النقد الصحيح لما اعترض من أحاديث المصابيح

صلاح الدين العلائي

مقدمة

مقدمة ... النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح تأليف الحافظ صلاح الدين خليل بن كيكلدي العلائي، المتوفى سنة 761هـ تحقيق وتعليق: الدكتور عبد الرحيم محمد أحمد القشقري الأستاذ المساعد بكلية الحديث والدراسات الإسلامية بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وبعد: فإن الله سبحانه وتعالى حينما تكفل بحفظ كتابه {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} تكفل أيضاً بحفظ سنة نبيه بأن خلق لها رجالاً يذبون عنها، ويكشفون زيف الزائفين. وذلك بتدوينها في الدواوين سواء كانت تلك الدواوين على حسب المسانيد كمسند الطيالسي وأحمد بن حنبل وابن راهوية أو على الأبواب كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن. وقد اتبع كل إمام منهج في التأليف، فمنهم من اشترط الصحة في أحاديثه كما فعل الإمام البخاري ومسلم دون أن يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة، لأن في ذلك مشقة وعناء، بل اختارا ما أجمع العلماء على صحته، وتركا من الصحاح مخافة الطول. ومنهم من لم يشترط الصحة، بل أورد كل ما عنّ له وحكم على ما رأى أنه لازم، كما صنع الترمذي وأبو داود وأن ما سكت عنه صالح، بل وفيها بعض الأحاديث الضعيفة. وقد أراد البغوي – رحمه الله – أن يجمع كتاباً شاملاً لنوعي

الصحيح والحسن، فما كان في الصحيحين فهو صحيح، وما كان في السنن فهو حسن، وإن كان هناك ضعيف أو غريب، أشار إليه، وإن كان منكراً أو موضوعاً، أعرض عنه. وقد جاء العلماء بعده فوضعوا كلام البغوي في ميزان النقد العلمي، فخرجوا بما يلي: 1- أنه لم يميز بين النوعين – الصحيح والحسن- وكأنه سكت عن البيان لاشتراكهما في الاحتجاج به لا في القوة. 2- ردوا قوله بأن الحسان ما في السنن لأن فيها غيره من الصحيح والضعيف الذي يجبر، لا سيما عند أبي داود لأن الضعيف عنده أحب إليه من رأي الرجال، وقد يقال عن صنيع البغوي بأنه اصطلاح له، ولا مشاحة في الإصطلاح إلا أنه قول ضعيف، لأن الواقع يرده. فالإصطلاح يكون حينئذ مردوداً وقد اهتم الأئمة الذين جاؤوا بعده بكتاب المصابيح شرحاً وتخريجاً لأحاديثه فشرحه البيضاوي وسماه تحفة الأبرار وقاسم بن قطلوبغا، والتور بشتى وغيرهم. وخرّج أحاديثه جملة من العلماء منهم: الإمام المناوي في كتابه كشف المناهيج. ومن العلماء من أكمله وهذبه وزاد عليه. ذكر ذلك حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عند الكلام على كتاب المصابيح 2/1698. وكان للعلائي دور في خدمة هذا الكتاب الجليل حيث دافع عنه وعن الأحاديث التي رميت بالوضع، وهي ليست موضوعة كما أشار إليها في كتابه. وقد كان بعمله هذا ممن أسدى خدمة جليلة

لمحبي هذا الكتاب، لا سيما طلاب العلم في الباكستان والهند والتركستان، حيث اعتمادهم يكاد يكون كلياً على هذا الكتاب. وفي الختام أود أن أترك القارئ يجول مع العلائي في كتابه ليرى مدى تمكنه من علم الحديث. فهذا الكتاب غيض من فيض بالنظر إلى ما ألّف من مؤلفات في فنون شتى. والله من وراء القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل. المحقق تحريراً في 4/12/1404هـ

ترجمة العلائي

ترجمة العلائي هو الشيخ صلاح الدين العلائي الحافظ المفيد. المحدث الفقيه الأصولي الأديب، خليل بن كيكلدي بن عبد الله الدمشقي الشافعي. ولد في أحد الربيعين سنة أربع وتسعين وستمائة بدمشق. بدأ العلم صغيراً حيث ورد أنه سمع صحيح الإمام مسلم سنة ثلاث وسبعمائة على الشيخ شرف الدين الفزاري، وسمع البخاري على ابن مشرف سنة أربع وسبعمائة، وفيها ابتدأ بقراءة العربية وغيرها على الشيخ نجم الدين القحفازي، والفقه والفرائض على الشيخ زكي الدين زكوي. ثم جد في طلب الحديث سنة عشر وسبعمائة وقرأ بنفسه على القاضي سليمان الحنبلي وأبي بكر بن عبد الدائم، وعيسى المطعم ومن بعدهم حتى بلغ شيوخه بالسماع نحو سبعمائة شيخ، ومن مسموعاته الكتب الستة وغالب دواوين الحديث1.

_ 1 الدراس 1/60.

أقوال النقاد فيه: قال السبكي: كان حافظاً ثقة ثبتاً عارفاً بأسماء الرجال والعلل والمتون1. وقال ابن كثير: كانت له يد طولى بمعرفة العالي والنازل، وتخريج الأجزاء والفوائد، وله مشاركة قوية في الفقه واللغة، والعربية والأدب2. ولو انتقلنا إلى رحلاته فمصنفنا كان من أولئك الذين ارتحلوا للسماع والأخذ عن الشيوخ، وقد ذكر من ترجم له أنه حج مراراً، واستقر به المقام في مدينة القدس مدرساً للحديث في التنكزية. إلى جانب الفتوى والتصنيف، حتى وافاه الأجل المحتوم في المحرم سنة إحدى وستين وسبعمائة، ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد3. مؤلفاته: لقد خلف الإمام العلائي مجموعة كبيرة من المؤلفات العلمية التي كان لها الأثر الكبير في إثراء المكتبة الإسلامية، وكانت جل تلك المصنفات في علم الحديث والرجال وعلوم الفقه وأصوله، وكانت لمؤلفاته صدى واسعاً بين العلماء لا سيما في عصره. فمن مؤلفاته التي خلفها لنا بعد وفاته ما يلي: 1- إتمام الفوائد الموصولة في الأدوات الموصولة4.

_ 1 طبقات الشافعية 10/36. 2 البداية والنهاية 14/267. 3 الأنس الجليل 2/107. 4 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/13.

2- إجمال الإصابة في أقوال الصحابة1. 3- الأحكام الكبرى. ذكره صاحب الأنس وقال: علق منها قطعة نفيسة2. 4- الأربعين في أعمال المتقين3. 5- الأربعين الإلهية. 6- الأربعين المغنية بفنونها عن المعين4. 7- الأشباه والنظائر5. 8- برهان التيسير في عنوان التفسير6. 9- بغية الملتمس في سباعيات حديث الإمام مالك بن أنس7. 10- تحفة القادم من فوائد أبي القاسم. 11- تحقيق الكلام في نية الصيام8. 12- تحقيق المراد في أن النهي يقتضي الفساد9. 13- تفصيل الإجمال في تعارض بعض الأقوال والأفعال10.

_ 1 منه نسخة في مكتبة عارف حكمت المجموع رقم 117، من 35-47 كما ذكر في المصدر السابق. 2 الأنس الجليل 2/107. 3 هكذا ذكره الحافظ ابن حجر في الدرر 2/91. 4 ذكرهما د. عمر فلاته في مقدمة المراسيل 1/13. 5 ذكره السبكي في طبقاته 10/35، ووقفت على نسخة مصورة من مكتبة الجامعة العثمانية تحت رقم (قع ش) 362، 297، وعدد أوراقه 219. 6 ذكره د. عمر فلاته في مقدمة المراسيل 1/13. 7 منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 1579 من ورقة 56-97. 8 ذكرهما د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/14. 9 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 65. 10 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 1304.

14- تلقيح الفهوم في صيغ العموم1. 15- التنبيهات المجملة على المواضع المشكلة2. 16- تهذيب الأصول إلى مختصر جامع الأصول3. 17- توفة الكيل لمن حرم لحوم الخيل4. 18- تيسير حصول السعادة في تقرير شمول الإرادة5. 19- جامع التحصيل لأحكام المراسيل6. 20- الدرة السنية في مولد خير البرية. 21- رفع الإشتباه عن حكم الإكراه7. 22- رفع الأشكال عن حديث صيام ستة أيام من شوال8. 23- شفاء المسترشدين في حكم اختلاف المجتهدين9. 24- العدة في أدعية الكرب والشدة10. 25- عقيلة الطالب في أشرف الصفات والمناقب11. 26- فصل القضاء في أحكام الأداء والقضاء12.

_ 1 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 647/648. 2 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. 3 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 2510. 4 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. 5 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/14. 6 حققه د. عمر حسن لنيل شهادة الماجستير وطبعه الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي. 7 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/15. 8 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/15 وقال موجود في القاهرة. 9 منه نسخة في كوبريللي تحت رقم 386/2. 10 منه نسخة في كوبريللي تحت رقم 334 ب م 4148. 11 ذكره صاحب الأنس 2/107 وقال جمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم. 12 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/15.

27- الفصول المفيدة في الواو المزيدة1. 28- الفوائد المجموعة في الفرائد المسموعة2. 29- حديث قطع في مجن وما يتعلق به3. 30- كتاب القواعد4. 31- كشف النقاب عما روى الشيخان للأصحاب5. 32- الكلام على حديث ذي اليدين6. 33- الكلام في بيع الفضولي7. 34- المائة المنتقاة من الترمذي. 35- المائة المنتقاة من صحيح مسلم. 36- المائة المنتقاة من مشيخة الفخر. 37- المباحث المختارة في تفسير آية الدم والكفارة. 38- المجالس المبتكرة8. 39- المجموع المذهب في قواعد المذهب9. 40- المدلسين10.

_ 1 منه نسخة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 2709 (109-126) . 2 ذكره الحافظ ابن حجر في الدرر 2/91، وقال: عبارة عن فهرست لمسموعاته من شيوخه. 3 منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم: 542. 4 ذكره صاحب الأنس 2/107، وقال: كتاب نفيس يشتمل على علمي الأصول والفروع. 5 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 1770. 6 ذكره صاحب الأنس 2/107 وقال: في مجلد. 7 منه نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم: 878. 8 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/15. 9 منه نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية تحت رقم 1790. 10 ذكره السبكي في طبقاته 10/35.

41- المسلسلات1. 42- مقدمة كتاب نهاية الأحكام2. 43- منحة الرائض بعلوم آيات الفرائض3. 44- النفحات القدسية4. 45- النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح. وهو كتابنا هذا وسيأتي الكلام عليه بعد هذا الفصل. 46- الوشي المعلم في من روى عن أبيه عن جده5. 47- منيف الرتبة لمن ثبت له شريف الصحبة6.

_ 1 ذكره د. عمرحسن في مقدمة كتابه 1/15. 2 ذكره المؤلف في مقدمة كتابه نقد الصحيح. 3 ذكره صاحب الأنس 2/107. 4 ذكره د. عمر حسن في مقدمة المراسيل 1/16. 5 ذكره صاحب الأنس 2/107، وقد وقفت على قطعة مصورة لدى الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. 6 قمت بتحقيقه معتمداً على نسختين أولاهما من الأسكوريال، والأخرى من مكتبة خدابخش.

الكلام على الكتاب

الكلام على الكتاب ... النقد الصحيح لما اعترض عليه من أحاديث المصابيح هكذا اسم الكتاب في عنوان النسخة التي وقفت عليها، وقد تناول المصنف رحمه الله الأحاديث التي انتقدت على المصابيح تبعاً لحكم ابن الجوزي على تلك الأحاديث بالوضع. وقد حاول المصنف رحمه الله إخراج تلك الأحاديث من حيز الوضع إلى حيز آخر أقوى، معتمداً على أقوال العلماء وبحث طرق الأحاديث الواردة. ومن خلال دراستي للكتاب وجدته قد حسن أحد عشر حديثاً من ضمن الأحاديث التي أوردها في كتابه. وهي تسعة عشر حديثاً وحكم على باقيها بالضعف الذي لا ينتهي إلى الوضع. وقد ابتدأ كتابه بذكر جملة من القواعد المعتبرة في التصحيح والتحسين، وذكر شيئاً من شروط أصحاب الكتب الستة. ولعلي لا أغالي إذا قلت إنه استطاع بهذا الجزء أن يبين لنا إمامته في فن التخريج والتصحيح والتضعيف. ومن العجب أن يقوم الحافظ ابن حجر بتأليف كتاب يتناول نفس الموضوع الذي تناوله العلائي. وكان الدافع للحافظ في تأليفه الكتاب هو سؤال وجهه إليه بعض المستفتين، وهذا الدافع نفسه

الذي حمل العلائي على تأليف الجزئ الذي بين أيدينا. والناظر لهذين الجزئين يرى مدى التشابه في إطلاق الحكم على الأحاديث الواردة حتى ليخيل أن أحدهما نقل الكتاب عن الآخر بنصه. إلا أنني لا أستطيع الجزم بذلك لأن وجدت السيوطي قد عزا بعض النقول إلى كتاب الأجوبة للحافظ ابن حجر1، إلى جانب ما ذكره المؤلف نفسه2. وقد انفرد كتاب العلائي بزيادة حديث واحد وهو الحديث العاشر ولفظه "للسائل حق وإن جاء على فرس"، إذ لم يذكره الحافظ ابن حجر تبعاً لعدم وروده في السؤال الموجه إليه. فمهما يكن من أمر، فالكتابين متلازمين، ولا بد لطالب العلم أن يقف عليهما عند الإهتمام بأحاديث المصابيح. نسبة الكتاب للمؤلف: أثناء بحثي في كتاب المعتبر للإمام الزركشي، وقفت على حديث صنفان من أمتي3 ... الحديث، حيث نقل عن العلائي رد ما أورده ابن الجوزي في موضوعاته، وبعد المقارنة بين النصين وجدتهما متطابقين تماماً. وقد سبق الزركشي إلى ذكر كتاب العلائي الإمام ابن القيم رحمه الله في الكلام على حديث أقيلوا ذوي الهيآت4.

_ 1 اللالئ المصنوعة 1/334. 2 أشار في صلاة التسبيح إلى كتابه تخريج الأحاديث الواردة في الأذكار. مشكاة 3/306. 3 المعتبر 2/454. 4 عون المعبود 12/39.

ولعل إيراد هذين الإمامين لهذا الكتاب ونقلهما عنه يقطع يقيناً بأن هذا الكتاب للمصنف. ومن الأدلة في ذلك ما ذكره السخاوي في الكلام على حديث أنا مدينة العلم1، حيث أورد فيه ما قاله الإمام العلائي، والكلام موجود في الكتاب. وكذلك ما أورده الإمام السيوطي في اللالئ2. وصف المخطوط: لقد اعتمدت في تحقق الكتاب على نسخة واحدة، ولعلها نسخة فريدة فيما أعلم، حيث اجتهدت في العثور على نسخة أخرة دون جدوى، إلا أن النسخة كانت في غاية الوضوح، إلاّ في مواضع نبهت عليها أثناء التحقيق. وتقع هذه المخطوطة في عشرة أوراق ذات وجهين، وقد صورت من مكتبة الأسكوريال حيث رقمها هناك 1612، ورقمها في مكتبة الجامعة الإسلامية هو 878، ضمن مجموعة كلها للإمام العلائي.

_ 1 المقاصد الحسنة: 97. 2 اللالئ 1/332.

مقدمة العلائي

مقدمة العلائي ... ((بسم الله الرحمن الرحيم وبالله التوفيق)) أما بعد: حمداً لله على ما هدى إليه من معرفة السنن. ووفق في اقتفاء معالمها لسلوك أقصد السنن. والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث بالمعجز الخارق، فصاحة اللسن، المنعوت بالعقل القويم والخلق الحسن، وعلى آله وصحبه الذين لهم على كل من بعدهم جزيل النعم. فقد وقع السؤال عن عدة أحاديث مما عده الإمام أبو محمد البغوي –رحمه الله – في كتابه الموسوم بالمصابيح من الحسان أوردها عليه بعض المتأخرين اعتماداً على ذكر الإمام أبو الفرج بن الجوزي لها في كتابه الذي جمع فيه على زعمه الأحايث الموضوعة، وحكم بأنها كذلك، فنظرت فيها، فإذا غالبها ليس كما ذكر1. فعلقت هذه الأوراق مبيناً ما هو الصواب في الحكم على تلك

_ 1 عبر المؤلف بهذه العبارة، لأن العلماء أخذوا على ابن الجوزي إدخاله بعض الأحاديث الصحيحة والحسنة في موضوعاته. وقد ألف الحفاظ كتباً للرد على ابن الجوزي، منهم: الحافظ العلائي في كتابه هذا. والحافظ ابن حجر في كتابه القول المسدد في الذب عن المسند. وللسيوطي كتاب التعقبات على الموضوعات. الذي طبع في الهند طبعة حجرية قديمة.

الأحاديث مستيعناً بالله تعالى، ومتوكلاً عليه في جميع الأمور، وبالله التوفيق.

أقسام الحديث المحتج به

أقسام الحديث المحتج به ... وقبل الكلام على هذه الأحاديث – نقدم – مقدمات تمهيداً لما يأتي من البيان بحالها. الأولى: أن الحديث المحتج به ينقسم إلى صحيح وحسن، وذلك بحسب تفاوت رجال إسناده في الحفظ والإتقان، وآداء ما تحملوه، كما أن الحديث الذي لا يحتج به ينقسم إلى ضعيف ومنكر وموضوع، بحسب تفاوت رواته في (الوهم) 1 والغلط والتساهل وتعمد الكذب. فمن كان في أعلى درجات الإتقان والحفظ كان ما تفرد به صحيحاً مركوناً إليه. ومن نزل عن هذه الدرجة تكون أفراده حسنة. وما تابعه غيره فيه صحيحاً. ومن نزل عن ذلك يكون ما رواه منكراً أو شاذاً، ومن نقص عن ذلك يكون حديثه ضعيفاً. والمرجع في ذلك كله إلى ما حرره الأئمة الحفاظ من أحوال الرجال، وبينوا من صفاتهم، أو تعرضوا له من الأحاديث بالتنصيص عليه مع النقد الصحيح، والتصرف الجاري على قواعدهم.

_ 1 في الأصل: ما صورته الوهمة.

كتاب البخاري ومسلم

كتاب البخاري ومسلم ... الثانية: إن الأئمة اتفقت على أن كل ما أسنده: البخاري أو مسلم، في كتابيهما الصحيحين فهو صحيح، لا ينظر فيه2. وإنه لا يصل إلى درجتهما في ذلك كتب السنن والمسانيد، بل

_ 2 قال النووي: هما أصح الكتب بعد القرآن. تدريب الراوي 1/91.

هذه الكتب مشتملة على الصحيح والحسن والضعيف، وفي يسير منها أحاديث واهية جداً، وذلك قليل أو نادر في سنن النسائي1، وما كان فيه ضعف في جامع الترمذي فبينه، وتخرج من عهدته2.

_ 1 انظر مناقشة هذا الموضوع في توضيح الأفكار في بيان شرط النسائي 1/219. 2 توضيح الأفكار 1/224.

سنن أبي داود وابن ماجة

وأما سنن أبي داود وابن ماجه، فلا يبينان شيئاً من ذلك، إلا في بعض منها بينها أبو داود، وذكر أن ما سكت عنه فهو صالح للاحتجاج به3. ومقتضى ذلك أنه يكون حسناً عنده، ولكن لا يلزم منه أن يكون حسناً في نفس الأمر، لا سيما إذا قوي حال رواته في الضعف. ومن هذا الوجه تطرق الاعتراض على الإمام أبي محمد البغوي – رحمه الله – في كتابه ((المصابيح)) حيث وصف الأحاديث التي انفرد بها أصحاب السنن بالحسان، وليس جميعها كذلك، بل فيها ما هو صحيح، وإن لم يكن مخرجاً في الصحيحين، إذ ليس الحديث الصحيح مقصوراً على ما في الكتابين، بل وراء ذلك أحاديث كثيرة صحيحة4. وفيها – أعني كتب السنن – ما ليس

_ 3 قال أبو داود في رسالته ص 27: ومالم أذكر فيه شيئاً فهو صالح. وقد اختلف الأئمة في حمل عبارة أبي داود، هل يعني به صالح للاحتجاج أو الاعتبار. ولعل الرأي القوي أنه صالح للاحتجاج، لا سيما وأن أبا داود يحتج بالضعيف إذا لم يكن في الباب غيره.. . 4 قال البخاري: ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح، وتركت من الصحاح مخافة الطول.

ولا حسن، بل يكون ضعيفاً أو منكراً أو واهياً، كما صرح به الترمذي على قطعة من حديثه، وبيّنه الأئمة النقاد في كثير من أحاديث أبي داود وابن ماجه. وقد بسطت الكلام على هذا الموضع بسطاً شافياً في مقدمة كتاب نهاية الأحكام1. الثالثة: لا يلزم من كون سند الحديث ضعيفاً أن يكون كذلك في نفس الأمر، بل قد يكون له سند آخر رجاله ممن يحتج بهم، وقد ينجبر بسند آخر ضعيف تنتهي بمجموعها إلى درجة الحسن. وذلك أن ضعف الرواة تارة يكون لاتهامهم بالكذب، وتارة يكون لنقص إتقانهم وحفظهم2. فالقسم الأول لا ينجبر بسند آخر فيه مثل رجال الأول، لأنه انضم كذاب إلى مثله، فلا يفيد شيئاً، بل ربما يكون بعضهم سرق ذلك الحديث من بعض، وادعى سماعه3. وقال مسلم: ليس كل شيء عندي صحيح وضعته هنا، إنما وضعت ما أجمعوا عليه. مقدمة ابن الصلاح ص 10، تدريب الراوي 1/98.

_ 1 لم أقف عليه. 2 وبالمقابل لا يلزم من كون السند صحيحاً أن يكون المتن صحيحاً، لأنه قد يصح السند أو يحسن لثقة رجاله، دون المتن لشذوذ أو علة. تدريب الراوي 1/161. 3 قال السيوطي: وأما الضعيف لفسق الراوي أو كذبه، فلا يؤثر فيه موافقة غيره له إذا كان الآخر مثله، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر. نعم يرتقي بمجموع طرقه عن كونه

أما إذا كان النقص دخل من جهة اتهامهم بالغلط والوهم، فإنه إذا جاء ذلك الحديث من وجه آخر عن رجال مقاربين لها، ولا علم أن الوهم بعيد منه انجبر أحد السندين بالآخر، وارتقى الحديث إلى درجة الحسن، وسيأتي في بعض الأحاديث ما هو مثال لهذا.1 وكذلك الحديث الحسن لقصور رجال إسناده عن درجة رجال الصحيح في الحفظ والإتقان. إذا روى ذلك بسند آخر مثله في الحسن، ارتقى بمجموعها إلى درجة الصحة لاعتضاد كل منهما بالآخر.

_ 1 منكراً أو لا أصل له. صرح به شيخ الإسلام، قال: بل ربما كثرت الطرق حتى أوصلته إلى درجة المستور السيء الحفظ، بحيث إذا وجد له طريق آخر فيه ضعف قريب محتمل ارتقى بمجموع ذلك إلى درجة الحسن. تدريب الراوي 1/177.

قد صححه بعض الأئمة كما سيأتي في حديث صلاة التسبيح1. وفيها ما له طريقين أخرى يقوى بها الحديث، لم يطلع عليها، كما سيأتي – إن شاء الله تعالى – في بعض الأحاديث. فدخلت الآفة عليه من هذه الوجوه وغيرها. ويجيء بعده من لا يد له في علم الحديث فيقلده فيما حكم به من الوضع. وهذا بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث، والتوسع في حفظه كشعبة ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي، ونحوهم. ثم أصحابهم مثل أحمد بن حنبل وعلي بن المديني2، ويحيى بن معين، وإسحاق بن راهوية، وطائفة منهم. ثم أصحابهم مثل البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي والنسائي. وكذلك إلى زمن الدارقطني والبيهقي ممن لم يجيء بعدهم مساو لهم بل ولا مقارب – رحمة الله عليم. فمتى وجد في كلام أحد من المتقدمين الحكم على حديث بشيء كان معتمداً لما أعطاهم الله من الحفظ العظيم، والإطلاع الغزير، وإن اختلف النقل عنهم عدل إلى الترجيح، وهذا التعذر إنما يجيء في الأحاديث المحتملة، وإلا فكثير من الأحاديث جداً يشهد القلب بوضعها، ويسهل الحكم عليها بذلك، ممن كثرت ممارسته لهذا الفن. وهو حال كتاب الموضوعات لابن الجوزي، والله أعلم.

_ 1 الحديث رقم: 3. 2 في الأصل: المقدسي، وهو خطأ، والصواب ما أثبته.

الحكم على الحديث بالوضع

الحكم على الحديث بالوضع ... الرابعة: الحكم على الحديث بكونه موضوعاً من المتأخرين عسر جداً، لأن ذلك لا يتأتى إلا بعد جمع الطرق وكثرة التفتيش، وإنه ليس لهذا المتن سوى هذه الطريق الواحد، ثم يكون في رواتها من هو متهم بالكذب إلى ما ينضم إلى ذلك من قرائن كثيرة، يقتضي للحافظ المتبحر الجزم بأن هذا الحديث كذب. ولهذا انتقد العلماء على الإمام أبي الفرج بن الجوزي في كتابه الموضوعات، وتوسعه بالحكم بذلك على كثير من الأحاديث ليست بهذه المثابة، بل فيها ما فيه ضعف يحتمل ويمكن التمسك به في الترغيب والترهيب، وفيها ما هو حديث حسن، أو

بيان الأحاديث التي أنتقدت على صاحب المصابيح وما ينبغي الحكم عليها به

ومن هنا نشرع في بيان الأحاديث التي انتقدت على صاحب المصابيح، وما ينبغي الحكم عليها به، ومن الله العون1. فمنها حديث: 1-" صنفان من أمتي ليس لهما في الإسلام نصيب: المرجئة والقدرية". وهذا الحديث ذكره أبو الفرج في الموضوعات بسند فيه مأمون – أحد الكذابين، وذكره في كتابه الذي سماه العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، من طريق سلام بن أبي عمرة عن عكرمة عن ابن عباس، ومن طريق علي بن نزار بن حبان عن أبيه عن عكرمة. وضعف الأول بأن سلام بن أبي عمرة قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء. وبأن علي بن نزار راوي الثانية واه2. ثم قال: ورواه النضر بن سلمة، وهو متروك عن محمد بن بكر، وذكر سنداً إلى سعيد بن جبير عن ابن عباس – رضي الله عنهما-3. وحديث علي بن نزار رواه الترمذي في جامعه، ولم

_ 1 من دراستي لمقدمة الحافظ ابن حجر لأجوبته التي أجاب بها السائل عن الأحاديث المنتقدة في المصابيح، وجدت الفرق بين هاتين المقدمتين طفيفاً. 2 لم يذكر العلائي نص ما قاله ابن الجوزي في علله، حيث قال: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. ونزار وعلي بن نزار والقاسم ابن حبيب وسلام، كلهم ليس بشيء. العلل المتناهية 1/152. 3 المصدر السابق 1/153.

به علي بن نزار، بل تابعه فيه القاسم بن حبيب التمار، وعبد الله بن محمد الليثي، كلاهما عن نزار بن حيان، رواه ابن ماجة من طريقهما1. والقاسم بن حبيب هذا وثقه أبو حاتم بن حبان، وغيره تكلم فيه2. وعبد الله الليثي لم أر أحداً تكلم فيه3. والترمذي قال في هذا الحديث بعد سياقه: هذا حديث حسن غريب4. وفي الباب عن عمرو بن عمرو، ورافع بن خديج – رضي الله عنهم. فهذه المتابعات وتحسين الترمذي له يخرج الحديث عن أن يكون موضوعاً أو واهياً، والله أعلم.

_ 1 رواه ابن ماجه في باب في الإيمان. السنن 1/9. 2 قال فيه الحافظ: لين، من السادسة. -ت-. تقريب التهذيب ص 278. 3 قال الحافظ: مجهول، من السابعة. – ق-. تقريب التهذيب ص 188. 4 انظر باب ما جاء في القدرية. تحفة الأحوذي 6/362. قلت: هذا الحديث مداره على نزار بن حبان. قال فيه ابن حبان: منكر الحديث جداً، يأتي عن عكرمة بما ليس من حديثه، حتى يسبق إلى القلب أنه كان المتعمد لها، لا يجوز الاحتجاج به بحال. أما المتابعات التي ذكرها العلائي، فهي واهية إذ أننا لم نر من تابع نزاراً، بل توبع ابنه، وهذه المتابعات ليست بشيء لا سيما وإن في إحدى طرقها مجهول. ولنقف على قول ابن حبان في نزار. انظر المجروحون 3/56.

ومنها حديث: 2- " القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم "1. هذا الحديث ليس بموضوع، بل له طرق كثيرة ينجبر بعضها ببعض، وأجودها ما رواه أبو داود في سننه عن موسى بن إسماعيل عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر -رضي الله عنهما2. وهذا الإسناد رجاله على شرط الشيخين، لكن أبا حازم لم يسمع من ابن عمر، وهو منقطع3. وقد رواه جعفر الفريابي في كتاب ((القدر)) من طريق زكريا بن منظور عن أبي حازم عن نافع عن ابن عمر به4. وزكريا هذا قال فيه ابن معين: ليس به بأس. وغيره تكلم فيه5. فقد تبين الساقط من سنده في رواية أبي داود. ورواه بعد ذلك من حديث حذيفة رضي الله عنه وفي

_ 1 أورده ابن الجوزي في علله أيضاً 1/144، وقال: هذا حديث لا يصح. 2 رواه أبو داود في باب في القدر. عون المعبود 12/452. 3 قال الحافظ ابن حجر: قال أبو الحسن بن القطان: قد أدركه وكان معه بالمدينة، فهو متصل على رأي مسلم. مشكاة المصابيح 3/305. 4 لم أقف عليه في نسختي من كتاب ((القدر)) . 5 قلت: ثبت للحافظ ابن حجر أنه ضعيف بعد دراسة أقوال النقاد فيه. التاريخ 2/174، تقريب التهذيب ص: 107.

إسناده بقية بن الوليد عن الأوزاعي1. وبقية هذا مشهور بأنه يدلس عن الضعفاء، ولكن تصلح روايته للشواهد. ورواه جعفر الفريابي بسند آخر جيد عن مكحول عن أبي هريرة رضي الله عنه، لكن مكحول لم يسمع من أبي هريرة، فهو مرسل2. فتتبين بهذه الطريق أن الحديث له أصل، وليس بمنكر، فضلاً عن أن يكون موضوعاً3. والله أعلم. ومنها حديث: 3-"صلاة التسبيح"4. وهو حديث حسن صحيح، رواه أبو داود وابن ماجه بسند جيد إلى ابن عباس رضي الله عنهما، وعنه عكرمة. وقد احتج به البخاري، وعنه الحكم بن أبان، وقد وثقه يحيى بن معين و (العجلي) 5 وغيرهما، وعنه موسى بن عبد العزيز، وقد

_ 1 لم أقف عليه في نسختي من كتاب ((القدر)) . 2 كتاب القدر ص 46. 3 قلت: ثبت للحافظ ابن حجر أنه حسن، ويرى أن مستند من أطلق عليه الوضع تسميتهم – أي القدرية – المجوس، وهم مسلمون، أنهم كالمجوس في إثبات فاعلين لا في جميع معتقد المجوس. المصابيح 3/305، المصنوع في معرفة الموضوع ص 108. 4 عون المعبود 4/176، سنن ابن ماجه 1/442، الموضوعات 2/143. 5 كلمة غير واضحة، وأميل إلى أنها: العجلي. انظر: تهذيب التهذيب 2/423.

قال فيه يحيى بن معين والنسائي: لا بأس به1. وباقي رواته متفق عليهم. وقد أخرجه ابن خزيمة في صحيحه2. وقال أبو حامد بن الكرجي: سمعت مسلم بن الحجاج، وكتب معي هذا الحديث مع عبد الرحمن بن بشر بن الحكم عن موسى بن عبد العزيز، يقول: لا يروى في هذا الحديث إسناد أحسن من هذا3. وقال الإمام أبو بكر بن أبي داود السجستاني: سمعت أبي يقول: ليس في صلاة التسبيح حديث صحيح غير هذا. يعني حديث عكرمة عن ابن عباس4. وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين مصححاً له، ثم رواه أيضاً من طريق حيوة بن شريح عن يزيد بن أبي حبيب عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي صلى الله عليه وسلم علّم هذه الصلاة جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنه – فذكرها. ثم قال الحاكم: هذا إسناد صحيح لا غبار عليه5.

_ 1 تهذيب التهذيب 10/356. 2 رواه في باب صلاة التسبيح، وقال: إن صحّ الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيء ... . صحيح ابن خزيمة 2/223. 3 وقال الدرقطني: أصح شيء في فضل الصلاة: صلاة التسبيح. اللالئ المصنوعة 2/44. 4 مشكاة المصابيح 3/307. 5 وزاد: ومما يستدل به على صحة هذا الحديث: استعمال الأئمة من اتباع التابعين إلى عصرنا هذا إياه، ومواظبتهم عليه، وتعليمهن الناس، منهم عبد الله بن المبارك. المستدرك 1/319.

(وهذان التصحيحان كلاهما) 1 يعارض ذكر ابن الجوزي له في كتابه ((الموضوعات)) ، وتبين أنه أخطأ في ذلك، ولا بد هو ساقه من ثلاث طرق. منها اثنان في إسناد كل منهما رجل ضعيف، والثالث: طريق ابن عباس المتقدمة. واعترض عليها بأن موسى بن عبد العزيز مجهول. وليس هو كذلك. فقد روى عنه جماعة من الثقات، وتقدم أن ابن معين والنسائي قالا فيه: لا بأس به. فليس بمجهول قطعاً، ثم لا يلزم من كونه مجهولاً والآخرين ضعيفين أن يكون الحديث موضوعاً، لا سيما مع تصحيح من نقدم. وللحديث طرق أخرى كثيرة غير ما ذكرنا. فأما ما ذكره السائل من أن الإمام أحمد بن حنبل طعن فيه. فقد ذكر الخلال في كتاب ((العلل)) أن علي بن سعيد النسائي قال: سألت أحمد بن حنبل عن صلاة التسبيح فقال: لم يصح عندي منها شيء. فقلت له حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. فقال: كل يرويه عن عمرو بن مالك النكري. فقلت: قد رواه أيضاً مستمر بن الريان. فقال: من حدثك؟ قلت: مسلم بن إبراهيم. فقال: مسلم شيخ ثقة، وكأنه أعجبه. فهذا تقوية منه للحديث بسند آخر غير ما تقدم. وقد حكى الترمذي عن الإمام عبد الله بن المبارك ما يقتضي تقوية هذا الحديث2. وذكر استحباب فعلها من

_ 1 في الأصل: وهذا التصحيحين كلها. 2 قلت: نقل الترمذي عن ابن المبارك ما أورده العلائي. إلا أن الترمذي كان له موقف من هذا الحديث. حيث قال: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيء ... . تحفة الأحوذي 2/597.

أصحابنا الروياني في البحر، والبغوي في شرح السنة. وذكرها من أئمة الحنابلة جماعة، منهم: أبو الوفاء بن عقيل، والشيخ موفق الدين المقدسي، وغيرهما. والله أعلم. ومنها حديث: 4- "من عزى مصاباً فله مثل أجره" 1. وهذا ذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) من حديث ابن مسعود، وجابر رضي الله عنهما. وفي سند الأول حماد بن الوليد، وهو متكلم فيه2. وفي طريق الثاني محمد بن عبيد الله العرزمي، وهو متهم ليس بثقة3. والحديث الأول رواه الترمذي4، وابن ماجه5 من غير طريق حماد بن الوليد في إسناده عندهما علي بن عاصم عن محمد بن سوقه، وقد تكلم جماعة من الأئمة في علي بن عاصم

_ 1 الموضوعات 3/223. 2 قال فيه الحافظ الذهبي: ساقط متهم. ديوان ص 73. 3 قال الحافظ: متروك ليس بثقة. تقريب التهذيب ص 309. 4 رواه الترمذي وقال عقبه: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعاً إلا من حديث علي بن عاصم. وروى بعضهم عن محمد بن سوقه بهذا الإسناد مثله موقوفاً ولم يرفعه. ويقال: أكثر ما ابتلى به علي بن عاصم بهذا الحديث. نقموا عليه ... . تحفة الأحوذي 4/185. 5 سنن ابن ماجه 1/511.

هذا، وذكروا هذا الحديث من جملة ما انتقد عليه. لكن ذكر الحافظ أبو بكر الخطيب أن هذا الحديث رواه إبراهيم بن مسلم الخوارزمي عن وكيع بن الجراح عن قيس بن الربيع عن محمد بن سوقه1. وإبراهيم بن مسلم هذا ذكره ابن حبان في الثقات2. ولم يتكلم فيه أحد. وقيس بن الربيع صدوق تكلموا فيه3 وحديثه يصلح متابعاً لرواية علي بن عاصم. والذي يظهر أن هذا الحديث يقارب درجة الحسن، ولا ينتهي إليه، بل فيه ضعف محتمل. فأما أن يكون موضوعاً فلا4. ومنها حديث: 5-" أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود". وهو في سنن أبي داود والنسائي من حديث عائشة رضي

_ 1تاريخ بغداد 11/451. 2وقال: يغرب. لسان الميزان 1/111. 3قال الحافظ: صدوق تغير لما كبر، وأدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه، فحدث به. تقريب التهذيب ص 283. 4أورد السيوطي هذا الحديث في كتابه اللآلئ 2/422، وتكلم عليه كلاماً جيداً، حيث نقل أقوال الأئمة فيه. وقد ثبت للحافظ ابن حجر ضعفه. مشكاة المصابيح 3/309.

الله عنها1. وفي إسناده عبد الملك بن زيد العدوي، وقد ضعفه علي بن الجنيد. وقال فيه النسائي: ليس به بأس. ووثقه أبو حاتم بن حبان2. والحديث حسن لا سيما مع تخريج النسائي له3. ولا يجوز نسبته إلى الوضع والاختلاق. ومنها حديث: 6 -"يكون في آخر الزمان قوم يخضبون بالسواد كحواصل الحمام، لا يريحون رائحة الجنة" 4.

_ 1 رواه أبو داود في كتاب الحدود، والنسائي في الكبرى في باب الرجم. عون المعبود 12/38، تحفة الأشراف 12/413. 2 الجرح والتعديل 2/2/350، تهذيب التهذيب 6/393. 3 قال ابن القيم رحمه الله: قال الحافظ صلاح الدين العلائي: عبد الملك بن زيد هذا قال فيه النسائي لا بأس به، ووثقه ابن حبان. فالحديث حسن إن شاء الله تعالى لا سيما مع إخراج النسائي له، فإنه لم يخرج في كتابه منكراً ولا واهياً ولا عن رجل متروك. قلت: إن كان ابن القيم نقل هذا من كتاب النقد الصحيح للعلائي، فالكلام الذي نقله غير موجود في الأصل، وإنما الموجود ما هو مثبت، وهو يقارب هذا الكلام. وإن كان قد نقله من كتاب آخر للعلائي فلم يبين أي كتاب. قال الحافظ ابن حجر: أخرجه النسائي من وجه آخر من رواية عطاف بن خالد عن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر عن أبيه عن عمره. وأخرجه أيضاً من طريق آخر عن عمره، ورجالها لا بأس بهم، إلا أنه اختلف في وصله وإرساله، فلا يتأتى لحديث يروى بهذا الطرق أن يسمى موضوعاً. انظر: تحفة الأشراف 12/413-431، عون المعبود 12/39، مشكاة المصابيح 3/309، المقاصد الحسنة ص 73. 4 الموضوعات 3/55.

وهو أيضاً في سنن أبي داود، والنسائي من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما رفعه1. وذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) وأخطأ في ذلك خطأ فاحشاً، لأنه بنى ذلك على أن عبد الكريم هو ابن أبي أمية أبو المخارق البصري، وأنه ضعيف، وليس الأمر كما ظن. بل هذا عبد الكريم بن مالك الجزري، صرح بنسبه البيهقي في هذا الحديث بعينه في كتاب ((الآداب)) له2. وعبد الكريم الجزري ثقة متفق عليه. فإسناد الحديث على شرط الصحيحين. ثم لو سلم أنه أبو المخارق، فقد روى عنه الإمام مالك، ولا يروي إلا عن ثقة عنده. وأخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم في المتابعات، فلا

_ 1 رواه أبو داود في باب ما جاء في خضاب السواد. والنسائي في باب النهي عن الخضاب بالسواد. وقد صرح أبو داود باسم الراوي عن سعيد بأنه عبد الكريم الجزري، وكذلك فعل المزي. وممن جزم بأنه الجزري: أبو الفضل بن الطاهر، وابن عساكر، والضياء المقدسي، وغيرهم. وهو مقتضى صنيع من صححه كابن حبان والحاكم. انظر: عون المعبود 11/266، سنن النسائي 8/138، تحفة الأشراف 4/424، مشكاة المصابيح 3/309. 2 كتاب الآداب 319/أ.

يجوز أن نحكم على ما انفرد به بالوضع1. ومنها حديث: 7-"إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يتبع حمامة، فقال: شيطان يتبع شيطانة". والحكم على هذا الحديث بالوضع جهل وخطأ أيضاً. فقد رواه أبو داود وابن ماجه والبيهقي2 من طرق إلى حماد بن سلمة الإمام المشهور، أحد من احتج به مسلم عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه.

_ 1 انظر أقوال النقاد في ابن أبي المخارق. تهذيب التهذيب 6/377. 2 أخرجه أبو داود في باب اللعب بالحمام. وكذا أخرجه ابن ماجة والبيهقي. وقال: خالفه شريك فيما روى عنه، فقال عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن عائشة، وحديث حماد أصح. عون المعبود 13/284، سنن ابن ماجه 2/1238، السنن الكبرى 10/19. قال الحافظ ابن حجر: محمد صدوق في حفظه شيء، وحديثه في مرتبة الحسن، وإذا توبع بمعتبر قبل، وقد يتوقف في الاحتجاج به إذا انفرد بما لم يتابع عليه، ويخالف فيه، فيكون حديثه شاذاً، لكنه لا ينحط إلى الضعف، فضلاً عن الوضع. وقد زاد بعضهم في هذا السند رجلاً. فأخرجه ابن ماجه من طريق شريك عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عائشة. ومن طريق حماد بن سلمة بن محمد بن عمرو كالأول. وليس هذا بقادح، لأن حماداً أضبط من شريك، ويحتمل أن يكون أبو سلمة حدث به على الوجهين. سنن ابن ماجه 2/1239، مشكاة المصابيح 3/310.

ومحمد بن عمرو هذا من شيوخ مالك في الموطأ، ووثقه يحيى بن معين وغيره. والترمذي وصحح حديثه، وكذلك الحاكم وابن خزيمة وابن حبان. وللحديث طريقان آخران رواهما ابن ماجه1، وينتهي بمجموع ذلك إلى درجة الصحة القوية. ومنها حديث: 8-" إذا كتب أحدكم كتاباً فليتربه فإنه أنجح لحاجته". وله طريقان: أحدهما: رواه الترمذي به، من حديث حمزة النصيبي، عن أبي الزبير عن جابر، وحمزة هذا ضعيف متروك باتفاقهم2

_ 1 الطريق الأول عن عثمان بن عفان، إلا أنه منقطع لأن في سنده الحسن بن أبي الحسن لم يسمع من عثمان، كما نقل عن أبي زرعة الرازي. والطريق الثاني: عن أنس بن مالك، وفي السند إليه رواد بن الجراح، قال فيه الحافظ ابن حجر: صدوق اختلط بآخره فترك. تقريب التهذيب ص 160، وانظر سنن ابن ماجه 2/1238-1239. 2 رواه الترمذي في باب ما جاء في تتريب الكتاب، وقال عقبه: هذا حديث منكر لا نعرفه عن أبي الزبير إلا من هذا الوجه، وحمزة هو ابن عمرو النصيبي، وهو ضعيف الحديث. قال الحافظ: له في الترمذي حديث واحد في تتريب الكتاب، وهو غير منسوب عنده، وقال بأثره حمزة هو ابن عمرو النصيبي. قال المزي: لا نعلم أحداً قال فيه حمزة بن عمرو إلا الترمذي، وكأنه اشتبه عليه بحماد بن عمرو النصيبي. انظر: تحفة الأحوذي 7/494، تهذيب التهذيب 3/29.

والثانية: رواه ابن ماجه، وفي إسناده بقية، قال: ثنا أبو أحمد عن أبي الزبير عن جابر. وأبو أحمد هذا مجهول، وقيل إنه عمر بن موسى الوجيهي، وهو كذاب منكر الحديث1. فالحديث ضعيف جداً، ولا تبعد لنسبته إلى الوضع، والاعتراض فيه على صاحب المصابيح في عده إياه من الحسان2، والله أعلم. ومنها حديث: 9-" لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك ". وهذا ذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) بسند فيه عمر بن إسماعيل بن مجالد عن حفص بن غياث عن برد عن مكحول عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه، وعمر بن إسماعيل هذا اتفقوا على ضعفه، لكن لم ينفرد بالحديث كما قال أبو الفرج3. بل رواه الترمذي عن سلمة بن شبيب عن القاسم بن أمية عن حفص بن غياث، وقال فيه حديث حسن غريب4.

_ 1 رواه في باب تتريب الكتاب. السنن 2/1240. 2 قال الحافظ ابن حجر في رواية الترمذي: ومع ضعفه لم ينفرد به بل تابعه أبو أحمد بن علي الكلاعي عن أبي الزبير، وقد أيد حكم العلائي لهذا الحديث بالضعف. مشكاة المصابيح 3/310. 3 المضوعات 3/224. 4 تحفة الأحوذي 7/206.

ومكحول سمع من واثلة1. وذكر شيخنا المزي أن الصواب في سند الترمذي القاسم بن أمية، لا أمية بن القاسم. وإن القاسم هذا معروف. قال فيه أبو زرعة وأبو حاتم الرازيان: صدوق2. فبرئ عمر ابن إسماعيل من عهدة الحديث، وهو حسن كما قال الترمذي، لكنه غريب، كما ذكر التفرد القاسم به3. ومنها حديث: 10 -"للسائل حق وإن جاء على فرس". ذكره السائل متصلاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وأعطوا السائل وإن جاء على فرس". وذكر أن المنتقد إنما اعترض على الجملة الثاني، وإنها موضوعة، وليس شيء منهما موضوعاً، ولكن الجملة الثانية أصح من الأولى، فإن قوله أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف

_ 1 تهذيب التهذيب 10/289. 2 الجرح والتعديل 2/3/107، تحفة الأشراف 9/80. 3 قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع، وقال: حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة. وأخرج له شاهداً يؤدي معناه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن واثلة. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عير أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله ". وقال أيضاً حسن غريب. هكذا وصف كلاً منهما بالحسن والغرابة. فأما الغرابة فلتفرد بعض رواة كل منهما عن شيخه، فهي غرابة نسبية. وأما الحسن فلاعتضاد كل منهما بالآخر. وخالف ذلك ابن حبان فقال: لا أصل له من كلام النبي صلى الله عليه وسلم. مشكاة المصابيح 3/311.

عرقه. انفرد به ابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر رضي الله عنهما وعبد الرحمن هذا ضعيف لا يحتج به1. وأما الجملة الثانية، فروى أبو داود من طريق سفيان الثوري، ثنا مصعب بن محمد بن شرحبيل، ثنا يعلى بن أبي يحيى عن فاطمة بنت حسين عن أبيها الحسين بن علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "للسائل حق وإن جاء على فرس"2. ثم رواه من حديث يحيى بن آدم، ثنا زهير يعني ابن معاوية عن شيخ قال: رأيت سفيان عنده عن فاطمة بنت حسين عن أبيها عن علي رضي الله عنه به3. والطريق الأولى حسنة، ومصعب بن محمد وثقه يحيى بن معين4. ويعلى بن أبي يحيى قال فيه أبو حاتم: مجهول، وعرفه ابن حبان فذكره في الثقات5. والظاهر أنه هو الشيخ المبهم في الرواية الثانية. وزهير بن معاوية من رجال الصحيحين. وقد أثبت أبو عبد الله بن الحذاء سماع الحسين رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم، وإن لم يكن كذلك فهو مرسل صحابي لا

_ 1 حديث: أعطوا الأجير. رواه ابن ماجه في باب أجر الأجراء. سنن ابن ماجه 2/817. وعبد الرحمن بن زيد قال فيه الحافظ: ضعيف من الثامنة. تقريب التهذيب ص 202. 2 رواه في باب حق السائل. عون المعبود 5/83. 3 المصدر السابق 5/84. 4 الجرح والتعديل 4/1/304. 5 الجرح والتعديل 4/2/303، تهذيب التهذيب 11/405.

يجيء فيه الخلاف الذي في المرسل1. وقد تبين بالرواية الثانية اتصاله بذكر علي رضي الله عنه، والحديث حسن الإسناد، والله أعلم2. ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: 11-" المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل". ونسبة هذا الحديث إلى الوضع جهل قبيح. فقد رواه أبو داود والترمذي من حديث زهير بن محمد عن موسى بن وردان عن أبي هريرة رضي الله عنه3. وقال الترمذي: حديث حسن غريب. وهو كما ذكر. فإن موسى بن وردان وثقه أحمد العجلي، وأبو داود وغيرهما4، ولم يضعفه أحد5، وزهير بن

_ 1 انظر عون المعبود 5/83. 2 هذا الحديث غير موجود في تعليقات الحافظ ابن حجر، ولا أدري هل سقطت منها أم لم يسأل عنها. 3 رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب من يؤمر أن يجالس. والترمذي في كتاب الزهد. عون المعبود 13/179، تحفة الأحوذي 7/49. 4 قال الحافظ: صدوق ربما أخطأ من الثالثة. تهذيب التهذيب 10/376، تقريب التهذيب ص 353. 5 بل ضعفه بعض الأئمة كما هو وارد في تهذيب التهذيب 10/376. ولذا وصفه الحافظ بالخطأ. وهذا الحديث أورده الحافظ في جاوباته، وقال رجاله موثقون، إلا أن الراوي عن موسى مخلف فيه. مشكاة المصابيح 3/312.

محمد احتج به الشيخان، وذلك يدفع ما تكلم به فيه. ووثقه أحمد بن حنبل وابن معين وغيرهما1. (فتفرده) 2 يكون حسناً غريباً، ولا ينتهي إلى الضعف، فضلاً عن الوضع3. ومنها حديث: 12-" المؤمن غر كريم، والفاجر خب لئيم". وهذا الحديث أيضاً لا ينزل عن درجة الحسن، وهو عند أبي داود والترمذي من طريق عبد الرزاق عن بشر بن رافع عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه4. وبشر بن رافع ضعفه أحمد بن حنبل. وقال يحيى بن معين: ليس به بأس5. وقال ابن عدي: لم أجد له حديثاً منكراً6.

_ 1 لاستيفاء ترجمته انظر: تهذيب التهذيب 3/348. 2 ما بين القوسين كلمة غير واضحة، ولعلها فتفرده. 3 انظر المقاصد الحسنة ص 378. 4 رواه أبو داود في كتاب الأدب، باب في حسن العشرة. والترمذي في كتاب البر، باب ما جاء في البخل. عون المعبود 13/146، تحفة الأحوذي 6/97. 5 الجرح والتعديل 1/1/357، تهذيب التهذيب 1/448. 6 الكامل 2/2/121.

ورواه البيهقي في كتاب الآداب له من طريق حجاج بن فرافصه عن يحيى بن أبي كثير1. وحجاج هذا قال فيه يحيى بن معين: لا بأس به. وذكره ابن حبان في الثقات. وأثنى عليه أبو حاتم الرازي2. واعتضد الحديث برواية حجاج له، وخرج عن الغرابة التي أشار إليها الترمذي3. وقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن غر كريم " أي ليس بذي مكر4. فهو ينخذع لانقياده ولينه. والمراد وصفه بعلة الفطنة للشر وترك البحث عنه، وليس ذلك منه جهلاً، ولكنه كرم وحسن خلق, وكذلك أتبعه صلى الله عليه وسلم بالوصف بالكرم. وعكسه صفة الفاجر، يقال رجل خب، أي – رجل خبيث – خداع منكر، وأصل الكلمة من قوله: خب البحر إذا هاج واغتلمت أمواجه، فإن راكبه حينئذ يكون قريباً إلى الهلاك. كذلك من يصاحب الفاجر.

_ 1 كتاب الآداب ص 90. 2 التاريخ لابن معين 2/102، الجرح والتعديل 1/2/164، تهذيب التهذيب 2/204. 3 أعل الحافظ هذا الحديث بالحجاج، وبشر بن رافع وهو أضعف. وقال: ومع هذا لا يتجه الحكم عليه بالوضع لفقد شرط الحكم في ذلك. مشكاة المصابيح 3/312. 4 في النهاية لابن الأثير 2/175 أي ليس بذي مكر. فهو ينخدع لانقياده ولينه، وهو ضد الحب. يقال: فتى غر وقد غررت تغر غرارة، يريد أن المؤمن المحمود من طبعه الغرارة وقلة الفظنة للشر، وترك البحث عنه، وليس ذلك جهلاً ولكنه كرم وحسن خلق.

ومنها حديث: 13-" اللهم أحيني مسكيناً وأمتني مسكيناً، واحشرني في زمرة المساكين". وهو حديث ضعيف، لكن لا ينتهي إلى أن يكون موضوعاً1. رواه ابن ماجة من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه2. وفي إسناده يزيد بن سنان. قال فيه يحيى بن معين: ليس بشيء. وقال أبو حاتم: محله الصدق، ولا يحتج به3. وكذلك أيضاً حديث: 14 -"حبك الشيء يعمي ويصم". رواه أبو داود من طريق بقية عن أبي بكر بن أبي مريم عن خالد بن عبد الله الثقفي عن بلال بن أبي الدرداء عن

_ 1 قال الحافظ ابن حجر: أخرجه الترمذي من طريق الحارث بن أخت سعيد بن جبير عن أنس، وقال: حسن غريب. قلت: بعد الرجوع إلى سنن الترمذي وجدت استغرابه فقط. وأخرجه ابن ماجه والحاكم، وصححه من حديث أبي سعيد، ولفظه أخصر من الأول. سنن ابن ماجه 2/1381، تحفة الأحوذي 7/19، مشكاة المصابيح 3/313. 2 انظر المصدر السابق. 3 التاريخ لابن معين 2/672، الجرح والتعديل 4/2/267. ولمزيد من التفصيل انظر: المقاصد الحسنة ص 84، اللآلئ المصنوعة 2/324.

أبيه رضي الله عنه رفعه1. وبقية تكلموا فيه، ولكنه يحتمل إذا صرح بالسماع2. وشيخه أبو بكر هذا ضعفه أبو زرعة والدارقطني. وقال فيه أحمد بن حنبل ليس بشيء3. وذكر الحافظ المنذري: أن الحديث روي موقوفاً من قول أبي الدرادء، وإنه الأشبه بالصواب4. وذكر عن بعضهم أن معنى الحديث: "إنما الحب يعمي المحب عن غير المجهول، ويصم سمعه العدل عنه"5. وفائدته النهي عن حب ما لا ينبغي الإغراق في حبه. ومنها حديث:

_ 1 راوه في كتاب الأدب، باب في الهوى. عون المعبود 13/38. 2 ميزان الاعتدال 1/331، تهذيب التهذيب 1/473. 3 وقال الحافظ ابن حجر: في سنده أبو بكر بن أبي مريم، وهو شامي، صدوق طرقه لصوص ففزع، فتغير عقله، فعدوه فيمن اختلط. وذكر السخاوي هذا الحديث وبين طرقه، وبين قول العراقي فيه، إذ قال: إن ابن أبي مريم لم يتهمه أحد بالكذب، إنما سرق له حلي فأنكر عقله، وقد ضعفه غير واحد، ويكفينا سكوت أبي داود عليه، فليس بموضوع، بل ولا شديد الضعف، فهو حسن. مشكاة المصابيح 3/311، المقاصد الحسنة ص 181. 4 مختصر سنن أبي داود 8/31. 5 هكذا في الأصل. وهو كلام غير مستقيم.. وعند الرجوع إلى كلام المنذري في كتابه وجدته هكذا. وسئل ثعلب عن معناه؟ فقال: يعمي العين عن النظر إلى مساويه، ويصم الأذن عن استماع العذل فيه. انتهى. مختصر سنن أبي داود 8/31.

15-" لا حليم إلا ذو عثرة، ولاحكيم إلا ذو تجربة". وهو في جامع الترمذي من طريق عمرو بن الحارث عن دراج أبي السمح عن أبي الهيثم العتواري عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- رفعه. فقال فيه الترمذي: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه1. ودراج هذا وثقه يحيى بن معين، فاعترض عليه فضلك الرازي، وقال: ما هو بثقة ولا كرامة2. وقال فيه أحمد بن حنبل: أحاديثه مناكير وهو لين3. وضعفه الدارقطني وغيره. وقال النسائي: ليس بالقوي، ومع ذلك أخرج له في سننه كثيراً4. وقال أبو داود حديثه مستقيم5.

_ 1 رواه في كتاب البر، باب ما جاء في التجارب. تحفة الأحوذي 6/182. 2 التاريخ لابن معين 2/155، ميزان الاعتدال 2/24. 3 العلل ومعرفة الرجال ص 413، تهذيب التهذيب 3/208. وقال ابن عدي: عامة الأحاديث التي أمليتها عن دراج مما لا يتابع عليه، ومما ينكر من حديثه.. فذكر عدداً، منها حديث " لا حليم إلا ذو عثرات.." وقال: وأرجو أن أحاديثه بعد هذه التي أنكرت عليه لا بأس بها. الكامل 2/2/77. 4 الضعفاء والمتروكين ص 39. 5 في تهذيب التهذيب 3/208 قال الآجري عن أبي داود: أحاديثه مستقيمة إلا ما كان عن أبي الهيثم عن أبي سعيد. قلت: وهذا النقل عن أبي داود في التضعيف يوافق غيره من الأئمة. وقد حكم الحافظ ابن حجر على هذا الحديث بالحسن. وأورد من أخرجه من الأئمة. مشكاة المصابيح 3/312، المقاصد الحسنة ص 465.

والترمذي حسن هذا الحديث مع تفرده به، فهو من أنزل درجات الحسن، أو هو ضعيف ضعفاً يحتمل، وأما أن يقال إنه موضوع فلا. ومنها الحديث المتعلق بالبصرة: 16-" إياك وسباخها وكلابها ونخيلها وسوقها وباب أمرائها.." الحديث. وهذا ذكره ابن الجوزي في الموضوعات1 من حديث أنس رضي الله عنه، وفي إسناده عمار بن زربي، وقد رماه عبدان بالكذب2. وقال العقيلي: الغالب على حديثه الوهم3. ولكن لم ينفرد عمار به. بل أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم من سننه، قال: ثنا عبد الله بن الصباح، ثنا عبد العزيز بن عبد الصمد العمى عن موسى الحناط4. لا

_ 1 باب في ذكر البصرة. الموضوعات 2/60. 2 قال الحافظ الذهبي: قد سمع من عمار بن زربي عبدان الأهوازي، وتركه ورماه بالكذب. ميزان الاعتدال 3/164. 3 الضعفاء للعقيلي 3/321. 4 قال الحافظ ابن حجر: الحناط –بالحاء المهملة والنون. مشكاة المصابيح 3/313.

أعلمه إلا ذكره عن موسى بن أنس عن أبيه1. وهذا الإسناد رجاله على شرط مسلم، احتج بهم جلهم، وليس فيه سوى عدم الجزم باتصاله، بل هو بغلبة الظن، وذلك كاف كما صرح به أئمة الفن في أمثاله. والله أعلم. ومنها حديث: 17-"الطير". وله طرق كثيرة غالبها واه. وفي بعضها ما يعتبر به، فيقوى أحد السندين بالآخر، وأمثل ما ورد به طريقان: أحدهما: رواه الترمذي من جهة عبيد الله بن موسى أحد المتفق عليهم عن عيسى بن عمر. وقد وثقه يحيى بن معين وغيره، ولم يضعفه أحد2. عن إسماعيل بن عبد الرحمن السدي، وقد احتج به مسلم والناس، عن أنس رضي الله عنه قال:

_ 1 رواه في كتاب الملاحم، باب في ذكر البصرة. وقال الحافظ ابن حجر: رجاله ثقات، ليس فيه إلا قول موسى لا أعلمه إلا عن موسى بن أنس، ولا يلزم من شكه في شيخه الذي حدث به أن يكون شيخه فيه ضعيفاً، فضلاً عن أن يكون كذاباً، وتفرد به. والواقع لم يتفرد به، بل أخرجه أبو داود أيضاً لأصله شاهداً بسند صحيح من حديث سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم. عون المعبود 11/419، مشكاة المصابيح 3/313. 2 عيسى بن عمر هو الأسدي.

"كان عند النبي صلى الله عليه وسلم طير، فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك يأكل معي من هذا الطير، فجاء علي رضي الله عنه فأكل". وقال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث السدي إلا من هذا الوجه. والسدي اسمه إسماعيل بن عبد الرحمن، وقد سمع من أنس، ورأى الحسين بن علي رضي الله عنهما1. ورواه النسائي في كتاب خصائص علي رضي الله عنه2 من حديث مسهر بن عبد الملك عن عيسى بن عمر. ومسهر قد وثقه ابن حبان وغيره. وقال فيه النسائي: ليس بالقوي3. والطريق الثاني: رواه الحاكم في المستدرك من رواية محمد بن أحمد بن عياض، أنبأ أبي، ثنا يحيى بن حسان عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد عن أنس رضي الله عنه أطول مما تقدم. ورجال هذا السند كلهم ثقات معروفون، سوى أحمد بن

_ 1 التاريخ لابن معين 2/264، تهذيب التهذيب 8/222. رواه الترمذي في باب فضائل علي بن أبي طالب، وقال عقبه: وقد روى هذا الحديث من غير وجه عن أنس. تحفة الأحوذي 10/224. 2 الخصائص 1/104. وقد ذكر المحقق حول هذا الحديث كلاماً كثيراً وبين المؤلفات التي تكلمت على هذا الحديث. 3 وقال فيه الحافظ ابن حجر: لين الحديث. تقريب التهذيب ص 336.

عياض، فلم أر من ذكره بتوثيق ولا جرح1. وذكر الحاكم – أي له – عن أنس. رواه كثيرين، وأنه روى أيضاً من حديث علي وأبي سعيد الخدري وسفينة رضي الله عنه بطرق صحيحة ولم يسق أسانيدها2. وقد انتقد عليه ذلك3. وفي مقابلته ذكر الحافظ محمد بن طاهر وأبو الفرج بن الجوزي أن جميع طرق هذا الحديث ضعيفة واهية، وكل من الطرفين (علماء) ، والحق أنه ربما ينتهي إلى درجة الحسن4. أو يكون ضعيفاً يحتمل ضعفه. وإما أن ينتهي إلى كونه موضوعاً في جميع طرقه فلا. ولم يذكره ابن الجوزي في كتابه الموضوعات، والله أعلم.

_ 1قال الذهبي: ابن عياض لا أعرفه. المستدرك 3/131. 2انظر المستدرك 3/130. 3 قال الذهبي: قال الحسن بن أحمد السمرقندي الحافظ: سمعت أبا عبد الرحمن الشاذياخي الحاكم يقول: كنا في مجلس السيد أبي الحسن، فسئل أبو عبد الله الحاكم عن أحاديث الطير، فقال: لا يصح، ولو صح لما كان أحد أفضل من علي رضي الله عنه بعد النبي صلى الله عليه وسلم. قلت: أي الذهبي – ثم تغير رأي الحاكم، وأخرج حديث الطير في مستدركه، ولا ريب أن في المستدرك أحاديث كثيرة ليست على شرط الصحة، بل فيه أحاديث موضوعة شأن المستدرك بإخراجها فيه. أما حديث الطير، فله طريق كثيرة جداً قد أفردتها بمصنف، ومجموعها هو يوجب أن يكون الحديث له أصل. تذكرة الحفاظ 3/1042. 4وبهذا الحكم حكم الحافظ ابن حجر. مشكاة المصابيح 3/317.

ومنها حديث: 18 -"أنا مدينة العلم وعلي بابها". وهذا الحديث ذكره أبو الفرج بن الجوزي في ((الموضوعات)) من عدة طرق، وجزم ببطلان الكل1. وقال مثل ذلك أيضاً جماعة، وعندي في ذلك نظر كما سأبينه. والمشهور بروايته أبو الصلت عبد السلام بن صالح الهروي، عن أبي معاوية محمد بن خازم الضرير عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما. وعبد السلام هذا ضعفوه جداً، واتهم بالرفض، ومع ذلك فقد روى عباس بن محمد الدوري في سؤالاته يحيى بن معين أنه سأله عن أبي الصلت هذا فوثقه. فقال: أليس قد حدث عن أبي معاوية حديث "أنا مدينة العلم". فقال: قد حدث به محمد بن جعفر الفيدي، وهو ثقة عن أبي معاوية2. وكذلك روى صالح بن محمد الحافظ الملقب جزره، وأبو الصلت أحمد بن محمد بن محرز عن يحيى بن معين، وفي رواية أبي الصلت بن محرز قال يحيى في هذا الحديث: هو من حديث أبي معاوية، أخبرني ابن نمير قال: حدث به أبو معاوية قديماً ثم كف عنه. وكان أبو الصلت الهروي رجلاً موسراً

_ 1 الموضوعات 1/350. 2 تاريخ بغداد 11/50.

يطلب هذه الأحاديث، ويكرم المشايخ، يعني فخصه أبو معاوية بهذا الحديث1. فقد برئ عبد السلام الهروي من عهدة هذا الحديث. وأبو معاوية الضرير ثقة حافظ، يحتج بإفراده، كابن عيينة وغيره2. وليس هذا الحديث من الألفاظ المنكرة التي تأباها العقول، بل هو مثال قوله صلى الله عليه وسلم في حديث: "أرحم أمتي أبو بكر، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل"3. وقد حسنه الترمذي، وصححه غيره. وله باب من تكلم على حديث "أنا مدينة العلم" بجواب عن هذه الروايات الثابتة عن يحيى بن معين، فالحكم عليها بالوضع باطل قطعاً. وإنما سكت أبو معاوية عن روايته شائعاً لغرابته لا لبطلانه، إذ لو كان كذلك لم يحدث به أصلاً مع حفظه وإتقانه. وللحديث طريق أخرى رواها الترمذي في جامعه عن

_ 1 المصدر السابق. 2 أبو معاوية الضرير: هو محمد بن خازم –بمعجمتين، ثقة أحفظ الناس لحديث الأعمش، وقد يهم في حديث غيره ... . تقريب التهذيب ص 295. 3 في السنن: أرحم أمتي بأمتي أبو بكر، وأشدهم في أمر الله عمر.. الخ. وقال عقبه: هذا حديث غريب. تحفة الأحوذي 10/294.

إسماعيل بن موسى الفزاري عن محمد بن عمر بن الرومي عن شريك بن عبد الله عن سلمة بن كهيل عن سويد بن غفلة عن أبي عبد الله الصنابحي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أنا دار الحكمة وعلي بابها " 1. وتابعه أبو مسلم الكجي وغيره (في) روايته عن محمد بن عمر بن الرومي2. ومحمد هذا روى عنه البخاري في غير الصحيح، ووثقه ابن حبان. وضعفه أبو داود. وقال الترمذي بعد سياق هذا الحديث: هذا حديث غريب، وقد روى بعضهم هذا عن شريك، ولم يذكر فيه الصنابحي، ولا يعرف هذا عن أحد من الثقات غير شريك3. قلت: فلم يبق الحديث من أفراد محمد بن الرومي.

_ 1 هذا الحديث ورد أيضاً في الموضوعات 1/350. وقد أورد الشوكاني حديث "أنا مدينة العلم" ورجح ما ذهب إليه الحافظ ابن حجر من كون الحديث حسناً، لأن ابن معين والحاكم قد خولفا في توثيق أبي الصلت ومن تابعه. وقال ابن حجر: هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدك، وقال إنه صحيح، وخالفه أبو الفرج ابن الجوزي فذكره في الموضوعات، وقال إنه كذب. والصواب خلاف قولهما معاً، وإن الحديث من قسم الحسن، لا يرتقي إلى الصحة، ولا ينحط إلى الكذب، وبيان ذلك يستدعي طولاً، ولكن هذا هو المعتمد في ذلك. انظر: اللآلئ المصنوعة 1/334، الفوائد المجموعة ص 348. 2 قال فيه الحافظ: لين الحديث. تقريب التهذيب 312. 3 تحفة الأحوذي 10/225.

وشريك 1 هذا احتج به مسلم، وعلق له البخاري. ووثقه يحيى بن معين والعجلي، وزاد حسن الحديث. وقال عيسى بن يونس: ما رأيت أحداً قط أورع في علمه من شريك. فعلى هذا يكون تفرده حسناً، ولا يرد عليه رواية من أسقط الصنابحي منه، لأن سويد بن غفلة تابعي مخضرم، وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وسمع منهم، فيكون ذكر الصنابحي فيه من باب المزيد من متصل الأسانيد. والحاصل: إن الحديث ينتهي بمجموع طريقي أبي معاوية وشريك إلى درجة الحسن المحتج به، ولا يكون ضعيفاً، فضلاً عن أن يكون موضوعاً2. ولم أجد لمن ذكره في الموضوعات طعناً مؤثراً في هذين السندين، وبالله التوفيق. ومنها حديث: 19 -"يا علي لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك" 3. وهذا الحديث ليس من الحسان قطعاً، ولكنه حديث

_ 1 قال الحافظ: صدوق يخطئ كثيراً، تغير حفظه منذ ولي القضاء.. . انظر التاريخ 2/251، تقريب التهذيب ص 145. 2 قال الحافظ في رده على الأحاديث التي وجهت إليه: ضعيف ويجوز أن يحسن. مشكاة المصابيح 3/317. 3 رواه ابن الجوزي في باب فضائل علي الحديث الخامس عشر. الموضوعات 1/367.

ضعيف، إلا أنه لا ينتهي إلى درجة الموضوع، وهو عند الترمذي من طريق محمد بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك لعلي عنه1. وقال عقيبه: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وقد سمع مني محمد بن إسماعيل – يعني البخاري- هذا الحديث2. قلت: فلو كان موضوعاً لم يسمعه البخاري، وإنما كتبه عن تلميذه الترمذي لاستغرابه له، وسالم بن أبي حفصة وعطية العوفي كل منهما شيعي ضعيف. قال النسائي في سالم: ليس بثقة. وقال الفلاس: مفرط في التشيع3. وعطية ضعفه أحمد بن حنبل وعلي بن المديني والنسائي والجماعة4. وتحسين الترمذي لهذا الحديث عجيب مع تفرد هذين به.

_ 1 رواه الترمذي في باب مناقب علي بن أبي طالب. تحفة الأحوذي 10/232. 2 وزاد في سننه لفظ: واستغربه. المصدر السابق. 3 قال الحافظ: صدوق في الحديث، إلا أنه شيعي غالي. تقريب التهذيب ص 114. 4 قال الحافظ: صدوق يخطئ كثيراً، كان شيعياً مدلساً. انظر: العلل ومعرفة الرجال ص 198، الجرح والتعديل 1/3/382، تقريب التهذيب ص 240. قال النووي: إنما حسنه الترمذي لشواهده اللآلئ المصنوعة 1/353. وقال ابن حجر: ضعيف قد يحسن. مشكاة المصابيح 3/317.

وما يدل على ضعفه ونكارته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختص عن الأمة بشيء من الرخص فيما يقتضي تعظيم حرمات الله تعالى، والقيام بإجلاله أصلا، بل خصائصه المرخصة إنما هي فيما يتعلق بالأمور الدنيوية، كالزيادة على أربع في النكاح1، ونحو ذلك. فلم يكن صلى الله عليه وسلم يترخض عن الأمة باستحلال المسجد حالة الجنابة سواء حمل ذلك على اللبث فيه، أو المرور فيه على اختلاف المذهبين. وقد أنكر صلى الله عليه وسلم على بعض الصحابة في كونه ينزه عن أمر يرخص فيه هو وقالوا: يحل الله لنبيه ما شاء، فقال صلى الله عليه وسلم: والله إني لأخشاهم لله وأعلمهم بما أتقي"2. فنفى صلى الله عليه وسلم عن نفسه أن يرخص عن الأمة بشيء مما يخل بالإجلال والتعظيم، والله سبحانه أعلم. ((آخر الجزء عن الجواب التي انتقدت من كتاب المصابيح للبغوي. قال المؤلف: كتبها المجيب عنها مؤلفه خليل بن العلائي الشافعي – غفر الله له –ببيت المقدس في شهر رجب سنة ستين وسبعمائة. والحمد لله رب العالمين)) .

_ 1 يشير المصنف إلى وفاة النبي صلى الله عليه وسلم عن تسع، وهذا محرم على غيره، لورود الأدلة على ذلك في السنة المطهرة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر عدد نسائه وأسمائهن، واختلاف العلماء في عددهن في كتابه. التلخيص الحبير 3/137. 2 رواه البخاري بلفظ: "أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له". ومسلم بلفظ: "أما والله إني لأتقاكم لله وأخشاكم له". فتح الباري 9/104، صحيح مسلم 1/448.

مصادر ومراجع

مصادر ومراجع ... ثبت المصادر 1- الآداب، للبيهقي. نسخة مصورة في مكتبة الجامعة الإسلامية من الأصل المحفوظ بدار الكتب المصرية. 2- الأنس الجليل، مجير الدين الحنبلي. نشر مكتبة المحتسب، عمان – الأردن. 3- البداية والنهاية، للحافظ ابن كثير ت 774هـ. ط الأولى عام 1351هـ. ط بمطبعة السعادة. 4- تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ت 463هـ. ط الأولى، عام 1349هـ، بمطبعة السعادة. 5- التاريخ لابن معين، برواية الدوري. تحقيق د. أحمد محمد نور سيف. ط الأولى عام 1399هـ. 6- تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، للمباركفوري، ت 1353هـ. مراجعة عبد الوهاب عبد اللطيف، نشر محمد عبد المحسن الكتبي. 7- تحفة الأشراف للحافظ المزي ت 742هـ. تصحيح وتعليق عبد الصمد شرف الدين، نشر دار القيمة، ط الأولى. 8- تدريب الراوي للسيوطي ت 911هـ. تحقيق عبد الوهاب عبد اللطيف، ط بمطبعة السعادة بمصر. 9- تقريب التهذيب، للحافظ ابن حجر. طبع بمطبعة نولكشور في لكنو مع التعقيب.

10- توضيح الأفكار. 11- تهذيب التهذيب، للحافظ ابن حجر العسقلاني. ط الأولى بمطبعة دائرة المعارف النظامية. 12- الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ت 327هـ. تحقيق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي، ط بمطبعة مجلس دائرة المعارف، ط الأولى عام 1371هـ. 13- خصائص الإمام علي، للنسائي. 14- الدارس. 15- الدرر الكامنة للحافظ ابن حجر العسقلاني. ط بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية عام 1348هـ. 16- ديوان الضعفاء والمتروكين، للإمام الذهبي. 17- رسالة أبي داود لأهل مكة. 18- سنن ابن ماجه للإمام ان ماجه ت 275هـ. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، ط دار إحياء الكتب العربية عام 1372هـ. 19- شذرات الذهب، لابن العماد الحنبلي ت 1089هـ. نشر مكتبة القدس، سنة 1351هـ. 20- صحيح الإمام ابن خزيمة لابن خزيمة ت 311هـ. تحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي. ط المكتب الإسلامي. 21- الضعفاء للعقيلي. نسخة مصورة لدى الشيخ حماد بن محمد الأنصاري. 22- طبقات الشافعية للإمام السبكي ت 771هـ. تحقيق عبد الفتاح الحلو ومحمود الطناحي، ط عيسى الحلبي. ط الأولى. 23- العلل المتناهية لابن الجوزي ت 597هـ. تحقيق إرشاد الحق الأثري. نشر دار الكتب الإسلامية بلاهور.

24- العلل ومعرفة الرجال، للإمام أحمد بن حنبل ت 241هـ. تحقيق د. طلعت قوج، ود. إسماعيل جراح. ط بأنقرة عام 1963م. 25- عون المعبود شرح سنن أبي داود. ضبط عبد الرحمن محمد عثمان، ط الثانية، نشر محمد عبد المحسن الكتبي. 26- الفوائد المجموعة للشوكاني ت 1250هـ. تحقيق المعلمي، الطبعة الأولى. 27- القدر، للفريابي ت 301هـ. نسخة مصورة في الجامعة الإسلامية تحت رقم 2570. 28- الكامل لابن عدي. نسخة مصورة لدى الشيخ حماد بن محمد الأنصاري من الأصل المحفوظ في مكتبة أحمد الثالث. 29- اللآلئ المصنوعة للإمام السيوطي. دار المعرفة بيروت، ط الثانية عام 1395هـ. 30- لسان الميزان للحافظ ابن حجر العسقلاني. نشر مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. 31- المجروحين لابن حبان البستي. 32- المستدرك للإمام الحاكم. نشر دار الفكر بيروت عام. 33- مشكاة المصابيح. 34- المصنوع في معرفة الموضوع، لملا علي القارئ. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. ط دار القلم بيروت. 35- المعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للإمام الزركشي ت 797هـ. رسالة دكتوراه. تحقيق عبد الرحمن القشقري. إشراف حماد بن محمد الأنصاري.

36- المقاصد الحسنة للسخاوي. 37- مقدمة ابن الصلاح. 38- الموضوعات الكبرى، لابن الجوزي. تصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية. 39- ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي. تحقيق علي محمد البجاوي، ط دار إحياء الكتب العربية. 40- النجوم الزاهرة لابن تغري بردي. ط وزارة الثقافة والإرشاد القومي المصري.

§1/1