمثلة نوضحه بها: أ- مصري زار اليمن، ثم عاد فأخذ يخبر عن فلان من علماء صنعاء أنه قال كذا، وعن آخر من علماء زبيد، وثالث من علماء تَعز، والسامعون لا يسمعون بأولئك العلماء، ولم يخبرهم أنه لقيهم، ولا أنهم أحياء. ب- هندي زار الحجاز، ثم عاد، فأخبر عن فلان من علماء مكة، وفلان من علماء المدينة، وفلان من علماء الطائف، والسامعون كما تقدم. ج- عالم هندي أخذ يخبر بمثل الذي قبله، مع أن السامعين لا يعلمون أزار الحجاز أم لا؟

من تأمل هذه الأمثلة علم أن الذي يتبادر إلى الأذهان من رواية أولئك الأشخاص أنها عن سماع، مع أن الفرض أن الراوي عنعن، وأن السامع لا يعلم المعاصرة بدليل خارجي فضلًا عن اللقاء؛ أما إذا علمها فإن الأمر يزداد قوة. (2) هذه الأمثلة تُعارَض بغيرها، فإذا ذهب شرقي إلى أوربا، ثم عاد فأخبر عن فلان بإنجلترا، أو عن فلان بفرنسا، وعن فلان بألمانيا، فإن الذي يتبادر عدم السماع، وإن علمت المعاصرة. (1) هذا التبادر لوجود القرائن الصارفة عن الأصل كتباعد البلدان، وضعف الدواعي إلى زيارتها، وزيادة المشقة في ذلك، ووجود البرق والبريد والصحافة والتآليف بكثرة، وغلبة الإرسال بحيث لا تكاد تجد إنسانًا يقول: أخبرني فلان عن فلان، وغير ذلك، ولهذا مثلنا أمثلة بريئة عن القرائن، وإن شئت فتصورها واقعة في زمن التابعين حيث كانت الأقوال -ولاسيما السُّنَّة- إنما تؤخذ من ألسنة الرجال، فلا برق ولا بريد ولا صحافة، بل ولا تأليف. والناس يومئذ أهل جد وتشمير في الرحيل لطلب العلم، ولاسيما للقاء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكيف إذا كان الراوي والمروي عنه بأحد الحرمين، والناس يومئذ كلهم يزورون الحرمين، وكثير منهم من يحج كل سنة. فكيف إذا ثبتت زيارة الحرمين بالفعل، أو كان أحد الرجلين ببلدة قد وصلها الآخر، فكيف إذا ما أقاما ببلدة واحدة. والحاصل: أن الأصل كما قررناه، وأنه قد تقوم قرائن تصرف عنه، وقد تقوم قرائن تؤيده، ولنذكر مثالًا آخر نوضح ذلك الأصل: كنا في بومباي -مثلًا- فجاء رجل من السند، لم يصل بومباي قبلُ، فمكث في بومباي بضعة أيام، ثم لقينا، فأخذ يخبرنا عن فلان المدرس بمدرسة كذا في بومباي أنه قال كذا، وعن فلان الإمام بمسجد كذا فيها أنه صلى الجمعة بسورة كذا، وعن

فلان التاجر بها أن سائلًا سأله فرد عليه بكذا، فالذي يتبادر إلى الأذهان أنه لقي أولئك الأفراد، وسمع منهم، مع أنه لو لم يخبرنا بذلك، لم يترجح لنا ألقيهم أم لا؟ فتبين أن التبادر إنما جاء من الرواية، فثبت أن الأصل في الرواية أن تكون عما شاهده الراوي وأدركه. (2) لعل اصطلاح المحدثين كان على خلاف ذلك، كما يدل عليه ذهاب ابن المديني والبخاري ومن تبعهما إلى ما ذهبوا إليه. (1) قد أسلفنا أن مجرد ذهابهما إلى ذلك القول لا يصح نقضًا لما نقله مسلم من إجماع السلف، وهو يدل أبلغ دلالة أن اصطلاحهم كان موافقًا للأصل، بل هناك من القرائن ما يدل على شدة محافظتهم على الأصل أشد من محافظة غيرهم، وذلك مزيد احتياطهم وتثبتهم وجريان عادتهم بالإسناد، والتحفظ من نقد النقاد، وغير ذلك، على أننا لو تنازلنا عن دعوى الإجماع بقيت الأغلبية، وهي كافية في إثبات المطلوب. مع أن موافقة البخاري وشيخه على حمل عنعنة من ثبت لقاؤه على السماع يدل على ما ذكرنا، وإلا لكانت الحجة عندهما هي مجرد اللقاء، فيلزمهما أن كل من لقي شيخًا ثبت سماعه لكل حديثه، وهذا كما ترى، وإنما رأيا أن دلالة الرواية بدون ثبوت اللقاء لا تخلو عن ضعف، فاشترطا تقويتها بثبوت اللقاء، ونحن نسلم أن الرواية مع ثبوت اللقاء أقوى منها بدونه غالبًا، ولكن هذا لا يقتضي عدم حجيتها إذا كانت في نفسها دلالة ظاهرة محصلة للظن، على أنه يُعلم مما قدمناه أن القرائن قد تتظافر على إثبات اللقاء حتى تكاد تقطع به وإن لم ينقل صريحًا. (2) لنا: شيوع الإرسال في السلف؛ فإنه دليل على أن اصطلاحهم على خلاف الأصل الذي قدمتم.

(1) أما الإرسال الجلي فلا نزل فيه؛ لأن المرسِل يتكل على وضوح القرينة الصارفة عن الأصل، وهذا إنما هو كشيوع المجاز، لا يقتضي إلغاء الحقيقة، وأما الإرسال الخفي، فلنا جوابان عنه [أ، ب]: أ- لا نُسلم شيوعه، والاستقراء يدل على قِلَّتِه؛ فإن أكثر رواية التابعين وتابعيهم المتصلة مُعَنْعَنَة، ولو كان الإرسال الخفي شائعًا فيهم لأقلُّوا خشية الإيهام. (2) لعلهم كانوا يتَّكِلُون على ثبوت اللقاء. (1) ما كل سامع لحديثهم مطلع على اللقاء، فالإيهام باق بالنسبة إلى من لم يطلع. (2) لعلهم كانوا يتَّكِلُون على أن من لم يطلع على ثبوت اللقاء يَسأل عنه. (1) قد يتساهل فلا يسأل، مع أنه قد يغلب على ظنه ثبوت اللقاء؛ للقرائن المتقدمة، فالأسهل والأحوط التصريح بالتحديث من أول وهلة، ولا حامل على تركه. فتبين أنهم كانوا يعنعنون المتصلات لاعتقادهم دلالة ذلك على السماع، بل إذا تتبعت رواية المدلسين وجدهم كثيرًا ما يعنعنون المتصلات، فلماذا يعنعنون مع علمهم بأن عنعنتهم لا تحمل على السماع لتدليسهم؟ هل يقال: إنهم كانوا يريدون أن يوهموا أنهم لم يسمعوا تلك الأحاديث، والحال أنهم سمعوها، هذا عكس التدليس المتعارف. فالتدليس: إيهامُ السماع مع عدمه، وهذا إيهام عدم السماع مع ثبوته، وغرض المدلس إنما يتعلق بالأول دون الثاني. فتبين أنهم إنما كانوا يعنعنون جريًا على الأصل والعرفِ المطرد في الاكتفاء بالعنعنة في المسموع. ب- الإرسال الخفي تدليس، والكلام في الراوي غير المدلس، فإذا سوَّيْتُم بين من وُصف بالتدليس وغيره لزمكم أن تردوا المعنعن مطلقًا، كما ذكره مسلم رحمه الله تعالى.

(2) كلا، ليس الإرسال الخفي تدليسًا؛ إذ لا إيهام فيه مع عدم اللقاء. (1) قد قدمنا ما يُعلم منه أن الإيهام واقع، وإن لم يثبت اللقاء، ويتأكد بالقرائن، كما مَرَّ. (2) على كل حال: المختار أنه ليس تدليسًا، كما يُعلم بمراجعة كتب المصطلح. (1) التحقيق أنه تدليس، ولكن لا نطيل ببيانه، إذ يغنينا أن نقول: لا يضر الخلاف في الاسم، فالإرسال الخفي كالتدليس في الإيهام والتغرير، بل هو أقبح منه وأشنع، قال في "فتح المغيث" (ص 74 - 75) [1/ 316 ط دار المنهاج]: "فقال ابن عبد البر في "التمهيد" [1/ 28]: ولا يكون ذلك عندهم إلا عن ثقة، فإن دلس عن غير ثقة فهو تدليس مذموم عند جماعة أهل الحديث، وكذلك إن حدث عمن لم يسمع منه، فقد جاوز حَدَّ التدليس الذي رخَّص فيه من رخَّص من العلماء إلى ما ينكرونه ويذمونه ولا يحمدونه. وسبقه لذلك يعقوب بن شيبة، كما حكاه الخطيب عنه [الكفاية ص 516]، وهو -مع قوله في موضع آخر: إذا وقع فيمن لم يلقه أقبح وأسمج [التمهيد 1/ 27]:- يقتضي أن الإرسالَ أشدُّ، بخلاف قوله الأول، فهو مشعر بأنه أخفُّ، فكأنه هنا عني الخفي لما فيه من إيهام اللقي والسماع معًا، وهناك عني الجلي لعدم الالتباس" اهـ. أقول: قوله: "إيهام اللقي والسماع معًا" أي لأن الرواية توهم السماع، ولا يكون سماع إلا مع لقي، وكلاهما غير واقع، بخلاف التدليس، فإن أحدهما وهو اللقي واقع. (2) لكن الإيهام في التدليس أقوى لثبوت اللقاء. (1) نعم غالبًا، لكن قوة الإيهام فيه لا تنافي وجود الإيهام في الإرسال الخفي، على أن الإيهام في هذا لأمرين كلاهما غير واقع، وفي التدليس لأمر واحد غير واقع، مع أنه قد يكون هناك قرائن تقوي إيهام اللقاء.

(2) ............................. [طمس بمقدار خمس أو ست كلمات]. (1) فقد لزمكم على الأقل أن تسووا بين الأمرين، فكما أنكم لا تقبلون عنعنة من لم يثبت لقاؤه خشيةَ الإرسال الخفي، وإن لم يوصف بأنه كان يفعله، فكذلك لا تقبلوا عنعنة من ثبت لقاؤه خشيةَ التدليس، وإن لم يوصف بأنه كان يدلس. (2) هاهنا فرق، وهو أن السلامة من التدليس هي الأصل والظاهر من حال الثقة، فلا يُقام لاحتماله وزنٌ ما لم يُنقل. (1) وكذلك نقول في الإرسال الخفي سواء، بل السلامة من الإرسال الخفي أقرب؛ لأمور، منها: أنه أقبح وأشنع كما مَرَّ، فالثقة أشد بُعدًا عنه. ومنها: أن الغرض الحامل عليه أضعف من الحامل على التدليس؛ لأن الشخص قد يستنكف عن إدخال واسطة بينه وبين شيخ قد لقيه وسمع منه؛ لأن ذلك يوهم تقصيره، بخلاف من لم يلقه. ومنها: أن الشخص يرغب في التدليس؛ لأنه أروج لدلسته من الإرسال الخفي. ومنها: أنه لا يأمن الإنكار في الإرسال الخفي، فإنه قد يكون هناك من يعلم عدم اللقاء فيبادر بالإنكار عليه، بخلاف التدليس؛ فإنه لا ينكر عليه الرواية عن شيخ قد لقيه وسمع منه. (2) أما المدلسون فقد تكفل الأئمة ببيانهم، بخلاف الإرسال الخفي، فلم يبينوا أهله على جهة الاستقصاء، وهذا يدل أنهم كانوا يرون الخطر في التدليس، ولا يرون في الإرسال الخفي خطرًا. وهذا إنما يتمشى على أنهم كانوا يشترطون اللقاء في قبول المعنعن، فمتى فُقد اللقال فالعنعنةُ غيرُ مقبولة لِفقده، سواء أكان الراوي ممن يرسل الإرسال الخفي أم لا، ومتى ثبت اللقاء فالعنعنةُ مقبولة، إلا إن كانت من مدلس؛ فلهذا اهتموا ببيان المدلسين، بخلاف أهل الإرسال الخفي.

(1) هذه مغالطة، فقد قدمنا بيان دلالة الرواية على السماع، وقدمنا نقل مسلم لإجماع السلف على حملها على السماع إذا ثبتت المعاصرة فقط، وبسطنا ذلك أحسن بسط، وأما هذه الشبهة فلنا جوابان عنها: جواب مكافأة وجواب إنصاف. أ- أنه إذا كان الأئمة لم يَنقلوا عن أحدٍ أنه كان يرسل إرسالًا خفيًّا، فهذا دليلٌ لنا على غلظه وشدة شناعته وقبحه، بحيث إن جميع المحدثين تنزهوا عنه، إلا الكذابين؛ فإن وصفهم بالكذب يغني عن وصفهم بالإرسال الخفي. وإن كان الأئمة نقلوا ذلك، ولكن عن قليلٍ بالنسبة إلى مَن نقلوا عنه التدليس، فهذا أيضًا دليل لنا على شناعة الإرسال الخفي، بحيث إن الموصوفين به من المحدثين قليلٌ جدًّا بالنسبة إلى المدلسين. ب- المشهور بين المحدثين أن الإرسال الخفي تدليس، فالوصف بالتدليس يتناول النوعين، ولنا بحث في تحقيق هذه المسألة نلخصه هاهنا: في عبارة ابن الصلاح في حَدِّ التدليس: "فتح المغيث" (ص 73) [1/ 314] [مقدمة ابن الصلاح ص 66]: "وعمن عاصره ولم يلقه موهمًا أنه قد لقيه وسمعه"، وتبعه النووي، وعبارته في "التقريب": "بأن يروي عمن عاصره ما لم يسمعه منه موهمًا سماعه". وكذا العراقي، فقال "فتح المغيث" (ص 74) [التقييد والإيضاح ص 98]: "إنه هو المشهور بين أهل الحديث". ومثله للسيوطي في شرح "التقريب"، وهو ظاهر عبارة الخطيب في "الكفاية". انظر "فتح المغيث" (ص 74) [الكفاية ص 510]. وإن قال الحافظ [النكت على ابن الصلاح 2/ 614 - 615]: إنها تخالفه. ويؤيد هذا القول أن معنى التدليس لغة يتناوله، والأصلُ عدمُ النقل. وأما البزار، وابن القطان، وابن عبد البر، فإنهم وإن خَصوا تعريف التدليس بما ثبت فيه اللقاء، فقد فرقوا بينه وبين الإرسال بوجود الإيهام في الأول بخلاف الثاني،

وهذا يدلك أنهم أسقطوا الإرسال الخفي، فلا أدخلوه في تعريف التدليس كما مَرَّ، ولا في الإرسال؛ لقولهم: إن الإرسال لا إيهام فيه، ومع ذلك فكلامهم يدل على إلحاقه بالتدليس؛ لوجود الإيهام فيه، فليس من الإرسال، ولقولهم: إن التدليس إنما كان تدليسًا لوجود الإيهام، وفي هذا إيهام، وأي إيهام، انظر عبارة ابن عبد البر المنقولة سابقًا. وأما كلام الشافعي [يعني أبا بكر الصيرفي، وهو قوله فيما نقله السخاوي في فتح المغيث (1/ 286): كل من عُلم له -يعني ممن لم يظهر تدليسه- سماعٌ من إنسان، فحدث عنه، فهو على السماع حتى يُعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه. وكل من عُلم له لقاءُ إنسان فحدث عنه فحكمه هذا الحكم اهـ. وهذا قد نقله السخاوي عن ابن الصلاح (مقدمته ص 59) وقوله: يعني ممن لم يظهر تدليسه هو من كلام ابن الصلاح] فلم أقف عليه الآن [قال الزركشي في النكت (2/ 38): ما حكاه -يعني ابن الصلاح [المقدمة ص 156]- عن أبي بكر الصيرفي رأيته مصرحا به في كتابه المسمى بالدلائل والأعلام في أصول الأحكام، فقال: وكل من عُلم له سماع ... لأن السماع واللقاء قد حصلا، اللهم إلا أن يتبين أنه لم يسمع مع اللقاء. قال: ومن أمكن سماعُه وعدمُ سماعِه فهو على العلم حتى يتحقق سماعه، وكذلك الحكم في اللقاء. انتهى وقول ابن الصلاح: إنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه؛ يعني لأنه قال قبل هذا الكلام: ومن ظهر تدليسه عن غير الثقات لم يقبل خبره حتى يقول حدثني وسمعت. وقال في موضع آخر: متى قال المحدث: حدثنا فلان عن فلان. قُبل خبرُه؛ لأن الظاهر أنه حكى عنه، وإنما توقفنا في المدلس لعيب ظهر لنا منه، فإن لم يظهر فهو على سلامته، ولو توقفنا في هذا لتوقفنا في "حدثنا" لإمكان أن يكون حدث قبيلته وأصحابه كقول الحسن: "خطبنا فلان بالبصرة" ولم يكن حاضرا؛ لأنه احتمال لاغٍ، فكذلك من عُلم سماعه إذا كان غير مدلس، وكذلك إذا قال الصحابي أبو بكر أو

عمر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فهو محمول على السماع، والقائل بخلاف ذلك مغفل انتهى]، إلا أن المدعَّى إنما هو أنه يقتضيه، وليس صريحًا فيه. وأما قول أبي حاتم في أبي قلابة الجرمي -"فتح" (ص 67) -[يعني فتح المغيث (1/ 289)، وهو في الجرح 5/ 58، والمراسيل ص 110]: "أنه كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم لكنه عاصرهم، كأبي زيد عمرو بن أخطب، وقال مع ذلك: إنه لا يعرف له تدليسًا". اهـ. فيحمل على الإرسال الجلي، بأن يكون مشهورًا بين الناس أنه لم يلقهم، فلا إيهام، والرواية عن المعاصر إنما تكون تدليسًا إذا وجد الإيهام. [تراجع ترجمة أبي قلابة من القسم الأول من هذا الكتاب رقم (396)] وأما استدلال الحافظ -"فتح" (ص 73) -[يعني فتح المغيث (1/ 313)، وهو في نزهة النظر ص 72 - 73]: بإطباق أهل العلم بالحديث على أن رواية المخضرمين كأبي عثمان النهدي وقيس بن أبي حازم عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قبيل الإرسال، لا من قبيل التدليس، فلو كان مجرد المعاصرة يكتفى به في التدليس؛ لكان هؤلاء مدلسين؛ لأنهم عاصروا النبي -صلى الله عليه وسلم- قطعًا، ولكن لم يعرف هل لقوه أم لا؟ اهـ. وجوابه: أن الصحبة أمر غير مجمل لا يخفى، فكان معلومًا للتابعين أن هؤلاء ليسوا بصحابة، فلم يكن في إرسالهم إيهام. وقوله رحمه الله "ولم يعرف لقوه أم لا؟ " فيه نظر. راجع تراجمهم في كتبه. على أنه لو فرض أنه لم يقم دليل على عدم لقائهم له -صلى الله عليه وسلم-، لالتزمنا أن تكون روايتهم عنه دعوى صحبة لها حكمُها. ومع هذا كله فالمدَّعَى إنما هو كون هذا القول هو المشهور بين أهل الحديث، فلا ينافيه أن يكون منهم من يخالفه.

على أنه لو فرض أن الإرسال الخفي لا يسمى تدليسًا، لكان وصف الشخص بالتدليس يدل على أنه لا يتنزه عن الإرسال الخفي؛ لأنهما متقاربان متشابهان. (2) بقي لنا اعتراض واحد، إن تفصيتم عنه [يعني تخلصتم منه] فقد فلجتم [بالجيم يعني فزتم وظفرتم]، وهو أن الثقة قد يرسل عمن عاصره غير قاصد إيهامًا، بل اتكالًا على معرفة السامع بعدم اللقاء، كما حملتم عليه قول أبي حاتم في أبي قلابة الجرمي، فيكون هذا إرسال خفي. وفي الحقيقة لا يمتنع اتصاف الثقة به. ولا يلزم الأئمة نقله وإن صار فيما بعد خفيا. (1) هذا أشفُّ ما أوردتموه وعلى ذلك فجوابه من وجهين: إلزامي، وتحقيقي. أما الإلزامي؛ فلأنه يلزمكم مثله في التدليس، بأن يقال: إن الثقة قد يرسل عمن لقيه وسمع منه غير قاصد إيهامًا بل اتكالًا على معرفة السامع بأنه وإن لقيه لم يسمع منه، أو سمع منه ولكن هذا المعنعن ليس مما سمعه، وهذا لا يسمى تدليسًا، إذ لا إيهام فيه، فلا يمتنع اتصاف الثقة به، ولا يلزم الأئمة نقلُه وإن صار فيما بعد تدليسًا، فإذا اعتبرتم الاحتمال هناك، لزمكم اعتباره هنا، فيردون كل معنعن، كما قاله مسلم رحمه الله. وأما التحقيقي فنقول: إن السامع من المعنعِن إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين أن شيخه لم يلق الذي روى عنه، فإن فرض أن هذا السامع حدث من يعلم بعدم لقاء المعنعن لشيخه، فهذا المحدَّث إذا كان ثقة غير مدلس كما هو المفروض، فإنه يبين وهكذا. فتلخص من هذا أنه إذا ثبت عن أحد رجال السند بيان أن المعنعِن لم يلق المعنعَن عنه، فالأمر واضح، وإن لم يجيء البيان عن أحد منهم، ولا عن غيرهم، وجب حمل تلك العنعنة على السماع، وإلا لزم أن يكون في الرجال مدلس، والمفروض سلامتهم من التدليس، وهذا هو جوابكم عما ألزمناكم، فصح، وثبت أن العنعنة من المعاصر غير المدلس إذا رويت بسند رجاله ثقات غير مدلسين، فهي محمولة على السماع، إلا

أن يقوم دليل على خلافه، ومثل العنعنة غيرها من ألفاظ الرواية التي ليست صريحة في السماع، ولا في عدمه. (2) هل وافقكم أحد على رأيكم هذا؟ (1) ها هي الأدلة بين أيديكم، تأملوها، فإن رأيتم الدليل موافقًا لنا، فماذا بعد الحق إلا الضلال، وإن رأيتموه علينا، فلن ينفعنا موافقة أحد، على أننا قد قدمنا أن هذا قول الإمام مسلم بن الحجاج، ونقل أنه إجماع السلف من أهل الحديث، ولم تُخدش دعوى الإجماع بما يُعد خادشًا، وقد نقل السخاوي (ص 62) بعد كلام ما عن أبي بكر [سقطت لفظة بكر من الأصل] الصيرفي، ملخصه: أن التابعي إذا قال: عن رجل من الصحابة، لا تقبل، إذ لا يعلم أعاصره أم لا، فلو أمكن علم أنه عاصره جعل كمدرك العصر ... ثم قال السخاوي: "وتوقف شيخنا في ذلك؛ لأن التابعي إذا كان سالمًا من التدليس، حملت عنعنته على السماع، وهو ظاهر، قال: ولا يقال: إنما يتأتى هذا في حق كبار التابعين الذين جل روايتهم عن الصحابة بلا واسطة، وأما صغار التابعين الذين جل روايتهم عن التابعين فلابد من تحقق إدراكه لذلك الصحابي، والفرض أنه لم يسمه حتى يعلم هل أدركه أم لا؟ لأنا نقول سلامته من التدليس كافية في ذلك؛ إذ مدار هذا على قوة الظن، وهي حاصلة في هذا المقام". اهـ. أقول: وإذا كان هذا مع احتمال عدم إدراك المعنعِن الصحابي فضلًا عن لقائه، ففي مسئلتنا أولى وأحرى؛ لأنه قد ثبت الإدراك، وربما قامت عدة قرائن تدل على اللقاء كما، والعجب من الحافظ: كيف مشى معهم في ترجيح رد عنعنة من علمت معاصرته دون لقائه، مع أنه قد تقوم القرائن على اللقاء، وتوقف عن ردها بل احتج لقبولها في حق من لم يعلم معاصرته أصلًا. وكان العكس أقرب، كما هو واضح. والله أعلم". اهـ.

قال الفقير إلى الله تعالي: قد سقت ما كتبه الشيخ المعلمي في هذا الموضع، ولي على ما كتبه ملاحظات، أُجملها فيما يلي: أولًا: اعتمد المعلمي فى بحثه هنا على أمور، أهمها: 1 - أن الأصل فى الرواية أن تكون عما شاهده الراوي أو أدركه، وجعله هو الظاهر الذى يُتمسك به حتى يتبين خلافه. وفى استدلاله على هذا الأصل، ذكر أمورا عقليةً وحالاتٍ افتراضيةً تقع للناس فى نقلهم عن غيرهم، ولِمُخالفه أن ينقض بعض ما قرره فى ذلك، بالإضافة إلى أن باب "الرواية" يلزم فيه من "الاحتياط" و"التحري" أكثر مما يلزم في غيره. 2 - نَقْل مسلم إجماع السلف من أئمة الحديث على الاكتفاء بالمعاصرة في تصحيح المعنعن من غير المدلس ما لم يقم دليل على نفي اللقاء. وقد استصحب المعلمي هذا النقل فى غير موضع من المناظرة التى أجراها، وأكَّد به تقرير الأصل السابق، ودفع به استدلال من ذهب إلى خلاف ذلك الأصل كابن المديني والبخاري ومن تبعهما، وأن مجرد ذهاب هؤلاء إلى ذلك لا يصح نقضا لما نقله مسلم من إجماع السلف، وأن دعوى الإجماع لم تُخدش بما يُعد خادشا. وكذلك دفع به قولَ بعض المتأخرين: إن اشتراط ثبوت اللقاء هو قول المحققين، وذكروا منهم البخاري وابن المديني، دفع ذلك بقوله: لا يَخفى أن هذا لا ينافي سَبْق الإجماع لهما. هذا، مع أنه قد قال بعد ذلك: "فلو ناظر مسلمٌ البخاري فقال: أنت وشيخك مسبوقان بالإجماع، لم يُفِدهُ إلا أن يُصرح بالنقل عن بعض السلف من جميع الطبقات فى موافقة قوله".

وهذا لم يفعله مسلم، بل اكتفى بنقل الإجماع، ثم استشهد ببعض الأحاديث التي زعم قبولَ أهل العلم لها مع عدم تحقق ذلك الشرط فيها، وأنه يلزم على قول المخالف ردها. وتلك الأحاديث قد قام المعلمي نفسُه فيما بعدُ بالجواب عنها بما يُسقط الاستدلال بها. ثم عاد المعلمي فتنزل، فقال: "على أننا لو تنازلنا عن دعوى الإجماع، بقيت الأغلبية، وهي كافية فى إثبات المطلوب" يعني بذلك مَنْ سِوى ابن المديني والبخاري. ثم عاد فذكر أنه لم يُعَوِّلْ على هذا الإجماع، فقال: "فالمختار ما قاله مسلم: أن ثبوت اللقاء ليس بشرط الصحة، ولم نختره لما ذكره من الإجماع والإلزام، بل لما قدمنا أن الدلالة حينئذ ظاهرة، مُحَصِّلة للظن، مستكملة لنصاب الحجية". فعاد إلى الاعتماد على ذلك الأصل، مع أنه قد كان قوَّى ذلك الأصل بهذا الإجماع، فى قضايا أُخَر سبق تقريرها وتدعيمها به، مع جوابه عن حُججٍ للمخالف اعتمادا عليه كذلك. 3 - ابتنى هذا الأصل أيضا ودعَّمه بـ "قلة الإرسال الخفي" في السلف حسبما ادعاه بالاستقراء، أما "الإرسال الجلي" فلا نزل فيه، لأن المرسِل يتكل على وضوح القرينة الصارفة عن الأصل. وأكد هذا أيضا بنقل مسلم ذلك الإجماع الذى يدل على عدم شيوع هذا النوع من الإرسال. ثانيًا: لم يعتن المعلمي في بحثه بالجانب العملي فيه، وهو النظر فى تصرفات الأئمة حيال هذه القضية، وأرى أن مِما أوقع المعلمي فى ذلك: فقدُه لكثير من المصادر التى يمكن الوقوف من خلالها على حقيقة الأمر، مثل كتب المراسيل؛ ككتاب الرازي، ولا سيما الجامعة منها كـ"جامع التحصيل" للعلائي، وإنما يوجد شيء من ذلك فى بعض تراجم "تهذيب التهذيب" لابن حجر، وهي مواضع متناثرة فى أنحاء الكتاب.

ومثل بعض كتب العلل المعنية بهذا الأمر؛ كالعلل والسؤالات المنقولة عن أحمد وابن المديني، ومثل كتاب "شرح علل الترمذي" لابن رجب، وفيه نَقَلَ المذهب الذى شنع عليه مسلم: عن جمهور المحدثين والمتقدمين، وأجاب عن الأحاديث التى استشهد بها مسلم على مذهبه جوابا إجماليا (¬1). ومثل كتاب "السَّنَن الأبين" لابن رشيد، وقد ألفهُ لبحث تلك القضية بحثا موسعا، وهو ملىء بالنقولات المعنية بهذا الأمر عن سائر الأئمة، وقد أجاب عن معظم أحاديث مسلم جوابا مسهبا. وقد نعى المعلمي -كما سيأتي- على من خالف مسلما بأنهم لم يجيبوا على تلك الأحاديث، ذلك أنه لم يطلع على تلك المصنفات وغيرها، فتعنَّى هو الجوابَ عنها جوابا مختصرا، وهو آخر عهده ببحث تلك المسألة فيما يظهر، وتطبيقاته العملية في ثنايا كتبه -كما سيأتي- تؤكد ذلك. وقد رأيت بعض الفضلاء، وهو الشيخ إبراهيم عبد الله اللاحم في كتابه: "الاتصال والانقطاع" (¬2) ذكر المعلمي فيمن اختار مذهب مسلم من المعاصرين. وقد يصح هذا بالنسبة لما كتبه في "عمارة القبور"، لكن في "التنكيل" يُفيد كلامُه نوعا من التوقف وعدم الجزم بذلك، بل فتح فيه بابا لنقض الأمثلة التي ساقها مسلم مستدلا بها على مذهبه، مما دفعه بعد ذلك للكتابة فيه رأسا كما سيأتي، وانتظر. * * * ¬

_ (¬1) انظر من (ص 359 إلى ص 375). (¬2) (ص 101).

2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع

2 - القاعدة التاسعة من مقدمة "التنكيل" تحت عنوان: مباحث في الاتصال والانقطاع: وهي خمسة مباحث: قال العلامة المعلمي: المبحث الأول في رواية الرجل بصيغة محتملة للسماع عمن عاصره ولم يثبت لقاؤه له ذكر مسلم في مقدمة "صحيحه" عن بعض أهل عصره: أنه شرط أن يثبت لقاء الراوي للمروي عنه ولو مرة، فإن لم يثبت لم يحكم لما يرويه عنه بالاتصال، وذكروا أن الذي شرط ذلك هو البخاري وشيخه علي بن المديني، وحكى مسلم إجماعَ أهل العلم سلفًا وخلفًا على الاكتفاء بالمعاصرة وعدم التدليس، وألزم مخالفه أن لا يحكم بالاتصال فيما لم يصرح فيه الراوي بالسماع وإن ثبت اللقاء في الجملة ولم يكن الراوي مدلسًا. وتوضيح هذا الإلزام أنه كما أن الراوي الذي يُعرف ويشتهر بالإرسال عمن عاصره ولم يلقه قد يقع له شيء من ذلك، فكذلك الراوي الذي لم يُعرف ويشتهر بالإرسال عمن لقيه وسمع منه قد يقع له شيء من ذلك. فإن كان ذلك الوقوعُ يُوجِبُ التوقفَ عن الحكم بالاتصال في الأوَّل، فليوجبه في الثاني، كان لم يوجبه في الثاني فلا يوجبه في الأول. أجاب النووي بما إيضاحه: أن رواية غير المدلس بتلك الصيغة عمن قد لقيه وسمع منه الظاهر منها السماع، والاستقراء يدل أنهم إنما يطلقون ذلك في السماع، إلا المدلس.

أقول: فمُسْلمٌ يقول: الحال هكذا أيضًا في رواية غير المدلس عمن عاصره، والرواية عن المعاصر على وجه الإيهام تدليسٌ أيضًا عند الجمهور، ومن لم يطلق عليها ذلك لفظًا لا يُنكر أنها تدليسٌ في المَعْنى، بل هي أقبح عندهم من إرسال الراوي على سبيل الإيهام عمن قد سمع منه. هذا، وصنيعُ مسلمٍ يقتضي أن الإرسال على أي الوجهين كان إنما يكون تدليسًا إذا كان على وجه الايهام، ويوافقه ما في "الكفاية" للخطيب (ص 357) (¬1). وذكر مسلم أمثلةً، فيها إرسال جماعة بالصيغة المحتملة عمن قد سمعوا منه، ولم تعد تدليسًا ولا عُدُّوا مدلسين، ومحمل ذلك أن الظن بمن وقعت منهم أنهم لم يقصدوا الإيهام، وأنهم اعتمدوا على قرائن خاصة كانت قائمة عند إطلاقهم تلك الراوية تدفع ظهور الصيغة في السماع، وقد كنت بسطت ذلك، ثم رأيت هذا المقام يضيق عنه. ولا يخالف ذلك ما ذكروه عن الشافعي أن التدليس يثبت بمرة؛ لأنا نقول: هذا مُسَلَّمٌ، ولكن محله حيث تكون تلك المرة تدليسًا بأن تكون بقصد الإيهام، والأمثلة التي ذكرها مسلم لم تكن كذلك، بدليل إجماعهم على أن أولئك الذين وقعت منهم تلك الأمثلة ليسوا مدلسين. ¬

_ (¬1) قال الخطيب: "الضرب الأول: تدليس الحديث الذي لم يسمعه الراوي ممن دلسه بروايته إياه على وجه يوهم أنه سمعه منه، ويعدل عن البيان بذلك، ولو بين أنه لم يسمعه من الشيخ الذي دلسه عنه فكشف ذلك لصار ببيانه مرسلا للحديث غير مدلس فيه؛ لأن الأرسال للحديث ليس بإيهام من المرسل كونه سامعًا ممن لم يسمع منه وملاقيًا لمن لم يلقه، إلا أن التدليس الذي ذكرناه متضمن للإرسال لا محالة من حيث كان المدلس ممسكًا عن ذكر من بينه وبين من دلس عنه، وإنما يفارق حاله حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمع منه فقط، وهو الموهن لأمره، فوجب كون هذا التدليس متضمنًا للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس؛ لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا المعنى لم يذم العلماء من أرسل الحديث وذموا من دلسه". اهـ.

وزعم النووي في "شرح صحيح مسلم" أنه لا يُحكم على مسلم بأنه عمل في "صحيحه" بقوله المذكور، وهذا سَهْوٌ من النووي؛ فقد ذكر مسلم في ذلك الكلام أحاديثَ كثيرةً زعم أنه لم يُصرَّحْ فيها بالسماع، ولا علم اللقاء، وأنها صحاح عند أهل العلم، ثم أخرج منها في أثناء "صحيحه" تسعة عشر حديثًا كما ذكره النووي نفسه، ومنها ستة في "صحيح" البخاري كما ذكره النووي أيضًا. هذا، ولم يجيبوا عن تلك الأحاديث إلا بأن نفي مسلم العلم باللقاء لا يستلزمُ عدمَ علمِ غيره، وهذا ليس بجوابٍ عن تصحيح مسلم لها، وإنما هو جواب عن قوله أنها عند أهل العلم صحاح. وقد دفعه بعض علماء العصر بأنه لا يكفي في الرد على مسلم مع العلم بسعة اطلاعه. أقول: قد كان على المُجيبين أن يتتبعوا طرق تلك الأحاديث وأحوال رواتها، وعلى الأقل كان يجب أن يعتنوا بالستة التي في "صحيح البخاري"، وكنت أظنهم قد بحثوا فلم يظفروا بما هو صريح في رَدِّ دعوى مسلم، فاضطروا بلى الاكتفاء بذاك الجواب الإجمالي، ثم إنني بحثتُ، فوجدت تلك الستة قد ثبت فيها اللقاء، بل ثبت في بعضها السماع، بل في "صحيح" مسلم نفسه التصريح بالسماع في حديث منها، وسبحان من لا يضل ولا ينسى، وأما بقية الأحاديث فمنها ما يثبت فيه السماع واللقاء فقط، ومنها ما يمكن أن يجاب عنه جواب آخر، ولا متسع هنا لشرح ذلك (¬1). وزعم بعض علماء العصر أن اشتراط البخاري العلم باللقاء، إنما هو لما يخرجه في "صحيحه"، لا للصحة في الجملة، كذا قال، وفي كلام البخاري على الأحاديث في عدةٍ من كتبه كـ (جزء القراءة) وغيره ما يدفع هذا. والله الموفق. ¬

_ (¬1) قد شرح الشيخ المعلمي هذا، ونظر في تلك الأحاديث كلها في جزء خاص، سأنقله بتمامه في السطور الآتية.

المبحث الثاني

المبحث الثاني في ضبط المعاصرة المُعْتَد بها على قول مسلم قال المعلمي: ضبطها مسلم بقوله: "كل رجل ثقة روى عن مثله حديثًا، وجائزٌ ممكنٌ له لقاءُه والسماعُ منه؛ لكونهما كانا في عصر واحد ... ". وجَمْعُهُ بين "جائز" و"ممكن" يُشعر بأن المراد الإمكان الظاهر الذي يقرب في العادة، والأمثلة التي ذكرها مسلم واضحة في ذلك. والمعنى يؤكد هذا؛ فإنه قد ثبت أن الصيغةَ -بحسب العُرْف، ولا سيما عُرْف المحدثين وما جرى عليه عملهم- ظاهرةٌ في السماع، فهذا الظهور يحتاج إلى دافعٍ، فمتى لم يُعلم اللقاء، فإن كان مع ذلك مستبعدا: الظاهر عدمه، فلا وجه للحمل على السماع؛ لأن ظهور عدم اللقاء يُدافع ظهور الصيغة، وقد يكون الراوي عدَّ ظهور عدم اللقاء قرينة على أنه لم يُرِدْ بالصيغة السماع، وإن احتمل اللقاء احتمالًا لا يترجح أحد طرفيه فظهور الصيغة لا معارض له، فأما إذا كان وقوع اللقاء ظاهرًا بينًا فلا محيص عن الحكم بالاتصال؛ وذلك كمدني روى عن عمر، ولم يعلم لقاؤه له نصًّا، لكنه ثبت أنه ولد قبل وفاة عمر بخمس عشرة سنة مثلا، فإن الغالب الواضح أن يكون قد شهد خطبة عمر في المسجد مرارًا. فأما إذا كان الأمر أقوى من هذا؛ كرواية قيس بن سعد المكي عن عمرو بن دينار، فإنه يُحكم باللقاء حتمًا، والحكم به في ذلك أثبت بكثير من الحكم به لشامي روى عن يماني لمجرد أنه وقع في رواية واحدة التصريح بالسماع. وانظر ما يأتي في الفقهيات في مسألة "القضاء بالشاهد واليمين".

المبحث الثالث

المبحث الثالث قال المعلمي: لا يكفي احتمال المعاصرة، لكن إذا كان الشيخ غير مُسَمًّى، ففي كلامهم ما يدل على أنه يحكم بالاتصال؛ وذلك فيما إذا جاءت الراوية عن فلان التابعي: عن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ونحو ذلك، راجع "فتح المغيث" (ص 62). والفرق بين التسمية والإبهام أن ظاهر الصيغة السماع، والثقة إذا استعملها في غير السماع ينصب قرينةً، فالمدلس يعتد بأنه قد عُرف منه التدليس قرينة، وأما غيره فإذا سمى شيخًا ولم يثبت عندنا معاصرته له فمن المحتمل أنه كان معروفًا عند أصحابه أنه لم يدركه فاعتد بعلمهم بذلك قرينة. وأهل العلم كثيرا ما ينقلون في ترجمة الراوي بيان مَنْ حَدَّث عنهم ولم يلقهم، بل أفردوا ذلك بالتصنيف "كمراسيل ابن أبي حاتم" وغيره، ولم يعتنوا بنقل عدم الإدراك؛ لكثرته، فاكتفوا باشتراط العلم بالمعاصرة، فأما إذا أَبْهَمَ، فلم يُسَمِّ، فهذا الاحتمال (¬1) مُنتفٍ؛ لأن أصحاب ذاك التابعي لم يعرفوا عي ذلك الصحابي، فكيف يعرفون أنه لم يدركه أو أنه لم يلقه؟! ففي هذا تنتفي القرينةُ (¬2)، وإذا انتفت ظهر السماعُ وإلا لزم التدليس والفَرضُ عدمُه. هذا ما ظهر لي (¬3)، وعندي فيه توقف (¬4). * * * ¬

_ (¬1) يعني احتمال أنه كان معروفًا عند أصحابه أنه لم يدركه. (¬2) يعني قرينة الاحتمال المذكور. (¬3) يعني في توجيه التفريق بين تسمية الشيخ وإبهامه. (¬4) يعني في صحة الاعتداد بهذا التفريق بناءً على هذا التوجيه.

المبحث الرابع

المبحث الرابع قال المعلمي: اشتراط العلم باللقاء أو بالمعاصرة إنما هو بالنظر إلى من قُصدت الروايةُ عنه، فأما من ذُكر عَرَضًا فالظاهر أنه يكفي فيه الاخال، فإذا كان غيرَ مسمًّى فالأمر أوضح؛ لما مَرَّ فى المبحث السابق. وذلك كما في حديث "الصحيحين" (¬1) من طريق عبد العزيز بن صهيب قال: "سأل رجل أنس بن مالك: ما سمعت نبي الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر فى الثوم؟ فقال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ... " لفظ مسلم، ولفظ البخاري: "سئل أنس عن الثوم؟ فقال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- ... ". عبد العزيز معروف بصحبة أنس، ولا ندري من السائل. ومن ذلك ما في "صحيح" مسلم (¬2) من طريق حنظلة قال: "سمعت عكرمة بن خالد يحدث طاوسًا أن رجلًا قال لعبد الله بن عمر: ألا تغزو؟ فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... " وأخرجه البخاري (¬3) من طريق حنظلة: "عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ". وقد يأتي شِبهُ هذا، ويكون المُبهم هو الراوي نفسه، وإنما كنى عن نفسه لغرضٍ، كحديث "الصحيحين" (¬4) عن معاذة: "أن امرأة قالت لعائشة: أيجزي إحدانا صلاتها إذا طهرت؟ فقالت: أحرورية أنت؟ ... " لفظ البخاري. ¬

_ (¬1) البخاري (856) (5451)، ومسلم (562). (¬2) رقم (16). (¬3) رقم (8). (¬4) البخاري (321)، ومسلم (335).

وفي "الفتح": "بَيَّنَ شعبةُ في روايته عن قتادة أنها هي معاذة الراوية، أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وكذا لمسلم من طريق عاصم وغيره عن قتادة". أقول: في "صحيح" مسلم من طريق يزيد الرشك "عن معاذة أن امرأة سألت ... " ومن طريق عاصم عن معاذة قالت: "سألتُ عائشةَ فقلتُ ... ". وقد يجيء نحو ذلك والراوي لم يشهد القصة ولكنه سمعها بتمامها ممن قصد الرواية عنه، كما في حديث البخاري (¬1) من طريق علقمة قال: "كنا بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف، فقال رجل: ما هكذا نزلت! فقال: قرأت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... ". ورواه مسلم (¬2) من وجهٍ آخر عن علقمة: "عن عبدالله قال: كنت بحمص، فقال لي بعض القوم: اقرأ علينا، فقرأت عليهم، قال: فقال لي رجل من القوم: والله ما هكذا أُنزلت ... ". فإن لم يكن التصرف من الرواة، فالجمع بين الروايتين أن علقمة كان مع عبد الله ابن مسعود بحمص ولكنه لم يشهد القصة وإنما سمعها من عبد الله، ولما كان المقصود الرواية عنه هو عبد الله، لم يلتفت إلى ما وقع في الرواية الأولى من إيهام شهود علقمة للقصة، وهكذا ما في قول معاذة: "أن امرأة سألت .... " من إيهام أن السائلة غيرها، فإن مثل ذلك لا يضع حكمًا ولا يرفعه. والسر في حمل تلك الأمثلة على السماع ما قدمناه، ومن شك في هذا لزمه أن يشك في اتصال قولِ ثقةٍ غير مدلس قد عُرف بصحبة ابن المبارك: طار غراب فقال ابن المبارك ... أو: هبت ريح فقال ابن المبارك ... وهذا لا سبيل إليه فكذا ذاك، والله الموفق. * * * ¬

_ (¬1) رقم (5001). (¬2) رقم (801).

المبحث الخامس

المبحث الخامس قال المعلمي: اشتهر في هذا الباب العنعنة مع أن كلمة "عن" ليست من لفظ الراوي الذي يذكر اسمه قبلها، بل هي لفظُ مَن دونه. وذلك كما لو قال همام: "حدثنا قتادة عن أنس" فكلمة "عن" من لفظ همام؛ لأنها متعلقة بكلمة "حدثنا" وهي من قول همام، ولأنه ليس من عادتهم أن يبتدىء الشيخ فيقول: "عن فلان ... "، وإنما يقول: حدثنا، أو أخبرنا، أو قال، أو ذكر، أو نحو ذلك، وقد يبتدىء فيقول: "فلان ... " كما ترى بعض أمثلة ذلك في بحث التدليس من "فتح المغيث" وغيره، ولهذا يكثر في كتب الحديث إثبات "قال" في أثناء الإسناد قبل: "حدثنا"، و"أخبرنا"، وذلك في نحو قول البخاري: "حدثنا الحميدي قال حدثنا سفيان قال حدثنا يحيى بن سعيد" وكثيرًا ما تحذف فيزيدها الشراح أو قراء الحديث، ولا تثبت قبل كلمة "عن"، وتصفح إن شئت "شرح القسطلاني على صحيح البخاري". فبهذا يتضح أنه في قول همام: "حدثنا قتادة عن أنس" لا يُدرى كيف قال قتادة، فقد يكون قال: "حدثني أنس" أو "قال أنس" أو "حدَّث أنس" أو"ذَكَر أنس" أو "سمعت أنسًا" أو غير ذلك من الصيغ التي تصرح بسماعه من أنس أو تحتمله، لكن لا يحتمل أن يكون قال: "بلغني عن أنس"؛ إذ لو قال هكذا، لزم همامًا أن يحكي لفظه أو معناه؛ كأن يقول: "حدثني قتادة عمَّن بلَّغَهُ عن أنس" وإلا كان همام مدلسًا تدليس التسوية، وهو قبيح جدًّا، وإن خف أمره في هذا المثال لما يأتي في قسم التراجم في ترجمة الحجاج بن محمد. والمقصود هنا أنه لو قال راوٍ لم يُعرف بتدليس التسوية: "حدثني عبد العزيز بن صهيب عن أنس" كان متصلًا؛ لثبوت لقاء عبد العزيز لأنس، وأنه غير مدلس، مع أننا لا ندري كيف قال عبد العزيز، فقد يكون قال: "قال أنس" أو "ذكر أنس" أو

"حدث أنس" أو ابتدأ فقال: "أنس" فالحمل على السماع في العنعنة يستلزم الحمل على السماع في هذه الصيغ وما أشبهها، وقد صرحوا بذلك كما تراه في "فتح المغيث" (ص 69) وغيره (¬1). وما ذكروه من الخلاف في كلمة "أن" إنما هو في نحو أن يجيء "عن عبد العزيز أن أنسا سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ... " ومعلوم أن عبد العزيز لم يدرك ذلك، ومن حمله على السماع إنما مال إلى أن الظاهر أن عبد العزيز سمع القصة من أنس، فكأنه قال: "حدثني أنس أنه سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- ... " وفي هذا المثال لا مزية لكلمة "أن" بل لو قال عبد العزيز "سأل أنس النبي -صلى الله عليه وسلم- ... " لكان هذا كقوله: "عن عبد العزيز أن أنسًا سأل ... " بل إن كلمة "أن" في المثال ليست من لفظ عبد العزيز وإنما هي من لفظ الراوي عنه فقوله: "حدثني عبد العزيز أن أنسًا سأل" إنما تقديره: "حدثني عبد العزيز بأن أنسًا سأل" وقد يكون عبد العزيز قال: "سأل أنس" وقد يكون قال غير ذلك. والله أعلم. اهـ. * * * ¬

_ (¬1) قد جاءت عبارات للأئمة تدل بمنطوقها على أن لفظة: "عن" قد تكون من قول الراوي نفسه.

3 - جواب المعلمي

3 - جواب المعلمي عن الأحاديث التي استشهد بها مسلم رحمه الله تعالى في مقدمة "صحيحه" على ما ذهب إليه من عدم اشتراط العلم باللقاء قال الشيخ المعلمي: 1 - حديث هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة: "كنت أطيب ... " (¬1). ورواه جماعة عن هشام، عن أخيه عثمان، عن أبيه. أقول: فهذا تدليس من هشام، وراجع ترجمة هشام في مقدمة "الفتح"، و"معرفة الحديث" للحاكم (ص 104). قال الفقير إلى الله تعالى: قد حمل المعلمي في هذا الجواب صنيعَ هشام على أنه تدليسٌ منه، وهو القول الأحدث له، ومقتضاه إيهامُ السماع، ودَعَّمَ ذلك بما أحال به على مقدمة "الفتح" و"معرفة علوم الحديث" للحاكم. ففي مقدمة "الفتح" (ص 471): "قال يعقوب بن شيبة: هشام ثبت ثقة، لم ينكر عليه شيء إلا بعد ما صار إلى العراق؛ فإنه انبسط في الرواية عن أبيه، فأنكر ذلك عليه أهل بلده. والذي نراه أنه كان لا يحدث عن أبيه إلا بما سمع منه، فكان تساهله أنه أرسل عن أبيه ما كان يسمعه من غير أبيه، عن أبيه. قال ابن حجر: هذا هو التدليس. اهـ. ¬

_ (¬1) لفظ مسلم من رواية أبي أسامة عن هشام، عن أخيه عثمان، عن عروة، عن عائشة "كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأطيب ما أقدر عليه قبل أن يحرم ثم يحرم". مسلم: كتاب الحج، (باب: الطيب للمحرم عند الإحرام) (2/ 847) (رقم 1189/ 37).

وفي "معرفة علوم الحديث" للحاكم (ص 104) ذكر أجناس التدليس قال: الجنس الثاني من المدلسين: قوم يدلسون الحديث فيقولون: "قال فلان"، فإذا وقع إليهم من ينقر عن سماعاتهم، ويُلح، ويراجعهم، ذكروا فيه سماعاتهم، ثم ذكر مثالا لرواية هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة حديثًا، ثم بيَّن أن بعضه لم يسمعه من أبيه، إنما هو عن الزهري. اهـ. أقول: مقتضى ما ذهب إليه المعلمي هنا -وهو أن صنيعَ هشام: تدليسٌ؛ مستدلا بوصف الحاكم وابن حجر لفعل هشام بذلك- ينقضُ استدلالَ مسلم؛ وذلك لأن الأمثلة التي ذكرها مسلم مفروضة في غير المدلس، ومقتضى استدلال مسلم برواية هشام: تصريح بأن هشاما لا يدلس. وهو الذي ذهب إليه المعلمي قبل ذلك في "التنكيل" (1/ 503)؛ فقال فى ترجمة هشام رقم (789): "التحقيق أنه لم يدلس قط، ولكن كان ربما يحدث بالحديث عن فلان، عن أبيه، فيسمع الناس منه ذلك ويعرفونه، ثم ربما ذكر ذلك الحديث بلفظ: "قال أبى" أو نحوه؛ اتكالًا على أنه قد سبق منه بيانُ أنه سمعه من فلان، عن أبيه، فيغتنم بعض الناس حكايته الثانية، فيروي ذاك الحديث عنه، عن أبيه؛ لما فيه من صورة العلو، مع الإتكال على أن الناس قد سمعوا روايته الأولى وحفظوها. وفي مقدمة "صحيح مسلم" ما يصرح بأن هشامًا غير مدلس، وفيه أن غير المدلس قد يرسل، وذكر لذلك أمثلةً، منها: حديث رواه جماعة عن هشام: "أخبرني أخي عثمان بن عروة، عن عروة" ورواه آخرون عن هشام، عن أبيه، ومع هذا فإنما اتفق لهشام مثل ذلك نادرًا، ولم يتفق إلا حيث يكون الذي بينه وبين أبيه ثقة لا شك فيه؛ كأخيه عثمان، ومحمد ابن عبد الرحمن بن نوفل يتيم عروة، والله الموفق". اهـ.

وقد نحا ابنُ رشيد في كتابه "السنن الأبين" (ص 91 - 97) نحوًا آخر؛ إذ ذكر أن الأمثلة التي أوردها مسلم في هذا الموضع لرواةٍ لقي بعضهم بعضًا، وأسندوا رواياتِهم معنعِنين ممن لم يُتهم بالتدليس. ثم قال: على أن هشامًا قد وقع له بعض الشيء، ثم أورد المثال الذي ذكره الحاكم في الجنس الثاني من أجناس التدليس، والذي أشار إليه المعلمي آنفًا. ثم قال ابن رشيد: "فحاصل ما أتيتَ به أيها الإمام من الأمثلة أن من عُلم سماعُه من إنسانٍ، ثم اختلفت الرواةُ عنه؛ فزاد بعضهم بينهما رجلًا أو أكثر، وأسقطه بعضهم، ومثَّلتَ ذلك بهشام عن أبيه عن عائشة؛ فإنه يحكم لمن في زاد بالاتصال، ولمن نقص بالإرسال، وهذه المسألة أيها الإمام من معضلات هذا العلم، وهي من باب العلل التي يعز لدائها وجود الدواء، ويتعذر في كثهير منها الشفاء، فكيف يصح أن يجعل ما هذه حاله دليلًا في محل نزاع أو يحكم فيه حكمًا جمليًّا، وليت الحكم التفصيلي يكشف بعض أمره. فنقول: إذا ورد حديث معنعن عن رواة لقي بعضهم بعضا، ثم ورد ذلك الحديث بعينه بزيادة رجل منصوصا على التحديث فيه أو معنعنا أيضا، نظرنا إلى حفظ الرواة وكثرة عددهم، وانفتح باب الترجيح، فحكمنا لمن يرجح قوله من الزائد أو الناقص أو لمن تيقنا صوابه؛ كأن نتحقق أنه لم يسمعه ممن رواه عنه مرسلا، أو أن ذلك الزائد في الإسناد خطأ، كما قد نحكم بذلك إذا كان الحديث بلفظ: (نا)، ثم زاد أحدهما راويا نقصه غيره، أو أن الحديث عند الراوي عنهما معا، وقد بان ذلك كله في بعضها كما هو معلوم عند أهل الصنعة. فإن أشكل الأمر توقفنا وجعلنا الحديث معلولا، إذ كل واحد من الطريقين متعرض لأن يعترض به على الآخر؛ إذ لعل الزائد خطأ، وإذا كان الزائد بلفظ: (عن) أيضا، فلعله نقص رجل آخر غير ذلك المزيد، وإنما يرتفع هذا الاحتمال إذا قال الراوي الزائد: حدثنا، ويبقى احتمال أن يكون الحديث عنده عنهما معا.

فأما أن يحكم بأنه لم يسمعه منه لزيادة رجل في الإسناد مطلقا، ففيه نظر، لا سيما في رواية الأبناء عن الآباء عن الأجداد أو عن الآباء فقط أو الإخوة بعضهم عن بعض، فكثيرا ما يتحملون النزول ويدَعون العلو -وإن كان عندهم- حرصا على ذكره عن الآباء والأجداد وإبقاءً للشرف ... ... وقد حكم بعض المتأخرين بإرسال الناقص ووصل الزائد، وهو الذي ظهر منك أيها الإمام في حكمك هنا، وهو كما قدمناه لا يسلم من التعقب بأن يعترض على أحدهما بالآخر. فمن ذلك أنك قلت: إن أيوب السختياني وابن المبارك ووكيعا وابن نمير وجماعة غيرهم رووا عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-: كنت أطيب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحله ولحرمه بأطيب ما أجد. فروى هذه الرواية بعينها الليث بن سعد وداود العطار وحميد بن الأسود ووهيب بن خالد وأبو أسامة عن هشام قال: أخبرني عثمان بن عروة، عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ثم أوردت في كتابك حديث عثمان؛ لأنه الذي رجح عندك أنه المسند، ومن أسقطه أرسل، ولسنا ننفي أن يحصل ظنٌ في بعض الأحاديث بأن الحُكم لمن زاد، كما قد يرجح أيضا في بعض أن الحكم لمن نقص، فتعميم الحُكم في المسألة لا يصح. اهـ.

قال الفقير إلى الله تعالي: هذه ثلاثة أجوبة على هذا النموذج الذي ساقه مسلم: الجواب الأول: للمعلمي، وهو أنه تدليسٌ من هشام، وهو ينقضُ استدلالَ مسلم كما سبق؛ لأن الفرض في المسألة أنها في غير المدلس، ولذا اكتفى المعلمي في الجواب بقوله: فهذا تدليسٌ من هشام. أقول: لكنَّ هشاما لم يصفْه أحدٌ من المتقدمن بالتدليس صراحةً، قال العلائي في جامع التحصيل (ص 111): "هشام بن عروة إمام مشهور، لم يشتهر بالتدليس، ولكن قال علي بن المديني: سمعت يحيى يعني ابن سعيد يقول: كان هشام بن عروة يحدث عن أبيه، عن عائشة -رضي الله عنها-، قالت: ما خُيِّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، وما ضرب بيده شيئا .. الحديث. فلما سألته قال: أخبرني أبي عن عائشة، قالت: ما خُيِّر رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين. لم أسمع من أبي إلا هذا، والباقي لم أسمعه إنما هو عن الزهري. رواه الحاكم في "علومه" (ص 104 - 105) عن ابن المديني. وفي جعل هشام بمجرد هذا مدلسا نظر، ولم أر من وصفه به". اهـ. كلام العلائي. وذكره ابن حجر في المرتبة الأولى من المدلسين، وهم من لم يوصف بذلك إلا نادرا، ووصف ما وقع لهشام بأنه تدليس، كما سبق أن وصفه بذلك في "مقدمة الفتح"، وكذا ذكره احتمالا في "النكت الظراف" (12/ 16). وانظر ما يأتي في الجواب الثاني.

الجواب الثاني: للمعلمي أيضا؛ وهو أن هشاما لم يكن مدلسا، وإنما كان يعتمد على ما وصله قبل ذلك فيرسله، ولم يتفق له ذلك إلا نادرا، حيث يكونُ الذي بينه وبين أبيه ثقةٌ لا شكَّ فيه. أقول: في "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 487 - 491): "قال الأثرم: فقلت له -يعني لأحمد-: هذا الاختلاف عن هشام، منهم من يرسل، ومنهم من يسند عنه، مِنْ قِبَلِه كان؟ فقال: نعم. ... وقال الأثرم أيضًا: قال أبو عبد الله: ... ما أرى ذاك إلا على النشاط، يعني أن هشامًا ينشط تارة فيسند، ثم يرسل مرة أخرى. قلت لأبي عبد الله: كان هشام تغير؟ قال: ما بلغني عنه تغير ... اهـ. فقول الإمام أحمد: مما أرى ذاك إلا على النشاط، يعني أن هشاما ينشط تارة فيسند، ثم يرسل مرة أخرى: يؤيد قول المعلمي الثاني؛ أنه ليس بالتدليس المقتضي للإيهام، وإنما هو الإرسال الذي يسوغه ما سبق من الوصل. الجواب الثالث: لابن رشيد؛ وهو أنه خلافًا من الرواة عن هشام، فمنهم من زاد بينه وبين أبيه رجلا -وهو أخوه عثمان- ومنهم من لم يذكره، فينبغي أن يكون الأمرُ دائرا على الترجيح بين الرواة في ذلك، فقد تكون الزيادةُ خطًا، أو قد يكون الساقطُ من الرواية الناقصة أكثرَ من رجل، أو قد يكون الراوي سمع الحديث بواسطة وبدون واسطة، لا سيما إذا كان قد صرح بالسماع في الحالة الثانية. إذًا، فليست كلُّ زيادةِ رجلٍ في إسنادٍ تدل على أن الرواية بدونه مرسلة أو منقطعة.

هذا إجمالُ ما ذكره ابن رشيد، وأزيد هنا فأقول: أولا: إذا كان سماعُ الراوي من شيخه ثابتا بالطرق المعتبرة، ورُوي عنه عن شيخه حديثٌ بلا واسطة، ثم زاد بعضهم واسطة، فإنه تجري فيه الاحتمالات التي ذكرها ابن رشيد، بحسب صيغ الاتصال الواردة في الإسنادين، وبحسب قرائن الترجيح المعتمدة، فلا يُحكم دائما برجحان الرواية الزائدة. لكن في هذه الحالة التي نحن بصددها قد ثبت ما يُقوي أن هشاما إنما أخذ هذا الحديث عن أخيه عثمان، وأنه لم يسمعه من أبيه. وهذا ما رواه سفيان بن عيينة قال: قال لي عثمان بن عروة: ما يروي هشام بن عروة هذا الحديث إلا عني. اهـ. رواه عن ابن عيينة: الشافعي (مسنده: 565) والحميدي (1/ 105) وأحمد (6/ 160) وأبو خيثمة زهير بن حرب (تاريخه: 3049). وذكر الدارقطني في العلل (15/ 53) فيمن روى ذلك عن ابن عيينة: علي بن المديني. وقال الدارقطني: الصحيح: عن هشام بن عروة أنه سمع هذا الحديث من أخيه عثمان بن عروة، عن عروة. وكان أحيانا يرسله. اهـ. وقال ابن عبد البر في التمهيد (19/ 296): لم يسمعه هشام من أبيه، إنما سمعه من أخيه عثمان، عن أبيه. اهـ. ثانيا: إذا لم يكن السماع ثابتا، فإن مما يستدل به الأئمة على عدم السماع: ورود بعض الروايات بالواسطة بينهما، وهذا مستفيضٌ عنهم. مثاله: أ- ما في جامع التحصيل في أحكام المراسيل (1/ 179):

سالم بن أبي الجعد الكوفي ... وقال أحمد بن حنبل: لم يلق ثوبان؛ بينهما معدان بن أبي طلحة. وسئل ابن معين عن سالم بن أبي الجعد، عن كعب بن مرة البهزي؟ فقال: هو مرسل؛ قد أدخل شعبة بينهما: شرحبيل بن السمط. ب- و (1/ 270): محمد بن ميمون أبو حمزة السكري، قال أبو حاتم: كنت أرى أبا حمزة أدرك بكير بن الأخنس، حتى قيل لي إن المراوزة يدخلون بينهما: أيوب بن عائذ. وثَمَّ جوابٌ رابع احتمله الحافظ ابن حجر في "النكت الظراف" (12/ 16)؛ فقال: "إما أن يكون هشام دلسه، وإما أن يكون مِمَّن رواه عنه بدون ذكر عثمان سوَّاه". اهـ. أقول: الاحتمال الأول سبق إيراده واحتمالُ التسوية من أمثال: أيوب، وابن المبارك، ووكيع، وابن نمير بعيدٌ، والله تعالى أعلم. وثَمَّ جوابٌ خامس وهو أنه بسبب نقصٍ في حفظ هشام لما كبر؛ ففي "شرح علل الترمذي" لابن رجب (2/ 605): قال يعقوب بن شيبة: "هشام مع تثبته ربما جاء عنه بعض الاختلاف". فقال ابن رجب: "وذلك فيما حدث بالعراق خاصة، ولا يكاد يكون الاختلاف عنه فيما يفحش، يُسند الحديث أحيانًا، ويُرسله أحيانًا، لا أنه يقلب إسناده، كأنه على ما تذكر من حفظه. يقول: عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول: عن أبيه، عن عائشة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إذا أتقنه أسنده وإذا هابه أرسله. وهذا فيما نرى أن كتبه لم تكن معه بالعراق فيرجع إليها. والله أعلم". اهـ. وسبق أن الإمام أحمد قال: ما بلغني عنه تغير.

ومع ذلك وصفه ابن القطان بالتغير، فقال الذهبي في "الميزان": "هشام حجة إمام، لكن في الكبر تناقص حفظه، ولم يختلط أبدا، ولا عبرة بما قاله أبو الحسن بن القطان من أنه وسهيل بن أبى صالح اختلطا وتغيرا. نعم الرجل تغير قليلا، ولم يبق حفظه كهو في حال الشبيبة، فنسي بعض محفوظه أو وهم، فكان ماذا! أهو معصوم من النسيان؟ ولما قدم العراق في آخر عمره حدث بجملة كثيرة من العلم، في غضون ذلك يسير أحاديث لم يجودها، ومثل هذا يقع لمالك، ولشعبة، ولوكيع، ولكبار الثقات ... ". اهـ. 2 - هشام، عن أبيه، عن عائشة: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا اعتكف" (¬1) ورواه مالك (¬2) عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة. في أبواب الاعتكاف "باب لا يدخل البيت إلا لحاجة". [4/ 320 فتح] عندما روى البخاري المتن بمعنى هذا عن الليث، عن الزهري، عن عروة وعمرة، ذكر الحافظ أن منهم من اقتصر على عروة، ثم قال: "اتفقوا على أن الصوابَ قولُ الليث، وأن الباقين اختصروا منه ذكر عمرة، وأن ذكر عمرة في رواية مالك من المزيد في متصل الأسانيد". أقول: ويؤيد ذلك ما في كتاب الحيض من "صحيح" البخاري [1/ 478 فتح] من طريق هشام عن أبيه، وفيه من قوله: "أخبرتني عائشة أنها كانت ترجل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهي حائض، ورسول الله حينئذ مجاور في المسجد، يدني لها رأسه، فترجله وهي حائض". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني: يدني إلي رأسه فأرجله وأنا حائض. أخرجه مسلم من رواية هشام بنحوه في كتاب الحيض، (باب: جواز غسل الحائض رأس زوجها وترجيله ....). (1/ 244) رقم (9/ 297) وهو آخر إسناد عنده لحديث عروة. (¬2) مسلم (1/ 244) رقم (297/ 6) من رواية مالك مصدرا بها الباب.

قال الفقير إلى الله تعالي: قال ابن رشيد جوابًا على هذا الموضع: "هذا أيضا من ذلك القبيل؛ حكمتَ فيه أن من نقص عَمرة فهو مرسل، والصحيح في هذا الحديث أنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة معًا عن عائشة، وهو الذي اعتمد البخاري، فقال: نا قتيبة، قال نا ليث، عن ابن شهاب، عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن، أن عائشة زوج النبى -صلى الله عليه وسلم- قالت: "وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجته إذا كان معتكفا". وأما أنت فظهر من فعلك في كتابك أنك لم يَصْفُ عندك كَدَرُ الإشكال في هذا الحديث، فأوردتَّ في كتابك حديثَ مالك مُصَدِّرًا به بناء على اعتقادك فيه الاتصال وفي غيره الانقطاع، فقلتَ: نا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة، قالت: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا اعتكف يدني إليَّ رأسه فأرجله وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان". ثم أتبعته باختلاف الرواة فيه على شرطك من أنك لا تكرر إلا لزيادة معنى أو إسنادٍ يقع إلى جنب إسناد لعلة تكون هناك، فقلت: حدثنا قتيبة بن سعيد قال نا ليث ح وحدثنا محمد بن رمح قال أنا الليث عن ابن شهاب عن عروة وعمرة بنت عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: "إن كنت لأدخل البيت للحاجة والمريض فيه، فما أسأل عنه إلا وأنا مارة، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة إذا كان معتكفا". وقال ابن رمح: "إذا كانوا معتكفين".

فقد بيَّنَ الليث في حديثه عندك وعند البخاري أنه له عنهما، وقد كان يمكننا أن نقول إنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة بهذا السياق الأتم، وعن عروة فقط مختصرا، لولا ما أورده البخاري عن ابن شهاب عن عروة وعمرة مختصرا أيضا. [4/ 320 فتح] وقد كفى الإمام أبو عبد الله البخاري مؤونةَ البحث، وبيَّنَ أنه عند عروة مسموع من عائشة، فذكر رواية هشام عن أبيه بإسقاط عمرة من طريق مالك وابن جريح عن هشام عن أبيه عن عائشة، ووقع في رواية ابن جريج من قول عروة: أخبرتني عائشة، وذكر الحديث في كتاب الحيض من صحيحه في باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله ... فهذا نص جلي على سماع عروة من عائشة، وذلك بخلاف ما اعتقده مسلم رحمه الله من انقطاع رواية من أسقط عمرة من الإسناد فيما بين عروة وعائشة. ولم يقل فيه أحد: عن عروة، عن عمرة إلا مالك رحمه الله، وأنس بن عياض عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري، فتابع مالكا، والجمهور على خلافهما؛ بيَّن ذلك الإمام أبو الحسن الدارقطني في جزء له جمعه في الأحاديث التي خولف فيها مالك -رضي الله عنه- فقال: روى مالك في الموطأ عن الزهري، عن عروة، عن عمرة، عن عائشة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- وإذا اعتكف يدني إلي رأسه فأرجله. خالفه عقيل بن خالد، ويونس بن يزيد، والليث بن سعد، فرووه عن الزهري عن عروة وعمرة عن عائشة، وقيل ذلك عن الأوزاعي، وتابعهم ابن جريج، والزبيدي، والأوزاعي، ومعمر، وزياد بن سعد، وابن أخي الزهري، وعبد الرحمن ابن نمير، ومحمد بن أبي حفصة، وسفيان بن حسين، وعبد الله بن بديل، وغيرهم، فرووه عن الزهري، عن عروة، عن عائشة، لم يذكروا فيه عمرة، ويشبه أن يكون القول قولهم؛ لكثرة عددهم واتفاقهم على خلاف مالك.

وقد رواه أنس بن عياض أبو ضمرة عن عبيد الله بن عمر، عن الزهري، فوافق مالكا، ولا نعلم أحدا تابع أبا ضمرة على هذه الرواية عن عبيد الله، والله أعلم. انتهى كلام الدارقطني رحمه الله. قلت -والله المرشد-: والصحيح عندي في هذا الحديث أنه عند ابن شهاب عن عروة وعمرة معا، ولاشك أنه عند عروة مسموع من عائشة كما بينه البخاري من طريق ابن جريح حيث قال: أخبرتني عائشة ... ". اهـ. 3 - الزهري وصالح بن أبي حسان، عن أبي سلمة، عن عائشة: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم". ققال يحيى بن أبي كثير: أخبرني أبو سلمة أن عمر بن عبد العزيز أخبره أنا عروة أخبره أنا عائشة أخبرته. [أخرج مسلم حديث يحيى دون الحديث الأول، كتاب الصيام، (باب: بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته) (2/ 778) (رقم 1106/ 69)]. أقول: الظاهر أن الحديث عند أبي سلمة من الوجهين، وإنما رواه بنزول؛ توقيرا لـ "عمر بن عبد العزيز"، وإظهارًا لفضله، وهذا أولى بلا ريب من اتهام أبي سلمة بالتدليس. قال الفقير إلى الله تعالى: قال ابن رشيد: "فزاد يحيى -كما تراه في الإسناد- رجلين نصًّا على الإخبار، فاعتمدتَ -يعني مسلمًا- في كتابك على حديث يحيى بن أبي كثير؛ لأنه زاد في الإسناد، والحُكم عندك لمن زاد، ولسنا نُسلم ذلك؛ فإن أبا سلمة معلومُ السماع من عائشة، والزهري ويحيى إمامان، وصالح بن أبي حسان صالح للمتابعة والاعتبار، وهو معلومُ السماع من أبي سلمة وسعيد بن المسيب، ذكر سماعه منهما البخاري [التاريخ الكبير (4/ 275)] فيما حكاه القاضي أبو الفضل وغيره، فتقوى به جانب

الزهري ... ومع ذلك فيحتمل أن يكون الحديث عند أبي سلمة عن عائشة، ويكون عنده أيضًا عن عمر بن عبد العزيز، عن عروة عن عائشة، فاحتاج إلى نقله من طريق عمر بن عبد العزيز لأرب له في ذلك، فأعد نظرًا في هذا الحديث، فإنه لا يصفو من كدر العلة". اهـ. أقول: قد عبر المعلمي عن هذا الأَرَب -ولم ير كلامَ ابنِ رشيد- بتوقير عمر بن عبد العزيز، وإظهار فضله. وفي الحديث اختلاف كثير، ذكره الدارقطني في "العلل" (5/ 151 / أ، ب) فليراجعه من شاء، وفي "علل ابن أبي حاتم" (739) جانبٌ منه، وقد تعرضت له في كتابي: "السعي الحثيث في كشف ما أغلق من علل الحديث" وهو شرح لكتاب العلل لابن أبي حاتم. 4 - وروي ابن عيينة وغيره، عن عمرو بن دينار، عن جابر، قال: "أطعمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحوم الخيل" رواه حماد بن زيد (¬1) عن عمرو، عن محمد بن علي، عن جابر. أقول: عمرو ذكره ابن حجر في "طبقات المدلسين" وقال: "أشار الحاكم في "علوم الحديث" إلى أنه كان يدلس". أقول: عبارة الحاكم في "المعرفة" (ص 111) في الكلام على المدلسين: "هذا باب يطول، فليعلم صاحب الحديث أن الحسن لم يسمع من أبي هريرة ... وأن الأعمش لم يسمع من أنس، وأن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس، وأن عامة حديث عمرو ¬

_ (¬1) رواية حماد أخرجها البخاري (4219) (5520) (5524)، ومسلم (1941/ 36)، ولم يخرجا الرواية الأولى.

ابن دينار عن الصحابة غير مسموعة"، وقد حمل الترمذي (¬1) رواية حماد على الوهم، وقال: "سمعت محمدًا -يعني البخاري- يقول: ابن عيينة أحفظ من حماد" (¬2). ولكن ذكر الحافظ في "الفتح " (9/ 513) أن حمادًا توبع، ثم قال: "والحق أنه إن وجدت رواية فيها تصريح عمرو بالسماع من جابر، فتكون رواية حماد من المزيد في متصل الأسانيد، وإلا فرواية حماد بن زيد هي المتصلة". أقول: إن لم يثبت عن عمرو ما يدل على التدليس غير هذا، فينبغي حمل كلام الحاكم على الصحابة الذين لم يلقهم عمرو، وقد بين الأئمة كثيرًا منهم في ترجمة عمرو من "التهذيب"، وهذا عند الحاكم تدليس، كما صرح به، والحق أنه لا يلزم من ثبوت هذا عن الراوي أن يحكم عليه بالتدليس في شيوخه الذين قد سمع منهم، ثم يحمل ما وقع في هذا الحديث على نحو ما تقدم في الذي قبله، وهو أن عمرًا أراد تكريم محمد بن علي؛ لقرابته من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفضله، فروى عنه ما قد سمعه هو من شيخه، والله أعلم. ثم رأيت في "مسند" أحمد (3/ 268) "ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو ابن دينار، عن جابر بن عبد الله، قال: "كنا نفعله على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، يعني العزل، قال: قلت لعمرو: أنت سمعته من جابر؟ قال: لا" والحديث في "الصحيحين" (¬3) من طريق عمرو، عن عطاء، عن جابر مصرحًا فيه بالسماع، فقد يقال إن عمرًا إنما يفعل مثل هذا فيما سمعه نادرًا، حيث قد حدَّثَ بالحديث على وجهه، ويكون سمعه من ثقة متفق عليه. ¬

_ (¬1) "الجامع" (1793)، وقال: رواية ابن عيينة أصح. (¬2) لعل البخاري عني: في الجملة، لا في هذا الحديث بعينه؛ ولا في روايتهما عن عمرو كما سيأتي؛ وبدليل أن البخاري لم يخرج رواية ابن عيينة وخرج رواية حماد كما سبق. (¬3) أخرجه البخاري برقم (5208) من طريق سفيان قال عمرو: أخبرني عطاء، سمع جابرا، أما مسلم فأخرجه (1440/ 136) من طريق معقل عن عطاء، قال سمعت جابرا.

قال الفقير إلى الله تعالى: قال ابن رشيد: "هذا أيضًا من ذلك القبيل؛ حكمتَ -يعني مسلمًا- فيه لرواية حماد على رواية سفيان، فأوردت رواية حماد في كتابك، وليس حماد بن زيد ممن يُضاهى بسفيان بن عيينة، لاسيما في عمرو بن دينار؛ فهو المَلِيُّ به، الثبت فيه، المقدَّم على غيره. قال ابن الجنيد: قلت ليحيى: من أثبت في عمرو بن دينار، سفيان أو محمد بن مسلم؟ فقال: سفيان أثبت في عمرو بن دينار من محمد بن مسلم ومن داود العطار ومن حماد بن زيد، سفيان أكثر حديثا منهم عن عمرو وأسند، قيل: فابن جريج؟ قال هما سواء. قال عثمان بن سعيد: قال يحيى بن معين: ابن عيينة أحب إلي في عمرو بن دينار من سفيان الثوري. وهو أعلم به، ومن حماد بن زيد. قلت: فشعبة؟ قال: وأي شيء عند شعبة عن عمرو بن دينار؟ إنما يروي عنه نحوا من مائة حديث .. فكيف يُقدَّمُ أحدٌ على من هذه حاله في عمرو، مع أن عمرًا معلوم بالرواية عن جابر، وقد تابع سفيانَ على قوله: الحسنُ بن واقد، ذكر ذلك النسوي، وما أرى محمد بن علي في هذا الموضع إلا من المزيد في متصل الأسانيد". والله أعلم. اهـ. 5، 6 - "عبد الله بن يزيد الأنصاري، وقد رأي النبي -صلى الله عليه وسلم-، روي عن حذيفة حديثًا، وعن أبي مسعود حديثًا، ولم يصرح بالسماع، ولا علمنا لقيه لهما". أقول: أما حديث حذيفة فذكر النووي أنه قوله: "أخبرني النبي -صلى الله عليه وسلم- بما هو كائن" الحديث، خرجه مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) (2891) (24).

أقول: أخرج أولًا معناه (¬1) مطولًا من طريق أبي إدريس عن حذيفة، ومن طريق أبي وائل (¬2) عن حذيفة، ثم ذكره؛ فهو متابعة. والحديث مشهور عن حذيفة، فإن صح قول مسلم في عدم العلم بلقاء عبد الله بن يزيد لـ "حذيفة"، فالجواب أنه لما لم يكن له عنه إلا حديث واحد، والحديث مشهور من غير طريقه عن حذيفة، لم يَحْتَجْ أهل العلم إلى الكلام فيه، بل رووا الحديث على أنه متابعة، فهو مقبول في مثل ذلك، وإن كان محكومًا عليه بالانقطاع (¬3). وأما حديثه عن أبي مسعود ففي شرح النووي أنه حديث "نفقة الرجل على أهله". أقول: والحديث في "الصحيحين" (¬4) من طرق، وفي رواية للبخاري (¬5): " ... عن عبد الله بن يزيد أنه سمع أبا مسعود ... " فقد ثبت اللقاء والسماع لهذا الحديث نفسه (¬6). راجع "الفتح" (9/ 401). قال الفقير إلى الله تعالي: أجاب ابن رُشيد عن الاستدلال بهذين الحديثين بجوابين: الأول عام: وهو أن عبد الله بن يزيد الأنصاري له صحبة، وقد رأى النبى -صلى الله عليه وسلم- كما قال مسلم، وذكره في الكوفيين من الصحابة في كتاب "الطبقات". ... والصحابة رضوان عليهم عدول بأجمعهم، بإجماع أهل السنة على ذلك، فلو قدَّرْنا إرسالَ بعض الصحابة عن بعض لم يضرنا ذلك شيئًا، ولم يكن قادحًا، ¬

_ (¬1) (2891) (22). (¬2) (2891) (23). (¬3) قال ابن رشيد: "ليس فيه ذكر سماع، ولا نعلم الآن من ذكر فيه سماعًا". اهـ. (¬4) البخاري (55) (5351)، ومسلم (1002). (¬5) (4006). (¬6) كذلك قال ابن رشيد.

ولا يدخل هنا قولك: "إن المرسل من الروايات في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة"؛ لما قلناه من الاتفاق على عدالة الجميع، ولذلك قبل الجمهور مراسل الصحابة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... فإن اعترضت أيضا أيها الإمام بإمكان احتمال الإرسال عن تابعي؛ إذ يحتمل أن يكون الصحابي رواه عن تابعي، عن صحابي، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن أرسله، قلنا: نادرٌ بعيدٌ، فلا عبرة به، وغاية ما قدر عليه الحفاظ المعتنون أن يبرزوا من ذلك أمثلة نَزْرة تجري مجرى المُلَح في المذاكرات والنوادر في النوادي". الثاني خاص: وهو شقان: أولهما: ثبوت سماع عبد الله بن يزيد من أبي مسعود، كما رواه البخاري في الصحيح، وهذا مما غاب عن مسلم رحمه الله. ثانيهما: حديث عبد الله عن حذيفة، قال: لم يخرجه البخاري؛ إما لعلةٍ اطلع عليها بسعة علمه لم يطلع عليها مسلم، أو يكون تركه للاختصار" اهـ. وجواب المعلمي عن هذا الحديث جواب حسن، والله تعالى أعلم. 7، 8 - "أبو عثمان النهدي، وأبو رافع الصائغ، وهما ممن أدرك الجاهلية، وصحبا البدريين، ونقلا عنهم الأخبار، حتى نزلا إلى مثل أبي هريرة، قد أسند كل واحد منهما عن أُبيِّ بن كعب حديثًا، ولا يعلم لقاؤهما له". أقول: حديث أبي عثمان، قال النووي: إنه قوله: "كان رجل لا أعلم أحدًا أبعد من المسجد بيتًا منه" خرجه مسلم (¬1). ¬

_ (¬1) (663) (278).

والجواب عنه أن في "مسند" أحمد (5/ 33): "حدثنا سفيان، عن عاصم، عن أبي عثمان، عن أُبَي"، فذكر الحديث، ثم قال أحمد: "ثنا علي بن إسحاق ثنا عبد الله بن المبارك أنا عاصم الأحول، عن أبي عثمان، حدثني أُبي بن كعب، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنَّ لك ما احتسبت". وهي قطعة من هذا الحديث، فثبت اللقاء والسماع. اهـ. قال النووي: وأما حديث أبي رافع عنه فهو: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يعتكف في العشر الأُخر، فسافر عامًا، فلما كان في العام المقبل اعتكف عشرين يومًا". رواه أبو داود. أقول: لم يخرجه مسلم: في "الصحيح"، وذلك يدل على توقفٍ له فيه؛ لأنه ليس هناك طريقٌ أخرى صحيحةٌ يوردها، ويجعل هذه متابعةً لها، والحديثُ في حُكْمٍ وسُنَّة، وقد أنصف بذلك. قال الفقير إلى الله تعالي: قد استدل ابنُ رشيد على ثبوت سماع أبي عثمان النهدي من أُبي بن كعب يقول ابن المديني في كتاب "التاريخ" له: "أبو عثمان النهدي عبد الرحمن بن ملّ، وكان جاهليًّا، ثقة، لقي عمر وابن مسعود وأبا بكرة وسعدًا وأسامة، وروى عن علي وأبي موسى وعن أبي بن كعب، وقال في بعض حديثه: حدثني أُبي بن كعب، وقد أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم-". اهـ. قال ابن رشيد: "قد نصَّ علي أنه يقول في بعض حديثه: حدثني أُبي بن كعب، فمنه ما اطّلعنا عليه، ومنه ما لم نطّلع عليه ... ". ولعل ما قصده عليُّ بن المديني هو الحديث الذي استدل به المعلمي من "مسند" أحمد، فإن عني غيره فالأمر أثبت. والله تعالى الموفق.

9، 10، 11، 12 - أسند أبو عمرو الشيباني، وأبو معمر عبد الله بن سخبرة، كل واحد منهما عن أبي مسعود خبرين. قال النووي: "حديثا الشيباني أحدهما حديث: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إنه أُبْدَع بِي"، والآخر: "جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بناقة مخطومة، فقال: لك بها" أخرجهما مسلم (¬1)، وأسند أبو عمرو أيضًا عن أبي مسعود حديثا ... "المستشار مؤتمن" رواه ابن ماجه" (¬2). أقول: ومتن الأول: "من دل على خير، فله مثل أجر فاعله". وأما الثاني، فمتنه: "لتأتين" (¬3) أي الناقة، وكلها في فضائل الأعمال، وشواهد الأول من السنن الثابتة معروفة، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سن سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها"، وقوله: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه". ودليل الثاني قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} [سورة البقرة: 261]. وللثالث شواهد من حديث جابر وابن عباس وأبي هريرة، ومعناه ثابت في العقول (¬4) أن الإنسان لا يستشير على الحقيقة إلا من يأتمنه، فمن استشارك فقد ائتمنك. قال النووي: "وأما حديثا أي معمر، فأحدهما: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- "يمسح مناكبنا في الصلاة" أخرجه مسلم (¬5)، والآخر: "لا تجزىء صلاة لا يقيم الرجل صلبه فيها في ¬

_ (¬1) الأول (1893)، والثاني (1892). (¬2) لم يذكر الطبراني في "المعجم الكبير" (17/ 225)، لأبي عمرو الشيباني عن أبي مسعود سوى هذه الأحاديث الثلاثة، فكأنه ليس له عنه غيرها. (¬3) كذا، ولفظه: جاء رجل بناقة مخطومة، فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة، كلها مخطومة". (¬4) في منسوخة العلامة الأنصاري، (المعقول) (ل/ 2). (¬5) (432) (122).

الركوع" أخرجه أصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي: (هو حديث حسن صحيح) ". أقول: أما الحديث الأول فأخرج معه مسلم عدة أحاديث صحيحة تؤدي معناه، فهو في حكم المتابعة، وأقرب تلك الشواهد من لفظه حديث النعمان بن بشير، فهو إذًا في معنى المتابعة. وأما الحديث الثاني فلم يخرجه مسلم، ولعل ذلك لأنه في حكم مختلف فيه، ولم يجد له شاهدًا صريحًا صحيحًا. ومن شواهده: حديث المسيء صلاته وفيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ارجع فصل فإنك لم تصل" وهو في "الصحيحن"؛ لكن لم يقع في روايتهما أن الرجل إنما قصر بأنه لم يقم صلبه في الركوع والسجود، كان وقع معنى ذلك في رواية لغيرهما كما في "الفتح" (¬1). ومن شواهده قول زيد بن وهب: "رأى حذيفة رجلًا لا يتم الركوع والسجود، فقال: ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدًا -صلى الله عليه وسلم- عليها" أخرجه البخاري (¬2)؛ ولكن في الحكم له بالرفع خلاف، والله أعلم. 13 - قال مسلم: "وأسند عبيد بن عمير (¬3) عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا، وعبيد بن عمير ولد في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-". قال النووي: "هو قولها لما مات أبو سلمة: قلت غريب وفي أرض غريبة (¬4)، لأبكينه بكاء يتحدث عنه. أخرجه مسلم (¬5). ¬

_ (¬1) (2/ 223). (¬2) رقم (791). (¬3) هو ابن قتادة، أبو عاصم الليثي. (¬4) كذا في المطبوع، والذي في "صحيح" مسلم: "أرض غُرْبة". (¬5) (922).

أقول: حاصله أنه بعد موت أبي سلمة جاءت امرأة لتسعدها في البكاء، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- للمرأة: "أتريدين أن تدخلي الشيطان بيتًا قد أخرجه الله منه" فهو في النهي عن النياحة، وهو ثابت بأحاديث كثيرة، وفيه فضيلة لأبي سلمة وذلك -أيضًا- ثابت. 14، 15، 16 - قال مسلم: "وأسند قيس بن أبي حازم (¬1) -وقد أدرك زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أبي مسعود الأنصاري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أخبار". قال النووي: "هي حديث: "إن الإيمان هاهنا، وإن القسوة وغلظ القلوب في الفدادين" (¬2)، وحديث: "إن الشمس والقمر لا يكسفان لموت أحد" (¬3)، وحديث: "لا أكاد أدرك الصلاة مما يطول بنا فلان" (¬4)، أخرجها كلها البخاري ومسلم. أقول: قال البخاري في "الصحيح"، في كتاب الكسوف: "حدثنا شهاب بن عباد، قال: حدثنا إبراهيم بن حميد، عن إسماعيل، عن قيس، قال سمعت أبا مسعود يقول ... "، فذكر الحديث الثاني (¬5). وقال في أبواب الإمامة: "حدثنا أحمد بن يونس قال: حدثنا زهير، قال: حدثنا إسماعيل، قال: سمعت قيسًا قال: أخبرني أبو مسعود"، فذكر الحديث الثالث (¬6)، فثبت اللقاء والسماع، ولله الحمد. ¬

_ (¬1) يراجع: "العلل" لابن المديني (ص 79)، و"جامع التحصيل" (121)، و"السنن الأبين" (ص 150)، و"شرح علل الترمذي" (1/ 375). (¬2) أخرجه البخاري (3302) (3498) (4387) (5303) ومسلم (51). (¬3) أخرجه البخاري (1041) (1057). ومسلم (911). (¬4) البخاري (90) (702)، ومسلم (466). (¬5) هو برقم (1041). (¬6) برقم (702).

قال الفقير الى الله تعالى: استدل ابن رُشيد أيضا على سماع قيس من أبي مسعود بهذين الحديثين اللذين أخرجهما البخاري وفيهما التصريح بالسماع، وكذا استدل يقول علي بن المديني بسماعه منه في كتابه "التاريخ والعلل"، وهو في المطبوع من "العلل" (ص 49 - 50). 17 - قال مسلم: "وأسند عبد الرحمن بن أبي ليلى -وقد حفظ عنه عمر، وصحب عليا- عن أنس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا". قال النووي: "وهو قوله: "أمر أبو طلحة أم سليم، اصنعي طعامًا للنبي -صلى الله عليه وسلم-"، أخرجه مسلم" (¬1). أقول: هو عنده في كتاب الأشربة والأطعمة: "باب جواز استتباعه (¬2) غيره"، ساق مسلم الحديث من طريق (¬3) إسحاق بن عبد الله بن (¬4) أبي طلحة أنه سمع أنسًا"، ثم من طريق (¬5) سعد (¬6) بن سعيد حدثني أنس، ومن طريق أخرى عنه: سمعت أنسا، ثم ذكر رواية ابن أبي ليلى، فهي عنده متابعة ثم ذكره من طريق خمسة آخرين عن أنس. 18، 19، 20 - قال مسلم: "وأسند ربعي بن حراش (¬7) عن عمران بن حصين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثين، وعن أبي بكرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثا، وقد سمع ربعي من علي، وروى عنه". ¬

_ (¬1) (2040)، (143 - مكرر 3). (¬2) في المطبوع من كتاب المعلمي: "استتباع"، والمثبت من الصحيح. (¬3) (2040) (142). (¬4) في المطبوع: "عن" وهو خطأ. (¬5) (2040) (143). (¬6) في المطبوع: "بُسْر" وهو تحريف. (¬7) في المطبوع من كتاب المعلمي: "خراش"، أوله معجمة، وهو تصحيف.

قال النووي: "أما حديثاه عن عمران فأحدهما في إسلام حصين والد عمران، رواه عبد بن حميد في "مسنده" (¬1)، والنسائي في كتاب "عمل اليوم والليلة" (¬2) بإسناديهما الصحيحين (¬3)، والحديث الآخر: "لأعطن الراية رجلًا يحب الله ورسوله"، رواه النسائي في "سننه" (¬4). أقول: لم يخرجهما مسلم، ولا فيهما حُكم، وقد تُوبع ربعي على كُلٍّ منهما. قال النووي: "وأما حديثه عن أبي بكرة فهو: "إذا المسلمان حمل أحدهما على أخيه السلاح، فهما على حرف جهنم" أخرجه مسلم (¬5)، وأشار إليه البخاري (¬6). أقول: ذكراه في المتابعات. 21 - قال مسلم: "وأسند نافع بن جبير بن مطعم عن أبي شريح الخزاعي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا". قال النووي: "أما حديثه فهو حديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره"، أخرجه مسلم في كتاب الإيمان هكذا (¬7)، وقد أخرجه البخاري ومسلم -أيضًا- من رواية سعيد بن أبي سعيد المقبري (¬8) ". ¬

_ (¬1) "المنتخب من مسند عبد بن حميد" (1/ 429). (¬2) (ص 413)، أبواب الجاهلية، (باب: ما يؤمر به المشرك أن يقول). (¬3) في منسوخة العلامة الأنصاري (ل/ 4): "في الصحيحين" وهو سبق قلم. (¬4) (5/ 46)، المناقب، (باب: فضائل على رضي الله عنه). (¬5) رقم (2888) (16). (¬6) رقم (7083). (¬7) رقم (48). (¬8) البخاري رقم (6019)، ومسلم رقم (48) (ص 1352).

أقول: أخرج مسلم حديث أبي هريرة (¬1) بمثل أبي شريح، ثم أخرج حديث نافع عن أبي شريح، فهو شاهد، مع ثبوته عن أبي شريح من طريق سعيد المقبري سماعًا من أبي شريح (¬2). 22، 23، 24 - قال مسلم: "أسند النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة أحاديث". قال النووي: "الأول: "من صام يومًا في سبيل الله" (¬3)، والثاني: "إن في الجنة شجرة" (¬4)، أخرجهما البخاري ومسلم، والثالث: "إن أدنى أهل الجنة"، أخرجه مسلم (¬5) ". أقول: قال البخاري في "التاريخ" (4/ 712): "النعمان بن أبي عياش الزرقي الأنصاري، سمع أبا سعيد الخدري ... "، وقال في "الصحيح" في كتاب الرقاق في باب صفة الجنة والنار: "وقال إسحاق بن إبراهيم: أنبأنا المغيرة بن سلمة، حدثنا وهيب عن أبي حازم عن سهل بن سعد ... " قال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش، فقال: أخبرني أبو سعيد ... فذكر الحديث الثاني، بل رواه مسلم نفسه في أوائل كتاب الجنة بهذا السند نفسه، وفيه: وقال أبو حازم: فحدثت به النعمان بن أبي عياش الزرقي، فقال حدثني أبو سعيد الخدري. ¬

_ (¬1) رقم (47). (¬2) رقم (48/ 16) (ص 1353). (¬3) البخاري (2840)، ومسلم (1153)، وجاء التصريح بالسماع عند النسائي في "السنن" (2249) (2250) وغيره. (¬4) البخاري (3553)، ومسلم (2828). (¬5) رقم (188)، (211).

25 - قال مسلم: "وأسند عطاء بن يزيد الليثي عن تميم الداري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا". قال النووي: "هو حديث: الدين النصيحة". أقول: أخرجه مسلم (¬1) في كتاب الإيمان (باب: بيان أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون)، وذكر معه أحاديث تؤدي معناه، منها: حديث أبي هريرة: "لا تؤمنوا حتى تحابوا"؛ وحديث جرير: "بايعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم"، وقد روي: "الدين النصيحة" من حديث ثويان وغيره، ومعناه ثابت بنصوص كثيرة، كقوله تعالى {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات: 10] وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يُسْلِمُهُ" وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من غشنا فليس منا" إلى غير ذلك. قال الفقير إلي الله تعالي: قد صرح ابن المديني في كتابه "العلل" (ص 68) بلقائه لجماعة من الصحابة منهم تميم الداري. 26 - قال مسلم: "وأسند سليمان بن يسار عن رافع بن خديج عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حديثًا". قال النووي: "هو حديث المحاقلة أخرجه مسلم (¬2) ". أقول: في باب كراء الأرض بالطعام، وأخرج له عدة متابعات، وشواهد. 27 - قال مسلم: "وأسند حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث". ¬

_ (¬1) رقم (55). (¬2) رقم (1048).

قال النووي: "من هذه الأحاديث: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل" أخرجه مسلم (¬1) "، ثم ذكر (¬2) عن الحميدي: أنه ليس للحميري عن أبي هريرة في الصحيح غيره، قال النووي: "وربما اشتبه بـ "حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري"، وقد رويا له في "الصحيحين" أحاديث كثيرة، وليس للحميري عن أبي هريرة -أيضًا- في "سنن" أبي داود (¬3) والترمذي (¬4) والنسائي (¬5) غير هذا الحديث". قال مسلم في (باب: فضل صوم المحرم)، والترمذي في (باب: ما جاء في صوم المحرم)، والنسائي في (باب: فضل صلاة الليل)، قال النسائي: "أخبرنا قتيبة"، زاد مسلم والنسائي: "ابن سعيد ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري"، كذا قال مسلم والترمذي، أما النسائي فقال: "هو ابن عوف عن أبي هريرة"، وقال أبو داود: (باب: في صوم المحرم)، "حدثنا مسدد وقتيبة بن سعيد، قال أبو عوانة، عن أبي بشر، بن حميد بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة". وقال أحمد في "المسند" (3/ 344): "ثنا عفان، ثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن حميد ابن عبد الرحمن عن أبي هريرة، وأخرجه النسائي عن سعيد بن نصر عن عبد الله عن شعبة عن أبي بشر جعفر بن أبي وحشية، أنه سمع حميد بن عبد الرحمن يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال النسائي: "أرسله شعبة". ورواه أحمد (3/ 335): عن أبي الوليد الطيالسي عن أبي عوانة عن عبد الملك عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة. ورواه البيهقي في "السنن" (4/ 291) من طريق مسدد، ثنا أبو عوانة عن عبد الملك ابن عمير عن محمد بن المنتشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) رقم (1163). (¬2) يعني النووي. (¬3) رقم (2429). (¬4) رقم (438)، (740). (¬5) رقم (1613) ووقع عنده: ابن عوف كما قال المعلمي.

وقد رواه مسلم أيضًا من طريق جرير عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة، ومن طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير، قال مسلم بهذا الإسناد في ذكر الصيام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بمثله. وقد أخرجه ابن ماجه من طريق زائدة عن عبد الملك بن عمير عن محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: أي الصيام أفضل بعد شهر رمضان؟ قال: "شهر الله الذي تدعونه المحرم". قال البيهقي (¬1): "وخالفهم في إسناده عبيد الله بن عمرو (¬2) الرقي"، ثم ساقه من طريق الربيع بن نافع عن عبيد الله عن عبد الملك بن عمير عن جندب بن سفيان البجلي، قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول، فذكره (¬3). أقول: ورجاله ثقات، ويمكن أن يكون شعبة -والله أعلم- إنما أرسله لهذا الاختلاف. وقال البخاري في "التاريخ" (1/ 2 / 343): "حميد بن عبد الرحمن الحميري البصري عن أبي هريرة وابن عباس". أقول: وفي الحديث نظر من وجوه: الأول: ما ذكره مسلم من أنه لا يعلم لـ "حميد الحميري" لقاء لأبي هريرة. الثاني: ما سمعتَ من الاختلاف. والثالث: أنه لا يُتابع عن أبي هريرة، ولا عن جندب، مع ما لأبي هريرة من الأصحاب الحفاظ المكثرين. ¬

_ (¬1) "سننه الكبرى" (3/ 4)، (4/ 291). (¬2) في المطبوع من كتاب المعلمي: "عمير"، وهو خطأ. (¬3) وأخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (2/ 169) و"الأوسط" (6/ 281) من طريقين آخرين عن عبيد الله بن عمرو.

الرابع: أنه بالنسبة إلى الصوم ليس له شاهد -فيما أعلم- إلا ما رواه الترمذي (¬1) من طريق عبد الرحمن بن إسحاق، عن النعمان بن سعد، عن علي، وقال الترمذي: "حسن غريب" وعبد الرحمن بن إسحاق هو: ابن شيبة الواسطي، قال أحمد: ويحيى: "ليس بشيء"، وقال أحمد، وغيره: "منكر الحديث" وقال مرة: "ليس بذلك، وهو الذي يحدث عن النعمان بن سعد أحاديث مناكير"، وضعفه غيرهم أيضًا، والنعمان بن سعد تفرد عنه عبد الرحمن بن إسحاق فيما قال أبو حاتم (¬2)، وكذا قال البخاري (4/ 3 / 77)، كما ثبت في بعض نسخ "التاريخ" (¬3). قال ابن حجر في "التهذيب" (¬4): "والراوي عنه ضعيف، فلا يحتج بخبره". أقول: ذكره ابن حبان في "الثقات" (¬5)، والثقة عنده من روى عن ثقة، وروى عنه ثقة، ولم يرو منكرًا، وهذا الشرط مع تساهله مفقود هنا؛ لأن الراوي عنه غير ثقة، وروى عنه المناكير، كما مر. الخامس: أن الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أنه لم يكن يصوم شهرًا كاملا؛ إلا أنه كان يكثر الصيام في شعبان، والله أعلم. المجموع 23 حديثًا (¬6). 8: الذي يثبت السماع فيه. ¬

_ (¬1) رقم (741). (¬2) "الجرح والتعديل" (7/ 411). (¬3) (8/ 78). (¬4) (8/ 113). (¬5) (5/ 11). (¬6) هكذا جاء المجموع (23) والأعداد الآتية مجموعها (24) لكن مجموع ما مر حسبما رقمنا: (27) حديثًا.

4: الذي لم يخرجه مسلم. 11: الذي أخرجه في المتابعات والشواهد ونحوها. 1: الذي أخرجه محتجًا به فيما يظهر. اهـ. قال الفقير إلى الله تعالى: قد أجاب الشيخ المعلمي عن الشواهد التي ساقها مسلم للتدليل على ما قرره في عدم اشتراط العلم باللقاء أو السماع في صحة الإسناد المعنعن، وقد استوفى النظر فيها، ولم يكن الجواب فيها جميعًا واحدًا، بل كُلٌّ بحسبه. ووافق المعلمي ابنَ رشيد في بعض ما أجاب به، مع عدم اطلاع المعلمي على كلام ابن رشيد، ولم يُتم ابنُ رشيد النظر في كل الشواهد. والمتحصَّل أن تلك الأجوبة غالبُها ظاهرٌ في الرد على احتجاج مسلم بها، وقد اعترف بذلك بعض المؤيدين لمسلم، بل والزاعمين إجماع المحدثين على مذهبه، وهو حاتم العوني، واعتذر لمسلم فيما اعتذر به أن مسلمًا استهان بخصمه غاية الاستهانة، وأنه كان عنده أقل وأدنى من أن ينقر له الأدلة ويصفي له الرويَّة، قال: ولو كان مسلم يرد على البخاري أو على بن المديني أو على غيرهما من أئمة السنة لرأيت غير ذلك ولاختلف الأمر تمامًا، قال: لقد كان مسلم مترددًا في الرد -كما ذكر- استخفافًا بذلك المبتدع المستحدث لذلك القول، ثم تصبَّر على الرد وهو مستثقله، ولذلك لم يحزم له كُلَّ حُموله ولا أعدَّ له كُلَّ عُدَّتِه. كذا قال العوني، ومثل هذا الاعتذار لا يليق بمثل مسلم رحمه الله، أن تدفعه الاستهانةُ بخصمه أن يسوق أدلةً لا تنهض ولا تصلح فيما ساقها من أجله فيعطي لخصمه ما يُسَوِّغُ له ردَّ كلامِه.

وقد يُتَصور هذا إذا كان كلامُ مسلم جوابًا على سؤالٍ عارضٍ، أما إذا كان في صَدر تصنيفٍ كهذا، مع شدة التشنيع على المخالف، فكيف لا يحزم له حُمولَه، ويعدُّ له عُدَّتَه، وفي الفصل الآتي جواب مجمل عما أورده العوني في هذا الكتاب، والله تعالى الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل. * * *

فصل: جوابٌ مُجْمَلٌ على كتاب: (إجماع المحدثين) للدكتور/ حاتم العوني قال الفقير إلى الله تعالى. هذه مجامع بعض الفوائد والفرائد التى يُستعان بها في تحرير هذه القضية، كنت قد قيَّدتُها في الجواب عن الكتاب المذكور، وقد خَلَّط فيه صاحبُه، ونحا فيها منحًى لم يُسبق إليه؛ إذ ذهب إلى أن إجماعَ المحدثين -ومنهم ابن المديني والبخاري- موافقٌ لما ذهب إليه مسلم من عدم اشتراط العلم بالسماع في الحديث المعنعن بين المتعاصرين. وقد رأيتُ أن أورد مجامعَ هذه النِّكات هاهنا؛ تتميما للفائدة، دون استقصاءٍ للقضية المذكورة، فلها موضع آخر. وطريقتي أن أذكر أرقام الصفحات التي أُعلق عليها من الكتاب المذكور أولًا، ثم أذكر ما يُمكِنُ لغير الناظر فيه أن يستفيد من هذا التعليق، ولو كان ناظرا فيه لكان أَوْلَى، والله تعالى الموفق. ص (16 - 17): أقول: ثبوتُ الاتصال شرطٌ من شروط قبول الحديث، فإذا لم يثبت الاتصال وفق شرطه عند قائله، لزم عدمُ قبول الحديث حتى يثبت، وعليه فلا يلزم من أجل رَدِّ الحديث الجزمُ بالانقطاع؛ لأن ذلك يحتاج إلى دليل آخر.

إذًا، فسواء توقف الناقد فى ثبوت الاتصال، أو جزم بالانقطاع، فالنتيجة واحدة من حيث عدم القبول، وإن كان الأولُ أخفَّ باعتبار أنه يحتمل أن يقف الناقد فيما بعدُ على شرطه فى الاتصال. لكن إذا وجدنا الناقد ينفي علمه بثبوت ما يدل على الاتصال فى كتابٍ مصنف له، فهل نقول مع ذلك: إنه متوقف فقط، غير جازم بالانقطاع، لعله يقف على ما نفاه بعد ذلك؟ فيه بُعدٌ واضحٌ. هذه هى ثمرة التفريق بين التوقف فى ثبوت الاتصال، والجزم بالانقطاع، وهو افتراض جدلي، لا يُعوِّل عليه أحدٌ فيما أعلم؛ لأن الأصل أن نفي الإمام ما ذكرنا لا يكون إلا مع استقصاء البحث والنظر. إذًا، فكلام ابن القطان إذا كان تقسيما من حيث التسمية فقط، فلا بأس، أما مِن حيث الحُكم فحسبما قدمنا. ولذا فقد تعقبه الذهبي بكلام عمليّ إذ قال: بل رأيهما دال على الانقطاع. يعني بذلك الانقطاع الحكمي، وهو المعتبر هنا. وموقف الذهبي -فى ضوء ما حررتُه آنفا- منضبطٌ لا إشكال فيه، وليس فيه غرابةٌ ولا اضطرابٌ كما زعم العوني. ص (22): قول العوني: فلم خشي مسلم الإرسال مع تحقق المعاصرة الطويلة؟ أقول: لم يذكر العوني القرينة التى راعاها مسلم في نفي سماع الحسن من عمران -إذا صحَّ ما نسبه الحاكم إلى مسلم - والبخاري- في جزمهما بهذا النفي. ومن الدلائل البينة التى تُراعَى في سماع المتعاصرين، والتي لا يسعُ مسلما ولا غيره إهمالها: ورود نفي السماع من إمام معتمد في هذا الباب، كيحيى القطان

وابن مهدي، وأحمد وابن معين، فقولهم حجة في مثل هذا عند الشيخين، إذا لم يقم عندهما أو أحدهما دليل مناهض لهذا القول. وقد قال بعدم سماع الحسن من عمران بن حصين: ابن المديني، وأحمد، وبهز بن أسد العمي، ويحيى بن معين، وهو قول أبى حاتم وغيره. ص (23 - 25): أقول: مسلمٌ قد نَصَّ في مقدمة صحيحه أن من شروط اتصال الإسناد المعنعن: عدم وجود دلالة بينة على عدم اللقاء أو السماع. فإذا وجدت الدلالة، اتفق الجميع على الحكم بانقطاع ذلك الإسناد: مسلمٌ؛ لِنَصِّهِ على ذلك، ومخالفُه من بابٍ أَولى؛ لأن شرطه أبعد من هذا. وإنما محل الخلاف: إذا لم توجد دلالة بينة أو قرينة على ذلك، فمسلم -بحسب كلامه فى ذاك الموضع- لا يتردد -مع توفر الشرطن الآخرين- في أن الرواية على السماع حتى تكون هناك دلالة على خلافه. وأما من نَقل مسلمٌ قولَه، فلا يحكم لتلك الرواية بالاتصال حتى يتبين له بالدليل وقوع اللقاء أو السماع ولو مرة. في ضوء ذلك يمكن توجيه وفهم ما ألزم به ابنُ رجب مسلما، فأقول: من ثبتت له رؤية النبى -صلى الله عليه وسلم-، فإن كان حينئذ رضيعا أو صغيرا لا يضبط، فتلك دلالة تاريخية بينة على عدم السماع المعتد به، فمسلم كغيره، يرى تلك الرواية مرسلة، لأن الرؤية حصلت في سِنٍّ لا يحتمل، ولذا فقد ذكرهم مسلم فى طبقة ما قبل كبار التابعين؛ لأن لهم حُكمهم.

وهؤلاء لا يعنيهم ابنُ رجب فى قوله: "ويَرِدُ على ما ذكره مسلم: أنه يلزمه أن يحكم باتصال كل حديث رواه من ثبت له رؤية من النبى -صلى الله عليه وسلم-، بل هؤلاء أَوْلى؛ لأن هؤلاء ثبت لهم اللقي، وهو يكتفي بمجرد إمكان السماع"، وإنما يعني من كان وقت الرؤية بالغا، ولم يرد ما يدل على ثبوت السماع أو ما يدل على حضوره مجلس النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو مصاحبته في سفر، أو نحو ذلك مما يمكن معه سماع شيء من حديثه. وهذا مُتصور فيمن أسلم يوم الفتح، ولم يهاجر إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فإنه لا يمتنع أن يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم- شيئا ذلك اليوم، وليست هناك دلالة على عدم السماع، ولم يرو ما يدل على نحو ما سبق، فيكون على قول مسلم حديثه متصل، وعلى قول مخالفه حديثه مرسل، ولو مع ثبوت الرؤية التى هى أبلغ من مجرد إمكان السماع، حتى يثبت السماع ولو مرة. ومثل هؤلاء من قدم على النبي -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع، وقد ثبتت رؤيتهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الجمع الغفير. والمخالف لمسلم لا يرى ذلك كافيا في ثبوت سماعهم لغير ما سمعه عامة الصحابة في خطبة الوداع. وكذلك مَن أسلم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- من أهل الجزيرة، فقد عاصره، وأمكن لقاؤه له، لقرب دار بعضهم، ولم تقم دلالة على عدم سماعه منه. فهذا على قول مسلم هاهنا حديثه متصل، ومخالفه لا يرى ذلك كافيا، بل لابد من قيام دليل على لقائه للنبي -صلى الله عليه وسلم-، أو سماعه منه ولو مرة. فإذا قامت دلالة بينة على عدم اللقاء أو السماع، كقدومه على النبي -صلى الله عليه وسلم- مسلما إلا أنه لم يدركه؛ لِوَفاته -صلى الله عليه وسلم-، فالجميع متفقون على أن حديثه مرسل. وهذا الصنف الأخير من "المخضرمين" وقد ذكرهم مسلم فى طبقاته سردا، ولم يذكر لكل واحدٍ دلالةً على عدم سماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يكون اعتمد قولَ مَن

سبقه من الأئمة في وصف هؤلاء بذلك، أو استدل مع ذلك بكون جُل رواية هؤلاء عن الصحابة، وليس فيها رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولعله لذلك قد نصَّ ابن رجب في إلزامه بأن يكون مُعاصر النبي -صلى الله عليه وسلم- مع إمكان لقائه: روى عنه شيئا، فحينئذ يكون الإلزام قائما، والله تعالى أعلم. ص (27): تعليقا على الملاحظة الواردة هناك. أقول: إنما قال مسلم " ... وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه لكونهما جميعا كانا فى عصر واحد ... ". فمسلم قد صرح بأنه يُكتفى بإمكانية اللقاء والسماع للمعاصر، شريطة ألا يقوم دليلٌ ينقض تلك الإمكانية، فالحديث عنده على الاتصال بهذه الإمكانية مع تحقق الشرطين الآخرين، فهو لا يشترط العلم بالسماع بدليل خاص، بل يكتفي بما قدمنا. أما مخالفه فيشترط تحقق العلم باللقاء أو السماع بدليل خاص؛ كثبوت تصريحه بما يدل عليه من ألفاظ الاتصال المعروفة، كسمعت وحدثنا، أو ما يدل على حضور مجلسه أو مماشاته أو نحو ذلك من الأدلة الخاصة المُثبِتة لوقوع اللقاء أو السماع ولو مرة. فمسلم لا يشترط -لثبوت الاتصال- تحقُّق العلم باللقاء أو السماع، بل إذا توفرت الشروط التى ذكرها، فالأصل هو حصول اللقاء والسماع. ومخالفه لا يراه أصلا فى ذلك، بل هو على الاحتمال حتى يأتي دليلٌ خارجي يُثبت ذلك، ولو مرة. فليس في تعبير أهل العلم بأن البخاري يشترط العلم باللقاء أو السماع، وأن مسلما لا يشترط العلم بذلك: أيّ تجوّز أو تسمّح أو اختصار، بل هي كبد الحقيقة، والله تعالى أعلم.

ص (31): قول العوني في توجيه كلام السمعاني في اشتراط طول الصحبة: "من كان مختصا بشيخٍ ملازما له حُملت عنعنته عنه على الاتصال، ولو كان من مشاهير المدلسين، كما هو مقرر فى هذا العلم". اهـ. أقول: هذا الكلام فيه نظر من جهة أنه أطلقه، والصواب أن يكون ذلك أغلبِيًّا. وشاهدُ ذلك مواضعُ عنعن فيها مشهور بالتدليس، عن شيخ قد أكثر عنه جدا؛ كرواية الأعمش عن إبراهيم بن يزيد النخعي. راجع ترجمة الأعمش من القسم الأول من هذا الكتاب. ص (34). أما عدم تصريح البخاري بالشرط المنسوب إليه، فشأنه في ذلك شأن عامة المتقدمين من الأئمة، لا يذكرون مناهجهم وشروطهم بعباراتٍ تعريفية أو بحدودٍ فاصلة، على طريقة متأخري المتكلمن والأصوليين، بل جرت عادتهم باستعمال اللغة الخاصة بأهل هذا الفن، فإذا لم يفهم غيرهم المراد من مفردات تلك اللغة، فالعتْبُ عليهم؛ إذ لم يرجعوا إلى أصحاب التخصص فى ذلك. وليس عدمُ نصِّ أئمة هذا الشأن على ما ذكرنا بمسوِّغٍ لغير أهل الاختصاص: أن يطلقوا العنان لنسبة ما يتراءى لهم من شروطٍ للأئمة أو مناهجَ لهم. بل الأمر بحاجة إلى طول النظر، والبحث المتواصل، مع توفر الملكة والأدوات اللازمة لفهم تصرفات الأئمة وعباراتهم. وأما عدم صلاحية (صحيح البخاري) لإثبات نسبة شرطٍ ما من شروط الصحة إلى البخاري بحجة أن البخاري قد أسَّسَ كتابه على شدة الاحتياط والمبالغة في

التحري، فهذه مجازفةٌ، تُفقد (صحيح البخاري) أيَّ اعتبارٍ لناظر، أو مجالٍ لباحث، أو متأملٍ لدارس. فما عساهُ ينفع النظر والبحث والدرس في كتابِ إمامٍ يبالغ في التحري والاحتياط، فلا يُقاسُ على أحكامه، ولا تصرفاته. هذا لو سلمنا بافتراض أن تكون المبالغةُ في التحري أو شدةُ الاحتياط أمرًا خاصًّا بالبخاري، زائدًا على تصرفات الأئمة في تعاملهم مع النصوص، فهل يحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي، وأحمد وابن معين، وأبو حاتم وأبو زرعة، لا يبالغون في الاحتياط في حكمهم على الحديث أو على الرواة؟ وهل لا يوصف الإمام بذلك إلا إذا صنف كتابا في "الصحيح"؟ لقد اتفق المحققون من أئمة هذا الفن على أن الحديث لا يصلح فيه حُسْنُ الظنِّ، وأنَّ مَبْناه على الاحتياط والتحري، فهو أصلٌ فيه، وكُلُّ أحكامهم وقواعدهم تؤيد ذلك وتؤكده، وما حادَ مَن حادَ مِمَّن بعدهم عن منهج النقد إلا بسبب التفريط في هذا الأصل. وهذا موضوعٌ مِن الأهمية بمكان، وقد حاولتُ بَسْطَ القول فيه في رسالتي "القواعد المهمة فى إحياء مناهج الأئمة"، وهي قَيْدُ الجمع، يسَّر الله إتمامها. والمقصود هنا أن البخاري قد صنف كتبا عِدَّة منها ما جمع فيه ما احتج به طوائف أهل العلم في بعض المسائل محل النظر، ككتاب "القراءة خلف الإمام" و"خلق أفعال العباد"، ورجح من ذلك ما رآه راجحا. ومنها ما صنفه ليكون ما يخرجه فيه حجةً بينه وبين الله تعالى، وسماه "المسند الصحيح". فما لم يخرجه فيه، فإن جاء عنه نقلٌ -لا إشكال فيه- أنه صحَّحه، فإن كان مِمَّا لا يَسَعُهُ تركُه؛ لظهور الحاجة إليه في أبوابٍ قد خرجها فى صحيحه، فإنه لم يُغفله -مع وضوح الاحتياج إليه، واستغناء البخاري بالخفي فى ذلك- إلا لأنه لم

ير ذلك الحديث صالحا لأن يخرج في مصافِّ ما يُحتج به في بابه، وأما إن كان مما يَسَعُهُ إغفالُه؛ لإخراجه ما يُغني عنه في بابه، فإن كانا سواء، فقد استغنى البخاري بما خرجه، ولم ير في الثاني مزيدَ فائدة، وإن كان في الثاني ما ليس فيما خرجه، فتَرْكُ البخاري له مع ذلك يُشعر بما قدمنا. هذا إذا كان نَقْلُ التصحيح لا إشكالَ فيه؛ فإن أكثر مَن نَقل عن البخاري في ذلك هو الإمام أبو عيسى الترمذي، وفي بعض النقولات المروية عنه من طريقه إشكالٌ يحتاج إلى تحرير، وقد وقفتُ لبعض المحققين كابن عبد البر والذهبي على اعتراضات على الترمذي بهذا الصدد، فلم يُسَلِّمُوا بأشياء نقلها الترمذي عن البخاري، بل وشنَّع عليه الذهبي أحيانا. وقد وقع لي قدرٌ غيرُ قليل من هذه الإشكالات أثناء استقرائي لكتاب "الجامع" مع ترتيب "العلل الكبير" للقاضي، وقيَّدتُّ فى ذلك تحريراتٍ على هذه المواضع، وهي فى جزء، يسر الله إتمامه وإخراجه. أما إذا لم يُنقل عنه تصحيحُه، فالأمر في ذلك أوضح. ومن المعلوم لِكل باحثٍ أن البخاري قد أودع اختياراتِه وما يذهب إلى القول به في أبواب العلم المختلفة: فيما بوَّب به، وما خرجه في تلك الأبواب، حتى إنه قد اشتهر بين المحققين أن "فقه البخاري" في تراجمه، فهل بالغ أيضا فى التحري والاحتياط في اختياراته تلك، بحيث لا يمكن أن يُستفاد مما فيها من أحكام ونظر واجتهاد، إلا لمن أراد الاحتياط والتحري البالِغَيْن؟. الحَقُّ أن هذه النظرة لكتاب "الصحيح" للبخاري قد اخترعها بعضُ متأخري المحققين، ولا أثر لها عند المتقدمين، الذين أخضعوا كتابَه للنقد كسائر الكتب، وإنَّ مما أَكْسَبَ كَتاب "الصحيح" مكانتَهُ: نُدْرَةَ ما صفا للنقاد من تعقباتهم على البخاري فيه، بخلاف غيره من الكتب.

فزعمُ أن البخاري قد وضع لأحاديث هذا الكتاب ورواته شروطا: هي فوق المقاييس التى تعارف عليها النقاد حينئذٍ؛ زيادةً في الاحتياط والتحري: زعمٌ خالٍ من أي تحقيق أو تحرير. نعم، يمكن أن تكون تلك المقاييس والضوابط بالنسبة لكثير من المتأخرين ممن شهروا هذا المعنى وأُشْربوه: فيها تشددٌ واحتياطٌ بالغٌ، لِبُعْدِ الهْوَّةِ -ليس بين البخاري وحده، بل- بين المتقدمين بعامة وبين المتأخرين في باب النقد. ولا شك أن البخاري لمَّا كان على رأس مَن صنَّفُوا في الصحيح من المتقدمين، صار وصفُ منهجه بالمبالغة في الاحتياط والتحري: إفساحا للمجال أمام المتوسعين في التسامح مع النصوص، تخففا من ذلك الاحتياط المزعوم، فَصُنِّفَتْ لذلك كثيرٌ من الكتب الموسومة بالصحة وُلوجا من هذا المدخل. هذه إشارة، وراجع تراجم: ابن حبان، والحاكم، والضياء المقدسي، من القسم الثاني من هذا الكتاب. وقد عاد العوني فنقض ما ذكره من أن كتاب "صحيح البخاري" لا يصلح أن يكون دليلا على صحة نسبة ذلك الشرط على البخاري للسبب الذى ذكرناه عنه آنفا، بِرَدِّهِ على مَن زعم أن شرطَ البخاري المنسوبَ إليه شرطُ كمال، بمعنى أنه شرطٌ له في (الجامع الصحيح) لا في أصل الصحة، مع أن ما ردَّه هو من مقتضيات ما أكَّدَهُ قبل ذلك، لكنه فضَّل انتفاء هذا الشرط عن البخاري أصلا. هذا من حيث الجواب العقلي على ما قاله العوني، أما الجواب العملي الخاص بنسبة هذا الشرط إلى البخاري بصفة عامة، فيأتي طرف منه في موضعه.

ص (37 - 38): في الجواب عما طرحه العوني عن سبب عدول ابن رجب وابن حجر عن انتزاع الأدلة من (صحيح البخاري) إلى كتب البخاري الأخرى كـ (التاريخ الكبير) و (الأوسط) و (القراءة خلف الإمام). أقول: لا فرقَ بين مذهب البخاري فى (الصحيح) وغيره في أصل ما يَتوقف عليه قبولُ الحديث أو ردُّه، لكن قد يتخفف البخاري من بعض الشروط خارج (الصحيح) في مفردات أسانيد يراها دالةً بمجموعها على صحة ما يستدل عليه. والباحث عن دليل شيء يعمد إلى الأصرح والأوضح من ذلك. وصنيعُ البخاري في غالب صحيحه إنما هو: "تصرفاتٌ" تحتاج إلى فهم خاص، مع البحث في قرائن خارجية، أما في كتبه الأخرى فهي عباراتٌ صريحةٌ وواضحةٌ وذِكْرُ إدراكِ ولقاءِ وسماعِ الرواة بعضهم من بعض في تلك الكتب -لا سيما التاريخ- من أعظم المقصود فيها، كما يُعلم باستقراءها. ص (42 - 43): حول الفرق بين قولهم: "لا أعرف لفلان سماعا من فلان" و: "لم يسمع فلان من فلان" ودعوى العوني أنهما جميعا جزمٌ بالانقطاع. أقول: سبق أن ذكرتُ أن تحققَ الاتصال شرطٌ في ثبوت صحة الرواية، ومقتضى كونِ الشىء شرطا لصحة أمرٍ ما: أنه ما لم يتحقق ثبوتُ ذلك الشرط، لا يمكن الحُكم بصحة ذلك الأمر، فنافِي الصحة: على أصله حتى يتبأنه أو لغيره -ممن هو على مذهبه- ثبوتُ ذلك الشرط.

فإذا تحقق من عدم ثبوته جزم بعدم الصحة، وإذا لم يتحقق من ذلك، ولم يقف على ما يفيد الثبوت كان على أصله في لزوم ثبوت الشرط. ففى الحالتين لا يثبت عنده ذلك الأمر: تارة للجزم بالبطلان، وتارة لتخلف شرط الصحة. ففي مسألتنا هذه يُعبر الناقد عن الحال الأولى بقوله مثلا: "فلان عن فلان منقطع" أو "مرسل" أو "لم يسمع فلان من فلان"، وفي الحال الثانية يقول: "لا أعرف أو: لا أعلم لفلان سماعا من فلان" ونحو ذلك من العبارات الدالة على ما قدَّمنا. فلما لم يتحقق عدم ثبوت السماع بدليل خاص -فلم يجزم بالانقطاع-، اكتفى بالتنصيص على عدم توفر شرطه فى الاتصال وهو العلم بالسماع، ليدل على عدم اعتداده بهذه الرواية حتى يثبت عنده ذلك، فربما قال حينئذ: هذا إسناد ليس بمتصل مثلا، يعني لم يتوفر فيه عنده شرط صحة الاتصال. فاحتجاج المحققين يقول البخاري وغيره: "لا أعلم لفلان سماعا من فلان" على أنه اشتراطٌ للعلم بالسماع لثبوت الاتصال احتجاجٌ صحيحٌ وواضح. • وقد ينفي الناقدُ علمَه بسماع راوٍ من آخر، فهو على أصله السابق ذِكْرُه، ثم يدعم ذلك بقرينةٍ تُقَوي ثبوت عدم السماع -الذى لم يتحقق من ثبوته- كأن يقف على رواية بواسطة بأن الراويين، أو كأن يذكر أنه لم يعلم ما يدل على إدراك الراوي الأول للثاني. • وقد يجزم الناقد -مع عدم علمه بالسماع- بالانقطاع أو الإرسال بناءً على أصله في لزوم تحقق شرط العلم بالسماع، فالحديث عنده مرسل لما سبق من فَقْد شرط الاتصال. ولا يلزم أن يكون الانقطاع مجزوما به في كل موضع، بل إذا تخلف شرط الاتصال كان للإسناد حُكم الانقطاع كما بيناه آنفا.

• وقد ينفي الناقدُ العلمَ بالسماع في وقت، وتستقر نفسُه على ذلك، فيجزم بعدم السماع في وقتٍ آخر؛ لدليل وقف عليه، أو لغلبة ظن، أو لقرينة، ونحو ذلك، لكن هذا قليل جدا، بل نادر الوقوع، ويمكن حمله على محامل أخر. • وقد يختلف ناقدان؛ فيجزم أحدهما بالانقطاع، ويتوقف الثاني، بحسب قوة ما توفر لكل منهما من الدلائل، وإن كانا جميعا لا يريان فيه حجة كما سبق. والمقصود هنا أن نفي العلم بالسماع ليس هو نفيا للسماع في نفس الأمر، وإن كان له حُكمه، والله تعالى أعلم. ص (51 - 52): النظر فى بعض نماذج من القرائن ذكرها العوني للدلالة على أن نفي العلم بالسماع ليس اشتراطا للعلم به: • جهالة الراوى، فيقال: لا يُعرف له سماع من شيخه، أو: إسناده مجهول لا يعرف سماع بعضهم من بعض. أقول: هذه قرينة على عكس ما استدل به العوني؛ فالمجهول لا يمكن الجزم بعدم سماعه من شيخه؛ لأنه لا تعرف عينُه أو حالُه، ولا تُعلم سَنَةُ ميلاده ولا وفاته، وربما لم تُعرف بلدُه، فمثل هذا لا يُعلم سماعه، ولا يُجزم بنفيه، لكن يكفي عدم العلم في سقوط الاعتداد بروايته فضلا عن جهالته. أما ما ذُكر من القرائن الأخرى فهى ترجح عدم السماع، وإن لم تكن كافيةً للجزم به، لكن محل النظر في هذه القضية هو حيث لا توجد قرائن كما سبق، وإلا فمُسلم نفسه قد اشترط عدم وجود دلائل بينة على عدم السماع.

فمن القرائن المشهورة في ذلك: • ذكر وسائط بين راويين لم يثبت التقاؤهما. • نكارة المتن. • بُعْد البلدان بين الرواة المتعاصرين. • اختلاف طبقات الرواة. • وقوع كتاب شيخٍ لراوٍ، فيروي عنه، ولا يذكر ما يدل على السماع. • عدم ثبوت رواية راوٍ عن شيخٍ، تقضي العادة بإكثاره عنه لو لقيه وسمع منه، فإذا حدَّث عنه بحديث أو حديثين لم يُثبتوا له السماع بذلك. ص (63 - 65): ومما ذُكر من معاني نفى العلم بالسماع: 1 - نفي أن يكون الراوي قد تلقى روايته عن شيخه بطريق السماع، وإن كان قد تلقاها إجازة أو مكاتبة أو وجادة أو عرضا. أقول: هذا خلاف الأصل في حقيقة السماع، وهو مُفتقِرٌ لنصٍّ خاصٍّ ممن أطلقه، وهو واضح في النماذج التى سيقت فى ذلك. 2 - الخبر المجرَّد عن أن الراوي لم يذكر ما يدل على السماع ممن روى عنه دون إعلالٍ للحديث بذلك -بل مع الحكم بالاتصال والقبول-؛ يعني أن الناقد يريد إخبارنا بذلك فقط، دون إعلال. أقول: لو صحَّ هذا لكان كلامُ الناقد لَغْوا، لا يُقصد به شيء ذو بال، وهذا غير معهود في كلام أئمة هذا الشأن.

والنموذج الذى سيق للتدليل على هذا العنى لا يُغني شيئا. وهو قول البخاري في سليمان بن بريدة بن الحصيب: "لم يذكر سماعا من أبيه" وقد ولد هو وأخوه عبد الله في بطن واحد على عهد عمر، وقد أدركا من أبيهما ثلاثين سنة أو أكثر، وقد كان معه بالمدينة إلى أن ذهب إلى البصرة، إلى أن استقر أخيرا بمرو في خراسان، وهو معه في جميع تنقلاته، هكذا قرر العوني. أقول: مع ذلك كله لم يُثبت البخاري لهما السماع، ولم يخرج في صحيحه لسليمان عن أبيه شيئا، ولم ينفرد بذلك، بل توقف في هذا السماع: أحمد في أصح الروايات عنه ونفاه إبراهيم الحربي. وإذا كان هذا مع ما سبق من توفُّر حيثيات السماع، فما بالك بما هو أقل من ذلك بكثير؟. وقد استدل العوني على أن نفي البخاري العلمَ بسماع سليمان من أبيه إنما هو خبر مجرد، ليس فيه قصد الإعلال أو التوقف عن الحكم بالاتصال: بنقل الترمذي في كتابه "العلل الكبير" (بترتيب القاضي 1/ 202 - 203) عن البخاري قوله: "أصح الأحاديث عندي في المواقيت: حديث جابر بن عبد الله، وحديث أبي موسى، قال: وحديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه في المواقيت، وهو حديث حسن، ولم يعرفه إلا من حديث الثوري". استدل العوني على ما سبق بتحسين البخاري لحديث سليمان عن أبيه، وبإخراج مسلم له فى صحيحه (613)، وبتصحيح ابن خزيمة (323، 324) وابن الجارود (151) وابن حبان (1492) له في صحاحهم.

أقول: ليس في تصحيح هؤلاء في قضيتنا هذه مدخل، إنما النظر في تحسين البخاري -بحسب حكاية الترمذي عنه-، فيقال: لو افترضنا أن معنى "الحسن" عند البخاري يفيد وصف الحديث بالقوة أو بدرجة ما من القبول، فما أَدْرَى العوني -أو غيره- أن مقتضيات "الحسن" عند البخاري هي مقتضيات "الصحيح"، حتى يقال إن تحسين البخاري لتلك الرواية يدل على صحة السماع المذكور؟ والبخاري لم يخرج في "جامعه" شيئا مما رآه -بحسب نقل الترمذي- أصح الأحاديث عنده في المواقيت، ولم يذكر شيئا منه في بابه، مع شدة الحاجة إليه؛ لأنه بوَّب عليه، ولم يذكر فيه سوى حديث أبي مسعود الأنصاري، وليس فيه بداية وقت كل صلاة ونهايتها، وهو بيت القصيد فيه. وأحاديث المواقيت يمكن تقسيمها بطريقتن: الأولى: 1 - ما كان منها في إمامة جبريل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- يومين متتالين، يصلي به الصلوات الخمس في اليوم الأول لأول أوقاتها، وفي الثاني لآخر أوقاتها، فيكون وقت كل صلاة بين هذين الوقتين. وقد رُوي حديثُ إمامة جبريل عن جماعة من الصحابة، منهم: جابر، وابن عباس، وابن مسعود، وأبو هريرة، وأبو سعيد. وتكاد تتفق تلك الروايات في سياق مواقيت الصلوات. 2 - ما كان منها حكاية عن قول النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيانه لتلك المواقيت، وممن رُوي عنه ذلك: عبد الله بن عمرو، وبريدة، وأبي موسى.

والطريقة الثانية: 1 - ما وقعت فيها صلاة المغرب في وقت واحد هو غروب الشمس، فليس فيها وقتان كسائر الصلوات. 2 - ما وقعت فيها في وقتين؛ هما غروب الشمس وقبل غياب الشفق لصلاة العشاء. ولم تختلف روايات حديث إمامة جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- في أن لصلاة المغرب وقتا واحدا، سوى من لم يتعرض لذلك من الرواة. واتفقت روايات عبد الله بن عمرو، وبريدة؛ وأبي موسى، على أن له وقتين. لم يخرج مسلم من حديث إمامة جبريل شيئا، إنما خرج حديث عبد الله بن عمرو أولًا، ثم حديث بريدة ثم حديث أبي موسى. وهي جميعا متفقة على أن لصلاة المغرب وقتين. والذي جاء في ترتيب "العلل الكبير" للقاضي: "قال محمد -يعني البخاري-: أصح الأحاديث عندي في المواقيت: حديث جابر بن عبد الله، وحديث أبي موسى، قال: وحديث سفيان الثوري، عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه في المواقيت، وهو حديث حسن، ولم يعرفه إلا من حديث الثوري". لكن يبدو أن في هذا السياق شيئا؛ ففيه عطفُ حديث أبي موسى وبريدة على حديث جابر في الوصف بـ "أصح الأحاديث عندي"، وعلى ذلك بَنَى العوني كلامَه. ونُسخة "ترتيب العلل" معروفة بالسقم، لا يُركن إليها دائما؛ ففي نَقْل البيهقي في "سننه الكبرى" (1/ 371) عن "علل الترمذي" عن البخاري أنه قال: "حديث أبي موسى حسن، وحديث الثوري عن علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة، عن أبيه في المواقيت هو حديث حسن". اهـ.

وفي نَقل ابن الملقن في "البدر المنير" (3/ 179) عن "علل الترمذي": سألت البخاري عنه - يعنى حديث بريدة، فقال: حديث حسن، ولم يعرفه إلا من حديث سفيان - يعني الثوري. فصواب عبارة البخاري حسبما جاء في الكتب الناقلة لهذا الموضع: "أصح الأحاديث عندي في المواقيت حديث جابر بن عبد الله، وحديث أبي موسى حسن، وحديث سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد عن ابن بريدة حديث حسن، ولم يعرفه إلا من حديث الثوري، وحديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبى هريرة في المواقيت هو حديث حسن". قال الترمذي: وحديث جابر في المواقيت قد رواه عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وأبو الزبير، عن جابر بن عبد الله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث وهب بن كيسان عن جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. فالذي قدمه البخاري بإطلاق هو حديث جابر، والأحاديث الأخرى قد حسَّنها، والدليل على ذلك أن كُلَّ مَن نقل كلام الترمذي ذكر قول البخاري: أصح شيء في المواقيت حديث جابر. ولم ينقلوا ذلك في سائر الأحاديث، وإنا نقلوا فيها التحسين فقط. وقد فهم عبد الحق الإشبيلي من عبارة الأصحية لحديث جابر أن ذلك في إمامة جبريل، لا في كل أحاديث المواقيت، نقله عنه الحافظ ابن حجر في كتاب "التلخيص الحبير". والمتأمِّل في الأحاديث الثلاثة التي نقل الترمذي فيها عن البخاري القولَ بتحسينها يراها جميعا تشتمل على فردية وغرابة في أسانيدها، ولعل في كلام الترمذى عقبه في ذكر تعدد الرواة عن جابر إشارة إلى ذلك.

بيانه: 1 - أن حديث أبي موسى الأشعري لا يُعرف إلا من طريق بدر بن عثمان، عن أبى بكر بن أبي موسى، عن أبيه، به. ورواه عن بدر جماعةٌ حفاظ مشاهير. قال البزار في مسنده (البحر الزخار 8/ 44): "حديث أبي موسى لا نعلم رواه عن أبى بكر إلا بدر بن عثمان". ثم قال: "وأكثر الأحاديث التى تُروى عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه صلى المغرب في اليومين جميعا لوقتٍ واحد، إلا حديث أبي موسى هذا، وحديث أبي هريرة الذي رواه الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وحديث قتادة عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو؛ فإن هؤلاء رووا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جعل للمغرب وقتين". اهـ. وفاتَهُ حديثُ سليمان بن بريدة عن أبيه، وروايةٌ لسليمان بن موسى، عن عطاء، عن جابر. وبدر بن عثمان ليس له في "صحيح مسلم" (614) و"سنن النسائي" (523) سوى هذا الحديث الواحد، ورواه أبو داود في "سننه" (334) وقال: "روى سليمان ابن موسى، عن عطاء، عن جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في المغرب بنحو هذا ... وكذلك روى ابن بريدة عن أبيه". اهـ. وفاتَه رواية قتادة، عن أبي أيوب، عن عبد الله بن عمرو في ذلك. وذكر البخاري حديث بدر هذا في ترجمته من "التاريخ الكبير" (2/ 139). 2 - وأما حديث بريدة بن الحصيب، فلا يُعرف إلا من طريق علقمة بن مرثد، عن ابن بريدة -وهو سليمان- عنه به. ونقل الترمذي -كما في ترتيب العلل- عن البخاري أنه لم يعرفه إلا من حديث الثوري، عن علقمة. مع أن الحديث قد رُوي عن شعبة، عن علقمة، كذا حكاه الترمذي نفسه في "الجامع" (152)

وخرجه مسلم من طريقه كذلك في "الصحيح" عن شيخه إبراهيم بن محمد بن عرعرة السامي، عن حرمي بن عمارة، عن شعبة به. فسواءٌ قلنا إن البخاري لم يقف على رواية شعبة أصلا -وهو بعيد- أو قلنا إنه لم يرها محفوظةً، كما عُهد عن غير واحد من النقاد إذا عبروا بهذه الجملة، فهو يَرى أن الحديث لا يُعرف إلا من طريق الثوري، عن علقمة بن مرثد، وهذا يؤيد معنى الغرابة الذي قدمنا. ورواية شعبة مدارها على حرمي بن عمارة، وقد رواها عنه غير ابن عرعرة شيخ مسلم: جماعةٌ منهم: ابن المديني، وبندار -محمد بن بشار-. ولما روى بندار هذا الحديث عن حرمي، ذكره لأبي داود -الطيالسي- فأنكره عليه، وقال: صاحب هذا الحديث ينبغي أن يُكَبَّرَ عليه. قال بندار: فمحوتُه من كتابي. وكأنَّ أبا داود رأى أن هذا الحديث ليس من حديث شعبة -وقد كان من المكثرين عنه والمقدَّميِن فيه- وأن الوهم إما من حرمي بن عمارة راويه عن شعبة، أو من بندار نفسه، فمحاه بندار من كتابه خشية أن يكون الحديث خطأ. هذا هو الظاهر من استنكار أبي داود، لكن ابن خزيمة لم يفهم منه هذا، بل كأنه فهم أن أبا داود يستنكر الحديث من أصله، لا من رواية شعبة فحسب، فقال في صحيحه: "ينبغي أن يُكبَّر على أبي داود؛ حيث غلط، وأن يُضرب بندار عشرة؛ حيث محا هذا الحديث من كتابه، (وهو) حديث صحيح على ما رواه الثوري أيضا عن علقمة، غلط أبو داود، وغيَّر بندار". اهـ. وحرمي بن عمارة ليس من المقدَّمِين في شعبة، وله عنه أوهام، وقد استنكر عليه الإمام أحمد حديثين عن شعبة، -صحَّحَ الشيخان أحدَهما، ووصفه أحمد بالغفلة مع كونه صدوقا.

والمقصود أن الحديثَ عند البخاري في جميع الأحوال غريبٌ من جهة الثوري، عن علقمة بن مرثد. ورواه عن الثوري: إسحاق بن يوسف الأزرق عند مسلم وغيره، ومخلد بن يزيد الحراني عند النسائي وغيره. 3 - وأما حديث محمد بن عمرو بن علقمة، عن أبى سلمة، عن أبى هريرة، فكذلك، لا يُعرف الحديثُ عن أبي هريرة إلا من هذا الطريق، وجاء عنه من طريق آخر أعلَّه البخاري بالإرسال، وهو حديث الأعمش عن أبي صالح، عن أبى هريرة، راجع "جامع الترمذي" رقم (151). ومحمد بن عمرو بن علقمة ليس بذلك الحافظ، ولابن معين كلام في روايته عن أبي سلمة، وله عنه مناكير. والملاحظ أن حديثي بريدة وأبي موسى يجعلان للمغرب وقتين، بخلاف حديث محمد بن عمرو، فيجعل له وقتا واحدا. أما حديث جابر، فله عنه طرق عدة، كما حكاه الترمذي، اتفقت جميعها على أن للمغرب وقتا واحدا، سوى رواية لسليمان بن موسى الأشدق، عن عطاء، عن جابر، ففيها أن له وقتا واحدا، وقد خولف سليمان فى ذلك. وبعد هذا الاستطراد، فإن من المعلوم أن قول البخاري: أصح الأحاديث عندي حديث كذا، لا يقتضي صحته عنده، وإنما هو من باب التفضيل والترجيح، وأَنْزَلُ منه ما وصفه بعد ذلك من الأحاديث بالحُسْن، ولو رأى البخاري في شيء من تلك الأخبار ما يصلح أن يخرجه في صحيحه أو يذكره تعليقا أو نحو ذلك في باب المواقيت -وهو بحاجة إلى ذلك وليس عنده ما يغني عنه- لَفَعَلَ.

فالاستدلال بوصف حديث سليمان بن بريدة، عن أبيه بـ "الحسن" على أن البخاري يرى صحة سماع سليمان من أبيه -مع ما مَرَّ شرحُه- استدلالٌ في غاية البُعد، والله تعالى الموفق. وأما رواية عبد الله بن بريدة، عن أبيه فلم يسلك فيها البخاري مسلك رواية أخيه سليمان، فلم يقل: لم يذكر عبد الله سماعا من أبيه، ولا أعرض عن إخراج حديث عبد الله عن أبيه في صحيحه، بل اكتفى بقوله في ترجمته من "التاريخ الكبير": (5/ 51): "عن أبيه سمع سمرة، ومن عمران بن حصين". ففرَّق بين (عن) أبيه و (سمع) سمرة. وعلَّق مغلطاي على هذا الموضع من ترجمة عبد الله من كتابه "الإكمال" بأن فيه إشعارا بل جزما بانه لم يسمع منه. اهـ. لكن لا يتساوى صنيع البخاري في ترجمة سليمان وعبد الله من هذه الزاوية، فترجمة سليمان أصرح فى المراد. وبالنظر في الحديثين الذين خرجهما البخاري لعبد الله بن بريدة، عن أبيه في كتاب "المغازي" نلاحظ ما يلي: الحديث الأول: رقم (4350) أخرجه البخاري في باب: "بعث علي بن أبى طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع" الحديث الثانى في الباب. قال البخاري: "حدثني محمد بن بشار حدثنا روح بن عبادة حدثنا علي بن سويد بن منجوف عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا إلى خالد ليقبض الخمس، وكنت أبغض عليا، وقد اغتسل، فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا؟ فلما قدمنا على النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكرت ذلك له، فقال: يا بريدة أتبغض عليا؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه، فإن له فى الخمس أكثر من ذلك".

هذا الحديث بهذا السياق المختصر، معروف برواية روح بن عبادة، عن علي بن سويد بن منجوف به. رواه عن روح جماعة، منهم الإمام أحمد في المسند (5/ 359). وعلي بن سويد ليس له في البخاري سوى هذا الموضع، كما قاله ابن حجر. وللحديث طريق أخرى عن عبد الله بن بريدة، يرويها عنه عبد الجليل بن عطية القيسي، وممن رواه عن عبد الجليل: (1) يحيى بن سعيد القطان، رواه عنه الإمام أحمد في المسند (21889). (2) والنضر بن شميل، رواه النسائي في "خصائص علي" عن إسحاق بن إبراهيم ابن راهويه عنه به. ومن طريق النسائي أخرجه الطحاوي في "مشكل الآثار" (7/ 74). (3) وعبد الصمد بن عبد الوارث، أخرجه ابن زنجويه في "الأموال" (968). وتتميز رواية عبد الجليل عن رواية علي بن سويد بن منجوف بما يلي: 1 - قال عبد الجليل -في رواية القطان والنضر عنه-: حدثنا عبد الله بن بريدة قال: حدثني أبي: بريدة قال ... ففيه تصريح عبد الله بسماعه من أبيه. 2 - في آخره -من روايتهم جميعا عنه- قال عبد الله: فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث غير أبي: بريدة. وهذا تأكيد لما سبق من السماع. 3 - في سياق حديث عبد الجليل زيادات، ففيها في أوله قولُ بريدة: "أبغضتُ عليا بغضا لم أبغضه أحدا، وأحببت رجلا من قريش لم أحبه إلا على بغضه عليا، قال: فأصَبْنا سَبْيًا، فكتب -أي الرجل- إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-: ابعث إلينا من يخمسه، قال: فبعث إلينا عليا، وفي السبي وصيفةٌ هى أفضل السبي، قال: فخَمَّس

وقسم، فخرج رأسه يقطر، فقلت: يا أبا الحسن ما هذا؟ فقال: ألم تر إلى الوصيفة؟ فإنها صارت في الخمس، ثم صارت في آل محمد، ثم صارت في آل علي، فوقعت بها". ثم قال: "فكتب الرجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالقصة، فقلت: ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب ويقول صدق". وفيه: "لا تبغضه وإن كنت تحبه فازدد له حبا". وفيه: "فوالذي نفس محمد بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة". وزاد: "قال: فما كان أحدٌ من الناس أحبَّ إليَّ من علي". وعبد الجليل هذا وثقه يحيى بن معين، وقال البخاري في "التاريخ الكبير" (6/ 123): "ربما وهم". وقال ابن كثير في "البداية والنهاية" (5/ 121): "تفرد به بهذا السياق عبد الجليل ابن عطية الفقيه أبو صالح البصري". ودخولُ الوهم على مثل عبد الجليل في ذِكْره صيغة التحديث بأن عبد الله وأبيه ممكنٌ. لكن ربما يُبعده نَقْلُ عبد الجليل قول عبد الله في آخر الحديث: "فوالذي لا إله غيره ما بيني وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث غير أبي: بريدة". فالوهم في هذا بعيد، وحينئذٍ فربما أشعر هذا أن عبد الله احتاج إلى بيان سماعه لهذا الحديث من أبيه مباشرة بلا واسطة؛ إذ كان السامعون يَعرفون عدم سماعه من أبيه في الجملة. فهل استأنس البخاري -على افتراض وقوفه عليه- برواية عبد الجليل في ذِكْر السماع في هذا الحديث بِعَيْنِه؛ لبُعده عن مظنة الوهم، لكنه لمَّا لم يكن على شرطه لم يخرج روايته، ولم يعتمد على لفظه، واكتفى بإيراد أصل الحديث مختصرا من رواية غير عبد الجليل عن عبد الله.

يُشجع على هذا الاحتمال عدمُ جزم البخاري بما يفيد عدم السماع -كما فعل مع سليمان- وإخراجه لعبد الله، عن أبيه حديثين في صحيحه. وللحديث طريق ثالثة، أخرجها الحاكم في "المستدرك" (6/ 195) من حديث الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن عبد الله بن بريدة. لكن اختلف في إسناده على الأعمش؛ فرواه أبو قلابة، قال: ثنا يحيى بن حماد -هو ابن أبي زياد اليصري- ثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، حدثني عبد الله بن بريدة، قال: إني لأمشي مع أبي، إذ مَرَّ بقوم ينقصون عليا ... ورواه أبو بكر بن أبي شيبة، عن وكيع، عن الأعمش، عن سعد بن عبيدة، عن ابن بريدة، عن أبيه: أنه مَرَّ على مجلسٍ .. ثم ذكر الحديث. والإسناد الأول صريح في الاتصال بخلاف الثاني، ولم أر الإسناد الأول إلا عند الحاكم في هذا الموضع، أما الاسناد الثانى فقد رواه أحمد فى "المسند" (5/ 358) وغيره، ورواه أبو معاوية عن الأعمش، مختصرا جدا، بلفظ: "ابن بريدة عن أبيه". أخرجه النسائي (5/ 130) وغيره. وهذا الإسناد الثانى أَسْلَمُ من جهة رواته، وأَبْعَدُ عن أسباب الوهم. وقد يمكن أن يقال: لم يخرج البخاري لعبد الله عن أبيه ما يحتج به أو يعتمد عليه فى بابه. أما هذا الحديث فقد خرج البخاري أولا حديث البراء: "بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع خالد بن الوليد إلى اليمن. قال: ثم بعث عليا بعد ذلك مكانه ... ". وهو كافٍ في معنى ما بوَّب به: "باب: بعث علي بن أبى طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن قبل حجة الوداع"، ثم خرج حديث عبد الله بن بريدة، عن أبيه، وهو شاهد لهذا المعنى، وليس فيه فيما زاد على ذلك شيء يُنكر.

وأما الحديث الثانى، فأخرجه (4473) في آخر باب: "كم غزا النبي -صلى الله عليه وسلم-" من كتاب المغازي أيضا، وفيه أن بريدة غزا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ست عشرة غزوة. وقد صدَّر البخاري الباب بحديث زيد بن أرقم، وفيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- غزا تسع عشرة غزوة، غزا هو معه سبع عشرة منها. وهذا كافٍ في معنى الباب المعقود لعدد غزواته -صلى الله عليه وسلم-. ثم أعقبه بحديث البراء أنه غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خمس عشرة، ثم حديث بريدة أنه غزا معه ست عشرة غزوة. فهما شاهدان لصحة حديث زيد بن أرقم في الجملة، والله تعالى أعلم. والإمام أحمد، مع روايته لحديث عبد الجليل بن عطية وإخراجه له في المسند -مع اشتماله على تصريح عبد الله بن بريدة بسماعه من أبيه- لمَّا سُئل عن سماعه منه، قال: "ما أدري، عامَّة ما يُروى عن بريدة عنه وضعف حديثه". رواه أبو القاسم البغوي: حدثني محمد بن علي الجوزجاني قال: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل ... وكذا قال حنبل بن إسحاق لأحمد: "فسمع عبد الله من أبيه شيئا؟ قال: لا أدري". اهـ. فهاتان روايتان عن أحمد تفيد توقفه في هذا السماع. لكن عقَّب محمد بن علي الجوزجاني -وهو أبو جعفر الوراق- بقوله: "لا أدري ما معنى قول أحمد هذا؛ فإن عبد الله بن بريدة ولد في خلافة عمر بن الخطاب، وبقي أبوه بريدة إلى أيام يزيد بن معاوية، فكيف لم يسمع منه، على أن أحمد قد روى له حديثا أنه وفد مع أبيه على معاوية، فكيف خفي سماعه منه". اهـ. رواه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/ 134).

أقول: خبر وفادة عبد الله بن بريدة مع أبيه على معاوية قد رواه عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن زيد بن الحباب، عن حسين -وهو ابن واقد- عن عبد الله بن بريدة، وفيه حكاية. ورواه أبو زرعة الدمشقي عن أحمد بن شبوية، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن عبد الله بن بريدة بذكر الوفادة فقط دون الحكاية. أخرجهما ابن عساكر (27/ 126). وأحمد لم ينف لقاء عبد الله لأبيه حتى يُستدرك عليه لإخراجه لما يدل على ذلك، وإن كان لأحمد كلام فى رواية حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة، وعزا أحمد ما يُنكر من حديث عبد الله إلى رواية حسين عنه، وكذا أبي المنيب، فلعله أن يقال: لم يَركن أحمد لهذا الخبر. وعلى كل حال، فإن كان ثَمَّ استدراك أو تعقيب، فبرواية عبد الجليل السالفة؛ ففيها التصريح بالتحديث، بل وفيها نَصُّ عبد الله على ما يدفع الشك في سماعه؛ بأنه لا يوجد بينه وبين أبيه في هذا الخبر واسطة. لكن يبقى افتراض أن يكون هذا الإسناد عند أحمد صحيحا محفوظا حتى يصلح الإلزام به. ولم أقف لأحمد على رأي في عبد الجليل بن عطية. وكثيرا ما نَفى النقاد سماعا أو توقفوا فيه مع حصول اللقاءة لقرينةٍ أو لأمرٍ ما دفعهم إلى ذلك، وهذا مستفيضٌ من صنيعهم. ومع اتفاق حنبل بن اسحاق ومحمد بن علي الجوزجاني في روايتهما عن الإمام أحمد قوله في سماع عبد الله بن بريدة من أبيه: "لا أدري"، فقد روى ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (27/ 134) من طريقين: أحدهما: معمر بن محمد الجوهري -وهو ابن عيسى بن سعيد أبو حفص المعروف بالسذابي- والخضر بن داود -فرقهما- قالا: حدثنا أحمد بن هانىء -هو أبو بكر الأثرم- قال: قلت لأبي عبد الله: ابنا

بريدة سليمان وعبد الله- زاد الجوهرى: كيف هما عندك؟ وقالا: فقال: أما سليمان فليس في نفسي منه شيء، وأما عبد الله. ثم سكت، ثم قال: كان وكيع يقول: كانوا لسليمان بن بريدة أَحْمَدَ منهم لعبد الله، أو شيئا هذا معناه. زاد الجوهرى: "قلت لأبي عبد الله: سمعا من أبيهما؟ قال: ما رأيت أحدا يشك في هذا أيهما (كذا) سمعا" اهـ. ولعل المراد: (أنهما) سمعا. أقول: أما رواية الخضر بن داود، فهى من رواية العقيلي عنه، رواها في ترجمة عبد الله بن بريدة من كتابه "الضعفاء". وهذا المعنى الذي اتفق الخضر بن داود والجوهري على روايته عن الأثرم مستفيضٌ عن الإمام أحمد، وهو تقديم أحاديث سليمان على أحاديث بريدة، وأرجع أحمد ما يوجد في أحاديث عبد الله عن أبيه من النكارة إلى بعض الرواة عن عبد الله كما مَرَّ. أما ما جاء من زيادة الجوهري في روايته عن الأثرم، وسؤاله لأحمد عن سماع سليمان وعبد الله من أبيهما، وجواب أحمد بأنه ما رأى أحدا يشك في هذا (أنهما) سمعا، فإن صح السياق هكذا ولم يكن فيه تحريف -ولم أجده في غير هذا الموضع- فهي زيادة مخالفة لما سبق نقلُه عن أحمد في ذلك. وعمر بن محمد الجوهري هذا قد ترجم له الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 225) وعنه الذهبي في "الميزان" (6200) وابن حجر في "اللسان" (6208). ولم يذكر الخطيب فيه توثيقا، بل قال: "وفي بعض حديثه نكرة" وساق له خبرا مرفوعا، قال الذهبي عنه: هذا موضوع. ولذا فلا يمكن الوثوق بزيادة الجوهري هذه عن الأثرم، إن صحت العبارة هكذا، وإجراء قواعد النقد على روايته تلك يقضى بخطأها وشذوذها، والله تعالى أعلم.

ص (71 - 75): استطرد العوني في استدلاله على أن نفي العلم بالسماع ليس دليلا على اشتراط العلم به، وإنما هو نفي لنفس السماع، فذكر ثلاثة أمثلة تدل على أن مسلما نفسه استعمل الإعلال بنفي السماع، والمفترض أنه لا يذهب هذا المذهب، بل يُشَنِّع على قائله، فهو دليل على أنه لم يقصد نفي العلم المجرَّد، بل نفي السماع بالقرائن التى وقف عليها. وهاك الجواب عما ذكره من الأمثلة: المثال الأول: ذكر مسلم حديثًا في كتابه "التمييز" من رواية محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، عن جده عبد الله بن عباس، وهو حديث: "أن النبى -صلى الله عليه وسلم- وقَّت لأهل المشرق العقيق"، ثم تعقبه بقوله: "لا يُعلم له سماعٌ من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه". قال العوني: "لم يلجأ مسلم إلى الجزم بعدم السماع اعتمادا على عدم المعاصرة، وإنما لجأ إلى الإعلال بنفي العلم بالسماع، التي هي عبارة عن ترجيحٍ لعدم السماع. قال: ويشهد لوقوع المعاصرة فعلا بين محمد بن علي وجدّه: أن ابن حبان ذكر محمد بن علي في طبقة التابعين، ولم يذكر له رواية عن صحابي غير جدّه ابن عباس. قال: واستدل لوقوع المعاصرة أيضا الشيخ أحمد محمد شاكر بطبقة الآخذين عن محمد بن علي، حتى مال إلى صحة سماعه من جده. وقال: بَيَّن ابنُ القطان في "بيان الوهم والإيهام" أن سبب الشك في سماع محمد ابن علي من جده ابن عباس أنه أدخل بينه وبينه واسطة في بعض حديثه عنه. اهـ.

أقول: الجواب: أن راوي هذا الحديث عن محمد بن علي هو يزيد بن أبي زياد القرشي أبو عبد الله الكوفي، قال مسلم نفسُه قبل كلامه السابق في سماع محمد من جده: يزيد ممن قد اتقى حديثَه الناسُ والاحتجاجَ بخبره إذا تفرد؛ (للذي) اعتبروا عليه من سوء الحفظ والمتون (؟) في رواياته التي يرويها. فالعلة التى ردَّ بها مسلمٌ هذه الرواية هي ضعفُ يزيد هذا؛ لسوء حفظه -وما كان يتلقن في آخر عمره- فلا يحتج بما يتفرد بيع وقد تفرد بهذا الحديث عن محمد بن علي، وجعله مع ذلك: عن جده. وقول مسلم بعد ذلك: "ومحمد بن علي لا يُعلم له سماع من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه" ليس من باب تعدد مواطن العلة فى هذا الحديث، وإنما هو لتقرير نكارة هذا الإسناد، وإلزام يزيد بالوهم فيه؛ بأن محمد بن علي بن عباس لا يُعرف بروايته عن جده، ولا يُعلم له لقاؤه أو رؤيته. ومن المعلوم أنه لا يُنظر في سماع راوٍ من شيخ له فى إسناد، إلا إذا كان الطريق إلى ذلك الراوي محفوظا حتى يستحق النظر في سماعه من شيخه هذا، فإن لم يكن كذلك، اكتفى الناقد ببيان عدم صحة الإسناد من أصله. وللنقاد نظرٌ خاصٌّ بمن يُعَلَّلُ به الإسنادُ فَيُحَمِّلُونه تبعةَ الخطأ فيه، وليس من منهجهم (فرز) الإسناد واحدا واحدا، واستخراج ما فيه من العيوب: فهذا ضعيف، وهذا لين، وهذا مدلس وقد عنعن، وهذا اختلط والراوي عنه ممن سمعه بعد الاختلاط، وهذا لم يسمع من شيخه، وهكذا. بل يصيبون كبد الحقيقة -ما أمكن- فيما يُعللون به الحديث، أو يُعِلُّون الحديث ولا يترجح لهم سببٌ خاصٌّ فى ذلك، فيتوقفون عن ذِكره مع جزمهم بالإعلال، ومع وجود عدة أسباب محتملة لذلك.

ولم يذكر أحدٌ من المعتمَدين في باب التراجم -وعلى رأسهم البخاري والرازيان- أن محمد بن علي يروي عن ابن عباس، ومن المعلوم أن أصحاب التواريخ وكتب التراجم يَذكرون أعلى مَن روى عنهم المترجَم له، فلو أن لمحمد بن علي رواية عن ابن عباس لقدموها على روايته عن أبيه. وهذا لا ينفي وجود روايته عن ابن عباس في بعض الأسانيد التي لا يرونها محفوظةً، فلم يعولوا عليها. أما ابن حبان، فمع اعتماده على البخاري في سوق تراجمه في الغالب، إلا أنه أحيانا يعتمد على ما يقع له في بعض الأسانيد، فيذكر الراوي في طبقة - بل وطبقتين، بناء على ما وقع له من ذلك، وعليه في بعض ذلك اعتراضات ومؤاخذات. والحافظ ابن حجر مع قوله في "تهذيب التهذيب": "ذكره ابن حبان فى طبقة التابعين من الثقات" إلا أنه لم يُقم لذلك وزنا، فقال في "التقريب": "من السادسة، لم يثبت سماعه من جده، مات سنة أربع -أو خمس- وعشرين يعني ومائة". والطبقة السادسة كما بيَّنها في مقدمة "التقريب" هي: طبقة من عاصروا صغار التابعين، لكن لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. فصنيع ابن حبان خطأ وشذوذ بلا شك. وما قدَّمته من عدم اعتداد الأئمة برواية محمد بن علي عن ابن عباس، فلم يذكروها في ترجمته، وقولُ مسلم السابق في كتاب "التمييز": "لا يُعلم له سماعٌ من ابن عباس، ولا أنه لقيه أو رآه" قاضٍ على تلك الرواية بالشذوذ، ولو ثبتت فهي منقطعة حتما، ولا عبرة حينئذ بميل أحدٍ إلى صحة ذلك السماع بناء على مقدمات واهية في مقابل تصرفات الأئمة. وفَهْمُ العوني لجواب ابن القطان: بأن سبب الشك في سماع محمد بن علي من جده ابن عباس أنه أدخل بينه وبينه واسطة في بعض حديثه عنه: خطأ؛ لأسباب:

أما أولًا: فلأن ابن القطان إنما قال: "ومحمد بن علي إنما هو معروف بالرواية عن أبيه عن جده ابن عباس ... ولم يذكر البخاري ولا ابن أبي حاتم أنه روى عن جده". ثم نقل كلام مسلم في "التمييز"، فهذا واضح من كلام ابن القطان -كما سبق في تقريرنا- أن الأصل في رواية محمد بن علي أنها عن أبيه عن جده، فلما جاءت رواية يزيد بن أبى زياد هذه بإسقاط (أبيه) وقع الشك -حسبما عبَّر ابن القطان- في سماع محمد من جده. لا أن ابن القطان يقول إن سبب الشك في هذا السماع هو وجود (أبيه) بين محمد وجده في بعض حديثه، فهذا قَلْبٌ للأمر. ثانيًا: لا يصح ما ذكره العوني شرحا لكلام ابن القطان إلا إذا عكسنا القضية، فتكون رواية محمد بن علي عن جده مستفيضة، أو قائمة يعترف بها الأئمة ويثبتونها في كتبهم، ثم يبحثون في سماعه منه، فيقعون على بعض الروايات التى ترد بزيادة (أبيه)، فحينئذ يقولون: لم يذكر سماعا، ويروي أحيانا بواسطة، فيغلب على ظنهم عدم السماع. وهذا نموذج عجيب لعدم فهم تصرفات القوم في تعاملهم مع الأسانيد والروايات. وعُذر العوني ميلُه الشديد لإثبات ما تقرر عنده سلفا. والله تعالى الموفق. المثال الثاني: ذكر ابن رجب في "فتح الباري" حديثا لأبي صالح -مولى أم هانىء- عن ابن عباس، ثم قال: وقال مسلم في كتابه "التفصيل": "هذا الحديث ليس بثابت، وأبو صالح باذام قد اتقى الناس حديثه، ولا يثبت له سماع من ابن عباس". اهـ. أقول: أبو صالح هذا قد اتُّهم بالكذب، والقضية إنما هي في رواية الثقة غير المدلس، وأبو صالح ليس هو بالثقة، ولا هو ممن يُؤمن منه التدليس، فقول مسلم: لا يثبت له سماع من ابن عباس، إنما هو باعتبار أنه في نفسه ليس بثقة حتى تُحتمل منه عنعنةٌ بالشرائط التي ذكرها مسلم. فالمثال لا يصلح إلا مع اكتمال أركان المسألة، والله تعالى أعلم.

المثال الثالث: قال العوني: تُذكر قصة صحيحة أن مسلما دخل على البخاري، فقال له مسلم: دعني أقبل رجليك يا أستاذ الأستاذين، وسيد المحدثين، وطبيب الحديث في علله!. ثم ذكر بمحضرهما حديث كفارة المجلس، من رواية موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبى صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة، فقال مسلم للبخاري: في الدنيا أحسن من هذا؟! تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا؟! فقال البخاري: لا، إلا أنه معلول. فقال مسلم: لا إله إلا الله! (وارتعد)، أخبرني به؟ فقال: استر ما ستر الله، فألحَّ عليه، وقبَّل رأسه وكاد أن يبكي، فقال: اكتب إن كان ولابد. وأَمْلَى عليه رواية وهيب، عن سهيل بن أبي صالح، عن عون بن عبد الله بن عتبة موقوفا عليه، وقال له: لم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل، وحديث وهيب أَوْلَى، فقال مسلم: "لا يبغضك إلا حاسد، وأشهد أن ليس في الدنيا مثلك"! أقول: بصرف النظر عن الشك في صحة هذه القصة، وما في سياقها من بعض الغرابة -ولعلنا نتعرض لذلك لاحقا- فإن القَدْر المتعلق بإعلال البخاري لرواية موسى بن عقبة قد أورده البخاري في "تاريخه الكبير" (4/ 105) وغيره، والملاحظ أن العلة الأصلية لرواية موسى هي مخالفة وهيب بن خالد، وإجراء بعض قواعد النقد على تلك المخالفة يقضى لرواية وهيب على رواية موسى. بيان ذلك: 1 - أن وهيبا -بالإضافة إلى تثبته البالغ- هو أعرف بسهيل وحديثه، وقد أكثر عنه، وله في "صحيح" مسلم عنه عدة أحاديث، وسماعُه منه مستفيضٌ، أما موسى بن عقبة فهو من أقران سهيل، ولا تكاد تعرف له عنه رواية إلا في هذا الحديث، وحديث

آخر بهذا الإسناد مرفوعا: "وفد الله ثلاثة: الغازي والحاج والمعتمر" وقد خالفه وهيب فيه أيضا: فرواه عن سهيل، عن أبيه، عن مرداس، عن كعب قوله. ذكره الدارقطني في "العلل" (10/ 125) والبيهقي في "سننه" (5/ 262). بل إن رواية سهيل عن موسى هي الأكثر والأشهر في الكتب. 2 - أن رواية وهيب تدل على حفظه؛ لأنها طريق غير معهودة، قد سلك فيها خلاف الجادة من حديث سهيل. 3 - أن إسناد: ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل بن أبي صالح، لا يُعرف إلا في هذا الحديث، كما قال البخاري لمَّا سأله مسلم: "في الدنيا أحسن من هذا؟ تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا؟ ". وهو سؤال استغراب من مسلم أن يأتي هذا المتن بمثل هذا الإسناد، فلمَّا أطلعه البخاري على علة قاضيةٍ بخطأ ذلك الإسناد، زال استغرابُه. 4 - ليس من اللازم أن تكون المقارنة بين وهيب وموسى في روايتهما عن سهيل، يدل عليه من كلام البخاري قوله: لم يذكر موسى سماعا من سهيل، فكأنه يُحيل على ما بينهما من الواسطة، وكذلك فقد أعلَّ روايةَ موسى برواية وهيب كُلٌّ من: الإمام أحمد، حكاه الدارقطني في "العلل" (8/ 203) وأبو زرعة وأبو حاتم كما في "العلل" (2077) وأرجع أحمد احتمال الوهم فيه لابن جريج، وتردد أبو حاتم في سبب الوهم بين ابن جريج وبين سهيل، ولم يذكروا موسى بن عقبة بشيء. فهؤلاء كأنهم يذهبون: أولا: -بتخطئة ابن جريج- إلى: 1 - أن الحديث لم يكن عند ابن جريج، عن موسى بن عقبة، عن سهيل، بل هو عنده بإسناد آخر.

2 - أو عنده عن موسى بن عقبة، لكن ليس عن سهيل، بل عن رجل عن سهيل، فالعهدة على تلك الواسطة. 3 - أو عنده عن موسى بن عقبة، عن سهيل، لكن ليس عن أبيه، عن أبى هريرة مرفوعا. وثانيا: -بتخطئة سهيل- إلى أنه كان عنده: عن عون بن عبد الله موقوف، فوهم وسار على جادة الإسناد، فجعله: عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعا. فالبخاري قد قدم رواية وهيب، وأعلَّ الرواية الأخرى، كما صنع أحمد والرازيان، لكن قوله: "لم يذكر موسى بن عقبة سماعا من سهيل" كأنه يُلمح إلى الاحتمال الثاني، على اعتبار أن بين موسى وسهيل واسطة؛ لأنه لا يُعرف له سماع منه، سواء كان موسى يرسله عن سهيل، أو أخطأ فيه ابن جريج، وإلى الاحتمال الأول على اعتبار أن موسى بن عقبة لا يُعرف بالرواية عن سهيل، فالإسناد خطأ. يؤيدُ الأخيرَ جزمُه بأنه لا يعرف في الدنيا بهذا الإسناد إلا هذا الحديث، ولشهرة رواته، كان ذلك أمارةً على شذوذ هذا الإسناد من أصله. فلما وقف على رواية وهيب زالت تلك الإشكالات، وتبين وجه الصواب في الإسناد، بغض النظر عن تعيين وجه الخطأ فيه. أما مسلم فقد استغرب إسناد هذا الحديث، وعبَّر عن ذلك بقوله: "في الدنيا أحسن من هذا! " كعادة غير واحدٍ من المتقدمين في التعبير أحيانا عن الغرابة بالحسن، وزاد: "تعرف بهذا الإسناد في الدنيا حديثا غير هذا؟ ". فحديثٌ غريبٌ؛ لا تُعرف روايةُ بعض رواته عن بعض -مع شهرتهم- إلا في هذا الحديث الواحد، لَيُثير الريبة، مع شيء من التعجب والهيبة، فلما أوقفه البخاري على رواية وهيب الموقوفة، زال عنه إشكال تلك الغرابة، وعلم أن هذا الإسناد خطأ كشأن كثير مما يشبهه من غرائب الأسانيد ذات الرواة المشاهير.

هذا هو ما اطمأن له مسلم من العلة المذكورة، وليس رضاه عن ذلك منحصرا فيما ذكره البخاري من عدم علمه بسماع موسى بن عقبة من سهيل، فلم تكن صحة الإسناد عنده متوقفة على ذلك السماع حتى يقال: إنه رضي بنفيه من البخاري، بل وكاد يطير فرحًا بذلك!!. بل أسباب الخلل في هذا الإسناد لاسيما مع الاطلاع على رواية وهيب ظاهرة لصغار الطلبة فضلا عن إمامٍ كمسلم رحمه الله. يؤيد ذلك تعليلُ أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة والدارقطني وغيرهم للحديث دون التعرض لذلك السماع. وقد سبق شرحُ تلك الأسباب آنفا. والمقصود أن ما جعله العوني إعلالا من البخاري -وهو عدم العلم بالسماع- إنما هو قرينة لذلك، وما جعله قرائن للإعلال -وهو ما اشتملت عليه رواية وهيب من المخالفة- إنما هو عين الإعلال، والله تعالى الموفق. وأما فيما يتعلق بصحة هذه القصة، فقد سبق العوني إلى تصحيحها: الحافظ ابن حجر في كتاب "النكت على كتاب ابن الصلاح" (1/ 227) وجاء تصحيحه لها ردا على توهين العراقي -وغيره- لها، واتهامه لراويها: أحمد بن حمدون القصار، وقد حقق ابن حجر وغيره أن المستنكر في هذه القصة ما جاء فيها من قول البخاري: "لا أعلم في الباب غير هذا الحديث" وهذا غير متصور أن يصدر من مثل البخاري في سعة اطلاعه، مع وجود عدة أحاديث في هذا الباب. وذكر أن صواب العبارة: "لا أعلم في الدنيا بهذا الإسناد غير هذا الحديث" وقد سبق شرحُ ما يستفاد من هذه العبارة. وذكر ابن حجر أن الوهم جرى لأبي عبد الله الحاكم في سياقه لهذه الحكاية في كتابه "معرفة علوم الحديث"، وقد روى تلك الحكاية من طريق الحاكم بهذا اللفظ المستنكر: الخطيب في "تاريخ بغداد" (5/ 496) (13/ 102) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (58/ 91)، ورواه الخطيب (1/ 205) وابن عساكر (52/ 68) باللفظ الآخر من غير طريق الحاكم.

وقد ساقها الحاكم نفسه على الصواب في "تاريخ نيسابور" كما قاله ابن حجر وغيره. ووهم الحاكم في هذا الحديث وهمًا آخر، فقال عقبه في "المستدرك": "هذا الحديث صحيح على شرط مسلم إلا أن البخاري قد علله بحديث وهيب عن موسى بن عقبة عن سهيل عن أبيه عن كعب الأحبار". اهـ. كذا قال، وقد سبق أن رواية وهيب التي ذكرها البخاري وغيره إنما هي عن: سهيل، عن عون بن عبد الله بن عتبة من قوله. ولعل الحاكم ذهب وهمُه إلى حديث: "وفد الله ثلاثة ... " الذي سبقت الإشارة إليه، وقد خالف فيه أيضا وهيب ما رواه موسى بن عقبة عن سهيل. وأحمد بن حمدون القصار الذي تدور عليه هذه القصة -وهو صاحبها، والذي اتهمه بها بعضهم- قد حمل عليه أبو علي الحافظ شيخ الحاكم، وقال: حدثنا أحمد بن حمدون إن حلت الرواية عنه، وأنكر عليه أحاديث. وقد كان حافظا، وقال الخليلي في "الإرشاد": "صاحب غرائب وحفظ". وسأل الحاكمُ شيخَه: لم قال ذلك؟ أهذا بسبب ما نُسب إليه من المجون والسخف، أم لأجل الحديث؟ فقال: لأجل الحديث. فساق له أحاديث استنكرها عليه، فأجاب عنها الحاكم بأنه قد رواها غيره، وذكر أنه فتش في حديثه فلم ير شيئا يكون الحمل فيه عليه، وقال: أحاديثه مستقيمة، وهو مظلوم. ويشهد لأصل القصة فيما يتعلق بإعلال البخاري لرواية ابن جريج عن موسى تلك، ما ذكره البخاري بلفظه في ترجمة سهيل من "التاريخ الكبير" كما سبق. لكن يبقى النظر في بقية سياق القصة وألفاظها، وليس بالمستغرب أن يسأل مسلمٌ البخاريَّ عن هذا الحديث على النحو الذي ذكرناه آنفا، لكن لا يبعد أن يصبغها راويها أحمد بن حمدون القصار بتلك الصبغة حسبما يتفق مع ما وصف به من المزاح والسخف، ففي السياق "صنعة" و"كلفة".

وفي بعض السياق غرابة، فليس من عادة البخاري ولا غيره من النقاد ذلك التمنُّع والعُسْر الشديد في بيان ما عندهم من نقد الأخبار، حتى تبلغ أن يُلِحَّ مسلمٌ، ويُقَبِّلَ رأسَ البخاري، ويكاد يبكي! وليس يسوغ لأئمة هذا الشأن أن يستروا -أو يكتموا- أخطاء الرواة أو علل الأسانيد، لاسيما إذا سُئلوا عنها، أو عُرضت عليهم. فلا يُقال في هذا: "استر ما ستر الله" فليس هذا من جنس ما يسوغ سِتْرُهُ. هذا ما أردت تقييده هنا بهذا الصدد على عجالة، والله تعالى الموفق. ص (77): في المسألة الثالثه: الأدلة على بطلان نسبة اشتراط العلم باللقاء إلى البخاري وغيره من العلماء. الدليل الأول: سبق الجواب عن شبهات العوني في محاولته إسقاط الحجة التي اعتمد عليها الناسبون لذلك الشرط إلى البخاري وغيره من الأئمة. الدليل الثاني: نَقْل مسلم الإجماع في مقدمة "صحيحه" على ما ذهب إليه. أقول: 1 - إطلاق ذلك الإجماع إنما هو دعوى في محل نزل تحتاج إلى ما يدعمها، وما ذكره مسلم من شواهد على ذلك الإجماع قد نُوزع فيها كما سبق، بل وفي صنيعه نفسه ردٌ على بعض ذلك. 2 - ومَنْ زُعم اطلاعُه على "مقدمة مسلم" دون نكير -وهو أبو زرعة- هو من مشاهير من نُسب إليه خلافُ مذهب مسلم، وفي مناقشة تلك القضية الشائكة

لا يُكتفى باحتمال اطلاع فلان وفلان على ما قاله مسلم دون نكير؛ لأن الجواب عن ذلك باحتمالات مناهضة يُفسد الحِجاج ويُسقطه. والواجب اعتبار الصريح من تصرفات الأئمة، دون الركون إلى احتمالات ومنطقيات لا تقدم ولا تؤخر. 3 - ومهما يكن من قوة عبارات مسلم في نقل ذلك الإجماع وثقته بذلك، فهو يعكس قناعته التامة بما يطرحه في هذه القضية، وقد بناه على ما ذكره من أن طائفة من أهل الحديث الذين ذكرهم -ومنهم شعبة والقطان وابن مهدي، ومن بعدهم- لم يكونوا يفتشون عن سماع رواة الحديث ممن روى عنهم إلا إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهر به. وقد خُولف مسلمٌ فيما بَنى عليه ذلك الإجماع بأن ما نفاه من صنيع أهل الحديث قد وُجد بكثرة، ونظرةٌ في كتب المراسيل -مثلا- تُبين ذلك بجلاء. 4 - وقضيةُ قَصْد مسلم بذلك التشنيع البخاريَّ رحمه الله، قضيةٌ فرعيةٌ لا تُغير من حقائق الأمور شيئا، وسواء أقصد مسلمٌ البخاريَّ أم لا؟ فالمراد: هل هو مذهب البخاري -كما أكده غير واحد من المحققن وأثبتوه من صنيعه في كتبه- أم لا؟ واستبعادُ أن يكون مسلمٌ قصد البخاريَّ لشناعة الألفاظ التي استعملها في الحَطِّ على قائل تلك المقالة، لا ينفي عن البخاري أن يكون من أصحابها، والعبرة بالدلائل والبينات. 5 - ولا حاجةَ لِنَصْبِ أو زَعْم خلافٍ بين البخاري ومسلم في تلك المسألة، وناسِبُ ذلك الشرط الذي أنكره مسلم إلى البخاري لا يلزمه القول بنصب ذلك الخلاف، كما سبقت الإشارة إلى ذلك. 6 - قول العوني في جوابه عما تُعُقب به على مسلم من الوقوف على تصريح بعض الرواة بالسماع من بعض في تلك الأسانيد التي زعم مسلم أنه لم يُحفظ عنهم فيها سماع، ومن ذلك في "صحيح" مسلم نفسه، قوله (ص 93): "إني لأتلمس

من وقوع السهو لمسلم في بعض ذلك أنه كان مستهينا بخصمه غاية الاستهانة، وأنه كان عنده أقل وأدنى من أن يُنَقِّر له الأدلة، ويُصَفِّيَ له الروَّية؛ استخفافا بذلك المبتدع المستحدث لذلك القول، ثم تصبَّر على الرد، وهو مستثقله، ولذلك لم يَحزم له كُلَّ حُموله، ولا أعد له كُلَّ عدته"!! أقول: هذا أقرب إلى انتقاص مسلم من الاعتذار له؛ إذ كيف يُقيم الدنيا في رد دعوى جاهل خامل الذكر، ثم يستهين به حتى يفتح الباب له لينقده بل اللائق به أن يعتني بتمحيص الأدلة، وانتقاء البراهن التي تُلزم خصمه وتلجمه مهما كان حاله، بل رد الجاهل خامل الذكر على مثل مسلم أشد عيبا لمسلم من رد ذي العلم المعروف، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل. ص (93): • قول الحاكم: قرأت بخط محمد بن يحيى: سألت أبا الوليد: أكان شعبة يفرق بين (أخبرني) و (عن)؟ فقال: أدركت العلماء وهم لا يفرقون بينهما. أقول: الحاكم هو أبو عبد الله، ومحمد بن يحيى هو الذهلي، وأبو الوليد هو هشام بن عبد الملك الطيالسي. وتعتمد صحة وجادة الحاكم تلك على معرفته بخط الذهلي وتمييزه له، وقراءته من كتابٍ له، وأبو الوليد كأنه يُلمح إلى مذهب شعبة في ذلك بأن ذكر ما يخالفه، وشعبة قد استفاض عنه قوله: "كل حديث ليس فيه حدثنا وأخبرنا فهو خَلٌّ وبَقْلٌ"، وهو من أَجَلِّ شيوخ هشام، وقد عُرف بالتشدد في هذا الباب، وكان يتتبع ألفاظ الرواة، ويوقفهم على السماع، وقد كَفى مَن بعده النظر في عنعنة المدلسين الذين روى عنهم كما هو مشهور في موضعه.

وعلى كل حال فمطلق عبارة هشام غير مراد قطعا، ولابد لها من حَمْلٍ مقبول، ولذا فقد ضيَّقه البيهقي بأن حمله على من لا يُعرف بالتدليس، فمن لم يُعرف بذلك لم يُراع العلماء ذكره التحديث أو الإخبار في روايته، لكن وُجد في صنيع النقاد الإعلال بعدم السماع لفقد التصريح من غير المدلس في أحيان كثيرة، وجعلوه من قبيل المرسل، ولذلك فقد زاد ابن رجب فاحتمل حمله على من ثبت لقاؤه، حتى يحترز من المرسل. وعبارة أبي الوليد لا تفيد معنى الإجماع المذكور، بل تصدق على جماعة ممن أدركهم، ويبقى افتراض أنهم ممن يؤخذ عنهم ذلك الفن. ص (95): • قول الحاكم في النوع الحادي عشر من "علوم الحديث" (ص 34): "معرفة الأحاديث المعنعنة وليس فيها تدليس، وهي متصلة بإجماع أئمة أهل النقل على تورع رواتها عن أنواع التدليس". أقول: الملاحظ أن الحاكم لم يتعرض لاشتراط العلم باللقاء، لكنه شرط خلو الإسناد من أنواع التدليس. وبالرجوع إلى النوع السادس والعشرين من "علوم الحديث" وهو معرفة المدلسين (ص 103) نجد الحاكم قد ذكر للتدليس عنده ستة أجناس: قال: الجنس السادس من التدليس: "قوم رَوَوْا عن شيوخ لم يَرَوْهم قط ولم يسمعوا منهم، إنما قالوا: قال فلان، فحمل ذلك عنهم على السماع، وليس عندهم عنهم سماع عال ولا نازل". اهـ.

فبان بذلك أن قوله في الموضع الأول: " ... وليس فيها تدليس ... على تورع رواتها عن أنواع التدليس" يدخل فيه التحرز من الإرسال الذي هو رواية الراوي عمن عاصره ولم يره أو لم يدركه إلا أنه لم يسمع منه. والتحرز من الإرسال هو أساس اشتراط العلم باللقاء أو السماع بين المتعاصرين كما هو معلوم. نعم، تطبيقات الحاكم تفيد اكتفاءه بالمعاصرة، فهذا مذهبُه، وقد جُرِّب على الحاكم مخالفته لتقريراته النظرية في كتابه "المستدرك" لمن تأمل ذلك، والله الموفق. وقد شرح ابن حجر في "النكت" ظهور الاتصال الذي هو من شروط "المسند" وعَوَّلَ فيه على كلام الحاكم الذي اختلفت النسخ الخطية في نقله عنه، بقوله: "ظهور الاتصال يخرج المنقطع، لكن يدخل فيه ما فيه انقطاع خفي؛ كعنعنة المدلس، والنوع المُسمَّى بالمرسل الخفي، فلا يخرج ذلك عن كون الحديث يُسمى مسندا". وعبارة الحاكم التي يدور الجدل حولها هي قوله: "المسند من الحديث أن يرويه المحدث عن شيخ يظهر سماعه منه لِسن يَحتمله (وفي نسخ: ليس يحتمله) وكذلك سماع شيخه من شيخه إلى أن يصل الإسناد إلى صحابي مشهور إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". فقد بيَّن الحافظ أن هذا الظهور لا يشترط انتفاء عنعنة المدلس ولا الإرسال الخفي، مع أن الحاكم قد شرط لقبول الحديث المعنعن ألا يكون فيه تدليس -مع تورع رواته عن أنواع التدليس- كما سبق بيانه، واشتمال ذلك عنده على الإرسال. ص (102). لست أطيل في هذا الموطن فيما وقع في كلام أبي عمرو الداني، والبيهقي، وابن حزم بهذا الصدد، لكني أقول: أما أبو عمرو الداني فهو آخذٌ من عبارة الحاكم، وقد عاب ابنُ حجر على ابن الصلاح نقل هذا القول عن أبي عمرو مع أنه أخذه من كلام الحاكم.

قال ابن حجر: "لا شك أن نقله عن الحاكم أَوْلَى؛ لأنه من أئمة الحديث، وقد صنف في علومه". يعني أن أبا عمرو الداني ليس من أئمة الحديث، فإن فنه القرآن وعلومه كما هو معلوم. وقد سبقت الإشارة إلى كلام الحاكم في هذا الصدد. ص (105): أما البيهقي، فإن العوني ادعى أن الطحاوي أعلَّ حديث قيس بن سعد عن عمرو بن دينار بعدم العلم بسماعه منه، فأجاب عليه البيهقي، والحق أن الطحاوي لم يُعل الحديث بعدم العلم بالسماع، بل قال: "أما حديث ابن عباس فمنكر؛ لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" يعني حديث القضاء بشاهد ويمين. وعبارة الطحاوي لا تفيد ما توهمه العوني، فإن الطحاوي قد ادعى أن الحديث منكر، ثم وجه ذلك بقوله: "لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء". فلم يتعرض لسماعه منه أو لقائه له بنفي ولا إثبات، ولا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع، فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء. حرر ذلك العلامة المعلمي في "التنكيل" (2/ 153 - 154) وقال: "فإن قيل: إنما ذاك لاعتقادهم ضعف أولئك المشايخ، وعمرو لم يستضعفه أحد. قلت: بل قد يكون لسببٍ آخر؛ كما امتنع ابن وهب من الرواية عن المفضل بن فضالة القتباني؛ لأنه قضى عليه بقضية، وامتنع مسلم من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي؛ لما جرى له معه في شأن اختلافه مع البخاري، فكأن الطحاوي رأى أن قيسا لو كان يروي عن عمرو لجاء من روايته عنه عدة أحاديث؛ لأن عمرا كان أقدم وأكبر وأجل، وقد سمع من الصحابة، وحديثه كثير مرغوب فيه، وكان قيس معه

بمكة منذ ولد، فحَدَسَ الطحاوي أن قيسا كان ممتنعا من الرواية عن عمرو، فلما جاء هذا الحديث استنكره كما قد نستنكر أن نرى حديثا من رواية ابن وهب عن المفضل، أو من رواية مسلم عن محمد بن يحيى. فإن قيل: فقد يكون لاستنكاره خشي انقطاعه. قلت: كيف يبني على ظن امتناع قيس من الرواية عن عمرو نفسه أن يحمل هذا الحديث على أنه أرسله عنه، بل المعقول أنه إذا امتنع من الرواية عنه نفسه كان أشد امتناعا من أن يروي عن رجل عنه، فضلا عن أن يرسل عنه -أو بعبارة أخرى- يدلس، وقيس غير مدلس. فإن قيل: فعلى ماذا يحمل؟ قلت: أما الطحاوي فكأنه خشي أن يكون سيف -وهو راوي الحديث عن قيس- أخطأ في روايته عن قيس، عن عمرو. فإن قيل: فهل تقبلون هذا من الطحاوي؟ قلت: لا، فإن أئمة الحديث لم يعرجوا عليه؛ هذا البخاري مع استبعاده لصحة الحديث فيما يظهر إنما حَدَسَ أن عمرًا لم يسمعه من ابن عباس، وذلك يقضي أن الحديث عنده ثابت عن عمرو. وهذا مسلم أخرج الحديث في "صحيحه" وثبته النسائي وغيره. وليس هناك مظنة للخطأ، وسيف ثقة ثبت، لو جاء عن مثله عن ابن وهب عن المفضل بن فضالة، أو عن مسلم عن محمد بن يحيى لوجب قبوله؛ لأن المحدث قد يمتنع من الرواية عن شيخ ثم يضطر إلى بعض حديثه. هذا على فرض ثبوت الامتناع، فكيف وهو غير ثابت هنا؟ بل قد جاء عن قيس عن عمرو حيث آخر، روى وهب بن جرير عن أبيه قال: "سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار ... " ووهب وأبوه من الثقات الأثبات.

ذكر البيهقي ذلك في الخلافيات ثم قال: "ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا" نقله ابن التركماني في "الجوهر النقي" ثم راح يناقش البيهقي بناء على ما توهموه أن مقصود الطحاوي الانقطاع ودعوى أنه لم يثبت لقيس لقاء عمرو، وقد مر إبطال هذا الوهم. والطحاوي أعرف من أن يدعي ذلك لظهور بطلانه، مع ما يلزم من اتهام قيس بالتدليس الشديد الموهم للقاء والسماع، على فرض أن هناك مجالا للشك في اللقاء. وقد بيَّنا أن الطحاوي إنما حام حول الامتناع، والحق أنه لا امتناع، ولكن قيسا عاجله الموت، ولما كان يحدث في حلقته في المسجد الحرام كان عمرو حيا في المسجد نفسه، ولعل حلقته كانت بالقرب من حلقة عمرو، فكان قيس يرى أن الناس في غنى عن السماع منه عن عمرو؛ لأن عمرا معهم بالمسجد، فكان قيس يحدث بما سمعه من أكابر شيوخه، فإن احتاج إلى شيء من حديث عمرو في فتوى أو مذاكرة فذكره، قام السامعون أو بعضهم فسألوا عمرا عن ذلك الحديث فحدثهم به فرووه عنه ولم يحتاجوا إلى ذكر قيس، واستغنى سيف في هذا الحديث وجرير في الحديث الآخر بالسماع من قيس، لأنه ثقة ثبت، ولعله عرض لهما عائق عن سؤال عمرو ... ". وقد قال المعلمي قبل ذلك (ص 153): "قيس ولد بعد عمرو ومات قبله، وكان معه بمكة وسمع كل منهما من عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم. وكان عمرو لا يدع الخروج إلى المسجد الحرام والقعود فيه إلى أن مات، كما تراه في ترجمته من طبقات ابن سعد، وكان قيس قد خلف عطاء في مجلسه كما ذكره ابن سعد أيضا، وسمع عمرو من ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم ولم يدركهم قيس. فهل يظن بقيس أنه لم يلق عمرا وهو معه بمكة منذ ولد قيس إلى أن مات، أو لم يكونا يصليان معا في المسجد الحرام الجمعة والجماعة؟! أو لم يكونا يجتمعان في حلقة

عطاء وغيره في المسجد؟! ثم كان لكل منهما حلقة في المسجد قد لا تبعد إحدى الحلقتين عن الأخرى إلا بضعة أذرع! أو يظن بقيس أنه استنكف من السماع من عمرو؛ لأنه قد شاركه في صغار مشايخه ثم يرسل عنه إرسالا؟ ". اهـ. قال الفقير إلى الله تعالى: المراد هنا أن البيهقي إنما رد استنكار الطحاوي رواية قيس عن عمرو بن دينار، وأنه لا يوجد مسوغ لردها واستبعادها، وأن الدلائل والبينات قائمة على وقوع اللقاء بينهما على ما ذكر البيهقي -وشرحه المعلمي وقرره- وهي من الحالات النادرة التي تتوفر فيها تلك الدلائل بين أمثال قيس بن سعد وعمرو بن دينار، ولا يوجد تصريح واحد بسماع ونحوه، ومع ذلك لم يطعن أحد في ذلك السماع، ولا أثبته أحدٌ بنصٍّ خاصٍّ. ص (111): وأما ابن حزم فنقلُه عدم الخلاف فيما ذَكر مجازفةٌ، فقد نقل أن العدل لا يروي عمن أدركه إلا ما سمعه، والمدلس عنده ساقط العدالة، وليس ابن حزم ممن يرجع إليه في مثل تلك القضايا. ص (106): وأما ابن عبد البر فكلامه واضح غاية الوضوح في الإجماع على قبول الإسناد المعنعن إذا كان رواته عدولا، وتحقق لقاء بعضهم لبعض مجالسةً ومشاهدةً، مع البراءة من التدليس. وقد غالط العوني في تعليقه على كلام ابن عبد البر مغالطاتٍ يضيق هذا الموضع عن كشفها.

لكني أقول: مراد ابن عبد البر أن الإسناد المعنعن إذا اجتمعت فيه تلك الشرائط فهو مجمع على قبوله، ولا يشترط التصريح بالسماع في كل موضع؛ لأن: (عن) حينئذ ظاهرها الاتصال، وهو الأصل فيها، فلو اختل شرط من تلك الشرائط تخلف هذا الظهور. والمثال الذي ذكره ابن عبد البر يحتاج إلى إيضاح: روى الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي، عن ابن المبارك، عن ثور بن يزيد قال: حُدِّثْتُ عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مسح ظاهر خفيه وباطنهما. ورواه الوليد بن مسلم عن ثور، عن رجاء بن حيوة، عن كاتب المغيرة، عن المغيرة به مرفوعا. فأعلَّ أحمد والبخاري وأبو زرعة والترمذي وغير واحد رواية الوليد برواية ابن المبارك، والذي صنعه الوليد هو إبدال صيغة: "حُدِّثْتُ" بين ثور وحيوة بصيغة: "عن"، وزاد ذكر المغيرة، فوصل الإسناد. والذي يعنينا هنا هو قضية الإبدال، فأقول: لفظة: "حُدِّثْتُ" صريحةٌ وظاهرة في الانقطاع، أما لفظة: "عن" فكما سبق أن الأصل في استعمالها الاتصال بالشروط المذكورة، فإذا اختل شرط منها لم يُقطع بالانقطاع، بل فَقدت ظهور الاتصال، فهي على الاحتمال، والتردد في ذلك كافٍ في التوقف في الخبر أو حتى رده إلى أن يثبت الاتصال. فالذي صنعه الوليد هو إبدال ما هو صريح في الانقطاع بما هو محتمل أو ظاهر في الاتصال بشروطه، وهذا شبيا جدًّا -بل هو هو- بتدليس التسوية؛ لأن صيغة "حُدِّثْتُ" عِوَضٌ عن ذكر الواسطة، فأسقطها الوليد بقوله: "عن"؛ لأنها ليست صريحة في ذكر الواسطة.

ومما يؤكد ما ذكرتُ أن قضية الإبدال هنا ليست هي لصريحٍ في الانقطاع بظاهرٍ في الاتصال مطلقا، أن ثور بن يزيد لا يكاد يُعرف بالرواية عن رجاء بن حيوة إلا في هذا الحديث، وخبر آخر موقوف، قد خولف في إسناده فيه كما في: "سنن" الدارقطني (3/ 309) و"سنن" البيهقي (7/ 447) وإن جاء فيه تصريحه بالسماع من رجاء بن حيوة، والحديث قال فيه أحمد: هذا حديث منكر. ص (114 - 115): كلام الشافعي يشتمل قبول الحديث المعنعن بشروط ثلاثة - هي كما سبق في كلام ابن عبد البر: العدالة واللقاء والبراءة من التدليس، فحينئذٍ يستوي "سمعت فلانا" و"عن فلان" وكلام العوني فيه ما فيه. (116 - 117): أقول: كلام الحميدي الذي نقله الخطيب في "الكفاية" (ص 24) عليه مناقشات. من ذلك: 1 - الاكتفاء بمعرفة شيخه الثقة لمن روى عنه، وإن لم يعرفه هو، فيكفيه ثبوته عند من حدثه. فقد قال الحميدي في صفة الحديث الذي يثبت وتلزم الحجة به: " ... أو يكون حديثا متصلا حدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه، فيكون ثابتا يعرفه من حدثنيه حتى يصل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- .. ". فيكتفي الحميدي بمجرد معرفة شيخه الثقة لمن روى عنه، ولم ينص على كون شيخه وثَّقَهُ، بل يعرفه، والمحققون لا يرون في قول الراوي: "حدثني الثقة" حجةً في قبول خبره، فكيف إذا كان يعرفه فقط؟

2 - قوله: "وإن لم يقل كلُّ واحدٍ ممن حدثه: سمعت أو حدثنا حتى ينتهي ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإن أمكن أن يكون بين المحدث والمحدث عنه واحد أو أكثر؛ لأن ذلك عندي على السماع لإدراك المحدث من حدث عنه حتى ينتهي ذلك إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولازمٌ صحيحٌ يلزمنا قبوله ممن حمله إلينا إذا كان صادقا مدركا لمن روى ذلك عنه ... فهذا الظاهر الذي يحكم به، والباطن ما غاب عنا من وهم المحدث وكذبه ونسيانه وإدخاله بينه وبين من حدث عنه رجلا أو أكثر، وما أشبه ذلك مما يمكن أن يكون ذلك على خلاف ما قال، فلا نُكَلَّفُ علمُه إلا بشيء ظهر لنا، فلا يسعنا حينئذ قبولُه لما ظهر لنا منه. اهـ. أقول: أولًا: لم يتعرض الحميدي لبراءة الرواة من التدليس، وهو الحد الأدنى عند الجميع، وعليه فهذا إطلاق لم يقل به أحد فيما أعلم. ثانيًا: قوله: "وإن أمكن أن يكون بين المحدث والمحدث عنه واحد أو أكثر ... والباطن ما غاب عنا ... لما يمكن أن يكون ذلك على خلاف ما قال ... ". أقول: من أجل هذا الإمكان احتاط المحققون ووضعوا قواعد لنقد الأسانيد ونصبوا شروطا لقبول الأخبار، ولم يتركوا سبيلا لهذه "الإمكانات" أو "الاحتمالات" إلا أغلقوه، سوى القليل النادر مما لا يغيب أمره عن مجموع النقاد. ولو فُتح البابُ لهذا الإمكان وهذا الباطن، ورُكن إلى ذلك لما اطمأن ناقدٌ لخبر. وهذا لا يتنافى مع كون هذا العلم إنما هو بغلبة الظن، لكنه الظن الغالب والراجح الذي هو مناط التكليف في كثير من العلوم. ففي مسألتنا هذه شُرط لقبول الإسناد المعنعن:

1 - عدالة الرواة؛ لإخراج كل مَنْ مِنْ شأنه الوقوع في الخطأ عمدا أو سهوا. 2 - البراءة من التدليس؛ لإخراج مَنْ يروي عمَّن سمع منه ما لم يسمع؛ مُوهما السماع منه. 3 - تعاصر الراويين؛ لإخراج مَنْ يروي عمَّن لم يدركه، أو أدركه في سِنٍّ لا تحتمل. 4 - لقاء الراوييْن، ولو مرة، أو يَرد سماعه له من طرق محفوظة تقوم بها الحجة؛ لاستبعاد احتمال أن يروي عمن لم يلقه أو لم يسمع منه قط، وهو المعروف عند الأكثر بالإرسال، فإذا ثبت هذا لم يضره أن يقول بعد ذلك: "عن"؛ لأن الفرض أنه غير مدلس، وهذا هو الشرط الذي نازع فيه مسلم. 5 - ألَّا توجد دلائل وبينات على عدم اللقاء أو السماع؛ تحرزا من دخول الوهم أو الخطأ فيما جاء صريحا في الدلالة عليهما. ولذا، وجب التفتيش عمَّا مِن شأنه أن يكون وإلا على عدم اللقاء أو السماع، أو مُغَلِّبا للظن بذلك قبل الحكم بالاتصال؛ لأن هذا من لوازم الشروط: أن تُستوفى أولًا قبل الحكم بمقتضاها. ص (117 - 121): قول الخطيب في "الكفاية" (ص 291): "أهل العلم بالحديث مجمعون على أن قول المحدث: حدثنا فلان عن فلان صحيح معمول به: (1) إذا كان شيخه الذي ذكره يعرف أنه قد أدرك الذي حدث عنه ولقيه وسمع منه. (2) ولم يكن هذا المحدث ممن يدلس.

(3) ولا يُعلم أنه يستجيز إذا حدثه أحد شيوخه عن بعض من أدرك حديثا نازلا فسمى بينهما في الإسناد مَن حدثه به أن يُسقط ذلك ويروي الحديث عاليا، فيقول: حدثنا فلان عن فلان، أعني الذي لم يسمعه منه؛ لأن الظاهر من الحديث السالم رواية مما وصفنا الاتصال، وإن كانت العنعنة هي الغالبة على إسناده". ثم أسند الخطيب إلى الشافعي قوله الذي سبق التعليق عليه، وهو: " ... وكان قول الرجل: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا، وقوله: حدثني فلان عن فلان سواء عندهم، لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه، فمن عرفناه بهذا الطريق قبلنا منه: حدثني فلان عن فلان إذا لم يكن مدلسا ... ". فأقول: نَقْلُ الخطيب للإجماع المذكور مشتملا على الإدراك واللقاء والسماع هو كلمة اتفاق في حمل الإسناد المعنعن على الاتصال، سوى القول الشاذ بلزوم التصريح بما يدل على السماع في كل موضع. وما استشهد به الخطيب من كلام الشافعي في قوله: "لا يحدث واحد منهم عمن لقي إلا ما سمع منه ... " يسير في نفس المضمار، وسبق تكلف العوني في توجيه تلك العبارة. وتبقى الحالة التي ذكرها مسلم ونقل عليها الإجماع أيضا، وهي عدم تحقق اللقاء أو السماع، وهذه لم يتعرض لها الخطيب في هذا الموضع، أما قوله في (ص 289): "وأما قول المحدث: قال فلان، فإن كان المعروف من حاله أنه لا يروي إلا ما سمعه جعل ذلك بمنزلة ما يقول فيه غيره: ثنا، وإن كان ربما يروي سماعا وغير سماع لم يحتج من رواياته إلا ما بين الخبر فيه".

فهذا أعَمُّ من أن يكون ثبت سماعُه ممن روى عنه أم لا، وتعينُ أنه لم يثبت سماعه حتى يقال إن الخطيب هنا يوافق مذهب مسلم تكلفٌ وتحكمٌ، فالتشبث به سراب، وليس هذا موطن تحرير هذه القضية عند الخطيب. ص (122): سبق الجواب عن دعوى عدم صلاحية "صحيح" البخاري دليلا على اشتراط العلم باللقاء. ص (123): مناقشة الأمثلة التي ضربها العوني للدلالة على اكتفاء البخاري في "صحيحه" بالمعاصرة دون اشتراط ثبوت اللقاء أو السماع. المثال الأول: حديثا أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان بن عفان -رضي الله عنه-: الأول: حديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (5027). والثاني: حديث حصار عثمان، وما فيه من قصة حفر بئر رومة، وتجهيز جيش العسرة (2778). أقول: قد صرح البخاري في "تاريخيه" المطبوعين بسماع أبي عبد الرحمن من عثمان، بالإضافة إلى علي وابن مسعود. مع أنه قد قال شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن من عثمان ولا من عبد الله، ولكن قد سمع من علي، روى هذا الدوري في "تاريخه" (3180) عن يحيى بن معين عن حجاج عن شعبة.

ورواه ابن الجنيد في "سؤالاته" (603) عن ابن معين نفسه، ثم قال: "وأظن يحيى ذكر هذا عن شعبة". ولم يشك الدوري، بل جزم بأنه من نقل ابن معين عن شعبة، فنسبة هذا القول لابن معين -كما فعل العوني- غير دقيقة. نعم، نَقْلُ ابن معين وسكوتُه يُفيد الموافقة في الجملة، وإلا لبيَّن مخالفته في ذلك، كما هي عادة النقاد، كما فعل أحمد فيما رواه عنه الأثرم أنه لما ذكر قول شعبة: لم يسمع أبو عبد الرحمن السلمي من عثمان ولا من ابن مسعود، لم يُنكر، وقال: دَعْ عبد الله، فإني تركته، أراه وهما. "مراسيل" ابن أبي حاتم (107 - 108). ويؤكد أحمد ذلك الوهم بقوله -كما نقله عنه ابنه في "العلل ومعرفة الرجال" (4506) -: " ... وقرأ أبو عبد الرحمن (يعني السلمي) على عبد الله، وكان قارئا للقرآن ... ". وقال ابن أبي حاتم عن أبيه في كتاب "الجرح" (5/ 37): "روى عن عثمان وعلي وابن مسعود، روى عن عمر مرسل"، فلم يجزم هاهنا بالانقطاع إلا بين أبي عبد الرحمن وعمر، وكذا جزم ابن معين بعدم سماعه من عمر. وقال أبو حاتم في "المراسيل" (106): "ليس تثبت روايته عن علي، فقيل له: سمع من عثمان بن عفان؟ قال: روى عنه، لا يذكر سماعا". اهـ. وقد أخرج البخاري لأبي عبد الرحمن السلمي عن علي عدة أحاديث، جاء التصريح بسماعه منه في واحد منها (3081) (6939). ومسلم لم يخرج لأبي عبد الرحمن عن عثمان شيئا، إنما خرج له عن علي في عدة مواضع. والمقصود هنا ما يلي: 1 - لم يعتمد البخاري في تصحيح حديثيّ أبي عبد الرحمن السلمي عن عثمان على المعاصرة وحدها كما زعم العوني، وإلا لصحح كثيرا من الروايات المشابهة،

ولأورد الباحث لذلك عشرات النظائر، لا أربعة نماذج لا يصفو له منها شيء، وهذا خلاف ما عرف من طريقة البخاري ومذهبه، فكم أعرض عما صححه غيره من أجل هذا الشرط. والذي يقتضيه جزم البخاري بسماع أبي عبد الرحمن من عثمان في "تاريخيه" أنه وقف على دليل أو أكثر، أو قرائن تبلغ مبلغ الأدلة على ثبوت ذلك السماع. 2 - هناك فرقٌ بين أن يصرح مثل البخاري بسماع راوٍ من آخر، وبين أن يصحح تلك الرواية لقرائن احتفت بها. 3 - لم ينفرد البخاري بمخالفة قول شعبة فيما يتعلق بسماع أبي عبد الرحمن السلمي من المذكورين، فقد خالفه أحمد في سماعه من عبد الله بن مسعود كما مَرَّ، وخالفه أبو حاتم في روايته عن علي، ومسلم يظهر أنه وافقه في أنه لم يسمع من عثمان - فلم يخرج له عنه شيئا، ووافقه في سماعه من علي كما فعل البخاري، والبخاري قد خالفه في سماعه من عثمان، ووافقه في علي، وخالفه في ابن مسعود فصرح بسماعه منه، إلا أنه لم يخرج لأبي عبد الرحمن عنه شيئًا. 4 - يدل هذا على أن القضية في هذا المثال وأكثر الأمثلة الآتية في كلام العوني إنما هي قضايا خلافية اجتهادية، يُثبت البخاري فيها سماعَ راوٍ من آخر وينفيه غيره، وهناك كثير من النماذج -بل هي الغالبة- على عكس ذلك؛ ينفي البخاري أو يتوقف في سماعٍ يُثبته غيره، وذلك بحسب ما يتوفر لكل ناقد أو إمام من دلائل ثبوت السماع، كما يختلفون في توفر شروط العدالة والضبط. المثال الثاني: حديث عروة بن الزبير، عن أم سلمة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال لها: "إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك، والناس يصلون" (1619) (1626).

ذكره الدارقطني في "التتبع" وقال: "هذا مرسل" وبيَّن أنه روي من طريق عروة، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة. وقال الطحاوي في "بيان مشكل أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-": "عروة لا نعلم له سماعًا من أم سلمة". أقول: لي على هذه الرواية بعض الملاحظات: أولًا: أخرج البخاري في "صحيحه" عدة أحاديث، جميعها من طريق عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة ومنها هذا الحديث في السياق الأول، ولم يخرج هذا الإسناد بدون ذكر زينب إلا في السياق الثاني من هذا الحديث. ثانيًا: عروة لم تشتهر روايته عن أم سلمة وله عنها في الكتب أحاديث ربما لا تزيد على السبعة، ليس في شيء مما وقفت عليه ما يدل على السماع، بل في بعضها صيغ ظاهرها الحكاية عن قولها لا الرواية عنها، مثل: قالت أم سلمة. ثالثًا: جُلُّ أحاديث عروة عن أم سلمة إنما هي بواسطة زينب بنت أبي سلمة، وبعضها بواسطة عائشة، أخرج منها البخاري حديثين أو ثلاثة. رابعًا: لم يتعرض البخاري في "تاريخيه" المطبوعين لرواية عروة عن أم سلمة، فضلًا عن السماع منها. خامسًا: خرج البخاري حديث عروة، عن زينب، عن أم سلمة بلفظه تامًّا في باب (64): طواف النساء مع الرجال، رقم (1619)، ثم خرجه في باب (71): من صلى ركعتي الطواف خارجًا من المسجد، رقم (1626) مصدرًا به الباب، ولم يُتم لفظه، بل ذكر صدره فقط، ثم عطف عليه (1627) رواية عروة عن أم سلمة تامًّا.

ولفظ الرواية الأولى ليس فيه محل الشاهد للتبويب، فلم يتمه، وساق الرواية الثانية بلفظها المشتمل على موضع الحاجة منها، وهي قوله: "فلم تُصلِّ حتى خرجت". والملاحظ أن الرواية الأولى مسندة إلى أم سلمة من قولها، أما الثانية فحكاية عما دار بينها وبين النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعن فعلها. وصنيع البخاري في اكتفائه بصدر الرواية الأولى، وعطف الأخرى عليها تامَّة يقتضي أنهما عن قصة واحدة، الأولى مسندة من لفظ أم سلمة، والثانية حكاية عن فعلها. سادسًا: احتياط البخاري وتوقِّيه المعروف عنه يقضي باعتماده في الباب على الإسناد الأول، وهو الإسناد المشهور المتفق على اتصاله، والذي أكثر من الاحتجاج به في "صحيحه"، لكن لما لم يكن فيه ما احتاج إليه صريحا منصوصا عليه في معنى التبويب، تجوَّز في إيراد اللفظ التامّ المحتوي على موضع الحاجة بإسناد محتمل، أخرج أصله قبل ذلك. وقد صنع البخاري شبيها بهذا في كتاب الصلاة، ففي باب: الصلاة على الفراش، أخرج البخاري (383) حديث عروة، أن عائشة أخبرته، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهي بينه وبين القبلة على فراش أهله اعتراض الجنازة. ثم أعقبه (384) برواية عروة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وعائشة معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي ينامان عليه. قال الحافظ في الرواية الثانية: "صورة سياقه بهذا الإرسال، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من عائشة بدليل الرواية التي قبلها، والنكتة في إيراده أن فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه بخلاف الرواية التي قبلها فإن قولها: "فراش أهله" أعم من أن يكون هو الذي نام عليه أو غيره".

أقول: المثالان قريبا الشَّبَه، والفرق أن حديث الصلاة ظاهر الإرسال بخلاف حديث الحج، وقد قال الحافظ: "سماع عروة من أم سلمة ممكن؛ فإنه أدرك من حياتها نيفا وثلاثين سنة، وهو معها في بلد واحد"؛ ولذا لم يقل الحافظ هنا ما قاله في حديث الصلاة "لكنه محمول على أنه سمع ذلك من زينب بنت أبي سلمة". وعندي أنه ينبغي قول ذلك، فمن المعطيات الست السابقة وغيرها يظهر لي أن البخاري لم يورد حديث يحيى بن أبي زكريا الغساني أبي مروان، عن هشام، عن عروة، عن أم سلمة من أجل أنه يرى أن عروة سمع من أم سلمة، ولكن اعتمادا -كما سبق بيانه- على أن الرواية عند عروة، عن زينب، عن أم سلمة، ولكنه احتاج إلى حكاية عروة للحديث عن فعل أم سلمة للموضع الذي سقناه آنفًا. يؤيد ذلك أن النسائي لما أعلَّ رواية عروة عن أم سلمة أعلها بأنه لم يسمعه منها، وإنما سمعه من زينب عنها، ثم ساقه من طريق مالك عن أبي الأسود، عن عروة به، فحمل رواية عروة عن أم سلمة على أنه سمعها من زينب عنها، كما يدل عليه صنيع البخاري. أما الدارقطني فقد أعله بالإرسال، وتتبَّع في ذلك البخاريَّ آخذًا عليه إخراجه في "الصحيح"، وذكر أن حفص بن غياث رواه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أيى سلمة، عن أمها أم سلمة، فوصله من طريق هشام عن عروة، لكن المحفوظ من رواية جماعة عن هشام إنما هو بدون ذكر زينب، كما قال الحافظ. ومن تدبر صنيع البخاري ظهر له أنه لا يلزمه بإيراده رواية عروة عن أم سلمة اعتراضٌ ولا انتقاضٌ، على ما شرحناه سابقا. ولا يتوجه أو يسوغ حملُ إيراده تلك الرواية على أنه يكتفي في ثبوت الاتصال بالمعاصرة، ولو كان ذلك يحتمل ولو من وجه بعيد لاكتفى البخاري بإيراده

إسنادا ومتنا في الباب المعقود لأجله، وما الذي ألجأه إلى تصدير الباب برواية عروة عن زينب دون أن يسوق لفظها الذي لا يشتمل على موضع الشاهد منه؟! هذا ما عَنَّ لي، والله تعالى من وراء القصد، وهو حسبي ونعم الوكيل. ص (127): المثال الثالث: حديث قيس بن أبي حازم، عن بلال بن أبي رباح، أنه قال لأبي بكر: "إن كنت إنما اشتريتني لنفسك فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني وعمل الله". رقم (3755). قال العوني: "وقد قال علي بن المديني في "العلل": "روى عن بلال ولم يلقه". فلما أراد العلائي الدفاع عن ذلك قال: "في هذا القول نظر؛ فإن قيسا لم يكن مدلسًا، وقد ورد المدينة عقب وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والصحابة بها مجتمعون، فإذا روى عن أحدٍ: الظاهرُ سماعُه عنه". وبنحو ذلك دافع خالد الدريس عن هذا الحديث في "صحيح" البخاري، مضيفا أنه حديث موقوف، وفي باب المناقب. وبذلك نرجح أن البخاري اكتفى في إخراجه لهذا الحديث بشرط مسلم". انتهى ما قاله العوني. أقول: هكذا ساق العوني طرف إسناد الحديث: قيس بن أبي جازم، عن بلال بن أبي رباح، أنه قال لأبي بكر ... والذي في "الصحيح" (3755): "قيس أن بلالًا قال لأبي بكر ... " وبينهما فرق؛ فالأُولى صريحةٌ في الرواية عن بلال نفسه، وهي تقتضي الاتصال بالشروط التي ذكرناها آنفا، والثانية حكاية عن القول المذكور، ولا تُحمل بظاهرها على الاتصال، حسبما جرى عمل النقاد في التفريق بين "عن" و"أن" كما سبق التنبيه عليه في غير موضع.

والمقصود أن سياق إسناد الصحيح لا يُعد من مسند قيس عن بلال، وإنما يَحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون قيس قد حضر ذلك الموقف فحكى ما شاهده وسمعه بناء على لقائه لأبي بكر وسماعه منه وروايته عنه، وقد أثبت له السماع منه: ابن المديني نفسه، وقد ثبت التصريح بسماعه منه وحضور مجلسه في غير موضع، بل قد قيل: إن أصح الأسانيد إلى أبي بكر هو: إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن أبي بكر. الثاني: ألا يكون شهد ذلك، وإنما بلغه؛ إما حدَّث به أبو بكر في حضوره، أو جرى ذكر ذلك في مجلسه، أو حدَّثه أحدٌ ممن حضروا ذلك القول، فأرسله. وقد ذكر الطبراني في "المعجم الكبير" (1/ 356) ما رواه قيس بن أبي حازم عن بلال فذكر حديثين غريبين: أحدهما: بلفظ: عن بلال يرفعه ... والثاني: عن بلال أنه رأى رجلا ... ولم يذكر هذا الحديث، وقد ذكره في ترجمة بلال (1/ 337) من طريق عبد الله بن أحمد، عن أبيه، عن أبي أسامة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم بلفظ: قال بلال لأبي بكر حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... وبمثل هذا اللفظ أخرجه ابن سعد في "الطبقات" (3/ 238) عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن إسماعيل به. وقوله: "قال بلال" هو نحو "أن بلالا قال"، وكلاهما غير صريحين في الاتصال على ما بيَّنا. واستظهر الحافظ بلفظ أحمد: "حين توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" على أن ذلك القول كان في خلافة أبي بكر، يعني بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فكأنه يُلمح إلى وقوع ذلك حال وجود قيس في المدينة على المشهور من وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقيس في طريقه إليه، فلم يدركه.

والمراد أن سياق البخاري لهذا الحديث في هذا الموطن إن كان على الاحتمال الأول الذي ذكرناه آنفا، وهو حضور قيس لذلك الموقف وشهوده إياه، فالأمر على السلامة والجادّة، فلا إشكال، وليس بممتنع أن يختلف البخاري مع شيخه ابن المديني في مثل هذا، فإن مقتضى إثبات ابن المديني سماع قيس من أبي بكر ونفي لقاءه لبلال أنه يرى عدم حضوره ذلك الموقف. وعلى كل حالٍ فالأصلُ عدم ثبوت اللقاء أو السماع حتى تأتي بينةٌ عليه، ولذا فالاحتمال الأول لا تُساعد عليه الأدلة، ووجب العمل بكلام ابن المديني في ذلك؛ لأنه لم ينهض دليلٌ أو قوله يخالفه، وسياق البخاري للإسناد ظاهره الإرسال كما بيناه سابقا. وإن كان على الاحتمال الثاني -وهو الأقرب- فقد تجوز فيه البخاري بإيراده في كتاب المناقب، وليس فيه حُكمٌ، ولا ما يُحتاج فيه إليه وحده. وأمَّا أنَّ البخاري بإخراجه لهذه الرواية بهذا السياق يرى سماع قيس من بلال؛ اكتفاءً بمطلق المعاصرة، فهو خطأ يكشفه ما سبق إيضاحه، والله تعالى الموفق. ص (127): المثال الرابع: حديثا عبد الله بن بريدة عن أبيه، وقد سبق النظر في ذلك، فليراجعه من شاء. ص (128): احتجاج العوني بأن هناك مجموعة من الأسانيد نُفي سماعُ بعض رواتها من شيوخهم، وهي في "صحيح" البخاري، والنُّفاة للسماع أمثال: أبي داود، وأبي حاتم الرازي، والعقيلي، والإسماعيلي، والدارقطني، وغيرهم، بقوله: لو كان متقررًا عندهم أن البخاري يشترط العلم بالسماع لما تجرءوا على انتقاد بعض أحاديث "صحيحه" بعدم السماع ...

أقول: هذا احتجاجٌ في غاية السقوط؛ لأنه لا يَعْدُو أن يكون ذلك اختلافا في الاجتهاد والنظر. "وعدم التجرؤ" الذي يصوره العوني هو اختراعٌ حادث ابتدعه بعض المتأخرين، ليس له أثرٌ عند متقدمي الأئمة والنقاد ممن عاصروا البخاري أو جاءوا بعده إلى زمن الخطيب فلم يُؤثَر عن أحدٍ من المعتبَرين منهم التوقفُ عما يراه مخالفا لرأي البخاري أو صنيعه من أجل أنه وضعه في "صحيحه". وأقوال هؤلاء، والكُتب التي صنفها بعضهم في هذا الصدد، تشهد على ذلك، فالناقد يخبر عن رأيه في الرواة: عدالةً وضبطا وسماعا، وفي الأخبار: قبولا وردًّا، بغض النظر عن رأي غيره وشرطه كائنا من كان. ولا يتهيأُ هذا ولا ينبغي لِكُلِّ أَحَد، ولكل مقامٍ رجال، والأمر يدور مع الدلائل والبينات، ولا علاقة لهذا الباب بـ "الأدب العلمي" الذي هَوَّل به العوني. ولو صدقتْ تلك التوهمات، ما جرؤ!! أحدٌ من النقاد على الطعن أو الجرح في راوٍ خرج له البخاري في "صحيحه"، وكذلك مسلم، أو على إعلال حديث خُرج فيهما؛ لأن الفرض أنهما ينتقيان رجال "صحيحيهما" وأحاديثهما، فالطعن في أحدهما "سوء أدب" مع صاحب "الصحيح"، وعدم وثوق باجتهاده ونظره. والحقُّ أن شأنَ أهل العلم عند أنفسهم أجلُّ من ذلك. فمقاماتُ أئمة النقد، ومن أجلِّهم البخاري، محفوظةٌ، ومراتبُهم في هذا الفنِّ معلومةٌ، ولم يُتهم أحدٌ من المتقدمين بمخالفته لشيخه أو من تقدمه بسوء أدب أو نحوه، وكُلٌّ يُؤخذ من قوله ويُرَدُّ ولا يُضرب كلامُ أهل العلم بعضه ببعض، ولا يُلزم أحدُهم بقولِ آخر، بل تُجرى قواعدُ الفن في كل موضع. والله تعالى أعلم.

ص (130): الدليل الحادي عشر: احتجاج البخاري في "صحيحه" بالمكاتبة والمناولة المقترنة بالإجازة، بل واحتجاجه بالوجادة. أقول: أما المكاتبة والمناولة المقترنة بالإجازة فلا إشكال فيهما، بل هما مما اتفق غالب أهل العلم على الاحتجاج بهما، وهو المشهور المعتمد المعمول به. وليس ثمة علاقة بين الاحتجاج بهاتين الوسيلتين من وسائل التحمل وبين عدم اشتراط العلم بالسماع؛ لأنهما كافيان في الاتصال، وهو المراد، فبأي وسيلة ثبت مما يُحتج به واعتُبر عند النقاد: أَغْنَى ذلك عن الشرط المعهود للاتصال، وهو العلم بالسماع. وأما الوجادة، فقد اختُلف في الاحتجاج بها، ووضع المحتجون بها شروطا لذلك، لكن لم يثبت أن البخاري احتج بها، والمثال الذي ذكره العوني قد وصفه الدارقطني بالمكاتبة، وأيَّده الحافظ في مقدمة "فتح الباري" (ص 380) وهو الصحيح. ص (132): الدليل الثاني عشر: اكتفاء البخاري بالمعاصرة في نصوص صريحة عنه. 1 - سأل الترمذيُّ البخاريَّ كما في "ترتيب العلل الكبير" (2/ 632) عن حديثٍ لعطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي قائلا: "أترى هذا الحديث محفوظا؟ قال: نعم. قلت له: عطاء بن يسار أدرك أبا واقد؟ فقال: ينبغي أن يكون أدركه، عطاء بن يسار قديم". اهـ. أقول: الحديث هو: "ما قُطع من البهيمة وهي حية فهي ميتة" وهو من رواية زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، وهذا الحديث لا يُعرف إلا من حديث زيد بن أسلم، كما قال الترمذي في "الجامع" (1480).

وقد اختلف عليه فيه؛ فرواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عطاء، عن أبي واقد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الإسناد الذي سأل الترمذي البخاري عنه. ورواه المسور بن الصلت وخارجة بن مصعب، عن زيد، عن عطاء، عن أبي سعيد الخدري، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. ورواه سليمان بن بلال، عن زيد، عن عطاء بن يسار، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا. ورواه هشام بن سعد، عن زيد، عن ابن عمر. وهو اختلاف مشهور، حكاه غير واحد من الحفاظ، وهذا هو محل سؤال الترمذي للبخاري: هل المحفوظ من رواية زيد بن أسلم أنها عن عطاء بن يسار، عن أبي واقد الليثي؟ على اعتبار أن للحديث عن زيد بن أسلم أسانيد أخر على ما ذكرنا. فَرَدَّ البخاريُّ عن السؤال بالإيجاب؛ أي أن هذا الوجه محفوظ. وقد خولف البخاري - فيما نقله عنه الترمذي هنا. فرجح الدارقطني المرسل بقوله: "المرسل أشبه" كما في "علله" (1152). وحكى البزار الأوجه الثلاثة الأُوَل، وقال: المسور لين الحديث، وقد روى عنه جماعة من أهل العلم، وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فليس بالقوي في الحديث -"نصب الراية" (4/ 378) - ولم يذكر رواية سليمان المرسلة بشيء فكأنه يميل إلى تقويتها. وخرج أبو نعيم في "الحلية" (8/ 251) رواية يوسف بن أسباط، عن خارجة بن مصعب، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري مرفوعا. وقال: "تفرد به خارجة فيما أعلم عن أبي سعيد، ورواه عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عطاء، عن أبي واقد الليثي، وهو المشهور الصحيح". اهـ.

هذا مما وقفت عليه بشأن ذلك الخلاف، وكلامِ بعض الحفاظ عليه، ولست بصدد النظر في الراجح من ذلك، ولكن الشأن الآن هو تقرير أن البخاري حكم فيما رواه عنه الترمذي في كتاب "العلل" بأن طريق عبد الرحمن بن عبد الله هذا محفوظ، وليس بمنكر أو خطأ، وليس هذا من قبيل الحكم على ذلك الإسناد بالصحة المشتملة على جميع مفردات الشروط المعتبرة المعروفة. ولو كان مقتضى جواب البخاري على ما يفهمه كثير من المتأخرين في معنى المحفوظ في مثل هذا الموطن: أنه حكم على الإسناد بالصحة والقبول مطلقا، لما احتاج الترمذي إلى السؤال عن إدراك عطاء بن يسار لأبي واقد الليثي؛ لأنه حينئذٍ يكون البخاري قد أجاب ضمنا عمَّا هو أبعد من الإدراك وهو السماع، هذه واحدة. الثانية: أن سؤال الترمذي عن الإدراك وليس السماع يشير إلى أن الإدراك كان عنده فيه بُعْدٌ أو غموض، ولذا فقد دفع البخاري عنه هذا الإشكال بأن الإدراك ليس بخافٍ؛ إذ كان عطاء قديما، وهو استدلال تاريخي بَحْت، ولم يتعرض البخاري لقضية السماع. لكنَّ العوني قد رَكَّبَ من مجموع أمرين: الأول: حُكْم البخاري على هذه الرواية بأنها محفوظة، ومقتضى ذلك عند العوني تصحيحها. الثاني: إخباره بإدراك عطاء بن يسار لأبي واقد الليثي. فَبَنَى الباحثُ على تصحيح البخاري لروايةٍ لم يزد فيها على الإخبار بإدراك بعض رواتها لبعض: أن البخاري يكتفي بالمعاصرة. وهذا تركيبٌ وبناءٌ مغلوطٌ، ومجازفة، على ما بينا مقصودَ البخاري بكل من الأمرين فيما سبق، والله تعالى الموفق.

2 - قال البخاري في "الأوسط": حدثني عبدة قال: حدثنا عبد الصمد، قال: حدثنا عبد الله بن بكر بن عبد الله المزني، قال: سمعت يوسف بن عبد الله بن الحارث: كنت عند الأحنف بن قيس، وهو يوسف ابن أخت محمد بن سيرين. وعبد الله أبو الوليد -وهو ابن الحارث والد يوسف- روى عن عائشة وأبي هريرة ولا نُنكر أن يكون سمع منهما؛ لأن بين موت عائشة والأحنف قريب من اثنتي عشرة سنة. اهـ. أقول: هذه قرينة تاريخية على عدم إنكار السماع لأجل احتمال سن الراوي للسماع من شيخه، لكن لم يجعل البخاري تلك القرينة- وهي الإدراك أو المعاصرة- قاضيةً بثبوت السماع، وعدمُ إنكار السماع لا يستلزم ثبوته. بيان ذلك أن إنكار السماع يحتاج إلى دليل خاص؛ كعدم الإدراك، وهذا يثبت بالتاريخ، أو استحالة اللقاء؛ كتباعد البلدان مع عدم هجرة أحد الراويين إلى بلد الآخر، أو تصريح خاص بعدم السماع ممن تقوم الحجة بنفيه في ذلك، فإذا لم يوجد شيء من هذا ونحوه، لم يَسُغْ للناقد إنكارَ السماع أو نفيه، ولكنه أيضا يتوقف في إثباته حتى تتوفر الشرائط المعتبرة عنده في ذلك. ص (134 - 139): الدليل الثالث عشر: اكتفاءُ جمعٍ من الأئمة بالمعاصرة. الجواب عن ذلك بإجمالٍ أُلَخِّصُه في النقاط التالية: الأولى: عدم إنكار السماع، أو إثبات احتمال اللقاء بالنظر في سن الراوي وشيخه، أو مقارنة سن بعض من ثبت لقاء الراوي لهم بمن هو محل البحث في لقائه وسماعه منه، فهذا مما تختلف فيه أنظار الأئمة النقاد، وتتباين فيه اجتهاداتهم، ويتبادلون احتمال اللقاء ونفيه، وكذا السماع في أحوال متشابهة للرواة، ولكل مقام مقال.

وليس لكل واحد من النقاد طريقة مطردة في ذلك، بل لكل حالة نظر خاص، فمن ترجح له من الأئمة لقاءُ راوٍ لشيخٍ أو سماعُه منه بقرائن معتبرة، بَنى على هذا الرجحان ميلَه إلى تقوية الاتصال، ومن لم يترجح له ذلك منهم بَنى على الأصل في نفيه أو على الأقل توقفه فيه. الثانية: قد تكون تلك القرائن عند الإمام أقوى من مجرد مجيء التصريح باللقاء أو السماع في رواية، صحَّت أم لم تصح، ومن المعلوم أن هذا النظر خاص بأئمة النقد لتوفر الملكات والأدوات اللازمة لهذا، فإن كانوا مع ذلك ربما اختلفوا في بعض الحالات، كان ذلك أَدْعَى لاحتياط مَن بعدهم، والتأني في الخوض في ذلك. الثالثة: ميل الإمام إلى تقوية أو ثبوت اللقاء أو السماع للقرائن التي يراها ليس هو من باب الاكتفاء بمطلق المعاصرة في ثبوت الاتصال، وإلا لاستفاض ذلك وانتشر، وإذا عُرفت نسبة تلك الحالات إلى نسبة ما نُفي فيه اللقاء مع ظهور تحقق المعاصرة أو ما نُفي فيه السماع مع تحقق اللقاء: عُلم أن ما ذكره العوني عن أمثال ابن المديني، وأحمد، وابن معين، وأبي حاتم، وأبي زرعة، وغيرهم هو من قبيل النادر الذي احتفت به قرائن لم تتوفر لغيره عند القائل به، ومع ذلك فقد عبَّرُوا عن ذلك بعباراتٍ احتمالية يظهر فيها الميلُ دون الجزم، وكذلك فإنهم لم يتفقوا عليه، بل لم يقنع آخرون بتلك القرائن، فنفوا اللقاء أو السماع. بهذا يتبين وهاءُ الاحتجاج بتلك المواضع التي تحيطها قرائن وملابسات ليس هذا موطن شرحها، والله تعالى الموفق. ص (144). الدليل الرابع عشر: كتاب العوني: "المرسل الخفي وعلاقته بالتدليس" يحتاج إلى وَقْفة، ليس هذا موضعها، لكني أقول هنا:

الأبحاث الاصطلاحية النظرية متى كانت نتيجتها شاذَّةً عن غالب تصرفات أهل الاصطلاح، فإن تلك الأبحاث تنادي على نفسها حينئذٍ بالشذوذ والهجران. والعبرة ليست بالمسميات أو الإطلاقات، وإنما بحقائق الأمور. وهاهنا سؤال يفرض نفسه ويتعين الجواب عنه: ما هو الشرط الذي نعاه مسلم على مخالفه في قضية الإسناد المعنعن؟ الجواب: أنه شرط اللقاء ولو مرة، والمخالف يتفق مع مسلم في ألا يكون الراوي مدلسًا، ومع ذلك زاد هذا الشرط، فلو كان اشتراط انتفاء التدليس كافٍ في التحرز عن رواية الراوي عمن لم يلقه لما كان لهذا الاشتراط معنى؛ لأن التدليس حينئذٍ يشمله. لكن لمَّا كان التدليس يُستعمل في غالب اصطلاح أهل العلم على رواية الراوي عمن سمع ما لم يسمع -ولا يمتنع إطلاق البعض أحيانا وصف التدليس على غير ذلك- احتاج المخالف إلى التحرز عن روايته عمن لم يلقه، فاشترط اللقاء ولو مرة. ولو كان مسلم: يرى أن تلك الصورة داخلة في حَدِّ التدليس، لكفاه أن يرد على المخالف بقوله: قد اشترطت ألا يكون الراوي مدلسًا، وبالتالي فلن يروي عمن عاصره ولم يلقه، ولكنه لم يفعل، وكان هو الأَولى بذلك الجواب من العوني. ص (146 - 147): الدليل الخامس عشر: بدون تعليق!! ص (148): المسألة الرابعة: الأصل الأول: مقتضى "عن" في عرف المحدثين.

أقول: نعم، الظاهر من استعمال "عن" ليس كالظاهر من استعمال "أن" و"قال"، فهاتان ونحوهما لا يُشعران بالاتصال، بل تُعَلُّ روايةٌ اشتملت على "عن" بأخرى أَوْلَى مشتملة على "أن" بدلا منها، ولو كانا سواء ما أُعِلَّتْ الأولى بالثانية؛ حيث إن الثانية خادشةٌ أو مريبةٌ في الاتصال. أما "عن" فالمخالف لمسلم لا يقول إنها لا تدل على الاتصال، ولكنه يحتاج لحملها على ذلك إلى ثبوت اللقاء أو السماع ولو مرة واحدة كحد أدنى للتحرز عن الإرسال، ثم هو يحمل "عن" بعد ذلك على ظاهر الاتصال، فلا يفتش عن السماع في الإسناد المعنعن حينئذٍ إلا مع الريبة في بعض المواضع. فالمخالف يرى أن "عن" جرى عُرف المحدثين على استعمالها في الإسناد المتصل تخففًا من ذكر صيغ السماع في كل موضع، لكن بشرط ثبوت الاتصال بين كل راويين ترد بينهما "عن". ص (152 - 157): الأصل الثاني: سبقت الإشارة إليه قريبًا. قال الفقير إلى الله تعالى: انتهى هاهنا ما بدا لي التعليق عليه من الكتاب المذكور، والله من وراء القصد، وهو يتولى السرائر، وهو حسبي ونعم الوكيل. * * *

المطلب الثاني فوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس

المطلب الثاني فوائد متفرقة تتعلق بقضية التدليس الأولى: أثر التدليس على العدالة. الثانية: الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال. الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أما تدليس التسوية فلابد فيه من التصريح به. الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين". الخامسة: الإعلال بالتدليس. الأولى: أثر التدليس على العدالة: • في "تاريخ بغداد" (13/ 400) من طريق أبى معمر: "حدثنا الوليد بن مسلم قال: قال لي مالك بن أنس ... " فقال الكوثري في الوليد: "ينسبه ابن عدي إلى التدليس الفاحش". فقال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 516): "قد علم الأستاذ أن التدليس ليس بجرح، وإنما يُذكر صاحبه به ليُعرف، فلا يُقضى على ما جاء عنه بالعنعنة أنه متصل ما لم يتبين ذلك من وجه آخر، وقد صرح الوليد هنا بالسماع غاية التصريح فلا مدخل للتدليس هنا البتة" اهـ. • وقال فيه (1/ 387): "المدلس إنما يسلم من الجرح بالتدليس إذا كان قد عُرف عنه أنه يدلس، فإن ذلك يكون قرينة تخلصه من أن يكون تدليسه كذبًا".

الثانية: الفرق بين حد التدليس والإرسال

• وقال الشيخ المعلمي في حاشية "الموضح" (1/ 379): "تدليس الشيخ بالكناية عنه باسم لا يُعرف به قد ينافي العدالة، وذلك إذا كان مع ذلك هناك شيخ آخر معروف بذاك الاسم يُظن أنه المراد، فلا يجوز على الثوري مثل هذه الخيانة الفاجرة، وهي أن يكني عن إبراهيم الهجري الضعيف باسم عُرف به السبيعي الإمام، بحيث يكون الظاهر أنه المراد، حاشى الثوري من هذا" اهـ. الثانية: الفرق بين حدِّ التدليس والإرسال: راجع مبحث المعلمي في "عمارة القبور". الثالثة: الوصف بمطلق التدليس يُحمل على أخف أنواعه وهو: تدليس الشيوخ، أما تدليس التسوية فلا بد فيه من التصريح به: • قال في "عمارة القبور" ص (171): "تراهم يعمدون إلى السند الذي فيه من وصف بمطلق التدليس، ولكنه صرح بالتحديث عن شيخه فيحكمون له بالصحة، وإن كان شيخه أو شيخ شيخه لم يصرح بالسماع، إلا أن يوصف بالتسوية، فلابد من التصريح بالسماع منه إلى آخر السند، ووجهه أن تدليس التسوية أقبح وأشنع من مطلق التدليس؛ إذ لا يخلو عن الكذب، فالظاهر سلامة الثقة منه، وإن وصف بمطلق التدليس. انظر: كتب الفن في تدليس التسوية". وفي (ص 172): أما سفيان: فقد قيل: "إنه كان يدلس التسوية"، ولكن في "فتح المغيث" (ص 77): قال البخاري: "لا يعرف لـ "سفيان الثوري" عن حبيب بن أبي ثابت، ولا عن سلمة بن كهيل، ولا عن منصور، ولا عن كثير من مشايخه تدليس، ما أقل تدليسه". وظاهر هذا يتناول تدليس التسوية، وإلا لقال البخاري: ولكنه كان يسوي فيما رواه عن حبيب، أو نحو ذاك. مع أن سفيان أثبت إن شاء الله من أن يسوي فيما رواه

الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين"

عن شيخ قد تنزه عن التدليس؛ لأن العلم ينزهه عن التدليس عن شيخه، يحمل على الظن بأنه لم يسو فيما رواه عنه. اهـ. الرابعة: عنعنة المدلسين داخل "الصحيحين": • قال الشيخ المعلمي في "عمارة القبور" ص (184 - 185). قال في "فتح المغيث" (ص 77) في الكلام على ما في الصحيحن من عنعنة المدلسين: "قال ابن الصلاح، وتبعه النووي وغيره: محمول على ثبوت السماع عندهم فيه من جهة أخرى، إذا كان في أحاديث الأصول، لا المتابعات، تحسينٌ للظن بمصنفيها، يعني ولو لم نقف نحن على ذلك .. وأشار ابن دقيق العيد إلى التوقف في ذلك، .. وأحسن من هذا كله قول القطب الحلبي في "القدح المعلى": أكثر العلماء أن المعنعنات التي في الصحيحين مُنزلة مَنزلة السماع، يعني: إما لمجيئها من وجه آخر بالتصريح، أو لكون المعنعن لا يدلس إلا عن ثقة، وعن بعض شيوخه، أو لوقوعها من جهة بعض النقاد المحققن سماع المعنعن لها .. والذي عندي أن صاحب الصحيح لا يصحح عنعنة من عُرف أنه يدلس إلا بعد الوثوق بثبوت السماع، وإنما لم يُثبت السند المصرح فيه؛ لأنه نازل، أو نحو ذلك. فإن قيل: قد يثبت عنده السماع من طريق فيها مَن لا يُوافق على توثيقه. قلت: هذا خلاف الظاهر، بل الغالب على الظن أنه قد ثبت لديه من طريق متفق على تصحيحها، وإلا لأبرزها. نظير ما قالوه في سفيان بن عيينة: أنه لا يدلس إلا عن ثقة، مثل الثقة الذي صرح به، ولكن مع هذا كله لا يزال في النفس شيء؛ خشية أن يكون خفي على صاحب "الصحيح" كون ذلك المعنعن يدلس، أو خفي عليه جرحٌ في بعض رجال الطريق التي ثبت لديه فيها التصريح بالتحديث، أو نحو ذلك.

الخامسة: الإعلال بالتدليس

إلا أنه على كل حال إذا كانت عنعنة المدلس في "الصحيح" يكون الظن بثبوت السماع أقوى مما لو كانت في غير الصحيح. اهـ. الخامسة: الإعلال بالتدليس: • ذكر الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 111) قول أبي رية: "ووقع في رواية أبي إسحاق عند ابن سعد: وأتى كعب عمر فقال: ألم أقل لك إنك لا تموت إلا شهيدًا، وإنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب". ثم تعقبه بقوله: "هي عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمون، وأبو إسحاق مشهور بالتدليس، ولم يذكر سماعا، وروى غيره القصة عن عمرو بن ميمون كما في صحيح البخاري وغيره بدون هذه الزيادة". اهـ. • وذكر الشيخ المعلمي فيه (ص 119) قوله: "وفي تفسير الطبري أن ابن عباس سأل كعبًا عن سدرة المنتهى. فقال: إنها على رءوس حملة العرش، وإليها ينتهي علم الخلائق، وليس لأحد وراءها علم، ولذلك سميت سدرة المنتهى لانتهاء العلم بها". فقال المعلمي: "هو من طريق الأعمش، عن شمر بن عطية، عن هلال بن يساف، قال: سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر". كذا قال، والأعمش مشهور بالتدليس، وهلال بن يساف لم يدرك كعبًا" اهـ. • وذكر فيه (ص 133) قوله: "فقد روى وكيع، عن الأعمش، عن أبي صالح الخ". فقال المعلمي: "يُنظر السند إلى وكيع، والأعمش مدلس، وأبو صالح لم يتبين إدراكه للقصة". اهـ.

• وفيه (173 - 174) قوله: "وعن أبي حسان الأعرج أن رجلين دخلا على عائشة فقالا: إن أبا هريرة يحدث عن رسول الله: إنما الطيرة في المرأة والدابة والدار. فطارت شققا ثم قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم، مَنْ حَدَّث بهذا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ إنما قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: كان أهل الجاهلية يقولون: إن الطيرة فى الدابة والمرأة والدار، ثم قرأتْ {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} فقال المعلمي: " ... أما روايته عن أبي هريرة فعزاه أبو رية إلى "تأويل مختلف الحديث" لابن قتيبة، وقد رواه الإمام أحمد في المسند (6: 150 و 240 و 246) من طريق: قتادة، عن أبي حسان، وليس بالصحيح عن عائشة؛ لأن قتادة مدلس، ولو صح عن عائشة لما صح المنسوب إلى أبي هريرة؛ لجهالة الرجلين، وليس في شيء من روايات أحمد لفظ "كذب"، ولو صحت لكانت بمعنى "أخطأ"، كما يدل عليه آخر الحديث. وقد تبين أنه لا خطأ، فقد رواه جماعة من الصحابة كما علمت، فأما معناه والجمع بينه وبين الآية فيطلب من مظانه" اهـ. • ونظر الشيخ المعلمي في حديث أيي هريرة في يأجوج ومأجوج، فقال في "الأنوار الكاشفة" (ص 184 - 186): "هذا الحديث مداره على قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة، رواه عن قتادة فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول: شيبان بن عبد الرحمن في مسند أحمد (2: 523). الثاني: أبو عوانة في سنن الترمذي ومستدرك الحاكم (4: 488). الثالث: سعيد بن أبي عروبة في تفسير ابن جرير (16: 16) وسنن ابن ماجه ومسند أحمد (2: 532).

فأما شيبان وأبو عوانة ففي روايتهما: " ... قتادة عن أبي رافع" وأما سعيد فرواه عنه فيما وقفت عليه ثلاثة: الأول: يزيد بن زريع عند ابن جرير وفيه أيضًا: " ... قتادة عن أبي رافع". الثاني: عبد الأعلى بن عبد الأعلى عند ابن ماجه وفيه: " ... قتادة قال حدث أبو رافع" هكذا نقله ابن كثير في تفسيره طبعة بولاق (6: 173) وطبعة المنار (5: 333) ومخطوطة مكتبة الحرم المكي، وهكذا في سنن ابن ماجه نُسخ مكتبة الحرم المكي المخطوطة وهي أربع، وطبعة عمدة المطابع بدهلى في الهند سنة (1273)، ووقع في أربع نسخ مطبوعة هنديتن ومصريتين: " ... قتادة قال حدثنا أبو رافع" مع أن سياق السند من أوله فيها هكذا: "حدثنا أزهر بن مروان ثنا عبد الأعلى ثنا سعيد عن قتادة ... " فلو كان في الأصل: "قال حدثنا" لاختصر في الأصول المخطوطة لهذه النسخ الأربع إلى: "ثنا" كسابقيه في أثناء السند، ولكنه جهل الطابعين، حسبوا أنه لا يقال: "حدث فلان" وإنما يقال: "حدثنا فلان" فأصلحوه بزعمهم، وتبع متأخرهم متقدمهم، والله المستعان. الثالث: روح بن عبادة عند أحمد وفيه " ... قتادة ثنا أبو رافع" وأحسب هذا خطأ من ابن المذهب راوي المسند عن القطيعي عن عبد الله بن أحمد، وفي ترجمته من الميزان واللسان قول الذهبي: "الظاهر من ابن المذهب أنه شيخ ليس بمتقن، وكذلك شيخه ابن مالك، ومن ثم وقع في المسند أشياء غير محكمة المتن ولا الإسناد" ومن المحتمل أن يكون الخطأ من روح، فإن كلا من يزيد وعبد الأعلى أثبت منه، وقتادة مشهور بالتدليس فلو كان الخبر عند سعيد عنه مصرحًا فيه بالسماع لحرص سعيد على أن يرويه كذلك دائمًا بل أطلق أبو داود أن قتادة لم يسمع من أبي رافع، وظاهره أنه لم يسمع منه شيئًا، ولكن نظر فيه ابن حجر، على كل حال فلم يثبت تصريح قتادة في هذا بالسماع، فلم يصح الخبر عن أبي رافع، وأبو رافع هو نفيع البصري

مخضرم ثقة ... فلو صح الخبر عنه لزم تصحيحه عن أبي هريرة، ولو صح عن أبي هريرة لصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولو صح مع ذلك أن كعبًا أخبر بما يشبهه لكان محمله الطبيعي أن كعبًا سمع الحديث من أبي هريرة أو غيره من الصحابة فاقتبس منه خبره، لكن الخبر لم يصح عن أبي رافع، فلم يصح عن أبي هريرة، فلم يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا ندري ممن سمعه قتادة، والله أعلم. • وفيه (64 - 65) "روى ابن شهاب عن قبيصة أن الجدة جاءت أبا بكر تلتمس أن تورث فقال: ما أجد لك في كتاب الله شيئًا، وما علمت أن رسول الله ذكر لك شيئًا، ثم سأل الناس، فقام المغيرة فقال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس. فقال له: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك، فأنفذه لها أبو بكر". فقال الشيخ المعلمي: "هذه واقعة حال واحدة، ليس فيها ما يدل على أنه لو لم يكن مع المغيرة غيره لم يقبله أبو بكر. والعالم يحب تظاهر الحجج كما بينه الشافعي في الرسالة (ص 432). ومما حسَّن ذلك هنا أن قول المغيرة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس" [كما نقله أبو رية] يعطي أن ذلك تكرر من قضاء النبي -صلى الله عليه وسلم-. وقد يستبعد أبو بكر تكرر ذلك ولم يعلمه هو مع أنه كان ألزم للنبي -صلى الله عليه وسلم- من المغيرة. وأيضًا الدعوى قائمة، وخبر المغيرة يشبه الشهادة للمدعية، ومع ذلك فهذا خبر تفرد به الزهري، عن عثمان بن إسحاق بن خرشة، عن قبيصة، واحد عن واحد عن واحد. فلو كان في القصة ما يدل على أن الواحد لا يكفي لعاد ذلك بالنقض على الخبر نفسه. فكيف وهو منقطع، لأن قبيصة لم يدرك أبا بكر، وعثمان بن إسحاق وإن وثق لا يعرف في الرواية إلا برواية الزهري وحده عنه هذا الخبر وحده". اهـ.

المطلب الثالث ضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد

المطلب الثالث ضرورة إجراء القواعد في نقد صيغ الأداء الواردة في الأسانيد قال الفقير إلى الله تعالى: اعلم أن صيغ الأداء في الأسانيد مما اعتنى به الأئمة، فكانوا يضعونها تحت النقد والنظر، ولابد أن يصح الطريق لقائل الصيغة أولًا حتى تثبت عنه، ثم لابد أن تتوفر فيه هو شروط قبول الرواية المعتبرة حتى يقبل منه تصريحه بالسماع من شيخه؛ خشيةَ أن يكون قد وهم فى ذلك، وهذا من دقائق هذا العلم، ومما يرجع فيه أولًا وأخيرا لأئمة النقد. ولهذا أمثلة معروفة لأهل الفن؛ من ذلك: أن أصحاب الزهري قد اتفقوا على رواية حديث عنه عن سعيد بن المسيب، لم يصرح الزهري بسماعه فيه من ابن المسيب. وخالفهم أسامة بن زيد الليثي -وهو ضعيف- فرواه عن الزهري قال: سمعت سعيد بن المسيب حكى عمرو بن علي الفلاس أن يحيي القطان قد ترك أسامة بسبب ذلك. انظر: "تهذيب التهذيب" (1/ 210). نماذج لهذا المطلب: 1 - نظر الشيخ المعلمي في حديث أبي هريرة في يأجوج ومأجوج، في "الأنوار الكاشفة" (ص 184 - 186) وقد سبق قريبا. 2 - وفي "الفوائد" (ص 127 - 128) حديث: "إذا جامع أحدكم زوجته أو جاريته فلا ينظر إلى فرجها فإن ذلك يورث العمى". قال الشوكاني: "رواه ابن عديّ عن ابن عباس مرفوعًا، وقال ابن حبان: هذا موضوع وكذا قال ابن أبي حاتم في "العلل" عن أبيه. وعَدّه ابن الجوزي في "الموضوعات"، وخالفه ابن الصلاح فقال: إنه جيد الإسناد، وقد أخرجه البيهقي في "سننه".

وسبب هذا الاختلاف أن إسناده عن ابن عدي: حدثنا قتيبة حدثنا هشام بن خالد حدثنا بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس فذكره. قال ابن حبان: كان بقية يروى عن كَذَّابين، ويدلس، وكان له أصحاب يسقطون الضعفاء من حديثه. وقال ابن حجر: لكن ابن القطان ذكر في كتاب "أحكام النظر": أن بقي بن مخلد رواه عن هشام بن خالد عن بقية قال: حدثنا ابن جريج. فهذا فيه التصريح من بقية بالتحديث، وهو ثقة إذا صرح بالتحديث، وسائر الإسناد رجاله ثقات، فمن هذه الحيثية قال ابن الصلاح: إنه جيد". فقال الشيخ المعلمي تعليقًا على رواية بقي بن مخلد والتي فيها تصريح بقية بالتحديث: "أخشى أن يكون هذا خطأ، ومع ذلك فقد بقيت التسوية كما ذكره ابن حجر في آخر عبارته، لأن بقية ممن يفعلها". 3 - بَحْث الشيخ المعلمي في سماع سليمان بن موسى الأشدق من جابر بن عبد الله، مع تعليقاتي عليه من ترجمة سليمان من القسم الأول: قال الشيخ المعلمي: في تهذيب التهذيب: في ترجمته: "أرسل عن جابر ... " وفيه: "وقال ابن معين: سليمان ابن موسى عن مالك بن يخامر مرسل، وعن جابر مرسل" (¬1) ولم يذكر ما يخالف ذلك. ¬

_ (¬1) تتمة: وقال الترمذي عن البخاري: سليمان لم يدرك أحدًا من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- (العلل الكبير: 1/ 313). وقال ابن حبان في "المشاهير" (ص 179): "قد قيل إنه سمع جابرا وليس ذاك بشيء تلك كلها أخبار مدلسة". ولم أقف على من قال إنه سمع منه، فلعل ابن حبان وقف على بعض الأسانيد التى فيها سماع، فرآها خطأ، والله أعلم.

لكن رأيت في مسند الإمام أحمد (ج 3 ص 125): ثنا عبد الرزاق أنا ابن جريج قال سليمان بن موسى: أنا جابر "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالفه إلى مقعده، ولكن ليقل: أفسحوا". ثنا محمد بن بكر أنا ابن جريج أخبرني سليمان بن موسى قال: أخبرني جابر: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يقيم أحدكم أخاه يوم الجمعة ... " فقول سليمان في السند الأول: "أنا جابر" صريح في سماعه من جابر، لكن فيه عنعنة ابن جريج (¬1). وأما السند الثاني فسالم من التدليس، ومحمد بن بكر وابن جريج على شرط الشيخين، وقد صرح كل منهما بالسماع بحيث ينتفي احتمال التدليس، وصرح سليمان بقوله: "أخبرني جابر". ويبعد كل البعد أن يكون هاهنا سهو من النساخ في السندين المتتابعين معًا (¬2). فلم يَبْق إلا أحدُ احتمالين؛ إما أن يكون صدق في أن جابرًا أخبره، وإما أن يكون كذب. وقد ثبت أن الرجل صدوق، وهو أعلم بنفسه (¬3) من ابن معين وغيره، ولم ندر على ما بنى ابن معين حُكْمَهُ، فتمسكنا بما صح من سماع سليمان من جابر، وقد أدرك من حياة جابر مُدَّةً (¬4). ¬

_ (¬1) يعنى قوله: قال سليمان بن موسى، ولم يصرح بالسماع. (¬2) انتظر. (¬3) لم يثبت عنه خلف ما قاله ابن معين، وانتظر. (¬4) في "البناء على القبور": "مدة طويلة" وأظن المعلمي قد حذف كلمة "طويلة" بعد إعادة النظر، والله أعلم. هذا وقد توفي سليمان سنة (119)، وبالنظر في وفيات من قيل إنه أرسل عنهم نجدهم بين (70، 83). وهم: مالك بن يخامر السكسكي، وكثير بن مرَّة، وعبد الرحمن بن غَنْم. وبين وفاة سليمان وأقل سن وفاة لهولاء (49) سنة. =

وقد قال الحافظ في إتحاف المهرة (¬1): سليمان بن موسى الأسدي الأموي عن جابر، ولم يدركه، أورد له حديثه هذا الذي في المسند، ولم يتعرض لصيغة روايته عن جابر (¬2)، وليس عندنا نسخة خطية من مسند أحمد نراجعها، فمن وجد فليراجع. وقال المزي في الأطراف في الكلام على حديث ابن جريج الذي قال فيه: عن سليمان بن موسى وأبي الزبير عن جابر. ¬

_ = وبالنظر في وفيات شيوخه الذين صحبهم وسمع منهم: الزهري: (123)، ومكحول: (113)، ونافع مولي ابن عمر: (117) وقيل: (120)، وعمرو بن شعيب: (118)، وطاوس بن كيسان (106). فالذي يظهر أنه مات وعمره خمسون عامًا أو جاوزها بقليل، فلم يدرك هؤلاء الصحابة أو كان صغيرًا جدًّا حين ماتوا، وكانت وفاته قريبة من سنة وفاة شيوخه، بل مات قبل موت بعضهم، والله تعالي الموفق. (¬1) انظر أطراف مسند الإمام أحمد بن حنبل للحافظ ابن حجر (2: 22). (¬2) مقتضى صنيع الحافظ أن يكون وقع له الإسنادان وليس فيهما التصريح بالإخبار؛ لأنه قال: عن جابر ولم يدركه، فإذا كان في الإسنادين أو أحدهما تصريح بالإخبار، ورآه حجة، لما جزم بعدم الإدراك، أو رآه خطئًا لكان الظاهر أن يُنَبِّهَ عليه، والله تعالى أعلم. ثم إن هاهنا أمرا مهما؛ وهو أن رواية محمد بن بكر وهو البرساني فيها مخالفة لرواية عبد الرازق، فقد روى عبد الرازق عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى - ليس فيه تصريح ابن جريج بالسماع من سليمان. وروى البرساني عن ابن جريج قال: أخبرني سليمان بن موسى. وبالنظر في الراجح المحفوظ من الروايتن يُحتاج على المقارنة بين عبد الرازق والبرساني في ابن جريج خاصة، فإذا في تاريخ أبي زرعة الدمشقي ص (457): "قال أبو زرعة: قيل لأحمد بن حنبل: من أثبت في ابن جريج: عبد الرازق أو محمد بن بكر البرساني؟ قال: عبد الرازق". اهـ. فهذا مما يُعِلُّ روايةَ البرساني برواية عبد الرازق، حسبما تقتضيه القواعد، ويصير الإسناد إلى سليمان ابن موسى فيه نظر بسبب تدليس ابن جريج، وعليه فما ورد فيه من تصريح سليمان بقوله: أخبرني جابر، غير محفوظ، فلا يعتد به.

قال المزي: سليمان لم يسمع من جابر، فلعل ابن جريج رواه عن سليمان، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (¬1). أقول: يرده ابن جريج عن سليمان وحده، كما عند أبي داود، وقد ذكره المزي -أيضا- والله أعلم (¬2). هذا مع علمنا بأن ثبوت سماعه من جابر لا يفيد صحة حديثه في شأن القبول مادامت عنعنة ابن جريج قاطعة الطريق. * * * ¬

_ (¬1) تحفة الأشراف (2: 186 - 187) وتمام قول المزي: "سليمان لم يسمع من جابر، فلعلَّ ابن جريج رواه عن سليمان عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلا، وعن أبي الزبير عن جابر مرسلا". اهـ. يعني أن ابن جريج لما جمع شيخيه، حمل إسناد أحدهما -وهو مرسل- على الآخر -وهو موصول. (¬2) بل رواية أبي داود كغيره: عن سليمان وأبي الزبير، وهى في السنن - كتاب الجنائز، باب في البناء على القبر، الحديث الثاني في الباب، رقم (3218) وهي التي اقتصر عليها المزي في التحفة (2/ 186 - رقم 2273).

المطلب الرابع قضايا ومسائل تتعلق بالسماع

المطلب الرابع قضايا ومسائل تتعلق بالسماع 1 - معنى السماع بمعناه الواسع: ذكر الشيخ المعلمي في غرائب تحريف الكوثري لنصوص أئمة الجرح والتعديل (الطليعة: ص 47): عبد الله بن علي المديني، قال الكوثري (ص 168): "وهو لم يسمع من أبيه على ما يقال". قال المعلمي: يريد الكوثري بهذا قول الدارقطني، وعبارة الدارقطني كما في (تاريخ بغداد): "أخذ كتبه وروى أخباره مناولة، قال: وما سمع كثيرًا من أبيه". فقوله: "وما سمع كثيرًا من أبيه" واضح في أنه سمع منه، إلا أنه لم يكثر، وأول عبارته يفيد أن ما لم يسمعه من كتب أبيه وأخباره أخذه منه مناولة، وهي من طرق التلقي، فعلى هذا تكون روايته عن أبيه متصلة صحيحة؛ إن صرح بالسماع فسماع، وإلا احتمل أن يكون سماعًا وأن يكون مناولة، والرواية التي ذكرها الخطيب من طريقه ولأجلها تعرض له الكوثري قد بأن فيها السماع. هذا والسماع أصله أن يملي الشيخ بلفظه والتلميذ يسمع، لكن قد يطلق السماع على ما هو أعم من ذلك، وهذا هو المتبادر من قولهم: فلان لم يسمع من فلان، فيفهم منه أن روايته عنه منقطعة حتى ولو صرح بالاتصال يكون كذبًا، وهذا هو مفهوم عبارة الكوثري لأنه قصد بها الطعن في رواية هذا الرجل التي بين فيها السماع، فانظر تحريفه لعبارة الدارقطني اهـ.

2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها

2 - نفي السماع لا يلزم منه انتفاء جميع صور التحمل كالإجازة والمكاتبة ونحوها: نقل الشيخ المعلمي عن الخطيب أمورا انتقدت على ابن بطة فيما يتعلق بالرواية، فمن ذلك (1/ 353): الثالث: ذكر الخطيب عن ابن برهان قال: وروى ابن بطة عن أحمد بن سلمان النجاد عن أحمد بن عبد الجبار العطاردي نحوًا من مائة وخمسين حديثًا، فأنكر ذلك عليه علي بن محمد بن ينال، وأساء القول فيه، وقال: إن النجاد لم يسمع من العطاردي شيئًا حتى همت العامة أن توقع بابن ينال واختفى. قال: وكان ابن بطة قد خرج تلك الأحاديث في تصانيفه وضرب على أكثرها وبقي بقيتها على حاله. فقال المعلمي: "قد مر الكلام في ابن برهان، ولكن دخول الوهم عليه في هذا بعيد، والنجاد يقال إنه ولد سنة (253) وسمع من الحسن بن مكرم المتوفى سنة (274) ورحل إلى البصرة وسمع بها من أبي داود المتوفى سنة (275)، ووفاة العطاردي سنة (272)، فلا مانع من أن يكون النجاد قد سمع من العطاردي، فإن قبلنا ما حكاه ابن برهان عن ابن ينال فلا مانع من أن يكون للنجاد إجازة من العطاردي ولابن بطة إجازة من النجاد فروى ابن بطة تلك الأحاديث بحق الإجازة، فكان ماذا؟ فأما حكه لبعضها فلعله وجدها أو ما يغني عنها بالسماع من وجه آخر فحك ما رواه بالإجازة وأثبت السماع". 3 - لا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء: نظر الشيخ المعلمي في سماع قيس بن سعد من عمرو بن دينار، وذلك فيما رواه مسلم من حديث سيف بن سليمان: أخبرني قيس بن سعد عن عمرو بن دينار عن ابن العباس: "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بيمين وشهادة". وهو في المسألة (15) من القسم الثاني من التنكيل (ص 165)، ودفع قول الكوثري بالانقطاع بينهما بقوله:

"وأما الانقطاع بين قيس وعمرو فلا وجه له، ولم يقله من يعتد به ... وقيس ولد بعد عمرو ومات قبله، وكان معه في مكة وسمع كل منهما من عطاء وطاوس وسعيد بن جبير ومجاهد وغيرهم، وكان عمرو لا يدع الخروج الى المسجد الحرام والقعود فيه إلي أن مات، كما تراه في ترجمته من (طبقات ابن سعد)، وكان قيس قد خلف عطاء في مجلسه كما ذكره ابن سعد أيضا، وسمع عمرو من ابن عباس وجابر وابن عمر وغيرهم ولم يدركهم قيس، فهل يظن بقيس أنه لم يلق عمرا وهو معه بمكة منذ ولد قيس إلى أن مات؟ أو لم يكونا يصليان في المسجد الحرام الجمعة والجماعة؟ أو لم يكونا يجتمعان في حلقة عطاء وغيره في المسجد ثم كان لكل منهما حلقة في المسجد قد لا تبعد إحدى الحلقتين عن الأخرى إلا بضعة أذرع. أو يظن بقيس أنه استنكف السماع من عمرو لأنه قد شاركه في صغار مشايخه ثم يرسل عنه إرسالا؟ ... وسبب الوهم في هذا أن الطحاوي ذكر هذا الحديث فقال: "وأما حديث ابن عباس فمنكر لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" فتوهم جماعة من -آخرهم الأستاذ الكوثري- أن الطحاوي قصد بهذا أن قيسا عن عمرو منقطع لعدم ثبوت اللقاء بناء على القول باشتراط العلم به، القول الذي رده مسلم في مقدمة (صحيحه)، ونقل إجماع أهل العلم على خلافه. وعبارة الطحاوي لا تعطي ما توهموه فإنه ادعى أن الحديث منكر، ثم وجه ذلك بقوله: "لأن قيس بن سعد لا نعلمه يحدث عن عمرو بن دينار بشيء" ولم يتعرض لسماعه منه ولقائه له بنفي ولا إثبات. ولا ملازمة بين عدم التحديث وعدم اللقاء أو السماع؛ فإن كثيرًا من الرواة لقوا جماعة من المشايخ وسمعوا منهم ثم لم يحدثوا عنهم بشيء. فإن قيل: إنما ذاك لاعتقادهم ضعف أولئك المشايخ، وعمرو لم يستضعفه أحد.

قلت: بل قد يكون لسبب آخر، كما امتنع ابن وهب من الرواية عن المفضل بن فضالة القتباني لأنه قضى عليه بقضية، وامتنع مسلم من الرواية عن محمد بن يحيى الذهلي لما جرى له معه في شأن اختلافه مع البخاري. فكأن الطحاوي رأى أن قيس لو كان يروي عن عمرو لجاء من روايته عنه عدة أحاديث؛ لأن عَمرًا كان أقدم وأكبر وأجل، وقد سمع من الصحابة، وحديثه كثيرٌ مرغوب فيه، وكان قيس معه بمكة منذ ولد، فحدس الطحاوي أن قيسًا كان ممتنعًا من الرواية عن عمرو، فلما جاء هذا الحديث استنكره كما قد نستنكر أن نرى حديثًا من رواية ابن وهب عن المفضل، أو من رواية مسلم عن محمد بن يحيى. فإن قيل: فقد يكون لاستنكاره خشي انقطاعه. قلت: كيف يبنى على ظن امتناع قيس من الرواية عن عمرو نفسه أن يحمل هذا الحديث على أنه أرسله عنه؟ بل المعقول أنه إذا امتنع من الرواية عنه نفسه كان أشد امتناعًا من أن يروي عن رجل عنه، فضلًا عن أن يرسل عنه -أو بعبارة أخرى- يدلس، وقيس غير مدلس. فإن قيل: فعلى ماذا يحمل؟ قلت: أما الطحاوي فكأنه خشي أن يكون سيف وهو راوي الحديث عن قيس - أخطأ في روايته عن قيس عن عمر. فإن قيل: فهل تقبلون هذا من الطحاوي؟ قلت: لا؛ فإن أئمة الحديث لم يعرجوا عليه، هذا البخاري مع استبعاده لصحة الحديث فيما يظهر إنما حدس أن عمرًا لم يسمعه من ابن عباس، وذلك يقضي أن الحديث عنده ثابت عن عمرو، وهذا مسلم أخرج الحديث في (صحيحه)، وثبته النسائي وغيره. وليس هناك مظنة للخطأ، وسيف ثقة ثبت لو جاء عن مثله عن ابن وهب عن المفضل بن فضالة، أو عن مسلم عن محمد بن يحيى لوجب قبوله، لأن

4 - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع

المحدث قد يمتنع عن الرواية عن شيخ ثم يضطر إلى بعض حديثه، هذا على فرض ثبوت الامتناع، فكيف وهو غير ثابت هنا؟ بل قد جاء عن قيس عن عمرو حديث آخر، روى وهب بن جرير عن أبيه قال: سمعت قيس بن سعد يحدث عن عمرو بن دينار ... ووهب وأبوه من الثقات الأثبات. ذكر البيهقي ذلك في الخلافيات ثم قال: "ولا يبعد أن يكون له عن عمرو غير هذا" نقله ابن التركماني في (الجوهر النقي)، ثم راح يناقش البيهقي بناءًا على ما توهموه أن مقصود الطحاوي الانقطاع ودعوى أنه لم يثبت لقيس لقاء عمرو، وقد مر إبطال هذا الوهم، والطحاوي أعرف من أن يدعي ذلك لظهور بطلانه، مع ما يلزمه من اتهام قيس بالتدليس الشديد الموهم للقاء والسماع على فرض أن هناك مجالًا للشبك في اللقاء، وقد بينا أن الطحاوي إنما حام حول الامتناع، والحق أنه لا امتناع. ولكن قيسًا عاجله الموت، ولما كان يحدث في حلقته في المسجد الحرام كان عمرو حيًا في المسجد نفسه، ولعل حلقته كانت بالقرب من حلقة عمرو فكان قيس يرى أن الناس في غنى عن السماع منه من عمرو لأن عمرًا معهم بالمسجد، فكان قيس يحدث بما سمعه من أكابر شيوخه فإن احتاج إلى شيء من حديث عمرو في فتوى أو مذاكرة فذكره، قام السامعون أو بعضهم فسألوا عمرًا عن ذلك الحديث فحدثهم به فرووه عنه ولم يحتاجوا إلى ذكر قيس ... اهـ. 4 - عادة المحدثين إثبات سماع الحاضرين في مجالس السماع: قال الشيخ المعلمي في ترجمة ابن المذهب من "التنكيل" (1/ 242): "جرت عادتهم -يعني المحدثين- بكتابة السماع وأسماء السامعين في كل مجلس، فمن لم يُسمع له في بعض المجالس دل ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا ادعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه؛ لأنه خلاف الظاهر، فإذا زاد فألحق اسمه أو تسميعه بخط يحكي به خط كاتب التسميع الأول قالوا: زوَّر اهـ

فائدة: الفرق بين "قيل لفلان"، "سئل فلان" و: "رئي فلان": نظر الشيخ المعلمي فيما رواه الخطيب في تاريخه (7/ 36) من طريق: حبش بن الورد قال: "رُؤي أسود بن سالم يغسل وجهه من غدوة إلى نصف النهار، فقيل له: أيش خبرك؟ قال: رأيت اليوم مبتدعًا فأنا أغسل وجهي منذ رأيته إلى الساعة، وأنا أظنه لا ينقي" فقال في "التنكيل" (1/ 218): " .. حبش بن الورد كأنه حبش بن أبي الورد المترجم في "التاريخ" أيضًا باسم محمد بن الورد ولقبه حبش، وهو من المذكورين بالعبادة والزهد، يروي الحكايات ولم يوثق ... وقول حبش "رئي أسود" ظاهرٌ في الانقطاع، بخلاف "قيل" و"سئل"؛ فإن الراوي قد يحضر الواقعة ويكون القائلُ أو السائلُ غيرَه دونه، فأما أن يحضرها ويكون الرائي غيره دونه فلا، إلا أن يكون أعمى ... فإن صحت القصة فالظن بالأسود أنه إنما قصد تنفير الناس عن الباع وأهلها! اهـ. * * *

المطلب الخامس الاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك

المطلب الخامس الاعتماد على النظر في سني الولادة والوفاة للرواة لبحث قضية السماع أو الإدراك لاسيما إذا لم توجد نصوص في ذلك 1 - تعرض الشيخ المعلمي في ترجمة ابن الصلت من "التنكيل" إلى مسألة سماع الإمام أبي حنيفة من بعض الصحابة، فقال هناك (1/ 189): "قضية سماع أبي حنيفة ترتبط بقضية ميلاده فلا بأس بالنظر فيها هنا". فراجعه فإنه مهم لكنه مطول. 2 - نقل الذهبي في ترجمة ابن الصلت من "الميزان" عن "تاريخ نيسابور" للحاكم من طريق ابن الصلت: حدثنا محمد بن سماعة عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال: حججت مع أبي ولي ثمان عشرة سنة، فمررنا بحلقة، فإذا رجل، فقلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي -رضي الله عنه-. ثم قال الذهبي: "هذا كذب؛ فابن جزء مات بمصر ولأبي حنيفة ست سنين". عقبه الكوثري في "التأنيب" (ص 241) بقوله: "تغافل الذهبي عن أن في مواليد رجال الصدر الأول ووفياتهم اختلافًا كثيرًا لتقدمهم على تدوين كتب الوفيات بمدة كبيرة فلا يبت في أغلب الوفيات برواية أحد النقلة، وها هو أبي بن كعب -رضي الله عنه- من أشهر الصحابة اختلفوا في وفاته من سنة (18) إلى سنة (32) والذهبي يصر على أن وفاته سنة (22) في كتبه جميعًا مع أنه عاش إلى سنة (32) وشارك جمع القرآن في عهد عثمان كما يظهر من طبقات ابن سعد، وأين منْزلة ابن جزء من منْزلة أُبي حتى يبت بوفاة تروي له عن ابن يونس وحده، وقد قال الحسن بن علي الغزنوي أن وفاته سنة (96) كما في "شرح المسند" لعلي القاري، ولعل ذلك هو الصواب في وفاته .. ".

فَكَرَّ عليه الشيخُ المعلمي في ترجمه ابن الصلت من "التنكيل" (1/ 183) بقوله: "الجواب من وجوه: الأول: وقوع الاختلاف في ذلك في الجملة إنما هو بمنْزلة وقوعه في أدلة الأحكام لا يبيح إلغاء الجميع جملة بل يؤخذ بما لا يخالف له وينظر في المتخالفين فيؤخذ بأرجحها، فإن لم يظهر الرجحان أخذ بما اتفقا عليه، مثال ذلك ما قيل في وفاة سعد ابن أبي وقاص سنة 51، 54، 55، 56، 57، 58، فإن لم يترجح أحدها أخذ بما دل عليه مجموعها أنه لم يعش بعد سنة 58. فإن جاءت رواية عن رجل أنه لقي سعد بمكة سنة 65 مثلًا استنكرها أهل العلم، ثم ينظرون في السند فإذا وجدوا فيه من لم تثبت ثقة حملوا عليه. فابن جزء قيل في وفاته سنة 85، 86، 87، 88، وأرجحها الثاني لأنه قول ابن يونس مؤرخ مصر وهي مع ذلك مجتمعة على أنه لم يعش بعد سنة 88، فلما جاءت تلك الرواية أنه لقى بمكة سنة 96 أو 98 استنكرها أهل العلم ووجدوا أحق من يحمل عليه ابن الصلت فأما قول الغرنوى المتأخر أن ابن جزء توفي سنة 99 فهو من نمط ما في (المناقب) للموفق ج 1 ص 26 روى من طريق الجعابي القصة وفيها أن اللقاء كان سنة 96 ثم حكى عن الجعابي أن ابن جزء مات سنة 97 فهذان القولان مع تأخر قائليهما إنما حاولا بهما تمشية القصة، رأيا أن فيها أن اللقاء كان بالموسم وأن المعروف في وفاة ابن جزء أنها بمصر بقرية يقال لها سفط القدور كما جاء عن الطحاوي وأن من شهد الموسم لا يمكن أن يصل إلى مصر إلا في السنة التالية فبنيا على ذلك ولم تمكنهما الزيادة على ذلك لئلا تفحش المخالفة لما نقل عن المؤرخين جدًّا. الوجه الثاني: ابن جزء أقرب إلى عصر تدوين الوفيات من أبي بن كعب ففي (فهرست ابن النديم) ص 281 أن لليث بن سعد تاريخًا، وتواريخ المحدثين مدارها على بيان الوفيات والليث ولد سنة 94 ومات سنة 175 ومن أشهر شيوخه يزيد بن

أبي حبيب المتوفى سنة 128 وهو أشهر الرواة عن ابن جزء. وفي (تدريب الراوي) في شرح النوع الستين: "وقال سفيان الثوري لا استعمل الرواة الكذب استعملنا لهم التاريخ" والثوري ولد سنة 97 ومات سنة 161 فيظهر أن البحث والسؤال عن الوفيات قد شرع فيه في حياة الرواة عن ابن جزء وهكذا غيره ممن تأخرت وفاته فلم يكن بين العوني وبين الصحابي إلا رجل واحد فيخبره عما أدركه بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب. الوجه الثالث: كان الصحابة في عهد أبي بن كعب متوافرين فلم يكن لطلبة العلم كبير حرص على لقائه لأنهم يجدون غيره من الصحابة ويرون أنه مات لم يفتهم شيء لبقاء كثير من الصحابة، وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه حتى نسب إلى شراسة الخلق فلعله لم يكن يتجشم لقاءه إلا ذوو الأسنان، فإذا نظرنا في الرواة عنه فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر، فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر فطلبة العلم بغاية الحرص على السماع منه لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًا آخر وتزلوا طبقة كظيمة وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا كما كان سهل بن سعد يقول: "لو مت لم تسمعوا أحدًا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كما في ترجمته من (الاستيعاب)، يحرضهم بذلك والله أعلم على السماع منه. ولما مات أنس قال مورق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم. قيل كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث قلنا تعال إلى من سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فالظن بمن كان من طلحة العلم بمصر أنه إذا بلغ سن الطلب في حياة ابن جزء كان أهم شيء عنده أن يلقاه ويسمع منه فلو عاش ابن جزء إلى سنة 97 أو 99 لكان في الرواة عنه من لم يبلغ سن الطلب إلا قبل ذلك بقليل، ولو كان فيهم من هو كذلك لأشتهر أمره لعلو سنده ولما خفي على مثل ابن يونس وغيره ممن

ذى وفاة ابن جزء، وقد تتبع الرواة عن ابن جزء فإذا أخرهم وفاة عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب توفي سنة 131 وقد روى عبيد الله أيضًا عن ناعم مولى أم سلمة ووفاة ناعم سنة 80 على ما قيل ولم يذكروا خلافه. الوجه الرابع: لو حج ابن جزء سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين في الموسم واجتمع الناس حواليه كما تزعمه تلك الرواية لكان من حضر الموسم من أهل العلم وطلبة الحديث أحرص الناس على لقائه والسماع منه، أنه لم يبق حينئذ على وجه الأرض صحابي سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحدث عنه إلا هو فرض صحة الرواية، ثم لتناقلوا ما يسمعون منه وتنافسوا فيه لعلوه، ولا سيما ذاك الحديث المذكور في تلك الرواية "من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب" فإن فيه بشارة عظيمة لهم وفضيلة بينة وترغيبًا في طلب العلم، ولا يعرفونه من رواية غيره فما بالنا لا نجد لذلك أثرًا إلا ما تضمنته تلك القصة؟ الوجه الخامس: لو لم يكن فيما يدل على تأخر وفاة أُبيّ بن كعب إلا ما أشار إليه الأستاذ من الرواية التي عند ابن سعد لاستنكرها أهل العلم لكن لذلك شواهد وعواضد منها ما روي عن عبد الرحمن بن أبزي أنه قال: "قلت لأبي لما وقع الناس في أمر عثمان يا أبا المنذر" ومنها ما روى عن زر بن حبيش أنه لقي أُبيًا في خلافة عثمان، ومنها ما روي عن الحسن البصري في قصة أن أُبيًا مات قبل مقتل عثمان بجمعة. فأما الرواية في لقى ابن جزء بمكة سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين فلا شاهد لها ولا عاضد. فإن قيل أرأيت لو وجد لها شواهد وعواضد قوية أتقبلونها؟ قلت أن صح سندها فنعم وأي شيء في هذا؟ أرأيت من قامت عليه البينة العادلة بما يوجب القتل أيدرأ عنه القتل أن يقال لو وجدت بينة عادلة بجرح الشهود لما كان عليه قتل؟.

الوجه السادس: متأخرو الوفاة من صاحبٍ قد يقع الاختلاف في تاريخ وفاته لكنه لا يكاد يكون التفاوت شديدًا فعبد الله بن أبي أوفى سنة 86، 87، 88، وسهل ابن سعد الساعدي سنة 88، 91، وأنس سنة 91، 93، 95، وأشد ما رأيته من التفاوت ما قيل في وفاة السائب بن يزيد وذلك نادر مع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي وللسائب نحو سبع سنين وعامة روايته عن الصحابة، وقد يرسل، أما ابن جزء فروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماعًا ولم يذكروا له رواية عن غيره فالحرص على السماع من ابن جزء محقق بخلاف السائب. ثم قال الأستاذ: "على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توفي عمن يزيد على مائة ألف من الصحابة ولم تحتو الكتب المؤلفة في الصحابة عشر معشار ذلك ولا مانع من اتفاق كثير منهم في الاسم واسم الأب والنسب لا سيما المقلين في الرواية". أقول: حاصل هذا أنه يحتمل أن يكون هناك صحابي آخر وافق عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي في الاسم واسم الأب والنسب فيكون هو الذي جاء في تلك القصة أن أبا حنيفة لقيه بمكة سنة 97 أو 98، ولا يخفى أن مثل هذا الاحتمال لا يكفي لدفع الحكم مع أنه قد علم مما تقدم في الوجه الرابع وغيره ما يدفع هذا الاحتمال، فإن كان الأستاذ يشير بقوله: "في الاسم واسم الأب والنسب" ولم يذكر اسم الجد - إلى عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب فذاك تابعي معروف. ثم ذكر الأستاذ أن ابن عبد البر "نص على أبا حنيفة رأى أنس بن مالك وعبد الله ابن جزء الزبيدي رواية عن ابن سعد". أقول: يحكي الذهبي عن ابن سعد أنه روى عن سيف بن جابر عن أبي حنيفة أنه رأى أنسًا، ولم أر في (الطبقات) المطبوع لا ذا ولا ذاك فلا أدري أفي كتاب آخر لابن سعد؟ أم حكاية مفردة رويت بسند، فإن كان الثاني فلا أدري ما حال ذاك السند وكيف وقعت لابن عبد البر زيادة (وعبد الله بن جزء الزبيدي) مع أني لم أعرف

سيف بن جابر، وما دام الحال هكذا فلا تقوم بذلك حجة مع أن صنيع ابن عبد البر في (الاستيعاب) يقتضي أنه لم يعتد بما حكاه في (كتاب العلم) كان رؤية أبي حنيفة لابن جزء، فإنه قال في ترجمة أنس بعد أن ذكر أنه توفي سنة 91 و 92 و 93: "ولا أعلم أحدًا مات بعده ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا أبا الطفيل" وقال في ترجمة ابن جزء: "كانت وفاته بعد الثمانين وقد قيل سنة ثمان أو سبع وثمانين سنة خمس وثمانين". 3 - في ترجمة: عبد الله بن محمد بن حميد أبي بكر بن أبي الأسود من "التنكيل" (18316): قال ابن أبي خيثمة: "كان ابن معين سيء الرأي في أبي بكر بن أبي الأسود". قال الشيخ المعلمي: "هذا مجمل، وقد جاء عن ابن معين أنه قال: "ما أرى به بأسا" وجاء عنه أيضًا أنه قال: "لا بأس به ولكنه سمع من أبي عوانة وهو صغير وقد كان يطلب الحديث" فهذا يفسر رواية ابن أبي خيثمة. وقال ابن المديني: "بيني وبين ابن أبي الأسود ستة أشهر، ومات أبو عوانة وأنا في الكتاب" ومولد ابن المديني سنة 161 وذكر هو أن وفاة أبي عوانة سنة 175 وقال غيره سنة 176. فعلى ذلك يكون سن ابن أبي الأسود حين وفاة أبي عوانة خمس عشرة سنة أو أكثر -وكان ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي- فقد يكون ساعده هو أو غيره في الضبط، وقد صحيح الجمهور السماع في مثل تلك السن وفيما دونها. نعم يؤخذ من كلام بعضهم أن أبا عوانة توفي سنة 270 ووقع في (تاريخ جرجان) لحمزة السهمي حكاية ذلك عن بعض الحفاظ كما يأتي في ترجمة أبي عوانة، فعلى هذا يكون سن ابن أبي الأسود نحو تسع سنين، لكن ذلك القول شاذ، ومع ذلك فابن تسع سنين قد يصح سماعه عندهم.

والذي يرفع النزاع من أصله أنه ليس في سماع الرجل وهو صغير ما يوجب الطعن فيه، إنما يتوجب الطعن فيه وإنما يتوجه الطعن إذا كان السماع غير صحيح، ومع ذلك كان الرجل يبني عليه ويروي بدون أن يبين، وهذا منتف هاهنا، أما أولًا فلأن احتمال صحة سماعه من أبي عوانة ظاهر، ولا سيما على المعروف من أن وفاة أبي عوانة كانت سنة خمس أو ست وسبعين ومائة. وأما ثانيًا فلأن البخاري وأبا داود والترمذي أخرجوا لابن أبي الأسود ولم يذكروا شيئًا من روايته عن أبي عوانة وذلك يدل على أحد أمرين: إما أن يكون ابن أبي الأسود لم يرو عن أبي عوانة شيئا، وإما أن يكون ربما روى عنه مع بيان الواقع. وعلى هذا فيكون كلام ابن معين وابن المديني إنما هو على سبيل الاحتياط علمًا أنه سمع من أبي عوانة وهو صغير فخشيا أن يعتمد على ذلك فيروي من غير بيان" اهـ. 4 - حكى الشيخ المعلمي في ترجمة: عبيد الله بن محمد بن حمدان أبي عبد الله ابن بطة العكبري من "التنكيل" (1/ 351) تسعة أمور هي ما ذكره الخطيب فيما انتقد عليه مما يتعلق بالرواية، أولها: "أنه روى عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجي (كتاب السنن) له فذكر الخطيب أن أبا ذر عبد بن أحمد الهروي كتب إليه من مكة أنه سمع نصر الأندلسي. قال: وكان يحفظ ويفهم، فذكر قصة حاصلها أنه سمع من ابن بطة (كتاب السنن) لرجاء بن مرجى من ابن بطة عن الأردبيلي عن رجاء فذكر ذلك للدارقطني، قال: "هذا محال؛ دخل رجاء بن مرجى بغداد سنة أربعين، ودخل حفص بن عمر الأردبيلي سنة سبعين ومائتين، فكيف سمع منه؟ " وذكر الخطيب عن ابن برهان قصة حاصلها أن ابن بطة ورد بغداد فحدث عن حفص بن عمر الأردبيلي عن رجاء بن مرجى (كتاب السنن) قال: "فأنكر ذلك أبو الحسن الدارقطني وزعم أن

حفصًا ليس عنده عن رجاء، وأنه يصغر عن السماع منه، فأبردوا بريدًا إلى (أردبيل) وكان ابن حفص بن عمر حيًا هناك وكتبوا إليه يستخبرونه عن هذا الكتاب، فعاد جوابه بأن أباه لم يرو عن رجاء بن مرجي ولا رآه قط، مولده كان بعد موته بسنين" قال ابن برهان: "فتتبع ابن بطة النسخ التي كتبت عنه وغيَّر الرواية وجعلها عن ابن الراجيان عن (فتح بن) شحرف (¬1) عن رجاء. أجاب ابن الجوزي بأن أبا ذر أشعري وأن ابن برهان مبتدع على ما تقدم في ترجمتيهما. ولا يخفي سقوط هذا الجواب؛ فإن أبا ذر ثقة كما، وابن برهان يدل سياقه للحكاية على أنه صادق فيها، ورواية ابن بطة عن الأردبيلي عن رجاء ثابتة كما تقدم أن الخطيب روى عن الحسن بن شهاب عن ابن بطة بهذا السند، والحسن بن شهاب حنبلي ثقة. ورجاء توفي ببغداد وكان قد أقام بها آخر عمره مدة، والأردبيلي توفي سنة 339 وبين وفاتيهما تسعون سنة، يضاف إليها مدة إقامة رجاء ببغداد آخر عمره؛ لأن الأردبيلي إنما سمع منه -إن كان سمع- بسمرقند، على ما رواه الخطيب عن الحسن بن شهاب، وأضف إلى ذلك مقدار سن الأردبيلي الذي مكَّنه أن يرحل من بلده إلى سمرقند حيث سمع رجاء، وهذان المقداران يمكن حَزْرُهما بعشرين أو ثلاثين سنة تضاف إلى التسعين التي بين الوفاتين، وعلى هذا يكون الأردبيلي بلغ من العمر مائة وبضع عشرة سنة على الأقل، فيكون مولده قريبًا من سنة 220 على الأقل، وهذا باطل حتمًا؛ وبيانه أن عادة الذهبي في (تذكرة الحفاظ) أن يذكر من مشايخ الرجل أقدمهم، وإنما قال في ترجمة الأردبيلي: "سمع أبا حاتم الرازي ويحيى ابن أبي طالب وعبد الملك بن محمد الرقاشي وإبراهيم بن ديزيل" وهؤلاء كلهم ¬

_ (¬1) كذا الأصل بالحاء المهملة، وفي (التاريخ) (10/ 373) بالمعجمة.

ماتوا بعد سنة 274 فهل رحل الأردبيلي وسمع سنة 230 فسمع من رجاء بسمرقند ثم رقد بعد ذلك أربعين سنة ثم استيقظ فسمع من الذين سماهم الذهبي؟ فالوهم لازم لابن بطة حتمًا؛ وسببه أنه ساح في أول عمره، فكان يسمع ولا يكتب، ولم يكن يؤمل أن يحتاج آخر عمره إلى أن يروي الحديث، ولهذا لم تكن له أصول، وفي (لسان الميزان): "قال أبو ذر الهروي: جهدت على أن يخرج في شيئًا من الأصول فلم يفعل، فزهدت فيه" وبعد رجوعه من سياحته انقطع في بيته مدة ثم احتاج الناس إلى أن يسمعوا منه فكان يتذكر ويروي على حسب ظنه فيهم، وكأنه سمع (سنن رجاء بن مرجى) من الأردبيلي عن رجل، فتوهم بآخره أن الأردبيلي رواها عن رجاء نفسه، وقد رجع ابن بطة عن هذا السند لما تبين له أنه وهم. والله أعلم" اهـ. 5 - ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة حماد بن سلمة من "التنكيل" (1/ 250) أن الكلام فيه يعود إلى أربعة أوجه، حتى بلغ: الوجه الثالث، فقال: "زعم بعضهم إنه كان له ربيب يدخل في كتبه وقيل ربيبان وصحَّف بعضهم "ربيب حماد" إلى "زيد بن حماد" راجع (لسان الميزان) ج 2 ص 506. ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي، قال الذهبي في (الميزان): "الدولابي حدثنا محمد بن شجاع ابن الثلجي حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى (عبادان) فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون إنها دست في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه فكان يدس في كتبه". قال الذهبي: "قلت: ابن الثلجي ليس بمصدق على حماد وأمثاله وقد اتهم. نسأل الله السلامة".

أقول: الدولابي حافظ حنفي له ترجمة في (لسان الميزان) ج 5 ص 41 وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله إلا في قبوله لها من ابن الثلجي وروايتها عنه. كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي جهميًا داعية عدوًا للسنة وأهلها ... فأما ما نسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد فلا يدفع ما تقدم. وحكايته هذه يلوح عليها الكذب، وإبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي ولد أبوه سنة 135 فمتى ترى ولد إبراهيم؟ ومولد ابن الثلجي كما ذكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من (التهذيب) شيء من رواية ابن المديني عن إبراهيم، وهذا يشعر بأنه عاش بعد أبيه، وأبوه مات سنة 198، فإذا كان إبراهيم مات سنة 200 فمتى تراه ولد؟ وقد قال الخليلي: "مات وهو شاب لا يعرف له إلا أحاديث دون العشرة، يروي عنه الهاشمي جعفر بن عبد الواحد أحاديث أنكروها على الهاشمي، وهو من الضعفاء". وحماد بن سلمة توفي سنة 167، ومقتضى ما تقدم أن يكون إبراهيم حينئذ إما صبيا وإما لم يولد، فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى "عبادان"؟ وكيف عرف هذا الأمر العظيم ولم يعرفه أبوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه؟ وكلهم أبلغوا في الثناء على حماد كما يأتي، ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذِكْرُ ابن حبان له في (الثقات) لا يجدي لأنه لم يثبت عنه أحاديث كئيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟ ولا إلى أن يقال لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكي، بل الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي. وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب مع أن عبادًا متروك، وقال عبدان: لم يكذبه الناس وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر. فعلى هذا فعباد وهو المبتلى يابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي "الميزان" أحاديث من مناكيره". اهـ.

6 - في الترجمة رقم (203) من "التنكيل": "محمد بن حماد في (تاريخ بغداد) 13/ 402 من طريق: عبد الله بن أُبيّ القاضي يقول: سمعت محمد بن حماد يقول: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في المنام .... " قال الأستاذ -الكوثري-: ص 141: "وضَّاع معروف من أصحاب مقاتل". أقول: صاحب مقاتل قديم ففي ترجمته من "اللسان" أنه قال: "أشخصني هشام بن عبد الملك من الحجاز إلى الشام ... " وقد مر في ترجمة عبد الله بن أُبي القاضي أن أعلى شيخ له: أحمد بن عبد الله بن يونس المتوفى سنة 227، وهشام مات سنة 125، فأني يدرك عبدَ الله بن أُبي من كان في زمن هشام رجلا؟ فهذا رجل آخر. والله المستعان اهـ. 7 - في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 247): "عبد الواحد بن قيس لا يتحقق له إدراك لعُبادة، بل الظاهر البين أنه لم يدركه. توفي عبادة سنة 34، ومن زعم أنه تأخر إلى خلافة معاوية، إنما اغتر بحوادث جرت له مع معاوية في إمارته، والمراد بالإمارة إذ كان عاملا على الشام في خلافة عمر وعثمان، ولو عاش عبادة بعد عثمان لكان له شأن، وعامة شيوخ عبد الواحد من التابعين، روى عن أبي أمامة المتوفى سنة 86، وذكروا أنه روى عن أبي هريرة ولم يره، فإن لم يدرك أبا هريرة فلم يدرك عبادة؛ لأن أبا هريرة عاش بعد عبادة نيفًا وعشرين سنة، وإن كان أدركه ومع ذلك روى عنه ولم يسمعه، فهذا ضرب من التدليس يحتمل أن يقع منه في الرواية عن عبادة على فرض إدراكه له اهـ. 8 - في "الفوائد المجموعة" (ص 65) حديث: "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود فإنها صدقة" قال الشوكاني: رواه الخطيب عن أبي هريرة، وفي إسناده: متروكان. ورواه الخطيب أيضًا عن عائشة مرفوعًا. وقال [يحيى بن معين: هذا كذب و] باطل لا يحدث بهذا أحد يعقل.

فعلق الشيخ المعلمي بقوله: "الحديث أورده الخطيب في ترجمة يعقوب بن محمد الزهري، وروى عن ابن معين قال: "يعقوب ..... صدوق، ولكن لا يبالي عمن حدث، حدث عن هشام ابن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود، هذا كذب - الخ" يريد أن يعقوب يحدث عن الضعفاء والمتروكين، فحدث عن بعضهم عن هشام بن عروة بهذا الخبر الباطل. وفي "الميزان" في ترجمة يعقوب: "أخطأ من قال: إنه يروي عن هشام بن عروة، لم يلحقه، ولا كأنه ولد إلا بعد هشام". أقول: مات هشام سنة 145، وعامة شيوخ يعقوب ماتوا بعد سنة 180، وكأن يعقوب روى هذا الخبر عن عبد الله بن محمد بن زاذان عن أبيه، عن هشام" اهـ. * * *

المطلب السادس نقد بعض صور التحمل سوى السماع

المطلب السادس نقد بعض صور التحمل سوى السماع 1 - الوجادة: • قال المعلمي في "التنكيل" (1/ 485): "الوجادة صحيحة من طرق التحمل". • وفيما يتعلق بسماع مخرمة بن بكير من أبيه قال المعلمي في "التنكيل" (2/ 134): "قال أبو داود: "لم يسمع من أبيه إلا حديثًا واحدًا وهو حديث الوتر" فقد سمع من أبيه في الجملة فإن كان أبوه أذن له أن يروي ما في كتابه ثبت الاتصال، وإلا فهي وجادة، فإن ثبت صحة ذاك الكتاب قوي الأمر، ويدل على صحة الكتاب أن مالكًا كان يعتد به ... " اهـ. فائدة: من شروط صحة النقل من كتابِ شيخٍ على سبيل الوجادة: التصريح أنه بخطِّ صاحبه. • في "الفوائد المجموعة" (83): حديث: "من مشى في حاجة أخيه كان له خيرًا من اعتكاف عشر سنين". قال في المختصر: ضعيف. فقال الشيخ المعلمي: "ذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (8/ 192) بزيادة في آخره، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد.

كذا قال، وهو في كتاب "مجمع البحرين في زوائد المسندين" للهيثمي من طريق أحمد بن خالد الخلال: ثنا الحسن بن بشر قال: وجدت في كتاب أبي ثنا عبد العزيز ابن أبي رواد عن عطاء عن ابن عباس (فذكره مرفوعًا بزيادته) ثم قال: لم يروه عن عبد العزيز إلا بشر بن سلم البجلي، تفرد به ابنه". وفيه أمران؛ الأول: أنه لم يقل (بخطه). الثاني: أن بشر بن سلم (¬1) لم يوثق، بل قال أبو حاتم: (منكر الحديث) ". اهـ. قال الفقير إلى الله تعالي: هذا من عيوب الوجادة، فقد يكون في كتاب الشيخ أحاديثٌ زيدت فيه بعده بخطٍّ يُشبه خطَّه، ولا يتبين للناظر هذا الفرق، أو يتبين له ولكنه يُقَصِّرُ فلا يُنبه عليه، أو يكون فيه ما ليس من حديثه ولكنه بخطه، كأن يَكتب ما لم يَسمع على أمل سماعه فيما بعد، ويُميز ذلك؛ لئلا يُحَدِّثُ به قبل سماعه، لكن ربما لم يَفطن الناظر في كتابه إلى أنه لم يسمعه، ولا يفهم هذا التمييز، فينقله على أنه من جملة ما سمعه الشيخ كسائر الكتاب، وهذا باب واسع من أبواب الخلل، ولذا فقد عاب الأئمة الوجادات؛ لتطرق ذلك إليها، ولشرح هذا بتوسع، ينظر كتابي "ثمرات النخيل" الذي مَرَّ التنبيه عليه آنفا. ¬

_ (¬1) في المطبوع: مسلم، وهو خطأ.

2 - الإجازة

2 - الإجازة: الإجازة العامة: • قال الشيخ المعلمى في ترجمة أبي نعيم الأصبهاني من "التنكيل" (1/ 122): "من أقسام الإجازة: الإجازة العامة، بأن يجيز الشيخ للطالب جميع مروياته أو جميع علومه، فينبغي التثبت في روايات العاملين بهذه الإجازة؛ فإذا ثبت في أحدهم أنه لا يروي بها إلا ما ثبت عنده قطعًا أنه من مرويات المجيز، فهذا ممن يوثق بما رواه بالإجازة. وإن بأن لنا أو احتمل عندنا أن الرجل قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع ثقة عنده يحدث به عن المجيز، فينبغي أن يتوقف فيما رواه بالإجازة؛ لأنه بمنزلة قوله: حدثني ثقة عندي. وإن بان لنا في رجل أنه قد يروي بتلك الإجازة ما يسمع غير ثقة يحدث به عن المجيز، فالتوقف في المروي أوجب. فأما الراوي فهو بمنزلة المدلس عن غير الثقات، فإن كان قد عرف بذلك فذاك، وإلا فهو على يدي عدل. وإذا تقرر هذا فقد رأيت في "تاريخ بغداد" (ج 8 ص 345): "أخبرنا أبو نعيم الحافظ أخبرنا جعفر الخلدي في كتابه قال سألت خير النساج .... " فذكر قصة غريبة ثم قال الخطيب: "قلت: جعفر الخلدي ثقة وهذه الحكاية طريفة جدًّا يسبق إلى القلب استحالتها، وقد كان الخلدي كتب إلى أبي نعيم يجيز له رواية جميع علومه، وكتب أبو نعيم هذه الحكاية عن أبي الحسن بن مقسم عن الخلدي، ورواها عن الخلدي نفسه إجازة، وكان ابن مقسم غير ثقة. والله أعلم".

أقول: فقول أبي نعيم: "أخبرنا الخلدي في كتابه" أراد به أن الخلدي كتب إليه بإجازته له جميع علومه، فأما القصة فإنما سمعها من ابن مقسم عن الخلدي، وابن مقسم غير ثقة، فهذا أشد ما يقدح به في أبي نعيم، لكن لعله اغتر بما كان يظهره ابن مقسم من النسك والصلاح فظنه ثقة، فإن ابن مقسم وهو أحمد بن محمد بن الحسن ابن مقسم ترجمته في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 429) وفيها: "حدثنا عنه أبو نعيم الحافظ ومحمد بن عمر .... وكان يظهر النسك والصلاح ولم يكن في الحديث بثقة" وقد تكلم الدارقطني وغيره في ابن مقسم. والله المستعان. والحق أن أبا نعيم وضع من نفسه ومن كتبه، فجزاؤه أن لا يعتد بشيء من مروياته إلا ما صرح فيه بالسماع الواضح؛ كقوله في الحكاية المارة أول الترجمة: "حدثنا أبو أحمد الغطريفي" بخلاف ما استدل به الأستاذ (ص 107) وفيه عن أبي نعيم: "أخبرني القاضي محمد بن عمر وأذن لي" فإن هذه الصيغة مما يستعمله أبو نعيم في الإجازة، ومع ذلك فالقاضي محمد بن عمر هو الجعابي متكلم فيه اهـ. • وفي ترجمة إبراهيم بن راشد الآدمي من "التنكيل" (1/ 92): "في ترجمة علي بن صالح الأنماطي من (الميزان) حديث ساقه الذهبي من طريق أبي نعيم الأصبهاني: "أنا عمر بن شاهين ثنا أحمد بن محمد بن يزيد الزعفراني ثنا إبراهيم بن راشد الآدمي ثنا علي بن صالح الأنماطي ... ". استنكره الذهبي وقال: "المتهم بوضعه علي فإن الرواة ثقات سواه". تعقبه ابن حجر في (اللسان) بأن عليا ذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: "مستقيم الحديث" قال ابن حجر: "وينظر فيمن دون صاحب الترجمة". أقول: أخاف أن يكون هذا من بلايا الإجازة، فإن أبا نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني ربما تكون له إجازة عامة من شيخ، ثم يسمع الشيء ويرويه رجل عن

ذاك الشيخ، فيرويه أبو نعيم عن الشيخ نفسه بلفظ "أخبرنا" على اصطلاحه في الإجازة .. فيكون البلاء في هذا الحديث من الرجل الذي بي أبي نعيم وابن شاهين ويبرأ غيره. والله أعلم اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 184 - 185) عند ذكر خبر: "أكل الطين حرام على كل مسلم" تكلم الشيخ المعلمي على طرقه الواهية، ثم قال: وبقيت طرق أخرى معلقة لم تذكر أسانيدها، وأخرى أسانيدها مظلمة، من أشنعها: الديلمي، أنبأنا ابن همان، أنبأنا أبو نصر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن صالح، أنبأنا أبو بكر محمد بن أحمد بن عبد الله بن ماشاذه، أنبأنا أبو الشيخ، أنبأنا الفضل بن الحباب، عن القعنبي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رفعه: "من مات وفي قلبه مثقال من طين، كبه الله في النار". ولو كان هذا عند أبي الشيخ، لما فات صاحبه أبا نعيم، وأبا القاسم بن منده، وقد عنيا بجمع طرق هذا الخبر، ولا أدري البلاء من بعض المسمين دون أبي الشيخ، أم من الإجازة، فإن صيغة (أنبأنا) يستعملها المتأخرون في الإجازة، وقد يكون لابن ماشاذه مثلًا إجازة عامة عن أبي الشيخ، ثم بعد موته يسمع رجلًا يحدث عنه بحديث فيحسن الظن به، ويذهب يرويه عن أبي الشيخ، وقد يكون الذي أحسن الظن به كذابًا، اتفق مثل هذا لأبي نعيم، كما تراه في ترجمة (خير النساج) من تاريخ بغداد، هذا وكلمة (قلبه) في المتن تشعر بأن كلمة (طن) محرفة عن (كبر) فقد جاءت أحاديث تشبه هذا في الكبر، والله المستعان" اهـ.

الإجازة الخاصة: • في ترجمة عمر بن الحسن أبي الحسن الشيباني القاضي المعروف بابن الأشناني من التنكيل (1/ 380): "وقال الخطيب: "أخبرني محمد بن أحمد بن يعقوب أخبرني محمد بن نعيم الضبي (هو الحاكم) قال: سمعت أبا علي الهروي يحدث عن عمر بن الحسن الشيباني القاضي فسألته عنه فقال: صدوق. قلت: إني سمعت أصحابنا ببغداد يتكلمون فيه فقال: ما سمعنا أحدًا يقول فيه أكثر من أنه يرى الإجازة سماعًا، وكان لا يحدث إلا من أصوله". أقول: هذه الحكاية مسنده صحيحة، وقوله: "يرى الإجازة سماعا"، يريد به الإجازة الخاصة، بدليل قوله: "وكان لا يحدث إلا من أصوله" وهي قوية، فإن كان معنى أنه يراها سماعًا هو أنه يعتد بها، ويروي ما أجيز له عمن أجازه فليس في هذا إلا أنه يصحح الأجازة الخاصة، وهو قول أكثر أهل العلم، وإن كان معناه أنه يروي ما أجيز له بلفظ: "حدثنا" فاصطلاح له قد عُرف ولا محذور فيه ... ". اهـ. • الغمز بالإجازة: في ترجمه: محمد بن العباس بن حيوية أبي عمر الخزاز من "التنكيل" (1/ 463) نظر الشيخ المعلمي في قول الأزهري فيه: "كان أبو عمر بن حيويه مكثرا، وكان فيه تسامح، لربما أراد أن يقرأ شيئا، ولا يقرب أصله منه فيقرؤه من كتاب أبي الحسن ابن الرزاز لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة". فقال: "علي بن موسى أبو الحسن ابن الرزاز شيخ الخزاز حتما، ثم هناك احتمالان: الأول: أن يكون شيخه في ذاك الكتاب.

الثاني: أن لا يكون شيخه فيه وإنما سمعه والخزاز من رجل آخر. فعلى الأول ... فصورة التساهل موجودة، ... ومن روى من أصل شيخه لا يأمن أن يقع في نحو هذا [التساهل] إلا إذا كان قد كرر المقابلة حتى وثق كل الوثوق بالمطابقة، والأَولى به وإن وثق كل الوثوق أن لا يروى إلا عن أصل نفسه، فإن كان الخزاز سمع ذاك الكتاب من أبي الحسن أبن الرزاز فتساهله هو ترك الأولى كما عرفت، وعلى الاحتمال الثاني لا يكون للخزاز أن يروي عن كتاب ليس هو أصله ولا أصل شيخه إلا أن يقابله بأصله مقابله دقيقة فيثق بمطابقته لأصله، ومع ذلك فالأَولى به أن لا يروي إلا من أصله، وعلى هذا فتساهل الخزاز هو في ترك الأولى كما أقتضته عياراتهم في الثناء عليه كما مر. قال الأستاذ -الكوثري-: "وكان ينبغي أن يذكر في السند اسم شيخه الذي ناوله أصله، وليس يمعقول أن يهمل التلميذ ذكر شيخه في سند ما حمله وتلقاه بطريقه". أقول: هذا مبنى على الاحتمال الأول، وأن لا يكون الخزاز سمع الكتاب أصلا وإنما ناوله إياه ابن الرزاز. والذي نقوله إنه كان على الاحتمال الأول فالخزاز سمع ذاك الكتاب سماعا من ابن الرزاز، وإلا لغمزوه بأنه يعتمد على الإجازة ... ". اهـ * * *

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي وَأَثَرُهُ فِي عِلْمِ الحَدِيْثِ المُسَمَّاة النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد إِعدَاد أَبِي أَنَس إِبْرَاهِيَم بنْ سَعِيْد الصبَيْحي تتمة الْقسم الثالث «وبآخره ملحقان: 1 - المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد 2 - منهج وخطوات تصحيح الكتب على أصولها الخطية» دَارُ طَيْبَة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

مَوْسُوعَةُ المُعَلِّمِي اليَمَانِي النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد (4)

(ح) دَار طيبَة للنشر والتوزيع، 1431 هـ فهرسة مكتبة الْملك فَهد الوطنية أثْنَاء النشر الصبيحي، إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم موسوعة المعلمي الْيَمَانِيّ وأثره فِي علم الحَدِيث الْمُسَمَّاة (النكت الْجِيَاد المنتخبة من كَلَام شيخ النقاد)./ إِبْرَاهِيم سعيد إِبْرَاهِيم الصبيحي - الرياض، 1431 هـ 4 مج. ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 4) 1 - عُلُوم الحَدِيث. 2 - الحَدِيث - الْجرْح وَالتَّعْدِيل. 3 - الحَدِيث - علل. أ - العنوان ديوى 230 - 19/ 1431 رقم الْإِيدَاع: 19/ 1431 ردمك: 0 - 93 - 8003 - 603 - 978 (مَجْمُوعَة) 7 - 94 - 8003 - 603 - 978 (ج 4) جَمِيعُ الحُقُوق مَحفُوظَةٌ الطَّبعَةُ الأولى 1431 هـ - 2010 م دَار طيبَة للنشر والتوزيع المملكة الْعَرَبيَّة السعودية - الرياض - السويدي ش. السويدي الْعَام - غرب النفق - ص. ب 7612 الرَّمْز البريدي 11472 - هَاتِف 4253737 (6 خطوط) - فاكس 4258277

المرتبة الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل عله خطإ إن كان

المرتبة الثالثة: البحث والنظر في الأمور التي تدل عله خطإٍ إن كان هكذا ذكر المعلمي تلك المرتبة، ولم يتهيأ له الكتابة فيها -فيما يبدو- وباستقراء كتب المعلمى يمكن أن ندرج تحت هذه المرتبة الأمور الآتية: 1 - دلائل العلة. 2 - أسباب التعليل. 3 - السبر والاعتبار - الشواهد والمتابعات. 4 - نقد المتن أو النقد الداخلي. * * *

كُلٌّ من هذه الأمور يحتاج إلى فصولٍ وأبحاثٍ تحتمل مصنفات خاصَّة، لكني أكتفي بذكر ما يُستفاد من كلام المعلمي، فأقوم باستخراج النكت الخاصة بذلك، وتقسيمها، ووضع العناوين لها، مع ذكر النماذج التي تدل عليها من كلامه رحمه الله. أما بسط تلك الأمور وشرحها، فلعل القارىء يجد قدرًا من ذلك في كتابي: "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل" يسر الله إتمامه. فأقول وبالله التوفيق:

1 - دلائل العلة

1 - دلائل العلة قال أبو أنس: تنقسم الأمورُ التي يُستدل بها على احتمال وقوع الخطأ في رواية الراوي بصفة عامة إلى قسمين: أ- التفرد. ب- المخالفة. أ- أما التفرد - وهو أَدَقُّها وأَغْمَضُها- ففيه هاهنا مباحث، منها: 1 - هل مجرد التفرد مانع من الأحتجاج؟ • قال الشيخ المعلمي في "طليعة التنكيل" (ص 68): "أما الانفراد فليس بمانعٍ من الاحتجاج عند أهل السنة، بل بإجماع الصحابة والتابعين، بل الأدلة في ذلك أوضح، ولم يشترط التعدد إلا بعضُ أهلِ البدع، نعم قد يُتوقف في بعض الأفراد؛ لقيام قرائن تُشعر بالغلط، والمرجع في ذلك إلى أئمة الحديث" اهـ. 2 - علام يُحْمَلُ تفردُ الثقةِ بما لا يُقبل؟ • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 267): "الخبر المخالف للعقل لا يُقبل ولو من الثقة، وإذا تفرد الثقة بما لا يُقبلُ حُمِلَ على الخطأ، واسترحتَ منه". اهـ.

3 - إطلاق التفرد لا ينفي وجود طرق أخري واهية أو غير محفوظة

3 - إطلاق التفرد لا ينفي وجود طرق أخري واهية أو غير محفوظة. • في "الفوائد المجموعة" (ص 265): حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك"، له طرق واهية (¬1)، ورواه الترمذي (2506) من طريق أمية بن القاسم، عن حفص بن غياث، وقال: "حسن غريب". فقال الشيخ المعلمي: "ذكروا أن الصواب: "القاسم بن أمية". ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث، وقال: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: شهادةُ أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوقٌ أَوْلَى. أقول: بل الصواب تتبعُ أحاديثه فإن وُجد الأمرُ كما قال ابنُ حبان ترجَّحَ قولُه، وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا (¬2). وفي "اللآلىء" أنه قد رُوي عن السري بن عاصم، وعن فهد بن حيان، كُلٌّ منهما عن حفص بن غياث، كما قال عبد الرحمن (¬3). أقول: لم يُبين السند إليهما، والسري يسرق الحديث، فهذا من ذاك. وفهد واهٍ متروك، إما أن يكون درقه، وإما أُدخل عليه (¬4). ¬

_ (¬1) ولم يمنع هذا إطلاق التفرد الآتي. (¬2) يعني ممن يُعْتَدُّ به. (¬3) كذا والصواب: "كما قال القاسم بن أمية". (¬4) ورواه عن حفص أيضًا: عمر بن إسماعيل بن مجالد، وهو كذاب، رواه من طريقه البيهقي في "شعب الإيمان" (14/ 297).

4 - هل مجرد تفرد الراوي عن شيخ بأحاديث يسوغ ردها والطعن فيه بسببها؟

قال (¬1): وله شاهد من حديث ابن عباس، وساق بسندٍ فيه من لم أعرفه: عن إبراهيم بن الحكم بن أبان، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس، فذكره، ثم قال: إبراهيم ضعيف. أقول: جدًّا، وربما كان البلاء ممن دونه". اهـ. • وفي حاشية "الفوائد" (ص 349 - 350): ذكر الشيخ المعلمي حديث: "أنا دار الحكمة وعلي بابها" فقال: "رواه محمد بن عمر بن الرومي، عن شريك وابن الرومي ضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وقال أبو حاتم: صدوق قديم، روى عن شريك حديثًا منكرًا. يعني هذا، وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن حجر في "التقريب": لين الحديث. ووهم من زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما، وأخرجه الترمذي من طريقه، ثم قال: غريب منكر. ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه "الصنابحي". فزعَم العلائي أن هذا ينفي تفرد ابن الرومي. ولا يخفى أن كلمة "بعضهم" تَصدُقُ بمن لا يُعتدُّ بمتابعتص ولم يذكر في "اللآلىء" أحدًا رواه عن شريك غير ابن الرومي إلا عبد الحميد بن بكر، وهو هالك يسرق الحديث، فالحَقُّ أن الخبر غير ثابت عن شريك". اهـ. 4 - هل مجرد تفرد الراوي عن شيخ بأحاديث يُسَوِّغُ ردَّها والطعن فيه بسببها؟ • في ترجمة: محمد بن أحمد بن الحسن بن القاسم بن الغطريف أبي أحمد الجرجاني الغطريفي الحافظ من "التنكيل" (185): ¬

_ (¬1) يعني السيوطي.

5 - نماذج من التفرد المردود

قال الكوثري: "تفرد عن أبي العباس بن سريج بأحاديث لم يروها عنه غيره". فقال الشيخ المعلمي: "أما أحاديثه عن ابن سريج فإنما قال حمزة: لا أعلم روى عنه غيره، يعني تلك الأحاديث، لم يستنكر حمزة شيئا منها، وابن سريج كان بابُه الفقه، ولم يكن يبذل نفسه لإملاء الحديث، وكان الغطريفي مُولعا بالإكثار واستيعاب ما عند الشيخ، كما في ترجمته من "تذكرة الحفاظ": "سمع أبا خليفة، حتى استوعب ما عنده"، فكأنه ألحَّ على ابن سريج، حتى أخذ ما عنده ولم يكن غيره يحرص على السماع من ابن سريج؛ لأنه لم يكن مكثرا من الحديث، ولا متجردا له، ولا عالي الإسناد، فإنه مات وعمره بضع وخمسون سنة، على أنه يُحتمل أن يكون غير الغطريفي قد روى عن ابن سريج تلك الأحاديث ولم يعلم حمزة". اهـ. 5 - نماذج من التفرد المردود: • في "الفوائد" (475): حديث: "نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام". رواه ابن عدي عن جابر مرفوعًا، وفي إسناده: وضاع. وقد رواه عن أنس مرفوعًا. وفي إسناده أيضًا: وضاع. ورواه عن أبي هريرة وفي إسناده: رشدين بن سعد، وهو متروك. فقال الشيخ المعلمي: "قال السيوطي: لم ينته حاله إلى أن يُحكم على حديثه بالوضع. أقول: بلى، إذا كان مثل هذا الخبر، فإن متنه منكر، وكذلك سنده، إذ تفرد به رشدين، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعًا.

ولو تفرد بمثل هذا ثقة لقالوا: باطل، واعتذروا عنه بأنه لعله أُدخل عليه، أو نحو ذلك، مع أنه من رواية أبي صالح عنه، وحال أبي صالح معروفة". اهـ. • وفيها (ص 244): تعرض الشيخ المعلمي لنقد طرق حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله"، وَوَهَّنَها كُلَّها، وهو مروي عن عدة من الصحابة، منهم: أبو أمامة -رضي الله عنه-. قال المعلمي: وأما عن أبي أمامة فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث. وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك فإن له أوابد. وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديث عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما علَّقه عنه البخاري. فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرقٍ أخرى يُوَهِّنُه حتمًا. اهـ. • وفيها أيضا (ص 481): حديث: "ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين ... " الحديث. قال المعلمي: "أَشْبَهُ طرقِه ما في "اللآلىء" (1/ 75): قال إسماعيل بن الفضل الإخشيد في "فوائده": ثنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر بن المقرىء، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا الصنعاني -هو حفص بن ميسرة- به. يعني: عن زيد بن أسلم، عن أنس مرفوعًا".

ثم تكلم المعلمي عن رجال هذا السند واحدًا واحدًا، حتى بلغ مَخْلدًا، وذكر أنه إن صح أنه روى هذا الحديث، فقد تفرد به عن حفص. ثم قال: فأما ما قيل إن ابن وهب رواه عن حفص، فهذا شيء انفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن رمح، عن ابن وهب. ابن وهب إمام جليل، له أصحاب كثير، منهم من وُصِف بأن لديه حديثه كله، وهما: ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن، وحرملة، ولا ذِكْر لهذا الخبر عندهما، ولا عند أحدهما، ولا عند غيرهما من مشاهير أصحاب ابن وهب، ولابن وهب مؤلفات عدّة رواها عنه الناس، وليس هذا فيها. ثم تكلم المعلمي عن ابن رمح، وذكر أنه مقلّ، وأن ابن ماجه روى عنه حديثين غريبين. ثم قال: وبكر حاول ابنُ حجر تقويته، ولم يصنع شيئًا، بكر ضَعَّفَهُ النسائي، ولم يوثقه أحد، وله أوابد، تقدم بعضها في التعليق صفحات 135 و 226 و 245 و 467، وقال الذهبي في ترجمته من "الميزان": "ومنْ وَضْعِه ... " فذكر قول بكر: هَجَّرت -أي بكَّرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات. قال الذهبي: فاسمع إلى هذا وتعجب. وأرى أن تفرد بكر، عن ابن رمح، عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه، فمن هنا لا يصلح هذا متابعة لخبر ابن الأخشيد، ولا خبر ابن الأخشيد متابعة لهذا. اهـ. قال أبو أنس: قال المحقق الفاضل لكتاب "المعجم" لابن الأعرابي (2/ 623) تعقيبا على الشيخ المعلمي: "على فرض أنه -يعني هذا الحديث- من بكرٍ، فهل يُعدّ هذان -

يعني هذا وحديث: أعروا النساء ... سببًا في طرح الرجل مع باقي روايته؟ وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه: حديثٌ اسْقَطَ ألفَ حديثٍ، فرواية مثل هذا يدل على غفلة، ولكن إذا علمنا أن الثقة!! قد يَدخل له إسنادٌ في إسناد، ويخطىء في الرواية فيجعل ما يُستنكر من أحاديث الضعفاء من رواية الثقات، لكان لزامًا تقويمُ ما يرويه على أساسِ الحكم للغالب والأكثر ... " ثم راح يذكر أمثلةً على هذا، وهو كلام متين، فليس من شرط الثقة ألا يخطىء، لكن هاهنا ملاحظات: الأولى: أن هذا فيمن ثبت توثيقه أو تَرَجَّحَ، وبكر لم يوثقه أحدٌ باعتراف المحقق نفسه (ص 624)، فقد نفى ما ادَّعاه الحافظ ابن حجر في "القول المسدد" - أن بكرًا قَوَّاهُ جماعة، فقال: فليس في ترجمة بكر لَدَى كل من ترجم له مما توصلت إليه ما يَنُمُّ عن هذا أو يدل عليه ... إلا إن كان -أي: ابن حجر- يعني أصحاب "طبقات القراء" - أو المفسرين، وهؤلاء يغلب على ظن العوني أنهم يعنون القراءة والتفسير، وهذا مجالٌ، ورواية الأحاديث مجالٌ آخر". اهـ. أقول: إذًا، ما ساقه المحقق من الأمثلة على احتمال الأئمة لبعض أخطاء الثقات، لا علاقة له ببكر؛ لأنه لا يدخل في زمرة الموثَّقيِن. الثانية: أن الأخطاء فيها ما هو محتمل، ومنها ما يدل على وهن الراوي، كما أشار إليه المحقق بقوله: وقد يقال: هذا من الباب الذي يقال فيه ... ثم إن هذا الأمر مخصوصٌ بنظر النقاد، والنسائي: من المقدَّمين في هذا الشأن، فتضعيفه له لأحاديث تفرد بها يدل على أنها -مع عدم توثيقه- غير محتملة. الثالثة: لا يكفي في الحكم على الرجل النظرُ في بعض أحاديثَ له، قد وافق فيها الثقات، والحكم عليها بالاستقامة، مع عدم الاعتداد بتليين من ليَّنَهُ من أهل العلم؛

لأن كما أنه ليس من شرط الثقة ألا يخطىء، فكذلك ليس من لازم الضعيف ألا يُصيب، فاستقامة بعض أحاديث الرجل لا تدل على ثقته -إذا ثبت التضعيف- والله الموفق. • وفي "الفوائد" (ص 321): حديث: "كُلُّ نسب وسبب ينقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي". فجاء رجل فقال: ما نسبك؟ فقال: "العرب". قال: فما سببك؟ قال: "الموالي" ... ". قال الشوكاني: في إسناده خارجة بن مصعب، وقد تفرد به، وليس بثقة. قال في "اللآلىء": روى له الترمذي وابن ماجة، وقال ابن عدي: هو ممن يكتب حديثه. وقال الشوكاني: في هذا المتن نكارةٌ لا تخفى على من له ممارسة لكلامه -صلى الله عليه وسلم-. فقال الشيخ المعلمي: "هذا من إسفاف السيوطي، فإنه يعلم أن خارجة وضع كتبه عند غياث بن إبراهيم الوضاع المشهور، فأفسد غياث كتب خارجة، وضع فيها ما شاء، وكان خارجة متساهلا كما قال ابن المبارك، فلم يبال بذلك، وروى تلك البلايا. وفوق ذلك كان يسمع الأكاذيب من غياث، فيسكت عن غياث، ويرويها عمن روى عنه غياث تدليسًا. وهذا الخبر لم يصرح فيه بالسماع، فهو محتمل للأمرين: أن يكون مما وضعه غياث في كتب خارجة، وأن يكون مما سمعه خارجة عن غياث فدلَّسَهُ. على أن تفرد خارجة بمثل هذا الحديث، عن ابن جريج، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا كافٍ لسقوطه، فكيف إذا كان المعنى منكرًا؟.

• وفيها أيضا (ص 243): حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". رُوي من حديث ابن عمر، وأبي سعيد، وأبي أمامة، وثوبان، وأنس. وزعم السيوطي أن الحديث بهذه الطرق حسن صحيح، واعترضه الشوكاني بأن الحديث عنده حسن لغيره، وأما صحيح فلا، فاعترض الشيخ المعلمي عليهما جميعًا، ووهَّن الحديث من جميع طرقه. وتعرض الشيخ لطرق هذه الروايات بالنقد على الترتيب المذكور، حتى بلغ رواية أنس، فقال: "أما عن أنس فتفرد به أبو بشر بكر بن الحكم المزلق، عن ثابت، عن أنس رفعه: إن لله عز وجل عبادًا يعرفون الناس بالتوسم". والمزلق قال فيه جماعة من الذين أخذوا عنه وليسوا من أهل الجرح والتعديل: كان ثقة. يريدون أنه كان صالحًا خيرًا فاضلًا. أما الأئمة، فقال أبو زرعة: ليس بالقوي. أقول: وهو مقلّ جدًّا من الحديث، فإذا كان مع إقلاله ليس بالقوي، ومع ذلك تفرد بهذا عن ثابت عن أنس (فلا ينبغي وهنه) (¬1). وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أنه حسن، وهذا بالنظر إلى حال المزلق في نفسه، فأما إذا نظرنا إلى: تفرده، مع إقلاله، ومع قول أبي زرعة: ليس بقوى، فلا أراه يستقيم الحكم بحسنه، وإن كان معناه صحيحًا. والله أعلم. اهـ. ¬

_ (¬1) هكذا جاء في "الفوائد" وفي العبارة تحريف حتمًا، ومن المحتمل أن يكون الصواب: "فلا ينبغي إلا وهنه"، أو "فالذي ينبغي وهنه"، أو "فلا ينبغي دفع وهنه"، أو نحو ذلك، ومقتضى هذه العبارة بعد تصويبها إثبات وهن الحديث من هذا الطريق أيضا بالإضافة إلى وهنه من الطرق الأخرى.

• وفيها (ص 314): ذكر المعلمي خبر: "ما أنزل الله من وَحْي قط عَلى نبيّ بينه وبينه إلا بالعربية، ثم يكون هو مبلغه قومه بلسانهم". وقال: في سنده العباس أبو الفضل الأنصاري، عن سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة مرفوعًا. قال ابن الجوزي: سليمان متروك، فنازع السيوطي بأن سليمان أخرج له (د س ت)، ولم يُتهم بكذب ولا وضع، وأن له شاهدًا. أقول: سليمان ساقط، قال أبو داود والترمذي وغيرهما: متروك الحديث. وقال النسائي: لا يكتب حديثه. والكلام فيه كثير، وإنما ذكرت كلام الذين أخرجوا له ليعلم أن إخراجهم له لا يدفع كونه متروكًا، والمتروك إن لم يكذب عمدًا فهو مظنة أن يقع له الكذب وهمًا، فإذا قامت الحجة على بطلان المتن، لم يمتنع الحكم بوضعه، ولا سيما مع التفرد المريب، كتفرد سليمان هنا عن الزهري، عن ابن المسيب، عن أبي هريرة، وفوق هذا، فالراوي عن سليمان وهو العباس بن الفضل الأنصاري تالف ... وأما الشاهد فيكفي أنه عن الكلبي، عن أبي صالح، عن ابن عباس ... والكلبي كذاب وشيخه تالف ... ". اهـ. • وفي "الأنوار الكاشفة" (193 - 194): ما روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليَّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحببتُه، فكنت سَمْعَه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها ... وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته"

ب- أما المخالفة

• قال الشيخ المعلمي: "هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من "الميزان"، وابن حجر في "الفتح" (11/ 92)؛ لأنه لم يُرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان بن كرامة [رواه عن محمد بن عثمان جماعة منهم البخاري] حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة. ومثل هذا التفرد يُريب في صحة الحديث، مع أن خالدًا له مناكير، وشريكًا فيه مقال. وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث: علي، ومعاذ، وحذيفة، وعائشة، وابن عباس، وأنس. فقد يكون وقع خطأ لخالد أو شريك؛ سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثًا آخر بهذا السند، ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا المتن بسند الحديث الآخر. فإن كان الواقع هكذا فلم يحدث أبو هريرة بهذا، وإلا فهو من جملة الأحاديث التي تحتاج ككثير من اَيات القرآن إلى تفسير، وقد فسره أهل العلم بما تجده في "الفتح"، وفي "الأسماء والصفات" (ص 345 - 348). وقد أومأ البخاري على حاله، فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق". اهـ. ب- أمَّا المخالفة: فهي بابٌ واسعٌ، يأتي فيه الاختلاف في الأسانيد والمتون، على ضروبٍ شتَّى، وللنظر في ذلك قواعد خاصة يستعملها النقاد في الترجيح بين الأوجه المختلفة، من ذلك: الترجيح بالأوثق، وبالأحفظ وبكثرة العدد، وبالأكثر ملازمة، وبأمور أخرى كثيرة يصعب حصرها.

وهذه الضوابط أغلبية، قد يكون للنقاد أحيانا نظرٌ خاصٌ مخالف لها، والميزان بأيديهم. وقد أفردتُ بعضَ الرسائل لإلقاء الضوء على تلك القواعد، وكيفية تطبيق النقاد لها، منها: "القواعد المهمة في إحياء مناهج الأئمة" و"ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل" و"شحذ الهمة في بيان ألفاظ أعلها الأئمة". وللاطلاع على طريقة الشيخ المعلمي في تطبيق تلك القواعد يراجع ملحق "المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد" في آخر هذا القسم، مع الجزء الثاني من "التنكيل" وهو"البحث مع الحنفية في سبع عشرة قضية". وفي حكم الاختلاف بشكل عام يقول الشيخ المعلمي في "عمارة القبور" ص (169): "الأصل الثابت المقرر أنه إذا وقع الاختلاف مع الاشتراك في عدم الضعف يفزع إلى الجمع، فإن أمكن فالكل صحيح، وإن لم يمكن التجىء إلى الترجيح، فإن أمكن فالأرجح هو الصحيح، وإلا ثبت الاضطراب". اهـ. * * *

2 - أسباب التعليل

2 - أسباب التعليل هي متعددة جدًّا، يصعب حصرُها، لكني أذكر هنا أشهر ما جاء في تحقيقات الشيخ المعلمي، وأبدأ بما ذكره إجمالا في مقدمته لـ "الفوائد المجموعة"، فإنه نافع جدا، قال: "هذه قواعد يحسن تقديمها: .... 4 - إذا استنكر الأئمةُ المحققون المتنَ، وكان ظاهرُ السند الصحةَ، فإنهم يتطلبون له علة، فإذا لم يجدوا علة قادحة مطلقا، حيث وقعت، أعلوه بعلة ليست بقادحة مطلقا، ولكنهم يرونها كافيةً للقدح في ذاك المنكر. • فمن ذلك: إعلاله بأن راويه لم يصرح بالسماع، هذا مع أن الراوي غير مدلس. • أعلَّ البخاري بذلك خبرا رواه عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب، عن عكرمة، تراه في ترجمة عمرو من "التهذيب" (¬1). • ونحو ذلك: كلامه في حديث عمرو بن دينار، في القضاء بالشاهد واليمين (¬2). • ونحوه أيضا: كلام شيخه علي ابن المديني في حديث: "خلق الله التربة يوم السبت - إلخ" كما تراه في "الأسماء والصفات" للبيهقي (¬3). ¬

_ (¬1) روى عن عكرمة عن ابن عباس، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة". قال البخارى: عن عكرمة فى قصة البهيمة: فلا أدرى سمع أم لا "تهذيب الكمال" (22/ 170). (¬2) راجع المسألة الخامسة عشرة من الجزء الثاني من "التنكيل". (¬3) هو من طريق: حجاج بن محمد، قال: قال ابن جريج: أخبرني إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد، عن عبد الله بن رافع، مولى أم سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: أخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدي، فقال: "خلق الله التربة يوم السبت ... ". رقم (781). =

• وكذلك أعلَّ أبو حاتم خبرا رواه الليث بن سعد عن سعيد المقبري، كما تراه في علل ابن أبي حاتم (2/ 353) (¬1). • ومن ذلك: إشارة البخاري إلى إعلال حديث الجمع بين الصلاتين: بأن قتيبة لما كتبه عن الليث كان معه خالد المدائني، وكان خالد يُدخل على الشيوخ، يراجع "معرفة علوم الحديث" للحاكم، ص (120). • ومن ذلك: الإعلال بالحمل على الخطأ، وإن لم يتبين وجهه؛ كإعلالهم حديث عبد الملك بن أبي سليمان في الشفعة. • ومن ذلك: إعلالهم بظن أن الحديث أُدخل على الشيخ، كما ترى في "لسان الميزان" في ترجمة: الفضل بن الحباب، وغيرها. ¬

_ = قال البيهقي: هذا حديث قد أخرجه مسلم في كتابه عن سريج بن يونس وغيره، عن حجاج بن محمد. وزعم بعض أهل العلم بالحديث أنه غير محفوظ لمخالفته ما عليه أهل التفسير وأهل التواريخ. وزعم بعضهم أن إسماعيل بن أمية إنما أخذه عن إبراهيم بن أبي يحيى عن أيوب بن خالد، وإبراهيم غير محتج به. أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرني أبو يحيى أحمد بن محمد السمرقندي ببخارى، ثنا أبو عبد الله محمد ابن نصر، حدثني محمد بن يحيى، قال: سألت علي بن المديني عن حديث أبي هريرة، -رضي الله عنه-: "خلق الله التربة يوم السبت". فقال علي: هذا حديث مدني؛ رواه هشام بن يوسف عن ابن جريج، عن إسماعيل بن أمية، عن أيوب بن خالد، عن أبي رافع مولى أم سلمة عن أبي هريرة -رضي الله عنه- ... قال علي بن المديني: وما أرى إسماعيل ابن أمية أخذ هذا إلا من إبراهيم بن أبي يحيي. (¬1) قال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن حديثٍ رواه أبو بكر بن أبي عتاب الأعين، عن أبي صالح، عن الليث، عن سعيد المقبري، عن أبي هريرة، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "يدخل الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من مضر وبني تميم" فقيل: من هو يا رسول الله قال: "أويس القرني". قال أبي: هذا الحديث ليس هو في كتاب أبي صالح، عن الليث، نظرت في أصل الليث وليس فيه هذا الحديث، ولم يذكر أيضا الليث في هذا الحديث خبر (يعني لم يصرح بما يدل على السماع)، ويحتمل أن يكون سمعه من غير ثقة ودلَّسه، ولم يروه غير أبي صالح".

وحجتهم في هذا: أن عدم القدح بتلك العلة مطلقا، إنما بُني على أن دخول الخلل من جهتها نادر، فإذا اتفق أن يكون المتن منكرا، يغلب على ظن الناقد بطلانه، فقد يحقق وجود الخلل، وإذا يوجد سبب له إلا تلك العلة، فالظاهر أنها هي السبب، وأن هذا من ذاك النادر الذي يجيء الخلل فيه من جهتها. وبهذا يتبين: أن ما يقع ممن دونهم من التعقب بأن تلك العلة غير قادحة، وأنهم قد صححوا ما لا يحصى من الأحاديث، مع وجودها فيها، إنما هو غفلة عما تقدم من الفرق، اللهم إلا أن يُثبت المتعقب أن الخبر غير منكر". اهـ. * * *

قال أبو أنس: الآن يمكن تقسيم أسباب التعليل هاهنا إلى ثلاثة أنواع: النوع الأول: الأسباب المتعلقة بالراوي في نفسه، وهي: 1 - دخول حديث في حديث. 2 - الوهم أثناء التحويل في الأسانيد عند التصنيف. 3 - النقل من كتب غير مسموعة، فيشتبه خَطٌّ بآخر. 4 - سُلوك الجادة في الأسانيد. 5 - الرواية بالمعنى. 6 - التباس أحاديث شيخين أو أكثر على الراوي، فيحدث بها على التوهم. 7 - خطأ الراوي في حداثته، وبقاء ذلك في أصله العتيق، فلا يُغتر بوجود ذلك فيه. 8 - تأخر كتابة الراوي ما سمعه عن وقت السماع، فيكتب من حفظه، فربما وهم أو لم يأت باللفظ على وجهه. النوع الثانى: الأسباب المتعلقة بكتاب الراوي، وهي: 1 - القراءة من أصلٍ آخر غيرِ أصلِ نفسِه. 2 - النقل من كتابِ شيخٍ دون التصريح أنه بخطِّ صاحبه. 3 - وجود الحديث في حاشية أصل الشيخ، أو على ظهر الكتاب. النوع الثالث: الأسباب المتعلقة بتأثير آخرين في الراوي، وهي: 1 - التلقين. 2 - الإدخال على الراوي في كتبه. 3 - سماع الراوي الصالح في نفسه مع مخلط فيملي عليه ما ليس من سماعه.

النوع الأول: الأسباب المتعلقة بالراوي في نفسه

النوع الأول: الأسباب المتعلقة بالراوي في نفسه 1 - دخول حديث في حديث: • سبق قريبا نقل كلام الشيخ المعلمي على الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب ... ". قال الشيخ المعلمي: "هذا الخبر نظر فيه الذهبي في ترجمة خالد بن مخلد من "الميزان"، وابن حجر في "الفتح" (11/ 92)؛ لأنه لم يُرو عن أبي هريرة إلا بهذا السند الواحد: محمد بن عثمان بن كرامة [رواه عن محمد بن عثمان جماعة منهم البخاري] حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان بن بلال، حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن عطاء، عن أبي هريرة. ومثل هذا التفرد يُريب في صحة الحديث، مع أن خالدًا له مناكير، وشريكًا فيه مقال. وقد جاء الحديث بأسانيد فيها ضعف من حديث: علي، ومعاذ، وحذيفة، وعائشة، وابن عباس، وأنس. فقد يكون وقع خطأٌ لخالد أو شريك؛ سمع المتن من بعض تلك الأوجه الأخرى المروية عن علي أو غيره ممن سلف ذكره، وسمع حديثا آخر بهذا السند، ثم التبسا عليه فغلط، روى هذا المتن بسند الحديث الأخر. ... وقد أومأ البخاري إلى حاله، فلم يخرجه إلا في باب التواضع من كتاب الرقاق" اهـ.

2 - الوهم أثناء التحويل في الأسانيد عند التصنيف

• وفي ترجمة ابن بطة من "التنكيل" (1/ 341): أورد الشيخ المعلمي ما ذكره الخطيب مما انتقد على ابن بطة فيما يتعلق بالرواية، فقال في الأمر الثامن (1/ 345): "ذكر الخطيب عن ابن برهان قال: قال لي محمد بن أبي الفوارس: روى ابن بطة عن البغوي عن مصعب بن عبد الله عن مالك عن الزهري عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "طلب العلم فريضة على كل مسلم". قال الخطيب: قلت: هذا الحديث باطل من حديث مالك، ومن حديث مصعب، ومن حديث البغوي عن مصعب، وهو موضوع بهذا الإسناد، والحمل فيه على ابن بطة. أقول: تقدم أن ابن برهان ليس بعمدة، ولعله سمع ابن أبي الفوارس يقول: بلغني عن ابن بطة، أو نحو ذلك، ولو روى ابنُ بطة هذا الحديث لكان الظاهرُ أن يشتهر عنه وينتشر. ولو صَحَّ عنه لحُمِل على الوهم؛ فإنه سمع من البغوي وهو صغير، ولم يكن له أصولٌ، إنما كان يحمل على حفظه فَيَهِمُ، فيحتملُ أن يكون سمع الحديث من البغوي بسند آخر، وسمع منه حديثا أو أكثر بهذا السند، فَوَهِمَ" (¬1). اهـ. 2 - الوهم أثناء التحويل في الأسانيد عند التصنيف: • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: ابن المذهب من "التنكيل" (152): "الذي يظهر لي أن ابن المذهب كان يتعاطى التخريج من أصول بعض الأحاديث، فيكتب الحديث من طريق شيخٍ من شيوخه، ثم يتصفح أصوله، فإذا ¬

_ (¬1) هكذا قال الذهبي في "سير النبلاء" (16/ 531): "أفحش الخطيب العبارة، وحاشى الرجل من التعمد، لكنه غلط ودخل له إسناد في إسناد". اهـ.

وجد ذاك الحديثَ قد سمعه من شيخٍ آخر بذاك السند كتب اسمَ ذاك الشيخ مع اسم الشيخ الأول في تخريجه، وهكذا. وهذا الصنيعُ مَظِنَّةٌ للغلط؛ كأن يريد أن يكتب اسمَ الشيخ على حديثٍ، فيخطىء، فيكتبه على حديثٍ آخر، أو يرى السند متفقًا، فيتوهم أن المتنَ متفقٌ، وإنما هو متنٌ آخر، وأشباه ذلك. وقد قال ابن معين: "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف، ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا، فهو صحيح". وقال يعقوب بن سفيان في سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي: "كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يُحَوَّلُ، فإن وقع فيه شيء، فمن النقل، وسليمان ثقة". والمراد بأصنافِ حماد، وتحويلِ سليمان نحو ما ذكرتُ من التخريج". اهـ. • وفي ترجمة: حماد بن سلمة من "التنكيل" (1/ 242): قال ابن معين: "من سمع من حماد بن سلمة الأصناف، ففيها اختلاف، ومن سمع منه نسخًا فهو صحيح". قال الشيخ المعلمي: "يعني أن الخطأ كان يعرض له عندما يُحَوِّلُ من أصوله إلى مصنفاته التي يجمع فيها من هنا وهنا، فأما النُّسَخُ فَصِحاح". اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 42): رواية سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قال: ثنا الوليد بن مسلم، ثنا: ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس، عن عليّ، قال: يا رسول الله، إن القرآن يتفلت من صدري، قال: "أعلمك كلمات ينفعك الله بهن ... " بحديث صلاة الحفظ. أخرجه الحاكم من هذا الوجه، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

ونقل الشوكاني عن "اللآلىء": ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحسن، فضلًا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة. فقال الشيخ المعلمي: "الحديث أخرجه الترمذي (¬1) عن أحمد بن الحسن بن جنيدب الحافظ عن سليمان، عن الوليد. وأخرجه الحاكم من طريق عثمان الدارمي ومحمد بن إبراهيم العبدي، عن سليمان، عن الوليد، فهو كما قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": "فقد حدَّث به سليمان قطعًا ... " وقد قال الذهبي في "تلخيص المستدرك": "هذا حديث منكر شاذ، أخاف ألا يكون موضوعًا، وقد حَيَّرَنِي والله جودةُ سنده". ... وذكر الذهبي في ترجمة سليمان من "الميزان" قولَ أبي حاتم: "صدوق مستقيم الحديث، ولكنه أروى الناس عن الضعفاء والمجهولين، وكان عندي لو أن رجلًا وضع له حديثا لم يفهم، وكان لا يميزه". فدافع عنه الذهبي أولًا، ثم ذكر هذا الحديث فقال: "هو مع نظافة سنده حديث منكر جدًّا، في نفسي منه شيء، والله أعلم، فلعل سليمان شُبِّة له، وأُدخل عليه، كما قال أبو حاتم: لو أن رجلًا وضع له حديثًا لم يفهم". اهـ. وفي "التهذيب": "قال يعقوب بن سفيان: كان صحيح الكتاب، إلا أنه كان يحوّل، فإن وقع فيه شيء فمن النقل". ¬

_ (¬1) رقم (3570) وقال: "هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم".

3 - النقل من كتب غير مسموعة، فيشتبه خط بآخر

يعني أن أصول كتبه كانت صحيحة، ولكنه كان يَنتقي منها أحاديث يكتبها في أجزاء، ثم يُحدث عن تلك الأجزاء، فقد يقعُ له خطأٌ عند التحويل، فيقعُ بعضُ الأحاديث في الجزء خطأ، فيحدث به. وأحسب بليةَ هذا الخبر من ذاك؛ كأنه كان في أصل سليمان خبرٌ آخر فيه: "ثنا الوليد ثنا ابن جريج"، وعنده هذا الخبر بسند آخر إلى ابن جريج، فانتقل نظره عند النقل من سند الخبر الأول إلى سند الثاني، فتركب هذا الخبر على ذاك السند. وكأن هذا إنما اتفق له أخيرا، فلم يسمع الحفاظ الإثبات كالبخاري وأبي زرعة وأبي حاتم منه ذاك الجزى ولو سمعه أحدهم لنبهه ليراجع الأصل. اهـ. 3 - النقل من كتب غير مسموعة، فيشتبه خَطٌّ بآخر: • في ترجمة ابن بطة من "التنكيل" (1/ 342): أورد الشيخ المعلمي ما ذكره الخطيب مما انتقد على ابن بطة فيما يتعلق بالرواية، فقال في الأمر الثاني: "ذكر الخطيب عن ابن برهان قال: قال لي الحسن بن شهاب: سألت أبا عبد الله ابن بطة: أسمعت من البغوي حديث علي بن الجعد؟ فقال: لا. قال ابن برهان: وكنت قد رأيت في كتب ابن بطة نسخة بحديث علي بن الجعد، قد حككها، وكتب بخطه سماعه عليها. أقول: تفرد بهذا ابن برهان، ولم يرو ابن بطة حديث علي بن الجعد عن البغوي، وابن برهان لا يقبل منه ما تفرد به. ولعله وَهِمَ؛ كأن كان الجطُّ غيرَ خَطِّ ابنِ بطة، فاشتبه على ابن برهان، وكأن يكون ابن بطة إنما كتب: "هذا الكتاب من مسموعاتي"، أو نحو ذلك، يعني أنه سمعه من غير البغوي فوهم ابن برهان". اهـ.

4 - سلوك الجادة في الأسانيد

4 - سُلوك الجادة في الأسانيد: قال أبو أنس: المراد به أن الراوي -لقلةِ ضبطٍ أو غفلةٍ- يسلكُ الطريقَ المشهورة في الرواية، والتي يكثر تردادها وتكرارها، فهي أسهل في الحفظ، وأسبق للذهن. * * وهذه نماذج لشرح المعلمي لذلك السبب: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 67): "المخطىء كما يخطىء من الحقيقة إلى المجاز، فكذلك عكسه، بل احتماله أقرب، لأن أغلب ما يكون الخطأ بالحمل على المألوف، وغالب ما يقع من التصحيف كذلك، فقد رأيتُ ما لا احصيه اسمَ: "زَبر" مصحفًا إلى: "أنس"، واسم: "سعر" مصحفًا إلى: "سعد"، ولا أذكر أنني رأيتُ عكسَ هذا. قال الشاعر: فمن يكُ سائلا عني فإني ... من الفتيان أيام الخُنان وقال الآخر: كساك ولم تستكسه فحمدته ... أخ لك يعطيك الجزيل وياصر فصَحَّفَ الناسُ قافيتي هذين البيتن إلى "الختان. ناصر". وأمثال هذا كثيرة، لا تخفى على من له إلمام. وهكذا الخطأ في الأسانيد، أغلبُ ما يقعُ بسلوكِ الجادة؛ فهشامُ بن عروة: غالبُ روايتِه: عن أبيه، عن عائشة، وقد يروي: عن وهب بن كيسان، عن عبيد بن عمير. فقد يسمعُ رجلٌ من هشام خبرًا بالسند الثاني، ثم يمضي على السامع زمانٌ، فيشتبه عليه، فيتوهم أنه سمع ذاك الخبر من هشام بالسند الأول - على ما هو الغالب المألوف.

ولذلك تجد أئمة الحديث إذا وجدوا راويين اختلفا بأن رويا عن هشام خبرًا واحدًا؛ جعله أحدهما: عن هشام، عن وهب، عن عبيد، وجعله الآخر: عن هشام، عن أبيه، عن عائشة، فالغالب أن يقدموا الأول، ويخطؤوا الثاني. هذا مثال، ومن راجع كتب علل الحديث وجد من هذا ما لا يحصي". اهـ. • وقال في ترجمة (114): "تحريف كلمة "العدل" إلى "القدر" هو الجاري على طريقة التصحيف والتحريف؛ فإن القارىء أو الناسخ إنما يعدل عما لا يعرفه إلى ما يعرفه". اهـ. • وقال في حاشية "موضح أوهام الجمع والتفريق" (1/ 271): "المعروف عندهم أنه إذا وقع الاختلاف على وجهين، فأقربهما أن يكون خطأ هو الجاري كل الجادة، أي الجاري على الغالب". اهـ. قال أبو أنس: هذه بعض النماذج المستخرجة من كلام المعلمي تطبيقًا لهذا السبب: • في "الفوائد المجموعة" (ص 220): حديث: "إذا بعثتم إليّ بريدًا فابعثوا حسن الوجه، حسن الاسم". رواه العقيلي والطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا. وفي إسناده: عمر بن راشد. فقال الشيخ المعلمي: "روى عمر هذا الخبر عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. وقد رواه غيره عن يحيى، عن أبي سلمة، عن الحضرمي بن لاحق، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحضرمي من صغار التابعين الذي لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة.

فكأن عمر بن راشد سمع هذا، ثم وهم فسلك به الجادة: يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة". اهـ. • وفيها (ص 238): حديث: لا خير فيمن لا يجمع المال يصل به رحمه، ويؤدي به عن أمانته، ويستغني به عن خلق ربه. رواه ابن حبان عن أنس مرفوعا. وفي إسناده: العلاء بن مسلمة، وهو وضاع. وقد رواه البيهقي في "الشعب". فقال الشيخ المعلمي: "رواه العلاء، عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن مرجى بن رجاء، عن سعيد ابن أبي عروبة، عن قتادة، عن أنس. وأخرجه البيهقي من وجه آخر فيه بعض النظر عن أبي النضر، ثم قال: إنا يُروى هذا الكلام بعينه من قول سعيد بن المسيب. ومرجى ربما وهم، وسعيد اختلط، فلعل الخطأ من أحدهما، كان أصله: قتادة، عن ابن المسيب قوله، فجعل خطأ: قتادة، عن أنس مرفوعًا". اهـ. • وفي "الفوائد" (ص 463): حديث: أنه جاء بستاني اليهودي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: يا محمد: أخبرني عن النجوم التي رآها يوسف ساجدة له، ما أسماؤها؟ رواه سعيد بن منصور في "سننه" عن أبي مسعود مرفوعًا، وهو موضوع، كما قال ابن الجوزي، وذكر أن في إسناده الحكم بن ظهير، وهو متروك، والسدي وهو كذاب.

5 - الرواية بالمعنى

قال في "اللآلىء": هذا السدي ليس هو محمد بن مروان الكذاب، بل هو إسماعيل ابن عبد الرحمن، أحد رجال مسلم، والحديث أخرجه البزار، وأبو يعلى في "مسنديهما"، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبو الشيخ، وابن مردويه في تفاسيرهم، وأبو نعيم، والبيهقي، كلاهما في "دلائل النبوة". وللحكم متابع قوي، أخرجه الحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط مسلم، وهو أسباط بن نصر، عن السدي به. فقال الشيخ المعلمي: "وقف الذهبي في تلخيصه فلم يتعقبه، ولا كتب علامة الصحة كعادته فيما يقر الحاكم على تصحيحه (¬1)، والحاكم رواه عن محمد بن إسحاق الصفار، عن أحمد بن محمد ابن نصر، عن عمرو بن حماد (¬2) عن أسباط، وقد جزم الجوزجاني ثم العقيلي بأن الحكم بن ظهير تفرد به عن السدي، ومن طريق الحكم ذكره المفسرون، مع أن تفسير أسباط عن السدى عندهم جميعًا، فكيف فاتهم منه هذا الخبر، ووقع للحاكم بذاك السند؟ هذا يشعر بأن بعض الرواة وهم، وقع له الخبر من طريق الحكم، ثم التبس عليه، فظنه من طريق أسباط، كالجادة، والله أعلم". اهـ. 5 - الرواية بالمعنى: عقد الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص 75 - 87) فصلا في الرواية بالمعنى، ناقش فيه القضايا التالية: 1 - أصل الرواية بالمعنى. 2 - جوازها. ¬

_ (¬1) في جعل سكوت الذهبي إقرارًا للحاكم نظر، وليس هذا موطن تحرير ذلك. (¬2) بالحاء المهملة، وهو ابن طلحة، ووقع في حاشية "الفوائد" بالعين المهملة، وهو خطأ.

3 - حال الصحابة حيالها. 4 - هل تساهل الرواة فيها؟ 5 - هل رواية الراوي بالمعنى مما يقدح فيه؟ 6 - تقديم رواية من يتحرى اللفظ على من يروي بالمعنى. 7 - البحث في بعض الأحاديث التي رويت بالمعنى، والنظر في دلالة ذلك. فرأيتُ إيرادَ جُلِّ هذا الفصل هنا أولًا، ثم أعرج على بقية المواضع، ثم أدلى بدلوي في هذا الشأن؛ لإكمال الفائدة، والله الموفق. • قال المعلمي رحمه الله: الرواية بالمعنى: قال أبو رية (ص 8): "ولما رأى بعض الصحابة أن يرووا للناس من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم-، ووجدوا أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بالحديث عن أصل لفظه ... استباحوا لأنفسهم أن يرووا على المعنى". أقول: أنزل الله تبارك وتعالى هذه الشريعة في أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ، فاقتضت حكمته ورحمته أن يكفّلهم الشريعة، ويكلفهم حفظها وتبليغها، في حدود ما يتيسر لهم. وتكفَّلَ سبحانه أن يرعاها بقدرته؛ ليتم ما أراده لها من الحفظ إلى قيام الساعة ... ومن تدبر الأحاديث في إنزال القرآن على سبعة أحرف وما اتصل بذلك، بان له أن الله تعالى أنزل القرآن على حرفٍ هو الأصل، ثم تكرر تعليم جبريل للنبي -صلى الله عليه وسلم- لتمام سبعة أحرف، وهذه الأحرف الستة الزائدة عبارة عن أنواع من المخالفة في بعض الألفاظ لِلَفْظ الحرف الأول، بدون اختلاف في المعنى [المراد بالاختلاف في المعنى هو الاختلاف المذكور في قول الله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا} فأما أن يدل أحد الحرفين على معنى والآخر على معنى آخر، وكلا المعنيين

معًا حق، فليس باختلاف بهذا المعنى] (¬1) فكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يُلَقِّنُ أصحابه، فيكون بين ما يُلقنه ذا وما لقنه ذاك شيء من ذاك الاختلاف في اللفظ، فحفظ أصحابه كُلٌّ بما لُقِّنَ، وضبطوا ذلك في صدورهم ولَقنوه الناس، ورفع الحرج مع ذلك عن المسلمين، فكان بعضهم ربما تلتبس عليه كلمة مما يحفظه، أو يشق عليه النطق بها، فيكون له أن يقرأ بمرادفها. فمن ذلك ما كان يوافق حرفًا آخر ومنه ما لا يوافق، ولكنه لا يخرج عن ذاك القبيل، وفي "فتح الباري": "ثبت عن غير واحد من الصحابة أنه كان يقرأ بالمرادف ولو لم يكن مسموعًا له". فهذا ضرب محدود من القراءة بالمعنى رُخِّصَ فيه لأولئك. وكُتب القرآن بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- في قطع من الجريد وغيره، تكون في القطعة الآية والآيتان أو أكثر، وكان رسمُ الخط يومئذ يحتمل -والله أعلم- غالب الاختلافات التي في الأحرف السبعة؛ إذ لم يكن له شكل ولا نقط، وكانت تُحذفُ فيه كثيرٌ من الألفات ونحو ذلك، كما تراه في رسم المصحف، وبذاك الرسمِ عينِه نُقل ما في تلك القطع إلى صحفٍ في عهد أبي بكر، وبه كُتبت المصاحف في عهد عثمان، ثم صار على الناس أن يضبطوا قراءتهم، بأن يجتمع فيها الأمران: النقلُ الثابت بالسماع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، واحتمالُ رسم المصاحف العثمانية. وبذلك خرجت من القراءات الصحيحة تلك التغيرات التي كان يَترخص بها بعض الناس، وبقي من الأحرف الستة المخالفة للحرف الأصلي ما احتمله الرسم، ولعله غالبها - إن لم يكن جميعها، مع أنه وقع اختلافٌ يسيرٌ بين المصاحف العثمانية، وكأنه تبعًا للقطع التي كتب فيها القرآن بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ كأن توجد الآية في قطعتين كتبت الكلمة في إحديهما بوجهٍ وفي الأخرى بالآخر، فبقي هذا الاختلاف في القراءات الصحيحة. ¬

_ (¬1) ما بين الحاجزين تعليقٌ للشيخ للمعلمي في هذا الموضع من "الأنوار" فأوردته هنا في مكانه.

ونخرج مما تقدم بنتيجتين: الأولى: أن حفظ الصدور لم يكن كما يصوره أبو رية، بل قد اعتمد عليه في القرآن، وبقي الاعتماد عليه وحده بعد حفظ الله عز وجل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وعمر، وسنين من عهد عثمان؛ لأن تلك القطع التي كُتب فيها في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت مفرقةً عند بعض أصحابه، لا يعرفها إلا من هي عنده، وسائر الناس غيره يعتمدون على حفظهم، ثم لما جُمعت في عهد أبي بكر لم تنشر هي ولا الصحف التي كُتبت عنها، بل بقيت عند أبي بكر، ثم عند عمر، ثم عند ابنته حفصة أم المؤمنين، حتى طلبها عثمان، ثم اعتمد عليه في عامة المواضع التي يَحتمل فيها الرسم وجهين أو أكثر، واستمر الاعتماد عليه حتى استقر تدوين القراءات الصحيحة. النتيجة الثانية: أن حال الأميين قد اقتضت الترخيص لهم في الجملة في القراءة بالمعنى، وإذا كان ذلك في القرآن -مع أن ألفاظه مقصودةٌ لذاتها؛ لأنه كلام رب العالمين بلفظه ومعناه معجزٌ بلفظه ومعناه متعبَّدٌ بتلاوته- فما بالك بالأحاديث التي مدار المقصود الديني فيها على معانيها فقط؟ وإذا علمنا ما تقدم ... وعلمنا ما دلت عليه القواطع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مبين لكتاب الله ودينه بقوله وفعله، وأن كل ما كان منه مما فيه بيانٌ للدين فهو خالد بخلود الدين إلى يوم القيامة، وأن الصحابة مأمورون بتبليغ ذلك في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته ... وأن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يأمرهم بكتابة الأحاديث، وأقرهم على عدم كتابتها، بل قيل: إنه نهاهم عن كتابتها كما بما فيه، ومع ذلك كان يأمرهم بالتبليغ لما علموه وفهموه، وعلمنا أن عادة الناس قاطبةً فيمن يُلقى إليه كلامٌ؛ المقصود منه معناه ويؤمر بتبليغه: أنه إذا لم يحفظ لفظه على وجهه، وقد ضبط معناه، لزمه أن يبلغه بمعناه، ولا يُعَدُّ كاذبًا ولا شِبهَ كاذب، علمنا يقينًا أن الصحابة إنما أُمروا بالتبليغ على ما جرت به العادة: من بقي منهم حافظًا لِلَّفْظ على وجهه فليؤدِّه

كذلك، ومن بقي ضابطًا للمعنى ولم يبق ضابطًا لِلِّفظ فليؤدِّه بالمعنى. هذا أمر يقيني لا ريب فيه، وعلى ذلك جرى عملهم في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته. فقول أبي رية: "لما رأى بعض الصحابة ... استباحوا لأنفسهم" إن أراد أنهم لم يؤمروا بالتبليغ، ولم يُبح لهم أن يَرْوُوا بالمعنى إذا كانوا ضابطين له دون اللفظ، فهذا كذب عليهم وعلى الشرع والعقل كما يُعلم مما مَرَّ. وتشديده -صلى الله عليه وسلم- في الكذب عليه إنما المراد به الكذب في المعاني، فإن الناس يَبعثون رسلَهم ونوابَهم، ويأمرونهم بالتبليغ عنهم. فإذا لم يشترط عليهم المحافظة على الألفاظ، فبلغوا المعنى، فقد صدقوا. ولو قلت لابنك: اذهب فقل للكاتب: أبي يدعوك، فذهب وقال له: والدي -أو الوالد- يدعوك، أو يطلب مجيئك إليه، أو أمرني أن أدعوك له، لكان مطيعًا صادقًا، ولو اطلعت بعد ذلك على ما قال فزعمت أنه عصى أو كذب وأردت أن تعاقبه لأنكر العقلاء عليك ذلك. وقد قَصَّ الله عز وجل في القرآن كثيرًا من أقوال خلقه بغير ألفاظهم؛ لأن مِن ذلك ما يطول فيبلغ الحَدَّ المعجز، ومنه ما يكون عن لسان أعجمي، ومنه ما يأتي في موضع بألفاظ، وفي آخر بغيرها، وقد تتعدد الصور كما في قصة موسى، ويطول في موضع ويختصر في آخر. فبالنظر إلى أداء المعنى كرر النبي -صلى الله عليه وسلم- بيان شدة الكذب عليه وبالنظر إلى أداء اللفظ اقتصر على الترغيب فقال: "نضر الله امرًا سمع منا شيئًا فأداه كما سمعه، فرب مبلغ أوعى من سامع" جاء بهذا اللفظ أو معناه مطولا ومختصرا من حديث ابن مسعود، وزيد بن ثابت، وأنس، وجبير بن مطعم، وعائشة، وسعد، وابن عمر، وأبي هريرة، وعمير بن بن قتادة، ومعاذ بن جبل، والنعمان بن بشير، وزيد بن خالد، وعبادة بن الصامت، منها الصحيح وغيره. وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يتحرى معونتهم على الحفظ والفهم كما مر (ص 43)

واعلم أن الأحاديث الصحيحة ليست كلها قولية، بل منها ما هو إخبار عن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي كثيرة. ومنها ما أصله قولي، ولكن الصحابي لا يذكر القول، بل يقول: أمرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- بكذا، أو نهانا عن كذا، أو قضى بكذا، أو أذن في كذا ... وأشباه هذا، وهذا كثير أيضًا. وهذان الضربان ليسا محل نزاع، والكلام في ما يقول الصحابي فيه: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيت وكيت، أو نحو ذلك. ومن تتبع هذا في الأحاديث التي يرويها صحابيان أو أكثر، ووقع اختلاف، فإنما هو في بعض الألفاظ، وهذا يبين أن الصحابة لم يكونوا إذا حكوا قوله -صلى الله عليه وسلم- يُهملون ألفاظه البتة، لكن منهم من يحاول أن يؤديها، فيقع له تقديم وتأخير، أو إبدال الكلمة بمرادفها ونحو ذلك. ومع هذا فقد عُرف جماعة من الصحابة كانوا يتحرون ضبط الألفاظ، وتقدم (ص 42) قول أبو رية: إن الخلفاء الأربعة وكبار الصحابة وأهل الفتيا لم يكونوا ليرضوا أن يرووا بالمعنى، وكان ابن عمر ممن شدد في ذلك، وقد آتاهم الله من جودة الحفظ ما آتاهم، وقصة ابن عباس مع عمر بن أبي ربيعة مشهورة، ويأتي في ترجمة أبي هريرة ما ستراه. فعلى هذا، ما كان من أحاديث المشهورين بالتحفظ فهو بلفظ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما كان من حديث غيرهم فالظاهر ذلك؛ لأنهم كلهم كانوا يتحرون ما أمكنهم، ويبقى النظر في تصرف من بعدهم ... (¬1) هذا، وكان الأئمةُ يعتبرون حديثَ كُلِّ راوٍ، فينظرون كيف حَدَّثَ به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يُحَدث مرة كذا ومرة كذا بخلافٍ لا يحتملُ: ضَعَّفُوه. ¬

_ (¬1) ثم أشار الشيخ المعلمي بلى ما يتعلق بجودة حفظ الصحابة والتابعين ومن بعدهم، ومن كان منهم لا يحدث إلا من كتابه.

وربما سمعوا الحديثَ من الرجل، ثم يَدَعُونه مدة طويلة، ثم يسألونه عنه. ثم يُعتبر حَرْفُ مروياتِه برواية مَن روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف روايةَ الثقات حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثِّقُون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مَرَّ. وتجدُهم يجرحون الرجلَ بأنه يخطىء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا. ونظرهم عند تصحيح الحديث أدقُّ من هذا، نعم، إن هناك من المحدثين من يُسَهِّلُ ويُخَفِّفُ، لكنَّ العارفَ لا يخفى عليه هؤلاء من هؤلاء. فإذا رأيتَ المحققين قد وثَّقُوا رجلًا مطلقًا، فمعنى ذلك أنه يروي الحديث بلفظه الذي سمعه، أو على الأقل إذا روى بالمعنى لم يغير المعنى. وإذا رأيتَهُم قد صحَّحُوا حديثًا، فمعنى ذلك أنه صحيح بلفظه، أو على الأقل بنحو لفظه، مع تمام معناه، فإن بان لهم خلف ذلك نبهوا عليه كما تقدم (ص 18). ... وذكر أبو رية (ص 55 فما بعدها) الخلاف في جواز الرواية بالمعنى. أقول: الذين قالوا: لا تجوز، إنما غرضُهم ما ينبغي أن يُعمل به في عهدهم وبعدهم، فأما ما قد مضى فلا كلام فيه، لا يُطعن في متقدم بأنه كان يروي بالمعنى ولا في روايته. لكن إن وقع تعارض بين مَرْوِيِّهِ ومرْوِيِّ من كان يبالغ في تحري الرواية باللفظ، فذلك مما يرجح الثاني، وهذا لا نزاع فيه. ومدار البحث هو أن الرواية بالمعنى قد توقع في الخطأ، وهذا معقول، لكن لا وجه للتهويل، فقد ذكر أبو رية (ص 59): "قال ابن سيرين: كنت أسمع الحديث من عشرة، المعنى واحد والألفاظ مختلفة".

وكان ابن سيرين من المتشددين في أن لا يُروى إلا باللفظ، ومع هذا شهد للذين سمع منهم أنهم مع كثرة اختلافهم في اللفظ لم يخطىء أحد منهم المعنى -ولهذا لما ذُكر له أن الحسن والشعبي والنخعي يروون بالمعنى اقتصر على قوله: "إنهم لو حدثوا كما سمعوا كان أفضل" انظر "الكفاية" للخطيب (ص 206). ومن تدبر ما تقدم من حال الصحابة، وأنهم كانوا كلهم يراعون الرواية باللفظ، ومنهم من كان يبالغ في تحري ذلك، وكذا في التابعين وأتباعهم، وأن الحديث الواحد قد يرويه صحابيان أو أكثر، ويرويه عن الصحابي تابعيان فأكثر وهلم جرا، وأن التابعين كتبوا، وأن أتباعهم كتبوا ودونوا، وأن الأئمة اعتبروا حال كل راو في روايته لأحاديثه في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يروي الحديث مرة بما يحيل معناه في روايته له مرة أخرى جرحوه، ثم اعتبروا رواية كل راوٍ برواية الثقات، فإذا وجدوه يخالفهم بما يحيل المعنى جرحوه. ثم بالغ محققوهم في العناية بالحديث عند التصحيح، فلا يصححون ما عرفوا له علة، نعم قد يذكرون في المتابعات والشواهد ما وقعت فيه مخالفة ما وينبهون عليه. من تدبر هذا، ولم يُعْمِهِ الهوى، اطمأن قلبُه بوفاء الله تعالى بما تكفل به من حفظ دينه، وبتوفيقه علماء الأمة للقيام بذلك، ولله الحمد .. (¬1) • وقال الشيخ المعلمي في "الأنوار" أيضا (ص 63 - 64): قول أبي رية: "إن ما وعته الذاكرة لا يمكن أن يبقى فيها على أصله". إن أراد بذلك ألفاظ الأحاديث القولية، فليس كما قال، بل يمكن أن يبقى بعض ذلك، بل قوله: إن "الخلفاء الراشدين وكبار الصحابة وأهل الفتيا ... لم يكونوا ليرضوا بما رضي به بعضهم ... من رواية الحديث بالمعنى" اعتراف منه بأن ما ثبت عن هؤلاء روايته من الأحاديث القولية قد رووه بلفظ النبي -صلى الله عليه وسلم- على وجهه الصحيح. ¬

_ (¬1) ثم ذكر المعلمي ما حاول أبورية أن يقدم به شواهد على اختلافِ ضارٍّ وقع بسبب الرواية بالمعنى، فأجاب عن البعض، وبين في البعض الآخر أنه لا علاقة له بالرواية بالمعنى.

وإن أراد الأحاديث الفعلية ومعاني القولية فباطل، بل يبقى فيها الكثير من ذلك كما لا يخفى على أحد. قوله: "إن تغيير اللفظ قد يغير المعنى". قلنا: قد، ولكن الغالب فيمن ضبط المعنى ضبطًا يثق به أنه لا يغير. قوله: "كل لفظة من كلامه -صلى الله عليه وسلم- يكمن وراءها معنى يقصده". أقول: نعوذ بالله من غلو يُتذرع به إلى جحود، كان -صلى الله عليه وسلم- يكلم الناس ليفهموا عنه، فكان يتحرى إفهامهم، إن كان ليحدث الحديث لو شاء العادُّ أن يُحصيه أحصاه، كما في "سنن" أبي داود عن عائشة، وأصله في "الصحيحين". وكان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم، كما في "صحيح" البخاري عن أنس. ويقال لأبي رية: أمفهومة كانت تلك المقاصد الكامنة وراء كل لفظة للصحابة، أم لا؟ إن كانت مفهومة لهم أمكنهم أن يؤدوها بغير تلك الألفاظ، وإلا فكيف يخاطبون بما لا يفهمونه؟ فأما حديث: "فرب مبلغ أوعى من سامع" فإنما يتفق في قليلٍ كما تفيد كلمة "رُب" وذلك كأن يكون الصحابي ممن قرب عهده بالإسلام، ولم يكن عنده علم، فيؤديه إلى عالم يفهمه على وجهه، والغالب أن الصحابة أفهم لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ممن بعدهم" اهـ. • وقال في "طليعة التنكيل" (ص 69): "أما الأميةُ فليست مما يوجب قلة الضبط، وإنما غايتها أن يكون في رواية صاحبها كثير من الرواية بالمعنى، وليس ذلك بقادح". اهـ. • وقال في ترجمة: الحجاج بن أرطاة من "التنكيل" (70): "حاصل كلامهم في حديثه أنه صدوق مدلس يروي بالمعنى، وقد لخص ذلك محمد ابن نصر المروزي قال: "والغالب على حديثه الإرسال والتدليس وتغيير الألفاظ".

فإذا صرح بالسماع فقد أَمِنَّا تدليسه، وهو فقيه عارف، لا يُخشى من روايته بالمعنى. لكن إذا خالفه في اللفظ ثقةٌ، يتحرى الرواية باللفظ، وكان بين اللفظين اختلافٌ ما في المعنى، قُدِّم فيما اختلفا فيه لفظُ الثقةِ الآخر". اهـ. • وفي ترجمة: إبراهيم بن بشار الرمادي منه (2): "يتحصل من مجموع ما ذُكر أن إبراهيم كان قد سمع من سفيان بن عيينة قديمًا، ثم كان يحضر مجالسه، فربما حدث سفيان ببعض تلك الأحاديث، فربما أبدل كلمة بأخرى أو نحو ذلك على ما هو معروف من عادة سفيان في الرواية بالمعنى، وكان بعض الحاضرين لا يتمكنون من الحفظ أو الكتابة وقت السماع، فإذا فرغ المجلس رغبوا إلى إبراهيم، فيملي عليهم ذاك المجلس، فربما أملى عليهم كما حفظ سابقا، ويكون في ذلك ألفاظ مغايرة للألفاظ التي عبر بها سفيان في ذاك المجلس، فذاك الذي أنكره عليه أحمد ويحيى، وقد يقال: إن كان إبراهيم لم يشعر بالاختلاف فالخطب سهل، وإن شعر به فغايته أن يكون استساغ للجماعة أن يذهب أحدهم فيروي عن سفيان كما حدث سفيان قديمًا، وإن كان هو إنما سمعه بتغيير ما في الألفاظ، كما ساغ لسفيان أن يروي ما سمعه تارة كما سمعه، وتارة بتغيير ما في الألفاظ، بل هذا أسوغ، فإن اللفظين كلاهما صحيح عن سفيان. وبالجملة فهذا توسع في الرواية بالمعنى لا يوجب جرحا ... ". اهـ. قال أبو أنس: الراوي إذا لم يكن متقنًا يقظًا متحريًا، فلربما لم تُسْعِفْهُ ذاكرتُه أن يذكر الحديث بلفظه، أو هكذا ظنَّ أنه لفظُه، أو أراد أن يختصر الحديثَ لسببِ الاستعجال أو الاستدلال أو غير ذلك، فربما وقع في حديثه حينئذٍ خللٌ يؤثر في معناه دون أن ينتبه.

وأداءُ الحديث بلفظِه وسياقِه وتمامِه، مع التنصيص على مواضع التردد والشك في الإسناد أو المتن - هو من علامات ضبط الراوي وأمانته وتحريه وأيُّ غيابٍ لأحدِ هذه الأمور ربما جرَّ إلى حدوثِ خللٍ في الرواية أو كان سببًا في وقوع علة. فإذا لم يستحضر الراوي لفظ الحديث، أو لم ينشطْ لسَوْقِه كما سمعه، أو سُئل عن مسألةٍ أو قضيةٍ، فأراد أن يستشهد بمعنًى فيه فساق ذلك الحديث بالمعنى أو اختصره، تابعَ الأئمةُ ذلك، وراقبوا الفَرق بين روايته وروايه غيره ممن ساقه بتمامه؛ لينظروا في مظاهر الخلل الحادثة - إن وجدت. لكن لاحظ أنه ليس كُلُّ اختصارٍ علةً أو سببًا في ضعف الحديث المختصَر، بل إن كبار الحفاظ ربما اختصروا إذا احتاجوا إلى ذلك، لكن بحيث لا يؤثر ذلك في معنى الأصل. هذا البخاري: يكثر من ذلك في"صحيحه"، وربما دلّ ذلك أحيانًا على براعته وحنكته. ولبيان: كيف تكون الروايةُ بالمعنى أو الاختصارُ سببا في التعليل، أُوردُ هنا بعض المواضع التي قد شرحتُها في كتابي"مُلَحُ الحديث على كتاب علل الحديث" لابن أبي حاتم الرازي، فأقول: 1 - قال ابن أبي حاتم (242) (401): "سألت أبي عن حديثٍ رواه مروان الفزاري، عن يزيد بن كيسان، عن أبي حازم، عن أبي هريرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلَّى ركعتي الفجر حين طلعتِ الشمسُ. [لفظه في (401): نام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ركعتي الفجر، فقضاهما بعدما طلعت الشمس]. قال أبي: غلط مروان في اختصاره، إنما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- في سفر، فقال لبلال: "مَن يكلؤنا الليلة؟ فقال: أنا، فغلبه النومُ حتى طلعتِ الشمسُ، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد طلعتِ الشمسُ، فأمر بلالًا أن يؤذن، وأمر الناسَ أن يصلوا ركعتي الفجر، ثم صلى بهم الفجر، فقد صلى السنة والفريضة بعد طلوع الشمس". اهـ.

قلت: أصل الحديث رواه عن يزيد بن كيسان: يحيى بن سعيد القطان، رواه مسلم (680/ 310) وبُوِّبَ عليه: "باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضاءها". ولفظه: "عرسنا مع نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليأخذ كل رجلٍ برأس راحلته ... ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة". وقد رواه مسلم قبله (680/ 309) من حديث الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قَفَل من غزوة خيبر سار ليلة حتى إذا أدركه الكرى عرّس، وقال لبلال: اكلأ لنا الليل ... فغلبت بلالًا عيناه ... فلم يستيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من أصحابه حتى ضربتهم الشمس ... ثم توضأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر بلالًا فأقام الصلاة فصلى بهم الصبح ... وحديث مروان بن معاوية الفزاري عن يزيد بن كيسان، أخرجه ابن ماجه (1/ 365) وابن حبان (2652) وأبو يعلى (11/ 45) وغيرهم بلفظ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نام عن ركعتي الفجر فصلاهما بعدما طلعت الشمس". والعلة في اختصار هذا الحديث أن المحفوظ عن يزيد بن كيسان إنما هو في قضية عين، نام فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن معه عن صلاة الفجر، فلما استيقظوا، صلوا ركعتي الفجر -وهي سنة الصبح- ثم أقيمت الصلاة، فصلوا الفريضة. أما الحديث المختصر فليس فيه وقت أداء الفريضة، وهذا جعل مثل ابن حزم في "المحلى" يفهم منه صراحةً أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى الفرض في وقته وأجَّل ركعتي الفجر بعد طلوع الشمس، فقال في "المحلى" (3/ 112): " ... وأما قضاء الركعتين فلقوله -صلى الله عليه وسلم-: من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وهذا عموم.

حدثنا البغوي ثنا عباس بن أصبغ ثنا محمد بن عبد الملك بن أيمن ثنا ابن وضاح ثنا يحيى بن معين ثنا مروان بن معاوية الفزاري ... وساق الحديث، ثم قال: فهذا عليه السلام لم يبدأ بها قبل الفرض. ثم ساق آثارًا في هذا المعنى، وهذا المعنى ليس واردًا في أصل حديث يزيد بن كيسان، كما سبق بيانه، ولكن مروان حكاه بالمعنى، فأوهم خلاف مقتضاه وهذا هو سبب تعليل أبي حاتم له، والله تعالى الموفق. 2 - قال ابن أبي حاتم (896): "سألت أبي عن حديثٍ رواه مروان الفزاري، عن أبي حيان التيمي، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: سمَّى الأنثى من الخيل: الفرس. فقال: هذا حديث مشهور، رواه جماعة عن أبي حيان، عن أبي زرعة، عن أبي هريرة، عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- أنه ذكر الغلول، فقال: لا ألفين أحدكم يجيء يوم القيامة على عنقه فرس. فاختصر مروان هذا الحديث لمَّا قال: "يحملها على رقبته" أي: جعل الفرس أُنثى حين قال: "يحملها" ولم يقل: "يحمله". اهـ. قلت: أصل الحديث عند البخاري (3073) ومسلم (1831) من طريق جماعة عن أبي حيان التيمي به، ولفظه عند البخاري، وكذا في الموضع الذي ساق مسلم لفظه: "على رقبته فرس له حمحمة". ولم أقف فيه على لفظ: "يحمله" أو "يحملها". وحديث مروان الفزاري أخرجه أبو داود في "سننه" (2546) والحاكم في "مستدركه" (2/ 157) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه وابن حبان كما في "صحيحه" (4680).

ولما كان مروان الفزاري ليس بالمحل الذي يحتمل أو يقبل منه التفرد عن أبي حيان التيمي بمثل هذا، فَحَمَلَ أبو حاتم هذا اللفظ - الشاذ: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- سمَّى الأنثى من الخيل الفرس" على أن مروان أخطأ في الحديث المشهور عن أبي حيان التيمي عن أبي زرعة عن أبي هريرة، فصحَّف: "فرس يحمله على رقبته" إلى: "يحملها على رقبته"، ثم لما صحَّف وجعل ضمير التذكير: مؤنثًا، ذكره بَعْدُ مختصرًا بحسب مقتضى التصحيف الذي وقع فيه، وهذا أمرٌ دقيقٌ، وعلّةٌ خفيةٌ، يجرُّ إليها مقدماتٌ وقرائن يعرفها إمام من أئمة النقد كأبي حاتم. فانظر إلى مثل هذا النقد، وهذه النظرة الثاقبة، وقارن ذلك بمثل تصحيح ابن حبان والحاكم لحديث مروان، وزَعْم الأخير أنه على شرط الشيخين، وجعل السيوطي في "الجامع الصغير" (1/ 315) والمناوي في "فيض القدير" (5/ 220) الحديث دليلًا على فصاحة النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ سمَّى الأنثى فرسًا بغير هاء، ولم يقل فرسة؛ لأنه لم يُسمع من كلامهم، والحديث إذا كان خطأ، لم يصلح للاستدلال، والله تعالى الموفق. 3 - قال ابن أبي حاتم (107): "سمعت أبي وذكر حديث شعبة، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". قال أبي: هذا وهم، اختصر شعبة متن هذا الحديث فقال: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح". ورواه أصحاب سهيل، عن أبيه عن أبي هُرَيرَة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا كان أحدكم في الصلاة فوجد ريحًا من نفسه فلا يخرجن حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا". اهـ. قلت: من أصحاب سهيل هؤلاء: جرير بن عبد الحميد عند مسلم (362)، وحماد بن سلمة عند أبي داود (177) وعبد العزيز بن المختار عند الترمذي (75).

وحديث شعبة أخرجه الترمذي أيضًا (74) وابن ماجه (515). وقضية الاختصار في هذا الحديث أن في حديث الجماعة عن سهيل ما ينقض الوضوء لمن هو فى داخل الصلاة، فلا يجب عليه الانصراف من الصلاة إذا أَحَسَّ بحركةٍ في بطنه إلا إذا تيقن الحَدَث؛ كسماع صوتِ ما يخرج منه أو يجد ريح ذلك. هذا هو مقتضى الاستثناء الوارد في حديث الجماعة. لكنَّ شعبةَ لما اختصر الحديث جعله استثناء عامًّا في كل حال، فصار مقتضى ذلك الاختصار أن الوضوء لا ينتقض إلا من صوت أو ريح، سواء كان ذلك داخل الصلاة أو خارجها، وهذا اقتضاء فاسد. وممن فطن لهذه العلة، وشرحها شرحًا وافيًا، مبينًا فسادَ ما يقتضيه ذلك الاختصار المشار إليه: ابن خزيمة في "صحيحه". قال ابن خزيمة (1/ 18): باب: ذكر خبر روي مختصرًا عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أَوْهَمَ عالمًا ممن لم يُميِّز بين الخبر المختصر والخبر المتقصى أن الوضوء لا يجب إلا من الحدث الذي له صوت أو رائحة. ثم ساق حديث شعبة هذا. ثم قال: باب ذكر الخبر المتقصي للّفظة المختصرة التي ذكرتها، والدليل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما أعلَم أن لا وضوء إلا من صوت أو ريح عن مسألةٍ سُئل عنها في الرجل يُخيل إليه أنه قد خرج منه ريح، فيشك في خروج الريح. وكانت هذه المقالة عنه -صلى الله عليه وسلم-: "لا وضوء إلا من صوت أو ريح" جوابًا عما عنه سُئل فقط، لا ابتداء كلام، مسقطا بهذه المسالة إيجاب الوضوء من غير الريح التي لها صوت أو رائحة؛ إذ لو كان هذا القول منه -صلى الله عليه وسلم- ابتداء من غير أن تتقدمه مسألة، كانت هذه المقالة تنفي إيجاب الوضوء من البول والنوم والمذي؛ إذ قد يكون البول لا صوت له ولا ريح، وكذلك النوم والمذي لا صوت لهما ولا ريح، وكذلك الودي.

ثم ذكر حديث سهيل من طريق خالد بن عبد الله الواسطي عنه بلفظ الجماعة. لكن علَّق البخاري حديث أبي هريرة فقال: "وقال أبو هريرة: لا وضوء إلا من حدث". ذكره في جملة آثار، تحت باب: "من لم ير الوضوء إلا من المخرجين من القبل والدبر". 4 - قال ابن أبي حاتم (167)، (173): "سألت أبي عن حديث رواه علي بن عياش، عن شعيب بن أبي حمزة عن محمد ابن المنكدر، عن جابر قال: كان آخر الأمر من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ترك الوضوء مما مسَّتِ النار. فسمعت أبي يقول: هذا حديث مضطرب المتن، إنما هو: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل كتفًا ولم يتوضأ. كذا رواه الثقات، عن ابن المنكدر، عن جابر، ويحتمل أن يكون شعيب حدَّث به من حفظه فوهم فيه". اهـ. قلت: أصل الحديث عن ابن المنكدر عن جابر لفظه: "قربت للنبي -صلى الله عليه وسلم- خبزا ولحما، فأكل ثم دعا بوَضوء، فتوضأ به، ثم صلى الظهر، ثم دعا بفضل طعامه، فأكل ثم قام إلى الصلاة ولم يتوضأ". هكذا رواه أبو داود (192) وغيره عن ابن جريج، ومثله عن معمر، رواه ابن حبان (1136)، وأيوب عنده أيضًا (1137)، وأبو علقمة الفروي (1135)، وجرير (1138)، وروح بن القاسم (1139). وعَقَّب أبو داود حديث ابن جريج بحديث شعيب بن أبي حمزة: "كان آخر الأمرين ... "، ثم قال أبو داود: هذا اختصار من الحديث الأول.

6 - التباس أحاديث شيخين أو أكثر على الراوي، فيحدث بها على التوهم

وذكر ابن حبان أيضًا هذا الاختصار عقب حديث شعيب (1135)، لكنه حمل النسخ على أنه خاص بما مست النار خلا لحم الجزور فقط، وأن ما أكله -صلى الله عليه وسلم- في هذه الواقعة كان كتف شاة وليس بجزور. والمقصود هنا قد شرحه البيهقي في "سننه الكبرى" (1/ 156) فذكر ما رواه الجماعة عن ابن المنكدر في قصة أكله -صلى الله عليه وسلم- ووضوءه قبل الصلاة، ثم رجوعه من الصلاة وأكله ما فضل من طعامه، ثم صلى ولم يتوضأ. قال البيهقي: يرون -يعني من علَّل حديث شعيب- أن آخر الأمرين، أريد به: في هذه القصة. اهـ فاختصار شعيب بن أبي حمزة للحديث حوَّله من واقعة حالٍ وحادثة عينٍ إلى حكم عام دَلَّ على نَسخِ حكمٍ سابق، وليس الأمر كذلك. قال أبو أنس: فيما أوردتُه هاهنا إشارةٌ لما قصدتُّ إلى بيانه من تَسَبُّبِ الرواية بالمعنى أو الاختصار أحيانا من الخطأ والوهم في المعاني والأحكام، وترى أمثلةً عديدةً مع الشرح والتوضيح بشيء من التوسع في كتابي: "ثمرات النخيل في شرح أسباب التعليل"، قد وضعتُ فيه خلاصةَ ما وقفتُ عليه من الأسباب التي لا يَسَعُ طالبُ هذا العلم الجهلَ بها لفهم الكلام الخفي المجمل لأئمة النقد على الأحاديث. 6 - التباس أحاديث شيخين أو أكثر على الراوي، فيحدث بها على التوهم: • قال الشيخ المعلمي في رواية محمد بن زنبور، عن الحارث بن عمير في ترجمة الأخير من "التنكيل" (68): "لو كان لابُدَّ من جرح أحد الرجلين لكان ابن زنبور أحق بالجرح؛ لأن عدالة الحارث أثبت جدًّا وأقدم، ولكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين،

7 - خطأ الراوي في حداثته، وبقاء ذلك في أصله العتيق، فلا يغتر بوجود ذلك فيه

ويحمل الإنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في (الثقات): "ربما أخطأ". والظاهر أنه كان صغيرًا عند سماعه من الحارث كما يعلم من تأمل ترجمتيهما، وقد تقدم في ترجمة: جرير بن عبد الحميد أنه اختلط عليه حديث أشعث بحديث عاصم الأحول، فكأنه اختلط على ابن زنبور بما سمعه من الحارث أحاديثَ سمعها من بعض الضعفاء، ولم ينتبه لذلك، كما تنبه جرير، فكأن ابن زنبور في أوائل طلبه كتب أحاديث عن الحارث، ثم سمع من رجل آخر أحاديثَ كتبها في تلك الورقة، ولم يُسم الشيخَ، ثقةً بأنه لن يلتبس عليه، ثم غفل عن ذاك الكتاب مدة، ثم نظر فيه، فظن أن تلك الأحاديث كلها مما سمعه من الحارث". اهـ. 7 - خطأ الراوي في حداثته، وبقاء ذلك في أصله العتيق، فلا يُغتر بوجود ذلك فيه (¬1): • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: مطرف بن عبد الله أبي مصعب اليساري الأصم من "التنكيل" (247): "في ترجمة أحمد بن داود من (اللسان): قال أبو سعيد بن يونس: حَدَّثَ عن أبي مصعب بحديثٍ منكرٍ، فسألتُه عنه، فأخرجه من كتابه كما حَدَّثَ به. وفيه بعد ذلك ذكر حديثه عن أبي مصعب، عن عبد الله بن عمر، عن سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة مرفوعًا: من رأى مبتلى فقال: الحمد لله، إلخ. ¬

_ (¬1) سبق هذا في الكلام على الضبط، وأعدته هنا لمناسبته لهذا الموضع.

قال: قال ابن عدي: لما حَدَّثَ أحمد بهذا الحديث عن مطرف كانوا يتهمونه ... فظلموه؛ لأنه قد رواه عن مطرف: علي بن بحر (¬1)، وعباس الدوري، والربيع .... فقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس هو هذا الحديث: من رأى مبتلى. الخ. رآه ابن عدي في أصل أحمد بن داود، وعرف أن غيره قد رواه عن مطرف، ورأى أن الحمل فيه على مطرف البتة، فقاس بقية الأحاديث عليه. وقد يكون الحديث الذي ذكره ابن يونس غير هذا الحديث، ويكون ابن عدي رأى الأحاديث في أصل أحمد بن داود، فاعتقدوا براءته منها للدليل الظاهر، وهو ثبوتها في أصله، فحملها كلها على مطرف. فإن كان الأمر على هذا الوجه الثاني، فذاك الدليل: وهو ثبوت الأحاديث في أصل، يحتمل الخلل، ففي "لسان الميزان" (ج 1 ص 253) "أحمد بن محمد بن الأزهر .... قال ابن حبان: كان ممن يتعاطى حفظ الحديث، ويجري مع أهل الصناعة فيه، ولا يكاد يُذكر له بابٌ إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرته بأشياء كثيرة فأغرب علي فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليَّ أصولَ أحاديث ... فأخرج إليَّ كتابه بأصلٍ عتيق ... قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه ... ". اهـ. فهذا رجلٌ روى أحاديثَ باطلة، وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجالا من وقت طلبه؛ كان يسمع شيئًا، ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقت طلبه بعض الدجالين، فكان يُدخل عليه ما لم يسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة: عثمان بن صالح السهمي من "مقدمة الفتح". ¬

_ (¬1) في"التنكيل": عمر، وهو خطأ.

وفي ترجمة محمد بن غالب تمتام من "الميزان" أنه أُنكر عليه حديثٌ، فجاء بأصله إلى إسماعيل القاضي، فقال له إسماعيل: ربما وقع الخطأ للناس في الحداثة. وفي "الكفاية" (ص 118 - 119) عن حسين بن حبان: "قلت ليحيى بن معين: ما تقول في رجلٍ حَدَّثَ بأحاديث منكرة، فردها عليه أصحابُ الحديث، إن هو رجع وقال: ظننتُها، فأما إذ أنكرتموها علي، فقد رجعت عنها؟ فقال: لا يكون صدوقا أبدا، ... فقلت ليحيى: ما يبرئه؟ قال: يخرج كتابًا عتيقا فيه هذه الأحاديث، فإذا أخرجها في كتابٍ عتيقٍ فهو صدوق، فيكون شُبِّهَ له، وأخطأ كما يُخطىء الناس، فيرجع عنها". فأنت ترى ابن معين لم يجعل ثبوتها في الأصل العتيق دليلًا على ثبوتها عَمَّن رواها صاحب الأصل عنهم، بل حمله على أنه شُبِّهَ له وأخطأ في أيام طلبه. إذا تقرر هذا فلعل الأحاديث التي ذكرها ابن عدي عن أحمد بن داود عن أبي مصعب رآها ابن عدي في أصل عتيقٍ لأحمد بن داود، فبنى على أن ذلك دليل ثبوتها عن أبي مصعب، وهذا الدليل لا يوثق به كما رأيت، لكن في البناء عليه عذر ما لابن عدي، يَخِفُّ به تعجبُ الذهبي إذ يقول: هذه أباطيل، حاشا مطرفًا من روايتها، وإنما البلاء من أحمد بن داود، فكيف خفي هذا على ابن عدي؟!.". اهـ. • وفي "حاشية الموضح" (1/ 34): "عبد الله بن عمر -هو ابن محمد بن أبان بن صالح بن عمير القرشي الأموي أبو عبد الرحمن الكوفي- مُشْكُدانة مُوَثَّقٌ، على ما فيه من الغلو والغفلة. وفي "الميزان" أنه كان مَرَّة يقرأ التفسير، فمرَّ بقوله تعالى: {يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} فقرأ الكلمة الأخيرة: "ونشرا"، فروجع، فقال: هى منقوطة بثلاث. يعني أنها في كتابه الذي يقرأ منه: "ونشرا"، فقد صَحَّفَها عند كتابته ثم قرأها على التصحيف". اهـ.

8 - تأخر كتابة الراوي ما سمعه عن وقت السماع، فيكتب من حفظه، فربما وهم أو لم يأت باللفظ على وجهه

8 - تأخر كتابة الراوي ما سمعه عن وقت السماع، فيكتب من حفظه، فربما وهم أو لم يأت باللفظ على وجهه: • قال الشيخ المعلمي في حكاية يونس بن عبد الأعلى مناظرة الشافعي لمحمد ابن الحسن من "التنكيل" (1/ 152): "الظاهر أن يونس لم يكتب الحكاية عند سماعها من الشافعي، ولم يتقن حفظها، فاتسع في روايتها بالمعنى، واحتاط". اهـ. * * *

النوع الثاني: الأسباب المتعلقة بكتاب الراوي

النوع الثاني: الأسباب المتعلقة بكتاب الراوي 1 - قراءة الراوي من أصلٍ آخر غيرِ أصلِ نفسِه، اعتمادا على حفظه، أو ثقته به، تكون أحيانا مظنةً للغلط، وكراهة الأئمة لذلك سدا للذريعة: • في ترجمة: محمد بن العباس بن حيويه أبي عمر الخزاز من "الطليعة" و"التنكيل": قال الأزهري: "كان أبو عمر بن حيويه مكثرا، وكان فيه تسامح، لربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن ابن الرزاز (¬1)؛ لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة". قال الشيخ المعلمي في "الطليعة": "كأن بعض كُتب علي بن موسى -وهو ابن إسحاق أبو الحسن، الذي يعرف بابن الرزاز، وكان فاضلا أديبا ثقة فاضلا- هذه صارت بعد وفاته إلى تلميذه ابن حيويه، وكان فيها ما سمعه ابن حيويه، لكن لم يقيد سماعه في تلك النسخة التي هي من كتب ¬

_ (¬1) احتاج الكوثري إلى الطعن في ابن حيويه هذا، فذكر (ص 21) أن أبا الحسن بن البزاز الذي كان يثق بكتابه هو: علي بن أحمد المعروف بابن طيب البزاز، وهو معمّر متأخر الوفاة، نص الخطيب على أن ابنًا له أدخل في أصوله تسميعات طرية، قال: "فماذا تكون قيمة تحديث من يثق بها فيحدث من تلك الأصول". فناقش المعلمي ذلك، وبَيَّنَ خطأه، وأن الصواب أنه: علي بن موسى بن إسحاق أبو الحسن المعروف بابن الرزاز، روى عنه ابن حيويه والدارقطني، وكان فاضلًا أديبًا ثقة عالمًا، لا علي بن أحمد كما زعم الكوثري، وقد رأيتُ الإعراضَ عن تلك المناقشة هنا، لوضوح نتيجتها، وقد عرَّجَ عليها المعلمي أحيانا أثناء ترجمة ابن الرزاز من "التنكيل"، فحذفتُ ما يتعلق بذلك أيضا.

الشيخ، وبهذا تبين أنه لا يلحق ابن حيويه عيبٌ، ولا يوجب صنيعُه أدنى قدح، وسيأتي بسط ذلك في ترجمة محمد بن العباس من "التنكيل" إن شاء الله تعالى". اهـ. ثم قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (208): "يؤخذ من عبارة الأزهري مع ما تقدم أمورٌ: الأول: أنها تقتضي أن ذاك الكتاب كان في متناول ابن حيويه في كثيرٍ من الأوقات ... الأمر الثاني: أن في عبارة الأزهري: "لثقته بذلك الكتاب"، وابن حيويه يصفه الأزهري في العبارة نفسها بأنه: "ثقة"، ويصفه العتيقي بأنه: "كان ثقة صالحا دينا"، وبأنه: "كان ثقة متيقظا"، ويصفه البرقاني بأنه: "ثقة ثبت حجة". الأمر الثالث: عبارة الأزهري تقتضي أنه لم يتفق لابن حيويه القراءة من غير أصله إلا من ذاك الكتاب، ... الأمر الرابع: إطلاق البرقاني مع إمامته وجلالته والعتيقي مع ثقته وتيقظه ذاك الثناء البالغ على ابن حيويه، يدل على أنه لم يكن منه تساهل يخدش فيما أثنيا عليه به. والأزهري وإن ذكر التساهل، فقد عقبه بقوله: "وكان مع ذلك ثقة"، فهذا يقضي أنه إن ساغ أن يسمي ما وقع منه تساهلا، فهو تساهل عرفي، لا يخدش في الثقة والتيقظ والحجة. وهذا إنما يكون بفرض أن ذاك الكتاب الذي قرأ منه كان موثوقا به، وبمطابقته لأصل ابن حيويه، وإنما فيه أنه ليس هو أصله الذي كتب عليه سماعه، وقد كانوا يكرهون مثل هذا، وذلك من باب سد الذريعة". قال الكوثري: "رواية الخزاز لو كانت عن كتابِ أحدِ شيوخه، لكانت روايته من أصل شيخه، ولما كان يُرمى بالتسامح".

فقال الشيخ المعلمي: "علي بن موسى أبو الحسن ابن الرزاز شيخُ الخزاز حَتْما، ثم هناك احتمالان: الأول: أن يكون شيخَه في ذاك الكتاب. الثاني: أن لا يكون شيخَه فيه، وإنما سمعه الخزاز من رجل آخر. فعلى الأول -وهو الذي بنى عليه الأستاذ- فصورةُ التساهلِ موجودةٌ. فإنه من المقرر عندهم أن التلميذ إذا سمع وضبط أصله، ثم بعد مدة وجد في أصل شيخه زيادةً أو مخالفةً لِما في أصله، لم يكن له أن يروي إلا ما في أصله. وقد قال حمزة السهمي في "تاريخ جرجان" (ص 122 - 123): "أخبرنا أبو أحمد ابن عدي .... أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم -في كتابي بخطي: عثراتهم- ورأيت في كتاب ابن عدي بخطه: عقوبتهم". فلو أن حمزة روى ذاك الحديث، وقال: "عقوبتهم"، ثم رأى أهلُ العلم أصلَه، وفيه "عثراتهم"، فراجعوه في ذلك، فقال: نعم، ولكني بعد سماعي بمدة رأيت في أصل شيخي: "عقوبتهم"، لَعَدُّوا هذا تساهلا. ومن روى من أصل شيخه، لا يُؤمن أن يقع في نحو هذا، إلا إذا كان قد كرَّرَ المقابلة، حتى وثق كل الوثوق بالمطابقة، وأَوْلَى به -وإن وثق كل الوثوق- أن لا يروي إلا من أصله نفسه، فإن كان الخزاز سمع ذاك الكتاب من أبي الحسن ابن الرزاز، فتساهله هو ترك الَأْولى كما عرفت. وعلى الاحتمال الثاني، لا يكون للخزاز أن يروي من كتابٍ ليس هو أصله، ولا أصل شيخه، إلا أن يقابله بأصله مقابلة دقيقة، فيثق بمطابقته لأصله، ومع ذلك فالأَوْلى به أن لا يروي إلا من أصله، وعلى هذا فتساهل الخزاز هو في ترك الأَوْلى كما اقتضته عباراتُهم في الثناء عليه كما مَرَّ". اهـ.

قال الكوثري: "وكان ينبغي أن يَذكر في السند اسمَ شيخِه الذي ناوله، وليس بمعقولٍ أن يُهمل التلميذُ ذكرَ شيخِه في سندٍ ما حمله وتلقاه بطريقه". فقال الشيخ المعلمي: "هذا مبني على الاحتمال الأول، وأن لا يكون الخزاز سمع الكتاب أصلا، وإنما ناوله إياه ابنُ الرزاز، والذي نقوله إنه إن كان على الاحتمال الأول، فالخزاز سمع ذاك الكتاب سماعا من ابن الرزاز، وإلا لغمزوه بأنه يعتمد على الإجازة، بل عبارة الأزهري نفسه تصرح بهذا، فإن فيها: "ربما أراد أن يقرأ شيئا، ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن بن الرزازد"، وهذا يدل أن له أصلا بذاك المصنف غير ذاك الكتاب، إلا أنه لم يقرب منه، ولو كان إنما يرويه بمناولة الشيخ ذاك الكتاب لما كان له أصل آخر. ثم إن كان سمع ذاك المصنف من ابن الرزاز، فقد كان إذا قرأ منه قال: "أخبرنا أبو الحسن ابن الرزاز"، ثم يقرأ من الكتاب، وإن كان إنما سمعه من غير ابن الرزاز، فإنما كان يذكر اسمَ شيخِه في ذاك المصنف، ولا معنى لذكر ابن الرزاز. فإن بني الأستاذ على الاحتمال الأول، وقال: لكني لم أر في "تاريخ الخطيب" شيئا رواه الخطيب من طريق الخزاز عن ابن الرزاز. قلت: أما كونه شيخه، فقد صرح به الخطيب، وأما اجتناب الخطيب أن يروي من طريق الخزار عن ابن الرزاز، فذلك من كال احتياط الخطيب، وتثبته البارع؛ لم تَطِبْ نفسُه أن يروي من ذاك الوجه الذي قد قيل فيه، وإن كان ذاك القِيل لا يضر، والله أعلم". اهـ.

2 - النقل من كتاب شيخ دون التصريح أنه بخط صاحبه

2 - النقل من كتابِ شيخٍ دون التصريح أنه بخطِّ صاحبه: • في "الفوائد المجموعة" (83): حديث: "من مشى في حاجة أخيه كان له خيرًا من اعتكاف عشر سنين". قال في المختصر: ضعيف. فقال الشيخ المعلمي: "ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 8/ 192 بزيادة في آخره، وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده جيد. كذا قال، وهو في كتاب "مجمع البحرين في زوائد المسندين" للهيثمي من طريق أحمد بن خالد الخلال: ثنا الحسن بن بشر قال: وجدت في كتاب أبي ثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن عطاء عن ابن عباس (فذكره مرفوعًا بزيادته) ثم قال: لم يروه عن عبد العزيز إلا بشر بن سلم البجلي، تفرد به ابنه. وفيه أمران؛ الأول: أنه لم يقل (بخطه). الثاني: أن بشر بن سلم (¬1) لم يوثق، بل قال أبو حاتم (منكر الحديث) ". اهـ. قال أبو أنس: هذا من عيوب الوجادة، فقد يكون في كتاب الشيخ أحاديث زيدت فيه بعده بخطٍّ يشبه خطه، ولا يتبين للناظر هذا الفرق، أو يتبين له ولكنه يُقَصِّر فلا ينبه عليه، أو يكون فيه ما ليس من حديثه ولكنه بخطه، كأن يَكتب ما لم يَسمع على أمل سماعه فيما بعد، ويُميز ذلك؛ لئلا يُحَدِّثُ به قبل سماعه، لكن ربما لم يَفطن الناظر في كتابه إلى أنه لم يسمعه، ولا يفهم هذا التمييز، فينقله على أنه من جملة ما سمعه الشيخ كسائر الكتاب. ¬

_ (¬1) في المطبوع: مسلم، وهو خطأ.

3 - وجود الحديث في حاشية أصل الشيخ، أو على ظهر الكتاب

3 - وجود الحديث في حاشية أصل الشيخ، أو على ظهر الكتاب: • في ترجمة: قطن بن إبراهيم من "التنكيل" (181): حدث قطن بحديث إبراهيم بن طهمان، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر في الدباغ، فطالبوه بالأصل، فأخرجه وقد كتبه على الحاشية، فتركه مسلم بعد أن صار إليه، وكتب عنه جُملةً. قال الشيخ المعلمي: "ذكر محمد بن عقيل أن قطنًا سأله: أي حديث عندك من حديث إبراهيم بن طهمان أغرب؟ فذكر له هذا الحديث. فذهب قطن فحدث به بالعراق عن حفص، فبلغ محمد بن عقيل فأنكر ذلك وقال: لم يكن حفظ هذا الحديث -يعني عن حفص- إلا أنا ومحمود أخو خشتام، واتَّهَمَ قطنًا أنه سرقه منه، ثم حدث به قطن بنيسابور، فطالبوه بالأصل، فدافعهم، ثم أخرجه، فرأوا الحديث مكتوبًا على الحاشية، فأنكروا ذلك. هذا حاصل القصة، وقطن مكثر عن حفص وغيره. وقد قال الحاكم أبو أحمد: حدث بحديثين لم يتابع عليهما، ويقال: دخل له حديث في حديث، وكان أحد الثقات النبلاء. وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: يخطىء أحيانًا، يعتبر حديثه إذا حدث من كتابه. وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة، كما في (لسان الميزان) ج 2 ص: 416. وقال النسائي: فيه نظر، ثم روى عنه في (السنن). وقال الذهبي في (الميزان): صدوق. فإذا كانت هذه حاله، ولم يُنقم عليه مع إكثاره إلا ذاك الحديث، فلعل الأَوْلى أن يُحمل على العذر، فلا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص، ثم نسيه، أو خفي عليه أنه غريب، أو طمع أن يدلَّهُ محمد بن عقيل على حديث غريب آخر، ثم ذكره، وتنبَّه لفرديته، فرواه.

وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون كتبه أولًا، ثم لما ذكر أنه سمعه، أو عرف أنه غريب، ألحقه في الحاشية، وكان مع حفص في بلد واحد، فلا مانع أن يكون سمع منه الحديث في غير المجلس الذي سمع فيه محمد بن عقيل وصاحبه. وأهل الحديث جزاهم الله خيرًا ربما يشددون على الرجل، وهم يرون أن له عذرًا، خشيةَ أن يتساهل غيره طمعًا في أن يعذروه كما عذروا ذاك. والله أعلم. اهـ. قال أبو أنس: وجود الحديث في حاشية الكتاب -أو ظهره- فيه معنى الإلحاق، وهو مثير للريبة في صحة سماع صاحبه له في مجلس السماع، بل يكون الظاهر أنه ألحقه بعد ذلك، فعمَّن أخذه؟ وممن استدركه؟ أم كتبه من حفظه؟ هي أمور لا تخلو من احتمالات للخلل، ولذا غُمز بها بعضُ الرواة، بل اتُّهِم غيرُ الموثَّقين منهم. * * *

النوع الثالث: الأسباب المتعلقة بتأثير آخرين في الراوي

النوع الثالث: الأسباب المتعلقة بتأثير آخرين في الراوي 1 - التلقين: • قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 408): "التلقين مظنة رواية الموضوع؛ فإن معناه أنه قد يقال له: أحدثك فلان عن فلان بكيت وكيت؟ فيقول: نعم حدثني فلان بن (¬1) فلان بكيت وكيت. مع أنه ليس لذلك أصل، وإنما تَلَقَّنَهُ، وتَوَّهَمَ أنه من حديثه. وبهذا يتمكن الوضاعون أن يضعوا ما شاءوا، ويأتوا إلى هذا المسكين، فيلقنونه، فيتلقن، ويروي ما وضعوه". اهـ. • وقال في "التنكيل" (71): "التلقين القادح في المُلَقَّنِ هو أن يُوقع الشيخ في الكذب ولا يبين، فإن كان إنما فعل ذلك امتحانًا للشيخ وبَيَّنَ ذلك في المجلس لن يضره، وأما الشيخ، فإن قبل التلقين، وكثر ذلك منه فإنه يسقط". اهـ. • وقال في حاشية "الفوائد" (ص 215): "ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب، ولكن كان يدلس، ثم احترقت كتبه، وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة فيقرأ عليه، وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه، لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه، ولا يَرُدُّ من ذلك شيئا، ويذهبون يروون عنه، وقد عوتب في ذلك فقال: ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم". اهـ. ¬

_ (¬1) كذا في الفوائد.

2 - الإدخال على الراوي في كتبه

• وفي حاشية (ص 219): "هشام ثقة، ولكنه في آخر عمره صار يلقن فيتلقن، أَعَلَّ أبو حاتم بهذا أحاديث عديدة". اهـ. قال أبو أنس: انظر على سبيل المثال هذه المواضع من نسختي التي وضعت عليه مُلَحًا من "علل الرازي": (1575) (1899) (1616) (1743). 2 - الإدخال على الراوي في كتبه: قال أبو أنس: هو نحو ما سبق من التلقين، ولكنه أسوأ لأنه يثبت في أصل الشيخ أو بين أوراقه، وربما احتجَّ بما فيه دون أن يفطن لذلك، فإذا نُبِّه لم يرجع. وراجع ما سبق في: الوجه الرابع من أوجه الطعن في الضبط. • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: مطرف بن عبد الله أبي مصعب اليساري الأصم من "التنكيل" (247): "ثبوتُ الأحاديث في أصل الشيخِ يحتملُ الخللَ، ففي "لسان الميزان" (1/ 253): "أحمد بن محمد بن الأزهر .... قال ابن حبان: كان ممن يتعاطى حفظ الحديث، ويجري مع أهل الصناعة فيه، ولا يكاد يُذكر له بابٌ إلا وأغرب فيه عن الثقات، ويأتي فيه عن الأثبات بما لا يتابع عليه، ذاكرته بأشياء كثيرة فأغرب علي فيها، فطاولته على الانبساط، فأخرج إليَّ أصولَ أحاديث ... فأخرج إليَّ كتابه بأصل عتيق ... قال ابن حبان: فكأنه كان يعملها في صباه ... ". اهـ.

فهذا رجلٌ روى أحاديثَ باطلة، وأبرز أصله العتيق بها، فإما أن يكون كان دجالا من وقت طلبه؛ كان يسمع شيئًا، ويكتب في أصله معه أشياء يعملها، وإما أن يكون كان معه وقت طلبه بعض الدجالين، فكان يُدخل عليه ما لم يسمع، كما وقع لبعض المصريين مع خالد بن نجيح، كما تراه في ترجمة: عثمان بن صالح السهمي من "مقدمة الفتح". اهـ. • وقال المعلمي في ترجمة: دعلج بن أحمد السجزي رقم (90) من "التنكيل": فأما مطاعن الأستاذ (الكوثري) في دعلج: ... فثالثها: أن الرواة الأظناء كانوا يبيتون عنده، ويُدخلون في كتبه وهذا تَخَرُّصٌ، نعم حُكي عن رجلٍ غيرِ ظِنِّين أنه بات عنده، وأَرَاهُ مالَهُ، ولم يَقل أن كتبه كانت مطروحةً له ولا لغيره ممن يُخشى منه العبث بها. فأما إدخالُ بعضِهم عليه أحاديث، فذلك لا يقتضي الإدخالَ في كتبه، بل إذا استخرجَ الشيخُ أو غيرُه من أصوله أحاديثَ، وسَلَمَّها إلى رجلٍ لِيُرتبَها، وينسخها، فذهب الرجل ونسخها، وأدخل فيها أحاديثَ ليست من حديث الشيخ، وجاء بالنسخة فدفعها إليه ليحدث بها، صدق أنه أدخل عليه أحاديث. ثم إذا كان الشيخُ يقظا، فاعتبر تلك النسخة بحفظه أو بمراجعة أصوله، أو دفعها إلى ثقةٍ مأمونٍ عارفٍ، كالدارقطني، فاعتبرها، فأخرج تلك الزيادة، ولم يحدث بها الشيخُ، لم يكن عليه في هذا بأس". اهـ. • وقال في حاشية "الفوائد المجموعة" ص (244): "عبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديثُ عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد اطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما عَلَّقَهُ عنه البخاري". اهـ.

• وَعَلَّقَ الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد" (ص 172) على حديث: "لا تسبوا الديك؛ فإنه صديقي وأنا صديقه ... " وفي إسناده: رشدين، وعبد الله بن صالح، بقوله: "عبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديث، وراوي هذا عنه ليس من المتثبتين الذين كانوا ينظرون في أصول كتبه". اهـ. • وقال في تعليقه على "الفوائد المجموعة" (ص 394): "قيس بن الربيع أُدخلت عليه أحاديث فحدث بها فسقط". اهـ. فائدة: سرقةُ حديثِ الكذابين، أو وضع الحديث، وإدخالُه على غير معروف بتعمد الكذب؛ ليروجَ على غير أهل الصنعة، فيحسبونه شيئا: • في "الفوائد" (ص 175) حديث: "أنه جاء رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، فشكا قلةَ الولد، فأمره أن يأكل البيض والبصل". رواه ابن حبان عن ابن عمر مرفوعا، وقال: موضوع بلا شك. فقال الشيخ المعلمي: "الآفة فيه محمد بن يحيى بن ضرار، راجع ترجمته في اللسان، وقد سرقه منه جماعة، وأدخلوه على بعض من لا يتعمد الكذب". اهـ. • وفيها (ص 411): حديث: "إذا خرجت الرايات السود، فاستوصوا بالفرس خيرًا، فإن دولتنا معهم". رواه الخطيب عن ابن عباس. وروى عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا أقبلت الرايات السود من قبل المشرق، فإن أولها فتنة، وأوسطها هرج، وآخرها ضلال". وفي إسنادهما مجهول ومتروك.

وروى الأزدي عن ابن مسعود مرفوعًا: إذا أقبلت الرايات السود من خراسان فأتوها، فإن فيها خليفة الله المهدي. وقال ابن الجوزي: لا أصل له، وذكره في الموضوعات. قال ابن حجر في "القول المسدد": لم يصب ابن الجوزي؛ فقد أخرجه أحمد في "مسنده" .. وفي طريقه علي بن زيد بن جدعان، وهو ضعيف، لكنه لم يتعمد الكذب، فيحكم على حديثه بالوضع إذا انفرد، فكيف وقد توبع من طريق أخرى؟ أخرجه أحمد والبيهقي في الدلائل، من حديث أبي هريرة رفعه: يخرج من خراسان رايات سود لا يردها شيء حتى تنصب بإيليا. فقال الشيخ المعلمي: "وضعه غيره -يعني غير ابن جدعان- وأدخله عليه، أو سمعه بسند آخر هالك، فغلط، فرواه بهذا السند". اهـ. • وفيه (ص 430): روى أحمد في "المسند" من حديث أنس مرفوعًا: "عسقلان أحد العروسين ... " أورده ابنُ الجوزي في "الموضوعات". وقال: في إسناده أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة. وقال ابن حجر في "القول المسدد": وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه، وطريق الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام. قال الشوكاني: هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغةٌ من الحافظ ابن حجر، وخروجٌ من الإنصاف؛ فإن كونَ الحديث في فضائل الأعمال، وكونَ طريقة أحمد: معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا،

ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع، ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلا، فإن كان ابن حجر يُسَلِّمُ أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي ... فقال الشيخ المعلمي: "ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزمُ أن يكونَ كُلُّ ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوبُ قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابنُ حجر أن الحكمَ بالوضع يحتاجُ إلى أمرٍ آخر ينضم إلى حالِ الراوي، كأن يكون مما يُحيله الشرع أو العقل، وهذا لا يكفي في رَدِّه ما ذكره الشوكاني. وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر، ليس معناه من جنس المعاني التي عُنِيَ النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيانها، أضف إلى ذلك قيامُ التهمة هنا، فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرا عظيما، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يُرغب الناسَ في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى". اهـ. • وفيه (ص 481): حديث: "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص. فإذا بلغ خمسين ... " أورده ابنُ الجوزي في "الموضوعات"، لكون أحمد رواه بإسنادٍ فيه يوسف بن أبي ذرة. قال ابن الجوزي: يروي المناكير، ليس بشيء. ورواه أحمد أيضًا بإسناد آخر فيه: الفرج عن محمد بن عامر. قال: ضعيف، منكر الحديث، يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، ومحمد بن عامر يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وشيخه العرزمي ترك الناس حديثه.

3 - سماع الراوي الصالح في نفسه مع مخلط، فيملي عليه ما ليس من سماعه

وفي إسناد أحمد بن منيع: عباد بن عباد المهلبي، قال ابن حبان: كان يحدث بالمناكير فاستحق الترك. وفي إسناد البغوي وأبي يعلي: عزرة بن قيس الأزدي، ضعفه يحيى، وشيخه مجهول. وفي إسناد أبي نعيم: عائذ بن نسير، قال ابن الجوزي: ضعيف. فهذا غاية ما أبداه ابن الجوزي دليلا على ما حكم به من الوضع، وقد أفرط وجازف؛ فليس مثل هذه المقالات توجب الحكم بالوضع، بل أقل أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره. وقد دفع ابن حجر في "القول المسدد" هذه المطاعن التي ذكرها ابن الجوزي .... وله طرق كثيرة أوردها ابن حجر، بعضها: رجاله الصحيح. فقال الشيخ المعلمي: "اعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرةً وفضيلةً للمسنين، وإن كانوا مُفَرِّطِين أو مُسْرِفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعتذر عن نفسه، أو عمَّن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسنادًا جديدًا، أو يُلقنه من يقبل التلقين، أو يُدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتا عن بيان حاله". اهـ. 3 - سماع الراوي الصالح في نفسه مع مُخَلِّطٍ، فيملي عليه ما ليس من سماعه: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 85): "عثمان بن صالح صالحٌ في نفسه، لكنه من الذين ابتلوا بخالد بن نجيح، كانوا يسمعون معه، فيملي عليهم ويخلط، وخالد هالك". اهـ. * * *

3 - السبر والاعتبار

الأمر الثالث من المرتبة الثالثة من مراتب نقد الخبر 3 - السبر والاعتبار - الشواهد والمتابعات قال أبو أنس: هذه مباحث هامة، ومطالب عزيزة، في: السبر والاعتبار، وطريقة البحث عن العلة، وكيف تُلصقُ تبعةُ الحديث براوٍ دون آخر، وأمارات النكارة في الرواية، وما يتعلق بالمتابعات والشواهد، وهي أمور لابد منها لمن يطالع كتب هذا الفن، وهي مقاصد شريفة، نشير هنا إلى طرفٍ منها من خلال تحقيقات الشيخ المعلمي، وعلى الله المعتمد، وبه التوفيق. السبر والاعتبار: • في ترجمة: الحسين بن إدريس الهروي من "التنكيل" (81): يقول عنه ابن أبي حاتم بعد أن ذكر له أحاديث باطلة: لا أدري البلاء منه أم من خالد بن هياج. فقال الشيخ المعلمي: "الحسين بن إدريس يروي عن سعيد بن منصور وعثمان بن أبي شيبة وداود بن رشيد وهشام بن عمار وابن عمار -وهو محمد بن عبد الله بن عمار- وخلق منهم خالد بن هياج. وخالد بن هياج يروي عن جماعة منهم أبوه هياج بن بسطام، وهياج قال فيه الإمام أحمد: "متروك الحديث"، وقال يحيى بن معين: "ضعيف الحديث ليس بشيء"، وقال أبو داود: "تركوا حديثه"، وأَلان أبو حاتم القول فيه قال: "يكتب حديثه ولا يحتج به".

وخالد بن هياج يروي عن أبيه مناكير كثيرة، روى عنه الحسين بن إدريس عدة منها، فتلك الأحاديث التي أنكرها ابن أبي حاتم يجوز أن يكون البلاء فيها من هياج، ويبرأ منها خالد والحسين، ويجوز أن تكون من خالد، ويبرأ منها هياج والحسين، ويجوز أن تكون من الحسين، ويبرأ منها هياج وخالد. فأما ابن أبي حاتم فكان عنده عن أبيه أن هياجًا: "يكتب حديثه ولا يحتج به" وهذه الكلمة يقولها أبو حاتم فيمن هو عنده صدوق ليس بحافظ، يحدث بما لا يتقن حفظه فيغلط ويضطرب، كما صرح بذلك في ترجمة إبراهيم بن المهاجر. فرأى ابن أبي حاتم أن تلك المناكير التي رآها فيما كتب به إليه الحسين لا يحتملها هياج، ولم يكن يعرف خالدًا ولا الحسين، فجعل الأمر دائرًا بينهما. ومقتضى كلام الإمام أحمد ويحيى بن معين وأبي داود في هياج أن تبرأته منها ليست في محلها. والطريق العِلْمي في هذا: اعتبار ما رواه غير خالد من الثقات عن هياج، وما رواه خالد عن الثقات غير هياج، وما رواه الحسين عن الثقات غير خالد، وبذلك يتبين الحال. فإذا وجدنا غير خالد من الثقات قد رووا عن هياج مناكير يتجه الحمل فيها عليه، ووجدنا خالدا قد روى عن غير هياج من الثقات أحاديث عديدة كلها مستقيمة، ووجدنا الحسين قد روى عن الثقات غير خالد أحاديث كثيرة كلها مستقيمة، سقط هياج، وبرىء خالد والحسين. وهذا هو الذي تبين لابن حبان، فذكر هياجًا في (الضعفاء) وقال: "كان مرجئًا يروي الموضوعات عن الثقات"، وذكر خالدًا في (الثقات)، وكذلك ذكر الحسين، وقال: "كان ركنًا من أركان السنة في بلده"، وأخرج له في "صحيحه" ... ". اهـ.

• وفي ترجمة: محمد بن سعيد البورقي (206): في "تاريخ بغداد" (13/ 335) من طريقه: "حدثنا سليمان بن جابر بن سليمان بن ياسر بن جابر حدثنا بشر بن يحيى قال: أخبرنا الفضل بن موسى السيناني عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن في أمتي رجلا اسمه النعمان وكنيته أبو حنيفة هو سراج أمتي هو سراج أمتي هو سراج أمتي". قال الخطيب: "قلت: وهو حديث موضوع، تفرد بروايته البورقي، وقد شرحنا فيما تقدم أمره وبينَّا حاله". يعني في ترجمته، وهي في (التاريخ) (5/ 308 - 309). قال الكوثري (ص 30): "استوفى طرقه البدر العيني في "تاريخه الكبير" واستصعب الحكم عليه بالوضع، مع وروده بتلك الطرق الكثيرة، وقد قال: " .... فهذا الحديث كما ترى قد روي بطرق مختلفة ومتون متباينة ورواة متعددة عن النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا يدل على أن له أصلا، وإن كان بعض المحدثين بل أكثرهم ينكرونه، وبعضهم يدَّعون أنه موضوع، وربما كان هذا من أثر التعصب ... " فقال الشيخ المعلمي: "قد تأملت روايات هذا الحديث في (مناقب أبي حنيفة) وغيرها، فرأيته يدور على جماعة: أولهم: البورقي، وقد عرفتَ حاله، رواه عن مجهول، عن مثله، عن السيناني بذاك السند .. الثاني: أبو علي أحمد بن عبد الله بن خالد الجويباري الهروي، وهو مشهور بالوضع، مكشوف الأمر جدا، وله فيه أربع طرق:

الأولى: عن السيناني بذاك السند. الثانية: عن أبي يحيى المعلم، عن حميد، عن أنس. الثالثة: عن أبي يحيى، عن أبان، عن أنس. الرابعة: عن عبد الله بن معدان، عن أنس، والراوي عنه في بعض هذه: مأمون ابن أحمد السلمي، وهو شبيهه في الشهرة بالوضع الفاحش. الثالث: أبو المعلى بن مهاجر، إن كان له ذنب، وهو مجهول، رواه محمد بن يزيد المستملي، وهو متهم، عن مجهول، عن مثله، عن أبي المعلى، عن أبان، عن أنس. ورواه النضري بثلاثة أسانيد أخرى، كلهم مجاهيل عن أبي المعلى، عن أبان، عن أنس. الرابع: أبو علي الحسن بن محمد الرازي، وهو متهم، قد تقدم بعض ما يتعلق به في ترجمة: أحمد بن محمد بن الصلت رقم (34) رواه النضري من طريقه بسند كلهم مجاهيل، إلى عبد الله بن مغفل (؟) عن علي بن أبي طالب قوله. الخامس: النضري، قال فيه ابن السمعاني في "الأنساب": "الخِيُّوِي" باسم: "أبي القاسم يونس بن طاهر بن محمد بن يونس بن خيُّو النضري الخيوي، من أهل بلخ الملقب شيخ الإسلام .. ". ولم يذكر فيه توثيقا ولا جرحا، والله أعلم به، وبعض الطرق المتقدمة من طريقه، وزاد بسند كلهم مجاهيل، عن أبان، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن أبي هدبة، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن موسى الطويل، عن ثابت، عن أنس، وبسند كلهم مجاهيل عن حماد، عن رجل، عن نافع، عن ابن عمر، وبسند كلهم مجاهيل عن أبي قتادة الحراني، عن جعفر بن محمد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس. هذا ما وقفتُ عليه، فالأربعة الأولون قد عرفتُهم، وأما الخامس وهو النضري، فالله أعلم به، وعلى كُلِّ حالٍ فكان بين قومٍ أعاجم جهال متعصبين، لا بِدع أن يتقربوا

إلى الله عز وجل بتكثير الطرق، وكلهم مجاهيل، وأبان وأبو هدبة وموسى الطويل، ثلاثتهم هلكي، ومع ذلك لا أراهم إلا أبرياء من هذا الحديث، وإلا لاشتهر في زمانهم. فما باله لم يُعرف له أثر إلا بعد أن وضعه الجويباري في القرن الثالث؟ وأبو قتادة الحراني فسد بأخرة، ومع ذلك لا أراه إلا بريئا من هذا، وحماد الذي روى عنه، عن رجل، عن نافع، عن ابن عمر: لا أدري من هو، وربما يكون المقصود حماد بن أبي حنيفة، فإنه قد قيل إنه يروي عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فكأن بعضَ المجاهيل سمع بذلك، فرَكَّبَ السندَ إليه بهذا الحديث، فاستحيا النضري عن أن يقول عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر، فيكون أشنع للفضيحة فكنى عن مالك برجل! هذا، ومن شأن الدَّجَّالين أن يُرَكِّبَ أحدُهم للحديث الواحد عدةَ أسانيد؛ تغريرا للجهال، وأن يضعَ أحدُهم فيسرق الآخر، ويركب سندا من عنده، ومن شأن الجهال المتعصبين أن يتقربوا بالوضع والسرقة وتركيب الأسانيد. وقد قال أبو العباس القرطبي: "استجاز بعض الفقهاء أهل الرأى نسبة الحكم الذي يدل عليه القياس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .... ولهذا ترى كتبهم مشحونة بأحاديث تشهد متونها بأنها موضوعة؛ لأنها تشبه فتاوى الفقهاء ... ولأنهم لا يقيمون لها سندا صحيحا. وقد أشار إلي هذا ابن الصلاح بقوله: "وكذا المتفقهة الذين استجازوا نسبة ما دل عليه القياس الى النبي -صلى الله عليه وسلم-". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في ترجمة (9) منه: "كثرة الغرائب إنما تضر الراوي في أحد حالين: الأولى: أن تكون مع غرابتها منكرة عن شيوخ ثقات بأسانيد جيدة. الثانية: أن يكون مع كثرة غرائبه غير معروف بكثرة الطلب.

ففي الحال الأولى تكون تبعة النكارة على الراوي نفسه لظهور براءة من فوقه عنها، وفي الحال الثانية يقال من أين له هذه الغرائب الكثيرة مع قلة طلبه؟ فيتهم بسرقة الحديث، كما قال ابن نمير في أبي هشام الرفاعي: "كان أضعفنا طلبا وأكثرنا غرائب". اهـ. • وفي ترجمة القاسم بن حبيب (177): روى القاسم بن حبيب عن نزار بن حيان عن عكرمة حديثًا في ذمّ القدرية والمرجئة، استنكره غير واحد من أهل العلم، فبحث الشيخ المعلمي فيمن تلصق به تبعةُ هذا الحديث، فقال: نزار بن حيان لم يوثقه أحد، وذكره ابن حبان في الضعفاء (¬1) وقال: يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه، حتى يسبق إلى القلب أنه المتعمد ... فكأن ابن حبان يشير إليه - يعني هذا الحديث (¬2). والقاسم قد روى عن عكرمة .. فلو أراد الكذب لروى ذاك الحديث عن عكرمة رأسًا، وربح العُلُوَّ وشهادة نزار له. وقد تابع القاسم على رواية هذا الحديث عن نزار: ابنه عليُّ بن نزار، وقال ابن معين في علي بن نزار: ليس حديثه بشيء. لعله أراد هذا الحديث (¬3). ¬

_ (¬1) المجروحين (3/ 56) وأوَّل كلامه: "قليل الرواية، منكر الحديث جدًّا ... ". (¬2) عن نزار بن حيان عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "اتقوا القدر فإنه شعبة من النصرانية"، وهو الحديث المشار إليه آنفًا، فقد ذكره ابن عدي في ترجمة: على بن نزار بهذا اللفظ أيضًا، ثم قال في اللفظين جميعًا: وهذا أحد ما أنكروه عَلَى عَلِي بن نزار، وعَلَى والده نزار (الكامل: 5/ 1838). (¬3) قال ابن عدي: وعلى بن نزار لا أعلم له كثير رواية، وهو أشهر عند الناس بحديثه الذي رواه عن أبيه عن عكرمة عن ابن عباس في القدرية اهـ.

النكارة

وعلي بن نزار قد روى عن عكرمة، فلو أراد الكذب لروى هذا الحديث عن عكرمة رأسًا، ويربح العلو والشهادة لأبيه، وقال ابن عديّ في ترجمة عليّ في هذا الحديث: أنكروه على علي وعلى والده. ويؤخذ من "الميزان" أن بعضهم رواه عن فضيل عن نزار وابنه (¬1) عن عكرمة، ولكن أشار الذهبي إلى أن المحفوظ عن ابن فضيل عن القاسم بن حبيب وعلي بن نزار، يعني كلاهما عن نزار عن عكرمة، كما في سنن الترمذي (¬2) فالذي يتجه اتجاهًا واضحًا أن الحمل في هذا الحديث على نزَار، له غُنْمُه وعليه غُرْمُه". اهـ. النكارة: 1 - من أمارات نكارة الخبر: عدم وروده إلا من طرق واهية، مع قيام المقتضى لنقله والاهتمام به: • في "الفوائد المجموعة" (ص 104): حديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- خطب عشية عرفة فقال: أيها الناس: إن الله قد تطول عليكم في مقامكم هذا، فَقَبِلَ من محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله، وفي اليوم الثاني قال: والتبعات فيما بينكم ضمن عوضها من عنده. اهـ. ¬

_ (¬1) هكذا في"التنكيل"، والذي في "الميزان" (3/ 159) تبعًا لما في "الكامل": ما رواه على بن المنذر ثنا ابن فضيل حدثني أبي وعلى بن نزار، عن نزار، عن عكرمة .... قال الذهبي: لكن خولف على بن المنذر فيه، فرواه على بن حرب، حدثنا ابن فضيل، فقال: عن القاسم بن حبيب وعلى بن نزار ..... (¬2) حديث رقم: (2149).

قال الشوكاني: رواه أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعا، وقال: غريب تفرد به عبد العزيز بن أبي رواد، عن نافع، ولم يتابع عليه. وقد أخرجه ابن حبان من طريق مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر. وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من حديث العباس بن مرداس السلمي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا ربه عشية عرفة بالمغفرة لأمته فأجيب. وأخرجه عبد الرزاق في المصنف من حديث عبادة بن الصامت بنحو اللفظ الأول. وفي إسناد أبي نعيم أيضًا عبد الرحيم بن هارون، متروك، وبشار بن بكير، مجهول، وفي إسناد ابن حبان: يحيى بن عنبسة، وضاع. وفي إسناد عبد الله بن أحمد: كنانة بن عباس بن مرداس، منكر الحديث جدًّا. وفي إسناد عبد الرزاق: خلاس بن عمرو، وليس بشيء. وقد حكم ابن الجوزي على هذه الأحاديث بالوضع، ورَدَّ عليه ابنُ حجر في مؤلف سماه: "قوة الحجاج في عموم المغفرة للحجاج" وعارضه في جرح من جرحه من رواة هذه الأحاديث، وقال: قد أخرج أبو داود في سننه طرفا من حديث العباس ابن مرداس، وسكت عليه، فهو صالح عنده، وقال: إنه يدخل في حَدِّ الحسن علي رأي الترمذي، وأنه أخرجه ابن ماجة، والضياء في المختارة، وما ذكر فيها إلا ما صح، فقد صححه. وقال البيهقي بعد إخراجه في الشعب: إن له شواهد كثيرة، وقال: قد جاء من حديث أنس، أخرجه أبو يعلى، وجاء من حديث زيد جد عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد، أخرجه ابن منده في كتاب الصحابة. ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان، وقال: هو باطل، وكذا قال الدارقطني". اهـ. كلام الشوكاني.

نقد الشيخ المعلمي تلك الأسانيد، ووهَّاها جميعا، وأجاب عما سبق ذكره، والذي يعنينا هنا هو قوله في نهاية نقده له: "من تدبر أحاديثَ حَجَّةِ النبي -صلى الله عليه وسلم-، وشِدّةَ عنايةِ الصحابة بنقل جزئياتها، قطع أو كاد يقطع بأن هذه القصة لو وقعت كما تحكيه هذه الأخبار لَنُقِلت متواترة. هذا: وألفاظ الخبر في الروايات مختلفة في المغفرة لمن؟ ظاهر بعضها للمخاطبين، وبعضها للحجاج مطلقًا، وبعضها للأمة كلها، والمعنى الأول ليس بمنكر، والله أعلم. • وفيه (ص 481): حديث: "ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص. فإذا بلغ خمسين ... ". أورده ابنُ الجوزي في "الموضوعات"، لكون أحمد رواه بإسنادٍ فيه يوسف بن أبي ذرة. قال ابن الجوزي: يروي المناكير، ليس بشيء. ورواه أحمد أيضًا بإسناد آخر فيه: الفرج عن محمد بن عامر. قال: ضعيف، منكر الحديث، يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، ومحمد بن عامر يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وشيخه العرزمي ترك الناس حديثه. وفي إسناد أحمد بن منيع: عباد بن عباد المهلبي، قال ابن حبان: كان يحدث بالمناكير فاستحق الترك. وفي إسناد البغوي وأبي يعلي: عزرة بن قيس الأزدي، ضعفه يحيى، وشيخه مجهول. وفي إسناد أبي نعيم: عائذ بن نسير، قال ابن الجوزي: ضعيف. فهذا غاية ما أبداه ابن الجوزي دليلا على ما حكم به من الوضع، وقد أفرط وجازف؛ فليس مثل هذه المقالات توجب الحكم بالوضع، بل أقل أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره.

2 - إلصاق النكارة بمن جرب عليه مثلها

وقد دفع ابن حجر في "القول المسدد" هذه المطاعن التي ذكرها ابن الجوزي .... وله طرق كثيرة أوردها ابن حجر، بعضها: رجاله الصحيح. فقال الشيخ المعلمي: "اعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرةً وفضيلةً للمسنين، وإن كانوا مُفَرِّطِين أو مُسْرِفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعتذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسنادًا جديدًا، أو يُلقنه من يقبل التلقين، أو يُدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتا عن بيان حاله". اهـ. 2 - إلصاق النكارة بمن جُرب عليه مثلها: • وفي ترجمة: عمر بن الحسن أبي الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأشناني من "التنكيل" (170): قال الخطيب: بلغني عن الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يذكر ابن الأشناني، فقلت: سألت عنه أبا على الحافظ فذكر أنه ثقة. فقال: بئس ما قال شيخنا أبو على، ... ورأيت في كتابه عن أحمد بن سعيد الجمال، عن قبيصة، عن الثوري، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: نهى عن بيع الولاء. ولم يذكر الخطيب من بلغه عن الحاكم. وقال الذهبي في (الميزان): "ويروى عن الدارقطني أنه كذاب، ولم يصح هذا" والظاهر أن الذهبي عني هذه الحكاية، وأنها لم تصح؛ للجهالة بمن بلغ الخطيب. ... أما حديث الولاء، فهو متواتر عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، رواه الثوري وعبيد الله بن عمر وجمع كثير عن عبد الله بن دينار. ثم رواه يحيى بن سليم

الطائفي، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، فظنوا أنه وهم، لكن رواه أبو ضمرة ويحيى بن سعيد الأموي، عن عبيد الله، عن عبد الله بن دينار ونافع معًا، عن ابن عمر. وعلى ما في الحكاية رُئِيَ في كتاب ابن الأشناني عن أحمد بن سعيد الجمال، عن قبيصة، عن الثوري، عن عبيد الله، عن نافع، فاستنكر هذا؛ لأنه لم يعرف رواه عن الثوري كذلك. والجواب أنه يحتمل أن يكون الوهم من أحمد بن سعيد الجمال؛ فقد عُرف له شبهُ ذلك، ففي ترجمته في (تاريخ بغداد) (4/ 170) عن قبيصة، عن الثوري، عن عبد الله ابن دينار، عن ابن عمر مرفوعًا: "من أُريد مالُه بغير حق فقاتل دونه فهو شهيد". وذكر الخطيب أن المحفوظ عن الثوري: عن عبد العزيز بن الحسن، عن إبراهيم بن محمد بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعًا. وقال الذهبي في (الميزان): "أحمد بن سعيد الجمال بغدادي صدوق ... تفرد بحديث منكر، رواه عنه أحمد بن كامل وغيره: حدثنا أبو نعيم ثنا هشيم حدثنا عوف عن محمد عن أبي هريرة مرفوعًا: ابن السبيل أول شارب - يعني من زمزم". .. فإذا قد عُرف للجمال مثل هذا، فالأَوْلَى حمل حديث الولاء عليه، وابن الأشناني مكثر لا يستنكر لمثله التفرد عن الجمال هذا". اهـ. * * *

فوائد في المتابعات والشواهد

فوائد في المتابعات والشواهد 1 - لا بد للمتابعة أن تكون ممن يُعتد به: • في حاشية "الفوائد" (ص 349 - 350): ذكر الشيخ المعلمي حديث: "أنا دار الحكمة وعلي بابها" فقال: "رواه محمد بن عمر بن الرومي عن شريك، وابن الرومي ضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وقال أبو حاتم: صدوق قديم، روى عن شريك حديثًا منكرًا. يعني هذا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب: لين الحديث. ووهم من زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما، وأخرجه الترمذي من طريقه، ثم قال: غريب منكر. ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه "الصنابحي". فزعم العلائي أن هذا ينفي تفرد ابن الرومي. ولا يخفى أن كلمة "بعضهم" تَصدُقُ بمن لا يُعتدُّ بمتابعته، ولم يذكر في اللآلىء أحدًا رواه عن شريك غير ابن الرومي إلا عبد الحميد بن بحر، وهو هالك يسرق الحديث، فالحَقُّ أن الخبر غير ثابت عن شريك". اهـ. 2 - لا بد أن يصح السند إلى المتابِع: • في "الفوائد" (ص 481): حديث: ما من معمّر يعمّر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص، فإذا بلغ خمسين ... الحديث.

قال المعلمي: "أَشْبَهُ طرقِه ما في اللآلىء 1/ 75: قال إسماعيل بن الفضل الإخشيد في "فوائده": ثنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر بن المقرىء، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا الصنعاني -هو حفص بن ميسرة- به. يعني: عن زيد بن أسلم، عن أنس مرفوعًا". ثم تكلم المعلمي عن رجال هذا السند واحدًا واحدًا، حتى بلغ مخلدًا، وذكر أنه إن صح أنه روى هذا الحديث، فقد تفرد به عن حفص. ثم قال: فأما ما قيل إن ابن وهب رواه عن حفص، فهذا شيء انفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن رمح، عن ابن وهب. ابن وهب إمام جليل، له أصحاب كثير، منهم منُ وصف بأن لديه حديثه كله، وهما: ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن، وحرملة، ولا ذِكْر لهذا الخبر عندهما، ولا عند أحدهما، ولا عند غيرهما من مشاهير أصحاب ابن وهب، ولابن وهب مؤلفات عدّة رواها عنه الناس وليس هذا فيها. ثم تكلم المعلمي عن ابن رمح، وذكر أنه مقلّ، وأن ابن ماجه روى عنه حديثين غريبين. ثم قال: وبكر حاول ابنُ حجر تقويته، ولم يصنع شيئًا، بكر ضَعَّفَهُ النسائي، ولم يوثقه أحد، وله أوابد، تقدم بعضها في التعليق صفحات 135 و 226 و 245 و 467، وقال الذهبي في ترجمته من"الميزان": "ومن وضعه ... " فذكر قول بكر: هجرت -أي بكرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات. قال الذهبي: فاسمع إلى هذا وتعجب.

3 - رد ما صورته متابعة إذا كان المحفوظ تفرد غير المتابع بتلك الرواية

وأرى أن تفرد بكر عن ابن رمح عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه. فمن هنا لا يصلح هذا متابعة لخبر ابن الأخشيد، ولا خبر ابن الأخشيد متابعة لهذا. اهـ. 3 - رَدُّ ما صورته متابعة إذا كان المحفوظ تفرد غير المتابِع بتلك الرواية: • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: إبراهيم بن أبي الليث من "التنكيل" (7): "الذي يتلخص من مجموع كلامهم: أنهم لم ينقموا عليه شيئًا في سيرته، وأنه كانت عنده أصول الأشجعي التي لا شك فيها، وكان يَذكر أنه سمعها من الأشجعي إلا مواضع، كان يعترف أنه لم يسمعها، فقصده الأئمة أحمد ويحيى وابن المديني وغيرهم يسمعون منه كتب الأشجعي، فكانوا يسمعون منه، ثم حَدَّثَ بأحاديث عن هشيم وشريك وغيرهما من حفظه،: فاستنكروا من روايته عن أولئك الشيوخ أحاديث تفرد بها عنهم، وكان عندهم أنها مما تفرد به غير أولئك الشيوخ. منها حديث رواه عن هشيم عن يعلي بن عطاء، وكان عندهم أنه من أفراد حماد بن سلمة عن يعلى، فتوقف فيه أحمد لهذا الحديث حتى بان له أن غير حماد قد حدث به، وعذره أحمد في بقية الأحاديث، وأما ابن معين فشدد عليه، وتبعه جماعة، واختلف عن ابن المديني، فقيل لم يزل يحدث عنه حتى مات، وقيل بل كف بأخرة ... ". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن يونس الجمال منه (240): قال ابن عدي: ممن يسرق الناس .... فقال الشيخ المعلمي: "ابن عدي إنما رماه بالسرقة لحديث واحد رواه عن ابن عيينة، فذكر ابن عدي أنه حديث حسين الجعفي عن ابن عيينة، يعني أنه معروف عندهم أنه تفرد به حسين

الجعفي عن ابن عيينة، وحسين الجعفي ثقة ثبت، فالحديث ثابت عن ابن عيينة، وقد سمع الجمال من ابن عيينة، فالحكم على الجمال بأنه لم يسمعه وإنما سرقه ليس بالبين، لكن لم أر من وثق الجمال، فهو ممن يستشهد به في الجملة. والله أعلم". اهـ. قال أبو أنس: عَلَّقْتُ على هذا الموضع في القسم الأول من هذا الكتاب بقولي: قد ذكر ابنُ عدي للجمَّال حديثين سوى هذا، قد رواهما الجمَّال بإسنادين وصفهما ابن عدي بأنهما غير محفوظين، أوَّلهُما الذي رواه عنه محمد بن الجهم السمري، وقال عقبه المقالة السالفة (¬1). ثم قال ابن عدي: ولمحمد بن يونس أحاديث أخر من طراز ما ذكرت، وهو ممن يسرق حديث الناس. وابن عديّ من نقاد هذا الفن، وعبارته: "له أحاديث أخر من طراز ما ذكرت" تعني أن الجمال يروي أحاديث سوى ما ذكر ابن عدي بأسانيد غير محفوظة، فمن أين له بها؟ إما أنه يسرقها ويفتعلها، وإما أنها تُدخل عليه، أو غير ذلك. فلما روى عن ابن عيينة ما علم ابن عدي أنه إنما ينفرد به حسين الجعفي، انقدح في ذهن ابن عدي -مع اتهام السمري له وهو من الآخذين عنه- أنه قد سرق هذا الحديث وغيره من الأحاديث التي يرويها بأسانيد غير محفوظة. ولا يُعرف مخالفٌ لابن عدي فيما رَمى به الجمَّال، فمع نَصْبِ ابن عديّ الشواهد على ما قال، فلا محيصَ من إعمال قوله، وعدم الاعتبار بما رواه الجمَّال رأسًا، والله تعالى أعلم. * * * ¬

_ (¬1) يعني قوله: "هو عندي متهم، قالوا: كان له ابن يدخل عليه الأحاديث".

4 - نقد المتن أو النقد الداخلي

الأمر الرابع من المرتبة الثالثة من مراتب نقد الخبر 4 - نقد المتن أو النقد الداخلي 1 - تحقيق المقال في عناية الأئمة بنقد المتن: • ناقش الشيخ المعلمي هذه القضية في جوابه على مزاعم أبي رية، ففي "الأنوار الكاشفة" (ص 5): أن أبا رية ذكر علو قدر الحديث النبوي، ثم قال: "وعلى أنه بهذه المكانة الجليلة والمنزلة الرفيعة، فإن العلماء والأدباء لم يولوه ما يستحق من العناية والدرس، وتركوا أمره لمن يُسَمَّوْن رجال الحديث، يتداولونه فيما بينهم، ويدرسونه على طريقتهم. وطريقة هذه الفئة التي اتخذتها لنفسها قامت على قواعد جامدة، لا تتغير ولا تتبدل، فترى المتقدمين منهم وهم الذين وضعوا هذه القواعد قد حصروا عنايتهم في معرفة رواة الحديث والبحث على قدر الوسع في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك إن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة صحيحًا في نفسه أو غير صحيح، معقولًا أو غير معقول، إذ وقفوا بعلمهم عندما يتصل بالسند فحسب، أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء ... ". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "مراده بقوله "العلماء": المشتغلون بعلم الكلام والفلسفة، ولم يكن منهم أحد في الصحابة والمهتدين بهديهم من علماء التابعين وأتباعهم والذين يلونهم، هؤلاء كلهم ممن سماهم: "رجال الحديث"، ومنهم عامة المشهورين عند الأمة بالعلم والإمامة من السلف.

أولئك كلهم ليسوا عند أبي رية علماء، لأنهم لم يكونوا يخوضون في غوامض المعقول، بل يفرون منها وينهون عنها، ويعدونها زيفًا وضلالًا وخروجًا عن الصراط المستقيم، وقنعوا بعقل العامة! وأقول: مهما تكن حالهم، فقد كانوا عقلاء: العقل الذي ارتضاه الله عز وجل لأصحاب رسوله، ورضيهم سبحانه لمعرفته ولفهم كتابه، ورضي ذلك منهم، وشهد لهم بأنهم {الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا}، {الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}، {خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} وقال لهم في أواخر حياة رسوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. فمن زعم أن عقولهم لم تكن مع تسديد الشرع لها كافيةً وافيةً بمعرفة الله تعالى، وفهم كتابه، ومعرفة ما لا يتم الإيمان ولا يكمل الدين إلا بمعرفته؛ فإنما طعن في الدين نفسه. وكان التابعون المهتدون بهدي الصحابة أقربَ الخلق إليهم عقلًا وعلمًا وهديًا، وهكذا من اهتدى بهديهم من الطبقات التي بعدهم، وهؤلاء هم الذين سماهم أبو رية "رجال الحديث". قد يقال: أما نفي العلم والعقل عنهم فلا التفات إليه، ولكن هل راعوا العقل في قبول الحديث وتصحيحه؟ أقول: نعم، راعوا ذلك في أربعة مواطن: عند السماع (1)، وعند التحديث (2)، وعند الحكم على الرواة (3)، وعند الحكم على الأحاديث (4). فالمتثبتون إذا سمعوا خبرا تمتنعُ صحتُه، أو تبعدُ، لم يكتبوه ولم يحفظوه، فإن حفظوه لم يحدثوا به، فإن ظهرتْ مصلحةٌ لِذِكْرهِ ذكروه، مع القدح فيه، وفي الراوي الذي عليه تبعته.

قال الإمام الشافعي في "الرسالة" (ص 399): "وذلك أن يُستدل على الصدق والكذب فيه بأن يُحدث المحدثُ ما لا يجوز أن يكون مثله، أو ما يخالفه ما هو أثبت وأكثر دلالات بالصدق منه". وقال الخطيب في "الكفاية في علم الرواية" (ص 429): "باب وجوب إخراج المنكر والمستحيل من الأحاديث". وفي الرواة جماعةٌ يتسامحون عند السماع، وعند التحديث، لكن الأئمة بالمرصاد للرواة، فلا تكاد تجد حديثًا بَيِّنَ البطلان إلا وجدت في سنده واحدًا أو اثنين أو جماعة قد جرحهم الأئمة. والأئمةُ كثيرًا ما يجرحون الراوي بخبرٍ واحدٍ منكرٍ جاء به، فضلًا عن خبرين أو أكثر. ويقولون للخبر الذي تمتنعُ صحتُه أو تبعدُ: "منكر" أو"باطل"، وتجد ذلك كثيرًا في تراجم الضعفاء، وكتب العلل والموضوعات. والمتثبتون لا يوثقون الراوي حتى يستعرضوا حديثه وينقدوه حديثا حديثا. فأما تصحيحُ الأحاديث فَهُم به أَعْنَى وأشدُّ احتياطا. نعم، ليس كُلُّ من حُكي عنه توثيقٌ أو تصحيحٌ متثبتًا، ولكن العارف الممارس يميز هؤلاء من أولئك. هذا وقد عَرف الأئمةُ الذين صححوا الأحاديث، أن منها أحاديث تثقل على بعض المتكلمن ونحوهم، ولكنهم وجدوها موافقةً للعقل المعتدِّ به في الدين، مستكملةً شرائط الصحة الأخرى، وفوق ذلك وجدوا في القرآن آيات كثيرة توافقها أو تلاقيها، أو هي من قبيلها، قد ثقلت هي أيضًا على المتكلمين، وقد علموا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يدين بالقرآن ويقتدي به، فمن المعقول جدًّا أن يجيء في كلامه نحو ما في القرآن من تلك الآيات.

من الحقائق التي يجب أن لا يُغفل عنها أن الفريق الأول، وهم: الصحابة ومن اهتدى بهديهم من التابعين وأتباعهم ومن بعدهم عاشوا مع الله ورسوله، فالصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- وهديه ومع القرآن، والتابعون مع القرآن والصحابة والسنة وهلم جرا. وإن الفريق الثاني، وهم: المتكلمون والمتفلسفون ونحوهم عاشوا مع النظريات والشبهات والأغلوطات والمخاصمات. والمؤمن يعلم أن الهدى بيد الله، وأنه سبحانه إذا شَرع إلى الهدى سبيلًا، فالعدول إلى غيره لن يكون إلا تباعدًا عنه، وتعرضًا للحرمان منه. وبهذا جاء القرآن، وعليه تدل أحوالُ السلف، واعترافُ بعض أكابرهم في أواخر أعمارهم. والدقائقُ الطبيعية شيء، والحقائق الدينية شيء آخر، فمن ظَنَّ الطريقَ إلى تلك طريقًا إلى هذه، فقد ضل ضلالًا بعيدًا. واعلم أن أكثر المتكلمين لا يَرُدُّون الأحاديث التي صححها أئمة الحديث، ولكنهم يتأولونها، كما يتأولون الآيات التي يخالفون معانيها الظاهرة. لكن بعضهم رأى أن تأويل تلك الآيات والأحاديث تَعَسُّفٌ ينكره العارف باللسان وبقانون الكلام وبطبيعة العصر النبوي، والذي يخشونه من تكذيب القرآن لا يخشونه من تكذيب الأحاديث، فأقدموا عليه وفي نفوسهم ما فيها، ولهم عدة مؤلفات في تأويل الأحاديث أو ردّها -قد طبع بعضها- فلم يهملوا الأحاديث كما زعم أبو رية. (و) قول أبي رية: "والأدباء" يعني بهم: علماء البلاغة، يريد أنهم لم يتصدوا لنقد الأحاديث بمقتضى البلاغة. قال في (ص 6): ولما وصلت من دراستي إلى كتب الحديث، ألفيت فيها من الأحاديث ما يبعد أن يكون في ألفاظه أو معانيه أو أسلوبه من محكم قوله وبارع منطقه صلوات الله عليه ... ومما كان يثير عجبي أني إذا قرأتُ كلمةً لأحدِ أجلاف

العرب أهتز لبلاغتها، وتعروني أريحية من جزالتها، وإذا قرأت لبعض ما يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من قولٍ لا أجد له هذه الأريحية ولا ذاك الاهتزاز، وكنت أعجب كيف يصدر عنه صلوات الله عليه مثل هذا الكلام المغسول من البلاغة، والعاري عن الفصاحة، وهو أبلغ مَنْ نَطق بالضاد، أو يأتي منه مثل تلك المعاني السقيمة، وهو أحكم من دعا إلى رشاد. أقول: أما الأحاديث الصحيحة، فليست هي بهذه المثابة، والاهتزاز والأريحية مما يختلف باختلاف الفهم والذوق والهوى، ولئن كان صادقًا في أن هذه حاله مع الأحاديث الصحيحة، فلن يكون حاله مع كثير من آيات القرآن وسوره إلا قريبًا من ذلك. هذا، والبلاغةُ مطابقةُ الكلام لمقتضى الحال، والنبي -صلى الله عليه وسلم- كان همُّه إفهامَ الناس وتعليمَهم على اختلاف طبقاتهم، وقد أمره الله تعالى أن يقول: {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}. والكلماتُ المنقولةُ عن العرب ليست بشيء يُذكر بالنسبة إلى كلامهم كله، وإنما نُقلت لطرافتها، ومقتضى ذلك أنه لم يُستطرف من كلامهم غيرها. وكذلك المنقول من شِعْرهم قليل، وإنما نُقل ما استُجيد، والشِّعْر مظنةُ التصنع البالغ، ومع ذلك قد تَقرأُ القصيدةَ فلا تهتز إلا للبيت والبيتين. ثم إن كثيرًا مما نُقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم- روي بالمعنى كما يأتي. فأما سقم المعنى فقد ذكر علماء الحديث أنه من علامات الموضوع، كما نقله أبو رية نفسه (ص 104). وذكر ابن أبي حاتم في تقدمة "الجرح والتعديل" (ص 351) في علامات الصحيح: "أن يكون كلامًا يصلح أن يكون من كلام النبوة"، فإن كان أبو رية يستسقم معاني الأحاديث الصحيحة، فَمِنْ نفسِه أُتي. ومن يكُ ذا فَمٍ مُرٍّ مريض ... يجد مُرًّا به العَذْبَ الزُّلالا

قوله: "أما المعنى فلا يعنيهم من أمره شيء". كذا قال، وقد أسلفتُ أن رعايتهم للمعنى سابقة، يراعونه عند السماع، وعند التحديث، وعند الحكم على الراوي، ثم يراعونه عند التصحيح، ومنهم من يتسامح في بعض ذلك، وهم معروفون كما تقدم. وقد قال أبو رية (ص 104): "ذكر المحققون أمورًا كُلِّيَّةً يُعرف بها أن الحديث موضوع ... " فذكر جميع ما يتعلق بالمعنى - نقلًا عنهم. فإن قال: ولكن مصححي الأحاديث لم يراعوا ذلك. قلت: أما المتثبتون كالبخاري ومسلم، فقد راعوا ذلك، بلى في كل منهما أحاديثُ يسيرة انتقدها بعض الحفاظ أو ينتقدها بعض الناس، ومرجع ذلك إما إلى اختلافِ النظر، وإما إلى اصطلاحٍ لهما يغفل عنه المنتقد، وإما إلى الخطأ الذي لا ينجو منه بشر، وقد انتُقدت عليهما أحاديثُ من جهة السند، فهل يقال لأجل ذلك إنهما لم يراعيا هذا أيضًا؟ ... وقال (ص 6): "أسباب تصنيف هذا الكتاب ... " الخ، إلى أن قال: "ومما راعني أنى أجد في معاني كثير من الأحاديث ما لا يقبله عقل صريح". أقول: لا ريب أن في ما يُنسب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأخبار ما يرده العقل الصريح، وقد جمع المحدثون ذلك وما يقرب منه في كتب الموضوعات، وما لم يذكر فيها منه فلن تجد له إسنادًا متصلًا إلا وفي رجاله ممن جرحه أئمة الحديث رجل أو أكثر، وزَعْمُ أن في الصحيحين شيئًا من ذلك سيأتي النظر فيه، وقد تقدمت قضية العقل. قال: "ولا يثبته علم صحيح ولا يؤيده حس ظاهر أو كتاب متواتر". أقول: لا أدري ما فائدة هذا، مع العلم بأن ما يثبته العلم الصحيح أو يؤيده الحس الظاهر لابد أن يقبله العقل الصريح، وأن القرآن لا يؤيد ما لا يقبله العقل الصريح". اهـ.

• وفي "الأنوار" أيضا (ص 262): قال أبو رية (ص 300): "المحدثون لا يعنون بغلط المتون، والمحدثون قلما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه واقعًا في نفس المتن، لأن ذلك ليس من شأنهم من جهة كونهم محدثين، وإنما هو من شأن المجتهدين، وإنما يحكمون على الحديث بالاضطراب إذا كان الاختلاف فيه في نفس الإسناد؛ لأنه من شأنهم". فقال الشيخ المعلمي: "الاختلاف في المتن على أضرب: الأول: ما لا يختلف به المعنى، وهذا ليس باضطراب. الثاني: ما يختلف به معنى غير المعنى المقصود، وهذا قريبٌ من سابقه، ومنه القضيةُ التي استدل بها أبو رية في عِدَّةِ مواضع، يحسب أنه قد ظفر بقاصمة (¬1) الظهر للحديث النبوي! وهي الاختلاف والشك في الصلاة الرباعية التي سها فيها النبي -صلى الله عليه وسلم-، فسلم من ركعتين، فنبهه ذو اليدين، فوقع في رواية: "إحدى صلاتي العشي"، وفي رواية: "الظهر"، وفي أخرى: "العصر"، فالأخريان مختلفتان، لكن ذلك لا يوجب اختلافًا في المعنى المقصود؛ فإن حكم الصلوات في السهو واحد. الثالث: ما يختلف به معنى مقصود، لكن في الحديث معنى آخر مقصود، لا يختلف، كقصة المرأة التي زوجها النبي -صلى الله عليه وسلم- رجلًا بأن يعلمها ما معه من القرآن، وقد تقدمت (ص 59). الرابع: ما يختلف به المعنى المقصود كله، فهذا إن صح السند بالوجهين، وأمكن الترجيح، فالراجح هو الصحيح، وإلا فالوقف، والغالب أن البخاري ومسلمًا ينبهان على الترجيح بطرق يعرفها من مارس الصحيحين، وكذلك كتب السنن ¬

_ (¬1) في المطبوع بالسين، وهو تحريف.

يكثر فيها بيان الراجح، لكن قد لا يتبين لأحدهم، فيرى أن عليه إثبات الوجهين يحفظهما لمن بعده، فَرُبَّ مبلَّغٍ أوعى من سامع. ... وقال: "لو انتُقدت الرواية من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنقض". اهـ. أقول: هذه دعوى إجمالية، والعبرة بالنظر في الجزئيات، فقد عرفنا من محاولي النقد أنهم كثيرًا ما يدَّعُون القطع حيث لا قطع، ويدَّعُون قطعًا يكذبه القرآن، ويقيمون الاستبعاد مقام القطع، مع أن الاستبعاد كثيرًا ما ينشأ عن جهلٍ بالدين، وجهل بطبيعته، وجهلٍ بما كان عليه الحال في العهد النبوي، وكثيرًا ما يسيئون فهم النصوص. وقال (ص 303): "وقد تعرض كثير من أئمة الحديث للنقد من جهة المتن، إلا أن ذلك قليل جدًّا بالنسبة لما تعرضوا له من النقد من جهة الإسناد". اهـ. أقول: من تَتَّبعَ كتبَ تواريخ رجال الحديث وتراجمهم وكتب العلل، وجد كثيرًا من الأحاديث يُطلق الأئمة عليها: "حديث منكر". "باطل". "شبه الموضوع". "موضوع"، وكثيرًا ما يقولون في الراوي: "يحدث بالمناكير". "صاحب مناكير". "عنده مناكير". "منكر الحديث"، ومن أَنْعَمَ النظرَ وجد أكثر ذلك من جهة المعنى. ولما كان الأئمة قد راعوا في توثيق الرواة النظر في أحاديثهم والطعن فيمن جاء بمنكر، صار الغالب أن لا يوجد حديثٌ منكرٌ إلا وفي سنده مجروح، أو خلل. فلذلك صاروا إذا استنكروا الحديثَ نظروا في سنده، فوجدوا ما يُبين وهنَهُ فيذكرونه، وكثيرًا ما يستغنون بذلك عن التصريح بحال المتن، انظر موضوعات ابن الجوزي وتدبر، تجده إنما يعمد إلى المتون التي يرى فيها ما ينكره، ولكنه قلَّما يصرح

2 - نماذج من نقد الشيخ المعلمي لمتون بعض الأحاديث

بذلك، بل يكتفي غالبًا بالطعن في السند، وكذلك كتب العلل وما يعل من الأحاديث في التراجم، تجد غالب ذلك مما يُنكر متنُه، ولكن الأئمة يستغنون عن بيان ذلك بقولهم: "منكر"، أو نحوه، أو الكلام في الراوي، أو التنبيه على خلل في السند؛ كقولهم: "فلان لم يلق فلانًا". "لم يسمع منه". "لم يذكر سماعًا". "اضطرب فيه". "لم يتابع عليه". "خالفه غيره". "يُروى هذا موقوفًا وهو أصح"، ونحو ذلك". اهـ. 2 - نماذج من نقد الشيخ المعلمي لمتون بعض الأحاديث: • في "الأنوار الكاشفة" (ص 68): قال أبو رية (ص 8): "وكان علي يستحلف الصحابي على ما يرويه له". فقال الشيخ المعلمي: "هذا شيء تفرد به أسماء بن الحكم الفزاري، وهو رجل مجهول. وقد ردَّهُ البخاري وغيره، كما في ترجمة أسماء من "تهذيب التهذيب". .. على أنه لو فُرض ثبوتُه، فإنما هو مزيد احتياط، لا دليل على اشتراطه. هذا، ومن المتواتر عن الخلفاء الأربعة أن كلا منهم كان يقضي ويفتي بما عنده من السنة بدون حاجة إلى أن تكون عند غيره، وأنهم كان ينصبون العمال من الصحابة وغيرهم ويأمرونهم أن يقضي ويفتي كل منهم بما عنده من السنة بدون حاجة إلى وجودها عند غيره. هذا مع أن المنقول عن أبي بكر وعمر وجمهور العلماء أن القاضي لا يقضي بعلمه. قال أبو بكر: "لو وجدت رجلًا على حَدٍّ ما أقمته عليه حتى يكون معي غيري"، وقال عكرمة: قال عمر لعبد الرحمن بن عوف: لو رأيت رجلًا على حد زنا أو سرقة وأنا أمير؟، فقال: "شهادتك شهادة رجل من المسلمين"، قال: "صدقت". (راجع فتح الباري 13: 139 و 141).

ولو كان عندهم أن خبر الواحد العدل ليس بحجة تامة لما كان للقاضي أن يقضي بخبر عنده حتى يكون معه غيره، ولا كان للمفتي أن يفتي بحسب خبر عنده ويلزم المستفتي العمل به حتى يكون معه غيره. فتدبر هذا، فإنه إجماع، وقد مضي به العمل في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفيه الغنى". اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 55): حديث: "إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين". أخرجه البيهقي والبزار من حديث أبي هريرة بنحوه. وأخرج سعيد بن منصور حديثا آخر مرسل. تكلم الشيخ المعلمي على أسانيدها وبين ضعفها، ثم قال: "مما يُريب في الخبر من أصله أن أمهاتِ المؤمنين لم يَذْكُرْنَ شيئًا من ذلك من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم". اهـ. قال أبو أنس: يعني أنه إذا كان الأمر كذلك من فضيلة تلك الركعتين، حتى يأمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويحث عليها، لكان النبي -صلى الله عليه وسلم- أحرى بصلاتهما، ولو صلاهما، لكان أولى الناس بنقلها: أزواجه -صلى الله عليه وسلم-، الذي كان يدخل عليهن بالليل والنهار. • وفيه (ص 350): حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوحَى إليه، ورأسه في حجر علي، فلم يصل العصر حتى غربت الشمس. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صليت؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غربت، ثم رأيتها طلعت بعدما غربت". اهـ.

نقد الشيخ المعلمي أسانيده، وبَيَّنَ وَهاءَها جميعا، ثم قال: "هذه القصة أنكرها أكثر أهل العلم لأوجهٍ؛ الأول: أنها لو وقعت لنُقلت نقلًا يليق بمثلها. الثاني: أن سنة الله عز وجل في الخوارق أن تكون لمصلحةٍ عظيمةٍ، ولا يظهر هنا مصلحةٌ، فإنه إن فُرض أن عليًا فاتته صلاةُ العصر كما تقول الحكاية، فإن كان ذلك لعذرٍ، فقد فاتت النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاةُ العصر يوم الخندق لعذرٍ، وفاتته وأصحابه صلاةُ الصبح في سفر، فصلاهما بعد الوقت، وبَيَّنَ أنَّ ما وقع لعذرٍ فليس فيه تفريطٌ. وجاءت عدةُ أحاديث في أن من كان يحافظ على عبادةٍ، ثم فاتته لعذر، يكتب الله لا له أجرها كما كان يؤديها، وإن كان لغير عذر فتلك خطيئة إذا أراد الله تعالى مغفرتها لم يتوقف ذلك على إطلاع الشمس من مغربها، ولا يظهر لإطلاعها معنى، كما أنه لو قتل رجل آخر ظلمًا ثم أحيا الله المقتول، لم يكن في ذلك ما يكفر ذنب القاتل. الثالث: أن طلوع الشمس من مغربها آيةٌ قاهرةٌ، إذا رآها الناس آمنوا جميعًا، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وبذلك فُسِّر قولُ الله عز وجل {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية، فكيف يقع مثل هذا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا يُنقل أنه ترتب عليه إيمان رجل واحد؟ ". اهـ. • وفيه (ص 240). حديث: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقول في دعائه: اللهم أحيني مسكينا، وأمتني مسكينا، واحشرني في زمرة المساكين". فقال الشيخ المعلمي (ص 242): "لم يكن -صلى الله عليه وسلم- مسكينًا قَطّ بالمعنى الحقيقي؛ أما في صغره فقد ورث من أبويه أشياء، ثم كفله جَدُّه وعمُّه، ثم لما كبر أخذ يتجر ويكسب المعدوم، ويُعين على

نوائب الحق، كما وصفته خديجة -رضي الله عنها-، وقد امتن الله عليه بقوله {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} والعائل: المُقِلّ، لم يكن ليسأل الله تعالى أن يزيل عنه هذه النعمة التي امتن بها عليه. أما ما كان يتفق من جوعه وجوع أهل بيته بالمدينة، فلم يكن ذلك مسكنة، بل كان يجيئه المالُ الكثير، فينفقه في وجوه الخير منتظرًا مجيء غيره، فقد يتأخر مجيء الآخر، وليس هذا من المسكنة". اهـ. • وفيه (ص 470): حديث: "من ولد له ثلاثة أولاد، فلم يُسم أحدهم محمدًا فقد جهل". وهَّاه الشيخ المعلمي، وقال: "قد ولد للنبي -صلى الله عليه وسلم- أولادٌ، فلم يُسم أحدًا منهم محمدًا، وكذا ولد لعلي من فاطمة فلم يُسم النبي -صلى الله عليه وسلم- أحدهم محمدًا، وولد للعباس عشرة فلم يسم محمدًا، ومثل هذا كثير". اهـ. • وفيه (ص 278): حديث: "إذا حُدِّثْتُم عني بحديث يوافق الحق، فخذوا به حَدثت أو لم أحدث". قال الشيخ المعلمي بعد نقد أسانيده (282): "على فرض صحة الخبر، فلا سبيلَ إلى أن يُفهم منه ما تدفعه القواطع، فمن المقطوع به: أن معارف الناس وآراءهم وأهواءهم تختلف اختلافًا شديدًا، وأن هناك أحاديث كثيرة، تقبلها قلوب، وتنكرها قلوب. وبهذا يُعلم أن ما يعرض للسامع من قبول واستبشار، أو نفور واستنكار، قد يكون حيث ينبغي، وقد يكون حيث لا ينبغي، وإنما هذا -والله أعلم- إرشاد إلى ما يستقبل به الخبر عند سماعه.

وقد يكون منشأ ذلك: أن المنافقين كانوا يرجفون بالمدينة ويشيعون الباطل، فقد يشيعون ما إذا سمعه المسلمون، وظنوا صدقه ارتابوا في الدين، أو ظنوا السوء برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأُرشدوا إلى ما يدفع عنهم بادرة الارتياب، وظن السوء، مع العلم بأن بادىء الظن ليس بحجة شرعية، فعليهم النظر والتدبر، والأخذ بالحجج المعروفة، والله الموفق". اهـ. • وفيه (ص 458): حديث: "أنه قَلَّ الجرادُ في سَنة من سني عمر التي ولي فيها، فسأل عنه، فلم يُخبَر بشيء، فاغتم لذلك، فأرسل راكبًا إلى اليمن، وراكبًا إلى الشام، وراكبًا إلى العراق يسأل: هل رُئي من الجراد شيء أم لا؟ فأتاه الراكب من قبل اليمن بقبضة من الجراد، فألقاها بين يديه، فلما رآها كبَّر ثلاثا، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: خلق الله عز وجل ألف أُمَّة منها: ستمائة في البحر، وأربعمائة في البر. فأول شيء يهلك من هذه الأمم: الجراد، فإذا هلكت تتابعت مثل النظام إذا قطع سلكه". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: " .. الخبر منكر جدًّا، والأمم أكثر مما ذُكر، وقد انقرض منها أنواع، ومنها ما يتوقع انقراضه قبل الجراد". اهـ. • وفيه (ص 186): حديث: "كلوا البلح بالتمر، فإن الشيطان إذا رآه غضب، وقال: عاش ابن آدم حتى أكل الجديد بالخلق". قال الشيخ المعلمي: " ... هو بسند كالشمس، ومتنه ركيك، فالظاهر أن أبا زكير غلط فى إسناده، سمعه من بعض القُصَّاص، فتوهم أنه سمعه بذاك السند، والله أعلم". اهـ.

• وفيه ص (429): حديث: أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها. ... روى أحمد في المسند من حديث أنس مرفوعًا: عسقلان أحد العروسين ... أورده ابن الجوزي في الموضوعات. وقال في إسناده: أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة. وقال ابن حجر في القول المسدد: وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل، فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه. وطريق الإمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام. قال الشوكاني: هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر، وخروج من الإنصاف. فإن كون الحديث في فضائل الأعمال، وكون طريقة أحمد: معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا، ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع. ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلا. فإن كان ابن حجر يسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي ... فقال الشيخ المعلمي: ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوب قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي، كأن يكون مما يحيله الشرع أوالعقل.

وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني. وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر، ليس معناه من جنس المعاني التي عني النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيانها، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا؛ فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرا عظيما، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغب الناس في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى. اهـ. وفيه ص (218): حديث: ما حسن الله خُلق رجل وخَلقه فأطعم لحمه النار. في إسناده: عاصم بن علي، قيل: ليس بشيء، ورُدَّ بأنه أخرج له البخاري في صحيحه ووثقه الناس. وروي من حديث أبي هريرة وأنس. وفي إسنادهما: مقال، فالحديث إذا لم يكن حسنًا فهو ضعيف، وليس بموضوع. فقال الشيخ المعلمي بعد أن نقد أسانيده: المدار على المعنى. اهـ. • وفيه ص (304): حديث: لا تقولوا سورة البقرة ولا سورة آل عمران، ولا سورة النساء، وكذلك القرآن كله. رواه ابن قانع عن أنس مرفوعا. وقال أحمد: هو حديث منكر، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات. قال ابن حجر: أفرط ابن الجوزي في إيراد هذا الحديث في الموضوعات. ولم يذكر مستنده إلا قول أحمد [وتضعيف عبيس]، وهو لا يقتضى الوضع.

فقال الشيخ المعلمي: "لكنه انضم إلى ذلك ما تواتر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه من إطلاق (سورة البقرة) وإنما تنطع في ذلك الحجاج بن يوسف كما في حديث رمي الجمرة في الصحيحين". اهـ. • وفي "الأنوار الكاشفة" (ص 39): قال أبو رية: "وعن يحيى بن جعدة أن عمر بن الخطاب أراد أن يكتب السنة، ثم بدا له أن لا يكتبها، ثم كتب إلى الأمصار من كان عنده شيء فليمحه". فقال الشيخ المعلمي: "هذا منقطع، يحيى بن جعدة لم يدرك عمر، وزيادته منكرة، لو كتب عمر إلى الأمصار لاشتهر ذلك، وعنده علي وصحيفته، وعند عبد الله بن عمرو صحيفة كبيرة مشهورة". اهـ. قال أبو أنس: يعني أن ما كان في متناول يد عمر من صحيفة علي وعبد الله بن عمرو أَوْلى أن يمحوه - لو صح هذا، لكن بقاءهما واشتهارهما دليلٌ على أن شيئا من ذلك لم يكن، والله تعالى أعلم. • وفيها أيضا (ص 54): قال أبو رية: روى ابن عساكر (¬1) عن [إبراهيم بن] عبد الرحمن بن عوف قال: والله ما مات عمر بن الخطاب حتى بعث إلى أصحاب رسول الله، فجمعهم من الآفاق: عبد الله بن حذيفة (¬2)، وأبا الدرداء، وأبا ذر، وعقبة بن عامر، قال: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: تنهانا؟ قال: [لا]، أقيموا ¬

_ (¬1) (40/ 500). (¬2) في التاريخ: "عبد الله وحذيفة".

عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم، فما فارقوه حتى مات (¬1). فقال الشيخ المعلمي: "أخذ أبو رية هذا من كنز العمال (1: 239) وأسقط منه ما أضفته بين حاجزين. وفي خطبة كنز العمال 1: 3 أن كل ما عُزي فيه إلى تاريخ ابن عساكر فهو ضعيف، وعبد الله بن حذيفة غير معروف، إنما في الصحابة عبد الله بن حذافة، وهو مقل جدًّا لا يثبت عنه حديث واحد، فلا يصلح لهذه القصة. وفي سماع إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف من عمر خلاف، والظاهر أنه لا يثبت (¬2). ثم إن هؤلاء النفر لم يكونوا جميع الصحابة، بل كان كثير جدًّا من الصحابة في الأمصار والأقطار يحدثون". اهـ. • وفي "عمارة القبور" ص (153 - 156): "البخاري في "صحيحه" تعليقا: "لما مات الحسن بن علي ضربت امرأته القبة على قبره سَنَة، ثم رُفعت، فسمعت صائحا يقول: ألا هل وجدوا ما فقدوا، فأجابه آخر: بل يئسوا فانقلبوا". قال المعلمي: "علقه البخاري بصيغة الجزم، وقد قالوا: إن ما كان كذلك فهو محمول على أنه صح لديه في الجملة، أي: إما على شرطه، وإما على شرط غيره على الأقل، وفي هذا إجمال؛ فإن من الأئمة الذين يصدق عليهم أنهم غيره من يتساهل في التصحيح. ¬

_ (¬1) هو من طريق يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، أخبرني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه. ويونس منكر الحديث، كما قاله غير واحد. (¬2) انظر ترجمة إبراهيم في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (18) ص (159)، وقد وضعت في حاشيتها بحثا فراجعه.

ومع هذا فقد يصحح أحدهم لمن يكذبه غيره، فلابد من النظر في رجال السند. وقد راجعنا "فتح الباري" فذكر فيه ما لفظه: (3/ 161). "أي: الخيمة، فقد جاء في موضع آخر بلفظ الفسطاط، كما رويناه في الجزء السادس عشر من حديث الحسين بن إسماعيل بن عبد الله المحاملي رواية الأصبهانيين عنه". وفي كتاب ابن أبي الدنيا في "القبور" من طريق المغيرة بن مقسم قال: "لما مات الحسن ابن الحسن ضربت امرأته على قبره فسطاطًا، فأقامت عليه سنة فذكر بنحوه". ولا ندري ما حال السندين إلا أن المغيرة بن مقسم كان أعمى ومدلسا. وقد ذكر البخاري هذه القصة في (باب: ما يكره من اتخاذ المساجد على القبور). قال في "الفتح": "ومناسبة هذا الأثر لحديث الباب أن المقيم في الفسطاط لا يخلو عن الصلاة هناك، فيلزم اتخاذ المسجد عند القبر، وقد يكون القبر في جهة القبلة فتزداد الكراهة. وقال ابن المنير: إنما ضربت الخيمة هناك للاستمتاع بالميت بالقرب منه؛ تعليلًا للنفس، وتخييلا باستصحاب المألوف من الأُنس، ومكابرة للحس .. فجاءتهم الموعظة على لسان الهاتفين بتقبيح ما صنعوا .. الخ". أقول: تعقبه بعضهم بأن الظاهر أنها إنما ضربت الخيمة للاجتماع لقراءة القرآن، وهذا مع كونه ممنوعًا -أيضًا- مردود بقول الهاتفين: "هل وجدوا ما فقدوا، بل يئسوا فانقلبوا". فالقصة فيها زِراية على زوجة الحسن، وهي كما في الفتح، فاطمة بنت الحسين بن علي -رضي الله عنهم-، بل وعلى أهل البيت الموجودين حينئذ كلهم. فالذي عندي أن هذه القصة لا تصح، فإن أهل البيت أعلم بالله عز وجل، وأكمل عقولا، وأثبت قلوبًا، من أن يقع لهم مثل هذه القصة.

وفي الحديث: "لعن زوارات القبور"، أي: المكثرات لزيارتها، وضرب الخيمة على القبر، والإقامة فيها سَنَة، أبلغ من إكثار الزيارة، وأهل البيت أَوْلى من يُنزه عن ذلك. هذا مع علمنا أن مثل هذا لا تقوم به حجة، بل القصة بنفسها في ذكر كلام الهاتفين تدل على قبح ذلك الصنع، ولكن رأينا حقا علينا الذب عن أهل البيت -رضي الله عنهم-. اهـ. • وفيه أيضا ص (157): البخاري في "صحيحه" تعليقًا -أيضًا- في (باب: الجريد على القبر): وقال خارجه بن زيد: رأيتني ونحن شبان في زمن عثمان -رضي الله عنه- إن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يُجاوزه. قال في "الفتح": "وقد وصله المصنف في "التاريخ الصغير"، من طريق ابن إسحاق". أقول: قال في "التاريخ الصغير" ص (23) طبعة إله آباد: "وحدثنا عمرو بن محمد، حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري، قال: سمعت خارجة بن زيد بن ثابت: رأيتني ونحن غلمان شبان زمن عثمان، وأن أشدنا وثبة الذي يثب قبر عثمان بن مظعون حتى يجاوزه". وقد مر قريبًا الكلام على ما يعلقه البخاري بصيغة الجزم، وأنه لا يغني ذلك عن النظر في سنده وقد عُلم هاهنا سنده. فأقول: شيخ ابن إسحاق لم أر له ترجمة، وابن إسحاق كما تقدم في حديث فضالة أنه قال الذهبي: "ما انفرد به ففيه نكارة؛ فإن في حفظه شيئًا". ولا نعلم أحدًا تابعه في هذا الأثر، ولا ثَم قرينة تدل على حفظه، ينجبر بها تفرده، ففي الأثر نكارة.

بل على القول بأنه يُفهم منه رفع القبر فوق الشبر شذوذ، إذ المعروف المشهور أن القبور لم تكن ترفع في ذلك العصر. بل نفس قبر عثمان بن مظعون ورد "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وضع حجرًا، وقال: أعلم به قبر أخي". وأسلفنا أن ذلك يدل أنه لم يرفع عن وجه الأرض. ومع ذلك فيبعد جدا أن يخرج الشبان من أولاد الصحابة يتواثبون على قبر رجل من أفاضل السابقين، بحيث أنه لا يجاوز القبر إلا أشدهم وثبة، وغالبهم تقع وثبته على القبر، مع أن بجواره من قبور أبناء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قبر إبراهيم وغيره. نعم، قد كان بعض الصحابة والتابعين، ومنهم خارجة لا يرون بأسًا بالجلوس على القبور، ولكن أين الجلوس من التوثب، وقد كان أبناء الصحابة -رضي الله عنهم- بغاية التمسك بالآداب الشرعية، ولا سيما مثل خارجة بن زيد. 5 - وفي تهذيب التهذيب في ترجمة خارجة: قال ابن نمير وعمرو بن علي: مات سنة 99 هـ، وقال ابن المديني وغير واحد: مات سنة مائة. اهـ. فالأكثر كما ترى أنه مات سنة مائة. وقال ابن عساكر في "تاريخه": "الصحيح الذي عليه أكثر الروايات أنه توفي سنة مائة" وذكر قبل ذلك ما لفظه: "وقال العجلي: خارجة مدني .. وقال: رأيت في المنام كأني بنيت سبعين درجة، فلما فرغت منها تهورت، وهذه السنة لي سبعون سنة قد أكملتها، فمات فيها". أقول: وقد ذكر هذه القصة ابن سعد في "الطبقات" من روايته عن الواقدي بسنده ونقلها عنه ابن خلكان، فإن صح هذا، كان مولده سنة (30 هـ)، فيكون سنه يوم قتل عثمان نحو خمس سنين؛ لأن عثمان قتل سابع ذي الحجة سنة 35 هـ. فكيف يكون من الشبان زمن عثمان. اهـ.

المرتبة الرابعة: النظر في الأدلة الأخري مما يوافق الخبر أو يخالفه

المرتبة الرابعة: النظر في الأدلة الأخري مما يوافق الخبر أو يخالفه وهذه تشتمل على: قواعد الجمع والترجيح بين الروايات المتعارضة. تُنظر نماذج من طريقة المعلمي في هذا في ملحق "المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد" في آخر هذا القسم، وفي الجزء الثاني من "التنكيل" وهو "البحث مع الحنفية في سبع عشرة قضية". * * *

الباب الثالث: فوائد وقواعد في الجرح والتعديل وفنون من علم الرجال

الباب الثالث: فوائد وقواعد في الجرح والتعديل وفنون من علم الرجال يشتمل هذا الباب على مقدمة وثلاثة فصول: أما المقدمة: فهي محاضرة للعلامة المعلمي ألقاها في أهمية علم الرجال. وأما الفصول فهي: الفصل الأول: قواعد النظر في كتب الفن لتعيين الرواة والبحث عن أحوالهم والحكم عليهم. الفصل الثاني: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف في الجرح والتعديل. ويشتمل هذا الفصل على مطالب: المطلب الأول: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف عامة. المطلب الثاني: ألفاظ وأوصاف ظاهرها الجرح، لكنها ربما لا تقتضيه، إذا دلت القرائن على ذلك. المطلب الثالث: ألفاظ وأوصاف ظاهرها التعديل وربما لا تقتضيه. الفصل الثالث: قواعد ومسائل وفوائد في الجرح والتعديل. * * *

مقدمة الشيخ المعلمي في أهمية علم الرجال

مقدمة الشيخ المعلمي في أهمية علم الرجال قال العلامة المعلمي: "الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. إنه قد استقر في الأذهان، واستغنى عن إقامة البرهان: ما للعلم من الشرف والفضيلة، وأنه هو الوسيلة لرفع الإنسان في المعنى عما ارتفع عنه في الصورة من البهائم. * * * ومما لا نزاع فيه أن العلوم تتفاوت في مقدار ذلك الشرف، منها الشريف والأشرف، والمهم والأهم. ومهما يُتصور لعلوم الفلسفة، والطبيعيات، والرياضيات، والأدبيات، والصناعيات، وغيرها من العلوم الكونيات -مهما يُتصور لها من الشرف والفضيلة، والمرتبة الرفيعة- فإنها لا تداني في ذلك العلم -الذي مع مشاركته لها في ترقية المدارك، وتنوير العقول- ينفرد عنها بإصلاح الأخلاق، وتحصيل السعادة الأبدية، وهو علم الدين. مهما ترقى الإنسان في الصنائع والمعارف الكونية، وتسهيل أسباب الراحة، فإن ذلك إن رَفَعَهُ عن البهيمية من جهةٍ، فإنه ينزل به عنها من جهةٍ أخرى، ما لم تتطهر أخلاقه، فيتخلق بالرأفة والرحمة والإيثار والعفة والتواضع والصدق والأمانة والعدل والإحسان، وغيرها من الأخلاق الكريمة. * * *

كل من كان له وقوف على الأمم والأفراد في هذا العصر، علم أنه بحقٍّ يُسَمَّى عصر العلم، ولكنه يرى أنه مع ذلك يجب أن يُسَمَّى -بالنظر إلى تدهور الأخلاق- اسما آخر .. النفوس الأرضية تربةٌ، من شأنها أن تنبت الأخلاق الذميمة ما لم تُسْقَ بماء الإيمان الطاهر، وتشرق عليها شمس العلم الديني الصحيح، وتَهُبُّ عليها رياح التذكير الحكيم. فأي أرضٍ أُمحلت من ذلك الماء، وحُجب عنها شعاع تلك الشمس، وسُدت عنها طرق تلك الرياح، كان نباتها كما قال الملائكة عليهم السلام: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة: 30]. * * * للدين -وهو الإسلام- ينبوعان عظيمان: كتاب الله عز وجل، وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. * * * السنة عبارة عما ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأقوال والأفعال وغيرها، مما هو تبيينٌ للقرآن، وتفصيلٌ للأحكام، وتعليمٌ للآداب، وغير ذلك من مصالح المعاش والمعاد. * * * أول من تلقى السنة هم الصحابة الكرام، فحفظوها وفهموها، وعلموا جملتها وتفصيلها، وبَلَّغُوها -كما أُمروا- إلى من بعدهم. ثم تلقَّاها التابعون، وبلَّغُوها إلى مَنْ يليهم ... وهكذا، فكان الصحابي يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول كيت وكيت، ويقول التابعي: سمعت فلانا الصحابي يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقول الذي يليه: سمعت فلانا يقول: سمعت فلانا الصحابي يقول: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهكذا.

كل من علم أن محمدا -صلى الله عليه وسلم- خاتم الأنبياء، وأن شريعته خاتمة الشرائع، والحياة الأبدية في اتباعه: يعلم أن الناس أحوج إلى حفظ السنة منهم إلى الطعام والشراب. قد وقعت الرواية ممن يجب قبولُ خبره وممن يجب ردُّه، وممن يجب التوقف فيه، وهيهات أن يُعرفَ ما هو من الحق الذي بلغه خاتم الأنبياء عن ربه عز وجل، وما هو الباطل الذي يبرأ عنه الله ورسوله، إلا بمعرفة أحوال الرواة. وهكذا الوقائع التاريخية، بل حاجتها إلى معرفة أحوال رواتها أشدة لغلبة التساهل في نقلها. على أن معرفة أحوال الرجال هي نفسها من أهم فروع التاريخ، وإذا كان لابُدَّ من معرفة أحوال الرواة، فلا بد من بيانها، بأن يُخبر كُلُّ من عَرف حالَ راوٍ بحاله؛ ليعلمه الناس، وقد قامت الأمة بهذا الفرض كما ينبغي. * * * أول من تكلم في أحوال الرجال: القرآن، ثم النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أصحابه، والآيات كثيرة في الثناء على الصحابة إجمالا، وذم المنافقين إجمالا، ووردت آيات في الثناء على أفراد معينين من الصحابة -كما يُعلم من كتب الفضائل- وآيات في التنبيه على نفاق أفراد معينين، وعلى جرح أفراد آخرين. وأشهر ما جاء في هذا قوله تعالى: {... إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ} [الحجرات: 6] نزلت في رجل بعينه، كما هو معروف في موضعه، وهي مع ذلك قاعدة عامة. * * * وثبتت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديثُ كثيرةٌ في الثناء على أصحابه جملةً، وعلى أفراد منهم معينين، معروفةٌ في كتب الفضائل، وأخبار أخر في ذم بعض الفرق إجمالا، كالخوارج، وفي تعيين المنافقين وذم أفراد معينين، كعيينة بن حصن، والحكم بن أبي العاص.

وثبتت آثار كثيرة عن الصحابة في الثناء على بعض التابعين، وآثار في جرح أفراد منهم. * * * وأما التابعون، فكلامهم في التعديل كثير، ولا يُروى عنهم من الجرح إلا القليل، وذلك لقربِ العهد بالسراج المنير -عليه وعلى آله أفضل الصلاة والتسليم-، فلم يكن أحدٌ من المسلمن يجترىء على الكذب على الله ورسوله. وعامة المُضَعَّفِين من التابعين إنما ضُعِّفُوا للمذهب؛ كالخوارج، أو لسوء الحفظ أو للجهالة. ثم جاء عصر أتباع التابعين فما بعده، فكثر الضعفاء، والمغفلون، والكذابون، والزنادقة، فنهض الأئمة لتبيين أحوال الرواة وتزييف ما لا يثبت، فلم يكن مصر من أمصار المسلمين إلا وفيه جماعة من الأئمة يمتحنون الرواة، ويختبرون أحوالهم وأحوال رواياتهم، ويتتبعون حركاتهم وسكناتهم، ويُعلنون للناس حكمهم عليهم. * * * استمر ذلك إلى القرن العاشر، فلا تجد في كتب الحديث اسمَ راوٍ إلا وجدت في كتب الرجال تحقيقَ حالِه، وهذا مصداق الوعد الإلهي -قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟ قال: تعيش لها الجهابذة، وتلا قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9]. * * * وكان نشاط الأئمة في ذلك آية من الآيات؛ فمن أمثلة ذلك: قال العراقي في شرح "مقدمة ابن الصلاح": روينا عن مؤمل أنه قال: حدثني شيخ بهذا الحديث -يعني حديث فضائل القرآن سورة سورة- فقلت للشيخ: من حدثك؟ فقال حدثني رجل بالمدائن وهو حي، فصرت إليه، فقلت: من حدثك؟ فقال: حدثني شيخ بواسط، وهو حي، فصرت إليه، فقال: حدثني شيخ بالبصرة، فصرت إليه، فقال:

حدثني شيخ بعبادان، فصرت إليه، فأخذ بيدي، فأدخلني بيتا، فإذا فيه قوم من المتصوفة، ومعهم شيخ، فقال: هذا الشيخ حدثني، فقلت يا شيخ من حدثك؟ فقال لم يحدثني أحد، ولكننا رأينا الناس قد رغبوا عن القرآن، فوضعنا لهم هذا الحديث ليصرفوا قلوبهم إلى القرآن. لعل هذا الرجل قطع نحو ثلاثة أشهر مسافرا لتحقيق رواية هذا الحديث الواحد. للأئمة في اختبار الرواة طرق: منها: النظر في حال الراوي في المحافظة على الطاعات واجتناب المعاصي، وسؤال أهل المعرفة به. قال الحسن بن صالح بن حيى: كنا إذا أردنا أن نكتب عن الرجل، سألنا عنه، حتى يقال: أتريدون أن تزوجوه؟. ومنها: أن يحدث بأحاديث عن شيخٍ حي، فيسأل الشيخ عنها. مثاله: قول شعبة: قال الحسن بن عمارة: حدثني الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي سبعة أحاديث، فسألت الحكم عنها؟ فقال: ما سمعت منها شيئا. ومنها: أن يحدث عن شيخٍ قد مات، فيقال للراوي: متى ولدت؟ ومتى لقيت هذا الشيخ؟ وأين لقيته؟ ثم يقابل بين ما يجيب به وبين ما حُفظ من وفاة الشيخ الذي روى عنه ومحل إقامته وتواريخ تنقله. ومثاله: ما جاء عن عفير بن معدان أن عمر بن موسى بن وجيه حدث عن خالد بن معدان، قال عفير: فقلت له: في أي سنة لقيته؟ قال سنة ثمان [وخمسين] (¬1) ومائة، ¬

_ (¬1) هذه الزيادة خطأ، كأن المعلمي اعتمد على ما في اللسان (4/ 333). والقصة في أصله - وهو الميزان (3/ 225)، والجرح والتعديل (6/ 133) بدونها، وهو الصواب.

في غزاة أرمينية. قلت: اتق الله يا شيخ، لا تكذب، مات خالد سنة أربع [وخمسين] ومائة، أزيدك أنه لم يغز أرمينية. ومنها: أن يسمع من الراوي أحاديثَ عن مشايخَ قد ماتوا، فتُعرض هذه الأحاديث على ما رواه الثقات عن أولئك المشايخ، فيُنظر: هل انفرد هذا الراوي بشيء، أو خالف، أو زاد ونقص؟ فتجدهم يقولون في الجرح: "ينفرد عن الثقات بما لا يتابع عليه"، "في حديثه مناكير" "يخطىء ويخالف" ... ونحو ذلك. ومنها: أن يسمع الراوي عدة أحاديث، فتحفظ أو تكتب، ثم يُسأل عنها بعد مدة، وربما كرر السؤال مرارا؛ لينظر: أيغير أو يبدل أو ينقص؟ • دعا بعض الأمراء أبا هريرة، وسأله أن يحدث -وقد خبأ الأمير كاتبا حيث لا يراه أبو هريرة- فجعل أبو هريرة يحدث والكاتب يكتب، ثم بعد سنة دعا الأمير أبا هريرة، ودس رجلا ينظر في تلك الصحيفة، وسأل أبا هريرة عن تلك الأحاديث؟ فجعل يحدث والرجل ينظر في الصحيفة، فما زاد وما نقص ولا قدم ولا أخر. • وسأل بعض الخلفاء ابنَ شهاب الزهري أن يملي على بعض ولده، فدعا بكاتب، فأملى عليه أربع مائة حديث، ثم إن الخليفة قال للزهري بعد مدة: إن ذلك الكتاب قد ضاع، فدعا الكاتب فأملاه عليه، ثم قابلوا الكتاب الثاني على الكتاب الأول، فما غادر حرفا. • وكانوا كثيرا ما يبالغون في الاحتياط، حتى قيل لشعبة: لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون. • وقال جرير: رأيت سماك بن حرب يبول واقفا، فلم أكتب عنه.

• وقيل للحكم بن عتيبة: لَمِ لَمْ ترو عن زاذان؟ قال: كان كثير الكلام. * * * وكانوا يطعنون فيمن خالط الأمراء، أو قَبِلَ عطاياهم، أو عَظَّمَهُم، بل ربما بالغوا في ذلك، كما وقع لمحمد بن بشر الزنبري المصري مع سعة علمه، كان يملي الحديث على أهل بلده فاتفق أن خرج الملك غازيا، فخرج الزنبري يشيعه، فلما انصرف، وجلس يوم الجمعة في مجلسه، قام إليه أصحاب الحديث، فنزعوه من موضعه، وسبوه وهموا به، ومزقوا رواياتهم، ثم ذكره ابن يونس في "تاريخ مصر"، فقال: "لم يكن يشبه أهل العلم". إنما كانوا يتسامحون فيمن بلغ من الجلالة بحيث يُعلم أنه إنما يخالط الأمراء ليأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، ويكفهم عن الباطل ما استطاع، كالزهري ورجاء بن حيوة. وروى الشافعي، قال: دخل سليمان بن يسار على هشام بن عبد الملك، فقال له: يا سليمان، الذي تولى كبره من هو؟ يعني في قول الله تعالى {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور: 11]- قال: عبد الله بن أُبي، قال كذبت، هو فلان، قال: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، فدخل الزهري، فقال: يا ابن شهاب، من الذي تولى كبره؟ قال: ابن أُبي، قال: كذبت، هو فلان. فقال الزهري لهشام: أنا أكذب؟ لا أبا لك؟ والله لو نادى منادٍ من السماء: إن الله أحل الكذب ما كذبت، حدثني عروة، وسعيد، وعبيد الله، وعلقمة، عن عائشة: أن الذي تولى كبره عبد الله بن أُبي .. وذكر تمام القصة، وفيها خضوع هشام للزهري، واسترضاؤه له. وقد وقعت للزهري قصةٌ تُشبه هذه مع الوليد بن عبد الملك، وفيها: أن الوليد قال له: يا أبا بكر، مَنْ تولى كبره؟ أليس فلانا؟ قال الزهري: قلت: لا. فضرب

الوليد بقضيبه على السرير: فمن؟ فمن؟ حتى ردد ذلك مرارا، قال الزهري: لكن عبد الله بن أُبي. وفي جواب سليمان لهشام لطيفة، حيث لم يقل: "أمير المؤمنين أعلم" ويسكت، بل قال: "أعلم بما يقول"، أي: أعلم بقول نفسه، لا أعلم بحقيقة الحال، ولكن المقام لم يكن لتغني فيه مثل هذه الإشارة، فلذلك قيَّضَ الله تعالى الزهري ووفقه، فقال ما قال. وقوله لهشام -وهو الملك- "لا أبا لك" جرأة عظيمة. * * * وكانوا من الورع وعدم المحاباة على جانب عظيم، حتى قال زيد بن أبي أنيسة: أخي يحيى يكذب. وسئل جرير بن عبد الحميد عن أخيه أنس، فقال: قد سمع من هشام بن عروة، ولكنه يكذب في حديث الناس فلا يكتب عنه. وروى علي بن المديني عن أبيه، ثم قال: "وفي حديث الشيخ ما فيه". وقال أبو داود: ابني عبد الله كذاب. وكان الإمام أبو بكر الصبغي ينهى عن السماع من أخيه محمد بن إسحاق. حفظ علماء السلف لتراجم الرجال: كان الرجل لا يُسَمَّى عالما حتى يكون عارفا بأحوال رجال الحديث. ففي "تدريب الراوي": قال الرافعي وغيره: إذا أُوصي للعلماء، لم يدخل الذين يسمعون الحديث، ولا علم لهم بطرقه، ولا بأسماء الرواة ... وقال الزركشي: أما الفقهاء، فاسم المحدث عندهم لا يطلق إلا على من حفظ متن الحديث، وعلم عدالة رواته وجرحها ...

وقال التاج السبكي: إنما المحدث من عَرف الأسانيد والعلل وأسماء الرجال ... وذكر عن المزي أنه سئل عمن يستحق اسم الحافظ، فقال: أقل ما يكون أن يكون الرجال الذين يعرفهم ويعرف تراجمهم وأحوالهم وبلدانهم أكثر من الذين لا يعرفهم ليكون الحكم للغالب. فكان العالم يعرف أحوال من أدركهم، إما باختباره لأحوالهم بنفسه، وإما بإخبار الثقات له، ويعلم أحوال من تقدمه بإخبار الثقات، أو بإخبار الثقات عن الثقات .... وهكذا، ويحفظ ذلك كله، كما يحفظ الحديث بأسانيده، حتى كان منهم من يحفظ الألوف، ومنهم من يحفظ عشرات الألوف، ومنهم من يحفظ مئات الألوف بأسانيدها. فكذلك كانوا يحفظون تراجم الرواة بأسانيدها، فيقول أحدهم: أخبرني فلان، أنه سمع فلانا، قال: قال فلان: لا تكتبوا عن فلان، فإنه كذاب ... وهكذا .. تدوين العلم وحظ علم الرجال منه: ذكروا أن تدوين العلم في الكتب في العهد الإسلامي شُرع فيه حوالي نصف القرن الثاني، فألف ابن جريج (80 - 150) وابن أبي عروبة (؟ - 156)، والربيع بن صبيح (؟ - 160). ويَتوهم بعض الناس أنه قبل ذلك لم يكن عند أحد من المسلمين كتاب ما يتضمن علما غير كتاب الله عز وجل!، وهذا خطأ، فقد كان عند جماعة من الصحابة صحائف، في كل منها طائفة من الأحاديث النبوية، منها صحيفة كانت عند أمير المؤمنين علي عليه السلام ذكرها البخاري وغيره، وجمع ابن حجر في "فتح الباري" قطعا منها. وكان عند عمرو بن حزم كتاب كتبه النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى أهل اليمن، فيه أحكام كثيرة. وكان عند أنس كتاب في أحكام الزكاة، كتبه أبو بكر الصديق، قال في أوله: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على المسلمين.

وفي رواية عند الحاكم وغيره: كتب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كتاب الصدقة، فلم يخرجها إلى عماله حتى قُبض، فقرنه بسيفه، فعمل به أبو بكر حتى قبض ... ، وذكر الكتاب. وكان لسمرة بن جندب كتبٌ فيها ما سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-، يروي عنها الحسن البصري. وكان لجابر بن عبد الله صحيفة كذلك، يروي عنها الحسن أيضا، وطلحة بن نافع. وكان لعبد الله بن عمرو صحيفة كتبها بإذن النبي -صلى الله عليه وسلم-، يرويها عمرو بن شعيب ابن محمد بن عبد الله بن عمرو، عن أبيه، عن جده. وفي "المستدرك" عن الحسن بن عمرو بن أمية الضمري قال: حَدثت عن أبي هريرة بحديث، فأنكره فقلت له: إني قد سمعته منك! قال: إن كنت سمعته مني فإنه مكتوب عندي، فأخذ بيدي إلى بيته فأراني كتابا من كتبه .... فذكرت القصة. استنكره الذهبي، لما في "البخاري" عن أبي هريرة قال: "ما من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحدٌ أكثر حديثا عنه مني، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو، فإنه كان يكتب ولا أكتب". لكن قال ابن عبد البر: يمكن أنه لم يكن يكتب في العهد النبوي، ثم كتب بعده. وأما التابعون فقَلَّ عالمٌ منهم لم يكن عنده كتب، ولكن كانت الأحاديث تتجمع كيفما اتفق، بلا تأليف ولا ترتيب، كما في صحيفة همام بن منبه اليماني عن أبي هريرة، وهي نحو مائة وأربعون حديثا، تجدها في "مسند أحمد" (2/ 312 - 319) وهي في "الصحيحين"، وغيرهما مفرقة ... فأما عن التدوين بالترتيب والتأليف: فقد رُويت عن زيد بن ثابت الصحابي المشهور رسالة، كتبها في أحكام المواريث حوالي سنة 40 للهجرة.

وفي "سنن البيهقي" قطع كثيرة منها. وذكر غير واحد أن الحسن بن محمد بن الحنفية المتوفى سنة (95 هـ) وضع كتابا في بعض العقائد. ولكن في ترجمته من "تهذيب التهذيب" ما يؤخذ منه أنها رسالة صغيرة. وفي ترجمة الحلاج من "تاريخ الخطيب" أن للحسن البصري (21 - 110) كتابا اسمه كتاب (الإخلاص) كان يُروى ويُسمع في القرن الثالث. و"في فهرست ابن النديم": أن لمكحول الشامي المتوفى (سنة 112) أو بعدها كتابين: "كتاب السنن" و"كتاب المسائل" في الفقه. فأما ما ذكروه أن أولَ من دَوَّنَ الحديثَ: ابنُ شهاب الزهري في سنة مائة - أو نحوها بأمر عمر بن عبد العزيز، وبعث به عمر إلى كل أرض له عليها سلطان، فلا أدري أمرتبا كان ذلك الكتاب أم لا؟. * * * فأما التأليف في أحوال الرجال فإنه تأخر قليلا، وقد ذكر ابن النديم: أن لليث بن سعد (94 - 175) "تاريخا"، وأن لابن المبارك (118 - 181) "تاريخا". وقال الذهبي في ترجمة الوليد بن مسلم الدمشقي (119 - 195): "صنف التصانيف والتواريخ". ثم أَلَّفَ ابنُ معين، وابن المديني وغيرهما، واتسع التأليف جدا. ولكن في القرن العاشر، -وهلم جرا- تقاصرت الهمم وهُجر علم الرجال، فَقَلَّ من بقي يعتني بقراءة كتب الرجال أو نسخها أو نشرها. أما التأليف، فأقلّ وأقلّ، اللهم إلا أن يجمع أحدهم تراجم لبعض المجاذيب والدراويش يملؤها بالخوارق، أو آخر لتراجم بعض الأدباء، ينتقي من شعرهم ما يستظرفه من الغزل ونحوه، مما إن لم يضر لم ينفع! إلا ما شاء الله تعالى.

حتى أيقظ الله الأمة لعلم الحديث وعلم الرجال والفضل في ذلك -بعد الله عز وجل- للهند، وأعظمه لدائرة المعارف، كما سيأتي .. * * * أما ترتيب التراجم فمعروف، وأجوده طريقة "التهذيب" وفروعه، فإنه على ترتيب حروف الهجاء، باعتبار اسم الراوي بجميع حروفه، وكذا باعتبار اسم أبيه وجده فصاعدا .. مثاله: إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش، وبعده إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن عبيد الله .. وكذلك يرتب باعتبار النسب، مثاله: إبراهيم بن ميمون الصنعاني، إبراهيم بن ميمون الكوفي، إبراهيم بن ميمون النحاس .. وإفادة الترتيب سهولة الكشف واضحة، ولكن ثَمَّ فائدة أعظم، وهي التنبيه على ما قد يقع من سقط، أو زيادة، أو تصحيف، أو تحريف .. مثال السقط: ما وقع في "التقريب" المطبوع بدلهي سنة (1320)، ذكر في المحمدين تراجم من اسمه محمد بن إبراهيم، ثم ذكر بعدها محمد بن كعب الأنصاري، ثم محمد بن أحمد!، وكيف يكون كعب بين إبراهيم وأحمد؟ والصواب كما في "تهذيب التهذيب"، وغيره: محمد بن أبي بن كعب. مثال الزيادة: ما وقع في "الميزان" المطبوع بمصر، ذكر في آخر تراجم البكريين: بكر بن يونس، ثم بكر بن الأعنق!! والصواب: بكر الأعنق كما في "لسان الميزان" ... ومن عادتهم أن من عُرف باسمه ولقبه فقط أن يذكروه آخر الأسماء الموافقة لاسمه.

وفي "الميزان" بعد بكر هذا: بكر بن بشر! والصواب بكير بن بشر، كما في "اللسان". وأما التصحيف: فأمثلته في "الميزان" كثيرة، فمنها: ذكر: إبراهيم بن حميد، ثم إبراهيم بن أبي حنيفة، ثم إبراهيم بن حبان! والصواب: ابن حيان كما في "اللسان" .. وذكر: إبراهيم بن خيثم، وبعده إبراهيم بن الخضر! وخيثم تصحيف، والصواب: خثيم كما في "اللسان"، بل ليس في الأسماء خيثم، وإنما خثيم وخيثمة .. وذكر: أصبغ بن محمد، وبعده أصبغ بن بناتة، تصحيف، والصواب: نباتة، كما في "اللسان" .. وذكر الحارث بن شريح وبعده الحارث بن سعيد، وشريح تصحيف، والصواب: سريج كما في "اللسان" .. والتحريف: في الميزان كثير أيضا، فمنه أن فيه: أسامة بن يزيد، وبعده: أسامة بن يزيد الليثي، ثم: أسامة بن سعد، و (يزيد) في الأولين تحريف، والصواب: زيد فيهما، كما في "اللسان"، وغيره .. وفيه: إسماعيل بن مسلم، وبعده إسماعيل بن سلمة، وسلمة تحريف، والصواب: مسلمة، كما في "اللسان" .. فهذه الأغلاط الواقعة في "الميزان" المطبوع بمصر نبه عليها ترتيب الأسماء في التراجم كما هو ظاهر، على أنه ربما أخلَّ الذهبي في "الميزان" بالترتيب، ولكن "اللسان" يحول الترجمة المخالفة للترتيب إلى موضعها، وربما أبقاها حيث وقعت في "الميزان" ...

وضع التراجم: طريقهم في ذلك أن يذكروا أولًا اسم الراوي، ونسبه، وكنيته، ولقبه، ونسبته إلى قبيلته وبلدته وحرفته، ونحو ذلك مما يميزه عن غيره، فإنه كثيرا ما يشترك الرجلان فأكثر في الاسم واسم الأب، ونحو ذلك، فيخشى الاشتباه .. ذكر ابن أبي أصيبعة في "عيون الأنباء" أن النضر بن الحارث بن كلدة الثقفي -الذي كان يؤذي النبي -صلى الله عليه وسلم- هو ابن الحارث بن كلدة الثقفي، طبيب العرب!! وتبعه الآلوسي في "بلوغ الأرب" فقال: النضر بن الحارث الثقفي!! وهذا خطأ، فإن الطبيب هو الحارث بي كلدة بن عمرو بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزى بن غيرة بن عوف بن قسي، وقسي هو ثقيف .. والنضر هو بن الحارث بي كلدة بن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بي النضر، وهو قريش، وقيل فهر هو قريش. وذكر الفاضل محمد فريد وجدي في "كنز العلوم واللغة" في ترجمة أبي بن كعب الصحابي المشهور أنه ابن كعب الأحبار التابعي المشهور!! وكذا ذكر في ترجمة كعب!! وهذا خطأ، فإن أُبيا هو ابن كعب بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار، وهو تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج، والخزرج وإخوتهم الأوس. هم الأنصار، وكعب الأحبار هو ابن ماتع الحميري من آل ذي رعين، أو من ذي الكلاع .. ووقع في بعض كتب الخطيب البغدادي: قرأت على القاضي أبي العلاء الواسطي عن يوسف بن إبراهيم الجرجاني، قال: ثنا أبو نعيم بن عدي، فعمد بعض أفاضل العصر، فكتب بدل "أبو نعيم": "أبو أحمد"!، وكتب على الحاشية ما لفظه: "أبو نعيم أصل، وليس بشيء"! وحاصله أن الصواب: أبو أحمد، لا: أبو نعيم!!

وهذا خطأ، أوقعه فيه أنه يعرف أبا أحمد عبد الله بن عدي الجرجاني الحافظ مؤلف كتاب "الكامل" توفي سنة (365)، ولا يعرف أبا نعيم عبد الملك بن محمد ابن عدي الجرجاني الاستراباذي الحافظ المتوفى سنة (323) .. ولِكُلٍّ من الحافظين ترجمة في "تذكرة الحفاظ"، و"أنساب السمعاني"، و"طبقات الشافعية"، و"معجم البلدان"، -جرجان- .. ولأبي نعيم ترجمة في "تاريخ الخطيب". وكذا ترجم الخطيب ليوسف بن إبراهيم المذكور، فقال: قدم بغداد، وحدث بها عن أبي نعيم عبد الملك بن محمد بن عدي الجرجاني ... حدثنا عنه القاضي أبو العلاء الواسطي ... ثم يذكرون مشايخه والرواة عنه، ولذلك فوائد كثيرة: منها: معرفة مقدار طلبه للعلم ونشره له. ومنها: أنه كثيرا ما يقع في أسانيد كتب الحديث ونحوها ذكر الاسم -مثلا- بدون ما يتميز به، كأن يقع: محمد بن الصباح الدولابي، عن خالد، [عن خالد] (¬1) عن محمد، عن أنس. وطريق الكشف أن تنظر ترجمة الدولابي: تجد في شيوخه خالد بن عبد الله الواسطي الطحان، ثم تنظر في ترجمة الطحان: تجد في شيوخه: خالد بن مهران الحذاء، ثم تنظر ترجمة الحذاء تجد في شيوخه: محمد بن سيرين، ثم تنظر ترجمة ابن سيرين، فتجد في شيوخه أنس بن مالك .. وإن شئت فابدأ من فوق: فانظر ترجمة أنس بن مالك: تجد في الرواة عنه محمد بن سيرين .. وهكذا. ¬

_ (¬1) سقط من المطبوع، ويدل عليه ما يأتي.

ومما وقع لنا في هذا: أننا وجدنا في بعض الكتب التي تُصحح وتُطبع في الدائرة سندا فيه: " .. يحيى بن روح الحراني، قال: سألت أبا عبد الرحمن بن بكار بن أبي ميمونة -حراني من الحفاظ- كان مخلد بن يزيد يسأله .. " فذكر القصة. وقد كان بعض أفاضل العصر صحح الكتاب، فكتب على قوله: "سألت أبا عبد الرحمن بن بكار بن أبي ميمونة": (كذا)!! كأنه خشي أن يكون الصواب: سألت أبا عبد الرحمن بكار بن أبي ميمونة -على ما هو الغالب من صنيعهم، أن يذكروا اسم الرجل بعد كنيته- فأردنا أن نحقق ذلك، فلم نجد فيما بين أيدينا من الكتب ترجمة لبكار بن أبي ميمونة! ولا ليحيى بن روح الحراني! ولا وجدنا في الكنى أبا عبد الرحمن بن بكار! فراجعنا بعض مظان القصة، فإذا فيها "أبا عبد الرحمن بكار بن أبي ميمونة"، لكن لم يقنعنا ذلك، ثم انتبهنا إلى ما في القصة أن مخلد بن يزيد كان يسأل هذا الرجل، فقلنا: عسى أن نجد له ذكرا في ترجمة مخلد، فلما نظرنا فيها وجدنا في الرواة عن مخلد: أحمد بن بكار، فأسرعنا إلى ترجمته، فإذا هو ضالتنا، وهو أبو عبد الرحمن أحمد بن بكار بن أبي ميمونة (¬1) ... ومنها: دفع شبهة التكرار: فقد يتوهم في المثال المذكور أن: "عن خالد" الثانية مزيدة تكرارا .. ومنها: التنبيه على السقط: كأن يقع في المثال الماضي: "عن خالد" مرة واحدة. وعلى الزيادة: كأن يقع فيه: (عن خالد) ثلاث مرات .. ¬

_ (¬1) يعني أن ما وقع في ذلك الكتاب كان صوابا.

وعلى التصحيف والتحريف: كأن يقع فيه (عن حاله) .. وعلى التقديم والتأخير: كأن يقع فيه (عن خالد الحذاء، عن خالد الطحان) والصواب عكسه .. ومنها: أن يعرف تاريخ ولادة صاحب الترجمة وتاريخ وفاته تقريبا إذا لم يعرف تحقيقا. مثاله: بكير بن عامر البجلي، لم يعلم تاريخ ولادته ولا وفاته، ولكن روى عن قيس بن أبي حازم، وروى عنه وكيع وأبو نعيم، ووفاة قيس سنة 98، ومولد وكيع سنة 128، ومولد أبي نعيم سنة 130، وهؤلاء كلهم كوفيون، وقد ذكر ابن الصلاح وغيره أن عادة أهل الكوفة أن لا يسمع أحدهم الحديث إلا بعد بلوغه عشرين سنة، فمقتضى هذا أن يكون عمر بكير يوم مات قيس فوق العشرين، فيكون مولد بكير سنة 78 أو قبلها، ويعلم أن سماع وكيع وأبي نعيم من بكير بعد أن بلغا عشرين سنة، فيكون بكير قد بقي حيا بلى سنة 150، فقد عاش فوق سبعين سنة. وهناك فوائد أخرى ... وبذلك يُعلم حسنُ صنيع المزي في "تهذيب الكمال" فإنه يحاول أن يذكر في ترجمة الرجل جميعَ شيوخه، وجميعَ الرواة عنه، ولَنِعْمَ ما صنع، وإن خالفه الحافظ ابن حجر في "تهذيب التهذيب" .. ومن لم يهتد إلى الطريق السابق، وقع في الخطأ .. ثم يذكرون في الترجمة ما يتعلق بتعديل الرجل أو جرحه مفصلا .. وفائدة ذلك واضحة، وتفصيله يطول. ولكن أذكر أمرا واحدا، وهو: أنهم قد يذكرون في ترجمة الرجل ما يُعلم منه أنه ثقة في شيء دون آخر، كأن يكون مدلسا، فيحتج بما صرح فيه بالسماع فقط، أو يكون اختلط بأخرة، فيحتج بما حدث به قبل الاختلاط فقط، أو يكون سيء الحفظ، فيحتج بما حدث به من كتابه فقط، أو نحو ذلك.

فربما أخرج البخاري ومسلم أو أحدهما - لبعض هؤلاء من صحيح حديثه، فيقع الوهم لبعض العلماء أن ذلك الرجل ثقة مطلقا بحجة أنه أخرج له صاحب "الصحيح" .. ثم يذكرون في آخر الترجمة تاريخ ولادة الراوي وتاريخ وفاته .. ولذلك فوائد كثيرة ذكرها في فتح المغيث (490). ومما وقع لنا مما يتعلق بهذا، أنه وقع في بعض الكتب التي تُصحح وتُطبع في الدائرة سند فيه: " .... أحمد بن محمد بن أبي الموت أبو بكر المكي، قال: قال لنا أحمد بن زيد بن هارون .. "، وقد كتب عليه بعض الأفاضل ما معناه: "الصواب: أحمد عن يزيد بن هارون، وأحمد هو الإمام ابن حنبل، ويزيد بن هارون الواسطي الحافظ المشهور"!! وإنما حمله على هذا أنه لم يجد ترجمة لأحمد بن زيد بن هارون، وهكذا نحن، فقد جهدنا أن نظفر له بترجمة في الكتب التي بين أيدينا فلم نجد، ولكننا مع ذلك نعلم أن ما كتبه ذلك الفاضل خطأ؛ لأن أحمد توفي سنة 241، وابن أبي الموت له ترجمة في "لسان الميزان"، وفيها ما لفظه: "وأرخ ابن الطحان في "ذيل الغرباء" وفاته في ربيع الآخر سنة 351 بمصر، وعاش تسعين سنة"، فعلى هذا يكون مولده سنة 260، أي: بعد وفاة الإمام أحمد بن حنبل بنحو عشرين سنة، فكيف يحمل قوله: "قال لنا أحمد"، على الإمام أحمد بن حنبل؟؟ .. هذا، ومن المؤلفات في علم الرجال ما هو خاص بالأنساب، كـ"أنساب السمعاني"، وهو حقيقٌ بأن يُطبع (¬1)؛ فإن النسخة التي طُبعت بالتصوير في أوربا كثيرة التصحيف والتحريف، مع تعليق الخط وغير ذلك .. وفائدته عظيمة، ولا سيما في أنساب الرجال الذين لا توجد تراجمهم في الكتب المطبوعة .. ¬

_ (¬1) قد طبع بعناية المعلمي، لكنه لم يتمه.

وكثيرا ما يستفاد منه في غير الأنساب .. ومن غريب ذلك أنه تكرر في "المستدرك" و"سنن البيهقي" ذكر الحسن بن محمد ابن حليم المروزي! فتارة تأتي هكذا وتارة يقع: ابن حكيم!، وبعد أن كدنا نيأس من تصحيحه، قلنا: قد يجوز أن يكون ربما نُسب إلى الجد المشتبه فيقال: الحليمي، أو: الحكيمي، فراجعنا "الأنساب"، فإذا به ذكره في "الحليمي" باللام، وذكر أنه منسوب إلى جده "حليم" .. ومن الكتب ما يكون خاصا بالمشتبه، والمطبوع منها كـ"المؤتلف والمختلف" لعبد الغني، و"المشتبه" للذهبي غير واف بالمقصود. وقد قررت الدائرة طبع كتاب "الإكمال" لابن ماكولا (¬1)، وهو أهم الكتب في هذا الشأن. ولابن حجر كتاب "تبصير المنتبه"، هذب فيه كتاب "المشتبه" للذهبي، وسد ما فيه من الخلل، وزاد زيادات مهمة، وفيه أشياء ليست في "الإكمال"، وفي المكتبة الآصفية نسخة منه جيدة، وهو حري بأن يطبع (¬2)، وقد استفدنا منه كثيرا .. ومن الغريب في ذلك: أنه تكرر في "سنن البيهقي" ذكر أبي محمد أبي الشيخ عبد الله ابن محمد بن حيان الأصبهاني، فيقع تارة (حيان)، وتارة (حبان)! فنظرنا في "التبصير" فوجدناه عدد (حَبان) و (حِبان) وغيرهما مما يقع على هذه الصورة، إلا (حيان)، فإنه تركه اعتمادا على أن كل ما وقع على هذه الصورة مما لم يذكره فهو (حيان)، كعادته في أمثال ذلك!! وهذا وإن كان كافيا لحصول الظن، ولكن لم نقنع به، ثم قلنا فيه: يجوز أن يكون ربما نسب إلى جده هذا؟ فنظرنا في (مشتبه النسبة) من "التبصير" فإذا هو فيه (الحياني)، ذكره في حرف الجيم مع الجبائي .. ¬

_ (¬1) كسابقه. (¬2) قد طبع، وطبع كثير غيره من كتب هذا الفن.

ومن الكتب ما يختص بالكنى، وهو مهم لمعرفة ضبط الكنية، فإنها تقع في الكتب مصحفة ومحرفة: أبو سعد وأبو سعيد، أبو الحسن وأبو الحسين، أبو عبد الله وأبو عبيد الله. والعالم محتاج إلى جميع كتب الرجال، لأنه يجد في كل منها ما لا يجده في غيره، وإن لم يكن عنده إلا بعضها فكثيرا ما يبقى بحسرته، وكثيرا ما يقع في الخطأ .. زعم بعض علماء العصر أن الحديث الذي في "صحيح مسلم" عن أبي وائل، عن أمير المؤمنين علي -كرم الله وجهه- في تسوية القبور ضعيف، لأن أبا وائل هو عبد الله بن بحير بن ريسان القاص، قد جرحه العلماء!! كأن هذا العالم نظر في فصل الكنى من "الميزان"، وليس فيه أبو وائل إلا واحد، هو عبد الله بن بحير، فرجع إلى ترجمته من "الميزان" ونقل كلام الأئمة فيه، ولم ينظر أنه ليس عليه علامة مسلم!! والحديث في صحيح مسلم كما علم، وإنما عليه علامة أبي داود والترمذي وابن ماجه، ولا نظر أنه لم يذكر لعبد الله بن بحير رواية إلا عن أوساط التابعين، وأبو وائل الذي في الحديث يرويه عن أمير المؤمنين علي -كرم الله وجهه-! ولو ظفر هذا العالم بـ "التقريب" أو"الخلاصة" أو"تهذيب التهذيب" لوجد في فصل الكنى: أبا وائل آخر، هو شقيق بن سلمة، تابعي كبير مخضرم، روى عن الخلفاء الأربعة وغيرهم، وأخرج له البخاري ومسلم وغيرهما، واتفق الأئمة على توثيقه، ولذلك لم يذكر في "الميزان"؛ لأن الميزان خاص بمن تكلم فيه .. وأغرب من هذا ما وقع في (مجلة المنار)، رأيت في بعض أجزائها القديمة ذكر كلام ابن حزم في ترتيب كتب الحديث -أظنه نقله من"تدريب الراوي"- ووقع في العبارة: "وكتاب ابن المنذر" فكتب في حاشية المجلة: "ابن المنذر: إبراهيم وعلي" كأنه نظر فصل الأبناء من "الخلاصة" فوجد فيه ذلك!!

وإبراهيم بن المنذر وعلي بن المنذر لم يذكر لأحدهما كتاب، وإنما "ابن المنذر" في عبارة ابن حزم هو الإمام محمد بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري، صاحب التصانيف وتوفي سنة 318، ولم يذكر في "الخلاصة" لأنه لم يرو عنه أحد الأئمة الستة لتأخره، وهو مترجم في "تذكرة الحفاظ" و"الميزان" و"لسانه" و"طبقات الشافعية"، وغيرها ... ". اهـ. ما أردت إيراده هنا من كلام العلامة المعلمي في هذه المحاضرة، وتبقى بعض القوائم الخاصة بكتب الرجال. * * *

الفصل الأول: قواعد النظر في كتب الفن لتعيين الرواة والبحث عن أحوالهم والحكم عليهم.

الفصل الأول: قواعد النظر في كتب الفن لتعيين الرواة والبحث عن أحوالهم والحكم عليهم. وفيه ستة مباحث: المبحث الأول: منهج النظر في كتب تراجم الرجال 1 - قال الشيخ المعلمي في "القاعدة السادسة" من قسم القواعد من "التنكيل": "كيف البحث عن أحوال الرواة؟ من أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل؛ للبحث عن حالِ رجلٍ وقع في سندٍ، فعليه أن يراعيَ أمورًا: الأول: إذا وجد ترجمةً بمثلِ ذاك الاسم، فليتثبت، حتى يتحققَ أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل؛ فإن الأسماء كثيرًا ما تشتبه، ويقع الغلط والمغالطة فيها، كما يأتي في الأمر الرابع. وراجع "الطليعة" (ص 11 - 43) ". قال أبو أنس: في الموضع المشار إليه من "الطليعة"، وهو النوع الأول: اثنا عشر مثالا على هذا الأمر، أكتفي هنا -لمناسبة المقام- بإيراد المثال الأول منها؛ لكونه مستوفيا لكثير من الفوائد المتعلقة بهذا المبحث، فأقول:

قال الشيخ المعلمي: "صالح بن أحمد: قال الخطيب في "التاريخ" (13/ 394): "أخبرنا محمد بن عيسى بن عبد العزيز البزاز بهمذان، حدثنا صالح بن أحمد التميمي الحافظ حدثنا القاسم بن أبي صالح، حدثنا محمد بن أيوب، أخبرنا إبراهيم بن بشار، قال: سمعت سفيان بن عيينة ... ". تكلم الأستاذ -يعني الكوثري- في هذه الرواية (ص 97) من "التأنيب" فقال: "في سنده صالح بن أحمد التميمي، وهو ابن أبي مقاتل، القيراطي، هروي الأصل، ذكر الخطيب عن ابن حبان أنه كان يسرق الحديث ... والقاسم بن أبي صالح الحذَّاء ذهبت كتبه بعد الفتنة، فكان يقرأ من كتب الناس، وكُفَّ بصرُه كما قاله العراقي، ونقله ابن حجر في "لسان الميزان" ... ". أقول -المعلمي-: أما صالح، فهو صالح بن أحمد، وهو موصوف في السند نفسه بأنه: 1 - تميمي. 2 - وحافظ. 3 - ويظهر أنه همذاني؛ لأن شيخه والراوي عنه همذانيان. 4 - ويروي عن القاسم بن أبي صالح. 5 - ويروي عنه محمد بن عيسى بن عبد العزيز. 6 - وينبغي بمقتضى العادة ألا (¬1) يكون توفي بعد القاسم بمدة. ¬

_ (¬1) في المطبوع: "أن"، وصوبها الشيخ المعلمي في ترجمة: صالح بن أحمد من "التنكيل" رقم (109) إلى "ألا".

7 - وينبغي بمقتضى العادة أن لا يكون بين وفاته ووفاة الراوي عنه مدة طويلة مما يندر مثله. وهذه الأوجه كلها منتفية في حَقِّ القيراطي؛ فلم يُوصف بأنه تميمي، ولا بأنه حافظ -وإن قيل كان يُذكر بالحفظ، فإن هذا لا يستلزم أن يُطلَق عليه لقب "الحافظ"- ولم يُذكر أنه همذاني، بل ذكروا أنه هروي الأصل سكن بغداد (¬1)، ولم تُذكر له رواية عن القاسم (¬2). ولا لمحمد بن عبد العزيز رواية عنه (¬3). والظاهر أنه جيء به إلى بغداد طفلا، أو ولد بها؛ فإن في ترجمته من "تاريخ بغداد" ذكر جماعة من شيوخه، وكلهم عراقيون من أهل بغداد والبصرة ونواحيها، أو ممن ورد على بغداد، وسماعه منه قديم، فمن شيوخه البغدادين: يعقوب الدورقي المتوفى سنة 252، ويوسف بن موسى القطان المتوفى سنة 253، ومن البصريين: محمد بن يحيى بن أبي حزم القِطَعي المتوفى سنة 253. وصرح الخطيب في ترجمة: فضلك الرازي بأن ابن أبي مقاتل بغدادي، فلا شأن له من جهة السماع بهمذان ولا بهراة، وكانت وفاته سنة 316 هـ، أي قبل وفاة ¬

_ (¬1) عَلَّق المعلمي نفسه هنا، فقال: بل هو بغدادي، صرح به الخطيب (12/ 367)، وشيوخه عراقيون أو وافدون إلى العراق. (¬2) علق المعلمي هنا فقال: والقيراطي متهم بسرقة الحديث، وإنما يحمله على ذلك ترفعه أن يروي عن أقرانه فمن دونهم، وشيوخه توفوا سنة 252 أو نحوها، وأقدم شيخ سُمِّي للقاسم توفي سنة 277، وشيخه في هذه الحكاية توفي سنة 294، فكيف يروي سارق الحديث عن أصغر منه بنحو خمس عشر سنة عن أصغر من شيوخ السارق بنحو أربعين سنة؟!. (¬3) استدرك المعلمي هنا فقال: بل لم يدركه؛ فإن شيوخ محمد توفوا سنة 375 فما بعدها، إلا واحدًا منهم، يظهر أنه توفي قبلها بقليل، وذلك بعد وفاة القيراطي بنحو ستين سنة.

القاسم باثنين وعشرين سنة، وقبل وفاة محمد بن عيسى بن عبد العزيز بمائة وأربع عشرة سنة. ومن اطَّلَعَ على "التأنيب" وغيره من مؤلفات الأستاذ -الكوثري- علم أنه لم يُؤْتَ من جهلٍ بطريق الكشف عن تراجم الرجال الواقعين في الأسانيد، ومعرفة كيف يعلم انطباق الزجمة على المذكور في السند من عدم انطباقها، ولا من بُخْلٍ بالوقت، ولا سآمة للتفتيش، فلابد أن يكون قد عرف أكثر هذه الوجوه -إن لم نقل جميعها- وبذلك عَلم لا محالة أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس بالقيراطي، فيحمله ذلك على مواصلة البحث، فيجد في "تاريخ بغداد" نفسه في الصفحة اليسرى التي تلت الصفحة التي فيها ترجمة القيراطي، وقد نقل الكوثري منها، سيجد ثمة رجلا آخر: "صالح بن أحمد بن محمد أبو الفضل (¬1)، التميمي، الهمذاني، قدم بغداد، وحدث بها عن ... والقاسم بن بندار (وهو القاسم بن أبي صالح كما في ترجمته من "لسان الميزان" وقد نقل الأستاذ عنها) ... وكان حافظًا فهمًا ثقة ثبتًا ... ". ولهذا الحافظ ترجمة في "تذكرة الحفاظ" (3/ 181) وفيها في أسماء شيوخه: "القاسم بن أبي صالح"، وفيها ثناء أهل العلم عليه، وفيها أن وفاته سنة 384، وذكره ابن السمعاني في "الأنساب" الورقة 592، وذكر في الرواة عنه: "أبا الفضل محمد بن عيسى البزاز"، وإذ كانت وفاة الحافظ سنة 384، فهي متأخرة عن وفاة القاسم بست وأربعين سنة، ومتقدمة على وفاة محمد بن عيسى بست وأربعين سنة، ومثل هذا يكثر في الفرق بين وفاة الرجل ووفاة شيخه ووفاة الراوي عنه. فاتضح يقينًا أن هذا الحافظ الفهم الثقة الثبت هو الواقع في السند. ¬

_ (¬1) في المطبوع من الطليعة: أبو الفاضل - كذا.

وقد عرف الكوثري هذا حق المعرفة، والدليل على ذلك: أولًا: ما عرفناه من معرفته وتيقظه. ثانيًا: أن ترجمة التميمي قريبة من ترجمة القيراطي التي طالعها الكوثري. ثالثًا: أن من عادة الكوثري -كما يُعلم من "التأنيب"- أنه عندما يريد القدح في الراوي، يتتبع التراجم التي فيها ذلك الاسم واسم الأب فيما تصل إليه يده من الكتب، ولا يكاد يقنع بترجمة فيها قدح، لطمعه أن يجد أخرى فيها قدح أشفى لغيظه. رابعًا: في عبارة الكوثري: "والقاسم بن أبي صالح الحذاء، ذهبت كتبه بعد الفتنة، وكان يقرأ من كتب الناس، وكُفَّ بصره، قاله العراقي، ونقله ابن حجر في "لسان الميزان". والذي في "لسان الميزان" (4/ 460): " (ز) - قاسم بن أبي صالح بندار الحذاء ... روى عنه إبراهيم بن محمد بن يعقوب وصالح بن أحمد الحافظ ... قال صالح: كان صدوقًا متقنًا، وكتبه صحاح بخطه، فلما وقعت الفتنة ذهبت عنه كتبه، فكان يقرأ من كتب الناس، وكُفَّ بصرُه، وسماع المتقدمين عنه أصح". وحرف (ز) أول الترجمة إشارة إلى أنها من زيادة ابن حجر، كما نَبَّه عليه في خطبة "اللسان"، وذكر هناك أن لشيخه العراقي ذيلا على "الميزان"، وأنه إذا زاد ترجمة في "اللسان" فما كان من ذيل شيخه العراقي جعل في أول الترجمة حرف (ذ)، وما كان من غيره جعل حرف (ز)، فعلم من هذا أن ترجمة القاسم من زيادة ابن حجر نفسه، لا من ذيل العراقي. وهَبْ أن الكوثري وهم في هذا، فالمقصود هنا أن الذي في الترجمة من الكلام في القاسم هو من كلام الراوي عنه: صالح بن أحمد الحافظ، فلماذا دَلَّس الكوثري النقل، وحرّفه، ونسبه إلى العراقي؟

الجواب واضح: وهو أن الكوثري خشي إن نسب الكلام إلى صالح بن أحمد الحافظ، أن يتنبه القارىء، فيفهم أن صالح بن أحمد الحافظ هذا هو الواقع في سند الخطيب، وليس هو القيراطي لوجهين: الأول: أن القيراطي مطعون فيه، فلم يكن الحفاظ ليعتدوا بكلامه في القاسم، وكذلك الكوثري لم يكن ليعتد بكلام القيراطي. الثاني: أن كلام صالح في الترجمة يدل أنه تأخر بعد القاسم، والقيراطي توفي قبل القاسم باثنتين وعشرين سنة، وبهذا يتبين أيضًا أن الكلام في القاسم لا يضره بالنسبة إلى رواية الخطيب، لأنها من رواية صالح بن أحمد الحافظ نفسه عنه، وهو المتكلم فيه، فلم يكن ليروي عنه إلا ما سمعه منه من أصوله قبل ذهابها. فأعرض الكوثري لهذين الغرضين عن صالح بن أحمد الحافظ، ونسب كلامه إلى العراقي، وحذف من العبارة ما فيه ثناء القاسم (¬1)، وهذه عادة له ستأتي أمثلة منها إن شاء الله تعالى. والمقصود هنا إثبات أن الكوثري قد عرف يقينًا أن صالح بن أحمد الواقع في السند ليس هو بالقيراطي، بل هو ذاك الحافظ الفهم الثبت، ولكن كان الكوثري مضطرًا إلى الطعن في تلك الرواية، ولم يجد في ذاك الحافظ مغمزًا، ووقعت بيده ترجمة القيراطي المطعون فيه، وعرف أن هذا الفن أصبح في غاية الغربة، فغلب على ظنه أنه إذا زعم أن الواقع في السند هو القيراطي، لا يرد ذلك عليه أحد، فأما الله تبارك وتعالى فله معه حساب آخر، والله المستعان". اهـ. ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع، وحق العبارة: "ثناء على القاسم".

ثم ترجم الشيخ المعلمي لـ "صالح بن أحمد" في "التنكيل" رقم (109) وفيها: "لما كانت قضية صالح بن أحمد وما معها أول انتقاد أتى في "الطليعة"، رأى الأستاذ أنه لا يجدر به السكوت عليها مهما كَلَّفَهُ الكلام من التعسف والتعجرف ... ذكر الأستاذ في "الترحيب" (ص 26) أنه قد سبقه إلى القول بأن صالح بن أحمد الواقع في السند هو القيراطي: الملك عيسى، واللجنة الأزهرية التي عَلَّقَتْ على الطبعة الثانية للمجلد الثالث عشر من "تاريخ بغداد". فأقول: أما أنا فلم أكن وقفت على ذلك، وليس للأستاذ في ذلك عذر؛ إذ ليس هو ممن يقلد مثل من ذكره في هذه المواضع، وكلامه يدل على أنه لم يقلد، بل بحث ونظر، فغاية الأمر أن يكون جرَّأَهُ الغلط على التغالط ... ثم قال الأستاذ في "الترحيب" (ص 28): "ومع هذا لا مانع من قبول تحقيق الأستاذ اليماني في عدّ صالح بن أحمد في السند هو الموثَّق مُقَدِّرًا بحثه ... ". ثم عاد فأقام الحجة على أن في نفسه مانعًا أيَّ مانع فقال: "على أن صالح بن أحمد المضعَّف ... "!!! قال أبو أنس: انتهى ما في المثال الأول من النوع الأول من الطليعة، ونعود إلى الأمر الثاني الذي ذكر الشيخ المعلمي أن يُراعَى لمن أحب أن ينظر في كتب الجرح والتعديل للبحث عن أحوال الرجال. قال المعلمي: الثاني: ليستوثق من صحة النسخة، وليراجع غيرها إذا تيسر له؛ ليتحقق أن ما فيها ثابت عن مؤلف الكتاب، راجع "الطليعة" (ص 55 - 59).

قال أبو أنس: في النوع الثالث من مغالطات الكوثري ومجازفاته من الطليعة: "اهتبال التصحيف أو الغلط الواقع في بعض الكتب إذا وافق غرضه". ذكر الشيخ المعلمي لذلك أمثلةً منها مثال يتعلق بسنة ميلاد أبي عوانة الوضاح ابن عبد الله اليشكري، وإدراكه للحسن البصري ومحمد بن سيرين، ورؤيتهما، وحفظه بعض أحوالهما. قال المعلمي: "أبو عوانة الوضاح بن عبد الله، اتفق الأئمة على الثناء عليه، والاحتجاج بروايته، وأخرج له الشيخان في "الصحيحين" أحاديث كثيرة، ويأتي بعض ثناء الأئمة عليه في ترجمته من "التنكيل". وصح أنه أدرك الحسن البصري وابن سيرين وحفظ بعض أحوالهما، قال البخاري في ترجمته من "التاريخ" (4 / ق 3/ 181): "سمع الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان وقتادة ... قال لنا عبد الله بن عثمان: أخبرنا يزيد بن زريع، قال: أخبرنا أبو عوانة، قال: رأيت محمد بن سيرين في أصحاب السكر، فكلما رآه قوم ذكروا الله. وقال لنا موسى بن إسماعيل: قال لي أبو عوانة: كل شيء حدثتك فقد سمعته" يعني أنه لا يدلس، ولا يروي عمن لم يسمع منه. وقال ابن سعد في "الطبقات" (7 / ق 3/ 43): "أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي، قال: حدثنا أبو عوانة، قال: رأيت الحسن بن أبي الحسن يوم عرفة خرج من المقصورة فجلس في صحن المسجد، وجمع الناس حوله".

وهذه الأسانيد بغاية الصحة، وفي "الصحيحين" من رواية أبي عوانة عن قتادة أحاديث، كحديث: "ما من مسلم يغرس غرسًا ... " وحديث: "من نسي الصلاة ... " وحديث: "تسحروا فإن في السحور بركة". وأخرج له مسلم في "صحيحه" من حديثه عن الحكم بن عتيبة كما ذكره المزيّ في "تهذيبه". ووفاة الحسن وابن سيرين سنة (110)، والحكم سنة (115)، وقتادة سنة (117)، وحماد سنة (120)، وقيل قبلها، وذكر ابن حبان في ترجمة قتادة من "الثقات" وفاته سنة (117)، وذكر في ترجمة أبي عوانة روايته عن قتادة ثم قال في أبي عوانة: "وكان مولده سنة اثنتين وتسعين، ومات في شهر ربيع الأول سنة ست وسبعن ومائة". هكذا في النسخة المحفوظة في المكتبة الآصفية في حيدرآباد الدكن تحت رقم (1 - 4) من فن الرجال، المجلد الثالث، الورقة (218)، الوجه الأول، ومثله في نسخة أخرى جيدة محفوظة في المكتبة السعيدية بحيدرآباد. وكانت عند الحافظ ابن حجر في "ثقات ابن حبان" نسخة يشكو في كتبه من سقمها، قال في "تهذيب التهذيب" (8/ 403): " ... ذكره ابن حبان في "الثقات" ... وقال: روى عنه حبيب، كذا في النسخة، وهي سقيمة". وقال في "لسان الميزان" (2/ 442) "رافع بن سلمان ... ذكره ابن حبان في "الثقات"، لكن وقع في النسخة - وفيها سقم ... رافع بن سنان". فوقع في تلك النسخة السقيمة تخليط في ترجمة أبي عوانة، فذكره ابن حجر في "تهذيب التهذيب" وبيّن أنه خطأ قطعًا، ومع ذلك ففي عبارة ابن حجر تخليط في النسخة من "تهذيب التهذيب" المطبوع، ففيه (11/ 118): "وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: كان مولده سنة اثنتين وعشرين ومائة، وقال: هو خطأ للشك فيه لأنه صح أنه رأى ابن سيرين ... "، وقوله: "وقال هو خطأ

للشك فيه" صوابه والله أعلم: "كذا قال: وهو خطأ لا شك فيه"، وقد علمت أن البلاء من نسخة "الثقات" التي كانت عند ابن حجر. وليس الكوثري ممن يخفى عليه هذا، ولا ما هو أخفى منه، لكنه كان محتاجًا إلى الطعن في أبي عوانة ظلمًا وعدوانًا، فقال (ص 118) في أبي عوانة: "فعلى تقدير ولادته سنة 122 كما هو المشهور -كذا- لا تصح رؤيته للحسن ولا لابن سيرين ... "!!!. اهـ. الثالث: إذا وجد في الترجمة كلمة جرح أو تعديل منسوبة إلى بعض الأئمة، فلينظر: أثابتة هي عن ذاك الإمام أم لا؟ راجع "الطليعة" (ص 78 - 86) (¬1). الرابع: ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة؛ فإن الأسماء تتشابه، وقد يقول المحدث كلمة في راوٍ، فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك، وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه، ويخطىء بعض من بعده فيحملها على آخر. ففي الرواة: "المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي" و"المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام الحزامي" و"المغيرة بن عبد الرحمن بن عوف الأسدي". حكى عباس الدوري عن يحيى بن معين توثيق الأول، وتضعيف الثالث. فحكى ابن أبي حاتم عن الدوري عن ابن معين توثيق الثاني، ووهَّمَهُ المزي، ووثق أبو داود الثالث، وضعف الأول، فذُكِرَت له حكاية الدوري عن ابن معين، فقال: غلط عباس. ¬

_ (¬1) انظر: المبحث الخاص بـ "لزوم نقد أسانيد الجرح والتعديل" ففيه تطبيقات لهذا الأمر.

وفي الرواة: "محمد بن ثابت البناني" و"محمد بن ثابت العبدي" وغيرهما، فحكى ابن أبي حاتم عن ابن أبي خيثمة عن ابن معين أنه قال في الأول: "ليس بقوي ... " وذى ابن حجر أن الذي في "تاريخ ابن أبي خيثمة" حكاية تلك المقالة في الثاني، وحكى عثمان الدارمي عن ابن معين في الثاني أنه ليس به بأس، وحكى معاوية بن صالح عن ابن معين أنه يُنكَر على الثاني حديث واحد، وحكى الدوري عن ابن معين أنه ضعف الثاني، قال الدوري: "فقلت له: أليس قد قلت مرة: ليس به بأس؟ قال: ما قلت هذا قط". وفي الرواة: "عمر بن نافع مولى ابن عمر" و"عمر بن نافع الثقفي"، حكى ابن عدي في ترجمة الأول عن ابن معين أنه قال: "ليس حديثه بشيء"، فزعم ابن حجر أن ابن معين قالها في الثاني. وفي الرواة: "عثمان البتي" و"عثمان البري"، حكى الدوري عن ابن معين في الأول: "ثقة"، وحكى معاوية بن صالح عنه فيه: "ضعيف"، قال النسائي: "وهذا عندي خطأ، ولعله أراد عثمان البري". وفي الرواة: "أبو الأشهب جعفر بن حيان" و"أبو الأشهب جعفر بن الحارث"، وثق الإمام أحمد الأول، فحكى ابن شاهين ذلك في الثاني - كما في نبذة من كلامه طبعت مع "تاريخ جرجان"، وضعف جماعةٌ الثاني، فحكى ابن الجوزي كلماتهم في ترجمة الأول. وفي الرواة: "أحمد بن صالح ابن الطبري الحافظ" و"أحمد بن صالح الشمومي"، حكى النسائي عن معاوية بن صالح عن ابن معين كلامًا، عده النسائي في الأول، فذكر ابن حبان: إنما قاله ابن معين في الثاني. وفي الرواة: "معاذ بن رفاعة الأنصاري" و"معان بن رفاعة السلامي"، نقل الناس عن الدوري أنه حكى عن ابن معين أنه قال في الثاني -وهو معان-: "ضعيف"،

ونقل أبو الفتح الأزدي، عن عباس، أنه حكى عن ابن معين، أنه قال في الأول -وهو معاذ-: "ضعيف"، فكأنه تصحف على الأزدي. وفي الرواة: "القاسم العمري" وهو ابن عبد الله بن عمر بن حفص، و"القاسم المعمري" وهو ابن محمد، فحكى عثمان الدارمي عن ابن معين أنه قال: "قاسم المعمري كذاب خبيث"، قال الدارمي: "وليس كما قال يحيى". والمعمري قد وثقه قتيبة أما العمري فكذبه الإمام أحمد، وقال الدوري عن ابن معين: "ضعيف ليس بشيء"، فيشبه أن يكون ابن معين إنما قال: "قاسم العمري كذاب خبيث"، فكتبها عثمان الدارمي، ثم بعد مدة راجعها في كتابه، فاشتبه عليه، فقرأها "قاسم المعمري ... ". وفي الرواة: "إبراهيم بن أبي حرة" و"إبراهيم بن أبي حية"، روى ابن أبي حاتم من طريق عثمان الدارمي عن ابن معين توثيق الثاني، ومن تدبر الترجمتين كاد يجزم بأن هذا غلط على ابن معين، وأنه إنما وثق الأول. وحكى أبو داود الطيالسي قصة لـ"أبي الزبير محمد بن مسلم بن تَدْرُسْ المكي" وحكى هو عن شعبة قصة نحو تلك لـ"محمد بن الزبير التميمي البصري". وأخشى أن يكون الطيالسي وهم في أحدهما. وذكر ابن أبي خيثمة في كلامه في "فطر بن خليفة" ما لفظه: "سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت فطرًا لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان". وذكر هو في كلامه في: "فضيل بن عياض": "سمعت قطبة بن العلاء يقول: تركت حديث فضيل؛ لأنه روى أحاديث فيها إزراء على عثمان". وأخشى أن تكون كلمة قطبة إنما هي في فطر فحكاها ابن أبي خيثمة مرة على الصواب، ثم تصحفت عليه "فطر" بفضيل، فحكاها في فضيل بن عياض.

وحكى محمد بن وضاح القرطبي، أنه سأل ابن معين عن "الشافعي" فقال: "ليس بثقة"، فحكاها ابن وضاح في الشافعي الإمام، فزعم بعض المغاربة أن ابن معين إنما قالها في: "أبي عبد الرحمن أحمد بن يحيى بن عبد العزيز الأعمى المشهور بالشافعي" فإنه كان ببغداد، وابن وضاح لقي ابن معين ببغداد، فكأنه سأل ابن معين عن الشافعي -يريد ابنُ وضاح الإمامَ- فظن ابنُ معين أنه يريد أبا عبد الرحمن؛ لأنه كان حيًا معهما في البلد. وفي ترجمة: والد أبي عبد الرحمن من "التهذيب" أن ابن معين قال: "ما أعرفه، وهو والد الشافعي الأعمى". الخامس: إذا رأى في الترجمة: "وثقه فلان" أو"ضعفه فلان" أو"كذبه فلان"، فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال: "هو ثقه" أو "هو ضعيف" أو "هو كذاب". ففي "مقدمة الفتح" في ترجمة: إبراهيم بن سويد بن حيان المدني: "وثقه ابن معين وأبو زرعة"، والذي في ترجمته من "التهذيب": "قال أبو زرعة: ليس به بأس"، وفي "المقدمة" في ترجمة: إبراهيم بن المنذر الحزامي: "وثقه ابن معين ... والنسائي"، والذي في ترجمته من "التهذيب": "قال عثمان الدارمي: رأيت ابن معين كتب عن إبراهيم بن المنذر أحاديث ابن وهب، ظننتها المغازى، وقال النسائي ليس به بأس". وفي "الميزان" و"اللسان" في ترجمة: معبد بن جمعة: "كذبه أبو زرعة الكشي" وليس في عبارة أبي زرعة الكشي ما يعطي هذا، بل فيها أنه: "ثقة في الحديث" وقد شرحت ذلك في ترجمة معبد من قسم التراجم.

السادس: أصحاب الكتب كثيرًا ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره، وربما يخل ذلك بالمعنى، فينبغي أن يراجع عدة كتب، فإذا وجد اختلافًا، بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها. السابع: قال ابن حجر في "لسان الميزان" (1/ 17): "وينبغي أن يتأمل أيضًا أقوال المزكين ومخارجها ... (¬1). فمن ذلك أن الدوري قال [: سئل ابن معين عن محمد بن إسحاق، فقال: ثقة، فحكى غيره] (¬2) عن ابن معين، أنه سئل عن إسحاق وموسى بن عبيدة الربذي: أيهما أحب إليك؟ فقال: ابن إسحاق ثقة، وسئل عن محمد بن إسحاق بمفرده، فقال: صدوق وليس بحجة. ومثله أن أبا حاتم قيل له: أيهما أحب إليك: يونس أو عقيل؟ فقال: عقيل لا بأس به، وهو يريد تفضيله على يونس، وسئل عن عُقيل وزمعة بن صالح، فقال: عُقيل ثقة متقن، وهذا حكم على اختلاف السؤال، وعلى هذا يحمل أكثر ما ورد من اختلاف أئمة الجرح والتعديل ممن وثق رجلا في وقت، وجرحه في وقت آخر ... ". أقول: وكذلك ما حكوه من كلام مالك في ابن إسحاق، إذا حكيت القصة على وجهها، تبين أن كلمة مالك فلتة لسان عند سورة غضب، لا يقصد بها الحكم. ¬

_ (¬1) في اللسان هاهنا زيادة كأن المعلمي حذفها اختصارا، ولفظها: "فقد يقول العدل: "فلان ثقة" ولا يريد أنه ممن يحتج بحديثه، وإنما ذلك على حسب ما هو فيه ووجه السؤال له، فقد يُسأل عن الرجل الفاضل المتوسط في حديثه فيقرن بالضعفاء، فيقال: ما تقول في فلان وفلان وفلان؟ فيقول: فلان ثقة، يريد أنه ليس من نمط من قرن به، فإذا سئل عنه بمفرده بين حاله في التوسط". (¬2) سقطت هذه العبارة من اللسان الذي نقل منه المعلمي، وهي مثبتة في أصول خطية جيدة له.

وكذلك ما حكوه عن ابن معين أنه قال لشجاع بن الوليد: "يا كذاب"، فحملها ابن حجر على المزاح. ومما يدخل في هذا أنهم قد يضعفون الرجل بالنسبة إلى بعض شيوخه، أو إلى بعض الرواة عنه، أو بالنسبة إلى ما رواه من حفظه، أو بالنسبة إلى ما رواه بعد اختلاطه، وهو عندهم ثقة فيما عدا ذلك. فإسماعيل بن عياش ضعفوه فيما روى عن غير الشاميين، وزهير بن محمد ضعفوه فيما رواه عنه الشاميون. وجماعة آخرون ضعفوهم في بعض شيوخهم، أو فيما رووه بعد الاختلاط، ثم قد يُحْكَى التضعيف مطلقًا، فيتوهم أنهم ضعفوا ذلك الرجل في كل شيء. ويقع نحو هذا في التوثيق، راجع ترجمة: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود، قال أحمد مرة: ثقة، وكذا قال ابن معين، ثم بَيَّن كلٌ منهما مرة أنه اختلط، وزاد ابن معين، فَبَيَّنَ أنه كان كثير الغلط عن بعض شيوخه، غير صحيح الحديث عنهم. ومن ذلك: أن المحدث قد يُسأل عن رجلٍ، فيحكم عليه بحسب ما عرف من مجموع حاله، ثم قد يَسمع له حديثًا، فيحكم عليه حكمًا يميل فيه إلى حاله في ذاك الحديث، ثم قد يسمع له حديثًا آخر، فيحكم عليه حكمًا يميل فيه إلى حاله في هذا الحديث الثاني، فيظهر بين كلامه في هذه المواضع بعض الاختلاف، وقع مثل هذا للدارقطني في "سننه" وغيرها -وترى بعض الأمثلة في ترجمة الدارقطني من قسم التراجم- وقد يُنقل الحكم الثاني أو الثالث وحده، فيتوهم أنه حكم مطلق. الثامن: ينبغي أن يبحث عن معرفة الجارح أو المعدل بمن جرحه أو عدله، فإن أئمة الحديث لا يقتصرون على الكلام فيمن طالت مجالستهم له، وتمكنت معرفتهم به.

بل قد يتكلم أحدهم فيمن لقيه مرة واحدة، وسمع منه مجلسًا واحدًا، أو حديثًا واحدًا، وفيمن عاصره ولم يلقه، ولكنه بلغه شيء من حديثه، وفيمن كان قبله بمدة قد تبلغ مئات السنين إذا بلغه شيء من حديثه. ومنهم من يجاوز ذلك. فابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى، وعمن روى، ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا. والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وآخرون غيرهما، يوثقون من كان من التابعين أو اتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة، بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد، ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد. فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب: الأسقع بن الأسلع، والحكم بن عبد الله البَلَوِي، ووهب بن جابر الخَيْواني وآخرون. وممن وثقه النسائي: رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة وآخرون. وقد روى العوام بن حوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية، فوثقهما ابن معين. وروى همام، عن قتادة، عن قدامة بن وَبَرةَ، عن سمرة بن جندب حديثًا، ولا يُعرف قدامة إلا في هذه الرواية، فوثقه ابن معين، مع أن الحديث غريب، وله علل أخرى راجع "سنن البيهقي" (3/ 248).

ومن الأئمة من لا يُوَثِّقُ مَنْ تَقَدَّمَهُ حتى يطلع على عدة أحاديث له، تكون مستقيمة، وتكثر حتى يغلب على ظنه أن الاستقامة كانت ملكة لذاك الراوي. وهذا كله يدل على أن جُلَّ اعتمادِهم في التوثيق والجرح إنما هو على سَبْرِ حديث الراوي، وقد صرح ابن حبان بأن المسلمين على الصلاح والعدالة حتى يتبين منهم ما يوجب القدح، نص على ذلك في "الثقات"، وذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (1/ 14) واستغربه، ولو تدبر لوجد كثيرًا من الأئمة يبنون عليه، فإذا تتبع أحدهم أحاديث الراوي، فوجدها مستقيمة، تدل على صدقٍ وضبطٍ، ولم يبلغه ما يوجب طعنًا في دينه، وَثَّقَهُ، وربما تجاوز بعضهم هذا كما سلف، وربما يبني بعضهم على هذا حتى في أهل عصره. وكان ابن معين إذا لقي في رحلته شيخًا، فسمع منه مجلسًا، أو ورد بغداد شيخٌ، فسمع منه مجلسًا، فرأى تلك الأحاديث مستقيمة، ثم سُئل عن الشيخ، وَثَّقَهُ، وقد يتفق أن يكون الشيخُ دجالا، استقبل ابن معين بأحاديث صحيحة، ويكون قد خلط قبل ذلك، أو يخلط بعد ذلك. ذكر ابن الجنيد أنه سأل ابن معين عن محمد بن كثير القرشي الكوفي فقال: "ما كان به بأس"، فَحُكِيَ له عنه أحاديثُ تُستنكر، فقال ابن معين: "فإن كان هذا الشيخ روى هذا فهو كذاب، وإلا فإني رأيت حديث الشيخ مستقيمًا". وقال ابن معين في محمد بن القاسم الأسدي: "ثقة وقد كتبت عنه" (¬1)، وقد كذبه أحمد، وقال: "أحاديثه موضوعة"، وقال أبو داود: "غير ثقة ولا مأمون، أحاديثه موضوعة". ¬

_ (¬1) لكن ابن معين يظهر أنه قد غير رأيه بعد ذلك، فكذبه، كما في رواية ابن محرز عنه، ولم يرضه، كما في رواية الدوري عنه وقال: ليس بشيء، كما في رواية ابن الجنيد عنه.

وهكذا يقع في التضعيف، ربما يجرح أحدهم الراوي لحديثٍ واحدٍ استنكره، وقد يكون له عذر. ورد ابنُ معين مصر، فدخل على عبد الله بن الحكم، فسمعه يقول: حدثني فلان وفلان وفلان، وعَدَّ جماعةً، روى عنهم قصة، فقال ابن معين: "حدثك بعض هؤلاء بجميعه وبعضهم ببعضه؟ " فقال: "لا، حدثني جميعهم بجميعه، فراجعه فأصر، فقام يحيى وقال للناس: يكذب ". ويظهر لي أن عبد الله إنما أراد أن كلا منهم حدثه ببعض القصة، فجمع ألفاظهم، وهي قصة في شأن عمر بن عبد العزيز، ليست بحديث، فظن يحيى أن مراده أن كلا منهم حدثه بالقصة بتمامها على وجهها، فكذبه في ذلك، وقد أساء الساجي إذ اقتصر في ترجمة عبد الله على قوله: "كذبه ابن معين". وبلغ ابنَ معين أن أحمد بن الأزهر النيسابوري يحدث عن عبد الرزاق بحديث استنكره يحيى، فقال: "من هذا الكذاب النيسابوري الذي يحدث عن عبد الرزاق بهذا الحديث؟! "، وكان أحمد بن الأزهر حاضرًا فقام، فقال: "هو ذا أنا"، فتبسم يحيى وقال: "أما إنَّك لست بكذاب ... ". وقال ابن عمار في إبراهيم بن طهمان: "ضعيف مضطرب الحديث"، فبلغ ذلك صالح بن محمد الحافظ الملقب جزرة، فقال: "ابن عمار من أين يعرف إبراهيم؟ إنما وقع إليه حديث إبراهيم في الجمعة ... والغلط فيه من غير إبراهيم". التاسع: ليبحث عن رأي كل إمام من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه، مستعينًا على ذلك بتتبع كلامه في الرواة، واختلاف الرواية عنه في بعضهم، مع مقارنة كلامه بكلام غيره. فقد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيمًا، ولو كان حديثًا واحدًا لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد.

فإن شئت فاجعل هذا رأيًا لأولئك الأئمة؛ كابن معين، وإن شئت فاجعله اصطلاحًا في كلمة "ثقة"، كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثِّق من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة. وقد اختلف كلام ابن معين في جماعةٍ، يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى، منهم: إسماعيل بن زكريا الخُلقاني، وأشعث بن سَوّار، والجراح بن مَليح الرؤاسي، و [حرب] (¬1) ابن أبي العالية، والحسن بن يحيى الخُشَني، والزبير بن سعيد، وزهير بن محمد التميمي، وزيد بن حبان الرقي، وسَلْم العلوي، وعافية القاضي، وعبد الله [بن] (¬2) الحسين أبو حريز، وعبد الله بن عقيل أبو عقيل، وعبد الله بن عمر بن حفص العمري، وعبد الله ابن واقد أبو قتادة الحراني، وعبد الواحد بن غياث، وعبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، وعتبة بن أبي حكيم، وغيرهم. وجاء عنه توثيق جماعة، ضعفهم الأكثرون، منهم: تمام بن نجيح، ودَرّاج بن سَمْعان، والربيع بن حبيب الملاح، وعباد بن كثير الرملي، ومسلم بن خالد الزنجي، ومسلمة بن علقمة، وموسى بن يعقوب الزمعي، ومُؤَمَّل بنُ إسماعيل، ويحيى بن عبد الحميد الحِمَّاني. وهذا يشعر بأن ابن معين كان ربما يطلق كلمة: "ثقة" لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب. وقد يقول ابن معين في الراوي مرة: "ليس بثقة" ومرة: "ثقة" أو: "لا بأس به" أو نحو ذلك (راجع تراجم: جعفر بن ميمون التميمي، وزكريا بن منظور، ونوح بن جابر). وربما يقول في الراوي: "ليس بثقة"، ويوثقه غيره (راجع تراجم: عاصم بن علي، وفليح بن سليمان، وابنه محمد بن فليح، ومحمد بن كثير العبدي). ¬

_ (¬1) في المطبوع: "جرير" وهو خطأ. (¬2) سقط من المطبوع.

وهذا قد يُشعر بأن ابن معين قد يطلق كلمة: "ليس بثقة" على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه "ثقة" على المعنى المشهور لكلمة "ثقة". فأما استعمال كلمة "ثقة" على ما هو دون معناها المشهور، فيدل عليه مع ما تقدم أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف. قال أبو زرعة في: عمر بن عطاء بن وراز: "ثقة ليِّن"، وقال الكعبي (¬1) في: القاسم أبي عبد الرحمن الشامي: "ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي". وقال ابن سعد في: جعفر بن سليمان الضُّبَعِي: "ثقة وبه ضعف". وقال ابن معين في: عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم: "ليس به بأس، وهو ضعيف"، وقد ذكروا أن ابن معين يطلق كلمة "ليس به بأس" بمعنى "ثقة". وقال يعقوب بن شيبة في: ابن أنْعُم هذا: "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، رجل صالح"، وفي: الربيع بن صبيح: "صالح صدوق ثقة، ضعيف جدًّا". وراجع تراجم: إسحاق بن يحيى بن طلحة، وإسرائيل بن يونس، وسفيان بن حسين، وعبد الله بن عمر بن [حفص] (¬2) بن عاصم، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعبد السلام بن حرب، وعلي بن زيد بن جدعان، ومحمد بن مسلم بن تدرس، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن يمان. وقال يعقوب بن سفيان في: أجلح: "ثقة، في حديثه لين"، وفي: محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى: "ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، لين الحديث عندهم". ¬

_ (¬1) كذا، وصوابه: "العجلي"، وهو أحمد بن عبد الله بن صالح صاحب كتاب "الثقات" وفيه هذا القول، نقله عنه ابن حجر في "التهذيب". (¬2) في المطبوع: "جعفر" وهو خطأ.

وأما كلمة "ليس بثقة" فقد روى بشر بن عمر عن مالك إطلاقها في جماعةٍ، منهم: صالح مولى التَّوْأمَة، وشعبة مولى ابن عباس، وفي ترجمة مالك من "تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم عن يحيى القطان، أنه سأل مالكًا عن صالح هذا؟ فقال: "لم يكن من القراء"، وسأله عن شعبة هذا فقال: "لم يكن من القراء" (¬1). فأما صالح، فأثنى عليه أحمد وابن معين، وذكر أنه اختلط بأخرة، وأن مالكًا إنما أدركه بعد الاختلاط. وأما شعبة مولى ابن عباس، فقال أحمد: "ما أرى به بأسًا"، وكذا قال ابن معين، وقال البخاري: "يتكلم فيه مالك، ويحتمل منه". قال ابن حجر: "قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي: قوله "ويحتمل منه" يعني من شعبة، وليس هو ممن يترك حديثه، قال: ومالك لم يضعفه، وإنما شَحَّ عليه بلفظة ثقة - قلت: هذا التأويل غير شائع، بل لفظة "ليس بثقة" في الاصطلاح توجب الضعف الشديد، وقد قال ابن حبان: روى عن ابن عباس ما لا أصل له، حتى كأنه ابن عباس آخر". أقول: ابنُ حبان كثيرًا ما يُهَوِّلُ مثلَ هذا التهويل في غير محله، كما يأتي في ترجمته، وترجمةِ محمد بن الفضل من قسم التراجم. وكلمة "ليس بثقة" حقيقتها اللغوية نفي أن يكون بحيث يقال له "ثقة"، ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى، وقد ذكرها الخطيب في "الكفاية" في أمثلة الجرح غير المفسر. واقتصار مالك في رواية يحيى القطان على قوله: "لم يكن من القراء" يشعر بأنه أراد هذا المعنى. ¬

_ (¬1) لم أر هذا في "التقدمة" وإنما الظاهر أن الشيخ المعلمي أخذه عن "تهذيب التهذيب" (4/ 303). وأصله في "العلل ومعرفة الرجال" لعبد الله بن أحمد (5056) وغيره، فوهم الشيخ رحمه الله في الإحالة.

نعم إذا قيل: "ليس بثقة ولا مأمون" تَعَيَّنَ الجرحُ الشديد، وإن اقتصر على "ليس بثقة" فالمتبادرُ جرحٌ شديدٌ، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حُملت عليه، وهكذا كلمة "ثقة" معناها المعروف: التوثيق التام، فلا تُصرف عنه إلا بدليل، إما قرينة لفظية؛ كقول يعقوب: "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق" وبقية الأمثلة السابقة، وإما حالية منقولة، أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها، كما مر في الأمر السابع عن "لسان الميزان" أو عن غيره، ولا سيما إذا كانوا هم الأكثر. فتدبر ما تقدم، وقابِلْه بما قاله الكوثري في "الترحيب" (ص 15)، قال: "وكم من راوٍ يُوثَّقْ ولا يُحتج به، كما في كلام يعقوب الفَسَوي، بل كم ممن يوصف بأنه صدوق ولا يُعَدُّ ثقة، كما قال ابن مهدي: أبو خلدة صدوق مأمون، الثقة سفيان وشعبة". وعلى الأستاذ مؤاخذات: الأولى: أنه ذكر هذا في معرض الاعتذار، وأنا لم أناقشه فيما قام الدليل فيه. الثانية: أن كلمة يعقوب التي أشار إليها هي قوله: "كتبت عن ألف شيخ وكسر كلهم ثقات (¬1)، ما أحدٌ منهم أَتَّخِذُه عند الله حجةً، إلا أحمد بن صالح بمصر وأحمد ابن حنبل بالعراق"، أوردتها في "الطليعة" (ص 21) إلى قوله "ثقات"، ذكرت ذلك من جملة الشواهد على أن شيخ يعقوب في ذاك السند هو أحمد بن الخليل الموثق، لا أحمد بن الخليل المجروح، فزعم الأستاذ في "الترحيب" أنني اقتصرت على أول العبارة لأُوهم أن شيخ يعقوب في ذاك السند ثقة يحتج به! وهذا كما ترى. أولًا: لأن سياق كلامي هناك واضح في أني إنما أردت تعيين شيخ يعقوب، فأما الاحتجاج وعدمه فلا ذكر له هناك. ¬

_ (¬1) اعترض الإمام الذهبي في "السير" ترجمة أحمد بن صالح على هذا الخبر، واستنكره، ولم يؤمن به.

ثانيًا: لأن بقية عبارة يعقوب لا تعطي أن شيوخه كلهم غير الأحمدين لا يحتج بأحد منهم في الرواية، كيف وفيهم أئمة أجلة قد احتج بروايتهم الأحمدان أنفسهما، بل قام الإجماع على ذلك، وإنما أراد يعقوب بالحجة عند الله من يؤخذ بروايته ورأيه وقوله وسيرته. الثالثة: أن كلمة ابن مهدي لا توافق مقصود الأستاذ؛ فإنها تعطي بظاهرها أن كلمة "ثقة" إنما تطلق على أعلى الدرجات كشعبة وسفيان، ومع العلم بأن ابن مهدي وجميع الأئمة يحتجون برواية عدد لا يُحصون ممن هم دون شعبة وسفيان بكثير، فكلمته تلك تعطي بظاهرها أن من كان دون شعبة وسفيان فإنه وإن كان عدلًا، ضابطًا تقوم الحجة بروايته، فلا يقال له: "ثقة"، بل يقال: "صدوق" ونحوها، وأين هذا من مقصود الأستاذ؟ الرابعة: أن كلمة ابن مهدي بظاهرها منتقدة من وجهين: الأول: أنه وكافة الأئمة قبله وبعده يطلقون كلمة "ثقة" على العدل الضابط، وإن كان دون شعبة وسفيان بكثير. الثاني: أن "أبا خلدة" قد قال فيه يزيد بن زريع، والنسائي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني: "ثقة"، وقال ابن عبد البر: "هو ثقة عند جميعهم، وكلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ". وأصل القصة أن ابن مهدي كان يحدث، فقال: "حدثنا أبو خلدة"، فقال له رجل: "كان ثقة؟ " فأجاب ابن مهدي بما مر. فيظهر لي أن السائل فَخَّمَ كلمةَ "ثقة"، ورفع يده، وشدَّها بحيث فهم ابن مهدي أنه يريد أعلى الدرجات، فأجابه بحسب ذلك، فقوله: "الثقة شعبة وسفيان" أراد به الثقة الكامل الذي هو أعلى الدرجات، وذلك لا ينفي أن يُقال فيمن دون شعبة وسفيان: "ثقة" على المعنى المعروف، وهذا بحمد الله تعالى ظاهر، وإن لم أر من نبَّه عليه.

2 - ولخص الشيخ المعلمي عامة الأمور التي يجب أن تتوفر في المقالة المسندة التي ظاهرها ذم أحد الرواة أو ما يقتضيه

وقريبٌ منه أن المروذي قال: "قلت لأحمد بن حنبل: عبد الوهاب بن عطاء ثقة؟ فقال: ما تقول؟ إنما الثقة يحيى القطان" وقد وثق أحمد مئات من الرواة يُعلم أنهم دون يحيى القطان بكثير. الخامسة: أن قيام الدليل على إطلاق بعضهم في بعض المواضع كلمة "ثقة" كما قدمت أنا أمثلته، لا يُسَوِّغُ أن تحمل على ذلك المعنى حيث لا دليل. العاشر: إذا جاء في الراوي جرحٌ وتعديلٌ، فينبغي البحث عن ذات (!) بين الراوي وجارحه أو مُعَدله من نفرةٍ أو محبةٍ، وقد مرَّ إيضاح ذلك في القاعدة الرابعة". اهـ. كلام الشيخ المعلمي في هذا المبحث. 2 - ولَخَّصَ الشيخ المعلمي عامّة الأمور التي يجب أن تتوفر في المقالة المسندة التي ظاهرها ذم أحد الرواة أو ما يقتضيه: فقال في "التنكيل" (1/ 8 - 9): الأول: أن يكون هذا الرجل المعين الذي وقع في الإسناد ووقعت فيه المناقشة ثقة. الثاني: أن يكون رجال الإسناد كلهم ثقات. الثالث: ظهور اتصال السند ظهورًا تقوم به الحجة. الرابع: ظهور أنه ليس هناك علّة خفية يتبّين بها انقطاع أو خطأ أو نحو ذلك مما يوهن الرواية. الخامس: ظهور أنه لم يقع في المتن تصحيف أو تحريف أو تغيير قد توقع فيه الرواية بالمعنى. السادس: ظهور أن المراد في الكلام ظاهره. السابع: ظهور أن الذامّ بنى ذَمَّه على حُجَّةٍ، لا نحو أن يُبلغه إنسانٌ أن فلانًا قال كذا أو فعل كذا، فيحسبه صادقًا، وهو كاذب أو غالط.

الثامن: ظهور أن الذامّ بنى ذَمَّه على حُجَّةٍ، لا على أمرٍ حمله على وجه مذموم، وإنما وقع على وجه سائغ. التاسع: ظهور أنه لم يكن للمتكلَّم فيه عذر أو تأويل فيما أنكره الذام. العاشر: ظهور أن ذلك المقتضى للذم لم يرجع عنه صاحبه. قال المعلمي: والمقصود بالظهور في هذه المواضع: الظهور الذي تقوم به الحجة. وقد يزاد على هذه العشرة، وفيها كفاية. فهذه الأمور إذا اختلّ واحد منها لم يثبت الذم، وهيهات أن تجتمع على باطل. اهـ. * * *

المبحث الثاني تتبع أحاديث الراوي الذي يشكل أمره، وتتباين فيه أقوال الأئمة جرحا وتعديلا

المبحث الثاني تتبع أحاديث الراوي الذي يُشكلُ أمرُهُ، وتتباينُ فيه أقوالُ الأئمة جرحا وتعديلاً • في "الفوائد المجموعة" (ص 265) حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك"، له طرق واهية، ورواه الترمذي (2506) من طريق أمية بن القاسم عن حفص بن غياث، وقال: حسن غريب، فقال الشيخ المعلمي: "-ذكروا أن الصواب: "القاسم بن أمية"- ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث وقال: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: شهادةُ أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوقٌ أَوْلَى. أقول: بل الصواب تتبعُ أحاديثِه فإن وُجد الأمرُ كما قال ابنُ حبان، ترجَّحَ قولُه، وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا. اهـ. فائدة: اعتبار حديث الراوي في الأحوال والأوقات المختلفة، للاستدلال على حاله: قال الشيخ المعلمي في "الأنوار الكاشفة" (ص: 81): "كان الأئمة يعتبرون حديثَ كلِّ راوٍ، فينظرون كيف حدث به في الأوقات المتفاوتة، فإذا وجدوه يحدث مرة كذا ومرة كذا، بخلافٍ لا يحتمل، ضعفوه.

وربما سمعوا الحديث من الرجل، ثم يَدَعُونَهُ مدة طويلة، ثم يسألونه عنه. ثم يعتبر حرف مروياته برواية من روى عن شيوخه وعن شيوخ شيوخه، فإذا رأوا في روايته ما يخالف رواية الثقات، حكموا عليه بحسبها. وليسوا يوثقون الرجل لظهور صلاحه في دينه فقط، بل معظم اعتمادهم على حاله في حديثه كما مَرَّ. وتجدهم يجرحون الرجل بأنه يخطيء ويغلط، وباضطرابه في حديثه، وبمخالفته الثقات، وبتفرده، وهلم جرا ... ". اهـ. * * *

المبحث الثالث تتبع مواضع الإرسال ونحوه في أحاديث الثقات إذا اختلف الرأي فيهم

المبحث الثالث تتبع مواضع الإرسال ونحوه في أحاديث الثقات إذا اختلف الرأي فيهم • قال الشيخ المعلمي في عمرو بن دينار من "التنكيل" (2/ 157 - 159): "قد يرسل ما سمعه من ثقةٍ متفقٍ عليه، كما أرسل عن جابر ما سمعه من محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عنه، ومحمد إمام حجة. وقد تتبعتُ ما قيل إن عَمرًا أرسله مثل هذا الإرسال غير الحديث السابق (¬1)، فلم أجد إلا حديثًا واحدًا، حاله كحال الحديث السابق، وذلك أن في "مسند أحمد" (ج 3 ص 368): "ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن عمرو بن دينار، عن جابر ... قلت لعمرو: أنت سمعته من جابر؟ قال: لا". والحديث في "صحيح البخاري" من طريق ابن عيينة: قال عمرو: أخبرني عطاء أنه سمع جابرًا. فبين عمرو وجابر في هذا: عطاء بن أبي رباح، وهو إمام حجة. ووجدت حديثين آخرين، لم يتضح لي الإرسال فيهما، فإن صَحَّ فالواسطة في أحدهما عكرمة وطاوس أو أحدهما، وفي الثاني: ابن أبي مليكة، وهؤلاء كلهم ثقات أثبات، فإن ساغ أن يقال في حديثٍ رواه عمرو، عن ابن عباس: لعله لم يسمعه منه، فإنما يسوغ أن يُفرض أن عمرًا سمعه من ثقة حجة سمعه من ابن عباس ... ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني حديث جابر في لحوم الخيل.

المبحث الرابع تتبع مرويات بعض الرواة للنظر في شيوخهم وأسانيدهم

المبحث الرابع تتبع مرويات بعض الرواة للنظر في شيوخهم وأسانيدهم • في ترجمة: محمد بن عبد الله بن إبراهيم أبي بكر الشافعي من "التنكيل" (211): قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 111): "يكثر المصنف -يعني الخطيب- عنه جدا في مثالب أبي حنيفة، وكان كَلِفا بأن يُدْعَى بالشافعي، وليس له عملٌ في مذهب الشافعي، غير النيل من فقيه الملة بالرواية عن مجاهيل وكذابين في مثالبه .... فقال الشيخ المعلمي: "قد تتبعت تلك الروايات فلم أر في شيوخه فيها كذابين ولا مجاهيل، إنما له رواية واحدة عن الكديمي، والكديمي قد وثقه بعضهم، وأطلق بعضهم تكذيبه، وروايتان أخريان عن رجل لم أظفر بتوثيقه، وآخر لم أظفر بترجمته، وسائر رواياته عن الثقات المعروفين ... وأبو بكر ثقة حافظ متفق على توثيقه وتثبيته، راجع ترجمته في (تاريخ بغداد) و (تذكرة الحفاظ) ". * * *

المبحث الخامس استقراء كلام أئمة الجرح والتعديل والمتكلمين في الرجال للوقوف على طرائقهم أو مصطلحاتهم

المبحث الخامس استقراء كلام أئمة الجرح والتعديل والمتكلمين في الرجال للوقوف على طرائقهم أو مصطلحاتهم وهذه نماذج لذلك: • قال المعلمي في القاعدة الرابعة من قسم القواعد من "التنكيل"، وهي قاعدة "قدح الساخط، ومدح المحب ونحو ذلك" (1/ 60): "وقد تتبعت كثيرًا من كلام الجوزجاني في المتشيعين، فلم أجده متجاوزًا الحد، وإنما الرجل لما فيه من النَّصْبِ يرى التشيع مذهبًا سيئًا، وبدعةً ضلالةً، وزيغًا عن الحق وخذلانًا، فيطلق على المتشيعين ما يقتضيه اعتقاده كقوله: "زائغ عن القصد - سيء المذهب" ونحو ذلك. وكلامه في الأعمش ليس فيه جرح، بل هو توثيق، وإنما فيه ذمه بالتشيع والتدليس، وهذا أمر متفق عليه أن الأعمش كان يتشيع ويدلس، وربما دلس عن الضعفاء، وربما كان في ذلك ما ينكر". اهـ. • وقال في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 22): "قد استقرأت كثيرًا من توثيق العجلي، فبان لي أنه نحو من ابن حبان". اهـ. • وفيه (ص 282): "العجلي مثل ابن حبان، أو أشد تسهلا في توثيق التابعين، كما يعلم بالاستقراء". اهـ.

• وفيه (ص 485): "العجلي متمسح جدًّا، وخاصة في التابعين، فكأنهم كلهم عنده ثقات، فتجده يقول: "تابعي ثقة" في المجاهيل، وفي بعض المذمومي؛ كعمر بن سعد، وفي بعض الهلكي؛ كأصبغ بن نباتة". اهـ. • وفي "الأنوار الكاشفة" (68): "توثيق العجلي وجدته بالاستقراء كتوثيق ابن حبان أو أوسع". • وفي الأمر الثامن من القاعدة السادسة -وسبق نقله قريبا-: "ابن حبان قد يذكر في "الثقات" من يجد البخاري سماه في "تاريخه" من القدماء، وإن لم يعرف ما روى، وعمن روى، ومن روى عنه، ولكن ابن حبان يشدد وربما تعنت فيمن وجد في روايته ما استنكره، وإن كان الرجل معروفًا مكثرًا. والعجلي قريب منه في توثيق المجاهيل من القدماء، وكذلك ابن سعد، وابن معين، والنسائي، وآخرون غيرهما، يوثقون من كان من التابعين أو اتباعهم إذا وجدوا رواية أحدهم مستقيمة، بأن يكون له فيما يروي متابع أو شاهد، وإن لم يرو عنه إلا واحد، ولم يبلغهم عنه إلا حديث واحد. فممن وثقه ابن معين من هذا الضرب: الأسقع بن الأسلع، والحكم بن عبد الله البَلَوِي، ووهب بن جابر الخَيْواني وآخرون. وممن وثقه النسائي: رافع بن إسحاق، وزهير بن الأقمر، وسعد بن سمرة وآخرون.

وقد روى العوام بن حوشب، عن الأسود بن مسعود، عن حنظلة بن خويلد، عن عبد الله بن عمرو بن العاص حديثًا، ولا يُعرف الأسود وحنظلة إلا في تلك الرواية، فوثقهما ابن معين. وروى همام، عن قتادة، عن قدامة بن وَبَرةَ، عن سمرة بن جندب حديثًا، ولا يُعرف قدامة إلا في هذه الرواية، فوثقه ابن معين، مع أن الحديث غريب، وله علل أخرى راجع "سنن البيهقي" (3/ 248) ... ". اهـ. * * *

المبحث السادس النظر في مواليد الرواة، ووفياتهم، وطبقات شيوخهم؛ للتعيين، والجمع والتفريق، وغير ذلك

المبحث السادس النظر في مواليد الرواة، ووفياتهم، وطبقات شيوخهم؛ للتعيين، والجمع والتفريق، وغير ذلك وفيه مطالب: المطلب الأول النظر في تأخر تدوين الوفيات، واختلاف الروايات فما وفاة بعض الصحابة، وكيف الترجيح في ذلك • تعرض الشيخ المعلمي في ترجمة: أحمد بن محمد بن الصلت الحماني -الكذاب- من "التنكيل" إلى تاريخ وفاة ابن جزء الصحابي، وذلك أن ابن الصلت روى ما فيه لقاء أبي حنيفة لابن جزء، ولأبي حنيفة 18 سنة، يعني سنة 96 أو 98 - على الخلاف في سنة ميلاد أبي حنيفة، فنظر المعلمي في تلك القضايا المذكورة. ففي ترجمة ابن الصلت من "ميزان الاعتدال" (555): "في تاريخ نيسابور للحاكم: ... أحمد بن الصلت الحماني، حدثنا محمد بن سماعة، عن أبي يوسف، عن أبي حنيفة، قال: حججت مع أبي، ولي ثمان عشرة سنة، فمررنا بحلقة، فإذا رجل، فقلت: من هذا؟ قالوا: عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي ت. قلت: هذا كذب؛ فابن جزء مات بمصر، ولأبي حنيفة ست سنين". اهـ.

قال الشيخ المعلمي: "قال الأستاذ -يعني الكوثري-: "تغافل الذهبي عن أن في مواليد رجال الصدر الأول ووفياتهم اختلافًا كثيرًا؛ لتقدمهم على تدوين كتب الوفيات بمدة كبيرة، فلا يُبَتُّ في أغلب الوفيات برواية أحد النَّقَلَةِ. وها هو أُبي بن كعب -رضي الله عنه- من أشهر الصحابة، اختلفوا في وفاته من سنة 18 إلى سنة 32، والذهبي يصر على أن وفاته سنة 22 في كتبه جميعًا، مع أنه عاش إلى سنة 32، وشارك جمع القرآن في عهد عثمان، كما يظهر من طبقات ابن سعد. وأين منْزلة ابن جزء من منْزلة أُبي، حتى يُبَتُّ بوفاةٍ تُروى له عن ابن يونس وحده، وقد قال الحسن بن علي الغزنوي: إن وفاته سنة 96، كما في "شرح المسند" لعلي القاري، ولعل ذلك هو الصواب في وفاته". أقول: الجواب من وجوه: الأول: وقوع الاختلاف في ذلك في الجملة إنما هو بمنزلة وقوعه في أدلة الأحكام، لا يُبيح إلغاءَ الجميع جملةً، بل يؤخذ بما لا مخالفَ له، ويُنظر في المتخالِفَيْنِ، فيؤخذ بأرجحها، فإن لم يظهر الرجحانُ، أُخذ بما اتفقا عليه. مثال ذلك: ما قيل في وفاة سعد بن أبي وقاص: سنة 51، 54، 55، 56، 57، 58، فإن لم يترجح أحدها، أُخذ بما دل عليه مجموعها: أنه لم يعش بعد سنة 58. فإن جاءت روايةٌ عن رجلٍ أنه لقي سعدا بمكة، سنة 65 مثلًا، استنكرها أهلُ العلم، ثم ينظرون في السند، فإذا وجدوا فيه من لم تثبت ثقته، حملوا عليه.

فابنُ جَزء قيل في وفاته: سنة 85، 86، 87، 88، وأرجحها الثاني؛ لأنه قول ابن يونس مؤرخ مصر، وهي مع ذلك مجتمعة على أنه لم يعش بعد سنة 88. فلما جاءت تلك الرواية أنه لُقِيَ بمكة سنة 96 أو 98، استنكرها أهل العلم، ووجدوا أحقَّ مَنْ يُحمل عليه: ابنُ الصلت. فأما قول الغزنوي المتأخر: إن ابن جزء توفي سنة 99، فهو من نمط ما في "المناقب" للموفق (1/ 26)، روى من طريق الجعابي القصةَ، وفيها أن اللقاء كان سنة 96، ثم حكى عن الجعابي أن ابن جزء مات سنة 97. فهذان القولان مع تأخر قائليهما، إنما حاولا بهما تمشيةَ القصة، رأيا أن فيها أن اللقاء كان بالموسم، وأن المعروف في وفاة ابن جزء أنها بمصر بقرية يقال لها سفط القدور، كما جاء عن الطحاوي، وأن من شهد الموسم لا يمكن أن يصل إلى مصر إلا في السنة التالية، فبنيا على ذلك، ولم تمكنهما الزيادة على ذلك؛ لئلا تفحش المخالفة لما نُقل عن المؤرخن جدًّا. الوجه الثاني: ابنُ جزء أقرب إلى عصر تدوين الوفيات من أُبي بن كعب؛ ففي "فهرست ابن النديم" (ص 281) أن لليث بن سعد تاريخًا، وتواريخ المحدثين مدارها على بيان الوفيات، والليث ولد سنة 94، ومات سنة 175، ومن أشهر شيوخه يزيد بن أبي حبيب المتوفى سنة 128، وهو أشهر الرواة عن ابن جزء. وفي "تدريب الراوي" في شرح النوع الستين: "وقال سفيان الثوري: لما استعمل الرواة الكذب، استعملنا لهم التاريخ". والثوري ولد سنة 97، ومات سنة 161، فيظهر أن البحث والسؤال عن الوفيات قد شُرع فيه في حياة الرواة عن ابن جزء، وهكذا غيره ممن تأخرت وفاته، فلم يكن

بين الباحث وبين الصحابي إلا رجل واحد، فيخبره عما أدركه، بخلاف الحال في متقدمي الوفاة كأُبيّ بن كعب. الوجه الثالث: كان الصحابة في عهد أُبي بن كعب متوافرين، فلم يكن لطلبة العلم كبيرُ حرصٍ على لقائه؛ لأنهم يجدون غيره من الصحابة، ويرون أنه إن مات لم يَفُتْهُم شيءٌ؛ لبقاء كثير من الصحابة، وهو لعلمه بذلك لم يكن يبذل نفسه، حتى نُسب إلى شراسة الخلق، فلعله لم يكن يتجشم لقاءه إلا ذوو الأسنان، فإذا نظرنا في الرواة عنه فلم نجد فيهم إلا من كان رجلًا في عهد عمر، لم يكن في ذلك دلالة بينة على أنه توفي في عهد عمر. فأما ابن جزء فكان آخر الصحابة بمصر، فطلبة العلم بغاية الحرص على السماع منه؛ لأنهم يرون أنه إن مات لم يجدوا صحابيًا آخر، ونزلوا طبقة عظيمة، وهو لعلمه بذلك يبذل نفسه لتحديث من يريد أن يسمع منه، صغيرًا كان أم كبيرًا، كما كان سهل بن سعد يقول: "لو مت لم تسمعوا أحدًا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" كما في ترجمته من "الاستيعاب"، يحرضهم بذلك والله أعلم على السماع منه. ولما مات أنس قال مورق العجلي: ذهب اليوم نصف العلم. قيل كيف ذاك؟ قال: كان الرجل من أهل الأهواء إذا خالفنا في الحديث، قلنا: تعال إلى من سمعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-. فالظن بمن كان من طلبة العلم بمصر أنه إذا بلغ سنَّ الطلب في حياة ابن جزء، كان أهم شيء عنده أن يلقاه ويسمع منه، فلو عاش ابن جزء إلى سنة 97 أو 99، لكان في الرواة عنه من لم يبلغ سن الطلب إلا قبل ذلك بقليل، ولو كان فيهم من هو كذلك لاشتهر أمره لعلو سنده، ولما خفي على مثل ابن يونس وغيره ممن ذكر وفاة ابن جزء.

وقد تتبعت الرواة عن ابن جزء، فإذا آخرهم وفاةً: عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، توفي سنة 131، وقد روى عبيد الله أيضًا عن ناعم مولى أم سلمة، ووفاة ناعم سنة 80 على ما قيل ولم يذكروا خلافه. الوجه الرابع: لو حج ابن جزء سنة ست وتسعين أو ثماني وتسعين، وحَدَّث في الموسم، واجتمع الناس حواليه، كما تزعمه تلك الرواية، لكان من حضر الموسم من أهل العلم وطلبة الحديث أحرص الناس على لقائه والسماع منه؛ لأنه لم يبق حينئذٍ على وجه الأرض صحابي سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحدث عنه إلا هو، على فرض صحة الرواية، ثم لتناقلوا ما يسمعون منه وتنافسوا فيه لِعُلُوِّهِ، ولا سيما ذاك الحديث المذكور في تلك الرواية: "من تفقه في دين الله كفاه الله همه ورزقه من حيث لا يحتسب"، فإن فيه بشارة عظيمة لهم، وفضيلة بينة، وترغيبًا في طلب العلم، ولا يعرفونه من رواية غيره، فما بالنا لا نجد لذلك أثرًا إلا ما تضمنته تلك القصة؟ الوجه الخامس: لو لم يكن فيما يدل على تأخر وفاة أُبيّ بن كعب إلا ما أشار إليه الأستاذ من الرواية التي عند ابن سعد، لاستنكرها أهل العلم، لكن لذلك شواهد وعواضد، منها ما روي عن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: "قلت لأُبي: لما وقع الناس في أمر عثمان يا أبا المنذر ... "، ومنها ما روي عن زر بن حبيش أنه لقي أُبيًا في خلافة عثمان، ومنها ما روي عن الحسن البصري في قصةٍ أن أُبيًا مات قبل مقتل عثمان بجمعة. فأما الرواية في لُقِيِّ ابنِ جزء بمكة سنة ست وتسعن أو ثماني وتسعين، فلا شاهد لها ولا عاضد. فإن قيل: أرأيت لو وُجد لها شواهد وعواضد قوية، أتقبلونها؟

قلت: إن صح سندها، فنعم، وأي شيء في هذا؟ أرأيت من قامت عليه البينة العادلة بما يوجب القتل، أيدرأ عنه القتل أن يقال: لو وُجدت بينة عادلة بجرح الشهود لما كان عليه قتل؟. الوجه السادس: متأخرو الوفاة من الصحابة قد يقع الاختلاف في تاريخ وفاتهم، لكنه لا يكاد يكون التفاوت شديدًا، فعبد الله بن أبي أوفى سنة 86، 87، 88، وسهل بن سعد الساعدي سنة 88، 91، وأنس سنة 91، 93، 95، وأشد ما رأيته من التفاوت ما قيل في وفاة السائب بن يزيد، وذلك نادر مع أن النبي -صلى الله عليه وسلم- توفي وللسائب نحو سبع سنين، وعامة روايته عن الصحابة، وقد يرسل. أما ابن جزء فروى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماعًا، ولم يذكروا له رواية عن غيره، فالحرص على السماع من ابن جزء محقق بخلاف السائب. ثم قال الأستاذ: "على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- تُوفي عمن يزيد على مائة ألف من الصحابة، ولم تحتو الكتب المؤلفة في الصحابة عُشر معشار ذلك، ولا مانع من اتفاق كثير منهم في الاسم واسم الأب والنسب، لا سيما المقلين في الرواية". أقول: حاصل هذا أنه يُحتمل أن يكون هناك صحابي آخر، وافق عبدَ الله بن الحارث بن جزء الزبيدي في الاسم واسم الأب والنسب، فيكون هو الذي جاء في تلك القصة أن أبا حنيفة لقيه بمكة سنة 97 أو 98، ولا يخفى أن مثل هذا الاحتمال لا يكفي لدفع الحكم، مع أنه قد عُلم مما تقدم في الوجه الرابع وغيره ما يدفع هذا الاحتمال. فإن كان الأستاذ يشير بقوله: "في الاسم واسم الأب والنسب" ولم يذكر اسم الجد - إلى عبد الله بن الحارث الزبيدي النجراني المكتب، فذاك تابعي معروف.

ثم ذكر الأستاذ أن ابن عبد البر "نص على أن أبا حنيفة رأى أنس بن مالك وعبد الله بن جزء الزبيدي روايةً عن ابن سعد". أقول: يحكي الذهبي (¬1) عن ابن سعد أنه روى عن سيف بن جابر عن أبي حنيفة أنه رأى أنسًا، ولم أر في "الطبقات" المطبوع لا ذا ولا ذاك، فلا أدري أفي كتاب آخر لابن سعد؟ أم حكاية مفردة رويت بسند، فإن كان الثاني فلا أدري ما حال ذاك السند، وكيف وقعت لابن عبد البر زيادة "وعبد الله بن جزء الزبيدي"، مع أني لم أعرف سيف بن جابر (¬2)، وما دام الحال هكذا فلا تقوم بذلك حجة، مع أن صنيع ابن عبد البر في "الاستيعاب" يقتضي أنه لم يعتد بما حكاه في "كتاب العلم" من رؤية أبي حنيفة لابن جزء، فانه قال في ترجمة أنس بعد أن ذكر أنه توفي سنة 91 و 92 و 93: "ولا أعلم أحدًا مات بعده ممن رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أبا الطفيل"، وقال في ترجمة ابن جزء: "كانت وفاته بعد الثمانين، وقد قيل سنة ثمان أو سبع وثمانين، وقيل سنة خمس وثمانين". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ (1/ 168). (¬2) لعله أبو الموفق سيف بن جابر الجهني الذي ولي قضاء واسط في خلافة المأمون، بعد عبد العزيز بن أبان القرشي، جاء ذكره في "أخبار القضاة" لوكيع (1/ 361)، ولم أقف له على ترجمة.

المطلب الثاني استعمال النظر في وفيات الرواة وشيوخهم والآخذين عنهم، في التعيين

المطلب الثاني استعمال النظر في وفيات الرواة وشيوخهم والآخذين عنهم، في التعيين • في المثال التاسع من النوع الأول من "طليعة التنكيل"، وهو تبديل الرواة؛ إذ يتكلم الكوثري في الأسانيد التي يسوقها الخطيب طاعنًا في رجالها واحدًا واحدًا، فيمر به الرجل الثقة الذي لا يجد فيه طعنًا مقبولًا، فيفتش عن رجل آخر يوافق ذلك الثقة في الاسم واسم الأب، ويكون مقدوحًا فيه، فإذا ظفر به زعم أنه هو الذي في السند، قال المعلمي: "محمد بن عمر، قال الخطيب (ج 13 ص 405): "محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع، حدثنا محمد بن عمر بن دليل، قال: سمعت محمد بن عبيد الطنافسي ... ". ذكر الكوثري هذه الرواية ص 126، وقال: "محمد بن عمر هو ابن وليد التميمي، وقد تصحف "وليد" إلى "دليل" في الطبعات كلها، ويقول عنه ابن حبان: يروي عن مالك ما ليس من حديثه". أقول: لم يذكروا في ترجمة محمد بن عمر بن وليد التيمي الذي تكلم فيه ابن حبان وغيره أنه يروي عن محمد بن عبيد الطنافسي، ولا أنه يروي عنه محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع، وأراه أقدم من ذلك، فإنه يروي عن المتوفين حوالي سنة 185 هـ، كمسلم بن خالد، ومالك، وهشيم، فيبعد أن ينزل إلى محمد بن عبيد المتوفى سنة 204 هـ، ولم يذكروا راويا عن التيمي هذا إلا أبا زرعة المولود سنة 200، ويبعد أن يكون أدركه، أعني التيمي هذا، محمد بن الحسين بن حميد الذي أقدم من سمي من شيوخه موتًا: أبو سعيد الأشج المتوفى سنة 257.

فالأقرب أن يكون الواقع في السند هو محمد بن عمر بن وليد الكندي الكوفي، يروي عن الكوفيين المتوفين حوالي سنة مائتين، وأقدم من سمي من شيوخه: محمد ابن فضيل المتوفى سنة 195. وذكر ابن أبي حاتم هذا الكندي فقال: "كتب عنه أبي في الرحلة الثالثة بالكوفة، وقدمنا الكوفة سنة 255 وهو حي، فلم يقض لنا السماع منه"، وقال النسائي: "لا بأس به"، وذكره ابن حبان في الثقات. فهذا كوفي يروي عن أقران محمد عبيد -ومحمد بن عبيد كوفي وقد أدركه - أعني الكندي- محمد بن حسين بن حميد بن الربيع، وهو كوفي أيضًا، وهذا لا يخفى على الكوثري، لكنه لم يجد في هذا مغمزًا، فعدل إلى التيمي المطعون فيه؛ لحاجة الكوثري إلى الطعن في تلك الرواية، والله المستعان". اهـ. * * *

المطلب الثالث استعمال النظر في وفيات الرواة وشيوخهم والآخذين عنهم، في نقد الحكايات، لا سيما المشتملة على جرح بعض الرواة

المطلب الثالث استعمال النظر في وفيات الرواة وشيوخهم والآخذين عنهم، في نقد الحكايات، لا سيما المشتملة على جرح بعض الرواة • ذكر الشيخ المعلمي في ترجمة: حماد بن سلمة، من "التنكيل" (85) أن الكلام فيه يعود إلى أربعة أمور ... "الوجه الثالث: زعم بعضهم أنه كان له ربيبٌ يُدخل في كتبه، وقيل ربيبان، وصَحَّفَ بعضُهم "ربيب حماد" إلى "زيد بن حماد"، راجع "لسان الميزان" (ج 2 ص 506). ومدار هذه التهمة الفاجرة على ما يأتي. قال الذهبي في "الميزان": "الدولابي حدثنا محمد بن شجاع بن الثلجي، حدثني إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي، قال: كان حماد بن سلمة لا يعرف بهذه الأحاديث -يعني التي في الصفات- حتى خرج مرة إلى (عَبّادان)، فجاء وهو يرويها، فلا أحسب إلا شيطانًا خرج إليه من البحر، فألقاها إليه. قال ابن الثلجي: فسمعت عباد بن صهيب يقول: إن حمادًا كان لا يحفظ، وكانوا يقولون: إنها دُسَّتْ في كتبه، وقد قيل: إن ابن أبي العوجاء كان ربيبه، فكان يدس في كتبه". قال الذهبي: قلت: ابن الثلجي ليس بِمُصَدَّقٍ على حماد وأمثاله، وقد اتُّهِمَ. نسأل الله السلامة. أقول: الدولابي حافظ حنفي، له ترجمة في "لسان الميزان" (ج 5 ص 41)، وهو بريء من هذه الحكاية إن شاء الله، إلا في قبوله لها من ابن الثلجي، وروايتها عنه.

كان ابن الثلجي من أتباع بشر المريسي، جهميًا، داعية، عدوًا للسنة وأهلها، قال مرة: عند أحمد بن حنبل كتب الزندقة، وأوصى أن لا يُعطى من وصيته إلا من يقول: القرآن مخلوق. ولم أر من وثقه، بل اتهموه وكذبوه، قال ابن عدي: كان يضع أحاديث في التشبيه، وينسبها إلى أصحاب الحديث، يثلبهم بذلك، وذكر ما رواه عن حبان بن هلال، وحبان ثقة، عن حماد بن سلمة، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة مرفوعا: "إن الله خلق الفرس فأجراها فعرقت ثم خلق نفسه منها"، وكذبه أيضًا الساجي، والأزدي، وموسى بن القاسم الأشيب. فأما ما نُسب إليه من التوسع في الفقه وإظهار التعبد، فلا يدفع ما تقدم. وحكايته هذه يلوح عليها الكذب، إبراهيم بن عبد الرحمن بن مهدي وُلد أبوه سنة 135، فمتى ترى وُلد إبراهيم؟ ومولد ابن الثلجي كما ذَكر عن نفسه سنة 181 فمتى تراه سمع من إبراهيم؟ وفي ترجمة قيس بن الربيع من "التهذيب" شيء من رواية ابن المديني، عن إبراهيم، عن أبيه، وهذا يُشعر بأنه عاش بعد أبيه، وأبوه مات سنة 198، فإذا كان إبراهيم مات سنة 200، فمتى تراه ولد؟ وقد قال الخليلي: "مات وهو شاب، لا يعرف له إلا أحاديث دون العشرة، يروي عنه الهاشمي جعفر بن عبد الوارث أحاديث أنكروها على الهاشمي، وهو من الضعفاء". وحماد بن سلمة توفىِ سنة 167، ومقتضى ما تقدم أن يكون إبراهيم حينئذ إما صبيا، وإما لم يولد، فمتى صحب حماد بن سلمة حتى عرف حديثه، وعرف أنه لم يكن يروي تلك الأحاديث حتى خرج إلى "عبادان"، وكيف عرف هذا الأمر العظيم، ولم يعرفه أبوه وكبار الأئمة من أقران حماد وأصحابه؟ وكلهم أبلغوا في الثناء على حماد كما يأتي، ولا داعي إلى الحمل على إبراهيم لأنه لم يوثقه أحد، وذِكر ابن حبان له في "الثقات" لا يجدي؛ لأنه لم يثبت عنه أحاديث كثيرة يعرف باعتبارها أثقة هو أم لا؟ ولا إلى أن يقال: لعل إبراهيم سمع ذلك من بعض الهلكى، بل الحمل على ابن الثلجي كما ذكر الذهبي.

وكذلك ما ذكره عن عباد بن صهيب، مع أن عبادًا متروك، وقال عبدان: لم يكذبه الناس، وإنما لقنه صهيب بن محمد بن صهيب أحاديث في آخر الأمر. فعلى هذا فعباد وهو المبتلى بابن أخيه يدخل عليه في حديثه، وفي "الميزان" أحاديث من مناكيره. اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن علي بن مسلم أبي العباس الأبار من "التنكيل" (27): "قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 19): "والأبار من الرواة الذين كان دعلج التاجر يدر عليهم الرزق، فيدونون ما يروقه للنكاية في مخالفيه في الفروع والأصول، فللأبار قلمٌ مأجورٌ ولسانٌ ذلق في الوقيعة في أئمة أهل الحق، وكفى ما يجده القارىء في روايات الخطيب عنه في النيل من أبي حنيفة وأصحابه لتعرف مبلغ عداوته وتعصبه، ورواية العدو المتعصب مردودة عند أهل النقد، كيف وهو يروي عن مجاهيل -بل الكذابين- في هذا الباب ما ستراه، فلا يحتاج القارىء الكريم في معرفة سقوط هذا الراوي إلى شيء سوى استعراض مروياته فيمن ثبتت إمامته وأمانته، فكفى الله المؤمنين القتال". فقال العلامة المعلمي: في "تذكرة الحفاظ" للذهبي (ج 2 ص 192): الأبار الحافظ الإمام أبو العباس أحمد بن علي بن مسلم محدث بغداد، يروي عن مسدد، وعلي بن الجعد، وشيبان بن فروخ، وأمية بن بسطام، ودُحيم، وخلق كثير. حدث عنه دعلج، وأبو بكر النجاد، وأبو سهل بن زياد، والقطيعي، وآخرون. قال الخطيب: كان حافظًا متقنًا حسنَ المذهب، قال جعفر الخلدي: كان الأبار أزهد الناس، استأذن أمّه في الرحلة إلى قتيبة، فلم تأذن له، فلما ماتت رحل إلى بلخ، وقد مات قتيبة، وكانوا يعزونه على هذا. قلت: وله تاريخ وتصانيف، مات يوم نصف شعبان، سنة تسعين ومائتين".

رأى الأستاذ في الرواة عن الأبار: دعلج بن أحمد السجزي، ورأى في ترجمة دعلج أنه كان تاجرًا، كثير المال، كثير الإفضال على أصحاب الحديث وغيرهم، وأنه أخذ عن ابن خزيمة مصنفاته، وكان يفتي بقوله، فاستنبط الأستاذ أن دعلجًا كان متعصبًا لابن خزيمة في الأصول يعني العقائد، وفي الفروع، وابن خزيمة عند الأستاذ مجسم، وأبو حنيفة عنده مننره، التنزيه الذي يسميه خصومه تعطيلًا وتكذيبًا، فعلى هذا كان دعلج متعصبًا على أبي حنيفة للعقيدة وللمذهب معًا! ثم استنبط الأستاذ في شأن الأبار أنه جمع ما جمعه في الغض من أبي حنيفة تقربًا إلى دعلج المثري المنفق، وأن دعلجًا كان يوسع العطاء للأبار لأجل ذلك! فأقول: لا يخفى على عارفٍ بالفقه والحديث أنه يكفي في رد هذه التهمة أن يبين أن الأبار ودعلجًا من الحفاظ المعروفين، روى عنهما أئمة الحديث العارفون بالعدالة والرواية، ووثقوهما، وأثنوا عليهما، ولم يطعن أحد في عدالتهما ولا روايتهما، ولم يذكر أحد دعلجًا بتعصبٍ، بل كان فضله وأفضاله كلمة وفاق، ولم يذكر أحد الأبار بحرصٍ على الدنيا، كما ذكروا الحارث بن أبي أسامة وعلي بن عبد العزيز البغوي وغيرهما، بل وصفه شيخ الزهاد وراوية أخبارهم: جعفر بن محمد بن نصير الخلدي بأنه كان أزهد الناس كما سلف. ومع هذا فالأبار كان ببغداد، وسُكنى دعلج بها وحصول الثروة له وما عُرف به من الإنفاق، وتجرد ابن خزيمة للكلام في العقائد، وأخذ دعلج كتبه، واتباعه له: كل ذلك إنما كان بعد وفاة الأبار بمدة؛ فإن أقدم من سمي من شيوخ الأبار: مسدد المتوفى سنة 228، فعلي بن الجعد المتوفى سنة 230، فأمية بن بسطام المتوفى سنة 231، وبذلك يظهر أن مولد الأبار كان بعد سنة 210، وتوفي سنة 290 كما مرّ، ومولد دعلج سنة 260 بسجستان، وبها نشأ، ثم كان يطوف البلدان لطلب العلم والتجارة.

ويظهر أن أول دخوله بغداد كان في أواخر سنة 282، أو أوائل التي تليها، فإن أعلى من سمع دعلج منه ببغداد -كما يؤخذ من ترجمته في "تذكرة الحفاظ" (¬1) - محمد بن ربح البزار ومحمد بن غالب تمتام، وكانت وفاتهما سنة 283، وقد كان ببغداد الحارث بن أبي أسامة، وهو أسن منهما وأعلى إسنادًا وأشهر ذِكْرًا، وتوفي يوم عرفة سنة 282، ولم يذكروا لدعلج عنه رواية، ولو أدركه ما فاته، فعلى هذا أول ما لقي دعلج الأبار سنة 283، وسن الأبار يومئذ نحو سبعين سنة، وسن دعلج نحو ثلاث وعشرين سنة. ولم يكن دعلج حينئذٍ ذا ثروة ولا إنفاق؛ لأنه أقام بعد ذلك بمكة زمانًا، وسمع بها من الحافظ المعمر عالي الإسناد: علي بن عبد العزيز البغوي، المتوفى سنة 286، وكان البغوي بغاية الفقر، حتى كان يضطر إلى أخذ الأجرة على الحديث، ... وبقي على ذلك إلى أن مات، إذ لو كَفَّ قبل موته، لكان الظاهر أن يذكر ذلك تلامذتُه الأجلاء، وهم كثير، ولهم حرص على أن يدفعوا عن شيخهم ما عِيب به، فيقول واحد منهم أو أكثر: إنما كان يأخذ للضرورة ثم كَفَّ عن ذلك. ... ، والأبار توفي سنة 290، أي وسن دعلج ثلاثون سنة، وعاش دعلج بعده فوق ستين سنة، فإنه توفي سنة 351، والظاهر مما ذكروه من أنه أقام بمكة زمانًا أنه لم يسكن بغداد إلا بعد وفاة الأبار بمدة، فبالنظر فيما تقدم يتبين أنه ليس هناك أدنى قرينة تقتضي أن يكون دعلج وصل الأبار بفلس واحد. أما ابن خزيمة فإنه توفي سنة 311، أي بعد وفاة الأبار بإحدى وعشرين سنة، وإنما تجرد للتأليف في العقائد في أواخر عمره، وفي "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 262) عن الحاكم عن جماعة: لما بلغ ابن خزيمة من السن والرياسة والتفرد بهما ما بلغ، ¬

_ (¬1) (3/ 881).

كان له أصحاب صاروا أنجم الدنيا .. فلما ورد منصور الطوسي كان يختلف إلى ابن خزيمة للسماع وهو معتزلي ... واجتمع مع أبي عبد الرحمن الواعظ، وقالا: هذا إمام لا يسرع من الكلام وينهى عنه، وقد نبغ له أصحاب يخالفونه، وهو لا يدري فإنهم إلى مذهب (الكلابية) (¬1) ... " ثم ذكر كلامًا فيه أن ذلك الخلاف كان بعد ضيافة عملها ابن خزيمة "في جمادى الأولى سنة تسع" يعني سنة 309، وكأن ذاك الخلاف هو الذي دعا ابن خزيمة إلى التأليف في العقائد، وعلى كل حال فالظاهر البين أن أخذ دعلج كتب ابن خزيمة وإفتاءه بقوله، إنما كان بعد وفاة الأبار بمدة. وإنما الثابت أن الأبار كان ساخطًا على أبي حنيفة سخطًا ما، كما يدل عليه جمعه ما جمع، وذلك شأن أهل الحديث في عصره، كالبخاري ويعقوب بن سفيان وزكريا الساجي والعقيلي وغيرهم، فإن صح أن يسمى ذلك عداوة وتعصبًا، فهي عداوة دينية، لا ترد بها الشهادة، فكيف الرواية؟ وقد مر إيضاح ذلك في القواعد". اهـ. • وفي ترجمة الخطيب من "التنكيل" (1/ 145): "قال ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 8 ص 266) بعد أن عدَّدَ جملةً من مصنفات الخطيب: "فهذا الذي ظهر لنا من مصنفاته، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل وما هُييء له مما لم يتهيأ لمن كان أحفظ منه، كالدارقطني وغيره. وقد روي لنا عن أبي الحسن ابن الطيوري أنه قال: أكثر كتب الخطيب مستفادة من كتب الصوري، ابتدأ بها. قال ابن الجوزي: وقد يضع الإنسان طريقا فيُسلك، وما قصر الخطيب على كل حال. ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "الكلامية" وهو خطأ، والتصويب من "تذكرة الحفاظ" ص (724).

أقول: لم يُسَمِّ ابن الجوزي مَنْ حَكى له ذاك القول عن ابن الطيوري، وابن الطيوري هذا هو المبارك عبد الجبار، وثقه جماعة، وكذبه المؤتمن الساجي الحافظ، والصوري هو محمد بن عبد الله الساحلي، ترجمته في "التذكرة" (ج 3 ص 293)، وفيها أن مولده سنة ست أو سبع بعد السبعين وثلاثمائة، ووفاته سنة 441، فهو أكبر من الخطيب بنحو خمس عشرة سنة، ومع حفظه ففي "التذكرة" (ج 3 ص 298) في ترجمة أبي نصر السجزي المتوفى سنة 444: "قال ابن طاهر: سألت الحافظ أبا إسحاق الحبال عن أبي نصر السجزي والصوري، أيهما أحفظ؟ فقال: كان السجزي أحفظ من خمسين مثل الصوري". وفي "التذكرة" (ج 1 ص 314): "قال ابن ماكولا: كان أبو بكر الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتفننًا في علله وأسانيده، وعلمًا بصحيحه وغريبه وفرده ومنكره ومطروحه، ثم قال: ولم يكن للبغدادين بعد الدارقطني مثله، وسألت الصوري عن الخطيب وأبي نصر السجزي، ففضل الخطيب تفضيلًا بينًا". وقد علمت أن الصوري توفي سنة 441، أي قبل وفاة الخطيب باثنتين وعشرين سنة، ووفاة السجزي سنة 444، وابن طاهر لقي الحبال سنة 470، كما في "التذكرة" (ج 3 ص 363)، فتفضيل الحبال بين السجزي والصوري كان بعد موتهما، فهو بحسب ما انتهى إليه أمرهما، وأما تفضيل الصوري بين الخطيب والسجزي، ففي حياتهما، لكن أحدهما وهو السجزي كان في أواخر عمره، والآخر وهو الخطيب في وسط عمره؛ لأن الصوري مات سنة 441، كما مَرَّ، فالسؤال منه وجوابه يكون قبل ذلك، فإذا فرضنا أنه قبل ذلك بشهر مثلًا حيث كان سن السائل وهو ابن ماكولا نحو عشرين سنة، فإن مولده 422، كان ذلك قبل وفاة السجزي بنحو ثلاث سنين، وقبل وفاة الخطيب بنحو اثنتين وعشرين سنة، فيخرج مما تقدم أن الخطيب -

باعتراف الصوري- كان قبل موته باثنتين وعشرين سنة بحيث يُفضل تفضيلًا بينًا على من هو بحكم الحبال أحفظ من خمسين مثل الصوري، فما عسى أن يكون بلغ بعد ذلك؟. وإذا كانت النسبة بينهما هي هذه، فما معنى ما حكى عن ابن الطيوري؟ هل معناه أن الصوري ابتدأ في أكثر الكتب التي تُنسب إلى الخطيب ولم يتم شيئًا منها؟ يقول ابن السمعاني: إن مؤلفات الخطيب ستة وخمسون مصنفًا، فهل ابتدأ الصوري في عمل ثلاثين مصنفًا أو نحوها ولم يتم شيئا منها؟ فإن كان أتم شيئًا منها أو قارب أو على الأقل كتب منه كراسة مثلًا، فقد كان ابن الطيوري من أخص الناس بالصوري، كما يؤخذ من "لسان الميزان" (ج 5 ص 10)، أفلم يكن عنده شيء من ابتداءات الصوري، فيبرز للناس تصديقًا لقوله؟ ... ". اهـ. • وفي ترجمة طلق بن حبيب من "التنكيل" (114): "قَوْله -يعني الكوثري-: أبو حنيفة أعرف بمذهب سعيد بن جبير ... مردود عليه؛ فإن سعيد أُخرج من الكوفة عقب وقعة ابن الأشعث، وعُمْرُ أبي حنيفة سنتان أو ثلاث". اهـ. * * *

المطلب الرابع استعمال مواليد ووفيات شيوخ الراوي والآخذين عنه، في معرفة طبقته، أو تقريب سنة مولده ووفاته، أو في نفي الإدراك أو استبعاد السماع، ونحو ذلك

المطلب الرابع استعمال مواليد ووفيات شيوخ الراوي والآخذين عنه، في معرفة طبقته، أو تقريب سنة مولده ووفاته، أو في نفي الإدراك أو استبعاد السماع، ونحو ذلك • في ترجمة ابن الصلت من "التنكيل": "في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 286): محمد بن المثنى بن زياد أبو جعفر السمسار، كان أحد الصالحين، صحب بشر بن الحارث، وحفظ عنه، وحدث عن نوح بن يزيد وعفان بن مسلم وغيرهم ... ثم ذكر قول ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق. وأنه مات سنة 260 ... فالسمسار يظهر أنه لم يدرك ابن عيينة، وأن ابن الصلت افتضح في روايته عنه أنه قال: "سمعت ابن عيينة". فإن ابن عيينة مات سنة 198، والمُسمّون من شيوخ السمسار ماتوا بعد ذلك بزمان، فبشر بن الحارث سنة 227، وعفان 220، ونوح بن يزيد قريبًا من ذلك، ولم أظفر بتاريخ وفاته، لكن ذكروا في الرواة عنه: أحمد بن سعد بن إبراهيم أبا إبراهيم الزهري الذي ولد سنة 198، كما في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 181)، وأحمد بن علي بن الفضيل أبا جعفر الخراز المقرىء، المتوفى سنة 286، كما في "تاريخ بغداد" (ج 4 ص 303)، فظهر بذلك أن وفاة نوح كانت سنة بضع عشرة ومائتين أو بعد ذلك.

أضف إلى ذلك أن من عادتهم أنهم يحرصون على أن يذكروا في ترجمة الرجل أقدمَ شيوخه، وأجلَّهم، فلو عرفوا للسمسار سماعًا من ابن عيينة، أو أحد أقرانه، أو من قرب منه، لكان أولى أن يذكروه في شيوخه من نوح وعثمان. فإن قيل: إن كان ابن الصلت أراد الكذب، فما الذي منعه أن يسمي شيخًا أشهر من السمسار، وأثبت، لا يُشك في سماعه من ابن عيينة؟ قلت: منعه علمه بأن الكذب على المشاهير سرعان ما يفتضح؛ لإحاطة أهل العلم بما رووه، بخلاف المغمورين، الذين لم يرغب أهل العلم في استقصاء ما رووه". اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 65) حديث: "من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود: فإنها صدقة". قال المعلمي في الحاشية: "الحديث أورده الخطيب في ترجمة: يعقوب بن محمد الزهري، وروى عن ابن معين قال: يعقوب ... صدوق، ولكن لا يبالي عمن حَدَّثَ، حَدَّثَ عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من لم يكن عنده صدقة فليلعن اليهود، هذا كذب - الخ. يريد أن يعقوب يحدث عن الضعفاء والمتروكين، فَحَدَّثَ عن بعضهم عن هشام بن عروة بهذا الخبر الباطل. وفي "الميزان" في ترجمة يعقوب: أخطأ من قال: إنه يروي عن هشام بن عروة، لم يلحقه، ولا كأنه ولد إلا بعد هشام.

أقول: مات هشام سنة 145، وعامة شيوخ يعقوب ماتوا بعد سنة 180، وكأن يعقوب روى هذا الخبر عن عبد الله بن محمد بن زاذان، عن أبيه، عن هشام". اهـ. • ونظر المعلمي في رواية عبد الواحد بن قيس -وهو السلمي أبو حمزة الدمشقي النحوي- عن عبادة بن الصامت، فقال في حاشية "الفوائد" (ص: 247): "لا يتحقق له إدراك لعبادة، بل الظاهر البيِّن أنه لم يدركه؛ توفي عبادة سنة 34، ومن زعم أنه تأخر إلى خلافة معاوية، إنما اغتر بحوادث جرت له مع معاوية في إمارته، والمراد بالإمارة إذ كان عاملًا على الشام في خلافة عمر وعثمان، ولو عاش عبادة بعد عثمان لكان له شأن. وعامّة شيوخ عبد الواحد من التابعين، روى عن أبي إمامة المتوفي سنة 86، وذكروا أنه روى عن أبي هريرة ولم يره، فإن لم يدرك أبا هريرة، فلم يدرك عبادة؛ لأن أبا هريرة عاش بعد عبادة نيفًا وعشرين سنة، وإن كان أدركه ومع ذلك روى عنه ولم يسمعه، فهذا ضرب من التدليس يحتمل أن يقع منه في الرواية عن عبادة على فرض إدراكه له. اهـ. • وقال الشيخ في محاضرة: علم الرجال وأهميته: "بكير بن عامر البجلي، لم يعلم تاريخ ولادته ولا وفاته، ولكن روى عن قيس بن أبي حازم، وروى عنه وكيع وأبو نعيم، ووفاة قيس سنة 98، ومولد وكيع سنة 128، ومولد أبي نعيم سنة 130، وهؤلاء كلهم كوفيون، وقد ذكر أبن الصلاح وغيره أن عادة أهل الكوفة أن لا يسمع أحدهم الحديث إلا بعد بلوغه عشرين سنة، فمقتضى هذا أن يكون عمر بكير يوم مات قيس فوق العشرين، فيكون مولد بكير سنة 78 أو قبلها، ويعلم أن سماع وكيع وأبي نعيم من بكير بعد أن بلغا عشرين سنة، فيكون بكير قد بقي حيا إلى سنة 150، فقد عاش فوق سبعين سنة". اهـ.

الفصل الثانى: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف فى الجرح والتعديل

الفصل الثانى: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف فى الجرح والتعديل ويشتمل هذا الفصل على مباحث: الأول: حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف عامة. الثاني: ألفاظ وأوصاف ظاهرها الجرح وأخرى لا تقتضي الجرح. الثالث: ألفاظ وأوصاف ظاهرها التعديل ولا تقتضيه. المبحث الأول حدود ومعاني ألفاظ وأوصاف عامة 1 - الفرق بين قول البخاري: "فيه نظر" و"في حديثه نظر": • قال الشيخ المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني (42). "ذكروا أن البخاري يقول: "فيه نظر" أو "سكتوا عنه" فيمن هو عنده ضعيف جدًّا، قال السخاوي في "فتح المغيث" (ص 161): "وكثيرًا ما يعبر البخاري بهاتين ... فيمن تركوا حديثه، بل قال ابن كثير: إنهما أدنى المنازل عنده وأردؤها". ولم يقل البخاري في الحنيني: "فيه نظر"، إنما قال: "في حديثه نظر"، وبينهما فرق. فقوله: "فيه نظر" تقتضي الطعن في صدقه، وقوله: "في حديثه نظر" تشعر بأنه صالح في نفسه، وإنما الخلل في حديثه لغفلةٍ أو سوءِ حفظٍ ...

2 - الفرق بين قولهم: "ليس بالقوي" و"ليس بقوي"، وأشباه ذلك

والمقصود هنا أن الحنيني كان صالحا في نفسه .. فأما حديثه فكلمة البخاري تقتضي أنه مطرح، لا يصلح حتى للاعتبار .. ". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: ضرار بن صرد (112): " ... قال البخاري -يعني في أبي نعيم النخعي-: "فيه نظر، وهو في الأصل صدوق"، وكلمة "فيه نظر" معدودة من أشد الجرح في اصطلاح البخاري، لكن تعقيبه هنا بقوله: "وهو في الأصل صدوق" يخفف من وطأتها". اهـ. 2 - الفرق بين قولهم: "ليس بالقوي" و"ليس بقوي"، وأشباه ذلك: • قال الشيخ المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: - الحسن بن الصباح أبي علي البزاز الواسطي. "قال الأستاذ -يعني الكوثري- (ص 105): "ليس بقوي" عند النسائي. أقول: عبارة النسائي: "ليس بالقوي"، وبين العبارتين فرقٌ لا أراه يخفى على الأستاذ، ولا على عارف بالعربية. فكلمة: "ليس بقوي" تنفي القوة مطلقًا، وإن لم تثبت الضعف مطلقًا، وكلمة: "ليس بالقوي" إنما تنفي الدرجة الكاملة من القوة، والنسائي يراعي هذا الفرق؛ فقد قال هذه الكلمة في جماعةٍ أقوياء، منهم: عبد ربه بن نافع، وعبد الرحمن بن سليمان بن الغسيل، فَبَيَّنَ ابنُ حجر في ترجمتيهما من "مقدمة الفتح" أن المقصود بذلك أنهما ليسا في درجة الأكابر من أقرانهما، وقال في ترجمة الحسن بن الصباح: "وثقه أحمد وأبو حاتم، وقال النسائي: صالح، وقال في الكنى: ليس بالقوي. قلت: هذا تليينٌ هَيِّنٌ، وقد روى عنه البخاري وأصحاب "السنن" إلا ابن ماجة، ولم يكثر عنه البخاري". اهـ.

• وقال في ترجمة محمد بن موسى البربري منه (235): "كلمة الدارقطني-: إنه لم يكن بالقوي- تعطي أنه قوي في الجملة، كما مَرَّ في ترجمة الحسن بن الصباح". اهـ. • وفي ترجمة: الربيع بن سليمان المرادي منه (91): "في ترجمته من "التهذيب": "قال أبو الحسين الرازي الحافظ والد تمام: أخبرنا على بن محمد بن أبي حسان الزيادي بحمص: سمعت أبا يزيد القراطيسي يوسف بن يزيد يقول: سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت، وإنما أخذ أكثر الكتب من آل البويطي بعد موت البويطي. قال أبو الحسين: هذا لا يقبل من أبي يزيد، بل البويطي كان يقول: الربيع أثبت مني، وقد سمع أبو زرعة الرازي كتب الشافعي كلها من الربيع قبل موت البويطي بأربع سنين". وقول القراطيسي: ليس بالثبت، إنما مفاده نفي أن يكون غاية في الثبت، ويفهم من ذلك أنه ثبت في الجملة، كما شرحته في ترجمة الحسن بن الصباح. ويوضح ذلك هنا ما بعده، وحاصله أنه لم يكن للربيع في بعض مسموعاته من الشافعي أصول خاصة محفوظة عنده؛ لأنه إنما أخذ أكثر الكتب من ورثة البويطي. وهذا تشدد من أبي يزيد في غير محله؛ فقد يكون للربيع أصول خاصة محفوظة عنده، ولا يمنعه ذلك من أخذ غيرها من ورثة البويطي ليحفظها، وعلى فرض أنه لم يكن له ببعض الكتب أصول خاصة، وإنما كان سماعه لها في كتب البويطي، وأن البويطي كان يخرجها لمن يريد سماعها من الربيع، كأبي زرعة، فسماع الربيع لها ثابت، وقد عرف الكتب وأتقنها، فإذا وثق بأخها لم تزل محفوظة في بيت البويطي حق الحفظ حتى أخذها، فأي شيء في ذلك؟.

وقد قال الخليلي في الربيع: "ثقة متفق عليه، والمزني مع جلالته استعان على ما فاته عن الشافعي بكتاب الربيع"، ووثقه آخرون، واعتمد الأئمة عليه في كتب الشافعي وغيرها". اهـ. • وفي ترجمة محمد بن فليح بن سليمان منه (229): "روى أبو حاتم (¬1) عن معاوية بن صالح عن ابن معين: فليح بن سليمان ليس بثقة، ولا ابنه. فسئل أبو حاتم فقال: ما به بأس، ليس بذاك القوى. وقد اختلفت كلمات ابن معين في فليح، قال مرة: ليس بالقوي، ولا يحتج بحديثه، هو دون الدراوردي. وقال مرة: ضعيف ما أقربه من أبي أويس. وقال مرة: أبو أويس مثل فليح فيه ضعف. وقال في أبي أويس: صالح، ولكن في حديثه ليس بذاك الجائز. وقال مرة: صدوق، وليس بحجة. فهذا كله يدل أن قوله في الرواية الأولى: "ليس بثقة"، إنما أراد أنه ليس بحيث يقال له: ثقة، وتزداد الوطأة خفة في قوله: "ولا ابنه"، فإنها أخف من أن يقال في الابن: "ليس بثقة"، ويتأكد ذلك بأن محمد بن فليح روى عنه البخاري في "الصحيح"، والنسائي في "السنن"، وقال الدارقطني: "ثقة"، وذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. • وفي ترجمة محمد بن كثير العبدي منه (230): "قال الأستاذ ص 161: فيه يقول ابن معين: لا تكتبوا عنه، لم يكن بالثقة. أقول: قال الإمام أحمد: ثقة، لقد مات على سُنَّة. وقال أبو حاتم مع تشدده: صدوق، وأخرج له الشيخان في "الصحيحين"، وبقية الستة، روى عنه أبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة، كما تقدم في ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم، وروى عنه ¬

_ (¬1) الجرح والتعديل (8/ 59).

3 - قولهم: "ليس بحجة" أو "ليس بمحل للحجة"

أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416)، وقال ابن حبان في "الثقات": كان تقيا فاضلا. وهذا كله يدل أن ابن معين إنما أراد بقوله: "ليس بالثقة" أنه ليس بالكامل في الثقة، فأما كلمة "لا تكتبوا عنه" فلم أجدها، نعم، قال ابن الجنيد عن ابن معين: كان في حديثه ألفاظ، كأنه ضعفه، قال: ثم سألته عنه، فقال: لم يكن لسائل أن يكتب عنه، وابن معين كغيره؛ إذا لم يفسر الجرح، وخالفه الأكثرون يرجح قولهم. اهـ. 3 - قولهم: "ليس بحجة" أو "ليس بمحل للحجة": • في ترجمة الحسن بن الربيع أبي علي البجلي الكوفي (75). "في "التهذيب": قال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: الحسن بن الربيع صدوق وليس بحجة. وهذه الحكاية منقطعة فيما يحكيه في "ثقاته" عمن لم يدركه، وعثمان على قلة كلامه في الرجال يتعنت. وكلمة "ليس بحجة" لا تنافي الثقة؛ فقد قال عثمان نفسه في أحمد بن عبد الله بن يونس الثقة المأمون: ثقة وليس بحجة، وراجع "فتح المغيث" ص 157. والحسن قد وثقه الناس، قال أبو حاتم مع تشدده: كان من أوثق أصحاب ابن إدريس. وقال العجلي: كوفي ثقة صالح متعبد. وقال ابن خراش: كوفي ثقة. وروى عنه البخاري ومسلم في "الصحيحين"، وأبو داود في "السنن"، وهو لا يروي إلا عن ثقة كما مر في ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم، وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416)، وأخرج له بقية الستة بواسطة، وقال ابن حبان في "الثقات": هو الذي غمض ابن المبارك ودفنه. اهـ.

4 - قولهم "ليس بالمحمود"

• وفي ترجمة الحسن بن علي بن محمد أبي علي المذهب التميمي (78): قال الخطيب: " ... ليس بمحل للحجة ... " في كلام طويل، فقال الشيخ المعلمي: " ... دَلَّ اعتمادُ الخطيب عليه في كتاب "الزهد"، كما يأتي، واقتصارُه في الحكم على قوله "ليس بمحل للحجة" أنه كان عنده صدوقا ... ". اهـ. 4 - قولهم "ليس بالمحمود": • في ترجمة علي بن إسحاق بن عيسى بن زاطيا من "التنكيل" (157): "حكى الخطيب هذه الكلمة -لم يكن بالمحمود- عن ابن المنادي، وهذه الكلمة تشعر بأنه محمود في الجملة كما مر نظيره في ترجمة الحسن بن الصباح، فإن عُدَّتْ جَرحا، فهو غير مفسر، وقد قال ابن السني: "لا بأس به". اهـ. 5 - قول ابن معين "ليس بشيء": • في ترجمة: ثعلبة بن سهيل القاضي من "الطليعة" (ص 54): "ابن معين مما يطلق "ليس بشيء" لا يريد بها الجرح، وإنما يريد أن الرجل قليل الحديث .. ويأتي تحقيقُ ذلك في ترجمة ثعلبة من "التنكيل". وحاصله أن ابن معين قد يقول: "ليس بشيء" على معنى قلة الحديث، فلا تكون جرحًا، وقد يقولها على وجه الجرح، كما يقولها غيرُه، فتكون جرحًا، فإذا وجدنا الراوي الذي قال فيه ابن معين: "ليس بشيء" قليلَ الحديث، وقد وُثق، وجبَ حملُ كلمة ابن معين على معنى قلة الحديث، لا الجرح، فلما نظرنا في حال ثعلبة، وجدناه قليل الحديث، ووجدنا ابن معين نفسه قد ثبت عنه أنه قال في ثعلبة: "لا بأس به". وقال مرة: "ثقة"، كما في "التهذيب" (¬1). ¬

_ (¬1) (2/ 21)

وممن قال ابن معين فيه: "ليس بشيء": أبو العطوف الجراح بن المنهال، فنظرنا في حاله، فإذا له أحاديثُ غيرُ قليلة، ولم يوثقْه أحدٌ، بل جرحوه. قال ابن المديني: "لا يكتب حديث"، وقال البخاري ومسلم: "منكر الحديث"، وقال النسائي والدارقطني: "متروك"، وقال أبو حاتم والدولابي الحنفي: "متروك الحديث، ذاهب، لا يكتب حديثه"، وقال النسائي في "التمييز": "ليس بثقة، ولا يكتب حديثه"، وذكره البرقي فيمن اتهم بالكذب، وقال ابن حبان: "كان يكذب في الحديث، ويشرب الخمر ... ". والكلام فيه أكثر من هذا، فعرفنا أن قول ابن معين فيه: "ليس بشيء" أراد بها الجرح، كما هو المعروف عند غيره في معناها". اهـ. (¬1). • وفي ترجمة: الجراح بن المنهال أبي العطوف (62): "أما قول ابن معين "ليس بشيء" فلا ريب أنه يقولها في الراوي بمعنى قلة ما رواه جدًّا، يعني أنه لم يُسند من الحديث ما يُشتغل به، كما مرت الإشارة إليه في ترجمة ثعلبة، فأما أنه كثيرًا ما يقول هذا فيمن قل حديثه، فهذه مبالغة الأستاذ! وعلى ذلك فقد مضى تحقيق ذلك في ترجمة ثعلبة من "الطليعة". ¬

_ (¬1) زاد المعلمي هنا: "فتدبر ما تقدم، ثم انظر حالَ الكوثري، إذ يبني على حكاية الأزدي عن ابن معين أنه قال في ثعلبة: "ليس بشيء"، ويعلم حالَ الأزدي، وأنه كان بعد ابن معين بمدة، ويعرف أن ابن معين قد يطلق تلك الكلمة لا على سبيل الجرح، وأن الحجة قائمة على أن هذا من ذاك، ومع ذلك كله يقول الكوثري في ثعلبة: "ضعيف". وفي أبي العطوف يرى الكوثري جرحَ الأئمة له، وأن له أحاديث غير قليلة، وأن ذلك مبين أن قول ابن معين فيه: "ليس بشيء" إنا أراد بها الجرح، ولكن الكوثري يقول ص 129: "وقال ابن معين: ليس بشيء، وهو كثيرًا ما يقول هذا فيمن قل حديثه"!. وعذر الكوثري أنه بحاجة إلى رد روايةٍ رواها ثعلبة، وإلى تقوية أبي العطوف، هكذا تكون الأمانة عند الكوثري! ". اهـ.

6 - قول أبي حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به"

وحاصله أن الظاهرَ المتبادر من هذه الكلمة: الجرح، فلا يُعدل عنه إلا بحجة، فلما كان ابن معين قد وثق ثعلبة، ولم يقدح فيه غيره، وثعلبة قليل الحديث جدًّا، تبين أن مراد ابن معين بتلك الكلمة لو ثبتت: قلة الحديث. وأبو العطوف لم يوثقه ابن معين ولا غيره، بل أوسعوه جرحًا، وحديثه غير قليل، فقد ذكر له الأستاذ خمسة، وفي "لسان الميزان" ثلاثة أخرى، لو لم يكن له غيرها، لمَا كانت من القِلَّة بحيث يصح أن يقال: إنها ليست بشيء، ولولا أنهم تركوه ولم يكتبوا حديثه لوجدنا له غير ما ذُكر، ولعله لولا أن جامعي المسانيد السبعة عشر علموا أن أبا العطوف تالف، لوجدنا له في تلك المسانيد عشرات الأحاديث، فمن الواضح أن قول ابن معين في أبي العطوف: "ليس بشيء" إنما محملها الجرح الشديد، فمحاولة الأستاذ أن يعكس القضية قلب للحقائق". اهـ. 6 - قول أبي حاتم: "يكتب حديثه ولا يحتج به": • قاله أبو حاتم في هياج بن بسطام (¬1). فقال الشيخ المعلمي: "هذه الكلمة يقولها أبو حاتم فيمن هو عنده صدوق، ليس بحافظ يحدث بما لا يتقن حفظه، فيغلط ويضطرب، كما صرح بذلك في ترجمه إبراهيم بن المهاجر (¬2) ". اهـ. 7 - الإلماح إلى الفرق بين "يكتب حديثه" و"هو في عداد من يكتب حديثه": • ترجم الشيخ المعلمي في الفوائد (ص 213) لإبراهيم بن يزيد الخوزي فقال: "هالك، قال أحمد والنسائي وابن الجنيد: "متروك الحديث"، وقال ابن معين: "ليس بثقة وليس بشيء"، وقال أبو زرعة وأبو حاتم والدارقطني: "منكر الحديث"، وقال البخاري: "سكتوا عنه"، وهذه من أشد صيغ الجرح عند البخاري. ¬

_ (¬1) الجرح (9/ 112). (¬2) الجرح (2/ 133).

8 - الفرق بين "يروي مناكير" و"يروي غرائب"، "في حديثه مناكير" أو "يقع في حديثه مناكير"

أَهْمَلَ السيوطي هذا كله، وقال: "أخرج له الترمذي وابن ماجه، وقال ابن عديّ: يكتب حديثه"، وهو يعلم أن فيمن يخرج له الترمذي وابن ماجه ممن أجمع الناس على تكذيبه كالكلبي. وابن عديّ إنما قال: "هو في عداد من يكتب حديثه"، وقد قال ابن المديني: "ضعيف لاأكتب عنه شيئا"، وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه" ... ". اهـ. 8 - الفرق بين "يروي مناكير" و"يروي غرائب"، "في حديثه مناكير" أو "يقع في حديثه مناكير": • في ترجمة محمد بن أحمد الحكيمي من "طليعة التنكيل" (ص 47): "قال الكوثري ص 114: قال البرقاني: في حديثه مناكير. أقول: لفظ البرقاني كما في "تاريخ بغداد" (ج 1 ص 269) و"لسان الميزان" (ج 5 ص 45): "ثقة، إلا أنه يروي مناكير"، وبين العبارتين فرق عظيم؛ فإن "يروي مناكير" يقال في الذي يروي ما سمعه مما فيه نكارة، ولا ذنب له في النكارة، بل الحمل فيها على من فوقه، فالمعنى أنه ليس من المبالغين في التنقي والتوقي الذين لا يحدثون مما سمعوا إلا بما لا نكارة فيه، ومعلوم أن هذا ليس بجرح. وقولهم: "في حديثه مناكير" كثيرًا ما تقال فيمن تكون النكارة من جهته، جزمًا أو احتمالًا، فلا يكون ثقة. وهذا المعنى هو الذي أراد الكوثري إفهامه، ولذلك حذف كلمة "ثقة"، وقد تعقب الخطيب كلمة البرقاني بقوله: "وقد اختبرت أنا حديثه، فقلما رأيتُ فيه منكرًا" فثبت أن هذا الرجل مع ثقته غير مقصر في التنقي والتوقي، وأن ما وقع في روايته مما يُنكر قليلٌ جدًّا. وقال ابن حجر في "لسان الميزان": "ذكرته -يعني زيادة على "الميزان"- لأن المصنف ذكر عثمان بن أحمد الدقاق الصدوق الثقة بسبب كونه يروي المناكير".

أقول: لا عذر لابن حجر في هذا: أولًا: لأنه أنكر على الذهبي ذكره لعثمان، كما يأتي في ترجمته من "التنكيل". ثانيًا: لأن المناكير في مرويات عثمان كثيرة، والله المستعان". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن محمد بن عمر المنكدري من التنكيل (36): "قال الأستاذ ص 166: أما المنكدري فكثير الانفراد والإغراب، قال الإدريسي: في حديثه المناكير، وأنكر عليه أيضا أبو جعفر الأرزناني، وقال الحاكم: كان له إفرادات وعجائب، وقال السمعاني: يقع في حديثه المناكير والعجائب والإفرادات. أقول: الذي في "الميزان" و"اللسان" عن الإدريسي: "يقع في حديثه المناكير، ومثله إن شاء الله لا يتعمد الكذب، سألت محمد بن أبي سعيد السمرقندي الحافظ، فرأيته حسن الرأي فيه، وسمعته يقول: سمعت المنكدري يقول: أناظر في ثلاثمائة ألف حديث، فقلت: هل رأيت بعد ابن عقدة أحفظ من المنكدري؟ قال: لا". ومن يُضاهي ابنَ عقدة في الحفظ والإكثار، فلا بد أن يقع في حديثه الإفراد والغرائب، وإن كان أوثقَ الناس، فأما المناكير فقد يكون الحملُ فيها على مَنْ فوقه، وعلى كل حالٍ فلم يذكروا فيه جرحا صريحا، ولا توثيقا صريحا، لكنهم قد أنكروا عليه في الجملة، فالظاهر أنه ليس بعمدة، فلا يحتج بما ينفرد به، والله أعلم". اهـ. • في ترجمة سالم (¬1) بن عصام من "طليعة التنكيل" (ص 35 - 36): "قال الخطيب (ج 13 ص 410): "أخبرنا أبو نعيم الحافظ، حدثنا أبو محمد عبد الله ابن محمد بن جعفر بن حيان، حدثنا سالم بن عصام، حدثنا رستة، عن موسى بن ¬

_ (¬1) كذا ذكره المعلمي، والصواب "سَلْم" كما بينته في التعليق على تلك الترجمة من القسم الأول من هذا الكتاب.

المساور، قال سمعت جبر، وهو (¬1) عصام بن يزيد، يقول: سمعت سفيان الثوري ... ". .. قال أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان في سالم بن عصام من كتابه "طبقات الأصبهانيين": كان شيخًا صدوقًا، صاحب كتاب، وكتبنا عنه أحاديث غرائب، فمن حسان ما كتبنا عنه ... وقال أبو نعيم الحافظ الأصبهاني في "تاريخ أصبهان": "صاحب كتاب، كثير الحديث والغرائب". أقول: ومن كثر حديثه لا بد أن تكون عنده غرائب، وليس ذلك بموجب للضعف، وإنما الذي يضر أن تكون تلك الغرائب منكرة، وأبو الشيخ وأبو نعيم التزما في كتابيهما النص على الغرائب، حتى قال أبو الشيخ في ترجمة الحافظ الجليل أبي مسعود أحمد بن الفرات: "وغرائب حديثه وما ينفرد به كثير". والغرائب التي كانت عند سالم ليست بمنكرة، كما يعلم من قول أبي الشيخ: "كان شيخًا صدوقًا، صاحب كتاب". اهـ. • وفي ترجمة عبد الرحمن بن عمر الزهري أبي الحسن الأصبهاني الأزرق المعروف برسته رقم (139): قال الكوثري: ... يكثر الغريب في حديثه، وقال أبو محمد بن حيان: غرائب حديثه تكثر. قال المعلمي: وقال أبو موسى المديني: تكلم فيه أبو مسعود، وخرج إلى الري فكتب إليهم فيه، فلم يبالوا بكتابه، وحضر مجلسَه أبو حاتم وأبو زرعة وابن وارة. وقال ابن أبي حاتم: روى عن عبد الرحمن بن مهدي ويحيى بن سعيد القطان ... ¬

_ (¬1) زاد في مطبوعة الكوثري من "التاريخ": " [محمد بن] " وهو خطأ، إنما المعروف بـ"جبر" هو عصام والد محمد، كما في "الجرح والتعديل" (8/ 53) وغيره.

روى عنه أبي وأبو زرعة ... سئل أبي عنه، فقال: صدوق. ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة، كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416). وكُلٌّ من أبي زرعة وأبي حاتم وابن وارة أجَلُّ من أبي مسعود وأثبت وأيقظ وأعرف، فما رووا عن هذا الرجل عن ابن مهدي والقطان إلا وقد عرفوا صحة سماعه منهما. وأما الغرائب، فمن كثر حديثه كثرت غرائبه، وليس ذلك بقدح، ما لم تكن مناكير الحملُ فيها عليه، وليس الأمر هنا كذلك، وقد قال أبو الشيخ في أبي مسعود: وغرائب حديثه، وما ينفرد به كثير. ويقول نحو هذا في تراجم آخرين، وثقهم هو وغيره. وذكر ابن حبان عبد الرحمن هذا في "الثقات". اهـ. • وترجم الشيخ المعلمي في "عمارة القبور" لـ: سليمان بن موسى الأموي الأشدق، فقال: "قال البخاري: "عنده مناكير"، ... وهو وإن قال: "كل مَنْ قُلْتُ فيه: منكر الحديث، لا يحتج به، وفي لفظ: لا تحل الرواية عنه، "فتح المغيث" (ص 162)، فَفَرْقٌ بين "منكر الحديث"، و"عنده مناكير". قال ابن دقيق العيد في "شرح الإلمام": قولهم: روى مناكير، لا يقتضي بمجرده ترك روايته، حتى تكثر المناكير في روايته، وينتهي إلى أن يقال: منكر الحديث؛ لأن منكر الحديث وَصْفٌ في الرجل يستحق به الترك لحديثه، والعبارة الأخرى لا تقتضي الديمومة، كيف وقد قال أحمد بن حنبل في محمد بن إبراهيم التيمي: روى أحاديث منكرة، وهو ممن اتفق عليه الشيخان، وإليه المرجع في حديث: الأعمال بالنيات، "فتح المغيث" (ص 162). أقول - المعلمي: وقولهم: "عنده مناكير" ليس نصا في أن النكارة منه؛ فقد تكون من بعض الرواة عنه، أو بعض مشايخه.

قال في "فتح المغيث" (ص 162): "قلت: وقد يطلق ذلك على الثقة إذا روى المناكير عن الضعفاء، قال الحاكم: قلت للدارقطني: فسليمان بن بنت شرحبيل؟ قال: ثقة. قلت: أليس عنده مناكير؟ قال: يحدث بها عن قوم ضعفاء، أما هو فثقة". ... (¬1) وقد سرد في "الميزان" ما له من الغرائب، وهي يسيرة، وبَيَّن أنه توبع في بعضها، ثم قال: كان سليمان فقيه أهل الشام في وقته قبل الأوزاعي، وهذه الغرائب التي تُستنكر له يجوز أن يكون حفظها. قلت: وبعض الغرائب من رواية ابن جريج عنه بالعنعنة، وابن جريج مدلس، فربما كانت النكارة من قبل شيخٍ لابن جريج دلس له (¬2) عن سليمان". اهـ. • وقال الشيخ المعلم في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 110): "عائذ بن نسير العجلي، قال يحيى بن معين مرّة: ضعيف، ومرّة: ليس به بأس، ولكنه روى أحاديث مناكير. وهذا يحتمل وجهين. الأول: أنه كان صالحًا في نفسه، ولكنه مغفل، يقع منه الكذب بدون تعمد. الثاني: أنه كان يدلس ما سمعه من الهلكى ... ". اهـ. (¬3). ¬

_ (¬1) في النسخة المطبوعة باسم "البناء على القبور" بدل هذا القول: "وإنما يُجرح بالمناكير إذا كان الرواة عن الرجل ثقاتٍ أثباتًا، يبعد نسبة الغلط إليهم، وكذا مشايخه، ومن قبلهم، ثم كثر ذلك في روايته، ولم يكن له من الجلالة والإمامة ما يقوي تفرده. وهم قد يطلقون هذه الكلمة إذا كانت تلك الأفراد مما رويت عنه، وإن لم يتحقق أن النكارة من قِبَلِهِ، ويطلقونها إذا كان عنده ثلاثة أحاديث فأكثر، انظر كتب المصطلح". اهـ. (¬2) كذا ولعل الصواب: دَلَّسه. (¬3) لكن قال الشيخ في "الفوائد" (ص 485): "منكر الحديث".

فوائد تتعلق برواية الغرائب والمناكير

فوائد تتعلق برواية الغرائب والمناكير: أ- قال الشيخ المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبي بكر بن أبي داود السجستاني (ص 312): "كان من عادة المحدئين التباهي بالإغراب، يحرص كُلٌّ منهم على أن يكون عنده من الروايات ما ليس عند الآخرين؛ لتظهر مزيته عليهم، وكانوا يتعنون شديدًا لتحصيل الغرائب، ويحرصون على التفرد بها، كما ترى في ترجمة الحسن بن علي المعمري من "لسان الميزان" وغيره، وكانوا إذا اجتمعوا تذاكروا، فيحرص كل واحد منهم على أن يذكر شيئًا يغرب به على أصحابه، بأن يكون عنده دونهم، فإذا ظفر بذلك افتخر به عليهم واشتد سروره وإعجابه وانكسارهم. وقد حكى ابن فارس عن الوزير أبي الفضل ابن العميد قال: ما كنت أظن في الدنيا كحلاوة الوزارة والرياسة التي أنا فيها، حتى شاهدت مذاكرة الطبراني وأبي بكر الجعابي ... " فذكر القصة، وفيها غلبة الطبراني، قال ابن العميد: "فخجل الجعابي، فوددت أن الوزارة لم تكن، وكنت أنا الطبراني، وفرحت كفرحه" راجع "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 121). ولم يكونوا يبالغون في سبيل إظهار المزية والغلبة: أكان الخبر عن ثقة أو غيره، صحيحًا أو غير صحيح؟ وقد كان عند زكريا الساجي حديثٌ عن رجلٍ واهٍ، ومع ذلك لمَّا لم يوجد ذاك الحديث إلا عند الساجي، صار له به شأن. وفي "لسان الميزان": "قال الساجي: كتب عني هذا الحديث: البزار، وعبدان، وأبو داود، وغيرهم من المحدثين. قال القراب: هذا حديث الساجي الذي كان يُسأل عنه".

وكانت طريقتهم في المذاكرة أن يشير أحدهم إلى الخبر الذي يرجو أنه ليس عند صاحبه، ثم يطالبه بما يدل على أنه قد عرفه، كأن يقول الأول: مالك عن نافع قال ... ، فإن عرفه الآخر قال: حدثناه فلان عن فلان عن مالك. وقد يذكر ما يعلم أنه لا يصح أو أنه باطل، كأن يقول: المقبري عن أبي هريرة مرفوعًا: "أبغض الكلام إلى الله الفارسية". أو يقول: أبو هريرة مرفوعًا: "خلق الله الفرس" الخ، وقد تقدم في ترجمة حماد بن سلمة". اهـ. ب- من أسباب وقوع كثرة الغرائب والمناكير ونحوها في بعض المصنفات: • قال الشيخ المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: أبي عبد الله الحاكم (215): "الذي يظهر لي في ما وقع في "المستدرك" من الخلل أن له عدة أسباب: الأول: حرص الحاكم على الإكثار، وقد قال في خطبة "المستدرك": "قد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة، يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على الألف جزء أو أقل أو أكثر، كلها سقيمة غير صحيحة"، فكان له هوى في الإكثار للرد على هؤلاء. والثاني: أنه قد يقع حديثٌ بسندٍ عالٍ أو يكون غريبا، مما يتنافس فيه المحدثون، فيحرص على إثباته، وفي "تذكرة الحفاظ" (ج 2 ص 270): "قال الحافظ أبو عبد الله الأخرم: استعان بي السراج في تخريجه على "صحيح مسلم"، فكنت أتحير من كثرة حديثه وحسن أصوله، وكان إذا وجد الخبر عاليا، يقول: لا بد أن نكتبه (يعني في المستخرج) فأقول: ليس من شرط صاحبنا (يعني مسلما) فشفعني فيه". فعرض للحاكم نحو هذا، كلما وجد عنده حديثا يفرح بعلوه أو غرابته، اشتهى أن يثبته في "المستدرك" ... ". اهـ.

9 - الفرق بين "مجهول" و"لا أعرفه"

• وقال المعلمي في: "التنكيل" ترجمة: محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ (214): "قال الكوثري ص 133: قال ابن عدي: رأيت أبا يعلي سيء القول فيه، ويقول: شهد على خالي بالزور، وله عن أهل الموصل أفراد وغرائب. أقول: آخر ما حكاه ابن عدي عن أبي يعلي قوله: بالزور، ثم قال ابن عدي: وابن عمار ثقة، حسن الحديث عن أهل الموصل؛ معافى بن عمران وغيره، وعنده عنهم أفراد وغرائب، وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطان، ولم أر أحدا من مشايخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. ووثقه وأثنى عليه جماعة كثيرة، فأما أبو يعلي فكانت بينه وبين ابن عمار مباعدة ما في المذهب، كما يدل عليه عكوف أبي يعلي على سماع كتب أهل الرأي من بشر بن الوليد، وردفتها كدورة عائلية، كما يدل عليه قول أبي يعلي: شهد خالي بالزور، وهذه كلمة مرسلة، لم يبين ما هو الزور؟ ومن أين عرف أبو يعلي أنه زور؟ وعلى فرض تحققه ذلك، فهل تعمد ابن عمار الشهادة بالباطل أو أخطأ؟ وإعراض الناس -ومنهم ابن عدي حاكي الكلمة عن أبي يعلي- عن كلمته يبين أنها كلمة طائشة لا تستحق أن يلتفت إليها. ... فأما الغرائب فقد دلت كلمة ابن عدي على أنها غرائب صحاح ولهذا ذكرها في صدد المدح، فحوله الكوثري إلى القدح. والله المستعان". اهـ. 9 - الفرق بين "مجهول" و"لا أعرفه": • في ترجمة أحمد بن عبد الله الأصبهاني من "التنكيل" (22): قال الخطيب (¬1): حُدّثت عن أبي نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: سمعت علي بن حمشاذ يقول: سمعت أحمد بن عبد الله الأصبهاني يقول: أتيت ¬

_ (¬1) "تاريخه" (3/ 439).

عبد الله بن حنبل فقال: أين كنت؟ فقلت: في مجلس الكديمي، فقال: لا تذهب إلى ذاك فإنه كذاب، فلما كان في بعض الأيام مررت به، فإذا عبد الله يكتب عنه، فقلت: يا أبا عبد الرحمن، أليس قلت: لا تكتب عن هذا فإنه كذاب؟ قال: فأومأ بيده إلي فيه أن أسكت، فلما فرغ وقام من عنده، قلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قلت: لا تكتب عنه؟ قال: إنما أردت بهذا أن لا يجيء الصبيان فيصيروا معنا في الإسناد واحدا. اهـ. زعم الكوثري أن الخطيب قال في أحمد هذا: مجهول، فقال الشيخ المعلمي: "إنما قال الخطيب: كان عبد الله بن أحمد أتقى لله من أن يكذّب من هو عنده صادق، ويُحتج بما حكى عنه هذا الأصبهاني، وفي هذه الحكاية نظر من جهته". اهـ. وليس في العبارة كلمة "مجهول"، ولا هي صريحة في معناها؛ إذ يحتمل أن يكون الخطيب عرف الأصبهاني بالضعف، ويحتمل أنه لم يعرفه، ولكن استدل بنكارة حكايته على ضعفه. ولا يلزم من عدم معرفته له أن يجزم بأنه "مجهول"، فإن المتحري مثل الخطيب لا يطلق كلمة "مجهول" إلا فيمن يئس من أن يعرفه هو أو غيره من أهل العلم في عصره، وإذا لم ييأس فإنما يقول: "لا أعرفه". اهـ. وقد قال الشيخ المعلمي قبل ذلك: "لم يذكر الخطيب مَنْ حَدَّثَهُ .. ، فإن قيل: إن الخطيب أعلّ القصة بالأصبهاني فدل ذلك على ثقة الخطيب بمن حدثه، قلت: ليس هذا بلازمٍ، فقد لا يكون الخطيب وثق بمن حدثه حق الثقة، ولكن رأى إعلال الحكاية بالأصبهاني كافيًا". اهـ. • وفي ترجمة إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي منه (53): "في "تاريخ بغداد" (13/ 387) من طريق "عبد السلام بن عبد الرحمن، حدثني إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي، قال: حدثني أبو إسحاق الفزاري ... " قال الكوثري ص 77: "إسماعيل بن عيسى من المجاهيل".

10 - الفرق بين "صالح" و"صالح الحديث"

فقال الشيخ المعلمي: "الصواب أن يقول: "لم أعرفه"؛ فإن عدم معرفة مثل الأستاذ بالرجل لا يستلزم أن يكون مجهولًا". اهـ. 10 - الفرق بين "صالح" و"صالح الحديث": • في "الفوائد المجموعة" (ص 35): "حديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: قالت أم سليمان بن داود له: يا بني لا تكثر النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرًا يوم القيامة. رواه ابن الجوزي عن جابر مرفوعًا، وقال: لا يصح. وفي إسناده: يوسف بن محمد بن المنكدر متروك. قال في "اللآلىء": قال فيه أبو زرعة: صالح الحديث ... " قال الشيخ المعلمي: "كذا وقع في "اللآلىء"، وكذا وقع في "الميزان"، وهو وهم، إنما قال أبو زرعة: "صالح" (¬1)، هكذا في كتاب ابن أبي حاتم و"التهذيب"، وقال النسائي: "ليس بثقة" وقال ابن حبان: "غلب عليه الصلاح، فغفل عن الحفظ، فكان يأتي بالشيء توهمًا". اهـ. 11 - الفرق بين قولهم "يضع" و"يروي الموضوعات عن الثقات": • في "الفوائد المجموعة" (ص 190): "حديث: أبي هريرة قال: دخلت يومًا السوق مع النبي -صلى الله عليه وسلم-، فجلس إلى البزازين، فاشترى سراويل بأربعة دراهم، وكان لأهل السوق وزان يزن ... " ¬

_ (¬1) يعني في نفسه أو في دينه، كما سيأتي مصرحا به في قول ابن حبان، بخلاف "صالح الحديث"، كما هو واضح.

12 - قولهم: "متروك" أشد جرحا من قولهم: "منكر الحديث"

قال الشوكاني: رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا. قال الدارقطني في "الأفراد": والحمل فيه على يوسف بن زياد؛ لأنه المشهور بالأباطيل، ولم يروه عن الإفريقي غيره. وقال ابن حبان: الإفريقي يروي الموضوعات عن الثقات. قلت: المذكور في إسناد هذا الحديث هو: عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي، وليس متهمًا بالوضع، والكلام فيه معروف. وقد روى عنه: أبو داود وغيره". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "لم يقل ابن حبان إنه يضع، وإنما قال: "يروي الموضوعات عن الثقات"، وذلك يحتمل كثرة الغلط، وهذا متفق عليه، ويحتمل التدليس؛ فقد قال ابن حبان: "ويدلس عن محمد بن سعيد المصلوب"، كان ابن أنعم رجلًا ناسكًا، غَرَّه ظاهرُ المصلوب، فسمع منه، ودلس عنه. والله المستعان". اهـ. 12 - قولهم: "متروك" أشدُّ جرحا من قولهم: "منكر الحديث": في "الفوائد المجموعة" (ص 221): "حديث: من تكلم بالفارسية زادت في حسبه، ونقصت من مروءته. قال الشوكاني: رواه ابن عدي عن أنس مرفوعًا. قيل: إنه موضوع. قال الدارقطني: تفرد به طلحة بن زيد الرقي. وهو منكر الحديث ... ". فقال الشيخ المعلمي: "بل متروك، قال أحمد وعلي وأبو داود: "كان يضع الحديث". اهـ. 13 - هل قولهم: "متروك الحديث" أَخَفُّ جرحا من قولهم: "متروك"؟: • في ترجمة: يزيد بن يوسف الشامي من "التنكيل": "قال الكوثري ص 70: يقول عنه ابن معين: ليس بثقة. والنسائي: متروك.

14 - قولهم: كان عسرا في الرواية

أقول: عبارة النسائي: "متروك الحديث"، وقال أبو داود: "ضعيف"، وقال صالح ابن محمد: "تركوا حديثه"، وحكى ابن شاهين في "الضعفاء" أن ابن معين قال: "كان كذابا"، وقد أجمل بعضهم القولَ فيه". اهـ. 14 - قولهم: كان عسرًا في الرواية: في ترجمة الحسن بن علي بن محمد أبي علي ابن المذهب التميمي راوي كتابي "المسند" و"الزهد" لأحمد بن حنبل رقم (78) من "التنكيل". أجاب الشيخ المعلمي عما ذكره الخطيب في ترجمة ابن المذهب من "تاريخ بغداد" بما حاصله: أن الكلام فيه وفي شيخه أبي بكر بن مالك القطيعي لا يقتضي أدنى خدش في صحة "المسند" و"الزهد"، وأنه وإن قال فيه الخطيب: "ليس بمحل للحجة" إلا أنه كان عنده صدوقا؛ فقد اعتمد عليه في رواية هذه الكتب، وسمع منه، وروى عنه، وأنه لم يعتد بما قاله في حقه مسقطا للرواية البتة. ثم قال الشيخ المعلمي جوابا عما قيل إن ابن المذهب أَلْحَق سماعه في بعض أجزائه: " ... قال شجاع الذهلي: كان شيخًا عسرًا في الرواية، وسمع الكثير، ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية، كأنه خلط في شيء من سماعه. وقال السلفي: كان مع عسره متكلمًا فيه .... والعَسِرُ في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد، وهذه الصفة تنافي التَّزَيُّدَ ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماعَ ما لم يسمعْ من له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس، يدعوهم إلى السماع منه ويرغبهم في ذلك، فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد، فأي داعٍ له إلى التزيد؟ ". اهـ.

15 - من معانى قولهم: "فيه بعض الشيء"

15 - من معانى قولهم: "فيه بعض الشيء": • في ترجمة: محمد بن جعفر بن الهيثم الأنباري من "التنكيل" (197): في "تاريخ بغداد" (2/ 151): سألت البرقاني عن ابن الهيثم، فقلت: هل تكلم فيه أحد؟ قال: لا، وكان سماعه صحيحا بخط أبيه، ثم حكى عن ابن أبي الفوارس: كان قريبَ الأمر، فيه بعض الشيء، وكانت له أصول بخط أبيه جياد. فقال الشيخ المعلمي: "والظاهر أن بعض الشيء إنما هو فيما يتعلق بالسيرة لا بالرواية، ولم يفسر، فلعله تقصير خفيف لا يُعد جرحا". اهـ. 16 - قولهم: "لا أحب حديثه ولا ذِكْرَهُ": قال الشيخ المعلمي في ترجمة الإمام الشافعي من "التنكيل" (1/ 427): "لا يعطي معنى "ليس بثقة" ولا ما يقرب منها". اهـ. 17 - قولهم: "لا يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه": • في ترجمة: محمد بن جابر بن سَيَّار بن طارق الحنفي اليمامي من "التنكيل" (196): "قال ابن حبان: كان أعمى ... قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه". قال الشيخ المعلمي: "فَنَاسِبُ الكلمة إلى أحمد هو ابن حبان، وبين ابن حبان وأحمد مفازة، ولا يُدرى مِمَّنْ سمع تلك الكلمة، ولو صَحَّتْ عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الاطراء البالغ منها إلى الذم؛ فقد روى عن محمد بن جابر من يَعتقد أحمد وغيره أنهم أفاضل عصرهم وخيار أهل زمانهم؛ مثل أيوب بن أبي تميمة السختياني، وعبد الله بن عون، وسفيان الثوري، وعبد الله بن المبارك، وآخرين، فلا معنى لأن يقال: إن هؤلاء شر منه إلا إطراؤه بأنه خير منهم. وعلى كل حال فالحكاية منقطعة منكرة ... ". اهـ.

قال أبو أنس: قد نظرت في هذه العبارة: قائلها، ومدلولها، في ترجمته من القسم الأول من "النكت الجياد" (ص 571 - 576) فأحب إيراد ذلك هنا لمناسبته للمقام، فأقول: "ناسب الكلمة إلى أحمد إنما هو الحافظ ابن حجر، ففي "تهذيب التهذيب" (9/ 90): "وقال ابن حبان: كان أعمى، يُلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به فيحدث به. قال أحمد بن حنبل: لا يحدث عنه إلا شرٌ منه". اهـ. فقول ابن حجر: قال أحمد بن حنبل، قولٌ مستأنفٌ، لا علاقة له بابن حبان؛ وقول ابن حبان الذي نقله ابن حجر، قد قاله في كتاب "المجروحين" (2/ 275) ولا أثر فيه للنقل عن أحمد ولا غيره هذه الكلمة. وإنما أُتي الشيخ المعلمي من جهة أنه لم يَرَ كتاب "المجروحين" فاعتمد على "التهذيب". ثم يظهر لي أن في نسبة هذا القول لأحمد وهمًا، قد سبق ابنَ حجر فيه: الذهبيُّ في غير موضع من كتبه، فأخشى أن يكون ابن حجر قد تابعه فيه. وذلك أني فتشت في الكتب التي تُعنى بنقل أقوال الإمام أحمد في الرواة، فلم أجد هذا القول عنه، وإنما وجدت في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" لأحمد (1/ 145) قال عبد الله بن أحمد: سألت يحيى بن معين عن محمد بن جابر: فذمَّهُ، وقال: ما يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه. ومثله في الموضع (1/ 52) وفيه: فغلَّظ فيه وقال: ... وقول الشيخ المعلمي: لو صَحَّتْ عن أحمد لكانت الكلمة أقرب إلى الاطراء البالغ منها إلي الذم ... - فيه نظرٌ من وجوه: الوجه الأول: سَبَق النقل عن عبد الله بن أحمد أنه صَدَّر حكايته عن ابن معين بقوله: "فذمَّه"، وفي موضع آخر: "فغلَّظ فيه" وهذا أقطعُ للاحتمال وأبْيَنُ في مراد ابن معين من هذه الكلمة؛ أنه أراد بها الذمَّ، لا الإطراء.

الوجه الثاني: اجتماع كلمة النقلة عن ابن معين -بل وأحمد- على تضعيف ابن جابر وذَمِّه. قال الدوري في تاريخه (2/ 507) عن ابن معين: "سمعت يحيي يقول: كان محمد ابن جابر أعمى. قلت ليحيى: فإنما حديثه كذا لأنه كان أعمى؟ قال: لا، ولكنه عمي واختلط عليه، وكان محمد بن جابر كوفيًا، انتقل إلى اليمامة. قلت: أيوب أخوه، كيف حديثه؟ قال: ليس هو بشيء، ولا محمد. قلت: أيهما كان أمثل؟ قال: لا، ولا واحد منهما". وبنحوه قال الدارمي عنه (تاريخه: الترجمة 742). وقال ابن طهمان عنه: لا يكتب حديثه، ليس بثقة (سؤالاته: الترجمة 375، 94). وبنحوه قال ابن الجنيد عنه (سؤالاته: 232، 448). وقال معاوية بن صالح عنه: ضعيف (الكامل لابن عدي: 6/ 2158). أما الإمام أحمد، فقد قال ابنه عبد الله عنه: كان ربما ألحق أو يلحق في كتابه - يعني الحديث. (العلل ومعرفة الرجال: 1/ 394، والجرح والتعديل: 7 / الترجمة 1215). وقال عبد الله أيضًا عنه (2/ 136): محمد روى أحاديث مناكير، وهو معروف بالسماع، يقولون: رأوا في كتبه لحقًا، حديثه عن حماد فيه اضطراب. والمقصود أن حمل هذه العبارة على الذم هو الموافق لسائر الروايات عن ابن معين، بل وأحمد. الوجه الثالث: أن كلمة سائر النقاد تكاد تكون مجتمعة على توهين ابن جابر وعدم الاحتجاج به. قال عمرو بن علي الفلاس: صدوق، كثير الوهم، متروك الحديث. (الجرح: 7 / ت 1215) و (الكامل: 6/ 2158).

وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم (ضعفاؤه الصغير: ت 313) ونحوه في (التاريخ الكبير: 1 / ت 111). وقال في (التاريخ الأوسط: 2/ 139): يتكلمون فيه. ونقل الترمذي عنه في (العلل الكبير: 2/ 722) قوله: ذاهب الحديث. وقال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم (الجرح). وقال أبو حاتم: ذهبت كتبه في آخر عُمره، وساء حفظه، وكان يُلقَّن، وكان عبد الرحمن بن مهدي يحدث عنه ثم تركه بَعْدُ، وكان يروي مناكير، وهو معروف بالسماع جيد اللقاء، رأو في كتبه لحقًا، وحديثه عن حماد فيه اضطراب، روى عنه عشرة من الثقات. (الجرح). وقال أبو داود: ليس بشيء. (تهذيب الكمال: 24/ 568). وقال النسائي: ضعيف. (ضعفاؤه: ت 533). وذكره العقيلي في (الضعفاء: 4/ 41) وذكر له حديثين، وقال: لا يتابع عليهما، ولا على عامة حديثه. وذكره يعقوب الفسوي فيمن يرغب عن الرواية عنهم (المعرفة والتاريخ: 3/ 60). وقال (2/ 121): حدثنا أبو الوليد ثنا محمد بن جابر ثنا أيوب بن عتبة، ضعيفان لا يفرح بحديثهما ... قال أبو الوليد: أفادني عنه ابن المبارك، فرجعت إلى ابن المبارك. فأخبرته، فقال: ليس بشيء، غلط فيها. قال: فمحوته. اهـ. وقال الدارقطني: ليس بالقوي، ضعيف (السنن: 2/ 163). وذكره ابن عدي في (الكامل: 6/ 2158) وساق له مناكير تفرد بها، وقال: قد روى عن محمد بن جابر من الكبار: أيوب، وابن عون، وهشام بن حسان، والثوري، وشعبة، وابن عيينة، وغيرهم ممن ذكرتهم، ولولا أن محمد بن جابر في ذلك المحل لم

يرو عنه هؤلاء الذين هو دونهم، وقد خالفهم في أحاديث، ومع ما تكلم فيه من تكلم يكتب حديثه. اهـ. أقول: رواية هؤلاء الكبار عنه إنما هي لحديثه عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الوضوء من مسِّ الذكر، وليس له في الكتب الستة غيره، رواه أبو داود وابن ماجه من رواية مسدد ووكيع عنه. قال ابن عدي: "هذا يعرف بمحمد بن جابر، عن قيس بن طلق. ولشهرته رواه عنه أيوب السختياني، وابن عون، وشعبة، .... وكل هؤلاء الذين رُوي عنهم، منهم من هو أكبر سنًا منه، وأقدم موتًا منه، ومنهم من هو في عصره روى عنه، وهم اثنا عشر نفسًا؛ لأن الحديث لا يُعرف إلا به. وقد روى هذا الحديث عن قيس بن طلق غيرُ محمد بن جابر، إلا أنه معروف به. اهـ. أقول: فقد بيَّن ابن عدي العلة التي لأجلها روى هؤلاء الكبار ذاك الحديث عن محمد بن جابر، ألا وهي اشتهاره به، وأنه عُرف من طريقه، وهذا لا يكفي في الدلالة على حال ابن جابر عند هؤلاء؛ فإن روايتهم عنه ليست بمستفيضة بحيث يقال إنها مما تقويه، وإنما هي لعِزَّةِ هذا الحديث وضيق مخرجه، ثم إن ابن جابر في نفسه لم يكن بالساقط ولا بالمتهم، وإنما كان محله الصدق، إلا أن في حديثه تخاليط، وأما كتبه فكانت صحاحًا، حتى عمي فأُلحق فيها أشياء، نَبَّه عليها غير واحد من أهل العلم، ثم ذهبت كتبه، فخلَّط، وصار يُلَقَّن، فتُرك، وكان ابن مهدي وغيره يحدثون عنه، ثم تركوه لأجل هذا، فالذي ينبغي أن تحمل عليه رواية من روى عنه من الأكابر هو أن يكون ذلك قبل أن يطرأ عليه ما طرأ، حيث كان ممن يكتب حديثه، أما بعد ذلك فقد اجتمعت كلمتهم على طرحه، كما قال أبو زرعة: ساقط الحديث عند أهل العلم. وقال البخاري: يتكلمون فيه، وفي رواية الترمذي عنه: ذاهب الحديث، وهما من أشد الصيغ عند البخاري، كما هو معلوم.

18 - قولهم: "فلان الذي يحدث عن فلان لا شيء"

فبعد هذا، يصير تَصَوُّرُ أن يكون معنى عبارة: لا يحدث عنه إلا من هو شرٌّ منه، على معنى الإطراء تصوُّرًا بعيدًا، وإنما بالغ ابن معين في ذم ابن جابر، بذم من يروي عنه -والظاهر أن ذلك بعد أن ظهر من ابن جابر ما ظهر من التخليط وقبول التلقين ونحو ذلك-، ولا سيما وابن معين كان لا يرى الكتابة عنه أصلًا، كما سبق من رواية ابن طهمان عنه، فكيف بالرواية؟ فقول القائل: لا يحدث عنه إلا من هو شر منه، مبالغةٌ في التحذير من التحديث عنه لتخليطه وسوء حفظه، ولما كان يُلحَق في كتب وغير ذلك، مما أسقطه عند ابن معين وغيره. على أن الأئمة قد يختلفون في أحكامهم على الرجال، فكما يوثق بعضهم الرجل، ويضعفه آخرون، فكذلك يرى بعضهم جواز الرواية عن رجل، ويمنع منه آخرون، فرواية بعض الأئمة عن ابن جابر، لا تصلح أن يُفَسَّر على ضوءها قول ابن معين المشار إليه، خشيةَ أن يقتضي ظاهرها تفضيل ابن جابر عليهم؛ إذ لا ينبغي أن يُلزم ابن معين بصنيع غيره من الأئمة، للسبب الذي قدمنا. هذا على افتراض أن هناك ثمة تعارض بين قول ابن معين وصنيع هؤلاء الكبار الذين رووا عنه، ولكن الصواب أنه لا تعارض كما سبق بيان ذلك. ثم إن الحكاية ثابتة عن ابن معين كما سبق، ولا نكارة فيها البتة، بعد ثبوت حملها على ذم ابن جابر، كما بيناه آنفًا؛ والله تعالى الموفق. وانظر تمام الترجمة والتعليق عليها هناك. 18 - قولهم: "فلان الذي يحدث عن فلان لا شيء": • أخرج الترمذي (2149) حديثًا للقاسم بن حبيب في ذَمِّ القدرية والمرجئة، مقرونًا بعلي بن نزار بن حيان، كلاهما عن نزار بن حيان عن عكرمة به. القاسم وثقه ابن حبان، وقال ابن أبي حاتم: ذكر أبي عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: "القاسم بن حبيب الذي يحدث عن نزار بن حيان لا شيء".

19 - قولهم: "سيء الحفظ"

فقال الشيخ المعلمي في ترجمة القاسم من "التنكيل" (178): "كلمة ابن معين تحتمل أوجهًا: الأول: أن يكون قوله: "الذي ... " قصد به تمييز هذا الرجل عن آخر يقال له: القاسم بن حبيب أيضًا. وهذا بعيدٌ؛ لأننا لا نعرف آخر يقال له: "القاسم بن حبيب". الثاني: أن يكون أراد بقوله "الذي": الحديثَ، كأنه قال: "حديثه الذي يحدث به ... "، وهذا كأن فيه بُعْدًا عن الظاهر. الثالث: أن يكون ذلك إيحاء (¬1) إلى العلة؛ كأنه قال: "لا شيء لأجل حديثه الذي حدث به عن نزار". وأيًّا ما كان، فالمدار على ذاك الحديث، فإذا تبين أن القاسم بريء من عهدته، أو معذور فيه، تبين أنه لا مطعن فيه؛ فإنه يروي عن جماعةٍ، منهم: عكرمة، ومحمد بن كعب القرظي، وسلمة بن كهيل، وغيرهم، ولم يُنْكَر عليه خبرٌ واحدٌ، إلا ذاك الخبر الذي رواه عن نزار، وحينئذٍ يصفو له توثيق ابن حبان. اهـ. ثم نظر المعلمي في ذلك الحديث، وخلص إلى أن الحمل فيه يتجه اتجاهًا واضحًا على "نزار"؛ وأن "القاسم بن حبيب" بريء من تبعته، فارتفع بذلك عنه قول ابن معين، وصَفَا له توثيق ابن حبان (¬2). 19 - قولهم: "سيء الحفظ": • في ترجمة: جرير بن عبد الحميد من "التنكيل" (63): قال الكوثري: " .. وكان سيء الحفظ .. ". ¬

_ (¬1) هكذا في "التنكيل"، ولعلها تحرفت من "إيماء"، والله تعالى أعلم. (¬2) راجع لتفصيل ذلك ترجمة "نزار بن حيان الأسدي مولى بني هاشم" من القسم الأول من هذا الكتاب.

فقال الشيخ المعلمي: " .. وقول الأستاذ: "كان سيء الحفظ" لم يقلها أحد قبله، وإنما المعروف أن جريرًا كان لا يحدث من حفظه إلا نادرًا، وإنما يحدث من كتبه، ولم ينكروا عليه شيئًا حدث به من حفظه، وأثنوا على كتبه بالصحة. فأما ما حكاه العقيلي عن أحمد أنه قال: "لم يكن بالذكي؛ اختلط عليه حديثُ أشعث وعاصم الأحول، حتى قدم عليه بَهْز فعرفه" فقد ذُكر هذا لابن معين، فقال: "ألا تراه قد بيَّنَها"؛ يعني أن جريرًا بيَّن لِمَنْ يروي عنه أن حديث أشعث وعاصم اختلط عليه حتى مَيَّز له بهز ذلك، وعلى هذا فلم يحدث عنهما حتى مَيَّز له بهز، فكان يحدث عنهما ويبين الحال، وهذا هو محض الصدق والنصيحة والضبط والاتقان، فإنه لا يُطلب من المحدث أن لا يشك في شيء، وإنما المطلوب منه أن لا يحدث إلا بما يتقنه، فإن حدث بما لا يتقنه بيَّن الحال، فإذا فعل ذلك فقد أَمنّا من غلطه، وحصل بذلك المقصود من الضبط. فإن قيل: فإنه يؤخذ من كلامهم أنه لم يكن يحفظ، وإنما اعتماده على كتبه. قلت: هذا لا يعطي ما زعمه الأستاذ: "أنه كان سيء الحفظ"؛ فإن هذه الكلمة إنما تطلق في صدد القدح فيمن لا يكون جيد الحفظ، ومع ذلك يحدث من حفظه فيخطىء، فأما من لا يحدث من حِفْظِهِ إلا بما أجاد حِفْظَهُ، كجرير، فلا معنى للقدح فيه بأنه لم يكن جيد الحفظ. ... وأما الأستاذ -الكوثري- فلم يُبْقِ إلا كلامَ الموثقين. قال الإمام أحمد: "جرير أقلّ سقطًا من شريك، وشريك كان يخطىء". وقال ابن معين نحوه. وقال العجلي والنسائي: "ثقة".

20 - فوائد تتعلق بحد الصدوق

وقال ابن أبي حاتم: "سألت أبي عن أبي الأحوص وجرير في حديث حصين، فقال: كان جرير أكيس الرجلين، جرير أحبّ إليّ. قلت: يحتج بحديثه؟ قال: نعم، جرير ثقة، وهو أحبّ إليّ في هشام بن عروة من يونس بن بكير". وقال ابن عمّار: "حجة، كانت كتبه صحاحًا". وقال أبو أحمد الحاكم: "هو عندهم ثقة". وقال الخليلي: "ثقة متفق عليه". وقال اللالكائي: "مجمع على ثقته". وقال قتيبة: "ثنا جرير الحافظ المقدم، لكني سمعته يشتم معاوية علانية". أقول: لم يبيّن ما هو الشتم؟ ولم يضره ذلك في روايته، بل أجمعوا على توثيقه، كما رأيت، واحتج به صاحبا "الصحيحين" وبقية الستة والناس. اهـ. 20 - فوائد تتعلق بحد الصدوق: • في ترجمة المسيب بن واضح أبي محمد الحمصي الشامي من "التنكيل" (245): "قال أبو حاتم: صدوق، يخطىء كثيرًا، فإذا قيل له لم يقبل". قال المعلمي: "كلمة أبي حاتم في المسيب لا تدل على أنه كان الغالب عليه (¬1)، ولا أن خطأهُ كان فاحشًا، ولا أنه بُيِّنَ له في حديثٍ اتفاق أهل العلم على تخطئته فلم يرجع (¬2). وقد قال أبو عروبة في المسيب: كان لا يحدث إلا بشيء يعرفه يقف عليه. ¬

_ (¬1) يعني الخطأ. (¬2) وقد روى ابن عدي في "الكامل" عن ابن أبي داود عن أبيه، أنه أنكر على المسيب زيادة في إسنادٍ، فتركها المسيب.

وهذا يشعر بأن غالب ما وقع منه من الخطأ ليس منه، بل ممن فوقه، فكان يثبت على ما سمع قائلا في نفسه: إن كان خطأ فهو ممن فوقي لا مِنّى ... والمسيب صدوق، حدّه أن لا يحتج بما ينفرد به. اهـ. • وفي ترجمة: سالم (¬1) بن عصام من "الطليعة" و"التنكيل". قال أبو الشيخ عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان في كتابه: "طبقات الأصبهانيين": كان شيخًا صدوقًا، صاحب كتاب، وكتبنا عنه أحاديث غرائب، فمن حسان ما كتبنا عنه ..... وقال أبو نعيم الحافظ الأصبهاني في "تاريخ أصبهان": صاحب كتاب، كثير الحديث والغرائب. قال الشيخ المعلمي: " ... ذكر الكوثري أن كلمة "صدوق" دون كلمة "ثقة"، وصدق في ذلك، ولكن أبا الشيخ أردفها بقوله: "صاحب كتاب"، وصاحب الكتاب يكفيه كونه في نفسه صدوقًا، وكون كتابه صحيحًا". اهـ. • وفي ترجمة ضرار بن صرد منه (112): "الذي يظهر أن ضرارًا صدوق في الأصل، لكنه ليس بعمدة، فلا يُحتج بما رواه عنه من لم يُعرف بالإتقان، ويبقى النظر فيما رواه عنه مثل أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري والله أعلم". اهـ. • وفيه (164): "الحجاج بن أرطاة عند الدارقطني صدوق يخطىء، فلا يحتج بما ينفرد به". اهـ. ¬

_ (¬1) كذا ذكره المعلمي، والصواب "سَلْم" كما بينته في التعليق على تلك الترجمة من القسم الأول من هذا الكتاب.

• وفي ترجمة محمد بن جابر اليمامي منه (196): "قال إسحاق ابن الطباع: "حَدَّثْتُ محمدا يوما بحديث، قال: فرأيت في كتابه ملحقا بين سطرين بخط طري". والرجل كان أعمى، فالمُلْحِقُ غيره حَتْما، ورواية الأجلّة عنه، وشهادة جماعة منهم له بأنه "صدوق" تدل أن الإلحاق لم يكن بعلمه. فأما قول ابن حبان: "كان أعمى، يلحق في كتبه ما ليس من حديثه، ويسرق ما ذوكر به، فيحدث به"، فإنما أخذه من هذه القضية، وقد بان أن الإلحاق من غيره، وإذا كان بغير علمه كما يدل عليه ما سبق، فليس ذلك بسرقة. فالحكم فيه أن ما رواه الثقات عنه، ونصوا على أنه من كتابه الذي عرفوا صحته، فهو صالح، ويتوقف فيما عدا ذلك". اهـ. قال أبو أنس: قد يُلحِق الرجلُ في كتابه لمعانٍ غير السرقة، ولا يَمنعُ من إلحاقه بعلمه أن يكون أعمى؛ إذ قد يأمر بذلك من يُلحقُ له. وقد ترجم الشيخ المعلمي نفسه لقطن بن إبراهيم من "التنكيل" رقم: (181)، وقد اتُهم قطن بسرقة حديث عن حفص بن غياث، وجدوه ملحقًا في الحاشية، فقال المعلمي رحمه الله "لا يمتنع أن يكون قد سمع الحديث من حفص، ثم نسيه، أو خفي عليه أنه غريب ... ثم ذكره وتنبَّه لفرديته فرواه. وقد يكون كتبه بعد أن سمعه في الحاشية، أو لا يكون (كتبه) أولًا، ثم لما ذكر أنه سمعه أو عرف أنه غريب ألحقه في الحاشية .. ". اهـ.

قال أبو أنس: سواء كان الإلحاق بعلم ابن جابر -وحُمل على غير السرقة- أو كان بغير علمه، فقد كان الرجل سيء الحفظ، وكان اعتماده على كتبه، ثم عَمِي، فَوُجِد في كتبه أشياء أُلحقت فيها، واختلط عليه حديثه، وصار يُلقَّن ما ليس من حديثه، فسقط وتُرك، ولم يَعتمد عليه أهل العلم في شيء من روايته، ولم يُخرج له في الصحيحين، لا أصلا ولا استشهادا، وليس له في الكتب الستة سوى الحديث الذي ذكرنا، وهو أيضًا لا يثبت، فإنه من أفراد قيس بن طلق، والله تعالى الموفق. • وتعرض الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 265) للقاسم ابن أمية الحذاء البصري، فقال: "ذكر الرازيان أنه "صدوق"، وقال ابن حبان: "يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة" ثم ساق له هذا الحديث -يعني حديث: لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك- وقال: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أوْلَى. أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وُجد الأمرُ كما قال ابن حبان ترجَّح قوله، وبان أن هذا الرجل تغيرت حاله بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا". اهـ. • وأورد الشوكاني (ص 379) حديث: "مثلي مثل شجرة، أنا أصلها، وعليٌّ فرعها، والحسن والحسين ثمرتها، والشيعة ورقها، فأي شيء يخرج من الطيب إلا الطيب". قال الشوكاني: رواه ابن مردويه عن علي مرفوعًا، وفي إسناده: عباد بن يعقوب وهو رافضي.

قال المعلمي: "عباد على رفضه وحُمقه صدوق ... ". اهـ. • وترجم المعلمي لـ: محمد بن يونس الجمال في "التنكيل" رقم (240) ونقل قولَ الكوثري فيه: "قال محمد بن الجهم: هو عندي متهم، قالوا: كان له ابن يدخل عليه الأحاديث، وقال ابن عدي: ممن يسرق حديث الناس ... ". اهـ. فقال المعلمي: "محمد بن الجهم هو السمري، صدوق، وليس من رجال هذا الشأن ... ". اهـ. • ذكر الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (ص 63) حديث: "من جاع أو احتاج فكتمه الناسَ وأفضى به إلى الله، فتح الله له برزق [سنة] من حلال". وقال: رواه ابن حبان عن أبي هريرة مرفوعا، وقال: باطل، آفته إسماعيل بن رجاء الحصني. قال في "اللآلىء": أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الطريق، وقال: ضعيف، تفرد به إسماعيل بن رجاء عن موسى بن أعين وهو ضعيف، وأخرجه الخطيب في "المتفق والمفترق" وقال: غريب. وحكى ابن حجر في "اللسان" عن العجلي والحاكم توثيق إسماعيل، وعن أبي حاتم أنه صدوق. فقال الشيخ المعلمي: "لكن ضعفه الساجي، والعقيلي، والدارقطني، وابن حبان، وابن عدي، والبيهقي، وأنكروا هذا الحديث. وقول أبي حاتم: "صدوق" لا يدفع عنه الغفلة، وكذا توثيق العجلي والحاكم؛ فإن كلمة "ثقة" عندهما لا تفيد أكثر مما تفيده كلمة "صدوق" عند غيرهما، بل دون ذلك". اهـ.

21 - " صدوق" عند أبي حاتم

• في ترجمة: سالم بن عصام من "التنكيل" (95): قال أبو الشيخ الأصبهاني: "كان شيخا صدوقا صاحب كتاب ... ". فقال الشيخ المعلمي (¬1): "صاحبُ الكتاب يكفيه كونُه في نفسه صدوقًا، وكونُ كتابه صحيحا". اهـ. 21 - " صدوق" عند أبي حاتم: • في ترجمة علي بن جرير الباوردي (159): " ... قال أبو حاتم: "صدوق"، ولم يكن ليقول ذلك حتى يعرفه كما ينبغي، وأبو حاتم معروف بالتشدد، وقد لا تقل كلمة "صدوق" منه عن كلمة "ثقة" من غيره، فإنك لا تكاد تجده أطلق كلمة "صدوق" في رجل إلا وتجد غيره قد وثقه، هذا هو الغالب". اهـ. • وفي ترجمة عبد السلام بن محمد الحضرمي (134): "قال الكوثري ص 186: "يقول عنه أبو حاتم: صدوق. إلا أن هذا اللفظ مصطلح عنده فيمن يجب النظر في أمره، فيكون مردود الرواية إذا لم يتابع". أقول: أبو حاتم: معروف بالتشدد، قلما وجدته يقول في رجل "هو صدوق" إلا وقد وثقه غيره، وعبد السلام هذا ذكره ابن حبان في "الثقات". اهـ. 22 - قولهم: "أرجو أن يكون صدوقا": • في ترجمة: محمد بن معاوية الزيادي (234): "روى النسائي عن هذا الرجل في "عمل اليوم والليلة"، وقال في مشيخته: "أرجو أن يكون صدوقا، كتبت عنه شيئا يسيرا". ¬

_ (¬1) جوابا على قول الكوثري: كلمة "صدوق" دون كلمة "ثقة".

23 - قولهم: "لا بأس به"

وإنما قال: "أرجو ... " لأنه إنما سمع منه شيئا يسيرا، ولم يتفرغ لاختباره؛ لاشتغاله بالسعي وراء مَنْ هُمْ أعلى منه إسنادا، مِمَّن هم في طبقة شيوخ هذا الرجل، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة صدوق"، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان صاحب حديث". فدل هذا أنه قد عرفه حق معرفته، وقد قدمنا في ترجمة ابن حبان أن مثل هذا من توثيقه توثيق مقبول، بل قد يكون أثبت من توثيق كثير من الأئمة، لأن ابن حبان كثيرا ما يتعنت في الذين يعرفهم، ولم يغمزه أحد". اهـ. 23 - قولهم: "لا بأس به": في "الفوائد المجموعة" (ص 273) حديث: "إن لله ديكا عنقه منطوية تحت العرش، ورجلاه تحت التخوم، فإذا كانت هنية من الليل صاح: سبوح قدوس، وصاحت الديكة". روي من طرق، نقدها الشيخ المعلمي، وبيَّن سقوطها جميعا، قال: "منها ما رواه أبو الشيخ، عن ابن عمر، مرفوعًا، من طريق: عبد الله بن صالح كاتب الليث: ليس بعمدة، حدثني رشدين بن سعد: واهٍ جدًّا، عن الحسن بن ثوبان: لا بأس به، ولكن ليس حَدُّه أن يقبل منه التفرد بمثل هذا لو صح عنه". اهـ. 24 - " أرجو أنه لا بأس به" عند ابن عدي: • قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 35): "هذه الكلمة رأيت ابنَ عدي يطلقها في مواضع تقتضي أن يكون مقصوده: أرجو أنه لا يتعمد الكذب"، وهذا منها، لأنه قالها بعد أن ساق أحاديث يوسف -يعني ابن محمد بن المنكدر- وعامتها لم يتابع عليها". اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 459): حديث: "إن الشمس والقمر ثوران عقيران في النار".

25 - " لا أخرج عنه في الصحيح حرفا واحدا"

رواه الطيالسي عن أنس مرفوعًا. قال ابن الجوزي: لا يصح، درست بن زياد، ليس بشيء. قال في اللآلىء: لم يتهم بكذب، بل قال النسائي: ليس بالقوي، وقال الدارقطني: ضعيف، ووثقه ابن عدي فقال [أرجو] أنه لا بأس به". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "ليس هذا بتوثيق، وابن عدي يذكر منكرات الراوي ثم يقول: "أرجو أنه لا بأس به"، يعني بالبأس تعمدَ الكذب، ودرست واه جدًّا". اهـ. 25 - " لا أخرج عنه في الصحيح حرفا واحدا": • في ترجمة: الحسين بن أحمد الهروي الصفار من "التنكيل" (80): "قال البرقاني: ... عندي عنه رزمة، ولا أخرج عنه في الصحيح حرفًا واحدًا ... ". قال الشيخ المعلمي: "عبارة البرقاني إنما فيها أن الرجل ليس بحجة، ولا يخرج عنه في الصحيح، وهذا يشعر بأنه يروي عنه في غير الصحيح للاعتبار". اهـ. 26 - الفرق بين قولهم: "كأنه ضعفه" و"ضعفه": • في ترجمة: مؤمل بن إهاب من "التنكيل" (254): "قال الكوثري في "التأنيب" ص 65: "ضعفه ابن معين على ما حكاه الخطيب". قال الشيخ المعلمي: "فَبَيَّنْتُ -يعني في ترجمة إبراهيم بن بشار من "التنكيل"- أن الخطيب إنما حكى عن ابن الجنيد قال: "سُئل يحيى بن معين وأنا أسمع عن مؤمل بن إهاب، فكأنه ضعفه". وقد وثقه جماعة.

فقال الأستاذ في "الترحيب" ص 45: "فقول القائل: كأنه ضعفه، لا يفرق كثيرًا من قوله: ضعفه؛ لكون الحُكم على الأحاديث بالصحة والضعف، وعلى الرجال بالثقة والضعف -في أخبار الآحاد- مبنيا على ما يبدو للناظر، لا على ما في نفس الأمر، فظهر أن ذلك عبارة عن غلبة الظن فيما لا يقين فيه، وسبق أن نقلنا عن أحمد في الرمادي: كأنه يغير الألفاظ - وقد بنى عليه الذم الشديد، باعتبار أن ظن الناظر ملزم". أقول: ابن الجنيد هنا راوٍ، لا ناظر، وباب الرواية اليقين، فإن كان قد يكفي الظن، فذاك الظنُّ الجازمُ، وآيته أن يجزم الراوي الثقة. فأما قوله: "أظن" مثلا، فإنه يصدق بظنٍّ ما، وقد قال الله تعالى: {إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}، فما بالك بقوله: "فكأنه ضعفه". وأصل كلمة: "كأن" للتشبيه، والتشبيه يستلزم كون المشبَّه غير المشبَّه به. فأما معناها الثاني، فعبر عنه في "مغنى اللبيب" بقوله: "الشك والظن"، فدل ذلك على أنها دون "أظنه". وفي ترجمة الحسن بن موسى الأشيب من "مقدمة الفتح" مثل هذه الكلمة: "كأنه ضعيف"، فدفعها الحافظ ابن حجر بقوله: "هذا ظنٌّ، لا تقوم به حجة". هذا، وتردد ابن الجنيد يحتمل وجهن، أظهرهما: أن يكون جرى من ابن معين عندما سُئل عن مؤمل ما يُشعر بأنه لم يعجبه مؤمل، ولا ندري ما الذي جرى منه، وما قدر دلالته؟ على أنهم مما يقولون: "ضعفه فلان" مع أن الواقعَ من فلانٍ تليينٌ يسيرٌ، كما تقدمت الإشارة إليه في القاعدة السادسة من قسم القواعد، فما بالك بقوله: "فكأنه ضعفه"؟. وإنما ينقل أهلُ العلم أمثالَ هذه الكلمة؛ لاحتمال أن يوجد تضعيفٌ صريحٌ، فيكون مما يعتضد به، فأما هنا فلا يوجد إلا التوثيق.

نعم، الثقات يتفاوتون في درجات التثبت، ويظهر أن مؤملًا لم يكن في أعالي الدرجات، ففي الرواة من هو أثبت منه، وإنما يظهر أمر (¬1) ذلك عند التخالف والتعارض عند الأولين. فأما كلمة الإمام أحمد في إبراهيم بن بشار الرمادي، فقد تقدم لفظها في ترجمة إبراهيم، فراجعها، يتبين لك أن أحمد كان جازمًا بأن إبراهيم كان يملي على الناس على خلاف ما سمعوا، وأنه إنما لامَهُ وذمَّه على ذلك". قال أبو أنس: يناسب هنا نَقْلُ ما أشار إليه المعلمي في ترجمة إبراهيم من "التنكيل" رقم (2)، ثم نعود إلى بقية كلامه هنا، ففي ترجمته: "يقول ابن أبي حاتم: أنبأنا عبد الله بن أحمد بن حنبل فيما كتب إلي، قال: سمعت أبي، وذكر إبراهيم بن بشار الرمادي، فقال: كان يحضر معنا عند سفيان، ثم يملي على الناس ما سمعوه من سفيان، وربما أملى عليهم ما لم يسمعوا -كأنه يغير الألفاظ، فتكون زيادة ليس في الحديث، فقلت له: ألا تتقي الله، تملي عليهم ما لم يسمعوا- وذَمَّه في ذلك ذمًا شديدًا". وقال ابن معين: ليس بشيء، ولم يكتب عند سفيان، وكان يملي على الناس ما لم يَقُلْهُ سفيان. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال أبو حاتم: صدوق. وقال أبو عوانة في "صحيحه": .. ثقة، من كبار أصحاب ابن عيينة، وممن سمع منه قديما. ¬

_ (¬1) كذا، ولعل الصواب: "أثر".

وقال الحاكم: ثقة مأمون، من الطبقة الأولى من أصحاب ابن عيينة. وقال يحيى بن الفضل: كان والله ثقة. وقال ابن حبان في "الثقات": كان متقنًا ضابطًا، صحب ابن عيينة سنين كثيرة، وسمع أحاديثه مرارًا ... ، ولقد حدثنا أبو خليفة، ثنا إبراهيم بن بشار الرمادي، قال: حدثنا سفيان بمكة وعبادان، وبين السماعين أربعون سنة. سمعت أحمد بن زنجويه يقول: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: سمعت يحيى بن معين يقول: كان الحميدي لا يكتب عند سفيان بن عيينة، وإبراهيم بن بشار أحفظهما. أقول: يتحصل من مجموع ما ذُكر أن إبراهيم كان قد سمع من سفيان بن عيينة قديمًا، ثم كان يحضر مجالسه، فربما حدث سفيان ببعض تلك الأحاديث، فربما أبدل كلمة بأخرى، أو نحو ذلك، على ما هو معروف من عادة سفيان في الرواية بالمعنى، وكان بعض الحاضرين لا يتمكنون من الحفظ أو الكتابة وقت السماع، فإذا فرغ المجلس، رغبوا إلى إبراهيم، فيملي عليهم ذاك المجلس، فربما أملى عليهم كما حفظ سابقا، ويكون في ذلك ألفاظ مغايرة للألفاظ التي عَبَّرَ عنها سفيان في ذاك المجلس، فذاك الذي أنكره عليه أحمد ويحيى. وقد يقال: إن كان إبراهيم لم يشعر بالاختلاف، فالخطبُ سهلٌ، وإن شعر به فغايته أن يكون استساغ للجماعة أن يذهب أحدهم فيروي عن سفيان كما حدث سفيان قديمًا، وإن كان هو إنما سمعه بتغيير ما في الألفاظ، كما ساغ لسفيان أن يروي ما سمعه تارة كما سمعه، وتارة بتغيير ما في الألفاظ، بل هذا أسوغ؛ فإن اللفظين كلاهما صحيح عن سفيان. وبالجملة، فهذا توسُّعٌ في الرواية بالمعنى لا يوجب جرحا، وظاهر قول أحمد: "كأنه يغير الألفاظ" أنه جَوَّزَ أن إبراهيم يغير الألفاظ من عنده، وذلك أشَدُّ.

وهكذا ما يُروى عن ابن معين، قال في إبراهيم: "رأيته ينظر في كتاب، وابن عيينة يقرأ، ولا يغير شيئًا، ليس معه ألواح ولا دواة"، فالكتاب الذي كان ينظر فيه سماعُه القديم من ابن عيينة، فكان يعيدُ سماعَه؛ ليتثبت، وقد عرف عادة ابن عيينة في الرواية بالمعنى، فلم يكن يلتفت إلى اختلاف بعض الألفاظ، ولعله لو رأى اختلافا معنويا لراجع ابن عيينة، إما في المجلس وإما بعده. وقد جاء عن يحيى القطان أنه ذكر لابن عيينة ما قد يقع في حديثه من اختلافٍ، فقال ابن عيينة: "عليك بالسماع الأول، فإني قد سئمت" كما في "فتح المغيث" ص 429. وفي "التهذيب": "وقال أحمد: كأن سفيان الذي يروي عنه إبراهيم بن بشار ليس هو سفيان بن عيينة. يعني مما يغرب عنه، وكان مكثرا عنه". أقول: وحُقَّ لمن لازم مثل ابنِ عيينة في كثرة حديثه عشراتِ السنين أن يكون عنده عنه ما ليس عند غيره ممن صحبه مدة قليلة. نعم، قال البخاري في إبراهيم: يهم في الشيء بعد الشيء، وهو صدوق. وأورد له حديثا رواه ابن عيينة مرفوعا (¬1)، وغيره يرويه عن ابن عيينة مرسلا، قال ابن عدي: لا أعلم أُنكر عليه إلا هذا الحديث الذي ذكره البخاري، وباقي حديثه مستقيم، وهو عندنا من أهل الصدق. أقول: فإن كان وهم في هذا، فهو وهم يسير في جانب ما روى، فالرجل ثقة ربما وهم، والسلام". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني موصولا.

27 - قولهم: "تكلموا فيه" في مقابل التوثيق

ثم قال الشيخ المعلمي في الموضع السابق من ترجمة مؤمل بن إهاب: "وإنما قال: "كأنه يغير الألفاظ" لأحد أمرين: الأول: أن يكون أحمد جَوَّز أن تكون العبارة التي ساقها إبراهيم هي عبارة ابن عيينة نفسه قبل ذلك المجلس، وأن تكون عبارة إبراهيم نفسه بأن غير ألفاظ ابن عيينة وعبر عن المعنى، وكانت نَفْسُ أحمد مائلةً إلى هذا الاحتمال الثاني، فقال: "كأنه يغير الألفاظ"، أي من عنده. الأمر الثاني: أن يكون أحمد قد علم جملةً حين سمع في ذاك المجلس عبارةَ سفيان، ثم عبارة إبراهيم: اختلاف العبارتين، ولم يُحقق حينئذٍ وجهَ الاختلاف، ثم لمّا أُخبر بذلك مال إلى أن الوجه هو تغيير الألفاظ، وعلى كلا الأمرين فأحمد مُحَقِّقٌ لاختلاف العبارتين جازمٌ به، وعلى ذلك بَنَى اللومَ والذمَّ، لا على مجرد احتمال أن إبراهيم يغير الألفاظ. فإن قيل: اختلافُ العبارتين مستلزمٌ لتغيير الألفاظ؟ قلت: إن صَحَّ هذا، استعملَ أحمد: "كأن" في التحقيق بدليل ما قبلها، وذلك خلاف المعنى المتبادر منها. وليس في نقل ابن الجنيد ما يوجب صرفَها عن أصل معناها الذي تقدم بيانه. وإذا اشتبه الأمر في المنقول عن إمام، وجب الرجوع إلى المنقول عن غيره، وقد ذكرت في "الطليعة" توثيق الأئمة لمؤمل، وبذلك يرجح رجحانًا ظاهرًا أن ابن معين لم يضعفه. والله المستعان". اهـ. 27 - قولهم: "تكلموا فيه" في مقابل التوثيق: • في ترجمة: أحمد بن محمد بن عبد الكريم أبي طلحة الفزاري الوساوسي من "التنكيل" (35):

"سئل عنه الدارقطني فقال: "تكلموا فيه" (¬1)، وقال الخطيب في "التاريخ" (ج 5 ص 58): "سألت البرقاني عن أبي طلحة الفزاري فقال: ثقة". فكلمة "تكلموا فيه" ليست بجرح؛ إذ لا يُدرى من المتكلم وما الكلام؟ والتوثيق صريحٌ، فالعمل عليه". اهـ. • وفي ترجمة محمد بن إسماعيل بن يوسف السلمي أبي إسماعيل الترمذي (193). قال ابن أبي حاتم: "تكلموا فيه". فقال الشيخ المعلمي: لا يُدرى من المتكلم ولا الكلام، وقد وثقه النسائي ومَسْلمة والدارقطني، وغيرهم، فهو ثقة حتمًا (¬2). اهـ. ¬

_ (¬1) "سؤالات السهمي": ترجمة (171)، و"تاريخ بغداد" (5/ 58)، و"تاريخ دمشق" المطبوع (7/ 346)، و"المغني في الضعفاء" للذهبي. ت (431)، وفيها جميعًا عن الدارقطنى: "تكلموا فيه" فقط، وزاد الذهبي في "الميزان" (1/ 145):"ضعفه الدارقطني"، بينما أهمل قولَ الدارقطني في "تاريخ الإسلام" الطبقة (33) واكتفى بنقل توثيق البرقانى. وذكر ابن عساكر والذهبي روايةَ الدارقطني عنه. (¬2) علقت على هذه الترجمة في القسم الأول من هذا الكتاب بقولي: "قال عنه أبو بكر الخلال: "صاحبنا، وقد سمعنا منه حديثًا كثيرًا، وكان عنده عن أبي عبد الله مسائل صالحة حسان، وفيها ما أغرب به على أصحاب أبي عبد الله، وهو رجل معروف، ثقة، كثير العلم، يتفقه". "طبقات الحنابلة" للقاضي أبي يعلى: (1/ 279). ونقل الخطيب في "تاريخ بغداد" (2/ 44) توثيقه عن النسائي وغيره، وقال الخطيب: "كان فهمًا، متقنًا، مشهورًا بمذهب السنة، وسكن بغداد، وحدث بها"، ولم ينقل قول ابن أبي حاتم المذكور. وقال الذهبي في "السير" (13/ 242): "الإمام الحافظ الثقة .. ولد بعد التسعين ومائة .. وعُني بهذا الشأن، وجمع وصنف، وطال عمره، ورحل الناس إليه .. ، حدث عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي، ... وخلق كثير". ونقل الذهبي قول ابن أبي حاتم، ثم قال: "انبرم الحال على توثيقه وإمامته". اهـ. تنبيه: في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (9/ 63): "قال الحاكم عن الدارقطني: "ثقة صدوق، وتكلم فيه أبو حاتم" وكذا هو في نقل الذهبي، وابن عساكر عن "سؤالات الحاكم". لكن الذي في "سؤالات الحاكم" المطبوع (526): "قال الحاكم عن الدارقطني: ثقة صدوق. قلت: بلغني أن أبا حاتم الرازي تكلم فيه. فقال: هو ثقة. وفي (175) زيادة: قال الحاكم: لم يتكلم فيه أبو حاتم. اهـ.

28 - قولهم: "كف بصره فاضطرب حديثه"

• وفي ترجمة: علي بن زيد بن عبد الله أبي الحسن الفرائضي من "التنكيل" (160). قال ابن يونس: "تكلموا فيه". قال الشيخ المعلمي: "لم يبين من المتكلم، ولا ما هو الكلام، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة". والتوثيق مقدم على مثل هذا الجرح كما لا يخفى (¬1). 28 - قولهم: "كُفَّ بصره فاضطرب حديثه": • في ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني أبي يعقوب المدني من "التنكيل" (42): ... قال البزار: كُفَّ بصرُه فاضطرب حديثه. فقال الشيخ المعلمي: " ... كلمة البزار تقتضي أن حديثه كان قبل عماه مستقيمًا، فينظر متى عمي؟ ". اهـ. 29 - قولهم: "ضعيف، ومع ضعفه يكتب حديثه": • في ترجمة: إسحاق بن إبراهيم الحنيني أيضا: نقل الشيخ المعلمي قولَ ابن عدي هذا في إسحاق، وذكر أنه يقتضي أنه يعتبر به. 30 - قولهم: "في حديثه بعض المناكير": نقله المعلمي أيضا من قول أبي أحمد الحاكم في إسحاق هذا، وقال بمثل قوله في قول ابن عدي السابق. ¬

_ (¬1) علقت على هذه الترجمة في القسم الأول رقم (528) بما تراه قريبا فيما يتعلق برد الجرح المجمل، فانظره هناك.

31 - قولهم: "كبر وافتقر"

31 - قولهم: "كبر وافتقر": • في "الفوائد المجموعة" (ص 219) قال الشيخ المعلمي في: داود بن فراهيج مولى قيس بن الحارث بن فهر: "ضعفه شعبة ويحيى وغيرهما، وهو صدوق في الأصل، ولكنه تغير بأخرة. وقال يعقوب الحضرمي: "ثنا شعبة عن داود، وكان قد كبر وافتقر"، وهذه كلمة شديدة". • وفي (ص 355) منه: "كان في أول أمره لا بأس به، ثم تغير، قال يعقوب الحضرمي: ثنا شعبة عن داود، وكان قد كبر وافتقر" (¬1) وهذه الكلمة شديدة؛ فإنها تُشعر باتهامه بأن يكون حمله الكِبَر والفقر على التقرب إلى بعض الناس برواية ما يَسُرُّهم. اهـ. ¬

_ (¬1) علقت على هذا الموضع من ترجمة داود في القسم الأول رقم (258) بقولي: "التاريخ الكبير" (3/ 230)، وروى العقيلي في "الضعفاء" (2/ 40) من طريق حجاج بن نصير قال: حدثنا شعبة، قال: "حدثنا داود بن فراهيج بعد ما كبر وافتقر وافتتن". ومثله في "تاريخ ابن عساكر" عن العقيلي (6 / ق 41 الظاهرية). وهذه الكلمة: "افتتن" ربما تكون صريحةً فيما استشعره المعلمي من هذه العبارة، لكن حجاج بن نصير هذا متروك، وله أخطاء كثيرة على شعبة، فلا يعتد بزيادته تلك. وقال ابن عساكر في "تاريخه": ذكر أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الكناني الأصبهاني قال: قلت لأبي حاتم: ما تقول في داود بن فراهيج؟ فقال: هو صحيح - أو قال: صالح الحديث، إلا أن شعبة روى عنه فقال: حدثني بعد ما كبر". وتضعيف شعبة لدواد قد نقله غير واحد عن شعبة، لكن في كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد (1 / ص 64 رقم 150): "قال أحمد: حدثنا وكيع، قال: ذكر شعبة داود بن فراهيج، فقصبه - يعني تكلم فيه". اهـ. وهذا مُشعرٌ بالضعف الشديد، والله تعالى أعلم.

32 - قولهم: "لو لم يصنف كان خيرا له"

32 - قولهم: "لو لم يصنف كان خيرا له": • في ترجمة: أسد بن موسى المعروف بـ "أسد السنة" من "التنكيل" (46): قال ابن حزم: منكر الحديث. وقد قال البخاري: مشهور الحديث. فقال الشيخ المعلمي: "هذا بحسب الظاهر يبطل قول ابن حزم، لكن يجمع بينهما قولُ ابنِ يونس: حدث بأحاديث منكرة، وأحسب الآفة من غيره. وقولُ النسائي: ثقة، ولو لم يصنف كان خيرًا له. وذلك أنه لما صنف احتاج إلى الرواية عن الضعفاء، فجاءت في ذلك مناكير، فحمل ابن حزم على أَسَد، ورأى ابنُ يونس أن أحاديثه عن الثقات معروفة. وحَقَّقَ البخاري فقال: حديثه مشهور. يريد -والله أعلم-: مشهور عَمَّنْ روى عنهم، فما كان فيه من إنكارٍ فَمِنْ قبله. وقد قال ابن يونس أيضًا والبزار وابن قانع: ثقة وقال العجلي: ثقة، صاحب سنة. وفي "الميزان". استشهد به البخاري، واحتج به النسائي وأبو داود، وما علمت به بأسًا. اهـ. 33 - قولهم: "فيه ضعف" أَخَفُّ من: "ضعيف": • أشار إلى ذلك الشيخ المعلمي في ترجمة: النضر بن محمد المروزي من "التنكيل" (257). 34 - قولهم: "كان يتهم بداء سوء": • في ترجمة: صالح بن محمد التميمي الحافظ الملقب "جزرة" (110): ذكر الكوثري ص 187 قول صالح في الحسن بن زياد اللؤلؤي: "ليس بشيء، لا هو محمود عند أصحابنا ولا عندهم، يُتهم بداء سوء، وليس هو في الحديث بشيء".

ثم قال الكوثري: " ... والعجب من هؤلاء الأتقياء الأطهار استهانتهم بأمر القذف الشنيع، هكذا فيما لا يُتَصوَّرُ قيامُ الحجة فيه، مع علمهم بحكم الله في القذفة .. " فقال الشيخ المعلمي: "قوله: والعجب من هؤلاء الأتقياء الأطهار ... ، إن أراد به قول صالح في الحسن ابن زياد: يُتهم بداء سوء، فليس بقذفٍ، كما لا يخفى على ذي فقه. أولًا: لأن صالحًا لم يُثبِتْ، وإنما ذكر أن الحسن يُتهم، أي يتهمه بعض الناس، وفي كتب الحنفية أنفسهم: إن قال: قد أُخبرت بأنك زانٍ، لم يكن فيه حَدٌّ. ثانيًا: لأنه لم يثبت الفعل، وإنما أثبت اتهام بعض الناس. ثالثًا: لم يذكر صريح الزنا، وإنما قال "بداء سوء"، وأدواء السوء كثيرة، بل لعل تلك الكلمة لا تعريض فيها بموجِب الحَدِّ، وإنما المراد بداء السوء ما دون الفاحشة. ولم تقتصر حال اللؤلؤي على التهمة بما دون الفاحشة، بل شهد عليه الأئمة الأثبات بفعله في الصلاة، كما سلف في ترجمة الخطيب، وتراه في ترجمة اللؤلؤي من "لسان الميزان" وغيره. وصالح مكلف شرعًا بإخبار سائله عن اللؤلؤي بحاله في ما يقتضي عدالته أو جرحه، وقد نَصَّ جماعة من أهل العلم على أن قاصد الجرح إذا قال في المسئول عنه: "هو زان" لم يكن قذفًا محرمًا، وإنما هو شهادة وجب عليه أداؤها. فتدبر ما تقدم، ثم انظر هل هناك كلمة يؤدي بها صالح ما وجب عليه أعف وأطهر من قوله "يُتهم بداء سوء"؟. وقد حكى الحنفية أنفسهم عن إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة كلمةً شنيعةً، قالها، وليس في صدد جرح، بل في مدح نفسه وذم من كان ينازعه في ولاية القضاء، وسبق في ترجمة الخطيب كلمات الكوثري في حقه.

فالأستاذ يستحل لنفسه ولأصحابه ما لا يكاد يحل لمن رُفع عنه القلم، ويحاول التشنيع على هذا الحافظ المجمع على ثقته وأمانته بكلمةٍ هي أعفُّ وأطهرُ ما يمكنه أن يؤدي بها ما أوجب الله تعالى عليه، ثم يضج ويعج من مخالفيه إذا نسبوه إلى تعمد المغالطة". اهـ. * * *

المبحث الثاني ألفاظ وأوصاف ظاهرها الجرح، لكنها ربما لا تقتضيه، إذا دلت القرائن على ذلك

المبحث الثاني ألفاظ وأوصاف ظاهرها الجرح، لكنها ربما لا تقتضيه، إذا دلت القرائن على ذلك 1 - قولهم: "لم يكن من أصحاب الحديث": • في ترجمة: محمد بن أبي عتاب أبي بكر الأعين من "التنكيل" (218): قال ابن معين: لم يكن من أهل الحديث (¬1). قال المعلمي: "هذه كلمة مجملة، وقد فَسَّرها الخطيب بقوله: "يعني لم يكن بالحافظ للطرق والعلل (¬2)، وأما الصدق والضبط فلم يكن مدفوعًا عنه". وقال الإمام أحمد: "رحمه الله تعالى، مات ولا يعرف إلا الحديث، ولم يكن صاحب كلام، وإني لأغبطه". ¬

_ (¬1) هكذا ذكره الكوثري، ومشى عليه المعلمي، والذي في "تاريخ بغداد" (2/ 183) من رواية بكر بن سهل قال: نبأنا عبد الخالق بن منصور، قال: سئل يحيي بن معين عن أبي بكر الأعين، فقال: ليس هو من أصحاب الحديث". اهـ. وهذا اللفظ هو الذي يتمشى مع تفسير الخطيب، أما: "لم يكن من أهل الحديث" فظاهرها أنهم يريدون جمها أنه لم يكن مشتغلا بالحديث وسماعه وروايته، وقد يكون من أهل الفقه أو اللغة أو القراءة ونحو ذلك، ولعل الكوثري لحظ هذا الفرق، فغيَّر عبارة ابن معين إلى ما يفي بغرضه، والله تعالى أعلم. (¬2) لفظه في "تاريخ بغداد": "لم يكن من الحفاظ لعلله، والنقاد لطرقه مثل علي بن المديني ونحوه".

2 - قولهم: "لا أعرفه بطلب الحديث" أو "ما رأيته طلب حديثا قط"

وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬1). وأخرج له مسلم في مقدمة "صحيحه" (¬2) ". اهـ. 2 - قولهم: "لا أعرفه بطلب الحديث" أو "ما رأيته طلب حديثًا قط": • في ترجمة: الحسن بن علي بن محمد الحلواني من "التنكيل" (77): قال الشيخ المعلمي: "قال فيه يعقوب بن شيبة: "كان ثقة ثبتًا"، وقال النسائي: "ثقة"، وقال الترمذي: "كان حافظا"، وقال الخليلي: "كان يشبه أحمد في سمعته وديانته"، وقال الخطيب: "كان ثقة حافظا"، وروى عنه البخاري ومسلم في "صحيحيهما"، وأبو داود مع أنه لا يروي إلا عن ثقة، ومع شدة متابعته لأحمد". وقد قال الكوثري ص 109: "لم يكن أحمد يحمده كما ذكره الخطيب". فقال الشيخ المعلمي: "إنما لم يحمده أحمد؛ لأنه بلغه عنه أنه مع قوله "القرآن كلام الله غير مخلوق ما نعرف غير هذا" امتنع من إطلاق الكفر على القائلين بخلق القرآن، فكأنَّ أحمد رأى أن امتناع العالم في ذاك العصر من إطلاق الكفر عليهم، يكون ذريعة لانتشار تلك البدعة، التي جَدَّ أهلها -والدولة معهم- في نشرها وحمل الناس عليها، ولعلَّ الحلواني لم ينتبه لهذا، وعارض ذلك عنده ما يراه مفسدة أعظم. فأما قول أحمد: "لا أعرفه بطلب الحديث، ولا رأيته يطلبه" فَحَقٌّ وصدقٌ؛ أحمد في بلدٍ والحلواني في بلد آخر، وقد قال يحيى القطان في عبد الواحد بن زياد: "ما رأيته طلب حديثًا قط"، ولم يَعُدُّوا هذا تضعيفًا". اهـ. ¬

_ (¬1) ووثقه الخطيب في تاريخه (2/ 183). (¬2) وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود في غير "السنن" وجماعة، كما في: "الجرح والتعديل" (7/ 229) و"تهذيب الكمال" (26/ 78).

3 - قولهم: "حدث بما ليس في كتابه" أو "حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه"، والفرق بينها وبين: "حدث بما ليس في حديثه" و"حدث من حفظه بما ليس عنده" و"يحدث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله" و"يروي عما ليس عليه سماعه"

3 - قولهم: "حدَّث بما ليس في كتابه" أو "حدث من حفظه بما ليس عنده في كتابه"، والفرق بينها وبين: "حدَّث بما ليس في حديثه" و"حدث من حفظه بما ليس عنده" و"يحدث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله" و"يروي عما ليس عليه سماعه": • في ترجمة: أحمد بن سلمان النجاد من "التنكيل" (19): قال الكوثري: ص 65: "يقول فيه الدارقطني: يحدث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله". وفي ص 125: "والنجاد ممن يروي عما ليس عليه سماعه كما نص على ذلك الدارقطني، كما في (4/ 191) من "تاريخ الخطيب"، وليس قول الدارقطني فيه: قد حدَّث أحمد بن سلمان من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله، مما يزال بِلَعَلَّ ولَعَلَّ". فقال الشيخ المعلمي: "لفظ الدارقطني: "حَدَّثَ .... " كما في "تاريخ بغداد" في الموضع الذي أحال عليه الأستاذ، وهكذا في "تذكرة الحفاظ" وفي "الميزان" و"اللسان"، وهذه الكلمة تصدق بمرة واحدة، كما حملها عليه الخطيب؛ إذ قال: "كان قد كُفَّ بصرُه في آخر عمره، فلَعَلَّ بعضَ طلبة الحديث قرأ عليه ما ذَكر الدارقطني". بخلاف ما نسبه الأستاذ إلى الدارقطني أنه قال: "يحدث من كتاب غيره ... "، "ممن يروي عما عليه سماعه"؛ فإن هاتين العبارتين تُعطيان أن ذلك كان مِنْ شأنِهِ، تَكَرَّرَ منه مرارًا (¬1)! ¬

_ (¬1) بقيته هنا: "وقد تصرف الأستاذ مثل هذا التصرف وأشد منه في مواضع، راجع "الطليعة" (ص 66 - 72)، ويعتذر الأستاذ في "الترحيب" ص 16 بقوله: وأما مراعاة حرفية الجرح فغير ميسورة كل وقت، وكفى بالاحتفاظ بجوهر المعنى. =

وقول الأستاذ "مما يُزَال بِلَعَلَّ ولَعَلَّ" يريد قولَ الخطيب: " .. فلعل بعض الطلبة ... " وقد مَرَّ، ولولا شدةُ غيظِ الأستاذ على المحدثين لاكتفى بنص عبارة الدارقطني وعبارة الخطيب قائلًا: فعلى هذا ينبغي التثبت فيما يرويه عن النجاد من لم يكن في عصره معروفًا بالتيقظ، وراوي تينك الحكايتين عن النجاد هو محمد بن عبد الله بن أبان الهيتي، قال فيه الخطيب " ... وكان مغفلًا مع خلوه عن علم الحديث ... "، وإذا كانت هذه نهايته فما عسى أن تكون بدايته؟ فلا يؤمن أن يكون سمع تينك الحكايتين من النجاد في ذاك المجلس الذي حدث فيه النجاد من كتاب غيره بما ليس في أصوله. أقول: لو كان الأستاذ يكفكف من نفسه لاكتفى بهذا أو نحوه، فإذا قيل له: القضية النادرة لا يعتد بها في حمل غيرها عليها، وإنما الحمل على الغالب، فقد يمكنه أن ينازع في هذا. أما أنا فأقول: إنما قال الدارقطني: "بما لم يكن في أصوله"، ولم يقل: "بما لم يكن من حديثه"، أو نحو ذلك، فدل هذا على احتمال أن يكون ما حَدَّث به من ذلك الكتاب كان من حديثه أو روايته، وإن لم يكن في أصوله، وذلك كأن يكون سمع شيئًا فحفظه، ولم يثبته في أصله، ثم رآه في كتاب غيره كما حفظه، فحدث به، أو يكون حضرَ سماعَ ثقةٍ ¬

_ = أقول: على القارىء أن يراجع تلك الأمثلة في "الطليعة" ليتبينَ له: هل احتفظ الأستاذ بجوهر المعنى؟ ولا أدري ما الذي عَسَّرَ عليه المراعاة، لعله كان بعيدًا عن الكتب فلم يتيسر له مراجعتها وإنما اعتمد على حفظه؟ أو لا يحق لي أن أقول: إن الذي عَسَّرَ عليه ذلك هو أنه رأى كلمات الأئمة التي تصرف فيها ذاك التصرف لا تشفي غيظه، ولا تفي بغرضه، فاضطر إلى ما وقع منه، يدل على هذا أني لم أر كلمة واحدة من كلمات التليين في الذين يريد جرحهم تصرف فيها فجاءت عبارته أخف من أصلها، بل رأيته يحافظ على حرفية الجرح حيث يراه شافيًا لغيظه، كما يأتي في الترجمة (رقم 23) وغيرها! وعلى هذا يكون اعتذاره المذكور اعترافًا بما قلته في "الطليعة" ص 66 ". اهـ.

غيرِه في كتاب، ولم يُثبت اسمَه فيه، ثم رأى ذلك الكتاب، وهو واثق بحفظه، فحدَّث منه بما كان سمعه، أو تكون له إجازةٌ بجزءٍ معروفٍ، ولا أصل له به، ثم رأى نسخةً موثوقًا بها منه، فحدَّث منها. نعم، كان المبالغون في التحفظ في ذاك العصر لا يحدث أحدهم إلا بما في أصوله، حتى إذا طولب أبرزَ أصلَهُ، ولا ريب أن هذا أحوط وأحزم، لكنه لا يتحتم جرحُ مَنْ أخَلَّ بذلك إذا كانت قد ثبتت عدالته وأمانته وتيقظه، وكان ما وقع منه محتملًا لوجهٍ صحيح. وقد قال أبو علي ابن الصواف: "كان النجادُ يجيء معنا إلى المحدثين ونعله في يده، فيقال له في ذلك، فيقول: أحب أن أمشي في حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حافيًا" .... وكان ابن رزقويه يقول: "النجاد ابن صاعدنا". قال الخطيب: "عني بذلك أن النجاد في كثرة حديثه، واتساع طرقه، وأصناف فوائده لمن سمع منه، كابن صاعد لأصحابه؛ إذ كل واحد من الرجلين كان واحدَ وقته". وقال الخطيب: "كان صدوقًا عارفًا، صنف كتابا كبيرًا في السنن، وكان له بجامع المنصور حلقةً قبل الجمعة للفتوى، وحلقة بعدها للإملاء" هكذا في "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 80)، وقال الذهبي أول الترجمة: "النجاد الإمام الحافظ الفقيه شيخ العلماء ببغداد". وقد روى عنه الأئمة؛ كالدارقطني وابن شاهين والحاكم -وأكثر عنه في المستدرك- وابن منده وابن مردوية وغيرهم، ولم يُنْكَرْ عليه حديثٌ واحدٌ. الثقةُ تثبتُ بأقل من هذا، ومن ثبتت عدالته، لم يُقبل فيه الجرح إلا ببينة واضحة، لا احتمال فيها، كما تقدم في القواعد. والله الموفق". اهـ.

4 - قولهم: "لو قدر أن يسرق حديث فلان لسرقه"

• وفي ترجمة: أحمد بن كامل القاضي منه (29): قال الكوثري ص 43: "وأحمد بن كامل القاضي فيه يقول الدارقطني: .. كان متساهلًا في الرواية؛ ربما حدث من حفظه بما ليس عنده، كما رواه الخطيب". فقال الشيخ المعلمي: "ذكرت في "الطليعة" (ص 69) أن عبارة الدارقطني كما في "تاريخ بغداد" (¬1) وغيره " .. بما ليس عنده في كتابه". وهذا القيد "في كتابه" يدفع القَدْحَ؛ فإنه لا يلزم من عدم كون الحديث عند أحمد في كتابه أن لا يكون عنده في حفظه. .. ولا يخفى أن الظاهر من قولهم: "عنده" يتناول ما في كتابه وما في حفظه، وعادةُ النقادِ جاريةٌ على هذا الظاهر، وتجد أمثلة من ذلك في "تهذيب التهذيب" (ج 1 ص 110)، ولا حاجة إلى تتبع نظائر ذلك ما دام هو الموافق للظاهر كما تقدم. .. وغاية الأمر أن الدارقطني رأى أنه كان الأحوط لأحمد بن كامل أن لا يحدث بما ليس في كتابه، وإن كان يحفظه، وتَرْكُ الراوي للأحوط لا يقدح فيه، بل إذا خاف أن يكون تركه رواية ما حفظه ولم يثبته في كتابه الأصل كتمانًا للعلم وتعريضًا للضياع وجبَ عليه أن يرويه، وراجع ما تقدم في ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان". اهـ. 4 - قولهم: "لو قدر أن يسرق حديث فلان لسرقه": • في ترجمة: محمد بن بشار بندار -المتفق على ثقته- من "التنكيل" (195): ذكر الكوثري اتهامه بسرقة الحديث. ¬

_ (¬1) (4/ 358).

فقال الشيخ المعلمي: "هذا ثقة جليل، وثقه أبو حاتم مع تشدده، والنسائي، والذهلي، ومَسْلمة، وابن خزيمة، وكان يسميه: "إمام زمانه"، وآخرون، واحتج به الشيخان في "الصحيحين"، وبقية الستة. وفي "التهذيب" عن "الزهرة": "روى عنه البخاري مائتي حديث وخمسة أحاديث، ومسلم أربعمائة وستين". ... وأما سرقة الحديث فإنما أخذها الأستاذ مما رُوي عن أبي موسى (¬1) أنه سبق بندارا إلى تصنيف حديث "داود بن أبي هند"، ثم قال: هنا قومٌ لو قدروا أن يسرقوا حديثَ داودَ لسرقوه -يعني بندارا-. وإنما كانت بين الرجلين منافسة، فأراد أبو موسى أن بندارا يحسده على السبق إلى تصنيف حديث داود، حتى لو أمكنه أن يسرق ذاك الكتاب؛ ليفقده أبا موسى لفعل. وليس هذا من سرقة الحديث في شيء، ولم يقع من بندار لا هذا ولا ذاك، ولا هو ممن يقع منه ذلك، وإنما بالغ أبو موسى كما لا يخفى. ومع هذا، لم يكن بين الرجلين بحمد الله ما يسمى عداوة، وقد توفي بندار قبل أبى موسى، فجاء بعض الجهلة إلى أبي موسى، فقال له: البشرى، مات بندار. يعني: وخلا لك الجو. فقال له أبو موسى: جئت تبشرني بموته؟! علي ثلاثون حجة إن حدثت أبدا. فعاش بعد ذلك تسعين يوما، لم يحدث، ثم مات رحمهما الله تعالى. وإنما حلف أبو موسى أن لا يحدث ندامةً على ما سبق منه من المنافسة، وإظهارا لأنها لم تبلغ به أن يُسَرَّ بموت صاحبه، فامتنع من التحديث الذي كانت المنافسة فيه". اهـ. ¬

_ (¬1) هو محمد بن المثنى.

5 - قولهم: "كان يجبي الخراج"

5 - قولهم: "كان يجبي الخراج": • في ترجمة: عنبسة بن خالد من "التنكيل" (175): في كتاب ابن أبي حاتم (ج 3 قسم 1 ص 402): "سألت أبي عن عنبسة بن خالد فقال: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثديهن". وقال ابن القطان: كفى بهذا في تجريحه، وكان أحمد يقول: ما لنا ولعنبسة ... هل روى عنه غير أحمد بن صالح؟ وقال يحيى بن بكير: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن بموضع للكتابة عنه. فقال الشيخ المعلمي: "أبو حاتم ولد سنة 195، وأول طلبه الحديث سنة 209، وإنما دخل مصر بعد ذلك بمدة، فلم يدرك عنبسة، ولا ولايته الخراج؛ لأن عنبسة توفي سنة 198، ولا يُدرى من أخبر أبا حاتم بذلك؟ فلا يثبت ذلك، ولا ما يترتب عليه من الجرح. وقال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن مسلم (ابن وارة) يقول: روى ابن وهب عن عنبسة بن خالد. قلت لمحمد بن مسلم: فعنبسة بن خالد أحب إليك أو وهب الله بن راشد؟ فقال: سبحان الله، ومن يقرن عنبسة إلى وهب الله؟ ما سمعت بوهب الله إلا الآن منكم. فقد روى عن عنبسة: أحمد بن صالح على إتقانه، وعبد الله بن وهب على جلالته وتقدمه، وكل منهما أعقل وأفضل من مائة مثل يحيى بن بكير، وروى عنه محمد بن مهدي الإخميمي وغيرهم كما في "التهذيب". فأما الإمام أحمد، فكأنه سمع بأن عنبسة كان يجبي الخراج، فكرهه لذلك، وليس في ذلك ما يثبت به الجرح، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأخرج له البخاري في "الصحيح" مقرونًا بغيره، وأخرج له أبو داود في "السنن" ...

6 - قولهم: "في خلقه زعارة"

فعنبسة يروي عنه ابن وهب، ويصدقه أحمد بن صالح، ويثني عليه ابن وارة، ويثبته أبو داود، ويستشهد به البخاري، ويوثقه ابن حبان". اهـ. 6 - قولهم: "في خلقه زعارة": • في ترجمة: أيوب بن إسحاق بن سافري من "الطليعة" (ص 44): في ترجمته من "تهذيب تاريخ ابن عساكر" (ج 3 ص 200) عن ابن يونس: " ... وكان في خُلقه زعارة، وسأله أبو حميد في شيء يكتبه عنه، فمطله ... "، ومعروف في اللغة ومتكرر في التراجم أن يقال: "في خلق فلان زعارة"، أي شراسة، وهذا وإن كان غيرَ محمودٍ، فليس مما يقدح في العدالة، أو يخدش في الرواية" (¬1). 7 - شُرْبُ النبيذ على مذهب العراقيين: • في ترجمة: الحسن بن أحمد بن إبراهيم بن شاذان أبي علي بن أبي بكر من "التنكيل" (73): قال الخطيب (ج 7 ص 279): "كتبنا عنه، وكان صدوقًا صحيح الكتاب، وكان يفهم الكلام على مذهب الأشعري، وكان مشتهرًا بشرب النبيذ، إلى أن تركه بأخرة، كتب عنه جماعة من شيوخنا كأبي بكر البرقاني ... سمعت أبا الحسن بن رزقويه ¬

_ (¬1) زاد الشيخ المعلمي هنا: "لكن وقع في "تاريخ بغداد" (ج 7 ص 10) في هذه الحكاية: وكانت في خلقه دعارة. كذا، وهذا تصحيف، لا يخفى مثله على الكوثري، أولًا: لأنه ليس في كلامهم "في خلق فلان دعارة"، وإنما يقولون: فلان داعر بَيِّنُ الدعارة -إذا كان خبيثًا أو فاسقًا. ثانيًا: لأن ابن يونس عَقَّبَ كلمته بقوله: سأله أبو حميد في شيء من الأخبار يكتبه عنه فمطله ... " وهذه شراسة خلق، لا خبث أو فسق. ثالثًا: لأن المؤلفين في المجروحين لم يذكروا هذا الرجل، ولو وُصف بالخبث أو الفسق لا تركوا ذِكْرَهُ، ولكن الكوثري احتاج إلى الطعن في هذا الرجل، فقال ص 137: "ذاك الداعر ..... تكلم فيه ابن يونس": كذا قال، ولم يتكلم فيه ابن يونس بما يقدح، وقد ذكره ابن أبي حاتم في كتابه، وقال: "كتبت عنه بالرملة، وذكرته لأبي، فعرفه وقال: كان صدوقًا". اهـ.

8 - عدم الحنكة السياسية

يقول: أبو علي ابن شاذان من أوثق من برأ الله في الحديث، وسماعي منه أحب إلي من السماع من غيره، أو كما قال". فقال الشيخ المعلمي: "سماع البرقاني وغيره منه يدل أنه كان على مذهب العراقيين في الترخص في النبيذ، ومثل ذلك لا يُجرح به اتفاقًا، ومع ذلك فقد ترك ذلك بأخرة، وسماع الخطيب منه متأخر، وغالب السماع أو جميعه في ذاك العصر من الكُتب، وقد قال الخطيب: "كان صدوقًا صحيح الكتاب". اهـ. 8 - عدم الحنكة السياسية: • في ترجمة: سعيد بن مسلم بن قتيبة بن مسلم الباهلي الأمير من "التنكيل" (96): قال الكوثري ص 46: "عامل أرمينية في عهد الرشيد، وقد حاق بالمسلمين ما حاق من البلايا هناك من سوء تصريف هذا العامل شئون الحكم، وابتعاده في الحكم عن الحكمة والسداد، كما في "تاريخ ابن جرير" وغيره". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: "حُسن السياسة شيء، والصدق في الرواية شيء آخر، ولسعيد ترجمة في "تاريخ بغداد" (ج 9 ص 74)، وفيها: " ... قال العباس بن مصعب: قدم مرو زمان المأمون ... وكان عالما بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس". ولو قال الأستاذ: لم يُوثَّق، لَكَفَاهُ". اهـ. 9 - اللحن في الأسماء، وعدم رجوع الراوي عن الخطأ الذي يراه من غيره: • في ترجمة: المسيب بن واضح من "التنكيل" (245): يقول أبو حاتم عن المسيب: صدوق يخطىء كثيرا، فإذا قيل له لم يقبل. اهـ.

قال الشيخ المعلمي: "ذكر الخطيب في "الكفاية" (ص 143 - 147) ما يتعلق بخطأ الراوي وبعدم رجوعه، فذكروا أنه يرد رواية من كان الغالب عليه الغلط، ومن يغلط في حديثٍ مجتمع عليه، فينكر عليه، فلا يرجع. ومعلوم من تصرفاتهم ومن مقتضى أدلتهم أن هذا حكم الغلط الفاحش الذي تعظم مفسدته، فلا يدخل ما كان من قبيل اللحن الذي لا يُفسد المعنى. ومن قبيل ما كان يقع من شعبة من الخطأ في الأسماء، وما كان يقع من وكيع، وأشباه ذلك، وكما وقع من مالك؛ كان يقول في عمرو بن عثمان: عمر بن عثمان، وفي معاوية بن الحكم: عمر بن الحكم، وفي أبي عبد الله الصنابجي: عبد الله الصنابحي. وقد جاء عن معن بن عيسى أنه ذكر ذلك لمالك، فقال مالك: هكذا حفظنا، وهكذا وقع في كتابي، ونحن نخطيء، ومن يَسْلمْ من الخطأ؟ فلم يرجع مالك، مع اعترافه باحتمال الخطأ. فكلمة أبي حاتم في المسيب لا تدل على أنه كان الغالب عليه، ولا أن خطأه كان فاحشا، ولا أنه بُيِّنَ له في حديثٍ اتفاق أهل العلم على تخطئته فلم يرجع. وقد قال أبو عروبة في المسيب: كان لا يحدث إلا بشيء يعرفه يقف عليه. وهذا يُشعر بأن غالب ما وقع منه من الخطأ ليس منه، بل ممن فوقه، فكان يَثبت على ما سمع، قائلا في نفسه: إن كان خطأ، فهو ممن فوقي، لا مني .. ". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن عبيد الطنافسي (217): يقول فيه أحمد: يخطيء، ولا يرجع عن خطئه.

10 - الإغفاءة حال القراءة لما سبق سماعه، لاسيما من المكثرين

قال الشيخ المعلمي: "الظاهر أن خطأه إنما كان في اللحن؛ فقد وُصف بأنه يلحن، فأما الثقة فقد وثقه أحمد نفسه، وابن معين، وابن عمار، والنسائي، والعجلي، وابن سعد، والدارقطني، وغيرهم، وقال ابن المديني: "كان كيسا"، واحتج به الشيخان في "الصحيحين"، وبقية الأئمة". اهـ. 10 - الإغفاءة حال القراءة لِمَا سبق سماعُه، لاسيما من المكثرين: • في ترجمة: إبراهيم بن سعيد الجوهري من "الطليعة" ص (48): حكى عبد الرحمن بن خراش قال: سمعت حجاج بن الشاعر يقول: رأيت إبراهيم ابن سعيد عند أبي نعيم، وأبو نعيم يقرأ، وهو نائم - وكان الحجاج يقع فيه. قال الشيخ المعلمي: ذكر الكوثري تلك المقالة، فحرفها تحريفًا قبيحًا، قال ص 75: كان يتلقى وهو نائم، كما قال الحافظ حجاج بن الشاعر، فحجاجٌ هذا مِمَّنْ جُرْحُهُ لا يَندمل. وقال ص 119: رماه الحافظ حجاج بن الشاعر بأنه كان يتلقى وهو نائم. قال المعلمي: "كان من عادةِ المكثرين أن يترددوا إلى كبار الشيوخ؛ ليسمعوا منهم، فربما جاء أحدهم إلى شيخٍ، قد سمع منه الكثير؛ يرجو أن يسمع منه ما لم يسمعه مِنْ قَبل، فيتفق أن يشرعَ الشيخُ يحدثُ بجزءٍ، قد كان ذاك المكثر سمعه منه قبل ذلك، فلا يعتني باستماعه ثانيًا أو ثالثًا؛ لأنه يرى ذلك تحصيلَ حاصلٍ، فكأنه اتفق لإبراهيم هذا واقعة من هذا القبيل. فعبارةُ حجاجٍ تحتمل ذلك، ليس فيها ما يدل على أن إبراهيم صار بعد ذلك المجلس يروي عن أبي نعيم أحاديثَ يزعم أنه تلقاها في ذاك الوقت الذي كان إبراهيم فيه نائما.

11 - رمي الراوي بأنه ألحق اسمه أو تسميعه في بعض الأجزاء

وعبارة الكوثري تفيد هذا، وعبارة حجاج إنما تدل على مرة واحدة عند أبي نعيم، وعبارة الكوثري تدل أن التلقي في حال النوم كان من عادة إبراهيم عند أبي نعيم وغيره! فتدبر وتأمل". اهـ. وزاد المعلمي في ترجمة إبراهيم من "التنكيل" (5): قال الأستاذ في "الترحيب" ص 50: لا يتصور من مثل ابن الشاعر أن يقع فيه من غير أن يتكرر ذلك منه. فقال المعلمي: "أما كلمة حجاج، فلا تقتضي إلا مرة واحدة، وأما قول ابن خراش: "وكان حجاج يقع فيه" فإن عَني تلك الكلمة، بان حالُها، وإن عناها وغيرَها، فالوقيعة في الإنسان معناها مطلقُ الذمِّ، كأن يكون قال مَرَّة تلك الكلمة، وقال مَرَّة: لم يكن بالذكي، وقال أخرى: مغرمٌ بالكتابة عن كُلِّ أحدٍ لِيُقالَ: مكثر، ونحو ذلك من الكلمات التي لا توجب جرحًا. ثم مال الأستاذ إلى الإنصاف، فذكر أنه يجب الذب عن إبراهيم بن سعيد، ولكنه جعل الحمل على عبد الرحمن بن خراش، وستأتي ترجمته". اهـ. 11 - رمي الراوي بأنه أَلْحَق اسمَه أو تسميعه في بعض الأجزاء: • في ترجمة: الحسن بن علي بن محمد أبي علي ابن المذهب التميمي من "التنكيل" (78): قال الخطيب في "التاريخ" (ج 7 ص 390): "كان يروي عن ابن مالك القطيعي "مسند أحمد بن حنبل" بأسره، وكان سماعه صحيحًا، إلا الأجزاء منه، فإنه أَلْحَقَ اسمَه فيها، وكذلك فعل في أجزاء من "فوائد ابن مالك" وذكر أمورا أخرى.

فقال الشيخ المعلمي: "أما الأمر الأول، وهو إلحاق السماع، فأجاب ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 8 ص 155) بقوله: "هذا لا يوجبُ القدحَ؛ لأنه إذا تبين سماعُه للكتاب، جاز أن يكتب سماعَه بخطه. والعجب من عوام المحدثين، كيف يجيزون قولَ الرجل: أخبرني فلان، ويمنعون أن يكتب سماعَه بخط نفسه، أو إلحاق سماعه فيها بما يتقنه". أقول: جرت عادتهم بكتابة السماعِ وأسماءِ السامعين في كل مجلس، فمن لم يُسَمَّعْ له في بعض المجالس، دَلَّ ذلك على أنه فاته فلم يسمعه، فإذا ادَّعى بعد ذلك أنه سمعه ارتابوا فيه؛ لأنه خلاف الظاهر، فإذا زاد فَأَلْحَقَ اسمَه أو تسميعَه بخط كاتب التسميع الأول، قالوا: زَوَّرَ. والظاهر أن هذا لم يقع من ابن المذهب، ولو كان وقع، لبالغ الخطيب في التشنيع، وإنما أَلْحَقَ ما ألحق بخطه الواضح. ولا ريب أن من استيقن أنه سمع، جاز له أن يخبر أو يكتب أنه سمع، وأن من تثبت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعًا، ولا معارض له، أو يعارضه ما مَرَّ ولكن له عذر قريب، كأن يقول: فاتني أولًا ذلك المجلس، وكان الشيخ يعتني بي، فأعاده لي وحدي، ولم يحضر كاتبُ التسميع، فإنه يُقبل منه. ولعل هذا هو الواقع، فقد دل اعتمادُ الخطيب عليه في كتاب "الزهد" -كما يأتي- واقتصاره في الحكم على قوله: "ليس بمحل للحجة" أنه كان عنده صدوقًا. وذكر ابن نقطة كما في "الميزان" أن مسندي فضالة بن عبيد وعوف بن مالك، وأحاديث من مسند جابر لم تكن في كتاب ابن المذهب، وهي ثابتة في رواية غيره عن شيخه، قال: "ولو كان يُلحق اسمه -كما زعم الخطيب- لأَلحق ما ذكرناه".

12 - قولهم: يروي كتابا لم يكن له به أصل عتيق

يعني: لو كان يُلحق اسمه فيما لم يسمع - والخطيب لم يقل ذلك، وإنما أطلق أنه ألحق اسمه؛ لأن ثبوت السماع بمجرد الدعوى مع الصدق ليس في درجة ثبوته بالبينة. وقد قال الخطيب في "الكفاية" (ص 109): "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره .... رجاء إن كان الراوي حيا، أن يحمله ذلك على التحفظ .... وإن كان ميتًا، أن ينزله من ينقل عنه منزلته، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز ... ". وقال شجاع الذهلي: "كان شيخًا عسرًا في الرواية، وسمع الكثير، ولم يكن ممن يعتمد عليه في الرواية، كأنه خلط في شيء من سماعه". وقال السلفي: "كان مع عسره متكلمًا فيه .... ". والعَسِرُ في الرواية هو الذي يمتنع من تحديث الناس إلا بعد الجهد، وهذه الصفة تنافي التزيُّد، ودعوى سماع ما لم يسمع، إنما يدعي سماعَ ما لم يسمع مَنْ له شهوة شديدة في ازدحام الناس عليه، وتكاثرهم حوله، ومن كان هكذا كان من شأنه أن يتعرض للناس، يَدْعُوهم إلى السماع منه، ويرغبهم في ذلك، فأما من يأبى التحديث بما سمع إلا بعد جهد، فأي داعٍ له إلى التزيُّد؟ ". اهـ. 12 - قولهم: يروي كتابا لم يكن له به أصل عتيق: • في ترجمة: ابن المذهب أيضا: قال الخطيب: " ... وكان يروي عن ابن مالك أيضًا كتاب "الزهد" لأحمد بن حنبل، ولم يكن له به أصل عتيق، وإنما كانت النسخة بخطه، كتبها بأخرة، وليس بمحل للحجة". اهـ.

13 - إلحاق أنساب المهملين في الأسانيد بسؤال عارف بالفن

فقال الشيخ المعلمي: "وأما قضية كتاب "الزهد"، فقد قال السلفي عقب ما مَرَّ عنه: "حدث بكتاب الزهد -بعدما عدم أصله- من غير أصله"، فدل هذا على أنه كان لابن المذهب أصلٌ بكتاب "الزهد"، ولكن عدمه، وبقيت عنده نسخة بخطه، فلعله كان قد عارضها بأصله، أو أصلٍ آخر عَلم مطابقته لأصله، ويقوي ذلك أن الخطيب نفسه سمع منه كتاب "الزهد"، وروى منه أشياء. وأما قول الخطيب: "وليس بمحل للحجة"، فحاصله أنها لا تقوم الحجة بما يتفرد به، وهذا لا يدفع أن يُعتمد عليه في الرواية عنه من مصنف معروف كـ "المسند" و"الزهد". وسيأتي في ترجمة عبد العزيز بن الحارث طعنُهم فيه، وتشنيعُهم عليه، وتشهيرُهم به؛ بسبب حديثين نسبهما إلى "المسند" وهم يرون أنهما ليسا منه، ولم يغمزوا ابن المذهب بشيء ما من هذا القبيل، وذلك يدل أوضح دلالة على علمهم بمطابقة نسختيه اللتين كان يروي منهما "المسند" و"الزهد" لسائر النسخ الصحيحة، فالكلام فيه، وفي شيخه (¬1)، لا يقتضي أدنى خدش في صحة "المسند" و"الزهد"، فليخسأ أعداء السنة". اهـ. 13 - إلحاق أنساب المُهْمَلِين في الأسانيد بسؤالِ عارفٍ بالفن: • في ترجمة: ابن المذهب أيضا: قال الخطيب: "كان كثيرا يعرض عليَّ أحاديثَ، في أسانيدها أسماءُ قومٍ غيرِ منسوبين، ويسألني عنهم، فأذكر له أنسابهم، فيلحقها في تلك الأحاديث، ويزيدها في أصوله موصولة بالأسماء، وكنت أنكر عليه هذا الفعل فلا ينثني عنه". اهـ. ¬

_ (¬1) يعني القطيعي.

14 - استنساخ ما فقده الراوي: من كتاب ليس عليه سماعه

فقال الشيخ المعلمي: "وأما إلحاقه ما كان يذكر له الخطيب من أنساب غير المنسوبين، فتساهلٌ لا يوجب الجرحَ، ولكنه يدل على أن ابن المذهب لم يكن بمتقن، وأنه كان فيه سلامةٌ، وحسنُ ظنٍّ بالخطيب ومعرفته، ولا نشك أن الخطيب لم يكن يذكر له من الأنساب إلا ما يستيقنه، فالخطب إن شاء الله تعالى سهل". اهـ. 14 - استنساخ ما فقده الراوي: من كتابٍ ليس عليه سماعه: • في ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبي بكر القطيعي (12): قال الخطيب: "كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نَسْخَها من كتابٍ لم يكن فيه سماعُه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه، ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين ... سمعت أبا بكر البرقاني سُئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا ... ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ، ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة". قال الخطيب: "وحدثني البرقاني قال: كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق، لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بُلْه، فلما غرقت "القطيعة" (¬1) بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه". فقال الشيخ المعلمي: "نَسْخُهُ ما غَرق من كتبه من كتابٍ ليس عليه سماعه، يحتمل ما قال ابن الجوزي (¬2)، ¬

_ (¬1) هي محال ببغداد. (¬2) أجاب ابن الجوزي في "المنتظم" (ج 7 ص 93) عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يُطعن به عليه، لأنه يجوز أن تكون الكتب قد قُرأت عليه، وعُورض بها أصلُه". اهـ.

ويحتمل أن يكون ذاك الكتاب كان أصل ثقةٍ آخر، كان رفيقه في السماع، فعرف مطابقته لأصله، والمدار على الثقة بصحة النسخة، وقد ثبت أن الرجل في نفسه ثقة مأمون (¬1)، وتلك الحكاية تحتمل ما لا ينافي ذلك، فكان هو الظاهر. ولا أدري متى غرق القطيعة بالماء الأسود، وقد فتشتُ أخبار السنين في "المنتظم"، فلم أره ذكر غرقا بالماء الأسود، وإنما ذكر أنه في شهر رمضان سنة 367 غرق بعض المحال، منها قطيعة أم جعفر، فإن كان ذلك هو المراد، فإنما كان قبل وفاة القطيعي بنحو سنة واحدة، وقد سمع الناس منه الكتب كلها قبل ذلك مرارًا، وأُخذت منها عدة نسخ. والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه روى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أبينُ في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يروي عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته؛ لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه، وقد قال الخطيب في "الكفاية" (ص 109): "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز، فتوقف عن الاحتجاج بخبره، وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث، ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى؛ رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من نقل عنه منزلته، فلا يُلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده، حتى ينظر هل من أخوات ونظائر ... ". ¬

_ (¬1) قاله الحاكم.

15 - قولهم: "رأيت كتبه طرية" أو"كانت أصوله العتق غرقت فاستدرك نسخها" أو"يترب كتبه ليظن أنها عتق"

فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتابٍ ليس عليه سماعه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته، ولا بعد موته أنه حدث بعد تغير شديد، أو حدَّث مما استنسخه من كتابٍ ليس عليه سماعه، ولا استنكروا روايةً واحدةً، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدم، تبين بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به. هذا، وكتب الإمام أحمد كـ "المسند" و"الزهد" كانت نُسخُها مشهورةً متداولةً، قد رواها غير القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية الكتب من طريقه؛ لعلو السند، ويأتي لهذا مزيد في ترجمة الحسن بن علي ابن المذهب، والحمد لله الذي بنعمته يتم الصالحات". اهـ. 15 - قولهم: "رأيت كتبه طرية" أو"كانت أصوله العتق غرقت فاستدرك نسخها" أو"يترب كتبه لِيُظَنَّ أنها عتق": • في ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست العلاف أبي عبد الله البزاز من "تاريخ بغداد" (4/ 125): "سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: ابن دوست ضعيف؛ رأيت كتبه كلها طرية، وكان يُذكر أن أصوله العتق غرقت، فاستدرك نسخها. سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست، فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ ليظن أنها عتق" فقال الشيخ المعلمي في ترجمة ابن دوست من "التنكيل" (37): "التضعيفُ مفسَّرٌ بما بعده، واعلم أن المتقدمين كان يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالته، وكان حديثه مستقيمًا، وثَّقُوه.

ثم صاروا يعتمدون الكتابةَ عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئًا من حديث الراوي، طالبوه بالأصل. ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشدَّدَ النقادُ، فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم، الموثوق به، المقيد سماعه فيه. فإذا لم يكن للشيخ أصلٌ، لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضهم بتضعيفه، فإذا ادَّعَى السماعَ ممن يستبعدون سماعَهُ منه، كان الأمرُ أشدَّ. ولا ريب أن في هذه الحالة الثالثة احتياطًا بالغا، ولكن إذا عُرفت عدالةُ الرجل وضبطُه وصدقُه في كلامه، وادَّعى سماعا عتملا ممكنا، ولم يُبرز به أصلًا، واعتذر بعذرٍ محتملٍ قريبٍ، ولم يأتِ بما يُنكر، فبأي حجة يُرد خبره؟ وقد قال الخطيب: "حدثني أبو عبد الله الصوري قال: قال لي حمزة بن محمد بن طاهر: قلت لخالي أبي عبد الله بن دوست: أراك تملي المجالس من حفظك، فلم لا تملي من كتابك؟ فقال لي: انظر فيما أمليه، فإن كان لك فيه زلل أو خطأ، لم أُمْلِ من حفظي، كان كان جميعه صوابًا، فما الحاجة إلى الكتاب؟ أو كما قال". فيظهر أن والده لم يكتف بتسميعه، بل اعتنى بتحفيظه ما سمع. فإذا كانت أصوله بعد حفظه ما فيها غرقت، فابتلت، وخيف تقطع الورق، وبقيت الكتابة تقرأ، فاستنسخ منها، أو ذهبت، فنسخ من حفظه، أو من كُتبٍ قد كانت قُوبلت على أصوله، أو لم تُقابل، ولكنه اعتبرها بحفظه، فأي حَرَجٍ في ذلك؟ وإذ كان اعتمادُه على حفظه، فَهَبْ أنه لم يكن له أصولٌ البتة، أو كانت، فتلفت، ولم يستدرك نسخها، ألا يكون له أن يروي من حفظه؟ أولًا تقومُ الحجةُ بخبره إذا كان عدلًا ضابطًا؟

16 - قراءة الشيخ من كتاب غيره، وليس عليه سماعه، إذا وثق به

وأما قضية التتريب، فهي في عبارة للبرقاني، قال الخطيب: "سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ لِيُظَنَّ أنها عتق". فقوله: "قيل ... " لا يُدرى من القائل؟ وعلى فرض صحة ذلك فهو تدليس خفيف، أراد به دفع تعنت بعض الطلبة، وكان إذا سُئل يبين الواقع كما في بقية عبارة الأزهري، وأما قول البرقاني: "تكلموا فيه"، وما في الترجمة أن الدارقطني تكلم فيه، فمحمول على ما صرحوا به مِمَّا مَرَّ، ومَرَّ ما فيه. وبَعْدُ، فقد وصفوا ابنَ دوست بالحفظ والمعرفة؛ قال الخطيب: "كان مكثرًا من الحديث، عارفًا به، حافظًا له، مكث مدة يملي في جامع المنصور بعد وفاة أبي طاهر المخلص، ثم انقطع عن الخروج، ولزم بيته، كتب عنه الحسن بن محمد الخلال، وحمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، وأبو القاسم الأزهري، وهبة الله بن الحسن الطبري، وعامة أصحابنا، وسمعت منه جزءًا واحدا". ولم يغمزوه في دينه بشيء، ولا استنكروا له حديثًا واحدًا، فلا أرى أمره إلا قويًا، والله أعلم". اهـ. 16 - قراءة الشيخ من كتاب غيره، وليس عليه سماعه، إذا وثق به: • في ترجمة: محمد بن العباس بن حيويه أبي عمر الخزاز من "الطليعة" ص (21) و"التنكيل" رقم (208): قال الأزهري: "كان أبو عمر بن حيويه مكثرًا، وكان فيه تسامح، لربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن ابن الرزاز (¬1)؛ لثقته ¬

_ (¬1) احتاج الكوثري إلى الطعن في ابن حيويه هذا، فذكر ص 21 أن أبا الحسن بن البزاز الذي كان يثق بكتابه هو: علي بن أحمد المعروف بابن طيب البزاز، وهو معمّر متأخر الوفاة، نص الخطيب على أن =

بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة". قال الشيخ المعلمي في "الطليعة": "كأن بعض كُتب علي بن موسى -وهو ابن إسحاق أبو الحسن، الذي يعرف بابن الرزاز، وكان فاضلا أديبا ثقة فاضلا- هذه صارت بعد وفاته إلى تلميذه ابن حيويه، وكان فيها ما سمعه ابن حيويه، لكن لم يقيد سماعه في تلك النسخة التي هي من كتب الشيخ، وبهذا تبين أنه لا يلحق ابن حيويه عيبٌ، ولا يوجب صنيعُه أدنى قدح، وسيأتي بسط ذلك في ترجمة محمد بن العباس من "التنكيل" إن شاء الله تعالى". اهـ. ثم قال المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (208): "يؤخذ من عبارة الأزهري مع ما تقدم أمورٌ: الأول: أنها تقتضي أن ذاك الكتاب كان في متناول ابن حيويه في كثيرٍ من الأوقات، ... الأمر الثاني: أن في عبارة الأزهري: "لثقته بذلك الكتاب"، وابن حيويه يصفه الأزهري في العبارة نفسها بأنه: "ثقة"، ويصفه العتيقي بأنه: "كان ثقة صالحا دينا"، وبأنه: "كان ثقة متيقظا"، ويصفه البرقاني بأنه: "ثقة ثبت حجة". الأمر الثالث: عبارة الأزهري تقتضي أنه لم يتفق لابن حيويه القراءة من غير أصله إلا من ذاك الكتاب، ... الأمر الرابع: إطلاق البرقاني مع إمامته وجلالته والعتيقي مع ثقته وتيقظه ذاك الثناء البالغ على ابن حيويه، يدل على أنه لم يكن منه تساهل يخدش فيما أثنيا عليه به. ¬

_ = ابنًا له أدخل في أصوله تسميعات طرية، قال: "فماذا تكون قيمة تحديث من يثق بها فيحدث من تلك الأصول" فناقش المعلمي ذلك، وبَيَّنَ خطأه، وأن الصواب أنه: علي بن موسى بن إسحاق أبو الحسن المعروف بابن الرزاز، روى عنه ابن حيويه والدارقطني، وكان فاضلًا أديبًا ثقة عالمًا، لا علي بن أحمد كما زعم الكوثري، وقد رأيتُ الإعراضَ عن تلك المناقشة هنا، لوضوح نتيجتها، وقد عرَّجَ عليها المعلمي أحيانا أثناء ترجمة ابن الرزاز من "التنكيل"، فحذفُ ما يتعلق بذلك أيضًا.

والأزهري وإن ذكر التساهل، فقد عقبه بقوله: "وكان مع ذلك ثقة"، فهذا يقضي أنه إن ساغ أن يسمى ما وقع منه تساهلا، فهو تساهل عرفي، لا يخدش في الثقة والتيقظ والحجة. وهذا إنما يكون بفرض أن ذاك الكتاب الذي قرأ منه كان موثوقا به، وبمطابقته لأصل ابن حيويه، وإنما فيه أنه ليس هو أصله الذي كتب عليه سماعه، وقد كانوا يكرهون مثل هذا، وذلك من باب سد الذريعة". قال الكوثري: "رواية الخزاز لو كانت عن كتابِ أحدِ شيوخه، لكانت روايته من أصل شيخه، ولما كان يُرمى بالتسامح". فقال الشيخ المعلمي: "علي بن موسى أبو الحسن ابن الرزاز شيخُ الخزاز حَتْما، ثم هناك احتمالان: الأول: أن يكون شيخَه في ذاك الكتاب. الثاني: أن لا يكون شيخَه فيه، وإنما سمعه الخزاز من رجل آخر. فعلى الأول -وهو الذي بنى عليه الأستاذ- فصورةُ التساهلِ موجودةٌ. فإنه من المقرر عندهم أن التلميذ إذا سمع وضبط أصله، ثم بعد مدة وجد في أصل شيخه زيادةً أو مخالفةً لما في أصله، لم يكن له أن يروي إلا ما في أصله. وقد قال حمزة السهمي في "تاريخ جرجان" (ص 122 - 123): "أخبرنا أبو أحمد ابن عدي .... أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم -في كتابي بخطي: عثراتهم- ورأيت في كتاب ابن عدي بخطه: عقوبتهم". فلو أن حمزة روى ذاك الحديث، وقال: "عقوبتهم"، ثم رأى أهلُ العلم أصلَه، وفيه: "عثراتهم"، فراجعوه في ذلك، فقال: نعم، ولكني بعد سماعي بمدة رأيت في أصل شيخي: "عقوبتهم"، لَعَدُّوا هذا تساهلا.

ومَنْ رَوى مِنْ أصل شيخه، لا يُؤمن أن يقع في نحو هذا، إلا إذا كان قد كرَّرَ المقابلة، حتى وثق كل الوثوق بالمطابقة، وأوْلَى به -وإن وثق كل الوثوق- أن لا يروي إلا من أصله نفسه، فإن كان الخزاز سمع ذاك الكتاب من أبي الحسن ابن الرزاز، فتساهله هو ترك الَأْولى كما عرفت. وعلى الاحتمال الثاني، لا يكون للخزاز أن يروي من كتابٍ ليس هو أصله، ولا أصل شيخه، إلا أن يقابله بأصله مقابلة دقيقة، فيثق بمطابقته لأصله، ومع ذلك فالأَوْلى به أن لا يروي إلا من أصله، وعلى هذا فتساهل الخزاز هو في ترك الأَوْلى كما اقتضته عباراتُهم في الثّناء عليه كما مَرَّ". اهـ. قال الكوثري: "وكان ينبغي أن يَذكر في السند اسمَ شيخِه الذي ناوله، وليس بمعقولٍ أن يُهمل التلميذُ ذكرَ شيخِه في سند ما حمله وتلقاه بطريقه". فقال الشيخ المعلمي: "هذا مبني على الاحتمال الأول، وأن لا يكون الخزاز سمع الكتاب أصلا، وإنما ناوله إياه ابنُ الرزاز، والذي نقوله إنه إن كان على الاحتمال الأول، فالخزاز سمع ذاك الكتاب سماعا من ابن الرزاز، وإلا لغمزوه بأنه يعتمد على الإجازة، بل عبارة الأزهري نفسه تصرح بهذا؛ فإن فيها: "ربما أراد أن يقرأ شيئا، ولا يقرب أصله منه، فيقرؤه من كتاب أبي الحسن بن الرزاز"، وهذا يدل أن له أصلا بذاك المصنَّف غير ذاك الكتاب، إلا أنه لم يقرب منه، ولو كان إنما يرويه بمناولة الشيخ ذاك الكتاب لما كان له أصلٌ آخر. ثم إن كان سمع ذاك المصنَّف من ابن الرزاز، فقد كان إذا قرأ منه قال: "أخبرنا أبو الحسن ابن الرزاز"، ثم يقرأ من الكتاب، وإن كان إنما سمعه من غير ابن الرزاز، فإنما كان يذكر اسمَ شيخِه في ذاك المصنَّف، ولا معنى لذكر ابن الرزاز.

17 - عدم رواية أصحاب الكتب الستة عن الشيخ في كتبهم، مع إدراكهم له، إذا دلت القرائن على قيام العذر في ذلك

فإن بني الأستاذ على الاحتمال الأول، وقال: لكني لم أر في "تاريخ الخطيب" شيئا رواه الخطيب من طريق الخزاز عن ابن الرزاز. قلت: أما كونه شيخه، فقد صرح به الخطيب، وأما اجتناب الخطيب أن يروي من طريق الخزاز عن ابن الرزاز، فذلك من كمال احتياط الخطيب، وتثبته البارع؛ لم تَطِبْ نفسُه أن يروي مِنْ ذاك الوجه الذي قد قيل فيه، وإن كان ذاك القِيل لا يضر، والله أعلم". اهـ. 17 - عدم رواية أصحاب الكتب الستة عن الشيخ في كتبهم، مع إدراكهم له، إذا دلت القرائن على قيام العذر في ذلك: • في ترجمة: إبراهيم بن شماس من "التنكيل" (6): قال الكوثري ص 150: "ذلك المتعبد الغازي ... على عُلُوِّ طبقته، لم يُخرج عنه أحدٌ من أصحاب الأصول الستة ... ". اهـ. فقال الشيخ المعلمي: " ... فأما عدم إخراج البخاري عنه في "صحيحه"، فكأنه إنما لقيه مرة؛ فإن إبراهيم كان دائبا في الجهاد، فلم يسمع منه البخاري ما يحتاج إلى إخراجه في "الصحيح"، وقد أدرك البخاريُّ مَنْ هو أبو من إبراهيم وأعلى إسنادا. وكَمْ مِنْ ثقة ثبت لم يتفق أن يخرج عنه البخاري في "صححيه" وأخرج عمن هو دونه بكثير. فأما بقية الستة، فأبو داود ولد سنة 202، فقد أدرك إبراهيم؛ فإن إبراهيم استشهد سنة 220، ولكن لعله لم يلقه، وإنما روى في مسائل مالك عن رجل عنه، على ما يظهر من "التهذيب"، وقد سمع أبو داود جماعةً ممن هم أكبر وأعلى إسنادًا من إبراهيم. ومسلم ولد سنة 204، والباقون بعد ذلك.

وجامعوا الكتب الستة يتحرون علوَّ الإسناد، والاختصار، ولا ينزلون إلا لحاجة، والراوية عن إبراهيم قليلة؛ لاشتغاله بالجهاد، ولأنه لم يُعمّر حتى يُحتاج إليه، وقد روى عنه من هو أجل من أصحاب الكتب الستة كما مرَّ". اهـ. وقد قال المعلمي قبل ذلك: "فأما الذين أدركوه، فإنما وصفوه بالسُّنَّة، قال الإمام أحمد: "كان صاحب سنة"، وقال أحمد بن سيار: "كان صاحب سنة وجماعة، كتب العلم، وجالس الناس، ورأيت إسحاق بن إبراهيم [ابن راهويه] يعظم من شأنه ويحرضنا على الكتابة عنه". وممن روى عنه: الإمام أحمد، وأبو زرعة، والبخاري في غير "الصحيح"، وأحمد لا يروي إلا عن ثقة عنده، كما يأتي في ترجمة محمد بن أعين، وأبو زرعة من عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416)، والبخاري نحو ذلك، كما يأتي في ترجمة أحمد بن عبد الله أبو عبد الرحمن. ووثقه الدارقطني وابن حبان وغيرهما، وتحريض ابن راهويه على الكتابة عنه يدل على مكانته في الصدق والثبت، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان متقنا ... ". اهـ. • وفي ترجمة: رجاء بن السندي من "التنكيل" (92): قال الكوثري ص 92: " .. أعرض عنه أصحاب الأصول الستة". فقال الشيخ المعلمي: "توفي رجاء سنة 221، فلم يدركه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وأدركوا مِنْ أقرانه، ومَنْ هو أكبر منه، ومَن هو مثله، أو أعلى إسنادًا منه، فلم يحتاجوا إلى الرواية عن رجل عنه؛ لإيثارهم العُلُّو. وأدركه أبو داود في (الجُمْلة)؛ لأنه مات وسِنُّ أبي داود نحو تسع عشرة سنة، ولكنه في بلد غير بلده، فالظاهر أنه لم يلقه.

فأما مسلم، فإنه كان له حين مات رجاء نحو ست عشرة سنة، وهو بلديه، ويمكن أن يكون سمع منه وهو صغير، فلم ير مسلم ذلك سماعا لائقًا بأن يعتمده في "الصحيح". ويمكن أن يكون مسلم تشاغل أول عمره بالسماع مِمَّن هو أسنُّ من رجاء، وأعلى إسنادًا، ففاته رجاء. وأما البخاري فقد ذكر "الكمال" أنه روى عنه، لكن قال المزي: "لم أجد له ذكرًا في الصحيح"، فقد لا يكون البخاري لقيه، وقد يكون لقيه مرة، فلم يسمع منه إلا شيئًا عن شيوخه الذين أدرك البخاري أقرانهم، فلم يحتج إلى النزول بالرواية عن رجاء. فتحصل من هذا أنهم إنما لم يخرجوا عنه إيثارًا للعلو من غير طريقه، على النزول من طريقه. هذا، وقد روى عنه الإمام أحمد، وروى عنه أيضًا إبراهيم بن موسى، وأبو حاتم، وقال: "صدوق"، وقال الحاكم: "ركن من أركان الحديث". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن معاوية الزيادي منه (234): قال الكوثري (ص 18): "والزيادي ممن أعرض عنهم الأئمة الستة في أصولهم .. ". فقال الشيخ المعلمي: "قد قدمنا مرارا أن كونهم لم يخرجوا للرجل ليس بدليلٍ على وهنه عندهم، ولا سيما من كان سنُّه قريبا من سِنِّهم وكان مقلا كهذا الرجل، فإنهم كغيرهم من أهل الحديث إنما يُعنُون بعلو الإسناد، ولا ينزلون إلا لضرورة. وقد روى النسائي عن هذا الرجل في "عمل اليوم والليلة"، وقال في مشيخته: "أرجو أن يكون صدوقا، كتبت عنه شيئا يسيرا"، وإنما قال: "أرجو ... " لأنه إنما سمع منه شيئا يسيرا، ولم يتفرغ لاختباره؛ لاشتغاله بالسعي وراء مَنْ هُم أعلى منه

18 - عدم التزام الشيخ بمذهب معين في الفقه

إسنادا ممن هم في طبقة شيوخ هذا الرجل، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة صدوق"، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان صاحب حديث"، فدل هذا أنه قد عرفه حَقَّ معرفته، وقد قدمنا في ترجمة ابن حبان أن مثل هذا من توثيقه توثيق مقبول، بل قد يكون أثبت من توثيق كثير من الأئمة؛ لأن ابن حبان كثيرا ما يتعنت في الذين يعرفهم، ولم يغمزه أحد". اهـ. 18 - عدم التزام الشيخ بمذهب معين في الفقه: • في ترجمة: أحمد بن كامل القاضي من "التنكيل" (29): قال الدارقطني (¬1): "أهلكه العجب؛ فإنه كان يختار، ولا يضع لأحد من الأئمة أصلًا. فقال له الإسماعيلي: كان جريري المذهب؟ فقال: بل خالفه، واختار لنفسه، وأملى كتابًا في السنن، وتكلم على الأخبار". فقال الشيخ المعلمي: "فحاصل هذا أنه لم يلتزم مذهبَ إمامٍ معينٍ، بل كان ينظر في الحُجج، ثم يختار قولَ من رجح قولُه عنده. أقول: وهذا ليس بجرح، بل هو بالمدح أولى، وقد قال الخطيب: "كان من العلماء بأيام الناس، والأحكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وتواريخ أصحاب الحديث، قال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله". أقول: فيحق له أن ينشد: إن أكن معجبًا فعجب عجيب لم يجد فوق نفسه من مزيد". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (4/ 35).

المبحث الثالث ألفاظ وأوصاف ظاهرها التعديل في الرواية وربما لا تقتضيه

المبحث الثالث ألفاظ وأوصاف ظاهرها التعديل في الرواية وربما لا تقتضيه 1 - قولهم: "كانه عالما بالحديث" أو الوصف بالعلم عموما: • في ترجمة: سعيد بن سَلْم بن قتيبة بن مسلم الباهلي الأمير من "التنكيل" (96): قال الكوثري ص 46: "عامل أرمينية في عهد الرشيد، وقد حاق بالمسلمن ما حاق من البلايا هناك من سوء تصريف هذا العامل شئون الحكم، وابتعاده في الحكم عن الحكمة والسداد، كما في "تاريخ ابن جرير" وغيره". فقال الشيخ المعلمي: "حُسن السياسة شيء، والصدق في الرواية شيء آخر، ولسعيد ترجمة في "تاريخ بغداد" (ج 9 ص 74)، وفيها: " ... قال العباس بن مصعب: قدم مرو زمان المأمون ... وكان عالما بالحديث والعربية، إلا أنه كان لا يبذل نفسه للناس". ولو قال الأستاذ: لم يُوَثَّقْ (¬1)، لَكَفاهُ". اهـ. • وفي ترجمة: ابن أبي حاتم الرازي من "التنكيل" (140): رواية لأبي الشيخ عن أبي العباس الجمال. فقال الشيخ المعلمي: " ... بقي النظر في حال أبي العباس الجمال، وقد ذكره أبو الشيخ وأبو نعيم، فوصفاه بالعلم، ولم يوثقاه". اهـ. ¬

_ (¬1) مقتضاه أن الوصف بالعلم بالحديث لا يستلزم توثيقا.

2 - الوصف بالاضطلاع بعلوم كثيرة كالنحو واللغة ومعرفة النسب وحفظ أيام العرب والإنس الشديد بعلم الحديث

2 - الوصف بالاضطلاع بعلوم كثيرة كالنحو واللغة ومعرفة النسب وحفظ أيام العرب والإنس الشديد بعلم الحديث: • في ترجمة: عبد الواحد بن برهان العكبري من "التنكيل" (149): قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (11/ 17): "كان يذكر أنه سمع من أبي عبد الله ابن بطة وغيره، إلا أنه لم يرو شيئًا، وكان مضطلعًا بعلومٍ كثيرة، منها: النحو، واللغة، ومعرفة النسب، والحفظ لأيام العرب، وأخبار المتقدمين، وله إنس شديد بعلم الحديث". اهـ. وقال ابن ماكولا: "كان فقيها حنفيًا، قرأ اللغة، وأخذ الكلام من أبي الحسين البصري". قال الشيخ المعلمي: "فقد كان ابن برهان على بدعته من أهل العلم والزهد والمنزلة بين العلماء ... (¬1) أما العقيدة فذكروا أن ابن برهان كان معتزليًا، ولا أدري ما الذي كان يوافق فيه المعتزلة. نعم، ابن برهان لم يوثقه أحدٌ فيما نعلم، ومن المحتمل أنه كان يَهم فيما يرويه من الحكايات، أو يبني على الظن، فَحَقُّه أن لا تقوم الحجة بما ينفرد به، ولكنه يُذكر في المتابعات والشواهد، كما صنع الخطيب. والله الموفق". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في آخر ترجمة ابن بطة من "التنكيل" (153): "الذي يتحصل أن ابن بطة مع علمه وزهده وفضله وصلاحه البارع كثيرُ الوهم في الرواة، فلا يُتَّهم بما ينافي ما تواتر من صلاحه، ولا يُحتجَّ بما ينفرد بروايته". اهـ. ¬

_ (¬1) في ابن برهان كلامٌ، ناقشه الشيخ المعلمي هنا، لا أحتاج لذكره وأكتفي بالمراد منه فقط.

3 - الوصف بالإمامة في الفقه

وقد بَيَّنَ الشيخُ السببَ في وقوع ابن بطة في كثرة الوهم في الرواة فقال: "سَبَبُهُ أنه سَاحَ في أول عمره، فكان يسمع ولا يكتب، ولم يكن يؤمّل أن يحتاج آخر عمره إلى أن يروي الحديث، ولهذا لم تكن له أصول". اهـ. 3 - الوصف بالإمامة في الفقه: • في ترجمة: المفضل بن غسان الغلابي من "التنكيل" (249): قال الشيخ المعلمي: "الإمامة في الفقه لا تستلزم الثقةَ في الحديث، ولا يضرُّ الحنفيةَ أن يثبتَ أن أبا حنيفة ممن لا تقوم الحجة بما ينفرد بروايته، ولا تكادُ توجدُ لهم مسئلةٌ يمكنُ أن يستدلوا عليها بشيء تفرد أبو حنيفة بروايته إلا وهم يستدلون عليه بأشياء أخرى، وقد استدل بعضهم على الشافعي بحديث أبي حنيفة عن عاصم في المرتدة، فلما رَدَّ عليه ذلك، لم يكابر، بل قال: إني إنما ذهبت في ترك قتل النساء إلى القياس ... ، كما تقدم في ترجمة الشافعي. وكما أن الإنصاف يَقضي أن لا يُتخذَ ما ثبت عن الأئمة، كسفيان الثوري وغيره، من قولهم في أبي حنيفة ما يقتضي أنها لا تقوم الحجة بما ينفرد بروايته: ذريعةً بلى الطعن في فقهه جملة وفي مذهبه، فكذلك يَقضي أن لا يُتخذ ما يُستدل به على فقهه جملةً: ذريعة إلى رَدٌ كلامِ أئمة الفن في روايته". اهـ. 4 - الشهرة بحفظ القرآن، وفهم المعاني: • في ترجمة: ابن حبان البستي الحافظ من "التنكيل" (200): قال ابن حبان في الإمام أبي حنيفة: "كان أجلَّ في نفسه من أن يكذب، ولكن لم يكن الحديث شأنَه، فكان يروي فيخطىء من حيث لا يعلم، ويقلب الإسناد من حيث لا يفهم، حدَّث بمقدار مائتي حديثٍ، أصاب منها في أربعة أحاديث، والباقية إما قَلَب إسنادها أو غَيَّر مَتْنَها".

فقال الشيخ المعلمي: "أجاب الأستاذ بوجهين: الأول: حاصله أن أبا حنيفة مشهورٌ بالحفظ والفهم، واشتهر عنه أنه لا يُبيح الرواية إلا لمن استمرَّ حفظُه من الأخذ إلى الأداء، ولا يُبيح الرواية مما يجده الراوي بخط يده، ما لم يذكر أخذه له، وتواتر (؟) عنه ختمه القرآن في ركعة - ونحو هذا. الثاني: التنديد بابن حبان. أقول: أما الوجه الأول، فلم ينفرد ابن حبان بنسبة الخطأ والغلط في الرواية إلى أبي حنيفة، بل وافقه على ذلك كثيرون، حتى من المائلين إلى أبي حنيفة. نعم، انفرد بذاك التحديد؛ لأنه اعتنى بذلك، وأَلَّفَ كتابين: أحدهما كتاب "علل ما استند إليه أبو حنيفة"، والثاني كتاب "علل مناقب أبي حنيفة ومثالبه". واشتهارُ أبي حنيفة بالحفظ غيرُ مُسَلَّمٍ، وحفظُ القرآن لا يستلزمُ حفظَ الأحاديث، والفهمُ لا يستلزمُ الحفظَ، وفهمُ المعاني والعلل غيرُ فهم وجوه الرواية، وقد اشتهر ابن أبي ليلى بالفقه، حتى كان الثوري إذا سئل قال: فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شبرمة. وكان ابن أبي ليلى رديء الحفظ للروايات، كثير الغلط. وما اشتهر عن أبي حنيفة مسن اشتراط استمرار الحفظ -إنْ صحَّ- فمرادُهُ: التذكر في الجملة، وإلا لزم ما هو أشد. والتذكر في الجملة لا يدفع احتمال التوهم والخطأ. وكان على الأستاذ أن ينقل نصوصا صحيحة صريحة عن الأئمة المعتمد عليهم ترد قولَ ابن حبان، كما جاء في الشافعي قولُ أبي زرعة الرازي: "ما عند الشافعي حديث غلط فيه"، وقول أبي داود: "ليس للشافعي حديث أخطأ فيه"، أو يتجشم جمعَ الأحاديث التي يثبت أن أبا حنيفة رواها، وبيان ما يثبت من موافقة الثقات له ومخالفتهم". اهـ.

5 - الوصف بالصلاح والفضل لا يقتضي التوثيق المطلق، بل يثبت الصدق، ويبقى النظر في ثبوت الضبط

5 - الوصف بالصلاح والفضل لا يقتضي التوثيق المطلق، بل يُثبت الصدق، ويبقى النظر في ثبوت الضبط: • قال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد المجموعة" (ص: 98): "محمد بن ذكوان الأزدي الطاحي، منكر الحديث، قاله البخاري وأبو حاتم. وقال النسائي: "ليس بثقة ولا يكتب حديثه"، وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة: "حدثني محمد بن ذكوان، وكان كخير الرجال". ثم قال أبو داود: ولم يرو شعبة عن محمد بن ذكوان إلا هذا الحديث (¬1). وقد روى شعبة عن آخر يقال له: محمد بن ذكوان، فإن كان أراد صاحبنا، فقول شعبة: "كخير الرجال" ليس بتوثيق، وقد يكون الرجلُ صالحًا في نفسه، وليس بشيء في الرواية، واقتصارُ شعبة على حديثٍ واحدٍ يُشعر بما ذكرت. وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: "محمد بن ذكوان الذي روى عنه شعبة ثقة"، فإن كان أراد هذا، فكأنه لم يخبره، بل بنى على الغالب أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة، وقوى عنده ذلك بقول شعبة: "كان كخير الرجال". اهـ. • وفي ترجمة: موسى بن المساور أبي الهيثم الضبي من "التنكيل" (252): قال الكوثري ص 136: "من رجال "الحلية"، مجهول الحال، ولم أر من وثقه". فقال الشيخ المعلمي: "قال أبو الشيخ في "طبقات الأصبهانيين": "روى عن سفيان بن عيينة وعبيد الله ابن معاذ ووكيع والناس، وكان خيرًا فاضلًا، ترك ما ورثه من أبيه لأخوته، ولم يأخذ منه شيئًا؛ لأن أباه كان يتولى للسلطان ... "، ونحو ذلك في "تاريخ أصبهان" لأبي نعيم. ¬

_ (¬1) يعني حديث: "من وسع على عياله يوم عاشوراء، وسع الله عليه سائر سَنَتِه".

وبذا يثبتُ أن الرجل عدلٌ صدوقٌ، ويبقى النظر في ضبطه، وسكوتُ هذين الحافظين وغيرهما من حفاظ أصبهان وغيرهم عن الكلام في روايته، يدل أنه لم يكن به بأس". اهـ. • وفي حاشية "الفوائد المجموعة" (ص 304): "الخليل بن مُرَّة صالح متعبد، فَمِنْ ثَمَّ أثنى بعضهم عليه، فأما في الحديث، فقد قال البخاري: "منكر الحديث" وقال أيضًا: "فيه نظر"، وهاتان من أشد صيغ الجرح عند البخاري. وقال أبو الوليد الطيالسي: "ضال مضل" (¬1). اهـ. وقال المعلمي أيضًا في "الفوائد" (ص 401): "ضعيف". اهـ. ¬

_ (¬1) علقتُ على ترجمة الخليل في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (254) بقولي: "وقال ابن معين والنسائي: "ضعيف". وقال أبو حاتم: "ليس بقوي في الحديث، هو شيخ صالح، بابة بكر بن خنيس، وإسماعيل بن رافع". وقال أبو زرعة: "شيخ صالح". وقال ابن حبان في المجروحين: "منكر الحديث عن المشاهير، كثير الرواية عن المجاهيل". وقال ابن عدي -وذكر له جملة من المناكير-: "للخليل أحاديث غرائب، وقد حدث عنه الليث وأهل الفضل، ولم أر في حديثه حديثًا منكرًا قد جاوز الحدَّ، وهو في جُمْلة مَنْ يكتب حديثه، وليس هو متروك الحديث". وأغرب ابن شاهين، فقال في ثقاته: "الخليل بن مرّة ثقة، قال أحمد بن صالح: ما رأيت أحدًا يتكلم فيه، ورأيت أحاديثه عن قتادة، ويحيى بن أبي كثير صحاحا، وإنما استغنى عنه البصريون؛ لأنه كان خاملًا، ولم أر أحدًا تركه، وهو ثقة". فَبَيَّن ابن شاهين وأحمد بن صالح مفاوز، فلا يدرى من أين أخذ هذا النقل؟ ولا يُعلم أنه التزم الصحة فيما ينقله عن الأئمة، وانظر ترجمته في القسم الثاني الخاص بمناهج الأئمة والمصنفين من هذا الكتاب. وانظر: التاريخ الكبير (3/ 199)، وجامع الترمذي: (5/ 39) عقب حديث (2666)، (5/ 515): عقب حديث (3473)، وضعفاء النسائي (178)، والجرح (3/ 379)، والمجروحين (1/ 286)، والكامل (3/ 58)، وثقات ابن شاهين (332)، وتهذيب الكمال (8/ 342)، والميزان (1/ 667) وتهذيب التهذيب (3/ 169) وغيرها.

6 - شرف الأصل لا دخل له بالرواية

6 - شَرَفُ الأصل لا دخل له بالرواية: • في "الفوائد المجموعة" (488): حديث: "إذا أراد الله أن يخلق خلقًا للخلافة مسح ناصيته بيده". رواه ابن عدي عن أبي هريرة مرفوعًا، وقال: هذا منكر بهذا الإسناد، والبلاء فيه من مصعب النوفلي، ولا أعلم له شيئًا آخر. ورواه العقيلي من طريقه، وقال: مصعب مجهول النقل، حديثه غير محفوظ، ولا يتابع عليه، ولا يعرف إلا به. ورواه الخطيب عن أنس مرفوعًا، وفي إسناده: ميسرة بن عبد الله، مولى المتوكل، وهو ذاهب الحديث. وأخرجه الحاكم في "المستدرك" عن ابن عباس مرفوعًا، وزاد: لا تقع عليه عين إلا أحبته. قال الحاكم: رواته هاشميون معروفون بشرف الأصل". فعلَّقَ الشيخُ المعلمي هنا بقوله: "وأي دَخْلٍ لهذا؟ ". اهـ. 7 - ذِكْر الرجل في الأكابر الذين رَوَوْا عن فلانٍ لا يستلزم الثقة في الرواية: • في ترجمة الدارقطني من "التنكيل" (164): ذكر الكوثري ص 167 ما رُوي عن الدارقطني من نَفْيه سماع أبي حنيفة من أنس، ثم قال: " ... وأين هو -يعني الدارقطني- أيضًا من محمد بن مخلد العطار الحافظ الذي ذكر حماد بن أبي حنيفة في عداد الأكابر الذين رووا عن مالك ... ". اهـ.

8 - عدالة الشهادة لا تستلزم عدالة الرواية

فقال الشيخ المعلمي: "حماد ترجمة في "لسان الميزان" (ج 2 ص 346)، ودَعْوى أن ابن مخلد ذكره في الأكابر الذين رَوَوْا عن مالك فيها نظر، كما مرَّ في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت، فإن ثبت ذلك، فَكِبَرُ العُمر لا يستلزمُ الثقةَ في الرواية". اهـ. 8 - عدالة الشهادة لا تستلزم عدالة الرواية: • في ترجمة: محمد بن جعفر الأدمي من "التنكيل" (197): قال الشيخ المعلمي: "ذكروا أنه كان شاهدا، فقد كان مُعَدَّلا عند القضاة، لكن لم أر من وثقه". اهـ. * * *

الفصل الثالث: قواعد ومسائل وفوائد في الجرح والتعديل

الفصل الثالث: قواعد ومسائل وفوائد في الجرح والتعديل ويشتمل ذلك على أربعة مطالب: المطلب الأول: تقدمة الشيخ المعلمي لكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم. المطلب الثاني: القواعد التي أفردها المعلمي في مقدمة "التنكيل" مع ذكر نماذج من تطبيقاته في ذلك. المطلب الثالث: تلخيص منهج المعلمي في نقد روايات الجرح والتعديل في مسائل على هذا الترتيب. المطلب الرابع: مسائل وفوائد مستخرجة ومستنبطة من سائر كلامه رحمه الله. * * *

المطلب الأول تقدمة الشيخ المعلمي لكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم

المطلب الأول تقدمة الشيخ المعلمي لكتاب "الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم قال رحمه الله: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. الإنسان يفتقر في دينه ودنياه إلى معلوماتٍ كثيرةٍ، لا سبيلَ له إليها إلا بالأخبار، وإذ كان يقع في الأخبار الحقُّ والباطلُ، والصدقُ والكذبُ، والصوابُ والخطأُ، فهو مضطر إلى تمييز ذلك. وقد هَيَّأَ الله تبارك وتعالى لنا سلفَ صدقٍ، حفظوا لنا جميعَ ما نحتاج إليه من الأخبار في تفسير كتاب ربنا عز وجل، وسنةِ نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وآثارِ أصحابه، وقضايا القضاة، وفتاوى الفقهاء، واللغة وآدابها، والشعر، والتاريخ، وغير ذلك. والتزموا وألزموا مَنْ بعدهم سَوْقَ تلك الأخبار بالأسانيد، وتتبعوا أحوالَ الرواةِ التي تساعد على نَقْدِ أخبارهم، وحفظوها لنا في جملة ما حفظوا. وتفقدوا أحوالَ الرواةِ، وقَضَوْا على كُلِّ راوٍ بما يستحقُّه، فَمَيَّزُوا مَنْ يجب الاحتجاجُ بخبره ولو انفرد، ومَنْ لا يجب الاحتجاجُ به إلا إذا اعتضد، ومَنْ لا يُحتج به ولكن يُستشهد، ومَن يُعتمد عليه في حالٍ دونَ أُخرى، وما دون ذلك من متساهلٍ ومغفلٍ وكذابٍ.

وعمدوا إلى الأخبار فانتقدوها وفحصوها، وخَلَّصُوا لنا منها ما ضمنّوه كتبَ الصحيح، وتفقدوا الأخبارَ التى ظاهرها الصحة، وقد عرفوا بسعة علمهم ودقة فهمهم ما يدفعها عن الصحة، فشرحوا عللَها، وبينوا خللَها، وضمنّوها كتبَ العلل. وحاولوا مع ذلك إماتَةَ الأخبارِ الكاذبةِ، فلم ينقلْ أفاضلُهم منها إلا ما احتاجوا إلى ذكره؛ للدلالة على كذب راويه أو وهنه. ومن تسامح من متأخريهم، فروى كُلَّ ما سمع، فقد بَيَّنَ ذلك، ووكل الناسَ إلى النقد الذي قد مُهِّدَتْ قواعدُه ونُصبَتْ معالِمُه. فَبِحَقٍّ قال المستشرق المحقق مرجليوث: "ليفتخر المسلمون ما شاءوا بعلم حديثهم". علم الجرح والتعديل هو عِلمٌ يُبحثُ فيه عن جرحِ الرواةِ وتعديلهم، بألفاظٍ مخصوصةٍ، وعن مراتب تلك الألفاظ، وهذا العلمُ من فروع علم رجال الأحاديث، ولم يذكرْه أحدٌ من أصحاب الموضوعات، مع أنه فرعٌ عظيمٌ. والكلام في الرجال جرحا وتعديلا ثابت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم عن كثيرٍ من الصحابة والتابعين، فَمَنْ بعدهم، وجُوِّزَ ذلك تورعا وصونا للشريعة، لا طَعْنا في الناس، وكما جاز الجرحُ في الشهود، جاز في الرواة، والتثبتُ في أمر الدين أَوْلَى من التثبت في الحقوق والأموال، فلهذا افترضوا على أنفسهم الكلامَ في ذلك. النقد والنقاد: ليس نقدُ الرواة بالأمر الهَيِّنِ؛ فإنَّ الناقدَ لا بُدَّ أن يكون واسعَ الاطلاع على الأخبار المروية، عارفا بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيرا بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والموقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي:

متى وُلد؟ وبأيّ بلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والتحفظ؟ ومتى شرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟ ثم يعرف أحوالَ الشيوخِ الذين يحدث عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث. ثم يعرف مرويات الناس عنهم، ويعرض عليها مرويات هذا الراوي ويعتبرها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه. ويكون مع ذلك متيقظا، مرهفَ اللهم، دقيقَ الفطنة، مالكا لنفسه، لا يستميله الهوى، ولا يستفزه الغضب، ولا يستخفه بادرُ ظَنٍّ، حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر، ثم يحسن التطبيق في حُكمه، فلا يجاوز ولا يقصر. وهذه المرتبة بعيدةُ المرامِ، عزيزةُ المنالِ، لم يبلغْها إلا الأفذاذ. وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم مَنْ يتكلم في الرواة، فلا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُلتفتُ إليه. قال الإمام علي ابن المدينى -وهو من أئمة هذا الشأن-: "أبو نعيم وعفان صدوقان، لا أقبل كلامهما في الرجال؛ هؤلاء لا يَدَعُون أحدا إلا وقعوا فيه". وأبو نعيم وعفان من الأجلة، والكلمة المذكورة تدل على كثرة كلامهما في الرجال، ومع ذلك لا تكاد تجدُ في كتب الفنِّ نقلَ شيء من كلامهما.

أئمة النقد: اشتهر بالإمامة في ذلك جماعةٌ؛ كمالك بن أنس، وسفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج، وآخرون، قد ساق ابن أبى حاتم تراجمَ غالبهم مستوفاة في كتابه "تقدمة المعرفة لكتاب الجرح والتعديل"، وذلك أنه رأى أن مدار الأحكام في كتاب الجرح والتعديل على أولئك الأئمة، وأن الواجب أن لا يصل الناظر إلى أحكامهم في الرواة حتى يكون قد عرفهم المعرفة التى تثبت في نفسه أنهم أهلٌ أن يصيبوا في قضائهم، ويعدلوا في أحكامهم، وأن يقبل منهم ويستند إليهم ويعتمد عليهم. اهـ. * * *

المطلب الثاني القواعد التي أفردها الشيخ المعلمي في مقدمة "التنكيل" مع ذكر نماذج من تطبيقاته في ذلك

المطلب الثاني القواعد التي أفردها الشيخ المعلمي في مقدمة "التنكيل" مع ذكر نماذج من تطبيقاته في ذلك القاعدة الأولى: هل يشترط تفسير الجرح؟ القاعدة الثانية: إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل؟ القاعدة الثالثة: قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا ... القاعدة الرابعة: قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك. القاعدة الأولى هل يشترط تفسير الجرح؟ قال: (ص 59): اعلم أن الجرحَ على درجاتٍ: الأولى: المُجْمَل، وهو ما لم يُيَيِّنْ فيه السببُ؛ كقولِ الجارح: "ليس بعدل"، "فاسق". ومنه -على ما ذكره الخطيب في "الكفاية" (ص 108) عن القاضي أبي الطيب الطبري- قولُ أئمةِ الحديثِ: "ضعيف" أو "ليس بشيء". وزاد الخطيب قولَهم: "ليس بثقة". الثانية: مُبَيَّنُ السببِ، ومَثَّلَ له بعضُ الفقهاءِ بقولِ الجارحِ: "زان"، "سارق"، "قاذف".

ووراءَ ذلك درجاتٌ بحسب احتمالِ الخللِ وعدمِهِ؛ فقوله: "فلان قاذف" قد يحتملُ الخللَ: مِنْ جهةِ أن يكونَ الجارحُ أخطأَ في ظَنِّهِ أن الواقعَ قذفٌ، ومِنْ جهةِ احتمالِ أن يكونَ المرميُّ مستحقًا للقذف، ومنْ جهةِ احتمالِ أن لا يكونَ الجارحُ سمع ذلك من المجروح، وإنما بَلَغَهُ عنه، ومِنْ جهةِ أن يكونَ إنما سمعَ رجلًا آخر يُقْذَفُ، فَتَوَهَّمَ أنه الذي سَمَّاهُ، ومِنْ جهةِ احتمالِ أن يكونَ المجروحُ إنما كان يحكي القذفَ عن غيره، أو يَفْرض أن قائلًا قاله، فلم يسمعْ الجارحُ أولَ الكلام، إلى غير ذلك من الاحتمالات. نعم، إنها خلافًا لظاهرِ، ولكنْ قد يَقْوَى المُعارِضُ جدًّا، فيغلبُ على الظن أن هناك خللًا، وإن لم يتبين. واختلف أهلُ العلم في الدرجة الأولى، وهي الجرح المجمل، إذا صدر من العارف بأسباب الجرح، فمنهم من قال: يجب العملُ به، ومنهم من قال: لا يُعملُ به؛ لأن الناس اختلفوا في أشياءَ، يراها بعضهم فسقًا ولا يوافقه غيره. وفَصَّلَ الخطيبُ فيما نقله عنه العراقي والسخاوي، قال: "إن كان الذي يُرجعُ إليه عدلًا، مرضيًا في اعتقاده وأفعاله، عارفًا بصفة العدالة والجرح وأسبابهما، عالمًا باختلاف الفقهاء في أحكام ذلك، قُبِلَ قولُه فيمن جَرحه مجملًا، ولا يُسأل عن سببه". يريد أنه إذا كان عارفًا باختلاف الفقهاء، فالظاهر أنه لا يَجرح إلا بما هو جرحٌ باتفاقهم. وأقول: لا بد من الفرق بين: جرحِ الشاهد وجرحِ الراوي، وبين ما إذا كان هناك ما يخالفُ الجرحَ، وما إذا لم يكن هناك ما يخالفه.

فأما الشاهدُ، فلهُ ثلاثُ أحوالٍ: الأولى: أن تكون قد ثبتت عدالتُه في قضيةٍ سابقةٍ، وقَضى بها القاضي، ثم جُرح في قضيةٍ أخرى. الثانية: أن لا تكون قد ثبتت عدالتُه، ولكن سُئل عنه عارفوه، فمنهم من عَدَّلَهُ، ومنهم من جرحه. الثالثة: أن لا تكون قد ثبتت عدالتُه، وسُئل عنه عارفوه، فجرحه بعضهم، وسكت الباقون. فأما الثالثة: فإن كان القاضي لا يقبلُ شهادةَ من لم يُعدَّلْ، فأيُّ فائدةٍ في استفسار الجارح؟ وإن كان يقبلها، فلضعفها يكفي الجرح المجمل. وأما الثانية: فقد يكثر الجارحون، فيغلبُ على الظن صحةُ جرحهم، وإن أجملوا، وقد لا تحصل غلبةُ الظن إلا بالدرجة الثانية من الجرح، وهي بيان السبب، وقد لا تحصل إلا بأزيد منها مما مر بيانه. وإذا كان القاضي متمكنًا من الاستفسار؛ لحضور الجارح عنده، أو قربه منه، فينبغي أن يستوفيه على كل حال؛ لأنه كلما كان أقوى، كان أثبتَ للحجة، وأدفعَ للتهمة. وأما الأولى: فينبغي أن لا يكفي فيها جرحٌ مجملٌ، ولو مع بيان السبب، بل يحتاج إلى بيان المستند بما يدفع ما يحتمل من الخلل. وأما الراوي، فحالُه مخالفةٌ للشاهد فيما نحن فيه من أوجه: الأول: أن الذين تكلموا في الرواة أئمةٌ أجلّةٌ، والغالبُ فيمن يَجرحُ الشاهدَ أن لا يكونَ بتلك الدرجة، ولا ما يقاربها.

الثاني: أن الذين تكلموا في الرواة منصبُهم منصبُ الحُكَّامِ، وقد قال الفقهاء: إن المنصوبَ لجرح الشهود يُكتفى منه بالجرح المُجمل. الثالث: أن القاضي متمكنٌ من استفسار جارحِ الشاهد كما مر، والذين جرحوا الرواة يكثر في كلامهم الإجمال، وأن لا يستفسرهم أصحابهم، ولم يبقَ بأيدي الناس إلا نقلُ كلامِهم، ولم يزل أهل العلم يتلقون كلماتهم ويحتجون بها. وبعد أن اختار ابنُ الصلاح اشتراطَ بيانِ السببِ، قال: "ولقائلٍ أن يقول: إنما يعتمدُ الناسُ في جرح الرواة وردِّ حديثهم على الكتب التي صنفها أئمة الحديث ... وقلَّ ما يتعرضون لبيان السبب، بل يقتصرون على ... فلان ضعيف، و: فلان ليس بشيء، ونحو ذلك ... فاشتراطُ بيانِ السببِ يُفضى إلى تعطيل ذلك، وسَدِّ بابِ الجرح في الأغلب الأكثر، وجوابُه أن ذلك وإن لم نعتمده في إثبات الجرح والحكم به، فقد اعتمدناه في أنْ توقَّفْنَا عن قَبول حديث من قالوا فيه مثل ذلك، بناء على أن ذلك أوقع عندنا فيهم ريبةً قويةً، يوجب مثلُها التوقفَ، ثم مَنِ انزاحت عنه الريبةُ منهم؛ ببحثٍ عن حالِه: أوجبَ الثقةَ بعدالتِه، قَبِلنا حديثَهُ، ولم نتوقفْ، كالذين احتج بهم صاحبا "الصحيحين" وغيرهم ممن مَسَّهُم مثلُ هذا الجرح من غيرهم، فافهم ذلك فإنه مخلصٌ حسنٌ". وتبعه النووي في "التقريب" و"شرح صحيح مسلم"، ولفظه هناك: "على مذهب من اشترط في الجرح التفسيرَ نقولُ: فائدةُ الجرح فيمن جُرح مطلقًا أن يُتوقفَ عن الاحتجاج به، إلى أن يُبحث عن ذلك الجرح ... ". وذى العراقي في "ألفيته" و"شرحها" بعضَ الذين أشار ابنُ الصلاح إلى أن صاحبي "الصحيحين" احتجا بهم، وقد جُرحوا، فذكر مِمَّنْ روى له البخاري: عكرمة مولى ابن عباس، وعمرو بن مرزوق الباهلي. وممن روى له مسلم: سويد بن سعيد.

وهؤلاء قد سبق جرحُهم مِمَّنْ قَبْلَ صاحبي "الصحيح"، وكذلك سبق تعديلُهم أيضًا، فهذا يدل أن التوقفَ الذي ذكره ابنُ الصلاح والنوويُّ يشملُ من اختُلِفَ فيه؛ فعدَّلَهُ بعضهم وجرحه غيره جرحًا غير مفسَّر، وسياق كلامهما يقتضى ذلك، بل الظاهر أن هذا هو المقصود؛ فإن مَنْ لم يُعدَّلْ نصًا أو حكما ولم يُجرح، يجب التوقف عن الاحتجاج به، ومَن لم يُعدل وجُرح جرحًا مجملا، فالأمر فيه أشد من التوقف والارتياب. فالتحقيقُ أن الجرحَ المُجملَ يَثبتُ به جرحُ مَنْ لم يُعَدَّلْ نصًا ولا حكمًا، ويُوجبُ التوقفَ فيمن قد عُدِّلَ حتى يُسْفِرَ البحثُ عما يقتضي قبولَهُ أو ردَّهُ، وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله تعالى". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في ترجمة: المفضل بن غسان الغلابي من "التنكيل" (249): "الجرحُ غيرُ المُفَسَّرِ قد تقدم في القواعد البحثُ فيه، وأن التحقيقَ أنه مقبولٌ من أهله، إلا أن يُعارضه توثيقٌ أثبتُ منه، وبالجملة فالذي يُخشى من .. الجرح الذي لم يُفسر هو الخطأ، فمتى تبين أو ترجح أنه خطأ لم يُؤخذ به". اهـ. * * *

القاعدة الثانية إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل؟

القاعدة الثانية إذا اجتمع جرح وتعديل فبأيهما يعمل؟ قال: (ص 73): "قد يُنقلُ في راوٍ جرحٌ وتعديلٌ، ولكننا إذا بحثنا بمقتضى القاعدة السابقة (¬1) سقط أحدُهما، أو تَبَيَّنَ أنه إنما أُريد به ما لا يُخالف الآخرَ، فهاتان الصورتان خارجتان عن هذه القاعدة، فأما إذا ثبتَ في الرجل جرحٌ وتعديلٌ متخالفان، فالمشهور في ذلك قضيتان: الأولى: أن الجرحَ إذا لم يُبَيَّنْ سببُه، فالعمل على التعديل، وهذا إنما يَطَّرِدُ في الشاهد؛ لأن مُعَدِّلَهُ يَعرف أن القاضي إنما يسأله ليحكمَ بقوله، ولأن شرطَه معرفتُه بسيرةِ الشاهدِ معرفةَ خبرة، ولأن القاضي يستفسرُ الجارحَ كما يجب، فإذا أَبَى أن يُفسرَ، كان إِباؤُهُ مُوهنًا لجرحه. فأما الراوي، فقد يكون المُثْنِي عليه لم يَقصد الحُكمَ بثقته، وقد يكون الجرحُ متعلقًا بالعدالة، مثل "هو فاسق"، والتعديلُ مطلقٌ، والمُعَدِّلُ غيرُ خبيرٍ بحالِ الراوي، وإنما اعتمد على سَبْرِ ما بلغه من أحاديثه؛ وذلك كما لو قال مالك في مدني: "هو فاسق"، ثم جاء ابن معين فقال: "هو ثقة". وقد يكون المُعَدِّلُ إنما اجتمع بالراوي مدةً يسيرةً، فَعَدَّلَهُ، بناء على أنه رأى أحاديثه مستقيمة، والجارحُ من أهل بلدِ الراوي؛ وذلك كما لو حجَّ رازيٌّ، فاجتمع به ابن معين ببغداد، فسمع منه مجلسًا، فوثقه، ويكون أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان قد قالا فيه: "ليس بثقة ولا مأمون". ¬

_ (¬1) هي قاعدة: "كيف البحث عن أحوال الرواة" وقد سبق نقلها في أول هذه المباحث.

ففي هذه الأمثلة لا يَخفى أن الجرحَ أَوْلَى أن يُؤخذَ به. فالتحقيقُ أن كُلًّا من التعديل والجرح الذي لم يُبَيِّنْ سببُه يَحتملُ وقوعَ الخلل فيه، والذي ينبغي أن يُؤخذ به منها: هو ما كان احتمالُ الخللِ فيه أبعدَ من احتماله في الآخر، وهذا يختلفُ ويتفاوتُ باختلافِ الوقائع. والناظرُ في زماننا لا يكادُ يتبينُ له الفَصْلُ في ذلك إلا بالاستدلال بصنيع الأئمة؛ كما إذا وجدنا البخاريَّ ومسلما قد احتجا أو أحدُهما براوٍ، سَبَقَ مِمَّنْ قَبلهما فيه جرحٌ غيرُ مُفَسَّرٍ، فإنه يَظهرُ لنا رُجحانُ التعديلِ غالبا، وقِسْ على ذلك، وهذا تفصيلُ ما تقدَّمَ في القاعدة الخامسة عن ابن الصلاح وغيره. لكن ينبغي النظرُ في كيفية رواية الشيخين عن الرجل؛ فقد يَحْتَجَّانِ أو أحدُهما بالراوي في شيء دون شيء، وقد لا يَحْتَجَّانِ بن وإنما يُخرجان له ما تُوبع عليه، ومن تتبع ذلك، وَأنْعَمَ فيه النظرَ، عَلم أنهما في الغالب لا يُهملان الجرحَ البَتَّةَ، بل يحملانِه على أمرٍ خاصٍّ، أو على لِينٍ في الراوي، لا يَحُطُّهُ عن الصلاحية به فيما ليس مظنةَ الخطأ، أو فيما تُوبع عليه ونحو ذلك، راجع الفصل التّاسع من "مقدمة فتح الباري". القضية الثانية: أن الجرح إذا كان مفسَّرا فالعملُ عليه، وهذه القضية يُعرف ما فيها بمعرفة دليلها، وهو ما ذكره الخطيب في "الكفاية" ص 105 قال: "والعلة في ذلك أن الجارح يُخبر عن أمرٍ باطنٍ قد عَلمه، ويُصَدِّقُ المُعَدِّلَ، ويقول له: قد علمتُ من حاله الظاهرةِ ما علمتَها، وتفردتُّ بعلمٍ لم تعلمْه من اختبار أمره، اخبارُ المعدِّلِ عن العدالة الظاهرة لا ينفي صدقَ قولِ الجارح. ولأنَّ مَنْ عَمل بقول الجارح لم يَتَّهِمْ المُزَكِّي، ولم يُخْرِجْهُ بذلك عن كونه عدلًا، ومتى لم نَعملْ بقول الجارح كان في ذلك تكذيبٌ له ونقضٌ لعدالته، وقد عُلم أن حاله في الأمانة مخالفةٌ لذلك".

أقول: ظاهرُ كلام الخطيب أن الجرحَ المُبَيَّنَ السبب مقدمٌ على التعديل، بل يظهر مما تقدم عنه في القاعدة الخامسة من قبول الجرح المجمل إذا كان الجارح عارفًا بالأسباب واختلاف العلماء: أن الجارح إذا كان كذلك، قُدِّمَ جرحُه الذي لم يُبين سببه على التعديل. لكنَّ جماعةً من أهل العلم قَيَّدُوا الجرحَ الذي يُقدم على التعديل بأن يكون مفسرًا، والدليل المذكور يُرشد إلى الصواب؛ فقولُ الجارح العارف بالأسباب والاختلاف: "ليس بعدل"، أو: "فاسق"، أو: "ضعيف" أو: "ليس بشيء"، أو: "ليس بثقة"، هل يجب أن لا يكونَ إلا عن علمٍ بسببٍ موجبٍ للجرح إجماعًا؟ أَوَ لا يحتمل أن يكون جَهِلَ أو غَفَلَ أو ترجح عنده مالا نوافقه عليه؟ أَوَليس في كل مذهبٍ اختلافٌ بين فقهائه فيما يوجب الفسق؟ فإن بَيَّنَ السببَ، فقال مثلًا: "قاذف"، أو قال المُحَدِّثُ: "كذاب"، أو: "يَدَّعِي السماعَ ممن لم يسمع منه"، أَفليس إذا كان المتكلَّمُ فيه راويًا، قد لا يكون المتكلِّمُ قصد الجرحَ، وإنما هي فلتةُ لسانٍ عند ثورةِ غضبٍ، أو كلمةٌ قصد بها غيرَ ظاهرها بقرينة الغضب؟ أوَ لم يختلف الناس في بعض الكلمات: أقذفٌ هي أم لا؟ حتى إن فقهاء المذهب الواحد قد يختلفون في بعضها. أَوَليس قد يستندُ الجارح إلى شُيوع خبرٍ قد يكونُ أصلُه كذبةَ فاجرٍ، أو قرينةً واهيةً، كما في قصة الإفك؟ وقد يستند المحدث إلى خبرِ واحدٍ يراه ثقةً، وهو عند غيره غير ثقة. أَوَليس قد يَبني المحدثُ كلمةَ "كذاب" أو "يضع الحديث" أو "يدعي السماع ممن لم يسمع منه" على اجتهادٍ يحتملُ الخطأ؟

فإن فَصَّلَ الجارحُ القذفَ، أفليس قد يكون القذفُ لمستحقه (¬1)؟ أَوَليس قد يكون فلتةَ لسانٍ عند سورةِ غضبٍ، كما وقع من محمد بن الزبير أو من أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس، على ما رواه أبو داود الطيالسي عن شعبة، وكما وقع من أبي حصين عثمان بن عاصم فيما ذكره وكيع، وإن كانت الحكاية منقطعة؟ إذا تدبرت هذا، علمتَ أنه لا يستقيم ما استدل به الخطيب إلا حيث يكون الجرحُ مبينًا مفسرًا مثبتا مشروحًا بحيث لا يظهر دفعه إلا بنسبة الجارح إلى تعمد الكذب، ويظهر أن المعدِّلَ لو وقف عليه لما عَدَّلَ، فما كان هكذا فلا ريب أن العمل فيه على الجرح، وإن أكثر المعدِّلُون، وأما ما دون ذلك، فعلى ما تقدم في القضية الأولى (¬2) ". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) يعني أن يكون المقذوف قد أتى ما يستحق به القذف، إلا أن القاذف لم يستطع إقامة البينة المطلوبة على ذلك. (¬2) يعني أنه ينبغي أن يؤخذ بما كان احتمالُ الخللِ فيه أبعدَ من احتماله في الآخر.

القاعدة الثالثة قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا ...

القاعدة الثالثة قولهم: من ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا ... قال: (ص 75): قال البخاري في "جزء القراءة": "والذي يُذكر عن مالكٍ في ابن إسحاق لا يكاد يبين .. ولو صح ... فلربما تكلم الإنسان فيرمي صاحبَه بشيء واحدٍ ولا يتهمه في الأمور كلها، وقال إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح: نهاني مالك عن شيخين من قريشٍ وقد أكثر عنهما في "الموطأ"، وهما مما يحتج بحديثهما، ولم يَنْجُ كثيرٌ من الناس من كلام بعض الناس فيهم، نحو ما يُذكر عن إبراهيم من كلامه في الشعبي، وكلام الشعبي في عكرمة، وفيمن كان قبلهم، وتأويل بعضهم في العرض والنفس، ولم يلتفت أهل العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم يسقط عدالتهم إلا ببرهان وحجة .... وقال بعض أهل المدينة: إن الذي يُذكر عن هشام بن عروة قال: كيف يدخل ابن إسحاق على امرأتي؟ لو صح عن هشام، جائز أن تكتب إليه ... وجائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب وهشام لم يشهد". اهـ. وفي "فتح المغيث" للسخاوي (ص 130) عن محمد بن نصر المروزي: "كُلُّ رجلٍ ثبتتْ عدالتُه، لم يُقبل فيه تجريحُ أحدٍ، حتى يُبَيِّنَ ذلك بأمرٍ لا يحتملُ أن يكونَ غيرَ جُرحة". وفي ترجمة عكرمة من "مقدمة فتح الباري" عن ابن جرير: "من ثبتت عدالتُه لم يُقبل فيه الجرحُ، وما تَسقطُ العدالةُ بالظنِّ، وبقول فلان لمولاه: لا تكذب عليَّ، وما أشبهه من القول الذي له وجوهٌ وتصاريفُ ومعانٍ غير الذي وَجَّهَهُ إليه أهلُ الغباوة". اهـ.

وقال ابن عبد البر: "الصحيحُ في هذا الباب أنَّ مَنْ صَحَّتْ عدالتُه، وثبتت في العلم أمانتُه، وبانت ثقته وعنايته بالعلم، لم يُلتفت فيه إلى قولِ أحدٍ، إلا أن يأتي في جرحته ببينة عادلة، تصح بها جرحته على طريق الشهاداتِ والعملِ فيها من المشاهدة والمعاينة". اهـ. قال السخاوي في "فتح المغيث": "ليس المرادُ إقامةَ بينةٍ على جرحه، بل المعنى أنه يَستند في جَرحه على ما يَستند إليه الشاهدُ في شهادته، وهو المشاهدةُ ونحوها". اهـ. قد يُقالُ: إن كان المرادُ بثبوتِ العدالةِ أن يتقدمَ التعديلُ والحكمُ به والعملُ بحسبه على الجرحِ (¬1)، فهذا إنما يكثرُ في الشهود. وإن كان المرادُ بثبوتها حصولَ تعديل على أي حالٍ كان، فهذا لا وجهَ له؛ فقد تقدم في القاعدة السادسة ما يُعلم منه أن التعديلَ يتفاوتُ، ويحتملُ كثيرٌ منه الخللَ كما يحتملُهُ الجرحُ الذي لم يُشْرَحْ كُلَّ الشَّرْحِ، أو أشد. ومن تَتَّبَعَ صنيعَ أهل العلم تبَيَّنَ له أنهم كثيرًا ما يُقدمون الجرحَ الذي لم يُشْرَحْ كُلَّ الشَّرْحِ على التوثيق، كما في حالِ إبراهيم بن أبي يحيى والواقدي وغيرهما. وكثيرًا ما يقع للبخاري وغيره القدحُ فيمن لم يُدركوه، وقد سبقَ أن عدَّلَهُ معدِّلٌ أو أكثر، ولم يَسبق أن جرحه أحدٌ. فأقول: الذي يتحررُ أن للعدالة جهتين: الأولى: استقامة السيرة، وثبوت هذا بالنظر إلى هذه القاعدة تظهر فيمن تظهر عدالته ويُعدل تعديلًا معتمدًا، وتمضي مدة، ثم يجرح. فأما ما عدا ذلك، فالمدار على الترجيح، وقد مَرَّ في القاعدة السابقة. ¬

_ (¬1) يعني تَقَدُّمًا زمانيا.

الجهة الثانية: استقامة الرواية، وهذا يَثبتُ عند المحدث بتتبعه أحاديث الراوي، واعتبارها، وتبين أنها كلها تدل على أن الراوي كان من أهل الصدق والأمانة، وهذا لا يتيسر لأهل عصرنا، لكن إذا كان القادحون في الراوي قد نَصُّوا على ما أنكروه من حديثه، بحيث ظهر أن ما عدا ذلك من حديثه مستقيم، فقد يتيسر لنا أن ننظر في تلك الأحاديث، فإذا تبين أن لها مخارج قوية تدفع التهمة عن الراوي، فقد ثبتت استقامة روايته. وقد حاولتُ العمل بهذا في بعض الآتين في قسم التراجم، كالحارث بن عمير، والهيثم بن جميل. فأما ما عدا هذا، فإننا نحتاج إلى الترجيح، فقد يترجح عندنا استقامةُ رواية الرجل باحتجاج البخاري به في "صحيحه"؛ لظهور أن البخاري إنما احتج به بعد أن تتبع أحاديثه، وسبرها، وتبين له استقامتها، وقد علمنا مكانة البخاري، وسعة اطلاعه ونفوذ نظره، وشدة احتياطه في "صحيحه"، وقِسْ على ذلك، وراجع ما تقدم في القواعد السابقة. والله الموفق. هذا، وقد تعرض ابنُ السبكي في ترجمة أحمد بن صالح من "طبقات الشافعية" لهذه القاعدة، وزاد فيها فقال: "فنقول مثلًا: لا يُلتفتُ إلى كلام ابنِ أبي ذئب في مالك، وابنِ معين في الشافعي، والنسائيِّ في أحمد بن صالح؛ لأن هؤلاءِ أئمةٌ مشهورون، صار الجارحُ لهم كالآتي بخبرٍ غريبٍ، لو صَحَّ لتوفرتِ الدواعي على نقله، وكان القاطع قائمًا على كذبه ... ومعنا أصلان نستصحبهما إلى أن نتيقن خلافهما: أصلُ عدالة الإمام المجروح ... وأصلُ عدالة الجارح ... فلا نلتف إلى جرحه، ولا نجرحه بجرحه، فاحفظ هذا المكان، فهو من المهمات ... فنحن نقبل قولَ ابن معين ... ولا نقبل قوله في الشافعي، ولو فَسَّرَ، وأَتَى بِأَلفِ إيضاحٍ؛ لقيامِ القاطعِ على أنه غيرُ محُقٍّ بالنسبة إليه".

أقول: هَوَّلَ على عادته، والإنصافُ أن الشافعيَّ لم يكن معصومًا، ولم يَقُمِ القاطعُ اليقيني على أنه لم يقع منه ما إذا وقع من الرجل صَحَّ أن يُجرح به، ولم يكن الشافعي طول عمره في جميع أحواله لا يزال بحضرته جَمٌّ غفيرٌ تقضى العادة حتمًا بأنه لو وقع منه شيء مما ذُكر لتوفرتِ الدواعي على نقله. نعم، لو فرضنا أن الجارح ذكر أمرًا يصح أن يقال فيه: لو وقع لتوفرت الدواعي على نقله تواترًا، ولم يكن ذلك، فإنه لا يقبل منه. ولو أن السبكي ترك أن يفرض ما لم يقع، واعتنى بما وقع في الأمثلة التي ذكرها وبَيَّن وجوهَها، لأجاد وأفاد، وقد تعرضتُّ لما وقفتُ عليه من ذلك في تراجم أولئك الثلاثة من قسم التراجم، ولله الحمد". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في أثناء القاعدة الثانية من مقدمة "التنكيل" (ص 39): "كُلُّ من ثبتت عدالتُه، لا يَتَّهِمُهُ عارفوه الذين يعدلونه، ولا الواثقون بتعديل المعدِّلِين، فإن اتَّهَمَهُ غيرهم، كان معنى ذلك أنه غيرُ واثقٍ بتعديل المعدِّليِن، ومتى ثبت التعديل الشرعي لم يُلتفت إلى من لا يثق به، ولو كان لك أن تُعدل الرجل وأنت لا تأمن أن يدعي الباطل ويشهد لنفسه زورًا بخمسة دراهم مثلًا، لكان لك أن تعدل من تتهمه بأنه لو رشاه رجل عشرة دراهم أو أكثر لشهدوا له زورًا، وهذا باطل قطعًا؛ فإن تعديلك للرجل إنما هو شهادة منك له بالعدالة، والعدالة "ملكة تمنع صاحبها من اقتراف الكبائر وصغائر الخسة ... " فكيف يسوغ لك أن تشهد بهذه الملكة لمن تتهمه بما ذُكر؟، ولو كان كُلُّ عدلٍ حقيقًا بأن يتهمه عارفوه بنحو ما ذُكر، لما كان في الناس عدل ... ". اهـ. • وفي ترجمة: زكريا بن يحيى الساجي من "التنكيل" (94): قال الكوثري ص 18: شيخ المتعصبين ...

فقال الشيخ المعلمي: "أما التعصب، فقد مَرَّ حكمُه في القواعد، وبَيَّنَا أنه إذا ثبتت ثقةُ الرجل وأمانتُه، لم يقدحْ ما يسميه الأستاذ تعصبًا في روايته، ولكن ينبغي التروي فيما يقوله برأيه، لا اتهامًا له بتعمد الكذب والحكم بالباطل، بل لاحتمال أن الحنق حال بينه وبين التثبت ... ". اهـ. • وفي ترجمة: عبد المؤمن بن خلف أبي يعلى التميمي النسفى الحافظ من "التنكيل" (148): قال الكوثري: عبد المؤمن ليس ممن يُصدَّقُ فيه (يعني في الحسن بن زياد اللؤلؤى) لأنه كان ظاهريًا طويل اللسان على أهل القياس. فقال الشيخ المعلمي: "قد سلف في القواعد أن المخالفة في المذهب لا تُرد بها الرواية: كالشهادة، وهذا ما لا أرى عالمًا يشك فيه. ومن حَكم له أهلُ العلم بالصدق والأمانة والثقة، فقد اندفع عنه أن يقال: لا يصدَّق في كذا، اللهم إلا أن تقام الحجةُ الواضحةُ على أنه تعمد كذبًا صريحًا، فيزول عنه اسم الصدق والأمانة البتة. والأستاذ -الكوثري- يمرُّ بالجبال الرواسي، فينفخُ، ويخيّل لنفسه وللجهال أنه قد أزالها أو جعلها هباء، والذي جرأه على ذلك كثرةُ الأتباع، وغربة العلم، وما لا أحب ذكره، والله المستعان". اهـ. • وفي ترجمة ابن المذهب من "التنكيل" (78): "من تثبت عدالته وأمانته ثم ادعى سماعًا، ولا معارضَ له، أو يعارضه .. ولكن له عذرٌ قريبٌ، كأن يقول: فاتني أولًا ذلك المجلس، وكان الشيخُ يعتني بي، فأعاده لي وحدي، ولم يحضر كاتب التسميع، فإنه يقبل منه". اهـ.

نماذج من رد الجرح المُجْمل إذا عارضه توثيق: • في ترجمة: محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي من "التنكيل" (214): قال ابن عدي: "رأيت أبا يعلي سيء القول فيه، ويقول: شهد على خالي بالزور. ثم قال ابن عدي: وابن عمار ثقة، حسن الحديث عن أهل الموصل: معافى بن عمران وغيره، وعنده عنهم أفراد وغرائب، وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطان، ولم أر أحدا من مشايخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة". فقال الشيخ المعلمي: "ووثقه وأثنى عليه جماعةٌ كثيرة، فأما أبو يعلى فكانت بينه وبين ابن عمار مباعدةٌ ما في المذهب، كما يدلُّ عليه عكوفُ أبي يعلي على سماع كتب أهلِ الرأي من بشر بن الوليد، وردفتها كُدورةٌ عائليةٌ، كما يدل عليه قول أبي يعلي: شهد على خالي بالزور. وهذه كلمةٌ مرسلةٌ، لم يُبين ما هو الزور؟ ومن أين عرف أبو يعلي أنه زور؟ وعلى فرض تحققه ذلك، فهل تعمَّدَ ابنُ عمار الشهادةَ بالباطل أو أخطأ؟. وإعراض الناس -ومنهم ابن عدي حاكي الكلمة عن أبي يعلي- عن كلمته، يُبين أنها كلمة طائشة، لا تستحق أن يُلتفت إليها. وابن عمار أكبر من أبي يعلي بنحو خمسين سنة، فلعل أبا يعلي سمع خاله -ومَنْ خالُه؟ - يقول: شهد عليَّ ابنُ عمار بالزور، فأخذها أبو يعلى، ولم يحققها، وقدمنا في القواعد أنه إذا ظهر أن بين الرجلين ثغرة (¬1)، لم يُقبل ما يقوله أحدهما في الآخر إلا مفسَّرا محققا مثبتا، ويتأكد ذلك بإعراض الناس عن كلمة أبي يعلي وإجماعهم على توثيق ابن عمار". اهـ. ¬

_ (¬1) كذا، ولعل الصواب: "نُفْرَة".

• وفي ترجمة: محمد بن عثمان بن أبي شيبة منه (219): قال الخطيب: سألتُ البرقاني عن ابن أبي شيبة، فقال: لم أزل أسمع الشيوخ يذكرون أنه مقدوح فيه. فقال المعلمي: "ليس في هذا ما يوجب الجرح، إذ لم يُبين من هو القادح، وما هو قدحه؟ ". اهـ. • وفي ترجمة: زكريا بن يحيى الساجي (94): قال أبو الحسن ابن القطان: مختلف فيه في الحديث، وثقه قوم، وضعفه آخرون. فقال الشيخ المعلمي: "أما كلمة ابن قطان، فلم يُبَيِّنْ مَنْ هُم الذين ضعفوه، وما هو التضعيف، وما وجهه، ومثل هذا النقل المرسل على عواهنه لا يُلتفتُ إليه أمام التوثيق المُحَقَّق، وأخشى أن يكون اشتبه على ابن قطان بغيره ممن يقال له: "زكريا بن يحيى"، وهم جماعة، وابن القطان ربما يأخذ من الصحف فيصحف، فقد وقع له في موضع تصحيفٌ في ثلاثة أسماء متوالية. راجع "لسان الميزان" (ج 2 ص 201 - 202) قد قال ابن حجر في "اللسان" متعقبًا كلمة ابن القطان: "ولا يغتر أحدٌ بقول ابن القطان، وقد جازف بهذه المقالة، وما ضعف زكريا الساجي هذا أحدٌ قَطُّ ... وذكره ابن أبي حاتم فقال: كان ثقة، يَعرفُ الحديثَ والفقهَ، وله مؤلفاتٌ حسانٌ في الرجال واختلافِ الفقهاء وأحكام القرآن ... وقال مَسْلمة بن القاسم: بصري ثقة". اهـ. • وفي ترجمة: جرير بن عبد الحميد (63): قال قتيبة: "ثنا جرير الحافظ المقدم لكني سمعته يشتم معاوية علانية". فقال الشيخ المعلمي: "لم يُبَيِّنْ ما هو الشتم؟ ولم يضره ذلك في روايته، بل أجمعوا على توثيقه كما رأيتَ، واحتج به صاحبا "الصحيحين"، وبقية الستة، والناس". اهـ.

• وفي ترجمة: محمد بن كثير العبدي (230): قال الكوثري ص 161: "فيه يقول ابن معين: لا تكتبوا عنه، لم يكن بالثقة". فقال الشيخ المعلمي: "قال الإمام أحمد: "ثقة، لقد مات على سُنَّة"، وقال أبو حاتم مع تشدده: "صدوق"، وأخرج له الشيخان في "الصحيحين"، وبقية الستة، روى عنه أبو داود وهو لا يروي إلا عن ثقة، كما تقدم في ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم، وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة، كما في "لسان الميزان" (2/ 416)، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان تقيا فاضلا". وهذا كله يدل أن ابن معين إنما أراد بقوله: "ليس بثقة" أنه ليس بالكامل في الثقة، فأما كلمة: "لا تكتبوا عنه" فلم أجدها، نعم قال ابن الجنيد عن ابن معين: "كان في حديثه ألفاظ، كأنه ضعفه" قال: "ثم سألته عنه، فقال: لم يكن لسائل أن يكتب عنه". وابن معين كغيره؛ إذا لم يفسر الجرحَ، وخالفه الأكثرون، يرجح قولهم". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن أبي عتاب أبي بكر الأعين (218): قال ابن معين: لم يكن من أهل الحديث (¬1). ¬

_ (¬1) هكذا ذكره الكوثري، ومشى عليه المعلمي، والذي في "تاريخ بغداد" (2/ 183) من رواية بكر بن سهل قال: نبأنا عبد الخالق بن منصور، قال: سئل يحيى بن معين عن أبي بكر الأعين، فقال: ليس هو من أصحاب الحديث" اهـ. وهذا اللفظ هو الذي يتمشى مع تفسير الخطيب، أما: "لم يكن من أهل الحديث" فظاهرها أنهم يريدون بها أنه لم يكن مشتغلا بالحديث وسماعه وروايته، وقد يكون من أهل الفقه أو اللغة أو القراءة ونحو ذلك، ولعل الكوثري لحظ هذا الفرق، فغَيَّر عبارة ابن معين إلى ما يفي بغرضه، والله تعالى أعلم. وقد سبق تعليقي هذا في: "ألفاظ ظاهرها الجرح ... "، لكن تكرر الاحتياج إليه هنا فأوردته، والله الموفق.

قال المعلمي: "هذه كلمة مُجْمَلة، وقد فَسَّرها الخطيب بقوله: "يعني لم يكن بالحافظ للطرق والعلل (¬1)، وأما الصدق والضبط فلم يكن مدفوعًا عنه". وقال الإمام أحمد: "رحمه الله تعالى، مات ولا يعرف إلا الحديث، ولم يكن صاحب كلام، وإني لأغبطه". وذكره ابن حبان في "الثقات" (¬2). وأخرج له مسلم في مقدمة "صحيحه" (¬3) ". اهـ. • وفي ترجمة: علي بن زيد بن عبد الله أبي الحسن الفرائضي من "التنكيل" (160). قال ابن يونس: "تكلموا فيه". فقال الشيخ المعلمي: "لم يبين من المتكلم، ولا ما هو الكلام، وقد قال مسلمة بن قاسم: "ثقة"، والتوثيق مقدم على مثل هذا الجرح كما لا يخفى". اهـ. قال أبو أنس: علقت على هذه الترجمة في القسم الأول رقم (528) بقولي: مَسلمة بن قاسم ترجمه ابن الفرضي في "تاريخ علماء الأندلس" (2/ 130)، وقال: سمعت من ينسبه إلى الكذب، وسألت محمد بن أحمد بن يحيى القاضي عنه فقال لي: لم يكن كذابًا، ولكن كان ضعيف العقل. ¬

_ (¬1) لفظه في "تاريخ بغداد": "لم يكن من الحفاظ لعلله، والنقاد لطرقه مثل علي بن المديني ونحوه". (¬2) ووثقه الخطيب (2/ 183). (¬3) وروى عنه أبو حاتم وأبو زرعة، وأبو داود في غير "السنن"، وجماعة، كما في: "الجرح والتعديل" (7/ 229)، و"تهذيب الكمال" (26/ 78).

وزاد الذهبي في "تاريخ الإسلام" و"سير النبلاء"، وابن حجر في "اللسان" عن ابن الفرضي قوله: "حُفظ عليه كلام سوء في التشبيه". ونقل ابن حجر في "اللسان" عن أبي جعفر المالقي في "تاريخه" قوله: "فيه نظر". وقال الذهبي في "السير" (16/ 110): "لم يكن بثقة". وقال في "الميزان": "ضعيف". فمثل هذا ليس بعمدة أصلًا، ولا يُعتد بقوله في الجرح والتعديل، لاسيما إذا انفرد أو خالف. وقد قال الشيخ المعلمي نفسه في ترجمة: "محمد بن سعد العوفي" من "التنكيل" (205): "أما مَسلمة بن قاسم فقد جعل الله لكل شيء قدرًا، حَدُّه أن يُقبل منه توثيقُ مَنْ لم يجرحه مَنْ هو أجلُّ منه ونحو ذلك، فأما أن يُعَارضَ بقوله نصوصُ جمهور الأئمة فهذا لا يقوله عاقل". اهـ. وقول ابن يونس: "تكلموا فيه" ظاهره الجرح بلا شك، لكن إذا ثبت توثيق من قيل فيه هذا توثيقًا معتبرًا تطمئن النفس إليه، فيقال حينئذٍ: التوثيق مقدم، والجرح غير مفسَّر، فلعله تُكُلِّمَ فيه بكلام لا يضرُّ. أما إذا لم يُوثق توثيقًا يعتد به -كما في هذه الحالة- صار الجرحُ وإن كان غيرَ مفسَّرٍ، محلًا للاعتبار والقبول - والله تعالى أعلم". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن جعفر الأدمي (197): قال عنه محمد بن أبي الفوارس: كان قد خلط فيما حدث. فقال الشيخ المعلمي: "ذكروا أنه كان شاهدًا، فقد كان معدلا عند القضاة، لكن لم أر من وثقه، فأما التخليط فلم يُبين ما هو". اهـ.

• وفي ترجمة الحسن بن الفضل البوصرائي منه (79): قال ابن المنادي: أَكْثَرَ الناسُ عنه، ثم انكشفَ أمرُه، فتركوه، وخرقوا حديثه. فقال الشيخ المعلمي: "قد روى عن البوصرائي جماعةٌ من الأكابر، كابنِ صاعد والصفار، وكلامُ ابن المنادي غيرُ مُفَسَّرٍ، وقد كانوا ربما يغضبون على المحدث، ويخرقون حديثه لغير موجبٍ، كما مر في "الطليعة" (ص 49) (¬1)، وكما تراه في ترجمة محمد بن بشر الزنبري من "لسان الميزان" (¬2). اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن عمر بن محمد بن بهتة (225): قال الخطيب: "سألتُ البرقاني عن ابن بهتة، فقال: لا بأس به، إلا أنه كان يُذكر أن في مذهبه شيئا، ويقولون: هو طالبي. قلت للبرقاني: تعني بذلك أنه شيعي، قال نعم. أخبرنا أحمد بن محمد العتيقي، قال: سنة 274، فيها توفي أبو الحسن محمد بن عمر بهتة في رجب، وكان ثقة". فقال الشيخ المعلمي: "فقد ثبت التوثيق، ولم يثبت ما ينافيه". اهـ. ¬

_ (¬1) في المثال الرابع من النوع الثاني، وفيه قول خميس الحوزي في ابن السقاء: "من وجوه الواسطيين، وذوي الثروة والحفظ، وبارك الله في سنه وعلمه، واتفق أنه أملى حديث: الطير، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا به، وأقاموه، وغسلوا موضعه، فمضى، ولزم بيته". فقال الشيخ المعلمي: " ... هذه حماقة من العامة وجهل، لا يلحق ابن السقاء بها عيب ولا ذم ولا ما يشبه ذلك، وحديث: الطير مشهور، روي من طرق كثيرة، ولم ينكر أهل السنة مجيئه من طرق كثيرة، وإنما ينكرون صحته ... ". اهـ. (¬2) (5/ 93).

نماذج من رَدِّ الجرحِ المُفَسَّر، إذا قامت القرائن على ذلك: • في ترجمة: عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري من "التنكيل" (149): قال ابن الجوزي في ترجمة أبي الحسن التميمي عبد العزيز بن الحارث: "العكبري لم يكن من أهل الحديث والعبم، إنما كان يعرف شيئًا من الحديث ... وكان معتزليًا يقول: إن الكفار لا يخلدون في النار ... فمن كان اعتقاده يخالف إجماع المسلمن فهو خارج عن الإسلام، فكيف يُقبل جرحه؟. وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المُرْد ويُقَبِّلُهُم". وقال في ترجمة عبد الواحد من "المنتظم" (ج 8 ص 236): "كان مجودا في النحو، وكان له أخلاق شرسة، ولم يلبس سراويل قط، ولا قَبِلَ عطاءَ أحدٍ، وكان لا يُغطي رأسه. وذكر محمد بن عبد الملك: كان ابن برهان يميل إلى المُرْد الصباح، ويُقَبِّلُهُم من غير ريبة. وقوله: من غير ريبة، أقبح من التقبيل، لأن النظر إليهم ممنوع منه إذا كان بشهوة، فهل يكون التقبيل بغير شهوة". وفي "لسان الميزان" (4/ 82): "قال ابن ماكولا: كان فقيها حنفيا، قرأ اللغة، وأخذ الكلام من أبي الحسين البصري. قلت -ابن حجر-: وقد بالغ محمد بن عبد الملك الهمذاني في "تاريخه" فقال: كان يمشي مكشوف الرأس، وكان يميل إلى المردان من غير ريبة، ووقف مرة على مكتب عند خروجهم، فاستدعى واحدًا واحدًا فيقبله ويدعو له ويسبح الله، فرآه ابن الصباغ، فدَسَّ له واحدًا قبيح الوجه فأعرض عنه، وقال: يا أبا نصر، لو غيرك فعل بنا". وفي ترجمة عبد الواحد من "تاريخ بغداد" (11/ 17): "كان يُذكر أنه سمع من أبي عبد الله ابن بطة وغيره، إلا أنه لم يرو شيئًا، وكان مضطلعًا بعلوم كثيرة، منها: النحو، واللغة، ومعرفة النسب، والحفظ لأيام العرب، وأخبار المتقدمين، وله إنس شديد بعلم الحديث".

قال الشيخ المعلمي: "فقد كان ابن برهان على بدعته من أهل العلم والزهد والمنزلة بين العلماء، ومحمد بن عبد الملك الهمذاني لا أعرف ما حاله؟ وقد ذكر ابن حجر أنه بالغ. وقد تصرف ابن الجوزي في عبارة الهمذاني؛ ففي موضعٍ زاد فيها: "ويقبلهم"، وحذف: "من غير ريبة"، وفي موضع زاد: "الصباح فيقبلهم"، وإنما أخذ الصباحة والتقبيل من قصة المكتب. وقد كان ببغداد في ذاك العصر عددٌ كثيرٌ من مشاهير العلماء، ما منهم إلا من يُخالفُ عبدَ الواحد في العقيدة والمذهب أو أحدهما. وكان عبدُ الواحد على غاية الصيانة؛ ذكروا أنه: "لما ورد الوزيرُ عميدُ الدين إلى بغداد، استحضره، فأعجبه كلامه، فعرض عليه مالًا، فلم يقبله، فأعطاه مصحفًا بخَطِّ ابنِ البواب وعكازةً حُملت إليه من الروم مليحة، فأخذهما، فقال له أبو علي بن الوليد المتكلِّم: أنت تحفظ القرآن وبيدك عصا تتوكأ عليها، فلم تأخذ شيئًا فيه شبهة؟ فنهضَ ابنُ برهان في الحال إلى قاضي القضاة ابن الدامغاني، وقال له: لقد كدتُ أهلكُ، حهتى نبهني أبو علي بن الوليد، وهو أصغر سنًا مني، وأريد أن تعيد هذه العكازة والمصحف على عميد الدين فما يصحباني، فأخذهما وأعادهما عليه". أفما كان في ذاك الجمِّ الغفيرِ من أهل العلم مَنْ يُنكرُ على ابن برهان ما نَسبه ابنُ الجوزي إليه؟! وما كان فيهم من يَعيبه بذلك على الأقل؟ مع مخالفتهم له كما سلف، فما بالنا لا نعرف عنهم كلمة واحدة في ذلك إلا تلك الشاذة من ذاك الهمذاني؟ وليس المقصودُ رَدَّ كلمةِ الهمذاني، وإنما المقصودُ تجريدُها عما فيها من المبالغة التي أشار إليها ابن حجر.

فأقول: كانت المكاتب في ذاك العصر خاصةً بالأطفال، إنما هي لتعليم القراءة والكتابة، فأما ما زاد عن ذلك من العلم فكان محله الجوامع والمساجد ومجالس العلماء في بيوتهم والمدارس الكبيرة، فَمَرَّ -على ما يقول الهمذاني- ابنُ برهان مع جماعة من أهل العلم وغيرهم -فيهم الإمام أبو نصر ابن الصباغ الشافعي- بمكتبٍ من مكاتب الأطفال، فصادفَ وقتَ خروجهم، فأخذ ابنُ برهان يُقبلهم ويدعو لهم؛ تنشيطًا لهم، ورجاءَ أن يصيروا رجالًا صالحين، فمازحه ابنُ الصباغ بأن قَدَّمَ إليه واحدا منهم قبيحَ الصورة، فأعرض عنه ابنُ برهان، علمًا بأنه لا مجالَ هناك لأدنى ريبةٍ، ولو كان هناك مجالٌ لريبةٍ لكان الظاهرُ أن يُقبلَ ذاك القبيحَ كغيره. وأي عقلٍ يميزُ أن يكونَ فيما جرى شيءٌ من الريبة، ويقرُّه الحاضرون من أهل العلم وغيرهم، ويقتصر ابن الصباغ على تلك الملاطفة؟ فأما أهل بغداد المخالفون لابن برهان في العقيدة أو المذهب أو كليهما، فلم يروا فيما جرى ما يُسَوِّغُ أن يُعابَ به ابنُ برهان. وأما ذلك الهمذاني فدعته نفرته عن ابن برهان -لمخالفته في العقيدة والمذهب- إلى أن عَبَّرَ بقوله: "يميل إلى المردان"، فنازعه واعظُ الله تعالى في قلبه، فدافعه بقوله: "من غير ريبة"، وذكروا قصة المكتب، فجاء ابنُ الجوزي فصنع ما تقدم، ولا أدري ما صنع سبطه، فإنه كثير التصرف في مثل هذا، فوقع التزيد في الحكاية كما تراه في "بغية الوعاة" وغيرها. أما العقيدة فذكروا أن ابن برهان كان معتزليًا، ولا أدري ما الذي كان يوافق فيه المعتزلة، فأما قوله بأن الكفار لا يخلدون في العذاب، فهي مسألة مشهورة، ولو رأى علماء بغداد أن قول ابن برهان فيها مخُرجٌ عن الإسلام، لَسَعَوْا في إقامة الحَدِّ عليه، فما بالُهم أعرضوا عن ذلك، وكانوا يُجِلُّون ابنَ برهان ويحترمونه؟

نعم، ابنُ برهان لم يوثقه أحدٌ فيما نعلم، ومن المحتمل أنه كان يَهِمُ فيما يرويه من الحكايات أو يبني على الظن، فَحَقُّه أن لا تقومَ الحجة بما ينفرد به، ولكنه يُذكر في المتابعات والشواهد كما صنع الخطيب. والله الموفق". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن أحمد بن محمد بن جعفر الأدمي منه (188): قال الكوثري ص 127: ترى البرقاني يَصُفُّ نفسَه في صَفِّ هؤلاء، فيروي عن مثل الأدمي ... راوي "العلل" للساجي، وهو لم يكن صدوقا، يُسمع لنفسه في كتب لم يسمعها (¬1)، وكان بذيء اللسان .... فقال الشيخ المعلمي: "لفظ الخطيب في ترجمة الأدمي (1/ 349): قال لي أبو طاهر حمزة بن محمد بن طاهر الدقاق: لم يكن الأدمي هذا صدوقا في الحديث، كان يُسمع لنفسه في كتبٍ لم يسمعْها. فسألت البرقاني عن الأدمي فقال لي: ما علمت إلا خيرا، وكان شيخًا قديما .... غير أنه كان يُطلق لسانه في الناس، ويتكلم في ابن مظفر والدارقطني". فعدمُ التفاتِ البرقاني إلى كلام حمزة يدل على أنه لم يَعْتَدَّ به، لأن حمزة لم يُبين أيَّ كتابٍ أَلْحَقَ الأدمي سماعه فيه ولم يسمعه، ومن أين علم حمزة أنه لم يسمعه؟ وقول البرقاني: غير أنه كان يطلق لسانه ... ، فإنه قصد بها أن الأدمي كان يتكلم في الناس، فتكلم بعضهم فيه، ومثل هذا يقع فيه التجوز والتسامح، فلا يُعتد به إلا مفسرا محققا مثبتا. ... وقد كان يكفي الأستاذ أن يقول: شيخ الساجي لا يدرى من هو. ولكنه يأبى إلا التطويل والتهويل". اهـ. ¬

_ (¬1) هذا كلام مفسر، إلا أنه يحتاج إلى أن يقيم عليه برهانا؛ لقيام القرائن على عدم الاعتداد به، كما سيأتي.

موقف الشيخ المعلمي من تعارض الجرح والتعديل، وطريقته في التعامل مع الرواة المختلف فيهم: • في ترجمة الحارث بن عمير البصري من "التنكيل" (68): قال الكوثري ص 36: مختلف فيه، والجرح مقدم، قال الذهبي "الميزان": وما أُراه إلا بَيِّنَ الضعف، فإن ابن حبان قال في "الضعفاء": روى عن الأثبات الموضوعات. وقال الحاكم: روى عن حميد وجعفر الصادق أحاديث موضوعة. وفي "تهذيب التهذيب": قال الأزدي: "منكر الحديث". ونقل ابن الجوزي عن ابن خزيمة أنه قال: "الحارث بن عمير كذاب". فقال الشيخ المعلمي: "الحارث بن عمير وَثَّقَهُ أهلُ عصره والكبار. قال أبو حاتم عن سليمان بن حرب: "كان حماد بن زيد يُقَدِّمُ الحارثَ بن عُمير ويُثني عليه"، زاد غيره: "ونظر إليه مرة فقال: هذا من ثقات أصحاب أَيوب". وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي، وقد قال الأثرم عن أحمد: "إذا حدث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة". وقال ابن معين، والعجلي، وأبو حاتم، وأبو زرعة، والنسائي، والدارقطني: "ثقة"، زاد أبو زرعة: "رجل صالح". وفي "اللآلي المصنوعة" (ص 118 - 119) عن الحافظ ابن حجر في ذكر الحارث: "استشهد به البخاري في "صحيحه" وروى عنه من الأئمة: عبد الرحمن بن مهدي، وسفيان بن عيينة، واحتج به أصحاب السنن". وفيها بعد ذلك: "قال الحافظ ابن حجر في "أماليه": " ... أثنى عليه حماد بن زيد ... وأخرج له البخاري تعليقًا ... ".

ولم يتكلم فيه أحدٌ من المتقدمين، والعدالةُ تثبتُ بأقلِّ من هذا، ومن ثَبتتْ عدالتُه لم يُقبل فيه الجرحُ إلا بِحُجَّةٍ وبَيِّنَةٍ واضحةٍ، كما سلف في القواعد. فلننظر في المتكلمين فيه وكلامهم: أما الأزدي: فقد تكلموا فيه، حتى اتهموه بالوضع (¬1)، ... على أن الأزدي استند إلى ما استند إليه ابن حبان، وسيأتي ما فيه. وأما ابن خزيمة فلا تثبت تلك الكلمة عنه بحكاية ابن الجوزي المُعْضلة، ولا نَعلمُ ابنَ الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند، ولو التزم لكان في صحة الاعتماد على نقله نظر؛ لأنه كثير الأوهام، ... (¬2). وأما الحاكم، فأحسبه تبعَ ابن حبان، فإن ابن حبان ذكر الحارث في "الضعفاء"، وذكر ما أنكره من حديثه. والذي يُستنكرُ من حديثِ الحارث حديثان: الأول: رواه محمد بن زنبور المكي عن الحارث عن حميد. والثاني: رواه ابنُ زنبور أيضًا عن الحارث عن جعفر بن محمد، فاستنكرها ابن حبان، وكان عنده أن ابن زنبور ثقة، فجعلَ الحَمْلَ على الحارث، وخالفه آخرون فجعلوا الحَمْلَ على ابن زنبور. قال مَسْلمة في ابن زنبور: "تُكلم فيه؛ لأنه روى عن الحارث بن عمير مناكير، لا أُصولَ لها، وهو ثقة". وقال الحاكم أبو أحمد في ابن زنبور: "ليس بالمتين عندهم، تركه محمد بن إسحاق ابن خزيمة"، وهذا مما يدل على وهم ابن الجوزي. ¬

_ (¬1) انظر ترجمة الأزدي في القسم الثاني من هذا الكتاب. (¬2) انظر ترجمة ابن الجوزي أيضًا في القسم الثاني.

وساق الخطيب في "الموضح" فصلًا في ابن زنبور، فذكر أن الرواة عنه غَيَّرُوا اسمَه على سبعة أوجهٍ، وهذا يُشعر بأن الناس كانوا يستضعفونه، لذلك كان الرواة عنه يدلسونه. وقال ابن حجر في ترجمة الحارث من "التهذيب": "قال ابن حبان: كان ممن يروي عن الأثبات الأشياء الموضوعات، وساق له عن جعفر بن محمد ... " فذكر الحديث الثاني، وقول ابن حبان: "هذ موضوع، لا أصل له"، ثم ساقه ابنُ حجر بسنده إلى محمد بن أبي أبي الأزهر هو عن الحارث، وكذلك ذكره السيوطي في "اللآلي المصنوعة" (1/ 118)، وابن أبي الأزهر هو ابن زنبور، وأسند الخطيب في "الموضح" هذا الحديث في ترجمة ابن زنبور. ثم قال ابن حجر: "والذي يظهر لي أن العلة فيه ممن دون الحارث" يعني من ابن زنبور، وخالفهم جميعًا النسائي، فوثَّقَ الحارثَ، ووثَّقَ ابنَ زنبور أيضًا، وقال مرة: "ليس به بأس". قال المعلمي: "لو كان لا بد من جرح أحد الرجلين، لكان ابنُ زنبور أحقَّ بالجرح؛ لأن عدالةَ الحارث أثبتُ جدًّا وأقدم، ولكن التحقيق ما اقتضاه صنيع النسائي من توثيق الرجلين، ويُحمل الإنكار في بعض حديث ابن زنبور عن الحارث على خطأ ابن زنبور، وقد قال فيه ابن حبان نفسه في "الثقات": "ربما أخطأ". والظاهر أنه كان صغيرًا عند سماعه من الحارث، كما يُعلم من تَأمُّلِ ترجمتهما، وقد تقدم في ترجمة جرير بن عبد الحميد أنه اختلط عليه حديث أشعث بحديث عاصم الأحول، فكأنه اختلط على ابن زنبور بما سمعه من الحارث أحاديث سمعها من بعض الضعفاء، ولم ينتبه لذلك، كما تنبه جرير، فكأن ابن زنبور في أوائل طلبه كتب أحاديثَ عن الحارث، ثم سمع من رجلٍ آخر أحاديثَ كتبها في تلك الورقة، ولم

يُسَمِّ الشيخَ، ثقةً بأنه لن يلتبس عليه، ثم غفل عن ذاك الكتاب مدةً، ثم نظر فيه فظن أن تلك الأحاديث كلها مما سمعه من الحارث. وقد وَثَّقَ الأئمةُ جماعةً من الرواة، ومع ذلك ضعفوهم فيما يروونه عن شيوخٍ معينين، منهم: عبد الكريم الجزري فيما يرويه عن عطاء، ومنهم: عثمان بن غياث، وعمرو بن أبي عمرو، وداود بن الحصين فيما يروونه عن عكرمة، ومنهم: عمرو بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد، ومنهم: هشيم فيما يرويه عن الزهري، ومنهم: ورقاء فيما يرويه عن منصور بن المعتمر، ومنهم: الوليد بن مسلم فيما يرويه عن مالك. فهكذا ينبغي مع توثيق ابن زنبور تضعيفه فيما يرويه عن الحارث بن عمير. فإن قيل: فأين أنت عما في "الميزان": "ابن حبان ثنا الحسن بن سفيان ثنا محمود بن غيلان أنبأنا أبو أسامة ثنا الحارث بن عمير، عن أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس. قال العباس: لأعلمنَّ ما بقاءُ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- فينا، فأتاه، فقال: يا رسول الله، لو اتخذنا لك مكانًا تكلم الناس منه، قال: بل أصبر عليهم، ينازعوني ردائي، ويطأون عقبي، ويصيبني غبارهم، حتى يكون الله هو يريحني منهم". رواه حماد بن زيد عن أيوب، فأرسله، أو أن ابن عباس قاله - شك". فهذا الحديث لا شأن لابن زنبور فيه، وليس في سنده من يتجه الحمل عليه غير الحارث. قلت: ليس في هذا الحديث ما يُنكر، وقد رواه حماد بن زيد، غير أنه شك في إسناده، وقد قال يعقوب بن شيبة: "حماد بن زيد أثبت من ابن سلمة، وكُلٌّ ثقةٌ، غير أن ابن زيد معروفٌ بأنه يقصر في الأسانيد ويوقف المرفوع، كثيرُ الشك بتوقيه، وكان جليلًا، لم يكن له كتاب يرجع إليه، فكان أحيانًا يذكر فيرفع الحديث، وأحيانًا يهاب الحديث ولا يرفعه"، فأي مانع من أن يكون هذا مما قصر فيه حماد، حفظه الحارث، وقد كان حماد نفسه يثني على الحارث ويقدمه كما مَرَّ.

فإن شدد مشدد، فغاية الأمر أن يكون الخطأ في وصله، وهل الخطأ من الحارث أو ممن بعده؟ وعلى فرض أنه من الحارث، فليس ذلك مما يوجب الجرح، ومثل هذا الخطأ وأظهر منه قد يقع للأكابر كمالك والثوري، والحُكم المجمع عليه في ذلك أن مَن وقع منه ذلك قليلًا لم يضره، بل يحتج به مطلقًا، إلا فيما قامت الحجة على أنه أخطأ فيه، فالحارث بن عمير ثقة حتمًا، والحمد لله رب العالمين". اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص: 297): حديث: "إن فاتحة الكتاب وآية الكرسيّ، والآيتين من آل عمران {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ} و {قُلِ اللهم مَالِكَ الْمُلْكِ} -الآيتين، معلقات بالعرش، وما بينهن وبين الله حجاب- إلخ. قال الشوكاني: رواه الديلمي عن عليّ -رضي الله عنه- مرفوعًا. وفي إسناده الحارث بن عمير. قال ابن حبان: تفرد به، وكان يروي الموضوعات عن الأثبات. وتعقبه العراقي: بأنه قد وثقه حماد بن زيد، وأبو زرعة، وأبو حاتم، وابن معين، والنسائي، واستشهد به البخاري في صحيحه، واحتج به أهل السنن. وفي إسناده أيضًا: محمد بن زنبور، وهو مختلف فيه، وفي سند الحديث انقطاع كما أشار إليه ابن حجر، وفي المتن نكارة شديدة. وقد صرح بأنه موضوع: ابنُ حبان، وابنُ الجوزي، وليس ذلك ببعيدٍ عندي، وإن خالفهما الحافظان العراقي وابن حجر. انتهى كلام الشوكاني. فقال الشيخ المعلمي: "فيما يرويه ابن زنبور عن الحارث مناكير، منها هذا، فَمِنَ الحُفَّاظ من حَمل على ابن زنبور؛ لأن الحارث وثقه الأكابر، وحديثه الذي يرويه غير ابن زنبور مستقيم، سوى حديثٍ واحدٍ خُولف في رفعه، ومثل هذا لا يضره.

ومن المتأخرين مَنْ حمل على الحارث؛ لأنهم وجدوا حديثَ ابن زنبور عن غيره مستقيمًا. ووثَّقَ النسائيُّ الرجلين، والتحقيق معه؛ فهما ثقتان، لكن ما رواه ابن زنبور عن الحارث فضعيف، وفيه المنكرات، ولهذا نظائر عندهم في تضعيف رواية رجل عن شيخٍ خاص، مع توثيق كل منهما في نفسه. وكأن ابن زنبور لم يضبط ما سمعه من الحارث، لأنه كان صغيرًا أو نحو ذلك، فاختلطت عليه أحاديثه بأحاديث غيره. فالحق مع النسائي، ثم العراقي، وابن حجر في توثيق الرجلين، والحق مع الحاكم وابن حبان وابن الجوزي في استنكار هذا الحديث والله أعلم .. اهـ. • وفي ترجمة: عبد الملك بن محمد أبي قلابة الرقاشي من "التنكيل" (147): قال الكوثري: أبو قلابة الرقاشي كثير الخطأ في الأسانيد والمتون على ما نقله الخطيب عن الدارقطني. فقال الشيخ المعلمي: "قال الدارقطني: لا يُحتج بما تفرد به، بلغني (¬1) عن شيخنا أبي القاسم ابن بنت منيع (هو عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي تقدمت ترجمته) أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشرةُ أجزاءٍ، ما منها حديثٌ مُسَلَّم، إما في الإسناد وإما في المتن، كان يحدث من حفظه، فكثرت الأوهام فيه (¬2). ¬

_ (¬1) فات المعلمي التنبيه على هذا الانقطاع، فلا يُدْرَى من الذي بلَّغَ الدارقطني؟. (¬2) علقت على هذا الموضع في ترجمة أبي قلابة من القسم الأول (473) بقولي: "قال الخطيب في "تاريخ بغداد" (10/ 425): "وقال الدارقطني: هو صدوق، كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، كان يحدث من حفظه، فكثرت الأوهام منه". هكذا نقله الخطيب عن الدارقطني بلا واسطة وفي سؤلات الحاكم للدارقطني رقم (150): قال الدارقطني: "قيل لنا: إنه كان مجاب الدعوة، صدوق، كثير الخطأ في الأسانيد والمتون، لا يحتج بما ينفرد به، بلغني عن شيخنا أبي القاسم بن منيع أنه قال: عندي عن أبي قلابة عشرة أجزاء ... ".

ولا حاجة بنا ولله الحمد إلى مضايقة الأستاذ -الكوثري- بأن نقول: أنت لا تثق بالبغوي فليس لك أن تعول عليه هنا، بل نقول: قال ابن جرير: "ما رأيت أحفظ منه"، وقال مَسْلمة بن قاسم عن ابن الأعرابي: " ... ما رأيت أحفظ منه، وكان من الثقات ... "، قال مَسْلمة: "وكان راويةً للحديث، متقنًا ثقة ... " وقال أبو داود: "رجل صدق أمين مأمون كتبت عنه بالبصرة"، وقال ابن خزيمة: "ثنا أبو قلابة بالبصرة قبل أن يختلط ويخرج إلى بغداد". فاتضح أن أبا قلابة كان ثقة متقنا، إلا أنه تغير بعد أن تحول إلى بغداد، وفيها سمع منه البغوي ... ". اهـ. • وفي "الفوائد" (ص 30): قال أحمد: "أحاديث محمد بن القاسم (¬1) موضوعة، ليس بشيء، رَمَيْنَا بحديثه". فقال السيوطي في اللآليء: "وقد وثقه ابن معين". فقال الشيخ المعلمي: تعالى: "ثبت تكذيبه من أوجهٍ عن أحمد، وتابعه البخاري وغيره، وكذبه أيضًا أبو داود وغيره. وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: "ثقة، وقد كتبت عنه". ¬

_ = فالذي جزم به الخطيب -ولم يسنده- هو نحو ما قال فيه الدارقطني: قيل لنا، وما قال فيه أيضًا: بلغني عن البغوي. وبمقتضى قواعد النقد، فإن في نسبة هذا القول للدارقطني -كما جزم به الخطيب- ونسبته للبغوي -كما حكاه الدارقطني- نظرا؛ لأننا لا ندري من القائل للدارقطني، ولا المبلغ له عن البغوي. وقد حمل عن أبي قلابة الأئمة: أبو داود، والطبري، وابن خزيمة، وغيرهم، وأثنوا على حفظه، ولم يذكروا له شيئا من هذه الأوهام، فإن كان شيء من هذا فهو مما حدث به أبو قلابة بعد تحوله إلى بغداد كما حققه الشيخ المعلمي رحمه الله، والله تعالى أعلم. (¬1) هو أبو القاسم الأسدي الكوفي الشامي الأصل لقبه: "كاو".

وعادة ابن معين في الرواة الذين أدركهم أنه إذا أعجبته هيئة الشيخ يسمع منه جملة من أحاديثه، فإذا رأى أحاديث مستقيمة ظن أن ذلك شأنه فوثقه، وقد كانوا يتقونه ويخافونه. فقد يكون أحدُهم ممن يخلط عمدًا، ولكنه استقبل ابنَ معين بأحاديث مستقيمة، ولما بَعُدَ عنه خَلَّطَ، فإذا وجدنا مِمَّن أدركه ابنُ معين من الرواة مَنْ وثقه ابنُ معين وكذبه الأكثرون أو طعنوا فيه طعنًا شديدًا، فالظاهر أنه من هذا الضرب، فإنما يزيده توثيقُ ابن معين وَهَنا؛ لدلالته على أنه كان يتعمد". اهـ. • وفي ترجمة: عنبسة بن خالد من "التنكيل" (176): "في كتاب ابن أبي حاتم (3/ 402): "سألت أبي عن عنبسة بن خالد، فقال: كان على خراج مصر، وكان يعلق النساء بثديهن". وقال ابن القطان: كفى بهذا في تجريحه، وكان أحمد يقول: ما لنا ولعنبسة ... هل روى عنه غير أحمد بن صالح؟ وقال يحيى بن بكير: إنما يحدث عن عنبسة مجنون أحمق، لم يكن بموضع للكتابة عنه". فقال الشيخ المعلمي: "أبو حاتم ولد سنة 195، وأول طلبه الحديث سنة 209، وإنما دخل مصر بعد ذلك بمدة، فلم يدرك عنبسة، ولا ولايته الخراج؛ لأن عنبسة توفي سنة 198، ولا يُدْرَى مَنْ أخبر أبا حاتم بذلك؟ فلا يثبت ذلك، ولا ما يترتب عليه من الجرح (¬1). ¬

_ (¬1) لكن قال البرذعي: سمعت أبا زرعة يقول: سمعت يحيى بن عبد الله بن بكير يقول: "كان عنبسة الذي يروي عن يونس يُقيم الناسَ في الشمسِ وَيصبُّ عليهم الزيت في أداء الخراج". (أبو زرعة الرازي ص 341 - 342). وقال أبو زرعة: "كنا نعتبر به" راجع كتاب "علل الحديث" لابن أبي حاتم، رقم (1383).

وقال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن مسلم (ابن وارة) يقول: روى ابن وهب عن عنبسة بن خالد. قلت لمحمد بن مسلم: فعنبسة بن خالد أحب إليك أو وهب الله بن راشد؟ فقال: سبحان الله، ومن يقرن عنبسة إلى وهب الله؟ ما سمعت بوهب الله إلا الآن منكم. فقد روى عن عنبسة: أحمد بن صالح على إتقاف وعبد الله بن وهب على جلالته وتقدمه، وكل منهما أعقل وأفضل من مائة مثل يحيى بن بكير، وروى عنه محمد بن مهدي الإخميمي وغيرهم كما في "التهذيب". فأما الإمام أحمد، فكأنه سمع بأن عنبسة كان يجبي الخراج، فكرهه لذلك، وليس في ذلك ما يثبت به الجرح، وقد ذكره ابن حبان في "الثقات"، وأخرج له البخاري في "الصحيح" مقرونًا بغيره (¬1)، وأخرج له أبو داود في "السنن" ... فعنبسة يروي عنه ابن وهب، ويصدقه أحمد بن صالح، ويثني عليه ابن وارة، ويثبته أبو داود، ويستشهد به البخاري، ويوثقه ابن حبان". اهـ. • وفي "التنكيل" (2/ 15): قال ابن التركماني -في: المغيرة بن سقلاب الحراني أبي بشر قاضي حران-: "ضعفه ابن عدي، وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه أنه صالح (¬2)، وعن أبي زرعة: جزري لا بأس به". فقال الشيخ المعلمي: "الراوي الذي يطعن فيه محدثو بلده طعنًا شديدًا، لا يزيده ثناءُ بعض الغرباء عليه إلا وهنًا؛ لأن ذلك يُشْعر بأنه كان يتعمد التخليس فتزيَّنَ لبعض الغرباء، ¬

_ (¬1) قال الحافظ ابن حجر في "مقدمة فتح الباري" (ص 433): "له عند البخاري أربعة أحاديث، قرنه فيها بعبد الله بن وهب عن يونس". اهـ. (¬2) في الجرح (8 / ت 1004): "صالح الحديث".

واستقبله بأحاديث مستقيمة، فظن أن ذلك شانه مطلقًا فأثنى عليه، وعرف أهلُ بلده حقيقةَ حاله. وهذه حالُ المغيرة هذا، فإنه جزري، أسقطه محدثو الجزيرة، فقال أبو جعفر النفيلي: "لم يكن مؤتمنًا". وقال علي بن ميمون الرقي: "كان لا يسوي بَعْرة". وأبو حاتم وأبو زرعة رازيان، كأنهما لقياه في رحلتهما، فسمعا منه، فتزيَّن لهما كما تقدم، فأحسنا به الظن. وقد ضَعَّفَهُ ممن جاء بعد ذلك: الدارقطني، وابنُ عدي؛ لأنهما اعتبرا أحاديثه ... وهو تالف على كل حال". اهـ. * * *

القاعدة الرابعة قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك

القاعدة الرابعة قدح الساخط ومدح المحب ونحو ذلك قال الشيخ المعلمي: "كلامُ العالم في غيره على وجهين: الأول: ما يخرجُ مَخْرَجَ الذم بدون قصد الحُكْم، وفي "صحيح مسلم" وغيره من حديث أبي هريرة: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اللهم إنما محمد بشرٌ يغضب كما يغضب البشر، وإني قد اتخذت عندك عهدًا لم تُخْلِفْنِيه، فأيما مؤمن آذيتُه أو سببتُه أو جلدتُه، فاجعلها له كفارةً وقربةً تقربه بها إليك يوم القيامة". وفي رواية "فأي المسلمين آذيتُه، شتمتُه، لعنتُه، جلدتُه، فاجعلها له صلاة ... ". وفيه نحوه من حديث عائشة، ومن حديث جابر، وجاء في هذا الباب عن غير هؤلاء، وحديثُ أبي هريرة في صحيح البخاري مختصرًا. ولم يكن -صلى الله عليه وسلم- سبَّابا، ولا شتَّاما، ولا لعانا، ولا كان الغضب يُخرجه عن الحق، وإنما كان كما نعته ربه عز وجل بقوله {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}، وقوله تعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}، وقوله عز وجل: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَاعَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. وإنما كان يرى من بعض الناس ما يضرهم في دينهم، أو يُخِلُّ بالمصلحة العامة، أو مصلحةِ صاحبِه نفسِه، فيكره -صلى الله عليه وسلم- ذلك، وينكره، فيقول: "ما له تَربت يمينُه"، ونحو ذلك مما يكون المقصود به إظهار كراهية ما وقع من المدعو عليه، وشدة الإنكار لذلك، وكأنه -والله أعلم- أطلق على ذلك سبًّا وشتما على سبيل التجوز، بجامع الإيذاء، فأما اللعن فلعله وقع الدعاء به نادرًا عند شدة الإنكار.

ومن الحكمة في ذلك إعلامُ الناس أن ما يقع منه -صلى الله عليه وسلم- عند الإنكار كثيرا ما يكون على وجه إظهار الإنكار والتأديب، لا على وجه الحُكم، وفي مجموع الأمرين حكمةٌ أخرى، وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد عَلم من طباع أكثر الناس أن أحدَهم إذا غضب جرى على لسانه من السَّبِّ والشَّتْمِ واللعن والطعن ما لو سُئل عنه بعد سكون غضبه لقال: لم أقصد ذلك، ولكن سبقني لساني، أو لم أقصد حقيقته، ولكني غضبت، فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ينبه أمته على هذا الأصل؛ ليستقر في أذهانهم، فلا يحملوا ما يصدر عن الناس من ذلك حالَ الغضب على ظاهره جزما. وكان حذيفةُ ربَّما يذكرُ بعضَ ما اتَّفَقَ من كلماتِ النبي -صلى الله عليه وسلم- عند غضبِه، فأنكرَ سلمانُ الفارسي ذلك على حذيفة -رضي الله عنهما-، وذكر هذا الحديث. وسُئل بعضُ الصحابة وهو أبو الطفيل عامر بن واثلة عن شيء من ذلك، فأراد أن يخبر، وكانت امرأته تسمع، فذكرته بهذا الحديث، فَكَفَّ. فكذلك ينبغي لأهل العلم أن لا ينقلوا كلماتِ العلماء عند الغضب، وأن يراعوا فيما نُقل منها هذا الأصل. بل قد يقال: لو فُرض أن العالم قَصد عند غضبه الحُكْمَ، لكان ينبغي أن لا يُعتدَّ بذلك حُكما؛ ففي "الصحيحين" وغيرهما عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لا يَقضينَّ حَكَمٌ بين اثنين وهو غضبان" لفظ البخاري. والحُكْمُ في العلماء والرواة يحتاجُ إلى نَظرٍ وتدبرٍ وتثبتٍ أشد مما يَحتاج إليه الحُكم في كثير من الخصومات، فقد تكون الخصومةُ في عشرة دراهم، فلا يُخشى من الحُكم فيها عند الغضب إلا تفويت عشرة دراهم، فأما الحُكم على العالم والراوي فيُخْشى منه تفويتُ علمٍ كثيرٍ وأحاديث كثيرة، ولو لم يكن إلا حديثا واحدا، لكان عظيمًا.

ومما يخرج مَخرجَ الذمِّ، لا مخَرج الحُكم: ما يُقصد به الموعظةُ والنصيحةُ، وذلك كأنْ يبلغَ العالمَ عن صاحبه ما يكرهُه له، فيذمُّه في وجهه أو بحضرة من يبلغه، رجاءَ أن يَكُفَّ عما كرهه له، وربما يأتي بعبارةٍ ليست بكذب، ولكنها خشنة موحشة، يقصد الإبلاغَ في النصيحة ككلمات الثوري في الحسن بن صالح بن حي. وربما يكون الأمرُ الذي أنكره أمرا لا بأس به، بل قد يكون خيرا، ولكن يخشى أن يَجُرَّ إلى ما يكره؛ كالدخول على السلطان، وولاية أموال اليتامى، وولاية القضاء، والإكثار من الفتوى. وقد يكون أمرا مذموما، وصاحبُه معذور، ولكنَّ الناصحَ يُحِبُّ لصاحبه أن يعاودَ النظرَ، أو يحتالَ، أو يُخفيَ ذاك الأمر. وقد يكونُ المقصودُ نصيحةَ الناس؛ لئلا يَقعوا في ذلك الأمر؛ إذ قد يكون لمن وقع منه أو، عذرٌ، ولكن يُخشى أن يتبعه الناس فيه غير معذورين، ومن هذا كلماتُ التنفير التي تقدمت الإشارة إليها في الفصل الثاني. وقد يَتسمَّحُ العالمُ فيما يحكيه على غير جهة الحُكم، فيستندُ إلى ما لو أراد الحُكم لم يستند إليه، كحكايةٍ منقطعةٍ، وخبرِ مَنْ لا يَعُدُّ خبرَه حُجَّةً، وقرينةٍ لا تكفي لبناء الحكم، ونحو ذلك. وقد جاء عن إياس بن معاوية التابعي المشهور بالعقل والذكاء والفضل أنه قال: "لا تنظر إلى عملِ العالم، ولكنْ سَلْهُ يصدقْك". وكلامُ العالم إذا لم يكن بقصد الرواية أو الفتوى أو الحكم: داخلٌ في جملة عملِه الذي ينبغي أن لا يُنظرَ إليه، وليس معنى ذلك أنه قد يَعملُ ما ينافي العدالة، ولكن قد يكونُ له عذرٌ خفي، وقد يترخَّص فيما لا ينافي العدالة، وقد لا يتحفظ ويتثبت كما يتحفظ ويتئبت في الرواية والفتوى والحكم.

هذا، والعارفُ المتثبتُ المتحري للحق لا يخفى عليه إن شاء الله تعالى ما حَقُّهُ أن يُعد من هذا الضرب، مما حَقُّهُ أن يُعد من الضرب الآتي، وأن ما كان من هذا الضرب فحقه أن لا يعتد به على المتكلَّم فيه ولا على المتكلِّم. والله الموفق. الوجه الثاني: ما يَصْدُرُ على وجهِ الحكم، فهذا إنما يُخشى فيه الخطأُ، وأئمةُ الحديثِ عارفون، متبحرون، متيقظون، يَتَحَرَّزُون من الخطأ جهدَهم، لكنهم متفاوتون في ذلك. ومهما بلغ الحاكمُ من التحري، فإنه لا يبلغُ أن تكون أحكامُه كلُّها مطابقةً لما في نفس الأمر؛ فقد تسمع رجلًا يخبر بخبر، ثم تمضي مدةً، فترى أن الذي سمعتَ منه هو فلان، وأنَّ الخبرَ الذي سمعتَه منه هو كيت وكيت، وأن معناه كذا، وأن ذاك المعنى باطلٌ، وأن المُخبر تعمَّد الإخبار بالباطل، وأنه لم يكن له عذرٌ، وأن مثل ذلك يوجب الجرح. فمن المحتمل أن يشتبهَ عليك رجلٌ بآخرَ، فترى أن المُخبرَ فلان، وإنما هو غيره، وأن يشتبهَ عليك خبرٌ بآخرَ، إنما سمعتَ من فلانٍ خبرا آخر، فأما هذا الخبرُ فإنما سمعتَه من غيره، وأن تخطيء في فهم المعنى، أو في ظَنِّ أنه باطل، أو أن المُخبر تعمَّد، أو أنه لم يكن له عذرٌ، أو أن مثل ذلك يوجب الجرح، إلى غير ذلك. وغالبُ الأحكام إنما تُبنى على غلبة الظن، والظن قد يُخطىء، والظنون تتفاوت، فمن الظنون المعتد بها ما له ضابط شرعي؛ كخبرِ الثقة، ومنها ما ضابطُه أن تطمئن إليه نفسُ العارف المتوقي المتثبت، بحيث يجزم بالإخبار بمقتضاه، طَيِّبَ النفسِ، مُنشرحَ الصدر. فمن الناس من يغتر بالظن الضعيف، فيجزمُ، وهذا هو الذي يطعن أئمة الحديث في حفظه وضبطه، فيقولون: "يحدث على التوهم"، "كثير الوهم"، "كثير الخطأ"، "يهم"، "يخطىء".

ومنهم المعتدلُ، ومنهم البالغُ التثبتُ؛ كان في اليمن في قضاء الحجرية قاضٍ، كان يجتمعُ إليه أهلُ العلمِ، ويتذاكرون، وكنتُ أحضرُ مع أخي، فلاحظت أن ذلك القاضي مع أنه أعلم الجماعة فيما أرى لا يكاد يجزم في مسألة، وإنما يقول: "في حفظي كذا، في ذهني كذا"، ونحو ذلك، فعلمتُ أنه ألزمَ نفسَهُ تلك العادة، حتى فيما يجزم به، حتى إذا اتَّفَقَ أن أخطأ كان عذرُه بغاية الوضوح. وفي ثقاتِ المحدثين مَنْ هو أبلغُ تحريًا من هذا، ولكنهم يعلمون أن الحجة إنما تقوم بالجزم، فكانوا يجزمون فيما لا يرون للشك فيه مدخلًا، ويقفون عن الجزم لأدنى احتمال. رُوي أن شعبةَ سألَ أيوب السختياني عن حديثٍ، فقال: أَشَكُّ فيه، فقال شعبة: شَكُّكَ أحبُّ إليَّ من يقين غيرك. وقال النضر بن شميل عن شعبة: لأن أسمع من ابن عون حديثًا يقول فيه: "أظن أني سمعتُه" أحبُّ إليَّ من أن أسمع من ثقةٍ غيره يقول: "قد سمعتُ". وعن شعبة قال: "شَكُّ ابنِ عونٍ وسليمانِ التيمي يقينٌ". وذَكر يعقوبُ بنُ سفيان حمادَ بن زيد، فقال: "معروفٌ بأنه يُقصر في الأسانيد، ويُوقف المرفوع، كثيرُ الشَّكِّ بتوقِّيه، وكان جليلًا، لم يكن له كتابٌ يُرجع إليه، فكان أحيانًا يذكر فيرفع الحديث، وأحيانًا يهاب الحديث ولا يرفعه". وبالغَ أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب، فكان إذا سُئل عن شيء لا يجيب حتى يرجع إلى الكتاب. قال أبو طاهر السلفي: سألت أبا الغنائم النرسي عن الخطيب، فقال: "جبل لا يُسألُ عن مثله، ما رأينا مثل وما سألتُه عن شيء فأجاب في الحال إلا يرجع كتابه".

وإذا سبقَ إلى نَفْسِ الإنسان أمرٌ -وإن كان ضعيفًا عنده- ثم اطَّلَعَ على ما يحتملُ موافقةَ ذلك السابقِ، ويحتملُ خلافَهُ، فإنه يترجحُ في نفسه ما يوافقَ السابقَ، وقد يَقْوَى ذلك في النفس جدًّا وإن كان ضعيفًا. وهكذا إذا كانت نفسُ الإنسانِ تَهْوَى أمرًا، فاطَّلَعَ على ما يحتملُ ما يوافقه وما يخالفه، فإن نفسه تميل إلى ما يوافق هواها. والعقلُ كثيرًا ما يحتاج عند النظر في المحتملات والمتعارضات إلى استفتاء النفس لمعرفة الراجح عندها، وربما يشتبه على الإنسان ما تقضي به نفسه بما يقضي به عقله، فالنفس بمنزلة المحامي عندما تميل إليه، ثم قد تكون هي الشاهد وهي الحاكم. والعالِم إذا سخط على صاحبه، فإنما يكون سخطه لأمرٍ ينكره، فيسبق إلى النفس ذاك الإنكار، وتَهوى ما يناسبه، ثم تتبع ما يشاكله، وتميل عند الاحتمال والتعارض إلى ما يوافقه، فلا يُؤْمَنُ أن يَقوى عند العالم جرحُ مَنْ هو ساخطٌ عليه لأمرٍ -لولا السخط- لَعَلِمَ أنه لا يُوجبُ الجرحَ. وأئمةُ الحديثِ متثبتون، ولكنهم غير معصومين عن الخطأ، وأهلُ العلم يُمَثِّلُوَن لجرحِ الساخط بكلام النسائي في أحمد بن صالح، ولما ذكر ابن الصلاح ذلك في المقدمة عقبه بقوله: "قلت: النسائي إمام حجة في الجرح والتعديل، وإذا نسب مثله إلى مثل هذا، كان وجهه أن عينَ السخط تبدي مساوىءَ، لها في الباطن مخارجُ صحيحةٌ تعمى عنها بحجاب السخط، لا أن ذلك يقع من مثله تعمدًا لقدحٍ يعلمُ بُطلانه". وهذا حَقٌّ واضحٌ، إِذْ لَو حُمل على التَّعَمُّدِ سَقطتْ عدالةُ الجارح، والفرضُ أنه ثابتُ العدالة. هذا، وكُلُّ ما يُخشى في الذم والجرح يُخشى مثلُه في الثناء والتعديل؛ فقد يكون الرجلُ ضعيفًا في الرواية، لكنه صالحٌ في دينه، كأبان بن أبي عياش، أو غيورٌ على

السُّنَّة، كمؤمل بن إسماعيل، أو فقيهٌ كمحمد بن أبي ليلى، فتجدُ أهلَ العلم ربما يُثنون على الرجل من هؤلاء غيرَ قاصدين الحُكمَ له بالثقة في روايته. وقد يرى العالِمُ أن الناسَ بالغوا في الطعن، فيبالغُ هو في المدح، كما يُروى عن حماد بن سلمة أنه ذُكر له طعنُ شعبة في أبان بن أبي عياش، فقال: أبان خير من شعبة. وقد يكونُ العالِمُ وادًّا لصاحبه، فيأتي فيه نحوُ ما تقدم، فيأتي بكلماتِ الثناء التي لا يقصد بها الحكم، ولا سيما عند الغضب، كأن تسمع رجلًا يذم صديقك أو شيخك أو إمامك، فإن الغضب قد يدعوك إلى المبالغة في إطراء من ذَمَّهُ، وكذلك يقابلُ كلماتِ التنفير بكلمات الترغيب. وكذلك تجدُ الإنسانُ إلى تعديل مَنْ يميل إليه ويحسن به الظن أسرعَ منه إلى تعديل غيره، واحتمالُ التسمُّحِ في الثناء أقربُ من احتماله في الذم؛ فإن العالم يمنعه من التسمُّحِ في الذم الخوفُ على دينه لئلا يكون غيبة، والخوف على عِرضه؛ فإن من ذم الناس فقد دعاهم إلى ذمه. ومن دعا الناسَ إلى ذمِّه ذموه بالحق وبالباطل ومع هذا كُلِّهِ، فالصوابُ في الجرح والتعديل هو الغالبُ، وإنَّما يُحتاج إلى التثبت والتأمل فيمن جاء فيه تعديل وجرحٌ، ولا يسوغُ ترجيحُ التعديلِ مطلقًا بأنَّ الجارحَ كان ساخطًا على المجروح، ولا ترجيحُ الجرحِ مطلقًا بأنَّ المعدِّلَ كان صديقًا له، وإنَّما يُستدل بالسخط والصداقة على قوة احتمال الخطأ إذا كان محتملًا، فأما إذا لزم من اطراح الجرح أو التعديل نسبةُ من صَدَر منه ذلك إلى افتراء الكذب أو تعمد الباطل أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوع مثله من مثله، فهذا يحتاج إلى بينة أخرى، لا يكفي فيه إثبات أنه كان ساخطًا أو محبًا.

وفي "لسان الميزان" (1/ 16): "وممن ينبغي أن يُتوقفَ في قبول قولِه في الجرح، مَنْ كان بينه وبين من جَرَحَهُ عداوةٌ سببُها الاختلاف في الاعتقاد، فإن الحاذق إذا تأمل ثَلْبَ أبي إسحاق الجوزجاني لأهل الكوفة رأى العجب؛ وذلك لشدةِ انحرافه في النصب، وشهرةِ أهلها بالتشيع، فتراه لا يتوقف في جرح من ذكره منهم بلسانٍ ذلقة وعبارة طلقة، حتى إنه أخذ يُلَيِّنُ مثل الأعمش، وأبي نعيم، وعبيد الله بن موسى، وأساطين الحديث، وأركان الرواية، فهذا إذا عارضه مثلُه أو أكبر منه، فوثَّقَ رجلًا ضَعَّفَهُ، قُبِلَ التوثيقُ، ويُلتحق به عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المحدث الحافظ، فإنه من غلاة الشيعة، بل نُسب إلى الرفض، فيُتأنى في جرحه لأهل الشام؛ للعداوة البينة في الاعتقاد، ويلتحق بذلك ما يكون سببه المنافسة في المراتب، فكثيرا ما يقع بين العصرين الاختلاف والتباين وغيره، فكل هذا ينبغي أن يُتأنى فيه ويتأمل". أقول: قول ابن حجر: "ينبغي أن يتوقف" مقصوده كما لا يَخفى: التوقفُ على وجه التأني والتروي والتأمل، وقوله: "فهذا إذا عارضه مثله ... قُبل التوثيقُ" محلُّه ما هو الغالب من أن لا يلزم من اطراح الجرح نسبة الجارح إلى افتراء الكذب، أو تعمد الحكم بالباطل، أو الغلط الفاحش الذي يندر وقوعه، فأما إذا لزم شيء من هذا فلا محيصَ عن قبول الجرح، إلا أن تقوم بينة واضحة تثبت تلك النسبة. وقد تتبعتُ كثيرًا من كلام الجوزجاني في المتشيعين، فلم أجدْهُ متجاوزا الحدَّ، وإنما الرَّجلُ لما فيه من النَّصْبِ يَرى التشيع مذهبًا سيئًا وبدعة ضلالة وزيغًا عن الحق وخذلانا، فيُطلقُ على المتشيعين ما يقتضيه اعتقادُه، كقوله: "زائغ عن القصد"، "سيء المذهب" ونحو ذلك.

وكلامُه في الأعمش ليس فيه جرحٌ، بل هو توثيقٌ، وإنما فيه ذَمٌّ بالتشيع والتدليس، وهذا أمرٌ متفقٌ عليه: أن الأعمش كان يتشيع ويدلس، وربما دلس عن الضعفاء، وربما كان في ذلك ما يُنكر. وهكذا كلامه في أبي نعيم، فأما عبيد الله بن موسى فقد تكلم فيه الإمام أحمد وغيره بأشد من كلام الجوزجاني. وتكلم الجوزجاني في عاصم بن ضمرة، وقد تكلم فيه ابن المبارك وغيره، واستنكروا من حديثه ما استنكره الجوزجاني، راجع "سنن البيهقي" (3/ 51). غاية الأمر أن الجوزجاني هَوَّلَ. وعلى كل حالٍ، فلم يَخرج من كلام أهل العلم، وكأن ابن حجر توهم أن الجوزجاني في كلامه في عاصم يُسِرُّ حَسْوا في ارتغاء (¬1)، وهذا تخيل لا يُلتفتُ إليه. وقال الجوزجاني في يونس بن خباب: "كذاب مفتر"، ويونس وإن وثقه ابن معين، فقد قال البخاري: "منكر الحديث"، وقال النسائي مع ما عرف عنه: "ليس بثقة"، واتفقوا على غُلُوِّ يونس، ونقلوا عنه أنه قال: إن عثمان بن عفان قَتل ابنتي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه رَوى حديث سؤال القبر، ثم قال: هاهنا كلمة أخفاها الناصبة، قيل له: ما هي؟ قال: إنه ليُسألُ في قبره: من وليك؟ فإن قال: عليٌّ، نجا! فكيف لا يُعذر الجوزجاني مع نصبه أن يعتقد في مثل هذا أنه كذاب مفتر؟ ¬

_ (¬1) يضرب هذا المثل لمن يُظهر أمرا ويريد غيره، قال الأصمعي: أصلُهُ: الرجل يُؤْتَى باللبن، فيُظهر أنه يريد الرغوة خاصة ولا يريد غيرها، فيشربها، وهو في ذلك ينال من اللبن، والإرتغاء هو شرب الرغوة يقال منه: ارتغيت ارتغاء. انظر كتاب "فصل المقال في شرح كتاب الأمثال" لأبي عبيد البكري (ص 76).

وأشد ما رأيتُه للجوزجاني ما تقدم عنه في القاعدة الثالثة من قوله: "ومنهم زائغ عن الحق" وقد تقبل ابن حجر ذلك على ما فهمه من معناه وعظَّمه كما مَرَّ، وذكر نحو ذلك في "لسان الميزان" نفسه (1/ 11). وإني لأعجب من الحافظ ابن حجر رحمه الله، يوافق الجوزجاني على ما فهمه من ذلك ويعظمه مع ما فيه من الشدة والشذوذ كما تقدم، ويشنع عليه هاهنا ويهول فيما هو أخف من ذلك بكثير عندما يُتدبر، والله المستعان". اهـ. تطبيقات على هذه القاعدة: • في ترجمة: المفضل بن غسان الغلابي من "التنكيل" (249): "والمخالفة -يعني في المذهب- لا تقتضي اطراحَ جرحِ المخالفِ البتة، وقد قَبِلَ الناسُ من يحيى بن معين وغيرِه من الأئمة جرحَهم لكثيرٍ من الرواة المخالفين لهم في المذهب". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي منه (214): قال الكوثري ص 133: قال ابن عدي: رأيت أبا يعلي سيء القول فيه، ويقول: شهد على خالي بالزور، وله عن أهل الموصل أفراد وغرائب. فقال الشيخ المعلمي: "آخر ما حكاه ابن عدي عن أبي يعلي قوله: بالزور، ثم قال ابن عدي: وابن عمار ثقة، حسن الحديث عن أهل الموصل؛ معافى بن عمران وغيره، وعنده عنهم أفراد وغرائب، وقد شهد أحمد بن حنبل أنه رآه عند يحيى القطان، ولم أر أحدا من مشايخنا يذكره بغير الجميل، وهو عندهم ثقة. ووثقه وأثنى عليه جماعة كثيرة، فأما أبو يعلي فكانت بينه وبين ابن عمار مباعدة ما في المذهب، كما يدل عليه عكوف أبي يعلي على سماع كتب أهل الرأي من بشر بن الوليد، ورَدَفْتَها كُدُورُةٌ عائليةٌ، كما يدل عليه قولُ أبي يعلي: شهد على خالي بالزور،

وهذه كلمة مرسلة، لم يُبَيِّنْ ما هو الزور؟ ومن أين عرف أبو يعلي أنه زور؟ وعلى فرض تحققه ذلك، فهل تعمَّدَ ابنُ عمار الشهادة بالباطل أو أخطأ؟ وإعراض الناس -ومنهم ابن عدي حاكي الكلمة عن أبي يعلى- عن كلمته، يُبين أنها كلمة طائشة، لا تستحق أن يُلتفت إليها. وابنُ عمار أكبر من أبي يعلي بنحو خمسين سنة، فلعل أبا يعلي سمع خاله -ومَنْ خالُه؟ - يقول: شهد عليَّ ابنُ عمار بالزور، فأخذها أبو يعلي ولم يحققها. وقدمنا في القواعد أنه إذا ظهر أن بين الرجلين نُفْرَةً لم يُقبل ما يقولُه أحدهما في الآخر إلا مفسرا محققا مثبتا. ويتأكد ذلك بإعراض الناس عن كلمة أبي يعلي، وإجماعهم على توثيق ابن عمار. فأما الغرائب فقد دلت كلمة ابن عدي على أنها غرائب صحاح، ولهذا ذكرها في صدد المدح، فحوله الكوثري إلى القدح. والله المستعان". اهـ. • وفي ترجمة: عبد الله بن الزبير أبي بكر الحميدي منه (121): قال ابن السبكي: "قال ابن خزيمة فيما رواه الحاكم عن الحافظ حسينك التميمي عنه: كان ابن عبد الحكم من أصحاب الشافعي، فوقعت بينه وبين البويطي وحشةٌ في مرض الشافعي، فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع، قال: لما مرض الشافعي، جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، فجاء الحميدي وكان بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحدٌ أحقَّ بمجلسي من البويطي، وليس أحدٌ من أصحابي أعلمَ منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبتَ. فقال له الحميدي: كذبتَ أنت وأبوك وأمك. وغضب ابن عبد الحكم، فترك مذهب الشافعي. فحدثني ابن عبد الحكم قال: كان الحميدي معي في الدار نحوًا من سنة، وأعطاني كتاب ابن عيينة، ثم أبوا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع".

قال الشيخ المعلمي: "أول ما يجب البحث عنه هنا هو النظر في أبي جعفر السكري حاكي القصة، أثقة هو أم لا؟ .. وقد فتشت عنه فلم أعرفه، ورأيت القصة في "تاريخ بغداد" (ج 14 ص 301) وفيها: "صديق للربيع"، وهذا يُشعر أنه ليس بالمعروف (¬1). فعلى هذا لا تثبت القصة، وإن دلت الشواهد على أن لها أصلًا في الجملة، فإن ذلك لا يُثبت من تفاصيلها ما لا شاهد له. وفي "توالي التأسيس" (ص 84) عن الربيع صاحب الشافعي قال: "وجَّه الشافعي الحميدي إلى الحلقة، فقال: الحلقة لأبي يعقوب البويطي، فمن شاء فليجلس، ومن شاء فليذهب". وكان البويطي أسنَّ أصحابِ الشافعي وأفقههم، حتى كان الشافعي يعتمده في الفتيا، ويحيل عليه إذا جاءته مسألة، كما في "الطبقات الشافعية"، وكان ابن عبد الحكم حينيذ فتى ابن إحدى وعشرين سنة، فلم يكن قد استحكم علمه ولا عقله، فمنازعته للبويطي طيشة من طيشات الشباب. وكان الحميدي أعلمهم بالحديث وأقدمهم صحبة للشافعي؛ لأنه قدم معه من الحجاز إلى مصر، والباقون إنما صحبوه بمصر، والحميدي قرشي مكي كما أن الشافعي كذلك، فهو أقربهم إلى الشافعي وألصقهم به. ¬

_ (¬1) في ذيل العراقي على الميزان (435): أحمد بن إسحاق البغدادي: قال الخطيب: روى عنه أبو عوانة حديثا معللا: "من عفا عن دم لم يكن له ثواب إلا الجنة". وفي الثقات لابن حبان (8/ 52): أحمد بن إسحاق السكري أبو جعفر من أهل سامرا روى عن أبي الوليد الطيالسي ثنا عنه أصحابنا. فيجوز أن يكون هو. اهـ. وفي "تاريخ بغداد" (4/ 29): "أحمد بن إسحاق البغدادي أخبرنا البرقاني حدثنا على بن الحسن الجويني حدثنا أبو عوانة يعقوب بن إسحاق حدثنا أحمد بن إسحاق البغدادي أخبرنا أحمد بن أبى الطيب ثقة حدثنا أبو إسحاق الفزاري عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من عفا عن دم لم يكن له ثواب إلا الجنة". قال أبو عوانة هذا غريب لا آمن أن يكون له علة". اهـ.

ولذلك والله أعلم لما ذهب أصحاب الشافعي في مرضه إلى الجامع تخلف الحميدي عنه، ثم خشي الشافعي أن يتنازعوا الحلقة، فأرسل الحميدي إليهم ليبلغهم عنه، فلو شك ابن الحكم في خبر الحميدي لكان حقُّهُ أن يذهب ليراجع الشافعيَّ، لكنه عرف صدقه، فاضطرم في نفسه اليأس والحزن والغضب، فإن بدرت منه تلك الكلمة فهي من فلتات الغضب كما لا يخفى، فلا يتشبث بمثلها في الطعن في مثل الحميدي إلا مثل الأستاذ! وقد قال هو نفسه في حاشية (ص 99): "وأهل العلم قد تبدر منهم بادرة فيتكلمون في أقرانهم بما لا يقبل فلا يتخذ ذلك حجة". وقد أسلفت تحقيق هذا المعنى في القاعدة الرابعة من قسم القواعد، والأستاذ يقصر عن الحق تارة، ويتعداه أخرى! ". اهـ. • وفي ترجمة: زكريا بن يحيى الساجي (94): قال الكوثري (ص 18): "شيخ المتعصبين ... ". فقال الشيخ المعلمي: "أما التعصب، فقد مَرَّ حكمُهُ في القواعد، وبَيَّنَا أنه إذا ثبتتْ ثقةُ الرجل وأمانتُه، لم يقدح ما يسميه الأستاذ تعصبًا في روايته، ولكن ينبغي التروي فيما يقوله برأيه، لا اتهامًا له بتعمد الكذب والحكم بالباطل، بل لاحتمال أن الحنق حال بينه وبين التثبت ... ". اهـ. • وفي ترجمة: عبد المؤمن بن خلف أبي يعلي التميمي النسفي الحافظ (148): روى الخطيب من طريقه عن صالح بن محمد بن جزرة الحافظ كلامًا في الحسن ابن زياد اللؤلؤي، فقال الكوثري: "عبد المؤمن ليس ممن يصدق فيه؛ لأنه كان ظاهريًا طويل اللسان على أهل القياس".

فقال الشيخ المعلمي: "قد سلف في القواعد أن المخالفة في المذهب لا تُرد بها الرواية، كالشهادة، وهذا ما لا أرى عالمًا يشك فيه. ومن حَكَمَ له أهلُ العلم بالصدق والأمانة والثقة فقد اندفع عنه أن يقال: "لا يصدق في كذا"، اللهم إلا أن تقام الحجة الواضحة على أنه تعمد كذبًا صريحًا، فيزول عنه اسم الصدق والأمانة البتة. والأستاذ يَمُرُّ بالجبال الرواسي، فينفخ، ويُخَيَّلُ لنفسه وللجهالِ أنه أزالها أو جعلها هباء. والذي جَرَّأَهُ على ذلك كثرةُ الأتباع، وغربةُ العلم، وما لا أُحبُّ ذِكْرَهُ. والله المستعان". اهـ. • وفي ترجمة: أبي الطيب محمد بن الحسين بن حميد بن الربيع (202): قال الشيخ المعلمي: "زعم ابن عقدة أنه كان عند مُطَيَّن، فمَرَّ أبو الطيب، فقال مطين: هذا كذاب ابن كذاب. وفي بعض المواضع زيادة (ابن كذاب) أخرى، فحكى ابنُ عدي عن ابن عقدة هذا، وقواه بالنسبة إلى حسين بن حميد والد أبي الطيب، كما تقدم في ترجمته مع النظر فيه، فأما أبو أحمد الحاكم، فإنما قال في أبي الطيب: "كان ابن عقدة سيء الرأي فيه"، وهذا يُشعر بأنه لم يعتمد على رواية ابن عقدة عن مطين، وإلا لقال: "كان مطين سيء الرأي فيه". وابنُ عقدة ليس بعمدة، كما تقدم في ترجمته. وقد تَعَقَبَ الخطيبُ حكايتَهُ هذه في "التاريخ" (ج 2 ص 237) فقال: "في الجرح بما يحكيه أبو العباس بن سعيد [ابن عقدة] نظر، حدثني علي بن محمد بن نصر، قال:

سمعت حمزة السهمي يقول: سألت أبا بكر ابن عبدان عن ابن عقدة إذا حكى حكايةً عن غيره من الشيوخ في جرحٍ، فهل يُقبل قولُه أم لا؟ قال: لا يقبل. .. ثم روى الخطيبُ عن أبي يعلى الطوسي توثيقَ أبي الطيب، قال: "كان ثقةً، صاحبَ مذهبٍ حسنٍ، وأمرٍ بالمعروف ونهيٍ عن المنكر، وكان مِمن يُطلب للشهادة فيأبى". وقال ابن الجوزى في "المنتظم" (ج 6 ص 235): "كان ثقة يفهم، وقد روى ابنُ عقدة عن الحضرمي "مطين" أنه قال: هو كذاب - وهذا ليس صحيح". وقال ابن حجر في "اللسان": "الظاهر أن جَرْحَ ابنِ عقدة لا يؤثر فيه لما بينهما من المباينة في الاعتقاد". أقول: أما جرحُه من قِبِلِ نفسِه بلا حجة فَنَعَم، وأما روايته عن غيره، فلو كان ثقة لم تُرد بالمباينة في الاعتقاد، ولكنه في نفسه على يدي عدل، فالمباينة في الاعتقاد تزيده وَهنا على وَهَنٍ، والله الموفق". اهـ. * * *

المطلب الثالث تلخيص منهج المعلمي في نقد روايات الجرح والتعديل في مسائل على هذا الترتيب

المطلب الثالث تلخيص منهج المعلمي في نقد روايات الجرح والتعديل في مسائل على هذا الترتيب 1 - ممن يُقبل الجرحُ والتعديلُ؟ 2 - البحث في ثبوت كُلٍّ من الجرح والتعديل عن القائلين بهما. 3 - البحث في مقتضى كُلٍّ منهما عند القائل بهما، خشيةَ أن تكون هناك مصطلحات خاصة بالقائل. 4 - البحث في مظنات دخول الخلل على أحدهما. 5 - اختبار الواقع العملي لحال الراوي -كاستقامة مروياته- ومدى حظوته بقبول معاصريه من المحدثين وأهل العلم؛ لتوجيه بعض ما يَحتاج إلى توجيه مما قيل فيه من جرح. * * *

المسألة الأولى ممن يقبل الجرح والتعديل؟

المسألة الأولى ممن يُقبل الجرح والتعديل؟ قال الشيخ المعلمي في مقدمة "الجرح والتعديل" (¬1): "ليس نقدُ الرواة بالأمر الهَيِّنِ؛ فإنَّ الناقدَ لا بُدَّ أن يكونَ واسعَ الاطلاع على الأخبار المروية، عارفا بأحوال الرواة السابقين وطرق الرواية، خبيرا بعوائد الرواة ومقاصدهم وأغراضهم، وبالأسباب الداعية إلى التساهل والكذب، والمُوقعة في الخطأ والغلط، ثم يحتاج إلى أن يعرف أحوال الراوي: متى وُلد؟ وبأيّ بلد؟ وكيف هو في الدين والأمانة والعقل والمروءة والتحفظ؟ ومتى شَرع في الطلب؟ ومتى سمع؟ وكيف سمع؟ ومع من سمع؟ وكيف كتابه؟ ثم يعرف أحوال الشيوخ الذين يحدث عنهم، وبلدانهم، ووفياتهم، وأوقات تحديثهم، وعادتهم في التحديث. ثم يعرف مرويات الناس عنهم، ويعرض عليها مرويات هذا الراوى ويعتبرها بها، إلى غير ذلك مما يطول شرحه. ويكون مع ذلك متيقظا، مرهفَ الفهم، دقيقَ الفطنة، مالكا لنفسه، لا يستميله الهوى، ولا يستفزه الغضب، ولا يستخفه بادرُ ظَنٍّ، حتى يستوفي النظر ويبلغ المقر، ثم يحسن التطبيق في حكمه، فلا يجاوز ولا يقصر. وهذه المرتبة بعيدةُ المرامِ، عزيزةُ المنالِ، لم يبلغْها إلا الأفذاذ. ¬

_ (¬1) سبق نقله قريبا، وأعدت بعضه هنا لمناسبته وأهميته.

وقد كان من أكابر المحدثين وأجلتهم مَنْ يتكلم في الرواة فلا يُعَوَّلُ عليه، ولا يُلتفتُ إليه. قال الإمام علي ابن المدينى -وهو من أئمة هذا الشأن-: "أبو نعيم وعفان صدوقان، لا أقبل كلامهما في الرجال؛ هؤلاء لا يَدَعُون أحدا إلا وقعوا فيه". وأبو نعيم وعفان من الأجلة، والكلمة المذكورة تدل على كثرة كلامهما في الرجال، ومع ذلك لا تكاد تجدُ في كتب الفنِّ نقلَ شيء من كلامهما". اهـ. * * *

الفرع الأول: هل يقبل الجرح والتعديل من غير أهله؟

فروع: الفرع الأول: هل يُقبل الجرح والتعديل من غير أهله؟ • في ترجمة: رقبة بن مصقلة العبدي أبي عبد الله الكوفي من "التنكيل" (93): قال الكوثري: ليس من رجال الجرح والتعديل. فقال الشيخ المعلمي: "رقبة روى عن أنس فيما قيل، وعن أبي إسحاق، وعطاء، ونافع، وعبد العزيز بن صهيب، وثابت البناني، وطلحة بن مصرف، وغيرهم، وعنه جرير بن عبد الحميد، وأبو عوانة، وابن عيينة، وغيرهم. قال الإمام أحمد: شيخ ثقة من الثقات مأمون، وقال ابن معين، والعجلي، والنسائي: ثقة، واحتج به الشيخان في "الصحيحين" وغيرهما، ومِثْلُهُ لو جَرَحَ أو عَدَّل لقُبِلَ منه". اهـ. قال أبو أنس: ينبغي أن يكون هذا إذا لم يُخالِفْ ذلك الثقةُ المتفقُ عليه والمحتجُّ به مَنْ هو أَفْهَمُ منه مِن أهل الجرح والتعديل، فإذا لم يكن بتلك الصفة، أو خُولِفَ، كان في كلامه وقْفَةٌ، وسيأتي في النماذج الآتية الإشارةُ إلى ذلك. • في ترجمة: محمد بن يونس الجمال منه (240): قال الكوثري ص 159: "قال محمد بن الجهم: هو عندي متهم، قالوا: كان له ابن يدخل عليه الأحاديث، وقال ابن عدي: ممن يسرق حديث الناس ... ".

فقال الشيخ المعلمي: "محمد بن الجهم هو السمري، صدوق، وليس من رجال هذا الشأن، وقوله: "قالوا كان له ابن ... " لم يبين من القائل، وابن عدي إنما رماه بالسرقة لحديثٍ واحدٍ رواه عن ابن عيينة، فذكر ابن عدي أنه حديثُ حسين الجعفي عن ابن عيينة، يعني أنه معروف عندهم أنه تفرد به حسين الجعفي عن ابن عيينة، وحسين الجعفي ثقة ثبت، فالحديث ثابت عن ابن عيينة، وقد سمع الجمال من ابن عيينة، فالحكم على الجمال بأنه لم يسمعه وإنما سرقه ليس بالبيِّن، لكن لم أر من وثق الجمال، فهو ممن يستشهد به في الجملة. والله أعلم". قال أبو أنس: علقتُ على هذا الموضع من القسم الأول من "النكت" (721) وقد أوردته قريبا فراجعه. • وفي "الفوائد" (ص 243): حديث: "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". رُوي من حديث ابن عمر وأبي سعيد وأبي أمامة وثوبان وأنس. وزعم السيوطي أن الحديث بهذه الطرق حسن صحيح، واعترضه الشوكاني بأن الحديث عنده حسن لغيره، وأما صحيح فلا، فاعترض الشيخ المعلمي عليهما جميعًا، ووهَّن الحديث من جميع طرقه. وتعرض الشيخ لطرق هذه الروايات بالنقد على الترتيب المذكور حتى بلغ رواية أنس فقال: "وأما عن أنس، فتفرد به أبو بشر بكر بن الحكم المزلق، عن ثابت، عن أنس، رفعه: "إن لله عز وجل عبادًا يَعرفون الناس بالتوسم".

والمزلق قال فيه جماعة من الذين أخذوا عنه وليسوا من أهل الجرح والتعديل (¬1): "كان ثقة" يريدون أنه كان صالحًا خيرًا فاضلًا. أما الأئمة، فقال أبو زرعة: "ليس بالقوي". أقول: وهو مقلّ جدًّا من الحديث، فإذا كان مع إقلاله ليس بالقوي، ومع ذلك تفرد بهذا عن ثابت عن أنس (فلا ينبغي وهنه) (¬2). وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أنه حسنٌ، وهذا بالنظر إلى حال المزلق في نفسه، فأما إذا نظرنا إلى تفرده مع إقلاله، ومع قول أبي زرعة: "ليس بقوى" (¬3) فلا أراه يستقيم الحكم بحسن، وإن كان معناه صحيحًا والله أعلم. اهـ. • في ترجمة: زكريا بن يحيى الساجي من "التنكيل" (94): قال الكوثري ص 18: " ... نضال الذهبي عنه من تجاهل العارف ... قال أبو بكر الرازي بعد أن ساق حديثا بطريقه: انفرد به الساجي ولم يكن مأمونًا ... ". ¬

_ (¬1) هم: أبو عبيدة عبد الواحد بن واصل الحَدَّاد، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي -كما في "تهذيب الكمال" (4/ 204)، وجاء في "تهذيب التهذيب" (1/ 421) عن البزار في "مسنده" قال: حدثنا سهل بن بحر ثنا سعيد بن محمد الجرمي ثنا أبو بشر المزلق -وكان ثقة- عن ثابت فذكر حديثًا. ولم يذكر المزي سعيدًا في الرواة عن بكر، وإنما يروي سعيد عن أبي عبيدة عبد الواحد بن واصل عن بكر عن ثابت، كما في "الجرح والتعديل" (2/ 383). فأخشى أن يكون هناك سقط في إسناد البزار، والله أعلم. والحداد والتبوذكي ثقتان باتفاق. (¬2) هكذا جاء في "الفوائد" وفي العبارة تحريف حتمًا، ومن المحتمل أن يكون الصواب: (فلا ينبغي إلا وهنه) أو (فالذي ينبغي وهنه) أو (فلا ينبغي دفع وهنه) أو نحو ذلك، ومقتضى هذه العبارة بعد تصويبها إثبات وهنِ الحديث من هذا الطريق أيضًا، بالإضافة إلى وهنه من الطرق الأخرى. (¬3) كذا في "الفوائد"، وسبق أن أبا زرعة قال: "ليس بالقوي" بالألف واللام، وهو موافق لما في "الجرح"، فالظاهر أن هذا الموضع سهو أو خطأ في الطبع، لأن المعلمي ممن يرى فرقًا بين العبارتين كما هو معلوم.

الفرع الثاني: هل يقبل من الثقة في نفسه المتكلم في روايته -من جهة الغفلة وعدم الإتقان- ما لا تعلق له بالرواية؛ كرأيه في بعض الناس ونحو ذلك؟

فقال الشيخ المعلمي: "أما ما حكاه الأستاذ عن الرازي، فليس الرازي ممن يُذكر في هذا الشأن حتى يتتبع الذهبي وغيره كلامه، فيسوغ أن يظن بالذهبي أنه وقف على كلمته وأعرض عنها لمخالفتها هواه، كما يتوهمه أو يوهمه الأستاذ! ". اهـ. الفرع الثاني: هل يُقبل من الثقة في نفسه المتكلم في روايته -من جهة الغفلة وعدم الإتقان- ما لا تَعَلُّقَ له بالرواية؛ كرأيه في بعض الناس ونحو ذلك؟ • في ترجمة: قيس بن الربيع الأسدي الكوفي أبي محمد من "التنكيل" (182): في "تاريخ بغداد" 13/ 405 " ... سئل قيس بن الربيع عن أبي حنيفة فقال: من أجهل الناس بما كان وأعلمه بما لم يكن" ومن وجه آخر: "أنا من أعلم الناس به، كان أعلم الناس بما لم يكن وأجهلهم بما كان". قال الكوثري ص 126: "تركه غير واحد، وكان ابنه يأخذ أحاديثَ الناس فيدخلها في كتابه، فيرويها أبوه قيس بسلامة باطن". فقال الشيخ المعلمي: "وثقه جماعة، منهم سفيان الثوري وشعبة، وأثنوا عليه بالعلم والفضل، وتكلموا في روايته، وليس ما هنا من روايته حتى ننظر فيها". اهـ. (¬1). الفرع الثالث: هل نَقْلُ كلامِ الجرح والتعديل عن الرجل يقتضيم أنه عند الناقل ممن يُقبل منه ذلك؟ • في ترجمة: عبد الرحمن بن الحكم بن بشير بن سلمان منه (138): قال الكوثري: ولم أر من وثقه. ¬

_ (¬1) وقال الشيخ المعلمي في حاشية "الفوائد" (ص 394): "أُدخلت عليه أحاديث، فحدث بها فسقط".

الفرع الرابع: هل يقبل الجرح من مطعون فيه إذا كان مشروحا مفسرا؟

فقال الشيخ المعلمي: "ذكر ابن أبي حاتم في جُمْلة مَنْ روى عن عبد الرحمن هذا: أبا زرعة، ومن عادة أبي زرعة أن لا يروي إلا عن ثقة كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416). وذكر ابن أبي حاتم (¬1) عن إبراهيم بن موسى قال: ما رأيت أحدًا أفهم لمشيخة أبي إسحاق الهمداني من عبد الرحمن بن الحكم. قال ابن أبي حاتم: سمعت محمد بن مسلم (بن وارة) يقول: كان عبد الرحمن بن الحكم أعلم الناس بشيوخ الكوفيين. ورأيت ابن أبي حاتم ينقل أشياء من كلامه جرحًا وتعديلا (¬2)، وهذا يقتضى أنه عنده ممن يُقبل منه ذلك. اهـ. الفرع الرابع: هل يُقبل الجرح من مطعونٍ فيه إذا كان مشروحا مفسَّرًا؟ • في ترجمة مهنأ بن يحيى من التنكيل رقم (255): قال فيه أبو الفتح الأزدي: "منكر الحديث". فقال الشيخ المعلمي: "الأزدي نفسه متكلم فيه حتى رُمي بالوضع، وقد رَدَّ ابنُ حجر في مواضع من "مقدمة الفتح" جَرْحَه، وبَيَّنَ أنه لا يُعتد به ... وفي عبارة ابن الجوزي في "المتنظم" (8/ 368): "ذكر -يعني الخطيب- مهنأ بن يحيى، وكان من كبار أصحاب أحمد، وذكر عن الدارقطني أنه قال: مهنأ ثقة نبيل، وحكى ¬

_ (¬1) "الجرح": (5/ 227). (¬2) انظر "الجرح": (2/ 468)، (3/ 408)، (4/ 223)، (4/ 442)، (6/ 328)، (8/ 162)، (9/ 253).

بعدُ (!) عن أبي الفتح الأزدي ... وهو يعلم أن الأزدي مطعون فيه عند الكُلِّ ... فلا يستحي الخطيب أن يقابلَ قولَ الدارقطني في مهنأ بقول هذا ثم لا يتكلم عليه؟ أقول: عفا الله عنك يا أبا الفرج، ... وعليك في كلامك هذا مؤاخذات: ................... الرابعة: أن الأزدي ذكر مُتَمَسَّكَةُ، فلا يسوغُ ردُّ قوله إلا ببيانِ سقوطِ حُجَّتِه. أما متمسك الأزدي فهو أن مهنأ روى عن زيد بن أبي الزرقاء، عن سفيان الثوري، عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن المسيب، عن جابر حديثًا في الجمعة، ولا يُعلم رواه أحدٌ غيره، عن زيد بن أبي الزرقاء، ولا عن غيره عن سفيان الثوري، فلا يُعرف عن الثوري إلا بهذا الإسناد ... فلو كان ابن الجوزي نظر في هذا الحديث وحَقَّقَ، لكان أَوْلَى به مما صنع. وعلى كل حالٍ، فغاية ما في الباب أن يكون مهنأ أخطأ في سند هذا الحديث، فكان ماذا؟ وقد ذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: "كان من خيار الناس في حديث أحمد بن حنبل وبشر الحافي، مستقيم الحديث". ويكفيه مكانته عند أحمد، وثناء أصحابه عليه، والله أعلم". اهـ. كلام المعلمي. قال أبو أنس: قد أقام المعلمي لجرح الأزدي -على ما فيه- وزنًا؛ لمَّا فسَّرَهُ الأزدي وبَيَّن مستنده فيه، ولم يَقبل المعلمي دفعَ ابن الجوزي له من أجل ما في الأزدي من الطعن. • وفي ترجمة: مسلم بن أبي مسلم من التنكيل رقم (244): قال الكوثري: وثقه الخطيب، لكن في اللسان أنه ربما يخطيء. وقال البيهقي: غير قوي، وقال أبو الفتح الأزدي: حدَّث بأحاديث لا يتابع عليها.

الفرع الخامس: عدم الركون لأقوال الجرح والتعديل من المتأخرين، والتي لا يعلم لهم فيها سلف

فقال الشيخ "المعلمي": " ... أما أبو الفتح محمد بن الحسين الأزدي، فليفي في نفسه بعمدة، حتى لقد اتهموه بوضع الحديث. ومع ذلك فليس من شرط الثقة أن يُتابَعَ في كل ما حدَّث به، وإنما شرطه أن لا ينفرد بالمناكير عن المشاهير فيكثر. والظاهر أن الأزدي إنما عني الحديث الذي ذكره البيهقي، وهو ما رواه مسلم هذا عن مخلد بن الحسين، عن هشام بن حسان، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة مرفوعًا: "لا يَقُلْ أحدُكم زرعته، ولكن ليقل حرثته. قال أبو هريرة: ألم تسمع على قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ (63) أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ} [الواقعة: 63، 64]. وهذا الحديث أخرجه ابن جرير في تفسير الواقعة، عن أحمد بن الوليد القرشي، عن مسلم. وفي "اللسان" أن البيهقي أخرجه في "شعب الإيمان" من وجهين [عنه]، وقال: إن مسلمًا غيرُ قويّ. ولعل ابن حبان إنما أشار بقوله: "ربما أخطأ" إلى هذا الحديث، على أن الصواب موقوف، وأخطأ مسلم في رفعه. ومسلم مكثر في التفسير كما يُعلم من "تفسير ابن جرير"، فإن ترجح خطؤه في هذا الحديث الواحد لم يضره ذلك إن شاء الله، وابن حبان والخطيب أعرف بالفن ودقائقه من البيهقي. اهـ. الفرع الخامس: عدم الركون لأقوال الجرح والتعديل من المتأخرين، والتي لا يُعلم لهم فيها سلف: • في ترجمة: عباد بن كثير الثقفي البصري من "التنكيل" (116): قال الكوثري: كان الثوري يكذبه، ويحذر الناس من الرواية عنه، فكيف يتصور أن يروي الثوري عن مثله؟

فقال الشيخ المعلمي: "تحذير الثوري من الثقفي معروف، فأما تكذيبه له فإنما حكاه الحاكم وأبو نعيم الأصبهاني، ولا أدري من أين أخذاه، فإن صح، فإنما أراد الوهم والغلط، وقد أثنى على الثقفي بالصلاح جماعة، منهم: ابن المبارك، وأحمد، وابن معين، وأبو زرعة، والعجلي، ووصفوه مع ذلك بأنه ليس بشيء في الحديث، وأنه يحدث بما لم يسمع، لِبُلْهِهِ وغفلته، ... (¬1). وعلى كل حال فلا مانع أن يحكي الثوري عن عباد ما يظهر له صحته، وفي ترجمة محمد بن السائب الكلبي من "الميزان": "يعلى بن عبيد قال: قال الثوري: اتقوا الكلبي، فقيل: فإنك تروي عنه؟ قال: أنا أعرف صدقه من كذبه". اهـ. الفرع السادس: ما هي حدود أهل العصر في الحكم على الرواة؟ قال الشيخ المعلمي في مبحث "التهمة بالكذب" من "التنكيل": "الأستاذ -يعني الكوثري - يطعن في جماعة من أئمة السنة والموثقن من رواتها، فيرمي بعضهم بتعمد الكذب، وبعضهم بالتهمة بذلك، ويجمع لبعضهم الأمرين؛ يُكذب أحدهم في خبرٍ ويتهمه في آخر، ويجزم بأنهم متهمون في كل ما يتعلق بالغض من أبي حنيفة وأصحابه، ولو على بُعْدٍ بعيد كما يأتي في ترجمة أحمد بن إبراهيم، ويصرح في بعضهم بأنهم مقبولون فيما عدا ذلك، فهل يريد أنهم عدول مقبولون ثقات مأمونون مطلقًا. ولا يُعتد عليهم بتكذيب الأستاذ، ولا اتهامه؛ لأنه خرق للإجماع في بعضهم ومخالف للصواب في آخرين، ولأن الأستاذ لم يتأهل للاجتهاد في الكلام في القدماء، ... ¬

_ (¬1) وقال المعلمي في "الفوائد" (ص 361): "تالف".

وينبغي أن يُعلم أن التهمة تقال على وجهين: الأول: قول المحدثين: "فلان متهم بالكذب". وتحرير ذلك أن المجتهد في أحوال الرواة قد يثبت عنده -بدليلٍ يصح الاستنادُ إليه- أن الخبر لا أصل له، وأن الحمل فيه على هذا الراوي، ثم يحتاج بعد ذلك إلى النظر في الراوي: أتعمد الكذب أم غلط؟ فإذا تدبر وأنعم النظر، فقد يتجه له الحكم بأحد الأمرين جزمًا، وقد يميل ظنه إلى أحدهما، إلا أنه لا يبلغ أن يجزم به، فعلى هذا الثاني إذا مال ظنه إلى أن الراوي تعمد الكذب قال فيه: "متهم بالكذب" أو نحو ذلك مما يؤدي هذا المعنى. ودرجة الاجتهاد المشار إليه لا يبلغه أحدٌ من أهل العصر فيما يتعلق بالرواة المتقدمين، اللهم إلا أن يَتهم بعض المتقدمين رجلًا في حديثٍ يزعم أنه تفرد به، فيجد له بعض أهل العصر متابعاتٍ صحيحة، وإلا حيث يختلف المتقدمون فيسعى في الترجيح. فأما من وثقه إمام من المتقدمين أو أكثر، ولم يتهمه أحد من الأئمة، فيحاول بعض أهل العصر أن يكذبه أو يتهمه، فهذا مردود؛ لأنه إن تهيأ له إثباتُ بطلان الخبر، وأنه ثابت عن ذلك الراوي ثبوتًا لا ريب فيه، فلا يتهيأ له الجزم بأنه تفرد به، ولا أن شيخه لم يروه قط، ولا النظر الفني الذي يحق لصاحبه أن يجزم بتعمد الراوي للكذب أو يتهمه به. بلى قد يتيسر بعض هذه الأمور فيمن كذبه المتقدمون، لكن مع الاستناد إلى كلامهم، كما يأتي في ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت وترجمة محمد بن سعيد البورقي، كان كان الأستاذ يخالف في ذلك فيصدق من كذبه الأئمة، وكذبه واضح، كما يكذب أو يتهم من صدقوه وصدقه ظاهر، شأن المحامين في المحاكم، معيار الحق عند أحدهم مصلحةُ مُوَكِّلِهِ! ". اهـ.

• وفي ترجمة: أحمد بن خالد الكرماني من "التنكيل" (16): قال الكوثري (ص 183): "الكرماني مجهول". فقال الشيخ المعلمي: "أنا أيضًا لم أظفر له بترجمة ولا خبر إلا في هذه الرواية، أو ذكره في شيوخ التمار، لكن مثل هذا لا يُسَوِّغُ لأمثالنا أن يقول: "مجهول". اهـ. • وفي ترجمة: إسماعيل بن عيسى بن علي الهاشمي منه (53): قال الكوثري ص 77: "إسماعيل بن عيسى من المجاهيل". فقال الشيخ المعلمي: "الصواب أن يقول: "لم أعرفه" فإن عدم معرفة مثل الأستاذ بالرجل لا يستلزم أن يكون مجهولًا". اهـ. * * *

المسألة الثانية البحث في ثبوت كل من الجرح والتعديل عن القائلين بهما

المسألة الثانية البحث في ثبوت كُلٍّ من الجرح والتعديل عن القائلين بهما قال أبو أنس: أقوال الجرح والتعديل لا يُعتد بها إلا بنقد إسنادها إلى قائلها، ولزوم ثبوتِ ذلك عنه، وأهمية النظر في الروايات المتفاوتة عن الإمام الواحد، وممارسة الفنّ المتعلق بقواعد الجمع والترجيح في ذلك. ويشتمل ذلك على ثلاثة فروع: الفرع الأول: ما ذكره الشيخ المعلمي في النوع السادس من مغالطات الكوثري ومجازفاته في "طليعة التنكيل" (ص 54): قال رحمه الله: "من عواقره أنه يعمد إلى جرحٍ لم يثبت، فيحكيه بصيغة الجزم محتجًا به، فمن أمثلة ذلك: 1 - الحسن بن الربيع. قال الكوثري ص 151: "يقول فيه ابن معين: لو كان يتقي الله لم يكن يحدث بالمغازي، ما كان يحسن يقرؤها". فقال المعلمي: "هذا الكلام إنما رواه بكر بن سهل الدمياطي عن عبد الخالق بن منصور عن ابن معين، وبكر بن سهل لم يوثقه أحد، بل ضعفه النسائي، ورماه الذهبي في "الميزان" بالوضع".

- وقال الشيخ المعلمي في ترجمة الحسن من "التنكيل" (75): "لم تصح هذه الكلمة عن ابن معين، ولذلك لم تُذكر في "التهذيب"، ولا ذُكر الحسن في "الميزان"، ولا ذَكره ابنُ حجر في "مقدمة الفتح" فيمن فيه كلامٌ من رجال البخاري، ومع ذلك فقد أجاب عنها الخطيب (¬1). وفي "التهذيب": قال ابن شاهين في "الثقات": قال عثمان بن أبي شيبة: "الحسن ابن الربيع صدوق وليس بحجة"، وهذه الحكاية منقطعة؛ لأن ابن شاهين إنما ولد بعد وفاة عثمان بنحو ستين سنة، ولا نعلمه التزم الصحة فيما يحكيه في "ثقاته" عمن لم يدركه ... والحسن قد وثقه الناس، قال أبو حاتم مع تشدده: "كان من أوثق أصحاب ابن إدريس"، وقال العجلي: "كوفي ثقة صالح متعبد"، وقال ابن خراش: "كوفي ثقة"، وروى عنه البخاري ومسلم في "الصحيحين" ... ". اهـ. 2 - ثعلبة بن سهيل القاضي. قال الكوثري ص 110: "ضعيف". فقال المعلمي: " .. أظن الكوثري اعتمد على ما حكاه أبو الفتح محمد بن الحسن الأزدي عن ابن معين، أنه قال في ثعلبة: "ليس بشيء". وهذه الحكاية منقطعة، كما قاله الذهبي في "الميزان"، لأن بين الأزدي وابن معين مفازة، ومع ذلك فالأزدي نفسه متهم! له ترجمة في "تاريخ بغداد" و"الميزان" و"اللسان" ... فتدبر ما تقدم ثم انظر حال الكوثري، إذ يبني على حكاية الأزدي عن ¬

_ (¬1) قال: "لم يعبه يحيى إلا بأنه كان لا يحسن قراءة المغازي وما فيها من الأشعار، وذلك لا يوجب ضعفه". اهـ.

ابن معين أنه قال في ثعلبة: "ليس بشيء" ويعلم حال الأزدي، وأنه كان بعد ابن معين بمدة، ... ". اهـ. 3 - عبد الله بن جعفر بن درستويه. قال الكوثري (ص 39): "كان يحدث عمن لم يدركه لأجل دريهمات يأخذها، فادفع إليه درهمًا يصطنع لك ما شئت من الأكاذيب". فقال المعلمي: ذكر الكوثري هذه التهمة في عدة مواضع كلها بالجزم، بل نبز هذا العالم الفاضل الذي لا ذنب له إلا أنه روى كتابًا مشهورًا وهو (تاريخ يعقوب بن سفيان)، وقد ثبت سماعه له، حتى إن الذي أنكر عليه رجع أخيرًا، فقصده فسمع منه، كما في ترجمته من (تاريخ بغداد). نبزه الكوثري بلقب "الدراهمي"، مع أنه لا مستندَ للكوثري في ذلك، إلا ما حكاه الخطيب عن هبة الله الطبري أنه ذكر ابن درستويه وضعفه وقال: "بلغني أنه قيل له: حَدِّثْ عن ابن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا، ففعل، ولم يكن سمع من عباس". ولا يخفى على عالمٍ أن هذه الحكاية لا يصح الاستناد إليها؛ لجهالة المبلِّغِ للطبري ... ومع هذا فقد قال الخطيب: "هذه الحكاية باطلة ..... ". وقال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (119): "أسطورة الدراهم والتحديث عمن لم يدركه، إنما أخذها الأستاذ من قول الخطيب: "سمعت هبة الدين الحسن الطبري (اللآلكائي) ذكر ابن درستويه وضعفه وقال: بلغني أنه قيل له حدث عن عباس الدوري حديثًا ونحن نعطيك درهمًا ففعل، ولم يكن سمع من عباس".

قال الخطيب: "وهذه الحكاية باطلة؛ لأن أبا محمد بن درستويه كان أرفعَ قدرًا من أن يكذب لأجل العرض (¬1) الكثير، فكيف لأجل التافه الحقير، وقد حدثنا عنه ابن رزقويه بآمالي أملاها في جامع المدينة، وفيها عن عباس الدوري أحاديث عدة". أقول: واللالكائي توفي سنة (418) وقد قال الخطيب في ترجمته: "عاجلته المنية، فلم يُنشر عنه كبير شيء". فهذا يدل أن مولد اللالكائي كان بعد وفاة ابن درستويه بمدة؛ فإن وفاته كانت سنة (347). وَقَوْلُه: "بلغني ... " لا يُدرى من الذي بَلَّغَهُ، ومثل هذا لا يثبت به حكم ما ... هذا ولم ينكروا على ابن درستويه حديثًا واحدًا مما حدث به عن الدوري فدل ذلك على أن تلك الأحاديث ثابتة عن الدوري حتمًا، وإنما زعم من لا يُدرى من هو أن ابن درستويه لم يسمع من الدوري، وقد علمت إمكان سماعه منه، فإن ثبت أن ابن درستويه ثقة -وسنثبته إن شاء الله تعالى- ثبت السماع". اهـ. 4 - الأصمعي عبد الملك بن قريب. قال الكوثري ص 54: "كذبه أبو زيد الأنصاري". فقال المعلمي: "حاكي ذلك عن أبي زيد هو أحمد بن عبيد بن ناصح، وهو مطعون فيه، وفي (الميزان) في ترجمة الأصمعي "أحمد بن عبيد ليس بعمدة". ونقل الكوثري نفسه هذا ص 42 حين احتاج إلى رد رواية لأحمد بن عبيد. قال الكوثري: "فلم يكن بعمدة كما ذكره الذهبي في ترجمة عبد الملك الأصمعي من ¬

_ (¬1) كذا في "التنكيل" بالراء، وفي "تاريخ بغداد" (9/ 429) بالواو.

الفرع الثاني: نماذج أخري من كلام الشيخ المعلمي على معنى هذه المسألة

(الميزان) يجزم الأستاذ هنا بأنه ليس بعمدة، ثم يعتده فيقول في الأصمعي: كذبه أبو زيد الأنصاري. هكذا تكون الأمانة عند الكوثري! ". 5 - جرير بن عبد الحميد. قال الكوثري ص 110: "تفرد برواية حديث الأخرس الموضوع". فقال المعلمي: "مستند الكوثري حكاية حكاها سليمان الشاذكوني، والشاذكوني هالك ... ". اهـ. الفرع الثاني: نماذج أخري من كلام الشيخ المعلمي على معنى هذه المسألة: • في ترجمة: عبد الله بن الزبير أبي بكر الحميدي من "التنكيل" (121): قال الكوثري ص 36: "الحميدي كذبه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم - في كلامه في الناس. راجع (طبقات السبكي) ج 1 ص 224 ... ". فقال الشيخ المعلمي: "أما قصته مع ابن عبد الحكم، فهذه عبارة ابن السبكي التي استند إليها الأستاذ جازمًا بقوله: "كَذَّبَهُ ... في كلامه في الناس"! قال ابن السبكي: "قال ابن خزيمة فيما رواه الحاكم عن الحافظ حسينك التميمي عنه: كان ابن عبد الحكم من أصحاب الشافعي، فوقعت بينه وبين البويطي وَحْشة في مرض الشافعي، فحدثني أبو جعفر السكري صديق الربيع، قال: لما مرض الشافعي جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي، فقال البويطي: أنا أحق به منك، فجاء الحميدي وكان بمصر، فقال: قال الشافعي: ليس أحدٌ أحقَّ بمجلسي من البويطي، وليس أحدٌ من أصحابي أعلمَ منه. فقال له ابن عبد الحكم: كذبت. فقال له الحميدي: كذبتَ أنت وأبوك وأمك. وغضب ابن عبد الحكم، فترك مذهب الشافعي. فحدثني ابن عبد الحكم قال: كان

الحميدي معي في الدَّار نحوًا من سنة، وأعطاني كتاب ابن عيينة، ثم أَبوْا إلا أن يوقعوا بيننا ما وقع". فأول ما يجب البحث عنه هنا هو النظر في أبي جعفر السكري حاكي القصة، أثقة هو أم لا؟ أما الأستاذ فلم يهمه هذا؛ إذ كان في القصة ما يوافق هواه، وأما أنا فقد فتشت عنه فلم أعرفه (¬1)، ورأيت القصة في (تاريخ بغداد) ج 14 ص 301 وفيها: "صديق للربيع"، وهذا يُشعر أنه ليس بالمعروف. فعلى هذا لا تثبت القصة، وإن دلت الشواهد على أن لها أصلًا في الجملة فإن ذلك لا يُثبت من تفاصيلها ما لا شاهد له". اهـ. • وفي ترجمة: عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبي بكر بن أبي داود السجستاني منه (123): قال الأستاذ ص 68: "كذبه أبوه .. وإبراهيم ابن الأصبهاني .. وهو ناصبي .. ". فقال الشيخ المعلمي: "أما كلام أبيه، فقال ابن عدي -على ما في (الميزان) و (لسانه): "حدثنا علي بن عبد الله الداهري، سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن كركرة، وفي (تذكرة الحفاظ): محمد بن أحمد بن عمرو بن كركرة" سمعت علي بن الحسن بن الجنيد، سمعت أبا داود يقول: ابني عبد الله كذاب .. ". الداهري وابن كركرة لم أجد لهما ذكرًا في غير هذا الموضع ... وقد ارتاب الذهبي في الحكاية، فقال في (تذكرة الحفاظ) ج 2 ص 302 بعد ذكر الحكاية بسندها: "وأما ¬

_ (¬1) سبق التعليق على هذا قريبا.

قول أبيه فيه فالظاهر أنه إن صح عنه فقد عني أنه كذاب في كلامه لا في الحديث النبوي، وكأنه قال هذا وعبد الله شاب طري ثم كبر وساد". وقال ابن عدي -مع حشره كل ما قيل في عبد الله- قال: كما في (الميزان): "ولولا ما شرطنا (يعني من ذكر كل من تكلم فيه وإن كان الكلام فيه غير قادح) لما ذكرته ... وهو معروف بالطلب، وعامة ما كتب مع أبيه، وهو مقبول عند أصحاب الحديث، وأما كلام أبيه فما أدري أيش تبين منه". أقول: لم تثبت الكلمة. ... وأما ابن الأصبهاني، فقال ابن عدي: "سمعت موسى بن القاسم الأشيب يقول: حدثني أبو بكر: سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول: أبو بكر بن أبي داود كذاب". أبو بكر شيخ الأشيب يحتمل أن يكون هو ابن أبي الدنيا؛ لأنه ممن يروي عن إبراهيم، وممن يروي عنه الأشيب، ويحتمل أن يكون غيره؛ لأن أصحاب هذه الكنية في ذاك العصر ببغداد كثيرون، ولم يشتهر ابن أبي الدنيا بهذه الكنية بحيث إذا ذُكرت وحدها في تلك الطبقة ظهر أنه المراد. فعلى هذا لا يتبين ثبوت هذه الكلمة عن ابن الأصبهاني". اهـ. ... وأما النصب، فقال ابن عدي على ما في (تذكرة الحفاظ): "نُسب في الابتداء إلى شيءٍ من النصب، ونفاه ابن الفرات من بغداد إلى واسط ثم رَدَّهُ علي بن عيسى فحدث، وأظهر فضائل علي، ثم تحنبل فصار شيخًا منهم، وهو مقبول عند أصحاب الحديث". ولم يتحقق مَنْ الذي نسبه إلى النصب وما حجته في ذلك ... ". اهـ.

• وفي ترجمة الحارث بن عمير البصري منه (68): قال الأستاذ ص 36: " ... ونقل ابن الجوزي عن ابن خزيمة أنه قال: الحارث ابن عمير كذاب". فقال الشيخ المعلمي: "أما ابن خزيمة فلا تثبت تلك الكلمة عنه بحكاية ابن الجوزي المعضلة، ولا نعلم ابن الجوزي التزم الصحة فيما يحكيه بغير سند ... ". اهـ. • وفي ترجمة أحمد بن محمد بن الصلت منه (34): "قال الكوثري: "وحديث ابن جزء لم ينفرد ابن الصلت بروايته" وزاد في (التأنيب) ص 166: "بل أخرجه ابن عبد البر في (جامع بيان العلم) ج 1 ص 45 بسند ليس فيه ابن الصلت". أقول: في الموضع المذكور من كتاب (العلم): "وأُخبِرنا أيضًا عن أبي يعقوب يوسف بن أحمد الصيدلاني المكي قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو بن موسى العقيلي وأبو علي عبد الله بن جعفر الرازي ومحمد بن سماعة عن أبي يوسف قال: سمعت أبا حنيفة: يقول: حججت مع أبي سنة ثلاث وتسعين ولي ست عشرة سنة .. " ذكر القصة. فينظر في المُخْبِر لابن عبد البر مَنْ هو؟ وفي الصيدلاني؛ فإني لم أجد من وثقه". اهـ. • وفيها أيضًا: قال الكوثري فيما عَلَّقه على (مناقب أبي حنيفة) للذهبي ص 7: "قال العقيلي في (الضعفاء): حدثنا أحمد بن محمد الهروي، قال: حدثنا محمد بن المغيرة البلخي، قال: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم، قال: حدثنا محمد بن سليمان الأصفهاني، قال: لما مات إبراهيم اجتمع خمسة من أهل الكوفة، فيهم: عمر بن قيس الماصر وأبو حنيفة فجمعوا

أربعين ألف درهم، وجاءوا إلى الحكم بن عتيبة، فقالوا: إنا قد جمعنا أربعين ألف درهم، نأتيك بها، وتكون رئيسنا في الإرجاء، فأبى عليهما الحكم، فأتوا حماد بن أبي سليمان، فقالوا له، فأجابهم، وأخذ الأربعين ألف درهم"! فقال الشيخ المعلمي: "لا أناقش الأستاذ في تمويهه، وإنما أنظر في الحكاية، فالهروي والبلخي لم أجدهما، وإسماعيل لم يتضح لي من هو، وابن الأصبهاني متكلم فيه .. ". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست أبي عبد الله العلاف (37): .. قال الخطيب: سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء ويتربها لِيُظن أنها عتق. فقال الشيخ المعلمي: "قوله: "قيل ... " لا يُدرى من القائل .. ". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن عثمان بن أبي شيبة منه (219): ذكر الخطيب عن حمزة السهمي أنه سأل الدارقطني عن محمد بن عثمان، فقال: "كان يقال: أخذ كتاب ابن أبي أنس وكُتب غير محُدث". قال الشيخ المعلمي: "ليس في هذا ما هو بَيِّنٌ في الجرح؛ لأنه لا يُدرى من القائل؟ ولا أن محمدا أخذ الكتب بغير حق، أو روى منها بغير حق ... ". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبي بكر القطيعي منه (12): "قال الخطيب في قضية اختلاطه من (التاريخ) ج 4 ص 73: "حُدِّثْتُ عن أبي الحسن ابن الفرات .... ".

وذكرها الذهبي في (الميزان) عن ابن الصلاح قال: "اختل في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئا مما يقرأ عليه، ذكر هذا أبو الحسن ابن الفرات". والظاهر أن ابن الصلاح إنما أخذ ذلك مما ذكره الخطيب، ولا ندري مَنْ حَدَّث الخطيبَ، ومع الجهالة به لا تثبتُ القصةُ .. ". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن عبد الله الأصبهاني منه (22): قال الكوثري ص 151: .. روى علي بن حمشاذ -وأنت تعرف منزلته في العلم- أنه سمع أحمد بن عبد الله الأصبهاني يقول: ... فقال الشيخ المعلمي: "قوله: "روى علي بن حمشاذ" بصيغه الجزم والتحقيق، مع أنه إنما أخذ الحكاية من (تاريخ الخطيب)، وإنما قال الخطيب: "حُدِّثْتُ عن أبي نصر محمد بن أحمد بن إبراهيم الإسماعيلي قال: سمعت علي بن حمشاذ يقول ... ". فلم يذكر الخطيب مَنْ حَدَّثَهُ، فكيف يَجزم الأستاذ ويحقق؟ ... ". اهـ. • وفي ترجمة: إبراهيم بن يعقوب أبي إسحاق الجوزجاني منه (10): قال الكوثري: " ... كان ناصبيًا خبيثًا حريزي المذهب أخرجت جارية له فروجة لتذبحها فلم تجد من يذبحها فقال: سبحان الله فروجة لا يوجد من يذبحها وعلي يذبح في ضحوة نيفا وعشرين ألف مسلم". فقال الشيخ المعلمي: " .. أما قصة الفروجة، فقال ابن حجر في "تهذيب التهذيب": "قال السلمي عن الدارقطني بعد أن ذكر توثيقه: لكن فيه انحراف عن علي، اجتمع على بابه أصحاب الحديث، فأخرجت جارية له فروجة ... ".

فالسلمي هو محمد بن الحسن النيسابوري ترجمته في (لسان الميزان) ج 5 ص 140 تكلموا فيه حتى رموه بوضع الحديث، والدارقطني إنما ولد بعد وفاة الجوزجاني ببضع وأربعين سنة، وإنما سمع الحكاية على ما في معجم البلدان (جوزجانان) من عبد الله بن أحمد بن عدبس، ولابن عدبس ترجمة في (تاريخ بغداد) ج 9 ص 384 و (تهذيب تاريخ ابن عساكر) ج 7 ص 288 ليس فيها ما يبين حاله، فهو مجهول الحال، فلا تقوم بخبره حجة". اهـ. • وفي ترجمة: عبد الملك بن قريب الأصمعي (146): قال الأستاذ في (الترحيب): "وأما الأصمعي، فقد وثقه غير واحد في الحديث، ... وقد قال ابن أخي الأصمعي عبد الرحمن بن عبد الله وقد سُئل عن عمه: هو جالس يكذب على العرب. فقال الشيخ المعلمي: "مَنْ عبد الرحمن ابن أخي الأصمعي يا أستاذ؟! وهل عرفه الناس إلا بكلمات يرويها عن الأصمعي؟ ومن جعله بحيث تعارض بما حُكي عنه نصوصَ أئمة الإسلام في توثيق الأصمعي". اهـ. • وفي ترجمة: عمر بن الحسن أبي الحسين الشيباني القاضي المعروف بابن الأشناني (170): قال الشيخ المعلمي: "حكى الخطيب عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه سأل الدارقطني عن هذا الرجل فقال: "ضعيف"، وعن الخلال أنه قال: "ضعيف تكلموا فيه". فأما السلمي فأراهم يحتملون حكاياته عن الدارقطني مع أنه على يدي عَدْلٍ، راجع ترجمته في (لسان الميزان) ج 5 ص 140 ومع ذلك لم يفسِّر السببَ، وكذلك كلمة الخلال.

الفرع الثالث: مواضع تعقبتها على الشيخ للمعلمي، وبينت فيها عدم ثبوت أقوال الجرح والتعديل التي عول عليها - لافتقاده للمصادر غالبا

وقال الخطيب: "بلغني عن الحاكم أبي عبد الله بن البيع النيسابوري قال: سمعت أبا الحسن الدارقطني يذكر ابن الأشناني، فقلت: سألتُ عنه أبا على الحافظ، فذكر أنه ثقة، فقال: بئس ما قال شيخنا أبو علي ... ولم يذكر الخطيب مَنْ بَلَّغَهُ عن الحاكم. وقال الذهبي في (الميزان): "يُروى عن الدارقطني أنه كذاب، ولم يصح هذا". والظاهر أن الذهبي عني هذه الحكاية، وأنها لم تصح؛ للجهالة بمن بَلَّغَ الخطيبَ. أما ابن حجر فقال في (اللسان): "قال الحاكم: قلت للدارقطني: سألت أبا علي الحافظ عنه؟ فذكر أنه ثقة. فقال: بئسما ما قال شيخنا أبو علي". كذا جزم، مع أن من عادته أن لا يجزم بما لا يصح. ... والذي يتجه هو ما أشار إليه الذهبي أن الحكاية التي قال فيها الخطيب: "بلغني عن الحاكم ... " لا تثبت؛ لجهالة من بَلَّغَ الخطيبَ". اهـ. الفرع الثالث: مواضع تعقبتُها على الشيخ للمعلمي، وبَيَّنْتُ فيها عدم ثبوت أقوال الجرح والتعديل التي عَوَّل عليها - لافتقاده للمصادر غالبا: • خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك الهمداني، أبو هاشم الدمشقي. في "الفوائد" (241): "ضعيف جدًّا، اتهمه ابن معين بالكذب". وله ترجمة في "التنكيل" رقم (88): "قال ابن معين: بالشام كتاب ينبغي أن يدفن، "كتاب الديات" لخالد بن يزيد بن أبي مالك، لم يرض أن يكذب على أبيه حتى كذب على الصحابة. قال أحمد بن أبى الحواري: سمعت هذا الكتاب من خالد ثم أعطيته للعطار فأعطى الناس فيه حوائج. وقال أحمد: ليس بشيء. وقال النسائي: غير ثقة.

وضعفه الدارقطني وأبو داود، وزاد: متروك الحديث، وقال أبو حاتم: يروي أحاديث مناكير، وقال ابن حبان في المجروحين: هو من فقهاء الشام، كان صدوقًا في الرواية، ولكنه كان يخطىء كثيرًا، وفي حديثه مناكير، لا يعجبني الإحتجاج به إذا انفرد عن أبيه، وما أقربه ممن يشبه إلى التعديل، وهو ممن استخير الله فيه. اهـ. لكن قال الشيخ المعلمي: "ومع ذلك فقد وثقه أحمد بن صالح المصري والعجلي وبلديُّهُ أبو زرعة الدمشقي، وقال ابن عديّ: لم أر من أحاديث خالد هذا إلا كل ما يحتمل في الرواية أو يرويه ضعيف فيكون البلاء من الضعيف لا منه. وكتاب الديات قد يكون ما فيه مما استنكره ابن معين مما أخذه خالد عن الضعفاء فأرسله والله أعلم. اهـ. قال أبو أنس (¬1): أما توثيق أحمد بن صالح المصري وأبي زرعة الدمشقي، فقد أسند ابن عساكر في تاريخه (5 ق 567 - الظاهرية) إلى أبي زرعة الدمشقي -من غير طريق أبي الميمون البجلي راوي التاريخ عن أبي زرعة- قال أبو زرعة في ذكر نفر ثقات: خالد بن أبي مالك، بلغني عن أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين أنه قال: "سألت أحمد بن صالح فقلت له: خالد بن يزيد بن أبي مالك، ثقة؟ فقال: نعم". اهـ. ففي الاعتداد بهذا النقل نظرٌ من وجوه: أولًا: ذِكْرُ أبي زرعة لخالد في نفر ثقاتٍ إنما بناه على ما حكاه عن أحمد بن صالح , وسيأتي ما فيه. ¬

_ (¬1) نقلا من تعليقي على ترجمة خالد هذا في القسم الأول من هذا الكتاب رقم (246).

ثانيًا: لم يُبَيِّن أبو زرعة مَنْ بَلَّغَهُ عن أحمد بن رشدين، وفي الاعتداد بهذا البلاغ مقابل ما استفاض عن الأئمة من تضعيف خالد نظرٌ كبير. ثالثًا: أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين -سبقت ترجمته- ضعيف، بل نقل ابن عدي في "الكامل" قصة فيها تكذيب أحمد صالح المصري له، فلا يمكن التعويل على ما حكاه هنا -إن صَحَّ عنه- كما تقتضيه قواعد أهل الفن في قبول أقوال الجرح والتعديل. وأما العجلي فحاله في التوثيق معلوم. والظن بالشيخ المعلمي: أنه لو اطلع على ما سبق لما عَوَّل عليه وأنه إنما اعتمد على نقل المتأخرين توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد بن يزيد، دون إيراد إسناد هذا التوثيق عند ابن عساكر؛ لأن من منهج المعلمي اعتبار أسانيد الجرح والتعديل كما هو واضح مما سبق. والمقصود أن ما ورد من توثيق أبي زرعة وأحمد بن صالح لخالد لا تقوم به الحجة من حيث النقل، ولا يصلح أن يكون خادشًا في اتفاق الأئمة على ضعف خالد وطرحه. وأما ابن عدي فكلامه محمول على نحو كلام ابن حبان، وهو أنه صدوق في الأصل، وأن ما في روايته من الضعف فمما يحتمل، فلا يسقط أو يترك لأجله، وإن كان هو في نفسه ضعيف لا يحتج به، لا سيما وفي أسانيد بعض ما استُنكر عليه ضعفاءُ غيره، فرأى ابن عدي أنه بريء من ذلك، وأن البلاء فيه من غيره. لكن إذا كان هذا هو اجتهاد ابن عدي ونحوه ابن حبان في حال خالد بن يزيد، فإن الأئمة المتقدمن هم أعلمُ، وأمكنُ، وأقربُ إلى خالد، وأَدْرَى بحقيقة حاله، والله تعالى الموفق.

• عبد الله بن زياد بن سمعان: قال الشيخ المعلمي في التنكيل (1/ 151) - تعقيبا على قول الكوثري: أجمعوا على ترك حديثه، قال: "فيه نظر؛ فقد أكثر عنه ابن وهب ووثقه على ما في "مختصر كتاب العلم لابن عبد البر" ص: 199، ومجموع كلامهم فيه يدل أنه صدوق في الأصل، فلا بأس بإيراده في المتابعات والشواهد. اهـ. قال أبو أنس (¬1): ابنُ سمعان كَذَّبَه: هشام بن عروة، ومالك بن أنس، وابن إسحاق، وإبراهيم بن سعد، وابن معين، وأحمد بن صالح المصري، وأبو داود السجستاني، وغيرهم. وقال البخاري: "سكتوا عنه" -وهو لا يقولها إلا فيمن لا تحل الرواية عنه-، وقال أبو حاتم: "سبيله سبيل الترك"، وتركه جماعة. وأما ابن وهب، ففي تاريخ أبي زرعة الدمشقي (ص 397): حدثنا أحمد بن صالح قال: قلت لابن وهب: ما كان مالك يقول في ابن سمعان؟ قال: لا يقبل قول بعضهم في بعض. اهـ. ورواه -بهذا اللفظ- ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (10 / ق 46 - الظاهرية) ورواية التاريخ من طريق أبي محمد بن أبي نصر، واسمه عبد الرحمن بن عثمان بن القاسم التميمي -وهو ثقة عدل عفيف كانت عنده أصول حسنة بخطوط الوراقين المعروفين، ترجمته في "تاريخ دمشق" (10 / ق 46 - الظاهرية) - عن أبي الميمون البجلي الدمشقي واسمه: عبد الرحمن بن عبد الله بن راشد، صاحب أبي زرعة وراوي كتاب التاريخ عنه - عن أبي زرعة. ¬

_ (¬1) نقلا من تعليقي على ترجمة ابن سمعان من القسم الأول رقم (395).

وروى ابن عدي هذه الحكاية في ترجمة ابن سمعان من "الكامل" عن شيخه يوسف بن الحجاج -وهو يوسف بن أحمد بن عبد الرحيم بن الحجاج أبو يعقوب الاستراباذي، له ترجمة في "تاريخ جرجان" رقم (999) ولم يذكر حمزة السهمي فيه جرحًا ولا تعديلا- قال: ثنا أبو زرعة الدمشقي، بمثل رواية أبي الميمون البجلي عن أبي زرعة. وأورد الحكاية بمثل هذا اللفظ كُلٌّ من: المزي والذهبي وابن حجر، ولم يذكروا توثيق ابن وهب لابن سمعان صراحةً. لكن قال ابن عبد البر في كتاب "جامع بيان العلم وفضله" في باب: حكم قول العلماء بعضهم في بعض ص (510): أخبرنا خلف بن القاسم، قال: حدثنا أبو الميمون البجلي، قال حدثنا أبو زرعة الدمشقي، قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: سألت عبد الله بن وهب، عن عبد الله بن يزيد (كذا والصواب: زياد) ابن سمعان فقال: ثقة، فقلت: إن مالكًا يقول فيه: كذاب، فقال: لا يقبل قول بعضهم في بعض. اهـ. ونقل مغلطاي في إكماله (4 / ق 270 ب) هذا التوثيق عن هذا الموضع، فالظاهر أنه لم يرد مصرحًا به إلا فيه، وهو محلُّ نظر، فأبو محمد بن أبي نصر بلديُّ أبي الميمون البجلي، وراوي كتاب التاريخ عنه، والذي اعتمده المصنفون في رواية التاريخ - لم يذكر هذا التوثيق، وكذا لم يذكره شيخُ ابن عدي عن أبي زرعة. وخلف بن القاسم -شيخ ابن عبد البر- ثقة مكثر، وهو قرطبي سمع بدمشق من أبي الميمون، إلا أن بلديَّ الرجل أعرف به وأمكن في الرواية عنه في الغالب -كما هو معلوم، ودخول الخلل في رواية خَلَف بن القاسم- كالرواية بالمعنى أو الوهم وغير ذلك ممكن هنا؛ لأنه قد يُفهم من رَدِّ ابن وهب تكذيب مالك لابن سمعان ما يقتضي توثيق ابن وهب له، وليس بلازم، فقد يَرُدُّ التكذيب، ويُثبت ما دونه.

وعلى كل حال، لو فرضنا ثبوت هذا التوثيق عن ابن وهب، فابن وهب كان من المكثرين، ولم يُعرف عنه التوقي في انتقاء مشايخه، وكان حسن الظن بابن سمعان، وكان يجالسه ويأخذ عنه، كما كان بعض الأئمة والثقات يجالسونه ويأخذون عنه، إلا أنه قد تبين لهم ما لم يتبين لابن وهب، فمنهم من صرح بكذبه، ومنهم من تركه. قال عبد الله بن المبارك: أقمت عليه -يعني: ابن سمعان- كذا وكذا، وحملت عنه، فحدث يومًا عن مجاهد عن ابن عباس، فقلت: إنك كنت ذكرت هذا عن مجاهد، فقال: أو ليس مجاهد يحدث عن ابن عباس! فكرهت حديثه وتركته. وقال أبو بكر بن أبي أويس: كنت أجالس عبد الله بن زياد بن سمعان، فكنا نرى أنه أخذ كتبًا غير سماع، فبينا هو يحدث إذ انتهى إلى حديثٍ لشهر بن حوشب، فقال: شهر بن جوست. فقلت: من هذا؟ فقال: رجل من أهل خراسان، اسمه من أسماء العجم. فقلت: لعلك تريد: شهر بن حوشب. فقلنا حينئذ: إنه يأخذ من الكتب. قال أبو معشر معقبًا: ابن سمعان إنما أخذ كتبه من الدواوين والصحف. وكان عبد الله بن سمعان يحدث عن: عبد الله بن عبد الرحمن، فكان أحمد بن صالح المصري يقول إنه يغير أسماء الله، قال: وهذا كذب، ولما سأل ابنُ وهب ابنَ سمعان عن: عبد الله بن عبد الرحمن هذا، قال له ابن سمعان: لقيتُه في البحر. وابن وهب لم يُعرف بتتبع أحوال الرواة ونقدهم كما عُرف غيره ممن كشف حقيقة ابن سمعان وطعن فيه، فهذه واقعة واحدة، دَلَّس فيها ابنُ سمعان تدليسًا فاحشًا، فحدَّث عمن لا وجود له، واستعار له هذا الاسم المخترع، فعدَّه أحمد بن صالح كذبًا، ومَشَّاه ابن وهب، مع مراوغة ابن سمعان له حين سأله عنه، فقال: لقيته في البحر، ومقتضى ذلك أنه لا سبيل لابن وهب ولا لغيره إلى معرفته أو الوصول إليه!

والحاصل أن ابن سمعان إن لم يكن يضع الحديث وضعًا - كما ظنه أحمد بن صالح، فهو يكذب ويدَّعي سماع أقوام لم يسمع منهم بل لم درهم -كما قال غير واحد- ويأخذ صحفًا فيرويها من غير سماع، فليس هو بأهلٍ أن يُكتب عنه أصلًا، وعلى هذا قول النقاد من أهل العلم -كما سبق النقل عنهم آنفًا-، وقول ابن وهب في مثل هذا شذوذ لا يُلتفت إليه، والله تعالى أعلم (¬1). * * * ¬

_ (¬1) انظر نموذجا آخر في ترجمة: علي بن زيد بن عبد الله أبي الحسن الفرائضي من القسم الأول رقم (528).

المسألة الثالثة البحث في مقتضى كل من الجرح والتعديل عند القائل بهما، خشية أن تكون هناك مصطلحات خاصة بالقائل

المسألة الثالثة البحث في مقتضى كُلٍّ من الجرح والتعديل عند القائل بهما، خشيةَ أن تكون هناك مصطلحات خاصة بالقائل • قال الشيخ المعلمي في الأمر التاسع من "كيف البحث عن أحوال الرواة": "ليبحث عن رأي كُلِّ إمامٍ من أئمة الجرح والتعديل واصطلاحه، مستعينًا على ذلك بتتبع كلامه في الرواة, واختلاف الرواية عنه في بعضهم، مع مقارنة كلامه بكلام غيره. فقد عرفنا في الأمر السابق رأي بعض من يوثق المجاهيل من القدماء إذا وجد حديث الراوي منهم مستقيمًا، ولو كان حديثًا واحدًا لم يروه عن ذاك المجهول إلا واحد. فإن شئتَ فاجعل هذا رأيًا لأولئك الأئمة؛ كابن معين، وإن شئت فاجعله اصطلاحًا في كلمة "ثقة"، كأن يراد بها استقامة ما بلغ الموثِّق من حديث الراوي، لا الحكم للراوي نفسه بأنه في نفسه بتلك المنزلة. وقد اختلف كلام ابن معين في جماعةٍ، يوثق أحدهم تارة ويضعفه أخرى، منهم: ... وجاء عنه توثيق جماعة، ضعفهم الأكثرون، منهم: ... وهذا يُشعر بأن ابنَ معين كان ربما يطلق كلمة: "ثقة" لا يريد بها أكثر من أن الراوي لا يتعمد الكذب. وقد يقول ابن معين في الراوي مرة: "ليس بثقة" ومرة: "ثقة" أو: "لا بأس به" أو نحو ذلك (راجع تراجم: جعفر بن ميمون التميمي، وزكريا بن منظور، ونوح بن جابر).

وربما يقول في الراوي: "ليس بثقة"، ويوثقه غيره (راجع تراجم: عاصم بن علي، وفليح بن سليمان، وابنه محمد بن فليح، ومحمد بن كثير العبدي). وهذا قد يُشعر بأن ابن معين قد يطلق كلمة: "ليس بثقة" على معنى أن الراوي ليس بحيث يقال فيه "ثقة" على المعنى المشهور لكلمة "ثقة". فأما استعمال كلمة "ثقة" على ما هو دون معناها المشهور، فيدل عليه مع ما تقدم أن جماعة يجمعون بينها وبين التضعيف. قال أبو زرعة في: عمر بن عطاء بن وراز: "ثقة ليِّن"، وقال الكعبي -كذا وصوابه: العجلي- في: القاسم أبي عبد الرحمن الشامي: "ثقة يكتب حديثه وليس بالقوي". وقال ابن سعد في: جعفر بن سليمان الضبْعِي: "ثقة, وبه ضعف". وقال ابن معين في: عبد الرحمن بن زياد بن أنْعُم: "ليس به بأس، وهو ضعيف"، وقد ذكروا أن ابن معين يطلق كلمة "ليس به بأس" بمعنى "ثقة". وقال يعقوب بن شيبة في: ابن أنْعُم هذا: "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق، رجل صالح"، وفي: الربيع بن صبيح: "صالح صدوق ثقة، ضعيف جدًّا". وراجع تراجم: إسحاق بن يحيى بن طلحة، وإسرائيل بن يونس، وسفيان بن حسين، وعبد الله بن عمر بن حفص (¬1) بن عاصم، وعبد الأعلى بن عامر الثعلبي، وعبد السلام بن حرب، وعلي بن زيد بن جدعان، ومحمد بن مسلم بن تدرس، ومؤمل بن إسماعيل، ويحيى بن يمان. وقال يعقوب بن سفيان في: أجلح: "ثقة، في حديثه لين"، وفي: محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى: "ثقة عدل، في حديثه بعض المقال، لين الحديث عندهم". ¬

_ (¬1) في "التنكيل": "جعفر"، وهو خطأ.

وأما كلمة "ليس بثقة" فقد روى بشر بن عمر عن مالك إطلاقها في جماعةٍ، منهم: صالح مولى التَّوْءمَة، وشعبة مولى ابن عباس، وفي ترجمة مالك من "تقدمة الجرح والتعديل" لابن أبي حاتم عن يحيى القطان، أنه سأل مالكًا عن صالح هذا؟ فقال: "لم يكن من القراء" (¬1)، وسأله عن شعبة هذا فقال: "لم يكن من القراء". فأما صالح، فأثنى عليه أحمد وابن معين، وذكر أنه اختلط بأخرة، وأن مالكًا إنما أدركه بعد الاختلاط. وأما شعبة مولى ابن عباس، فقال أحمد: "ما أرى به بأسًا"، وكذا قال ابن معين، وقال البخاري: "يتكلم فيه مالك، ويحتمل منه". قال ابن حجر: "قال أبو الحسن ابن القطان الفاسي: قوله "ويحتمل منه" يعني من شعبة، وليس هو ممن يترك حديثه، قال: ومالك لم يضعفه، وإنما شَحَّ عليه بلفظة ثقة - قلت: هذا التأويل غير شائع بل لفظة "ليس بثقة" في الاصطلاح توجب الضعف الشديد .. وكلمة "ليس بثقة" حقيقتها اللغوية نفي أن يكون بحيث يقال له "ثقة"، ولا مانع من استعمالها بهذا المعنى، وقد ذكرها الخطيب في "الكفاية" في أمثلة الجرح غير المفسر. واقتصار مالك في رواية يحيى القطان على قوله: "لم يكن من القراء" يشعر بأنه أراد هذا المعنى. نعم إذا قيل: "ليس بثقة ولا مأمون" تَعَيَّنَ الجرحُ الشديد، وإن اقتصر على "ليس بثقة" فالمتبادرُ جرحٌ شديدٌ، ولكن إذا كان هناك ما يُشعر بأنها استعملت في المعنى الآخر حُملت عليه وهكذا كلمة "ثقة" معناها المعروف: التوثيق التام، فلا تُصرف عنه إلا بدليل، إما قرينة لفظية؛ كقول يعقوب: "ضعيف الحديث، وهو ثقة صدوق" ¬

_ (¬1) سبق التعليق على نسبة قول مالك هذا في صالح، فراجعه.

وبقية الأمثلة السابقة، وإما حالية منقولة، أو مستدل عليها بكلمة أخرى عن قائلها، كما مر في الأمر السابع عن "لسان الميزان" أو عن غيره، ولا سيما إذا كانوا هم الأكثر. فتدبر ما تقدم، وقابِلْه بما قاله الكوثري في "الترحيب" (ص 15)، قال: "وكم من راوٍ يُوثَّقْ ولا يُحتج به، كما في كلام يعقوب الفَسَوي، بل كم ممن يوصف بأنه صدوق ولا يعد ثقة، كما قال ابن مهدي: أبو خلدة صدوق مأمون، الثقة سفيان وشعبة". وعلى الأستاذ مؤاخذات: ... الثالثة: أن كلمة ابن مهدي تعطي بظاهرها أن كلمة "ثقة" إنما تطلق على أعلى الدرجات كشعبة وسفيان، ومع العلم بأن ابن مهدي وجميع الأئمة يحتجون برواية عدد لا يُحصون ممن هم دون شعبة وسفيان بكثير، فكلمته تلك تعطي بظاهرها أن من كان دون شعبة وسفيان فإنه وإن كان عدلا ضابطًا تقوم الحجة بروايته، فلا يقال له: "ثقة"، بل يقال: "صدوق" ونحوها. الرابعة: أن كلمة ابن مهدي بظاهرها منتقدة من وجهين: الأول: أنه وكافة الأئمة قبله وبعده يطلقون كلمة "ثقة" على العدل الضابط، وإن كان دون شعبة وسفيان بكثير. الثاني: أن "أبا خلدة" قد قال فيه يزيد بن زريع، والنسائي، وابن سعد، والعجلي، والدارقطني: "ثقة"، وقال ابن عبد البر: "هو ثقة عند جميعهم، وكلام ابن مهدي لا معنى له في اختيار الألفاظ. وأصل القصة أن ابن مهدي كان يحدث، فقال: "حدثنا أبو خلدة"، فقال له رجل: "كان ثقة؟ " فأجاب ابن مهدي بما مَرَّ.

فيظهر لي أن السائل فَخَّمَ كلمةَ "ثقة"، ورفع يده, وشدَّها بحيث فهم ابن مهدي أنه يريد أعلى الدرجات، فأجابه بحسب ذلك، فقوله: "الثقة شعبة وسفيان" أراد به الثقة الكامل الذي هو أعلى الدرجات، وذلك لا ينفي أن يُقال فيمن دون شعبة وسفيان: "ثقة" على المعنى المعروف، وهذا بحمد الله تعالى ظاهر، وإن لم أر من نبَّه عليه. وقريبٌ منه أن المروذي قال: "قلت لأحمد بن حنبل: عبد الوهاب بن عطاء ثقة؟ فقال: ما تقول؟ إنما الثقة يحيى القطان" وقد وثق أحمد مئات من الرواة يُعلم أنهم دون يحيى القطان بكثير. الخامسة: أن قيام الدليل على إطلاق بعضهم في بعض المواضع كلمة "ثقة" كما قدمتُ أنا أمْثِلتَهُ، لا يُسَوِّغُ أن تحمل على ذلك المعنى حيث لا دليل". اهـ. * * *

المسألة الرابعة البحث في مظنات دخول الخلل على الجرح أو التعديل

المسألة الرابعة البحث في مظنات دخول الخلل على الجرح أو التعديل نماذج من هذا الخلل: 1 - اشتباه الأسماء ووقوع الخطأ فيمن قيل فيه ذاك القول: قال المعلمي رحمه الله: "إذا وجد ترجمةً بمثلِ ذاك الاسم، فليتثبت، حتى يتحققَ أن تلك الترجمة هي لذاك الرجل؛ فإن الأسماء كثيرًا ما تشتبه، ويقع الغلط والمغالطة فيها (¬1) ... (و) ليستثبت أن تلك الكلمة قيلت في صاحب الترجمة؛ فإن الأسماء تتشابه، وقد يقول المحدث كلمة في راوٍ، فيظنها السامع في آخر، ويحكيها كذلك، وقد يحكيها السامع فيمن قيلت فيه، ويخطىء بعض من بعده فيحملها على آخر ... ". 2 - نقل أقوال الجرح والتعديل بتصرفٍ يُخِلُّ بالمعنى لا سيما عند النقل بواسطة: وقال رحمه الله: " (و) إذا رأى في الترجمة: "وثقه فلان" أو "ضعفه فلان" أو "كذبه فلان"، فليبحث عن عبارة فلان، فقد لا يكون قال: "هو ثقة" أو "هو ضعيف" أو "هو كذاب" ... (و) أصحاب الكتب كثيرًا ما يتصرفون في عبارات الأئمة بقصد الاختصار أو غيره، وربما يخل ذلك بالمعنى، فينبغي أن يراجع عدة كتب، فإذا وجد اختلافًا، بحث عن العبارة الأصلية ليبني عليها". ¬

_ (¬1) راجع النوع الأول من مجازفات الكوثري ومغالطاته من "الطليعة"، ففيها نماذج لذلك.

المسألة الخامسة اختبار الواقع العملي لحال الراوي، كاستقامة مروياته، ومدي حظوته بقبول معاصريه من المحدثين وأهل العلم؛ لتوجيه بعض ما يحتاج إلى توجيه مما قيل فيه من جرح

المسألة الخامسة اختبار الواقع العملي لحال الراوي، كاستقامة مروياته، ومدي حظوته بقبول معاصريه من المحدثين وأهل العلم؛ لتوجيه بعض ما يَحتاج إلى توجيه مما قيل فيه من جرح • في ترجمة: إبراهيم بن سعيد الجوهري من "الطليعة" (ص 45) و"التنكيل" (5): قال الشيخ المعلمي: "إبراهيم بن سعيد الجوهري، هو من شيوخ مسلم في (صحيحه) ومن كبار الحفاظ، قال فيه أحمد بن حنبل: "كثير الكتاب، كتب فأكثر" وقال الكوثري نفسه ص 151: "كان إبراهيم بن سعيد الجوهري يقول: كل حديث لم يكن عندي من مائة وجه فأنا فيه يتيم". وكان من عادةِ المكثرين أن يترددوا إلى كبار الشيوخ؛ ليسمعوا منهم، فربما جاء أحدهم إلى شيخٍ، قد سمع منه ما لم يسمعه مِنْ قَبل، فيتفق أن يشرعَ الشيخُ يحدثُ بجزءٍ، قد كان ذاك المكثر سمعه منه قيل ذلك، فلا يعتني باستماعه ثانيًا أو ثالثًا؛ لأنه يرى ذلك تحصيلَ حاصلٍ، فكأنه اتفق لإبراهيم هذا واقعة من هذا القبيل. فحكى عبد الرحمن بن خراش قال: سمعت حجاج بن الشاعر يقول: رأيت إبراهيم بن سعيد عند أبي نعيم، وأبو نعيم يقرأ، وهو نائم - وكان الحجاج يقع فيه. .. فعبارةُ حجاجٍ تحتمل ما قدمنا، ليس فيها ما يدل على أن إبراهيم صار بعد ذلك المجلس يروي عن أبي نعيم أحاديثَ، يزعم أنه تلقاها في ذاك الوقت الذي كان إبراهيم فيه نائما.

وكلمة حجاج لا تقتضي إلا مرة واحدة، وأما قول ابن خراش: "وكان حجاج يقع فيه" فإن عَني تلك الكلمة، بان حالُها، وإن عناها وغيرَها، فالوقيعة في الإنسان معناها مطلقُ الذمِّ، كأن يكون قال مرة تلك الكلمة، وقال مرة: لم يكن بالذكي، وقال أخرى: مغرمٌ بالكتابة عن كُلِّ أحدٍ لِيُقالَ: مكثر، ونحو ذلك من الكلمات التي لا توجب جرحا". اهـ. • وفي ترجمة حاجب بن أحمد الطوسي من "التنكيل" (67): (قال مسعود بن علي السجزي: سألت الحاكم عنه فقال) (¬1): "لم يسمع حديثا قط , لكنه كان له عمٌّ قد سمع، فجاء البَلاذُري إليه فقال: هل كنت تحضر مع عمك في المجلس؟ قال: بلى، فانتخب له من كتب عمِّهِ تلك الأجزاء الخمسة. وقال الحاكم في (تاريخه): بلغني أن شيخنا أبا محمد البلاذري كان يشهد له بِلُقِيّ هؤلاء، وكان يزعم أنه ابن مائة وثماني سنين، سمعت منه ولم يصل إلي ما سمعت منه ... ". قال الشيخ المعلمي: "فظهر بهذا أن قوله أولًا: "لم يسمع حديثا قط" إنما أراد به أنه لم يتصد للسماع بنفسه , وإنما كان عمُّه يُحضره معه مجالس السماع (¬2)، والبَلاذُرى حافظٌ أثنى عليه الحاكم، انظر ترجمته في "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص: 101)، ولم يغمزوا حاجبًا في عدالته، ولا أنكروا عليه شيئًا من مروياته، ويؤخذ مما تقدم أنه إنما كان يروي تلك الأجزاء التي انتخبها له البلاذري من أصول عمِّهِ لم يتعدها، وأحاديثه في (سنن البيهقي) أحاديث معروفة تدل على صدقه وأمانته، وقد روى عنه ابن منده , والقاضي أحمد ¬

_ (¬1) من كتب الذهبي. (¬2) وهذا واضح بحمد الله, لكن قال الذهبي في "سير النبلاء" (15/ 337): واتهمه الحاكم، وقال: لم يسمع شيئًا، وهذه كتب عمه. كذا قال الذهبي، وفيه نظر.

ابن الحسن الحرشي، وهما من الثقات الأثبات ... " (¬1). • وفي ترجمة: عبد الواحد بن علي بن برهان العكبري من "التنكيل" (149): قال ابن الجوزي في ترجمة أبي الحسن التميمي عبد العزيز بن الحارث: "العكبري لم يكن من أهل الحديث والعلم، إنما كان يعرف شيئًا من الحديث ... وكان معتزليًا يقول: إن الكفار لا يخلدون في النار ... فمن كان اعتقاده يخالف إجماع المسلمين فهو خارج عن الإسلام، فكيف يُقبل جرحه؟. وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: كان ابن برهان يميل إلى المرد ويقبلهم". وقال في ترجمة عبد الواحد من "المنتظم" (ج 8 ص 236): " ... وذكر محمد بن عبد الملك: كان ابن برهان يميل إلى المرد الصباح، ويُقَبِّلُهُم من غير ريبة. وقوله: من غير ريبة، أقبح من التقبيل، لأن النظر إليهم ممنوع منه إذا كان بشهوة، فهل يكون التقبيل بغير شهوة". وفي "لسان الميزان" (4/ 82): " ... وقد بالغ محمد بن عبد الملك الهمذاني في "تاريخه" فقال: كان يمشي مكشوف الرأس، وكان يميل إلى المردان من غير ريبة، ووقف مرة على مكتب عند خروجهم، فاستدعى واحدًا واحدًا فيقبله ويدعو له ويسبح الله، فرآه ابن الصباغ، فدَسَّ له واحدًا قبيح الوجه فأعرض عنه, وقال: يا أبا نصر، لو غيرك فعل بنا". ¬

_ (¬1) وقال الذهبي في "تاريخ الإسلام" الطبقة (34): وقال أبو نصر بن ماشاذة: قلت للحافظ أبي عبد الله ابن مندة: ما تقول في حاجب بن أحمد؟ فقال: هو ثقة ثقة. وقال ابن حجر في "اللسان" (1/ 146): وقد رأيت ابن طاهر روى حديثًا من طريقه, وقال عقبه: "رواته أثبات ثقات".

وفي ترجمة عبد الواحد من "تاريخ بغداد" (11/ 17): "كان يُذكر أنه سمع من أبي عبد الله ابن بطة وغيره، إلا أنه لم يرو شيئًا، وكان مضطلعًا بعلوم كثيرة، منها: النحو، واللغة، ومعرفة النسب، والحفظ لأيام العرب، وأخبار المتقدمين، وله إنس شديد بعلم الحديث". فقال الشيخ المعلمي: "فقد كان ابن برهان على بدعته من أهل العلم والزهد والمنزلة بين العلماء, ومحمد ابن عبد الملك الهمذاني لا أعرف ما حاله؟ وقد ذكر ابن حجر أنه بالَغَ. وقد تصرف ابن الجوزي في عبارة الهمذاني؛ ففي موضعٍ زاد فيها: "ويقبلهم"، وحذف: "من غير ريبة"، وفي موضعٍ زاد: "الصباح فيقبلهم"، وإنما أخذ الصباحة والتقبيل من قصة المكتب. وقد كان ببغداد في ذاك العصر عددٌ كثيرٌ من مشاهير العلماء، ما منهم إلا من يُخالفُ عبدَ الواحد في العقيدة والمذهب أو أحدهما. وكان عبدُ الواحد على غاية الصيانة؛ ذكروا أنه: "لما ورد الوزيرُ عميدُ الدين إلى بغداد، استحضره، فأعجبه كلامه، فعرض عليه مالًا، فلم يقبله، فأعطاه مصحفًا بخَطِّ ابنِ البواب وعكازةً حُملت إليه من الروم مليحة، فأخذهما، فقال له أبو علي ابن الوليد المتكلِّم: أنت تحفظ القرآن وبيدك عصا تتوكأ عليها، فلم تأخذ شيئًا فيه شبهة؟ فنهضَ ابنُ برهان في الحال إلى قاضي القضاة ابن الدامغاني، وقال له: لقد كدتُ أهلكُ، حتى نبهني أبو علي بن الوليد، وهو أصغر سنًا مني، وأريد أن تعيد هذه العكازة والمصحف على عميد الدين فما يصحباني، فأخذهما وأعادهما عليه". أفما كان في ذاك الجمِّ الغفيرِ من أهل العلم مَنْ يُنكرُ على ابن برهان ما نَسبه ابنُ الجوزي إليه؟!

وما كان فيهم من يَعيبه بذلك على الأقل؟ مع مخالفتهم له كما سلف، فما بالنا لا نعرف عنهم كلمة واحدة في ذلك إلا تلك الشاذة من ذاك الهمذاني؟ وليس المقصودُ رَدَّ كلمةِ الهمذاني، وإنما المقصودُ تجريدُها عما فيها من المبالغة التي أشار إليها ابن حجر ... ". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن جعفر بن حمدان بن مالك أبي بكر القطيعي منه (12): قال الكوثري: "مختلط فاحش الاختلاط .... ". فقال الشيخ المعلمي: "قضية الاختلاط ذكرها الخطيب في (التاريخ) ج 4 ص 73، قال: "حُدِّثْتُ عن أبي الحسن ابن الفرات .... ، وذكرها الذهبي في (الميزان) عن ابن الصلاح قال: "اختل في آخر عمره حتى كان لا يعرف شيئا مما يُقرأ عليه , ذكر هذا أبو الحسن ابن الفرات". والظاهر أن ابن الصلاح إنما اخذ ذلك مما ذكره الخطيب، ولا ندري مَن حدث الخطيب، ومع الجهالة به لا تثبت القصة، لكن ابن حجر شدها بأن الخطيب حكى في ترجمة أحمد بن أحمد السيبِي أنه قال: "قدمت بغداد وأبو بكر بن مالك حي .... فقال لنا ابن الفرضي: لا تذهبوا إلى ابن مالك، فإنه قد ضعف واختل ومنعت ابني السماع منه". وهذه الحكاية في (التاريخ) ج 4 ص 4، لكن ليس فيها ما في تلك المنقطعة مما يقتضي فحش الاختلاط. وقد قال الذهبي في (الميزان) بعد ذكر الحكاية الأولى: "فهذا القول غلو وإسراف". أقول: ويدل على أنه غلو وإسراف أن المشاهير من أئمة النقد في ذلك العصر كالدارقطني والحاكم والبرقاني لم يذكروا اختلاطًا ولا تغيرًا.

وقد غمزه بعضهم بشيء آخر قال الخطيب: "كان بعض كتبه غرق، فاستحدث نسخها من كتابٍ لم يكن فيه سماعه، فغمزه الناس، إلا أنا لم نر أحدًا امتنع من الرواية عنه ولا ترك الاحتجاج به، وقد روى عنه من المتقدمين: الدارقطني وابن شاهين .... سمعت أبا بكر البرقاني سئل عن ابن مالك، فقال: كان شيخًا صالحًا .... ثم غرقت قطعة من كتبه بعد ذلك، فنسخها من كتابٍ ذكروا أنه لم يكن سماعه فيه، فغمزوه لأجل ذلك، وإلا فهو ثقة". قال الخطيب: "وحدثني البرقاني قال؛ كنت شديد التنقير عن حال ابن مالك، حتى ثبت عندي أنه صدوق لا يُشك في سماعه، وإنما كان فيه بُلْه، فلما غرقت "القطيعة" بالماء الأسود، غرق شيء من كتبه، فنسخ بدل ما غرق من كتابٍ لم يكن فيه سماعه". أقول؛ أجاب ابن الجوزي في (المنتظم) ج 7 ص 93 عن هذا بقوله: "مثل هذا لا يطعن به عليه؛ لأنه يجوز أن تكون الكتب قد قُرأت عليه، وعُورض بها أصلُه، وقد رَوى عنه الأئمة، كالدارقطني وابن شاهين والبرقاني وأبي نعيم والحاكم". أقول: وقال الحاكم "ثقة مأمون"، ... والذين ذكروا الاستنساخ لم يذكروا أنه رَوى مما استنسخه، ولو علموا ذلك لذكروه؛ لأنه أَبْيَنُ في التليين، وأبلغ في التحذير، وليس من لازم الاستنساخ أن يروي عما استنسخه، ولا أن يعزم على ذلك، وكأنهم إنما ذكروا ذلك في حياته لاحتمال أن يروي بعد ذلك عما استنسخه، وقد قال الخطيب في (الكفاية) ص 109: "ومذاهب النقاد للرجال غامضة دقيقة، وربما سمع بعضهم في الراوي أدنى مغمز فتوقف عن الاحتجاج بخبره وإن لم يكن الذي سمعه موجبًا لرد الحديث ولا مسقطًا للعدالة، ويرى السامع أن ما فعله هو الأولى رجاء إن كان الراوي حيًا أن يحمله على التحفظ وضبط نفسه عن الغميزة، وإن كان ميتًا أن ينزله من ثقل عنه منزلته، فلا يلحقه بطبقة السالمين من ذلك المغمز. ومنهم

من يرى أن من الاحتياط للدين إشاعة ما سمع من الأمر المكروه الذي لا يوجب إسقاط العدالة بانفراده حتى ينظر هل من أخوات ونظائر ... ". فلما ذكروا في حياة القطيعي أنه تغير، وأنه استنسخ من كتاب ليس عليه سماعه، كان هذا على وجه الاحتياط، ثم لما لم يذكروا في حياته ولا بعد موته أنه حدَّث بعد تغير شديد، أو حدَّث مما استنسخه من كتابٍ ليس عليه سماعه، ولا استنكروا له روايةً واحدةً، وأجمعوا على الاحتجاج به كما تقدم، تبين بيانًا واضحًا أنه لم يكن منه ما يخدش في الاحتجاج به. هذا وكتب الإمام أحمد كـ "المسند" و"الزهد" كانت نُسَخُها مشهورة متداولة، قد رواها غير القطيعي، وإنما اعتنوا بالقطيعي واشتهرت رواية الكتب من طريقه لعلو السند، ويأتي لهذا مزيد في ترجمة الحسن بن علي بن المذهب، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن العباس بن حيويه أبي عمر الخزاز من "التنكيل" (208): قال الأزهري: "كان أبو عمر بن حيويه مكثرا، وكان فيه تسامح، لربما أراد أن يقرأ شيئا ولا يقرب أصله منه, فيقرؤه من كتاب أبي الحسن ابن الرزاز؛ لثقته بذلك الكتاب، وإن لم يكن فيه سماعه، وكان مع ذلك ثقة". فقال الشيخ المعلمي: ... في عبارة الأزهري: "لثقته بذلك الكتاب"، وابن حيويه يصفه الأزهري في العبارة نفسها بأنه: "ثقة"، ويصفه العتيقي بأنه: "كان ثقة صالحا دينا"، وبأنه: "كان ثقة متيقظا"، ويصفه البرقاني بأنه: "ثقة ثبت حجة". ... وإطلاق البرقاني مع إمامته وجلالته, والعتيقي مع ثقته وتيقظه ذاك الثناء البالغ على ابن حيويه, يدل على أنه لم يكن منه تساهل يخدش فيما أثنيا عليه به.

والأزهري وإن ذكر التساهل، فقد عقبه بقوله: "وكان مع ذلك ثقة"، فهذا يقضي أنه إن ساغ أن يسمي ما وقع منه تساهلا، فهو تساهل عرفي، لا يخدش في الثقة والتيقظ والحجة ... ".اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن دوست العلاف أبي عبد الله البزاز من "تاريخ بغداد" (4/ 125): "سمعت أبا القاسم الأزهري يقول: ابن دوست ضعيف؛ رأيت كتبه كلها طرية، وكان يُذكر أن أصوله العتق غرقت، فاستدرك نَسْخَها. سألتُ أبا بكر البرقاني عن ابن دوست، فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه, وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ ليظن أنها عتق" فقال الشيخ المعملي في ترجمة ابن دوست من "التنكيل" (37): "التضعيفُ مفسَّرٌ بما بعده، واعلم أن المتقدمين كان يعتمدون على الحفظ، فكان النقاد يعتمدون في النقد عدالةَ الراوي واستقامةَ حديثه، فمن ظهرت عدالته، وكان حديثه مستقيمًا، وثقوه. ثم صاروا يعتمدون الكتابةَ عند السماع، فكان النقاد إذا استنكروا شيئًا من حديث الراوي، طالبوه بالأصل. ثم بالغوا في الاعتماد على الكتابة وتقييد السماع، فشدَّدَ النقادُ, فكان أكثرهم لا يسمعون من الشيخ حتى يشاهدوا أصله القديم، الموثوق به، المقيد سماعه فيه. فإذا لم يكن للشيخ أصلٌ، لم يعتمدوا عليه، وربما صرح بعضهم بتضعيفه، فإذا ادَّعَى السماعَ ممن يستبعدون سماعَهُ منه، كان الأمرُ أشدَّ. ولا ريب أن في هذا الحالة الثالثة احتياطًا بالغا، ولكن إذا عُرفت عدالةُ الرجل وضبطُه وصدقُه في كلامه، وادَّعى سماعا محتملا ممكنا، ولم يُبرز به أصلًا، واعتذر بعذرٍ محتملٍ قريبٍ، ولم يأت بما يُنكر، فبأي حجة يُرد خبره؟

وأما قضية التتريب، فهي في عبارة للبرقاني، قال الخطيب: "سألت أبا بكر البرقاني عن ابن دوست؟ فقال: كان يسرد الحديث من حفظه، وتكلموا فيه، وقيل: إنه كان يكتب الأجزاء، ويتربها؛ لِيُظَنَّ أنها عتق". فقوله: "قيل ... " لا يُدرى من القائل؟ وعلى فرض صحة ذلك فهو تدليس خفيف، أراد به دفعَ تعنت بعض الطلبة، وكان إذا سُئل يبين الواقع كما في بقية عبارة الأزهري، وأما قول البرقاني: "تكلموا فيه"، وما في الترجمة أن الدارقطني تكلم فيه، فمحمول على ما صرحوا به مِمَّا مَرَّ، ومَرَّ ما فيه. وبعد، فقد وصفوا ابنَ دوست بالحفظ والمعرفة, قال الخطيب: "كان مكثرًا من الحديث، عارفًا به، حافظًا له، مكث مُدَّةً يُملي في جامع المنصور بعد وفاة أبي طاهر المخلص، ثم انقطع عن الخروج، ولزم بيته، كتب عنه الحسن بن محمد الخلال، وحمزة بن محمد بن طاهر الدقاق، وأبو القاسم الأزهري، وهبة الله بن الحسن الطبري، وعامة أصحابنا، وسمعت منه جزءًا واحدا. ولم يغمزوه في دينه بشيء، ولا استنكروا له حديثًا واحدًا، فلا أرى أمره إلا قويًا، والله أعلم". اهـ. • وفي ترجمة: الحجاج بن محمد الأعور من "التنكيل" (71): قال الشيخ المعلمي: "مدار الكلام فيه على الاختلاط والتلقن، وهاهنا مباحث: الأول: هل اختلط حجاج؟ وإن كان اختلط فهل حدث بعد اختلاطه؟ قال ابن سعد: "كان قد تغير في آخر عمره حين رجع إلى بغداد". وقال إبراهيم الحربي: أخبرني صديق لي قال: لما قدم حجاج الأعور آخر قدمة إلى بغداد، خَلَّطَ، فرأيت يحيى بن معين عنده، فرآه يحيى خَلَّطَ، فقال لابنه: لا تُدخل عليه أحدًا، قال:

فلما كان بالعشي دخل الناس، فأعطوه كتاب شعبة، فقال: حدثنا شعبة عن عمرو ابن مرة، عن عيسى بن مريم، عن خيثمة! فقال يحيى لابنه: قد قلتُ لك". فكلمةُ ابنِ سعد ليست بصريحة في الاختلاط؛ لأن التغيير أعمُّ من الاختلاط، وحكاية إبراهيم الحربي صريحة في الاختلاط، لكن لا ندري من هو صديقه؟ وسكوت الحفاظ الأيقاظ، كابن معين وأحمد وأبي خيثمة -وكلهم بغداديون- عن نقل اختلاط حجاج، وبيان تاريخه، وبيان من سمع منه فيه، مع إطلاقهم توثيق حجاج، وتوثيق كثيرين ممن روى عن حجاج، يدل حتمًا على أحد أمرين: إما أن لا يكون حجاج اختلط, وإنما تغير تغيرًا يسيرًا لا يضر. وإما أن لا يكون سمع منه أحد في مدة اختلاطه. والثاني أقرب؛ فكأن يحيى بن معين ذهب إلى حجاج عقب قدومه، فأحَسَّ بتغيره, فقال لابنه: لا تدخل عليه أحدا، ثم عاد يحيى عشي ذاك اليوم في الوقت الذي جرت العادة بالدخول فيه على القادم للسماع منه خشية أن لا يعمل ابن حجاج بما أمره به، فوجد الأمر كذلك: أَذِنَ لهم الابن، فدخلوا، ويحيى معهم، فسكت أولًا، فلما أخذ حجاج الكتاب فخلط، قال يحيى للابن: ألم أقل لك؟ فكأنهم قطعوا المجلس وحجبوا حجاجًا حتى مات فلم يسمع منه أحد في الاختلاط. فلما وثق يحيى وبقية أهل العلم بذلك، لم يروا ضرورةً إلى أن يُشيعوا اختلاط حجاج وبيان تاريخه، بل كانوا يوثقونه ويوثقون كثيرًا من الذين سمعوا منه مطلقًا، لعلمهم أن ما بأيدي الناس من روايته كله كان في حال تمام ضبطه. وفي ترجمة حجاج من "مقدمة الفتح": "أجمعوا على توثيقه, وذكره أبو العرب الصقلي في "الضعفاء" بسبب أنه تغير في آخر عمره واختلط، لكن ما ضره الاختلاط؛ فإن إبراهيم الحربي حكى أن يحيى بن معين منع ابنه أن يدخل عليه بعد اختلاطه أحدًا". اهـ.

• وقال الشيخ المعلمي في ترجمة: عبد الله بن سليمان بن الأشعث أبي بكر بن أبي داود السجستاني من "التنكيل" (123) بعد أن ذكر أشياء مما يُطعن بها عليه، بعضها لا يثبت في حقه، وبعضها لا يقدح فيه، وبعضها رجع وتاب عنه: "وبعد، فقد أطبق أهل العلم على السماع من ابن أبي داود، وتوثيقه، والاحتجاج به، فروى عنه الحاكم أبو أحمد والدارقطني وابن المظفر وابن شاهين وعبد الباقي بن قانع حافظ الحنفية وأبو بكر بن مجاهد المقري، وخلق لا يحصون. وتقدم قول أبي الفضل صالح بن أحمد التميمي الهمذاني الحافظ فيه: "إمام العراق وعلم العلم في الأمصار ... ". وتقدم أيضًا ثناء أبي الشيخ وأبي نعيم، وذكر السلمي أنه سأل الدارقطني عنه، فقال: "ثقة، إلا أنه كثير الخطأ في الكلام على الحديث". وقال الخليلي: "حافظٌ، إمام وقته, عالمٌ, متفق عليه واحتج به من صنف الصحيح: أبو علي النيسابوري وابن حمزة الأصبهاني. وكان يقال: أئمة ثلاثة في زمن واحد: ابن أبي داود وابن خزيمة وابن أبي حاتم". اهـ. • وفي ترجمة: أحمد بن سلمان النجاد منه (19): قال الشيخ المعلمي بعد توجيهه لقول الدارقطني: "حدَّث من كتاب غيره بما لم يكن في أصوله". "قال الخطيب: "كان صدوقًا عارفًا، صنف كتابا كبيرًا في السنن، وكان له بجامع المنصور حلقة قيل الجمعة للفتوى، وحلقة بعدها للإملاء" هكذا في "تذكرة الحفاظ" (ج 3 ص 80)، وقال الذهبي أول الترجمة: "النجاد الأمام الحافظ الفقيه شيخ العلماء ببغداد". وقد روى عنه الأئمة كالدارقطني وابن شاهين والحاكم -وأكثر عنه في المستدرك- وابن منده وابن مردوية وغيرهم، ولم يُنْكَرْ عليه حديثٌ واحدٌ.

الثقةُ تثبتُ بأقل من هذا، ومن ثبتت عدالته، لم يُقبل فيه الجرح إلا ببينة واضحة، لا احتمال فيها، كما تقدم في القواعد. والله الموفق". اهـ. • وفي ترجمة: الوضاح بن عبد الله أبي عوانة اليشكري من "الطليعة" (ص 70): قال الكوثري (ص 92): " ... وما رواه في ست سنوات في آخر عمره، لا يعتد به لاختلاطه". فقال الشيخ المعلمي: "فتشت المظان، فلم أر أحدًا زعم أن أبا عوانة اختلط، وكأن الكوثري تشبث بما في (تاريخ بغداد) 13: 465: " ... محمد بن غالب حدثنا أبو سلمة قال: قال لي أبو هشام المخزومي: من لم يكتب عن أبي عوانة قيل سنة سبعين ومائة فإنه لم يسمع منه" ثم عقب ذلك بذكر وفاة أبي عوانة سنة 175، أو سنة 176، وحمل الكوثري قوله "فلم يسمع منه" على المجاز، أي فلم يسمع منه سماعًا يعتد به، ثم تخرص أن ذلك لأجل اختلاطه. ويدفع هذا أن مثل أبي عوانة في إمامته وجلالته وكثرة حديثه وكثرة الآخذين عنه لو اختلط لاشتهر بذلك وانتشر، فكيف لو دام ذلك سنوات؟ وقد اعتنى الأئمة بجمع أسماء الذين اختلطوا، فلم يذكروا أبا عوانة، واعتنى المؤلفون في الضعفاء بذكر الذين اختلطوا، فلم يذكروا أبا عوانة، ومن ذكره منهم لم يذكر أنه اختلط، وإنما ذكر أنه كان إذا حدث من حفظه يغلط، ومع ذلك فهذه الرواية لا وجود لها في (تهذيب التهذيب) مع حرصه على ذكر كل ما فيه مدح أو قدح، وظهر من ذلك أنها ليست في أصوله (¬1)، والذي يظهر أنهم حملوها على أن المقصود بها بيان ¬

_ (¬1) يعني: "تهذيب الكمال" و"الكمال".

تاريخ الوفاة (¬1) لأن الخطيب عقبها بما هو صريح في ذلك، فإما أن يكونوا أعرضوا عنها لشذوذها وإجمالها، وإما أن يكون وقع في نسخة التاريخ المطبوع سقط والأصل: قيل سنة (ست) وسبعين، فرأوا أن مع إجمالها محتملة للوجهين المصرح بهما، فإن كان ولا بد فقد يكون المراد بها معنى ما رُوي عن الإمام أحمد أن أبا عوانة كان في آخر عمره يقرأ من كتب الناس، يعني اعتمادًا على حفظه، مع قول أحمد: "إذا حدث أبو عوانة من كتابه فهو أثبت، وإذا حدث من غير كتابه ربما وهم"، فيكون أبو هشام بالغ في قوله "فلم يسمع منه". فأما الاختلاط فلا وجه له البتة". اهـ. * * * ¬

_ (¬1) هذا هو المتعين ولا حاجة لما بعده؛ فقد صرح الحافظان الجليلان أبو بكر الإسماعيلي وأبو أحمد بن عدي بأن أبا عوانة مات سنة سبعين ومائة, كما في "تاريخ جرجان" (ص 438). المعلمي

المطلب الرابع مسائل وفوائد مستخرجة ومستنبطة من سائر كلام المعلمي

المطلب الرابع مسائل وفوائد مستخرجة ومستنبطة من سائر كلام المعلمي 1 - خطورة الكذب في روايات الجرح والتعديل: • قال الشيخ المعلمي في القاعدة الأولى من "التنكيل" (1/ 34): "فأما الكذب في رواية ما يتعلق بالدين -ولو غير الحديث- فلا خفاء في سقوط صاحبه، فإن الكذب في رواية أثر عن صحابي قد يترتب عليه أن يَحتجَّ بذلك الأثر مَن يرى قولَ الصحابي حُجة، ويحتج هو وغيره به على أن مثل ذلك القول ليس خرقًا للإجماع، ويستند إليه في فهم الكتاب والسنة، ويرد به بعض أهل العلم حديثًا رواه ذاك الصحابي يخالفه ذلك القول. ويأتي نحو ذلك في الكذب في رواية قولٍ عن التابعي، أو عالمٍ ممن بعده, وأقل ما في ذلك أن يقلده العامي. وهكذا الكذب في رواية تعديل لبعض الرواة فإنه يترتب عليه قبولُ أخبار ذلك الرواي، وقد يكون فيها أحاديثُ كثيرة، فيترتب على هذا من الفساد أكثر مما يترتب على كذبٍ في حديثٍ واحدٍ عن النبي -صلى الله عليه وسلم-. وكذلك الكذب في رواية الجرح، فقد يترتب عليها إسقاط أحاديث كثيرة صحيحة، وذلك أشدُّ من الكذب في حديثٍ واحد. وهكذا الإخبار عن الرجل بما يقتضي جرحه. وهكذا الكذب في الجرح والتعديل كقوله: "هو ثقة" "هو ضعيف".

2 - هل استوعب المصنفون في الرجال أسماء الرواة؟

فالكذب في هذه الأبواب في معنى الكذب في الحديث النبوي أو قريب منه , وتترتب عليه مضارٌ شديدة ومفاسد عظيمة, فلا يُتوهم محلٌ للتسامح فيه على فرض أن بعضهم تسامح في بعض ما يقع [في] حديث الناس". اهـ. 2 - هل استوعب المصنفون في الرجال أسماء الرواة؟ • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني (130): "كتب الرجال التي بين أيدينا لم تستوعب الرواة، نعم يظهر من كلام الذهبي في خطبة (الميزان) أنه استوعب المتكلم فيهم، وأن من لم يذكره فهو إما ثقة وإما مستور، ومعلوم أن ذلك بحسب ما وقف عليه ولم يغفل عنه، وقد استدرك عليه من بعده جماعة، ووقفت أنا في الكتب الأخرى على أفراد مضعَّفِين لم يُذكروا في (لسان الميزان). وحاول جماعة استيعاب الثقات، ... وكثيرًا ما يوجد في أسانيد كتب الحديث التي لم يعتن أهل العلم باستيعاب رواتها وكتب التاريخ وغيرها مما تذكر فيه الأخبار بأسانيدها: أسماء رواة لا نجدهم في الكتب التي بأيدينا، ومنها أسماء تشبه الموجودين في الكتب، ولكن تقوم القرائن على أن المذكور في السند رجل آخر". اهـ. • وقال في ترجمة: إسماعيل بن عرعرة (51): "قد يكون الرجل ثقة مقلا من الرواية، إنما يروي قليلًا من الحكايات، فلا يعتني به أهل التواريخ، ولا يُحتاج إليه في الأمهات الست". اهـ. • وقال في ترجمة الخطيب (1/ 150): "كثيرٌ من كتب الحديث فضلًا عن كتب الحكايات منها ما قد فُقد، ومنها ما ليس في متناول الأيدي". اهـ.

3 - الراوي المختلف فيه

3 - الراوي المختلف فيه: قال الشيخ المعلمي في الجزء الثاني من "التنكيل" (ص 32 - 33): "إذا اختلفوا في راوٍ، فوثقه بعضهم، ولَيَّنَهُ بعضهم، ولم يأتِ في حقِّه تفصيلٌ، فالظاهرُ أنه وَسَطٌ، فيه لينٌ مطلقًا، وإذا فَصَّلُوا أو أكثرُهم الكلامَ في راوٍ، فثبَّتُوه في حالٍ وضعَّفُوه في أخرى، فالواجبُ أن لا يُؤخذ حكمُ ذاك الراوي إجمالًا إلا في حديثٍ لم يتبينْ من أي الضرْبَيْن هو، فأما إذا تبيَّن فالواجبُ معاملتُه بحسب حاله، فمن كان ثقةً ثبتا ثم اختلط، إذا نظرنا في حديثٍ من روايته، فإن تبيَّن أنه رواه قيل الاختلاط فهو غايةٌ في الصحة، أو بعده فضعيف". اهـ. 4 - قضية اختلاف عبارات الإمام في الراوي: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 363): "ينبغي أن تعلم أن كلام المحدث في الراوي يكون على وجهين: الأول: أن يُسألَ عنه, فَيُجِيلُ فِكْرَهُ في: حالِهِ في نفسه، وروايته، ثم يستخلص من مجموع ذلك معنًى يحكمُ به. الثاني: أن يستقر في نفسه هذا المعنى، ثم يتكلم في ذاك الراوي في صَدَدِ النظر في حديثٍ خاصٍّ من روايته. فالأولُ، هو الحُكمُ المُطلقُ الذي لا يُخالفُه حُكمٌ آخر مثلُه إلا لتغير الاجتهاد. وأما الثاني، فإنه كثيرًا ما يَنْحَى به نحو حالِ الراوي في ذاك الحديث؛ فإذا كان المحدِّثُ يرى أن الحُكمَ المُطلقَ في الراوي أنه صدوقٌ كثيرُ الوهم، ثم تكلم فيه في صَدَدِ حديثٍ من روايته، ثم في صَدَدِ حديثٍ آخر، وهكذا، فإنه كثيرًا ما يتراءَى اختلافٌ ما بين كلماتِه.

فَمِنْ هذا: أن الحجاج بن أرطاة عند الدارقطني "صدوق يخطيء"، فلا يُحتج بما ينفرد به، واختلفت كلماتُه فيه في (السنن): فذكره (ص 35) في صَدَدِ حديثٍ وافقَ فيه جماعةً من الثقات، فعَدَّهُ الدارقطني في جملة "الحفاظ الثقات". وذكره (ص 531) في صَدَدِ حديثٍ أخطأَ فيه، وخالفَ مسعرًا وشريكًا، فقال الدارقطني: "حجاج ضعيف". وذكره في مواضع أخرى فأكثر ما يقول: "لا يحتج به". وعلى هذا ينزل كلامُه في ابن أبي ليلى؛ فإنه عنده "صدوق سيء الحفظ"، ففي ص 46 ذكر حديثًا رواه إسحاق الأزرق، عن شريك، عن ابن أبي ليلى، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا، في طهارة المني، وذكر أن وكيعًا رواه عن ابن أبي ليلى عن عطاء عن ابن عباس من قوله. وقد رواه الشافعي، عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار وابن جريج، كلاهما عن عطاء، عن ابن عباس من قوله. فالحديثُ صحيحٌ عن ابن عباس من قوله، وقد رواه وكيع، وهو من الثقات الأثبات، عن ابن أبي ليلى كذلك، ورواه شريك عن ابن أبي ليلى فرفعه، فحالُ ابن أبي ليلى في هذا الحديث جيدةٌ؛ لأنه في أثبت الروايتين عنه وافقَ الأثبات، وفي رواية الأزرق عن شريك عنه رفعه، وقد يحتمل أن يكون الخطأ من الأزرق أو من شريك فإن الأزرق ربما غلط، وشريكًا كثير الخطأ أيضًا، وقد رواه وكيع عن ابن أبي ليلى على الصواب؛ فلهذا اقتصر الدارقطني على قوله: "لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك، محمد بن عبد الرحمن هو ابن أبي ليلى ثقة في حفظه شيء". وفي ص 89 ذكر حديثًا رواه الجَبَلان: سفيان وشعبة، عن عمرو بن مرة، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى

مرسلًا، وخالفهما محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى فرواه موصولًا، فحالُه في هذا الحديث رديئةٌ، فظهر أثر ذلك في كلمة الدارقطني، فقال: "ضعيف سيء الحفظ". وفي ص 273 ذكر أحاديثَ في القارن يطوف طوافًا واحدًا ويسعى سعيًا واحدًا، وهناك روايات عن علي وابن مسعود أنهما قالا: طوافين وسعيين. ثم ذكر من طريق ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن علي أنه: "جمع بين الحج والعمرة , فطاف لهم طواف واحد (كذا)، وسعى لهما سعيين، ثم قال: هكذا رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعل". ولا يخفى ما في هذا من التخليط، فهذا هو الذي أغضب الدارقطني؛ فلذلك قال: "رديء الحفظ كثير الوهم". اهـ. • وقال الشيخ المعلمي في ترجمة: محمد بن فليح بن سليمان من "التنكيل" (229): "روى أبو حاتم عن معاوية بن صالح عن ابن معين: "فليح بن سليمان ليس بثقة ولا ابنه". فسئل أبو حاتم فقال: "ما به بأس، ليس بذاك القوى". وقد اختلفت كلمات ابن معين في فليح، قال مرة: "ليس بالقوي ولا يحتج بحديثه، هو دون الدراوردي" وقال مرة: "ضعيف، ما أقربه من أبي أويس" وقال مرة "أبو أويس مثل فليح، فيه ضعف" وقال في أبي أويس: "صالح، ولكن حديثه ليس بذاك الجائز"، وقال مرة: "صدوق وليس بحجة". فهذا كله يدل أن قوله في الرواية الأولى: "ليس بثقة"، إنما أراد أنه ليس بحيث يقال له "ثقة" .. اهـ. • وقال في ترجمة: نعيم بن حماد منه (258): "قال الحافظ أبو علي النيسابوري: سمعت النسائي يذكر فضلَ نعيم بن حماد وتقدمَه في العلم والمعرفة والسنن، ثم قيل له في قبول حديثه؟ فقال: قد كثر تفردهُ عن الأئمة المعروفين بأحاديث كثيرة، فصار في حَدِّ من لا يحتج به".

5 - عرض قول الإمام المشتبه على أقوال سائر الأئمة

وهذا يدل أن ما روي عن النسائي أنه قال مرة: "ليس بثقة" إنما أراد بها أنه ليس في أن يحتج به". اهـ. 5 - عرض قول الإمام المشتبِه على أقوال سائر الأئمة: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 415): "إذا اختلف النقل عن إمام، أو اشتبه، أو ارتيب، فَيُنظر في كلام غيره من الأئمة، وقُضي فيما رُوي عنه بما ثبت عنهم". اهـ. • وفي (1/ 487): "إذا اشتبه الأمر في المنقول عن إمام، وجب الرجوع إلى المنقول عن غيره". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن كثير العبدي منه (230): قال فيه ابن معين: لا تكتبوا عنه، لم يكن بالثقة. وقال الإمام أحمد: "ثقة، لقد مات على سُنَّة"، وقال أبو حاتم مع تشدده: "صدوق"، وأخرج له الشيخان في "الصحيحين" وبقية الستة، روى عنه أبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة، كما تقدم في ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم، وروى عنه أبو زرعة، ومن عادته أن لا يروي إلا عن ثقة, كما في "لسان الميزان" (ج 2 ص 416)، وقال ابن حبان في "الثقات": "كان تقيا فاضلا". وهذا كله يدل أن ابن معين إنما أراد بقوله: "ليس بثقة" أنه ليس بالكامل في الثقة، فأما كلمة "لا تكتبوا عنه" فلم أجدها، نعم قال ابن الجنيد عن ابن معين: "كان في حديثه ألفاظ، كأنه ضعفه" قال: "ثم سألته عنه فقال: لم يكن لسائل أن يكتب عنه". وابن معين كغيره؛ إذا لم يفسر الجرح، وخالفه الأكثرون يرجح قولهم". اهـ.

• وفي ترجمة: أحمد بن صالح أبي جعفر المصري المعروف بابن الطبري (20): قال المعلمي: "وثقه الجمهور وعظموا شأنه، وقال النسائي: غير ثقة ولا مأمون، تركه محمد بن يحيى ورماه يحيى بالكذب، وبيَّن رَمْي يحيى بقوله: حدثنا معاوية بن صالح سمعت يحيى بن معين يقول: أحمد بن صالح كذاب يتفلسف. وأنكر عليه أحاديث زعم أنه تفرد بها أو خالف. ... أما رواية معاوية بن صالح عن ابن معين، فقد قال البخاري في أحمد بن صالح بن الطبري: ثقة صدوق، وما رأيت أحدًا يتكلم فيه بحجة، كان أحمد بن حنبل وعلي [بن المديني] وابن نمير وغيرهم يثبتون أحمد بن صالح، وكان يحيى [بن معين] يقول: سلوا أحمد فإنه أثبت. فإن كان هناك وهم في النقل، فالظاهر أنه في رواية معاوية؛ لأن البخاري أثبت منه، ولموافقة سائر الأئمة، وإن كان ليحيى قولان، فالذي رواه البخاري هو المعتمد لموافقة سائر الأئمة. اهـ. • وفي "التنكيل" (2/ 155 - 156): محمد بن مسلم بن سوسن الطائفى. قال الشيخ المعلمي: "استشهد به صاحبا "الصحيح"، ووثقه ابن معين وأبو داود والعجلي ويعقوب بن سفيان وغيرهم. وقال ابن معين مَرّة: "ثقة لا بأس به، وابن عيينة أثبت منه، وكان إذا حدث من حفظه يخطىء، وإذا حدث من كتابه فليس به بأس، وابن عيينة أوثق منه في عمرو بن دينار، ومحمد بن مسلم أحب إلي من داود العطار في عمرو". وداود العطار هذا هو داود بن عبد الرحمن ثقة متفق عليه، وثقه ابن معين وغيره.

6 - اختلاف حكم الأئمة على الراوي نتيجة لاختلاف حاله من وقت لآخر

وقال عبد الرزاق: "ما كان أعجب محمد بن مسلم إلى الثوري، وقال البخاري عن ابن مهدي: "كُتبه صحاح" (¬1). وقال ابن عدي: "لم أر له حديثا منكرًا". وضَعَّفَهُ أحمد (¬2)، ولم يبين وجه ذلك، فهو محمول على أنه يخطىء فيما يحدث به من حفظه. فأما قول الميموني: "ضعفه أحمد على كل حال، من كتابٍ وغير كتاب فهذا ظن الميموني، سمع أحمد يطلق التضعيف، فحمل ذلك على ظاهره (¬3)، وقد دل كلام غيره من الأئمة على التفصيل". اهـ. 6 - اختلاف حكم الأئمة على الراوي نتيجة لاختلاف حاله من وقتٍ لآخر: • في "الفوائد المجموعة" (ص 61) روايةٌ للصقر بن عبد الرحمن -وهو ابن مالك بن مغول أبو بهز البجلي الكوفي نزيل واسط- عن ابن إدريس، عن المختار ابن فلفل، عن أنس، فقال الشيخ المعلمي: "الصقر ذكره ابن أبي حاتم في بابي (صقر) و (سقر) وذكر في أحدهما قولَ أبيه أنه "صدوق"، وفي الآخر أنه سألَ أباه: هل تكلموا فيه؟ فقال: لا، وعقَّبَهُ بقولِ الحافظ ¬

_ (¬1) هذا إشارة إلى ضعفٍ في حفظه، والله تعالى أعلم. (¬2) من رواية ابنه عبد الله عنه (العلل ومعرفة الرجال: 1/ 32، 270). (¬3) هكذا نقله للمعلمي من "تهذيب التهذيب" (9/ 445) ولفظه كما رواه العقيلي في "الضعفاء" (4/ 134) قال الميموني: سمعت أحمد بن محمد بن حنبل يقول: "إذا حدَّث محمد بن مسلم من غير كتاب - يعني أخطأ، قلت: الطائفي؟ قال: نعم، ثم ضعفه على كل حال من كتاب وغير كتاب فرأيته عنده ضعيفًا". اهـ. وهذا واضح في أن الميموني قد اطَّلع من أحمد على حَالَيْن بشأن محمد بن مسلم، وأن الأمر ليس ظنًا ولا تخمينًا، ويؤيده ما في رواية عبد الله عن أبيه من إطلاق الضعف على محمد، ولا يُلزمُ أحمدُ برأي غيره من الأئمة، ولهذا نظائر مستفيضة في تباين أنظار الأئمة في رواة الحديث، والله تعالى أعلم.

مطين: "إن الصقر أكذب من أبيه"، وذكر رواية الصقر، عن ابن إدريس، عن المختار ابن فلفل، عن أنس مرفوعًا في التبشير بالخلافة لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان. وهذا الحديثُ قال فيه ابن المديني: "كذب موضوع". ومن الغريب أن حديث الخلافة هذا رواه عبد الأعلى بن أبي المساور، عن المختار ابن فلفل، ورواه الصقر عن ابن إدريس، عن المختار، وحديثنا: "باكروا بالصدقة" رواه عبد الأعلى أيضًا عن المختار، ورواه الصقر عن ابن إدريس، عن المختار، وعبد الأعلى كذاب. فالظاهر أن الصقر كان مغفلًا، فأُدخلت في كتابه عن ابن إدريس بعضُ بلايا عبد الأعلى، فرواها، وكان ذلك بعد أن اجتمع به أبو حاتم وسمع منه، وبسبب ذلك كذبه مطين وأبو بكر بن أبي شيبة وصالح بن محمد جزرة، وكُلُّ ذلك بعد اجتماع أبي حاتم به؛ بدليل أنه ذكر أنهم لم يتكلموا فيه كما مَرَّ" اهـ. • وفي "الفوائد المجموعة" (ص 265): حديث: "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك" له طرق واهية، ورواه الترمذي (2506) من طريق أمية بن القاسم عن حفص بن غياث وقال: حسن غريب. فقال الشيخ المعلمي في أمية -وذكر أن الصواب "القاسم بن أمية"-: "ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: يروي عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة، ثم ساق له هذا الحديث، وقال: لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-. قال ابن حجر: شهادةُ أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوقٌ أَوْلَى. أقول: بل الصوابُ تتبعُ أحاديثه، فإن وُجد الأمرُ كما قال ابنُ حبان ترجَّحَ قولُه، وبان أن هذا الرجل تغيَّرَتْ حالُه بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونُه صدوقًا لا يدفعُ عنه الوهمَ، وقد تفرد بهذا". اهـ.

• وفي "الفوائد" (ص 456 - 457): خبرٌ رواه أحمد بن علي بن الأفطح قال: ثنا يحيى بن زهدم بن الحارث الغفاري، عن أبيه، عن العرس بن عميرة. فقال المعلمي: "الأفطح يروي بهذا السند نسخةً موضوعةً. فأما أبو حاتم فلم يقف على هذه النسخة ولا شيء منها، بدليل أن ابنه ذكر زهدمًا (¬1) فلم يذكر له رواية عن العرس، وإنما قال: "روى عن أهبان بن صيفي، روى عنه ابنه يحيى بن زهدم .. سمعت أبي يقول ذلك". وذكر ابنه يحيى (¬2) فقال: "كتب عنه أبي في سنة (216)، سألت أبي عنه، فقال: شيخ أرجو أن يكون صدوقا". وأما ابن عديّ فتردد بين الأفطح ويحيى، فقال في الأفطح (¬3) بعد أن ذكر البلايا التي رواها عن يحيى: "لا أدري البلاء منه أو من شيخه"، وقال في يحيى: "أرجو أنه لا بأس به" يعني: وأن البلاء من الأفطح. وأما ابن حبان فحمل على يحيى (¬4)، وقال في النسخة المذكورة: "البلية فيها من يحيى بن زهدم" (¬5) وزاد الياسوفى وابن حجر، فأرادا أن يُشركا زهدمًا في التهمة (¬6). ¬

_ (¬1) "الجرح" (3/ 67). (¬2) "الجرح" (9/ 146). (¬3) عن "الميزان" (1/ 123) و"اللسان" (1/ 233) ولم أره في المطبوع من "الكامل". (¬4) "المجروحين" (3/ 114). (¬5) وقال في ترجمة أحمد من "الثقات" (8/ 50): "يروي عن يحيى بن زهدم عن أبيه عن العرس بن عميرة بنسخة مقلوبة, البلية فيها من يحيى بن زهدم، وأما هو في نفسه إذا حدث عن الثقات فصدوق ... ". (¬6) "اللسان" (2/ 491).

7 - طعن أهل البلد في بلديهم مع مدح الغرباء له؟

ووقع في ترجمة يحيى من اللسان (¬1) تحريف، وزاد ابن حجر ترجمة لزهدم، وذكر كلام الياسوفي، ثم وهم فزعم أن الذهبي ذكره، وهناك أيضا تحريف. وعلى كل حال فثناء بعضهم على بعض رجال السند لا يفيد في تلك النسخة ولا في هذا الخبر. والذي يترجحُ صنيعُ ابن حبان، كأنَّ يحيى كانت عنده أحاديث عن أبيه عن أهبان ليست بمنكرة، فسمعها منه أبو حاتم، ثم أعجبه (¬2) إقبالُ الناس عليه وسماعُهم منه، فرأى أن يزيد في بضاعته بأى طريقة كانت، فصنع نسخة العرس. اهـ. 7 - طعن أهل البلد في بلديهم مع مدح الغرباء له؟ في "التنكيل" (2/ 13): المغيرة -يعني ابن سقلاب الحراني أبو بشر قاضي حران- ضعَّفَه ابنُ عدي، وذكر ابنُ أبي حاتم عن أبيه أنه صالح (¬3)، وعن أبي زرعة: جزري لا بأس به. فقال الشيخ المعلمي: "الراوي الذى يطعن فيه محدثو بلده طعنًا شديدًا، لا يزيلُه ثناءُ بعضِ الغرباء عليه إلا وهنًا؛ لأن ذلك يُشعرُ بأنه كان يتعمدُ التخليطَ، فَتَزَيَّنَ لبعض الغرباء، واستقبله بأحاديثَ مستقيمة، فَظَنَّ أن ذلك شانه مطلقًا، فأثنَى عليه، وعَرِفَ أهلُ بلده حقيقةَ حالِه. وهذه حالُ المغيرة هذا؛ فإنه جزريٌ، أَسْقَطَهُ مُحَدِّثُو الجزيرة، فقال أبو جعفر النفيلي: لم يكن مؤتمنًا. وقال علي بن ميمون الرقي: كان لا يَسْوِي بَعْرَةً. ¬

_ (¬1) "اللسان" (6/ 255). (¬2) يعنى: يحيى بن زهدم. (¬3) في "الجرح" (8 / ت 1004): "صالح الحديث".

8 - تقديم رأي أهل عصر الراوي علي رأي من بعدهم

وأبو حاتم وأبو زرعة رازيان، كأنهما لقياه في رحلتهما، فسمعا منه، فتزَيَّنَ لهما كما تقدم، فأَحْسَنَا به الظنَّ. وقد ضعفه مِمَّنْ جاء بعد ذلك: الدارقطني، وابنُ عدي؛ لأنهما اعتبرا أحاديثه ... ، وهو تالفٌ على كُلِّ حالٍ". اهـ. 8 - تقديم رأي أهل عصر الراوي علي رأي من بعدهم: • في ترجمة: الحارث بن عمير البصري نزيل مكة (68): قال الكوثري: مختلف فيه، والجرح مقدم، قال الذهبي "الميزان": وما أراه إلا بَيِّنَ الضعف، فإن ابنَ حبان قال في "الضعفاء": روى عن الأثْبات والموضوعات. وقال الحاكم: روى عن حميد وجعفر الصادق أحاديثَ موضوعة. وفي "تهذيب التهذيب": قال الأزدي: منكر الحديث. ونقل ابن الجوزي عن ابن خزيمة أنه قال: الحارث بن عمير كذاب. فقال الشيخ المعلمي: "الحارث بن عمير وثقه أهل عصره والكبار، قال أبو حاتم عن سليمان بن حرب: "كان حماد بن زيد يقدم الحارث بن عمير ويُثني عليه"، زاد غيره: "ونظر إليه مرة, فقال: هذا من ثقات أصحاب أيوب"، وروى عنه عبد الرحمن بن مهدي، وقد قال الأثرم عن أحمد: "إذا حدث عبد الرحمن عن رجل فهو حجة"، وقال ابن معين والعجلي وأبو حاتم وأبو زرعة والنسائي والدارقطني: "ثقة" زاد أبو زرعة: "رجل صالح" وفي "اللآلي المصنوعة" (ص 118 - 119) عن الحافظ ابن حجر في ذكر الحارث: "استشهد به البخاري في "صحيحه"، وروى عنه من الأئمة: عبد الرحمن بن مهدي وسفيان بن عيينة، واحتج به أصحاب السنن"، وفيها بعد ذلك: "قال الحافظ ابن حجر في أماليه: ... أثنى عليه حماد بن زيد ... وأخرج له البخاري تعليقًا ... ".

9 - الاستفادة من معرفة ما نسب إليه بعض أئمة الجرح والتعديل من الميل إلى بعض البدع، والاستعانة بذلك في توجيه انفراد أحدهم بالحمل على من نسب لضد تلك البدعة، ولم يحمل عليه أحد غيره

ولم يتكلم فيه أحد من المتقدمين، والعدالة تثبت بأقل من هذا، ومن ثبتت عدالته لم يقبل فيه الجرح إلا بحجة وبينة واضحة كما سلف في القواعد. فلننظر في المتكلمن فيه وكلامهم ... ". اهـ. 9 - الاستفادة من معرفة ما نُسب إليه بعضُ أئمة الجرح والتعديل من الميل إلى بعض البدع، والاستعانة بذلك في توجيه انفراد أحدهم بالحمل على من نُسب لضد تلك البدعة، ولم يحمل عليه أحد غيره: • في ترجمة: سليمان بن عبد الحميد البهراني من "التنكيل" (105): قال الكوثري: "مختلف فيه، يقول النسائي عنه: كذاب ليس بثقة". فقال الشيخ المعلمي: "قد أحسن الأستاذ بقوله: "مختلف فيه" فإن سليمان هذا وثقه مسلمة، وقال ابن أبي حاتم: "هو صديق أبي، كتب عنه، وسمعت منه بحمص، وهو صدوق" وروى عنه أبو داود، وهو لا يروي إلا عن ثقة عنده, كما مر في ترجمة أحمد بن سعد بن أبي مريم، وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال: "كان ممن يحفظ الحديث ويتنصب". والنسائي: نُسب إلى طرفٍ من التشيع، وهو ضد التنصب، فلعله سمع سليمان يحكي بعض الكلمات الباطلة التي كان يتناقلها أهل الشام في تلك البدعة التي كانت رائجة عندهم، وهي النصب". اهـ. • وفي ترجمة: علي بن مهران الرازي منه (168): قال الشيخ المعلمي: "قال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: "كان رديء المذهب غير ثقة"، وقد تقدمت ترجمة الجوزجاني، وتبين أنه يميل إلى النصب، ويطلق هذه الكلمة "رديء المذهب" ونحوها على من يراه متشيعًا، وإن كان تشيعه خفيفًا، وتحقق في ترجمته في القواعد

10 - هل قول المحدث: "رواه جماعة ثقات" أو "شيوخي كلهم ثقات" أو "شيوخ فلان كلهم ثقات" يقتضي أن يكون كل من ذكره بحيث لو سئل عنه وحده، يقول: ثقة؟

أنه إذا جرح رجلًا، ولم يذكر حُجة, وخالفه من هو مثله أو فوقه، فوثق ذلك الرجل، فالعمل على التوثيق، وعلى هذا ذكره ابن حبان في (الثقات)، وقال ابن عدي: "لا أعلم فيه إلا خيرًا، ولا أرى فيه منكرًا، وقد كان راويةً لسلمة بن الفضل". اهـ. 10 - هل قول المحدث: "رواه جماعة ثقات" أو "شيوخي كلهم ثقات" أو "شيوخ فلان كلهم ثقات" يقتضي أن يكون كل من ذكره بحيث لو سُئل عنه وحده، يقول: ثقة؟ • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 173): "عامة المحدثين يكتبون عن كُلِّ أحدٍ، إلا أنَّ منهم أفرادًا كانوا يَتَّقُون أن يرووا إلا عن ثقة، ويكتبون عن الضعفاء للمعرفة، كما مَرَّ في ترجمة الإمام أحمد من نظره في كتب الواقدي". اهـ. • وقال (1/ 362): "قول المحدِّث: "رواه جماعة ثقات حفاظ" ثم يَعُدُّهم، لا يقتضي أن يكون كُلُّ من ذكره بحيث لو سُئل عنه ذاك المحدث وحده لقال: "ثقة حافظ". هذا ابن حبان، قصد أن يجمع الثقات في كتابه، ثم قد يذكر فيهم من يُلَيِّنُهُ هو نفسه بالكتاب نفسه. وهذا الدارقطني نفسُه، ذكر في (السنن) ص 35 حديثًا فيه مسح الرأس ثلاثًا، وهو موافق لقول أصحابه الشافعية، ثم قال: "خالفه جماعة من الحفاظ الثقات ... " فعَدَّهُم، وذكر فيهم شريكا القاضي، وأبا الأشهب جعفر بن الحارث، والحجاج بن أرطاة، وجعفر الأحمر، مع أنه قال ص 132: "شريك ليس بالقوي فيما يتفرد به" وجعفر بن الحارث لم أر له كلاما فيه، ولكن تكلم فيه غيره من الأئمة كابن معين والنسائي. وحجاج بن أرطاة قال الدارقطني نفسُه في مواضع من (السنن): "لا يحتج

11 - لا يضر العالم أو المحدث أن يكون في شيوخه مطعون فيه

به" وفي بعض المواضع "ضعيف"، وجعفر الأحمر اختلفوا فيه، وقال الدارقطني كما في (التهذيب): "يعتبر به" وهذا تليينٌ كما لا يخفى. ونحو هذا قولُ المصنف: "شيوخي كلهم ثقات" أو "شيوخ فلان كلهم ثقات" فلا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده على الإطلاق: "هو ثقة". وإنما إذا ذكروا الرجل في جملة من أطلقوا عليهم ثقات، فاللازم أنه ثقة في الجملة، أي له حظ من الثقة، وقد تقدم في القواعد أنهم ربما يتجوزون في كلمة "ثقة" فيطلقونها على من هو صالح في دينه, وإن كان ضعيف الحديث أو نحو ذلك، وهكذا قد يذكرون الرجل في جملة من أطلقوا أنهم ضعفاء، وإنما اللازم أن له حظا ما من الضعف، كما تجدهم يذكرون في كتب الضعفاء كثيرا من الثقات الذين تكلم فيهم أيسرَ كلام". اهـ. • مَنْ ذكرهم المعلمي فيمن قيل إنهم لا يروون إلا عن ثقة. - أحمد بن حنبل. انظر "التنكيل" (1/ 88 - 429 - 430). - البخاري (1/ 88 - 123). - أبو زرعة (1/ 88 - 104 - 316). - أبو داود (1/ 109). - ابن مهدي (1/ 220). - بقي بن مخلد (1/ 109). - بكير بن عبد الله بن الأشج (2/ 123). 11 - لا يضر العالم أو المحدث أن يكون في شيوخه مطعون فيه: • ذكره الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 203).

12 - هل مجرد رواية الراوي عن إمام من الأئمة تفيده في تقوية حاله؟ والفرق بينها وبين مرافقته

12 - هل مجرد رواية الراوي عن إمام من الأئمة تفيده في تقوية حاله؟ والفرق بينها وبين مرافقته: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 312): "الرواية عن مثل النسائي أو من هو خير منه لا تدل على إسلام الراوي، فكيف عدالته؟ فكيف أن يكون من الثقات الأثبات، فأما مرافقة مثل النسائي في العلم وطلبه، فدلالتها على حُسن حال المُرافق ظاهرة". اهـ. 13 - هل كون الرجل خادمًا أو وصيًا أو كاتبًا لأحد الأئمة المتثبتين يقتضي ثقته عنده؟ • قال المعلمي في ترجمة: محمد بن أعين أبي الوزير من "الطليعة" (ص 30): "في (تهذيب التهذيب) (9 ص 66): "محمد بن أعَين أبو الوزير المروزي خادم ابن المبارك، روى عنه، وعن ابن عيينة, وفضيل بن عياض وخلق، وعنه أحمد، وإسحاق ... ومحمد بن عبد الله بن قهزاذ وآخرون، قال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي: يقال (¬1) إن عبد الله أوصى إليه، وكان من ثقاته وخواصه، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقد ذكره ابن أبي حاتم (ج 3 ق 2 صفحة 207) فقال: "وَصِيُّ ابن المبارك". ... ثقةُ ابن المبارك به واعتمادُه عليه توثيقٌ، وروايةُ الإمام أحمد عنه توثيقٌ لما عرف من توقي أحمد .. ". اهـ. فقال الكوثري: كون المرء خادما أو كاتبا أو وصيا أو معتمدا عنده في شيء ليس بمعنى توثيقه في الرواية عندهم. ¬

_ (¬1) هكذا بدون ذكر القائل، لكن جزم بها أبو حاتم كما في الجرح.

14 - هل كون الرجل صديقا لإمام -كأحمد- ينزل عليه: يقتضي ثقته؟

فقال الشيخ المعلمي في ترجمته من "التنكيل" (194): "ابن أعين قالوا: "أوصى إليه ابن المبارك وكان من ثقاته" وابن المبارك كان رجلا في الدين رجلا في الدنيا، فلم يكن ليعتمد بثقته في حياته، وإيصائه بعد وفاته إلا إلى عدلٍ أمينٍ يقظٍ، لا يُخشى منه الخطأ في حفظ وصاياه وتنفيذها، فهذا توثيقٌ فِعليّ، قد يكون أبلغَ من التوثيق القولي. غاية الأمر أنه قد يقال: ليس من الممتنع أن يكونَ ابنُ أعين ممن ربما أخطأ في المواضع الملتبسة من الأسانيد، وهذا لا يضر هنا؛ لأن روايته في (تاريخ بغداد) إنما هي واقعة لابن المبارك، على أن ذاك الاحتمال يندفع برواية أحمد، وتوثيق ابن حبان، وأنه لم يتعرض أحد بغمز لابن أعين في روايته ... ". اهـ. 14 - هل كون الرجل صديقًا لإمامٍ -كأحمد- ينزلُ عليه: يقتضي ثقته؟ قال الشيخ المعلمي في ترجمة: محمد بن روح العكبري (204): "في "تاريخ بغداد" (ج 5 ص 277): "محمد بن روح العكبري ... " ثم روى من طريق: "عثمان بن إسماعيل بن بكر السكري ثنا محمد بن روح العكبري بعكبرا، وكان صديقا لأحمد بن حنبل، وكان أحمد بن حنبل إذا خرج إلى عكبرا ينزل عليه .. ولم يكن أحمد ليصادق رجلا وينزل عليه إلا وهو خير فاضل". اهـ. 15 - أصحاب الإمام الأعراف به والألزمُ له .. قولُهم أوْلى مِمَّن ليس كذلك: • قال الشيخ المعلمي في ترجمة الشافعي من "التنكيل" (1/ 414): "إنما حكى هذه الكلمة عن ابن معين محمد بن وضاح الأندلسي (¬1)، وابنُ وضاح قال فيه الحافظ أبو وليد ابن الفرضي الأندلسي، وهو بلديُّه، وموافق له في المذهب: "له خطأ كثير يُحفظ عنه، وأشياء كان يغلط فيها، وكان لا علم عنده بالفقه، ولا بالعربية". ¬

_ (¬1) يعني قول ابن معين في الشافعي: "ليس بثقة".

16 - الاستفادة من دراسة الأحوال التفصيلية للراوي في الحكم عليه، ومناقشة الشيخ المعلمي في بعض ذلك

وكان الأمير عبد الله بن الناصر يُنكر عليه هذه الحكاية، ويذكر أنه رأى أصل ابن وضاح الذي كتبه بالشرق، وفيه: سألت يحيى بن معين عن الشافعي فقال: هو ثقة، كما حكاه ابن عبد البر في (كتاب العلم). ولم يَنقل أحدٌ غيره عن ابن معين أنه قال في الشافعي: "ليس بثقة" أو ما يؤدي معناها أو ما يقرب منها، ولابنِ معين أصحابٌ كثيرون أعرفُ به، وألزمُ له، وأحرصُ على النقل عنه من هذا المغربي، وكان في بغداد كثيرون يَسُرُّهُم أن يسمعوا طعنا في الشافعي، فيشيعوه". اهـ. 16 - الاستفادة من دراسة الأحوال التفصيلية للراوي في الحكم عليه، ومناقشة الشيخ المعلمي في بعض ذلك: • أكتفي هنا بهذين المثالين: الأول: ترجمة: عبد الرحمن بن أبي الزناد من "التنكيل" (2/ 32 - 35): قال الشيخ المعلمي: لم يحتج به صاحبا (الصحيح) وإنما علَّق عنه البخاريُّ، وأخرج له مسلم في المقدمة، ووثقه جماعة، وضعفه بعضهم، وفَصَّل الأكثرون. ثم بَيَّن هذا التفصيل فقال: "قال موسى بن سلمة: "قدمت المدينة، فأتيت مالك بن أنس، فقلت له: إني قدمت إليك لأسمع العلم، وأسمع ممن تأمرني به. فقال: عليك بابن أبي الزناد". ومالك مشهور بالتحري، لا يرضى هذا الرضا إلا عن ثقةٍ لا شك فيه، ولذلك عَدَّ الذهبيُّ هذا توثيقا، بل قال في (الميزان): وثقه مالك، قال سعيد بن أبي مريم: قال لي خالي موسى بن سلمة: قلت لمالك: دلني على رجل ثقة، قال: عليك بعبد الرحمن ابن أبي الزناد.

وقال صالح بن محمد: تكلم فيه مالك لروايته عن أبيه كتاب السبعة -يعني الفقهاء- وقال: أين كنا عن هذا؟ وإنما روى هذا بعد أن انتقل إلى العراق كما يأتي عن ابن المديني. وقال عبد الله بن علي بن المديني عن أبيه: ما حدث بالمدينة فهو صحيح، وما حدث ببغداد أفسده البغداديون، ورأيت عبد الرحمن بن مهدي يخطُّ على أحاديثه، وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: فلان وفلان وفلان، قال: ولَقَّنَهُ البغداديون عن فقهائهم (¬1). يعني الرواية عن أبيه عن المشيخة بالمدينة أو الفقهاء بها، وهذا هو الذي حكى صالح بن محمد أن مالكًا أنكره. تَبَيَّنَ أن ابنَ أبي الزناد إنما وقع منه ذلك بالعراق، وابنُ مهدي إنما كان عنده عن ابن أبي الزناد مما حَدَّث به بالعراق، كما يدل عليه كلامُ ابن المديني، ويأتي نحوه عن عمرو بن علي. وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صدوق، وفي حديثه ضعف، سمعت علي بن المديني يقول: حديثه بالمدينة مقارب، وما حدَّث به بالعراق فهو مضطرب. قال علي: وقد نظرت فيما روى عنه سليمان بن داود الهاشمي فرأيتها مقاربة (¬2). ¬

_ (¬1) هكذا في "التنكيل" تبعا لـ"تهذيب التهذيب" (6/ 172)، والذي في "تهذيب الكمال" (17/ 99) تبعا لـ "تاريخ بغداد" (10/ 229): "وكان يقول في حديثه عن مشيختهم: ولَقَّنَه البغداديون عن فقهائهم فلان وفلان وفلان". (¬2) "تاريخ بغداد" (10/ 229)، وليس في أوله: "ثقة صدوق"، وهي في نقل المزي في "تهذيب الكمال" (17/ 99). ولقد طاش قلمي في التعليق على هذا الموضع من القسم الأول من "النكت الجياد" (ص 464)، فقلت: "ولم أر هذا النص في "المعرفة والتاريخ" ليعقوب, فكأنه ساقط منه". وهذا ذهول قبيح مني، فصاحب "المعرفة" هو يعقوب بن سفيان الفسوي، وهو غير ابن شيبة بلا شك فاللهم غفرانك.

وقال عمرو بن علي: فيه ضعف، فما حدَّث بالمدينة أصح مما حدَّث ببغداد، كان عبد الرحمن يخط على حديثه. وقال الساجي: فيه ضعف، وما حدث بالمدينة أصح مما حدث ببغداد. وقال أبو داود عن ابن معين: أثبت الناس في هشام بن عروة: عبد الرحمن بن أبي الزناد" هذا مع أنه قد روى عن هشام: مالكٌ والكبار. وفيما حكاه الساجي عن ابن معين: عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة حجة. وقال معاوية بن صالح وغيره عن ابن معين: ضعيف. وفيما حكاه الساجي عن أحمد: أحاديثه صحاح. وقال أبو طالب عن أحمد: يُرْوَى عنه، قال أبو طالب: قلت: يُحتمل؟ قال: نعم. وقال صالح بن أحمد عن أبيه: مضطرب الحديث. وقال العجلي: ثقة. وقال الترمذي في "اللباس" من (جامعه) (¬1): ثقة حافظ. وصحح عدةً من أحاديثه. وأخرج له في "المسح على الخفين" (¬2) حديثه عن أبيه، عن عروة بن الزبير، عن المغيرة: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يمسح على الخفين على ظاهرهما. ثم قال: "حديث المغيرة حديث حسن صحيح، وهو حديث عبد الرحمن بن أبي الزناد ... ولا نعلم أحدًا يذكر عن عروة عن المغيرة: "على ظاهرهما" - غيره ... قال محمد -يعني البخاري- وكان مالك يشير بعبد الرحمن بن أبي الزناد". ¬

_ (¬1) (4/ 234). (¬2) رقم (98).

فإذا تدبرنا ما تقدم تبين لنا أن لابن أبي الزناد أحوالًا: الأولى: حاله فيما يرويه عن هشام بن عروة، قال ابن معين إنه أثبت الناس فيه، فهو في هذه الحال في الدرجة العليا من الثقة. الثانية: حاله فيما يرويه عن أبيه عن الأعرج عن أبي هريرة، ذكر الساجي عن ابن معين أنه حجة وهذا قريب من الأول، وظاهر الإطلاق أنه سواء في هاتين الحالين: ما حدث به المدينة وما حدث به بغداد، وهذا ممكن بأن يكون أتقن ما يرويه من هذين الوجهين حفظًا، فلم يؤثر فيه تلقين البغداديين، وإنما أثر فيه فيما لم يكن يُتقن حفظه، فاضطرب فيه، واشتبه عليه. الثالثة: حاله فيما رواه من غير الوجهين المذكورين بالمدينة، فهو في قول عمرو بن علي والساجي أصح مما حدث به ببغداد، ونحو ذلك قول علي بن المديني على ما حكاه يعقوب، وصرح ابن المديني في حكاية ابنه أنه صحيح. قال أبو أنس: وفي رواية يعقوب بن شيبة عنه: "حديثه بالمدينة مقارب". أقول: السياق يفيد أن ما حدث به ابن أبي الزناد ببغداد، فقد لقنه البغداديون وأفسدوه, فصار ما يحدث به ليس من حديثه, أما ما حَدَّث به بالمدينة فهو صحيح: أي هو من حديثه لم يُلَقَّنْهُ، ويبقى النظر في حال ابن أبي الزناد في نفسه, لا أن ما حدث به في المدينة فهو حديث صحيح أي يحتج به. والأئمة لا يعتبرون بما يحدث به الرجل إلا إذا كان من حديثه, لم يُلَقَنْهُ أو يُدخل عليه أو يَدخل له إسناد في إسناد، أو نحوه، ولذلك يميزون أولًا بين ما هو من حديثه الذي سمعه, وبن ما ليس من حديثه، لأن ما ليس من حديثه ريح لا قيمة له، ثم ينظرون في حديثه بالسَّبرِ والاعتبار وعرضه على أحاديث الثقات.

من ذلك ما رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/ 48) من طريق القاسم بن عبد الرحمن الأنباري، قال حدثنا أبو الصلت الهروي، قال: حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أنا مدينة العلم وعليُّ بابها، فمن أراد العلم فليأت بابه". قال القاسم: سألت يحيى بن معين عن هذا الحديث، فقال: هو صحيح. قال الخطيب: أراد أنه صحيح من حديث أبي معاوية، وليس بباطل، إذ قد رواه غير واحد عنه. اهـ. ومقصود ابن معين فيما رواه القاسم عنه أن الحديث معروف من حديث أبي معاوية، لم ينفرد به أبو الصلت الهروي عنه، بل قد تابعه عليه محمد بن جعفر الفيدي، كما قال ابن معين في رواية الدوري (تاريخ بغداد: 11/ 50). أما الحديث في نفسه، فاستنكره الأئمة, منهم ابن معين نفسه، فقد قال في رواية عبد الخالق بن منصور عنه: ما هذا الحديث بشيء (تاريخ بغداد: 11/ 49). وللعلامة المعلمي بحث ممتع حول هذا الحديث في حاشية "الفوائد المجموعة" ص (349 - 353)، وهو منشور في تراجم البعض مثل: الأعمش، والفيدي وغيرهما، من القسم الأول من هذا الكتاب. وكذلك قولهم في الراوي: "كتابه صحيح" فهو يقتضي أن في حفظه شيئًا، ومع ذلك فليس معناه أن كل حديث في كتابه هو صحيح يحتج به، وإنما معناه أنه يُنظر في أحاديثه من خلال كتابه، وأما حفظه فلا يُعتمد عليه. مع الأخذ في الاعتبار أن الكتاب لا يُعفي صاحبه من أوجه الخلل المعروفة الناشئة عن سوء الأخذ، والوهم في السماع، وأثناء الكتابة، من التصحيف والتحريف، والأخطاء الواقعة أثناء التحويل من كتاب إلى كتاب، أو الاعتماد على الغير في إدراك ما فات سماعه أو كتابته - إلى غير ذلك من مداخل الخلل في الكتب.

وهذا كله يرجع لحال الراوي في نفسه من الإتقان والتحري والضبط والاحتياط واليقظة وغير ذلك. قال الشيخ المعلمي: "ويوافقه ما روي عن مالك من توثيقه إذ كان بالمدينة، والإرشاد إلى السماع منه مُخَصِّصًا له من بين محدثي المدينة، ويلتحق بذلك ما رواه بالعراق قيل أن يُلَقِّنُوه ويُشَبِّهُوا عليه، أو بعد ذلك ولكن من أصل كتابه, وعلى ذلك تُحمل أحاديثُ الهاشمي عنه لثناء ابن المدينى عليها، بل الأقرب أن سماع الهاشمي منه من أصل كتابه, فعلى هذا تكون أحاديثه عنه أصح مما حدث به بالمدينة من حفظه. الرابعة: بقية حديثه ببغداد، ففيه ضعف، إلا أن يُعلم في حديثٍ من ذلك أنه كان يتقن حفظه مثل إتقانه لما يرويه عن أبيه, عن الأعرج، عن أبي هريرة، فإنه يكون صحيحًا، وعلى هذا يدل صنيع الترمذي في انتقائه من حديثه, وتصحيحه لعدة أحاديث منه. وقد دَلَّ كلامُ الإمام أحمد أن التلقين إنما أوقعه في الاضطراب، فعلى هذا إذا جاء الحديث من غير وجهٍ عنه على وتيرةٍ واحدةٍ دلَّ ذلك على أنه من صحيح حديثه. اهـ. قال أبو أنس: قد نقل عبد الله والميموني عن أحمد تضعيفه مطلقا، وكذلك نقل صالح عنه قوله: مضطرب الحديث. دون إشارة إلى قضية التلقين، فحمل هذا على ذاك فيه نظر. وقد ضعفه ابن معين في رواية غير واحد عنه. وزاد في رواية بعضهم: لا يحتج بحديثه. وكذا نقل عن النسائي. وقال ابن المديني: كان عند أصحابنا ضعيفا. وهو المفرق بين روايته بالمدينة وبغداد.

وقال الفلاس: كان يحيى -القطان- وعبد الرحمن -ابن مهدي- لا يحدثان عنه. وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبا زرعة عن عبد الرحمن بن أبي الزناد، وورقاء، والمغيرة بن عبد الرحمن، وشعيب بن أبي حمزة: من أحب إليك فيمن يروي عن أبي الزناد؟ قال: كلهم أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الزناد (الجرح والتعديل 5 / ت 1202). وقال البرذعي عن أبي زرعة: الدراوردي وابن أبي حازم أحب إلي من فليح بن سليمان وعبد الرحمن بن أبي الزناد وأبي أويس. (أبو زرعة الرازي: 424 - 425) وقال أبو حاتم: يكتب حديثه، ولا يحتج به، وهو أحب إلي من عبد الرحمن بن أبي الرجال، ومن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (الجرح). ووصفه ابن حبان بسوء الحفظ وكثرة الخطأ، وقال: فلا يجوز الاحتجاج بخيره إذا انفرد (المجروحين 2/ 56) ولم يخرج له صاحبا الصحيح، إنما استشهد به البخاري، وروى له مسلم في مقدمة صحيحه. واعلم أن جمهور الأئمة على ضعف عبد الرحمن بن أبي الزناد: أحمد، وابن معين، ويحيى القطان، وابن مهدي. وقدم أبو زرعة عليه: الدراوردي، وقد قال هو في الدراوردي: سيء الحفظ، فربما حدث من حفظه الشىء فيخطىء. (الجرح 5 / ت 1833) ولخَّص أبو حاتم حاله فقال: "يكتب حديثه ولا يحتج به". فهو صالح للاعتبار والاستشهاد، هذا فيما ثبت أنه من حديثه، أما ما لُقنه فلا عبرة به، وهذا مراد من فصَّل بين حال تحديثه في المدينة, وحاله في بغداد.

واعلم أن قبول ابن أبي الزناد لتلقين البغداديين، ليس عن اختلاط طرأ عليه، وإنما عن ضعف في نفسه من سوء حفظ وغفلة. وأما توثيق الترمذي لابن أبي الزناد -فهو مع تساهله في التوثيق والتصحيح- مخالف لاتفاق الكلمة على ضعفه، وقد بناه على ما يأتي. وأما دلالة مالك على السماع من ابن أبي الزناد، فقد تكلم فيه مالك أيضا، وأنكر عليه ما رواه عن أبيه، وقال: أين كنا عن هذا؟. والظاهر أنه دل عليه قيل أنه ينكر عليه ذلك، أو لا تدل دلالته تلك على التوثيق المصطلح عليه، فابن أبي الزناد على ضعفه لم يتركه سوى ابن مهدي، وقال أحمد: يحتمل أن يروى عنه، فدلالة مالك على مجرد السماع منه لا تنهض في مدافعة تضعيف الأئمة له، والله تعالى أعلم. النموذج الثاني: ترجمة: علي بن عاصم بن صهيب الواسطي التيمي مولاهم. قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" رقم (162): "الذي يظهر من مجموع كلامهم فيه أنه خلط في أول أمره ثم تحسنت حاله، وبقي كثرة الغلط والوهم، فما حدث به أخيرًا ولم يكن مظنة الغلط فهو جيد". اهـ. قال أبو أنس: أقول: لم أرَ من فصّل بين أولِ أمر علي وآخره, لكن في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (7/ 348): "قال محمود بن غيلان: أسقطه أحمد وابن معين وأبو خيثمة. ثم قال لي عبد الله بن أحمد أن أباه أمره أن يدور على كل من نهاه عن الكتابة عن علي بن عاصم فيأمره أن يحدث عنه. اهـ.

17 - هل يطرد تطبيق كل وجه من أوجه الطعن في الراوي على كل رواية له، أم ينبغي أن تكون تلك الرواية من مظان ذلك الطعن؟ "ضرورة اعتبار مظان الخطأ والوهم"

ولم يذكر الحافظ إسناد هذا النقل إلى محمود بن غيلان، ولم يُعرف أحمد بأنه أسقط عليًّا، بل الروايات عنه تدل على خلاف ذلك: ففي كتاب "العلل ومعرفة الرجال" للإمام أحمد، رواية ابنه عبد الله عنه، رقم (70) طبع المكتب الإسلامي: "حدثنا أبي قال: حدثنا وكيع -وذكر علي بن عاصم- فقال: خذوا من حديثه ما صح ودعوا ما غلط أو ما أخطأ فيه. قال أبو عبد الرحمن: كان أبي يحتج بهذا، وكان يقول: كان يغلط ويخطىء، وكان فيه لجاج، ولم يكن متهما بالكذب". اهـ. وفي كتاب "أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية" ص (394): "قال البرذعي: حدثنا محمد بن يحيى النيسابوري قال: قلت لأحمد بن حنبل في على بن عاصم -وذكرت له خطأه- فقال لي أحمد: كان حماد بن سلمة يخطىء -وأومأ أحمد بيده- خطأ كثيرًا، ولم ير بالرواية عنه بأسًا". وفي كتاب "سؤالات أبي داود لإمام أحمد" رقم (440): "سمعت أحمد قيل له: علي ابن عاصم؟ قال: أما أنا فأحدث عنه، وحدثَّنا عنه". وفي رقم (441): "يهم في الشيء". فهذا هو المعروف عن أحمد في عاصم، وأما الذي كان يُسقطه، بل ويكذبه: إنما هو يحيى بن معين، ولم يحدث عنه أبو خيثمة، ولا أخرج عنه في تصنيفه، كما في كتاب "تاريخ بغداد" (1/ 456). 17 - هل يَطِّرِدُ تطبيقُ كُلِّ وجهٍ من أَوْجِهِ الطَّعْن في الراوي على كُلِّ روايةٍ له، أم ينبغي أن تكون تلك الروايةُ من مَظَانَ ذلك الطعن؟ "ضرورة اعتبار مظان الخطأ والوهم": • في ترجمة: سفيان بن وكيع من "التنكيل" (100): في (تاريخ بغداد) 13/ 379 عنه قال: جاء عمر بن حماد بن أبي حنيفة فجلس إلينا، فقال: سمعت أبي حمادًا يقول: بعث ابن أبي ليلى إلى أبى حنيفة فسأله عن القرآن فقال: ...

قال الأستاذ (يعني الكوثري) صـ 57 (من التأنيب): "كان وَرّاقُهُ كذابًا يُدخل في كتبه ما شاء من الأكاذيب، فيرويها هو، فنبهوه على ذلك وأشاروا عليه أن يغير وراقه فلم يفعل، فسقط عن مرتبة الاحتجاج عند النقاد". فأجاب الشيخ المعلمي عَمَّا رُمِيَ به سفيانُ بما عليه فيه بعض المناقشات والتعقبات، تراها في ترجمة سفيان من القسم الأول من هذا الكتاب رقم (309). ثم قال رحمه الله: "والحكاية التي ساقها الخطيب ليست من مظنة التلقين، ولا من مظنة الإدخال في الكتب، فإذا صَحَّ أن هذا الرجلَ صدوقٌ في نفسه، لم يكن في الطعن فيه بقصة الوراق فائدة هنا، وأكبرُ ما في الحكاية قولُ أبي حنيفة المقالة المذكورة، والأستاذُ يُثبتُ ذلك ويتبجح به. اهـ. • وفي ترجمة: سلام بن أبي مطيع (101): في (تاريخ بغداد) 13/ 397 عن سعيد بن عامر الضبعي: حدثنا سلام أبي مطيع قال: كان أيوب قاعدًا في المسجد الحرام، فرآه أبو حنيفة فأقبل نحوه , ... (¬1). قال الكوثري: قال ابن حبان: لا يجوز أن يُحتج بما ينفرد به. وقال الحاكم: منسوب إلى الغفلة وسوء الحفظ. فقال الشيخ المعلمي رحمه الله: "هذا رجل من رجال (الصحيحين) ... (¬2) وقال ابن عدي: لم أر أحدًا من المتقدمين نسبه إلى الضعف، وأكثر ما فيه أن روايته عن قتادة فيها أحاديث ليست بمحفوظة، وهو مع ذلك كله عندى لا بأس به. ¬

_ (¬1) عن ترجمة سعيد بن عامر رقم: (97). (¬2) تراجع ترجمته في القسم الأول من هذا الكتاب (311)، ففيها زيادة بيان وفوائد ليست في "التنكيل".

وروايته هنا ليست عن قتادة, وإنما هي قصةٌ جرت لأيوب شهدها سلام، وليس ذلك من مظنة الغلط". اهـ. • وفي ترجمة: سلمة بن كلثوم (103): في (تاريخ بغداد) 13/ 397 من طريق أبي توبة: حدثنا سلمة بن كلثوم -وكان من العابدين، ولم يكن في أصحاب الأوزاعي أحيا منه، قال: قال الأوزاعي لما مات أبو حنيفة: ... قال الكوثري ص 109: "يقول عنه الدارقطني: كثير الوهم". فقال الشيخ المعلمي: "عبارة الدارقطني على ما في (التهذيب): "يهم كثيرًا"، وليست حكايته هذه مظنة للوهم، وقد توبع عليها". اهـ. • وفي ترجمة: محمد بن أعين من "التنكيل" (194): قال الشيخ المعلمي: "ابن أعين قالوا: "أوصى إليه ابن المبارك وكان من ثقاته" وابن المبارك كان رجلا في الدين رجلا في الدنيا، فلم يكن ليعتمد بثقته في حياته، وإيصائه بعد وفاته إلا إلى عدلٍ أمينٍ يقظٍ، لا يُخشى منه الخطأ في حفظ وصاياه وتنفيذها، فهذا توثيقٌ فِعْلِيّ، قد يكون أبلغَ من التوثيق القولي. غاية الأمر أنه قد يقال: ليس من الممتنع أن يكونَ ابنُ أعين ممن ربما أخطأ في المواضع الملتبسة من الأسانيد، وهذا لا يضر هنا؛ لأن روايته في (تاريخ بغداد) إنما هي واقعة لابن المبارك، على أن ذاك الاحتمال يندفع برواية أحمد، وتوثيق ابن حبان، وأنه لم يتعرض أحدٌ بغمزٍ لابن أعين في روايته ... ". اهـ.

18 - الأحاديث التي تورد في ترجمة الرجل من كتب الضعفاء كأنها أشد ما انتقد على الرجل، وما عداها فالأمر فيه قريب

• وفي ترجمة: محبوب بن موسى أبي صالح الفراء منه (184): قال أبو داود: ثقة، لا يُلتفت إلى حكاياته إلا من كتاب. فقال الشيخ المعلمي: "فقوله: "ثقة" يدفع عنه الكذب والمجازفة والتساهل الفادح، ويُعين أن المقصود أنه كان لا يُتقن حفظ الحكايات كما يحفظ الحديث، فكان إذا حكاها من حفظه يخطىء، فلا يُحتج من حكاياته إلا بما رواه من كتابٍ، أو تُوبع عليه, أو ليس بمظنة للخطأ ... ". اهـ. • وفي ترجمة: مؤمل بن إسماعيل (253): " ... فَحَدُّهُ أن لا يحتج به إلا فيما توبع فيه، وفيما ليس من مظان الخطأ". اهـ. 18 - الأحاديث التي تورد في ترجمة الرجل من كتب الضعفاء كأنها أشد ما انتقد على الرجل، وما عداها فالأمر فيه قريب: • قال الشيخ المعلمي في ترجمة: نعيم بن حماد (258): "تقدم أن ابن عدي تتبع ما انتُقِدَ على نعيم، وذكر الذهبي في (الميزان) ثمانية أحاديث، وكأنها أشد ما انتُقد على نعيم، وما عداها فالأمر فيه قريبٌ". اهـ. 19 - مَنْ ضُعِّفَ في شيخٍ معيَّن: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 224): "قد وثق الأئمةُ جماعةً من الرواة ومع ذلك ضعفوهم فيما يروونه عن شيوخٍ معينين، منهم: عبد الكريم الجزري فيما يرويه عن عطاء، ومنهم: عثمان بن غياث وعمرو بن أبي عمرو وداود بن الحصين فيما يروونه عن عكرمة, ومنهم: عمرو بن أبي سلمة فيما يرويه عن زهير بن محمد، ومنهم: هشيم فيما يرويه عن الزهري، ومنهم: ورقاء فيما يرويه عن منصور بن المعتمر، ومنهم: الوليد بن مسلم فيما يرويه عن مالك". اهـ.

20 - الساقط والكذاب لا تنفعه كثرة من ذكر من شيوخه؛ لأن من كان في مثل حاله فالناس كلهم شيوخه

20 - الساقط والكذاب لا تنفعه كثرة من ذكر من شيوخه؛ لأن من كان في مثل حاله فالناس كلهم شيوخه: • في ترجمة: أحمد بن محمد بن الصلت بن المغلس الحماني (34): قال الكوثري: "وفي شيوخه كثرة". فقال الشيخ المعلمي: "سيأتي كلامُ الأئمة فيه، وبه تعرف أن من كان في مثل حاله فالناس كلهم شيوخه! ". اهـ. قال أبو أنس: يعني أنه يَدَّعِي سماعَ أقوامٍ ما سمعهم، بل ربما لم يلقهم، أو لم يدركهم، أو لم يُخلقوا أصلا. 21 - هل وصف الرجل بكونه قاصًا أو من القُصَّاص يقدحُ فيه؟ • قال الشيخ المعلمي في: عثمان بن أبي عاتكة سليمان الأزدي أبي حفص الدمشقي القاصّ في حاشية "الفوائد" (ص 449): "عثمان على كل حال ضعيف، كان قاصًّا، يَذكر في قصصه الأحاديثَ، فَيَهِمُ ويغلطُ". اهـ. 22 - هل مجرد ذكر الرجل في كتب الضعفاء يكفي في الحكم عليه بالضعف؟ • قال الشيخ المعلمي في النوع السادس من "الطليعة" (ص 57): سليم بن عيسى القارىء. قال الكوثري ص 60: "كان ضعيفًا في الحديث ... وقد روى عن الثوري خبرًا منكرًا ساقه العقيلي".

أقول: لا مستند للكوثري في قوله: "كان ضعيفًا في الحديث" إلا ذِكْرُ العقيلي ومن تبعه: سليم بن عيسى في كتب الضعفاء, مع رواية ذاك الحديث من طريق سليم بن عيسى. فأما ذِكْرُ الراوي في بعض كتب الضعفاء فلا يضره، ما لم يكن فيما ذُكر به ما يوجبُ ضعفَهُ، وذلك أنهم كثيرًا ما يذكرون الرجل لكلامٍ فيه: لا يثبتُ أو لا يقدحُ أو نحو ذلك. وأما ذاك الحديث ... فلا يثبت أن سليمًا رواه (¬1)، ومع هذا فسليم الذي ذكره العقيلي وروى عنه ذاك الحديث ليس هو بالقارىء صاحب حمزة الواقع في سند الخطيب، وإيضاح ذلك ... ". اهـ. • وفي الجرح والتعديل (2/ 345): " 1311 - الأخنس روى عن ابن مسعود، روى عنه ابنه بكير بن الأخنس، سمعت أبى يقول ذلك. حدثنا عبد الرحمن قال: سمعت أبى يُنكر على من أخرج اسمه في كتاب "الضعفاء" ويقول: لا أعلم رُوي عن الأخنس إلا ما روى أبو جناب يحيى بن أبى حية الكوفي، عن بكير بن الأخنس، عن أبيه، فإن كان أبو جناب لَيِّنَ الحديث، فما ذنبُ الأخنس والد بكير؟ وبكير ثقة عند أهل العلم، وليس في حديثٍ واحدٍ رواه ثقة (¬2) عن أبيه ما يلزم أباه الوهنَ بلا حجة". ¬

_ (¬1) يعني لضعف السند إليه. (¬2) علق الشيخ المعلمي هنا بقوله: ك (نسخة كوبريلي): "رواه غير ثقة والظاهر: "رواه غير ثقة عن ثقة". اهـ.

23 - الحمل على الراوي إنما يكون على الغالب ولا اعتداد بالقضية النادرة

فقال الشيخ المعلمي تعليقا: "الذى ذكره في الضعفاء: البخاري، وقال -كما في "الضعفاء الصغير"-: (لم يصح حديثه) وفى هذا تنبيه على أن الحمل على غيره، وكذلك ذكر البخاري في "الضعفاء": هند بن أبى هالة، وهو صحابي، وقال: (يتكلمون في اسناده). فهذا اصطلاحُ البخاري؛ يذكر في "الضعفاء" من ليس له إلا حديثٌ واحدٌ لا يصح، على معنى أن الرواية عنه ضعيفة، ولا مُشَاحَّةَ في الاصطلاح". اهـ. 23 - الحمل على الراوي إنما يكون على الغالب ولا اعتداد بالقضية النادرة: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 111): "القضية النادرة لا يُعتدُّ بها في حمل غيرها عليها، وإنما الحمل على الغالب". اهـ. • وفي ترجمة: الصقر بن عبد الرحمن بن مالك بن مِغول (111): " ... قد بان بصنيع أبي حاتم الرازي وأبي حاتم ابن حبان أنه لم ينكر على الصقر إلا هذا الحديث، وأن بقية أحاديثه مستقيمة، فالحمل على السهو والغلط هو الأقرب، وكم مِن رجلٍ وثقوه، وقد وقع له ما يُشبه هذا (¬1) ". اهـ. • وفي ترجمة: قطن بن إبراهيم (180): قال المعلمي: " ... فإذا كانت هذه حاله، ولم يُنقم عليه مع إكثاره إلا ذاك الحديث، فلعل الأولى أن يُحمل على العذر .. (¬2) ". اهـ. ¬

_ (¬1) للمعلمي كلام آخر في الصقر، في حاشية "الفوائد" (ص 61)، وهو في ترجمته من القسم الأول (355) من هذا الكتاب. (¬2) راجع ترجمته في القسم الأول (611).

24 - رفع الحرج عن الجارح إذا جرح بما يستوجب حدا في غير التجريح كالوصف بالزنا ونحوه

• وفي ترجمة: هشام بن عروة بن الزبير بن العوام (261): قال: "أما الوهم، فإذا كان يسيرًا يقع مثلُه لمالك وشعبة وكبار الثقات، فلا يستحق أن يُسمى خللًا في الضبط, ولا ينبغي أن يُسمى تغيرًا، غاية الأمر أنه رجع عن الكمال الفائق المعروف لمالك وشعبة وكبار الثقات، ولم يذكروا في ترجمته شيئًا نُسب فيه إلى الوهم إلا ما وقع له مرة في حديث أم زرع، والحديث في (الصحيحين) وغيرهما عنه عن أبيه عن عائشة قالت: "جلس إحدى عشرة امرأة ... " فساقت القصة بطولها وفيها ذكر أم زرع، وفي آخره: "قالت عائشة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع". وهذا السياق صحيح اتفاقًا، ولكن رواه هشام مرة أخرى فرفع القصة كلها، وقد توبع على ذلك كما في (الفتح) ولكن الأول أرجح، واستدل بعضهم على رفع القصة كلها بأن المرفوع اتفاقًا وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لك كأبي زرع لأم زرع" مبني على القصة، فلا بد أن يكون -صلى الله عليه وسلم- بدأ فذكر القصة، ثم بَنى عليها تلك الكلمة، أو بدأ بتلك الكلمة فسألته عائشة فذكر القصة. وأُجيب باحتمال أن تكون القصة كانت مما يحكيه العرب، وكان -صلى الله عليه وسلم- قد سمعهم يحكونها، وعلم أن عائشة قد سمعتها فبنى عليها تلك الكلمة. وعلى كُلِّ حالٍ فهذا وهمٌ يسيرٌ قد رجع عنه هشام". اهـ. 24 - رفع الحرج عن الجارح إذا جرح بما يستوجب حدًّا في غير التجريح كالوصف بالزنا ونحوه: • في ترجمة: صالح بن محمد التميمي الحافظ (110): قال المعلمي: "نص جماعة من أهل العلم على أن قاصد الجرح إذا قال في المسئول عنه: "هو زان" لم يكن قذفًا محرمًا، وإنما هو شهادةٌ وجب عليه أداؤها". اهـ.

25 - رواية المحدث عن الشيخ على سبيل الاضطرار بعد أن امتنع من الرواية عنه

25 - رواية المحدث عن الشيخ على سبيل الاضطرار بعد أن امتنع من الرواية عنه: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (2/ 155): "المحدث قد يمتنع من الرواية عن شيخٍ، ثم يضطر إلى بعض حديثه". اهـ. 26 - مجرد وجود رواية الشيخ عن رجلٍ في الكتب لا ينفي ما ثبت عنه أنه تركه بأخرة، ولا يتحتم على من بلغه الترك بأخرة أن لا يروي ما سمعه سابقًا: • في ترجمة: محمد بن إبراهيم بن جناد المنقري (185): قال المعلمي: "إن صح عن ابن المبارك شيء من روايته عن أبي حنيفة، فهو مما رواه سابقا، فإنه لا يلزم من تركه الرواية عنه بأخرة أن يمحي ما رواه سابقا من الصدور والدفاتر، ولا يتحتم على من بلغه الترك بأخرة أن لا يروي ما سمعه سابقا". اهـ. 27 - حرص المحدثين في القرن الثالث على التبكير بإسماع أبنائهم لا سيما من المعمرين رجاء علو الإسناد والشرف والمكانة عند أهل الحديث بخلاف عصر التابعين وقريبًا منهم لا سيما الكوفيين فلم يكونوا يُخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارًا حتى يستكملوا (20) سنة: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 287): "جرت عادة المحدثين في ذاك العصر (¬1) من التبكير بأبنائهم للسماع من المعمِّرين، على أمل أن يعيش الابنُ فيكون سنده عاليًا، فيكون له بذلك صيتٌ وشهرةٌ، ويرحل الناس إليه، وتلك مرتبة يحرص المحدث أن ينالها ابنه ... ولم يكن عادة الناس في ذاك العصر (¬2) بالتبكير بالسماع. ¬

_ (¬1) يعني القرن الثالث. (¬2) يعني القرن الأول والثاني.

28 - جرت عادة المحدثين من الحرص على الكتابة عن المعمر ولو كان ضعيفا رغبة فى العلو

وفي (الكفاية) ص 54 "قَلَّ من كان يثبت (وفي نسخة: يكتب) الحديث على ما بلغنا في عصر التابعين وقريبًا منه إلا من جاوز حدَّ البلوغ، وصار في عداد من يصلح لمجالسة العلماء ومذاكراتهم وسؤالهم، وقيل: إن أهل الكوفة لم يكن الواحد منهم يسمع الحديث إلا بعد استكماله عشرين سنة". ثم روى بعد ذلك حكايات، منها: "أنه قيل لموسى بن إسحاق: كيف لم تكتب عن أبي نعيم؟ قال: كان أهل الكوفة لا يخرجون أولادهم في طلب الحديث صغارًا حتى يستكملوا عشرين سنة". اهـ. 28 - جرت عادة المحدثين من الحرص على الكتابة عن المعمّر ولو كان ضعيفًا رغبةً فى العلوّ: قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 173). 29 - أهل الرأي: نشأتهم، وعلاقتهم بالرواية والرواة: قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 22): "الأستاذ -يعني الكوثري- من أهل الرأي، ويظهر أنه من غلاة المقلدين في فروع الفقه، ومن مقلدي المتكلمين، ومن المُجارين لكتَّاب العَصْر إلى حَدٍّ ما، وكُلُّ واحدةٍ من هذه الأربع تقتضي قلةَ مبالاةٍ بالمرويات، ودربةً على التَّمَحُّل قي رَدِّها، وجُرْأَةً على مخالفتِها واتِّهام رُواتها. أما أهل الرأي فهذه بدايتهم: في (الصحيح) عن أبي هريرة قال: "إنكم تزعمون أن أبا هريرة يُكثر الحديث عن رَسُولِ الله -صلى الله عليه وسلم- والله الموعدُ، إني كنت امرءًا مسكينًا أصحبُ رَسُولَ الله -صلى الله عليه وسلم- على ملء بطني، وكان المهاجرون يشغلهم الصفق بالأسواق، وكانت الأنصار يَشغلهم القيام على أموالهم ... ".

ومن تتبع السيرةَ والسنةَ، عَلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان ربما يقضي بالقضية أو يحدث بالحديث أو يفتي في مسألة، وليس عنده من أصحابه إلا الواحد أو الاثنان، ثم كان معظمُ أصحابه لا يُحدثون بالحديث عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ إلا عندما تدعو الحاجة ومنْ لازمِ ما تقدم، مع احتمال نسيان بعضهم، أو موته قيل أن يُخبر بالحديث: أن يكونَ كثيرٌ من السنن ينفرد بسماعها أو بحفظها أو بروايتها آحاد الصحابة. ثم تفرق الصحابة في الأقطار، فمنهم من هو في باديته، ومنهم من صار إلى الشام والعراق ومصر واليمن، فكان عند أهل كل جهة أحاديثُ من السنة لم تكن عند غيرهم في أول الأمر -كما روي عن مالك-. ثم اجتهد أصحاب الحديث في جمع السنة من كل وجه، وقد عُلم من الشريعة أنه ليس على العالِم الإحاطةُ بالعلم كله, وأن من شهد له أهل العلم بأنه عالم، فإنما عليه إذا احتاج إلى قضاءٍ أو فتوى أن ينظر في كتاب الله عز وجل وفيما يعلمه من السنة، فإن لم يجد فيهما النص على تلك المسألة سأل من يسهل عليه ممن يرجو أن يكون عنده دليلٌ، فإن لم يجد، وعَرف أن لبعض الصحابة قولًا في تلك المسألة -لم يعلم له مخالفًا- أخذ به، وإن علم خلافًا رجح، فإن لم يجد قولَ صحابي ووجد قولَ تابعي ممن تقدمه -لم يعلم له مخالفًا فيه- أخذ به، وإن علم خلافًا رجح. وكان الغالب في الترجيح أن يرجح العالمُ قولَ من كان ببلده من الصحابة أو التابعين؛ لمزيد معرفته بهم المقتضية لزيادة الوثوق، هذا مع ما لِلإِلْفِ والعادة من الأثر الخفي. فإن لم يجد شيئًا مما تقدم اجتهد رأيه، وقضى وأفتى بما يظهر له. ثم إذا قضى أو أفتى مستندًا إلى شيءٍ مما تقدم، ثم وجد دليلًا أقوى مما استند إليه يخالف ما ذهب إليه سابقًا: أخذ مِنْ حينئذٍ بالأقوى. على هذا جرى الخلفاء الراشدون وغيرهم، كما هو مبسوط في مواضعه، ومنها (إعلام الموقعين).

وكان كثيرٌ من أهل العلم من الصحابة وغيرُهم يَتَّقُون النظرَ فيما لم يجدوا فيه نصًا، وكان منهم من يتوسَّعُ في ذلك، ثم نَشأ من أهل العلم -ولا سيما بالكوفة- من توسَّعَ في ذلك، وتوسَّع في النظر في القضايا التي لم تقعْ، وأخذوا يبحثون في ذلك، ويتناظرون، ويصرفون أوقاتهم في ذلك. واتصل بهم جماعةٌ من طلبة العلم، تشاغلوا بذلك، ورأوه أشهى لأنفسهم وأيسر عليهم من تتبع الرواة في البلدان، والإمعان في جمع الأحاديث والآثار، ومعرفة أحوال الرواة وعاداتهم، والإمعان في ذلك ليعرف الصحيح من السقيم، والصواب من الخطأ، والراجح من المرجوح، ويعرف العام والخاص، والمطلق والمبين وغير ذلك. فوقعوا فيما روي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: "إياكم والرأي؛ فإن أصحابَ الرأي أعداءُ السنن، أعيتْهم الأحاديثُ أن يَعُوها، وتفلتت منهم أن يحفظوها، فقالوا في الدين برأيهم" راجع (إعلام الموقعين) طبعة مطبعة النيل بمصر (1/ 62) وراجع (كتاب العلم) لابن عبد البر. فوقع فيما ذهبوا إليه وعملوا به وأفتوا: مسائلُ، ثبتت فيها السنةُ مخالفةً لما ذهبوا إليه، لم يكونوا اطلعوا عليها، فكان الحديثُ من تلك الأحاديث إذا بلغهم ارتابوا فيه؛ لمخالفته ما ذهب إليه أسلافُهم، واستمر عليه عملُهم، ورأوا أنه هو الذي يقتضيه النظر المعقول (القياس). فمن تلك الأحاديث ما كان من الثبوت والصراحة، بحيث قهرهم، فلم يجدوا بُدًّا من الأخذ به، وكثيرٌ منها كانوا يردُّونها، ويتلمسون المعاذير، مع أن منها ما هو أثبتُ وأظهرُ وأقربُ إلى القياس من أحاديثَ قد أخذوا بها، لكن هذه التي أخذوا بها -مع ما فيها من الضعف ومخالفة القياس- وردت عليهم قيل أن يذهبوا إلى خلافها، فقبلوها اتباعًا، وتلك التي ردوها -مع قوة ثبوتها- إنما بلغتهم بعد أن استقر عندهم خلافها، واستمروا على العمل بذلك ومضى عليه أشياخهم.

وربما أخذوا بشيء من النقل، ثم بلغهم من السنة ما يخالفه، فأعجزهم أن ينظروا كما ينظر أئمة الحديث لمعرفة الصحيح من السقيم والخطأ من الصواب والراجح من المرجوح، فقنعوا بالرأي، كما ترى أمثلةً لذلك في قسم الفقهيات، ولا سيما في مسألة: ما تُقطع فيه يدُ السارق، وهذا دَيدنُهم، وعليه يعتمدُ الطحاوي وغيرُه منهم. ولهذا بينما تجد الحنفيةَ يتبجحون بأن مذهبَ أبي حنيفة وسائرِ فقهاءِ العراق تقديمُ الحديث الضعيف على القياس -وقد ذكر الأستاذ ذلك في "التأنيب" (ص 161) - إذا بهم يردُّون كثيرًا من الأحاديث الصحيحة لمخالفتها آراء سلفِهم وآراءهم التي أخذوا بها، وقد كان الشافعي ينعى عليهم ذلك، ومن كلامه كما في (سنن البيهقي) ج 1 ص 148: "والذي يزعم أن عليه الوضوء في القهقهة يزعم أن القياس أن لا ينتقض ولكنه يتبع الآثار، فلو كان يتبع منها الصحيح المعروف كان بذلك عندنا حميدًا، ولكنه يرد منها الصحيح الموصول المعروف ويقبل الضعيف المنقطع". فالحنفية يعرفون شناعةَ ردِّ السنة بالرأي، ولكنهم يتلمسون المعاذير، فيحاولون استنباطَ أصولٍ يمكنهم إذا تشبثوا بها أن يعتذروا عن الأحاديث التي ردوها بعذرٍ سوى مخالفة القياس، وسوى الجمود على اتباع أشياخهم، ولكن تلك الأصول مع ضعفها لا تطرد لهم؛ لأن أشياخهم قد أخذوا بما يخالفها، ولهذا يكثر تناقضهم، وفي مناظرات الشافعي لهم كثير من بيان تناقضهم. بل من تدبر ما كتبوه في أصول الفقه، بانَ له كثيرٌ من التناقض، كما ترى المتأخرُ منهم يخالفُ المتقدمَ، حتى إن الأستاذ الكوثري ذكر في "التأنيب" (ص 152 - 153) عدةَ أصولٍ لمحاربة السنن الثابتة, ومنها ما خالفَ فيه من تقدمه منهم، ولمَّا تعقبتُه في "الطليعة" (ص 102) في قوله: "عنعنة قتادة متكلم فيها" بأن ذلك

الحديث في "صحيح البخاري" وفيه: "حدثنا قتادة حدثنا أنس ... " وفي "مسند أحمد" وفيه: "أن قتادة أن أنسًا أخبره ... " أجاب في "الترحيب" (ص 49) بقوله: "مِنْ مذهب أبي حنيفة أيضًا كما يقول ابن رجب في "شرح علل الترمذي" ردُّ الزائد إلى الناقص في الحديث متنًا وسندًا، وهذا احتياطٌ بالغٌ في دين الله ... فهل عرفتَ الآن يا معلمي مذهبَ الإمام لتقلع عن نسج الأوهام". هذا، والأستاذ يعلم: أولًا: أن النسبة إلى أبي حنيفة لا يَكفي في إثباتها قولُ رجلٍ حنبلي بينه وبين أبي حنيفة عدةُ قرون! ويعلم ثانيًا: ما في كتب مذهبه مما يخالف هذا. ويعلم ثالثًا: أن قولَ الراوي: "قتادة عن أنس" وقوله مرة أخرى أو قول غيره: "قتادة حدثنا أنس" ومرة أخرى: "قتادة أن أنسًا أخبره" ليس من باب النقص والزيادة، وإنما هو من باب المحتمل والمعين أو المجمل والمبين. ويعلم رابعًا: أن أصلَ الحنفية الاحتجاجُ بالمنقطع، فما لم يتبين انقطاعُه -بل هو متردد بين الاتصال والانقطاع- أَوْلَى، فإذا ثبت مع ذلك اتصالُه من وجهٍ آخر فآكدُ. ويعلم خامسًا: أنه لا ينبغي له أن يدافع عن نفسه بإلقاء التُّهَمِ على إمامه. فأما الاحتياط البالغ في دين الله الذي يُموه به الأستاذ: فالتحري البالغ الذي سبق ما فيه في الفصل الثالث، فلا نعيده. والمقصود هنا أن أصحاب الرأي لهم عادةٌ ودربةٌ في دفعِ الروايات الصحيحة، ومحاولةِ القدح في بعض الرواة حتى لم يسلم منهم الصحابة -رضي الله عنهم-، على أن الأستاذ لم يقتصر على كلام أسلافه وما يقرب منه، بل أَرْبَى عليهم جميعًا كما تراه في (الطليعة)، ويأتي بقيته في التراجم إن شاء الله تعالى.

30 - المتكلمون، وأثرهم في علوم السنة

وأما غُلاةُ المُقَلِّدين فأمرهم ظاهر، وذلك أن المتبوعَ قد لا تبلغُه السُّنُّة، وقد يغفلُ عن الدليل أو الدلالة، وقد يسهو أو يخطىء أو يَزِلّ، فيقع في قولٍ تجيء الأحاديث بخلافِه، فيحتاج مقلدُوه إلى دفعها والتمحل في ردها، ولو اقتصر الأستاذ على نحو ما عُرف عنهم لَهان الخَطْبُ، ولكنه يَعُدُّ غُلُوَّهم تقصيرًا.! ". اهـ. 30 - المتكلمون، وأثرهم في علوم السنة: قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 25) تكملةً للموضع السابق: "أما المتكلمون فأوَّلُ مَنْ بلَغَنا أنه خاض في ذلك: عمرو بن عبيد، ذُكر له حديثٌ يخالف هواه، رواه الأعمش، عن زيد بن وهب، عن عبد الله بن مسعود، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال عمرو: "لو سمعتُ الأعمشَ يقولُ هذا لكذَّبْتُه، ولو سمعتُه من زيد بن وهب لما صدَّقْتُه، ولو سمعتُ ابنَ مسعود يقوله لما قبلتُه، ولو سمعتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- يقول هذا لرددتُّه، ولو سمعتَ الله عز وجل يقول هذا لقلتُ: ليس على هذا أخذتَ ميثاقنا". وتعدَّى إلى القرآن، فقال في: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} وقوله تعالى: {ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا}: "لم يكونا في اللوح المحفوظ" كأنه يريدُ أن الله تبارك وتعالى لم يكن يعلمُ بما سيكونُ من أبي لهب ومن الوحيد. ثم كان في القرن الثاني جماعةٌ ممن عُرف بسوء السيرة، والجهل بالسنة، ورِقَّةِ الدين؛ كثمامة بن أشرس والنظام والجاحظ، خاضوا في ذلك، كما أشار إليه ابن قتيبة وغيره, وجماعة آخرون كانوا يتعاطون الرأي والكلام، يردُّون الأخبار كلها، وآخرون يردُّون أخبارَ الآحاد، أي ما دون المتواتر، كَسَر الله تعالى شوكتهم بالشافعي، حتى إن شيوخه ومن في طبقتهم من الأكابر كيحيى بن سعيد القطان وعبد الرحمن بن مهدي انتفعوا بكتبه.

31 - محنة خلق القرآن وعلاقتها بعلم الرواية

قال الشافعي في (الأم) (ج 7 ص 250): "باب حكاية قول الطائفة التي ردت الأخبار كلها" ثم ذكر مناظرته لهم. ثم قال بعدُ: "باب حكاية قول من رد خبر الخاصة" فذكر كلامه معهم، وبسط الكلام في ذلك في (الرسالة)، وفي كتاب (اختلاف الحديث). ثم كانت المحنة وويلاتها، وكان دعاتُها لا يجرؤون على ردِّ الحديث، وسيأتي في ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني بعضُ ما يتعلق بذلك، ثم جاء محمد بن شجاع بن الثلجي فلم يجرؤ على الرد، إنما لَفَّقَ ما حاول به إسقاط حماد بن سلمة، كما يأتي في ترجمة حماد إن شاء الله تعالى، وجمع كتابا تكلف فيه تأويل الأحاديث، وتبعه من الأشعرية ابن فورك في كتابه المطبوع. ثم اشتهر بين المتكلمين أن النصوص الشرعية من الكتاب والسنة لا تصلح حجة في صفات الله عز وجل ونحوها من الاعتقادت, وصرحوا بذلك في كتب الكلام والعقائد كالمواقف وشرحها، والأمر أشد من ذلك كما يأتي في الاعتقاديات إن شاء الله تعالى. وأستاذ يدين بالكلام ويتشدد، ومع هذا كله فغالب أصحاب الرأي وغلاة المقلدين وأكثر المتكلمين لم يُقْدِمُوا على اتهام الرواة الذين وثقهم أهل الحديث، وإنما يحملون على الخطأ والغلط والتأويل، وذلك معروف في كتب أصحاب الرأي والمقلدين، أما الأستاذ فبرز على هؤلاء جميعا! ". اهـ. 31 - محنة خلق القرآن وعلاقتها بعلم الرواية: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 18 - 21): "ذكر الكوثري في (التأنيب) أسبابًا اقتضت المنافرة بين الحنفية ومخالفيهم، وأطنب في فتنة القول بخلق القرآن، ثم ذكر في "الترحيب" (ص 18 - 19) أنه يتحتم عليَّ أن أدرس ملابسات تلك الفتنة، يريد أن الدعاة إليها كانوا من أتباع أبي حنيفة؛ كبشر

المريسى وابن أبي داود، ونسبوا تلك المقالة إلى أبي حنيفة، وساعدهم حفيده إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة، واستحوذوا على الدولة، فَسَعَتْ في تنفيذ تلك المقالة بكل قُواها في جميع البلدان، فكان علماء السنة يُكَلَّفُون بأن يقولوا: إن القرآن مخلوق، فمن أجاب مُظهرًا الرضا والاعتقاد صار له منزلة وجاه في الدولة، وأُنعم عليه بالعطاء وولاية القضاء وغير ذلك، ومن أَبَى حُرم عطاءه وعُزل عن القضاء أو الولاية ومنع من نشر العلم، وكثير منهم سُجنوا ومنهم من جُلد، ومنهم من قُتل. وأسرف الدعاةُ في ذلك حتى كان القُضاة لا يُجيزون شهادةَ شاهدٍ حتى يقول: إن القرآن مخلوق، فإن أَبَى ردوا شهادته، ومن أجاب مكرهًا ربما سجنوه وربما أطلقوه مسخوطًا عليه، وفي كتاب "قضاة مصر" طرفٌ من وصف تلك المحنة. فيرى الأستاذ أن ذلك أوغرَ صدور أصحاب الحديث على أبي حنيفة، فكان فيهم من يذمه، ومنهم من يختلق الحكايات في ثلبه. فأقول: ليس في ذلك ما يبرر صنيع الأستاذ. أما أولًا: فلأن أصحاب الحديث منهم من صرح بأنه لم يثبت عنده نسبة تلك المقالة إلى أبي حنيفة، كما رواه الخطيب من طريق المروذي عن أحمد بن حنبل، ومنهم من وقعت له رواياتٌ تُنسب إلى أبي حنيفة بأن القرآن غير مخلوق، وتلك الروايات معروفة في "تاريخ بغداد" و"مناقب أبي حنيفة" وغيرها، فكيف يُظن بهم أن يحملوا على أبي حنيفة ذنبًا يرونه بريئًا منه، ويخرجوه من صَفِّهم، مع عدم استغنائهم عنه إلى صَفِّ مخالفهم؟. وأما ثانيًا: فهل يريد الأستاذ أن يستنتج من ذلك أن أصحاب الحديث صاروا كلُّهم بين سفيهٍ فاجرٍ كذاب، وأحمق مغفل يستحل الكذب الذي هو في مذهبه من أكبر الكبائر وأقبح القبائح؟ فليت شعري عند من بقي العلم والدين؟ أعند الجهمية الذين يعزلون الله وكتبه ورسله عن الاعتداد في عظم الدين وهو الاعتقاديات، ويتبعون فيها الأهواء

والأوهام؟! يقال لأحدهم: قال الله عز وجل ... ، وقال رَسُولُ الله -صلى الله عليه وسلم-، فتلتوي عنقه ويتقبض وجهه تبرمًا وتكرهًا، ويقال له: قال ابن سينا ... ، فيستوي قاعدًا ويسمو رأسه وينبسط وجهه وتتسع عيناه وتصغي أذناه, كأنه يتلقى بُشرى عظيمة كان يتوقعها. فهل هذا هو الإيمان الذي لا يزيد ولا ينقص يا أستاذ!! ... ". اهـ. • وفي ترجمة: إسماعيل بن إبراهيم بن معمر أبي الهذلي الهروي الكوفي (47): قال الشيخ المعلمي: "ما جاء عن الإمام أحمد أنه كان ينهى عن الكتابة عن الذين أجابوا في المحنة فليس ذلك على معنى جَرْح من أجاب مُكرها، بل أراد بذلك تثبيت أهل العلم والعامَّة، أما أهل العلم فخشية أن يبادروا بالإجابة قيل تحقق الإكراه، وأما العامَّة فخشية أن يتوهموا أن الذين أجابوا أجابوا عن انشراح صدر". اهـ. • وفي ترجمة: الحسن بن علي بن محمد الحلواني (77): قال المعلمي: "إنما لم يحمده أحمد؛ لأنه بلغه عنه أنه مع قوله: "القرآن كلام الله غير مخلوق ما نعرف غير هذا" امتنع من إطلاق الكفر على القائلين بخلق القرآن، فكان أحمد رأى أن امتناع العالم في ذاك العصر من إطلاق الكفر عليهم يكون ذريعةً لانتشار تلك البدعة التي جَدَّ أهلُها والدولةُ معهم في نشرها وحَمْل الناس عليها، ولعل الحلواني لم ينتبه لهذا، وعارض ذلك عنده ما يراه مفسدة أعظم". اهـ. • وفي ترجمة: عبد الرحمن بن محمد بن إدريس أبي محمد بن أبي حاتم الرازي (140): قال المعلمي: "إن صح عن ابن أبي حاتم إطلاقُ أن قولَ: "لفظي بالقرآن مخلوق" كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فمراده بذلك قولُ تلك الكلمة معنيًا بها أن القرآن مخلوق.

وأهل العلم قد يحكمون على الأمر بأنه كفر، ولا يحكمون بأن كل من وقع منه خارج عن الملة؛ لأن شرط ذلك أن لا يكون له عذر مقبول، ويأتي مثل هذا في الزنا والربا وغيرهما. وقد جاء في الحديث تعريفُ الغِيبة بأنها ذِكْرُك أخاك بما يكره، وقد يذكر المؤمن أخاه بما يكره غير شاعر بأنه يكرهه، بل ظانا أنه يحبه، فلا يلحقه الإثم، وإن صح أن يُسمى ما وقع منه غيبة، وصح أن يقال: الغيبة حرام يأثم صاحبها، وقد قال الله تبارك وتعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106]. المختار في معنى الآية أن التقدير: "من كفر بالله بعد إيمانه فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان"، فحذف هذا الجواب وهو قولنا "فعليهم غضب ... " لدلالة ما بعد ذلك عليه. فدل الاستثناء على أن من أُكره فأظهر الكفر ؤقلبه مطمئن بالإيمان، فقد كفر من بعد إيمانه، وإن كان لا غضب عليه ولا عذاب. ومع هذا فقد يكون أطلق في القرآن في مواضع كثيرة ترتب العقوبة على الكفر، فعلم بذلك جواز ذاك الإطلاق، وإن كان الحكم مختصًا بغير المكره؛ لأنه قد قام الدليل على إخراج المكره، فلا محذور في الإطلاق. فكذلك هنا، لا حرج في إطلاق أن قول تلك الكلمة كفر مخرج عن الملة، وإن كان هذا الحكم مختصًا بمن ذكرنا". اهـ. • وفي ترجمة: علي بن عبد الله بن المديني (163): قال الشيخ المعلمي: "أما مسايرته لابن أبي داود، فقد أجاب عنها مرارًا بأنه مُكره، وكان في أيام المحنة إذا خلا بمن يثق به من أهل السنة ذكر له ذلك، وأنه يرى أن الجهمية كفار، جاء ذلك من طرق.

فإن قيل: لم يكن الدعاةُ يُكرهون أحدًا أن يكون معهم، وإنما كانوا يُكرهون على قولِ مثلِ مقالتهم، كما فعلوا بيحيى بن معين وغيره، فكيف أَكرهوا ابن المديني على مسايرتهم؟ قلت: كان الدعاة يرون أنه لا غنى لهم عن أن يكون بجانبهم من يعارضون به الإمام أحمد، ولم يكن هناك إلا ابن المديني أو يحيى بن معين، فأما ابن معين فإنه وإن كان أضعف صبرًا وأقل ثباتًا من أحمد بحيث أنه أجاب عند الإكراه إلى إجراء تلك المقالة على لسانه، فلم يكن من الضعف بحيث إذا هددوه وخوفوه على أن يسايرهم ليجيبهم إلى ذلك، ولعلهم قد حاولوا ذلك منه فأخفقوا، فما بقي إلا ابن المديني، وكان هو نفسه شهد على نفسه بالضعف قال: "قوي أحمد على السوط ولم أقو". وقال لابن عمار: "خفتُ أن أُقتل، وتَعلم ضعفي، أني لو ضُربت سوطًا واحدًا لمت" أو نحو هذا. وقال لأبي يوسف القلوسي لما عاتبه: "ما أهون عليك السيف". وقال لعلي بن الحسين: "بَلِّغْ قومَك عَنِّي أن الجهمية كفار، ولم أجد بُدًا من متابعتهم؛ لأني حُبست في بيتٍ مظلمٍ، وفي رجلي قيد، حتى خفت على نفسي". وذُكر عند يحيى بن معين فقال: "رجل خاف" ..... ". اهـ. • وفي ترجمة: نعيم بن حماد (258): قال المعلمي: "نعيم من أخيار الأمة وأعلام الأئمة وشهداء السنة، ما كفى الجهمية الحنفية أن اضطهدوه في حياته, إذ حاولوا إكراهه على أن يعترف بخلق القرآن، فأبى، فخلدوه في السجن مثقلًا بالحديد حتى مات، فَجُرَّ بحديده, فأُلقي في حفرة، ولم يكفن ولم يُصل عليه -صلت عليه الملائكة- حتى تتبعوه بعد موته بالتضليل والتكذيب ... ". اهـ.

32 - قضية الخروج على بعض الأمراء، واختلاف العلماء في ذلك، وترتب الذم والمدح للرواة بناء عليه

32 - قضية الخروج على بعض الأمراء، واختلاف العلماء في ذلك، وترتب الذم والمدح للرواة بناء عليه: • قال الشيخ المعلمي في "التنكيل" (1/ 93 - 94): "كان أبو حنيفة يستحب أو يوجب الخروجَ على خلفاء بني العباس؛ لما ظهر منهم من الظلم، ويرى قتالَهم خيرًا من قتال الكفار، وأبو اسحق -يعني الفزاري- ينكر ذلك. وكان أهلُ العلم مختلفين في ذلك، فمن كان يرى الخروج يراهُ من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام بالحق، ومن كان يكرهه يرى أنه شقٌّ لعصا المسلمين، وتفريقٌ لكلمتهم، وتشتيتٌ لجماعتهم، وتمزيقٌ لوحدتهم، وشغل لهم بقتل بعضهم بعضًا، فتَهِنُ قوتُهم وتقوَى شوكةُ عدوِّهم وتتعطل ثغورهم، فيستولي عليها الكفار، ويقتلون من فيها من المسلمين، ويذلونهم، وقد يستحكم التنازع بين المسلمين فتكون نتيجته الفشل المخزي لهم جميعًا. وقد جَرَّبَ المسلمون الخروجَ، فلم يروا منه إلا الشر، خرج الناس على عثمان، يرون أنهم إنما يريدون الحقَّ، ثم خرج أهل الجمل، يرى رؤساهم ومعظمهم أنهم إنما يطلبون الحقَّ، فكانت ثمرة ذلك بعد اللتيا والتي أن انقطعت خلافة النبوة، وتأسست دولة بني أمية , ثم اضطر الحسن بن علي إلى ما اضطر إليه، فكانت تلك المأساة, ثم خرج أهل المدينة، فكانت وقعة الحرة، ثم خرج القراء مع ابن الأشعث فماذا كان؟ ثم كانت قضية زيد بن علي، وعَرض عليه الروافضُ أن ينصروه على أن يتبرأ من أبي بكر وعمر، فأبى، فخذلوه, فكان ما كان، ثم خرجوا مع بني العباس، فنشأت دولتهم التي رأى أبو حنيفة الخروج عليها، واحتشد الروافض مع إبراهيم (¬1) الذي رأى أبو حنيفة الخروج معه، ولو كتب له النصر لاستولى الروافض على دولته، فيعود أبو حنيفة يفتي بوجوب الخروج عليهم! ¬

_ (¬1) هو ابن عبد الله بن الحسن.

هذا، والنصوص التي يحتج بها المانعون من الخروج والمجيزون له معروفة، والمحققون يجمعون بين ذلك بأنه إذا غلب على الظن أن ما ينشأ عن الخروج من المفاسد أخف جدًّا مما يغلب على الظن أنه يندفع به جاز الخروج وإلا فلا. وهذا النظر قد يختلف فيه المجتهدان، وأولاهما بالصواب من اعتبر بالتاريخ، وكان كثيرَ المخالطة للناس والمباشرة للحروب والمعرفة بأحوال الثغور، وهكذا كان أبو إسحاق". اهـ. • وذكر الشيخ المعلمي في "حاشية الأنساب" (2/ 74 - 75): الحسن بن صالح ابن صالح بن حيّ الهمداني الثوري الكوفي، فقال: "إمام من أئمة المسلمين، إنما أنكر عليه بعض معاصريه من الأئمة تحبيذه الخروج على خلفاء الجور؛ رأى المنكرون عليه أن الخروج في زمنهم لا يؤدي إلا إلى ما هو أعظم شرا، ويخشون أن يعمل بعض أهل الخير والصلاح برأي الحسن، فيخرجوا، فيشتد الشر على المسلمين جميعا، فشددوا النكير عليه ليكفوا الناس عن التسرع في العمل برأيه". اهـ. * * *

ملحق (1) المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد يظهر فيها تميزه عن كثير من المتأخرين

ملحق (1) المنتقى من أخبار تناولها المعلمي بالنقد يظهر فيها تميزه عن كثير من المتأخرين يشتمل ذلك على (22) حديث من أحاديث "الفوائد المجموعة" نقدها الشيخ المعلمي، وناقش فيها غير واحد من الحفاظ. أكتفي في هذا المنتقى بسرد كلام الشوكاني متخلَّلا بتعليقات المعلمي بين حاجزين []، مع بعض الحواشي التكميلية زيادةً مني، ويُدْرَكُ المرادُ من هذا الملحق بتأمل وتدبر السياق، وبالله التوفيق. الحديث الأول: (ص 55): "إذا دخل أحدكم بيته فلا يجلس حتى يركع". قال الشوكاني: قال الأزدي: لا أصل له. وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة بلفظ: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يركع ركعتين، وإذا دخل بيته فلا يجلس حتى يركع ركعتين، فإن الله جاعل له من ركعتيه في بيته خيرا" (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه: البيهقي في "الشعب" (3/ 125)، وابن عدي في "الكامل" (1/ 251)، والعقيلي في "الضعفاء" (1/ 72). جميعًا من حديث سعد بن عبدالحميد، عن إبراهيم بن يزيد بن قديد، عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة, عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال البيهقي عقبه: "أنكره البخاري بهذا الإسناد". وقال العقيلي: "لا أصل له من حديث الأوزاعي".

[قال المعلمي: في سنده إبراهيم بن يزيد بن قديد، رواه سعد بن عبد الحميد عنه, عن الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة مرفوعا. ذكر البخاري إبراهيم هذا في التاريخ (1/ 1 / 336) وذكر هذا الحديث، ثم قال البخاري: هذا لا أصل له، وفي ترجمة إبراهيم من الميزان (¬1) ذكر هذا الحديث، وأن ابن عدي قال: هذا منكر بهذا الإسناد عن الأوزاعي. وفي اللسان (¬2) أن العقيلي ذكر إبراهيم، وقال: في حديثه وهم وغلط. ثم ساق هذا الحديث. وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في "الموضوعات" عن الأزدي، وأنه قال: إبراهيم ليس حديثه بشيء، روى عن الأوزاعي مناكير، فذكر منها .... فذكر هذا الحديث، ثم قال: لا أصل له. تعقبه السيوطي في اللآلىء (2/ 24) بقوله: قلت: قال الحافظ ابن حجر في "لسان الميزان": إبراهيم هذا ذكره ابن حبان في الثقات انتهى ثم ذكر الشواهد، وكذا صنع شارح الإحياء (3/ 465) مع أن بقية عبارة اللسان: فقال يعني ابن حبان في الثقات (¬3): يعتبر حديثه من غير رواية سعيد. كذا. قلت: قد قال ابن عدي: لا يحضرني له غيره، وسعيد بن عبد الجبار الراوي عنه أخرج له ابن ماجه، وقد قال أبو أحمد: إنه يروي الكذب، فالآفة منه، كذا قال: سعيد بن عبد الجبار، وكذلك قال في حكاية عبارة "الميزان"، مع أن الذي في "الميزان" المطبوع: سعد بن عبد الحميد، والتغيير من ابن حجر نفسه؛ فإن الذي ¬

_ (¬1) "ميزان الاعتدال" للذهبي (1/ 203). (¬2) "لسان الميزان" لابن حجر (1/ 124). (¬3) "الثقات" لابن حبان (8/ 61).

روى له ابن ماجه وحده وتكلم فيه أبو أحمد الحاكم هو: سعيد بن عبد الجبار الزبيدي، ترجمته في التهذيب (4/ 53) وفيها: قال أبو أحمد الحاكم: يرمى بالكذب. فأما سعد بن عبد الحميد بن جعفر فروى له الترمذي والنسائي وابن ماجه، وترجمته في التهذيب (3/ 477) وليس فيها عن أبي أحمد شيء، وإنما فيها عن ابن حبان: كان ممن يروي المناكير عن المشاهير، وممن فحش وهمه، حتى حسن التنكب عن الاحتجاج به. وقال ابن أبي حاتم في ترجمة إبراهيم (¬1): كان يسكن الثغر، روى عن الأوزاعي، روى عنه سعد بن عبد الحميد بن جعفر. والغالب على الظن أن ما وقع في اللسان وهم، وإنما روى عن هذا الرجل: سعد بن عبد الحميد بن جعفر، وعلى كل حال فقد بان أن ابن حبان إنما ذكر إبراهيم في الثقات؛ لأنه يرى الحمل في هذا الحديث على الراوي عنه] اهـ. قال الشوكاني: وأخرج البزار في مسنده من حديث أبي هريرة: "إذا دخلت منزلك فصل ركعتين تمنعانك مدخل السوء، وإذا خرجت من مجلسك فصل ركعتين تمنعانك من مخرج السوء (¬2). قال في مجمع الزوائد رجاله موثقون. ¬

_ (¬1) "الجرح والتعديل" (2/ 145). (¬2) أخرجه: البزار (746 - كشف)، والبيهقي في "الشعب" (3/ 124). كلاهما من حديث يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن صفوان بن سليم، قال بكر: حسبته عن أبي سلمة, عن أبي هريرة مرفوعًا به. قال في "فيض القدير" (1/ 334): "قال ابن حجر: حديث حسن، ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح". وقال الألباني في "الصحيحة" (1323): "وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال البخاري، وفي يحيى ابن أيوب المصري كلام يسير لا يضر".

[قال المعلمي: هو من طريق يحيى بن أيوب، عن بكر بن عمرو، عن صفوان ابن سليم، وقد أخرجه البيهقي في "الشعب" من هذا الوجه، وفيه: قال بكر: حسبته عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. كذا في شرح الإحياء، ووقع في اللآلىء: قال بكر: حسبته عن أبي هريرة. فأما البزار فلا أدري وقع عنده هكذا أم وقع: صفوان بن سليم، عن أبي سلمة, عن أبي هريرة. وفي شرح الإحياء عن ابن حجر: هو حديث حسن، ولولا شك بكر لكان على شرط الصحيح. أقول: بكر لم يوثقه أحد، وليس له في البخاري إلا حديث واحد متابعة، وقد أخرجه البخاري من طريق أخرى. كذا قال ابن حجر نفسه في مقدمة الفتح ص (391) وليس له عند مسلم إلا حديث واحد، وهو حديث أبي ذر: قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ قال: يا أبا ذر إنك ضعيف إلخ. ثم أخرجه مسلم من وجه آخر، فروايته عن بكر في معنى المتابعة، وليس له عند مسلم غيره، كما يعلم من الجمع بين رجال الصحيحين. ففي تحسين حديثه نظر، كيف وقد شك فيه، مع أن الراوي عنه يحيى بن أيوب هو الغافقي، راجع ترجمته في مقدمة الفتح]. قال الشوكاني: وأخرج سعيد بن منصور عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "صلاة الأوابين صلاة الأبرار، وصلاة الأبرار ركعتان إذا دخلت بيتك وركعتان إذا خرجت (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن المبارك في "الزهد" (1279) من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة مرسلًا به.

الحديث الثاني

[قال المعلمي: هو من طريق الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عثمان بن أبي سودة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ... ، والوليد مدلس! التسوية، وعثمان بن أبي سودة: تابعي، وثقه بعضهم، ولم يقنع ذلك ابن القطان فقال: (لا يعرف حاله) والخبر على هذا مرسل. وفي اللآلىء أن عيسى بن يونس رواه "عن رجل، عن عثمان بن أبي سودة قال: كان يقال .... " فذكره. ومما يريب في الخبر من أصله أن أمهات المؤمنين لم يذكرن شيئًا من ذلك من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والله أعلم]. اهـ. كلام المعلمي الحديث الثاني: (ص 67): "اطلبوا الخير عند حسان الوجوه". قال الشوكاني: رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا (¬1). [قال المعلمي: "في سنده طلحة بن عمرو هالك"]. قال الشوكاني: ورواه أيضًا من حديثه بلفظ: "اطلبوا الخير عند صباح الوجوه" (¬2). وفي إسناده: أحمد بن أبي سلمة المدائني، يحدث عن الثقات بالأباطيل. [قال المعلمي: "وفي السند غيره من الضعفاء: عيسى بن خشنام، ومنصور بن عمار"]. ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (11/ 42) (13/ 158) من حديث سفيان الثوري، عن طلحة بن عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس مرفوعًا به. (¬2) "تاريخ بغداد" (4/ 185).

قال الشوكاني: ورواه بإسناد آخر عنه: فيه مصعب بن سلام التميمي. ضعفه يحيى، وابن المديني، وأبو داود (¬1). [قال المعلمي: "نسبوه إلى الصدق، إلا أنه كان لا يضبط الأسانيد، فكان يجعل حديث ذا لذا، وشيخه والراوي عنه لم أعرفهما"]. قال الشوكاني: ورواه العقيلي من حديثه بإسناد فيه عصمة بن محمد الأنصاري: كذاب وضاع (¬2). وقد روى هذا الحديث: الترمذي. [قال المعلمي: "كذا في الأصلين، وإنما قال في اللآلىء عند ذكر مصعب بن سلام "روى له الترمذي" يعني غير هذا الحديث"]. قال الشوكاني: والطبراني من حديثه (¬3). [قال المعلمي: "أي من حديث ابن عباس، ولفظه: " ... عبد الله، عن العوام، عن مجاهد، عن ابن عباس، رواه رفعه إلخ" عبد الله هو ابن خراش بن حوشب كما ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (7/ 11). (¬2) "الضعفاء" للعقيلي (3/ 340). وقال العقيلي: "الرواية في هذا ليِّنة". ونقل بإسناده عن يحيى بن معين أنه سئل عن عصمة بن محمد الأنصاري -يعني الذي في إسناده- فقال: هذا كذاب يضع الحديث. (¬3) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (11/ 81 / ح 11110) من حديث العوام بن حوشب، عن مجاهد، عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "اطلبوا الخير والحوائج عند حسان الوجوه". والحديث لم يخرجه أحد من أصحاب الستة فضلًا عن الترمذي.

في مجمع الزوائد (8/ 195)، وقال: "وثقه ابن حبان، وقال: ربما أخطأ، وضعفه غيره"، أقول: بل هو هالك. راجع ترجمته"]. قال الشوكاني: ورواه عبد بن حميد من حديث ابن عمر (¬1). [قال المعلمي: "في سنده محمد بن عبد الرحمن بن المجبر تالف جدًّا"]. قال الشوكاني: وكذا رواه ابن حبان من حديثه بإسناد فيه الكديمي: وضاع (¬2). وكذا رواه الطبراني من حديثه (¬3). [قال المعلمي: "كذا وقع في الأصلين، والذي في اللآلىء، أخرجه السلفي في الطيوريات ... " وساق بعض سنده وفيه من لم أعرفه] قال الشوكاني: ورواه الطبراني أيضًا من حديث جابر بإسناد فيه محمد بن زكريا. وضاع (¬4). [قال المعلمي: "قد توبع، فالبلاء ممن فوقه، رواه عن سليمان بن كران، عن عمر ابن صهبان، وعمر متروك وإن أثنى عليه من لا يُعتد بثنائه، وسليمان فيه نظر"]. ¬

_ (¬1) أخرجه: عبد بن حميد في "مسنده" (751) من حديث يزيد بن هارون, عن محمد بن عبد الرحمن بن المجبر عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا به. (¬2) "المجروحين" لابن حبان (2/ 313). (¬3) لم أجده في الطبراني، ولم يذكره صاحب "المجمع" من حديث ابن عمر أنه من زوائد المعجم. (¬4) "المعجم الأوسط" (6117)، وأبو نعيم من نفس الطريق في "حلية الأولياء" (3/ 156)، وقال: "غريب من حديث جابر"، وابن عدي في "الكامل" (3/ 290).

قال الشوكاني: ورواه الخطيب من حديث أنس بإسناد فيه محمد بن محمد الطرازي، وضاع (¬1). [قال المعلمي: "رواه عن أبي سعيد العدوي، عن خراش، وهما وضاعان أيضًا، وزاد ابن الجوزي في هذا الموضع فرواه من طريق سليمان بن سلمة، وقال: "اتهمه ابن حبان بالوضع" وذكر السيوطي أن له طريقًا أخرى في تاريخ ابن عساكر، ولم يسق سندها، وذلك يدل على سقوطه"]. قال الشوكاني: ورواه العقيلي من حديث أبي هريرة. وفي إسناده: عبد الرحمن بن إبراهيم ليس بشيء، ومحمد بن أزهر البجلي يحدث عن الكذابين (¬2). وقد رواه الدارقطني من حديثه بإسناد فيه عبد الله بن إبراهيم الغفاري وضاع. [قال المعلمي: "رواه الغفاري عن يزيد بن عبد الملك النوفلي، وقد رواه غير الغفاري عن يزيد فالحمل على يزيد، وهو هالك، ولا اعتداد بتوثيق ابن سعد إذا خالف، فإن مادته من الواقدي، كما قاله ابن حجر في تراجم: عبد الرحمن بن شريح، ومحارب بن دثار، ونافع بن عمر الجمحي من مقدمة الفتح، والواقدي لا يعتد به، وللنوفلي سند آخر رواه عنه ابن يحيى -وهو قريب منه- عن يزيد بن خصيفة, عن أبيه, عن جده مرفوعًا، ولا يُعرف والد يزيد بن خصيفة في الرواة ولا جده في الصحابة. والخبر عند الطبراني في "الأوسط" (¬3)، وفي "اللآلىء" أن الطبراني أخرجه في "الأوسط" (¬4) من طريق عطاء، عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) "تاريخ بغداد" (3/ 226). (¬2) أخرجه: العقيلي في "الضعفاء" (2/ 320)، وقال: "ليس فيه طريق يثبت". ورواه الطبراني في "الأوسط" (3787) من وجه آخر عن أبي هريرة, وفي إسناده طلحة بن عمرو وهو متروك. (¬3) "الأوسط" (3787). (¬4) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (22/ 396).

أقول: في سنده طلحة بن عمرو المذكور أول الكلام على هذا الحديث، وهو هالك، ثم ذكره عن أحمد بن منيع، عن عباد بن عباد بن هشام بن زياد، عن الحجاج ابن يزيد، عن أبيه مرفوعًا، وهشام هو أبو المقدام متروك ليس بشيء، ولا يُعرف الحجاج ولا أبوه"]. قال الشوكاني: ورواه العقيلي عن عائشة بإسناد فيه متروك (¬1). ورواه عنها ابن عدي بإسناد فيه وضاع (¬2)، ورواه أيضًا عنها البخاري في "التاريخ" بإسناد فيه عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي متروك (¬3). قال في اللآلىء: روى له الترمذي، وابن ماجه، وذكر له متابعين. [قال المعلمي: "المتروك هو عبد الرحمن بن أبي بكر المليكي، ذكر البخاري في "التاريخ" (1/ 1 / 51 و 157) الخبر من طريقه "عن امرأته جبرة، عن أبيها، عن عائشة" مرفوعًا، وذكره عن إسماعيل بن عياش، عن جبرة بنت محمد بن ثابت بن سباع، عن أبيها، عن عائشة, وذكر السيوطي أن البيهقي أخرجه في الشعب (¬4) من هذا الوجه، ومن طريق خالد بن عبد الرحمن المخزومي عن جبرة, قال: ورواه عبد الله بن عبد العزيز عن جبرة، أقول: خالد وعبد الله تالفان، وخالد من شيوخ إسماعيل بن عياش، وإسماعيل يدلس كما في طبقات المدلسين (ص 12)، فأخشى أن يكون إنما سمعه من خالد عن جبرة فدلسه، وهو مع ذلك سيء الحفظ جدًّا في غير أحاديث الشاميين وجبرة غير شامية، وفي خبر المليكي: أن جبرة امرأته، وقد جاء أنها امرأة ابنه محمد. ¬

_ (¬1) "الضعفاء" للعقيلي (2/ 121). (¬2) "الكامل" لابن عدي (2/ 204) (7/ 65). (¬3) "التاريخ الكبير" (1/ 157). (¬4) "الشعب" للبيهقي (3/ 278).

وفي آخر باب الخاء المعجمة من "لسان الميزان": "خيرة بنت محمد بن سباع، عن أبيها، عن عائشة -رضي الله عنها- وعنها إسماعيل بن عياش، لا تعرف" وهي هذه، والصحيح في اسمها جبرة -بجيم وموحدة- وهي بنت محمد بن ثابت بن سباع كما سبق، وأبوها ذكره ابن حبان في الثقات، وذلك لا يكفي في معرفة حاله". وذكر السيوطي أن الخبر روي عن علي بن أبي طالب، وعن أبي بكرة (¬1) ولم يسق سنديهما لسقوطهما فيما أرى، وذكر أن ابن أبي شيبة أخرجه عن نفر من التابعين مرسلًا (¬2)، ولم يسق الأسانيد، ثم قال: "وهذا الحديث في معتقدي حسن صحيح" (¬3). كذا قال: وإنما أولع الناس بهذا الخبر لاحتياجهم إلى التوسل به إلى حاجاتهم، تكون لأحدهم الحاجة إلى رجل جميل الوجه في الجملة، فيروي هذا الخبر ويسأله حاجته، وفي ذلك عدة بواعث للمسئول على قضاء الحاجة، فمن ثَمَّ عُني به الكذابون، ونشط غيرهم لروايته عنهم، وفيما هنا روايتهم له عن ثمانية من ¬

_ (¬1) أخرجه تمام في "فوائده" (864) من حديث المبارك بن فضالة، عن الحسن البصري، عن أبي بكرة مرفوعًا به. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (5/ 298، 299) من حديث أبي مصعب الأنصاري، وعطاء، والزهري مرسلًا به. (¬3) قال المناوي بعد عرض طرقه وما فيها: "وبه يعرف أن المصنف لم يصب في قوله في اللآلىء: هذا حديث في نقدي حسن صحيح". ونقل أيضًا عن ابن عبد الهادي قوله: "هذا الحديث كذب". اهـ. "فيض القدير" (1/ 540). وقال العقيلي في "الضعفاء" (4/ 102): "الرواية في هذا الباب فيها لين". وفي "المنتخب من العلل" للخلال (ص 86): "هذا الحديث كذب". وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (63): "وكل حديث فيه ذكر حسان الوجوه أو الثناء عليهم أو إليهم أو التماس الحوائج منهم أو أن النار لا تمسهم فكذب فختلق وإنك مفترى". وقال في موضع آخر (125): "ليس في هذا الباب شيء يثبت عن النبى -صلى الله عليه وسلم-". وراجع: "الموضوعات" لابن الجوزي (2/ 160 - 163).

الحديث الثالث

الصحابة معروفين، وعن اثنين غير معروفين، وتعددت الطرق كما رأيت، والله المستعان"]. اهـ. الحديث الثالث: (ص 98): "من وسّع على عياله يوم عاشوراء، وسّع الله عليه سائر سنته". قال الشوكاني: رواه الطبراني عن أنس مرفوعًا، وفي إسناده: الهيصم بن شداخ، مجهول (¬1). ورواه العقيلي عن أبي هريرة , وقال: سليمان بن أبي عبد الله مجهول. [قال المعلمي: "في السند إليه: محمد بن ذكوان، وهو الأزدي الطاحي، منكر الحديث، قاله البخاري وأبو حاتم، وقال النسائي: ليس بثقة ولا يكتب حديثه، وقال أبو داود الطيالسي عن شعبة: حدثني محمد بن ذكوان، وكان كخير الرجال، ثم قال أبو داود: ولم يرو شعبة عن محمد بن ذكوان إلا هذا الحديث، وقد روى شعبة عن آخر يقال له: محمد بن ذكوان، فإن كان أراد صاحبنا فقول شعبة "كخير الرجال" ليس بتوثيق، وقد يكون الرجل صالحًا في نفسه، وليس بشيء في الرواية, ¬

_ (¬1) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (10/ 77) ولكن من حديث عبد الله بن مسعود، وليس من حديث أنس، ولم ينبه المعلمي على هذا الوهم من الشوكاني. وهو عند البيهقي في "الشعب" (3/ 365)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 211)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 252). وذكر ابن حبان في "المجروحين" (3/ 97) الهيصم بن شداخ، وقال: "يروي عن الأعمش الطامات في الروايات لا يجوز الاحتجاج به". وذكر له هذا الحديث. وهو عند الخطيب أيضًا في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/ 308). وقال: "قال لنا أبو نعيم: لم يروه عن الأعمش إلا الهيصم". واستنكره أبو زرعة على الهيصم هذا، كما في "لسان الميزان" من ترجمته.

واقتصار شعبة على حديثٍ يشعر بما ذكرت, وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: "محمد بن ذكوان الذي روى عنه شعبة ثقة" فإن كان أراد هذا فكأنه لم يخبره, بل بنى على الغالب أن شعبة لا يروي إلا عن ثقة، وقوي عنده ذلك بقول شعبة "كان كخير الرجال""]. والحديث غير محفوظ (¬1). قال في اللآلىء: وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في أماليه: قد ورد من حديث أبي هريرة من طرق، صحح بعضها أبو الفضل بن ناصر [وتعقبه ابن الجوزي في الموضوعات، وابن تيمية في فتوى له (¬2)، فحكما بوضع الحديث من تلك الطريق. قال: والحق ما قالاه] [قال المعلمي: "ما بين الحاجزين ليس في اللآلىء"] قال الشوكاني: وسليمان المذكور ذكره ابن حبان في "الثقات". والحديث حسن على رأيه، وقد رُوي من حديث أبي سعيد عند البيهقي في الشعب (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه: العقيلي في "الضعفاء" (4/ 65)، والبيهقي في "الشعب" (3/ 366)، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 553). (¬2) قال -رحمة الله عليه- في "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/ 300) حينما تعرض للكلام على أحاديث عاشوراء: "ومنها أحاديث الاكتحال يوم عاشوراء والتزين والتوسعة والصلاة فيه وغير ذلك من فضائله لا يصح منها شيء ولا حديث واحد ولا يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- منه شيء غير أحاديث صيامه. وما عداها فباطل". ونقل في "مجموع الفتاوى" (25/ 313) عن حرب الكرماني أن الامام أحمد سُئل عن هذا الحديث فلم يره شيئًا. (¬3) أخرجه: البيهقي في "الشعب" (3/ 365) وابن حجر في "الأمالي المطلقة" (28)، والقرشي في "كتاب العيال" (2/ 566)، والطبراني في "الأوسط" (9302).

[قال المعلمي: "سنده واه. فيه عبد الله بن نافع الصائغ، وفيه كلام، عن أيوب بن سليمان بن مينا، لا يعرف إلا بهذا الخبر، عن رجل لا يدري من هو. وقوَّاه ابن حجر بخبر للطبراني، وهو ساقط؛ فإنه من طريق محمد بن إسماعيل الجعفري، عن عبد الله بن سلمة الربعي. والجعفري: منكر الحديث، قاله أبو حاتم، وقال أبو نعيم الأصبهاني: "متروك" والربعي: منكر الحديث متروك. قال ذلك أبو زرعة, وقال العقيلي: "منكر الحديث". راجع اللسان (3/ 292) الترجمة الرابعة والخامسة فإنهما لرجل واحد"]. وابن عمر عند الدارقطني في الأفراد (¬1). [قال المعلمي: "لم يذكر سنده في اللآلىء, وذكر سند الخطيب في رواة مالك، وهو سند مظلم، قال الخطيب: "في إسناده غير واحد من المجهولين ولا يثبت عن مالك" (¬2) وآخر المجهولين هلال بن خالد، روى عنه مالك، عن نافع، عن ابن عمر، وفي ترجمته من لسان الميزان "هذا باطل""]. قال الشوكاني: وجابر عند البيهقي (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (2/ 552). من حديث الزهري، عن سالم، عن أبيه. وقال ابن الجوزي نقلًا عن الدارقطني: "حديث ابن عمر منكر من حديث الزهري عن سالم". وذكره ابن حجر في "لسان الميزان" (6/ 307) في ترجمة يعقوب بن خرة الدباغ، وهو أحد رجال الإسناد، وقال: "ضعفه الدارقطني، وله خبر باطل لعله وهم، ثم ذكر له هذا الحديث". (¬2) ذكر هذا الكلام ابن حجر في "اللسان" (6/ 201). (¬3) أخرجه: البيهقي (3/ 365)، وقال: هذا إسناد ضعيف

[قال المعلمي: "سنده ساقط جدًّا، هو من رواية الكديمي الكذاب، عن الغفاري التالف، وذكر ما رواه ابن عبد البر بسند رجاله ثقات، إلى أبي خليفة الفضل ابن الحباب، عن أبي الوليد الطيالسي "حدثنا شعبة، عن أبي الزبير، عن جابر" وذكر قولَ ابن حجر في ترجمة أبي خليفة من اللسان (¬1) "هذا الحديث منكر جدًّا ما أدري من الآفة فيه ... والظاهر أن الغلط فيه عن أبي خليفة ... فلعل ابن الأحمر سمعه منه بعد احتراق كتبه""]. وقد أطال الكلام عليه في اللآلىء, بما يفيد أن طرقه يقوى بعضها بعضًا (¬2). [قال المعلمي: "بل يوهن بعضها بعضًا"]. اهـ. ¬

_ (¬1) "لسان الميزان" (4/ 439). (¬2) هذا الحديث مجمع على ضعفه وبطلانه، فقد قال ابن تيمية في "منهاج السنة" (4/ 455): "ليس له إسناد يثبت إلا ما رواه سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، عن أبيه , قال: بلغنا أنه ... " يعني: أن الصواب في الرواية الإرسال. وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/ 252): "لا يثبت في هذا عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء إلا شيء يروى عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مرسلًا به". ورواية سفيان بن عيينة المشار إليها عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر مُعَلَّة أيضًا. فقد قال الدوري في "تاريخه" (3/ 453): "سمعت يحيى يقول في حديث من وسع على عياله، قال: حدثنا أبو أسامة, عن جعفر الأحمر، عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر، قلت ليحيى: قد رواه سفيان ابن عيينة, عن إبراهيم بن محمد، قال يحيى: إنما دلسه سفيان عن أبي أسامة, فقلت ليحيى: فلم يسمع سفيان من إبراهيم بن محمد بن المنتشر؟ فقال: بلى، قد سمع منه, ولكن لم يسمع هذا سفيان ابن عيينة من إبراهيم بن محمد بن المنتشر". ومع هذا فقد ذهب إلى تقوية الحديث كلًا من البيهقي في "الشعب"، فقال: "وهذه الأسانيد وإن كانت كلها ضعيفة، فهي إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة". وكذا قوَّاه ابن حجر كما في "الأمالي المطلقة" (ص 28).

الحديث الرابع

الحديث الرابع: (ص 104): "أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- خطب عشية عرفة. فقال: أيها الناس: إن الله قد تطوّل عليكم في مقامكم هذا، فقبل من محسنكم، وأعطى محسنكم ما سأل، ووهب مسيئكم لمحسنكم، إلا التبعات فيما بينكم، أفيضوا على اسم الله، وفي اليوم الثاني، قال: والتبعات فيما بينكم ضمن عوضها من عنده". قال الشوكاني: رواه أبو نعيم عن ابن عمر مرفوعًا، وقال: غريب، تفرد به عبد العزيز بن أبي روّاد عن نافع ولم يتابع عليه (¬1). [قال المعلمي: "عبد العزيز: صدوق فاضل يهم، والخبر لا يثبت عنه، إنما يرويه إسماعيل ابن إبراهيم بن هود (وليس بالقوي كما قال الدارقطني) عن عبد الرحيم بن هارون (وهو متروك الحديث يكذب. قاله الدارقطني أيضًا) عن عبد العزيز. ورُوي بسند آخر، فيه من لم أعرفه، عن بشار بن بكير الحنفي (وهو مجهول البتة) عن عبد العزيز، وقد يفتري رجل فيسرق منه آخر"]. قال الشوكاني: وقد أخرجه ابن حبان من طريق مالك بن أنس، عن نافع، عن ابن عمر (¬2). [قال المعلمي: "هو من طريق يحيى بن عنبسة، دجال وضاع مكشوف الأمر"]. ¬

_ (¬1) أخرجه: أبو نعيم في "حلية الأولياء" (8/ 199). (¬2) "المجروحين" (3/ 124).

قال الشوكاني: وأخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند، من حديث العباس بن مرداس السلمي: أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: دعا ربه عشية عرفة بالمغفرة لأمته، فأجيب (¬1). [قال المعلمي: "يأتي ما فيه"]. قال الشوكاني: وأخرجه عبد الرزاق في المصنَّف من حديث عبادة بن الصامت، بنحو اللفظ الأول (¬2)، وفي إسناد أبي نعيم أيضًا عبد الرحيم. [قال المعلمي: "وقع في الأصلين "عبد الرحمن" خطأ"] بن هارون، متروك، وبشار بن بكير، مجهول، وفي إسناد ابن حبان: يحيى بن عنبسة، وضاع. وفي إسناد عبد الله بن أحمد: كنانة بن عباس بن مرداس، منكر الحديث جدًّا. [قال المعلمي: "الخبر رواه عبد القاهر بن السري: قال ابن معين: صالح، وذكره يعقوب ابن سفيان في باب: من يرغب عن (الرواية عنهم) عن عبد الله بن كنانة بن عباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده -فذكر القصة-. وعباس بن مرداس: صحابي مشهور. فأما ابنه كنانة، وعبد الله بن كنانة فلم يُذكرا إلا برواية عبد القاهر لهذا الخبر، وبذلك ذكرهما البخاري وابن أبي حاتم. وقال البخاري في عبد الله: "لم يصح حديثه" يعني هذا. وذكر ابن حبان كنانة في "الضعفاء" لهذا الخبر، وقال: "حديثه منكر جدًّا لا أدري التخليط منه أو من ابنه، ومن أيهما كان فهو ساقط الاحتجاج به". ¬

_ (¬1) "المسند" (4/ 14). (¬2) "المصنف" (5/ 17 / ح 8831).

ومع ذلك ذكر كنانة في "الثقات"، كأنه رجح عنده أن التخليط من ابنه، وهو الظاهر"]. وفي إسناد عبد الرزاق: خلاس بن عمرو، وليس بشيء. [قال المعلمي: "بل هو موثق، ولكن للخبر علتان أخريان: الأولى: أنه من طريق "معمر عمن سمع، قتادة يقول: حدثنا خلاس بن عمرو عن عبادة" هكذا في القول المسدد (ص 41) وكذلك يعلم من نقل كلام ابن حجر في اللآلىء (2/ 41) فبين معمر وقتادة رجل لم يسم، الثانية: أن خلاسًا يرسل عمن أدركهم من الصحابة، ولم يصرح بالسماع من عبادة، والعلة أولى أقدح"]. قال الشوكاني: وقد حكم ابن الجوزي على هذه الأحاديث بالوضع، ورد عليه ابن حجر في مؤلف (¬1)، سماه: "قوة الحِجاج في عموم المغفرة للحجّاج"، وعارضه في جرح من جرحه من رواة هذه الأحاديث، وقال: قد أخرج أبو داود في سننه (¬2) طرفًا من حديث العباس بن مرداس، وسكت عليه، فهو صالح عنده، وقال: إنه يدخل في حد الحسن على رأي الترمذي، وأنه أخرجه ابن ماجه (¬3)، والضياء في "المختارة" (¬4)، وما ذكر فيها إلا ما صح، فقد صححه. [قال المعلمي: "لا يخفى حال هذا الاحتجاج"]. ¬

_ (¬1) انظر: كلامه باستيعاب في "القول المسدد" (1/ 35) وما بعدها حيث ذهب إلى تقوية الحديث بمجموع طرقه. والحديث ضعفه البخاري كما في "التاريخ" (7/ 2) وتوقف فيه البيهقي بما يشعر بضعفه كما في "الشعب" (1/ 305). (¬2) "سنن أبي داود" (5234). بطرف منه، وليس فيه موضع الشاهد. (¬3) أخرجه: ابن ماجه مطولًا (3013). (¬4) "المختارة" (8/ 398).

قال الشوكاني: وقال البيهقي بعد إخراجه في "الشعب" (¬1)، إن له شواهد كثيرة، وقال: قد جاء من حديث أنس، أخرجه أبو يعلى (¬2). [قال المعلمي: "هو من طريق صالح المري عن يزيد الرقاشي، وهما تالفان"]. قال الشوكاني: وجاء من حديث زيد جد عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد. أخرجه ابن منده في كتاب الصحابة. [قال المعلمي: "هو من طريق ابن أبي فديك "عن صالح بن عبد الله بن صالح، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن زيد، عن أبيه" فذكر الخبر. كذا رواه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، عن ابن أبي فديك، ورواه أحمد بن طاهر بن السرح عن ابن أبي فديك، فزاد: "عن جده زيد" هكذا يعلم من ترجمة زيد في أسد الغابة، وذكر ابن حجر زيدًا في الإصابة وقال: "قال البخاري: عبد الله بن صالح منكر الحديث" وذكر عبد الرحمن وأباه في "اللسان"، وذكر عن العلائي ما حاصله: أنهما مجهولان"]. قال الشوكاني: ومن حديث أبي هريرة أخرجه ابن حبان وقال: هو باطل (¬3). وكذا قال الدارقطني. [قال المعلمي: "وزاد كما في اللآلىء "وضعه أبو عبد الغني" ومن تدبر أحاديث حجة النبي صلى الله عليه وسلم، وشدة عناية الصحابة بنقل جزئياتها، قطع أو كاد يقطع بأن هذه القصة لو وقعت كما تحكيه هذه الأخبار لنقلت متواترة. ¬

_ (¬1) "شعب الإيمان" (1/ 305 / خ 346). (¬2) "مسند أبي يعلى" (7/ 140 / ح 4106). (¬3) "المجروحين" (1/ 240) بنحوه.

الحديث الخامس

هذا، وألفاظ الخبر في الروايات مختلفة في المغفرة لمن؟ ظاهر بعضها للمخاطبين، وبعضها للحجاج مطلقًا، وبعضها للأمة كلها، والمعنى الأول ليس بمنكر. والله أعلم"]. الحديث الخامس: (ص 129): "طاعة المرأة ندامة". قال الشوكاني: رواه ابن عدي عن زيد بن ثابت مرفوعًا، وفي إسناده: عنبسة بن عبد الرحمن، وليس بشيء، وعثمان بن عبد الرحمن الطرائفي لا يحتج به. وقد رواه العقيلي عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: طاعة النساء ندامة. وفي إسناده: محمد بن سليمان بن أبي كريمة. قال العقيلي: حدث عن هشام ببواطيل لا أصل لها، منها: هذا الحديث. وقد أخرجه أبو علي الحداد في معجمه من غير طريقه. [قال المعلمي: "في سنده: أبو البختري، وهو: وهب بن وهب أحد الدجالين"]. قال الشوكاني: وأخرجه ابن النجار في تاريخه أيضًا (¬1). [قال المعلمي: "في سنده: خلف بن محمد بن إسماعيل البخاري وهو الخيام، ساقط"]. ¬

_ (¬1) أخرجه: العقيلي في "الضعفاء" (4/ 74)، وابن عدي في "الكامل" (3/ 262)، والقضاعي في "مسنده" (1/ 160).

قال الشوكاني: وله شاهد من حديث جابر عند ابن عساكر في "تاريخه" (¬1). [قال المعلمي: "لم يذكر في اللآلىء ولا المقاصد"]. قال الشوكاني: ومن حديث بكار بن عبد العزيز بن أبي بكرة، عن أبيه، عن جده: هلكت الرجال حين أطاعت النساء فإن في خلافهن البركة. أخرجه الطبراني والحاكم وصححه (¬2). [قال المعلمي: "ليس بصحيح، بكار: ضعيف، وأبوه لم يوثق توثيقًا معتبرًا، والصحيح عن أبي بكر مرفوعًا "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة""]. قال الشوكاني: قال في المقاصد: حديث: شاوروهن وخالفوهن. لم أره مرفوعًا، ولكن روي عن عمر: خالفوا النساء، فإن في خلافهن البركة (¬3)، بل روي عن أنس رفعه: لا يفعلن أحدكم أمرًا حتى يستشير، فإن لم يجد من يستشيره فليستشر امرأته، ثم ليخالفها، فإن في خلافهن البركة. وفي إسناده: عيسى [بن إبراهيم الهاشمي] ضعيف جدًّا، مع أنه منقطع (¬4). [قال المعلمي: "والخبر باطل كما لا يخفى"]. ¬

_ (¬1) "تاريخ دمشق" لابن عساكر (5/ 327). (¬2) أخرجه: أحمد في "المسند" (5/ 45)، والطبراني في "الأوسط" (425)، والبزار أو (9/ 137)، وابن عدي في "الكامل" (2/ 43)، وصححه الحاكم في "المستدرك" (4/ 323). (¬3) أخرجه: ابن الجعد في "جعدياته" (2971) من حديث عمر موقوفًا عليه. (¬4) عزاه في "كشف الخفاء" إلى ابن لال، والديلمي. وأعله بما أعله به الشوكاني.

الحديث السادس

الحديث السادس: (ص 149): "الربا سبعون بابًا، أصغرها كالذي ينكح أمه". قال الشوكاني: رواه العقيلي عن عبد الله بن سلام مرفوعًا (¬1). وروى ابن حبان، من حديث ابن عباس بلفظ: من أكل درهمًا من ربا. فهو مثل ستة وثلاثين زنية، ومن نبت لحمه من السحت فالنار أولى به (¬2). رواه ابن عدي من حديث أنس. ورواه الدارقطني من حديثه بنحو اللفظ الأول. ورواه أبو نعيم من حديث عائشة والعقيلي من حديثها أيضًا. وأخرجه أحمد في مسنده من حديث عبد الله بن حنظلة , قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: "درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ستة وثلاثين زنية" (¬3). وفي إسناده: حسين بن محمد بن بهرام، قال أبو حاتم: رأيته، ولم أسمع منه. وأخرجه من حديث عبد الله بن حنظلة أيضًا: الدارقطني، بإسناد فيه ضعف. ¬

_ (¬1) " الضعفاء" اللعقيلي (2/ 257). (¬2) "المجروحين" (1/ 243)، وهو عند الطبراني في "الأوسط" (2944)، واستنكره أبو زرعة كما في "العلل" (1/ 391). (¬3) أخرجه: أحمد في "المسند" (5/ 225)، والبزار (3381)، والدارقطني في "السنن" (3/ 16). وصححه الضياء في "المختارة" (9/ 267). وقواه الحافظ في القول المسدد (1/ 41).

وأخرجه أحمد من قول كعب موقوفًا، قال الدارقطني: وهذا أصح من المرفوع. انتهى (¬1). ولم يصب ابن الجوزي بإدخال هذا الحديث في الموضوعات. فحسين المذكور قد احتج به أهل الصحيح، وقد وثقه جماعة (¬2). [قال المعلمي: "لكنهم حكموا عليه بالغلط في هذا، وأشار إلى ذلك الإمام أحمد؛ إذ روى الخبر عن حسين، ثم عقبه بالرواية التي جعلته من قول كعب، وكذلك أعله أبو حاتم، راجع كتاب العلل لابن أبي حاتم (1/ 387) وكذلك الدارقطني كما مر، على أن في صحبة عبد الله بن حنظلة نظرًا، وقد نفاها إبراهيم الحربي"]. قال الشوكاني: وقد رُوي من طريق غيره عن جماعة من الصحابة، منهم من تقدم، ومنهم البراء عند الطبراني (¬3)، وابن مسعود عند الحاكم في المستدرك، وقال: صحيح على شرط الشيخين. [قال المعلمي: "في سنده: محمد بن غالب التمتامي، وهو صاحب أوهام، ولم أر الخبر عن ابن مسعود إلا من طريقه, ووقع في السند في المستدرك وتلخيصه واللآلىء: "شعبة, عن زيد، عن إبراهيم" وفيمن روى عنه شعبة: زيد العمي، وهو ضعيف، لكن أخشى أن يكون الصواب "زبيد" فالله أعلم. وراجع علل ابن أبي حاتم (1/ 371، 387، 391) واللآلىء. والذي يظهر لي أن الخبر لا يصح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- البتة"]. ¬

_ (¬1) أخرج الموقوف: أحمد في "مسنده" (5/ 225) عقب حديث حنظلة السابق، كأنه يشير به إلى إعلال المرفوع، كما ذكر المعلمي، وصحح الموقوف الدارقطني في "السنن" (3/ 16). (¬2) وكذا رد الحافظ ابن حجر على ابن الجوزي، وتعقبه في "القول المسدد" (ص 41) وما بعدها. والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" من حديث البراء بن عازب، وسيأتي برقم (1871). وصححه أيضًا من حديث ابن مسعود كما في "صحيح الجامع" (5851). (¬3) "المعجم الأوسط" (7151)، وإسناده منقطع؛ فإن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة لم يسمع من البراء, وبهذا أعله أبو حاتم في "العلل" (1/ 381).

الحديث السابع

الحديث السابع: (ص 214): "إن لقيتم عشارًا فاقتلوه". قال الشوكاني: هو موضوع. قال في اللآلىء: أخرجه أحمد، وفيه ابن لهيعة ذاهب الحديث، وقال في الوجيز: في إسناده مجاهيل، وأخرجه البخاري في تاريخه، والطبراني، وابن لهيعة أخرج له مسلم. [قال المعلمي: "هذا إطلاق منكر، إنما وقع لمسلم في إسناد خبرين عن ابن وهب: "أخبرني عمرو بن الحارث، وابن لهيعة" سمع مسلم الخبر هكذا، فحكاه على وجهه , واعتماده على عمرو بن الحارث فإنه ثقة ويقع للبخاري والنسائي نحو هذا، فيكنيان عن ابن لهيعة، يقول البخاري: "وآخر" ويقول النسائي: "وذكر آخر"، ورأى مسلم أنه لا موجب للكناية، مع أن ابن لهيعة لم يكن يتعمد الكذب، ولكن كان يدلس، ثم احترقت كتبه، وصار من أراد جمع أحاديث على أنها من رواية ابن لهيعة، فيقرأ عليه، وقد يكون فيها ما ليس من حديثه، وما هو في الأصل من حديثه، لكن وقع فيه تغيير، فيقرأ ذلك عليه ولا يرد من ذلك شيئًا، ويذهبون يروون عنه، وقد عوتب في ذلك، فقال: "ما أصنع؟ يجيئونني بكتاب، فيقولون: هذا من حديثك فأحدثهم". نعم، إذا كان الراوي عنه: ابن المبارك أو ابن وهب، وصرح مع ذلك بالسماع، فهو صالح في الجملة, وليس هذا من ذاك، فأما ما كان من رواية غيرهما، ولم يصرح فيه بالسماع، وكان منكرًا، فلا يمتنع الحكم بوضعه"]. قال الشوكاني: وسائر رجاله معروفون. قال السيوطي: والصواب أنه حسن (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد في "مسنده" (4/ 234)، والطبراني في "الكبير" (19/ 301)، والبخاري في "التاريخ" (7/ 302). =

الحديث الثامن

[قال المعلمي: "هذا عجيب، فإن الخبر مع ما تقدم وقع فيه: "عن رجل من جذام"، وهذا لا يدرى من هو، وفيه تحيس بن ظبيان، وهو مجهول، وفيه عبد الرحمن ابن أبي حسان، أو عبد الرحمن بن حسان، وهو مجهول، وهو من طريق "مالك بن عتاهية، قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم-" وفي الإصابة عن يحيى بن بكير، يقولون: مالك بن عتاهية سمع النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا ريح لم يسمع منه شيئًا"]. قاله الشوكاني: وروي: لا يدخل الجنة صاحب مكس - يعني العشار. أخرجه أبو داود، وأحمد، وصححه ابن خزيمة (¬1). الحديث الثامن: (ص 216): "من نام العصر، فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه". قال الشوكاني: رواه ابن حبان عن عائشة مرفوعًا، وفي إسناده: خالد بن القاسم. كذاب (¬2). وقد رواه ابن عدي من طريق أخرى: من حديث عبد الله بن عمرو. وفي إسناده: ابن لهيعة. وفيه ضعف (¬3)، وأخرجه ابن السني من حديث عائشة بإسناد آخر. ¬

_ = والحديث حسنه الحافظ ابن حجر في "القول السدد" (ص 59)، وتعقب ابن الجوزي في وضعه في "الموضوعات"، وقال المناوي في "الفيض" (3/ 36): "وجازف ابن الجوزي فحكم بوضعه". (¬1) أخرجه: أبو داود (2937)، وأحمد (4/ 143، 150)، وصححه: ابن خزيمة (2333)، وابن الجارود في "المنتقى" (339)، والحاكم على شرط مسلم (1/ 562) وفيه عنعنة ابن إسحاق ويزيد بن أبي حبيب. (¬2) أخرجه: ابن حبان في "المجروحين" (1/ 282)، وفي إسناده خالد المدائني وهو متروك الحديث، وروي بإسناد آخر عن عائشة، وهو ما أخرجه ابن السني كما قال الشوكاني، وهو عند أبي يعلى في "مسنده" (8/ 316 / ح 4918)، وفيه: عمرو بن حصين وهو متروك. (¬3) أخرجه: ابن عدي في "الكامل" (4/ 146)، وفي إسناده أيضًا منصور بن عمار راويه عن ابن لهيعة وهو ضعيف.

الحديث التاسع

وخالد المذكور قد وثقه ابن معين. [قال المعلمي: "كذا قال السيوطي، وزاد "في روايته" وتلك الرواية عن ابن معين ليس فيها توثيق، وإنما فيها أن خالدًا كان أولًا حسن الظاهر ثم افتضح، وكذب خالد هذا مكشوف، وابن لهيعة تقدم الكلام فيه قريبًا، ورواية ابن السني هي من طريق عمرو بن الحصين، عن ابن علاثة، وعمرو متروك معروف برواية الموضوعات عن ابن علاثة"]. فدعوى أن الحديث موضوع مجازفة. [قال المعلمي: "كلا"]. الحديث التاسع: (ص 218): "ما حسن الله خُلق رجل وخَلقه فأطعم لحمه النار" (¬1). قال الشوكاني: في إسناده: عاصم بن علي، قيل: ليس بشيء، ورُدَّ بأنه أخرج له البخاري في صحيحه، ووثقه الناس. [قال المعلمي: "أورد ابن الجوزي هذا الخبر، هكذا: "ابن عدي، ثنا الحسن بن علي العدوي، ثنا لولو بن عبد الله، وكامل بن طلحة , قال: ثنا الليث"، وقال: ¬

_ (¬1) هذا الحديث ورد من حديث: أبي هريرة أخرجه: الطبراني في "الأوسط" (6780)، والبيهقي في "الشعب" (6/ 249)، وفي إسناده داود بن أبي الفرات، استنكر ابن عدي هذا الحديث عليه كما في "الكامل" (3/ 81)، وانظر: "الميزان" (3/ 32)، و"اللسان" (2/ 424). ومن حديث أنس من مالك: أخرجه: الخطيب في "التاريخ" (3/ 226). وفي إسناده ضعف سيوضحه المعلمي في تعليقه. ومن حديث الحسن بن علي أخرجه الخطيب (12/ 286). وقال المناوي في "الفيض" (5/ 441): "وطرقه كلها مضعفة، لكن تقوى بتعددها وتكثرها". أما الإسناد الذي ذكره الشوكاني هنا فقد أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 113) كما سيأتي.

"العدوي وضاع" وهذا حق، وذكر قبله من طريق عمر بن جعفر بن مسلم (الصواب: سلم) ثنا عمرو (الصواب: عمر كما يأتي) ابن فيروز التوزي ثنا عاصم ابن علي، ثنا ليث بن سعد ... ". قال ابن الجوزي: "عاصم ليس بشيء" وتعقبه السيوطي، وعاصم كما لخصه ابن حجر في التقريب "صدوق، ربما وهم" وقد حمل الذهبي في "الميزان" (¬1) تبعة هذا الخبر على الراوي عن عاصم، وتبعه ابن حجر في "اللسان" (¬2)، قال: "عمرو بن فيروز أتي عن عاصم بن علي شيخ البخاري بخبر موضوع، لعله آفته". وفي "تاريخ بغداد" ترجمة لهذا الرجل فيمن اسمه عمر، قال (11/ 214): "عمر بن موسى بن فيروز .. ويعرف بالتوزي ... " وذكر أنه ينسب إلى جده "عمر ابن فيروز" ويروي عن عاصم ابن علي، وعنه ابن سلم، فهو صاحبنا هذا قطعًا، وأشار إلى توهينه بأن أخرج من طريقه حديثًا فيه نظر. تراه في اللآلىء (1/ 16)، ووقع هناك أيضًا "عمرو ابن فيروز" وأحسب ابن فيروز هذا سمع خبر العدوي، فألصقه عمدًا أو خطأ بعاصم، والخبر معدود في موضوعات العدوي"]. قال الشوكاني: وروي من حديث أبي هريرة وأنس. وفي إسنادهما: مقال. [قال المعلمي: "أما عن أنس فإنما رواه العدوي المذكور نفسه عن خراش، كذاب عن كذاب، نعم ذكر السيوطي المسلسل المعروف من المتأخرين بمسلسل الاتكاء، يقال فيه مع كل اسم "قرأت على ... وهو متكىء" وزعم أن رجاله ثقات، وقد ذكر غيره أن فيهم مجهولين، وهو من طريق أبي العلاء محمد بن جعفر الكوفي، ¬

_ (¬1) "الميزان" (ت 6360). (¬2) "لسان الميزان" (4/ 373).

عن عاصم بن علي عن الليث، عن بكر بن الفرات عن أنس. كذا في اللآلىء، وكذا في بعض كتب المسلسلات من طريق السيوطي، ورأيته في "حصر الشارد" للشيخ محمد عابد السندي، وفيه: عن الليث، عن علي بن زيد، عن بكر بن الفرات، وهو من تركيب بعض المجهولين، ثم أورد السيوطي الخبر بسند مظلم، آخره: "محمد بن بشر بن المزلق، عن أبيه، عن جده، عن أنس". وفي الرواة: بكر بن الحكم بن بشر بن المزلق، فيه مقال: ولم أجد أباه ولا ابنه. وأما عن أبي هريرة، فيروى عن أبي غسان محمد بن مطرف، عن داود بن فراهيج، عن أبي هريرة. رواه هشام بن عمار، عن عبد الله بن يزيد البكري، عن أبي غسان. ورواه حميد بن داود، عن سوار بن عمارة، عن أبي غسان. قال ابن الجوزي: داود بن فراهيج: ضعفه شعبة ويحيى. أقول: وغيرهما، وهو صدوق في الأصل، ولكنه تغير بأخرة، وقال يعقوب الحضرمي: "ثنا شعبة عن داود، وكان قد كبر وافتقر" وهذه كلمة شديدة، وربما كانت التبعة على من دونه، هشام ثقة ولكنه في آخر عمره صار يلقن فيتلقن، أعل أبو حاتم بهذا أحاديث عديدة، وشيخه ذاهب الحديث، قاله أبو حاتم، وحميد بن داود لم أعرفه، وسوار صدوق ربما خالف. وزاد السيوطي خبرًا لأبي الشيخ من طريق محمد بن زياد بن زبار، عن شرقي ابن قطامى، عن أبي المهزم، عن أبي هريرة، أبو المهزم متروك، وشرقي والراوي عنه ليسا بشيء. وأورد أيضًا من ألقاب الشيرازي: "سمعت أبا بكر أحمد بن علي الفقيه يقول: ثنا هراشة [واسمه أبو بكر] بن أحمد بن علي بن إسماعيل الناقد، ثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي ... فذكره بسند كالشمس عن عائشة.

الحديث العاشر

وهراشة، والراوي عنه لم أجد لهما ترجمة , والتبعة على أحدهما. ثم ذكر خبرًا للخطيب فيه: "عصمة بن سليمان، ثنا أحمد بن الحصين، ثنا رجل من أهل خراسان، عن محمد بن عبد الله العقيلي، عن الحسن بن علي ... " رفعه، وعصمة فيه نظر، ومن بينه وبين الحسن لم أعرفهم"]. قال الشوكاني: فالحديث إذا لم يكن حسنًا، فهو ضعيف, وليس بموضوع. [قال المعلمي: "المدار على المعنى"]. اهـ. الحديث العاشر: (ص 220): "إذا بعثتم إليّ بريدًا فابعثوا حسن الوجه, حسن الاسم". قال الشوكاني: رواه العقيلي والطبراني عن أبي هريرة مرفوعًا. في إسناده: عمر بن راشد، قيل: وليس بشيء، ورد بأنه قد وثقه جماعة (¬1). [قال المعلمي: كلا، لم يوثقه أحد، غير قول العجلي: "لا بأس به" والعجلي متمسح جدًّا، وكأنه مع ذلك لم يخبر حديثه، وقد جرحه الأئمة: أحمد، ويحيى، والبخاري، وأبو زرعة، والنسائي، وأبو داود، والدارقطني، وغيرهم. روى عمر هذا الخبر عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (7747)، والعقيلي في "الضعفاء" (3/ 157). والحديث صححه الألباني وتكلم فيه وفي طرقه باستيعاب انظر: "السلسلة الصحيحة" (1186). وقال ابن القيم في "المنار المنيف" (1/ 63): "كل حديث فيه ذكر حسان الوجوه, أو الثناء عليهم أو إليهم أو التماس الحوائج منهم فكذب مختلق وإفك مفترى وأقرب شيء في الباب ... فذكر حديثنا، ثم قال: وفيه عمر ابن راشد، قال ابن حبان: يضع الحديث, وذكر ابن الجوزي هذا الحديث في الموضوعات".

وقد رواه غيره عن يحيى، عن أبي سلمة، عن الحضرمي بن لاحق، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، والحضرمي من صغار التابعين الذين لم يثبت لهم لقاء أحد من الصحابة. فكأن عمر ابن راشد سمع هذا، ثم وهم فسلك به الجادة "يحيى عن أبي سلمة عن أبي هريرة"]. قال الشوكاني: وقد روي من حديث بريدة عند البزار بإسناد صحيح، كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (¬1). [قال المعلمي: "لفظ اللآلىء: "قال الهيثمي في زوائده" فلعله في الزوائد المفردة، فإنه في مجمع الزوائد ذكر (8/ 47) خبر أبي هريرة، ولم يذكر بريدة فالله أعلم. وقد ساق في اللآلىء سنده، وكلهم ثقات، إلا أن فيه: "قتادة عن ابن بريدة عن أبيه" وقتادة مدلس، والبزار نفسه فيه كلام، وينبغي مراجعة مسند البزار، فإنِّي أخشى أن يكون وقع في النقل عنه وهم"]. قال الشوكاني: ورواه ابن النجار عن علي مرفوعًا بلفظ: "اطلبوا حوائجكم عند صِباح الوجوه فإذا بعثتم إلي بريدًا ... إلخ". وله طرق. [قال المعلمي: "سند ابن النجار فيه جماعة لم أعرفهم، وفيه: "النضر بن سلمة المروزي ثنا محمد بن عبد الله بن حوشب الطائفي قال: قدم علينا سفيان بن سعيد الثوري، فحدث عن عبد الله ابن محرر، عن يزيد بن الأصم، عن علي بن أبي طالب ... إلخ". النضر بن سلمة وضاع، وعبد الله بن محرر منكر الحديث متروك، ومع هذا فالطائفي لا أُراه أدرك الثوري. ¬

_ (¬1) هو في "زوائد مسند البزار".

الحديث الحادي عشر

ولابن النجار (¬1) أيضًا بسند، فيهم من لم أعرفه عن "النضر بن إسماعيل ثنا طلحة، عن عطاء، عن ابن عباس ... إلخ" النضر بن إسماعيل ضعيف، وشيخه هو طلحة ابن عمرو متروك هالك. ثم ذكر (¬2) عن الخرائطي: "ثنا علي بن حرب الطائي، ثنا أبي، ثنا عفيف بن سالم، عن الحسن بن دينار، عن أبي أمامة ... إلخ، والحسن بن دينار متروك، بل قال جماعة من الأئمة: "كذاب" ولم يدرك أبا أمامة ولا أحدًا من الصحابة. وهذا يغني عن النظر فيمن دونه. ثم ذكر خبر الحضرمي المتقدم"]. الحديث الحادي عشر: (ص 224): "من حدّث حديثًا فعطس عنده فهو حق". قال الشوكاني: رواه ابن شاهين عن أبي هريرة مرفوعًا. قيل: هو باطل، تفرد به معاوية بن يحيى، وليس بشيء (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه أيضًا: ابن عدي في "الكامل" (4/ 107)، وإسناده تكلم فيه الشيخ المعلمي. (¬2) "اللآلىء المصنوعة" (1/ 104). (¬3) أخرجه: أبو يعلى في "مسنده" (11/ 234 / ح 6352)، والطبراني في "الأوسط" (6509)، والبيهقي في "الشعب" (7/ 33 / ح 9365). جميعًا من حديث معاوية بن يحيى، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة مرفوعًا به. وقال البيهقي: "وهو منكر عن أبي الزناد". وذكره ابن عدي في "الكامل" (6/ 401)، والذهبي في "الميزان" في ترجمة معاوية بن يحيى، فيما استنكر عليه. وسُئل عنه أبو حاتم كما في "العلل" لابنه (2/ 342) بهذا الإسناد فقال: "هذا حديث كذب" وذكره العجلوني في كشف الخفاء (2/ 97)، وقال: "وفي سنده ضعف"، ونقل في (2/ 321) تحسين النووي له. والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق ابن شاهين (2/ 271). ونقل السيوطي في اللآلىء تحسين النووي أيضًا (2/ 243).

[قال المعلمي: "روى هذا الخبر بقية، عن معاوية بن يحيى، عن أبي الزناد، عن الأعرج عن، أبي هريرة مرفوعًا، وهو منكر جدًّا سندًا ومتنًا، ولبقية شيخان أحدهما معاوية بن يحيى الصدفي هالك، والآخر معاوية بن يحيى الأطرابلسي، ذهب الأكثر إلى أنه أحسن حالًا من الصدفي، ووثقه بعضهم، وعكس الدارقطني، وذكر أن مناكيره أكثر من مناكير الصدفي، وأيهما الواقع في السند؟ ذهب جماعة إلى أن الأطرابلسي؛ لأنه قد عرف له الرواية عن أبي الزناد، وذهب آخرون إلى أنه الصدفي؛ لأن هذا الخبر أليق به، ولأنه قد عاصر أبا الزناد، فلا مانع أن يكون اجتمع به، وأوضح من ذلك أنه كان يشتري الصحف فيحدث بما فيها غير مبال أسمع أم لم يسمع. ويقوي هذا أن بقية مدلس، ولا يجهل أن الأطرابلسي عند الناس أحسن حالًا من الصدفي، فلو كان شيخه في هذا الخبر هو الأطرابلسي لصرح به"]. قال الشوكاني: قال في اللآلىء: قلت: أخرجه الحكيم الترمذي، وأبو يعلى، وابن عدي، والطبراني في الأوسط، والبيهقي في شعب الإيمان، من طريق معاوية المذكور. وقد روى نحوه: الطبراني عن أنس مرفوعًا (¬1). [قال المعلمي: "شيخ الطبراني لا يعرف، قال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 59) "لم أعرفه" وفيه "عمارة بن زاذان عن ثابت عن أنس" وعمارة ضعيف وخاصة في روايته عن ثابت، لأن ثابتًا تغير بأخرة، وكأن عمارة كان صغيرًا حين سمع منه، فقد ذكروا أنه آخر أصحابه موتًا"]. ¬

_ (¬1) أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3360)، وقال في "مجمع الزوائد" (8/ 59): "رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه جعفر بن محمد بن ماجد ولم أعرفه، وعمارة بن زاذان وثقه أبو زرعة وجماعة وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات". وذكره العجلوني في "كشف الخفاء" (2/ 97)، وقال: "وفي سنده ضعف".

وقد حسّن حديث أبي هريرة: النووي. [قال المعلمي: "بنى النووي على أن "كل إسناده ثقات متقنون" وقد علمتَ أن شيخ بقية ليس كذلك، بل هو هالك، والذين استنكروا الخبر من الأئمة أعلمُ بالحديث ورواته من النووي. هذا وقد ذكر في "اللآلىء" (¬1) روايات أخرى للحكيم الترمذي بأسانيد واهية، من قول عمر، وأبي رهم السمعي، وعطاء، وقال عن الحكيم: "ثنا محمد بن بقية عن رجل سماه، قال حدثني الرويهب السلمي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... " إلخ. وهذه أشياء لا تستحق الذكر، ثم ذكر سندًا مسلسلًا بالكذابين ووقع في النسخة تحريف، وأحسبه هكذا "الفضل بن محمد" الباهلي الأنطاكي كذاب "ثنا سليمان بن سلمة ابن عبد الجبار الحمصي" الخبائري كذاب "ثنا يعقوب بن الجهم الخراساني، كذا، والمعروف الحميم بلديّ الخبائري وفي طبقة شيوخه، فلعل أصله خراساني، وهو كذاب "ثنا عمر" أرى الصواب: عمرو "بن جرير" كوفي كذاب "عن عبد العزيز عن أنس قال: عطس عثمان بن عفان عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثلاث عطسات ... إلخ". وإنما ذكرت هذا ليعرف أن غالب ما ينفرد به الحكيم الترمذي هو من هذه الأكاذيب. وله ترجمة في لسان الميزان (5/ 308). ثم ذكر السيوطي أخبارًا أخرى في العطاس، منها: عن أبي رهم السمعي "إن مما يستجاب به عند الدعاء العطاس" وفي رواية "من سعادة المرء العطاس عند الدعاء". ¬

_ (¬1) اللآلىء المصنوعة (2/ 243) وما بعدها.

الحديث الثاني عشر

وأبو رهم تابعي، والسند إليه غير صحيح (¬1)، ومنها: "ما عطس عاطس في قوم إلا نزلت عليهم سكينة ... إلخ" وفي السند أحمد بن محمد بن عمران الجندي، وأصرم بن حوشب: كذابان، وغيرهما. وثالثها "من السعادة العطاس عند الدعاء" وفي سنده مجاهيل وضعفاء (¬2). قال في اللآلىء "قال البيهقي هذا إسناد فيه ضعف"]. اهـ. الحديث الثاني عشر: (ص 240): "أنه -صلى الله عليه وآله وسلم- كان يقول في دعائه: "اللهم أحيني مسكينًا، وأمتني مسكينًا، واحشرني في زمرة المساكين". قال الشوكاني: رواه الدارقطني عن أبي سعيد مرفوعًا، وفي إسناده: يزيد بن سنان عن أبي المبارك، والأول متروك، والثاني مجهول. قال في اللآلىء: أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعبد الله بن سعيد قالا: حدثنا أبو خالد الأحمر عن يزيد بن سنان، به، قال: ويزيد بن سنان قال فيه أبو حاتم: محله الصدق (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (22/ 336)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (5/ 96). وقال في "المجمع" (4/ 181): "رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام لا يضر". (¬2) أخرجه: البيهقي في "الشعب" (7/ 35 / ح 9369). (¬3) أخرجه: ابن ماجه (4126)، وعبد بن حميد (1/ 308)، والخطيب في "التاريخ" (4/ 111) من حديث يزيد ابن سنان، عن أبي المبارك، عن عطاء، عن أبي سعيد. واستنكر الذهبي في ترجمة يزيد بن سنان من الميزان (5293)، وقال في ترجمة أبي المبارك (565): "قيل لا يدري من هو وخبره منكر، ... ثم ساق الحديث، وقال: "وأبو المبارك لا تقوم به حجة لجهالته".

[قال المعلمي: "تتمة كلام أبي حاتم: "والغالب عليه الغفلة، يكتب حديثه ولا يحتج به" وقال النسائي: "ضعيف متروك الحديث" وقال أيضًا: "ليس بثقة" وقال ابن عدي: "له حديث صالح" وروى عن زيد بن أبي أنيسة نسخة تفرد بها عنه بأحاديث، وله عن غير زيد أحاديث مسروقة عن الشيوخ، وعامة حديثه غير محفوظ، والكلام فيه كثير. وشيخه في هذا الخبر أبو المبارك مجهول، وذِكر ابن حبان له في الثقات لا يخرجه عن ذلك"]. قال الشوكاني: وقال الزركشي في تخريج أحاديث الرافعي: أساء ابن الجوزي بذكره له في الموضوعات (¬1). وأقول: لم يذكر صاحب اللآلىء ما يدفع جهالة أبي المبارك. وقد أخرجه الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد من غير طريقهما. وقال: صحيح الإسناد، وأقره الذهبي. ورواه البيهقي في سننه من حديثه بنحوه (¬2). [قال المعلمي: "ليس في رواية الحاكم "وأمتني مسكينًا" ولا هي ولا قوله "أحيني مسكينًا" في رواية البيهقي، وعندهما زيادة في آخره، وكذا في أوله، على أنها من قول أبي سعيد، والخبر عندهما من طريق خالد بن يزيد بن أبي مالك، عن عطاء، عن أبي سعيد، وخالد ضعيف جدًّا، اتهمه ابن معين بالكذب، وأبوه فيه ضعف"]. ¬

_ (¬1) قال بنحوه ابن حجر في "التلخيص" (3/ 109). (¬2) أخرجه: الحاكم في "المستدرك" (4/ 358)، ومن طريقه البيهقي في "الشعب" (4/ 389) من وجه آخر عن عطاء، وقال الحاكم: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه". وأخرجه: ابن عدي من هذا الوجه (3/ 12) وعدَّه من مناكير خالد بن يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مالك، وهو راويه عن عطاء.

قال الشوكاني: ورواه الترمذي في سننه من حديث أنس (¬1). وقال: الحارث منكر [الحديث] يعني: الحارث بن النعمان المذكور في إسناده. قال في اللآلىء: وهذا لا يقتضي الوضع. [قال المعلمي: "القائل "منكر الحديث" هو البخاري، وهي من أشد الصيغ عنده"]. قال الشوكاني: وأخرجه تمام في فوائده من حديث عبادة، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، والطبراني والبيهقي في سننه، والضياء في المختارة وصححه (¬2). [قال المعلمي: "في سنده عبيد بن زياد الأوزاعي، مجهول"]. ورواه الشيرازي في الألقاب من حديث ابن عباس. [قال المعلمي: "فيه من لم أعرفه، وطلحة بن عمرو، وهو هالك"]. قال الشوكاني: وقال ابن حجر في "التلخيص": هذا الحديث رواه الترمذي من حديث أنس، وإسناده ضعيف. ورواه ابن ماجه من حديث أبي سعيد، وهو ضعيف أيضًا. وله طريق أخرى في "المستدرك" من حديث عطاء عنه. ورواه البيهقي من حديث عبادة بن الصامت. ¬

_ (¬1) أخرجه الترمذي (2352)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 13)، وفي "الشعب" (1453). من حديث ثابت بن محمد بن العابد، عن الحارث بن النعمان الليثي، عن أنس مرفوعًا به. وأورده بن الجوزي في الموضوعات من هذا الوجه (2/ 328)، وضعفه الحافظ ابن حجر في "الفتح" (11/ 274). (¬2) أخرجه: الضياء في "المختارة" (8/ 270)، والبيهقي في "الكبرى" (7/ 12). وأشار البيهقي إلى ضعفه، وقال ابن الملقن في "خلاصة البدر المنير" (2/ 161): "لا أعلم له علة".

الحديث الثالث عشر

وأسرف ابن الجوزي فذكر هذا الحديث في "الموضوعات"، وكأنه أقدم عليه لما رآه مباينًا للحال التي مات عليها النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- لأنه كان مكفيًا. قال البيهقي: "ووجهه عندي أنه سأل حال المسكنة التي يرجع معناها إلى الإخبات والتواضع". انتهى (¬1). [قال المعلمي: "لم يكن -صلى الله عليه وسلم- مسكينًا قط بالمعنى الحقيقي، أما في صغره فقد ورث من أبويه أشياء، ثم كفله جده وعمه، ثم لما كبر أخذ يتجر، ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق كما وصفته خديجة -رضي الله عنها-، وقد امتن الله عليه بقوله {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى} والعائل المقل، لم يكن ليسأل الله تعالى أن يزيل عنه هذه النعمة التي امتن بها عليه. أما ما كان يتفق من جوعه وجوع أهل بيته بالمدينة فلم يكن ذلك مَسْكنة، بل كان يجيئه المال الكثير فينفقه في وجوه الخير منتظرًا مجيء غيره، فقد يتأخر مجيء الآخر وليس هذا من المسكنة"]. اهـ. الحديث الثالث عشر: (ص 243): "اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله". قال الشوكاني: رواه ابن عرفة عن أبي سعيد مرفوعًا. في إسناده: محمد بن كثير الكوفي، وهو ضعيف جدًّا (¬2). ¬

_ (¬1) الحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (308) من وجه آخر عن أبي سعيد الخدري، واستوعب طرق الحديث في "الإرواء" (861) وصححه. وقال ابن تيمية عن الحديث جملة: "ضعيف لا يثبت". انظر: "مجموع الفتاوى" (18/ 382)، وانظر أيضًا: (17/ 130) (18/ 326). (¬2) أخرجه: الطبراني في "الأوسط" (7843)، وأبو الحسين الصيداوي في "معجم الشيوخ" (191)، =

وقد ذكره ابن القيم في موضوعاته، من حديث ابن عمر بإسناد فيه متروكان (¬1). ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة (¬2). قال في اللآلىء: قلت: الحديث حسن صحيح. [قال المعلمي: "كلا، وسيأتي البيان"]. قال الشوكاني: أما حديث ابن عمر: فأخرجه ابن جرير في تفسيره. ¬

_ = وأبو نعيم في "حلية الأولياء" (10/ 282)، والعقيلي (4/ 129). جميعًا من طريق محمد بن كثير الكوفي عن عمرو بن قيس الملائي، عن عطية العوفي، عن أبي سعيد الخدري مرفوعًا به، والحديث عده العقيلي، والذهبي من مناكير محمد بن كثير الكوفي، كما في "الميزان" (ت 8003)، وتبعه صاحب اللسان (5/ 351). وتابع محمد بن كثير عليه: مصعبُ بن سلام عند البخاري في "التاريخ" (7/ 354)، والترمذي (3127)، وقال: "هذا حديث غريب". ساق العقيلي عقب رواية محمد بن كثير بإسناده: عن سفيان عن عمرو بن قيس الملائي قال: كان يقال: " ... فذكره". قال العقيلي: "وهذا أولي" يعني: بالصواب من رواية محمد بن كثير. وقال الخطيب في "التاريخ" (3/ 191): "وهو غريب من حديث عطية العوفي عن أبي سعيد، لا نعلم رواه غير عمرو بن قيس الملائي، وتفرد به محمد بن كثير عن عمرو بن قيس، وهو وهم، والصواب ما رواه سفيان عن عمرو بن قيس الملائي قال: "كان يقال ... فذكره". (¬1) أخرجه أبو نعيم في "الحلية" (4/ 94) من حديث ميمون بن مهران عن ابن عمر مرفوعًا به. وقال: "غريب من حديث ميمون لم نكتبه إلا من هذا الوجه". والمتروكان هما: أحمد بن محمد بن عمر بن يونس اليمامي، وفرات بن السائب. (¬2) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (8/ 102)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/ 387)، والبيهقي في "الزهد الكبير" (2/ 160)، وأبو نعيم في "الحلية" (6/ 118)، وابن عدي (6/ 406) جميعًا من حديث عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن معاوية بن صالح، عن راشد بن سعد، عن أبي أمامة به. قال في "المجمع" (10/ 268): "وإسناده حسن". والحديث ضعفه الألباني: ووهى طرقه كلها كما في "الضعيفة" (1821).

وأما حديث أبي سعيد: فأخرجه البخاري في تاريخه، والترمذي من غير طريق محمد بن كثير المذكور. وأما حديث أبي أمامة: فإن إسناده على شرط الحسن. هذا معنى كلام صاحب اللآلىء. وعندي أن الحديث حسن لغيره، وأما صحيح فلا. [قال المعلمي: "كلا، وسيأتي بيانه"]. قال الشوكاني: ومن شواهده: ما أخرجه ابن جرير في تفسيره من حديث ثوبان بنحوه (¬1)، وما أخرجه ابن جرير أيضًا والبزار، وابن السني، وأبو نعيم في الطب من حديث أنس بنحوه (¬2). [قال المعلمي: "أما عن ابن عمر فمداره على الفرات بن السائب عن ميمون بن مهران. وقد قال الإِمام أحمد في الفرات: "يتهم بما يتهم به محمد بن زياد الطحان في روايتهما عن ميمون"، وقال في الطحان: "كذاب خبيث أعور يضع الحديث". وأما حديث أبي سعيد: فغايته بعد اللتيا والتي أن يكون الراجح صحته عن عطية العوفي، وعطية فيه كلام كثير، لخصه ابن حجر في التقريب بقوله: "صدوق يخطىء كثيرًا، وكان شيعيًا ومدلسًا" وذكروا من تدليسه: أنه كان يسمع من الكلبي الكذاب المشهور أشياء يرسلها الكلبي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، فيذهب عطية فيرويها عن أبي سعيد، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، واصطلح مع نفسه أنه كنى الكلبي بأبي سعيد، فيظن الناس ¬

_ (¬1) أخرجه ابن جرير في "التفسير" (14/ 47). (¬2) أخرجه: ابن جرير في "التفسير" (14/ 46)، والطبراني في "الأوسط" (2935)، والقضاعي في "مسند الشهاب" (2/ 116). وقال في "المجمع": "إسناده حسن"، وحسنه أيضًا العجلوني في "كشف الخفاء" (1/ 42).

أنه رواها عن أبي سعيد الخدري الصحابي، وربما سمع بعضهم منه شيئًا من ذلك فيذهب يرويه ويزيد "الخدري" بناء على ظنه. ولم يذكر في اللآلىء في هذا الخبر إلا قوله: "عطية عن أبي سعيد قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-". فهذه الطريق تالفة كسابقتها. وأما عن أبي أمامة فتفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن صالح كاتب الليث، وبكر بن سهل ضعفه النسائي، وهو أهل ذلك فإن له أوابد، وعبد الله بن صالح أُدخلت عليه أحاديثُ عديدة، فلا اعتداد إلا بما رواه المتثبتون عنه بعد إطلاعهم عليه في أصله الذي لا ريب فيه، وعلى هذا حُمل ما علَّقه عنه البخاري. فتفرد بكر بن سهل عن عبد الله بن صالح بهذا الخبر الذي قد عُرف برواية الضعفاء له من طرق أخرى يوهنه حتمًا. وأما عن ثوبان فهو من طريق سليمان بن سلمة الخبائري، عن المؤمن بن سعيد، عن أسد بن وداعة، عن وهب بن منبه، عن طاوس، عن ثوبان. أسد: ناصبي بغيض، كان هو ورهط معه يقعدون يسبون عليًا -رضي الله عنه-، وكان ثور بن يزيد يقعد معهم ولا يسب، فكانوا إذا قرموا؟ للسب سبوا، ويلحون على ثور أن يشركهم فيأبى فيجرون برجله. والمؤمل، قال أبو حاتم: "منكر الحديث" وكذا قال ابن حبان، وزاد: "جدًّا". والخبائري كذاب. وأما عن أنس فتفرد به أبو بشر بكر بن الحكم المزلق، عن ثابت، عن أنس رفعه: "إن لله عز وجل عبادًا يعرفون الناس بالتوسم". والمزلق قال فيه جماعة من الذين أخذوا عنه وليسوا من أهل الجرح والتعديل: "كان ثقة" يريدون أنه كان صالحًا خيرًا فاضلًا. أما الأئمة، فقال أبو زرعة: "ليس بالقوي".

الحديث الرابع عشر

أقول: وهو مقل جدًّا من الحديث، فإذا كان مع إقلاله ليس بالقوي، ومع ذلك تفرد بهذا عن ثابت، عن أنس، فلا؟ (فالذي) ينبغي وهنه. وذكر الهيثمي في "مجمع الزوائد" أنه حسن، وهذا بالنظر إلى حال المزلق في نفسه. فأما إذا نظرنا إلى تفرده، مع إقلاله، ومع قول أبي زرعة: "ليس بقوي" فلا أراه يستقيم الحكم بحسنه، وإن كان معناه صحيحًا. والله أعلم"]. اهـ. الحديث الرابع عشر: (ص 265): "لا تظهر الشماتة لأخيك، فيرحمه الله ويبتليك". قال الشوكاني: قال في الذيل: لا يصح. وقال الصنعاني: موضوع. وقال في الوجيز: هو من حديث واثلة بن الأسقع، وفيه: عمر بن إسماعيل، كذاب. وقد أخرجه البيهقي من طريقه (¬1)، وقد تابعه أمية بن القاسم عن حفص بن غياث، وقال الترمذي: حسن غريب، وله شاهد عن ابن عمر (¬2). وفي لفظ: فيعافيه الله، مكان فيرحمه الله. ¬

_ (¬1) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (22/ 53)، وفي الأوسط (7339)، والترمذي (2506)، وابن حبان في "المجروحين" (1/ 355) (2/ 213)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (2/ 399). جميعًا من حديث حفص بن غياث، عن برد بن سنان عن مكحول، عن واثلة بن الأسقع مرفوعًا به. قال ابن حبان: "وهذا حديث لا أصل له من كلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-". وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". وذهب إلى تقوية هذا الحديث وتحسينه الكناني في "تنزيه الشريعة" (2/ 369)، والسيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (2/ 356) (¬2) المذكور في "اللآلىء" و"تنزيه الشريعة" أن الشاهد من حديث عبد الله بن عباس، وعزياه إلى الخطيب في "المتفق والمفترق"، وساق السيوطي الإسناد، وقال صاحب: "تنزيه الشريعة": "وفيه إبراهيم بن الحكم بن أَبان العدني وهو ضعيف" كما سيأتي.

الحديث الخامس عشر

[قال المعلمي: "أما عمر بن إسماعيل فهالك، وأما أمية بن القاسم: فذكروا أن الصواب "القاسم بن أمية" ذكر الرازيان أنه صدوق، وقال ابن حبان: "يروى عن حفص بن غياث المناكير الكثيرة" ثم ساق له هذا الحديث، وقال: "لا أصل له من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم-". قال ابن حجر: "شهادة أبي زرعة وأبي حاتم أنه صدوق أولى". أقول: بل الصواب تتبع أحاديثه، فإن وجد الأمر كما قال ابن حبان ترجح قوله، وبان أن هذا الرجل تغيرت حالة بعد أن لقيه الرازيان، وإلا فكونه صدوقًا لا يدفع عنه الوهم، وقد تفرد بهذا، وفي اللآلىء أنه قد روى عن السري بن عاصم، وعن فهم بن حيان، كل منهما عن حفص بن غياث، كما قال عبد الرحمن، أقول: لم يبين السند إليهما، والسري يسرق الحديث، فهذا من ذاك، وفهد واه متروك، إما أن يكون سرقه، وإما أدخل عليه، قال: "وله شاهد من حديث ابن عباس". وساق بسند فيه من لم أعرفه "عن إبراهيم بن الحكم بن أَبان، عن أبيه، عن عكرمة عن ابن عباس" فذكره ثم قال: "إبراهيم ضعيف" أقول: جدًّا، وربما كان البلاء ممن دونه"]. اهـ. الحديث الخامس عشر: (ص 298): "من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت، ومن قرأها حين يأخذ مضجعه، آمنه الله على داره، ودار جاره، ودويرات حوله". قال الشوكاني: رواه الحاكم عن علي -صلى الله عليه وسلم- مرفوعًا، وفي سنده حبة العرني، ونهشل بن سعيد، كذابان. قال في اللآلىء: أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" عن الحاكم، وقال: إسناده ضعيف (¬1). ¬

_ (¬1) "الشعب" (2/ 458 / ح 2395)، وقال: "إسناده ضعيف".

وقد رواه الدارقطني عن أبي أمامة مرفوعًا بدون قوله: ومن قرأها حين يأخذ مضجعه ... إلخ. وقد أدخله ابن الجوزي في الموضوعات (¬1). وتعقبه ابن حجر في تخريج أحاديث المشكاة، وقال: غفل ابن الجوزي فأورد هذا الحديث في الموضوعات، وهو من أسمج ما وقع له. قال في اللآلىء: وقد أخرجه النسائي، وابن حبان في صحيحه، وابن السني في عمل اليوم والليلة، وصححه الضياء في المختارة (¬2). [قال الممعلمي: "مدار الحديث على محمد بن حمير، رواه عن محمد بن زياد الألهاني، عن أبي أمامة، وابن حمير موثق، غمزه أبو حاتم، ويعقوب بن سفيان، وأخرج له البخاري في الصحيح حديثين، قد ثبتًا من طريق غيره، وهما من روايته عن غير الألهاني، فَزَعْمُ أن هذا الحديث على شرط البخاري غفلة. وفي اللآلىء: أن الدمياطي ذكر له شواهد، منها عن علي، وقد ذُكر في الأصل، ومنها عن ابن عمرو، والمغيرة، وجابر، وأنس. قال: "من الطرق التي ما نريدها" يعني لسقوطها، ثم عاد فذكر الذي عن المغيرة، وأنه من طريق "هاشم بن هاشم، عن عمر بن إبراهيم، عن محمد، عن المغيرة بن شعبة" رفعه، وأن أبا نعيم قال: "غريب من حديث المغيرة ومحمد، تفرد به هاشم، عن عمر عنه". ¬

_ (¬1) (1/ 176)، وقال: "هذا حديث لا يصح". (¬2) أخرجه النسائي في "الكبرى" (9928)، والطبراني في "الأوسط" (8068)، وفي الكبير (8/ 114)، ومن طريق الدارقطني وسنده. ونقل ابن الجوزي قول الدارقطني: "غريب من حديث الألهاني عن أبي أمامة تفرد به محمد بن حمير عنه". ونقل السيوطي عن الحافظ الدمياطي تقوية الأحاديث وقوله: "إذا انضمت هذه الأحاديث بعضها لبعض أخذت قوة". والحديث صححه الألباني في "الصحيحة" (972).

الحديث السادس عشر

ثم ذكر عن الدمياطي أن محمدًا هو محمد بن كعب، وأن عمر بن إبراهيم، هو أبو حفص العبدي البصري، يعني: المترجم في التهذيب. أقول: وهم الدمياطي ومن تبعه؛ إنما هذا عمر بن إبراهيم بن محمد بن الأسود، له ترجمة في الميزان، واللسان، وهو مجهول، ذكره ابن حبان في الثقات، على عادته في ذكر المجاهيل، وذكره العقيلي في "الضعفاء" وذكر له خبرًا آخر لهذا السند نفسه، لم يتابع عليه، والمجهول إذا روى خبرين لم يتابع عليهما، فهو تالف، ثم ذكر من طريق محمد بن الضوء بن الصلصال بن الدلهمس، عن أبيه عن جده مرفوعًا، ومحمد ابن الضوء كذاب فاجر" (¬1)] اهـ. الحديث السادس عشر: (ص 302): "من قرأ يس ابتغاء وجه الله غفر له". قال الشوكاني: رواه البيهقي عن أبي هريرة مرفوعًا. وإسناده على شرط صحيح. [قال المعلمي: "مداره على الحسن عن أبي هريرة، ولم يسمع الحسن من أبي هريرة، فالخبر منقطع، مع أن في سنده إلى الحسن مقالًا، جاء عنه بسند فيه أبو بدر شجاع بن الوليد، وهو صدوق له أوهام، لم يخرج له البخاري إلا حديثًا واحدًا، قد توبع فيه شيخه وكذلك مسلم أخرجه له في المتابعات ونحوها. وبسند آخر فيه "المبارك بن فضالة عن أبي العوام" والمبارك يخطىء ويدلس ويسوى، وأبو العوام كثير المخالفة والوهم. وبسند فيه محمد بن زكريا الغلابي يضع. ¬

_ (¬1) هذا الإسناد الأخير أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/ 455 / ح 2385).

الحديث السابع عشر

وآخر فيه أغلب بن تميم تالف. وثالث فيه جسر بن فرقد تالف. وأَشَفُّ هذه الأسانيد سند أبي بدر، وهو الذي زعم السيوطي أنه على شرط الصحيح، وقد علمت ما فيه، والله أعلم"]. اهـ. قال الشوكاني: وأخرجه أبو نعيم. وأخرجه الخطيب (¬1)، فلا وجه لذكره في كتب الموضوعات. الحديث السابع عشر: (ص 322): "ذهبت لقبر أمي، فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي، وردّها الله تعالى". قال الشوكاني: رواه الخطيب عن عائشة مرفوعًا، ورواه ابن شاهين عنها (¬2). قال ابن ناصر: هو موضوع. وفي إسناده: محمد بن زياد النقاش، ليس بثقة، وأحمد بن يحيى الحضرمي؛ ومحمد بن يحيى الزهري، مجهولان. قال ابن حجر في اللسان (¬3): أما محمد بن يحيى فليس بمجهول، يل معروف (¬4). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في "الشعب" (2/ 480 / ح 2463)، والطبراني في "المعجم الصغير" (1/ 255)، والطيالسي في "مسنده" (2467)، وأبو نعيم في "الحلية" (2/ 159). (¬2) أخرجه ابن شاهين في: "الناسخ والمنسوخ" (656)، ونقل في "اللآلىء" (1/ 245) حُكم الحافظ ابن ناصر بالوضع، ونقله من قبله ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 210). (¬3) "لسان الميزان" (5/ 420). (¬4) تمام كلام ابن حجر والذي حذفه السيوطي: "له ترجمة جيدة في تاريخ مصر لأبي سعيد بن يونس، ورماه الدارقطني بالوضع"! ثم عاد السيوطي يرد كلام ابن الجوزي في تجهيله بقوله (1/ 267): "هو ضعيف ما رمي بكذب"!!!

وقال في الميزان (¬1): في ترجمة أحمد بن يحيى الحضرمي: روى عن حرملة التجيبي، ولينه ابن يونس. وأما النقاش: فقال الذهبي: صار شيخ المقرئين في عصره، على ضعف فيه. وقد أطال في اللآلىء الكلام على هذا الحديث. وقال: الصواب الحكم عليه بالضعف لا بالوضع. قال: وقد ألفت في ذلك جزءًا. [قال المعلمي: "كثيرًا ما تجمح المحبة ببعض الناس، فيتخطى الحجة ويحاربها، ومن وُفِّقَ علم أن ذلك منافٍ للمحبَّة المشروعة، والله المستعان. والنقاش: كذاب وضاع، راجع كلام الذهبي في ذلك، في ترجمة محمد بن مسعر، من الميزان، وكذلك محمد بن يحيى الزهري، ترجمته في لسان الميزان (5/ 420) رقم (1380)، وراجع اللسان (4/ 91) رقم (171)، و (4/ 192) رقم (510)، (5/ 398) رقم (1295) "]. انتهى. قال الشوكاني: وفي بعض ألفاظ الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: سأل ربه أن يحيى أبويه، وأحياهما فآمنا به، ثم أماتهما. وقد أخرج أحمد من حديث أبي رزين العقيلي، قال: قلت: يا رسول الله، أين أمي؟ قال: أمك في النار. قال: فأين من مضى من أهلك؟ قال: أما ترضى أن تكون أمك مع أمي؟ (¬2). [قال المعلمي: "في هذا المعنى أحاديث ثابتة بعضها في الصحيح، ولابن حجر كلام قريب"]. اهـ. ¬

_ (¬1) "الميزان" ترجمة (990)، وقال ذلك في "أحمد بن أبي يحيى الحضرمي". (¬2) أخرجه: أحمد (4/ 11)، والطبراني في "الكبير" (19/ 208).

الحديث الثامن عشر

الحديث الثامن عشر: (ص 348): "أنا مدينة العلم، وعليٌّ بابها، فمن أراد العلم فليأت الباب". قال الشوكاني: رواه الخطيب عن ابن عباس مرفوعًا. ورواه الطبراني، وابن عدي، والعقيلي، وابن حبان عن ابن عباس أيضًا مرفوعًا. وفي إسناد الخطيب: جعفر بن محمد البغدادي، وهو متهم. وفي إسناد الطبراني: أبو الصلت الهروي عبد السلام بن صالح، قيل: هو الذي وضعه. وفي إسناد ابن عدي: أحمد بن سلمة الجرجاني، يحدث عن الثقات بالأباطيل. وفي إسناد العقيلي: عمر بن إسماعيل بن مجالد، كذاب. وفي إسناد ابن حبان: إسماعيل بن محمد بن يوسف، ولا يحتج به. وقد رواه ابن مردويه عن علي مرفوعًا. وفي إسناده: من لا يجوز الاحتجاج به. ورواه أيضًا ابن عدي عن جابر مرفوعًا بلفظ هذا -يعني: عليًا- أمير البررة، وقاتل الفجرة، منصور من نصره، مخذول من خذله. أما مدينة العلم وعلي بابها. فمن أراد العلم فليأت الباب. قيل: لا يصح. ولا أصل له، وقد ذكر هذا الحديث ابن الجوزي في الموضوعات من طرق عدة، وجزم ببطلان الكل، وتابعه الذهبي وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) والحديث أورده ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 259)، والكتاني في "تنزيه الشريعة" (1/ 377)، والسيوطي في "اللآلىء المصنوعة" (1/ 299). وقال ابن الجوزي: "هذا حديث لا يصح".

وأجيب عن ذلك: بأن محمد بن جعفر البغدادي الفيدي، قد وثقه يحيى بن معين، وأن أبا الصلت الهروي قد وثقه ابن معين والحاكم. وقد سئل يحيى عن هذا الحديث، فقال: صحيح. وأخرجه الترمذي عن علي -رضي الله عنه- مرفوعًا. وأخرجه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس مرفوعًا. وقال: صحيح الإسناده قال الحافظ ابن حجر: والصواب خلاف قولهما معًا، يعني: ابن الجوزي، والحاكم. وأن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب. انتهى. وهذا هو الصواب؛ لأن يحيى بن معين، والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه، فلا يكون مع هذا الخلاف صحيحًا، بل حسنًا لغيره، لكثرة طرقه كما بيناه، وله طرق أخرى ذكرها صاحب اللآلىء وغيره (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه: الحاكم وصححه (3/ 137)، والطبراني في "الكبير" (11/ 65)، والخطيب في "التاريخ" (11/ 48) من حديث أبي الصلت الهروي عن أبي معاوية، عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا به. وتابع أبا الصلت عليه كل من: أحمد بن سلمة أبو عمرو الجرجاني عند ابن عدي (1/ 189)، والحسن بن علي بن راشد عنده أيضًا (2/ 341)، وجعفر بن محمد البغدادي عند الخطيب في "التاريخ" (7/ 172)، والقاسم بن سلام عند ابن حبان في المجروحين (2/ 151) كلهم عن أبي معاوية بإسناده به. والحديث أجمع الأئمة على نكارته ووهائه، وهذا الحديث مما تفرد به أبو الصلت الهروي عن أبي معاوية بهذا الإسناد، وتكلم فيه الأئمة من أجله، وقد رواه غير واحد عن أبي معاوية إلا أن العلماء يرون أنه حديث أبي الصلت. وكل من رواه عن أبي معاوية إنما سرقه من أبي الصلت. راجع كلام ابن عدي في "الكامل" (1/ 189) (2/ 314) (3/ 412). والحديث استنكره الإِمام أحمد فيما نقل ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 264)، وابن معين كما في "تاريخ بغداد" (11/ 203). وقال العقيلي في "الضعفاء" (3/ 149 - 150): "ولا يصح في هذا المتن حديث". وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" بجميع طرقه (1/ 263 - 264): "هذا حديث لا يصح من جميع الوجوه". وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/ 151): "هذا خبر لا أصل له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

[قال المعلمي: "كنت من قبل أميل إلى اعتقاد قوة هذا الخبر حتى تدبرته، وله لفظان: الأول: "أنا مدينة العلم وعلي بابها". والثاني: "أنا دار الحكمة وعلي بابها". ولا داعي للنظر في الطرق التي لا نزاع في سقوطها، وانظر فيما عدا ذلك على ثلاثة مقامات: المقام الأول: سند الخبر الأول إلى أبي معاوية والثاني: إلى شريك. روى الأول عن أبي معاوية: أبو الصلت عبد السلام بن صالح، وقد تقدم حال أبي الصلت في التعليق (ص 292) وتبين مما هناك أن من يأبى أن يكذبه يلزمه أن يكذب علي بن موسى الرضا وحاشاه، وتبعه محمد بن جعفر الفيدي، فعدَّه ابن معين متابعًا، وعده غيره سارقًا، ولم يتبين من حال الفيدي ما يشفي، ومن زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما فقد وهم. وروى جعفر بن درستويه، عن أحمد بن محمد بن القاسم بن محرز، عن ابن معين في هذا الخبر قال: "أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديمًا ثم تركه" وهذه شهادة قوية. لكن قد يقال: يحتمل أن يكون ابن نمير ظن ظنًا، وذلك أنه رأى ذينك الرجلين زعما أنهما سمعاه من أبي معاوية، وهما ممن سمع منه قديمًا، وأكثر أصحاب أبي معاوية لا يعرفونه فوقع في ظنه ما وقع. هذا مع أن ابن محرز له ترجمة في تاريخ بغداد لم يذكر فيها من حالة إلا أنه روى عن ابن معين وعنه جعفر بن درستويه. نعم: ثَمَّ ما يشهد لحكايته، وهو ما في ترجمة عمر بن إسماعيل بن مجالد من كتاب ابن أبي حاتم، أنه حدث بهذا عن أبي معاوية،

فذكر ذلك لابن معين، فقال: "قل له: يا عدو الله ... إنما كتبت عن أبي معاوية ببغداد، ولم يحدث أبو معاوية هذا الحديث ببغداد". وروى اللفظ الثاني: محمد بن عمر بن الرومي، عن شريك. وابن الرومي، ضعفه أبو زرعة، وأبو داود، وقال أبو حاتم: "صدوق قديم روى عن شريك حديثًا منكرًا" يعني هذا، وذكره ابن حبان في الثقات، وقال ابن حجر في التقريب: "لين الحديث" ووهم من زعم أن الشيخين أخرجا له أو أحدهما، وأخرجه الترمذي من طريقه، ثم قال: "غريب منكر"، ثم قال: وروى بعضهم هذا الحديث عن شريك، ولم يذكروا فيه "الصنابحي". فزعم العلائي أن هذا ينفي تفرد ابن الرومي، ولا يخفى أن كلمة "بعضهم" تصدق بمن لا يعتد بمتابعة، ولم يذكر في اللآلىء أحدًا رواه عن شريك غير ابن الرومي إلا عبد الحميد بن بحر، وهو هالك يسرق الحديث، فالحق أن الخبر غير ثابت عن شريك. المقام الثاني: على فرض أن أبا معاوية حدث بذاك، وشريكًا حدث بهذا، فإنما جاء ذاك عن أبي معاوية، عن الأعمش، عن مجاهد" وجاء هذا عن "شريك عن سلمة بن كهيل" وأبو معاوية، والأعمش، وشريك، كلهم مدلسون متشيعون، ويزيد شريك بأنه يكثر منه الخطأ. فإن قيل: إنما ذُكروا في الطبقة الثانية من طبقات المدلسين، وهي طبقة من "احتمل الأئمة تدليسه، وأخرجوا له في الصحيح". قلت: ليس معنى هذا أن المذكورين في الطبقة الثانية تقبل عنعنتهم مطلقًا، كمن ليس بمدلس البتة، إنما المعنى أن الشيخين انتقيا في المتابعات ونحوها من معنعناتهم، ما غلب على ظنهما أنه سماع، أو أن الساقط منه ثقة، أو كان ثابتًا من طريق أخرى، ونحو ذلك، كشأنهما فيمن أخرجا له ممن فيه ضعف.

وقد قرر ابن حجر في "نخبته" و"مقدمة اللسان"، وغيرهما، أن من نوثقه، ونقبل خبره من المبتدعة، يختص ذلك بما لا يؤيد بدعته، فأما ما يؤيد بدعته، فلا يقبل منه البتة، وفي هذا بحث، لكنه حَق فيما إذا كان مع بدعته مدلسًا، ولم يصرح بالسماع، وقد أعل البخاري في تاريخه الصغير (ص 68)، خبرًا رواه الأعمش، عن سالم يتعلق بالتشيع بقوله: "والأعمش لا يدري، سمع هذا من سالم أم لا، قال أبو بكر بن عياش، عن الأعمش أنه قال: "نستغفر الله من أشياء كنا نرويها على وجه التعجب، اتخذوها دينًا". ويشتد اعتبار تدليس الأعمش في هذا الخبر خاصة؛ لأنه عن مجاهد، وفي ترجمة الأعمش، من تهذيب التهذيب: "قال يعقوب بن شيبة في مسنده: ليس يصح للأعمش، عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، قلت: لعلي بن المديني، كما سمع الأعمش من مجاهد؟ قال: لا يثبت منها إلا ما قال سمعت، هي نجو من عشرة، وإنما أحاديث مجاهد عنده عن أبي يحيى القتات، وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه، في أحاديث الأعمش عن مجاهد: قال أبو بكر بن عياش، عنه: حدثنيه ليث [بن أبي سليم] عن مجاهد". أقول: والقتات وليث، ضعيفان، ولعل الواسطة في بعض تلك الأحاديث من هو شر منهما، فقد سمع الأعمش من الكلبي أشياء، يرويها عن أبي صالح باذام، ثم رواها الأعمش عن باذام تدليسًا، وسكت عن الكلبي، والكلبي كذاب، ولا سيما فيما يرويه عن أبي صالح، كما مر في التعليق (ص 315). ويتأكد وهن الخبر بأن من يثبته عن أبي معاوية، يقول إنه حدث به قديمًا، ثم كف عنه، فلولا أنه علم وهنه لما كف عنه، والخبر عن شريك اضطربوا فيه، رواه الترمذي من طريق ابن الرومي "عن شريك، عن سلمة بن كهيل، عن سويد بن غفلة، عن الصنابحي، عن علي"، وذكر الترمذي أن بعضهم رواه عن شريك، فأسقط الصنابحي، والخبر في اللآلىء من وجه آخر، عن ابن الرومي نفسه. وعن عبد الحميد بن بحر،

بإسقاط سويد ابن غفلة، وفيها (1/ 171) "قال الدارقطني: حديث علي رواه سويد بن غفلة عن الصنابحي، فلم يسنده، وهو مضطرب، وسلمة لم يسمع من الصنابحي". فالحاصل أن الخبر إن ثبت عن أبي معاوية لم يثبت عن الأعمش، ولو ثبت عن الأعمش، فلا يثبت عن مجاهد، وأن المروي عن شريك، لا يثبت عنه، ولو ثبت لم يتحصل منه على شيء، لتدليس شريك وخطئه، والاضطراب الذي لا يوثق منه على شيء. وفي اللآلىء طرق أخرى، قد بين سقوطها، وأخرى سكت عنها، وهي: (أ) للحاكم بسند إلى جابر، فيه أحمد بن عبد الله بن يزيد الحراني، المؤدب، المترجم في اللسان (1/ 197) رقم (620)، قال ابن عدي: "كان بسامرا يضع الحديث". (ب) لعلي بن عمر الحربي السكري، بسند إلى علي، فيه "إسحاق [بن محمد] بن مروان "عن أبيه" وهما تالفان، مترجمان في اللسان، وفيه بعد ذلك من لم أعرفه، وفي آخره "سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباته" شيعيان متروكان. (ج) للفضلى، بسند إلى جابر، فيه من لم أعرفه عن "الحسن بن عبد الله التميمي" أراه الحسين بن عبيد الله، المترجم في اللسان (2/ 296) وهو مجهول واهٍ "ثنا خبيب" صوابه: "حبيب بن النعمان" شيعي مجهول، ذكر في اللسان أن الطوسي ذكره في رجال الشيعة. (د) للديلمي بسند إلى سهل بن سعد، عن أبي ذر، فيه من لم أعرفه، عن "محمد بن علي ابن خلف العطار" متهم، ترجمته في اللسان (5/ 289) رقم (988)، ثنا موسى بن جعفر ابن إبراهيم ... " تالف، ترجمته في اللسان (6/ 114) "ثنا عبد المهيمن بن العباس" متروك. المقام الثالث: النظر في المتن الخبر. كل من تأمل منطوق الخبر، ثم عرضه على الواقع، عرف حقيقة الحال، والله المستعان". اهـ.

الحديث التاسع عشر

الحديث التاسع عشر: (ص 350) حديث: "كان رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- يُوحَى إليه ورأسُه في حِجر علي، فلم يُصل العصر حتى غربت الشَّمس. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: صليت؟ قال: لا. قال: اللهم إن كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس. فقالت أسماء: فرأيتها غابت، ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت". قال الشوكاني: رواه الجوزقاني عن أسماء بنت عميس، وقال: إنه مضطرب منكر. وقال ابن الجوزي: موضوع. وفضيل بن مرزوق المذكور في إسناده، قال ابن حبان: يروي الموضوعات. رواه ابن شاهين من غير طريقه، وفي إسناده: أحمد بن محمد بن عقدة، رافضي، رُمي بالكذب، ورواه ابن مردويه، عن أبي هريرة مرفوعًا، وفي إسناده: داود بن فراهيج، وهو ضعيف. وفي اللآلىء: فضيل ثقة صدوق، احتج به مسلم في صحيحه، وأخرج له الأربعة. [قال المعلمي: "إنما أخرج له مسلم في المتابعات ونحوها أحاديث يسيرة، ولم يخرج له النسائي إلا حديثًا واحدًا، وكلامهم فيه مختلف، وقد لخصه ابن حجر في التقريب بقوله: "صدوق يهم ورمي بالتشييع". وقد قال النسائي: "ضعيف"، وقال ابن حبان في الثقات "يخطىء"، وقال في الضعفاء: "كان يخطىء على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات"، وقال الحاكم: "ليس هو من شرط الصحيح وقد عيب على مسلم إخراج حديثه"، وقال أبو حاتم: "صالح الحديث صدوق يهم كثيرًا يكتب حديثه"، قيل له: "يحتج به؟ " قال: "لا"، وقال ابن معين: "صالح الحديث إلا أنه شديد التشيع".

ومع هذا وقع اضطراب في خبره؛ قيل: عنه، عن إبراهيم بن الحسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن أسماء بنت عميس"، وقيل: "عنه، عن إبراهيم، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء". إبراهيم لا يكاد يعرف بالرواية، إنما يذكر عنه هذا الخبر، وخبر آخر رواه عن أبيه، عن جده، عن علي مرفوعًا: "يظهر في آخر الزمان قوم يسمون الرافضة يرفضون الإسلام" أخرج في زوائد مسند أحمد الحديث (808)، وذكره البخاري في التاريخ في ترجمة إبراهيم، وفي ذلك إشارة إلى أن العمل فيه عليه، وذكره الذهبي في الضعفاء، وقد ذكره ابن حبان في الثقات. كأنه بني على أن هذين الخبرين لا يثبتان عنه، فيبقى عنده على أصل العدالة بحسب قاعدته. وعبد الرحمن بن عبد الله بن دينار فيه ضعف، وشيخه إن كان علي بن الحسين زين العابدين فلم يدركه، وإن كان غيره فلا أعرفه. وفي اللآلىء أن الفضلي رواه بسند فيه: "يحيى بن سالم، عن صباح المروزي، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن عبد الله بن الحسن، عن أمه فاطمة بنت الحسن، عن أسماء". يحيى بن سالم شيعي شديد التشيع، ضعفه الدارقطني، وشيخه إن كان صباح بن يحيى فقال: متروك متهم، وإن كان غيره فلا أعرفه، وفاطمة بنت الحسن لا يتحقق لهما سماع من أسماء فيما أعلم"]. قال الشوكاني: وابن عقدة: من كبار الحفاظ، وقد كذب الدارقطني من اتهمه بالوضع، وقواه قوم وضعفه آخرون. [قال المعلمي: "قال ابن عقدة: "ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، ثنا عبد الرحمن بن شريك، ثنا أبي، عن عروة بن عبد الله بن قشير، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء".

ابن عقدة رافضي رقيق الدين يستحل سرقة الكتب ويسوي للمغفلين نسخًا ويأمرهم أن يدَّعوا سماعها من بعض المشايخ ويرووها. فإذا فعلوا، رواها هو عنهم. فالحق أنه لا يعتد به في مثل هذا. وفي اللآلىء عن الفضلي: "ثنا أبو الحسن علي بن إبراهيم بن إسماعيل بن كعب الدقاق بالموصل، ثنا علي بن جابر الأودي، ثنا عبد الرحمن بن شريك، ثنا أبي، ثنا عروة بن عبد الله بن قشير، قال: دخلت على فاطمة بنت علي أكبر، فقالت: حدثتني أسماء ابنة عميس ... إلخ". الفضلي لم أجد له ترجمة، وشيخه هنا وشيخ شيخه لم أجدهما، وعبد الرحمن بن شريك واهي الحديث. قال ذلك أبو حاتم الرازي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: "ربما أخطأ" وروى له البخاري في "الأدب المفرد"، وليس في ذلك ما يشد منه. لأن البخاري لا يمتنع في غير الصحيح عن الرواية عن "الضعفاء" فقد روى عن أبي نعيم النخعي، وهو كذاب، وعن الفرياناني، وهو كذاب أيضًا، وعبد الرحمن من بيت تشيع، وقد تقدم ذكر أبيه"]. قال الشوكاني: وداود بن فراهيج مختلف فيه، وقد وثقه قوم. [قال المعلمي: "خبر داود غلقه ابن الجوزي بقوله: "ورواه ابن مردويه من طريق داود ... إلخ" ولم يذكر السند إلى داود، وفي ترجمة يزيد بن عبد الملك النوفلي من الميزان: "ابن جوصا ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري ثنا يحيى بن يزيد النوفلي، عن أبيه ثنا داود بن فراهيج وعمارة بن فيروز عن أبي هريرة، وكذا ذكره السيوطي عن الفضلي عن ابن جوصا.

يزيد النوفلي واه جدًّا، قال البخاري: أحاديثه شبه لا شيء. وضعفه جدًّا. وقال أبو زرعة: واهي الحديث. وغلظ القول جدًّا. وقال أبو حاتم: "ضعيف الحديث منكر الحديث جدًّا"، وقال ابن معين مرة: ما كان به بأس، ومرة: ليس حديثه بذاك. فكأنه لم يخبره، ووثقه ابن سعد، ولا يلتفت إلى ابن سعد إذا خالف الأئمة، فإن مادته من الواقدي كما ذكره ابن حجر في مواضع من مقدمة الفتح، راجع التعليق (ص 69)، وابنه يحيى قريب منه. فأما داود فكان في أول أمره لا بأس به، ثم تغير، قال يعقوب الحضرمي: "ثنا شعبة عن داود وكان قد كبر وافتقر" وهذه الكلمة شديدة فإنها تشعر باتهامه بأن يكون حمله الكبر والفقر على التقرب إلى بعض الناس برواية ما يسرهم. فأما عمارة ابن فيروز فمجهول واه ليس بشيء"]. قال الشوكاني: وقد رواه الطحاوي في مشكل الحديث من طريقين، وقال: هما ثابتان، ورواتهما ثقات. [قال المعلمي: "البحث في مشكل الآثار للطحاوي (2/ 8 - 14) وليس فيه هذه العبارة، والمؤلف أخذها من اللآلىء، وصاحب اللآلىء نقلها عن شفاء عياض، ولا يبعد أن يكون السيوطي راجع كتاب الطحاوي فلم يجد هذه العبارة، ولكن لم تسمح نفسه بتركها. والطحاوي ذكر خبر فضيل بن مرزوق وقد تقدم، وذكر من طريق ابن أبي فديك "حدثني محمد بن موسى [الفطري] عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن أسماء، ولا يعرف حال عون وأمه ويأتي بقية الكلام"].

قال الشوكاني: وقد رواه الطبراني. [قال المعلمي: "من طريق فضيل، وقد مر"]. قال الشوكاني: وقد ذكر له صاحب اللآلىء طرفًا، وألف في ذلك جزءًا. [قال المعلمي: "ذكر السيوطي أنه وقف على جزء لأبي الحسن شاذان الفضلي، جمع فيه طرق هذا الخبر، وذكر في موضع آخر أن للفضلي هذا كتابًا في خصائص علي، وأنا لم أعرف الفضلي هذا، فمما زاده الفضلي في طرق الخبر عن أسماء قال: "ثنا أبو طالب محمد بن صبيح بدمشق، ثنا علي بن العباس، ثنا عباد بن يعقوب ثنا علي ابن هاشم، عن صباح بن يحيى، عن عبد الله بن الحسن بن جعفر، عن حسين المقتول، عن فاطمة بنت علي، عن أم الحسن بنت علي، عن أسماء بنت عميس ... إلخ". وبه قال: "وحدثنا عباد ثنا علي بن هاشم، عن صباح، عن أبي سلمة مولى آل عبد الله بن الحارث بن نوفل، عن محمد بن جعفر بن محمد بن علي، عن أمه أم جعفر بنت محمد، عن جدتها أسماء بنت عميس ... إلخ". مَنْ دون عباد لم أعرفهم، وعباد، وعلي بن هاشم، وصباح من غلاة الشيعة، غير أن عبادًا وعليًّا وُصفا بالصدق. فأما صباح فمتروك متهم. وفيمن فوقه من لا يعرف. وفي السند الثاني تخليط. وللفضلي طريقان تنسبان الخبر إلى علي، الأولى: "ثنا عبيد الله بن الفضل التهياني الطائي؛ ثنا عبيد الله بن سعيد بن كثير بن عفير، ثنا أبو إسحاق إبراهيم بن رشيد الهاشمي الخراساني، ثنا يحيى بن عبد الله بن حسن ... إلخ" ذكرها عن آبائه عن علي

شيخ الفضلي. أراه المترجم في اللسان (3/ 326) باسم "عبد الله بن الفضل ... الطائي ... " وكأن "التهياني" محرفة عن "النبهاني" وبنو نبهان قبيل من طيء، وهذا الرجل يقال له: شيطان الطاق الصغير، وفي اللسان عن الماليني: أن عبد الله بن المنذر ذكر هذا الرجل فقال: "كان ثقة إلا أنه كان يغلو في التشيع" وعبد الله بن المنذر ليس من الأئمة الذين يوثق بنقدهم في مثل هذا. وشيخه عبيد الله بن سعيد اتهمه ابن عدي لروايته عن أبيه حديثين منكرين وأبوه ثقة. وقال اين حبان: "يروي عن الثقات المقلوبات" ولا ينفعه رواية أبي عوانة عنه في صحيحه؛ لأن صحيح أبي عوانة مستخرج على صحيح مسلم، يعمد إلى أحاديث مسلم فيخرجها بأسانيده إلى شيخ مسلم أو شيخ شيخه، فربما لا يجد الحديث إلا عند راو ضعيف فيخرجه عنه؛ لأن الحديث ثابت من غير طريقه، وإبراهيم بن رشيد لم أجده. وشيخه لا تعرف حالة. وقال الفضلي: "ثنا أبو الحسن بن صفوة، ثنا الحسن بن علي بن محمد العلوي الطبري، ثنا أحمد بن العلاء الرازي، ثنا إسحاق بن إبراهيم التيمي، ثنا محل الضبي عن إبراهيم النخعي، عن علقمة، عن أبي ذر، قال: قال علي يوم الشورى: أنشدكم بالله هل في كم من ردت له الشمس غيري ... إلخ". شيخ الفضلي لعله أبو الحسن محمد بن أحمد بن عبد الله بن صفوة، ذكره أصحاب المشتبه، وأنه شيخ لابن جميع. ولا أعرف حاله ولا وجدت أحدًا من الذين بينه وبين محل الضبي، والبلاء من بعض هؤلاء المجهولين. وفي اللآلىء عن الخطيب وغيره بسند فيه نظر إلى "إبراهيم بن حيان، عن عبد الله بن الحسين، عن فاطمة الصغرى ابنة الحسن، عن الحسين بن علي، قال: كان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... إلخ" قال الخطيب: "إبراهيم بن حيان كوفي في عداد

"المجهولين"، وفي اللسان: "إبراهيم بن حيان الكوفي الأسدي نزل واسط، ذكره الطوسي في رجال الشيعة". وفي اللآلىء سياق الخبر من طريق "الوليد بن عبد الواحد، ثنا معقل بن عبيد الله، عن أبي الزبير، عن جابر" له إلى الوليد سندان، أحدهما: للفضلي، وفيه: محفوظ بن بحر، هالك كذبه أبو عروبة الحراني. والثاني: للطبراني "ثنا علي بن سعيد ثنا أحمد ابن عبد الرحمن بن المفضل الحراني" علي بن سعيد هذا، مع الأسف: حافظ، لكنه فاجر، له ترجمة في اللسان، وفيها عن الحافظ الثقة حمزة بن يوسف السهمي: "سألت الدارقطني عنه فقال: ليس في حديثه بذاك، وسمعت بمصر أنه كان والي قرية، وكان يطالبهم بالخراج، فما يعطونه، فيجمع الخنازير في المسجد. فقلت: كيف هو في الحديث؟ قال: حدث بأحاديث لم يتابع عليها. ثم قال: في نفسي منه، وقد تكلم فيه أصحابنا بمصر. وأشار بيده، وقال: هو كذا وكذا -ونفض يده- يقول: ليس بثقة"، وشيخه هو الكزبراني، والوليد بن عبد الواحد هذا لم أجده مع أنه في طبقة متقدمة، ولن يتجاوز هذا الخبر، فلا حاجة لأن يقال: معقل صدوق يخطىء وأبو الزبير صدوق يدلس]. زاد المعلمي: فصل هذه القصة أنكرها أكثر أهل العلم لأوجه: الأول: أنها لو وقعت لنقلت نقلًا يليق بمثلها. الثاني: أن سنة الله عز وجل في الخوارق أن تكون لمصلحة عظيمة، ولا يظهر هنا مصلحة، فإنه إن فرض أن عليًا فاتته صلاة العصر كما تقول الحكاية، فإن كان ذلك لعذر، فقد فاتت النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة العصر يوم الخندق لعذر، وفاتته وأصحابه صلاة

الحديث العشرون

الصبح في سفر فصلاهما بعد الوقت، وبين أن ما وقع لعذر فليس فيه تفريط، وجاءت عدة أحاديث في أن من كان يحافظ على عبادة ثم فاتته لعذر يكتب الله عز وجل له أجرها كما كان يؤديها. وإن كان لغير عذر فتلك خطيئة، إذا أراد الله تعالى مغفرتها لم يتوقف ذلك على إطلاع الشمس من مغربها. ولا يظهر لإطلاعها معنى، كما أنه لو قتل رجل آخر ظلمًا ثم أحيا الله تعالى المقتول لم يكن في ذلك ما يكفر ذنب القاتل. الثالث: أن طلوع الشمس من مغربها آية قاهرة، إذا رآها الناس آمنوا جميعًا، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، وبذلك فسر قول الله عز وجل: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا} الآية، فكيف يقع مثل هذا في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا ينقل أنه ترتب عليه إيمان رجل واحد؟ "]. اهـ. الحديث العشرون: (ص 429): "أهل مقبرة عسقلان يزفون إلى الجنة كما تزف العروس إلى زوجها". قال الشوكاني: رواه ابن عدي عن ابن عمر، وفي إسناده: بشير بن ميمون، وليس بشيء. وقد رواه ابن حبان من وجه آخر، وفي إسناده: حمزة بن أبي حمزة، وهو وضاع (¬1). وقد روى أحمد في "المسند" من حديث أنس مرفوعًا: عسقلان أحد العروسين، يبعث الله منها يوم القيامة سبعين ألفًا لا حساب عليهم، ويبعث منها خمسون ألف ¬

_ (¬1) لم أجده عند ابن عدي من مسند عبد الله بن عمر، ولكن أخرجه أبو يعلى في "مسنده" (175) من حديث عمر بن الخطاب، وليس عبد الله، وفي إسناده بشر بن ميمون. أما حديث عبد الله فهو عند ابن حبان في "المجروحين" (1/ 270) وفيه حمزة بن أبي حمزة. وأورده ابن الجوزي في "الموضوعات" من الطريقين وجعلهما من حديث عبد الله بن عمر (1/ 358).

شهيد وفود إلى الله، وبها صفوف الشهداء، رءوسهم مقطعة في أيديهم، تثج أوداجهم دمًا، يقولون: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} فيقول: صدق عبيدي، اغسلوهم بنهر البيضة، فيخرجون منها أنقياء بيضا، فيسرحون في الجنة حيث شاءوا (¬1). هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وقال في إسناده: أبو عقال هلال بن زيد، يروي عن أنس أشياء موضوعة. وقال ابن حجر في القول المسدد: وهذا الحديث في فضائل الأعمال والتحريض على الرباط، وما يحيله الشرع ولا العقل. فالحكم عليه بالبطلان بمجرد كونه من رواية أبي عقال لا يتجه. وطريق الإِمام أحمد معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل دون أحاديث الأحكام. قال الشوكاني: هذا كلامه، ولا يخفاك أن هذه مراوغة من الحافظ ابن حجر، وخروج من الإنصاف. فإن كون الحديث في فضائل الأعمال، وكون طريقة أحمد رحمه الله معروفة في التسامح في أحاديث الفضائل: لا يوجب كون الحديث صحيحًا ولا حسنًا، ولا يقدح في كلام من قال في إسناده وضاع، ولا يستلزم صدق ما كان كذبًا وصحة ما كان باطلًا. فإن كان ابن حجر مُسلم أن أبا عقال يروي الموضوعات، فالحق ما قاله ابن الجوزي، وإن كان ينكر ذلك، فكان الأولى به التصريح بالإنكار والقدح في دعوى ابن الجوزي. ¬

_ (¬1) أخرجه: أحمد (3/ 225)، وابن عدي في "كامله" (1/ 298)، وابن الجوزي في "الموضوعات" (1/ 358 - 359). ومداره على أبي عقال عن أنس مرفوعًا به. وقال الذهبي في ترجمة أبي عقال من "الميزان" (5124): "وهو باطل".

[قال المعلمي: "ابن حجر لا ينكر ما قيل في أبي عقال، ولكنه يقول إن ذلك لا يستلزم أن يكون كل ما رواه موضوعًا، وإذا كان الكذوب قد يصدق، فما بالك بمن لم يصرح بأنه كان يتعمد الكذب؟ فيرى ابن حجر أن الحكم بالوضع يحتاج إلى أمر آخر ينضم إلى حال الراوي، كأن يكون مما يحيله الشرع أو العقل. وهذا لا يكفي في رده ما ذكره الشوكاني. وقد يقال: انضم إلى حال أبي عقال أن المتن منكر ليس معناه من جنس المعاق التي عني النبي -صلى الله عليه وسلم- ببيانها، أضف إلى ذلك قيام التهمة هنا، فإن أبا عقال كان يسكن عسقلان، وكانت ثغرًا عظيمًا، لا يبعد من المغفل أن يختلق ما يرغب الناس في الرباط فيه، أو يضعه جاهل ويدخله على مغفل، والحكم بالوضع قد يكفي فيه غلبة الظن كما لا يخفى"]. قال الشوكاني: ثم ذكر ابن حجر بعد كلامه السابق: أن لهذا الحديث شاهدًا من حديث ابن عمر، وذكر الحديث المتقدم، وليس فيه سوى بشير بن ميمون ضعيف. [قال المعلمي: "بل هو هالك البتة، لعله شر من أبي عقال. قال ابن حجر: نفسه في التقريب "متروك متهم"، وقال البخاري: "متهم بالوضع"]. قال الشوكاني: وله شاهد أخرجه أبو يعلى عن عبد الله بن بحينة أنه صلى النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- على تلك المقبرة، فسألوا بعض أزواجه، فسألته. فقال: هي مقبرة أهل عسقلان (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه: أبو يعلى في "مسنده" (2/ 216 / ح 913)، وقال الذهبي في ترجمة المسور بن خالد وهو أحد رجال الإسناد من الميزان (8450): "وهذا -يعني الحديث- ليس بصحيح". وتبعه ابن حجر في "اللسان" (6/ 36).

[قال المعلمي: "هو عن عطاف بن خالد، عن أخيه المسور، عن علي بن عبد الله ابن بحينة، عن أبيه. عطاف صدوق يهم، وأخوه وشيخه لا يعرفان إلا في هذا الخبر"]. قال الشوكاني: وله شاهد آخر، ذكره الدولابي في "الكني" عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مرفوعًا: يبعث بمقبرة عسقلان سبعون ألف شهيد، يشفع كل منهم بعدد ربيعة ومضر. [قال المعلمي: "في كنى الدولابي (2/ 63)، وقال: "منكر جدًّا، وهو شبه حديث الكذابين" وفي سنده الهذيل بن مسعر الأنصاري، لم أجده، وليس هو بهزيل أو هذيل ابن مسعدة، الذي ذكره البخاري وابن أبي حاتم، فإنهما وصفاه بأنه أخو علي بن مسعدة، وعلي باهلي"]. قال الشوكاني: وروى سعيد بن منصور مرسلًا عن عطاء الخراساني. قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، قال: "رحم الله أهل المقبرة" - ثلاث مرات. فسُئل عن ذلك. فقال: "تلك مقبرة تكون بعسقلان" (¬1). [قال المعلمي: "عطاء هذا من أتباع التابعين، ومع ذلك فراوي هذا عنه إسماعيل ابن عياش وليس من أهل بلده، وإسماعيل إذا روى عن غير أهل بلده كثر تخليطه"]. قال الشوكاني: وروى نحوه: عبد الرزاق في مصنفه، عن عائشة مرفوعًا (¬2). ¬

_ (¬1) "سنن سعيد بن منصور" (2/ 194). (¬2) "المصنف" (9635) وإسناده منقطع.

[قال المعلمي: "هو من طريق إسحاق بن رافع قال: "بلغنا ... إلخ" وهو من أتباع التابعين، وفيه كلام"]. قال الشوكاني: وقد روى ابن النجار، عن أنس مرفوعًا. [قال المعلمي: "الشطر الأول من سنده مظلم جدًّا، والثاني كالشمس، وهذا يدل على بطلانه حتمًا"]. قال الشوكاني: والطبراني عن ابن عباس مرفوعًا (¬1). [قال المعلمي: "بسندين في أحدهما: سعيد بن حفص النفيلي، تغير في آخر عمره، والمتن الذي ساقه وفي آخره ذكر عسقلان، قد رواه غيره عن عمر من قوله، بدون ذكر عسقلان، راجع المستدرك (4/ 473)، وفي سند الثاني: يحيى بن سليمان أبو سليمان، لا يوجد، وبني الهيثمي على أنه يحيى بن أبي سليمان أبو صالح المدني المنكر الحديث، وفيه ما فيه، وفي السند أيضًا ابن إسحاق غير مصرح بالسماع. ثم ذكر في اللآلىء (¬2) عن ابن عساكر خبرًا عن أبي أمامة، وفي سنده جماعة لم أعرفهم ورجل لم يسم، ثم هو عن أبي طيبة الجرجاني، عن أبي أمامة، وأبو طيبة الجرجاني ليس بشيء، ولم يدرك أبا أمامة. قال ابن عساكر: "كذا قال، وهو أبو طيبة الكلاعي الحمصي". أقول: هذا ظن يرده صريح الخبر ولم يذكر حجة"]. اهـ. ¬

_ (¬1) أخرجه: الطبراني في "الكبير" (11/ 88)، وفي "الأوسط" (6679) بالإسنادين إلى الزهري عن فطر ابن خليفة عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعًا به. (¬2) انظر: "اللآلىء" (1/ 423) وحديث أبي أمامة أخرجه: السهمي في "تاريخ جرجان" (1/ 293).

الحديث الواحد والعشرون

الحديث الواحد والعشرون: (ص 447): "رأيت ربي في المنام في أحسن صورة، شابًا موقرًا، رجلاه في خضر، عليه نعلان من ذهب، على وجهه فراش من ذهب". قال الشوكاني: رواه الخطيب عن أم الطفيل، امرأة أُبي بن كعب، وهو موضوع، وفي إسناده وضاع وكذاب ومجهول (¬1). [قال المعلمي: "يريد بالأول: نعيم بن حماد، بناء على قول ابن الجوزي "قال ابن عدي يضع" وهذا وهم قبيح من ابن الجوزي، إنما حكى ابن عدي عن الدولابي عن بعضهم" لا يدري من هو، ورده ابن عدي، وحمل على الدولابي، راجع ترجمة نعيم في "تهذيب التهذيب" و"مقدمة الفتح". ¬

_ (¬1) أخرجه: ابن أبي عاصم في "السنة" (1/ 205) وفي الآحاد والمثاني (3385)، والطبراني في "الكبير" (6/ 158)، والبخاري في "التاريخ الصغير" (1/ 291). والخطيب في "التاريخ" (13/ 311). من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث، عن سعيد بن أبي هلال، عن مروان بن عثمان، عن عمارة ابن عامر، عن أم الطفيل به. قال البخاري: "لا يعرف عمارة ولا سماعه من أم الطفيل". وقال ابن حبان في الثقات من ترجمة عمارة هذا (5/ 245): "حديث منكر، لم يسمع عمارة من أم الطفيل وإنما ذكرته -يعني في الثقات- لكي لا يغر الناظر فيه فيحتج به من أهل مصر". ونقل ابن الجوزي في "العلل المتناهية" بعبد إيراده الحديث (1/ 30) عن مهنا قال: "سألت أبا عبد الله عن هذا الحديث فحول وجهه عني، وقال: هذا حديث منكر، وقال: ولا يعرف أيضًا عمارة بن عامر". والحديث قال عنه الحافظ في "التهذيب" (10/ 95): "هو متن منكر". والحديث مع هذا صححه العلامة الألباني في تخريجه على كتاب السنة بن أبي عاصم، واعتبره صحيحًا بالأحاديث التي قبله.

الحديث الثاني والعشرون

ويريد بالكذاب: مروان بن عثمان، بناء على ما روى عن النسائي أنه قال: "ومن مروان بن عثمان حتى يصدق على الله؟ " وهذا لا يعطي أنه كذاب، وعدم التصديق لا يستلزم التكذيب، فإنه يحتمل التوقف ويحتمل قوله على أنه أخطأ، ويدل على هذا أن النسائي أخرج لمروان هذا في سننه. ويريد بالمجهول عمارة بن عامر بن حزم، ويقال: عمارة بن عمير، وقد ذكره البخاري في "الضعفاء"، وذكر ابن حبان في الثقات، وذكر هذا الحديث، وقال: منكر، لم يسمعه عمارة من أم الطفيل، وله شواهد ذكرها في اللآلىء، وحاصله رؤيا المنام تجيء غالبًا على وجه التمثيل المفتقر إلى التأويل. والله أعلم]. قال الشوكاني: وقد رواه الطبراني من طرق بألفاظ تقارب هذا (¬1). الحديث الثاني والعشرون: (ص 481): "ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة إلا صرف الله عنه أنواعًا من البلاء: الجنون، والجذام، والبرص. فإذا بلغ خمسين ليَّن الله عليه الحساب. فإذا بلغ ستين رزقه الإنابة إليه. فإذا بلغ سبعين أحبه الله وأحبه أهل السماء. فإذا بلغ ثمانين قبل الله حسناته وتجاوز عن سيئاته. فإذا بلغ التسعن غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وسمي أسير الله في أرضه، وشفع لأهل بيته". قال الشوكاني: رواه أحمد في المسند عن أنس مرفوعًا (¬2). ¬

_ (¬1) انظر: "اللآلىء" (1/ 33). (¬2) أخرجه: أحمد (3/ 217)، وأبو يعلى (4246) وابن حبان في "المجروحين" (3/ 132)، والذهبي في =

ورواه أحمد بن منيع في مسنده. فذكر نحوه، وقال: فإذا بلغ خمسين سنة خفف الله عنه الحساب (¬1). ورواه البغوي في معجمه، وأبو يعلى في مسنده، عن عثمان بن عفان مرفوعًا، كنحو لفظ أحمد. ورواه أبو نعيم عن عائشة مرفوعًا بلفظ: من بلغ الثمانين من هذه الأمة، لم يعرض ولم يحاسب، وقيل: ادخل الجنة (¬2). وقد أورد الحديث ابن الجوزي في الموضوعات (¬3)، لكون أحمد رواه بإسناد فيه يوسف بن أبي ذرة. قال ابن الجوزي: يروي المناكير، ليس بشيء. ورواه أحمد أيضًا بإسناد آخر فيه: الفرج عن محمد بن عامر (¬4). قال: ضعيف منكر الحديث يلزق المتون الواهية بالأسانيد الصحيحة، ومحمد بن عامر يقلب الأخبار، ويروي عن الثقات ما ليس من حديثهم، وشيخه العرزمي ترك الناس حديثه، وفي إسناد أحمد بن منيع: عباد بن عباد المهلبي. ¬

_ = "السير" (15/ 405) من حديث يوسف بن أبي ذرة عن جعفر بن عمرو بن أمية عن أنس مرفوعًا به. قال الذهبي: "وهو خبر منكر"، وقال ابن حبان في ترجمة يوسف من المجروحين فيما تقدم: "يروي المناكير التي لا أصول لها". وتابع جعفرًا عليه زيد بن أسلم عند البيهقي في "الزهد الكبير" (2/ 244)، عبد الواحد ابن راشد عند الخطيب في "تاريخ بغداد" (3/ 71) هو طريق أحمد بن منيع كما ذكر الشوكاني، ثلاثتهم عن أنس به. (¬1) وهو عند البيهقي في "الزهد الكبير" (2/ 245)، وأبو يعلى في "مسند" (4249)، وابن الجوزي (1/ 126). (¬2) أخرجه: أبو نعيم في "الحلية" (8/ 215)، وابن عدي في "الكامل" (5/ 354). (¬3) "الموضوعات" (1/ 125)، وقال بعد ذكره الطرق هذا الحديث لا يصح عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-". (¬4) "مسند أحمد" (2/ 89) موقوفًا من قول أنس.

قال ابن حبان: كان يحدث بالمناكير فاستحق الترك. [قال المعلمي: "إنما قال ابن حبان هذا في عباد بن عباد الأرسوفي، وهو غير المهلبي، نبه عليه ابن حجر، فأما المهلبي فثقة يخطىء. وأرى البلاء في هذا الخبر من شيخه عبد الواحد بن راشد، فإنه مجهول جدًّا"]. قال الشوكاني: وفي إسناد البغوي، وأبي يعلى: عزرة بن قيس الأزدي. ضعفه يحيى، وشيخه مجهول، وفي إسناد أبي نعيم: عائذ بن نسير. قال ابن الجوزي: ضعيف. فهذا غاية ما أبداه ابن الجوزي دليلًا على ما حكم به من الوضع. وقد أفرط وجازف. فليس مثل هذه المقالات توجب الحكم بالوضع، بل أقل أحوال الحديث أن يكون حسنًا لغيره، وقد دفع ابن حجر في القول المسدد (¬1) هذه المطاعن التي ذكرها ابن الجوزي. وعباد بن عباد المهلبي: احتج به الشيخان، وما قاله ابن حبان كما نقله ابن الجوزي، هو في عباد بن عباد الفارسي. [قال المعلمي: "كذا، والمعروف "الأرسوفي" كما مر"]. قال الشوكاني: لا المهلبي. فالغلط لابن الجوزي. وله طرق كثيرة أوردها ابن حجر بعضها: رجاله رجال الصحيح. [قال المعلمي: "ليس من تلك الروايات، ما هو بهذه الصفة، وأشبهها رواية ابن الأخشيد، وستأتي، واعلم أن هذا الخبر يتضمن معذرة وفضيلة للمسنين، وإن كانوا ¬

_ (¬1) "القول المسدد" (1/ 22)، وقد دافع عنه دفاعًا شديدًا، ونقل عن الحافظ العراقي تصحيحه لبعض طرق الحديث.

مفرطين أو مسرفين على أنفسهم، فمن ثَمَّ أولع به الناس، يحتاج إليه الرجل ليعتذر عن نفسه، أو عمن يتقرب إليه، فإما أن يقويه، وإما أن يركب له إسنادًا جديدًا، أو يلقنه من يقبل التلقين، أو يدخله على غير ضابط من الصادقين، أو يدلسه عن الكذابين، أو على الأقل يرويه عنهم، ساكتًا عن بيان حالة، فأشبه طرقه ما في اللآلىء (1/ 75) "قال إسماعيل بن الفضل الأخشيد في فوائده: ثنا أبو طاهر بن عبد الرحيم، ثنا أبو بكر بن المقرىء، حدثنا أبو عروبة الحراني، حدثنا مخلد بن مالك، حدثنا الصنعاني -هو حفص بن ميسرة- به" يعني: عن زيد بن أسلم، عن أنس، فذكره مرفوعًا. إسماعيل مقرىء مسند معروف. توفي سنة 524، ذكره ابن الجزري في طبقات القراء. وصاحب الشذرات، ولم يذكرا أن أحدًا وثقه، وقيد الذهبي وفاته في التذكرة، في ترجمة غيره، وإخراجه هذا الخبر في فوائده، معناه: أنه كان يرى أنه لا يوجد عند يخرج فإن هذا معنى الفوائد في اصطلاحهم، وشيخه أبو طاهر لم أجد له ترجمة، وابن المقري، حافظ ثقة مشهور، له أيضًا كتاب جمع فيه فوائد، ورواه عنه جماعة من الحفاظ، والظاهر أن هذا الخبر ليس فيها، وإلا لكان اشتهر وانتشر، ولم يكن من فوائد ابن الأخشيد. وأبو عروبة حافظ ثقة مشهور. وشيخه هو مخلد بن مالك بن شيبان الحراني، له ترجمة في تهذيب التهذيب (10/ 76) فيها: "قال أبو حاتم: شيخ. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات"، والظاهر أنهم لم يطلعوا على روايته هذا الخبر، وإلَّا لكان لهم وله شأن آخر. ثم ذكر في التهذيب: أن ابن عدي ذكر حديثًا تفرد به مخلد هذا عن عطاف، قال ابن عدي: "وهو منكر، سمعت ابن أبي معشر (هو أبو عروبة) يقول: كتبنا عن مخلد كتاب عطاف قديمًا، ولم يكن فيه هذا".

قال ابن حجر: كأنه أومى إلى أن مخلدًا لين هذا الحديث" كذا، وكلمة "هذا" من زيادة الناسخ. وهذه أيضًا حال حديثنا هذا، فإنه منكر، ولم يكن في أصل مخلد من كتاب زيد، وإلا لسمعه منه أبو حاتم وأبو زرعة وغيرهما. هذا إن صح أن مخلدًا رواه. ثم هو منفرد به عن حفص. فأما ما قيل: إن ابن وهب رواه عن حفص فسيأتي بيان حالة، وأحاديث حفص ابن ميسرة المعروفة مجموعة في نسخة معروفة كانت عند جماعة، لم يدرك مسلم منهم إلا سويد بن سعيد، فاحتاج إلى روايته عنه مع ما فيه من الكلام، ولما عوتب في روايته عنه في الصحيح قال: "فمن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة"، ومن الواضح أن هذا الخبر لم يكن فيها وإلا لاشتهر وانتشر، ومع ذلك فحفص فيه كلام، وإنما أخرج له البخاري أحاديث يسيرة ثبت كل منها من طرق غيره، كما ترى ذلك في ترجمته من مقدمة الفتح. ولعل حال مسلم نحو ذلك. وزيد بن أسلم ربما دلس. وأنس -رضي الله عنه- كان بالبصرة وجمها أصحابه الملازمون له المكثرون عنه، فكيف يفوتهم هذا الخبر ويتفرد به زيد بن أسلم المدني، ثم كيف يفوت أصحاب زيد الملازمين له المكثرين عنه ويتفرد به عنه هذا الصنعاني، وهكذا فيما بعد كما علم مما مر، مع أن هذا الخبر مرغوب فيه كما يعلم من كثرة الروايات الواهية له. فأما ما قيل إن ابن وهب رواه عن حفص فهذا شيء انفرد به بكر بن سهل الدمياطي، عن عبد الله بن محمد بن رمح، عن ابن وهب. ابن وهب إمام جليل، له أصحاب كثير، منهم من وصف بأن لديه حديثه كله، وهما ابن أخيه أحمد بن عبد الرحمن وحرملة، ولا ذكر لهذا الخبر عندهما ولا عند أحدهما ولا عند غيرهما من مشاهير أصحاب ابن وهب، ولابن وهب مؤلفات عدة رواها عنه الناس وليس هذا فيها.

وأما عبد الله بن محمد بن رمح فمقل جدًّا، له ترجمة في تهذيب التهذيب، لم يذكر فيها راويًا عنه إلا ثلاثة: بكر بن سهل راوي هذا، وسيأتي حاله، ومحمد بن محمد بن الأشعث أحد الكذابين، وابن ماجه، وليس له عند ابن ماجه إلا حديثان غريبان. ومع ذلك قال ابن حجر في القول المسدد "ثقة"، وفي التقريب "صدوق" وهذا مخالف لقاعدة ابن حجر التي جرى عليها في "التقريب"، ولكنه تسمح هنا جريًا مع ما سماه في خطبة القول المسدد "عصبية لا تخل بدين ولا مروءة". والتحقيق أن هذا الرجل مجهول الحال، ومثله لا يلتفت إلى ما تفرد به، ولا سيما عن ابن وهب، فكيف إذا انفرد عنه بكر بن سهل، وبكر حاول ابن حجر وفاء بتلك العصبية تقويته ولم يصنع شيئًا، بكر ضعفه النسائي ولم يوثقه أحد، وله أوابد تقدم بعضها في التعليق صفحات (135، 226، 245، 467)، وقال الذهبي في ترجمته من الميزان "ومن وضعه ... " فذكر قول بكر "هجرت -أي بكرت- يوم الجمعة فقرأت إلى العصر ثمان ختمات" قال الذهبي: "فاسمع إلى هذا وتعجب". وأرى أن تفرد بكر عن ابن رمح عن ابن وهب مردود من جهة التفرد عن ابن وهب بمثل هذا الخبر مع شدة رغبة الناس فيه، فمن هنا: لا يصلح هذا متابعة لخبر ابن الأخشيد، ولا خبر ابن الأخشيد متابعة لهذا. وأما بقية الروايات، فمنها ما يدور على الديباج، وهو محمد بن عبد الله بن عمرو ابن عثمان، واختلف عليه اختلافًا كثيرًا، فقيل: عن عثمان، وقيل: عن عبد الله بن أبي بكر الصديق، وقيل: عن عبد الله بن عمر، وقيل: عن أنس، وفي أسانيدها إلى الديباج بلايا، وكلها مع ذلك منقطعة؛ لأنه لم يدرك أحدًا من الصحابة. وقيل عن الديباج عن عمرو بن جعفر عن أنس من قوله، وفي سندها الفرج بن فضالة عن محمد بن عامر. وقد بين ابن الجوزي وهنهما، وفوق ذلك كله فالديباج

نفسه فيه نظر، قال البخاري: "عنده عجائب"، وقال العقيلي: "لا يكاد يتابع على حديثه"، وقال النسائي في موضع: "ثقة"، ثم كأنه رجع فقال في موضع آخر: "ليس بالقوي"، ولم يخرج له هو ولا أحد من الستة غير ابن ماجه. وقال ابن حبان في الثقات: "في حديثه عن أبي الزناد بعض المناكير، ومن شأن ابن حبان إذا تردد في راو، أنه يذكره في الثقات، ولكنه يغمزه، فلم يبق إلا قول العجلي "ثقة" والعجلي متسمح جدًّا، وخاصة في التابعين، فكأنهم كلهم عنده ثقات، فتجده يقول: "تابعي ثقة" في المجاهيل، وفي بعض المذمومين، كعمر بن سعد، وفي بعض الهلكى كأصبغ بن نباتة، وفي بعض المذمومن، كعمر بن سعد، وفي بعض الهلكى كأصبغ بن نباتة. وبقي بعد هذا طرق، فعن عثمان ثلاث، في الأولى: سيار بن حاتم، وهو صدوق له أوهام، حتى قال العقيلي: "أحاديثه مناكير"، قال سيار: "ثنا سلام أبو سلمة، مولى أم هانىء"، لم أجده "سمعت شيخًا"، وفي الثانية: يحيى بن أبي طالب، فيه كلام، وعبد الله بن واقد، وهو أبو قتادة الحراني، كان أولًا متماسكًا، حتى أثنى عليه بعض الأئمة، ثم فسد جدًّا فترك، فليس بشيء البتة. قال: "ثنا عبد الكريم بن حرام" لم أجده "عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبيه عن عثمان" كذا قال. وفي الثالثة: من لم أعرفه، وعبد الله بن الزبير الباهلي وعبد الأعلي بن عبد الله القرشي مجهولا الحال، رواه عبد الأعلى: "عن عبد الله بن الحارث بن نوفل" ولا يعلم أدركه أم لا؟ وروي أيضًا عن شداد بن أوس، وفي السند مجهولون، وعن أبي هريرة وفي السند اليقظان بن عمار بن ياسر، لا يدري من ذا؟ رواه بجهل عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة. ولا يخفى بطلان هذا على عارف بالفن، ومع ذلك زاد فيه قصة. وعن عائشة: أعله ابن الجوزي بعائذ بن نسير، وهو منكر الحديث. وعن أنس وقد مر بعض الطرق عنه.

وبقي طرق: الأولى: أعلها ابن الجوزي بيوسف بن أبي ذرة، قال فيه ابن معين: "لا شيء"، وقال ابن حبان: "منكر الحديث جدًّا، يروي المناكير التي لا أصل لها على قلة حديثه، لا يجوز الاحتجاج به بحال". الثانية: فيها "أبو عبيدة بن فضيل بن عياض" ليَّنه الجوزقاني وابن الجوزي والذهبي، وأبي ذلك ابن حجر، وذكر "ثنا الدارقطني وغيره عليه "ثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي" صدوق "ثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي" صدوق ربما أخطأ "حدثني محمد بن موسى بن أبي عبد الله" صدوق يتشيع، رواه "عن عبد الله بن عمرو بن عثمان" ولم يدركه فيما أرى "عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري عن أنس". الثالثة: فيها "خالد الزيات، حدثني داود بن سليمان" قال ابن حجر: "مجهولان" راجع اللآلىء (1/ 75). الرابعة: فيها: "عبد الرحمن بن سليمان" قال ابن حجر: "مجهول". الخامسة: فيها أبو قتادة عبد الله بن واقد الحراني، وقد تقدم حالة في روايته عن عثمان. السادسة: فيها "ثابت بن سعد بن ثابت الأملوكي، عن أبيه، عن عمه عبادة بن رافع" مجهولون، راجع التهذيب. السابعة: فيها الصباح بن عاصم الأَصبهاني مجهول. الثامنة: فيها "يحيى بن عثمان بن صالح السهمي" تكلموا فيه، "حدثني الوليد بن موسى الدمشقي"، قال الدارقطني: "منكر الحديث"، وقال العقيلي: "أحاديثه بواطيل لا أصول لها"، وتكلم فيه ابن حبان والحاكم وغيرهما. وقيل: إن أبا حاتم أثنى عليه. والذي في كتاب ابن أبي حاتم إنما هو في الوليد بن الوليد العنسي قال: "سألت أبي عنه فقال: هو صدوق ما بحديثه بأس حديثه صحيح" نعم ذكر في اللسان أنهما واحد، لكنه رجع فذكر أن أبا نعيم فرق بينهما، وهو الظاهر. فإن كانا واحدًا فالحجة مع الجارح. وفي السند أيضًا "يحيى بن أبي كثير عن الحسن"، ويحيى مشهور بالتدليس.

التاسعة: في سندها "عمر (الصواب: عمرو) بن زياد الباهلي [الثوباني] ثنا محمد ابن جهضم الجهضمي عن أبيه عن الحسن" الثوباني كذاب، راجع اللسان (4/ 364) رقم (1067، 1068)، وقال ابن حجر هناك: "وجدت له حديثًا منكرًا ذكرته في ترجمة محمد بن جهضم فذكره ابن حبان في الثقات" كذا وقع هناك ولعل في الكلام سقطًا، أو كانت العبارة الأخيرة في الحاشية. ولم يذكر محمد بن جهضم في اللسان ولا أحسبه محمد بن جهضم الذي في التهذيب فإن كان أباه فأبوه مجهول وإلا فمجهولان معًا أو لا وجود لهما. العاشرة: فيها من لم أعرفه، وفيها إبراهيم بن الأشعث خادم الفضيل بن عياض، زاهد يتكلف الرواية فيأتي بالأباطيل. وفي السند غيره. الحادية عشرة: فيها "محمد بن عمرو ثنا أبي عن الحكم بن عبدة" محمد وأبوه لم أعرفهما، والحكم مجهول الحال. الثانية عشرة: فيها من تكلم فيه، وفيها إبراهيم بن عبد الله بن أيوب المخزومي (الصواب: المخرمي) ترجمته في اللسان (1/ 72) قال الدارقطني: "ليس بثقة، حدث عن الثقات بأحاديث باطلة" وفيها جابر بن نوح وهو واهٍ"]. اهـ. قال الشوكاني: وقد نقل كلامه صاحب اللآلىء، وأطال البحث. وقد أوردت كثيرًا من طرق الحديث في رسالتي التي سميتها: زهر النِّسرين، الفائح بفضائل المعمَّرين. اهـ. * * *

ملحق (2) الفن الخاص بالتعامل مع المخطوطات، والطريق الأمثل لتصحيح الكتب وضبطها

ملحق (2) الفن الخاص بالتعامل مع المخطوطات، والطريق الأمثل لتصحيح الكتب وضبطها ويشتمل على: 1 - رسالة المعلمي فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فعله. 2 - رسالته في أصول التصحيح. 3 - رسالة في علامات الترقيم. 4 - مقدمته لكتاب الإكمال. * * *

أولا: رسالة المعلمي فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فعله

أولًا: رسالة المعلمي فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة فعله وهو ضمن "المجموع" الذي أعده ماجد الزيادي مشتملا على خمس رسائل. قال المعلمي: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله كثيرًا طيبًا مباركا فيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد. أما بعد: فهذه رسالة فيما على المتصدين لطبع الكتب القديمة مما إذا وافوا (¬1) به فقد أدوا ما عليهم من خدمة العلم والأمانة فيه، وإحياء آثار السلف على الوجه اللائق، وتكون مطبوعاتهم صالحة لأن يشق بها أهل العلم، وهي مرتبة على مقدمة وأبواب وخاتمة. المقدمة: كان العلم في صدر الإسلام يُتلقى من أفواه العلماء ويُحفظ في الصدور، وكان الناس مختلفين في الكتابة، منهم من يثق بجودة حفظه فلا يكتب شيئًا، ومنهم من يكتب ما يسمع ليتحفظه، ثم يمحو الكتاب، ومنهم من يكتب ويحفظ كتابه حتى يراجعه عند الحاجة. ¬

_ (¬1) كذا ولعل الصواب: "وفوا".

ثم اتسع العلم، وطالت الأسانيد، وصنفت بعض الكتب، فأطبق الناس على الكتابة وكان أكثرهم يحرصون على الحفظ، وإنما يكتبون ويحفظون كتبهم ليتحفظوا منها، ثم يراجعونها عند الحاجة، ومنهم من لا يحفظ فإذا احتيج للأخذ عنه روى من كتابه، وكانوا يبالغون في حفظ كتبهم فلا يمكن أحدهم أحدًا من كتابه إلا أن يكون بحضرته أو يشتد وثوقه برجل فيسمح له. وفي "صحيح البخاري" في كتاب الحج باب: من أين يخرج من مكة: "سمعت يحيى بن معين يقول: سمعت يحيى بن سعيد يقول: لو أن مسددًا أتيته في بيته فحدثته لاستحق ذلك وما أبالي كتبي كانت عندي أو عند مسدد". وكانت كتب العلماء التي يعتمدون عليها بخط أيديهم، وذلك على أوجه؛ قد يُملي الشيخ والطالبُ يكتب ثم يحفظ ذاك الكتاب نفسه أو ينقله إلى كتاب آخر فيحفظه. وقد يثق الطالب بجودة حفظه فيحضر إملاء الشيخ فيحفظ ثم يرجع إلى بيته فيكتب ما حفظه، وقد يسمح له الشيخ بكتابه بحضرته فينقل منه أو ينقل من نسخة أخرى قد كتبها صاحبها عن الشيخ ثم يقرأ ما كتبه على الشيخ، فإن كان الشيخ حافظًا اكتفى باستماع ما كتبه الطالب، وأصلح ما يحتاج إلى إصلاحه من حفظه أو أخذ كتاب الطالب وأملاه عليه، وإن لم يكن الشيخ يحفظ أخذ أصله فقابل له ما كتبه الطالب؛ إما بأن يملي الشيخ من أصله والطالب ينظر في نقله، وإما بأن يقرأ الطالب من نقله والشيخ ينظر في أصله. وربما تسامح بعضهم فحضر إملاء الشيخ أو القراءة عليه ولم يكتب هو، ولكن كان معه من يكتب عند السماع أو كتب قبل ذلك، ثم بعد ذلك يعتمد ذاك الذي لم يكتب على كتاب صاحبه فينقل عنه، وربما لم يكن هناك سماع ولا قراءة وإنما ينقل الطالب من أصل الشيخ أو من فرع قد قرأه الشيخ أو قُرىء عليه، ثم يعرض على

الشيخ، فإذا كان الشيخ حافظًا لِعِلْمِه تصفح هذا النقل وأصلح ما يحتاج إلى الإصلاح ثم ناوله الطالب وأذن له بروايته عنه، وربما استغنى الشيخ عن بعض كتبه فوهبه لبعض أصحابه وأذن له أن يرويه عنه. وأشد تسامحا من هذا أن ينقل الطالب من كتاب طالب آخر ما رواه عن شيخ حي ثم يجيء إلى الشيخ بكتابه فيقول: هذا من روايتك فأرويه عنك؟ فيقول: نعم، مع أنه لم ير الكتاب ولم يقرأه ولا قُرىء عليه، وكان مثل هذا نادرًا، وإنما يتفق مثله إذا كان الطالب كبيرًا من أهل العلم والثقة، فإذا وثق بكتاب صاحبه لثقته عنده، ووثق الشيخ بعلمه وإتقانه ومعرفته أجازه. لكن لما كثرت المصنفات واشتهرت نسخها، وطالت الأسانيد وتعددت، وضعفت الهمم، توسع الناس في الإجازة؛ يجيز الشيخ للطالب الكتاب وإن لم يكن عنده نسخة منه ولا قرأه ولا سمعه ولا رأى نسخة منه. ثم إذا طال عمر هذا الطالب احتاج الناس بلى الرواية عنه، فبحثوا عن نسخة يوثق بها من ذلك الكتاب فقرأوا عليه ورووه عنه، وربما اكتفى بعضهم بالاستجازة منه، فقد يجيز رجلا ويجيز هذا الثاني ثالثًا، فيظفر هذا الثالث بنسخة من الكتاب فيمليها على الناس أو يقرؤونها عليه، ويعتمد عليها في القضاء والفتوى والنقل في مصنفاته وغير ذلك، مع أن شيخه وشيخ شيخه لم يريا تلك النسخة بل ولا نسخة من الكتاب. وتوسعوا في ذلك حتى كانوا يجيزون للأطفال وللرجل ولمن يولد له بعد، ويُجيز أحدهم لجميع أهل عصره جميع مصنفاته، ومروياته. وبالجملة صارت الرواية في الآخر صورة لا روح لها، وانحصر الأمر في أن تكون النسخة موثوقا بها.

والثقة بالنسخة علمًا درجات: • أعلاها: أن تكون بخط المصنف، وقُرئت عليه، أو قرأها هو على الناس، أو كرر النظر فيها. • ودون تلك: أن تكون فرعا عن أصل المصنف، وقابله ثقة مع المصنف. • ودون هذا: أن تكون فرعا عن أصل المصنف، وقابله ثقة على أصل المصنف مع ثقة آخر غير المصنف. • ودونه: أن تكون فرعا قد قابله ثقتان على فرعٍ قابله ثقة مع المصنف. ثم هكذا، كلما بَعُدَ الفرع عن أصل المصنف ضعفت الثقة به بالنسبة إلى ما قبله؛ وذلك لما قضت به العادة من أن الفرع وإن قوبل على الأصل لا يخلو عن مخالفة للأصل في مواضع، ولذلك أسباب منها: 1 - التصحيف؛ فإن أكثر الحروف تتحد صورة الحرفين منها، وإنما يميز بينهما النقط، وذلك: الجيم والخاء مع الحاء، والدال مع الذال، والراء مع الزاي، والسين مع الشين، والصاد مع الضاد، والطاء مع الظاء، والعين مع الغين. وثلاثة من أحرف "بثينة" مع السين. ومنها ما يتحد الحرفان فأكثر في الصورة، وإنما التمييز بصورة النقط، وذلك: الجيم مع الخاء، والفاء مع القاف، وكل من أحرف "بثينة" إذا لم تنقط احتملت أكثر من ثلاثة آلاف وجه. فإن قيل أكثر تلك الوجوه لا معنى لها في اللغة، والسياق قد يُعين أحد المحتملات التي لها معنى.

قلت: كثير من المحتملات لها معنى في هذا المثال وفي غيره، والسياق كثيرا ما يحتمل وجهين أو أكثر، والناظر إذا كان متحريا لا يأمن أن يكون في الوجوه المحتملة ما له معنى يناسب السياق، وإن جهله هو لعدم إحاطته باللغة، ولا سيما إذا كان السياق إنما يقتضي أن تلك الكلمة اسم شجرة أو عَلَم موضع أو عَلَم إنسان، فإن هذا السياق لا يُغني شيئا؛ لكثرة أسماء الشجر والأماكن والناس وكثرة الغريب منها. قال ابن قتيبة في كتاب "الشعر والشعراء" (ص 9): "كل العِلْم محتاجٌ إلى السماع (يعني التلقي من أفواه العلماء الضابطين)، وأحوجه إلى ذلك علم الدين، ثم الشِّعر؛ لما فيه من الأسماء الغريبة واللغات المختلفة والكلام الوحشي، وأسماء الشجر والنبات والمواضع والمياه، فإنك لا تفصل في شعر الهذليين إذا أنت لم تعرفه بين "شَابَه" و"سايَة" وهما موضعان، ولا تثق بمعرفتك في حَزْم نبايع (¬1)؛ وعروان (¬2) الكراث وشسَّيْ عبقر (¬3) وأُسْد حَلْيَة وأُسْد تَرْج ودُفاق وتضارع؛ لأنه لا يلحق بالفطنة والذكاء كما يلحق مشتق الغريب ... ". ثم ذكر أمثلة مما يقع فيه الخطأ في بعض الألفاظ. وقال عبد الغني بن سعيد المصري في أول كتابه "المؤتلف والمختلف" (ص 3): "أنبأنا أبو عمران موسى بن عيسى الحنيفي قال: سمعت أبا إسحاق إبراهيم بن عبد الله النجيرمي يقول: أولى الأشياء بالضبط أسماء الناس؛ لأنه شيء لا يدخله القياس، ولا قبله شيء ولا بعده شيء يدل عليه". ¬

_ (¬1) نبايع بضم النون، وضبطه ياقوت وغيرها ووقع في المنقول عنه كأن: تبايع. المعلمي. (¬2) بضم العين وقيل بفتحها. المعلمي. (¬3) قالوا: عبقر بوزن جعفر لكن جاء في الشعر بفتح العين وفتح وضم القاف وتشديد الراء. انظر توجيه ذلك في معجم البلدان. المعلمي.

هذا، وكان القدماء كثيرا ما يتركون نقط ما حقه أن ينقط، كما هو مشاهد في كثير من النسخ القديمة، وإنما يدعونه إيثارا لسرعة الكتابة، واتكالا على أن أهل العلم يأخذون الكتب بالسماع من أفواه العلماء، فيحفظون الأسماء بضبطها، وقد يكون بعض العلماء كان يتعمد ترك النقط إلجاءً لطالبي العلم إلى السماع من أفواه العلماء، كي لا يتكلوا على الصحف، وما كان منقوطا من النسخ القديمة كثيرًا ما يشتبه فيه النقط قتشتبه النقطة بالنقطتين، والنقطتان بالثلاث، ويقع كثير من النقط بعيدًا عن الحرف الذي هو له فيظن أنه لحرف آخر عن يمين ذاك الحرف أو يساره أو فوقه في السطر الأعلى أو تحته في الأسفل. والناقل قد ينقط بعضى ما لم ينقط في الأصل برأيه فيخطىء، وقد يترك نقط ما هو منقوط فيكون ذلك سببيا لخطأ من بعده، وقد يجعل نقط حوف لغيره عن يمينه أو يساره أو فوقه أو تحته بناء عله ما تراءى له من الأصل لِبُعد النقط عن الحرف الذي هو له. السبب الثانى: أن كثيرًا من الأصول يشتبه فيها حرف بآخر وكلمة بأخرى، وإن كانت صور الحروف في أصل وضع الخط مختلفة؛ وذلك لتعليق الخط أو رداءته أو قرمطته، فيلتصق منه ما حقه الاقتراق ويفترق ما حقه الالتصاق، أو لأن لكاتب الأصل اصطلاحا لا يعرفه الناقل أو غير ذلك. ولبيان هذا أثبت هنا بعض الكلمات التي وقع فيها التحريف في نسخ تاريخ البخاري ونبهت عليها في التعليق عليه، التقطتها من التعاليق على القسم الأول من المجلد الأول من التاريخ المطبوع. أذكر أولًا صورة ما وقع في النسخ خطأ في سطر ثم أكتب في السطر الثاني تحت الكلمة ما هو الصواب فيها:

[جدول]

السبب الثالث: أن الخمسة الأحرف الأول من "بثينة" صورة كل منها كما تراه نبرة واحدة، فكثيرا ما تخفى النبرة، وكثيرا ما تترك، وكثيرا ما يُكتفى عنها بمدة بين الحرفين الذي قبلها والذي بعدها؛ فيشتبه: أسد وأسيد، وبسر، وبشير، وجبر وحبير، وحسن وحسين، وسعد وسعيد، وعبد الله وعبيد الله .... وغير ذلك. السبب الرابع: أن الناقل قد يرى بحاشية الأصل أو بين السطور عبارةً فيظنها لَحقا فيدرجها في المتن، أو يراها حاشيةً فيدعها، وقد يخطىء في ظنه يظنها لحقا وهي حاشية أو عكسه، وقد يصيب في ظنه أنها لَحق ولكن يخطىء في موضعها من المتن فيضعها في غير موضعها. السبب الخامس: أن النساخ كثيرًا ما يكررون بعض العبارات وكثيرا ما يسقطون، والغالب أن يكون ذلك عن زيغ النظر من كلمة إلى نظيرتها، ينظر الناسخ أو المملي عليه في الأصل فيأخذ عبارة ثم يصرف نظره عن الأصل فتكتب تلك العبارة في النقل ثم يكر ببصره على الأصل فيقع بصره على كلمة مثل الكلمة التي انتهى إليها في الكتابة فيظنها إياها فيأخذ ما بعدها. وأكثر ما يتفق مثل هذا إذا كانت كلمة في سطر، وبإزائها في السطر الذي يليه نظيرتها، وقد يحتاط بعض النساخ فلا يكتفي بكلمة بل ينظر جملة، ولكن كثيرًا ما يتفق في الأصول إعادة الجملة الواحدة مرارًا، تصفح إن أحببت أوراقا من القسم الأول من المجلد الثالث من كتاب ابن أبي حاتم المطبوع بدائرة المعارف، وتأمل المواضع التي نبه المصحح على سقوطها من أحد الأصلين يتضح لك ما تقدم، وعلى الأخص صفحات 9، 11، 13، 15، 16، 18، 22، 23، 26. فأما التكرار فلم ينبه عليه المصحح، ولكن يمكنك قياسه على الإسقاط؛ لأن سببهما واحد.

السبب السادس: التحريف السمعي، وذلك بما إذا كان الأصل بيد رجل يملي على الناسخ، والناسخ يكتب، فإن كثيرًا من الحروف تتقارب مخارجها بل تتحد في ألسنة بعض الناس، ولا سيما الأعاجم، كالهمزة مع العين ومع القاف، والباء مع الفاء، والتاء مع الدال والطاء، والثاء مع السين والصاد، والجيم مع القاف والكاف، والحاء مع الهاء، وغير ذلك، فقد يُملي المُملي "أطعنا" فيكتبها الناقل "أتانا" وقس على ذلك، وقد يتحد لفظ كلمة بكلمتين، وإنما التمييز بالفصل والوصل، فيملي المملي مثلًا "إن جاز" فيكتبها الناسخ "إنجاز" أو عكسه. وحروف المد تسقط في الوصل، فيتحد لفظ "سمعا القول" و"سمع القول" وكذا "ادعوا القوم" و"ادع القوم" وقس على ذلك. السبب السابع: أن الناسخ أو المُملي عليه قد يتصرف برأيه فيزيد أو ينقص أو يغير. وقع في "لسان الميزان" (3/ 6) في الكلام على سالم بن هلال: "ذكره ابن حبان في الثقات، وقال فيه الناجي: يروي عن أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه روى عنه يحيى بن سعيد القطان". والذي في الثقات (¬1): "سالم بن هلال الناجى، يروي عن أبي الصديق الناجي، روى عنه يحيى بن سعيد القطان". وأبو الصديق الناجى تابعي مشهور اسمه بكر بن عمرو. ووقع في "الميزان" في ترجمة محمد بن عمر الجعابي: "حدث عن أبي حنيفة وابن سماعة وأبي يوسف القاضي". وفي "لسان الميزان" (5/ 323): "حدث عن أبي حنيفة -رضي الله عنه- ومحمد بن الحسن ويوسف القاضي". ¬

_ (¬1) الثقات (4/ 217).

وفي "تذكرة الحفاظ" (3/ 130): "سمع محمد بن الحسن بن سماعة ويوسف بن يعقوب القاضي و ..... وأبا خليفة الجمحي". السبب الثامن: التحريف الذهني. قد تستولي كلمة على فكر الإنسان وتشغله، فإذا حاول أن يملي غيرها أو يكتب سبقت هي إلى لسانه أو قلمه فينطق بها أو يكتبها وهو لا يشعر، وقد جرى لي مثل هذا مرارًا. فهذه الأسباب وغيرها توقع الناسخ في الغلط، فإن لم يقابل الفرع على الأصل بقيت الأغلاط في الفرع، وإن قوبل فالمقابلة تختلف باختلاف درجة المقابلين في العلم والمعرفة والتثبت والاحتياط، ومع ذلك كله فالغالب أنها تبقى أغلاط، وإذا أنت تدبرت الأسباب المتقدمة علمت أنها قد تتفق للمقابل كما تتفق للناسخ، والبرهان على ذلك أننا نجد النسخ القديمة التي قوبلت على أصول المصنفين أو على فروع قوبلت على تلك الأصول، ثم نجد فيها من الأغلاط ما نعلم أنه ليس من المصنف، وإذا أردت عين اليقين فاعمد إلى أصل قديم واستنسخ منه نسخة وكلف رجلين بمقابلتها على الأصل ثم قابلها أنت على الأصل مرة أخرى بالتدقيق التام وانظر النتيجة. هذا والنسخ القديمة بعد نسخها ومقابلتها لا بد أن تكون قد تناقلتها الأيدي وتعاورتها أنظار القارئين والمطالعين، وقد يكون بعضهم تصرف فيها بما يراه إصلاحا وتصحيحا، وقد يخطىء في ذلك، بل وربما يكون قد غيَّر فيها بعض الجهلة أو الخونة. أو لا ترى أنه ليس بين الإثبات والنفي إلا حرف النفي، وقد يسهل زيادته أو حكه ولا يظهر ذلك، بل ربما قلب المعنى زيادة ألف أو نبرة أو نقطة. وقد رأيت من تصرف الجهلة ما وقع في النسخة المحفوظة بخزانة كوبريلى في استانبول تحت رقم [] في الورقة وذلك في ترجمة الإمام أبي حنيفة: وذلك في موضعين،

حاول جاهل أن يطمس ما في الأصل ويكتب محله ما يخالفه، فلم يتم له ذلك، بل بقي ما في الأصل لائحا، ولكن مثل هذا قليل، فقد رأينا عدة من الأصول قد اطلع عليها من ينكر بعض ما فيها، وغاية أمره أن يكتب عليه حاشية يظهر فيها إنكاره لما في الأصل، وهذا إذا تدبرت من آيات الله عز وجل مصداقا لوعده سبحانه بحفظ الذكر، والذكر يتناول السنة إن لم يكن بلفظه فبمعناه، ويلزم من ذلك حفظه كل ما فيه حفظ للشريعة؛ كاللغة وغيرها ولله الحمد. وكأنه لاحتمال تصرف بعض الخونة أو الجهلة كان السلف يحتاطون في شأن الكتب، وفي ترجمة الأوزاعي من "تهذيب التهذيب (¬1) ": "وقال الوليد بن مسلم فيما رواه أبو عوانة في صحيحه: احترقت كتبه (يعني الأوزعي) زمن الرجفة، فأتى رجل بنسخها (يعني بنسخ نقلت من تلك الكتب) وقال له (يعني للأوزاعي): هو إصلاحك بيدك (يعني إن هذه النسخ نقلت من كتبك وقابلتها أنت وأصلحت فيها ما فيه مخالفة) فما عرض لشيء منها حتى مات". يعني إن الأوزاعي: لم يعتد بتلك النسخ ولا روى منها شيئًا، وإنما ذلك لأنها قد بقيت مدة تحت يد غيره ممن لعله لا يعرفه بالثقة، فلم يأمن أن يكون وقع فيها تغيير وإن لم يظهر. هذا حال النسخ الخطية، ثم يجيء دور الطبع، والعادة أنه ينتسخ من الأصل القلمي نسخة تكون مسودة للطبع، ثم تقابل على أصلها، ثم إن وجد أصل آخر قوبلت المسودة عليه، وقد تقابل على أكثر من أصلين، ثم ينظر فيها المصحح، ثم تدفع إلى مركبى الحروف فيركبون كل يوم ثماني صفحات مثلًا ويطبعون عليها التجارب (بروفة)، وترسل التجارب إلى رجلين يقابلانها على المسودة، ويصلحان ¬

_ (¬1) التهذيب (4/ 5).

فيها، ثم يكرانها إلى المركبين فيتتبعون ما أصلحه المصحح في التجارب فيصلحونه في ألواح الحروف، وبعد الإصلاح يطبعون على تلك الألواح تجارب أخرى ويرسلونها إلى المصحح مع التجارب الأولى، فيتتبع المصحح ما أصلحه في التجارب الأولى وينظر أأصلح في الثانية؟ فإن وجد من المواضع ما لم يصلح أصلحه وأعاد التجارب الثانية إلى المركبين فإن كان فيها إصلاح أصلحوه في ألواح الحروف ثم طبعوا عليها تجارب ثالثة وأرسلوها إلى المصحح. والعادة في مطبعتنا أن يعيد المصححون مقابلة هذه الثالثة على المسودة، فإن بقي ما يحتاج إلى الإصلاح أصلحوه ثم ردوا التجارب الثالثة إلى المركبين، فإن وجدوا فيها إصلاحا أصلحوه في ألواح الحروف ثم طبعوا على الألواح تجربة رابعة، ثم بعثوا بها مع التجارب الثالثة إلى المصحح فينظر في التجارب الثالثة يتتبع المواضع التي أُصلحت فيها وينظرها في الرابعة، فإن رأى تلك المواضع قد أصلحت كلها كتب على تلك الكراسة أنه قد تم تصحيحها فترسل إلى المدير فيحكم بالطبع الأخير. وأنت إذا تدبرت ما تقدم في حال النسخ الخطية علمت أن ناسخ المسودة من أحد الأصول لا بد أن يخطىء في مواضع كثيرة، ولا سيما إذا كان قليل العلم، أو كان الأصل المنقول عنه رديء الخط، وتعلم أيضًا أن مقابلة هذه المسودة على أصلها تختلف باختلاف حال المقابلين في العلم والمعرفة والأمانة والتثبت، وأن المقابلة على أصل آخر كذلك، ولا تدري ماذا عسى أن يصنع باختلاف النسخ. ثم يتجه النظر إلى المصحح فترحمه (¬1) لما يكون قد اجتمع من أغلاط النسخ وأغلاط ناسخ المسودة التي لعلها بقيت بعد المقابلة، ثم تشفق على الكتاب أن يكون ¬

_ (¬1) في المطبوع: "فترجمه" كذا!.

المصحح ناقص المعرفة، ولا سيما إذا كان مع ذلك عريض الدعوى أو ضعيف الأمانة أو لم يُدفع له المعارضة الكافية، أو لم يُفسح له الوقت الكافي، ثم تلتفت إلى ما عسى أن يصنعه المركبون، كيف تكون مقابلة التجارب على المسودة. والحاصل أنه كما يُرجى أن يجيء المطبوع أصح وأَوْلى بالثقة من جميع الأصول الخطيف وأنه يُخشى أن يكون أردأ أو أكثر أغلاطا من أصلٍ واحدٍ منها. وقد جربت هذا، نظرت في بعض الكتب المطبوعة فهالني ما فيه من كثرة الأغلاط، ثم ظفرت بالأصل الخطي الذي طبع عنه ذاك الكتاب فإذا هو بريء من كثير مما في المطبوع من الأغلاط، إن لم أقل من أكثرها. فإذا أراد المتصدي لطبع الكتب القديمة السلامة من مثل هذا، والحصول على الغاية المنشودة من خدمة العلم وحسن السمعة ورواج المطبوعات فما عليه إلا أن يتبع النظام الآتي إن شاء الله تعالى. * * *

الباب الأول: في الأعمال التي قبل التصحيح العلمي

الباب الأول: في الأعمال التي قبل التصحيح العلمي العمل الأول: انتخاب كتاب للطبع أغراض الناس في طبع الكتب القديمة مختلفة، فالتاجر يؤثر الربح، ومن كان من ذرية مؤلف أو قبيلته (وما إلى ذلك) همه أن يطبع كتب ذاك المؤلف، والمغرم بفن من الفنون يرجح كتب فنه. وقد تكون من ملك الرجل نسخة من كتاب فيدعو إلى طبعه لتشترى (منه) النسخة بثمن غال، ومن كان له غرض من هذه الأغراض يسعى في حمل غيره على مساعدته، فينبغي عند انتخاب الكتب للطبع الرجوع إلى هيئة علمية من كبار العلماء المتفننين. وحبذا لو أن الأزهر بمصر يقوم بهذه المهمة العظمى، وذلك بالإيعاز لجمع فهرس عام للكتب المهمة التي لم تطبع، وبيان موضعها من مكاتب العالم مع ما تيسر من وصف النسخ، ثم يُعرض على هيئة كبار العلماء لترتيبها على مراتب في الأهمية واستحقاق تقديم الطبع. ثم يُنشر الفهرس مرتبا ذاك الترتيب، ويقدم إلى الراغبين في طبع الكتب أن يجروا على حسب ذلك، ثم كل من أراد طبع كتاب كان عليه أن يراجع الهيئة لتقيّد اسمه عندها وتعرفه بما يلزم؛ مثل إبلاغه أن غيره قد التزم طبع الكتاب أو تنبيهه على اطلاع الهيئة على نسخة أو أكثر زيادة على ما في الفهرس، وغير ذلك. وبهذا يأمن الراغبون في الطبع من الخطأ في الانتخاب، ومن الغلط في ظن أن الكتاب لم يطبع، يعرفونه مواضع النسخ، وفي ذلك مصلحة للعلم وأهله ولأصحاب المطابع، ويمكن توسيع دائرة التعاون إلى حد بعيد.

العمل الثاني: انتخاب نسخة للنقل

هذا وينبغي أنه يراعى في الانتخاب أمور: 1 - أن يكون الكتاب عظيم النفع كثير الفائدة يرجى لنشره أثر عظيم في إحياء العلم ونشره، ومن لازم ذلك أن لا يكون قد طبع ونشر كتاب يغني عنه. 2 - أن يقدم الأهم فالأهم. 3 - أن يكون في متناول ملتزم الطبع من نسخ الكتاب القلمية نسختان جيدتان على الأقل، اللهم إلا الكتب العزيزة التي لا توجد منها إلا نسخة واحدة في العالم. 4 - أن يكون الملتزم مستعدا لبذل النفقات التي يقتضيها أداء الواجب في استحضار النسخ وتصحيحه كما ينبغي وغير ذلك، فإن من الناس من يتصدى لطبع بعض الكتب المهمة فيشرع في العمل ثم يقعد به ضيق ذات اليد أو النفس عن توفية ما يجب، فيطبع الكتاب على هيئة يضج منها الكتاب والعلم وأهله. العمل الثاني: انتخاب نسخة للنقل العادة أن تنتسخ من بعض الأصول القلمية نسخة تكون مسودةً للتصحيح فالطبع، فقد تنتسخ المسودة من نسخة رديئة فيؤدي ذلك إلى كثرة العمل وصعوبته فيما بعد ذلك من المقابلة على النسخ الأخرى والتصحيح، وقد يؤدي إلى ما هو أشد ضررا، فينبغي أن تكون النسخة التي تنتسخ منها المسودة: 1 - واضحة الخط. 2 - سليمة من الخروم والبياضات ما أمكن. 3 - جيدة الصحة. وإنما يوثق بهذا بأن يتصفحها عالم عارف بالفن خبيرا بأعمال الطباعة.

العمل الثالث: انتخاب ناسخ للمسودة

العمل الثالث: انتخاب ناسخ للمسودة ينبغي أن يكون: 1 - واضح الخط. 2 - موثوقا بأمانته. 3 - مشاركا في العلم وعلى الأخص في فن الكتاب. 4 - يسهل عليه قراءة الأصل الذي ينقل منه على الصحة. 5 - إذا كان مستأجرا فينبغي أن يسمح له بالأجرة الكافية والوقت الكافي؛ فإن قلة الأجرة يحمل على التهاون، وضيق الوقت يحمل على الاستعجال وهو مظنة الإخلال. العمل الرابع: نسخ المسودة يلزم الناسخ أمور: 1 - أن يدع في الحواشي وبين السطور بياضا كافيًا يسع التخاريج والإلحاق وغيرها، وينبغي أن يراجع المصحح في مقدار ذلك. 2 - أن تكون الكتابة واضحة مفصلة يؤمن فيها الاشتباه، فقد يشتبه حرف بآخر وعلامة بغيرها، والنقط بالعلامة والنقطة بالنقطتين، ويقع الاشتباه في موضع بعض الحروف والنقاط أو العلامات، فعليه أن يتوقى ذلك.

3 - ليكن همُّه النقل على الوجه، فلا يزيد شيئًا باجتهاده، ولا ينقصه ولا يغيره، حتى الشكل والنقط والعلامات؛ مثل كلمة التصويب (صح) والتضبيب، وهو علامة الشك (صـ)، وعلامة الإهمال، وعلامة تمام الجملة، وعلامة التقديم والتأخير، وعلامة النفي (لا - إلى) وعلامات اختلاف النسخ وغير ذلك. 4 - لا يوضح مشتبها، بل إن تيسر له أن يصور كما في الأصل فليفعل، وإلا فليدع بياضا. 5 - إذا وجد في الأصل كلمة أو عبارة مضروبا عليها فليثبتها، ولينبه في الحاشية على أنها مضروب عليها في الأصل، وكذلك إذا رأى حَكًّا أو مَحْوًا وتغييرا نبه عليه في الحاشية، وكذلك إذا ارتاب في كلمة أو جملة يَخشى أن تكون بخط غير خط الأصل فلينبه عليها أيضًا. 6 - إذا وجد زيادةً بين السطور أو بالهامش فلا يدرجها في الأصل، بل يثبتها في مثل موضعها، وينبه بالحاشية على أنها كذلك في الأصل، اللهم إلا أن يثق بأنها لَحَقٌ صحيح؛ كأن تكون بخط كاتب الأصل بلا ريب وبعدها "صح أصل" أو نحوها، وعلامة موضع الإلحاق من الأصل واضحة. 7 - ينبغي أن يكون نقله من الأصل مباشرة، فإن إملاء إنسان وكتابة آخر يُخشى منه الخطأ السمعي الذي تقدم بيانه في المقدمة في السبب السادس، ويُخشى منه غير ذلك كما يأتي في العمل الخامس. 8 - مَرَّ في المقدمة في السبب الخامس ما يُخشى على الناظر في الأصل -سواءا كان الناسخ أو المملي- من الخطأ، فينبغي أن يكون للناظر علامة يُؤمن من تحولها عن موضعها بدون إرادته، وحبذا لو اتخذ مسطرة هكذا L يكون طولها بمقدار عرض ورقة الأصل، وتكون معها صفيحة بطولها تضم إليها بلولب في الطرف، فتدخل الصفيحة تحت الصفحة التي يراد نقلها، والمسطرة فوقها، فتكون

المسطرة أسفل من السطر الذي ينتهي إليه، وطرفها المنتصب عقب الكلمة التي ينتهي إليها فيما يتحفظه الناسخ ليكتبه، وهكذا تحول بعد كل نظرة. 9 - إن اشتبه على الناسخ الموضع الذي انتهى إليه من الأصل فلا ينبغي أن يكتفي بأن يرى في الأصل مثل الكلمة الأخيرة التي هي آخر ما كتبه، بل ولا الجملة، فإن مثل ذلك قد يقع في موضعين أو أكثر من الكلام، بل يستظهر بمقابلة سطر أو سطرين أو أكثر. 10 - إذا انتهى وقت الكتابة وأراد أن يطوي الأصل ثم يعود في الوقت الثاني للكتابة، فالأَوْلَى أن يدع المسطرة بحالها، ويحفظ الأصل في موضع يأمن فيه من تحول المسطرة عن موضعها، أو يعد سطور صفحة الأصل ويفيد في مذكرته السطر الذي انتهى إليه مع رقم الصفحة وتاريخ اليوم والوقت، فإن لم يكن الأصل برقم الصفحات وضع ورقة خاصة يكتب فيها ما ذُكر من عدد السطر والتاريخ ووضع الأصل في موضع يأمن فيه من ضياع تلك العلامة أو سقوطها أو تحويلها. 11 - كثيرًا ما تسقط من النسخ أوراق، أو يقع في الأوراق تقديم وتأخير، أو تلتصق ورقة بأخرى، فينبغي للناسخ أن لا ينتقل من صفحة بلى أخرى حتى يثق بأنها هي التي تليها، فإن اتضح له عدم الاتصال بدأ فتصفح أوراق الكتاب، فإن تبين له بيانًا واضحًا أن في الأوراق تقديما وتأخيرا راجع المصحح أو رجلًا آخر من أهل العلم ويعمل بقوله، ويشرح ذلك في هامش النقل، وإن بأن له أن بعض الأوراق سقطت راجع ملتزم الطبع. فإن أمره بمواصلة الكتابة عمل بذلك وبيَّن في موضع السقط من هامش النقل أن هناك سقطا ببعضها وإن لم يتبين له شيء، وشك في الاتصال وعدمه راجع المصحح أو رجلًا آخر من أهل العلم، وأولى من هذا كله أن يبدأ المصحح أو رجل من أهل العلم

العمل الخامس: مقابلة المسودة على الأصل

بتصفح النسخة قبل النسخ، فإن وجدها متصلة الأوراق لا سقط فيها ولا تقديم وتأخير، فذاك، وإلا أرشد الناسخ إلى ما يلزم. ولا يكتفي لمعرفة الاتصال بمطابقة الترك، وهو تكملة وتكتب على طرف آخر الورقة لأول الورقة التي تليها فإنه يتفق قدر الترك في ورقة مع أول ورقة أخرى غير التي حقها أن تليها، وربما سقط بعض الأوراق، أو يقع تقديم وتأخير، فيجيء مالك النسخة التي يريد بيعها فيكتب على طرف آخر الورقة مثل الكلمة في أول الورقة التي تليها في تلك النسخة إما جهلًا وإما غشا، وكذلك لا يكتفي بتسلسل الأرقام، فإنه قد يقع الغلط فيها والاشتباه، وقد تكون كتابتها حديثة بعد وقوع السقط أو التقديم والتأخير إما جهلًا وإما غشا، بل الدليل القوي اتصال الكلام وتسلسل العبارة، وأقوى من ذلك مراجعة نسخة أخرى. 12 - ينبغي للناسخ أن يبين في النقل مبادىء الصفحات [] (¬1) ومن تبعهم يلتزمون بيان ذلك في المطبوع وإن تعددت النسخ وهو جيد. العمل الخامس: مقابلة المسودة على الأصل والمقصود منه تتميم العمل الرابع، ومع ذلك فليس بالأمر الهين فينبغي: 1 - أن يكون كل من المقابلين من أهل العلم والأمانة والتيقظ. 2 - أن يكون الذي بيده الأصل عارفًا بالخطوط القديمة واصطلاحاتها لا سيما خط الأصل. 3 - أن يكونا ممارسين متيقظين لأسباب الغلط، وقد مرت في المقدمة (ص 4). ¬

_ (¬1) في الأصل بياض.

4 - ليرفع القارىء صوته ويرتل القراءة، ويُحسن الآخر الإصغاء، ولا يشتغل واحد منهما بشيء غير المقابلة. 5 - ليكن بيد كل منهما عُودا ونحوه يقتص به المقروء كلمة كلمة، بل الأحؤط استعمال كل منهما المسطرة المار وصفها في العمل الرابع (ص 20)، فإن وقفا احتاطا لموضع الوقف بنحو ما مر في العمل الرابع (ص 21). 6 - ليستفهم السامع صاحبه إذا خفي عليه شيء ويستعيده إذا اشتبه عليه الموضع الذي انتهى إليه، ولا ينبغي لهما ولا لأحدهما استثقال ذلك، فإن كان أحدهما متكاسلًا أو متشاغلا فأهمل الاحتياط أو أكثر من الاستفهام والاستعادة حتى عظمت المشقة على صاحبه وجب وقف العمل، وليحذرا كل الحذر من التساهل، وإن كان الغالب في النقل الصحة فإن من عقوبة المتساهل أن يوافق تساهله مواضع الغلط. 7 - ليحذر كل منهما من أن ينطق بغير ما في الكتاب، فإن دعته حاجة احتاط كل الاحتياط بحيث يستيقن أنه لا يمكن أن يشتبه الأمر على صاحبه. 8 - ينبغي أن يحتاط الذي بيده النقل في الإصلاح والإلحاق وإخراج الزائد، فيتحرى البيان الواضح في ذلك بحيث يؤمن الاشتباه فيما بعد. 9 - ليستحضر الذي يكون بيده الأصل ما تقدم في العمل الرابع في فرع 3 و 4 و 5 و 6 ص 19. تقدم أن على الناسخ أن لا يزيد ولا ينقص ولا يغير حتى الشكل والعلامات، ولا يحاول إيضاح مشتبه، وكثيرا ما يخالف الناسخ في ذلك ولا تنكشف مخالفته للمقابلين إذا لم يتيقظا ويدققا، وكذلك بقية ما تقدم. وكما أن زلل الناسخ قد لا تكشفه المقابلة إذا لم يبالغ في الاحتياط فيها فكذلك زلل المقابلة بالتساهل لا ينكشف للمصحح إلا أن يعود فيقابل مرة أخرى، فيجب لإتقان العمل أن يحتاط في كل عمل من الأعمال.

10 - إذا رأى الذي بيده النقل اشتباها ما في كلمة أو حرف أو نقط أو شكل أو علامة فعليه أن يوضحه إيضاحا بينا بحيث يؤمن من اشتباهه بعد ذلك، وكذلك يتحرى الإيضاح البين في كل ما يلحقه أو يصلحه. 11 - السماح للمقابلين بالتغيير الإصلاحي؛ كنقط ما لم ينقط في الأصل وحقه النقط يخشى منه أن يخطئا فيه، ومنعهما من ذلك يؤدي إلى صعوبة. المقابلة أو التقصير فيها، وذلك أن الناسخ قد يكون تصرف تصرفا لا يظهر للمقابلين بقراءة أحدهما؛ كأن زاد أو نقص نقطا أو شكلا في موضع صالح لذلك إذ فصل ما هو موصول في الأصل أو عكسه ونحو ذلك. راجع أسباب الغلط في المقدمة. فالأَوْلى السماح لهما بما يتبين لهما صوابه بعد أن يكونا من العلم والمعرفة والتحري والممارسة بحيث يندر خطؤهما، وليحتاطا مع ذلك جهدهما، ثم يكون الأصل أمام المصحح العلمي وقت التصحيح، وليكثر من مراجعته حتى كأنه يقابل عليه مرة أخرى. تنبيه: قد يُكتفى من المقابلة بأن يقابل رجل واحد مع نفسه، وهذا وإن كان أحوط من بعض الجهات، فإنه مظنة التساهل والتسامح المؤدي إلى إخلال شديد؛ لأن ما فيه من كثرة التعب يهوِّن على النفس التسامح، نعم إذا وقعت المقابلة بين رجلين ثم قابل رجل مع نفسه لمزيد التثبت فحسن. وإذا ابتدأ رجل فقابل مع نفسه أو كانت المقابلة بين اثنتين ولكن على وجه لا يوثق به كأن كان أحدهما أو كلاهما ممن لا يوثق بعلمه أو بتحريه واحتياطه وجب إعادتها على الوجه الموثوق به.

العمل السادس: مقابلة المسودة أصل آخر فأكثر

العمل السادس: مقابلة المسودة أصل آخر فأكثر المقصود من هذا العمل تقييد اختلافات النسخ في المسودة لتكون المسودة جامعة لما في تلك النسخ، ثم يتصرف فيها المصحح بما يقتضيه التصحيح كما يأتي في بابه إن شاء الله تعالى، فيأتي هنا عامة ما تقدم في العمل السابق. ولابد أن يكون المقابلان من أهل العلم والمعرفة والممارسة ولا سيما لفن الكتاب، وأن يستحضروا أسباب الغلط التي مرت في المقدمة، ويحرص كل منهما على فهم عبارة الكتاب كما يجب، فإن ذلك منبهة على الغلط، وبالتنبيه للغلط يستعان على تبيين اختلاف النسخ الاختلاف الذي لا يظهر بالنطق، إما لتماثل الصورتين في النطق مثل "منوال" و"من وال" و"ادع الله" و"ادعوا الله"، وإما لاشتباهما لتقارب مخارج الحروف، وإما لإسراع القارىء في القراءة أو تسامح الناظر في تحقيق الاستماع وتحقيق النظر. وبالجملة فالمدار على جودة المعرفة وطول الممارسة وصدق التثبت والحرص على الوفاء بالمقصود، فإذا اختل شيء من ذلك في المقابلين أو أحدهما لم يوثق بالمقابلة، وإذا توفرت الشروط فالأَوْلى السماح لهما باطراح الاختلافات التي يتضح لهما جدًّا أنه لا فائدة في التنبيه عليها؛ إذ لو كُلفا إثباتها زادت المشقة وأبطأ العمل وكثر السواد في المسودة فيعسر الطبع عليها، وليحتاطا في ذلك جهدهما. * * *

الباب الثاني: تصحيح الكتاب

الباب الثاني: تصحيح الكتاب يطلق التصحيح على عملين: الأول: تصحيح الكتاب التصحيح العلمي بنفي ما في الأصل أو الأصول من الخطأ وترتيب مسودة صحيحة. الثاني: تصحيح الطبع بنفي ما يقع في تركيب حروف الطبع من الخطأ المخالف لما في المسودة، وتطبيق المطبوع على المسودة المصححة، وقد يخلط هذان العملان بأن لا تكون هناك مسودة مصححة بل يحاول القائمان بتصحيح الطبع أن يقوما بالتصحيح العلمي حال تصحيح الطبع، وهذا تهويش لا يصلح لوجوه، منها: أن التصحيح العلمي يستدعي التثبت والمراجعة، فمقدار العمل غير معين، فقد لا يمكن المصحح أن يصحح في اليوم إلا صفحة واحدة، ومثل هذا لا يتأتى وقت الطبع؛ لأنه لابد وقت الطبع من تقدير العمل بثماني صفحات في اليوم أو أكثر؛ لئلا يبقى عمال المطبعة بغير عمل. ومنها: أنه كثيرا ما يمر المصحح بالخطأ ولا يتنبه له أو لا يهتدي لصوابه ثم يرد عليه في الكتابه نفسه أو فيما يراجعه بعد ذلك ما يرشده إلى الصواب، فالمصحح في المسودة إذا وقع لي مثل هذا عاد فأصلح ما تركه، ولا يمكن هذا في التصحيح وقت الطبع لأن الكراسة التي تقدم فيها الخطأ تكون قد طبعت وفرغ منها. ومنها: أنه يكثر لأجل التصحيح التغيير والإصلاح وتعليق الحواشي، وهذا إذا تجدد وقت الطبع شق على مركبي الحروف واستدعى وقتا زائدا، فلا يمكن مع الوفاء به توفية المقدار المقرر للطبع، وربما يشتغل المصحح بالتصحيح ويشتغل

الطابعون بالطبع، فكلما فرغ من كراسة سلمها إليهم للطبع، وهذا أقرب من الذي قبله، ولكنه ليس بجيد؛ لأن فيه تضييق الوقت على المصحح إذ يلزمه أن يصحح كل يوم المقدار الذي يكفي للطبع في اليوم الثاني مثلًا، وهذا لا يتأتى له مع الوفاء بحق التصحيح إذ قد لا يمكنه أن يتقن في اليوم إلا تصحيح صفحة واحدة. فالصواب أن لا يشرع في طبع الكتاب حتى يتم تصحيحه أو على الأقل تصحيح قطعة كبيرة منه يغلب على الظن أن الطابعين لا يفرغون من طبعها حتى يفرغ المصحح من بقية الكتاب أو قطعة أخرى كبيرة منه على الأقل. هذا وقد اصطلح المصريون أخيرا على تسمية التصحيح العلمي "تحقيقا" تمييزًا له عن التصحيح الطباعي، وإلا وضح التمييز بالصفة كما ترى، وهذا الباب معقود للتصحيح العلمي كما علمت وفيه مباحث. المبحث الأول: في الحاجة إليه: هاهنا آراء، الأول: يرى بعض الناس أن الكتب القديمة التي لم تطبع إذا وجدت منها نسخة قديمة جيدة في الجملة كفى في إحياء الكتاب ونشره أن يطبق المطبوع على تلك النسخة؛ لأن المهم إنما هو تدارك ذاك الكتاب، فإذا طبق المطبوع على تلك النسخة ثم طبع منه ألف نسخة فكأنه قد حصل من أمثال تلك النسخة ألف نسخة، وكل من وقع له نسخة من المطبوع كأنه وقعت له تلك النسخة القلمية نفسها. وقد طبع المستشرقون أنساب السمعاني بالزنكوغراف ونشروه، فانتفع الناس به وراجت نسخه على غلاء ثمنها مع ما فيه من الأغلاط الكثيرة. وفي هذا الصنيع تقليل للعمل وتوفير للنفقات؛ وذلك مما يرغب ملتزمي الطبع في طبعها، فيسهل اقتناؤها على الراغبن مع الوفاء بالأمانة كما ينبغي، فإن كان هناك في الأصل أغلاط فكل عالم تقع له نسخة من المطبوع يصحح لنفسه.

أقول: أما إذا كان الطبع بالزنكوغراف كما طبع أنساب السمعاني فإن الأمر كما وصف؛ لأن في هذا الصنيع مفسدة؛ وهي أن الباعث على طبع الكتب القديمة أحد أمرين، إما طلب الربح وهو الغالب، وإما الرغبة في نشر ذاك الكتاب خدمة للعلم، أو إظهارا لفضل مؤلفه أو غير ذلك. فإذا طبع الكتاب مرة ضعفت الرغبة في طبعة مرة أخرى. أما طالب الربح فإنه لا يرجو ربحا في الطبع مرة أخرى؛ لأنه يرى أن أكثر الراغبين في اقتناء الكتاب قد استغنوا بالطبعة الأولى. وأما الراغب في نشر الكتاب فإنه يرى أنه قد انتشر بالطبعة الأولى. فطبع الكتاب من شأنه أن يحرم أهل العلم بقية نسخه الصحيحة إلى أمد طويل على الأقل كما هو الشأن في أنساب السمعاني، فإن نسخه القلمية موجودة في مكاتب العالم ولم تتجه الرغبات إلى طبعه بعد تلك الطبعة إلى الآن مع حاجة كثير من أهل العلم إلى ذلك لما يجدونه في تلك الطبعة من النقص والخلل. نعم إذا كانت النسخة القلمية المطبوع عنها بغاية الجودة والصحة فالطبع عنها بالزنكوغراف وافٍ بالمقصود، بل هو أولي من الطبع عنها وعن غيرها بالحروف؛ لأن الطبع بالحروف لا تخلو من تصرف النساخ والمصححين والمركبين فلا يوثق كل الوثوق بمطابقته للأصل القلمي الموثوق به كما يوثق بمطابقة المطبوع بالزنكوغراف. أما إذا كان الطبع بالحروف على هذا الرأي ففيه مع المفسدة المذكورة مفسدة أكبر؛ وهي أنه لا يمكن فيه تطبيق المطبوع على الأصل القلمي لوجوهٍ، منها: أن من الحروف ما تتحد صورها وإنما يميز بينها النقط كما مر تفصيله في المقدمة، والأصول القلمية كثيرًا ما يهمل فيها النقط، ولا يمكن تطبيق ذلك في الطبع بالحروف كما إذا وقعت في الأصل كلمة "مفيد" بلا نقط، واحتملت أن يكون "مفيد" أو "مفند" أو "مفتد" أو "مقيد" أو "مقيد" أو غير ذلك، فكيف تطبع؟

ومنها: أنه قد يقع الاشتباه في النسخة في موضع النقط فيحتمل أن يكون على هذا الحرف أو الذي يليه في السطر الأسفل، وهذا لا يتأتى تصويره في الطبع بالحروف. ومنها أنه قد تشتبه النقطتان بالفتحة أو الكسرة وتشتبه كل من (ب ت ث ن ي) في الابتداء بالميم، وأحدها يليه ميم في الابتداء بالعين والغين، وأحدها في الأثناء، وكذا العين والغين بالفاء والقاف، تشتبه الزاي بالنون، والدال بالراء والزاي، وتشتبه الفاء والقاف مفردتين أو في الأخير بالنون، إلى غير ذلك مما يكثر جدًّا، فلا يتأتى التطبيق في الطبع بالحروف. فإن قيل يترك في المطبوع في مواضع الاشتباه بياض، أو يطبع كما اتفق وينبه في الحاشية على الواقع ويشرح فيه بالعبارة الصورة التي وقعت في الأصل حتى كأنها مشاهدة، فيدفعه أنه قد يكثر في النسخة الاشتباه فتكثر هذه الحواشي وتزيد نفقات الطبع، على أن بعض الكلمات المشتبهة تحتاج في شرح صورتها بالعبارة إلى أسطر، وقد يقع الاشتباه على وجه لا يمكن بيانه بالعبارة، وإن قيل أما هذه المواضع فيبحث فيها عن الصواب وتثبت في المطبوع على الصواب، فقد رجعتم إلى التصحيح العلمي. والغالب أن ملتزم الطبع الذي عزم على طبع الكتاب بمجرد التطبيق على الأصل إنما يكل العمل إلى من تقل أجرته، والغالب أنه لا يكون أهلًا للتصحيح العلمي فيخبط خبط عشواء. فإن كان أهلًا للتصحيح فلماذا لا يكلف التصحيح الكامل فتتم الفائدة وتحسن سمعة المطبعة ويوفي بحق العلم. ومن المفاسد أن من عادة المطبوعات التصحيح في الجملة، فالعالم إذا رأى المطبوع ظن أنه مصحح فاعتمد عليه، ولا كذلك في النسخ، على أنه أنما اقتصر فيه على التطبيق على النسخة.

قلت: كفى بهذا حَطًّا لقيمة المطبوع وتزهيدا للناس فيه، ولهذا لا تجد مطبوعًا إلا ويدعي طابعه أنه اعتنى بتصحيحه وبالغ، رغما عن أن كثيرا منها مشحون بالأغلاط، وهذه الطبعة الأولى من تفسير ابن جرير بمطبعة الميمنية بمصر، فتثبت في طرة كل من أجزائها الثلاثين بعد ذكر أن الكتاب طبع عن نسختين: (وقد بذلنا الطاقة في تصحيحها ومراجعة ما يحتاج إلى المراجعة من مظانه الموثوق بترجيحها مع عناية جمع من أفاضل علماء مصر بالتصحيح تذكر أسماؤهم في آخر الكتاب). ولم أر في آخر الكتاب اسم أحد من العلماء إلا مصححه محمد الزهري الغمراوي. فكأن هذا الرجل هو القائل "قد بذلنا ... " وهو نفسه الجمع من علماء مصر، وما زعمه من مراجعة المظان لا يكاد يظهر له أثر في الكتاب على طوله، وكذلك المقابلة على نسختين، فإن المطبوع مشحون بالأغلاط، وكثير منها جدًّا يبعد أن يتفق عليه أصلان، وكثير منها جدًّا يمكن تصحيحه بأدنى مراجعة للمظان والله المستعان. بل إن في المطبوعات الحديثة بمصر ما يقارب هذا. ومن المفاسد أن يكثر في الأصول القلمية الأغلاط الواضحة، فإن قيل: يطبع كذلك، كان ذلك مما يرغب الناس عن المطبوع وشيء سمعة المطبعة جدًّا، وإن قيل: أما هذا فيصحح، فقد رجعتم إلى التصحيح، ثم إن كان الموكول إليه ذلك أهلًا للتصحيح فلماذا لا يكلف التصحيح الكامل، وإن لم يكن أهلًا كان في ذلك مفسدة أعظم؛ فإن القاصر يحسب كثيرًا من الصواب خطأ واضحا كما يعرفه من ابتلي بالتصحيح من أهل العلم مع هذا الضرب، فالإذن للقاصر بتصحيح ما يراه خطأ واضحًا نتيجته أن يضاف في المطبوع أغلاط كثيرة إلى أكثر أغلاط الأصل القلمي مع إيهام أنها فيه.

الرأي الثاني: يظهر من تصفح كثير من الكتب المطبوعة أن طابعيها يرون قريبًا من الرأي الأول، إلا أنهم لا يقدمون على طبع كتاب حتى تحصل لهم نسختان فأكثر، فتجعل واحدة أصلًا، وينبه في الحواشي على مخالفات الأخرى. وهذا الرأي في معنى الأول، إلا أنه يخف فساده إذا كانت النسختان أو النسخ كلها واضحة الخط جيدة الصحة، وجعلت الأجود أصلًا، لكن الجودة الموثوق بها في النسخ القلمية عزيزة، ومع ذلك فعند الاختلاف قد يتفق أن يثبت الخطأ في المتن والصواب في الحاشية وهو خلاف ما ينبغي، وقد يسأم المصحح من كثرة الاختلاف فيغفل كثيرًا منه، وملتزم الطبع قد يحض على تقليل الحواشي لتخف النفقات، والغالب أن يوكل إلى المصحح أن يقتصر على إثبات الاختلافات المهمة، فإن لم يكن أهلًا للتصحيح العلمي خبط خبط عشواء فكثيرا ما يثبت في المطبوع الأغلاط الفاحشة ويكون الصواب في بعض النسخ القلمية ولكنه أغفله لتوهمه أنه هو الخطأ. الرأي الثالث: كالذي قبله، إلا أنه يزيد بمراجعة كثير من المظان من الكتب الأخرى، وينبه على الاختلافات، والحال في هذا كالذي قبله. الرأي الرابع: يظهر من تصفح كثير من المطبوعات أنه اعتمد فيها التصحيح العلمي إلا أن مصححيها أغفلوا التنبيه على ما خالفوا فيه الأصل أو بعض الأصول واقتصروا على إثبات ما رأوه الصواب، وفي هذا خلل من جهات:

الأولى: أننا نقطع أن مصححي تلك الكتب لم يكن عندهم دليل على صحة جميع ما أثبتوه في المطبوع، بل لا بد أن يكونوا أثبتوا كثيرًا لأنه كذلك في الأصل أو الأصلين فأكثر ولم يقم عندهم دليل على خطأه، فعلى هذا لا يتميز للناظر في المطبوع ما كان ثابتًا في الأصول مما كان الثابت فيها خلافه، ولكن المصحح قضى عليه بأنه خطأ، وإذا لم يتميز ذا من ذاك ضعفت الثقة بالمطبوع، فإنها إذا اختلفت الكتب القلمية في كلمة مثلًا ولم نظفر بدليل كان الراجح ما في الأكثر، والنسخة القلمية أرجح عند العالم من مطبوعة هذا الطبع؛ لأن من شأن النساخ اتباع الأصول، ومن شأن المصححين التصرف، وإذا لم يشتهر المصحح بسعة العلم والضبط والتثبت لم يوثق برأيه. ويزيد الاعتماد على ما طبع هذا الطبع ضعفا أن العالم يجد فيه غير قليل من الأغلاط، وبعضها مما يبعد توارد النسخ عليه، بل لقد يظهر في بعضها أنه لم يكن في أصل قلمي قديم، وهذا يدل على أن المصحح ليس بالصفة التي تسوغ أن يعتمد عليه. الجهة الثانية: أنه يمتنع عادة أن لا تختلف النسخ، وإذا اختلفت فيمتنع عادة أن يتبين الصواب للمصحح في جميع المواضع بيانًا واضحًا يسوغ له أن يهمل معه التنبيه على الخلاف، بل لا بد أن يتردد في مواضع ويترجح لديه أحد الوجهين أو الأوجه في بعض المواضع رجحانا ضعيفًا، وفي هذين يجب التنبيه على الخلاف، فإذا لم يوجد بهامش المطبوع عن أصلين فأكثر شيء من التنبيه على اختلاف النسخ، أو وجد قليلًا جدًّا ظهر أن مصححيه أهملوا هذا الواجب.

الجهة الثالثة: أن في طبع الكتاب ونشره إتلافا لأكثر نسخة القلمية؛ لأن الناس يستغنون بالمطبوع، فتنزل قيمة النسخ القلمية جدًّا، فيضعف الاعتناء بحفظها، فيسرع إليها التلف، ويتلف معها كثير من الفوائد التي أهملت في المطبوع، فمن الحق على من يتعاطى طبع كتاب أن يحرص على جميع نسخه الجيدة واستيفاء ما فيها مما يحتمل أن يكون له فائدة، من ذلك أكثر الاختلافات بينها. * * *

الرأي المختار

الرأي المختار تصحيح الكتاب معناه جعله صحيحا، ولصحة المطبوع ثلاثة اعتبارات: الأول: مطابقته لما في الأصل القلمي فأكثر. الثاني: مطابقة ما فيه لما عند المؤلف. الثالث: مطابقة ما فيه للواقع في نفس الأمر. مثال ذلك: اسم "عرابي" بن معاوية، صححوا أنه بعين وراء، وأن البخاري ذكره بغين معجمة وراء، فإذا وقع في أصل قلمي من تاريخ البخاري مثلًا بعين مهملة وزاي، فإن أُثبت في المطبوع كذلك ساغ أن يقال أنه صحيح بالنظر إلى مطابقته للأصل القلمي، لكنه خطأ بالنظر إلى ما عند المؤلف، وبالنظر إلى ما في نفس الأمر، وإن أُثبت بعين مهملة وراء كان صحيحًا بالنظر إلى ما في نفس الأمر، لكنه مخالف لما في الأصل، ولما عند المؤلف، وإن أُثبت بغين معجمة وراء صح أن يقال أنه صحيح بالنظر لما عند المؤلف، لكنه مخالف لما في الأصل وخطأ في نفس الأمر. وإذا ثبت في المطبوع على أحد الأوجه الثلاثة ولم ينبه على خلاف ذلك كان الظاهر أنه كذلك في الأصل القلمي وكذلك هو عند المؤلف وكذلك هو في نفس الأمر، فيكون ذلك خطأ وكذبا من وجهين. فالتصحيح العلمي حقه مراعاة الأوجه الثلاثة بأن يثبت الاسم في الأصل على أحد الأوجه وينبه في الحاشية على الوجهين الأخيرين، والصواب في هذا المثال أن يثبت الاسم في المطبوع بالغين المعجمة والراء؛ لأن الكتاب كتاب البخاري، والمقصود فيه نقل كلامه بأمانته، وأهل العلم ينقلون عن الكتاب، فيقول أحدهم: قال البخاري في التاريخ " ... " فيسوق العبارة كما يجدها في المطبوع.

ثم لينبه في الحاشية على الوجهين الأخيرين؛ كأن يقول: "هكذا يقوله البخاري بدليل " ... " ووقع في الأصل "عرابي" وقال فلان " ... " فيذكر ما صححه أهل العلم من أنه "عرابي" بالعين المهملة والراء. فإذا لم يعرف ما عند المؤلف فالظاهر أنه موافق لما في نفس الأمر، وإذا لم يعرف ما في نفس الأمر فالظاهر أن ما في الأصل القلمي موافق لهما، لكن ليس للمصحح أن يستغني بهذا الظاهر عن البحث والتنقيب، فإن اختلفت الأصول رجح بالكثرة والجودة والقياس، وينبه على الوجه الآخر في الحاشية، مع بيان وجه الترجيح إن لم يكن ظاهرًا. وقريب من اختلاف الأصول أن تقع الكلمة في أصل الكتاب على وجه وفي كتاب آخر فأكثر على خلافه، لكن الأَوْلى في هذا أن يثبت في متن المطبوع ما في أصل الكتاب، وينبه على ما خالفه في الحاشية، اللهم إلا أن يترجح عنده رجحانا بينا أن ما في الأصل من خطأ النساخ، فحينئذ يثبت في متن المطبوع ما تبين له أنه الصواب، وينبه في الحاشية على ما وقع في الأصل مع بيان وجه ضعفه إن لم يكن ظاهرًا. وحيث وقع في الأصل على وجه وفي كتاب آخر فأكثر على خلافه وترجح عند المصحح ما في الأصل فإنه يتبع ما في الأصل ولا يلزمه التنبيه على ما في الكتب الأخرى، فينبغي في مثل هذا أن ينبه على ما في الكتب الأخرى مع بيان الدليل على صحة ما في الأصل. فأما اختلاف الأصول فلا بد من التنبيه عليه على كل حال، اللهم إلا أن يكون منها أصل رديء كثير الأغلاط فيشق التنبيه عليها تفصيلًا، فيكفيه التنبيه الإجمالي في مقدمة الطبع بأن يذكر ذاك الأصل الرديء وكثرة أغلاطه وأنه لم يلتزم التنبيه عليها تفصيلا.

تنبيه

وكذلك لا يلزمه ال تنبيه على الاختلافات الصورية؛ كالاختلاف في الرسم مثل إبراهيم بألف وبدونها، وإهمال النقط ونحو ذلك، والمَرَدُّ إلى اجتهاده، فما رأى أن للتنبيه عليه فائدة نبه عليه وما لا فلا. تنبيه: إذا حكى المؤلف عن غيره كلامًا فلا بد من رعاية ما عند المحكي عنه وإن خالف ما عند المؤلف؛ لأن الظاهر أن المؤلف حكى كلام ذاك الرجل بأمانته، فإذا حكى ابن أبي حاتم مثلًا في كتابه عن البخاري كلامًا يتعلق بعرابي بن معاوية، فالظاهر أن اسم عرابي يكون في ذاك الكلام بالغين المعجمة، فإن وقع في أصل كتاب ابن أبي حاتم بالمهملة وجب إثباته في متن المطبوع بالمعجمة والتنبيه في الحاشية على ما وقع في الأصل، وعلى الحامل على مخالفته، لكن إذا احتمل احتمالًا قويًا أن يكون ابن أبي حاتم جهل ما عند البخاري أو تصرف في عبارته فغير بعض ما فيها، ففي هذا يثبت في متن المطبوع كما في الأصل وينبه في الحاشية على ما عند البخاري. فصل الوفاء بما تقدم ليس بالأمر السهل، فينبغي أن نشرح الأمور الضامنة للوفاء به: 1 - ينبغي أن يكون المصحح متمكنا من العربية والأدب وعلم رسم الخط، متمكنا من فن الكتاب، مشاركا في سائر الفنون، واسع الاطلاع على كتب الفن، عارفًا بمظان ما يتعلق به من الكتب الأخرى؛ كأن يعرف أن من مظان ضبط الأسماء والأنساب "الغريبة": لسان العرب، والقاموس، وشرحه، وأن من مظان تراجم التابعين: الإصابة، فإنَّها تقسم كل باب إلى أربعة أقسام: الأول: الصحابة الثابتة صحبتهم، والثلاثة الأخرى غالبها في التابعين.

2 - ينبغي أن يكون العمل في المسودة قد جرى على ما تقدم في الباب الأول؛ لتكون اختلافات النسخ ماثلة أمام المصحح، ثم لا يغنيه ذلك عن حضور الأصول أمامة ليراجعها عند الحاجة. 3 - ينبغي أن يحضر عنده ما أمكن إحضاره من كتب الفن، وما يقرب منها، فإذا كان الكتاب في فن الرجال احتيج إلى حضور كتب الحديث والتفسير المسند؛ كتفسير ابن جرير، والسير، والتواريخ ولا سيما المرتبة على التراجم، والأغاني، ولسان العرب، وشرح القاموس، ومعاجم الشعراء، والأدباء، والنحاة، والقضاء، والأمراء، الأشراف، والبخلاء، وغيرهم. ومن كتب الأدب؛ ككتب الجاحظ، وكامل المبرد، ومعارف ابن قتيبة، وعيون الأخبار، وأمالي القالي. وبالجملة ينبغي أن تكون بحضرته مكتبة واسعة في جميع الفنون، ويكون عارفًا بمواضع الكتب منها ويرتبها في القرب منه على حسب ما يعرف من مقدار الحاجة إليها، فيكون أقربها إليه ما تكثر الحاجة إليه، ثم ما يلي ذلك على درجاته. * * *

ثانيا: رسالة المعلمي في أصول التصحيح

ثانيًا: رسالة المعلمي في أصول التصحيح قال: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى. أما بعد .. فإني منذ بضع سنين مشتغل بتصحيح الكتب العلمية في مطبعة "دائرة المعارف العثمانية" وتبين لي بعد الممارسة قيمة التصحيح العلمية والعملية، وما ينبغي للمصحح أن يتحقق به أولًا ثم ما يلزمه أن يعمل به ثانيًا. ورأيت غالب الناس في غفلة عن ذلك أو بعضه، فمن لم يشتغل بقراءة الكتب العلمية ومقابلتها وتصحيحها، يبخس التصحيح قيمته ويظنه أمرًا هينا لا أهمية له ولا صعوبة فيه. ولما كان أكثر المتولين أمور المطابع من هذا القبيل عظمت المصيبة بذلك، ولهم طرق: الطريقة الأولى: من يكتفي بالتصحيح المطبعي؛ أعني جعل المطبوع موافقًا للنسخة القلمية، فتارة تكون نسخة واحدة، وخطأ هذا بغاية الوضوح عند من كان عنده معرفة علمية واطلاع على النسخ القلمية، فإنَّها لا تكاد تخلو نسخة قلمية عن خطأ وتصحيف وتحريف، وأقل ذلك أن يشتبه على القارىء فيقرأ غلطا، وقد رأينا من هذا كثيرا، نرى بعض النساخ يغلط في النسخ كثيرا مع أن الأصل صحيح، ولكنه أخطأ في القراءة؛ إما لكون خط الأصل سقيما أو معلقًا (¬1) أو غير منقوط، وهذا كثير في الكتب ¬

_ (¬1) كذا في المطبوع، ولعل الصواب بالغين المعجمة.

العتيقة، أو تشتبه بعض حروفه ببعض، وهذا كثير جدًّا، هذا فضلًا عما يكون في الأصل نفسه من الخطأ، فإنك لا تكاد تجد كتابًا قلميا واحدًا مبرءا عن الغلط. ويقع في أوربا أن يطبعوا الكتاب بطريق التصوير، كما فعلوا بكتاب الأنساب للسمعاني، وفي هذا ترك الأغلاط التي في الأصل على ما هي وزيادة أنه عند العكس كثيرًا ما تخفى النقاط وبعض الحروف الصغيرة. وتارة تكون عدة نسخ قلمية ويكلف المصحح أن يجعل إحداها أُمًّا ويثبت مخالفات النسخ الأخرى على الهامش، وفي هذا من النقائص. 1 - أنه كثيرًا ما تجتمع عدة نسخ على الخطأ. 2 - بعض النسخ قد تكون مخالفتها خطأ قطعيا، فإثباتها تسويد للورق وتكثير للعمل، يؤدي إلى ارتفاع قيمة الكتاب المالية، فيضر ذلك من يريد اقتناءه وبالمطبعة أيضا؛ لأن كثيرًا من الراغبين في اقتناء الكتب يصدهم غلاؤها عن اشترائها، وربما عارضتها مطبعة أخرى، فطبعت الكتاب بنفقة أقل قناعة عن ... فأقبل الناس على هذا وتركوا تلك. 3 - إن حيلتهم العمل إلى إسقاط لقيمة النسخة المطبوعة وللمطبعة؛ لأن العارف بدل أن يفهم من إثبات الأغلاط الواضحة أمانة المطبعة ومصححها وشدة تحريهم يفهم أنه ليس فيهم أحد من أهل العلم يعلم أن ذلك غلط واضح. 4 - أن كثيرًا من المطالعين لا يميزون بين الصواب والخطأ، ففي الطبع على الطريقة المذكورة حرمان هؤلاء من بعض الفائدة، وإيقاع بعضهم في الغلط، وتكليفهم المشقة إذا أرادوا أن يستشهدوا بشيء من الكتاب. وبعض المصححين ينبه على الخطأ بأنه خطأ، وهذا وإن اندفع به بعض النقائص المذكورة فقد زاد نقصًا آخر وهو أن التنبيه على الغلط يلزمه أن يبين المصحح مستنده في التغليط فيعظم حجم الكتاب وقد بينا ما فيه.

الطريقة الثانية

فأما إذا كان المصحح غير ماهر فالأمر أشد، فإنه قد يصحح الغلط ويخطيء الصواب، وهذا ينقض قيمة المطبوع العلمية والمالية؛ لأن الناظر فيه يرى أن الكتاب لم يصححه عارف ماهر. وأيضًا ففي ذلك إيقاع لغير العارفين في الغلط، ومع ما تقدم فإننا نقطع أنه لم يطبع كتاب قط على هذه الطريقة مع استيفاء جميع الاختلافات، فإن من نسخ الكتب التي طبعت على هذه الطريقة ما لا نقط فيه البتة أو نقطه قليل، فلو وفي المصحح بهذه الطريقة لكانت الحواشي ثابتة مع كل كلمة منقوطة يمكن تصحيفها. ومن هنا نعلم أن المصحح فزع إلى الطريقة الرابعة ولكن لم يعتمدها مطلقًا بل خلط وخبط، وفي هذا مفسدة عظيمة؛ فإن ولي أمر المطبعة إنما يأمر المصحح بالتزام الطريقة الثانية لأنه لا يرى الاعتماد على معرفته فيحمله ذلك على إحالة التصحيح إلى غير عارف ثقة بأنه لا حاجة للمعرفة وإذ كان الطبع مقيدًا بالنسخ وفي هذا ما فيه. الطريقة الثانية (*): وهي الرائجة في بعض المطابع في مصر وغيرها؛ أن يقاول صاحب المطبعة بعض أهل العلم والمعرفة على تصحيح الكتاب الذي يريد طبعه، ويدفع إليه النقل الذي يراد الطبع عليه، وذلك غالبًا بعد مقابلته بالأصل، فيصحح هذا العالم بمعرفته ونظره وبمراجعة المظان من الكتب العلمية، ويكتب تصحيحاته على النقل، ثم يأخذه صاحب المطبعة، ويكتفي به في التصحيح الحقيقي. ويكتفي عند الطبع بمن يصحح تصحيحا مطبعيا أعني الذي يطبق المطبوع على ذلك النقل. ففي هذه الطريقة ثلاث أيد تناوب التصحيح.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: وذكر محققو [موسوعة آثار المعلمي اليماني ط عالم الفوائد] أن المؤلف - رحمه الله -: كتب أولًا: "الثالثة"، ثم أصلحها.

الأولى: التصحيح بالمقابلة على الأصل. الثانية: التصحيح الحقيقي. الثالثة: التصحيح المطبعي. وفيها نقائص: الأولى: أن التصحيح بالمقابلة كثيرًا ما يُوكل إلى غير أهله، فإن التصحيح بالمقابلة ينبغي أن لا يعتمد فيه إلا على عالم ممارس للتصحيح، أما كونه عالمًا فلأمور: الأول: أن النسخ القلمية كثيرًا ما تكون غير منقوطة ويكون خطبها رديا أو مغلقا وتشتبه فيه بعض الحروف ببعض، فالمقابل إذا لم يكن عنده أهلية تامة فإنه يقلد الناسخ ويتبعه. الثاني: أن النسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الضرب والتضبيب، وغير الماهر قد لا يفهم ذلك. الثالث: أن النسخ القلمية كثيرًا ما يكون فيها الإلحاق والحواشي، وغير الماهر ربما وضع الإلحاق في غير موضعه، وربما اشتبه عليه الإلحاق بالحواشي فيجعل الحواشي إلحاقا وعكسه، وهذا موجود بكثرة. الرابع: أن الناسخ إذا كان عارفًا فكثيرا ما يتصرف بمعرفته، فيحرف ويصحف ويبدل ويغير كما وقع في نسخ كتاب "الاعتصام" للشاطبي، ونبه عليه مصحه السيد محمد رشيد رضا. فإذا كان المقابل غير أهل قلد الناسخ. الخامس: أن غير المتأهل لا يكون عنده غالبًا ما يحمله على شدة التحري. السادس: أن النساخة كثيرًا ما يكون بالإملاء؛ يمسك شخص الأصل ويملي على الناسخ، فينسخ هذا بحسب ما يسمع، وكثيرا ما تتشابه الكلمات لفظًا وتختلف

خطأ؛ مثل علا وعلى، وحاذر وحازر، عند من ينطق بالذال زايا، ونحوه حامد وهامد، وثائر وسائر، وقال وغال، وترتيب واريب وغريب، وأشباه ذلك كثيرة. والمقابلة تكون بين اثنين أيضًا، فإذا لم يكن المقابل أهلًا لم يتنبه لتصحيح الأغلاط الناشئة عما ذكر إلى غير ذلك. وأما كونه ممارسا للتصحيح فلأن غير الممارس لا يكون عنده صبر الممارس وتأنية وتثبته ومعرفته بمظان الغلط، وسيأتي إيضاح هذا إن شاء الله تعالى في شروط المصحح. النقيصة الثانية: أن المصحح الأوسط وإن كان بغاية العلم والمعرفة قد لا يتبين له الغلط أو يتبين له ويرى أن ما وقع في النقل محتمل من حيث المعنى فيدعه، وينبه عليه في الحاشية، وفي ذلك تكثير حجم الكتاب. وإن أهل العلم لا يعتمدون على التصحيح في الحاشية اعتمادهم على ما هو ثابت في الأصل. وأهم من ذلك أن أهل العلم يرون أن الأصل المنقول منه غير صحيح ولا معتمد، والشاهد على هذا كتاب "الاعتصام" للشاطبي، فإن العلامة السيد محمد رشيد رضا صححه معتمدًا على نقل كان ينسخ من النسخة التي في المكتبة الخديوية، وكان يجد أغلاطا في النقل كثيرة، فمنها ما أصلحه، ومنها ما نبه عليه، ومنها ما تركه وكان يظن أن الخلل في الأصل، ثم تبين له بعدُ أن الأصل صحيح في الجملة، وأن معظم الخلل إنما هو في النقل إذ كان الناسخ يغير برأيه. وثانيًا: أن هذا المصحح الأوسط لا يكون عنده في الغالب مكتبة جامعة تتوفر فيها الكتب التي ينبغي للمصحح مراجعتها.

وثالثًا: أنه يكون غالبًا ممن لم يمارس التصحيح، وسيأتي في شرائط المصحح أن الممارسة من أهمها. ورابعًا: أنه في الغالب لا يكون له معاون مثله أو قريبًا منه في المعرفة، وسيأتي في شرائط المصحح أن اجتماع مصححين ذوي أهلية له أهمية عظيمة. وخامسًا: أنه يكون في الأكثر غير منتصب لتصحيح الكتب ولا متخذ لذلك حرفة، ولا شك أن المتخذ لذلك حرفة أحرص على الإتقان من غيره. وسادسًا: الغالب أن ذوي المطابع لا يعطون هذا المصحح الأوسط الأجرة التي ترضيه، بل يساومونه، فيأخذ منهم ما سمحوا به، وبقدر ما نقصوه تضعف همته عن احتمال المشقات في إتقان العمل كما في سائر الصنائع. النقيصة الثالثة: أن صاحب المطبعة يكتفي في هذه الطريقة بأن يكل التصحيح المطبعي إلى من ليس عنده أهلية تامة ولا ممارسة كافية؛ لأنه يرى أنه ليس على هؤلاء إلا التصحيح المطبعي، أعني تطبيق المطبوع على النقل الذي صححه المصحح. ولكن هذا التصحيح معناه المقابلة بأن يمسك شخص النقل المصحح وآخر الأوراق المطبوعة فيقرأ ممسك الأوراق غالبًا، وربما يقع في الأوراق المطبوعة أغلاط تشتبه مع الأصل لفظًا فلا يتنبه لها ممسك الأصل، وربما لا يكون عند هذين من الممارسة للتصحيح ما يحملهما على التثبت والتأني والمقابلة كلمة بكلمة. وأيضًا فقد يعرض عند الطبع تبدل وتغير مثل: كلمة ابن بين علمين يكون في النقل في السطر الأول فتسقط الألف، ثم تكون في الطبع أول سطر، فيدعها هذان بلا ألف أيضًا مع أن الصواب إثبات الألف حينئذ.

الطريقة الرابعة

وقد يقع في الكتاب مثلًا (وكان عبد الله من أهل الغفلة) فيقع "عبد الله" في النقل المصحح في سطر ويقع في المطبوع "عبد" في سطر وكلمة الجلالة في آخر، ومثل هذا مكروه، ولهذا نظائر. الطريقة الرابعة (*): أن ينشيء ولي أمر المطبعة على نفقتها محلا للتصحيح، ويرتب فيه مكتبة، ثم عندما يريد طبع كتاب، يقاول بعض أهل العلم على تصحيحه في مكتبة المطبعة، وهذه كالتي قبلها تقريبًا. الطريقة الخامسة: أن ينشيء صاحب المطبعة مكتبة، ويرتب فيها مصححين يتقاضون مرتبات شهرية ويتولون التصحيح بأقسامه الثلاثة: المقابلة والتصحيح الحقيقي والمطبعي. وتكون المقابلة على نسخ قلمية عديدة إن وجدت أو واحدة فقط، وهذه أصوب الطرق وأولاها بالسلامة من النقائص على شرط أن يكون المصححون ذوي أهلية وخبرة اهـ. * * *

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع، وحقها أن تكون (الثالثة) وبعدها (الرابعة)، وقال محققو [موسوعة آثار المعلمي اليماني ط عالم الفوائد]: «كتب أولًا: "الثالثة"، ثم ضرب عليها وكتب: "الرابعة", مع أن الطريقة السابقة هي "الثانية" بعد إصلاح المؤلف. فهذه الثالثة والتي بعدها هي الرابعة.»

ثالثا: رسالة في علامات الترقيم

ثالثًا: رسالة في علامات الترقيم ضمن مجاميع المعلمي -رحمه الله تعالى- عثر ماجد الزيادي على أوراق لخَّص فيها المعلمي علامات الترقيم من كتاب "الإملاء والترقيم" لأحمد زكي والمطالع النصرية. فقال: " .. الترقيم هو وضع رموز مخصوصة في أثناء الكتابة لِتُعَيِّنَ مواضع الفصل والوصل، وللتنبيه على للواضع التي يتبغي فيها النبرات الصوتية حال القراءة. وقد دلت المشاهد وعزَّزها الاختبار عله أن السامع والقارىء يكونان على الدوام في أشد الاحتياج إلي نبرات خاصة في الصوت أو رموز مرقومة في الكتابة ليسهل بها الفهم والإدراك عند سماع الكلام ملفوظا أو قراءته مكتوبا. 1 - النقطة: في نهاية الجملة المستقلة عما بعدها معنًى وإعرابا، وكذا عند انتهاء الكلام: المعروف فروض. والأيام دول. 2 - الشولة: (أ) بين الجملتين المرتبطتين معنًى وإعرابا. خير الكلام ما قل ودل، ولم يَطُل فيُمل. (ب) بين الشرط والجزاء والقسم والجواب إذا كانت جملتا الشرط والقسم. (ج) بين المفردات المعطوفة إذا أفادت تقسيما أو تنويعا مقصودين للكاتب. مثل: أيدي، ولساني، والضمير المحجبا. الحيل، والليل، والبيداء تعرفني.

3 - الشولة المنقوطة

والضرب، والطعن، والقرطاس، والقلم. عجبا لمن طلب أمرًا بالغلبة، وهو يقدر عليه بالحجة. ...... (د) بين المفردات المعطوفة إذا تعلق به ما يطيل الفصل بينها. الحازم يحذر عدوه على كل حال: يحذر المواثبة إن قرب، والغارة إن بعد، والكمين إن انكشف، والاستطراد إن ولى. 3 - الشولة المنقوطة (؛): بين الجملتين المرتبطتين معنًى لا إعرابا. إذا رأيتم الخير فخذوا به؛ وإذا رأيتم الشر فدعوه. 4 - الشولة المثناة: بعد السجعات إذا كان الكلام مسجعا. 5 - النقطتان (:): (أ) قبل الكلام المنقول. ثم أقول: لا يعنيني. (ب) قبل التفصيل بعد الإجمال. علامة المنافق: إذا حدث كذب، وإذا ... الخ. 6 - لفظ الحذف (...) مكان المحذوف، وأقلها ثلاث. 7 - علامة الاستفهام (؟) عقب جملة الاستفهام، سواء كانت أداته ظاهرة أم محذوفة.

8 - علامة الانفعال

وأندى العالمين بطون (¬1) راح؟ 8 - علامة الانفعال (!) آخر كل جملة تدل على ... مثل: النداء، والتعجب، والاستغراب، والإغراء، والتحذير، والتأسف، والدعاء، والقسم، والجمل المبدؤة بنعم وبئس، والاستكثار. 9 - الشرطة (-) لفصل كلام المخاطبين حال المحاورة إذا استغنى عن الإشارة إلى أسمائها. قال معاوية لعمر: ما بلغ من عقلك؟ -ما دخلت في شيء إلا وخرجت منه- لكنني ما دخلت فيه قط وأريد الخروج منه. ... 10 - الشناتر وهي عبارة عن ضمتين مزدوجتي هكذا " " أو شولتين مزدوجتين هكذا "،،" توضع بينها الجمل والعبارات المنقولة بالحرف لتميز عن كلام الناقل إذا سمعت القائل يقول: "ما ترك الأول للآخر شيئًا فاعلم أنه لا يريد أن يفلح". 11 - القوسان () توضع بينهما عبارات التفسير والدعاء القصير والاعتراض الطويل. الجحفة (بضم الجيم وسكون الحاء المهملة) موضع على ثلاث مراحل من مكة. كان علي (رضي الله عنه) حازما (ولم يكن في الصحابة من هو أحزم منه) وكان لحزمه أثر كبير على حالة الإسلام والمسلمن. ¬

_ (¬1) في المطبوع: (يطوف) خطأ.

تنبيهات: 1 - من هذه العلامات ما لا يجوز وضعه أول السطر ولا أول الكلام وهي: (:،؛:؟! ")،،. والباقي يجوز وضعه في أول السطر وأول الكلام وهي: - " (،، ... 2 - توضع هذه العلامات كلها بجانب الحروف والكلمات لا فوقها ولا تحتها ما عدا الشرطة كما علمت اهـ. * * *

رابعا: مقدمته لكتاب الإكمال لابن ماكولا.

رابعًا: مقدمته لكتاب الإكمال لابن ماكولا. قال: الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله على خاتم أنبيائه محمد وآله وصحبه وسلم. أما بعد فإن أشد نقص في الكتاب العربي المطبوع كثرة الخطأ والغلط والتصحيف والتحريف، ولذلك أسباب، منها خلو أكثر المخطوطات عن الشكل وخلو كثير منها عن النقط وتقارب صور بعض الحروف، ولا سيما في الخطوط التي لم يعتن بتحقيقها. هذه الأسباب مع جهل النساخ تفسد أكثر المخطوطات، وإذا لم يعتن بالتصحيح قبل الطبع وعنده، جاء المطبوع أكثر وأفحش غلطا من النسخ المخطوطة. والعناية الناجحة بالتصحيح لا يكفي فيها عالمية المصحح، بل لا بد من أمور أخر أهمها توفر المراجع. وأكثر الألفاظ تعرضا للغلط أسماء المتقدمين وألقابهم وكناهم ونسبهم؛ لأنها كما قال بعض القدماء: "شيء لا يدخله القياس ولا قبله شيء ولا بعده شيء يدل عليه". ليست التبعة على الخط العربي فقد أُعِد فيه من النقط والشكل وعلامات توضح أن الحرف مهمل أي غير منقوط ما هو كفيل مع تحقيق الخط بداء كل لبس. وقد كان السلف يعنون بذلك حق العناية حتى إن بعضهم سمع خبرا فيه ذكر أبي الحوراء -بالحاء والراء- فكتبه وخاف أن يلتبس فيما بعد بأبي الجوزاء -بالجيم والزاى- فلم يكتف بعدم النقط ولا بوضع العلامات حتى كتب تحت الكلمة (حور عين).

ثم لما شاع التساهل في الضبط وكثر في الشيوخ من يقل تحقيقه واضطر أهل العلم إلى الأخذ من الكتب بدون سماع، فزع المحققون إلى ما يدافعون به الخطأ والتصحيف، فمن ذلك تأليفهم كتب التراجم مرتبة على الحروف، ثم على أبواب لكل اسم كما تراه في تاريخ البخاري وكتاب ابن أبي حاتم فمن بعدهما. ولا ريب أن هذا يدفع كثيرًا من التصحيف والتحريف. ومن ذلك الضبط بالألفاظ؛ كأن يقال "بحاء غير منقوطة" ويقع للقدماء قليل من هذا، ويكثر في مؤلفات بعض المتأخرين كابن خلكان في وفياته، والمنذري في تكملته، وابن الأثير في كامله, كما نبه عليه الدكتور مصطفى جواد في مقدمته لتكملة إكمال الإكمال لابن الصابوني. ومن ذلك -وهو أجلُّها وأنفعها- تأليف كتب في هذا الموضوع خاصة، وهو ضبط ما يُخشى الخطأ فيه. وإذ كان أكثر الخطأ وقوعا وأشده خطرا الخطأ في الأسماء التي توجد أسماء أخرى تشتبه بها: وجَّهوا معظم عنايتهم إلى هذا، فوضعوا له فنًّا خاصًّا وهو (المؤتلف والمختلف) أي المؤتلف خطًّا المختلف لفظًا، وهو كل ما لا يفرق بينه إلا الشكل أو النقط، مثل: (عباد) بعين مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة (¬1) فألف فدال مهملة، مع (عباد) مثله لكن بكسر أوله، (وعباد) بتلك الحروف لكن بفتح فتشديد، و (عياذ) بعين مهملة مكسورة فتحتية مخففة فألف فذال معجمة. وكثيرا ما يذكرون الاسمين اللذين يفرق بينهما الخط المجود فقط مثل (بشر وشبر) وربما ذكروا ما هو أقل التباسا من هذا كما يأتي في باب (أحمد وأجمد وأحمر) ¬

_ (¬1) الحرف الذي يليه ألف لا يكون إلا مفتوحا، فإذا نص على فتحه فالمراد أنه غير مشدد، هكذا يدل عليه استقراء كلامهم، والأولى أن يقال "مختلفة". المعلمي.

فصورة الراء مخالفة لصورة الدال مخالفة بينة, ولكن لما كانت صورتاهما قد تتقاربان في بعض الخطوط وكان اسم (أحمر) قليلًا من سُمِّي به لم يؤمن فيمن يرى في كتاب "أحمر بن فلان" مقاربة فيه صورة الراء لصورة الدال أن يتبادر إلى ذهنه أنه "أحمد". فأما ما يزيد أحد الاسمين فيه على الآخر بحرف كحسن وحسين، وسعد وسعيد، وعبد الله وعبيد الله، وأشباه ذلك فقلما يتعرضون له لأنه يكثر جدًّا ... ". * * *

[الخاتمة]

[الخاتمة] تَمَّ كتاب "النكت الجياد" بحمد الله ومَنِّهِ ولُطْفِه وتوفيقه، على يدِ أفقر العباد، وأَحْوجِهم إلى عفو الله وصَفْحِه وتَأْيِيدِه/ أبي أنس إبراهيم بن سعيد الصبيحي، غفر الله له ولوالديه ولزوجه وولده، وكُلِّ من له حَقٌّ عليه, وذلك في يوم الخميس التاسع من شهر ذي القعدة لعام 1427 هـ, الموافق الثلاثين من شهر نوفمبر لعام 2006 م. أسأله تعالى أن يتقبلَ مني هذا الجَهْدَ، وأن يُوفِّق للنظر فيه مَنْ ينتفعُ به، ويُصلحُ ما فيه من الخَلل، وأسأله سبحانه أن يجزلَ لي المثوبة، ويجعلَهُ ذُخْرًا لي في الآخرة. إنه تعالى خَيْرُ مَنْ سُئِلَ، وأَكْرَمُ مَن أَعْطَى. وصَلِّ الله وسَلِّمْ على مَنْ لا نبي بعده, وارْضَ اللهم عن أصحاب رسول الله أجمعين، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ولا عدوان إلا على الظالمين. * * *

§1/1