النفح الشذي في شرح جامع الترمذي

ابن سيد الناس

النفح الشذي في شرح جامع الترمذي تأليف أبي الفتح محمد بن محمد بن محمد ابن سيد الناس اليعمري المتوفى سنة 734 هـ دراسة وتحقيق وتعليق الدكتور أحمد معبد عبد الكريم أستاذ مساعد بكلية أصول الدين قسم السنة وعلومها دار العاصمة

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ حُقُوق النشر مَحْفُوظَة النشرَة الأولى 1409 هـ دَار العاصمة الرياض - المملكة الْعَرَبيَّة السعودية ص ب 41507 - الرَّمْز البريدي 11551 - هَاتِف 4915154

مقدمة التحقيق

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (1) تقديم أهمية تحقيق كُتب السنة عمومًا، وتحقيق هذا الشرح خصوصًا الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، ورحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ... وبعد: فإن تحقيق وضبط نصوص السنة سندًا ومتنًا، هو أساس العناية بها، وطريق الإفادة منها منذ فجر الإسلام؛ حيث قام الصحابة رضوان الله عليهم، ثم من جاء بعدهم بالجمع بين حفظ السنة وضبطها في الصدور، وبين كتابتها وضبطها في المسطور، مع الحرص على صيانة المكتوب عن الدس فيه، وعن تطرق الدخيل إليه. ونقل اللاحقون من الأصول الخطية للسابقين نسخًا فرعية، وقابلوها بأصولها المنقولة عنها، وبغيرها، وصار لهم في ذلك أعراف واصطلاحات يعمل بها للتحقق من صحة الفرع، ومطابقته للأصل، مع تصويبهم لما يوجد في صلب النص من خطأ أو مَحْوِهم له، وتداركهم للسقط، وتوضيحهم في الحواشي لفروق النسخ، وللغامض -في نظرهم- من النص. وعلى ضوء ذلك تحملوا الثابت المحقق ثم أدوه لمن بعدهم موثقًا بطرق التحمل المعتبرة، فكان ذلك إحياء وحفظًا للسنة ونشرًا لها في كل جيل، وصقع وقبيل، وواكبه إرساء قواعد واصطلاحات للمحدثين في كتابة الحديث وضبطه، وكانت وما زالت تمثل أصول وقواعد تحقيق النصوص عمومًا ونشرها.

وإيمانًا مني بهذه الأهمية والأصالة لتحقيق نصوص السنة وعلومها، اتجهت -بعد الاستخارة- إلى تحقيق ما تيسر لي من هذا الكتاب، مع التعليق عليه بما رأيت أنه يخدم النص، ويساعد على فهمه والاستفادة منه بإذن الله. كما كان اختياري لهذا الشرح دون غيره، لما بدا لي من أهمية خاصة له أُجمِلُها في الآتي: 1 - إِن هذا من شروح أحد الكتب الستة المشهورة، التي هي: الصحيحان وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه، ولم أقف حتى الآن على شرح من شروح تلك الكتب -فضلًا عن غيرها- محققًا تحقيقًا علميًا، حيث إن كل المطبوع بين أيدينا -رغم؛ فائدته الكبرى- مصحح فقط على بعض نسخه الخطية، ومعظم التصحيح، إِن لم يكن كله، بواسطة غير المختصِّين، وكثيرًا ما يضن الطابعون لتلك الشروح بذكر النسخة أو النسخ الخطية التي اعتُمدَتْ قي الطبع حتى يمكننا تحديد درجة الوثوق بتلك الطبعة، ومراجعة أصلها عند الحاجة. 2 - إن مؤلف هذا الشرح معدود من حفاظ الحديث الذين يعول عليهم، كما سيأتي في التعريف به، وقد صار كثير من آرائه التي أودعها في شرحه هذا، محورًا دارت حوله مناقشات وآراء من جاء بعده، وخاصة ما جاء في مقدمته الثانية لهذا الشرح من المسائل والقواعد المتعلقة بمصطلح الحديث وقواعده عند الترمذي وعند غيره، ويمكن التحقق من ذلك بمراجعة تلك المقدمة مع تعليقي عليها. 3 - إن هذا الشرح يمثل في عمومه رأس حلقة من حلقات شروح الترمذي بين من تقدم وبين من تاخر من شراحه، كما سيأتي تفصيله، وتلك الحلقة بعضها مفتقد، وإن وجدت بعض نسخه الخطية، وبعضها مفقود حتى الآن. فلعل تحقيق ونشر ما وُجد من هذا الشرح ينبه أذهان المختصين بعلوم السنة، والغيورين عليها إلى الشروع في تحقيق الموجود من تلك الحلقة،

وإلى البحث الدائب عن المفقود منها، ثم إحياء ما يوجد، بالتحقيق والنشر. 4 - وأيضًا فإن تحقيق هذا الشرح ونشره يبين عمليًا الفارق العلمي الكبير بين تحقيق نصوص الشروح، وبين تصحيحها فقط دون توثيق أو تعليق. وصلتي بهذا الشرح لابن سيد الناس، وبتكملته للحافظ زين الدين العراقي (ت 806 هـ) وما يتعلق بهما من بحوث، كل ذلك يرجع إلى أزيد من خمس عشرة سنة ماضية، عندما كنت أُعِدُّ رسالتي للعالمية (الدكتوراه) بكلية أصول الدين -جامعة الأزهر- في موضوع (الحافظ العراقي وأثره في علوم السنة)، فقد وقفت حينذاك على مجلد وحيد بدار الكتب المصرية من تكملته لهذا الشرح (¬1)، وهو من مسودة العراقي بخطه، كما يظهر ذلك خلاله بوضوح، ورغم صعوبة قراءة المسوَّدات عمومًا، فإني قد قرأت المجلد بأكمله، كما أن ظروف حرب مصر مع إسرائيل آنذاك قد اقتضت نقل كل المخطوطات إلى مستودعات حصينة لحفظها من أي عدوان مفاجئ، ومُنِع الاطلاع عليها لأجل غير مسمى، فاضطررت خلال فترة الإِنذار بالمنع إلى نسخ معظم هذا المجلد بيدي، واستكمال نسخ الباقي بواسطة بعض إخواني الأفاضل، مع مراجعتي، وقد كان ذلك مما نبهني إلى قيمة تكملة العراقي هذه بالنسبة إلى المتداول من شروح الترمذي حاليًا، ونبهني أيضًا إلى ضرورة البحث عن أول الشرح الذي أنجزه ابن سيد الناس، قبل تكملة العراقي، وكذا البحث عن باقي المجلدات التي لا توجد في القاهرة من تكملة العراقي. وقد تبين لي بالبحث في فهارس المخطوطات أن أكبر قدر من نُسخ هذا الشرح لابن سيد الناس، وتكملته للعراقي موجود في مكتبات تركيا والمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، وبمعونة صادقة من بعض زملائي الذي كان يعمل آنذاك بالسعودية، حصلت على صورة ميكروفيلمية للموجود بالمكتبة المحمودية، ¬

_ (¬1) مخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث.

وكذلك حصلت على صورة مماثلة للموجود بتركيا بمعونة كريمة من أحد الأساتذة الذي التقيت به في الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وأسال الله تعالى له الرحمة الواسعة. وبقراءتي لمعظم الموجود في شرح ابن سيد الناس هذا، ولعدة مجلدات من تكملة العراقي، لمست أهميتهما، مع أنهما غير كاملين، ووجدت أن غيرهما من شروح الترمذي، السابق منها واللاحق حتى الآن، لا يغني عنهما. ومن هنا اتجهت بعد الفراغ من مرحلة (الدكتوراه) إلى مواصلة العمل في تحقيق ونشر الموجود من هذا الشرح وتكملته للعراقي. وأحمد الله تعالى على توفيقي لذلك -رغم تعدد الصوارف الضرورية- حيث استكملت نسخ الباقي من نسخة تركيا لهذا الشرح، وقابلت جزءًا غير قليل منه، وحققته تمهيدًا لنشره بعد هذا القسم في أقرب وقت بإذن الله. كما أني نسخت مجلدين من تكملة العراقي، تمهيدًا لتحقيقها وموالاة نشرهما إذا امتد بي الأجل، مع العافية، وخفة الشواغل العلمية الأخرى، والله الموفق. ***

خطة الدراسة والتحقيق والتعليق

(2) خطة الدراسة والتحقيق والتعليق هذا وقد جعلت خطة إخراج هذا القسم من شرح ابن سيد الناس، بعد تلك المقدمة تنقسم إلى قسمين، تعقبهما الفهارس. القسم الأول: دراسة عن المؤلف وعن الكتاب وتشمل: 1 - التعريف بالمؤلف. 2 - دراسة الكتاب. القسم الثاني: ويشمل: 1 - بيان عملي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه. 2 - النص محققًا معلقًا عليه طبقًا لخطة العمل. ثم الفهارس الفنية التي تُيسِّر الاستفادة من الكتاب. ولما كان الفهرس التفصيلي لموضوعات أصل الكتاب والتعليق عليه، هو المفتاح لكل مشتملاتهما، والوسيلة المُيَسِّرة للوصول إلى صغير المحتويات وكبيرها؛ لذا، فإني عُنِيتُ بإنشاء عناوين هذا الفهرس وتفصيله، حتى إن القارئ له يكاد يحصل على مختصر لأصل الكتاب والتعليق عليه. وقد دعاني إلى ذلك أن التقسيم الموضوعي لأصل الكتاب مجمل جدًّا، نظرًا لما جرى عليه المتقدمون من أن على طالب الاستفادة بكتاب كهذا أن يقرأه كله، حتى يصل إلى خبايا الزوايا، من إلى ما هو في غير المَظِنَّة، أَوْ على الأقل يقرأ الباب المتعلق بموضوعه ليحصل على مطلوبه.

وفي التعريف بالمؤلف، لم أشأ التوسع في دراسة شخصيته من مختلف جوانبها؛ لأن ذلك ليس مقصودي الأصلي، وفي نفس الوقت لم أجعلها ترجمة تقليدية قاصرة، بل حَرَصْتُ مع الإِيجاز على بيان العناصر المتكاملة لشخصيته العلمية ومكانَتها، مع إبراز الجانب الحديثي الذي غلب عليه وعُرِف به، وظهر نتاجه العلمي في إطاره، وفي مقدمته ما شرحه من جامع الترمذي الذي وفقني الله تعالى لتحقيق هذا القسم منه، مع التعليق عليه. فذكرت اسمه ونسبه، ونسبته، ولقبه، وكنيته التي عُرِف بها، وتمييزه عمن شاركه فيها. ثم تحقيق تاريخ مولده، وبيئته، ونشأته العلمية بعناية والده، الذي جمع له بين مسؤولية الأب، وبين الأستاذية له. كما بينتُ طلبه للحديث، ورحلته فيه، وثمرات ذلك، ثم ملازمته وتَخَرُّجه، ثم دراساته الأخرى التي تكاملَتْ بها شخصيتُه العلمية والحديثية. ثم عَرَّفْتُ بشيوخه بإجمال عام لتوضيح كثرتهم، وبيان مظاهر تأثيرهم العام على تكوينه الحديثي، ونتاجه العلمي، وأتبعته بتعريف موجز بشخصين من شيوخه، وبشيخةٍ له، مع بيان أثر كلٍّ منهم فيه. ثم بينت توثيقه ومواهبه، والجواب عما انتُقِد به، ثم نشاطه العلمي وأَلقابه، ومكانته الحديثية، ثم وظائفه العلمية وأثرها في خدمة علوم السنة، ثم عَرفتُ بتلاميذ المؤلف بإجمال وبنموذَجَين منهم بالتحديد، وبيان تأثير المؤلف فيهم، ثم عَرفْتُ بما وقَفْت عَليه من مؤلفاته، مع بيان المخطوط منها والمطبوع، أو المتضمن في غيره، أو المنسوب خطأ اليه. ثم ذكَرت وفاته وتشييع جنازته وبينت مكان دفنه، ثم رثاءه الدال على مكانته في علم الحديث وغيره، وعلى محاسنه، وأخلاقه، وبذلك انتهت ترجمته طبقًا لمسيرة حياته إلى نهايتها. أما الدراسة عن الكتاب فتشمل الآتي: 1 - تسمية الكتاب. 2 - إثبات نسبته إلى المؤلف، وإسناده إليه. 3 - تحقيق القول فيما أنجزه المؤلف من هذا الشرح، وبيان الموجود منه حاليًا.

4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي. 5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالًا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي من قبله، ومن بعده. 6 - أهم مميزات الشرح، وبعض الملاحظات عليه. 7 - أثر الكتاب فيما بعده من شروح جامع الترمذي وغيره. 8 - أما عملي في تحقيق الكتاب والتعليق عليه، فبينت فيه الآتي: (أ) التعريف بنسخ الكتاب الخطية، وبيان المعتمد عليه منها. (ب) خطوات تحقيق النص والتعليق عليه. (ج) بيان صعوبات تحقيق نصوص هذا الشرح. (د) عمل الفهارس الفنية للكتاب. وإني لأرجو أن أكون بذلك قد وُفِّقْتُ في خدمة هذا الشرح، وإحيائه بعد افتقاده وقدمتُ به نموذجًا لتحقيق شروح كتب السنة تحقيقًا علميًا لائقًا، ثمارها دانية لطلابها، إن شاء الله. ***

القسم الأول

القسم الأول ويشتمل على: أولًا: التعريف بالمؤلف. ثانيًا: دراسة عن الكتاب.

أولا: التعريف بالمؤلف

أولًا: التعريف بالمؤلف 1 - اسمه ونسبه: اتفقت مصادر ترجمة المؤلف على اسمه وسياق نسبه، وأطول نسب له، ساقه الحافظ ابن حجر، ومن بعده السيوطي، فقالا: محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن محمد بن أبي القاسم بن محمد بن عبد الله بن عبد العزيز بن سيد الناس، بن أبي الوليد بن منذر بن عبد الجبار بن سليمان (¬1). 2 - نسبته: تعددت نسبة المؤلف باعتبارات متعددة، فقيل له: الرَّبَعِي (¬2) ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة لابن حجر 4/ 330، ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي / 350 والوافي بالوفيات للصفدي 1/ 289، وفوات الوفيات لابن شاكر 3/ 287 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 174 وفيات سنة 734 هـ، طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين ابْن السبكي 9/ 268، ولابن قاضي شهبة 2/ 390، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني / 16. (¬2) وفي ضبطها أقوال: أكثرها عند المحدثين: فتح الراء والباء، وفي بيان المنسوب إليه فيها أقوال: فقيل إنها نسبة إلى ربيعة بن نزار، وقلما يستعمل ذلك؛ لأن ربيعة بن نزار شعب واسع، فيه قبائل عظام، وبطون وأفخاذ استُغني بالنسب إليها عن النسب إلى ربيعة، وقيل الربعي أيضًا لمن يَنتَسِب إلى ربيعة الأزد، وغير ذلك/ انظر الأنساب للسمعاني 6/ 76 - 79 أصل وهامش، وفي الوافي قال: (اليعمري الربعي) وأنظر المصادر السابقة.

3 - لقبه، وكنيته

اليَعمُري (¬1) باعتبار أصله الذي ينتمي إليه (¬2). وقيل له: الأندلسي، الإشبيلي، ثم المصري، القاهري، وهذه النسب باعتبار الموطن؛ فأصله من الأندلس، وبلدهم منها إشبيلية (¬3)، فنسب إلى العام ثم إلى الخاص ونُسب إلى مصر ثم إلى القاهرة؛ لانتقال والده إلى مصر، وإقامته بالقاهرة، حيث وُلد المؤلف بها (¬4). وقيل له (الشافعي) نسبة إلى مذهب الإِمام الشافعي في الفقه (¬5). وأشهر تلك النسب إطلاقًا عليه هي (اليَعمُري) حيث يُذكَر بها كثيرًا (¬6). 3 - لقبه، وكنيته: لقب المؤلف بـ (فتح الدين) (¬7)، وله ألقاب أخرى علمية يأتي ذِكرُها في مكانته العلمية. ¬

_ (¬1) بفتح الياء المعجمة باثنتين من تحتها، وسكون العين المهملة، وفتح الميم، وفي آخرها الراء المهملة، نسبة إلى يَعمَر، وهو بطن من كنانة/ الأنساب 13/ 514 وذكر السخاوي أن ابن نقطة وغيره من الحفاظ قد اقتصروا على هذا الضبط، ولكن النووي ضبطه بضم الميم أيضًا/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 76، وقال الشيخ زكريا الأنصاري: إنها نسبة إلى يعمر بن شدَّاخ -بفتح المعجمة وتشديد المهملة وآخره معجمة- من بني ليث/ فتح الباقي شرح ألفية العراقي، المسماة بالتبصرة والتذكرة مع شرحها للعراقي 1/ 98. (¬2) عنوان الدراية للغُبريني/ 291. (¬3) انظر الدرر الكامنة 4/ 330 وعنوان الدراية للغُبريني / 291. (¬4) الدرر الكامنة 4/ 330 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬5) طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 9/ 268 ولابن قاضي شهبة 2/ 390، وللإسنوي 2/ 510، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 76، 77. (¬6) انظر عمدة القاري للعيني، كتاب الوضوء - باب ما يقع من النجاسات في السمن 3/ 159 وألفية العراقي في المصطلح مع شرحها للعراقي، 1/ 98، وللسخاوي 1/ 60، 76. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 330، والوافي بالوفيات 1/ 289، 306 وفوات الوفيات 3/ 287 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390 وغيرها من مصادر الترجمة التي تقدمت.

4 - تمييزه عمن يشاركه في كنيته

أما كنيته، فقد كُني بابي الفتح، كَناه بذلك أول من أجازه بالحديث، وهو عبد اللطيف بن عبد المنعم بن علي، المعروف بالنجيب الحَرَّاني، كبير المسندين بمصر في وقته (¬1) حيث إن والد المؤلف أحضره في سنة مولده عند النجيب، فأجلسه في حجره وقَبَّله، وكناه بأبي الفتح، وأجازه برواية الحديث، وكان بعد ذلك يسأل والده عنه (¬2) وقد كان ابن دقيق العيد شيخ المؤلف، يناديه بتلك الكنية في درسه، كما سيأتي (¬3) واستخدمها الصفدي في مكاتباته له غير مرة؛ فمرة يقول له عن تلقي جوابه: وتلقيته بالضم إلى قلب لا يجبر منه الكسرَ غيرُ الفتح (¬4) ومرة يقول: بُدِئ الجناس بالبُستي وخُتم بمولانا، وكلاكما أبو الفتح، فصح القياس (¬5). وهناك كنية أخرى له، وهي (ابن سَيِّد الناس) وقد ذكرها له، كل الذين ترجموا له، وهي أشهر ما عُرف به، كما قرر ذلك غير واحد كالإِسنوي، وابن قاضي شهبة فقالا: المعروف بابن سَيِّد الناس (¬6). 4 - تمييزه عمن يشاركه في كنيته: هذا وتطلق كنية (ابن سيد الناس) هذه على غير واحد من أسرة المؤلف، وأقربهم والده وجَدُّه، وأخ له أصغر منه، ويشاركه في بعض شيوخه، ولكن يمكن تمييزه عن هؤلاء وغيرهم، بما لكل منهم من كنية أخرى، مثلًا؛ فوالد المؤلف يُكنى بأبي عمرو (¬7) وجده يكنى بأبي بكر، ولم تعرف له رحلة علمية إلى ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ 4/ 1491. (¬2) الوافي بالوفيات 1/ 290، 309 والدرر الكامنة 4/ 330. (¬3) وانظر الدرر الكامنة 4/ 332 والوافي 1/ 291. (¬4) الوافي بالوفيات 1/ 298. (¬5) المصدر السابق 299. (¬6) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511 ولابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 279 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 174.

5 - تحقيق تاريخ مولده

المشرق (¬1) وأخوه يكنى بأبي القاسم (¬2)، وهو كما تقدم يُكنى بأبي الفتح، فيتميز بها، إذا لم يعرف الشخص مميزات غيرها. 5 - تحقيق تاريخ مولده: لقد أرخ المؤلف بنفسه مولده فقال: ومولدي في أربع عشر ذي القعدة سنة 671 هـ بالقاهرة (¬3) وقد مشى على هذا من المترجمين له: الإسنوي (¬4) وابن حجر (¬5) وذكر السيوطي الشهر والسنة، ولم يذكر اليوم (¬6) وذكر ابن شاكر الكتبي: اليوم والشهر، وتحرفت السنة من 671 هـ إلى 661 هـ (¬7)، أما ابن كثير، فخالَف في اليوم والشهر حيث قال: ولد في العَشر الأُول من ذي الحجة سنة 671 هـ (¬8) وذكر ابن السبكي شهر ذي الحجة من نفس السنة، ولم يذكر اليوم (¬9) أما ابن قاضي شهبة فتردد، حيث قال: ولد في ذي القعدة، وقيل في ذي الحجة سنة 671 هـ (¬10). والذي يترجح من ذلك هو الأول، لأنه قد قرره بنفسه، فلا يعارضه غيره. 6 - بيئته ونشأته العلمية بعناية والده: قرر المترجمون للمؤلف أنه من بيت رياسة وعلم (¬11)، أما الرياسة ففي ¬

_ (¬1) انظر عنوان الدراية للغُبريني / 291 - 295. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 335، 336. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 309. (¬4) طبقات الشافعية له 2/ 511. (¬5) الدرر الكامنة 4/ 330. (¬6) ذيل تذكرة الحفاظ له / 350. (¬7) فوات الوفيات 3/ 287. (¬8) البداية والنهاية له 14/ 147. (¬9) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269. (¬10) طبقات الشافعية له 2/ 390. (¬11) الدرر الكامنة 4/ 330، والوافي بالوفيات 1/ 290، وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269.

موطنه الأصلي بإشبيلية، حيث أشار إلى ذلك الحافظ ابن حجر فقال في ترجمة المؤلف: وكان ابن عمه خَيِّرًا، قائدًا، حاجبًا بإشبيلية (¬1)، وقد كان المؤلف على صلة بباقي أسرته هناك، رغم استقراره بمصر، فقد كتب قصيدة طويلة في مدح ابن عمه المذكور، وأرسلها إليه (¬2). وأما العِلْم، فقد اشتهر من أسرته جماعة من العلماء بالأندلس ومصر وإفريقيا (¬3)، وخير دليل على ذلك سياق نسب المؤلف في تراجمه، إذ يقول التاج ابن السبكي عنه: الحافظ الأديب ... بن الفقيه أبي عمرو بن الحافظ أبي بكر (¬4). وقد كان لهذه البيئة العلمية أثرها في نشاة المؤلف نشأة علمية حديثية مبكرة، وكان والده أحد شيوخه في علم الحديث (¬5) وروى عنه عدة كتب بسنده عن شيوخه (¬6). كما ذكرت مصادر ترجمته أنه كان له، أو لوالده مكتبة تحوي أمهات كتب السنة (¬7). وتسلسلت بعض رواياته عن أبيه عن جده (¬8) ونقل في كتابه عيون الأثر عن بعض تعاليق جده عن شيوخه (¬9). ولم تقتصر عناية والده به على جهده هو، بل إنه أحضره في سنة مولده ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 330. (¬2) المصدر السابق / 334. (¬3) الحديث بإفريقية من القرن السادس الهجري إلى القرن الثامن/ رسالة ماجستير في السنة وعلومها، إعداد الشيخ ضو سالم مسكين التونسي، بكلية أصول الدين بالرياض سنة 1406 هـ شاركْتُ في مناقشته فيها. (¬4) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 268. (¬5) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬6) عيون الأثر للمؤلف 2/ 347. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 330، وفوات الوفيات 3/ 288 والوافي بالوفيات 1/ 292. (¬8) الوافي بالوفيات 1/ 311. (¬9) عيون الأثر للمؤلف 2/ 347.

على النجيب الحراني -كما ذكرت آنفًا- فأجازه النجيب برواية الحديث، وهو كما قال الذهبي: كبير المسندين (¬1) بعني بمصر في وقته. وبذلك توفر للمؤلف علو السند، منذ طفولته، خاصة وأن والده لم يقتصر به على اجازة النجيب هذه، بل استجاز له جماعة غيره، حيث أشار المؤلف إلى ذلك فقال بعد ذكر إجازة النجيب، وأجاز لي بعده جماعة (¬2). وواصل الوالد عنايته بولده، فلما بلغ الرابعة من عمره، وهي سن حضور الأطفال العاديين مجالس الحديث (¬3) أحضره والده أيضًا مجالس جماعة من أعيان المحدثين، وقرر ذلك المؤلف بقوله: ثم في سنة خمس وسبعين -يعني وستمائة- حضرت مجلس سماع الحديث عند جماعة، من الأعيان، منهم: الحبر الإِمام شيخ الإسلام، شمس الدين أبو عبد الله، محمد بن إبراهيم بن عبد الواحد المقدسي ... وأثبت اسمي في الطباق (¬4) حاضرًا، في الرابعة (¬5) يعني من عمره ... وقال الصفدي وابن شاكر الكتبي: وسمع حضورًا سنة خمس وسبعين -يعني وستمائة- من القاضي شمس الدين محمد بن العماد (¬6) وقال ¬

_ (¬1) تذكرة الحفاظ للذهبي 4/ 1491. (¬2) الوافي بالوفيات 1/ 309. (¬3) تدريب الراوي 2/ 5، 6. (¬4) جمع طبقة، وهي ما يكتب في آخر صفحات الكتاب أو في أي موضع من صفحاته الأخرى، ببيان أسماء من حضر مجلس الحديث واسم الكاتب، وتعرض على المُسمِع فيوقع عليها بخطه ويؤرخها، ويُكتب عادة اسم المكان الذي عُقد فيه مجلس السماع، وتكون هذه الطبقة مستندًا في الرواية لمن أثبت اسمه فيها، ويُسمَّى المذكورون فيها طبقة لاتفاقهم في السماع من الشيخ/ انظر مقدمة تحقيق كتاب (القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية) لابن طولون - والمقدمة للشيخ محمد دهمان 1/ 22، 23 مع إضافة يسيرة من جانبي للتوضيح. (¬5) الوافي بالوفيات 1/ 309. (¬6) الوافي بالوفيات 1/ 290 وفوات الوفيات 3/ 287.

7 - طلبه للحديث ورحلته فيه

ابن حجر: ثم أحضره -يعني والده- في الرابعة على شمس الدين المقدسي (¬1). وبعد مرحلة الإِحضار هذه، تأتي مرحلة السماع، وهي التي تكون من سن الخامسة على عادة المحدثين (¬2) وقد استمرت عناية والده به فيها أيضًا، حتى إنه كان يتولى بنفسه القراءة على المحدث، ويسمع ابنه بقراءته، فقد روى بذلك المؤلف بعض مسموعاته فقال: أخبرنا أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي الحراني -رحمه الله- بقراءة والدي -رحمه الله- عليه وأنا أسمع سنة 676 هـ قال: أخبرنا أبو علي ... إلخ (¬3). ويلاحظ أن تاريخ سماعه المذكور في بداية سن السماع، وبعد حضوره مجلس المقدسي المتقدم، بعام واحد، وفي سنة 677 هـ سمع "الشفاء" للقاضي عياض بقراءة والده على ابن رشيق بمصر" (¬4). وقد أخرج في شرحه لجامع الترمذي بعض مروياته بقراءة والده وهو يسمع على الشيخ أبي الفضل الموصلي، قال: أنا ابن طَبْرَزْد (¬5)، وسمع الغيلانيات أيضًا بقراءة والده على الشيخ المذكور (¬6) وسمع صحيح البخاري كذلك بقراءة والده على الشيخ عبد العزيز الحرَّاني (¬7). 7 - طلبه للحديث ورحلته فيه: بعد أن اجتاز ابن سيد الناس بعناية والده مرحلة الاستجازة والإِحضار، وطرفًا من السماع، كما تقدم، ووصل إِلى سن الطلب بنفسه للحديث، واصل ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 335. (¬2) تدريب الراوي 2/ 5، 6. (¬3) انظر الوافي بالوفيات 1/ 308، 309. (¬4) عيون الأثر في فنون المغازي والسير للمؤلف 2/ 347. (¬5) الشرح / ق 22 أ، ب. (¬6) عيون الأثر 2/ 346. (¬7) المصدر السابق 2/ 342.

السماع من الشيوخ والكتابة عنهم بنفسه، والقراءة عليهم، وقد حدد هو تاريخ الشروع في ذلك فقال: ثم في سنة 85 - يعني وستمائة- كتبت الحديث عن شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني -رحمه الله- (¬1) بخطي، وقرأت عليه بلفظي وعلى الشيوخ من أصحاب المسنِد أبي حفص بن طَبْرزَد (¬2) والعلامة أبي اليُمْن الكندي والقاضي أبي القاسم الحرستاني، والصوفي أبي عبد الله بن البنا، وغيرهم، بمصر، والإسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك (¬3). وقال الحافظ ابن حجر: وسمع على القطب القسطلاني، والعز الحراني، وابن الأنماطي (¬4) وغازي -يعني الحلاوي- وابن الخيمي، وشامية بنت البكري، ثم قال: وطلب بنفسه وكتب بخطه، وأكثر عن أصحاب الكندي، وابن طبرزد (¬5). وقال الصفدي: وسمع بمصر من العز عبد العزيز بن الصيقل، وغازي الحلاوي، وابن خطيب المزة، والصفي خليل، وتلك الطبقة، وتنزل في الأخذ من أصحاب سبط السلفي، ثم إلى أصحاب الرشيد العطار (¬6). أقول ومن تمام طلب الحديث أن يأخذ العالي والنازل من الأسانيد، وهكذا فعل المؤلف بتنزله هذا، مع توفر الأسانيد العوالي لديه منذ سنة ولادته كما تقدم. أما رحلته في طلب الحديث فيشير إليها قوله السابق: إنه قرأ بلفظه على الشيوخ الذين أشار إليهم، بالاسكندرية والشام والحجاز، وغير ذلك، فهذا يدل على رحلته إلى تلك البلاد في طلب الحديث، كما أن تحديده بداية شروعه ¬

_ (¬1) سيأتي التعريف به في التعليق على المقدمة الأولى للشارح / ق 3 ب مع التعليق. (¬2) ومن أصحابه: شيخُه أبو الفضل الموصلي السابق ذكر سماعه منه بقراءة والده. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 309. (¬4) وقد أثبت سماعه عليه قطعة من صحيح مسلم./ عيون الأثر للمؤلف 2/ 343. (¬5) الدرر الكامنة 4/ 330، 331. (¬6) الوافي 1/ 290.

في الطلب بنفسه بسنة 685 هـ كما تقدم، يفيد أن رحلاته بدأت من تلك السنة فما بعدها. وقد قرر الصفدي ذلك فقال: وفي سنة 85 - يعني وستمائة- كتب الحديث بخطه عن الشيخ قطب الدين بن القسطلاني، وقرأه بلفظه عليه، وعلى أصحاب ابن طَبْرَزْد وأصحاب الكِندي وابن الحرستاني، بمصر والشام والحجاز والإِسكندرية (¬1). ولم أجد تحديدًا لتاريخ رحلاته إلى تلك البلاد، غير الشام، حيث قرر المؤلف بنفسه سنة دخوله إلى دمشق، وتفاصيلَ عن تلقيه الحديث بها، فقال: ثم دخلت دمشق في حدود سنة تسعين وستمائة، فألفيت بها الشيخ الإمام، شيخ المشايخ -يعني أحمد بن إبراهيم بن عمر الفاروثي- وقال عنه: كان ممن قرأ القرآن بالحروف -يعني القراءات- وازدحم الناسِ على القراءة عليه، والفوز بما لديه، وطلب الحديث قديمًا، ولم يزل لذلك مديمًا وللسنة النبوية خديمًا حتى لقد سمعت بقراءته بدمشق على ابن مؤمن، وابن الواسطي، قطعة كبير من المعجم الكبير، لأبي القاسم الطبراني وربما قرأت عليه وعلى ابن الواسطي شيئًا مما اشتركا فيه من الروايات العراقيات عن عمر بن كرم، والسهروردي، وأمثالهما، ثم قال: ناولته يومًا استدعاء -يعني طلب- إجازة ليكتب عليه فكتب مرتَجلًا .... وذكر نظم الإجازة في ثلاثة أبيات، ثم أرخ وفاة الفاروثي هذا في مستهل ذي الحجة سنة 694 هـ بواسطة القصب من أرض العراق (¬2). أقول: وتأريخه دخول دمشق هذا بقوله: في حدود سنة 695 هـ يشير إلى أن هذا تحديد تقريبي، وقد حدد غيره تحديدًا دقيقًا فذكر الذهبي والصفدي وابن رجب وغيرهم: أن ابن سيد الناس رحل إلى دمشق ليدرك الفخر ابنَ البُخاري ففاته بليلتين، فتألم لذلك (¬3) وقال ابن حجر: ورحل إلى دمشق، ¬

_ (¬1) الوافي 1/ 290. (¬2) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 85 - 88. (¬3) الدرر الكامنة 4/ 331. الوافي بالوفيات 1/ 290 وذيل طبقات الحنابلة لابن رجب 2/ 327 وفوات الوفيات 3/ 288.

فاتفق وصوله عند موت الفخر ابن البخاري فتألم لذلك (¬1). وحدد الاسنوي الموضع الذي وصله ابن سيد الناس عند موت ابن البخاري فقال: ورحل إلى الشام سنة 690 هـ ليدرك الفخر بن البخاري، فمات وهو بالكسوة (¬2) أقول: والكسوة هذه قرية على مشارف دمشق بالنسبة للخارج إلى القاهرة (¬3) وعندما نراجع تاريخ وفاة ابن البخاري نجده محددًا بضحى يوم الأربعاء 2 ربيع الأخر سنة 690 هـ (¬4). ومقتضى هذا أن ابن سيد الناس وصل الكسوة المشار إليها آنفًا في هذا التاريخ ووصل منها إلى دمشق بعد يومين أي في 4 أو 5 ربيع الآخر سنة 690 هـ. وهذا يُشكِلُ عليه ما ذكره الذهبي وغيره من أن الفاروثي الذي وجده ابن سيد الناس في دمشق، قد دخلها سنة 691 هـ (¬5) فكيف يلقاه ابن سيد الناس فيها في ربيع الأخر أوما بعده من شهور سنة 690 هـ؟. خاصة وأن عبارة ابن سيد الناس تفيد سبق وجود الفاروثي على دخوله هو، حيث يقول كما تقدم: (ثم دخَلْت دمشق في حدود سنة 690 هـ فألفَيت بها الشيخ ... إلخ هـ؛ فلا أرى هذا يستقيم، إلا إذا قيل: إن في تحديد تاريخ أي منهما وهمًا أو تجاوزًا. وعلى كل فإن تألم ابن سيد الناس لعدم ادراك السماع من ابن البخاري؛ لأنه كان متفردًا بالرواية عن شيوخ كثيرة (¬6) وانتهت إليه الرياسة في الرواية (¬7) ¬

_ (¬1) الدرر 4/ 330. (¬2) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 510. (¬3) معجم البلدان 7/ 252 بتصرف. (¬4) ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329. (¬5) العبر للذهبي 5/ 381 ط الكويت وذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 86. (¬6) ذيل ابن رجب على طبقات الحنابلة 2/ 329. (¬7) المصدر السابق.

وقال الذهبي (هو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي -صلى الله عليه وسلم- ثمانية رجال ثقات) قال ابن رجب: يريد بالسماع المتصل (¬1). ولعل فوقه كان حافزًا للمؤلف على تعويض ذلك بإكثار الأخذ عمن أدركهم غيره، في تلك الرحلة، قال ابن حجر: وأكثر عن الصوري، وابن عساكر وابن المجاور، وغيرهم (¬2). وزاد الصفدي على هؤلاء فقال: وأبي إسحاق بن الواسطي، وطبقتهم (¬3). وقال ابن كثير: ودخل دمشق سنة 90 هـ -يعني وستمائة- فسمع من الكِنْدي وغيره (¬4). وقال ابن قاضي شُبهة: وسمع الكثير من الجم الغفير (¬5). وبتلك الرحلات والأخذ فيها عمن أدركهم من عيون المحدثين والمسندين، ازدادت حصيلته من الرواية والدراية، وتوافرت له الأسانيد العالية والنازلة. وقد سأل ابن أيبك مسائل لابن سيد الناس عن أحفظ من لقيه، فجمع له من ذلك عددًا غير قليل، كما سيأتي ذكره في مؤلفاته (¬6). ثم إنه لم يكتف بذلك، بل اجتهد في تحصيل إجازات المحدثين، خاصة من أهل البلاد التي لم يُعرَف له رحلة إليها، كما أشار إلى ذلك، حيث قال: وأجاز لي جماعة من الرواة بالحجاز والعراق والشام، وإفريقية والأندلس، وغيرها ¬

_ (¬1) المصدر السابق. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 331، وانظر بعض مروياته عن الصوري وغيره فمن أثبت أخذه عنهم بدمشق وضواحيها وذلك في كتابه عيون الأثر 2/ 342 - 346. (¬3) الوافي 1/ 290. (¬4) البداية والنهاية 14/ 147. (¬5) طبقات الشافعية 2/ 390. (¬6) وانظر ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 77، 83، 86، 90، 94.

8 - ملازمته وتخرجه

ممن يطول ذكرهم (¬1) وقال ابن حجر: وأجاز له جَمع جَم من العراق وإفريقية وغيرها (¬2). وقال ابن كثير: وسمع الكثير، وأجاز له الرواية عنهم جماعات من المشايخ (¬3). ومن أجل هذا حَق للذهبي وغيره أن يقول: لعل مشيخته يقاربون الألف (¬4). 8 - ملازمته وتَخَرُّجه: بعد أن توافر لابن سيد الناس معظم عناصر تكوين شخصيته الحديثية من حضور وسماع، للعالي والنازل من أسانيده، وكتابة للحديث عن الشيوخ وقراءة عليهم، ورحلة إِليهم. وإجازات منهم، يبقى عنصران هامان، وهما الملازمة والتخرج في علم الحديث، وذلك يستدعي القيام بملازمة عالم أو أكثر من علماء الحديث مدة كافية، بمعنى أن الطالب يواظب على حضور دروس الشيخ ومجالسه الحديثية؛ بحيث يثمكن من مدارسة فنون الحديث، ودرايتها، ويتمرس بالفن، حتى يتضح لشيخه أنه قد أصبح كفء لإفادة غيره من طلاب الحديث، وعندئذ يكتب له إِجازة برواية الحديث وتدريسه ويقال حينئذ: إن هذا التلميذ قد تخرج على الشيخ الفلاني أو المشايخ في علم الحديث قال في المعجم: خَرَّجَه في العلم أو الصناعة دربه، وعلمه، والمتعلم: خِرِّيج (¬5). وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن سيد الناس قد لازم ابن دقيق العيد (¬6) ولم يحدد مدة، أنها ابن قاضي شهبة فقال: وأخذ علم الحديث عن والده، ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 310. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬3) البداية والنهاية 14/ 147. (¬4) الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331 وذيل السيوطي على تذكرة الحفاظ / 350. (¬5) المعجم الوسيط مادة (خرج) / 224. (¬6) الدرر الكامنة 4/ 331.

وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة، وتخرَج عليه، وقرأ عليه أصول الفقه (¬1) وقال السيوطي: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه، وأعاد عنده عليه يعني في الحديث، حيث كان ابن دقيق العيد شيخ الحديث بالمدرسة الكاملية بالقاهرة (¬2) وقد قال الصفدي: كان الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يحبه، ويؤثره، ويركن إلى نقله، ثم أيد ذلك بما حكاه عن زميل لابن سيد الناس، وهو القاضي إسماعيل بن القيسراني قال: كان الشيخ تقي الدين إذا حضرنا درسه، وتكلم، فإذا جاء ذكر أحد من الصحابة، أو أحد من رجال الحديث قال: ايش ترجمة هذا يا أبا الفتح؟ فيأخذ فتح الدين في الكلام وشرد، والناس كلهم سكوت، والشيخ مصغ إلى ما يقوله أ. هـ (¬3). ومن هذا كله يتضح أن تخريج ابن دقيق العيد له كان في علم الحديث. غير أن الحافظ ابن حجر قال: ولازم ابن دقيق العيد، وتخرج عليه في أصول الفقه، وأعاد عنده (¬4) ولم يذكر تخرجه به ولا بغيره بها علم الحديث، مع أنه لا بد أن يكون قد تخرج في هذا العلم وأجيز بتدريسه، لكونه تولى مشيخة الحديث في الظاهرية، كما سيأتي في (وظائفه) وهذا لا يتأتى بدون إجازة وتخرج، فلعل الحافظ ابن حجر لم يذكر تخرجه بابن دقيق العيد في الحديث لظهوره، حيث إن ابن دقيق العيد أذن له بالإِعادة عنده في الحديث، وعول على كلامه فيه أثناء دروسه كما ذكرت، وهذا يقتضي تخرجه فيه، ولم أجد ذكرًا لملازمة ابن سيد الناس ومباحثته في الحديث هكذا مع أحد غير ابن دقيق العيد، فيكون ابن سيد الناس قد تخرج به في علم الأصول بجانب تخرجه به في علم الحديث. وبهذا اكتملت لابن سيد الناس أكثر جوانب شخصيته الحديثية، رواية ودراية وتخرجًا، وتأهل بذلك لما سيأتي في جوانب الإِثمار، من أداءٍ لما تحمل، وتدريس لما تعلم، وتأليف لما تمكن من التأليف فيه. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 2/ 390. (¬2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 300. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331. (¬4) الدرر الكامنة 4/ 331.

9 - دراساته الأخرى

9 - دراساته الأخرى: لم تكن عناية المؤلف بتحصيل علوم السنة واختصاصه بها، مانعة له من دراسة بقية العلوم الإِسلامية، بل إن علوم السنة يَحتاجُ التمكنُ منها إلى دراسة العلوم الأخرى المساعدة على ضبطها، وفهمها، والإستنباط منها، فتكون أدوات معينة، ومكملة لشخصية المحدث العلمية. ولذا جاء في مصادر الترجمة للمؤلف أنه بجانب اشتغاله المكثف بعلوم الحديث قد اشتغل بتحصيل عدة علوم أخرى مثل أصول الفقه، الذي تقدم قول ابن حجر إن ابن سيد الناس تخرج فيه على ابن دقيق العيد. وذكر غير واحد ممن ترجمه أنه حفظ كتاب (التنبيه) (¬1) وهو أحد متون الفقه الشافعي، وقال الإسنوي وابن قاضي شهبة: إنه تفقه على مذهب الشافعي (¬2). وسيأتي في دراستي عن شرحه للترمذي أنه يعبر عن الشافعية بقوله: أصحابنا. وقال الحافظ ابن حجر: إن ابن سيد الناس أخذ العربية عن بهاء الدين بن النحاس وكتب الخط المغربي، والمصري، فأتقنهما (¬3)، وقال الصفدي وابن شاكر: وكتب بالمغربي طبقة، كما كتب بالمشرقي طبقة (¬4) وقد قال للصفدي: لم أكتب على أحد (¬5) يعني لم يتعلمه على يد أحد الخطاطين، ومع ذلك وُصِف بأنه كان حسن الخط، سريع الكتابة (¬6) ولذا سيأتي عدُّ ذلك من مواهبه الشخصية، لكنا ننبه إلى أن أخذ أي علم أو فن عن أهله أولى وأفود، وأبعد عن الزلل. ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 231 وطبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511. (¬2) طبقات الشافعية للإسنوي 1/ 512 ولابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬3) الدرر الكامنة 4/ 231 وانظر طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511. (¬4) الوافي بالوفيات 1/ 292، وتقدم أن الطبقة عبارة عن قائمة تكتب بأسماء من يحضرون سماع الحديث على أحد شيوخه، ثم يوقع لهم الشيخ عليها بإثبات سماعهم منه، وانظر مقدمة تحقيق (القلائد الجوهرية) 1/ 21، 22. (¬5) الوافي 1/ 292. (¬6) الدرر الكامنة 4/ 331 والوافي 1/ 290 والبداية والنهاية 14/ 147.

ومما درسه أيضًا بدون تلمذة على شيخ: علم العروض، فقد قال للصفدي: لم يكن لي في العروض شيخ، ونظرت فيه جُمعة، فوضعت فيه مصنفًا، ثم قال الصفدي: وقد رأيت هذا المصنف (¬1)، وإلى جانب تأليفه هذا، وُصِف بأنه: كان النظم عليه بلا كلفة، ولا يكاد يتكلم إلا بالوزن (¬2) وسيأتي عَدُّ ذلك من مواهبه أيضًا. وذكر ابن كثير مما برع فيه ابن سيد الناس علم السِير والتواريخ (¬3) أقول: ويؤيد ذلك ما سيأتي من تأليفه في السيرة النبوية، وفي تراجم أَحفظ من لَقِي، كما سيأتي أن الصفدي استجازه بما عنده من تفسير كتاب الله، هذا وقد وصف ابن سيد الناس من أكثر من واحد بأنه أديب يجيد فنون الأدب نظمًا ونثرًا، وترسُّلًا، وذُكِرَ في مصادر ترجمته كثيرٌ من نظمه، ونماذج من نثره (¬4) ومع هذا لم أجد في مصادر ترجمته المتعددة أخذَه لعلوم الأدب عن أحد؛ غير أنه في مقدمة كتابه "بشرى اللبيب" ذكر أنه روى قصيدة كعب بن زهير: "بانت سعاد" في مدح النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولم يَذكُر من رَواها عنه من شيوخه (¬5)، وأيضًا تلميذُه الصفَدي لما طلب منه أنه يجيزه بمروياته، عَد منها كُتبَ الأدب، كما سيأتي، وذلك يدل على معرفته بوجود مرويات من كتب الأدب لدى شيخه، كما أن شيخه قد أجابه بالإجازة بكل ما طَلَب، ومنه كُتب الأدب كما سيأتي ذكره مع إشارته إلى تقدم الصفدي عليه فيه. ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 291. (¬2) الوافي 1/ 293. (¬3) البداية والنهاية 14/ 147. (¬4) انظر الوافي بالوفيات 1/ 293، 300 وفوات الوفيات لابن شاكر 3/ 288 - 292. والطبقات الكبرى لابن السبكي 9/ 270 - 272. (¬5) انظر المقدمة في فهرس معهد المخطوطات بالكويت 1/ 20.

10 - شيوخ المؤلف وشيخته

10 - شيوخ المؤلف وشَيخَتُه، والتعريف بنماذج متميزة منهم: (أ) تعريف عام: تقدم قول الذهبي وغيره: إن شيوخ المؤلف يقاربون الألف. وهذا يدل بوضوح على اجتهاده في الطلب، وتوسعه فيه داخل مصر التي اتخذها موطنًا، وخارجها، وقد مر معنا ذِكْرُ ابن سيد الناس عددًا من شيوخه الذين أخذ عنهم خلال مراحل طلبه للعلم، كما مر أيضًا ذِكْر المترجمين له بعضَ شيوخه البارزين، ومنهم والدُه (¬1)، وسيأتي في بيان مصادره الشفاهية في شرحه للترمذي ذِكْره ثلاثة من شيوخه، قرر في شرحه السماع منهم رواية ودراية، ومنهم شيخه الذي روى عنه جامع الترمذي وغيره، حيث ساق سنده بجامع الترمذي في المقدمة الأولى لشرحه، وذكر أن أول من بَيْنَه وبين الترمذي من الإِسناد: شيخُه أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن تَرجم ... ثم قال: وكان صحيح السماع سمعت منه جامع الترمذي وغيره (¬2). وأيضًا تقدم ذكر ابن حجر شيخةً له ضمن من سمع عليهم الحديث، وهي شامية بنت البكري، وسيأتي التعريف بها مفصلًا باعتبارها نموذجًا لإسهام المرأة المسلمة في تحمل الحديث وأدائه في عصر المؤلف. وفي كتابه (عيون الأثر) أخرج أحاديث كثيرة بسنده عن شيوخه، منذ مرحلة الإحضار في الطفولة بواسطة والده كما تقدم، إلى مرحلة الطلب بنفسه داخل مصر والرحلة خارجها، وساق أيضًا في نهايته أسانيده بأهم مصادره فيه (¬3). وأيضًا قد سأله ابن أَيبك عن أحفظ من لَقي، فجمع له عددًا وترجم ¬

_ (¬1) وقد روى عنه بعض الأحداث التي أدركها وعددًا من كتب السنة كما أشرت من قبل وانظر الوافي 1/ 311 وذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 90. (¬2) الشرح/ ق 3 أ، ب مع التعليق عليها بالتعريف بشيخه المذكور. (¬3) انظر عيون الأثر 1/ 22، 24، 26، 67، 69، 72، 75، 80، 81، 102، 114، 121، 125، 152، 181، 182، 187، 188، 189، وجـ 2/ 342 وما بعدها.

(ب) تعريف بنماذج متميزة من شيوخه

لهم، وقد نقل عنه ابن فهد في تراجمه لعدد منهم في ذيل تذكرة الحفاظ، ومنهم: 1 - إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن المخزومي، المعروف بابن قريش المتوفى سنة 694 هـ. وقال عنه المؤلف: رَوينا عنه، وكان ممن حصل الرواية والدراية والإسناد (¬1). 2 - ومنهم نقيب الأشراف في وقته، عز الدين أبو القاسم أحمد بن محمد بن عبد الواحد الحسيني المتوفى سنة 695 هـ، وقال عنه المؤلف: السيد الإمام الحافظ النَّسابَة ... وَردْتُ بَحْره، وحاضرته في عنفوان الشبيبة غير مرة (¬2). كما أنه أشار في ترجمة أحدهم -كما سيأتي- أنه في رحلته الأولى وما بعدها إلى الإسكندرية قد كتب عن زهاء مائة شيخ (¬3). (ب) تعريف بنماذج متميزة من شيوخه، وبيان أثرهم فيه: وسأعرف هنا بإيجاز، بنماذج متميزة من شيوخه، بمعنى أن كلا منهم يُمثل جانبًا علميًا وله به أثر في التكوين العلمي لشخصية ابن سيد الناس: 1 - ابن دقيق العيد، وتأثيره: هو الإِمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ العلامة، شيخ الإسلام، تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري، المنفلوطي، الصعيدي، المالكي والشافعي، ولد في شعبان سنة 625 بقرب "ينبع" من الحجاز، وتوفي في صفر سنة 702 هـ، "ودقيق العيد" لقب لجده "وهب". وصف ابن دقيق العيد بأنه كان إمام أهل زمانه، عارفًا بالمذهبين -يعني المالكي والشافعي- إمامًا في الأصلين -يعني أصول الدين وأصول الفقه- حافظًا متقنًا في الحديث وعلومه ويضرب به المثل في ذلك، اتفِق على أنه المبعوث على رأس ¬

_ (¬1) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 83، 84. (¬2) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 89، 90، وانظر باقي من ذكرهم / 77، 94. (¬3) المصدر السابق/ 94.

المائة السابعة لتجديد أمر الدين، وولي القضاء سنين، ودرّس بالشافعي، وبدار الحديث الكاملية وصنف كُتبًا جليلة، منها: (الاقتراح) في اختصار كتاب ابن الصلاح، في علوم الحديث (¬1) ومنها (الإِلمام) في أحاديث الأحكام، مطبوع بدون. تحقيق، ومنها -الإمام بهمزة مكسورة بعدها ميم- حَكى الإِسنوي عن ابن عَدلان: أن الشيخ أكمله، وحسده عليه بعض الكبار في علم الحديث، فدَس من سرق أكثر أجزائه وأعدمها، وبقي منه بأيدي الناس نحو أربعة أجزاء، وقد توسع فيه ابن دقيق العيد كثيرًا، كما يظهر من القطعة الموجودة منه حاليًا (¬2). وتأثير ابن دقيق العيد في ابن سيد الناس عميق ومتنوع؛ حيث إنه كما قدمت آنفًا، قد لازم الشيخ سنين كثيرة، حضر فيها دروسه ومباحثاته، وتمرس خلالها بفنون الحديث، وبأصول الفقه، حتى تخرج على الشيخ فيهما، كما شغل وظيفة "معيد" عند الشيخ بمدرسة الحديث الكاملية، وذكر المترجمون لابن سيد الناس كما تقدم، أن ابن دقيق العيد كان يحبه ويُؤْثِره، ويَركَن إلى نقله، فعندما يجلس في الدرس "ويتكلم ويجيء ذكر أحد الصحابة أو الرواة قال: أيش ترجمة هذا يا أبا الفتح؟ فيأخذ فتح الدين في الكلام ويَسرُد، والناس كلهم سكوت، والشيخ مُصغ إلى ما يقوله" (¬3). وكان ابن سيد الناس بدَوْره يُحل شيخَه من نفسه المحل الأعلا، ويقرر تأثيره العلمي فيه، ويقدره حق تقدير، ومما قاله في ذلك: "لم أر مثله فيمن ¬

_ (¬1) وقد طبع محققًا، وحققه الأخ الشيخ علي اليحيى المحاضر بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم، مع دراسة مستفيضة عن المؤلف وعن الكتاب، وحصل بذلك على درجة التخصص (الماجستير) في السنة وعلومها سنة 1404 هـ وكنت عضو مناقشة للرسالة. (¬2) ويوجد منه حاليًا مجلدان من أوله، ومنهما نسختان: إحداهما بمكتبة الشيخ بديع الدين بباكستان والأخرى بدار الكتب المصرية، ولدى الأخ الشيخ صالح آل الشيخ المعيد بكلية أصول الدين، صورتان ورقيتان للنسختين، كما أفادني هو بذلك مشكورًا، ووعدني باطلاعي عليهما في وقت لاحق بمشيئة الله. (¬3) انظر الوافي بالوفيات 1/ 291 والدرر الكامنة 4/ 331.

رأيت، ولا حَملْت عن أجل منه فيما رأيت ورَوْيت" ... في كلام طويل أعطى فيه شيخه حقه من الثناء، وبيان علو مكانته العلمية (¬1). وسيأتي في دراسة شرح ابن سيد الناس للترمذي أن من مصادره فيه، النقل المتعدد عن بعض مؤلفات شيخه، وما سمعه منه مشافهة؛ لكن يجدر التنبيه أيضًا إلى أن تأثر المؤلف بشيخه وإعجابه به وتقديره، لم يمنعه من تعقبه في بعض الأحيان فيما ينقله عنه، وهذا هو الموقف اللائق، بالتلميذ من أستاذه، فلا يجعل إعجابه به مانعًا من مخالفته الرأي إذا بدا له أن الحق مع غيره، مع التزامه في ذلك خلق العلماء في الحوار والنقد. ومن جهة أخرى، فإن أحد أقران ابن سيد الناس وزميله في التلمذة على ابن دقيق العيد، وملازمته قرر: أنه تأثر في منهجه في شرح الترمذي بشيخه فقال: (وشرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمل؛ لكنه قصد أن يَتبع شيخه ابن دقيق العيد، فوقف دون ما يريد!) (¬2). وسيأتي رد كلام هذا القرين من جهة دعواه وقوف ابن سيد الناس دون ما يريد، ولكن المقصود هنا تقرير تأثره بشيخه ورؤية قرينه أنه حاول ترسم خطى شيخه في شرحه للحديث من مختلف جوانبه الحديثية والأصولية والفقهية، واللغوية وغيرها كما سيأتي في بيان منهجه، ولعل قرينه هذا يشير إلى شرح ابن دقيق العيد المسمى (بالإِمام) على شرح كتابه الإلمام، فقد توسع فيه ابن دقيق العيد كثيرًا كما قدمت. وبهذا يظهر لنا بجلاء أثر ابن دقيق العيد في تلميذه ابن سيد الناس سواء من ناحية شخصه، أو من ناحية تكوينه العلمي، ونتاجه في علوم السنة وغيرها. ¬

_ (¬1) انظر طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 9/ 257 وما بعدها. (¬2) راجع فيما أوردته في ترجمة ابن دقيق العيد، تذكرة الحفاظ 4/ 1482، 1483 وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 207 ما بعدها، ولابن قاضي شهبة 2/ 299. وما بعدها.

2 - أبو الحسن الغَرَّافِي (¬1) - أحد شيوخ الرحلة في طلب الحديث: هو تاج الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد المحسن بن أبي العباس، الحسيني الإسكندري، الإمام العلامة، الثقة، الفقيه، ولد بعد العشرين وستمائة، وهو نموذج لشيوخ المؤلف الذين تلقى عنهم الحديث في رحلاته إلى الإسكندرية، وقد ذكره ضمن أحفظ من لَقِي من الشيوخ، وقال عنه: ثم دخلت الإسكندرية، وكتبتُ بها في رحلتي الأولى، وما بعدها عن زهاء مائة شيخ، لم يكن فيهم من بُشار بالعلم إليه، ويعول في المعرفة عليه إلا السيد، الشريف، الإمام، العالم، المحدث، المفيد تاج الدين ... كان ذا معرفة وإتقان، وتقدم بين الأقران، له أسانيد عَلِيَّة، ونظر في الفقه وأهلية ... ، ثم قال: كان شيخًا بدار الحديث البهية، وكتب عنه شيخنا ابن دقيق العيد، وجماعة من الأكابر اهـ. وقد توفي هذا الإمام سنة 704 هـ (¬2). وكلام ابن سيد الناس هذا عنه، يفيد أنه كان يقدر شيخه هذا قدره، ويرى تميزه عن باقي شيوخ جهته بالمعرفة وعلو الإسناد، وأنه استفاد منه، وكتب عنه الحديث بأسانيده العالية بحيث ساوى في روايته عنه شيخه ابن دقيق العيد، وهذا يمثل أثر هذا الشيخ في التكوين الحديثي للمؤلف. 3 - شامية بنت البكري، أَمَةُ الحق، وأثرها: هذه الشيخة كما قدمت تعتبر نموذجًا لإِسهام المرأة المُسلِمة في عصرها في تحمل الحديث وأدائه لطلابه، واصِلَةً بذلك حَبل سلفها الصالحات، المتسلسل إلى أمهات المؤمنين وغيرهن من حَملة السنة ومؤديها عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فمن بعده ... وهي أيضًا دليل على همة المؤلف في الطلب، بحيث لم يقتصر على حملة السنة من الرجال، مع كثرتهم، بل طلب ما عند النساء، خصوصًا ما تفردن بروايته آنذاك كما هو شأن شيخته هذه، فقد ترجم لها الذهبي بقوله: شامية، ¬

_ (¬1) بفتح الغين المعجمة، وتشديد الراء، وفاء موحدة. (¬2) انظر ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 94، 95.

أَمةُ الحق، بنت الحافظ أبي علي الحسن بن محمد بن البكري، روت عن جد أبيها، وجدها وحنبل، وابن طَبْرَزْد، وتفردت بعدة أجزاء، توفيت بـ (شَيْزَر) عند أقاربها في أواخر رمضان -يعني من سنة 685 هـ- عن سبع وثمانين سنة (¬1). ومن ذلك يظهر أنها تميزت بتفردها في وقتها برواية عدة أجزاء حديثية، فاستفاد منها ابن سيد الناس في ذلك، وتاريخ ومكان وفاتها يدلان على أخذه عنها في أواخر أيامها بالقاهرة، وذلك في مرحلة السماع من مراحل طلبه للحديث كما تقدم، وقد روى بعض ما تحمله عنها، فقال: قُرِئ على الشيخة الأصيلة، أمةُ الحق، شامية بنت الإمام الحافظ أبي علي، الحسين بن محمد بن محمد بن محمد البكري، وأنا أسمع، بالقاهرة، قالت: ... وساق سندها إلى أبي القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ... (¬2). أقول فلعل هذا الحديث، من الجزء الحديثي المعروف لأبي القاسم البغوي (¬3) ويكون من الأجزاء التي تفردت بروايتها كما قال الذهبي آنفًا. 4 - بهاء الدين ابن النحاس - شيخه في علم النحو: هو محمد بن إبراهيم بن محمد بن أبي نصر، أبو عبد الله، بهاء الدين، ابن النحاس، الحلبي، النحوي، قال عنه الذهبي: العلامة الأوحد، شيخ العربية والأداب بمصر (¬4) وقال السيوطي شيخ الديار المصرية في علم اللسان، ولد سلخ جمادي الآخرة سنة 627 هـ، وأخذ العربية عن الجمال بن عَمرون، والقراءات على الكمال الضرير، وسمع وروى عن ابن اللَّتِّي، وابن يعيش، وغيرهما، دخل مصر وأخذ من بقايا شيوخها، ثم جلس للإِفادة، وتخرج به جماعة من الأئمة، وفضلاء الأدب، وهو مشهور بالدين والصدق والعدالة، ¬

_ (¬1) العبر للذهبي 5/ 352. (¬2) عيون الأثر 1/ 68، 69. (¬3) الرسالة المستطرفة / 89، وكشف الظنون 1/ 586. (¬4) معرفة القراء الكبار 2/ 729.

11 - توثيق المؤلف، والجواب عما انتقد به

وحسن الأخلاق، وكان له مكانة كبيرة في نفوس الناس، واقتنى كتب كثيرة، وعرف بحل المشكلات والمعضلات، وفُوِّض إليه تدريس التفسير بعدة أماكن، وكانت مسموعاته من كتب الأدب بأسانيدها، غاية في الكثرة، وتوفي سنة 698 هـ (¬1). أقول: وهذا الشيخ نموذج لشيوخ المؤلف في العلوم المساعدة لتخصصه الأصلي، وهو الحديث، حيث قرر ابن حجر وغيره أن ابن سيد الناس قد أخذ النحو عنه (¬2) فهذا أثره في تكوينه العلمي. ويلاحظ مما تقدم عنه تضلعه في مرويات كتب الأدب، ومع ذلك لم أجد مَنْ ذكر أَخْذَ المؤلف عنه شيئًا من ذلك، ولا عن غيره، مع أن علم الأدب، هو ثاني علم عُرف به المؤلف بعد علم الحديث، وقد سبق ذكرى لدلائل وجود مرويات أدبية للمؤلف، وإجازته للصفدي بها. 11 - توثيق المؤلف، والجواب عما انتُقِد به: لقد دُوِّنَت السنة النبوية في أمهاتها، وحُكِم بالقَبول أو الرد على أكثر أسانيدها المدونة بها؛ ولكن المحدثين في كل عصر ما يزالون يحرصون على توفر الثقة، من عدالة وضبط، فيمن يشتغل بعلم الحديث رواية ودراية، حرصًا منهم على أن سلسلة أسانيد السنة التي اختصت بها الأمة تبقى متصلة بالثقات إلى يوم الدين (¬3). ولذا عَنيَ أكز المعاصرين لابن سيد الناس بتوثيقه، وانتقده بعضهم، بما لم يوافَق عليه، وإليك التفصيل: (أ) عقيدته: وصفه البِرْزَالي -وهو معاصره- والصفدي -وهو تلميذه الملازِم- بأنه ¬

_ (¬1) معرفة القراء الكبار للذهبي 2/ 729 وبغية الوعاة للسيوطي / 6 ط أولى بمصر. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬3) انظر التقريب وشرحه التدريب 1/ 340، 341.

(ب) أخلاقه ومواهبه

كان صحيح العقيدة (¬1) وقال ابن كثير: وله العقيدة السلفية الموضوعة على الآي والأخبار والآثار، والاقتفاء بالآثار النبوية (¬2). (ب) أخلاقه ومواهبه: قال الذهبي في معجم شيوخه المختص: كتب بخطه المليح كثيرًا، وقال الشعر البديع، كان حلو النادرة، حسن المحاضرة، جالسته، وسمعت بقراءته، وأجاز لي مروياته (¬3). وقال أيضًا: كان طيب الأخلاق، بَسَّامًا، صاحب دُعابة، ولَعِب، صدوقًا في الحديث حجة فيما ينقله (¬4) وقال أيضًا: كان بسامًا، كيسًا، معاشِرًا، لا يحمل هَمًّا (¬5). وقال أيضًا: ذو الفنون، والذهن الوقاد، قل أن ترى العيونُ مثله، في فهمه وعلمه، وسيلان ذهنه، وسعة معارفه، وحُسن خطه ... وكان طيب الأخلاق، ذا كرم وبذل، وإعارة لِكُتبه (¬6). وقال البِرْزَالي: كان سريع القراءة، جميل الهيئة، كثير التواضع، طيب المجالسة، خفيف الروح، ظريفًا، كيسًا، له الشعر الرائق، والنثر الفائق، وكان مُحبًا لطلبة الحديث، لم يخلف في مجموعه مثله (¬7). وقال القطب الحلبي -وهو من أقرانه-: ثَبْت فيما ينقل ويضبط، من أحسن الناس محاضرة (¬8). وقال ابن كثير: له جودة البديهة، وحسن الطوية (¬9). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 331، 333 والوافي 1/ 291. (¬2) البداية والنهاية 14/ 147 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬3) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬4) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬5) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬6) الدرر الكامنة 4/ 334. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 331، 332. (¬8) الدرر الكامنة 4/ 332. (¬9) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391، والبداية والنهاية 14/ 147.

(ج) الانتقادات الموجهة إليه، والجواب عنها

وقال تلميذه الصفدي: وكان صحيح القراءة سريعها، كأنها السيل اذا انحدر، سريع الكتابة، كتب خِتْمة في جُمعة ... جيد الذهن، يفهم به النكت العقلية، ويسارع إليها (¬1)، وقال أيضًا: كان حسن الخط جدًّا، حسن المحاورة، لطيف العبارة، وكان صحيح القراءة سريعًا، ولم أسمع أفصح منه ولا أسرع، وكان يكتب المصحف في جمعة واحدة (¬2). وقال أيضًا: خَطهُ أبهج من حدائق الأزهار، ... حسن المحاورة، لطيف العبارة، فصيح الألفاظ، كامل الأدوات، جيد الفكرة، صحيح الذهن، جميل المعاشرة، لا تُمَل محاضرته ... كريم الأخلاق، كثير الحياء، زائد الاحتمال، حسن الشكل والعِمَّة قل أن ترى العيونُ مثلَه (¬3)، وبنحو ذلك وصفه ابن شاكر أيضًا، وهو من معاصريه (¬4). (ج) الانتقادات الموجهة إليه، والجواب عنها: هذا وقد وجهت إلى ابن سيد الناس بعض انتقادات، معظمها صادر من نفس الذين أثنوا عليه بما تقدم، وجمعوا بين تلك الانتقادات والتوثيق والثناء في سياق متتابع؛ فالصفدي مع وصفه لشيخه بجودة الذهن، وتوقده، قال: ولكن جَمَّد ذهَنه، لاقتصاره به على النقل (¬5)، وقال: أيضًا: ولو كان اشتغاله بقدر ذهَنه، كان بلغ الغاية القُصوى، ولكنه كان فيه لَعِب، ثم استدرك قائلًا: على أنه ما خَلَّف مثلَه، لأنه كان متناسب الفضائل (¬6). وقال أيضًا: ولو كان اشتغاله على قدر ذهنه، لبلغ الغاية القصوى، لكنه كان يَتلهَّى عن ذلك بمعاشرة الكبار (¬7). ¬

_ (¬1) الوافي 1/ 291. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 290. (¬4) فوات الوفيات 3/ 278. (¬5) الوافي بالوفيات 1/ 291. (¬6) المصدر السابق 1/ 291. (¬7) الدرر 4/ 333، 334.

وقال الذهبي -بعد الثناء عليه-: وعليه مآخذ في دينه، وهديه، والله يصلحه وإيانا (¬1). وقال أيضًا: ولو أكب على العِلْم كما ينبغي، لشُدَّت إليه الرحال، ولكنه كان يتلهى عن ذلك بمباشرة الكِتْبة (¬2). وقال ابن كثير -بعد الثناء على عقيدته وخُلقه وعلمه كما تقدم-: ولم يَسْلَم من بعض الانتقاد، ... ويُذكَر عنه سوء أدب، في أشياء أخر، سامحه الله فيها (¬3). وقال الكمال الإِدْفَوِي -قرين المؤلف- في كتابه البدر السافر: وخالط أهل السفَهِ وشَراب المُدام، فوقع في المَلام، ورُشِق بسهام الكلام، والناس مَقارِن، والقرين يُكرم ويُهان باعتبار المُقارِن (¬4). والجواب عن كل ذلك من وجهين: أولًا: أن الذين ذكروا هذه الأمور، قد سبقوها أو أتبعوها بذكر محاسن له تكفي في دفع تأثير تلكم الانتقادات في علمه ودينه، وخلقه، وكأنهم يشيرون إلى أنه مع رفعة مكانته، وشهرته بالعلم والخلق، لم يَسْلَم من بعض الانتقادات التي وجهت إليه وإن كانت غير قادحة في مقابل محاسنه الكثيرة. ويتضح ذلك في مثل قول الصفدي مثلًا؛ فإنه بعد أن قال: (ولكنه كان فيه لعِب) استدرك قائلًا: على أنه ما خَلَف مثلَه؛ لأنه كان متناسب الفضائل. وأيضًا ابن كثير، والإِدفوي قد عَقَّبا على انتقادهما السابق بأنه مع ذلك لم يَخلُف بعدَه في مجموعه مثلَه علمًا ومعرفة، كما سيأتي في بيان مكانته العلمية (¬5). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬3) البداية والنهاية 14/ 147 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬4) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 392. (¬5) انظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 392. والبداية والنهاية 14/ 147.

وقال الذهبي بعد وصفه بالدُّعابة واللعب: إنه كان صدوقًا في الحديث، وإن محاسنه جمة (¬1). ثانيًا: وصفُه بجمود الذهن؛ لاقتصاره على النقل، يرده ما سيأتي في دراسة شرحه للترمذي، من أنه جعل من منهجه ابداء آرائه وترجيحاته، وردوده وتعقباته على من سبقه من العلماء، وقد ذكرت هناك أمثلة تؤيد ذلك. كما ردَدْتُ في دراسة الكتاب أيضًا على قول الإدفوي قرين المؤلف: إنه قَصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد، فوقف دون ما يريد. وأما نقد الذهبي له بأنه: كان يتلهى عن الاشتغال بالعلم بمباشرة الكِتْبة، فيجاب عنه بما ذكره الصفدي: أن الشيخ لما عُين في جملة الموقِّعِين بديوان الإِنشاء -كما سيأتي- تقديرًا لموهبته في حسن الخط والأسلوب، صَعُب عليه الاستمرار في المنصب واستعفى منه فاُعفي (¬2). وكذلك نقد الصفدي له بأنه لم يشتغل بالعلم على قدر ذهنه، لأنه كان فيه لعب، ذكر الصفدي أنه رآه في المنام في سنة 744 هـ، أي بعد وفاته بنحو عشر سنوات، وقال له: رأيتُ الترجمة التي عَمِلَتها، وما كنتَ تحتاج إلى تَينِك اللفظتين، أو ما هذا معناه. قال الصفدي: فَفَطِنت في النوم لِمَا قال، وكشطتُهما؛ لأنهما لم يكونا من كلامي في حقه (¬3) أقول: ولم يحدد الصفدي اللفظتين، ولكن ابن حجر حددهما بأنهما قول الصفدي: "كان يَتلَعب" (¬4) وعلى ذلك فهما باقيتان في ترجمته لشيخه كماسبق نقلهما بلفظ "كان فيه لعب" (¬5)، فلعله كشطهما من نسخته فقط، ثم بقيتا في نسخ غيره -وعلى كل فإن إقراره بكشطهما، وبراءته من نسبتهما إلى شيخه ابتداء، يكفي في رجوعه عن ذلك، ثم إن ابن فضل الله ¬

_ (¬1) الوافي 1/ 291. (¬2) انظر الوافي بالوفيات 1/ 292 والدرر الكامنة 4/ 334. (¬3) الوافي 1/ 305. (¬4) الدرر الكامنة 4/ 335. (¬5) وانظر الوافي 1/ 291.

12 - نشاطه العلمي، وألقابه، ومكانته الحديثية

العمري قرر أن الصفدي كان مُنحرفًا عن شيخه ابن سيد الناس، واعتبر ثناءه عليه من الفضل الذي شهدت به الأعداء (¬1) فإذا لاحظنا هذا كان استبعاد نقده مؤكدًا. وقول الإِدفوي: إن المؤلف خالَط أهل السفه والشراب، يعني من الأمراء ونحوهم، وقول الصفدي أيضًا: إنه كان يَتلَهى عن الاشتغال بالعلم بمعاشرة الكبار، وكذا قول ابن كثير: إنه يُذكَر عنه سوء أدب في أشياء أُخرى، وقول الذهبي: عليه مآخذ في دينه. كل ذلك قد بَرِئ منه ابن سيد الناس؛ فقد ذكر ابن حجر أن الملك الناصر (يعني محمد بن قلاوون) رأى جنازة ابن سيد الناس حافلة، فسأل الجلال القزويني في صبيحة ذلك اليوم، فذكر له مقدارَه، وكان الفخر نَاظِر الجيش يغُض من ابن سيد الناس، فقال للناصر: إنه مع ذلك كان يعاشر الأمراء، والوزراء قديمًا، قال: ويَسُد عندهم، فذكر ذلك الناصر للجلال القزويني، "رئيس قضاة الشافعية"، والتقى الإِخنائي رئيس قضاة المالكية، فبرآه من ذلك، وشهدا بعدالته ونزاهته، وعفته (¬2). أقول: فهذه شهادة براءة له من قاضيين عَدْلَيين، مع أمن المجاملة له منهما، لأن هذا كان بعد وفاته. ومن جهة أخرى فإن الإدفوي قَرِين المؤلف وشريكه في ملازمة ابن دقيق العيد، فانتقاده للمؤلف من تَحامُلِ الأقران، خاصة وأن ابن دقيق العيد كما تقدم كان يؤثر ابنَ سيد الناس على غيره من تلامذته بما فيهم الإِدفوي. وبهذا تندفع الانتقادات القادحة عن المؤلف جُملة وتفصيلًا، والكمال لله وحده. 12 - نشاطه العلمي، وألقابه، ومكانته الحديثية: مما تقدم يتضح لنا أنه توافر للمؤلف ما تكاملت به شخصيته العلمية، من ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬2) انظر الدرر الكامنة 4/ 335.

تخصص بعلوم السنة وتبريز فيها، وإلمام بباقي العلوم المساعدة، وتوثيق له، وتمتع بمواهب أدبية وعلمية. وقد ذكر المترجمون والمعاصرون له من المكانة العلمية المتعددة الجوانب، ومن الألقاب الدالة على ذلك، ما هو به جدير، فقد قال عنه الذهبي: إنه حجة فيما ينقله، له بصر نافذ بالفن، وخبرة بالرجال، وطبقاتِهم، ومعرفةٌ بالاختلاف. ويد طولى في علم اللسان، ومحاسنه جمة (¬1)، وقال أيضًا: كان عديم النظير في مجموعه، رأسًا في الأدب، قل أن ترى العيون مثله، في فهمه، وعلمه، وسيلان ذهنه، وسعة معارفه (¬2) وقال أيضًا: هو أحد أئمة هذا الشأن، كتب بخطه المليح كثيرًا، وخرج وصنف، وصحح وعلل، وفرع وأصل، وقال الشعر البديع (¬3). وقال الصفدي: كان حافظًا بارعًا، أديبًا متَفنِّنًا، بليغًا، ناظمًا، ناثرًا، كاتبًا مُتَرسِّلًا ... كامل الأدوات (¬4) -يعني الملكة العقلية، والعلوم المساعدة على نهوضه بتخصصه بالسنة وخدمتها- وقال أيضًا: كتب وصنف، وحدث، وأجاز، وتفرد بالحديث في وقته (¬5) وقال أيضًا، شِعْره رقيق، سهل التركيب، منسجم الألفاظ، عذب النظم وترسُّلُه جيد، وكان النظم عليه بلا كُلفة، يكاد لا يتكلم إلا بالوزن (¬6). وقال البِرزالي: كان أحد الأعيان معرفة وإتقانًا وحفظًا للحديث، وتفهمًا في علله، وأسانيده، عالمًا بصحيحه وسقيمه، مستحضرًا للسيرة، له حظ من العربية، حسن التصنيف، إلى أن قال: ولم يخلفُ في مجموعه مثله (¬7). ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 291 والطبقات الكبرى لابن السبكي 9/ 269. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 334. (¬3) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬4) الوافي بالوفيات 1/ 290. (¬5) المصدر السابق. (¬6) الوافي بالوفيات 1/ 293. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 331، 332.

وقال القطب (الجلبي): إمام محدث، حافظ، أديب شاعر بارع، جمع وألف، وخرَّج وأتقن، وصارت له يد طولى في الحديث والأدب، مع الإتقان (¬1). وقال ابن فضل الله العمري (في مسالك الأبصار): كان أحد الأعلام الحفاظ، وإمام أهل الحديث الواقفين فيه بعكاظ، البحر المِكْثار، والحَبْر في نقل الآثار، وله أدب أسلسل قيادًا من الغمام بأيدي الرياح (¬2). وقال ابن كثير: اشتغل بالعلم، فبرع وساد أقرانه في علوم شتى، من الحديث والفقه، والنحو، ومن العربية، وعلم السير والتواريخ، وغير ذلك من الفنون، وحرر وحَبر، وأماد وأجاد، ... وله الشعر الرائق الفائق، والنثر الموافِق والبلاغة التامة، وحسن الترصيف، والتصنيف، ولم يكن في مصر في مجموعه مِثلُه، في حفظ الأسانيد والمتون، والعلل، والفقه، والمِلَح، والأشعار، والحكايات (¬3). وقال قرينه الإدفوي -بعد انتقاده السابق رَدُّه-: ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه، ولا من يبلغ في ذلك مَرامه (¬4). وقال ابن ناصر الدين: كان إمامًا، حافظًا عجيبًا، مصنفًا بارعًا، شاعرًا أَديبًا (¬5). وقال معاصره الإسنوي: حافظ الديار المصرية، شيخ البلاغة والبراعة، صاحب النظم الرائق، والنثر الفائق (¬6). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 332. (¬2) الدرر 4/ 332 وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 268. (¬3) البداية والنهاية 14/ 147، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390. (¬4) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 392، شذرات الذهب 9/ 106. (¬5) الشذرات 6/ 109. (¬6) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511.

13 - وظائفه العلمية، وآثارها في خدمة السنة

وهكذا يتجلى لنا من خلال تلك الشهادات والألقاب والأوصاف، تكامل جوانب شخصية المؤلف العلمية، وتعدد نشاطه العلمي والحَدِيثي وتنوعه بين رواية ودراية وتصنيف وتخريج، مع الجودة والإِتقان، كما يتجلى لنا تمتعه -رحمه الله- بمكانة علمية لائقة بين حفاظ الحديث في عصره، وعلمائه المنتجين في مجالاته المتعددة. 13 - وظائفه العلمية، وآثارها في خدمة السنة: تولى أبو الفتح ابن سيد الناس عدة وظائف، غالبها في تدريس الحديث وعلومه، وبيانها كالتالي: (أ) وظيفة الإِعادة: وهذه أولى وظائفه العلمية، وقد تولاها بمدرسة الحديث الكاملية بالقاهرة حيث كان شيخه تقي الدين ابن دقيق العيد شيخ الحديث ومدرسه بتلك المدرسة، فولَّاه الإِعادة بها (¬1). عنده كما تقدم، وهذه وظيفة جامعية في عصرنا هذا، يجمع الطالب فيها بين التلمذة على شيخه للاستزادة بعلمه، وبين مباشرة التدريس لغيره تحت إشراف شيخه، حتى يتمرس بالعمل العلمي، ويتعود مواجهة طلابه وإفادتهم، ثم يراجع شيخه فيما أشكل عليه. (ب) مشيخة الحديث بالمدرسة الظاهرية بالقاهرة (¬2): وقد ذكر التاج ابن السبكي تَولِّي المؤلف لها، فقال: ولما شَغرت مشيخة الحديث بالظاهرية بالقاهرة، وليها الشيخ الوالد -يعني والده تقي الدين علي بن عبد الكافي- ودرس بها، فسعى فيها الشيخ فتح الدين، وساعده نائب السلطنة إذ ذاك، ثم لم يتجاسروا على الشيخ -يعني والده- فأرسل الشيخ فتح الدين إلى الشيخ يقول له: أنت تصلح لكل منصب، في كل علم، وأنا إن ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية 2/ 300 والدرر الكامنة 4/ 331. (¬2) هذه المدرسة من أجَلّ مدارس القاهرة وتسمى الظاهرية نسبة إلى منشئها الملك الظاهر بيبرس البندقداري، وفرغ منها سنة 662 هـ/ خطط المقريزي 2/ 378، 379.

(ج) تدريس الحديث بمدرسة أى حليقة أو المهذبية

لم يحصُل لي تدريس حديث، ففي أي علم يحصل لي التدريس؟، قال ابن السبكي: فَرقَّ عليه الوالد، وتركها له، فاستمر بها إلى أن مات (¬1). أما الصفدي تلميذ المؤلف فيقول: وتعصب له الأمير سيف الدين أَرغون الدوادار، وخلَّص له مشيخة الظاهرية في الحديث (¬2)، فلعل المراد بتخليصه، استصدار الأمر السلطاني له، ثم كان سعي ابن سيد الناس في التنفيذ، وقوله السابق: "إذا لم يحصل لي تدريس حديث ففي أي علم يحصل لي التدريس؟ " يدل على أن الحديث صار اختصاصه الأصلي الذي يُعرف به، ويعد من علمائه، كما يُفهَم من هذا أنه كان يقوم في هذه الوظيفة بتدريس الحديث وعلومه. وقد لازمه في هذه المدرسة صلاح الدين الصفدي فقال: صحبته زمانًا طويلًا، ودهرًا داهرًا، ونمت معه ليالي، وخالطته أيامًا، وأقمت بالظاهرية وهو بها شيخ الحديث قريبًا من سنتين (¬3)، ويفهم من كلام الصفدي عن مؤلفات شيخه كما سيأتي، أنه كان يَقرأ على طلابه بعض مصنفاته، أو يَقرأ أحدهم عليه، ويسمع الباقون، كما يستفاد من رواية تلميذ آخر للمؤلف عنه، أنه كان يُقرأ عليه غير مؤلفاته من كتب السنة (¬4). (ج) تدريس الحديث بمدرسة أى حُلَيقة أو المهذَّبِية: قال الصفدي: وكان بيده مع مشيخة الظاهرية، مدرسة أبي حُلَيقة، على بِرْكَة الفيل (¬5). ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 9/ 270. (¬2) الوافي بالوفيات 1/ 292. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 291. (¬4) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 80، 81، 93، 94. (¬5) الوافي 1/ 292 وسميت بذلك نسبة إلى بانيها وهو الحاكم مهذب الدين أبو سعيد محمد بن علم الدين رئيس الأطباء، ويعرف بأبي حُليقة -تصغير حلقة- وكانت خارج باب زويلة من أبواب القاهرة، ويقال لها المهذبية أيضًا نسبة إلى بانيها الملقب بمهذب الدين كما ذكرت/ خطط المقريزي 2/ 369.

(د) تدريس الحديث بجامع الصالح

وقال الحافظ ابن حجر: وَلِيَ دَرس الحديث بالظاهرية، ومدرسة أبي (حُلَيقة) (¬1) وذكرها الإِسنوي باسم (المُهذَّبِية) وقال: الكائنة على بِرْكَة الفيل (¬2)، فهما اسمان لمسمى واحد (¬3). (د) تدريس الحديث بجامع الصالح: ذكر الإِسنوي أيضًا وابن قاضي شهبة: أن المؤلف تولى درس الحديث بجامع الصالح (¬4) وهو أحد جوامع القاهرة (¬5). (هـ) تدريس الحديث بمسجد الرَّصْد: وذكر الصفدي وابن حجر: أن المؤلف قد وَلِي درس الحديث بمسجد الرَّصْد (¬6). وهو أحد مساجد القاهرة أيضًا (¬7). (و) الخطابة بجامع الخندق: وقد ذكرها الصفدي وابن حجر وغيرهما (¬8) وقد ذكر المقريزي أن هذا الجامع كان بناحية الخَندق، خارج القاهرة (¬9). ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 4/ 333 وتحرفت في الطباعة (حُليقَة) إلى (حلية). (¬2) انظر طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511. (¬3) انظر الخطط للمقريزي 2/ 369. (¬4) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511 ولابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬5) ذكر المقريزي أن هذا الجامع من المواضع التي عُمرت زمن الخلفاء الفاطميين، خارج باب زويلة، بناه الصالح طلائع بن زُرَيك، لما خاف على مشهد الحسين بن علي -رضي الله عنهما- من هجمة الفرنج، ليدفنه فيه على باب القاهرة/ خطط مصر والقاهرة للمقريزي 2/ 293 بتصرف. (¬6) الوافي بالوفيات 1/ 292 والدرر الكامنة 4/ 333. (¬7) وقد بناه الأفضل أبو القاسم شاهنشاه، ابن أمير الجيوش بدر الجمالي، وتُرصد منه الكواكب بالآلة التي يقال لها (الحَلق) خطط المقريزي 2/ 445. (¬8) الوافي 2/ 291 والدرر 4/ 333 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬9) ذكر المقريزي أن هذا الجامع بناحية الخندق خارج القاهرة، ولكن لما خَرِبَت مساكن الخندق تلاشى أمره، ونُقِلَت منه الجمعة، ثم ذكر أنه بعد سنة 815 هـ لم يبق منه إلا جدرانه ومنارته ثم قال: وعما قليل تُدثَر كما دُثِر غيرها مما حولها / الخطط للمقريزي 2/ 325.

(ز) التوقيع بديوان الإنشاء

(ز) التوقيع بديوان الإِنشاء: وقد ذكر الصفدي أن السلطان المنصور حسام الدين لاجين، لما أُدخِل عليه ابن سيد الناس، احتفى به ورأى خَطه، وسمع كلامه فأمر بتعيينه في ديوان الإنشاء، فَرُتِّبَ في جملة الموقِّعين، ولكن الشيخ صعُب عليه الاستمرار في هذا العمل، فسأل الإعفاء من ذلك، فقال السلطان: إذا كان لا بد من ذلك، فيكون المعلوم له على سبيل الراتب، فَرُتِّب له إلى أن مات (¬1). (ح) جهات أخرى: وذكر الصفدي وابن حجر أيضًا أن الشيخ كان له راتب بصفد (¬2) ولكن لم يذكرا لذلك وظيفة، بل قال الصفدي: وراتب في حَلَب فيما أظن (¬3)، ولم يذكر له أيضًا وظيفة. ولكن مع استعراض الوظائف المتقدمة والمحدد مكانها ونوع العمل فيها، نجد أنها ما عدا التوقيع الذي لم يستمر طويلًا، وخطابة الجمعة، كلها في الاشتغال بتدريس الحديث وعلومه، كما أشرت من قبل، وقد قال الذهبي: إن المؤلف قد تَخرَّج به جماعة (¬4) وقال الصفدي: إنه حدث وأجاز (¬5). وهذا يفيد أنه كان يقوم من خلال تلك الوظائف بتدريس علوم الحديث، وروايته سواء من مؤلفاته أو من مؤلفات غيره كما أشرت من قبل، كما أن تخرج جماعة به، يدل على ملازمتهم له مدة، وتمرسهم بالفن على يديه، وحده أو مع غيره، بحيث يتوسم فيهم الكفاءة للإِفادة، كما هو مقتضى التخريج للطالب وإجازته، وهذا يعتبر من ثمار عمله بتلك الوظائف الحديثية، وسيأتي ذكرُ بعض نماذج ممن تخرج عليه في علم الحديث، كما أن مباحثاته ومحاضراته مع طلابه ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 292. (¬2) الوافي بالوفيات 1/ 292، والدرر 4/ 333. (¬3) الوافي 1/ 292. (¬4) الدرر 4/ 334. (¬5) الوافي 1/ 2921.

14 - من تلاميذ المؤلف وتلميذاته وتأثيره فيهم

وغيرهم من خلال تلك الوظائف، كانت تثمر فوائد علمية قد أودع جانبًا منها في مؤلفاته، كما أشار إلى ذلك في مقدمة شرحه للترمذي وسيأتي بيان ذلك في منهجه فيه، بإذن الله. 14 - من تلاميذ المؤلف وتلميذاته وتأثيره فيهم: (أ) تعريف عام: تقدم قول الذهبي: إن ابن سيد الناس تخرج به جماعة، وهذا يدل على كثرة تلاميذه الذين أطالوا التلمذة عليه، حتى تخرجوا على يديه، فصاروا ثمارًا طيبة لعلمه الذي ينتفع به، وبقيت حتى الآن سلسلة روايتهم للحديث متصلة بواسطته، كما سيأتي، وتقدم أيضًا وصف المؤلف بأنه كان محبًا لطلبة العلم، طيب الأخلاق، ومن أحسن الناس محاضرة، لا تُمل محاضرته، حسن المحاورة، لطيف العبارة، مع سعة العلم، وجودة الفهم، وذلك هو ملاك صفات المدرس الناجح والكفء، بكل المقاييس العلمية والتربوية، مما يجعل طلاب العلم، بقبلون عليه، ويكثرون في حلقته، ويستفيدون منه، عِلمًا وخلقًا. وكما وجدنا فيما تقدم بعض النساء قد أخذ عنها المؤلف الحديث، كذلك وجدت بعض النساء قد أخذَت عن المؤلف، وروت ما تحملته لمن بعدها. فقد قال تقي الدين محمد بن محمد بن محمد بن فهد المكي: شافهتني المسندة أم محمد رقية ابنة علي بن مَزروع المدنية بها، أي بمكة وكتب إليّ المعمر أبو عبد الله محمد بن حسن بن علي القُرَشِي الفرسيسي المصري، منها -أي من مصر- قالا: أنبانا الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله، اليعمري، قال: أخبرنا الإِمام الحافظ قطب الدين أبو محمد، أحمد القسطلاني ... وساق سنده إلى أحمد بن عبد الله بن الحسين المحاملي ... ثم إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- بحديث: "إذا وطئ أحدكم الأذى بخُفَّيهِ، فطهورها التراب" (¬1). ¬

_ (¬1) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ للذهبي / 80، 81.

(ب) نموذجان من تلاميذه

فهذه الرواية تفيد أن كلًا من: محمد بن حسن بن علي الفرسيسي، وهو مصري والمسندة رقية ابنة علي بن مزروع، وهي مدنية، قد تحملا عن ابن سيد الناس بعض مرويات أو مؤلفات المَحامِلي. ثم أديا ما تحملاه إلى تلاميذهما، ومنهم ابن فهد، فالمسندة رقية شافهته، والفرسيسي كاتبه، وذكر ابن فهد أيضًا مكاتبة الفرسيسي له بمرويات أخرى عن شيخه ابن سيد الناس (¬1) كما جاء في معجم شيوخه سماع عدد من العلماء في مرحلة الطلب، السيرة النبوية الكبرى لابن سيد الناس، من تلميذه الفرسيسي هذا في مجالس له متعددة (¬2) وجاء في نسخة السيرة المطبوعة إثبات سماع الفرسيسي لها من المؤلف (¬3) وذكر ابن فهد أيضًا عددًا آخر من تلاميذ ابن سيد الناس أَسمعوا كتابه هذا في السيرة لطلابهم (¬4) وهو المسمى (بعيون الأثر في فنون المغازي والسيَر) كما سيأتي ذكره في مؤلفاته. كما ذكر ابن قاضي شهبة أيضًا مِمَّن تخرج في علم الحديث على ابن سيد الناس، تقي الدين محمد بن رافع بن هَجْرَس السُّلَامي، الحافظ المتقن المعمّر الرحلة، المصري ثم الدمشقي المتوفى سنة 754 هـ (¬5) وذكر ابن فهد أيضًا أن الحافظ مغلطاي بن قليج بن عبد الله الحنفي، قد تخرج في الحديث على ابن سيد الناس (¬6). (ب) نموذجان من تلاميذه: وليس من مقصود هذا التعريف بابن سيد الناس استيعاب تلاميذه؛ ولذا ¬

_ (¬1) الذيل لابن فهد 93. (¬2) انظر معجم الشيوخ لابن فهد / 62، 85، 147، 210، 237، 259، 299، 347، 368، 388. (¬3) عيون الأثر 2/ 248، 249. (¬4) انظر معجم الشيوخ لابن فهد / 86، 137، 145، 213، 283، 302. (¬5) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 166. (¬6) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 133 - 138.

سأعرف بنموذجين منهما فقط؛ لِما لكل منهما من ميزة في تأثير المؤلف فيه، وصلته بشرح الترمذي: 1 - المُسنِد أبو الفرج الغَزِّي: هو عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله، أبو الفرج، الغَزي ثم القاهري، البزاز، المعروف بابن الشيخة، نزيل القاهرة، ولد سنة 714 هـ، أو سنة 715 هـ. وقد سمع الحديث من يونس بن إِبراهيم الدبوسي، وأبي الحسن علي بن عمر الواني، ويوسف بن عمر بن حسين بن أبي بكر الخُنَتِي -بضم الخاء المعجمة، وفتح المثناة الخفيفة، بعدها نون- الحنفي المصري، وعلي بن إسماعيل بن قريش، وابن سيد الناس وخلق كثير. وأجاز له ابن الشيرازي، والقاسم بن عساكر، والحجَّار، وخلق كثير أيضًا. وطلب بنفسه، وتيقظ، وأخذ الفقه عن الشيخ تقي الدين السبكي وغيره. وكان يقظًا نبيهًا مستحضرًا صالحًا عابدًا، وكان يتكسب في حانوت بزاز ظاهر باب الفتوح ثم ترك، وكان لا يدخل الوظائف، وذكر ابن حجر العسقلاني: أنه كان بين والده وبين الغزي هذا مودة، فلما اجتمع الحافظ به أكرمه وصبر عليه في قراءة المرويات عليه إلى أن أخذ عنه ابن حجر أكثر مروياته، وسيأتي في دراسة شرح الترمذي للمؤلف أن من مرويات ابن حجر عنه شرح الترمذي للمؤلف، كما ذكر ابن حجر أن مما قرأه على الغزي هذا، كتاب "بشرى اللبيب بذكرى الحبيب" وهو من مؤلفات ابن سيد الناس في السيرة النبوية، ومقتضى هذا أنه في تلمذته على المؤلف قد أخذ عنه هذين الكتابين، ثم قام بروايتهما إلى تلاميذه؛ فظهر بهما، فضلًا عن غيرهما، أَثر المؤلف فيه، وقد قال ابن حجر: إن الغَزي هذا حدَّث بالكثير من مسموعاته ا. هـ. وقد اتصل عن طريقه سند شرح الترمذي للمؤلف إلى من بعده، كما سيأتي توضيحه في

نسبة الشرح إلى المؤلف، واتصال سنده إلى من بعده، ولهذا اخترته للتعريف به ضمن تلاميذ المؤلف، وقد أرخ ابن حجر وفاته في سنة 799 هـ وقال: إنه تغير قليلًا، من أول سنة وفاته المذكورة (¬1). 2 - صلاح الدين الصفدي: هو خليل بن أيبك بن عبد الله العلامة الأديب، البليغ، البارع، المفتن، صلاح الدين، الصفدي، قال ابن قاضي شهبة: مولده بصفد، تخمينًا في سنة 696 هـ أو 697 هـ، وسمع الكثير، وقرأ الحديث، وكتب بعض الطباق، وأخذ عن القاضي بدر الدين ابن جماعة، وأبي الفتح ابن سيد الناس، والقاضي تقي الدين السبكي والحافظين: المزي والذهبي، وغيرهم. وقد أخذ النحو من أبي حيان، والأدب عن الشهاب محمود، ولازَمه، وعن ابن نَباتة، ومهر في فن الأدب، وباشر كتابة الإنشاء بمصر ودمشق، ثم وَلي كتابة السر بحلب، ثم وكالة بيت المال بالشام. قال ابن قاضي شهبة: وقفت على ترجمة كتبها لنفسه، في نحو كراسين، ذكر فيها أحواله، ومشايخه، وأسماء مصنفاته، وهي نحو الخمسين مصنفًا، منها ما أكمله ومنها ما لم يكمله (¬2). وفي ترجمة الصفدي لشيخه ابن سيد الناس أظهر صلته به وأثره بوضوح، فقال: صحبته زمنًا طويلًا، ودهرًا داهرًا، ونمت معه ليالي، وخالطته أيامًا، وأقمت بالظاهرية وهو بها شيخ الحديث - قريبًا من سنتين (¬3) وذكر أيضًا عددًا من مؤلفات ابن سيد الناس وبين تلقيها عنه ما بين قراءة عليه وسماع من لفظه، فذكر أنه سمع من لفظه بعض كتابه (عيون الأثر في فنون المغازي والسير)، وذكر كتاب (نور العيون) وقال: سمعته من لفظه، وكتاب (مِنَح المِدَح) وقال: سمعته من لفظه إلى ترجمة عبد الله بن الزبَعْري، و"تحصيل الإصابة في تفضيل ¬

_ (¬1) الدرر الكامنة 2/ 324 وما بعدها، وإنباء الغمر بأبناء العمر 3/ 347 - 349. (¬2) انظر طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 3/ 119، 120. (¬3) الوافي بالوفيات 1/ 291.

الصحابة" وقال: سمعته من لفظه وكتاب (بشرى اللبيب بذكرى الحبيب) وقال: قرأته عليه بلفظي (¬1) وذكر أيضًا في آخر ترجمته لشيخه سبع قطع من شعره، وقال إنه سمعها من لفظه (¬2) وذكر أيضًا قطعتين أخريين مما أجاز به ونقله من خطه (¬3)، كما ذكر إشارته على شيخه بتسمية شرح الترمذي كم سيأتي. وقد أشار الصفدي أيضًا إلى أنه بعد سفره من مصر إلى الشام، استمرت صلته بشيخه إلى سنة وفاته، فقال: وكانت بيني وبينه مكاتبات كثيرة، نظمًا ونثرًا، يضيق عنها هذا المكان؛ ولكن أُورِد منها شيئًا، وهو ما كتبه إليَّ وأنا بصفد سنة 734 هـ -وهي سنة وفاة الشيخ- وساق قصيدة في 11 بيتًا، ثم قال: فكتبت إليه الجواب ... وساق قصيدة على نفس وزن قصيدة الشيخ، وتبلغ ثلاثين بيتًا، ثم قال: فكتب إليّ الجواب ... وذكر جواب الشيخ نظمًا ونثرًا، ثم قال: فكتبت الجواب إليه -رحمه الله- وساق جوابه جامعًا بين النظم والنثر أيضًا في أَزيد من ثلاث صفحات، وقال في نهايتها مخاطبًا شيخه: إن نَعِش نلتقي وإلا فما ... أشغل من مات عن جميع الأنام (¬4) وعقب الصفدي على هذا بقوله: قلت: لم نلتقِ، وحالت منيته بينه وبين الجواب (¬5) ثم قال الصفدي: ولما بَلَغتني وفاته، قلت أَرثيه: ... وذكر قصيدة هائية في 41 بيتًا، كما سيأتي بعضها في رثاء المؤلف. ثم ذكر الصفدي أيضًا بعض أبيات كاتب بها شيخه بعد وصوله دمشق قادمًا من القاهرة، ثم ذكر مراسلة أخرى طلب فيها من الشيخ إجازته بجميع مروياته التي تحملها بمختلف طرق التحمل من أنواع العلوم، وما حمله من تفسيرٍ لكتاب الله تعالى، أَو سنة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو أثر عن الصحابة والتابعين ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 292، 293. (¬2) الوافي بالوفيات 1/ 302 - 305. (¬3) الوافي 1/ 303، 304. (¬4) انظر في الرسائل المتبادلة إلى هنا: الوافي 1/ 293 - 300 (¬5) الوافي 1/ 300.

-رضي الله عنهم- ومَن بعدهم إلى عصره، ومن كتب الأدب وغيرها، وإجازة ماله من مقول، نظمًا ونثرًا، وتأليفًا، وجمعًا في سائر العلوم، وما لعله يتفق له بعد ذلك، وأرخ طلبه هذا في جمادي الأولى سنة 728 هـ (¬1). وقد أجاب المؤلف تلميذه الصفدي إلى ما طلب، فأثبت إجابته له بإجازة مطولة قال له فيها: فنعم أجزت لك ما رويتُه من أنواع العلوم، وما حملته على الشرط المعروف، والعرف المعلوم، وما تضمنه الاستدعاء -يعني طلب الصفدي للإجازة- الرقيم -يعني المكتوب- بخطك الكريم، مما اقتدحه زندي الشحَّاح، وجادت لي به السجايا الشِّحاح من فنون الأدب التي باعُك فيها من باعي أمد، وسهُمك في مراميها من سهمي أسد ... إلى أن قال له: وقد أجزت لك إجازة خاصة، يرى جوازها بعض من لا يرى جواز الإجازة العامة، أن تروي عني مالي من تصنيف أبقيته في أي معنى انتقيته، ثم قال الصفدي: وذكر -أي الشيخ -رحمه الله تعالى- ما له من التصانيف، ثم قال الشيخ: قد أجزت لك -أيدك الله- جميعِ ذلك، بشرط التحري فيما هنالك، تبركًا بالدخول في هذه الحَلبة، وتمسكًا باقتفاء السلف في ارتقاء هذه الرتبة، وإقبالًا من نشر السنة على ما هو أُمنية المتمني، وامتثالًا لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "بلّغوا عني" (¬2) ... إلى أن قال له: وحبذا أيدك الله اختيارك من طلب الحديث الدرجة العالية (¬3). ومن هذا كله يتضح لنا مدى تأثير ابن سيد الناس في تكوين تلميذه العلمي. بمروياته ومؤلفاته الحديثية والأدبية، وأنه جمع في الأخذ عنه بين الحديث ¬

_ (¬1) الوافي 1/ 305 - 307. (¬2) الوافي 1/ 307، 308 والحديث أخرجه البخاري في أحاديث الأنبياء - باب ما ذكر عن بني إسرائيل 6/ 496 مع الفتح، والترمذي -العلم- باب ما جاء في الحديث عن بني اسرائيل 4/ 147 والدارمي -المقدمة- البلاغ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- 1/ 111 وأحمد في المسند 2/ 159، 202، 214 كلهم بلفظه من حديث عبد الله بن عمرو. (¬3) الوافي 1/ 310.

15 - مؤلفات ابن سيد الناس، وما نسب إليه خطأ

والأدب، وهو الفن الذي عُرف به الصفدي أكز من الحديث، كما شهد له شيخه بذلك فيما تقدم. في حين أن صديق الصفدي وهو تاج الدين ابن السبكي لما ترجم له قال: ولازم الحافظ فتح الدين ابن سيد الناس، وبه تمهر في الأدب (¬1) فجعل أثر الشيخ فيه أظهر في علم الأدب، لكن ما تقدم من بيان الصفدي نفسه لما تلقاه عن شيخه سماعًا وقراءة، يفيد أن جانب السنة كان له نصيب ظاهر من ملازمة الصفدي لشيخه، كما أننا حين نرجع إلى النشاط العلمي للصفدي نجد أن اختصاصه بالأدب لم يحل بينه وبين المساهمة في خدمة السنة، وأداء ما تحمله منها عن شيخه ابن سيد الناس وغيره، فقد ذكر ابن حجر وغيره أن الصفدي تصدى للإفادة بالجامع الأموي، وحدث بدمشق، وحلَب، وغيرهما، وسمع منه من أشياخه: الذهبي وابن كثير والحُسيني (¬2). 15 - مؤلفات ابن سيد الناس، وما نُسب إليه خطأ: أولًا - مؤلفاته: تعتبر مؤلفات العالِم من آثاره الخالدة التي يستفاد منها في كل جيل. ولقد راجعت مصادر متعددة لترجمة المؤلف فلم أجد له مؤلفات كثيرة، ويعتبر تلميذه الصفدي أكثر من جمع مؤلفاته، وخبرها إلى أواخر عمره، حيث استجازه كما تقدم في سنة 728 هـ بمؤلفاته إلى هذا التاريخ وما قد يؤلفه بعده، وقد أجابه شيخه بالإجازة وسرد له مؤلفاته إلى وقت الإِجازة، فذكرها الصفدي في ترجمته له، كما سيأتي ذكرها، لكني مع ذلك وقفت له على بعض المؤلفات التي لم يذكرها الصفدي، وهذا سياق، لمجموع مما ذكره الصفدي، ووافقه عليه غيره، وما زاده غيره. 1 - النَّفْحٍ الشذي في شرح جامع الترمذي، وهو كتابنا هذا، وسيأتي التعريف به تفصيلًا. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية لابن السبكي 10/ 5. (¬2) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 9/ 113، 120 والدرر الكامنة 1/ 176، 177.

2 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير، وتُعرف أيضًا بالسيرة الكبرى، كما تقدم، وذلك بالنسبة إلى مختصرها الآتي ذكره بعد، وقد ذكر هذا الكتاب للمؤلف تلميذه الصفدي وغيره (¬1) ووصفه ابن كثير بأنه حسن (¬2) وقال التاج ابن السبكي: إن المؤلف أحسن فيه ما شاء (¬3) وقال الإِدفوي: وهو كتاب جيد في بابه (¬4) والكتاب مطبوع في جزءين، ومتداول، ولكن بدون تحقيق، وقد اعتمد فيه على عدد من كتب السنة أهمها الكتب الستة وكتب السيرة والغازي وخاصة الكتب الأصلية التي تروى بالإِسناد كسيرة ابن إسحق ومغازي ابن عقبة، وبين في آخرها أسانيده إلى مؤلفي الكتب التي اعتمد عليها (¬5). 3 - نور العيون، وهو مختصر الذي قبله كما ذكر الصفدي، وقال سمعته من لفظه (¬6) وقال ابن قاضي شهبة: إنه يقع في كراريس (¬7) وقال الإِسنوي: إن المؤلف صنف كتبًا نفيسة منها السيرة الكبرى، والسيرة الصغرى (¬8) وقال ابن حجر: وله مختصر السيرة سماه نور العيون (¬9). 4 - بشرى اللبيب بذكرى الحبيب، ذكره الصفدي، وقال: قرأته عليه بلفظي (¬10) وذكره أيضًا ابن شاكر الكتبي (¬11) وذكر ابن حجر أن هذا الكتاب عبارة عن قصائد نبوية وشرحها، وأنه يقع في مجلد (¬12). ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 292 أصل وهامش وفوات الوفيات 3/ 288 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391 وللإِسنوي 2/ 511. (¬2) البداية والنهاية 14/ 147. (¬3) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269. (¬4) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬5) عيون الأثر 2/ 342 وما بعدها. (¬6) الوافي 1/ 292. (¬7) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬8) طبقات الشافعية للإِسنوي 2/ 511. (¬9) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬10) الوافي 1/ 293. (¬11) فوات الوفيات 3/ 288. (¬12) الدرر الكامنة 4/ 331.

وتوجد نسخة من هذا الكتاب في مكتبة شستربيتي برقم 5163 وعدد أوراقها 59 ورقة وتوجد صورة عنها بمعهد المخطوطات بالكويت برقم 1592 سيرة وتاريخ (¬1). ومما نقله المفهرسون لهذه النسخة من نصوص منها يتضح أنها نسخة جيدة ومكتوبة في حياة المؤلف، وعليها سماعات، وتاريخ نسخ الجزء الأول منها 26/ 4 / 729 هـ، ومقتضى ذلك أن المؤلف فرغ منه قبل هذا التاريخ. كما يفهم منها أنه بدأه بقصيدة حاذى بها قصيدة: بانت سعاد، ثم أتبعها بقصائد متعددة مرتبة على حروف المعجم، ومشتملة على ما وقف عليه من أسماء الرسول -صلى الله عليه وسلم- وعددها ستون اسمًا، فصار مجموع ما نظمه ديوانًا، وقال: وسميته بكتاب بشرى اللبيب ... إلخ (¬2) وقد أشار ابن كثير إلى هذا الكتاب بقوله: وله مدائح في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حِسَان (¬3). 5 - تحصيل الإِصابة في تفضيل الصحابة، ذكره الصفدي، وقال: سمعته من لفظه (¬4). 6 - المقامات العلية في كرامات الصحابة الجَلِيَّة، ذكره الصفدي أيضًا (¬5) والحافظ ابن حجر (¬6) وصاحب كشف الظنون (¬7). 7 - مِنَح المِدَح، ذكره الصفدي، وقال: سمعته من لفظه إلى ترجمة عبد الله بن الزبعري (¬8)، وأشار إليه أيضًا في رثائه للمؤلف حيث قال: ¬

_ (¬1) انظر فهرس معهد المخطوطات الجزء الأول / 20، 21. (¬2) فهرس معهد المخطوطات 1/ 20. (¬3) الوافي 1/ 292. (¬4) البداية والنهاية 14/ 147. (¬5) المصدر السابق ص 293. (¬6) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬7) 2/ 1786. (¬8) الوافي 1/ 293.

يكفيه ما خطه في الصحْف من مِدَح النبي ... يَكفيه هذا القدرُ يكفيه (¬1) وذكره كذلك الحافظ ابن حجر (¬2) وابن شاكر (¬3) وقال صاحب كشف الظنون: إن المؤلف جمع فيه المدائح التي مدح بها الأصحاب والتابعون الرسولَ -صلى الله عليه وسلم-، والمدائح التي له، المسماة ببشرى اللبيب (¬4). 8 - أسماء من نُقِل عنه من الصحابة شيء من شعر متعلق بالنبي -صلى الله عليه وسلم-. وهذا الكتاب ذكره الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: وقد جمع ابن سيد الناس، شيخ شيوخنا مجلدًا في أسماء من نُقِل عنه مِن الصحابة شيء من الشعر متعلق بالنبي -صلى الله عليه وسلم- (¬5).وعلى ضوء ما ذكره صاحب كشف الظنون عن موضوع الكتاب السابق، يبدو وجود تقارب في موضوع الكتابين. 9 - أجوبة ابن سيد الناس عن مسائل ابن أَيبك له عن أحفظ من لقيه من الشيوخ، وهذا الكتاب ذكره تقي الدين ابن فهد في ذيله على تذكرة الحافظ، حيث نقل منه في خمسة تراجم، أولها ترجمة محمد بن أحمد بن علي المعروف بالقطب القسطلاني وهو شيخ المؤلف كما تقدم، وقد قال ابن فهد: ذكره الحافظ أبو الفتح ابن سيد الناس في أحفظ من لقبه، في أجوبته عن مسائل ابن أبيك، فقال: وساق كلام المؤلف في ترجمته للقسطلاني، ورواه ابن فهد عن تلميذي المؤلف: أبو عبد الله الفرسيسي مكاتبة والمسندة أم محمد رقية بنت يحيى بن مزروع، مشافهة، وبلغ ما نقله ابن فهد في تلك الترجمة أزيد من 15 سطرا (¬6). ¬

_ (¬1) المصدر السابق ص 301. (¬2) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬3) فوات الوفيات 3/ 288. (¬4) كشف الظنون 2/ 1859. (¬5) فتح الباري -كتاب الأدب- باب ما يجوز من الشعر والرجز والحُداء، وما يكره منه 10/ 539. (¬6) ذيل ابن فهد على تذكرة الحفاظ / 77، 78، ثم وقفت على نسخة مصورة يضاف للكتاب في معهد المخطوطات بالقاهرة، عن نسخة الاسكوريال.

والموضع الثاني ترجمة إسماعيل بن إبراهيم المعروف بابن قريش، وقال ابن فهد في ترجمته: وصفه الحافظ ابن سيد الناس في أجوبته لابن أيبك لما سأله عن أحفظ من لقي: فقال: ..... وساق كلامه في ثمانية أسطر (¬1). ومن تلك النقول في المواضع الخمسة يظهر لنا موضوع الكتاب، وأنه جمع فيه تراجم لعدد من شيوخه الذين لقيهم وأخذ عنهم، ورأى أنهم أحفظ وأمهر في علم الحديث من غيرهم من شيوخه، ومن خلال ما حفظه لنا ابن فهد من نصوص تلك التراجم يبدو لنا جمال أسلوب المؤلف والتزامه فيه السجع المقبول، خاصة في عصره، كما يبدو لنا رأيه فيمن يستحق لقب (الحافظ) وأنه الجامع بين الرواية للحديث ودرايته لعلومه (¬2). هذا ويبدو لي أن تاج الدين السبكي أيضًا قد وقف على هذا الكتاب، حيث نقل في ترجمة ابن دقيق العيد كلامًا في شأنه وبيان مكانته العلمية عن ابن سيد الناس، ولم يصرح بمصدره، ولكن أسلوبه، وموضوعه يدل على أنه من كتاب الأجوبة هذا، وإن لم يصرح ابن السبكي بذلك (¬3). 10 - تصنيف في علم العروض، وقد ذكره الصفدي كما قدمت حيث قال: إن شيخه قال له: لم يكن لي في العروض شيخ، ونظرت فيه جمعة، فوضعت فيه مصنفًا، قال الصفدي: وقد رأيت هذا المصنف (¬4). 11 - قصائد شعرية في أغراض مختلفة من المدح والوصف والأخلاق الفاضلة، وقد ذكر الصفدي منها في ترجمته عدة مقطوعات كما قدمت (¬5) وزاد ابن شاكر عليها عدة مقطوعات (¬6) وكذا زاد عليها الحافظ ابن حجر (¬7). ¬

_ (¬1) المصدر السابق 83، 84. (¬2) انظر المواضع الثلاثة الأخرى في ص 86 - 88، 90، 95. (¬3) انظر طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 207 وما بعدها. (¬4) الوافي بالوفيات 1/ 291. (¬5) انظر الوافي 1/ 293 - 307. (¬6) انظر فوات الوفيات 3/ 288 - 292. (¬7) الدرر الكامنة 4/ 334 وما بعدها.

ثانيا - ما نسب خطأ إليه

فلما جمعت هذه المقطوعات إلى بعضها البعض صارت ديوانًا. ثانيًا - ما نُسِب خطأ إليه: ذكر ابن قاضي شهبة في ترجمته للمؤلف ما نصه: وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدًا ضخمًا، يدل على علم كثير (¬1) ونقل صاحب شذرات الذهب بدوره هذا عن ابن قاضي شهبة (¬2). أقول: ونسبة هذا الكتاب للمؤلف خطأ، والصواب أنه لِجَدِّه أبي بكر محمد بن أحمد بن عبد الله، ويعرف أيضًا بابن سيد الناس، كما قدمت، ولكن يتميز بكنيته المذكورة، عند عدم معرفة باقي مميزاته، وقد نص على أن الكتاب لِجَدِّ المؤلف، أحد معاصريه ومترجميه، وهو تاج الدين ابن السبكي حيث قال في ترجمته: ولِجَدِّه مصنف في منع بيع أمهات الأولاد، في مجلد ضخم، يدل على عِلْم عظيم (¬3). ونَسبه الذهبي أيضًا إلى الجد، وقال: إنه رأى الكتاب في مجلد، وأثنى عليه بنحو ما ذَكر ابن السبكي (¬4). تعقيب: هذا ما وقفتُ على ذكره للمؤلف من مصنفات صحيحة النسبة إليه، أو منسوبة إليه خطأ، ويلاحظ أن ما صحت نِسبتُه إليه نثرًا ونظمًا يدور حول علم الحديث، وسيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وهي داخلة في علوم السنة أيضًا، وتاريخ العلماء أو التراجم، كما يلاحظ أن نِتَاجَه الأدبي قد أداره في فلك تخصصه الأصلي وهو الحديث وعلومه كما يُلاحَظ أن أبرز مؤلفاته هو ما شرحه من جامع الترمذي الذي يسر الله لي إخراج هذا القسم منه محققًا. ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 391. (¬2) شذرات الذهب 6/ 108. (¬3) طبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 269. (¬4) تذكرة الحفاظ 4/ 1451 وتحرت فيها تاريخ مولد الجد من سنة 597 هـ إلى سنة 557 هـ فيلاحظ ذلك.

16 - وفاة المؤلف، وتشييع جنازته، ومدفنه

16 - وفاة المؤلف، وتشييع جنازته، ومدفنه: سبيلُ الموت غاية كل حَيٍّ ... ودَاعِيَهُ لأهل الأرض داعي وبعد تلك الحياة الحافلة بالتعلم والتعليم والوعظ والتوجيه، وتخريج علماء أجلة في علوم السنة وغيرها، والتأليف نظمًا ونثرًا في علوم الحديث والسيرة النبوية والأدب المنظوم والمنثور، جاءت المؤلف نهاية أجله المحتوم، فتوفي -رحمه الله تعالى- فجاة، وقد أرخ وفاته الصفدي وغيره في يوم السبت 11 شعبان سنة 734 هـ (¬1). وذكر الإسنوي أن وفاة المؤلف كانت بمنزله بمدرسة الحديث الظاهرية (¬2). وحكى ابن ناصر الدين لحظة وفاته فقال: دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت 11 شعبان، فقام لدخوله، ثم سقط من قامته، فلقف ثلاث لقفات، ومات من ساعته (¬3) قال ابن كثير: وصُلِّيَ عليه من الغَد (¬4) وقال الصفدي: وكانت جنازته حافلة إلى الغاية، شيعها القضاة، والأمراء، والجُند، والفقهاء، والعوام، وتأسف الناس عليه (¬5)، وقال الحافظ ابن حجر: قيل: إن الناصر (يعني محمد بن قلاوون) رأى جنازته حافلة، فسأل الجلال القزويني -وهو رئيس قضاة الشافعية- في صبيحة ذلك اليوم فذكر له مقداره (¬6) وذكر ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات 1/ 300 وفوات الوفيات 3/ 292، وطبقات الشافعية لابن السبكي 9/ 270. وللإسنوي 2/ 511، ولابن قاضي شهبة 2/ 392، والبداية والنهاية 14/ 147. (¬2) طبقات الشافعية للإسنوي 2/ 511. (¬3) شذرات الذهب 6/ 109. (¬4) البداية والنهاية 14/ 147. (¬5) الوافي 1/ 300. (¬6) الدرر الكامنة 4/ 335.

17 - رثاؤه

ابن قاضي شهبة أن المؤلف دُفِن بالقَرافَة (¬1) عند ابن أبي جمرة (¬2) اهـ. رحم الله الجميع، وألحقني بهم على خير حال. 17 - رثاؤه: مما يصور مكانة الشخص، وأثره في النفوس المحيطة به، والوفاء له، أن تُذكَر محاسنه ويثنى عليه بعد موته بما هو أهله، وهذا ما حدث بالنسبة لابن سيد الناس، فقد قال الصفدي: ولما بلغتني وفاته، قلت أَرثيه: ... وساق قصيدة بلغت واحدًا وأربعين بيتًا، ومحتواها يدل على أن ما أشار إليه ابن فضل الله العمري من انحراف الصفدي عن شيخه كما تقدم، قد زال، ولله الحمد، وفي مطلع المرثية يقول الصفدي: ما بَعْدَ فَقدِك لي أُنس أُرجِّيهِ ... ولا سرور من الدنيا أُقضِّيه (¬3) ومما يناسب المقام منها تلك الأبيات التي اخترتها وهي: يا حافظًا ضاع (¬4) نشر العلم منه إلى ... أن كاد يعرفه من لا يُسمِّيه صان الرواية بالإسناد فامتنعت ... ثغورها حين حاطتها عواليه ويقول: حفظتَ سنة خير المرسلين فما ... أراك تُمسي مُضاعًا عند باريه لله سعيك من حبر تبحر في ... علم الحديث فما خابت مساعيه وهل يخيب معاذ الله سعيُ فتَى ... في سنة المصطفى أَفنى لياليه ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 392 وشذرات الذهب 6/ 109 والقَرافة بفتح القاف وراء مخففة، مقبرة مصر، مشهورة، وهي منسوبة إلى قبيلة من المغافر يقال لهم: (بنو قَرافة) وفوقها من شرقيها جبل المقطم، وتنقسم قسمين: القرافة الكبرى، والصغرى وهي التي بها قبر الإمام الشافعي رحمه الله / خطط المقريزي 2/ 443 - 445 بتصرف. (¬2) يعني عند قبر ابن أبي جمرة، وهو أبو محمد عبد الله بن أبي جمرة الاندلسي المتوفى سنة 699 هـ. (¬3) انظر الوافي 1/ 300 - 302. (¬4) أي فَاحَ؛ والمراد: انتشر.

ويقول: عَزِّ البخاري فيما قد أصيب به ... مات الذي كان بين الناس يَدريه كأنه ما تحلى سمعُ حاضره ... بلفظِه عند ما يُروى لآليه رواية زانها منه بمعرفة ... ما كل من قام بين الناس يرويه يا رحمتاه لشرح الترمذي فمن ... يضم غربته فينا ويؤيه لو كان أمهله داعي المنون إلى ... أن تنتهي في أماليه أمانيه لكان أهداه روضًا كله زهر ... أنامل الفكر في معناه تجنيه ثم انتقل إلى بيان مكانته في علم الأدب فقال: من للقريض فلم أعرف له أحدا ... سواه رقت به فينا حواشيه ثم قال: ومن يمر على القرطاس راحته ... فينبت الزهر غضًا في نواحيه ما كل من خط في طرس وسوده ... بالحبر تغدو به بيضًا لياليه ولا تَخَل كل من في كفه قلم ... إذا دعاه إلى معنى يُلَبيه (¬1) ثم انتقل إلى ذكر أخلاقه الحسنة، فقال: هيهات ما كان فتح الدين حين مضى ... والله إلا فريدًا في معاليه كم حاز فضلًا يقول القائلون له ... لو حازك الليلُ لابيضت دياجيه لا تسأل الناس، سلني عن خلائقه ... لتأخذ الماء عني من مجاريه ماذا أقول وما للناس من صفة ... محمودة إلا رُكِّبت فيه كالشمس كل الورى يَدِري محاسنَها ... والكاف زائدة، لا كاف تشبيه سقى الغمام ضريحًا قد تضمنه ... صوبًا إذا انهلَّ لا ترقى غواديه وباكرته تحيات نوافحها ... من الجنان تحييه فتحييه (¬2) ولعلّي بذلك قد استوفيت مقاصد التعريف بالمؤلف رحمه الله، لأنتقل إلى الغرض الثاني من تلك الدراسة، وهو دراسة عن الكتاب. ... ¬

_ (¬1) انظر الوافي 1/ 301. (¬2) انظر الوافي 1/ 302.

ثانيا: دراسة عن الكتاب

ثانيًا: دراسة عن الكتاب 1 - تسميته: لم أجد تصريحًا لابن سيد الناس بتسمية كتابه هذا، والناقلون عنه أيضًا لم أجدهم يسمونه باسم معين، بل يقولون مثلًا: قاله أو قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي (¬1). وأيضًا ما وقفت عليه من نسخه، الخطية، عنوانه (شرح الترمذي لابن سيد الناس) ولم يسمه العراقي أيضًا باسم معين عند كلامه عنه في مقدمة تكملته له التي تقدم ذكرها، مع تصريحه بأنه وقف على نسخة المؤلف التي بخطه (¬2). وقد نقل صاحب تحفة الأحوذي عن كتاب (آثار الأدهار) أن هذا الشرح يسمى: "المُنقَّح الشذِي في شرح الترمذي" (¬3) و"المُنفَّح" يطلق على المهذب من الكلام (¬4) وجاء عن شمس الدين ابن طولون تسمية هذا الشرح باسم (الفَوْح الشذي في شرح جامع الترمذي) (¬5) و (الفَوْح) وِجْدانُك الريح الطيبة (¬6). ¬

_ (¬1) نيل الأوطار للشوكاني 1/ 98 باب جواز استقبال القبلة واستدبارها و / 167 باب التسمية للوضوء. (¬2) تكملة شرح الترمذي للعراقي 1 / ق 2 أ، 3 ب نسخة الاسكوريال. (¬3) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 372. (¬4) المعجم الوسيط مادة (نقح) 2/ 944. (¬5) هامش ذيل الحسيني على تذكرة الحفاظ / 17. (¬6) لسان العرب لابن منظور مادة (فوح) 13/ 384.

2 - تحقيق نسبة الكتاب إلى المؤلف وإسناده إليه

لكن هناك تلميذ لابن سيد الناس، وهو صلاح الدين الصفدي، وقد لازم شيخه، وكان خبيرًا بتسميته هذا الكتاب بالذات حتى إنه قرر مشاركته مع شيخه في التسمية النهائية له، فقد قال عند ذكر مؤلفات شيخه: (النَفْح الشذِي في شرح جامع الترمذي) ثم قال: وكان قد سماه (العَرف الشَّذِي) فقلت له: سمه (النفح الشذي) ليقابل (الشرحُ) بـ (النفح) يعني في سجع اللفظ، قال الصفدي: فسماه كذلك (¬1). و (النَّفْح) ريح المسك (¬2) وعلى هذا يكون الاسم المعتمد لهذا الشرح هو (النفح الشذي في شرح جامع الترمذي) ولذا عنونت الشرح به، وهكذا سماه معاصر الصفدي محمد بن شاكر الكتبي (¬3). وبهذا تَميَّزَ عما سُمي (بالعَرف الشَّذِي) من الشروح مثل: شرح سراج الدين البلقيني (ت 805 هـ) المتقدم ذكره، وشرح الشيخ محمد أنور شاه، فقد ذكره بهذا الاسم الدكتور فؤاد سزكين، وذكر أنه مطبوع طبع حجر بالهند سنة 1344 هـ (¬4). 2 - تحقيق نسبة الكتاب إلى المؤلف وإسناده إليه: لم أجد من شك أو شكك في ثبوت نسبة شرح الترمذي هذا لابن سيد الناس، بل المترجمون له، وللزين العراقي متفقون على ذلك (¬5) وقد تقدم تصريح الصفدي تلميذ ابن سيد الناس بنسبة هذا الشرح إلى شيخه، وبتحديد اسمه النهائي بمشورته. ¬

_ (¬1) الوافي بالوفيات للصفدي 1/ 292، 293. (¬2) لسان العرب/ مادة (نفح) 3/ 463. (¬3) فوات الوفيات 3/ 287. (¬4) تاريخ التراث العربي له 1/ 303 ط المصرية. (¬5) أُنظر هامش ذيل الحسيني لتذكرة الحفاظ للذهبي / 17، ولحظ الألحاظ لابن فهد 232، والضوء اللامع للسخاوي 4/ 173، والدرر الكامنة 4/ 331، والبدر الطالع 1/ 354 و 2/ 250، 251، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 390 - 392، وللإسنوي 2/ 510، 511.

وقد نسبه إليه أيضًا من نقل عنه كالحافظ العراقي (¬1) والشوكاني (¬2). وكذلك نسب الكتاب إلى ابن سيد الناس في عنوان نسختيه اللتين اعتمدت عليهما في التحقيق، وسيأتي التعريف بهما، لكني لم أجد فيهما سندًا من المؤلف إلى من بعده. ولكني وجدت الشيخ محمد بن سليمان الروداني (¬3) المتوفى سنة 1094 هـ في برنامجه المسمى: (صلة الخلف بموصول علم السلف) ذكر الكتب التي تلقاها بسنده عن شيوخه، وعد منها: شرح الترمذي لأبي الفتح ابن سيد الناس اليَعمُري، وذكر أنه تلقاه بسنده عن الحافظ ابن حجر العسقلاني، عن أبي الفرج الغَزِّي عن أبي الفتح (¬4). وأبو الفرج الغَزِّي هذا هو عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك، الغَزِّي ثم القاهري المعروف بابن الشحنة، ولد سنة 714 هـ أو 715 هـ وتوفي سنة 799 هـ وممن سمع منهم الحديث: ابن سيد الناس مؤلف هذا الشرح، وهو من شيوخ ابن حجر أيضًا، وقد أثنى على صبره عليه عند طلبه الحديث وقال: (حتى قرأت عليه أكثر مروياته) وذكر مما قرأه عليه كتاب "بشرى اللبيب" لابن سيد الناس، كما ذكر أنه تغير قليلًا في أول السنة التي توفي في ربيع الأول منها وهي سنة 799 هـ كما تقدم (¬5). وسيأتي التعريف به في نماذج شيوخ المؤلف. ¬

_ (¬1) شرح التبصرة والتذكرة للعراقي/ مبحث الحديث الحسن 1/ 47، الطبعة المصرية بعنوان (فتح المغيث) وتكملته لشرح الترمذي 1 / ق 2 أ، 3 ب نسخة الإسكوريال. (¬2) نيل الأوطار 1/ 167 باب التسمية للوضوء، 356 باب سؤر الحائض، وستأتي مواضع أخرى في مبحث أثر الكتاب فيما بعده. (¬3) انظر ترجمته في فهرس الفهارس للكتاني 1/ 425 - 429، ومقدمة د. حجي لتحقيق برنامج الروداني مجلة معهد المخطوطات العربية بالكويت، ج 1 مجلد 1/ 338، 340 (عدد ربيع الأول سنة 1402 هـ). (¬4) انظر صلة الخلف، ضمن الجزء الثاني من المجلد 28 من مجلة معهد المخطوطات العربية بالكويت/ 378، 379. (¬5) وانظر إنباء الغمر 3/ 347، الدرر الكامنة 2/ 431، 432.

3 - زمن تأليف هذا الشرح، وتحقيق القول فيما أنجزه المؤلف منه، وما وجد منه حاليا

ووصفه عند الرواية عنه بالمُسنِد الثقة المبارك (¬1). أما السند من ابن حجر إلى الروداني، فقد وصله في سياق أسانيده إلى مشاهير المُسنِدين في أوائل برنامجه المذكور (¬2) ثم اتصل السند من الروداني إلى الكتاني صاحب فهرس الفهارس وغيره من المتأخرين (¬3). 3 - زمن تأليف هذا الشرح، وتحقيق القول فيما أنجزه المؤلف منه، وما وُجِد منه حاليًا: لم أجد من عُني بتحديد زمن شروع المؤلف في هذا الشرح، ولكني وجدته ينقل فيه في بعض المواضع عن شيخه ابن دقيق العيد، ويترحم عليه (¬4) وذلك في شرح باب النهي عن استقبال القبلة ببول أوغائط، وهو الباب السادس من أبواب الطهارة، وهذا يدل على كتابته هذا الموضع من الشرح بعد وفاة ابن دقيق العيد، وهو متوفى سنة 702 هـ (¬5) لكن هذا التاريخ بينه وبين وفاة ابن سيد الناس أيضًا مدة طويلة، نحو إثنتين وثلاثين سنة حيث إنه توفي سنة 734 هـ كما تقدم، وقد توفي وهو مشتغل به، فلو كان شرع فيه قريبًا من وفاة ابن دقيق العيد لأتم منه أكثر من القدر الذي توقف عنده كما سيأتي تحديده، فلعله شرع فيه بعد وفاة شيخه بفترة غير قصيرة، وقد أشار في مقدمة الشرح إلى أن شروعه في صياغته وتأليفه كان بعد مدة من تقييده لمتفرقات المادة العلمية للشرح، ثم بدا له جمعها خشية الضياع، ورجاء إفادة طلاب العلم (¬6) ولكنه لم يحدد زمنًا معينًا. وأما القدر الذي أنجزه ابن سيد الناس من الشرح فمن العلماء من لم يُعنَ بتحديده بدقة، ومنهم من عني بذلك. ¬

_ (¬1) نتائج الأفكار في تخريج الأذكار بتحقيق الشيخ حمدي السلفي 1/ 4 الحديث الأول. (¬2) صلة الخلف/ 348، 349، 350، 356 ضمن الجزء الأول من مجلة معهد المخطوطات العربية بالكويت سنة 1402 هـ. (¬3) فهرس الفهارس والأثبات للكتاني 1/ 426 - 429. (¬4) انظر الشرح ص 390، 401. (¬5) الدرر الكامنة 4/ 210 - 214. (¬6) انظر الشرح ص 5، 6.

فجمال الدين عبد الرحيم الإِسنوي -معاصر المؤلف والمتوفى سنة 772 هـ- ذكر أن ما شرحه ابن سيد الناس عبارة عن قطعة من أول جامع الترمذي، وأن شرح هذه القطعة نحو مجلدين (¬1) ولم يحدد الموضع الذي توقف عنده ابن سيد الناس في شرحه. وقال معاصره أيضًا: إسماعيل بن كثير: - وشرح قطعة حسنة من أول جامع الترمذي رأيت منها مجلدًا بخطه الحسن (¬2). أما الشوكاني فذكر أن ابن سيد الناس بلغ في شرحه إلى أوائل كتاب الصلاة وأن ذلك يقع في مجلد واحد، وقد وقف بنفسه عليه بخط ابن سيد الناس، وقال: ولعل تلك النسخة التي وقفت عليها هي المسودة، فإنها كثيرة الضرب والتصحيح (¬3). وقد ذكر أيضًا أنه وقف على الجزء من تكملة العراقي الذي يلي ما شرحه ابن سيد الناس (¬4). أقول: وقول الشوكاني: إن ابن سيد الناس: "بلغ في شرحه إلى أوائل كتاب الصلاة" يفيد تحديده لوقوفه في الشرح عند هذا الحد دون زيادة عليه، وقوله: أنه وقف على المجلد الأول من تكملة العراقي الذي يلي الجزء السابق من شرح ابن سيد الناس يفيد أنه يحدد توقف ابن سيد الناس عند الموضع الذي بدأ العراقي تكملته منه، وهو باب "ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" وهو باب 119 من أبواب الصلاة البالغ مجموع أبوابها 213 بابًا غير أبواب الوتر والجمعة وهي 101 باب (¬5). وقد صرح غير الشوكاني بتوقف ابن سيد الناس في شرحه عند باب 119 ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية للإسنوي ج 2/ 510، 511. (¬2) البداية والنهاية 4/ 147، وفيات سنة 734 هـ. (¬3) البدر الطالع 2/ 250، 251. (¬4) البدر الطالع للشوكاني 1/ 354، 2/ 250. (¬5) تيسير المنفعة للشيخ فؤاد عبد الباقي/ فهرس جامع الترمذي/ 1 - 8.

المتقدم ذكره، فقد قال ابن خطيب الناصرية: إن أبا الفتح اليعمري وقف في شرحه عند باب "ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" (¬1). ويبدو أنه هو والشوكاني قد اعتمدا في تقرير توقف ابن سيد الناس في شرحه عند هذا الباب، على ما قرره العراقي في مقدمة تكملته للشرح حيث قال: وآخر ما رأيت منه بخطه، شرحه لبعض باب "ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام". ولم يكمل شرحه، لاخترامه فجاة بفادح الحِمَام، فشرعت في البناء عليه من أول هذا الباب (¬2) فقول العراقي: إن ابن سيد الناس شرح بعض هذا الباب، ولم يُكمِلْه شرحًا؛ لوفاته فجأة، يدل على توقف ابن سيد الناس في شرحه فعلًا في أثناء هذا الباب، بل إنه حدد بعد هذا بالدقة أن آخر ورقة مما رآه من شرح هذا الباب فيها عزو ابن سيد الناس حديث أبي أمامة في الباب المذكور إلى الترمذي، لتخريجه أصله في كتاب السير من جامعه (¬3). أقول: والحديث المذكور هو الحديث الثامن من تسعة أحاديث أشار الترمذي إليها في الباب المذكور بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان (¬4)، ومعنى هذا أن ابن سيد الناس حسبما عرفنا من منهجه في الشرح، قد أنجز من شرح هذا الباب أمرين: أحدهما: تخريج حديث الباب من عند غير الترمذي من الأئمة. وثانيهما: تخريج ثمانية أحاديث من التسعة التي أشار الترمذي إلى أنها في الباب. وبمقارنة هذا بما وقفت عليه من نسخ شرح ابن سيد الناس نجد ان هناك ¬

_ (¬1) مجموع ابن خطيب الناصرية/ ترجمة زين الدين العراقي/ مخطوط. (¬2) تكملة العراقي لشرح الترمذي 1 / ق 2 أمن نسخة الإسكوريال. (¬3) المصدر السابق، 1 / ق 3 ب. (¬4) جامع الترمذي -الصلاة- باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام 2/ 131 من ط. شاكر.

فاصلًا بين الوضع الذي توقف عنده ابن سيد الناس في شرحه، وبين الموجود حاليًا من نسخه لدينا. فنسخة مكتبة (لا له لي) بتركيا والتي اتخذناها أصلًا في التحقيق، كما سيأتي، تنتهي بآخر شرح باب المستحاضة، وهو الباب (93) من أبواب الطهارة البالغ عددها (112) بحسب ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي. أما نسخة الكتبة المحمودية، فآخر ما فيها نهاية شرح باب (القراءة في صلاة العشاء) وهو الباب (114) من أبواب الصلاة التي مجموعها (213) بحسب ترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي أيضًا، وبذلك تكون نسخة المحمودية هذه أكمل في آخرها من نسخة تركيا، وإن كانت تنقص من أولها كما سيأتي في وصف النسخ. وقد جاء في آخر الوجود بها الإِشارة إلى أنها تنقص عن الباب الذي وقف ابن سيد الناس أثناء شرحه أربعة أبواب هي: - باب ما جاء في القراءة خلف الإِمام. - باب في ترك القراءة خلف الإمام إذا جهر الإِمام بالقراءة. - باب ما جاء فيما يقول عند دخول المسجد. - باب ما جاء إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين. الجملة أربعة أبواب ... إلخ (¬1). أقول: ويلي الباب الأخير من تلك الأربعة، (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). الذي توقف ابن سيد الناس في أوائله، وشرع العراقي في التكملة من أوله كما تقدم كلامه. ولعلنا نوفق في الحصول على نسخة أكمل تتضمن تلك الأبواب الأربعة ليتصل سياق شرح ابن سيد الناس بتكملة العراقي له. ¬

_ (¬1) شرح الترمذي لابن سيد الناس - نسخة المحمودية 1 / ق 175 أ.

4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي

أما ما ذكره صاحب كشف الظنون من أن ابن سيد الناس بلغ في شرحه إلى دون ثلثي جامع الترمذي في نحو عشرة مجلدات، ولم يتم (¬1) فلم يذكر لنا مستنده في هذا وهو تقدير بعيد جدًّا عن التحديد السابق من الإسنوي، وهو معاصر للمؤلف، وبعيد أيضًا من تحديد العراقي المعتمِد على اطلاعه على ما شرحه ابن سيد الناس بخطه، كما أنه لم يظهر حتى الآن من نسخ الشرح ما فيه أزيد مما ذكره العراقي كما تقدم، وعليه فلا يعول على تقدير صاحب كشف الظنون، بل المعتمد ما ذكره العراقي وتبعه عليه غيره، من توقف ابن سيد الناس في شرحه عند تخريج الحديث الثامن مما أشار إليه الترمذي في (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام). 4 - مكانة الكتاب بين أهم شروح الترمذي: أشرت من قبل إلى أن هذا الشرح يمثل بداية حلقة مفتقدة بين المتقدم وبين المتأخر من شروح الترمذي، وبيان ذلك كالتالي: (أ) أن (كارل بروكلمان) ومِنْ بَعدِه الدكتور/ فؤاد سزكين، قد ذكرا أن الحسين بن مسعود البغوي المتوفى سنة 516 هـ (¬2) له شرح لجامع الترمذي (¬3) وذكر د/ فؤاد سزكين أنه يوجد القسم الأخير من هذا الشرح بالمكتبة المحمودية بالمدينة النبوية تحت رقم 35 (¬4). ولكني لم أتمكن من التحقق من ذلك بالاطلاع على تلك القطعة، وسأحرص على ذلك في أقرب فرصة بعون الله تعالى. ولم أجد في عدد من مصادر ترجمة البغوي ذكر هذا الشرح في مؤلفاته. كما ان السيوطي قد ذكر أنه لا يعلم أحدًا شرح جامع الترمذي كاملًا ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1/ 559. (¬2) طبقات الشافعية الكبرى لتاج الدين ابن السبكي 7/ 75 - 77 وتذكرة الحفاظ 4/ 1257 - 1259. (¬3) تاريخ الأدب العربي -لكارل بروكلمان- ترجمة د. عبد الحليم النجار 1/ 190 وتاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين 1/ 302، ط. المصرية. (¬4) تاريخ التراث الموضع السابق.

إلا القاضي أبي بكر بن العربي (¬1) المتوفى سنة 543 هـ (¬2) وهو كما ترى متأخر عن البغوي، فهذا يدل على أن السيوطي لم يقف على شرح البغوي هذا، أو وقف عليه ولم يجده كاملًا، ومن قبل السيوطي ذكر الحافظ زين الدين العراقي أهمية جامع الترمذي ثم قال: ولكنه ليس عليه شرح يناسبه، ولا يداني التناسب ولا يقاربه، ثم ذكر شرح ابن العربي، وبين عدم كفايته، وذكر بعده شرح ابن سيد الناس، وبين أنه لم يكمل، كما تقدم (¬3). فهذا يدل على عدم وقوف العراقي على شرح للبغوي أو غيره من المتقدمين على ابن العربي، ويمكن تحقيق الأمر أكثر إذا تيسر الاطلاع على القطعة التي ذكر سزكين أنها موجودة من هذا الشرح. (ب) وممن سبق المؤلف أيضًا إلى شرح جامع الترمذي - القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله الإشبيلي، المعروف بابن العربي المالكي المتوفى سنة 543، وشرحه يسمى (عارضة الأحوذي) (¬4) أخذًا من قوله في مقدمته: "فخذوها عارضة من أَحْوَذِي علم كتاب الترمذي" يعني كلامًا صادرًا من حاذق، محيط بجوانب ما يتكلم عنه (¬5) وهو العلم المشتمل عليه كتاب الترمذي "وهذا الشرح كاملٍ، ومطبوع متداول، مشهور، وقد تقدمت إشارة السيوطي إلى أنه لا يعلم شرحًا كاملًا للترمذي قبل هذا الشرح، وقد استفاد منه من جاء بعده من شراح الترمذي كالمؤلف، والزين العراقي وغيرهما، وبمراجعتي لعدة مجلدات من هذا الشرح تبين لي أنه مع فائدته المشهود بها، فإنه مختصر في عمومه، حتى إنه قد يترك بعض الأبواب بدون تعليق عليها مطلقًا، كما سيأتي في التوضيح لمنهج ابن سيد الناس مقارنًا بغيره، وذكر أبو الطيب السندي: أن ابن العربي قد أطال الكلام في شرحه هذا على مذهب الإِمام مالك رضي الله عنه، ولم يتعرض لكثير ¬

_ (¬1) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 369، وقوت المغتدي للسيوطي 1/ 15. (¬2) تذكرة الحفاظ 4/ 1294 - 1297. (¬3) تكملة شرح الترمذي للعراقي 1 / ق أب، 2 أ / نسخة الاسكوريال. (¬4) الديباج المذهب لابن فرحون، بتحقيق الدكتور الأحمدي أبو النور 2/ 252 - 256. (¬5) عارضة الأحوذي - شرح جامع الترمذي لابن العربي 1/ 5 أصل وهامش.

من الألفاظ المحتاجة إلى بيان (¬1)، وقد لاحظ الحافظ العراقي من قبله، اختصار ابن العربي لشرحه فقال: "وليس المنهوم بتلك العارضة يغتذي" (¬2). (ج) وبعد هذا الشرح لم أجد شرحًا للترمذي إلا شرح ابن سيد الناس هذا، ومن بعده تتابع الغيث، كما سيأتي، ما بين مكمِل ومُستأنِف. ولهذا قلت: إن هذا الشرح يمثل بداية حلقة مفتقدة من شروح الترمذي، وهي تعتبر الحلقة الوسيطة بين المتقدمين وبين المتأخرين كالسيوطي ومَن بعده. وقد نقل الحافظ ابن حجر عن الكمال الإدْفَوي قوله: (إن ابن سيد الناس شرع لشرح الترمذي، ولو اقتصر فيه على فن الحديث من الكلام على الأسانيد لكمُل، لكنه قصد أن يتبع شيخه ابن دقيق العيد فوقف دون ما يريد) (¬3). أقول: ولم يعلق ابن حجر على ذلك بشيء، والذي يبدو لي أن كلام الإدْفَوِي غير مُسَلَّم له؛ لأنه قرين للمؤلف وشريكه في ملازمة ابن دقيق العيد (¬4) فلعل كلامه هذا من تنافس الأقران، كما أنه معروف في المجال الأدبي واللغوي أكثر منه في مجال السنة وعلومها (¬5) فيكون تقويمه لشرح ابن سيد الناس غير دقيق. وقد خالفه في تقويمه لهذا الشرح غيره ممن هم أخبر به، وأدرى بعلوم السنة، فقال الحافظ العراقي بعد أن ذكر شرح ابن العربي، ووصفه بالإِيجاز، كما مر: وشرع الحافظ أبو الفتح اليَعمُري في شرح له، يعني للترمذي، أطال فيه الكلام عليه، فخرَّج ما أشار بقوله: "في الباب" إِليه، وربما وقف عليه بعض أحاديث من ذُكِر، وزاد عليه أحاديث لصحابة أُخَر، لكن اخترمَتْهُ المنية قبل ¬

_ (¬1) شرح أبي الطيب السندي لجامع الترمذي 1/ 4، 5. (¬2) تكملة العراقي 1 / ق 2 أنسخة الاسكوريال. (¬3) الدرر الكامنة 4/ 331. (¬4) الدرر الكامنة 2/ 72. (¬5) المصدر السابق 2/ 72.

إكماله (¬1). فهذا الكلام من الحافظ العراقي يدل على أن شرح ابن سيد الناس برغم عدم تمكنه من التخريج لبعض الأحاديث؛ فإنه يعتبر في عمومه أوسع من شرح ابن العربي، وكذلك الشوكاني مع تفضيله تكملة العراقي على شرح ابن سيد الناس، فإنه وصف شرح ابن سيد الناس بأنه ممتع في جميع ما تكلم عليه، من فن الحديث وغيره (¬2) وكذلك الصلاح الصفدي تلميذ ابن سيد الناس، والمشير عليه بتسمية الشرح، قد وصفه بأنه: "جمع فأوعى" (¬3). وسيأتي تفصيل منهج المؤلف فيه مقارنًا بغيره. (د) تكملة العراقي لهذا الشرح: ولما كان هذا الشرح لم يُتَح لؤلفه إكماله، فإن الحافظ زين الدين العراقي المتوفى سنة 806 هـ (¬4) قد شرح في تأليف تكملة له، بدأ فيها من أول الباب الذي وقف بنفسه على شرح ابن سيد الناس لقدر يسير منه، كما تقدم وهو (باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) ويبدو أن العراقي لم يتح له أيضًا إتمام شرح الباقي من جامع الترمذي إلى نهايته. والذي يمكن الاطمئنان إليه في تحديد ما أنجزه العراقي من تلك التكملة، ما ذكره الحافظ ابن حجر بقوله: (وبيض من تكملة شرح الترمذي كثيرًا، وكان قد أكمله في المسوَّدة أو كاد، كتبت منه عنه، قدر مجلد، وقرأت أكثره عليه (¬5). فهذا التقدير من الحافظ ابن حجر معتمِدٌ على صلته المباشرة بالكتاب، واطلاعه على أكثره، ولذا يترجح على تقدير غيره، كما أنه قد حدد أيضًا ما بيضه العراقي منه فقال: "والذي بيض منه إلى آخر كتاب اللباس" (¬6). ¬

_ (¬1) تكملة العراقي لشرح الترمذي 1 / ق 2 أنسخة الاسكوريال. (¬2) البدر الطالع 2/ 250. (¬3) الوافي 1/ 292. (¬4) ذيل تذكرة الحفاظ لابن فهد/ 220 - 234. (¬5) المجمع المؤسس بالمعجم المفهرس لابن حجر/ 177 وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي/ 371. (¬6) المعجم المفهرس لابن حجر/ 175 أ.

أقول: وهذا الكتاب هو الثاني والعشرون من كتب جامع الترمذي البالغ عددها 47 كتابًا آخرها كتاب العلل وهو آخر الجامع، وقد وقفتُ على نص من كلام العراقي نفسه يؤيد قول الحافظ ابن حجر السابق عن تحديد ما أنجزه العراقي في المسودة، وذلك في المجلد الموجود بدار الكتب المصرية من تكملة العراقي هذه، وهو من المسودة بخطه، حيث جاء في بعصر أوراقها ما نصه: "المناقب يُثبَت فيها حديث عمرو بن الجموح، من باب التوحيد، في الإِيمان" (¬1). فالمناقب هو الكتاب قبل الأخير من كتب جامع الترمذي، وقوله هذا يدل على اشتغاله بجمع المادة العلمية اللازمة لشرحه من مصادرها، فلعله شرع في شرح هذا الكتاب الأخير ولم يكْمِله، ولذا قال ابن حجر فيما تقدم: "وكان قد أكمله أو كاد" وأما ما ذُكِرَ غير ذلك من تحديد ما أنجزه العراقي فلا يعوَّل عليه؛ لأنه إما قول مجرد عن الدليل، أو معتمد على تقليد الغير أو على ما وقف عليه القائل فقط. هذا وقد رجح د. فؤاد سزكين أن العراقي ألف شرحين لجامع الترمذي: أحدهما تكملة لشرح ابن سيد الناس، والثاني شرح مستقل، وقد اعتمد في هذا على أن بعض المجلدات الخطية ذُكِرت في فهارس المخطوطات باسم (تكملة شرح الترمذي) وبعضها مفهرس باسم (شرح الترمذي) (¬2) وقد تيسرت لي هذه المجلدات جميعها بحمد الله، وقابلت بعضها ببعض، وتبين لي أن هذا الاختلاف في عنوان النسخ الخطية فقط، ولكن الكل كتاب واحد هو: "تكملة العراقي لشرح ابن سيد الناس" وعليه فما رجحه د/ فؤاد سزكين ليس صوابًا. ومثله أيضًا ما ذكره محمد بن طولون حيث قال: إن العراقي أكمل شرح ¬

_ (¬1) انظر الورقة/ 167 ب من المجلد المخطوط بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث. (¬2) تاريخ التراث العربي للدكتور فؤاد سزكين 1/ 395 ط. المصرية.

الترمذي لابن سيد الناس، ثم استأنف العمل من أول الجامع، وكتب عليه فأكمله (¬1)، فلم أجد من وافقه على ذلك. وقد وازن بين ما شرحه ابن سيد الناس وبين تكملة العراقي غير واحد من العلماء، بما يدل على مكانة كل منهما من الآخر. فجمال الدين عبد الرحيم الإِسنوي المتوفي سنة 772 هـ وأحد شيوخ العراقي (¬2) قال في ترجمة ابن سيد الناس: إنه شرح قطعة من الترمذي، نحو مجلدين، وشرع في إكماله حافظ الوقت زين الدين العراقي، إكمالًا مناسبًا لأصله (¬3) وبهذا جعل الشرح وتكملة العراقي عليه، كلاهما في مستوى واحد، وتلك موازنة إجمالية. ومن بعد الإِسنوي نجد الإمام الشوكاني، قد اطلع على شرح ابن سيد الناس بخطه ثم على المجلد الأول من تكملة العراقي، بخط الحافظ ابن حجر، وبعضه بخط العراقي (¬4) وسيأتي أيضًا أنه نقل عن الشرح وتكملته كثيرًا في نيل الأوطار، وقد قال عن شرح ابن سيد الناس: هو ممتع في جميع ما تكلم عليه، من فن الحديث وغيره، مع التزامه لإِخراج الأحاديث التي يشير إليها الترمذي بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان إلخ .. ولما وقفت على الجزء الذي يلي هذا الجزء للزين العراقي، بهرني ذلك، ورأيته فوق ما شرحه صاحب الترجمة (يعني ابن سيد الناس) بدرجات (¬5) وقال أيضًا عن تكملة العراقي: وهو شرح حافل ممتع فيه فوائد لا توجد في غيره، ولا سيما في الكلام على أحاديث الترمذي، وجميع ما يشير إليه في الباب، وفي نقل المذاهب على نمط غريب، وأسلوب عجيب (¬6). ¬

_ (¬1) القلائد الجوهرية في تاريخ الصالحية لمحمد بن طولون 2/ 448. (¬2) الدرر الكامنة 2/ 464، 495. (¬3) ذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي/ 371. (¬4) البدر الطالع 1/ 236، 237، 2/ 250. (¬5) المصدر السابق 2/ 250، 251. (¬6) البدر الطالع 1/ 355.

أقول: والذي بدا لي من مطالعة ما شرحه ابن سيد الناس، ثم تكملة العراقي له أن موازنة الشوكاني هي الصواب، نعم لابن سيد الناس فضل السبق والتوسع في جوانب قد أوجز فيها ابن العربي، أو تركها كلية، كما سيأتي توضيحه، لكن تكملة العراقي أفود وأعمق بصفة عامة، وخاصة في ناحيتي التخريج والصناعة الحديثية، كما سأبينه في مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره. (هـ) ذكر عبد الرؤوف المناوي أنَّ أبا زرعة ابن العراقي قد أكمل تكملة شرح والده لشرح الترمذي (¬1)، وهذا يدل على ما أشرت إليه من قبل من كون العراقي لم يتم شرح جامع الترمذي حتى في المسَّودة، وإلا كان أبو زرعة حرص على تبييض ذلك بدلًا من تأليف تكملة جديدة نظرًا لحرصه على حفظ ما ألفَّه والده. هذا ولم أقف على نسخة من تلك التكملة، أو نقول عنها. (و) ذكر السخاوي من مؤلفاته: تكملة شرح الترمذي للعراقي، وذكر أنه كتب منه أكثر من مجلدين في عدة أوراق من المتن (¬2)، يعني متن جامع الترمذي، وهذا دليل على توسعه الكبير في الشرح، ولكنه لم يحدد لنا الموضع الذي بدأ تكملته منه ولا الموضع الذي توقف عنده، وتبعه في هذا الكتاني (¬3) لكن في كتاب المقاصد الحسنة للسخاوي (¬4) ذكر حديث: "ليس شيء أكرم على الله من المؤمن" وقال: وقد أشبعت الكلام عليس فيما كتبته على الترمذي في باب ما جاء في تعظيم المؤمن، قبيل الطب. أقول: والباب الذي ذكره هو باب 85 من كتاب البر والصلة، وهو كتاب 25 من كتب جامع الترمذي البالغ عددها 47 كتابًا وقبل هذا الكتاب بكتابين نجد كتاب اللباس الذي وصل العراقي في تبييض شرحه إليه. ¬

_ (¬1) انظر مقدمة شرح المناوي الموجز لألفية العراقي في السيرة/ مخطوط. (¬2) الضوء اللامع للسخاوي 8/ 16. (¬3) فهرس الفهارس للكتاني 2/ 990. (¬4) المقاصد ص 541 حرف اللام.

وعمومًا فإن هذه التكملة كسابقتها لم أقف على نسخة منها، رغم البحث الدائب. (ز) ومن تلك الحلقة أيضًا شرح جامع الترمذي كاملًا، لأبي الفرج عبد الرحمن بن أحمد، المعروف بابن رجب الحنبلي المتوفى سنة 795 هـ (¬1) وهو قرين لزين الدين العراقي، صاحب أكبر تكملة على شرح ابن سيد الناس، كما تقدم. وقد ذكر علي بن محمد بن علاء، المعروف بالعلاء الطرسوسي أنه سمع ابن رجب يقول: أرسل إليَّ الزين العراقي يستعين بي في شرح الترمذي (¬2). وهذا يدل على علم كل من العراقي وابن رجب باشتغال الآخر بالشرح، ومع تقدم وفاة ابن رجب وإتمامه لشرح الجامع كله، إلا أن هذا لا يعطينا قطعًا بأن ابن رجب كان أسبق من العراقي؛ فقد نقل الحافظ ابن حجر -وهو تلميذ العراقي الملازم له- قول شيخه العراقي: إنه قد رافق الزيلعي في الاشتغال بالتخريج، وذكر من ضمن ما كان العراقي مشتغلًا به آنذاك الأحاديث التي يشير إليها الترمذي في الأبواب، ثم أرخ وفاة الزيلعي سنة 762 هـ (¬3). فهذا يدل على اشتغال العراقي بتكملته قبل هذه السنة، كما جاء أيضًا في آخر الجزء الخامس من تكملة العراقي أنه فرع منه في 27 ربيع الآخر سنة 779 هـ (¬4) وهذا تاريخ متقدم على وفاة ابن رجب بنحو خمس عشرة سنة. وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن ابن رجب قد أجاد في هذا الشرح وأنه نحو عشرين مجلدًا (¬5)، وكذا قال صاحب كشف الظنون، ولكنه ذكر أنه احترق في الفتنة (¬6) ولم يبيِّن مراده بالفتنة، وقد بحثت عن هذا الشرح كثيرًا، كما بحث عنه ¬

_ (¬1) لحظ الألخاظ لابن فهد/ 180 - 182. (¬2) الضوء اللامع للسخاوي 5/ 328. (¬3) الدرر الكامنة 2/ 417. (¬4) انظر ورقة / 1240 من القطعة الموجودة بدار الكتب المصرية برقم (2504) حديث. (¬5) فهرس الفهارس للكتاني 2/ 636. (¬6) كشف الظنون 1/ 559.

أيضًا الأخ الفاضل الدكتور/ همام عبد الرحيم (¬1) وقد أسفر بحثه عن وجود قطعتين من هذا الشرح. إحداهما: نحو عشرة أوراق، ضمن، مجموعة بالمكتبة الظاهرية، وقد أطلعني عليها مشكورًا الأخ الدكتور همام، وفحصتها، ونقلت معظمها بخطي، وأولها أثناء باب (ما جاء في العمامة السوداء) وهو الباب (11) من كتاب اللباس، وهو الكتاب (22) من الجامع، ويليه قطعة أخرى من باب (ما جاء في لبس الصوف)، وهو الباب العاشر من كتاب اللباس، ثم يليه تكملة باب (ما جاء في لبس العمامة) السابق ذكره ثم يليه باب (ما جاء في كراهية خاتم الذهب)، وهو باب (13) من كتاب اللباس هذا .. ويوجد أيضًا في أثناء تلك القطعة ورقة من كتاب التراجم وتقع بين ورقة 87 ب، وورقة 188، ومن هذا الوصف لتلك القطعة تلاحظ أنها مختلفة الترتيب، وقد كتب بأعلا الصفحة الأولى من اليسار ما نصه: (ملك محمد بن يوسف بن عبد الهادي)، وهي بخط ابن رجب، وقد مكنتني هذه القطعة من موازنة منهج ابن سيد الناس بمنهج أبن رجب في شرحه هذا ومقارنته أيضًا بمنهج العراقي كما سيأتي. وقد قام د. همام بتحقيق نماذج من باب (ما جاء في كراهة الخاتم) (¬2). أنها القطعة الثانية: فهي عبارة عن شرح كتاب العلل الذي في آخر جامع الترمذي، وهذه قد تعددت نسخها، وقام غير واحد بتحقيقها، ومنهم الدكتور نور الدين عتر وقد نشره، ومنهم الدكتور همام عبد الرحيم، ولم يطبع حتى الآن، ولديَّ منه نسخة على الآلة الكاتبة. أقول: وقد تقدم قول الحافظ ابن حجر عن هذا الشرح: إن ابن رجب أجاد فيه، وهو حكم إجمالي، لكنه من خبير بالصنعة، وبجامع الترمذي خصوصًا، لاشتغاله بشرحه كما سيأتي. ¬

_ (¬1) شرح علل الترمذي لابن رجب بتحقيق ودراسة الدكتور همام عبد الرحيم 1/ 48، 49. (¬2) انظر شرح العلل بتحقيقه 1/ 50 - 54.

وعمومًا فإني قد اطلعت على شرح ابن سيد الناس وعلى تكملة العراقي، وعلى القطعة السابقة من شرح ابن رجب، مع شرحه لكتاب العلل الذي في آخر الجامع. وعلى ضوء ذلك يمكن تقدير المكانة الإِجمالية لشرح ابن سيد الناس على النحو التالي: 1 - إن له فضل السبق، والتوسع في مباحث الشرح والصنعة الحديثية أكثر من ابن العربي كما قدمت. 2 - إن تكملة العراقي، وشرح ابن رجب يفوقانه في التوسع والبحث والتحقيق وخاصة في الصنعة الحديثية. وسيأتي مزيد بيان لذلك في مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره من أهم شراح جامع الترمذي. (ح) ومن تلك الحلقة أيضًا شرح زوائد جامع الترمذي على كل من الصحيحين وسنن أبي داود، لأحد تلاميذ ابن سيد الناس، وقَرِين العراقي، وهو سراج الدين عمر بن علي، المعروف بابن الملقن، وبابن النحوي المتوفى سنة 804 هـ، وقد نقل السخاوي عنه أنه كتب منه قطعة صالحة (¬1)، وكذا ذكره الشوكاني (¬2) وصاحب كشف الظنون (¬3). أقول: واسم هذا الشرح: "إنجاز الوعد الوَفِي، بشرح جامع الترمذي" وقد وقفت على صورة نسخة منه موجودة بمكتبة (شستربيتي) برقم (5187) وعدد أوراقها (153) ورقة، وهي ناقصة من أولها، وباثنائها خروم، وآخر ما فيها أول باب (كيف الجلوس في التشهد) وهو الباب رقم 102 من أبواب الصلاة البالغ عددها 213، بحسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي. وباطلاعي على هذه القطعة من الشرح تبينَّ لي أن طابعه العام هو ¬

_ (¬1) الضوء اللامع 6/ 100، 102، 105. (¬2) انظر البدر الطالع 1/ 508 - 511. (¬3) 1/ 559.

الاختصار ومنهجه مماثل في جملته لمنهج ابن سيد الناس، الآتي تفصيله فيما بعد. (ط) ومن تلك الحلقة أيضًا ما ألفه قرين آخر للعراقي ولابن الملقن، وهو سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير، المعروف بالبلقيني المتوفَّي سنة 805 هـ، فقد ذكر ابن قاضي شهبة أن البُلقيني ألَّف شرحًا للترمذي يسمى (العَرف الشّذِي على جامع الترمذي) وأنه كتب منه قطعة صالحة (¬1) وكذا ذكره صاحب كشف الظنون (¬2) وسيأتي ذكر شرح آخر بهذا الإسم لأحد علماء الهند المتأخرين. أما ابن فهد فذكر أن للبلقيني شرحين على الترمذي: أحدهما: صناعة، والآخر فقه. (¬3). وعلى كل حال فلم أقف على شيء مما شرحه البلقيني من جامع الترمذي خلال بحثي الموسع في فهارس المخطوطات والنشرات الدورية عنها، حتى الآن، كما لم أقف على نقول عنه. (ي) أنها آخر تلك الحلقة المفتقدة فهو شرح الحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفِّي سنة 852 هـ وقد ذكره بنفسه في فتح الباري، حيث ذكر أنه لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، شيء في النهي عن البول قائمًا ثم قال: كما بينته في أوائل شرح الترمذي (¬4). أقول والباب المناسب لذلك في الترمذي هو باب الرخصة في البول قائمًا - وهو الباب التاسع من أول كتب جامع الترمذي وهو كتاب الطهارة. وقال في النكت عن حديث "الأذنان من الرأس" وقد جمعت طرقه فيما كتبته على جامع الترمذي (¬5)، وهذا يفيد أنه توسع فيه في تخريج الأحاديث التي ¬

_ (¬1) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 4/ 52. (¬2) 1/ 559. (¬3) ذيل طبقات الحفاظ لابن فهد / 216. (¬4) فح الباري -كتاب الوضوء- باب البول عند سباطة قوم 1/ 330. (¬5) نكت ابن حجر على ابن الصلاح والعراقي 1/ 410.

تحتاج إلى ذلك، والباب المناسب لهذا الحديث هو (باب ما جاء أن الأذنين من الرأس) وهو باب 29 من الطهارة. وهذا يدل على أنه بلغ في الشرح إلى هذا الباب على الأقل، وقد ذكر السخاوي في ترجمة شيخه ابن حجر أنه أول ما ولي تدريس الحديث بالمدرسة الشيخونية سنة 806 هـ شرع في هذا الشرح، فكتب منه قدر مجلدة مسودة، ثم قال: ولو كمل لجاء في 25 سفرًا حسبما قرأته بخطه (¬1) وذكر الدكتور/ شاكر محمود عبد النعم نقلًا عن البقاعي، وهو تلميذ ابن حجر أيضًا، أنه شرع في هذا الشرح سنة 808 هـ في أثناء تدريسه الحديث بالشيخونية، فكتب منه مجلدة مسودة، ثم فتر عزمه عنه (¬2) وذكره المباركفوري أيضًا (¬3). أقول: ولم أقف على شيء من تلك المجلدة، وذكر السيوطي أيضًا أنه لم يقف عليه (¬4) وكذا ذكر الشيخ أبو الطيب السندي في شرحه الآتي أنه لم يقف عليه. (ك) ومما يتعلق بشرح الترمذي أيضًا للحافظ ابن حجر كتاب يسمى (اللباب فيما يقول فيه الترمذي: وفي الباب) وقد ذكره السيوطي أيضًا، وقال: أنه لم يقف عليه (¬5) وذكره الكتاني أيضًا (¬6)، ولم أقف أنا على شيء من نسخه. أقول: وبهذا الكتاب تنتهي تلك الحلقة الوسيطة، بين تأليف المتقدمين وتأليف المتأخرين، في شرح الترمذي. ويلاحظ أن أكثر كتب تلك الحلقة مفتقَد، والموجود منها ما زال مخطوطًا وفي مقدمتها: شرح ابن سيد الناس الذي نُقدم له. ¬

_ (¬1) الجواهر والدرر في ترجمة الحافظ ابن حجر للسخاوي ق 55 / ب. (¬2) انظر ابن حجر العسقلاني ودراسة مصنفاته للدكتور شاكر عبد المنعم ص 327. (¬3) مقدمة التحفة 1/ 378. (¬4) قوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 15. (¬5) قوت المغتذي للسيوطي 1/ 15. (¬6) فهرس الفهارس 1/ 333.

(ل) ثم يلي تلك الحلقة شروح المتأخرين، ومن أهمها شروح ثلاثة: 1 - قوت المغتذي لجلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي المتوفى سنة 911 هـ (¬1) وهو مطبوع، ومن طبعاته، الطبعة الهندية سنة 1299 هـ. وقد ذكر السيوطي في مقدمته أنه تعليق على جامع الترمذي، على نمط ما علقه على صحيح البخاري المسمى بالتوشيح، وعلى صحيح مسلم المسمى بالديباج، وعلى سنن أبي داود المسمى بمرقاة الصعود ثم قال: "وسميته: قوت المغتذي على جامع الترمذي" (¬2). أقول: وباطلاعي على الكتاب تبين لي أنه شرح مختصر، أو تعليق كما وصفه مؤلفه فيذكر فيه العبارات التي يراها بحاجة إلى شرح ويصدرها بعبارة (قوله) يعني الترمذي، ثم يشرحها باختصار، وينتقل لغيرها وهكذا، وهذا يسمى الشرح بالقول كما سيأتي، ولم يستوعب فيه السيوطي شرح كل ما هو بحاجة إلى شرح من سند الترمذي ومتنه، ولذلك قال الشيخ أبو الطيب السندي: إن السيوطي تكلم على نبذ من الألفاظ فقط (¬3) وقد لاحظت اعتماده على شرح ابن سيد الناس، وتكملته للعراقي كثيرًا، ولكنه لم يستوعب كلامهما على الحديث، ولم يلتزم بذكر تخريجهما لما قال فيه الترمذي: (وفي الباب) وذلك لما قصده من الاختصار. ولكنه يستفاد من نقوله عنهما في تحقيق شرح ابن سيد الناس وتكملة العراقي عليه. 2 - شرح أبي الطيب السندي: وهو أيضًا شرح بالقول، وقد طبع مع شرح السيوطي السابق ومؤلفه قد عَرَّف نفسه في مقدمته فذكر: أنه محمد أبو الطيب بن عبد القادر السندي مولدًا، والمدني موطنًا، والحنفي مذهبًا. ¬

_ (¬1) البدر الطالع للشوكاني 1/ 328 - 335 وحسن المحاضرة 1/ 335 - 344. (¬2) قوت المغتذي للسيوطي 1/ 14. (¬3) شرح أبي الطيب السندي 1/ 4.

ثم قال: (إنه لم يحيى من كَتب على جميع أحاديث الترمذي شرحًا، وإن كثيرًا من الألفاظ محتاج إلى حَلِّه) يعني شرحه وتوضيحه. ولما كان هذا الكلام يبدو متعارضًا مع وجود الشروح السابقة عليه، فإنه أجاب عن ذلك بما خلاصته: أن السيوطي شرح نبذًا فقط من الأحاديث. وأن ابن العربي أطال الكلام فيما يتعلق بالحديث من الآراء الفقهية على مذهب مالك "رضي الله عنه" ولم يتعرض لكثير من الألفاظ المحتاجة إلى بيان. وأن شرح ابن سيد الناس وتكملته للعراقي لم يوجد منه شيء لديه حينذاك. وأن ما شرحه منه البلقيني وابن حجر، وكذا ما ألفه ابن حجر في تخريج ما يقول الترمذي فيه: وفي الباب، كل ذلك لم يقف عليه من هو قبله -يعني السيوطي فكيف هو؟ (¬1) وبعد هذا الجواب الذي قرر فيه افتقاده لشرح ابن سيد الناس وكل من جاء بعده إلى السيوطي وأظهر به الجاجة إلى شرحه قال: استخرت الله تعالى أن أشرح شرحًا يحل جميع ألفاظه إلا ما شذ، فبدأت في شرحه .. إلخ (¬2). أقول: وقد طالعت كثيرًا من هذا الشرح فلم أجد مؤلفه التزم بشرطه هذا من شرح جميع الألفاظ أو أغلبها، بل وجدته ترك الكثير مما شرحه السابقون عليه، وخصوصًا من قال إنه لم يقف على شروحهم وهم: ابن سيد الناس ومَن بعده، حتى السيوطي، حيث وجدته ينقل عنه، كما أنه تارة يخرج ما أشار إليه الترمذي بقوله: وفي الباب، وتارة يتركه (¬3). ¬

_ (¬1) مقدمة شرح أبي الطيب السندي 1/ 4، 5. (¬2) مقدمة الشرح الموضع السابق. (¬3) انظر مثلًا 1/ 321 باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام، مع مقارنته بشرح العراقي لنفس الباب.

3 - (تحفة الأحوذي) شرح جامع الترمذي (¬1) للحافظ أبي العلا محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المعروف بالمباركفوري المتوفى سنة 1253 هـ (¬2) وهو أوسع شروح الترمذي المطبوعة حاليًا، حيث يقع في عشرة مجلدات، مع مقدمة ضافية، تقع في جزءين في مجلد، وهو شرح بالقول (¬3). وقد ضمن مقدمته ما يلى: * الباب الأول: فيما يتعلق بعلم الحديث وكُتبِه وأهلِه عمومًا، وفيه (41) فصلًا، استغرقت 336 صحيفة. * والباب الثاني: في فوائد خاصة متعلقة بالترمذي وجامعه، وضمنها (17) فصلًا تناول فيها ترجمة الترمذي والتعريف بجامعه من مختلف جوانبه، ومن أهم ما تناوله فيها: تسميته، ومكانته بين الكتب الستة، ومميزاته، وشرط الترمذي فيه، وأهم اصطلاحاته في بيان درجة أحاديثه، وأحوال الرواة، وأقوال العلماء وآراء الفقهاء وبيان المكرر فيه من الأبواب والأحاديث، وسياق رجاله على ترتيب كتب الرجال، وقد استغرق فيه أزيَد من (150) صفحة (¬4) ثم عقد فصلًا في اصطلاحاته هو في بعض عباراته في شرحه، ثم أعقب ذلك بخاتمة ذكر فيها عددًا من أخطاء بعض النسخ المطبوعة بالهند وغيرها من جامع الترمذي. ثم إن الشيخ أبا الفضل عبد السميع المباركفوري ابن أخي المؤلف قد ترجم لعمه، وعرف بشرحه هذا في نهاية تلك المقدمة، وبين مجمل منهج المؤلف في هذا الشرح في (15) مبحثًا (¬5). وقد قارنتها بالشرح في مواضع كثيرة، فوجدته قد وفى بها في الجملة، وسيأتي ذكر ما يحتاج إليه. منها عند مقارنة منهج ابن سيد الناس بغيره. ¬

_ (¬1) انظر تصريح مؤلفه بالتسمية في الجزء العاشر والأخير / 458. (¬2) انظر مقدمة تحفة الأحوذي 2/ 189 - 215. (¬3) سيأتي توضيح هذا في مبحث منهج ابن سيد الناس ومقارنته بغيره. (¬4) انظر المقدمة ج 2/ 30 - 33. (¬5) انظر المقدمة 2/ 205 - 207.

ومن الجدير بالذكر هنا أني وجدته قد استفاد في هذا الشرح كثيرًا من شرح ابن سيد الناس، وتكملته للحافظ العراقي، لكن كثير منه بواسطة الإمام الشوكاني الذي اطلع على شرح ابن سيد الناس، وعلى الجلد الأول من تكملة العراقي، وقد نقل عنهما في كتابه (نيل الأوطار) وفي شرح كتاب العلل الذي في آخر الجامع نقل المباركفوري عن ابن سيد الناس مرتين، ويبدو أنهما بواسطة الحافظ العراقي فيما نقله في نكته على ابن الصلاح من شرح ابن سيد الناس (¬1). وهناك نقول عزاها للحافظ العراقي في شرح الترمذي مباشرة (¬2). ونقول عزاها إلى ابن سيد الناس مباشرة (¬3). ومن هذا كله يظهر لنا أن ما شرحه ابن سيد الناس يأخذ مكانة بارزة بين شرح من سبقه وشرح من لحقه إلى وقتنا هذا، وأنه قد اعتمد عليه مباشرة وبالواسطة من تصدي لشرح الترمذي بعده، كما اعتمد عليه غير شراح الترمذي، كما سيأتي، في بيان أثره، وهذا مما يؤكد مكانته العلمية، وأهمية إخراجه إلى عالم الطباعة والنشر، لتعميم الفائدة به إن شاء الله. وهم في ذكر مختصر لشرح ابن سيد الناس: ذكر بروكلمان أن محمد بن عقيل البالسي المتوفى سنة 729 هـ قد اختصر شرح الترمذي لابن سيد الناس (¬4). وبمراجعة ترجمة البالسي هذا في عدة مصادر، لم أجد ذكرًا لهذا الكتاب ضمن مؤلفاته، وإنما وجدت أنه اختصر جامع الترمذي نفسه فقط (¬5) وهكذا ¬

_ (¬1) انظر تحفة الأحوذي 10/ 520. (¬2) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 338. (¬3) مقدمة التحفة 1/ 356. (¬4) تاريخ الأدب العربي 3/ 191 ترجمة د. عبد الحليم النجار. (¬5) الدرر الكامنة 4/ 169 والطبقات الكبرى لتاج الدين ابن السبكي 9/ 252، وشذرات الذهب 6/ 91.

5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي

ذكره صاحب كشف الظنون من مختصرات جامع الترمذي. وتبعه المباركفوري (¬1) ثم فؤاد سزكين (¬2). ولعل مما يبعد هذا أمران: أحدهما: تقدم وفاة البالسي على وفاة ابن سيد الناس كما ترى. وئانيهما: أن ابن سيد الناس لم يتم شرحه حتى يتجه غيره إلى اختصاره. 5 - منهج المؤلف في الشرح، وموازنته إجمالًا بمناهج أهم الشروح لجامع الترمذي: (أ) أهم مناهج الشروح عمومًا: إن ما تيسر لي الاطلاع عليه من شروح كتب السنة عمومًا، ومن كتابات العلماء والباحثين عن مناهجها قد أظهر لي أن الشروح من حيث منهجها العام ترجع إلى الآتي: 1 - الشرح الموضوعي. 2 - الشرح المَوضِعي، ويعرف بالشرح بالقول. 3 - الشرح الممزوج. أما الشرح الموضوعي فهو الذي يقسم الشارح فيه الحديث سندًا ومتنًا، ومايتبعهما في الكتاب المراد شرحه، إلى موضوعات، ثم يشرح ما يتعلق بكل موضوع على حدة، حتى لو اقتضى ذلك شرح المتأخر في سياق الحديث قبل المتقدم منه، تبعًا لجمع الجزئيات المتعلقة بموضوع واحد لأجل شرحها فقط، فمثلًا الكلام على الرواة يتكلم عنه الترمذي بعد سياق الحديث سندًا ومتنًا، ويتناوله ابن العربي في الشرح في أول كلامه عن الحديث لا في آخره (¬3)، وقد بشرح عدة أبواب متتابعة عند ذكر أول حديث من أول باب (¬4). ¬

_ (¬1) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385. (¬2) تاريخ التراث العربي له 1/ 397 ط المصرية. (¬3) عارضة الأحوذي شرح جامع الترمذي 1/ 3، 5. (¬4) انظر العارضة 2/ 2 - 13، 5/ 227 وما بعدها.

ويعتبر شرح ابن سيد الناس من هذا النوع، وكذلك شرح ابن العربي السابق عليه، وأيضًا تكملة العراقي لشرح ابن سيد الناس، وكذا شرح الحافظ ابن رجب الحنبلي، وشرح ابن الملقن لزوائد الترمذي على الصحيحين وسنن أبي داود. وسأبين هنا مجمل منهج بن العربي في شرحه، نظرًا لسبقه وتداوله، حتى يتسنى لي بعد ذلك مقارنة منهج المؤلف به، أما غير ابن العربي ممن قدمت ذكرهم، فسأكتفي ببيان المحتاج إليه من منهجهم عند مقارنة شرح المؤلف بغيره إن شاء الله. وقد افتتح ابن العربي شرحه هذا المسمى (عارضة الأحوذي) ببيان سبب تأليفه للشرح، وهو طلب طائفة من طلاب العلم منه ذلك، وذكر أنه كان يود التوسع والاستيفاء ولكن شواغله لم تسمح له إلا بالشرح المختصر عمومًا، وإن أطال في بعض المواضع (¬1) ثم انتقل إلى مقدمة لشرحه بين فيها منزلة جامع الترمذي بين كتب السنة، وعدّد ما اشتمل عليه من فنون علم الحديث، فبلغ بها أربعة عشر علمًا (¬2)، ثم أجمل منهجه في شرحه فقال: (ونحن سنورد فيه إن شاء الله بحسب العارضة: قولًا في الإِسناد، والرجال، والغريب وفنًّا من النحو، والتوحيد، والأحكام، والآداب، ونكتًا من الحِكَم، وإشارات إلى المصالح) (¬3). ثم ذكر سنده بجامع الترمذي، ومنه انتقل إلى الشرح (¬4). وبمراجعتي لأبواب متعددة خلال هذا الشرح من أوله إلى آخره، تبين لي مطابقة منهجه في الجملة لما رسمه في القدمة السابقة، كما ان معظم العناصر التي ¬

_ (¬1) المصدر السابق 1/ 5. (¬2) عارضة الأحوذي 1/ 5، 6. (¬3) المصدر السابق 1/ 6. (¬4) المصدر السابق 1/ 6، 7.

ذكرها جعل لكل منها عنوانًا في شرح كثير من الأبواب، ثم ساق تلك العناصر الموضوعية حسب الترتيب الذي ذكره في المقدمة. فعنصر الإِسناد يتناول فيه كلام الترمذي وغيره عن سند الحديث، ودرجته من القبول أو الرد (¬1)، كما قد يخرج في هذا العنصر حديث الباب من عند غير الترمذي (¬2)، وقد يخرجه بسنده عن شيوخه (¬3)، وقد يعرض لبيان حال بعض الرواة (¬4) وقد يخرج بعض ما أشار إليه الترمذي بقوله: وفي الباب (¬5)، ولكنه كثيرًا ما يُخلّ بذلك، كما أنه لا يتوسع في التخريج، ولا يستوعب أكثر المشار إليه، وربما ذكر ما أشار إليه الترمذي من أحاديث الباب، لكن لا يعزوها إلى مصدر (¬6)، وقد يذكر أحاديث أخرى تتعلق بالباب، ولم يشر إليها الترمذي (¬7). وأما عنصر الرجال الذي أشار إليه، فيعرض فيه لبيان أحوال بعض الرّواة لحديث الباب، والتعريف بهم أو بغيرهم ممن يتكلم عنه الترمذي (¬8)، لكن لم أجد ابن العربي يجعل لهذا العنصر عنوانًا مستقلًا، بل كثيرًا ما يدخله مع عنصر الإسناد السابق ذكره. وأما عنصر الغريب فتارة يعنونه بـ "الغريب" (¬9)، وتارة يعنونه بـ "العربية" (¬10) وتارة باللغة (¬11) ويتناول فيه شرح الألفاظ أو العبارات الواقعة في ¬

_ (¬1) انظر العارضة 1/ 130، 236، 239، 6/ 72، 73. (¬2) انظر العارضة 1/ 128، 7/ 52، 293، 11/ 114. (¬3) 1/ 251، 6/ 4، 7 (¬4) العارضة 7/ 25، 285. (¬5) العارضة 1/ 20، 59 - 61. (¬6) العارضة 7/ 33، 34. (¬7) العارضة 7/ 41، 42. (¬8) العارضة 8/ 275، 276، 1/ 15، 16. (¬9) عارضة الأحوذي 12/ 67، 1/ 237، 12/ 189. (¬10) انظر العارضة 5/ 171، 7/ 52، 11/ 114 - 115، 1/ 244 وما بعدها. (¬11) العارضة 1/ 309، 2/ 131.

متن الحديث ويراها هو بحاجة إلى شرح أو توضيح، إما لغرابة لفظه، أو لكونه مشكلًا، أو له معنى اصطلاحي عند الفقهاء أو الأصوليين أو غيرهم (¬1)، كما أنه يضبط ما يراه بحاجة إلى ضبط (¬2). وأما عنصر النحو الذي أشار إليه فهو قليل التعرّض له، وقد يذكره ضمن المبحث السابق (¬3). وأما التوحيد: فإنه يذكره في كثير من الأحيان تحت عنوان (الأصول)، ويتناول أيضًا تحت هذا العنوان مباحث أصول الفقه المتعلقة بالحديث، والتي يرى هو التعرض لها، وبذلك يطلق هذا العنوان على ما يتعلق بأصول الدين، وهو التوحيد وباقي مسائل العقيدة، وعلى ما يتعلق بالحديث من علم أصول الفقه أيضًا (¬4)، وقد يعنون لمسائل العقيدة بعنوان (التوحيد)، ويذكر تحته ما يتعلق بالعقيدة فقط (¬5). وأما الأحكام والأداب: فتارة يذكرها تحت عنوان (الأحكام) (¬6)، وتارة تحت عنوان (الفقه) (¬7)، وأخرى تحت عنوان (الفوائد) (¬8)، وقد يقول: أحكامه وفوائده (¬9)، وهذا العنصر يعتبر أهم العناصر عنده، باعتبار أنه المقصود الهام من ¬

_ (¬1) انظر العارضة 11/ 109، 110، 7/ 67، 1/ 16، 17، 5/ 134، 135، 6/ 22، 23. (¬2) العارضة 1/ 20، 21، 2/ 277. (¬3) انظر العارضة 1/ 22. (¬4) انظر العارضة 7/ 67 - 69، 283، 288، 12/ 68 وما بعدها، 5/ 143، 8/ 276، 2/ 71. (¬5) 1/ 10. (¬6) العارضة 1/ 134، 5/ 82 وما بعدها، 171 وما بعدها. (¬7) انظر العارضة 1/ 235، 237، 240، 245. (¬8) العارضة 5/ 235، 7/ 139، 140. (¬9) العارضة 1/ 289، 290، 2/ 42، 1/ 296 - 299، 7/ 28 - 31، 12/ 118 - 130.

الحديث ومن شرحه، وقد تناول فيه ابن العربي ما يتعلق بالحديث من الأحكام الفقهية والآداب الشرعية المستفادة من الحديث وما يظهر له من حكمة تشريعها، وكثيرًا ما يبيّن آراء العلماء في ذلك وبعض أدلتهم مع العناية بآراء المالكية باعتباره مالكيًا (¬1)، وقد قال أبو الطيب السندي: إن ابن العربي أطال في هذا الشرح الكلام على مذهب الإِمام مالك، كما أشرت لذلك فيما تقدم. وأما نكت الحِكَم وإشارات المصالح، فلعل مراده بذلك تعليل الأحكام الشرعية وبيان حكمة التشريع حسبما يظهر له، وهذا العنصر يذكره ابن العربي كثيرًا، تبعًا لعنصر الأحكام والفقه (¬2). ومما يجدر التنبيه إليه أن ابن العربي لا يلتزم بذكر تلك العناصر جميعها في كل الأبواب والأحاديث التي يشرحها، وإنما قد يذكر عنصرًا واحدًا فقط منها (¬3)، وقد يذكر عنصرين (¬4)، وقد يذكر ثلاثة (¬5)، وقد يستوفي العناصر السابق ذكرها جميعًا أو أغلبها (¬6) وقد يترك بعض الأبواب دون تعليق عليها بشيء (¬7). وعمومًا فإن هذه الطريقة يتفاوت الشراح فيها في استيفاء ما في الحديث من العناصر التي يتعرضون لها، حسب كفاءة واطلاع كل منهم، وحسب قصده أيضًا، من التوسع أو الاختصار أو التوسط، ولهذا فقد يكون في الحديث جوانب هامة ولا يتعرض لها أحد الشراح، في حين يتصدى لها غيره، سواء كانت متعلقة بالإِسناد أو اللغة أو الأحكام أو غير ذلك. ¬

_ (¬1) العارضة 2/ 44، 5/ 83، 239، 240، 272 وما بعدها. (¬2) انظر العارضة 1/ 11، 24، 34، 10/ 2. (¬3) العارضة 1/ 289، 290، 2/ 42، 1/ 296 - 299، 7/ 28 - 31، 12/ 118 - 130. (¬4) العارضة 1/ 291 - 293، 2/ 74، 75، 318، 319، 5/ 225. (¬5) العارضة 6/ 10 - 13، 1/ 15 - 19. (¬6) نفس المصدر 2/ 48 - 51. (¬7) العارضة 7/ 119، 125، 126 - 130، 160.

ثم إن هذا المنهج في الشرح هو أنسب المناهج لعصرنا الحاضر، ويقبله طلبة العلم أكثر من غيره من مناهج الشرح الأخرى، واستيعاب شرح الحديث من خلاله أيسر على القارئ. أما الشرح الموضِعي أو الشرح بالقول، فهو الذي يتصدى فيه الشارح لمواضع معينة من سند الحديث ومتنه، فيذكر اللفظ أو العبارة من سند الحديث أو متنه، ويصدرها بكلمة (قوله) ثم بعد ذلك يشرح اللفظ أو العبارة من مختلف جوانبها، وإن تعدد موضوعها وبهذا تفترق تلك الطريقة عن سابقتها، التي يُراعَى فيها وحدة الموضوع، ويجمع الشارح فيها ما يتعلق بموضوع واحد في مبحث واحد من مباحث الشرح، كما أسلفت. وأيضًا يتفق منهج الشرح بالقول مع منهج الشرح الموضوعي في أنه لا يتناول من السند والمتن إلا المواضع التي يراها الشارح تحتاج إلى شرح أو إيضاح، أو التي يتيسّر له من المادة العلمية ما يفي بشرحه. ومن أمثلة هذا النوع من شروح المتقدّمين على المؤلف، كتاب (معالم السنن) شرح سنن أبي داود، للخطابي، وهو مطبوع متداول، ويعتبر من مصادر ابن سيد الناس في هذا الشرح. ومن أمثلته من شروح المتأخرين، (فتح الباري، شرح صحيح البخاري) للحافظ ابن حجر العسقلاني، ومن شروح الترمذي: (قوت المُغتذِي، على جامع الترمذي) للحافظ جلال الدين السيوطي، وهو مطبوع أيضًا. ومنها: (شرح أبي الحسن بن عبد الهادي السندي المدني) المتوفى سنة 1139 هـ، قال في كشف الظنون: هو شرح لطيف بالقول (¬1)، والمراد بقوله: (لطيف) أنه موجز، وهو مطبوع بمصر (¬2). وأما الشرح الممزوج: فهو الذي يذكر نص الحديث سندًا ومتنًا ممزوجين ¬

_ (¬1) كشف الظنون 1/ 559، ومقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385. (¬2) مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 385.

(ب) تفصيل منهج المؤلف مع موازنته بغيره من أهم شروح الترمذي

بشرحهما؛ بمعنى أن الشارح يذكر اللفظ أو العبارة من سند الحديث أو متنه، ويذكر قبلها أو بعدها من كلامه هو ما إذا قُرِئ مع عبارة المتن اتضح معناه، ومهما توسع الشارح في كلامه الذي يقدمه أو يؤخره على النص المراد شرحه، فإنه يحرص على أن تكون اللفظة التي تسبق أو تلي عبارة المتن مترابطة معها في سياق واحد، وبذلك يمتزج المتن بشرحه وينْسَبِكُ معه في أسلوب واحد، ولهذا سُمِّي هذا النوع من الشرح بالشرح الممزوج بالمتن، بحيث لا يتميز المتن إلا بوضعه بين أقواس أو كتابته بخط أكبر أو بحبر يختلف لونه عن اللون المكتوب به ألفاظ الشرح. وميزة هذا النوع من الشرح أنه يتضمن خلاله جميع سند الحديث ومتنه حتى يمكن القول بأن الشرح الممزوج يشتمل على نسخة من نص المتن الذي يشرحه، كما ان الألفاظ والعبارات التي تشرح من المتن خلاله تكون أكثر مما يشرح في منهج الشرح الموضوعي أو المَوضِعي السابق ذكرهما. هذا ولم أقف على شرح لجامع الترمذي من هذا النوع، ولكن من أمثلته شرح الإمام القسطلاني المتوفى سنة 923 هـ المسمى (إرشاد الساري إلى شرح صحيح البخاري). وهو مطبوع ومتداول. (ب) تفصيل منهج المؤلف مع موازنته بغيره من أهم شروح الترمذي: أولًا - مصادر الشرح: أشار المؤلف في بداية شرحه إلى مصادر المادة العلمية لشرحه عمومًا فقال: مما نقلته من كتاب أعزوه إليه، أو سمعته من عالم أرويه عنه، مما حضرني ذكر قائله، أو غاب عني لبعد العهد به (¬1). ومعنى هذا أنه اعتمد في شرحه على مؤلفات مكتوبة، وعلى أقوال سمعها شفاهة من أصحابها، وهم من شيوخه. وقوله: (مما حضرني ذكر قائله أو غاب عني لبعد العهد به) يشير إلى ¬

_ (¬1) انظر الشرح / ق 2 أ.

1 - فمن كتب متون السنة

ما لاحَظْتُهُ خلال الشرح من أنه قد يذكر نقلًا من بعض المصادر بنصه، أو مع تصرّف يسير جدًّا ولا يعزوه إلى مصدره، وقد نبّهت على ذلك في التعليق على أكثر من موضع من النص (¬1) فلعله قد غفل أوسها عن العزو في مثل تلك المواضع، وخاصة ما نقل فيها بالنص. ثم إنه في العزو قد يعزو إلى الكتاب ومؤلّفه معًا، وهذا أضبط كقوله: ذكره ابن حبان في الثقات (¬2)، وقوله: أخرجه ابن حبان في صحيحه (¬3)، وقد يعزو إلى المؤلّف ولا يحدد كتابه المنقول عنه، مع أنه يكون له أكثر من كتاب يصلح أن يكون مصدرًا للنص الذي يذكره، مثل قوله: قال (أبو عمر) يعني ابن عبد البر، وقوله: (قال الشيخ محيي الدين) يعني النووي. وسأذكر فيما يلي أهم المصادر التي وجدته يعتمد عليها، ومنها ما صرح بإسم مؤلفه فقط، وحددت من جانبي اسم الكتاب المنقول عنه، بناء على رجوعي إليه (¬4). ومنها ما صرح فيه بتحديد الكتاب المنقول عنه (¬5). 1 - فمن كتب متون السنة ما يلي: - الكتب الستة: وهي الصحيحان، وسنن أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجة. - مسند الإِمام أحمد، مسند أبي يعلى الموصلي. - صحيح ابن حبان، الموطأ. - المعجم الكبير للطبراني. - عمل اليوم والليلة للنسائي. ¬

_ (¬1) انظر ص 570. (¬2) انظر الشرح/ ق 26 ب. (¬3) انظر الموضع السابق. (¬4) انظر الشرح / ق 13 أ. (¬5) الشرح / ق 12 أ.

2 - ومن المختصرات

- السنن الكبرى للبيهقي، وهو أحمد بن الحسين البيهقي، وقد وقع في نسخ السنن الكبرى أنه يذكر فيها تعليقات للبيهقي على الأحاديث التي يخرجها فيها، وهذه التعليقات يُصدِّرها الرواة عنه تارة بقولهم: قال الشيخ أحمد، وتارة بقولهم: قال الإِمام أحمد، وفي هذا الإِطلاق الأخير يشتبه الأمر بأن المراد أحمد بن حنبل، وقد حدث هذا لابن سيد الناس فقال في موضع من هذا القسم المحقق: قال البيهقي: قال الإمام أحمد (¬1)، والواقع أن القائل هو البيهقي نفسه، كما يعرف ذلك من مراجعة نص كلامه في السنن الكبرى، ولذلك جاء بهامش الأصل تعقب ابن سيد الناس بأنه وهم فيها. - السنن للدارقطني، والسنن للدارمي، وقد أطلق عليه اسم المسند عند العزو إليه (¬2)، وقد نبهت في هذا الموضع على انتقاد العراقي تسميته بالمسند. - المصنف لابن أبي شيبة ولعبد الرزاق. 2 - ومن المختصرات: مختصر سنن أبي داود للحافظ عبد العظيم بن عبد القوي المنذري. 3 - ومن كتب مصطلح الحديث: معرفة علوم الحديث والمدخل إلى الصحيحين، كلاهما للحاكم، ورسالة أبي داود السجستاني إلى أهل مكة، ومعرفة علوم الحديث المعروف بالمقدمة لابن الصلاح. 4 - ومن كتب غريب الحديث: غريب الحديث، لأبي عبيد القاسم بن سلام. ومشارق الأنوار على صحاح الآثار، للقاضي عياض. ومطالع الأنوار على صحاح الآثار، لإِبراهيم بن يوسف المعروف بابن قرقول، وهو مختصر لكتاب القاضي عياض السابق، وقد جاء بهامش نسخة ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 25 أ. (¬2) الشرح/ ق 27 أ.

5 - ومن كتب اللغة

الأصل انتقاد المؤلف في نقله عن كتاب المطالع هذا ما هو موجود بأصله وهو المشارق، مع نقله قبل ذلك مباشرة عن المشارق (¬1). أقول: وهذا انتقاد في محله. 5 - ومن كتب اللغة: المحكم لابن سيدة. والصحاح، للجوهري. والاشتقاق، لابن دُرَيد. 6 - ومن كتب الرجال: كتاب الكمال في أسماء الرجال، لعبد الغني المقدسي. والطبقات الكبرى، لابن سعد، وقد يعزو إلى ابن سعد ما لم أجده في مظنته فيها. والطبقات، لخليفة بن خياط. والتاريخ الكبير، للبخاري، وقد عزا إليه أيضًا ما لم أجده في طبعته الحالية، ومعجم الشعراء للمَرزُباني. والجرح والتعديل، لابن أبي حاتم الرازي. والتعريف بمن ذكِر في الموطأ، لمحمد بن يحيى الحذاء -وهو في رجال موطأ مالك- والثقات للعجلي، ولابن حبان. والضعفاء والمتروكين، للنسائي وللدارقطني، والضعفاء الكبير، للعقيلي. والكامل في الضعفاء والمتكلم فيهم، لأبي أحمد ابن عدي. وسؤالات السّلمي، للدارقطني. وتاريخ يحيى بن معين برواية الدوري، وغيره. والمجروحين، لابن حبان. وتاريخ بغداد، للخطيب البغدادي. والإِرشاد، للخليلي. والأنساب، للسمعاني. والألقاب، للشيرازي. والكنى، لأبي أحمد الحاكم، وللإِمام أحمد بن حنبل. والإكمال، لابن ماكولا. والاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر. وقبول الأخبار ومعرفة الرجال، لأبي القاسم عبد الله بن أحمد البلخي. 7 - ومن كتب شروح الحديث: عارضة الأحوذي، شرح جامع الترمذي، لأبي بكر ابن العربي. ومعالم السنن، شرح سنن أبي داود، للإِمام الخطابي. والمِفهم شرح مختصر صحيح مسلم، لأبي العباس ¬

_ (¬1) انظر الشرح ق 14 ب أصل وهامش.

8 - من كتب العلل

القرطبي. والمنهاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج، للنّووي. والاستذكار، لابن عبد البر. والتمهيد، لابن عبد البر، وتعليق الإِمام السلفي على مقدمة معالم السنن للخطابي. 8 - من كتب العلل: علل الحديث، لابن أبي حاتم الرازي. والعلل الكبير، للترمذي. والعلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لابن الجوزي. وبيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام، لعبد الحق الإِشبيلي - تأليف أبو الحسن علي بن محمد، المعروف بابن القطان. وبغية النقاد، لابن المواق. والغرر المجموعة في بيان ما في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، لرشيد الدين العطار. 9 - ومن كتب الأطراف: أطراف كتاب الأفراد والغرائب للدارقطني - تأليف أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي. 10 - ومن كتب الفقه: كتاب فتح العزيز شرح الوجيز، تأليف الإمام أبي القاسم الرافعي، في الفقه الشافعي. وقد لاحظت في نقله عن هذا الكتاب أنه أدخل بين بعض النصوص التي نقلها منه تعليقًا مطولًا من جانبه دون تمييز كلامه عن النص المنقول بشيء، والإيصال لابن حزم. 11 - وأما المصادر الشفاهية: فهم بعض شيوخه الذين روى عنهم بالسَّماع، أو ذكر بعض ما سمعه منهم في دروسهم الحديثية، ومن هؤلاء: (أ) أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم، فقد قال المؤلف: سمعت عليه الجامع للترمذي وغيره (¬1). (ب) أبو المعالي أحمد بن إسحق الأبرقوهي، روى المؤلف بالسماع منه أحد الأحاديث بسنده إلى الشيرازي في كتاب الألقاب (¬2). ¬

_ (¬1) الشرح / ق 3 أ، ب. (¬2) الشرح / ق 14 أ.

ثانيا - تقديمه للشرح ببيان أهمية الاشتغال بخدمة السنة

(ج) محمد بن علي بن وهب المعروف بابن دقيق العيد، وهو من أشهر شيوخه، قال في بعض المواضع: وسمعت شيخنا الحافظ أبا الفتح محمد بن علي القشيري ... إلخ (¬1). ثانيًا - تقديمه للشرح ببيان أهمية الاشتغال بخدمة السنة، فذكر أنها أولى ما صرِفَت العناية إليه، ووجب الاعتماد عليه بعد القرآن الكريم (¬2)، ثم أشار إلى سبب تأليفه لهذا الشرح، وهو حفظ المادة العلمية التي توفرت له عنه، والأفكار الشخصية التي ظهرت له حين تدارسه مع غيره، وصيانتها من الضياع والتفلت؛ لأن من قيّد العلم بالكتاب أمن من اللبس والارتياب (¬3). ثم انتقل من ذلك إلى ذكر مقدمتين للشرح. إحداهما: في التعريف بالإِمام الترمذي، وبرجال إسناد المؤلف بجامع الترمذي. والثانية: في التعريف بجامعه، وبهذا أغناني عن التعرض لهذين المبحثين في مقدمتي هذه للشرح، واكتفيت بالتعليق على ما ذكره. وقد اختلف ابن سيد الناس في هذا عن سلفه ابن العربي؛ حيث إن ابن العربي استهل شرحه ببيان سبب تأليف الشرح (¬4)، ثم انتقل إلى ذكر مقدمة واحدة بيّن فيها منزلة جامع الترمذي بين كتب السنة، وبين اشتماله على أربعة عشر علمًا من فنون الحديث، وذكر عناصر منهجه في الشرح، وسنده بجامع الترمذي كما قدمت ذكره، ثم انتقل إلى الشرح. أما ابن سيد الناس فضمَّن المقدمة الأولى التعريف بالإمام الترمذي من حيث بيان اسمه ونسبه وطلبه للحديث، وتوثيقه فيه، وذلك بذكر ثناء العلماء ¬

_ (¬1) الشرح ق/ 29 ب. (¬2) الشرح/ ق 2 أ. (¬3) الشرح/ الموضع السابق. (¬4) العارضة 1/ 1 - 5.

عليه وشهادتهم بحفظه وفهمه للحديث، ثم بيان مكانته في علم الحديث وتبحره فيه رواية ودراية حتى سمع منه شيخه البخاري بعض الأحاديث، ثم ذكر وفاته وبين مكان دفنه، ثم بين رجال جامع الترمذي ابتداء من شيوخه وحتى المحبوبي أحد رواة جامع الترمذي عنه. وفي المقدمة الثانية: عرف بجامع الترمذي موضوع الشرح، فبين عناية الترمذي بتأليفه، ثم عرضه على عدد من أئمة عصره فاستحسنوه وأقروه عليه، ثم بين مكانة هذا الجامع عند العلماء، بثناء عدد منهم عليه، ووصفه بالصحة باعتبار الأغلب من أحاديثه. وبين أنه لا يوجد في الجامع حديث ثلاثي إلا حديثًا واحدًا، كما بين أقسام الحديث في الجامع، من حيث الصحة وغيرها، وشرط الترمذي في هذا الجامع، وذكر بعض من وصفه بالصحة كما ذكر عدد علوم الحديث التي تضمنها الجامع حسبما ذكر ابن العربي (¬1)، وضم إلى ذلك ما ذكره ابن رُشَيْد، ثم أضاف هو خمسة أنواع، مع إشارته لدخول بعضها فيما ذكره من سبقه إلى تعديد علوم جامع الترمذي. ثم تصدى لتعريف الحديث الحسن والغريب عند علماء الحديث، وبيان مراد الترمذي بهما، وبيان شروطه في الحديث الحسن (¬2). وتوسع في ذلك لكثرة ورود هذين اللفظين في الجامع، وتركيب الترمذي لهما مع الصحيح في الحكم على الحديث، وقد تضمن توسعه هذا مسائل متعددة من دقائق علم الحديث، منها تقرير أن عبارة الترمذي في تعريف الحديث الحسن تقتضي أنه اصطلاح خاص به في جامعه، وأنه لم يسبق الترمذي أحد في مراده بالحسن، كما تعقب ابن الصلاح في جعله سنن أبي داود مَظِنَّة للحديث الحسن، وذكر أن كلام أبي داود في شرطه في السنن لا يدل على ذلك؛ بل إن عبارته عن شرطه مثل عبارة مسلم عن شرطه، فلو أُلزِم بأن سننه من مظان الحسن، لأُلزم مسلم أيضًا ¬

_ (¬1) العارضة 1/ 5 - 7. (¬2) الشرح/ ق 8 أ.

بذلك، لأن معنى كلامهما واحد في نظر المؤلف؛ غير أن مسلمًا اشترط الصحة، وأبو داود لم يشترطها (¬1)، فأخرج الصحيح وغيره. ولم يُسلَّم للمؤلف هذا، بل عورض فيه من غير واحد من العلماء كما بينته في التعليق على هذا الموضع من الشرح، كما بين وجه اختلاف حكم الترمذي على السند الواحد، وأن ذلك بحسب المتابعات وعدمها، وبالتالي لا يُعترض على الترمذي في هذا (¬2) وبين أيضًا انقسام الحديث إلى ثلاثة أقسام هي: المقبول، والمردود، والمتردَّد بينهما، وأرجع ذلك إلى انقسام أحوال الرواة إلى عدل، ومجروح، ومستور، ثم بين أنه بناء على هذا التقسيم اعتُرض على الترمذي لجمعه في الحكم على حديث واحد بين الصحة والحسن، ثم ذكر خمسة أجوبة عن ذلك، ورد منها أربعة، وارتضى واحدًا حيث لم يتعقبه بشيء (¬3)، وقد تعقبتُه من جانبي فيه، ضمن التعليق على هذا الموضع. وذكر أيضًا أنه اعترض على الترمذي في جمعه في وصف الحديث بين الحُسن والغرابة وصدَّر جوابه عن هذا ببيان أنواع الغريب، وعلى ضوئها قرر: أن الغرابة لا تنافي الحسن أو الصحة، وبالتالي لا حَرج في جمعهما في الحكم على حديث واحد (¬4). ثم عقد المؤلف فصلًا لبيان مُراد الترمذي بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان، وفائدة ذلك، كما بين طريقة الترمذي فيما يورده بسنده، وما يشير إليه من الأحاديث بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان (¬5) وبذلك أنهى تلك المقدمة الثانية، وشرع بعدها في الشرح. وبمقارنة تلك المقدمة الثانية بكُلٍّ من مقدمة عارضة الأحوذي لابن العربب، ومقدمة تحفة الأحوذي للمباركفوري، نجد أن مقدمة المؤلف ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 7 أ، ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 8 ب، 9 أ. (¬3) الشرح/ ق 9 ب، 10 أ، ب. (¬4) انظر الشرح/ ق 10 ب - 12 أ. (¬5) انظر الشرح/ ق 12 أ.

ثالثا - عناصر شرحه للأحاديث

أوفى وأكثر مشتملات من مقدمة العارضة، أنها مقدمة تحفة الأحوذي، فتعتبر أكثر مشتملات من مقدمة المؤلف، ويعرف ذلك بمراجعة ما قدمته آنفًا عن محتوياتها، ومقارنته بما ذكرته هنا من مشتملات مقدمة ابن سيد الناس، لكن الموضوعات المشتركة بينهما، يعتبر تناول ابن سيد الناس لها أعمق، وأغزر فائدة، من تناول المباركفوري، وذلك مثل: بيان شرط الترمذي في جامعه واصطلاحاته فيه، وخاصة الحسن والأوصاف المركبة لحديث واحد. ثالثًا - عناصر شرحه للأحاديث: وبعد فراغ المؤلف من تلك المقدمة الثانية، انتقل إلى شرح الباب الأول فما بعده من كتاب الطهارة، ثم كتاب الصلاة الذي لم يكمله شرحًا كما قدمت، وقد ضمن شرحه للحديث، العناصر التالية: (أ) ذكر نص الباب المراد شرح أحاديثه: كما جاء في جامع الترمذي، وبذلك اشتمل الشرح على نسخة ابن سيد الناس التي شرح عليها من جامع الترمذي، ويوجد بها اختلاف عن المطبوع، ويُشْبِهه في هذا الحافظ العراقي في تكملته لهذا الشرح، ويختلف عنهما ابن العربي حيث يستهل شرحه للباب بذكر مختصر لأحاديث الباب ولكلام الترمذي عنها. ويعتبر ذكر النص كاملًا في صدر الشرح أعون على فهم الشرح. (ب) عنونة شرح الباب، ومباحثه التفصيلية: لقد وجدت المؤلف تارة يعنون شرحه لحديث أو أحاديث الباب بقوله: (الكلام عليه) كما في (باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول) (¬1) وتارة يقول: "الكلام عليه من وجوه" كما في (باب ما يقول عند افتتاح الصلاة) (¬2) وتارة لا يضع عنوانًا لشرح الباب كلية كما في الأبواب من 1 إلى 6 من أول الشرح. وقد قمت من جانبي بوضع عناوين لتلك الأبواب على ضوء صنيعه في غيرها، فوضعت عنوان: (الكلام عليه) عند بداية شرح كل باب، مع وضعه بين ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 27 أ. (¬2) الشرح/ ق 129 ب.

حاصرتين مربعتين، وهذا العنوان يعتبر المؤلف مسبوقًا فيه بشيخه ابن دقيق العيد في شرحه لعمدة الأحكام (¬1) ثم مشى عليه من بعد المؤلف الحافظ العراقي في تكملته لهذا الشرح حيث التزم بوضع هذا العنوان لكل باب من القدر الذي شرحه، فَيستهِلُّ شرح الباب بقوله: (الكلام عليه من وجوه). أما المباحث التفصيلية داخل شرح الباب أو الحديث فقد وجدت المؤلف أيضًا تاره يعنونها، وتارة لا يعنونها، والعناوين التي يضعها متنوعة في غالبها بحسب ما يتناوله تحتها من جوانب الشرح، فمثلًا في باب "ما يقول عند افتتاح الصلاة" قال: الكلام عليه من وجوه، ثم قال: الأول من حيث الإِسناد، وبعد الفراغ منه قال: الوجه الثاني في شيء من مفرداته، وبعد فراغه من شرح المفردات قال: الوجه الثالث في الفوائد والمباحث (¬2) وفي باب ما جاء في التشهد وباب منه، بعده، جمع شرحهما معًا بعد سياق نصهما كما في الترمذي، وعنون الشرح بقوله: "الكلام عليه من وجوه" ثم قال: الأول: من حيث الإِسناد، ثم عنون الوجه الثاني بقوله: الوجه الثاني في غريبه، ثم عنون الوجه الثالث بقوله: الوجه الثالث في شيء من العربية وغيرها، ثم عنون الرابع بقوله: الوجه الرابع في الفوائد والمباحث (¬3) وفي باب ترك الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، والأبواب التي جمعها مع هذا الباب في الشرح، عنون المبحث الأخير بقوله: (الكلام على ما يستفاد من هذه الأحاديث، ويستنبط منها من الأحكام) (¬4). ولهذا فإني لم أستطع متابعته في وضع تلك العناوين بذاتها في شرح الأبواب التي لم يعنون مباحث شرحها، واخترت من جانبي عناوين موحدة تنطبق على مضمون ما تحتها في كل باب، كما سيأتي تفصيل ذلك، ويتفق ابن العربي مع المؤلف في وضع عناوين للمباحث التفصيلية للشرح، كما تقدم ذكره، أما الحافظ العراقي ¬

_ (¬1) انظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد مع حاشيته المسماة بالعُدة للصنعاني 1/ 62، 83، 121. (¬2) انظر الشرح/ ق 129 ب وما بعدها. (¬3) انظر الشرح/ ق 169 ب. (¬4) انظر الشرح/ ق 149 أ.

(ج) تخريج الأحاديث

فلا يعنون مباحث شرحه إلا بأرقام مسلسلة، فبعد قوله في عنوان الشرح: (الكلام عليه من وجوه، يقول: الأول .. الثاني .. الثالث .. وهكذا. ويمكن تقسيم عناصر شرح المؤلف هذا وترتيبها على النحو التالي: (ج) تخريج الأحاديث: وفي الأبواب التي عنون المؤلف مباحثها، قد عنون لذلك بعنوان (الإِسناد) وقد أشبه في هذا ابن العربي، كما تقدم في ذكر منهجه، وقد اشتمل التخريج عند المؤلف على ثلاثة جوانب. أحدها: بيان من أخرج حديث أو أحاديث الباب غير الترمذي، سواء من نفس الطريق التي أخرجه الترمذي منها أو غيرها (¬1). وثانيها: تخريج الأحاديث التي يشير إليها الترمذي بقوله: وفي الباب عن فلان وفلان (¬2). وقد تقدم أن هذا الجانب من الشرح يعتبر من الجوانب البارزة التي أشاد بذكرها العلماء، كالحافظ العراقي في أول تكملته، والشوكاني في (البدر الطالع) خلال ترجمتيه للمؤلف وللعراقي. وقد أشار العراقي عقب إشادته بهذا الجانب إلى أن المؤلف ربما وقف عليه أحاديث بعض من ذُكِر، فلم يتيسر له تخريجها (¬3). وقد لاحظت ذلك فِعْلًا في القسم الذي حققته، في باب الرخصة في استقبال القبلة بالبول والغائط، حيث قال الترمذي: "وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة وعمار" ثم ساق الترمذي رواية أبي قتادة، وبقى حديث عائشة وحديث عمار، فأخرج المؤلف حديث عائشة بالعزو إلى بعض المصادر، ولم يخرج حديث عمار، ولا بَين أنه لم يجده. وقد أخرج حديث عمار، المباركفوري في التحفة، ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 16 ب، 21 أ، 23 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 14 أ. (¬3) تكملة العراقي/ ق 2 أمن نسخة الإسكوريال.

بالعزو إلى الطبراني في الكبير وبيّن ضعفه (¬1) كما أشرت إلى ذلك في التعليق على هذا الوضع من الشرح. لكن من الجدير بالذكر أن هذا ليس شأن المؤلف وحده، بل إن العراقي نفسه في شرحه للباب الأول من تكملته قال: وحديث عبد الله بن عمرو، لم أقف له على أصل، فإن كان تصحف على بعض الرواة، وإنما هو عبد الله بن عُمَر -بضم العين- فسيجيء في الوجه الذي يليه إن شاء الله؛ ولكن ذكره المصنف أيضًا في السِّيَر وقال: عبد الله بن عمرو -بفتح العين-، ولم أقف عليه (¬2) وكذلك المباركفوري في كثير من المواضع التي يقول الترمذي فيها: وفي الباب عن فلان وفلان، يُخَرج ما تيسر له، وما لا يتيسر له يقول عنه: وأما حديث فلان فلينظر من أخرجه (¬3)، ومنها ما قال: لم أجده، وقد وفقني الله تعالى للوقوف عليه وتخريجه في تعليقي على الشرح (¬4). وثالثها: تخريج أحاديث يرى المؤلف أنها متعلقة بالباب، ولم يخرجها الترمذي ولم يشر إليها بقوله: وفي الباب عن فلان، فيستدرِكُ المؤلف ذلك بقوله: وفي الباب مما لم يذكره كذا وكذا (¬5) وقد يكون بعض من تقدم على المؤلف ذكر ما يتعلق بالباب زيادة على ما عند الترمذي فينقل المؤلف عنه ذلك، ثم يضيف إليه من جانبه، ففي باب "ما يقول إذا خرج من الخلاء" قال الترمذي: ولا نَعرِف في الباب إلا حديث عائشة، فنقل المؤلف ما استدركه المنذري حيث قال: "وفي الباب" وساق ثلاثة أحاديث، وعقب عليها المؤلف بأنها ضعيفة، ثم قال: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي ولا المُنذري ... وذكر حديثين آخرين (¬6). ¬

_ (¬1) تحفة الأحوذي 1/ 63. (¬2) انظر تكملة العراقي لشرح الترمذي 1/ 2 ب. (¬3) تحفة الأحوذي 6/ 13، 17، 18. (¬4) انظر الشرح/ ق 19 ب مع التعليق. (¬5) انظر الشرح/ ق 27 أ. (¬6) انظر الشرح 26 أ، ب.

وقد يترك المؤلف تخريج ما لم يذكره الترمذي ولم يشر إليه، حتى لو كان متيسرًا عليه، وذلك أنه في الباب السابق ذِكْرُهُ، أخرج في استدراكه على الترمذي وعلى المنذري حديث طاوس: "إذا أتى أحدكم الخلاء فليكرم قبلة الله" وهذا القدر من الحديث كما ترى، متعلق بالنهي عن استقبال القبلة، ولكن المؤلف لما شرح هذا الباب، لم يستدرك على الترمذي هذا الحديث، مع تعلقه بالباب، ومعرفته له، ولهذا فإننا لا نجزم بأن المواضع التي لم يستدرك المؤلف فيها شيئًا على الترمذي، يكون قد تعذر عليه ذلك. وقد جاء بهامش نسخة الأصل استدراك عليه في باب فضل الطهور، ونصه: قلت: وفي الباب مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح ... وذكر عدة أحاديث (¬1). وقد يشير المؤلف إلى ما روي في الباب فقط، ولكن لا يعزوه إلى مصدر (¬2) وهذا قليل، وقد تقدم أن ابن العربي يفعل ذلك أيضًا. وقد جرى المؤلف في تلك الجوانب الثلاثة على التخريج بالعزو الإجمالي إلى المصادر أو إلى مؤلفيها أو إليهما معًا كقوله: أخرجه ابن حبان في صحيحه، وأبو يعلى في مسنده، وقد يحدد موضع الحديث في المصدر بذكر اسم الباب الوارد فيه من المصدر المعزو إليه كقوله: رواه أبو داود في الطهارة، والبخاري في الطهارة وفي الدعوات، وذكره ابن عدي في باب حفص من كتابه، أما الجزء والصفحة ورقم الحديث فلا يذكرها لعدم وجود الطباعة آنذاك. وقد يسوق لفظ الحديث في المصدر المعزو إليه، وذلك قليل، والأكثر أنه يكتفي بالعزو فقط كما في العبارات السابق ذكرها، وقد يعزو الحديث إلى المصدر ويسوقه منه، بكامل سنده ومتنه، كقوله: وقال ابن أبي شيبة: ثنا عفان، ثنا ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 14 ب مع التعليق، 19 ب مع التعليق. (¬2) انظر الشرح/ ق 14 ب.

وهيب ... الخ (¬1) وقوله: قال الترمذي في كتاب العلل: حدثنا محمد بن بشار (¬2). وقد يخرج الحدبث بسنده هو عن شيوخَه فَمن فوقهم، مثل قوله في "باب فصل الطهور": وقد وجدنا مما لم يذكره الترمذي في الباب ما أخبرنا به أبو المعالي أحمد بن إسحق ... الخ. وساق سنده بالحديث إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- (¬3) ومثل هذا يفعل ابن العربي في شرحه، وكذا الحافظ العراقي في تكملته لشرح المؤلف هذا. وقد يقوم المؤلف في تخريجه بجمع طرق الحديث على مدارها الذي تفرعت عنه، فتتضح بذلك المتابعات التامة والناقصة (¬4) كما أنه في العزو إلى المصدر بيّن الطرق التي روي بها الحديث في تلك المصادر، كقوله: رواه ابن ماجه من حديث ابن إسحق (¬5). هذا .. وعبارة المؤلف عن عزو الحديث إلى مصدره الأصلي متعددة، وأكثرها قوله: "أخرجه فلان" ورواه فلان، وقد يقول: ذكره فلان، أو هو عند فلان، مع كون المصدر المعزو إليه أصليًا، أي رُوي الحديث فيه بسند مؤلفه، ولكن تعبيره بهذين اللفظين أقل من لَفظَيْ: أخرجه ورواه، وذلك خلاف الأصل المتعارف عليه بين علماء التخريج من أن العزو إلى المصدر الأصلي يكون بلفظ: أخرجه أو رواه، وإلى غير الأصلية بعبارتي: "ذكره"، أو "أورده" ونحو ذلك. وقد يقول: "خَرَّجه" وهذه العبارة هي التي استعملها ابن العربي، وابن رجب في شرحيهما، أما العراقي فيتفق مع المؤلف في استعمال باقي العبارات السابقة، وعندما نقارن بين منهج المؤلف وبين منهج غيره من أهم الشراح في ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 14 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 24 ب. (¬3) انظر الشرح/ ق 14 أ. (¬4) انظر الشرح/ ق 24 أ. (¬5) انظر الشرح/ ق 14 أ.

(د) بيان درجة الحديث وغيره من الصناعة الحديثية

هذا العنصر نجد أن المؤلف متوسع في التخريج أكثر من ابن العربي في العارضة، وخاصة بالنسبة لما يشير إليه الترمذي بقوله: وفي الباب، حيث إن تخريج ابن العربي له قليل، وأقل منه تخريجه لما لم يذكره الترمذي ولم يشر إليه، أما من جاء بعد المؤلف فقد شاركه في العناية بعنصر التخريج هذا بجوانبه الثلاثة الماضية، بل الذي لاحظته بالاطلاع والمقارنة، أن العراقي وابن رجب قد توسعا في ذلك أكثر من المؤلف بصفة عامة، وكذلك توسع الحافظ ابن حجر كما يفهم من إحالته بجمع طرق الأحاديث على ما شرحه من جامع الترمذي، كما قدمت ذكره. (د) بيان درجة الحديث وغيره من الصناعة الحديثية: وهذا العنصر قد أورده المؤلف أيضًا مع التخريج، تحت عنوان (الإسناد) وأشبه في هذا ابن العربي في شرحه، وقد عني المؤلف في كثير من الأحيان بجانب تخريجه للأحاديث، أن يبين درجة ما لم يُبَيَّن درجته من الأحاديث في مصادرها، سواء بالنقل عن غيره وإقراره، أو بذكر ذلك من جانبه هو، وبيانه للدرجة إما بعبارة صريحة كقوله: (صحيح) أو (ضعيف) وإما بذكر حال راوي الحديث من الثقة أو الضعف، أو حال السند من الاتصال أو الانقطاع أو الاضطراب وغير ذلك، فيدل هذا على درجة الحديث المروي بهذا السند (¬1) وقد لاحظ الشوكاني انتهاج المؤلف بيان درجة الحديث؛ حيث ذكر حديث أبي هريرة أنه -صلى الله عليه وسلم- أمر بالمضمضة والاستنشاق، ثم قال: في الرد على من أعله: وقد ذكر هذا الحديث ابن سيد الناس في شرح الترمذي منسوبًا إلى أبي هريرة، ولم يتكلم عليه، وعادته التكلم على ما فيه وهن (¬2). أقول: وما قرره الشوكاني من اعتياد المؤلف لذلك، مُعارَض بذكره أحاديث دون الكلام عن درجتها، في حين أعلها غيره (¬3)، ولكن ذلك قليل بالنسبة لما بين درجته. ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 14 أ، 14 أ، 26 أ، ب، 27 أ. (¬2) نيل الأوطار للشوكاني، باب المضمضة والاستنشاق 1/ 177، 178. (¬3) انظر الشرح/ ق 14 ب مع التعليق، 23 ب مع التعليق.

وعند مقارنة منهج المؤلف في بيان درجة الحديث الذي يخرجه في شرحه، بمنهج غيره، نجده أكثر عناية من ابن العربي، ونجده مقاربًا لمنهج العراقي في تكملته لهذا الشرح. أما باقي الصناعة الحديثية، فالمقصود بها تناول المؤلف لكلام الترمذي وغيره مما يتعلق بسند الحديث، عند الترمذي وبيانه لدرجته، فالترمذي كما هو معروف قد عني ببيان درجة أحاديث جامعه غالبًا بالإِفراد أو التركيب، مثل: حسن صحيح، وكذلك أودع فيه قدرًا كبيرًا من الصنعة الحديثية، مثل بيان اتصال السند أو انقطاعه، والتنبيه على بعض العلل الخفية، وبيان أحوال الرواة، والتعريف بهم، وذكر اصطلاحات وقواعد تتعلق بذلك؛ لهذا صار توضيح تلك الجوانب من مطالب الشرح، وصار التصدي لها عنصرًا هامًا من مناهج الشراح، كل على قدر طاقته، ومبلغ علمه، ومنهم المؤلف ابن سيد الناس، وقد تصدى لذلك تحت مبحث (الإِسناد) أيضًا، كما فعل ابن العربي. فإذا تكلم الترمذي عن بعض الرواة جرحًا أو تعديلًا، أو بيانًا للصحبة من عدمها، أو بيّن اسم الكُنى أو كنية المُسَمى، أوتعرض لتمييز المشتبه ونحو ذلك من مباحث علم الرجال، فإن المؤلف يعلق على ما يتيسر له مما ذكره الترمذي، سواء بترجمة للراوي كاملة، أو بتوضيح للجانب الذي ذكره الترمذي فقط، وقد يؤيده أو يعارضه (¬1). وقد يفعل ذلك بالنسبة للأحاديث التي يوردها هو في الشرح، ويكون في سندها من يحتاج إلى التعريف به أو بيان حاله لتحديد درجة حديثه، كما أشرت لذلك قبل قليل (¬2). ومن فوائد بيانه لحال الرواة أنه قد يُحدد درجة حديث الراوي بما لا نجده ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 16 ب، 17 أ، ب مع التعليق، 19 أ، ب، 22 أ، ب، 29 ب، 30 أ. (¬2) وانظر الشرح/ ق 14 ب، 22 أ، 24 أ.

مصرحًا به في مصادر ترجمته مثل قوله: وقد تبين من حال أبان -يعني ابن صالح- أن أقصى ما ينفرد به أن يكون حسنًا (¬1). وقد يوجز المؤلف في ترجمة الراوي وبيان حاله، وهذا هو الأكثر (¬2). وقد يتوسع في تراجم بعض الرواة؛ لما يراه من أهمية بيان حالهم، أو لكثرة كلام النقاد واختلافهم فيهم، أو لكونهم سيتكرر تخريج الترمذي لهم في مواضع آتية وكان المؤلف يأمل الوصول في شرحه إليها، وممن أطال في ترجمته في هذا القسم الذي حققته سماك بن حرب (¬3) وسهيل بن أبي صالح (¬4) ومحمد بن شهاب الزهري (¬5) وعبد الله بن لهيعة (¬6)، وقد يكون الراوي يحتاج إلى بسط ترجمته لأجل بيان حاله وتمحيص الأقوال المتعددة فيه؛ ولكن المؤلف يوجز ترجمته لكونه توسع في ترجمته في موضع آخر، فيحيل عليها، مثلما فعل في ترجمة محمد بن اسحق، فقد أوجز ترجمته ثم أحال ببسط ترجمته على كتابه (عيون الأثر) في السيرة (¬7). وتوسُّع المؤلف في عدد غير قليل من التراجم لم أجد من شراح الترمذي من انتهجه سواء ابن العربي السابق عليه، أو العراقي وابن رجب وغيرهما ممن تأخر عنه، فجميعهم مشوِا على الإِيجاز في التعريف بالرواة، وفي بيان خلاصة حالهم، وأقلهم تعرضًا للتراجم هو أبو بكر بن العربي، هذا وسيأتي انتقادي للمؤلف في بعض جوانب التوسع في التراجم، ضمن ملحوظاتي على الكتاب. ¬

_ (¬1) الشرح / ق 33 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 18 أ، 32 ب. (¬3) الشرح/ ق 12 ب وما بعدها. (¬4) الشرح/ ق 16 ب وما بعدها. (¬5) الشرح/ ق 27 ب وما بعدها. (¬6) الشرح/ ق 33 ب وما بعدها. (¬7) انظر الشرح/ ق 33 أ، ب مع التعليق عليها وق/ 64 أ.

ومن عناية المؤلف بالصناعة الحديثية أيضًا أنه إذا تكلم الترمذي عن علة حديث أو ذكر حكمًا على الراوي أو على الحديث، مفردًا كقوله: حسن، أو مركبًا كقوله: حسن صحيح أو حسن غريب من هذا الوجه، ونحو ذلك؛ فإن المؤلف يتناول ذلك بالشرح ويبين مراد الترمذي بذلك، ويوضح آراء غير الترمذي أيضًا من العلماء في ذلك وقد يرجح ما يراه راجحًا، وستأتي بعض النماذج لهذا في عنصر بيان آراء المؤلف. ومن شرحه لعبارات الترمذي، ما جاء في الباب الأول من الطهارة حيث أخرج الترمذي حديث ابن عمر: (لا تقبل صلاة بغير طهور) وقال عنه: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب وأحسن، فبين المؤلف معنى قول الترمذي هذا (¬1) وأخرج الترمذي أيضًا حديث (مفتاح الصلاة الطهور) من رواية علي رضي الله عنه، ومن رواية أبي سعيد، وقال: إن حديث علي أجود إسنادًا من حديث أبي سعيد، فبين المؤلف وجه قول الترمذي هذا (¬2) وأخرج الترمذي أيضًا حديث عائشة في الدعاء عند الخروج من الخلاء ثم قال: إنه حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة، ولا نَعرِف في هذا الباب إلا حديث عائشة، فشرح المؤلف كلام الترمذي هذا، ووضح المراد به (¬3) وأخرج الترمذي أيضًا حديث جابر "رضي الله عنه" في الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، وقال: حديث حسن غريب، فقام المؤلف بشرح معنى قول الترمذي هذا (¬4). ونقل الترمذي عن البخاري وصفه لعبد الله بن محمد بن عقيل بأنه مُقارِب الحديث، فقام المؤلف بشرح معنى هذه اللفظة (¬5). ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 12 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 21 أ. (¬3) انظر الشرح/ ق 25 أ. (¬4) انظر الشرح/ ق 32 ب، 33 أ. (¬5) انظر الشرح/ ق 22 ب.

(هـ) دراسة الأسانيد

ومما يتعلق بالصناعة الحديثية أيضًا، بيانه لترقي بعض الأحاديث التي يُحسنها الترمذي إلى الصحة لما لها من شواهد (¬1)، وإن كان لم يلتزم بذلك دائمًا (¬2). ومن ذلك أيضًا بيانه لحكم الرواية بالمعنى ضمن شرحه لرواية للترمذي التي اشتملت على ذلك (¬3). ولم تقتصر عناية المؤلف بالصناعة الحديثية على أحاديث الترمذي التي يشرحها فقط، ولكنه يعنى أيضًا بذلك بالنسبة للأحاديث الأخرى التي يوردها هو في الشرح، كأحاديث الباب التي يشير إليها الترمذي، والأحاديث التي يستدركها هو على الترمذي، والأحاديث التي يوردها في أدلة آراء العلماء في الأحكام المتعلقة بحديث الباب عند الترمذي (¬4)، لكن عناية المؤلف بأحاديث الترمذي نفسه أكثر. وهذا العنصر عندما نقارنه بشبيهه عند غير المؤلف نجده يقارب في جملته ما عند العراقي وابن رجب، وكذا المباركفوري من المتأخرين، غير أن ابن رجب والعراقي تناولهما أعمق من ابن سيد الناس، أما ابن العربي فتناوله لهذا العنصر أقل من الجميع؛ لقصده الاختصار كما تقدم، لكن ما تعرض له من ذلك عظيم الفائدة، ومنه استفاد من بعده. (هـ) دراسة الأسانيد: وهذا العنصر يورده المؤلف أيضًا ضمن ما عنونه بالإِسناد، وهو داخل في الصناعة الحديثية، لكني خصصته بعنوان مستقل لإبرازه ولفت نظر طلاب السنة إلى اشتمال هذا الشرح على نماذجه العملية لدى علماء الحديث المتقدمين، أمثال المؤلف، فقد لاحظت أنه قد يقتضيه الأمر أن يقوم بدراسة رجال سند الحديث عند الترمذي واحدًا واحدًا، ويبين خلاصة حال كل منهم، أو دراسة حال بعض ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 25 أ، ب، 26 أ. (¬2) انظر الشرح/ ق 31 ب مع تعليقنا عليه. (¬3) انظر الشرح/ ق 19 ب. (¬4) انظر الشرح/ ق 22 أ، 24 أ، 26 أ، 32 ب، 33 أ. 35 أ.

(و) معاني الألفاظ وضبطها وإعرابها

الرواة من السند مع النظر في المتابعات، لإِثبات مطابقة حكم الترمذي على الحديث، لخلاصة أحوال رواته (¬1)، ويُعتبر ما قام به المؤلف في هذا نموذجًا تطبيقيًا يستفاد منه في طريقة دراسة الأسانيد التي كثرت عناية أقسام السنة وعلومها بالجامعات الإِسلامية بتدريسها لطلابها حاليًا دراسة نظرية وعملية، لتمكينهم من بيان درجة الأحاديث التي يحتاجونها، ولم تُبيَّن درجاتُها في مصادرها، أو اختلفت الأنظار في الحكم عليها بالقبول أو الرد. وهذا العنصر لم أجد من الشراح من يماثل المؤلف في العناية به، مع أهميته (¬2) ففي باب "ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور"، درس المؤلف من سندي الترمذي بحديثي أبي سعيد وجابر، ما أثبت به صواب قول الترمذي: إن حديث علي أجود شيء في هذا الباب وأحسن (¬3) ولم يفعل ذلك ابن العربي في العارضة؛ بل إنه قرر أن سند أبي داود بحديث عَليِّ أصح من سند الترمذي به، وأن أصح شيء في الباب وأحسن حديث مجاهد عن جابر (¬4) وقد رد عليه المؤلف في هذا كما سيأتي في بيان آرائه. أما المباركفوري فإنه اكتفى بدراسة بعض رجال الإِسناد الذين درسهم المؤلف (¬3). (و) معاني الألفاظ وضبطها وإعرابها: وهذا المبحث يورده المؤلف بعد مبحث "الإِسناد" الذي تقدمت عناصره، فيكون هو المبحث الثاني من مباحث الشرح عنده، وتارة يعنونه بقوله: "الثاني في شيء من مفرداته" (¬5) وتارة يقسمه إلى مبحثين فيقول: "الوجه الثاني في ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 22 أ، ب، 25 أ، ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 22 أ، ب. (¬3) انظر العارضة 1/ 15، 16. (¬4) انظر تحفة الأحوذي 1/ 41. (¬5) انظر الشرح/ ق 131 ب.

غريبه" ... و"الوجه الثالث في شيء من العربية وغيرها" (¬1) وهذا القسم الذي حققته لم يعنون المؤلف فيه شيئًا من المباحث التفصيلية للشرح، ولذا قمت من جانبي بوضع عنوان يدخل هذا تحته، وهو عنوان (المعاني والأحكام) ويلاحظ أن العنوانين اللذين يذكرهما المؤلف مقاربين لما عنون به ابن العربي مباحث شرحه أيضًا كما تقدم، أما العراقي فلا يعنون إلا بالرقم المسلسل لكل مبحث فقط حيث يقول: الثاني كذا، والثالث كذا ... الخ كما أشرت لذلك فيما تقدم، وبهذا يتضح لنا أن هذا العنصر من منهج الشرح أساسي، بحيث انتهجه كل الشراح لجامع الترمذي وغيره؛ لأنه من أهم أغراض ومطالب الشرح، وقد تناول المؤلف في هذا العنصر شرح الألفاظ والعبارات الواردة في متن الحديث غالبًا، ويرى المؤلف أنها بحاجة إلى إيضاح؛ إما لغرابتها، أو لكون معناها مشكلًا، لتعدد المراد بها، والخلاف فيه، ونحو ذلك، كما يَضبط أيضًا بالحروف ما يراه بحاجة إلى ذلك، ويُبين اشتقاق ما يحتاج لذلك، كما يتناول فيه بعض النقاط البلاغية، ويعرب ما يرى حاجة إلى إعرابه، وهذا قليل بالنسبة لباقي النقاط قبله، ويشمل هذا العنصر أحاديث الترمذي وغيرها من الروايات التي خرجها المؤلف في الشرح كما تقدم في عنصر التخريج (¬2). ومع اشتراك الشراح جميعًا في تناول هذا العنصر إلا أنهم يتفاوتون فيما يرونه بحاجة إلى شرح وبيان، ولذلك نجد أحدهم يشرح ما لم يشرحه الآخر، فمثلًا حديث الدعاء عند دخول الخلاء، ولفظه (كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك، وفي مرة: أعوذ بالله من الخُبُث والخبيث ...) الحديث. فذكر ابن العربي تحت عنوان (غريبه) شرح وضبط ألفاظ: الخلاء، وأعوذ، والخُبُث (¬3) وتبعه على هذا المباركفوري (¬4) أما ابن سيد الناس فشرح ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 168 - 169 ب. (¬2) انظر نماذج ما تقدم في الشرح/ ق 13 ب، 14 ب، 15 أ، 19 أ، ب، 20 ب، 23 أ. (¬3) العارضة 1/ 20، 21. (¬4) تحفة الأحوذي 1/ 47، 48.

(ز) بيان الأحكام المستفادة من الحديث وحكمة تشريعها

وضبط كلمتي: "الخلاء والخبث" ولم يتعرض لشرح لفظ "أعوذ" ثم زاد شرح لفظأ "الحُشوش" وهو مذكور في رواية لزيد بن أرقم، وهي مما أشار إليه الترمذي في الباب، وخرجها المؤلف بالعزو إلى علل الترمذي وغيره (¬1)، وأيضًا توسع ابن العربي في شرح كلمة (الخلاء) أكثر من ابن سيد الناس. وأيضًا في باب الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، أخرج الترمذي حديث ابن عمر قال: "رَقَيت يومًا على بيت حفصة، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة" فلم يتعرض ابن العربي لشرح شيء من مفرداته (¬2)، ولكن ابن سيد الناس شرح ألفاظ "رقيت" و"الشام" و"لَبِنَتَينْ" الواردة في إحدى روايات الحديث عند غير الترمذي (¬3) أما المباركفوري فشرح لفظ "رقيت" بقوله: أي علوت وصعدت (¬4). وبهذا تفاوتت فائدة الشروح الثلاثة بتفاوت ما تضمنته من المشروح. (ز) بيان الأحكام المستفادة من الحديث وحكمة تشريعها: يعتبر هذا العنصر من شرح الأحاديث عمومًا عنصرًا أساسيًا، وهدفًا أعلا، وقد عده علماء الحديث نوعًا قائمًا بذاته من أنواع علوم الحديث، فقال الحاكم أبو عبد الله؛ النوع العشرون من هذا العلم ... معرفة فقه الحديث؛ إذ هو ثمرة هذه العلوم، وبه قوام الشريعة (¬5) وتتأكد أهمية بيان فقه الحديث وأحكامه بالنسبة لجامع الترمذي، لأنه راعى فيه ذكر الأحاديث المعمول بها عند طوائف العلماء (¬6)، كما عني فيه بنقل مذاهب الفقهاء حتى عصره، والمتعلقة بما يدل عليه الحديث من أحكام وآداب، ومن هنا كان على من يتصدى لشرحه ¬

_ (¬1) الشرح / ق 23 ب، 24 أ، ب. (¬2) العارضة 1/ 26. (¬3) الشرح/ ق 34 ب، 35 أ. (¬4) تحفة الأحوذي 1/ 65. (¬5) معرفة علوم الحديث للحاكم/ 63. (¬6) شرح العلل لابن رجب 1/ 4، 5 والشرح/ ق 5 ب.

أن يجعل من منهجه العناية بهذا الجانب، وقد نُسب إلى الإِمام البُلْقيني (ت 805 هـ) كما تقدم، تأليف شرحين لجامع الترمذي، أحدهما صناعة، والآخر فقه (¬1). وقد قام ابن سيد الناس في شرحه هذا ببيان ما دلت عليه الأحاديث وما يستنبط منها من أحكام وآداب، وأورده بعد عنصر المفردات السابق ذكره. وفي المواضع التي عني فيها بذكر عناوين تفصيلية للشرح عنون هذا العنصر تارة بقوله: "المباحث والفوائد" (¬2) وتارة بقوله: "الكلام على ما يستفاد من هذه الأحاديث، ويستنبط منها من الأحكام" (¬3) وهذا شبيه بعنونة ابن العربي لهذا العنصر كما تقدم. وفي هذا القسم الذي حققته لم أجد المؤلف عنون هذا العنصر بمثل ما عنونه به في مواضع أخرى من الشرح، لكنه يصدِّر بيانه للأحكام بعبارات متعددة تفيد ذلك، سواء كانت من عنده أو من نقله عن غيره، فمن ذلك قوله: في الحديث دليل على كذا (¬4) وقوله: الحديث دل على كذا (¬5) وقوله: في الحديث بيان كذا (¬6). وقوله: وقد يَستدِل بهذا (¬7) وقوله: وفيه دليل لمالك وابن نافع (¬8) وقوله: استدل أبو حنيفة بهذا الحديث (¬9) وقوله: فيه من الفقه كذا (¬10)، وقوله: الحديث نص في كذا (¬11) وقوله: تمسك بعضهم بهذا الحديث (¬12) ¬

_ (¬1) وانظر ذيول تذكرة الحفاظ/ 216. (¬2) الشرح/ ق 129 ب. (¬3) الشرح/ ق 148 أ - 149 أ. (¬4) الشرح/ ق 29 ب. (¬5) الشرح/ ق 31 أ. (¬6) الشرح/ ق 22 ب. (¬7) الشرح/ ق 19 ب. (¬8) الشرح/ ق 16 أ. (¬9) الشرح/ ق 20 ب. (¬10) الشرح/ ق 14 ب. (¬11) الشرح/ ق 15 أ. (¬12) الشرح/ 15 ب.

وقوله: ينبني عليه كذا (¬1). وقد وضعت من عندي عنوانًا يشمل هذا العنصر وما قبله وهو (المعاني والأحكام) ولم يقتصر المؤلف في بيان الأحكام على ما خرجه الترمذي في الأبواب، بل قد يتناول أيضًا بعض الروايات التي أشار إليها في الباب، أو التي اسَتدركها عليه هو (¬2) ويُعنَى المؤلف مع بيان الأحكام ببيان ما ظهر له أو لغيره من علة الحكم، وحكمة التشريع (¬3)، ويبين الناسخ والمنسوخ (¬4) كما أنه يبين ما تيسر له من أهم آراء الفقهاء، ابتداء بالصحابة وحتى عصره، مع بيان ما يكون لكلٍ من أدلة غير الحديث موضع الشرح، ولا يتقيد المؤلف في ذلك بمذهب إمام معين، وإن كانت عنايته بأقوال الشافعية واضحة، باعتباره مذهبه الفقهي، ودرايته به أكثر، ويعبر عن الشافعية بأصحابنا (¬5)، وقد يفصل الأقوال والآراء في الحكم، ثم يلخصه في النهاية في كلمات حتى يسهل استيعابه (¬6) ولا تبلغ عنايته بذكر آراء الشافعية مبلغ عناية ابن العربي في عارضته بتفصيل آراء المالكية، كما تقدمت الإِشارة إلى ذلك. ويعتبر الحافظ العراقي في تكملته لهذا الشرح أكثر عناية بذكر آراء الشافعية المتعلقة بما يدل عليه الحديث، ولم ألحظ من المؤلف في هذا القسم المحقق انحيازًا لأصحابه الشافعية، ولا تحاملًا على غيرهم من بقية أصحاب المذاهب الأخرى. وكما ذكرت تفاوت الشراح في العنصر السابق من منهج الشرح، فإني أقرر أن تفاوتهم في هذا العنصر أكثر، تبعًا للتفاوت في نظر العلماء وقدراتهم العلمية ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 24 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 14 ب، 15 أ، ب، 16 أ، 19 ب، 23 أ. (¬3) الشرح/ ق 26 أ، 30 أ - 32 أ. (¬4) الشرح 30 أ. (¬5) الشرح/ ق 20 أ، ب، 21 أ، 22 ب، 23 أ، ب، 24 أ، ب، 29 ب، 30 أ، ب، 31 أ، 35 ب، 36 أ. (¬6) الشرح/ 15 ب، 20 ب.

والشخصية على الاستنباط، وسعة الاطلاع على آراء واستنباط الآخرين، والإفادة منهما. فمثلًا حديث ابن عمر في الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، قد أخرجه الترمذي وغيره بلفظ: أن ابن عمر قال: "رَقِيتُ يومًا على بيت حفصة" الحديث. فلم يتعرض ابن العربي ولا المؤلف لما يستفاد من إضافة ابن عمر -رضي الله عنهما- البيت إلى حفصة مع كونه ملكًا لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- في حين تعرض له الحافظ ابن حجر في الفتح وأجاب عن ذلك بأجوبة (¬1)، أما البخاري فإنه بما عُرف عنه من دقة الاستنباط للأحكام من خلال تراجمه على الأحاديث في الصحيح، قد أخرج الحديث في موضع دلالته الظاهرة، وذلك في كتاب الوضوء، وبوب عليه بقوله: "باب من تبرز على لَبِنَتِينْ" (¬2) ثم أخرج الحديث مرة أخرى بنفس اللفظ في كتاب "فرض الخمس" تحت "باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-، وما نُسِب من البيوت إليهن" (¬3) وقد أشار الحافظ ابن حجر إلى وجه ذكر البخاري للحديث تحت هذه الترجمة فقال: إن ابن عمر حيث أضاف البيت إلى حفصة كان باعتبار أنه البيت الذي أسكنها -صلى الله عليه وسلم- فيه، واستمر في يدها إلى أن ماتت فورِث عنها، ثم قال: وسيأتي انتزاع المصنف -يعني البخاري- لذلك من هذا الحديث في كتاب الخمس إن شاء الله (¬4) وقال ابن المُنير في بيان غرض البخاري بترجمة نسبة البيوت إلى أزواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- والتي أعاد إخراج الحديث تحتها: غرضه بهذه الترجمة أن يُبين أن هذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن للبيوت ما بَقِين؛ لأن نفقتهن وسكناهن من خصائص النبي-صلى الله عليه وسلم- والسر فيه، حَبسُهن عليه (¬5). ¬

_ (¬1) الفتح 1/ 247. (¬2) البخاري مع الفتح 1/ 246. (¬3) البخاري مع الفتح 6/ 210. (¬4) الفتح 1/ 247. (¬5) الفتح 6/ 211.

(ح) بيان المباحث الأصولية المتعلقة بالحديث

أقول: وابن المنير الذي بيّن استنباط البخاري لهذا الحكم من حديث ابن عمر وغيره، قد يكون هو ناصر الدين المتوفى سنة 683 هـ، وقد يكون الأخ الأصغر للأول، ويلقب بزين الدين وتوفي سنة 695 هـ، لأن لكل منهما تأليفًا في مناسبات تراجم البخاري، وكلاهما معاصر لابن سيد الناس، وتُوفِّيا في حياته، فكان يمكنه استفادة هذا الحكم من تأليفيهما المشار إليهما، ولكن يبدو عدم تمكنه من ذلك، حيث لم يتعرض لذكره، في حين تعرض له غيره كالحافظ ابن حجر كما أشرت. ومن الجدير بالذكر هنا أن الإِمام الشوكاني قد نقل عن شرح المؤلف هذا، بيان معنى كلمة "رَقِيتُ" وقال في آخره: "قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي" ثم نقل عقبه مباشرة جواب الحافظ ابن حجر في الفتح عن إضافة البيت لحفصة -رضي الله عنها- ولكنه لم ينسب ذلك إلى ابن حجر (¬1) فجاء المباركفوري فحذف الهاء من قول الشوكاني: "قاله ابن سيد الناس" فصارت: "قال ابن سيد الناس في شرح الترمذي ... " وبذلك صار جواب ابن حجر المذكور بعدها، منسوبًا إلى ابن سيد الناس في شرح الترمذي (¬2) وهو خطأ حيث لم يتعرض ابن سيد الناس لذلك في شرحه للحديث كما أوضحته، فليتنبه لذلك من يقف على كلام المباركفوري في شرح هذا الحديث. (ح) بيان المباحث الأصولية المتعلقة بالحديث: تقدم أن ابن العربي جعل من منهجه في الشرح تخصيص مبحث لما يتعلق بالحديث الذي يشرحه من علمي أصول الفقه، وأصول الدين، وهي المسائل الاعتقادية، وأنه يعنون له بعنوان (الأصول) أو (أصوله) يعني الحديث، أما الحافظ العراقي فإنه في كثير من الأحيان يخصص لذلك وجهًا من الوجوه التي يقسم شرح الحديث إليها، وإن لم يضع لها عنوانًا غير الرقم المسلسل للوجه الذي يوردها فيه كان يقول: الثامن في كذا. ¬

_ (¬1) نيل الأوطار 1/ 98. (¬2) تحفة الأحوذي 1/ 65.

وقد وجدت ابن سيد الناس يتناول في شرحه أيضًا ما يتعلق بالحديث من مباحث علم أصول الفقه وأصول الدين، لكن تعرضه لهما أقل بصفة عامة، من تعرض كل من العراقي وابن العربي، كما أني لم أجده خصص لأي منهما مبحثًا مستقلًا معنونًا بعنوان خاص كما فعل في العناصر الأخرى في بعض الأبواب، كما تقدم، ولكنه يذكر ذلك خلال مبحث الأحكام المستفادة من الحديث، ففي باب "ما يقول إذا خرج من الخلاء" أخرج الترمذي فيه حديث عائشة "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج من الخلاء قال: غُفرانك" فعقد ابن العربي في شرحه مبحثًا عنونه بقوله: (الأصول)، وقال فيه: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يطلب المغفرة من ربه قبل أن يُعلِمه أنه قد غَفر له، وكان لايسألها بعد ذلك؛ لأنه قد غفر له، بشرط استغفاره، ورُفع إلى شرف المنزلة بشرط أن يجتهد في الأعمال الصالحة، والكل له حاصل بفضل الله، ثم قال: في طلب المغفرة هنا محملان: الأول: أنه سأل المغفرة من تركه ذكر الله في ذلك الوقت في تلك الحالة ... الخ (¬1) ويلاحظ أن ما ذكره ابن العربي هنا تحت عنوان (الأصول) متعلق بأصول الدين الاعتقادية لا بأصول الفقه، أما ابن سيد الناس فإنه في شرح هذا الحديث، ذكر معنى الغفران وإعرابه بنحو ما ذكره ابن العربي، بحيث يفهم من ذلك اطلاعه على شرح ابن العربي للحديث، ومع ذلك لم يتعرض لمسألة استغفار الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربَّه قبل أن يُعلمه أنه قد غفر له، ثم كان لا يسألها بعد إعلامه بذلك، بل تجاوز المؤلف ذلك إلى ما بعده من وجه سؤاله -صلى الله عليه وسلم- المغفرة في تلك الحالة، وذكر نحو ما ذكره في هذا ابن العربي، مع زيادة وتفصيل استفاد فيه من شرح النووي لهذا الحديث من صحيح مسلم، كما أثبَتُّ ذلك في توثيق النص (¬2). وفي باب (ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور) أخرج الترمذي حديث علي -رضي الله عنه- (مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلُها التسليم) ¬

_ (¬1) العارضة 1/ 22، 23. (¬2) انظر الشرح/ ق 26 ب.

وقد ذكر المؤلف ضمن بيانه للأحكام المستفادة من الحديث، أن أبا حنيفة والأوزاعي والثوري وغيرهم يجيزون الانصراف من الصلاة بغير التسليم، ثم ذكر أنه يُستَدل لأبي حنيفة بما روى البيهقي عن علي -رضي الله عنه- قال: "إذا جلس -يعني المصلى- مقدار التشهد، ثم أحدث فقد تمت صلاته". وعقَّب على ذلك بقوله: وهذا -يعني الاستدلال بقول علي رضي الله عنه- جار على أصولهم -يعني الحنفية- وأما عندنا -يعني الشافعية- فالحجة فيما روى، لا فيما رأى (¬1)، وتوضيح ذلك أن الترمذي أخرج رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّ تحليل الصلاة التسليم - والبيهقي روى عن علي أيضًا قوله السابق ذكرُه، وهو مخالف لمارواه بنفسه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فمن أصول الفقه عند الحنفية أنه عند اختلاف رأي الصحابي عما يرويه بنفسه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- يُعمَل بما رآه، لا بما رواه؛ لأنه بمشاهدته للرسول -صلى الله عليه وسلم- يكون أعرف بمقصوده -صلى الله عليه وسلم- من الحديث الذي رواه عنه، ولهم في ذلك تفاصيل أخرى، وأما الشافعية ومن يوافقهم فمن أصولهم: أن العبرة بما رواه الصحابي عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا برأيه هو؛ لأن الحديث حجة على راويه وعلى غيره، ولهم في ذلك تفاصيل أيضًا (¬2). وهذه المسألة التي تعرض لها المؤلف عندما تُراجع شرح ابن العربي للحديث لا تجده تعرض لها (¬3) وهي مسألة أصولية مُختَلف فيها كما ترى ومتعلقة بالحديث. ويلاحظ أيضًا أن المؤلف ذكر ذلك خلال بيان الأحكام المتعلقة بالحديث، ولم يخصص لها مبحثًا. ومن المباحث الأصولية التي اتفق المؤلف مع غيره في تناولها، ما جاء في باب الرخصة في استقبال القبلة بالبول أو الغائط، فقد أخرج الترمذي فيه ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 23 ب. (¬2) انظر الشرح/ ق 23 مع التعليق والمعتمد 2/ 670، 671 والمنخول للغزالي 175، 176. وفتح الباري 3/ 513، 514 باب الجمع بين الصلاتين بعرفة. (¬3) العارضة 1/ 15 - 19.

حديث ابن عمر أنه (رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة). وقد ذكر المؤلف في الأحكام المستفادة من الحديث، وخلافَ العلماء فيها، نقلًا عن أبي العباس القرطبي: أن من العلماء من منع استقبال القبلة واستدبارها مطلقًا، لأنه يرى أن حديث ابن عمر المذكور لا يصلح مُخصصًا لحديث أبي أيوب في نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن الاستقبال والاستدبار؛ لأن حديث ابن عمر فعل له -صلى الله عليه وسلم- في خلوة فيحتمل أنه مختص به، وحديث أبي أيوب، قول قُعِّدَت به القاعدة، فبقاؤه على عمومه أولى، ثم نقل جواب القرطبي عن ذلك، وأقره، وخلاصته: أن الفعل أقل مَراتبه الدلالة على الجواز، وأن الأصل فيه عدم الخصوصية بالرسول -صلى الله عليه وسلم-. وبهذا أقر المؤلف القرطبي على أن الحديث الفعلي يصلح مخصصًا للحديث القولي (¬1) ومسألة الاستدلال بفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- على الأحكام بمفرده، سواء كانت تخصيصًا أو نسخًا أو غيرهما، مسألة أصولية طال فيها كلام الأصوليين وخلافهم، كما أشرت إلى ذلك في التعليق على هذا الموضع من الشرح، وحققت القول فيها بقدر الإمكان فتراجع من هناك (¬2). وفي شرح ابن العربي للحديث تعرض أيضًا للمسألة، دون أن يضع لها عنوانًا كعادته في عنونة مبحث الأصول وغيره في شرحه كما قدمت، وإنما تعرض لها ضمن مبحث الأحكام المستفادة من الحديث، حيث ذكر خلاف العلماء في جواز الاستقبال والاستدبار وعدمه، ثم قال: والمختار والله الموفق؛ أنه لا يجوز الاستقبال ولا الاستدبار في الصحراء، ولا في البنيان؛ وذكر في تدليله على ذلك: أن حديث أبي أيوب قول، وحديث ابن عمر وحديث جابر الذي أخرجه الترمذي في الباب أيضًا، كلاهما فعلان، ولا معارضة بين القول والفعل، وأن ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 35 أ، ب. (¬2) انظر الموضع السابق من الشرح.

(ط) آراء المؤلف، وإضافاته العلمية

الفعل لا صيغة له، وإنما هو حكاية حال ... الخ (¬1) وبذلك انتهى إلى أن الفعل في حديثي الباب لا يعارض حديث أبي أيوب القولي، وهذا خلاف ما نقله ابن سيد الناس عن أبي العباس القرطبي وأقره عليه. وهكذا اتفق المؤلف وابن العربي في تناول تلك المسألة الأصولية، ولكنهما اختلفا في الأخذ بمقتضاها، حسبما ترجح لكل منهما. (ط) آراء المؤلف، وإضافاته العلمية: عندما تكلم المؤلف عن المادة العلمية لهذا الشرح، ذكر منها ما نقله عن غيره، ثم قال: أو مما جاء به الذهن الرَّكُود، وجادت به القريحة وقل أن تجود، أو مما أنتجته المذاكرة، واستحضرته المحاضرة، فكنت أرى من ذلك تقييد ما أستحسنه (¬2) وهذا معناه أنه لم يقصر جهده في هذا الشرح على النقل عن الغير، وإنما ضم إلى ذلك بعض الآراء والإِفادات التي تفتق ذهنه عنها استقلالًا، أو تبينها من مناقشته ومذاكرته مع غيره حول مضامين جامع الترمذي، حيث كان المؤلف -كما مر- يُدرِّس الحديث بعدة أماكن. وفي هذا رد على قول تلميذه صلاح الدين الصفدي: إنه جمّد ذهنه؛ لاقتصاره به على النقل (¬3) وهذا القسم الذي حققته من شرحه دليل عملي واضح على أنه جعل من منهجه في الشرح إظهار مواقفه مما ينقله عن غيره سواء بالإقرار أو المعارضة والتعقب، والإِدلاء بما يبدو له من آراء وترجيحات، وإضافات إلى جهد أصحاب المصادر التي اعتمد عليها، وهو في كثير من الأحيان يميز ذلك بتصديره بعبارة: (قلت) ثم يتبعها بما يريد، وقد شمل ذلك معظم جوانب الشرح، من تخريج وصناعة حديثية ولغة وأحكام. فمن إضافاته الظاهرة في التخريج ما ذكره من الأحاديث التي تتعلق بالأبواب، ولم يذكرها الترمذي ولم يشر إليها، وقد تقدم تقدير العلماء من بعده ¬

_ (¬1) العارضة 1/ 27. (¬2) الشرح/ ق 2 أ. (¬3) انظر الوافي بالوفيات 1/ 291.

لأهمية تلك الإِضافة. ومن ذلك أيضًا: أنه في المقدمة الثانية للشرح، نقل عن ابن العربي وابنُ رُشَيد بيانهما لما تضمنه جامع الترمذي من أنواع علوم الحديث، ثم قال: ومما لم يذكراه أيضًا، ولا أحدهما: ما تضمنه من الشذوذ، وهو نوع ثامن، ومن الموقوف، هو تاسع، ومن المدرج وهو عاشر، وهذه الأنواع مما يُكِثرُ في فوائده التي تستجاد منه، وتستفاد عنه (¬1). ومن ذلك أيضًا ما أضافه في تعليل الاستغفار الذي ذكره أبو أيوب الأنصاري عقب روايته لحديث النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة عند قضاء الحاجة، حيث قال: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض فكنا ننحرف عنها، ونستغفر الله. فقد ذكر المؤلف أربعة أقوال في تعليل ذلك للعلماء قبله، وفي نهايتها قال: انتهى ما ألفيته في ذلك عن سَلَف، ثم أضاف من جانبه تعليلًا خامسًا، فقال: ولو قيل بأنه -يعني أبا أيوب- أخبر عن أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر، لم يكن به بأس؛ أخبر عن الانحراف لمعتقده بقاء الحكم في الكنيف وغيره، وعن الاستغفار المسنون الذي ورد عنه عليه الصلاة والسلام، أنه كان إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك (¬2). ومن آرائه في بيان أحوال الرواة أنه نقل عن النسائي أنه لا يَعرِفُ وجهًا ولا عُذرًا لترك البخاري إخراج حديث سهيل بن أبي صالح في صحيحه -يعني احتجاجًا- ثم نقل عن ابن المديني قوله: مات لسهيل أخ فَوَجَد عليه، فنسي كثيرًا من الحديث. وعقب على ذلك فقال: قلت ولعل هذا عذر البخاري في ترك إخراج حديثه، لا سيما هذا الخبر عن علي بن المديني من روايته مذكور في تاريخه الكبير (¬3). ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 6 ب. (¬2) الشرح/ ق 32 أ. وانظر مثالًا آخر/ ق 26 أ. (¬3) الشرح/ ق 18 أ، وقد نبهت هناك في التعليق على عدم وجود هذا الخبر في الطبعة الحالية لتاريخ البخاري.

وبذلك إلتمس للبخاري حجة مناسبة في عدم احتجاجه بسهيل، لم يلتمسها له الإِمام النسائي من قبله؛ وأيد هذا بدليل، وهو معرفة البخاري بما ذكره ابن المديني بشأن ضبط سهيل، هذا ويعتبر ما قرره المؤلف زيادة على ما قرره الحازمي من قبله أن البخاري ترك الاحتجاج بسهيل؛ لكلام العلماء في سماعه من أبيه (¬1) ويعتبر ما قرره المؤلف أعم مما قرره الحازمي، حيث اقتصر في السبب على جانب واحد وهو رواية سهيل عن أبيه، ولا مانع من اعتبار الأمرين معًا عذرًا للبخاري، كما ذكرته في التعليق على هذا الموضع من الشرح. ثم إن المؤلف نقل عن الحاكم قوله: "إن مالكًا روى عن سهيل، ومالك هو المرجوع إليه في مشايخ المدينة الناقد لهم" ثم قال: قلت: وفيما ذكرناه آنفًا في توثيق سهيل رواية مالك عنه، وأنه المرجوع إليه في مشايخ المدينة، وهذا لا يَرِد على البخاري؛ لأن مالكًا من أهل المدينة، وسهيل ليس من قدماء شيوخه، وقد تبين له -يعني البخاري- أنه تغير حفظه بآخره، فيكون مالكًا سمع منه قبل التغير، وكثيرًا ما يعرض في المتغيرين والمخلطين مثل هذا، فيفرق هناك بين الراوي عنه قبل الاختلاط فيقبل، أو بعده فيرد أو الجهالة بحالة الراوي متى كان سماعه، فينبغي أن يُتوقف عنه، كما تقرر في الملقّن والمستور (¬2). أقول: ومع أهمية ما ذكره المؤلف هنا في الجواب عن البخاري، فإن الحافظ ابن حجر لم يذكره ضمن إضافاته في ترجمة سهيل من تهذيب التهذيب 4/ 263، 264، ولا في الجواب عمن طُعِن فيه من رجال البخاري في مقدمة الفتح/ 408، مع أنه قد اطلع على هذا الشرح ونقل منه مرارًا كما سيأتي. ومن آرائه في الرواة أيضًا أنه صدر سياق الأقوال في عبد الله بن عقيل بقوله: وينبغي أن يكون حديثه حسنًا، وقد أثنى عليه قوم وتكلم فيه آخرون، ثم ساق خلاصة الأقوال (¬3) وهذا التحديد لمرتبة حديث ابن عقيل لا نجده في ¬

_ (¬1) انظر التعليق على كلام المؤلف بهامش الشرح في الموضع السابق، وشروط الأئمة للحازمي/ 11. (¬2) الشرح/ ق 18 أ. (¬3) انظر الشرح/ ق 21 ب وما بعدها.

الأقوال التي ساقها بعد ذلك، ولكنه استخلصها من اختلاف الآراء فيه، وقد بينت في التعليق على هذا الموضع من الشرح أن المؤلف مسبوق من ابن القطان الذي قرر من قبله: أن الراوي المخْتَلَف فيه يقال على الاصطلاح للحديث من روايته: إنه حسن، والمؤلف هنا طبق هذا الاصطلاح على ابن عقيل، وقد مشى على ذلك الذهبي من بعده، فإنه بعد عرض الأقوال فيه قال: قلت: حديثه في مرتبة الحَسن (¬1). ومن آرائه في مسائل مصطلح الحديث ما ذكره عن مراد الترمذي بالشاذ، في قوله في تعريف الحسن: "ولا يكون شاذًا" فقد ذكر المؤلف تعريف كل من الشافعي والخليلي للشاذ، وبيّن أن كلاهما يتفقان في كون الشاذ تفرد الثقة، ثم عقب على ذلك بقوله: والذي يظهر من كلام الترمذي -يعني في تعريف الحسن- التوسع في ذلك، وأن تفرد المستور داخل في مسمى الشاذ، لم أَذِن به كلامه من أن رواية المستور الذي لا يتهم بالكذب على قسمين: ما شورك فيه، وهو داخل عنده في مسمى الحسن، وما لم يشارك فيه، وهو الذي سماه شاذًا ولم يُلحقه بالحَسن (¬2)، وهذا الرأي في مراد الترمذي بالشاذ يخالف ما قرره السخاوي، من أن مراد الترمذي بالشاذ هو المراد به في تعريف الصحيح (¬3)، لأن المراد في تعريف الصحيح مقصور على تفرد الثقة، التي هي شرط الصحيح، ويبدو أن رأي ابن سيد الناس أقرب لمراد الترمذي؛ لأن تعريفه للحسن لغيره، ورواية دون الثقة كما هو معروف، ولذا يحتاج إلى عاضد. ومن ذلك أيضًا تعريف المؤلف للمستور بأنه من لم يُنقَل فيه جرح ولا تعديل، أو نقلا فيه معًا، ولم يترجح أحدهما على الآخر ببيان؛ حيث يُحتاج اليه، وما أشبهه (¬4). ¬

_ (¬1) الميزان 2/ 484، 485. (¬2) الشرح/ ق 18 ب. (¬3) فتح المغيث 1/ 63. (¬4) الشرح/ ق 9 ب.

وهذا التعريف قد ذكره السخاوي للمستور، ولكن لم يعزه للمؤلف ولا لغيره (¬1)، ولذا ظن من جاء بعد السخاوي: أنه من عنده، فنسبه إليه كل من الصنعاني (¬2) والشيخ علي القاري (¬3). ومن آراء المؤلف أيضًا في المصطلح أنه ذكر بعض ما أجاب به غيره عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسن في وصف حديث واحد، ثم قال: وقد كان يمكن أن يجاب عنه من هذا النمط أنه صدق عليه الوصفان باعتبار الاختلاف في حال راويه، إذ قد يكون الراوي عند مُعدِّل في مرتبة الصحيح، وعند غيره دون ذلك، ثم قال: وَيرِد على هذا لو قيل، ما لا يَختلِفُ النظر في تعديل راويه، وأنه كان يَحسُن في مثله أن يأتي بلفظة (أو) التي هي لأحد الشيئين أو الأشياء، فيقول: حسن أو صحيح (¬4). وهذا الجواب مع ما أورده المؤلف عليه، قد عزاه الحافظ ابن حجر إلى بعض المتأخرين، دون تحديد اسمه، وزاد فيه بعض تفصيل، ثم ذكر أن هذا الجواب لو سَلِم من التعقب عليه لكان أقرب إلى المراد من غيره، وأضاف قائلًا: وإني لا أميلُ إليه وأرتضيه، والجواب عما يَرِدُ عليه ممكن (¬5). ثم قام ابن حجر بتركيب جواب من هذا الذي ذكره ابن سيد الناس، ومما ذكره ابن الصلاح في الجواب عن تركيب الصحة والحسن بأنه قد يكون باعتبار إسنادين، وجعل جواب ابن سيد الناس عما له إسناد واحد (¬6). وقد أشار السخاوي إلى هذا، فذكر أن شيخه ابن حجر أورد جوابًا عند التفرد -أي كون الحديث ليس له إلا سند واحد- أصله لابن سيد الناس (¬7). ¬

_ (¬1) فتح المغيث 1/ 63. (¬2) توضيح الأفكار 1/ 162، 163. (¬3) شرح شرح النخبة/ 71 وانظر مثالًا آخر من آرائه في الشرح/ ق 33 أ. (¬4) الشرح/ ق 10 أ. (¬5) النكت على ابن الصلاح والعراقي لابن حجر 1/ 477، 478. (¬6) انظر شرح النخبة/ 263 ضمن المجموعة الكمالية. (¬7) فتح المغيث للسخاوي 1/ 93.

أما السيوطي فذكر جواب ابن حجر وقال: إنه مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير (¬1) وتبعه في هذا غيره (¬2). والصواب ما ذكره السخاوي، كما ترى. ومن ترجيحاته لبعض الأقوال على بعض، أنه نقل عن الحافظ عبد الغني المقدسي ما ذكره في كتابه (الكمال) في ترجمة سماك بن حرب، أن نسبته (الذُّهلي البكري، وقيل الهُذَلي) ثم تعقبه فقال: وقوله: "وقيل الهذلي" ليس بشيء، وقد خالفه ابن الكلبي في هذا النسب، والنفس إلى ما قال ابن الكلبي أَمْيَل، ثم ساق كلام ابن الكلبي المشتمل على نسب سماك (¬3). ومن ذلك أيضًا أن الترمذي قال عن حديث (مفتاح الصلاة الطهور) من رواية علي -رضي الله عنه-: أنه أصح شيء في هذا الباب وأحسن، ولكن ابن العربي خالف الترمذي في هذا "فقال: إن الحديث من رواية مجاهد عن جابر أصح وأحسن"، فذكر المؤلف ذلك ثم عقب عليه بقوله: قلت: وما قاله الترمذي أولى (¬4). وقال ابن العربي أيضًا إن إسناد أبي داود بحديث علي المشار إليه أصح من سند الترمذي به، فقال المؤلف: وزعم ابن العربي أن إسناد أبي داود هذا أصح من سند الترمذي، ولا وجه لهذا الترجيح (¬5). وقد يكون بيان المؤلف للرأي المختار بنقله عن غيره وإقراره، ففي شرح الحديث الأول من جامع الترمذي، وهو: "لا تقبل صلاة بغير طهور" قال المؤلف: واختُلِف هل يجب الوضوء بالحدث وجوبًا موسعًا، أو عند القيام إلى ¬

_ (¬1) تدريب الراوي 1/ 164، 165. (¬2) انظر الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين للدكتور نور الدين عتر/ 191. (¬3) الشرح/ ق 12 ب. (¬4) الشرح/ ق 22 ب. (¬5) الشرح/ ق 20 ب.

الصلاة، أو بالأمرين؟ على ثلاثة أوجه، ثم أعقب ذلك بقوله: قال الشيخ محي الدين -يعني النووي- والآخِر المختار عند أصحابنا (¬1). وقد أقر المؤلف النووي على ذلك. ومما تعقب فيه غيره، أنه في شرح حديث "فضل الطهور" نقل عن أبي عُمر ابن عبد البر قوله: إن في رواية ابن وهب عن مالك بهذا الحديث زيادة ليست لغيره من الرواة، وهي ذِكْر (الرِّجلَين) حيث قال: فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتهما رجلاه مع الماء ... " الحديث. وعقب المؤلف على ذلك فقال: وقوله -يعني ابن عبد البر- إن زيادة لفظة "الرجلين"، لا تعرف عن مالك إلا من طريق ابن وهب، يعارضه ثبوتُها في صحيح مسلم من حديث مالك، من طريق سويد بن سعيد، وابن وهب، وفيه (مشتها رجلاه) بغير تثنيته، وإن كان مسلم قد جعل اللفظة فيه لابن وهب دون سويد، فإنه لا يحتمل مثل ذلك الانفراد بهذه الزيادة، ولو لم تكن عن سويد لبينها (¬2). ومما يتعلق بالجوانب اللغوية أنه في شرح حديث الدعاء عند دخول الخلاء وهو: "اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبيث ... " الحديث. نقل المؤلف عن الخطابي قوله: الخُبث بضم الباء، جمع خبيث، ثم قال الخطابي: وعامة أصحاب الحديث يقولون: "الخُبْث" ساكنة الباء، وهو غَلط، والصواب (الخُبُث) مضمومة الباء. وقد عقب المؤلف على ذلك فقال: وهذا الذي أنكره الخطابي هو الذي حكاه أبو عبيد القاسم بن سلام، وحسبك به جلالة، ثم قال: وقال القاضي أبو الفضل عياض: أكثر روايات الشيوخ، الإسكان، وقال أبو العباس -يعني القرطبي-: "رَويناه بالضم والإسكان" وعقب المؤلف على ذلك فقال: قلت: لا ينبغي أن يعد هذا غلطًا؛ لأن (فُعُلان) بضم الفاء والعين، تسكَّن عينه ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 15 ب. (¬2) الشرح/ ق 19 ب.

أهم مميزات هذا الشرح

قياسًا، فلعل من سكنها سلك ذلك المسلك، ولم يُرِد غير ذلك مما يُخالف المعنى الأول (¬1). وبهذا يتجلى لنا بروز هذا العنصر من عناصر منهج المؤلف في شرحه، ودلالته على شخصيته العلمية في علوم الحديث وما يتصل بها. أهم مميزات هذا الشرح: سبق أن بينت مكانة هذا الشرح إجمالًا بين شروح الترمذي، السابق منها واللاحق وعلى ضوء ذلك، وما فصلْتُه من عناصر منهج المؤلف فيه مقارنًا بغيره، يمكن تلخيص أهم مميزات هذا الشرح فيما يأتي: 1 - توسعه في الشرح عمومًا أكثر من سلفه ابن العربي، الذي صرح في مقدمته بأنه آثر الاختصار، وقد يترك أبوابًا كاملة دون التعليق عليها بشيء كما أشرت إلى ذلك من قبل. 2 - عنايته بتخريج الأحاديث، وبيان درجاتها، سواء مارواه الترمذي في الباب أو أشار إليه أو استدركه هو عليه. وقد أَعطى بذلك القدوة لمن جاء بعده من شراح الترمذي. 3 - حفظه لآراء المؤلف وإضافاته العلمية المختلفة في علوم الحديث رواية ودراية، كما تقدمت نماذج ذلك. وقد أشار المؤلف في مقدمته إلى هذه النقطة، حيث ذكر اشتغاله أولًا بتقييد ما كان يستحسنه من الفوائد العلمية المتعلقة بهذا الشرح، وأضاف قائلًا: ثم عَنَّ لي أن أضم لتلك الفوائد ما يُضارعُها، ليشفع ماضيها مضارعُها، ويجمعها تَعليق من طلبها به ألفاها ... فكثيرًا ما تمر الفائدة بمن يسمعها أو يطلبُها فينأى عنها مغزاها، ومن قيد العلم بالكتاب أَمِنَ هذا اللبس والارتياب (¬2). ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 24 ب. (¬2) الشرح/ ق 2 أ، ب.

بعض الملحوظات على الشرح

وبهذا أمكن استفادة من بعده بجهده العلمي وآرائه التي ضمنها هذا الشرح ويتأيد ذلك بما سيأتي من بيان أثر الكتاب فيما بعده. بعض الملحوظات على الشرح: ومع مميزات الشرح هذه التي لا تنكر، فإن الانصاف يقتضينا تقرير وجود بعض المآخذ التي لوحظت على هذا الشرح سواء من العلماء السابقين الذين اطلعوا عليه، أو من جانبي خلال اطلاعي على هذا القسم المحقق ودراسته، وقد قدمت في بيان مصادر المؤلف في هذا الشرح بعض الملحوظات، وهنا أضيف بعضًا آخر: فمن ناحية الشكل نجد أن كثيرًا من الأبواب الأولى لم يوضع لشرحها عنوان عام، ولا عناوين تفصيلية لكل مبحث من مباحث الشرح، وبعض الأبواب وُضِع لها العنوان العام، ولم توضع عناوين تفصيلية، في حين نجد الأبواب الأخيرة من الشرح قد وُضِع لشرحها عنوان عام، وعناوين تفصيلية، كما أوضحت ذلك في بيان منهج المؤلف في الشرح. وأما من ناحية المضمون، فمما لاحظه عليه الحافظ العراقي، أنه قد يُخرِّج أحاديث في الباب ليس فيها مقصود الباب، وذلك أن أول تكملة العراقي شَرْح باب "ما جاء أن الأرض كلَّها مسجدُ إلا المقبرَة والحمَّام" وقد تقدم أن المؤلف كان شرح قطعة من الباب، وقد قال الترمذي: وفي الباب عن علي و ... إلى أن قال: وأبي أمامة. "فقال العراقي في شرحه: وحديث أبي أمامة أخرجه أحمد في مسنده من رواية سيار عن أبي أمامة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال "فُضلْتُ بأربع: جُعلَت الأرض لأمتي مسجدًا وطهورًا" ... الحديث، ثم قال العراقي: وأصل الحديث عند المصنف، في كتاب السِّيَر، بلفظ: إن الله فضلني على الأنبياء، أو قال: أمتي على الأمم، وأحل لنا الغنائم، وقال: حديث حسن صحيح، قال العراقي: هكذا ذكره -يعني الترمذي- مختصرًا، لم يذكر فيه مقصود الباب، وعزو الشيخ فتح الدين -يعني المؤلف- في آخر ورقة رأيتها

بخطه من شرح الترمذي إلى المصنف ليس بجيد؛ فلذلك عزوته لغيره (¬1). ومما لاحظته عليه في التخريج أيضًا أن الترمذي في باب ما جاء في فضل الطهور أخرج حديث أبي هريرة: إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه ... " الحديث. ثم قال: وفي الباب عن عثمان بن عفان ... وعبد الله بن عمرو". فلما تصدى المؤلف لتخريج ما أشار إليه الترمذي قال: وأما حديث عبد الله بن عمرو فذكر ابن أبي شيبة في باب المحافظة على الوضوء وفضله حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمرو، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن، ثم قال المؤلف: وعن ابن عمر رواه الدارقطني ... الخ (¬2) وبمراجعتي لمصنف ابن أبي شيبة وجدت الحديث المذكور عن "عمر" وليس عن "عمرو" بالواو كما هو مقصود الترمذي. وقد قال المباركفوري: إنه لم يقف على حديث "عمرو" بالواو، لكني وُفِّقتُ للوقوف على الحديث من رواية (عمرو) وخرجته في التعليق على هذا الموضع من الشرح. ومما لاحظته عليه في التخريج، أنه قد يخرج الحديث من مصدر مع وجوده في غيره مما هو أشهر منه وأولى، فمن ذلك عزوه حديث عمرو بن أبي عمرو العجلاني في النهي عن استقبال القبلتين عند قضاء الحاجة إلى كتاب الكامل لابن عدي، مع أنه مخرج في مسند أحمد، ومعجم الطبراني (¬3)، وهذا منتقد في التخريج. ومما لاحظته عليه في تراجم الرواة، أن بعض التراجم التي توسع فيها، قد ساقه التوسيع إلى الاستطراد بذكر ما لا حاجة إليه في موضعه. ففي ترجمته ¬

_ (¬1) تكملة العراقي 1 / ق 3 ب. (¬2) الشرح/ ق 19 أ، ب. (¬3) انظر الشرح/ 27 أ، 31 ب مع التعليق عليه.

الموسعة للزهري، استطرد بترجمته خلالها لجد الزهري من جهة أبيه، وجده من جهة أمه، وذلك في أزيد من 15 سطرًا (¬1). وفي ترجمته لسِمَاك بن حرب ذكر قول ابن القطان: إن أكثر ما عيب به سماك هو قبول التلقين، وقال: وهو عيب تسقط الثقة بمن يتصف به، ثم استطرد ابن القطان من ذلك إلى بيان فعل المحدثين له تجربة لضبط الراوي، وأشار إلى قصة البخاري، والعقيلي في هذا، وذكر أقوالًا في ذم التلقين، فنقل المؤلف كل هذا ضمن الترجمة في نحو عشرين سطرًا، ثم قال: وأخبار الناس في التلقين كثيرة، وسيأتي منها في هذا الكتاب إن شاء الله، عند ذكر من رُمِي بها من الرواة ما فيه كفاية، ثم اتبع ذلك ببيان حكم التلقين بالنسبة للراوي، وختم ذلك ببيان ما ينطبق منه على سِمَاك (¬2) ومع أن المضمون العلمي لهذا الاستطراد الطويل، غاية في الفائدة، إلا أنه لا يُحتاج منه في ترجمة سماك إلا لبيان حكم اتصافه بقبول التلقين فقط. ومما يؤخذ عليه في ترجمته لأبي أيوب الأنصاري، نقلُه عن ابن عبد البر: أن أبا أيوب مات بالقسطنطينية من بلاد الروم، وأن قبره قرب سورها معلوم إلى اليوم، مُعَظَّمٌ يَستسقون به، فَيُسقَون (¬3) ومن المعروف أن التوسل بالقبر، وبالمقبورين غير جائز شرعًا، وبالتالي ما كان لابن عبد البر ثم المؤلف من بعده أن يذكراه دون تنبيه على فساده والتحذير من فعله، كما ذكرْت ذلك في التعليق على هذا الموضع. ومن ذلك أيضًا أنه في ترجمته المطولة للزهري ذكر من الأقوال في توثيقه مايفيد اتفاق الجمهور على إمامته وثقته، ثم ختم الترجمة بقوله: وقد وقع في ترجمته من غرائب الجرح ما أنا ذاكرُه، أن أبا القاسم البلخي في كتابه في معرفة الرجال، قال: ... وذكر عدة طعون هي: أن مرسل الزهري ليس بشيء وأنه ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 27 ب، 28 أ. (¬2) الشرح/ ق 13 أ، ب. (¬3) الشرح/ ق 27 ب.

تولى السعاية فعزر رجلًا فمات، وأنه لم يَرو لِعَليّ -رضي الله عنه- فضيلةً قط، وأنه كان مروانيًا -يعني يميل إلى آل مروان من بني أمية- وأن ابن المسيب بلغه تحديثه بحديث: لا تُناشِدُوا الخلفاء بالله، فقال فيه ما رغب المؤلف عن ذكره، وذلك كناية عن حكاية لعن ابن المسيب للزهري، كما صرح به البلخي في كتابه المذكور، وأن عمر بن عبد العزيز لما قدم عليه الزهري أخرجه من عسكره، بسبب روايته حديث المناشدة، وانتقاصِه لِعَلي -رضي الله عنه- ونقل أيضًا عن شيخه ابن دقيق العيد ما يفيد نقد أبا حازم -سلمة بن دينار- للزهري. وبذلك أنهى الترجمة دون أي تعقيب على كل ما ذكرته (¬1) وهذا مما يُنتقَد على المؤلف من غير وجه: أولًا: أنه اكتفى بوصف هذه الانتقادات كلها بأنها من غرائب الجرح، وهذا لا يكفي في ردها، بل كان يلزمه الرد على كل قضية منها تفصيلًا، حتى لا يغتر بها من يطلع عليها، ممن ليس خبيرًا بما يُقبل وما يُرد من نقد الرواة، ولكي يَسْلَم للزهري توثيق الجمهور له. ثانيًا: أن البلخي هذا الذي نقل المؤلف عن كتابه تلك المطاعن، مطعون فيه، فقد انتهت إليه رياسة المعتزلة، وكان داعية للاعتزال، وكان بعض النقاد يكفره، وكتابه هذا الذي نقل المؤلف عنه وصفَه الحافظ ابن حجر بالاشتمال على الغض من أكابر المحدثين، وذِكْر مثالبهم، سواء كانت قادحة أم لا، كما ذكرتُه في التعليق على هذا الموضع، وبالتالي، ما كان للمؤلف أن يورد ما جاء في هذا الكتاب بشأن الزهري، دون أن يبين شأن الكتاب وشأن مؤلفه، ثم يَرُد على ما جاء به، ولقد قمت بحمد الله تعالى من جانبي في التعليق على هذا الموضع من الشرح بالرد على كل تلك الطعون بحيث يبقى للزهري توثيقُه اللائق به، والمتفق عليه من الجمهور، وبينت أيضًا شأن البَلخي، وشأن كتابه حتى لا يغتر أحد بما فيه سواء عن الزهري أو عن غيره. ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 29 أ، ب.

ومما تُعقب المؤلفُ فيه من غيري، أنه ذكر قول الحافظ أبي طاهر السِّلَفي: إن الكتب الخمسة -يعني الصحيحين- وسنن أبي داود والترمذي والنسائي - قد اتفق على صحتها علماء المشرق والمغرب، ثم علق على ذلك بقوله: وهذا محمول على ما لم يُصرِّح بضعفه منها مُخرِّجُه أو غيره (¬1)، وقد تعقب العراقي المؤلف، بأن حملَه قولَ السلفي على هذا يقتضي أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتًا عنه، ولم يُصرَّح بضعفه يكون صحيحًا، وليس هذا الإطلاق صحيحًا، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود، ولم نجد لغيرهم فيهما كلامًا، ومع ذلك فهي ضعيفة، ثم قال العراقي: وأحسن من هذا قول النووي: مُراد السلفي: أن مُعظم الكتب الثلاثة يحتج به، أي صالح لأن يحتج به؛ لئلا يَرِد على إطلاق عبارته المنسوخ أو المرجوح عند المعارضة، ويجوز أن يقال: إنه -أي السِّلَفي- لم يَعتبِر الذي فيها لقلته بالنسبة إِلى النوعين (¬2) وتَعقُّب العراقي هذا قد نقله عنه السخاوي وأقره (¬3). ومما لم أجد انتقاده فيه من أحد، أنه في المقدمة الثانية لشرحه قال: إن الحسن كثير في كتاب الترمذي، قليل عمن تقدمه، لا سيما على الوضع المصطلح عليه عنده (¬4) وهذا يفيد إقرارهُ بأن من تقدموا الترمذي قد استعملوا الحسن، ولو قليلًا، بالمعنى الاصطلاحي عند الترمذي، لكنه بعد ذلك بقليل وفي عدة مواضع من هذا القسم المحقق، قد قرر: أن الحسن عند الترمذي كما عرفه، وطبقه في جامعه، اصطلاح خاص به في كتابه، وهو أبو عُذْرته، ولم يسبقه أحد إِلى مراده به (¬5). وبذلك ناقض قوله الأول صراحة، ومع ذلك لم أجد من تعقبه في هذه ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 5 ب، 6 أ. (¬2) فتح المغيث للسخاوي 1/ 84. (¬3) المصدر السابق. (¬4) الشرح/ ق 6 ب. (¬5) الشرح/ ق 7 أ، 9 ب، 10 ب.

المناقضة أو بيَّنها، فقمت بذلك من جانبي في التعليق على الشرح في الموضع الأول. وأما تصريحه المتكرر بأن الترمذي لم يَسبِقْه أحد إلى مراده بالحديث الحسن، فقد خالفه فيه غير واحد من علماء المصطلح، مع اشتغالهم بشرح جامع الترمذي أيضًا، وهم: ابن رجب الحنبلي وهو معاصر للمؤلف، ثم الحافظ العراقي، ثم الحافظ ابن حجر العسقلاني، ثم تلميذه السخاوي، وبناء على ما قرروه بالأدلة، رددتُ عليه في ذلك (¬1). ومما بدا لي انتقاده على المؤلف في هذا الشرح: أنه بعد تقرير أن الحديث الصحيح ليس بحسن، ولا ضعيف، كما أن الحسن ليس بواحد منهما، قال: "ومن هنا أُورِدَ على الترمذي جمعُه بين الحُسْن والصحة في حديث واحد" ثم ساق خمسة أجوبة عن الترمذي في ذلك ووصف أربعة منها بأنها مرغوب عنها، ثم ختم بالجواب الخامس، فقال: والجواب: أن الحُكم لِلَفْظة (حَسن) إنما هو إذا انفردت، ومعلوم حينئذ أنها جاءت على الوضع الاصطلاحي، لتفيد ما تقرر من المراد، أما إذا جاءت تبعًا للصحيح، فالحكم للصحيح، وليس ذلك المعنى الوضعي مرادًا منها، ولا منافاة حينئذ، كما لو قُلْتَ: حديث صحيح معروف، أو مشهور صحيح، لم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة مما يحط الحديث عن مرتبته، وإن كانت قاصرة على الوصف بالصحة إذا انفردت، وليس وَضْعُ الحسن على هذا النوع من الحديث مما تَقدم الترمذيَّ وضعُه، حتى يُشاحَح في إطلاقه، ويُطلَب منه اطراد اسمه منفردًا ومقترنًا بالصحة" ... الخ (¬2). وقد أقر المؤلف هذا الجواب، حيث لم يتعقبه بشيء، في حين تعقب الأربعة التي ساقها قبله، ولم أجد من العلماء من رد عليه هذا الجواب، أو ناقشه في حيثياته وأدلته. ولكن بدا لي أنه جواب غير مُسلَّم به؛ حيث يَرِدُ عليه في تقديري، وعلى ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 7 أمع التعليق، وفح المغيث للسخاوي 1/ 69، 72. (¬2) الشرح/ ق 10 أ، ب.

أثر الكتاب فيما بعده

أدلته، ما لا يقل عما يَرد على غيره من الأجوبة التي ردها، ولذا قمت في التعليق على هذا الموضع بالرد لهذا الجواب ولأدلته، وذلك في أربعة نقاط أساسية، تجعله مرغوبًا عنه كسابِقِيه، ثم أتبعت ذلك ببيان أن الجواب الشافي عن جمع الترمذي بين تلك الأوصاف يكون بإحصائها في الجامع كله ودراسة أسانيدها، ثم وجدت من علماء المصطلح من أشار إلى ذلك، ولكنه استبعد وجود من ينهض بذلك (¬1) ثم أخبرني بعض زملائي الأفاضل وهو الدكتور/ محمود ميرة، بقيام بعض طلاب الدراسات العليا بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة، ببعض بحوث في هذا، وحققوا نتائج مرضية، فالحمد لله على ذلك، وأرجو الله تعالى أن يوفق غيرهم لاستمرار هذه البحوث بجدية وعمق حتى نتحصل على جواب شاف عن كل عبارات الترمذي المركبة، والمفردة أيضًا، بإذن الله. ومهما يكن من تلك الملحوظات وغيرها، فإنها لا تقدح في مكانة هذا الشرح ومميزاته التي تقدمت، وآثاره التي سنوضحها بعد قليل، ولعل المؤلف رحمه الله لو أتيح له إكمال شرحه ومراجعته شكلًا ومضمونًا، لتلافي الكثير مما لوحظ عليه، سواء من الأئمة السابقين، أو مما بدا لي فيما تقدم، والكمال لله وحده. أثر الكتاب فيما بعده: 1 - من أهم آثار هذا الشرح إعطاء القدوة في التوسع عما في عارضة الأحوذي، سواء في الشرح أو في التخريج للأحاديث بجوانبه الثلاثة السابق ذكرها، مع بيان درجات الأحاديث المحتاجةِ إلى ذلك في كثير من الأحيان، فقد نسج على منواله من تصدوا لشرح الترمذي شرحًا مستقلًا، ومن أكمل على شرح من تقدمه. 2 - أن ما ضمنه المؤلف فيه من آراء في علم مصطلح الحديث عمومًا، أو في مصطلحات الترمذي في جامعه خصوصًا، صار محورًا دارت حوله آراءُ ¬

_ (¬1) الشرح/ ق 10 أ، ب مع التعليق.

العلماء من بعده، ما بين مقتبس منه، ومؤيد، ومعارض، كما مر معنا في نماذج آرائه وغيرها مما تضمنته تعليقاتي على النص في أكثر من موضع من هذا القسم المحقق. 3 - نقول العلماء من بعده عنه، سواء فيما يتعلق بالصناعة الحديثية أو بالتخريج أو بالشرح، فالحافظ العراقي نقل عنه في ألفيته في المصطلح، وفي شرحها له (¬1). وكذا نقل عنه في نكته المسماة بالتقييد والإيضاح لما أُطلِق وأُغلِق من مقدمة ابن الصلاح (¬2). ونقل عنه الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح والعراقي (¬3). ونقل عنه الإمام العَيني في عمدة القاري شرح صحيح البخاري (¬4). ونقل عنه السخاوي في شرحه لألفية العراقي السابق ذكرها، مع الإقرار، تارة والمعارضة أخرى (¬5). ونقل عنه البقاعي في حاشيته على شرح العراقي لألفيته في المصطلح، وتُسَمى "النكت الوفيَّةِ بما في شرح الألفية" (¬6). ونقل عنه السيوطي في تدريب الراوي (¬7) وفي قوت المغتذي على جامع الترمذي في مواضع تغني كثرتها عن الإحالة. ¬

_ (¬1) انظر الألفية المسماة بالتبصرة والتذكرة مع شرحيها للعراقي وللأنصاري 1/ 86، 96، 98، 100، 110. ط. مصورة عن ط. فاس. (¬2) انظر ص 43، 45، 53، 54، 61، ط. عبد الرحمن عثمان. (¬3) 1/ 432، 433، 476، 477. (¬4) كتاب الوضوء - باب ما يقع من النجاسات في السمن 3/ 159. (¬5) فتح المغيث للسخاوي 1/ 64، 65 بقوله (زعم بعض الحفاظ) ولعله أبهمه لموضع النقد 75، 76، 77، 78، 84، 90، 91، 92، 93، 170. (¬6) وهي مخطوطة لم تطبع حتى الآن فيما أعلم/ ق 59 أ، 62 أ، ب، 73 أ، ب. (¬7) التدريب 1/ 155، 156، 168، 169.

أما الإمام الشوكاني فقد قدمت أنه قرر اطلاعه على هذا الشرح بخط مؤلفه، وأُعجب بمضمونه العلمي، ولهذا فقد وقفتُ على نقله منه في نيل الأوطار في سبعة عشر موضعًا (¬1). ونقل عنه المباركفوري في تحفة الأحوذي، في مواضع متعددة، ولكن معظمها بواسطة نيل الأوطار، كما صرح بذلك المباركفوري مرارًا (¬2) وبعضها من قوت المغتذي للسيوطي (¬3). وبتلك الأمثلة يتضح لنا ما أفاده هذا الشرح بمادته العلمية المتنوعة، لما أُلف بعده في علم مصطلح الحديث، وفي شرح الترمذي، وفي شرح غيره من كتب الحديث .. وسيتسع تأثيره، والإفادة منه أكثر بعد نشره مطبوعًا إن شاء الله. ... ¬

_ (¬1) انظر نيل الأوطار للشوكاني شرح منتقى الاخبار 1/ 98، 167، 168، 174، 178، 180، 185، 192، 195، 199، 278، 355، 356، 397، 401، 416، ج 2/ 44. (¬2) انظر تحفة الأحوذي 1/ 65، 115، 129، 150، 152، 360، 363، 416، 475، 512، 518، 541، 619، ج 3/ 235. (¬3) انظر التحفة 1/ 629.

القسم الثاني

القسم الثاني ويشتمل على: أولًا: عملي في التحقيق والتعليق. ثانيًا: النص محققًا معلقًا عليه.

أولا: عملى في التحقيق والتعليق

أولًا: عملى في التحقيق والتعليق هذا وقد عملت في تحقيق نص هذا القسم من الشرح والتعليق عليه، كما يلي: 1 - التعريف بما اعتمدت عليه من نسخ الكتاب: لم أقف لهذا الشرح إلا على نسختين فقط، رغم البحث المستفيض، وسؤال أهل الخبرة في هذا، وأُعرف بكل منهما على النحو التالي: (أ) نسخة تركيا: وتوجد بمكتبة لا لَهْ لي تحت رقم (514) حديث. وعدد أوراقها (276) وعدد سطور الصحيفة 23 سطرًا، بخلاف الصحيفة الأولى فَعَدد سطورها 21 سطرًا، وليس على النسخة اسم ناسخها، ولا تاريخ النسخ، لكنها مكتوبة بعد وفاة المؤلف حيث ترحم الناسخ عليه بعد نسبة الشرح إليه في عنوان النسخة، وخطها نسخ واضح، لكن إهمال النَّقْط فيه للحروف التي يشكل نقطُها وكذا إهمال الهمزات كثير، ولذا كان تحرير النص في الألفاظ الواقع فيها هذا صعب في هذا القسم بالذات لكون الاعتماد في معظمه على تلك النسخة وَحدَها، حيث إن النسخة الثانية تنقص كثيرًا من أولها كما سيأتي في وصفها، أما تلك النسخة فهي كاملة من أولها، حيث تبدأ بأول الشرح. وتعتبر تلك النسخة موثقة، حيث كتب بها نهاية الجزء الأول منها ما نصه:

آخر الجزء من خط مصنفه، يتلوه بخطه: "باب ماجاء أن الماء من الماء" حدثنا أحمد بن مَنيع (¬1) وهذا يفيد أن تلك النسخة منقولة عن نسخة بخط المصنف، وأن الناسخ مشى في تجزئتها على حسب تجزئة أصلها الذي بخط المصنف. ثم يتلو هذا الجزء، ثاني جزء من النسخة، وخطه مشابه لخط الأول، ويبدأ "بباب ما جاء أن الماء من الماء" كما أشير لذلك في آخر الأول. ثم ينتهي هذا الجزء الثاني بآخر شرح باب (ما جاء في المستحاضة) وقد جاء في نهايته ما نصه: آخر المجلد الأول من شرح الترمذي، يتلوه في أول الثاني: باب (ما جاء أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة). والباب الذي تنتهي به هذه النسخة هو 93 من أبواب كتاب الطهارة البالغ عددُها 112 بحسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي، وبذلك تكون هذه النسخة عبارة عن مجلد واحد فقط كما أشير في نهايته إلى بداية الثاني. وبذلك تنقص مجلدًا كاملًا يشمل: 19 بابًا الباقية من كتاب الطهارة، ثم الأبواب التي شرحها المؤلف من كتاب الصلاة كلها وهي 118 بابًا. هذا ويوجد على هوامش تلك النسخة إلحاقات لما سقط من الناسخ، ثم تلافاه بالهوامش مع وضع علامة دخوله في الصلب في آخره وهي (صح) وهذا يدل على مقابلة تلك النسخة بأصلها، فيكون ذلك توثيقًا لها. كما أن في هوامشها تعليقات وحواش، فيها استدراك على المؤلف، وعلى الترمذي، وموضوع فوق تلك الحواشي علامتها الدالة على عدم دخولها في الصلب، وذلك برمز مختصر وهو (حشـ) (¬2) أو بكتابة كلمة (حاشية) (¬3). ¬

_ (¬1) انظر الورقة/ 237 ب. (¬2) انظر الورقة 112 أ، 124 أ. (¬3) انظر الورقة/ 125 أ، 251 أ.

وتلك الحواشي تدل على قراءة النسخة بواسطة بعض العلماء، وتَأملِ نصوصها، فتزداد بذلك توثيقًا. ثم إن بعض صفحات تلك النسخة فيها ترميم قليل، بعيد عن الكتابة (¬1)، وفي ورقتي (162 ب، 163 أ) طمس في الثلثين الأخيرين من كل صفحة، ويشمل 9 سطور منها، وذلك بسبب بلل أصاب الصفحتين المذكورتين، كما أن في بعض الصفحات أكل أرضة خفيف، وبعيد عن الكتابة بحمد الله. وعنوان تلك النسخة نصه (الأول من شرج الترمذي، لابن سيد الناس، رحمه الله، ونفعنا به آمين) وعلى يسار العنوان تملُّك نصه (للفقير أحمد بن العجمي). وبالتأمل في الصفحة الأولى من الشرح في تلك النسخة بدا لي أنها مغايرة لباقي النسخة، سواء في الخط أو في عدد السطور، حيث تبلغ سطورها 21 سطرًا في حين عدد سطور الصفحة في باقي النسخة (23 سطرًا) كما قدمت، كما أن خَطها أدق من خط باقي النسخة، وليس في آخرها (التعقيبة) التي تدل على أول الصفحة التالية، وإن كان سياق آخرها متناسقًا مع بداية الصفحة التالية، فلعل تلك الصفحة كانت مفقودة من تلك النسخة، ثم استُكمِلَت بنسخها من نسخة أخرى. ولكني مع ذلك قد اتخذت تلك النسخة أصلًا في التحقيق، للتوثيقات التي وجدت فيها كما تقدم، ولكونها كاملة من أولها، ورمزت لها بـ (الأصل) ووضعت رقم أوراقها في خارج النص، بين معقوفتين هكذا []، ليتمكن القارئ من الرجوع إلى النص المخطوط متى شاء، كما يمكنه بنفس الرقم الرجوع للمطبوع، ولذا أحلت في الدراسة على رقم الورقة كما تقدم. ¬

_ (¬1) انظر الورقة 175 أ.

(ب) نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة

(ب) نسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة: وهي عبارة عن جزء من مجلد رقمُه في المحمودية (536) سِجِلٌّ عام، ويطابق 141 من فهارس المحمودية، وعدد أوراقه 395 ورقة بحجم كبير مقاس 27 × 16 سم وعدد سطور صفحاته مختلف بين 38 و 46، وخطه نسخ مقروء، ويقع شرح ابن سيد الناس في الجزء الأول من هذا المجلد حتى آخر الورقة 175، والجزء الثاني هو عبارة عن أول تكملة العراقي على هذا الشرح، وهذا المجلد حديث النسخ حيث جاء في نهايته أنه فُرِغ منه يوم الثُّلوث (أي الثلاثاء) المبارك 24 جمادى الأولى سنة 1231 هـ، واسم الناسخ جاء في نهاية الجزء الثاني أنه بقلم "أفقر العباد إلى الملك الجواد، السيد محمد بن الحسين بن محمد الآصفي، بعناية شيخ الإسلام، حافظ العصر ... الإمام محمد عابد بن أحمد، تولى الله مكافأته ... ". ومن هذا يظهر أن البطاقة التي صُورت على الصفحة الأولى من النسخة وأشير فيها إلى أنها بخط محمد عابد السندي، تعتبر خطأ، والصواب أن ناسخها هو الآصفي المتقدم ذكره، بعناية السندي وإشرافه عليه. وتلك النسخة، مع نقصها من أولها، كما سيأتي، فإن الأصل المنقولة عنه، فيه سقط وبياض بأماكن متعددة، وبالتالي جاءت النسخة مشتملة على عيوبه هذه، وجاء بهوامشها في عدة مواضع علامات بلاغ المقابلة بأصلها، وفي هامش الصفحة الأخيرة من الجزء الأول وهو شرح ابن سيد الناس، كُتب ما نصه: (بَلَغَت مقابلة هذا الجزء بحمد الله تعالى، وإفضاله، في شعبان سنة 1231 هـ كتبه محمد عابد، وقد تم المرور على جميع ما فيه، والحمد لله الذي بنعمته وجلاله تتم الصالحات). وبهوامش صفحاتها أيضًا إلحاقات للسقط مع وضع علامة دخوله في الصلب، وإشارات لما في الأصل المنقول عنه من سقط وبياض، وبهوامشها أيضًا تعليقات، واستدراكات على الترمذي وعلى ابن سيد الناس، وبعضها مُوقَّع باسم (قاسم).

أما أول الموجود بتلك النسخة فَنَصه (بنيسابور، ويقال ولد ببخارَى مقتل الوليد بن مسلم ...) وهذا جزء من ترجمة شريك بن عبد الله النخعي، وهكذا كُتب مقابلها بالهامش "ترجمة شريك بن عبد الله" وتعتبر تلك الترجمة جزءًا من شرح "باب النهي عن البول قائمًا" وهو باب 8 من كتاب الطهارة، وينتهي الكلام في ترجمة شريك في أثناء سطر (30) بالصفحة الثانية من الورقة الأولى، وتكملة السطر جزء من شرح باب الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، وهذا الباب هو رقم 7 من كتاب الطهارة، فهو سابق على الباب الثامن الذي منه ترجمة شريك، ثم بعد آخر شرح باب 8 هذا نجد أول "باب النهي عن البول قائمًا" وهو باب 7، وبذلك يكون ترتيب أصل النسخة هنا مختلًا، أو حصل الخلل عند النسخ بالتقديم والتأخير. كما أنه يكون الخَرم من أول هذه النسخة عبارة عن: مقدمتي الشارح، وشرح 6 أبواب كاملة، من أول كتاب الطهارة، ومعظم شرح البابين السابع والثامن، ولذا كانت الاستفادة منها في تحقيق هذا القسم قليلة. وبتلك النسخة أيضًا خروم أخرى من أثنائِها، وسقط متعدد، وإشارات لوجود بياض بالأصل المنقول عنه. فمن ذلك أنه بعد نهاية الجزء المشروح من باب 7 في الورقة 2 ب، نجد أول الورقة 3 أباب التسمية عند الوضوء، وهو باب رقم 20 من الطهارة، وبذلك يكون الخرم بين ورقة 2 وورقة 3 مقداره (12 بابًا) كاملة، وأيضًا بها خرم بابين كاملين بين باب (ما يقول إذا سلم من الصلاة)، وهو باب (108) وبين باب ما جاء في القراءة في صلاة الصبح، وهو باب (111) من كتاب الصلاة أيضًا. أما آخر الموجود بتلك النسخة فهو آخر شرح باب القراءة في صلاة العشاء، وهو باب (114) من أبواب الصلاة، وبذلك تنقص النسخة شرح 4 أبواب عدا الباب الذي وصل المؤلف إلى أثنائه في الشرح، وهو باب (119) ما جاء أن الأرض كلَّها مسجد إلا المقبرة والحمام.

[2 - خطوات العمل]

وعليه تكون تلك النسخة أكمل من آخرها عن نسخة تركيا السابقة، والتي تنتهي بنهاية باب 93 من الطهارة، فتنقص عن هذه كما قدمت نحو جزء كامل، وهو عبارة عن 19 بابًا من الطهارة، و 114 بابًا من كتاب الصلاة بما فيها الأبواب المخرومة من الأثناء. ولذا فإن نسخة المحمودية هذه رغم نقصها من الأول، فإنه يستفاد منها من الآخر ما ليس في نسخة تركيا، وهو قدر كبير كما أوضحت. وعلى هامش الورقة الأولى من تلك النسخة ما نصه (وقف كتبخانه مدرسة محمودية) مكرر مرتين، كما كتب عليها تملك نصه (من كتب الحقير محمد عابد السندي). وقد رمزت لهذه النسخة برمز (م) وقابلت ما وجدته بها من شرح باب الرخصة، في استقبال القبلة ببول أو غائط، وصوبت منها بعض الكلمات التي وجدتُ بها خطأ في الأصل، وأثبت في الهامش ما وجدته بينها وبين الأصل من فروق. (أ) كتبت النص من نسخة الأصل: وذلك حسب قواعد الِإملاء، ووضعت علامات الترقيم بين النصوص، لتساعد على فهم المعنى وتوضيحه، ووضعت ما أهمله الناسخ من الهمزات، والنقط، دون تنبيه على ذلك إلا في مواضع تحتاج التنبيه، وأيضًا ضبطتُ بالشكل بعض الكلمات المحتاجة في تقديري إلى ذلك، وبعض الكلمات بينت بالهامش ضبطها بالحروف، مع الضبط بالشكل أو بدونه. (ب) قابلت نسخة الأصل بنسخة (م): في القدر الذي وُجد فيها من هذا القسم المحقق وهو قليل، بسبب نقصها من الأول كما أوضحت، وأثبت أهم الفروق بالهوامش. (ج) ما وجدته في الأصل من سقط أو تحريف أو خطأ مؤكد: فإني أصلحت ذلك كله معتمدًا على نسخة (م) وعلى مصادر المؤلف،

(د) وضع عناوين توضيحية للشرح، ولمباحثه التفصيلية

وما أثبته من غير نسخة الأصل جعلته بين حاصرتين مربعتين، مع الِإشارة بالهامش إلى ما كان الأصل عليه قبل الإصلاح، وإلى معتمدي فيما أثبته. (د) وضع عناوين توضيحية للشرح، ولمباحثه التفصيلية: قد تقدم في منهج المؤلف أنه تارة يضع عنوانًا عامًا لشرح الباب، ولا يضع عناوين تفصيلية لمباحث الشرح، وتارة يضع عنوانًا عامًا، وعناوين تفصيلية، وتارة لا يضع شيئًا، وهذا هو الغالب في هذا القسم المحقق؛ ولهذا فإني تلافيت هذا، فوضعت بين حاصرتين مربعتين عنوانًا عامًا لشرح الباب الذي لم يُعنونه المؤلف، وذلك بعبارة (الكلام عليه) أخذًا من عمله في الأبواب التي عنونها، أما المباحث التفصيلية للشرح فوضعت لها عناوين موحدة في كل الأبواب، وتدل على ما تحتها من الشرح، فالمبحث الأول في الشرح عنونته في كل الأبواب بعبارة (التخريج والصناعة الحديثية) ولم أعنونه بما يعنون المؤلف به الأبواب التي عنونها، وذلك بعبارة (الِإسناد)، لأن العنوان الذي اخترته أوضح في الدلالة على المضمون الذي تحته، أما المبحث الثاني وهو باقي الشرح فعنونته بعبارة (المعاني والأحكام) ويدخل تحتها معاني المفردات وإعرابها، وضبطها ثم الأحكام المستفادة من الحديث. وقد نبهت بالهامش على وضعي لتلك العناوين، وذلك في أول موضع أثبت فيه العنوان، وهو الباب الأول من الشرح فقط. (هـ) توثيق النص: وذلك بتخريجه بالعزو إلى مصادره الأصلية، في الغالب، والفرعية عند الضرورة، ويعتبر هذا الجانب من التحقيق عملًا كبيرًا، يشعر بضخامته كل من له تجربة جادة في التحقيق، وقد أخذ تخريج الأحاديث من ذلك قدرًا كبيرًا، نظرًا لما انتهجه المؤلف في شرحه كما تقدم، من تخريج حديث أو أحاديث الباب من عند غير الترمذي، ثم الأحاديث التي أشار إليها الترمذي في الباب، ثم ما يُستَدرَك عليه، ثم ما يَستدِل به العلماء في الأحكام المشتمل عليها الحديث. وأيضًا تخريج الأقوال المتعلقة بالأسانيد، وبتراجم الرواة وأحوالهم،

(و) التعليق على النص

وخصوصًا التراجم التي توسع فيها المؤلف، كما أشرت لنماذجها في منهجه. وكذلك تخريج أقوال وآراء العلماء في شرح معاني الألفاظ والعبارات وفيما يستنبط من الحديث من أحكام. (و) التعليق على النص: وذلك بتوضيح ما أراه بحاجة إلى إيضاح، أو بتعقب ما يحتاج إلى تعقب أو استدراك، أو تنبيه على وهم أو سهو، سواء كان النص من نقول المؤلف عن غيره، أو من كلامه وآرائه هو، ولقد رأيت المقام في بعض المواضع يحتاج إلى توسع وتحليل ومناقشة للأقوال والأراء، وبيان للراجح أو الصواب أو المردود، وخاصة في التعليق على المقدمة الثانية لهذا الشرح، والتي تعرض فيها المؤلف لمصطلحات الترمذي في جامعه من الحسن والغريب، والشاذ، وما يتركب من ذلك مع الصحيح؛ حيث إن العلماء من بعد المؤلف قد جعلوا كلامه وآراءه محورًا دارت حوله آراؤهم، بالتأييد أو الرد، كما تقدمت الإشارة إلى ذلك في منهج المؤلف في شرحه. وسيرى القارئ في توسعي في التعليق على تلك المقدمة توضيح جوانب لم أرَ من تعرض لها، وجوانب أخرى تعرض لها بعض العلماء دون استكمالها. أما المجال الثاني الذي رأيت التوسع فيه، فهو تراجم بعض الرواة الذين توسع المؤلف في تراجمهم، مراعاة لمكانتهم الحديثية مثل الزهري، وابن لهيعة، وكذا توسعت في ترجمة أحد الرواة البارزين، وهو محمد بن إسحق، نظرًا لاختلاف رأي المؤلف فيه بين تحسين حديثه وتصحيحه، وكذا اختلاف حكم الترمذي على حديثه خلال جامعه بين تصحيح وتحسين، وتضعيف، وسكوت عن الحكم بشيء. وفي نفس الوقت اختلفت آراء النقاد فيه، بحيث اجتمع في بيان حاله ما يمثل مختلف مناهج الجرح والتعديل، ومذاهبه، ولكن المؤلف لم يتوسع في ترجمته حسب عادته، لأنه ترجم له ترجمة موسعة في كتابه (عيون الأثر) فأحال بتفصيل ترجمته على كتابه المذكور، فجعلت توسعي عوضًا عما أحال عليه، كما

(ز) دراسة الأسانيد

أني قصرت التوسع على الجانب الدقيق في الترجمة، وهو أقوال أئمة النقد، وكيفية فهمها وتفسيرها، وعرضها، ومقارنتها مع بعضها البعض، وبيان مدلولاتها نصًا، وروحًا، وجعلت من عملي هذا نموذجًا يمكن الاستفادة منه في جانبين: أحدهما: تحقيق حال الراوي وبيان مرتبة حديثه، على نسق ما قمت به بالنسبة لابن اسحق. وثانيهما: البيان التطبيقي لنقل أقوال النقاد وعرضها، وتوضيح مدلولاتها، ورد ما يقوم الدليل على رده، والجمع بين ما ظاهره التعارض، أو الترجيح، أو التقييد للمطلق، ونحو ذلك، مع الاستناد إلى الدليل المعتبر. كما وجهت العناية في التعليق إلى تخريج بعض الأحاديث التي رأيت للتوسع في تخريجها أهمية، لجمع طرقها وبيان مداراتها، ومعرفة الراجح من المرجوح، وذلك مثل حديث ابن عمر في الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها ببول أو غائط (¬1). وأيضًا فإن المؤلف قد فاته في بعض المواضع تخريج بعض الأحاديث التي أشار إليها الترمذي في الباب، وفاته أيضًا في بعض المواضع الاستدراكُ على المؤلف بتخريج أحاديث تناسب الباب، ولم يذكرها الترمذي ولم يشر إليها، ولم يذكرها المؤلف، فقمت من جانبي بتخريجها في التعليق على موضعها، استكمالًا لغرض الشارح ولمطالب الشرح، وهي عمومًا قليلة. (ز) دراسة الأسانيد: وفي بعض المواضع رأيت الأمر يحتاج إلى دراسة بعض الأسانيد كاملة، أو جزئية لكي يتسنى بيان درجة بعض الأحاديث، أو ترجيح بعض الروايات على بعض، وقد اقتضاني ذلك إلى ترجمة عدد من الرواة غير قليل، وبيان خلاصة حال كل منهم (¬2). ¬

_ (¬1) انظر الشرح/ ق 32 ب مع التعليق. (¬2) انظر فهرس الرواة والأعلام المترجَم لهم.

(ح) عرفت بالأعلام والأماكن الواردة في النص

(ح) عرفت بالأعلام والأماكن الواردة في النص، والتي رأيتها بحاجة إلى تعريف. (ط) أما الفهارس فقد عملت منها ما هو ضروري الآن، لتوصيل القارئ إلى أهم مشتملات الشرح والتعليق، وأهمها الفهرس التفصيلي لموضوعات الكتاب والتعليق عليه، كما قدمتُ توضيحه. ثم عملت فهرسًا للرواة والأعلام المترجَم لهم في صلب الكتاب، أو في التعليق عليه، وعملت أيضًا فهرسًا لأهم المراجع والمصادر التي رجعت إليها في التحقيق والتعليق والمقدمة. 3 - بعض صعوبات تحقيق هذا القسم من الشرح: لقد واجهت في تحقيق هذا القسم من الشرح صعوبات يحسُن إبداؤُها لتكون عذرًا لي فيما قد يقف عليه القارئ من قصور، وفي مقدمة ذلك كون النسخة التي اعتمدت عليها في تحقيق معظم هذا القسم، نسخة وحيدة، وبالتالي كان التصويب للنص، وتلافي أي سقط أو تحريف أمرًا صعبًا، للاحتياج في ذلك إلى مراجعة النص في أكبر قدر ممكن من المراجع للاطمئنان على سلامة التصويب، أو إثبات الساقط. ومن ذلك أيضًا أن المصادر التي استمد منها المؤلف مادة كتابه كثير منها مخطوط إلى وقت كتابة هذه السطور، مثل: (الكمال في معرفة الرجال لعبد الغني المقدسي) وهو في رجال الكتب الستة، وكتاب (رجال الموطأ) لابن الحذاء؛ وكتاب بيان الوهم والإِيهام لابن القطان، والمفهم شرح مختصر صحيح مسلم، كلاهما لأبي العباس القرطبي، ومنها ما هو مُفتَقَد الأصل مثل العلل الكبير للترمذي، حيث لا نعلم وجود نسخة منه، وإنما الموجود ترتيبه للقاضي أبي طالب، وقد طبع الآن محققًا، ومنها ما هو نادر الوجود مثل (بُغية النقاد) لابن المواق، والغُرر المجموعة في بيان ما في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، لرشيد الدين العطار.

تعقيب

ومع هذا فقد حاولت جهدي في الحصول على أغلب المصادر المباشرة، وما لم يُتح لي أصلُه، -وهو قليل- استعضت عنه بمصدر وسيط على الأقل. * تعقيب: هذا وقد عرضت نماذج كافية من عملي في تحقيق هذا القسم والتعليق عليه على بعض أساتذتي، وزملائي الأفاضل ممن لهم خبرة بجامع الترمذي خصوصًا، وبتحقيق كُتب السنة وعلومها عمومًا، فأقروني على العمل في مجموعه، ونبهوني -مشكورين- إلى أنه يحسن تجنب التوسع في التعليقات على باقي الكتاب على نحو ما في هذا القسم، وذلك لكي يتاح إخراجُ قدر أكبر في وقت أسرع وبمجهود أقل، وقد اقتنعت بمشورتهم هذه وسأسير عليها فيما يتيسر لي تحقيقه بعد هذا القسم بعون الله. وفي النهاية فإني لا أدعي لعملي هذا الكمال، ولا أزعم لنفسي السلامة فيه مما هو ملازم لأعمال البشر من الخطأ والسهو والقصور، وحسبي أني اجتهدتُ غاية وسعي، ومستعد لقبول كل توجيه أو تسديد، من أخ مخلص لله ولرسوله، ولخدمة السنة وعلومها، والله الهادي إلى سواء السبيل، وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا. ***

مخطوطة

مخطوطة

مخطوطة

مخطوطة

ثانيا: النص محققا معلقا عليه

ثانيًا: النص محققًا معلقًا عليه بسم الله الرحمن الرحيم وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلَّم حمدًا لله تعالى على ما علّم، وشكره على ما هدى إليه من سبيل الرشد وألهم، وأعان عليه من حمل سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، التي هي عن هداه تَبْسِم (¬1) وعن مَشْدَاه (¬2) تَنْسِم (¬3) والصلاة والسلام على نبيه محمد، الداعي بعزمه الأقوى إلى صراطه الأقوم، على بصيرة تجلو ما ادْلَهم (¬4) وتوضح ما أُبهِم، وآله وصحبه الذين استضاؤوا من ¬

_ (¬1) من "بَسَم يَبْسِم، ويَتَبسَّم، إذا فتح شفتيه كالمُكاشِر"، ومن المجاز: تبسَّم السحابُ عن البرق: انفرج عنه/ اللسان والمعجم الوسيط، مادة "بسم" والمراد بالعبارة هنا: أن سنته -صلى الله عليه وسلم- تتفتح عن هداه للعالمين، فهي مخرج الهدى ومنطلقه إلى الناس. (¬2) من "الشدا" وهو يطلق على بقية الشيء وعلى حَدِّه/ اللسان، مادة "شدو". (¬3) "المَنسِم" من الأمر العَلامة والأثَر، يقال: رأيت مَنْسِمَا من الأمر أعرف به وجهه، أي أثرًا منه وعلامة، وهو مجاز/ تاج العروس، مادة "نسم". (¬4) من ادلَهَمَّ الظلام إذا كَثف، وادلَهمَّ الليلُ إذا اشتدَّ ظلامه"/ المعجم الوسيط مادة "دلهم".

سَنَاه (¬1) بأنور مَعْلَم (¬2) واستماحوا (¬3) من هداه ما أضفى عليهم ثوب الثواب المُعلَّم. والرضى عن تابعيهم بإحسان على المنهج المُبهِج، والمسلك الأسلم. ومَن خَلَفهم من سلف العلماء (¬4) الذين تُعزى إليهم معرفة السنن (¬5) وتُسلَّم. [أما بعد] (¬6) فأَولى ما صُرِفَت العناية إليه، ووجب الاعتماد عليه - ما وقف الجائز به (¬7) حَسيرًا؛ ليرتد إليه طَرْف بَصيرته بصيرًا، فَيَثْني من أغصانه عنان عِطفِه، ويجني من أفنانه ثمار قطفه -بعد كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه- من رياض السنن النبوية التي أبدعَت الحكمةُ الإِلهية في إنشائها أحسن الإِبداع، وأودَعتِ الأسرارُ النبوية في خزائنها ما شاءت من الإيداع، ذخائر تستخرجها العقول من مَكامنها، وتستنبطُها العلوم من معادنها، وتغوص في طِلَابِها لُجَّة عُبابها، فتبوء من دَرِّ سَحابِها بِدُرِّ سِخَابِها (¬8) ¬

_ (¬1) من "السنا" ويطلق على الضوء كما هنا، يقال سنا البدرُ والبرقُ، وأسِنى: أضاء سناه/ أساس البلاغة، مادة "سنو". (¬2) المَعْلَم: العلامة، ومن كل شيء: مَظِنتُه/ المعجم الوسيط مادة "علم". (¬3) استماحه: سأله أن يُعطيه، وهو من المجاز/ المعجم الوسيط وأساس البلاغة، كلاهما مادة: "مَيَح". (¬4) بالأصل "والذين" ويستقيم المعنى بحذف الواو. (¬5) في الأصل "السنين" ولا يستقيم المعنى عليها. (¬6) ليست بالأصل وزدتها ليتضح السياق. (¬7) من جاز الموضع، سلكه وسار فيه/ مختار الصحاح / 117 مادة: جوز. (¬8) هو القلادة سواء كانت ذات جوهر أم لم تكن / اللسان، مادة "سخب".

متحلية بحمله، متخلية لصونه إلا عن أهله، وطالما جاب أربابُها القفار في اقتفاء الآثار، واقتناء سُنة النبي صلى الله عليه وسلم المختار، فتؤُم فَرِيقَها لِتلُم تَفريقها، وتسهل على السالك طريقها، وتبين مهجورها من مسلوكها، وتُعَيِّن مقبولَ السنن -لمن رامها- من متروكها، وما حمله العدل، مما نقله الجريح، ليميز السقيم من السليم الصحيح (¬1). وأين الجامح على عِنَانه (¬2) ممن هو بذات الطَّلْح مليح (¬3) حماية لحمى المصطفى، ودراية ترفع ذلك الشقاء عمن هو على شفا، ¬

_ (¬1) بالأصل "ليميز السليم الصحيح من السقيم من الصحيح" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬2) الجامح: اسم فاعل من جمح، إِذا أسرع إِسراعًا لا يرده شيء، ويطلق مجازًا على ركوب الرجل هواه فلا يمكن رده، والعِنان -بكسر العين المهملة وفتح النون- سَيْر اللِّجام، فشبه الشخص، بالجَمُوح من الخيل وهو الذي لا يرده لجام/ النهاية لابن الأثير 1/ 291، 3/ 213 وتاج العروس 2/ 132 ويلاحظ أن هذه العبارة ونحوها مما اشتملت عليه تلك المقدمة تمثل نزعة المؤلف الأدبية التي عرفت عنه، وإن كان الأولى تجنب ذلك في التأليف العلمي لاحتياجه لتحديد المعنى المقصود مباشرة دون مجاز أو كناية ونحوها مما يصبح المعنى بوجوده خفيًا. (¬3) الطلح، بفتح الطاء المشددة وسكون اللام- في الأصل: شجر عظام من شجر العضاة، أو شجر الموز، ويقال: موضع ذو طَلَح -بفتح أوله وثانيه- أي ذو نعمة يتمتع بها المقيم فيه، والطِّلْح -بكسر أوله وسكون ثانيه- المهزول المُجهَد من السير، "ومليح" من "ألَاح"، فهو"مليح"؛ ومقابلة هذه العبارة بما قبلها يشير إِلى أن معناها: ممن هو على جواده، شاهرًا سيفهُ، حماية لحمى المصطفى ... الخ/ انظر معجم مقاييس اللغة لابن فارس 3/ 418 وتاج العروس 2/ 219، 231 والنهاية لابن الأثير 3/ 131، 4/ 276، ومعجم البلدان 4/ 38 ولسان العرب/ مادتي: "طلح"، "لوح".

وعناية يُلْمِح (¬1) آمالهم نُجحُ (¬2) سعايتها، ويُوضح أنهم أوتوا السنن فرعوها حق رعايتها. وإذا كانت هذه الطريقة المُثلى للشريعة الفُضلى، فأولى ما ثَنَى طالبها إليه عنانه، وأفنى في تطلبه زمانه، ما جمع له فنونها، وشرفه بِغَني أسانيدها ومتونها، ونزه طرفه في أساليبها، وصرّفه بين صحيحها، وحَسنِها وغريبها، وعرَّفه مردودها من مقبولها، ومقطوعها من موصولها (¬3)، وأهدى إليه ارسال مرسلها، أو علة معلولها (¬4)، وأبدى لديه ما تضمنته السنن من نسخ وأحكام، ومعان أحكام، إلى غير ذلك مما تأتي الإشارة اليه، والتنبيه بحسب الامكان عليه. ولما كان كتاب الجامع للِإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ -رحمه الله، ورضي عنه- هو الذي أباع جامعه وما أبعد، والذي ¬

_ (¬1) يلمح -ضبطت في الأصل بضم الأول وسكون الثاني وكسر الثالث. من اللمح، وهو سرعة إبصار الشيء، وقيل: لا يكون اللمح إلا من بعيد، وألمحت المرأة، أظهرت محاسنها بسرعة ثم أخفتها، وسيأتي ذكر مجمل معنى العبارة في التعليق التالي/ وانظر تاج العروس 2/ 218 ولسان العرب 3/ 420. (¬2) النُجْح -بوزن الصبح، إصابة المطلوب والظفر به، ونَجَح أمرُه: سهل وتيسر/ النهاية 5/ 18 ومختار الصحاح / 646 ومعنى العبارة: أن نجاح السعي والعمل في سبيل السنة يشير إلى تحقق الآمال المرجوة منها. (¬3) مطموسة بالأصل وأثبتها بمعونة السياق. (¬4) القياس (مُعلها) وقد انتقد اللغويون المحدثين والأصوليين والمتكلمين في قولهم (معلول) لكن الحافظ ابن حجر رجحها فقال: الأولى عندي أن يقال: "معلول"؛ لأنها وقعت في عبارات أهل الفن ... وهي لغة كما في كلام أبي إسحاق -يعني الزجاج- وعلى ما خرجه سيبويه/ النكت الوفية / 156 ب.

حظي بتعداد هذه العلوم، فكان بها من غيره أقعد. فذلل جوامحها وسهل طوامحها وأرسل لواقحها، وأسأل بأعناق المَطِيِّ أباطحها (¬1) واستلان صعبها، وأبان لمن ظن بُعدَها قربَها: كان حقًا على طالب هذا الشان أن يلحظ من حقوقه واجبها، ويحفظه حفظ الأكف رواجبها (¬2) فاتفق من مدة أنه قرئ رواية فلم يخلُ مجلس الرواية والسماع من فائدة تستفاد، ونكتة ربما تُستجاد، مما نقلته من كتاب أعزوه إليه، أو سمعته من عالم أرويه عنه، مما حضرتي ذكْرُ قائله أو غاب عني -لبعد العهد به- اسم ناقله، أو مما جاء به الذهن الركود (¬3) وجادت به القريحة وقل أن تجود، أو مما أنتجته المذاكرة واستحضرته المحاضرة. فكنت أرى من ذلك تقييد ما أَسْتحسِنُه، ولست أضمن (¬4). أن يَمُر بي داء وَرِم (¬5)، يُمرّ لي، فأستَسْمِنُه (¬6) ثم عن لي أن أضم لتلك الفوائد ما يضارعها، ليشفع ماضيها مضارعها، ويجمعها تعليق، من طلبها به ¬

_ (¬1) الأباطح جمع أبطح وهو المسيل الواسع فيه دقاق الحصى، وأبطح مكة مسيل واديها/ مختار الصحاح/ 55 والنهاية 1/ 133، 134. (¬2) جمع "راجبة" وهي ما بين عقد الأصابع من الداخل، أو مفاصل الأصابع/ النهاية، والمعجم الوسيط/ مادة: رَجَبَ. (¬3) صيغة مبالغة من ركد إذا سكن ولم يتحرك/ النهاية 2/ 258 ومختار الصحاح / 254. (¬4) [أضمن] متكررة بالأصل مرتين. (¬5) وَرِمٌ، مبالغة من أَوْرَمهُ، إذا ساءه وأغضبه/ تاج العروس 9/ 92 ومعنى العبارة فيما يبدو: ولست أضمن أن يعرض لي مرض مسيء يكدرني. (¬6) كذا ضبطت بالأصل، والمعنى: أظنه سمينا، من استسمن الشيء عده سمينا، وفي المثل: استسْمَنت ذا ورَم، يضرب لمن يغتر بالظاهر المخالف لحقيقة الواقع/ المعجم الوسيط 1/ 451 مادة "سمن".

ألفاها، ومن نَشَدَها وجد عنده [مُغَيَّاهَا] (¬1). فكَثيرًا ما تمر الفائدة بمن يسمعها (¬2) أو يطلبها فينأى عنها (¬3) مغزاها، ومن قيد العلم بالكتاب أَمِنَ من هذا اللبس والارتياب. ولنقدم بين يدي هذا المرام مقدمتين: 1 - من التعريف بأبي عيسى الترمذي، وبمن (¬4) بيننا وبينه في إسناد هذا الكتاب إليه، على سبيل الاختصار. 2 - ثم من التعريف بكتابه وثناء الناس عليه، وتعظيمهم له؛ تقريظًا يجلو على ذي العلم فضلَه، ويحله من ذهن المقلد محله. وهذا حين الشروع فيما نحونا إليه وقصدنا، والله المسؤول أن يعصمنا فيما أوردنا، مما أردنا، بمنه وكرمه. فنقول: أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوَرَة بن موسى ابن الضحاك السُّلمي، الترمذي، الحافظ، كذا نسبه الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله البخاري -غُنْجار (¬5) - فيما حكاه عنه ¬

_ (¬1) كلمة مطموسة لم يظهر فيها غير الميم في أولها والألف في آخرها فأثبتها هكذا بمعونة السياق والمراد: وجهُها الذي تُفهم وتُحمل عليه. وهو موافق لسجعة الكلام السابقة. (¬2) مطموسة بالأصل وأثبتها بمعونة السياق أيضًا. (¬3) كذا الأصل والأقرب للمعنى "عنه". (¬4) بالأصل "وأن" وما أثبته أقرب لوضوح المعنى، ومطابق لما سيأتي من كلام المؤلف بقوله: وأما من بيننا وبينه ... الخ. (¬5) في تاريخ بخارى له، كما في البداية والنهاية لابن كثير 11/ 76 وغُنْجار لقب له وهو بضم الغين المعجمة وسكون النون، وفتح الجيم وفي آخرها الراء، هكذا =

الحافظ أبو القاسم بن عساكر بسنده، وقال: دخل بخارى وحدث بها، وهو صاحب الجامع والتاريخ. وذكره ابن عساكر أيضًا -فيما حكاه عن الإِدريسي (¬1) -، فقال: الحافظ الضرير (¬2)، أحد الأئمة الذي يقتدى بهم في علم الحديث، صنف كتاب الجامع، والتاريخ، والعلل، تصنيف رجل عالم متقن، كان يضرب به الثل في الحفظ، وقال الإِدريسي: سمعت أحمد بن عبد الله بن داود المَرُّوزي يقول: سمعت أبا عيسى محمد بن عيسى الحافظ يقول: كنت في طريق مكة، وكنت قد كتبت جزأين من أحاديث شيخ، فمر بنا ¬

_ = ضبطه في الأنساب، وذكر أنه لقب اشتهر به اثنان ... وذكرهما، وليس أبو عبد الله المذكور منهما/ 10/ 77 ولكن ذكره الذهبي في تذكرة الحافظ فقال: غُنجار الحافظ العالم، محدث ما وراء النهر، أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن كامل البخاري صاحب تاريخ بخارى ... مات سنة 412 هـ تذكرة الحافظ / 3/ 1052. وكذا ذكره ابن كثير في البداية والنهاية 11/ 76 عند نقل هذا الكلام عن تاريخ بخارى له. (¬1) وهكذا أورده أبو الفضل ابن طاهر بسنده عن الإدريسي/ شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 17، والإدريسي هو الحافظ العالم أبو سعد بن عبد الرحمن ابن محمد بن عمد بن عبد الله بن إدريس الإستراباذي، محدث سمرقند ومصنف تاريخها وتاريخ أستراباذ، وألف الأبواب والشيوخ، وثقهُ الخطيب، وقد توفي سنة 405 هـ/ تذكرة الحفاظ 3/ 1062، 1063 وقد أحال ابن رجب في شرح العلل الصغير بعض التراجم على تاريخ سمرقند المذكور/ شرح العلل 1/ 101. (¬2) قال الذهبي: اختلف فيه؛ فقيل ولد أعمى، والصحيح أنه أَضَر في كبره، بعد رحلته وكتابته العلم/ سير أعلام النبلاء/ 13/ 270، أقول: وقصته الآتية في الشرح مع أحد شيوخه تؤيد هذا.

ذلك الشيخ، فسألت عنه، فقالوا: فلان، فذهبت إليه وأنا أظن أن الجزأين معي، وحملت معي في محملي جزأين كنت أظن أنهما الجزآن اللذان له؛ فلما ظفرت به وسألته أجابني الى ذلك، فأخذت الجزأين فإذا هما بياض، فتحيرت!، فجعل الشيخ يقرأ علي من حفظه، ثم ينظر إليّ، فرأى البياض في يدي فقال: أما تستحْي مني؟ قلت لا، وقصصت عليه القصة، وقلت: أحفظه كله، فقال: اقرأ، فقرأت جميع ما قرأ علي على الولاء، فلم يصدقني، وقال: استظهرت قبل أن تجيئني (¬1)، فقلت: حدثْني بغيره، فقرأ علي أربعين/ حديثًا من غرائب حديثه، ثم قال: هات، فقرأت عليه من أوله إلى آخره كما قرأ، فما أخطات في حرف منه، فقال لي: ما رأيت مثلك (¬2). وذكره ابن السمعاني فقال: سورة بن شداد، بدل الضحاك (¬3)، ¬

_ (¬1) قوله "قبل أن تجيـ" ذاهبة من الأصل بسبب الترميم، وأثبتها من شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 11 وتؤيدها المصادر التالية بعد. (¬2) ساق هذه القصة من طريق الإدريسي، مع بعض اختلاف واختصار في الألفاظ، كثير ممن ترجم للترمذي كالسمعاني في الأنساب 2/ 362 والذهبي في تذكرة الحفاظ 2/ 635 وفي سير أعلام النبلاء 13/ 273، وابن حجر في تهذيب التهذيب 9/ 388، وأقربها لما أورده المؤلف ما في شروط الأئمة لابن طاهر 17، 18. ولو صرح الترمذي باسم شيخه هذا وبمضمون الجزأين لكان أولى وأفيد. (¬3) الأنساب / 2/ 361، 3/ 41، وفي تهذيب الكمال 3/ 1255 وسير أعلام النبلاء 13/ 270: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك وقيل: محمد بن عيسى بن يزيد بن سورة بن السكن، وكذا في البداية والنهاية 11/ 76 وزاد: ويقال: محمد بن عيسى بن سورة بن شداد بن عيسى السلمي هـ. ولعل في اتفاقهم على تقديم الأول إشارة لترجيحه.

وقال: البوغي -بضم الموحدة وسكون الواو وغين معجمة-[وهذه النسبة إلى بُوغ وهي] (¬1) قرية من قرى تِرْمِذ (¬2)، على ستة فراسخ، منها الترمذي (¬3) -بفتح التاء [وكسر الميم] (¬4) ثالثة الحروف، ويقال بضمهما ويقال بكسرهما، والمتداول بين أهل تلك المدينة بفتح التاء وكسر الميم، والذي كنا نعرفه قديمًا، كسر التاء والميم جميعًا والذي يقوله المتنوقون (¬5)، وأهل المعرفة: بضم التاء (¬6) والميم وكل واحد يقول لها معنى يدعيه، وهي مدينة قديمة على طرف نهر بلخ (¬7) - الإمام الحافظ الضرير أحد الأئمة الذين يقتدى بهم في علم الحديث، صنف الجامع والعلل، تصنيف رجل متقن، وكان يضرب به المثل في الحفظ والضبط (¬8) وتَلْمذ لمحمد بن اسماعيل البخاري، ¬

_ (¬1) ما بين المعكوفتين ليس بالأصل، فأثبته من المصدر الذي أحال عليه المؤلف وهو الأنساب للسمعاني 2/ 361. (¬2) في الأنساب "الترمذ" 2/ 362. (¬3) الأنساب 2/ 361. (¬4) في الأصل بدون هذه العبارة ولا يستقيم المعنى بدونها، وذكر الذهبي نقل المؤلف فتح التاء فقط/ سير النبلاء / 13/ 274. (¬5) كذا في اللباب 1/ 213، والذي في الأنساب: "المتوقون"، والمتأنق والمتنوق بمعنى واحد، وهو المتحري المدقق؛ والمتوقي: المتحفظ/ مختار الصحاح 676، 773. (¬6) وقال ابن دقيق العيد: إن الكسر هو المستفيض على الألسنة حتى يكون كالمتواتر/ تذكرة الحافظ/ 6342 وسير النبلاء 13/ 274. (¬7) بقية النص في الأنساب: الذي يقال له: جيحون، وكذا في اللباب 1/ 213 وزاد ياقوت: من جانبه الشرقي/ معجم البلدان 2/ 26. (¬8) ليست بالأصل، وأثبتها من المصدر الذي أحال عليه المؤلف، وهو الأنساب / 3/ 42 وفي تهذيب التهذيب "في الحفظ" / 9/ 388 وكذا في شروط الأئمة لابن طاهر / 17.

وشاركه في شيوخه، مثل قتيبة بن سعيد، وعلي بن حجر، وبُنْدار (¬1) وغيرهم. كما روى عنه أبو العباس المحبوبي (¬2) والهيثم بن كليب الشاشي (¬3) وغيرهما، توفي بقرية بوغ (¬4) سنة نيف وسبعين ¬

_ (¬1) الذي في الأنساب: وهَنَّاد بن السري، بدلًا من "بندار" وذكر بعد "هناد" أربعة آخرين من شيوخه، ثم قال: وجماعة كثيرة من أهل العراقيين، والحجاز / 3/ 42 وبُندار هو محمد بن بشار بن عثمان العبدي وهو وهناد من شيوخ الترمذي والبخاري/ تهذيب الكمال / 3/ 1177، 1450 وتهذيب التهذيب / 9/ 70، 11/ 70 والتقريب / 2/ 321 والخلاصة / 414. (¬2) هو محمد بن أحمد بن محبوب، مسند "مرو" راوية جامع الترمذي عنه، وكان شيخ أهل الثروة من التجار بخراسان. وإليه كانت الرحلة، الأنساب / 12/ 112 والتذكرة / 3/ 863 وأرخ وفاته في سنة 326 هـ كما سيأتي في ترجمة الشارح له بعد ص 183. (¬3) هو أبو سعيد الهيثم بن كُليب بن شريح بن مَعقِل الشاشي، ونسبته إلى الشاش، مدينة وراء نهر سَيْحون، وقد توفي أبو سعيد فيها سنة 335 هـ الأنساب 8/ 16. (¬4) في تهذيب الكمال / 3/ 1256 وتذكرة الحفاظ / 2/ 625 وفي غيرهما أنه توفي بترمذ، والذي في الأصل ذكره السمعاني في الأنساب / 3/ 43 وابن الأثير في اللباب / 1/ 174، ولا تناقض في ذلك؛ لأن ترمذ هي المدينة الكبيرة أو العاصمة و"بوغ" إحدى القرى التابعة لها على بُعد ستة فراسخ منها، ومن المتعارف عليه أنه ينسب إلى المدينة والعاصمة ما هو لبعض القرى التابعة لها؛ فمن قال "ترمذ" ذكر المدينة التي تتبعها قرية "بوغ" ومن ذكر "بوغ" تحرى الدقة في تحديد موضع الوفاة الحقيقي/ انظر/ الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين للدكتور/ نور الدين عتر/ 30 / أقول ويحتمل أن يكون توفي بترمذ ثم نقل إلى قرية "بوغ" ليدفن بها كما هو معروف أيضًا من نقل بعض المشاهير بعد وفاتهم إلى موضع آخر ليدفن فيه، بناء على وصيته أو لكون هذا الموضع مسقط رأسه، أو لغير ذلك من الاعتبارات والدواعي.

ومائتين (¬1)، وذكر ابن حزم في كتاب الفرائض من الإيصال (¬2): أبو عيسى الترمذي السُلَمي مجهول (¬3)، قال أبو الحسن بن القطان (¬4) في بيان ¬

_ (¬1) كذا في الأنساب / 3/ 43 والذي في تهذيب التهذيب/ "تسع وسبعين ومائتين"/ 9/ 388 وكذا ذكر بهامش الأصل نقلا عن تهذيب الكمال للمزي، وعن الذهبي، وهو فعلًا في تهذيب الكمال 3/ 1255، 1256 وتذكرة الحفاظ / 2/ 635 وسير النبلاء 13/ 277 ومثله في الإكمال لابن ماكولا 4/ 396، وقال ابن كثير: إنه توفي في رجب 279 هـ على الصحيح المشهور/ البداية والنهاية 11/ 76، 77 وكما سيجيء، ونقل هو وابن كثير عن غُنْجار في "تاريخ بخارى" التحديد بليلة الاثنين 13 رجب/ سير النبلاء 13/ 277 البداية والنهاية 11/ 76 ومثله للمؤلف. (¬2) قال الذهبي في تذكرة الحفاظ: هو كتاب كبير في فقه الحديث، وسماه "الإيصال إلى فهم كتاب الخصال"/ التذكرة / 2/ 1147 وقد وقفْتُ على قطعة منه مخطوطة، صورتها بمكتبة جامعة الإمام برقم 4856 من ورقة 182 - 205 وعنوانها "كتاب الجامع من الايصال". ولم أجد فيها كتاب الفرائض هذا، وفي المحلى 9/ 295 ذكر ابن حزم حديثًا للترمذي وضعفه لكن لم يطعن في الترمذي الطعن المذكور ولا غيره، وقال ابن كثير: إن ابن حزم قال في مُحَلَّاه: ومَن محمد بن عيسى بن سورة؟ فإن جهالته لا تضع من قدره عند أهل العلم/ البداية والنهاية / 11/ 76 ولم أقف علي ذلك في المحلى المطبوع بين أيدينا وسألت بعض الباحثين المختصين في الاشتغال بالمحلى فنفى وقوفه على ذلك، فالله أعلم. (¬3) ومثله في تهذيب التهذيب نقلًا عن الإيصال/ والتهذيب 9/ 388. (¬4) هو الحافظ الناقد أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك الفاسي الشهير بابن القطان، مصري الأصل، مراكشي الدار، توفي في ربيع الأول سنة 628 هـ - قال الذهبي: طالعت كتابه المسمى "بالوهم والإيهام" الذي وضعه على الأحكام الكبرى، لعبد الحق، يدل على حفظه وقوة فهمه؛ لكنه تعنت في أحوال الرجال فما أنصف ... اهـ. تذكرة الحفاظ بتصرف 4/ 1407.

الوهم والإيهام (¬1)، هذا كلام من لم يَبحَث عنه؛ قد شهد له بالامامة والشهرة: الدارقطني، وابن البَيِّع: محمد الحاكم، وقال أبو يعلى الخليلي: هو حافظ متقن ثقة، وذكره الأمير أبو نصر (¬2) وابن الفرضي (¬3) والخطابي. وقال الرُّشَاطي (¬4) وغيره: توفي ليلة الإثنين، لثلاث ¬

_ (¬1) انظر بيان الوهم والإيهام لابن القطان 2 / ق 240 أوما هنا مختصر عبارته، ونصها: أبو عيسى: محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك، السُّلَمي، الترمذي، وترمذ بخراسان، جهله بعض من لم يبحث عنه، وهو أبو محمد ابن حزم، فقال في كتاب الفرائض من الإيصال -إثر حديث أورده-: إنه مجهول؛ فأوجب ذلك في ذكره من تعيين من شهد له بالإِمامة، ما هو مستغن عنه بشاهد علمه وسائر شهرته: فَمِمَّن ذكره في حَمَلَة الأحاديث: أبو الحسن الدارقطني، وأبو عبد الله بن البِيَّع، وقال أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد الخليلي الحافظ، في كتابه: أبو عيسى، محمد بن عيسى بن سَوَرة ابن الضحاك، الحافظ، ثقة متفق عليه، وممن ذكره أيضًا: الأمير ابن ماكولا، وابن الفرضي، وأبو سليمان الخطابي، وذكر وفاته جماعة منهم: أبو محمد الرشاطي، قال: أنه توفي ليلة الاثنين لثلاث عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين اهـ. (¬2) وهو علي بن هبة الله بن جعفر، ويعرف بابن ماكولا، ويلقب بالأمير وتوفي سنة 487 هـ على الأرجح/ البداية والنهاية / 12/ 133 ومقدمة الإكمال 1/ 7، 8 وذكره للترمذى في كتابه الإكمال 4/ 396. (¬3) بالأصل القرظي وما أثبته من "بيان الوهم والإيهام" 2/ 240 أوهو الصواب، وابن الفرضي هو أبو الوليد عبد الله بن محمد بن الفرضي له كتاب "المؤتلف والمختلف" وهو الذي ذكر فيه الترمذي ونبّه على قدره، وقد توفي ابن القرضي هذا سنة 403 هـ/ تذكرة الحفاظ 2/ 1077 وتهذيب التهذيب 9/ 388. (¬4) هو أبو محمد عبد الله بن علي المعروف بالرشاطي، له كتاب كبير في أنساب الرواة يسمى اقتباس الأنوار، وتوفي سنة 542 هـ/ تذكرة الحفاظ / 4/ 1307 ومقدمة الإكمال 1/ 16.

عشرة مضت من رجب سنة تسع وسبعين ومائتين (¬1)، رحمه الله وإيانا. والسلمي (¬2): منسوب إلى سليم بن منصور، وإلى سليم بن فهم بن غنم بن دوس (¬3) وغيرهما، والترمذي منسوب للأول. قاله شيخنا أبو محمد الدمياطي (¬4). وأما مَن بيننا وبينه: فأولهم: شيخنا أبو عبد الله محمد بن ابراهيم بن ترجم (¬5) ابن حازم المازني الشافعي، سمع -بإفادة والده- كتاب/ الجامع للإمام أبي عيسى الترمذي الحافظ رحمه الله. من الشيخ أبي الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك بن البنا (¬6) وهو آخر من حدث به، وكانت روايته عنه انقطعت بالسماع ¬

_ (¬1) البداية والنهاية / 11/ 76. (¬2) بضم السين المهملة وفتح اللام، نسبة إلى سُليم بن منصور، وهي قبيلة من العرب مشهورة/ الأنساب/ 7/ 180، 181 والإنباه على قبائل الرواة لابن عبد البر/ 90 ضمن مجموعة الأنساب الكمالية. (¬3) جمهرة الأنساب لابن حزم ص 381. (¬4) وانظر الأنساب للسمعاني 7/ 180، 181 والدمياطي هو أبو محمد شرف الدين عبد المؤمن بن خلف الدمياطي الشافعي الفقيه النسّابة الناقد، توفي في ذي القعدة سنة 705 هـ/ طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة / 2/ 287، 288 والرسالة المستطرفة / 103. (¬5) بالأصل "ترحم" بالحاء المهملة ولكنه في مصادر الترجمة بالجيم المعجمة، كما أثبته، وقد وصفه الذهبي في التذكرة بأنه راوي جامع أبي عيسى الترمذي، وقال: إنه توفي في 692 هـ وله تسعون عامًا/ تذكرة الحفاظ 4/ 1477 وسيأتي في الأصل ذكر المؤلف لتاريخ وفاته وموضع دفنه ص 172. (¬6) توفي في 18 ربيع الأول، أو في صفر سنة 622 هـ وقد علَتْ سِنُّه/ التكملة في وفيات النقلة للمنذري 3/ 140 ترجمة/ 2021 والتقييد لابن نقطة/ ق 186.

بعد شيخنا الإمام قطب الدين أبي بكر محمد بن أحمد القسطلاني رحمه الله (¬1) ثم ظهر سماع هذا الشيخ ولم يكن للناس به عهد ولا عندهم منه علم، غير أنه كان معروفًا بالرواية عن غير هذا الشيخ، وسمع من أبي بكر بن باقا (¬2)، مُسنَد الشافعي، ومن أبي البركات عبد القوي بن عبد العزيز بن الجَبَّاب (¬3)، وغيرهم، وكان صحيح السماع، سمعت عليه الجامع للترمذي، وغيره. وأجاز لي ما يرويه غير مرة. مولده يوم الثلاثاء سابع عشر شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستمائة بالقاهرة وتوفي بها صبيحة يوم الأحد، التاسع والعشرين من شهر رجب، سنة اثنَتَين وتسعين وستمائة ودفن من الغد بمقبرة باب النصر (¬4)، رحمه الله. ¬

_ (¬1) تولى مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي في المحرم سنة 686 هـ ومولده سنة 614 هـ / شذرات الذهب 5/ 397 وقد عده المؤلف من أحفظ من لقيه/ لحظ الألحاظ/ ضمن ذيول تذكرة الحفاظ/ 77. (¬2) هو عبد العزيز بن أحمد بن سالم بن محمد بن باقا، البغدادي، التاجر، صفي الدين، أبو بكر، توفي بمصر سنة 630 هـ وله 75 سنة/ تذكرة الحفاظ 3/ 1456. (¬3) بالأصل "الخشاب" وما أثبته من "التكملة" مضبوطًا بالحروف وهو عبد القوي ابن عبد العزيز بن الجَبَّاب التميمي السعدي الأغلبي المالكي العدل، توفي بالقاهرة ليلة سلخ شوال سنة 621 هـ، قال المنذري: حَدّث، وسمعت منه، ثم قال: والجباب بفتح الجيم وتشديد الباء الموحدة، وآخره باء موحدة أيضًا/ التكملة للمنذري 3/ 132 والمشتبه للذهبي/ 205. (¬4) إحدى المدافن العامة خارج القاهرة ويصل إليها شارع باب النصر المعروف الأن بشارع الجمالية الذي يبدأ من باب النصر وينتهي الى السكة الجديدة تجاه المشهد الحسيني بحي الأزهر/ الخطط التوفيقية/ لعلي مبارك 1/ 99، 2/ 64.

قال أَبَنا ابن البنا وهو أبو الحسن علي بن أبي الكرم نصر بن المبارك بن محمد بن أبي السيد المكي (¬1) - قال ابن نُقطة (¬2): هكذا أملى عليَّ نَسبَه بمكة في ذي الحجة من سنة خمس عشرة وستمائة. وقال لي: والدي من أهل بغداد، وأصلي من واسط. وسألته، فأخرج إليّ خط. [أبي الفتح عبد الملك بن أبي القاسم] (¬3) أنه سمع منه جميع كتاب الجامع للترمذي، وكتاب العلل في آخره، وهُو ثَبَت، صحيح، وسمعت منه حديثًا واحدًا، قال: ثم عدت في سنة عشرين وستمائة وهو في الأحياء وقرئ عليه بمكة الكتاب في هذه السنة. فسمعه منه جماعة وقرأت لهم بعضه، وسماعه صحيح. بلغنا أنه توفي في ثامن ربيع الأول سنة اثنتَين وعشرين وستمائة بمكة، شرفها الله تعالى. عن الكَرُوخي (¬4)، هو أبو الفتح عبد الملك بن أبي القاسم ¬

_ (¬1) تقدمت ترجمته. (¬2) في التقييد ق/ 186 حرف العين، جـ 2/ 211 من المطبوعة وابن نقطة: هو محمد بن عبد الغني بن أبي بكر بن شجاع البغدادي الحنبلي، ابن نقطة حافظ امام متقن، وقد سئل عن "نقطة" فقال: هي جارية ربت جد أبي، ومولده سنة نيف وسبعين وخمسمائة، وتوفي سنة 648 هـ / التذكرة بتصرف 4/ 1411. (¬3) زيادة من التقييد، الموضع السابق. (¬4) بفتح الكاف وضم الراء، وفي آخرها الخاء المعجمة، نسبة إلى كُروخ وهي بلدة بنواحي هراة، على عشرة فراسخ منها. خرج منها جماعة من أهل العلم والخير منهم أبو الفتح المذكور قال السمعاني: قرأت عليه جميع الجامع لأبي عيسى الترمذي وسمع بقراءتي منه جماعة كثيرة وذكر باقي ترجمته كما ستأتي في الأصل، ص 174. وأرخ وفاته في الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة 548 هـ / الأنساب 11/ 91.

عبد الله بن أبي سهل بن أبي القاسم بن أبي منصور، الكَروخي، الهروي البزار الصوفي، سمع من شيخ الإسلام عبد الله بن محمد الأنصاري (¬1)، وأبي عبد الله العميري، وحكيم بن أحمد الاسفرايني، وغيرهم (¬2) حدث (¬3) بكتاب الجامع لأبي عيسى الترمذي عن/ أبي عامر، محمود بن القاسم الأزدي، وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد التاجر، وأبي نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي (¬4) سوى الجزء الأخير ليس عند الترياقي، وهو من أول مناقب ابن عباس إلى آخر الكتاب. سمعه الكَرُوخِي من أبي المظفر عبد الله (¬5) بن علي بن ياسين الدهان. ¬

_ (¬1) هو شيخ الإسلام الحافظ الإمام الزاهد أبو اسماعيل عبد الله بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن علي ... الأنصاري الهروي من ذرية أبي أيوب الأنصاري، وكان إمامًا متقنًا قائمًا بنصر السنة ورد المبتدعة، سيفا على الجهمية، حافظًا للحديث، شيخ خراسان غير مدافَع، آية في التصوف والوعظ، ألف ذم الكلام، ومنازل السائرين، وسمع الحديث من أبي عبد الجبار الجِراحي، وأبي منصور محمد بن محمد بن الأزدي، وتوفي في ذي الحجة سنة 481 هـ / طبقات الحفاظ للسيوطي / 441 والعبر للذهبي 3/ 297 وتذكرة الحفاظ له 3/ 1183. (¬2) الأنساب/ 11/ 92. (¬3) يعني الكروخي/ انظر الأنساب 11/ 92. (¬4) انظر في ترجمة الكروخي من أولها إلى هنا/ الأنساب 11/ 91، 92 وتذكرة الحفاظ للذهبي وأرخ وفاته بسنة 548 هـ / 4/ 1312، 1313 وانظر ضبط نسبة الترياقي فيما يأتي بعد ص 181 هامش 1 وكذا ترجمة أبي عامر الأزدي ص 176 أصل وأبي بكر التاجر ص 180 أصل وهامش 5. (¬5) في الأنساب: عُبيد الله، وفي هامشه نقلًا عن نسخة أخرى "عبد الله" مكبَّرًا وسيأتي ذكره في الأصل "عبيد الله" مصغرًا، ص 181، 182 وفي برنامج التُّجيبي مكبَّرًا / 101.

قالوا جميعًا (¬1): حدثنا عبد الجبار بن محمد الجِرَاحي (¬2) أَبَنا المحبوبي (¬3) أبنا (¬4) الترمذي. كان الحافظ أبو الفضل بن ناصر (¬5) يقول: سمعنا هذا الكتاب منذ سنين كما سمعتموه أنتم الآن من هذا الشيخ (¬6) قال: فَرغِب جماعة من أهل الثروة في مراعاة عبد الملك، فحملوا إليه الذهب فرده ولم يقبله، وقال: بعد التسعين واقتراب الأجل آخذ على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- الذهب؟، وردَّه مع احتياجه إليه، ثم انتقل في آخر عمره إلى مكة، وكان يكتب النُّسَخ من جامع أبي عيسى، ويأكل من ذلك ويكْتسِي وهو من جُملَة من لحقه بركة شيخ الاسلام الأنصاري (¬7)، ولازَم الفقر والوَرع إلى أن تُوفي بمكة في ¬

_ (¬1) يعني من حدث عنهم الكَرُوخِي بالجامع وهم: أبو عامر محمود بن القاسم الأزدي، وأبو بكر أحمد بن عبد الصمد التاجر، وأبو نصر عبد العزيز الترياقي، وأبو المظفر عبيد الله الدهان. (¬2) سيأتي ترجمته وضبط نسبته بعد قليل. (¬3) تقدمت ترجمته ص 168 هامش 2 وانظر الأصل ص 183. (¬4) هذا رمز لـ (أخبرنا) وقد فعله البيهقي وغيره، ولكنه منتقد لالتباسه برمز "أنبأنا" فتح المغيث للسخاوي 2/ 190، غير أن الناسخ مشى عليه كما ترى، وانظر متن جامع الترمذي المطبوع مع عارضة الأحْوذِي 1/ 7. (¬5) هو محمد بن ناصر بن محمد ... أبو الفضل البغدادي، ولد ليلة السبت 25 من شعبان سنة 467 هـ، وسمع الحديث وأسمعه وهو من أبرز شيوخ الإمام ابن الجوزي في علم الحديث، طعن فيه أبو سعد السمعاني بأنه يقع في الناس، فردَّ ذلك ابن الجوزي ووثقه، ثم أرخ وفاته في يوم الثلاثاء 18 شعبان سنة 550 هـ وقال: دفن بمقبرة باب حرب -يعني ببغداد. المنتظم / 10/ 162، 163. (¬6) يعني عبد الملك الكروخي، كما يتضح من باقي الكلام بعده. (¬7) تقدمت ترجمته ص 174 هامش 1.

خامس عشرين ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة. بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام، وقال ابن السمعاني: مولده بهراة في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوفي بمكة- مُجاوِرًا- في [الخامس] (¬1) والعشرين من ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، بعد رحيل الحاج بثلاثة أيام (¬2) وكان شيخًا صالحًا، سديدًا عفيفًا (¬3). عن أبي عامر محمود بن القاسم بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن محمد بن مقاتل بن صبيح بن ربيع بن عبد الملك بن يزيد بن المهلب بن أبي صفرة (¬4). الأزدي القاضي الهروي، حدث بكتاب الجامع لأبي عيسى عن الجراحي (¬5). ¬

_ (¬1) بالأصل "في الحادي والعشرين" وما أثبته من المصدر الذي أحال عليه المؤلف وهو الأنساب للسمعاني 11/ 92 وهو الموافق لما ذكره المؤلف قبل سطور بنفسه. (¬2) التحديد بثلاثة أيام ليس في الأنساب 11/ 92. (¬3) الذي في الأنساب: سديد السيرة، كثير الخير والعبادة 11/ 91. (¬4) انظر هامش الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 327 نقلًا عن الطبقات الوسطى لابن السبكي أيضًا. وبرنامج التجيبي/ 101، والتقييد لابن تقطة 2/ 243. (¬5) بالأصل "الجراجي" بالجيم المعجمة قبل آخره والصواب ما أثبته كما ذكر السمعاني في الأنساب حيث ضبطه بالجيم وتشديد الراء وفي آخره الحاء المهملة، ثم قال: هذه النسبة إلى "الجراح" وهو اسم لبعض أجداد المنتسب إليه، وهو أبو محمد عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن أبي الجراح المروزي الجراحي، شح ثقة صالح، راوية كتاب أبي عيسى الترمذي عن صاحبه أبي العباس محمد بن أحمد بن محبوب التاجر المحبوبي/ الأنساب 3/ 229 وستأتي بقية ترجمته في الأصل ص 182 وانظر كذلك الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 327، 328.

حدث به عنه الحافظ المؤتمن الساجي (¬1)، وصاعد بن سيار (¬2)، واليُونَارْتِي (¬3)، في جماعة، آخرهم [موتا] (¬4)، القاضي أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار (¬5)، وقد حدث عنه محمد بن طاهر المقدسي (¬6). ¬

_ (¬1) الإمام الحافظ أبو يحيى زكريا بن يحيى بن عبد الرحمن بن بحر ... البصري الساجي توفي سنة 307 هـ التذكرة 2/ 710. (¬2) الحافظ العالم المحدث أبو العلاء صاعد بن سيار بن محمد بن عبد الله ... الدهان ... قرأ عليه الحافظ ابن ناصر جامع أبي عيسى، فسمعه منه أبو الفتوح ابن كليب ... مات بقرية غورج على باب هراة في ذي القعدة سنة 520 هـ / تذكرة 4/ 1270. (¬3) الحافظ المُجود أبو نصر، الحسن بن محمد بن ابراهيم الأصبهاني اليونَارْتي، نسبة إلى يونارت، قرية على باب أصبهان، ولد ببغداد سنة 524 هـ وحدث بها بجامع الترمذي ... وكان حسن الصوت بقراءة الحديث، مجدًا في السُّنة، ولد في آخر سنة 466 هـ، وتوفي في شوال سنة 527 هـ/ التذكرة 4/ 1287، 1288. (¬4) كذا في الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 328. (¬5) الكتاني الهروي الحنفي القاضي شرف الدين، قال في الشذرات: سمع من أبي عامر الأزدي، والكبار وتفرد في زمانه وعاش 97 سنة، وتوفي يوم عاشوراء سنة 572 هـ وهو آخر من روى جامع الترمذي عن أبي عامر، وعزى ذلك الى العبر- للذهبي/ الشذرات 4/ 244. (¬6) هو محمد بن طاهر بن أحمد بن علي الشيباني أبو الفضل - يعرف بابن القيسراني، وهو من أهل بيت المقدس، كان حافظًا متقنًا حسن التصنيف، صنف كثيرًا، ومن مصنفاته المطبوعة: شروط الأئمة الستة، والسماع، وتوفي ببغداد ضحى يوم الخميس عشرين من ربيع الأول سنة 507 هـ / المستفاد من تاريخ بغداد لابن الدمياطي 31 - 33.

وزاهر الشحامي (¬1)، والفُراوي (¬2)، وغيرهم، قال يوسف بن أحمد البغدادي: سمعت أبا الفتح محمد بن عمر الأنصاري -بهراة- يقول/: سمعت أبا النصر (¬3) المُزَكِّي، يقول: محمود بن القاسم (¬4) أبي منصور بن أبي بكر الأزدي، كان عديم النظير، زُهدًا وصلاحًا وعفة، ولم يزل على ذلك من ابتداء عمره إلى انتهاء عمره، وكانت إليه ¬

_ (¬1) في الأصل بالسين المهملة والصواب أنه بالشين المعجمة كما في مصادر ترجمته: كالمستفاد من ذيْل تاريخ بغداد لابن الدمياطي، وقد عرّف به فقال: زاهر بن طاهر بن محمد بن محمد، أبو القاسم الشحامي، حدث بالكثير، وكتب عنه الحفاظ، ورحل في رواية الحديث ونشره، وكان صحيح السماع، وغمزه تلميذه أبو سعد ابن السمعاني بالاخلال بالصلوات اخلالًا ظاهرًا، ثم قال: وقيل له في ذلك فقال لي عذر وأنا أجمع بين الصلوات كلها، ولعله تاب ورجع عن ذلك في آخر عمره، وتوفي ليلة الرابع عشر من ربيع الآخر سنة 533 هـ بنيسابور. المستفاد / 118 - 120 وانظر المنتظم 10/ 79 والعبر 4/ 91. (¬2) وهو محمد بن الفضل بن أحمد بن محمد بن أحمد، أبو عبد الله الفراوي ثم النيسابوري الملقب بفقيه الحرم، إمام، مفت، مناظر، واعظ، عالي الإسناد، والفُراوي بضم الفاء وفتح الراء بعدها الألف وفي آخرها الواو، نسبة الى فُراوة، بُلَيدة على الثغر مما يلي خُوارزم/ الأنساب / 10/ 166 روى عنه ابن السمعاني وابن عساكر وغيرهما، توفي في شوال ضحوة يوم الخميس 21 من شوال 530 هـ الطبقات الكبرى لابن السبكي 6/ 166 - 170 والشذرات 4/ 96 والكامل لابن الأثير 11/ 21. (¬3) في الأصل "النضر" بالضاد المعجمة، وما أثبته من الشذرات / 3/ 382 والطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328. (¬4) بالأصل "أبي القاسم" وما أثبته هو الذي تقدم في الأصل ص 176 والموجود في الشذرات 3/ 382 والطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 327.

الرحلة من الأقطار، والقصد (¬1) لسماع الأسانيد العالية. ولد في شهور سنة أربعمائة، وتوفي يوم السبت الثامن من جمادي الآخرة سنة سبع وثمانين وأربعمائة (¬2) ودفن بباب بُسْت بهراة، وقال يوسف أيضًا: قرأت على عمر بن أحمد بن محمد الفقيه: أخبركم أبو جعفر محمد بن الحسن بن محمد الحافظ، قال: كان شيخنا أبو عامر الأزدي من أركان مذهب الشافعي بهراة، وكان إمامُنا شيخُ الإسلام (¬3)، يزوره في داره ويعوده في مرضه، ويتبرك بدعائه (¬4)، وكان نظام المُلْك، يقول: لولاه في هذه البلدة لكان لي ولهم شأن (¬5) ¬

_ (¬1) بعض هذه الكلمة ممحو من الأصل بالترميم، فأثبتها بمعونة السياق، ثم وجدتها هكذا في الطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328. (¬2) الشذرات / 3/ 382 وهامش الطبقات الكبرى لابن السبكي / 5/ 328 نقلًا عن الطبقات الوسطى له أيضًا / مخطوط. (¬3) أبو اسماعيل الأنصاري تقدمت ترجمته ص 174 هامش 1. (¬4) في الطبقات الكبرى لابن السبكي زيادة بعد هذا نصها: إما اعتقادًا فيه، وإما إظهارًا لمحبة ما الناس عليه من تعظيم هذا الرجل، فإنه كان معظمًا عند الموافق والمخالف / 5/ 328. (¬5) المقصود بالبلدة "هراة" وبمن له ولهم شأن "المجسمة" على ما يبدو فقد جاء في ترجمة المذكور أن هراة كان قد غلب عليها التجسيم، فنقم عليهم نظام الملك/ الطبقات الكبرى لابن السبكي 5/ 328 أصل وهامش. ونظام الملك هو: الحسن بن علي بن إسحق أبو علي، كان وزيرًا للملك ألب أرسلان، وولده ملكشاه، 29 سنة وكان من خيار الوزراء، قرأ القرآن في صغره واشتغل بالقراءات والفقه الشافعي وسمع الحديث، وتعلم اللغة والنحو، ثم ترقى حتى نال الوزارة فسار فيها سيرة حسنة وقرب العلماء منه وبنى المدارس ببغداد، ونيسابور وغيرها، وعرفت بالنظامية نسبة إليه، وأثنى عليه غير واحد وتوفي مقتولًا سنة 485 هـ/ البداية والنهاية/ 12/ 151.

يهددهم به- وكان يعتقد فيه اعتقادًا عظيمًا؛ لكونه لم يقبل منه شيئًا قط (¬1) ولما سمعت منه مسند الترمذي (¬2) هنأني شيخ الإسلام، وقال: لم تخسر في رحلتك إلى هراة. [و] (¬3) عن أحمد بن عبد الصمد الغُورَجي (¬4) وهو أحمد بن عبد الصمد بن أبي الفضل بن أبي حاتم: التاجر، الغُورَجي، توفي فجأة يوم الثلاثاء التاسع عشر من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وأربعمائة (¬5) قرأت على أبي سعيد البنا: أخبركم ¬

_ (¬1) ولحسن عقيدته/ الطبقات الكبرى وهامشها نقلًا عن الطبقات الوسطى كلاهما لابن السبكي 5/ 328. (¬2) يقصد بالمسند هنا "جامع الترمذي" باعتبار أن أحاديثه مذكورة بأسانيدها كما أطلق البخاري على صحيحه "المسند الصحيح". (¬3) ليست بالأصل، وأثبتها من عندي ليستقيم المعنى؛ لأن أحمد بن عبد الصمد هذا، هو ومحمود بن القاسم الذي قبله، كلاهما شيخا الكروخي في رواية جامع الترمذي، كما مر، وكما سيأتي تفصيله قريبًا من الأصل. (¬4) بضم الغين وسكون الواو وفتح الراء، وفي آخرها جيم، نسبة إلى غُوْرَج، وأهل هراة، يسمونها: غُورَة، والأصل فيه أن العرب تبدل الهاء جيمًا في الأسماء الفارسية، وهي قرية من قرى هراة، منها أحمد الغورجي هذا/ انظر اللباب لابن الأثير 2/ 393 ومعجم البلدان لياقوت 4/ 216 والأنساب 10/ 91 هامش. (¬5) انظر اللباب 2/ 393 ومعجم البلدان/ 4/ 216، وانظر هامش الأنساب 10/ 91. وفي المنتظم قال: أحمد بن أبي حاتم عبد الصمد بن أبي الفضل التاجر الغُورَجي الهروي أبو بكر، سمع أبا محمد الجراحي، حدثنا عنه أبو الفتح الكَرُوخي، وقال الذهبي: راوي جامع الترمذي عن الجِرَاحي، وأرخ ابن الجوزي وفاته -فجأة- في يوم الثلاثاء تاسع عشر ذي الحجة سنة 481 هـ/ المنتظم/ 9/ 44 العبر 3/ 297.

أبو الحسن علي بن حمزة الموسوي -إجازة- قال: سمعت أبا عبد الله الحسين بن محمد بن الحسين بن الجُنيد الغُورَجي، يقول: أحمد بن عبد الصمد الغورَجي، أبو بكر بن أبي حاتم، شيخ ثقة صدوق. قال الكَرُوخي: وثنا بجميعه -خلا الجزء الأخير، وهو من أول مناقب ابن عباس رضي الله عنه، إلى آخر الكتاب- أبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي (¬1)، وحدثني (¬2) بالجزء الأخير المذكور أبو المظفر عبيد الله بن علي بن ياسين الدهان. فأما الترياقي: فهو أبو نصر عبد العزيز بن محمد بن علي بن ابراهيم بن ثمامة بن الليث بن الخضر (¬3) المروزي، مات في السادس عشر من شهر رمضان يوم الثلاثاء سنة ثلاث وثمانين وأربعمائة (¬4) وترياق قرية من قرى هراة (¬5) ¬

_ (¬1) بكسر التاء المنقوطة بإثنتين من فوقها، وسكون الراء، وفتح الراء، وفتح الياء المنقوطة بإثنتين من تحتها، وفي آخرها القاف. نسبة إلى عمل "الترياق" وهو شيء ينفع من السموم ويدفعها ... وإلى "ترياق" قرية من قرى هراة، وأبو نصر عبد العزيز بن محمد الترياقي، منها/ الأنساب 3/ 47، 48. (¬2) قوله "وحدثني" ممحوة بالأصل، وأثبتها من عندي بناء على ما تقدم أن الجزء الأخير من الكتاب وهو من أول المناقب إلى آخر الكتاب - قد سمعه الكروخي من أبي المظفر المذكور. (¬3) بالأصل بحاء مهملة، وما أثبته من هامش الأنساب نقلًا عن التقييد لابن نقطة، وانظر التقييد 2/ 126. (¬4) بهراة، ودفن بباب (خشك) الأنساب 3/ 49 وفي المنتظم أنه توفي في رمضان سنة 482 هـ 9/ 50 ولكن ما في العبر 3/ 301، 303 وفي الشذرات 3/ 368 كما ذكر المؤلف. (¬5) الأنساب 3/ 48 والشذرات لابن العماد 3/ 368، والعبر 3/ 303.

قال يوسف البغدادي: كان ثقة (¬1) / خَيِّرًا (¬2) وله حظ وافر من الأدب، ولد سنة تسع (¬3) وثمانين وثلاثمائة، وكان سماعه في مسند أبي عيسى (¬4) من أوله على التوالي إلى أول مناقب ابن عباس، ومن ثَم فاته إلى آخر الكتاب (¬5). وأما ابن ياسين الدهان، فهو: عبيد الله بن علي بن ياسين بن محمد بن أحمد الدهان الهروي (¬6). قالوا أربعتَهم (¬7): أبنا عبد الجبار، هو ابن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح المرزُباني (¬8) ولد سنة احدى وثلاثين وثلاثمائة، قال ابن السمعاني، توفي سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، إن شاء الله، وهو صالح ثقة (¬9). ¬

_ (¬1) الشذرات لابن العماد وزاد أنه كان أديبًا 3/ 368 وكذا في العبر للذهبي 3/ 303. (¬2) ممحوة بسبب ترميم النسخة ولم يظهر منها الا "را" فأثبتها بمعونة السياق. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها اعتمادًا على قول الذهبي في العبر أنه عاش 94 سنة، وتوفي سنة 483 هـ العبر 3/ 303. (¬4) يعني جامع الترمذي كما في الأنساب 3/ 48. (¬5) الأنساب 3/ 48 والعبر 3/ 303. (¬6) التقييد 2/ 122. (¬7) انظر ص 175 هامش 1. (¬8) في الأنساب: المروزي بدل "المرزباني" 3/ 229، وكذا سيأتي في الأصل ص 183 وبعدها في الأنساب: الجراحي، وهي النسبة المشهورة له. وفي التقييد 2/ 103 جمع له النسبتين: المروزي، والمرزباني. (¬9) الأنساب/ 3/ 229 مع تصرف من المؤلف بالتقديم والتأخير والاختصار.

وعبد الله بن أبي الجراح هو: عبد الله بن محمد بن أبي الجراح بن الجنيد بن هشام بن المرزبان، أبو محمد بن أبي بكر المروزي الجراحي (¬1). قال (¬2): أبنا محمد بن أحمد بن محبوب بن فضيل (¬3) التاجر، أبو العباس المحبوبي من أهل مرو، حدث عنه الحافظ أبو عبد الله بن مندة، والحاكم أبو عبد الله النيسابوري، وأثنوا عليه خيرًا، توفي في شهر رمضان السابع والعشرين من سنة ست وأربعين وثلاثمائة، ولد سنة تسع وأربعين ومائتين، وثقهُ الحاكم وغيره، وسماعاته صحيحة، مضبوطة بخط خاله أبي بكر الأحول (¬4). ... ¬

_ (¬1) الأنساب/ الموضع السابق. (¬2) أي: عبد الجبار بن محمد بن عبد الله بن أبي الجراح، لأنه هو راوية الجامع عن المحبوبي كما تقدم، وانظر التقييد 2/ 103. (¬3) كذا في سير أعلام النبلاء "فضيل" بالتصغير / 15/ 537 وبالأصل "فضل" مكبرًا، وموضعه بياض في الأنساب 12/ 112. ولكن في التقييد كما في السير/ التقييد 1/ 203، 2/ 103 (¬4) سير أعلام النبلاء للذهبي 15/ 537. وكان الأولى أن يقول المؤلف بعد ذكر المحبوبي: عن الترمذي، به، أي بالجامع. ولكنه اكتفى بذكر الترمذي ص 175 أصل.

"المقدمة الثانية: في ذكر كتاب الجامع لأبي عيسى وفضله" قال ابن عساكر: أبنا المبارك بن أحمد بن عبد العزيز، ثنا محمد بن طاهر المقدسي، قال (¬1): سمعت الإمام أبا إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري بهراة -وجرى بين يديه ذكر أبي عيسى الترمذي وكتابه- فقال: كتابه عندي أنفع (¬2) من كتاب البخاري ومسلم؛ لأن كتابي البخاري ومسلم لا يقف على الفائدة منهما إلا المتبحر العالم، وكتاب أبي عيسى يصل إلى الفائدة منه كل أحد من الناس (¬3)، وذكر عن أبي عيسى، قال: صنفت هذا الكتاب وعرضته على علماء الحجاز فرضوا به، وعرضته على علماء العراق فرضوا به، وعرضته على علماء خراسان فرضوا به، ومن كان في بيته ¬

_ (¬1) في كتابه "شروط الأئمة الستة/ 16 وعزاه الذهبي في السير لكتاب آخر لابن طاهر ... اسمه "المنثور"/ سير النبلاء 13/ 277 وذكره ابن كثير من رواية ابن عطية عن أبي طاهر/ البداية والنهاية 11/ 76. (¬2) في البداية والنهاية: "أنور" 11/ 76. (¬3) زاد في رواية ابن كثير: من الفقهاء والمحدثين وغيرهم/ البداية والنهاية 11/ 77.

هذا الكتاب فكأنما في بيته نبي يتكلم (¬1)، وقال يوسف بن أحمد: لأبي عيسى فضائل تُجمع، وتُروى وتُسمع، وكتابُه (¬2) من الكتب الخمسة التي اتفق أهل العقد والحل والفضل والفقه من العلماء والفقهاء وأهل الحديث/ النبهاء، على قبولها والحكم بصحة أصولها (¬3)، وما ورد في أبوابها وفصولها، وقد شارك البخاري ومسلمًا في عدد كثير من مشايخهما، وهذا الوضع يضيق عن ذكرهم وإحصائهم وعددهم، ورزق الرواية عن أتباع الأتباع متصلًا بالسماع، ثم قال (¬4): -بعد كلام-: وكتب عنه إمام أهل الصنعة محمد بن إسماعيل البخاري وحسبه بذلك فخرًا. قلت: أما الثلاثي فلا نعلم له في جامعه منه إلا حديثًا واحدًا (¬5)، وأما رواية البخاري عنه، فحديثه عن علي بن المنذر عن علي بن فضيل عن سالم بن أبي حفصة عن عطية عن أبي سعيد قال ¬

_ (¬1) في البداية والنهاية "ينطق" ثم قال: وفي رواية "يتكلم" 11/ 76 وانظر تذكرة الحفاظ 2/ 634، وتهذيب التهذيب 9/ 389 وسير أعلام النبلاء 13/ 274 وجامع الأصول 1/ 194. (¬2) في الأصل "وكافيه" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬3) من قوله: "الكتب الخمسة" إلى هنا، عزاه العراقي إلى السلفي، ثم علق عليه بما سيأتي عند نقل المؤلف نحوه عن السلفي أيضًا ص 190 أصل وهامش. (¬4) يعني: يوسف بن أحمد، التقدم ذكره. (¬5) وهو حديث: "يأتي على الناس زمان الصابر فيهم على دينه كالقابض على الجمر/ كتاب الفتن - باب منه/ الترمذي مع تحفة الأحوذي 6/ 538، 539 حديث 2361، ووهم الشيخ علي قاري في مرقاة المفاتيح فعده ثنائيًا / المرقاة 1/ 21، 22.

[قال] صلى الله عليه وسلم لعلي: لا يحل لأحد يجنب في هذا المسجد غيري وغيرك. قال علي بن المنذر (¬1): قلت لِضِرَار بن (¬2) صُرَد: ما معنى هذا الحديث؟ قال: لا يحل لأحد يستطرفه جنبًا غيري وغيرك، قال الترمذي: سمع مني محمد هذا الحديث [واستغربه] (¬3). ¬

_ (¬1) شيخ الترمذي في هذا الحديث، وسيأتي تخريجه، وهذا التفسير غير موجود بنسخة الترمذي المطبوعة مع التحفة ولا طبعة المكتبة السلفية بالمدينة 5/ 303 ولا ط شاكر 5/ 303 ولكنه في تحفة الأشراف 3/ 417 ح 4203 نقلًا عن الترمذي. (¬2) بالأصل إثبات ألف "ابن" وهكذا يثبتها الناسخ في أغلب الأحيان، والصواب حذفها طبقًا لقواعد الإملاء. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها من نسخة الترمذي المطبوعة مع التحفة وغيرها كطبعة شاكر/ 5/ 303 والحديث أخرجه الترمذي وذكر سماع البخاري له منه/ أبواب المناقب - باب منه، وعبارته في المطبوع مع التحفة: وقد سمع محمد بن إسماعيل مني هذا الحديث واستغربه/ الترمذي مع التحفة 10/ 331 هـ قلت: هناك حديث آخر هو في تفسير "اللِّينة" بالنخلة وذلك في كتاب التفسير في تفسير قوله تعالى في سورة الحشر: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ} الآية. فقد قال الترمذي عقب حديث سعيد بن جبير مرسلًا: سمع مني محمد بن إسماعيل هذا الحديث/ الترمذي مع التحفة / 9/ 197 وط/ شاكر 5/ 82، فلعل من قال إن البخاري سمع من الترمذي حديثًا واحدًا لم يكن قد وقف على هذا الحديث الثاني، كالشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تقديمه لجامع الترمذي 1/ 83، ويبدو أن حكاية الترمذي لسماع هذا الحديث الثاني، ثبتت في بعض الروايات دون بعض؛ حيث لم يوردها المزي في التحفة كما أورد سماع الحديث الأول/ انظر تحفة الأشراف 4/ 408 ح 5488، 13/ 202 ح 18684.

وقال يوسف بن أحمد: قرأت على أبي نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن يوسف (¬1) في كتابه الموسوم، بمذاهب الأئمة، في تصحيح الحديث قال (¬2): وأما أبو عيسى فكتابه على أربعة أقسام: صحيح مقطوع بصحته، وهو ما وافق فيه البخاري ومسلمًا، وقسم على شرط أبي داود والنسائي كما بَيَّنَّاه، وقسم أخرجه للضدية (¬3). وأبان عن علته (¬4)، وقسم رابع أبان عنه، فقال (¬5): ما أخرجت في كتابي هذا إلا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء (¬6) ¬

_ (¬1) له ترجمة في التقييد 2/ 118. (¬2) ومثله مع تصرف يسير في شروط الأئمة، دون عزو إلى أبي نصر المذكور/ شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 13 أما في سير النبلاء 13/ 274 فعزاه إليه. (¬3) بالأصل "الصدر" وما أثبته من شروط الأئمة الستة لابن طاهر/ 13 وسير النبلاء 13/ 274 وعليه يستقيم المعنى والمراد: أنه يخرج الحديث المستدل به على الرأي الراجح في المسألة، ثم يخرج دليل المذهب المخالف ويوازن بينهما ويبين علة الحديث المستدل به للرأي المخالف/ الإمام الترمذي للدكتور عتر 154. (¬4) في شروطه الأئمة/ 13 زيادة "وَلم يُغفِلْه". (¬5) بالأصل "وقال" وما أثبته من شروط الأئمة/ 13 ومن سير النبلاء / 13/ 274 وهو المتسق عليه المعنى. (¬6) بقية كلام الترمذي: ما خلا حديثين، وذكرهما ... ثم قال: وقد بينا علة الحديثين جميعًا في هذا الكتاب هـ، يعني الجامع نفسه/ العلل مع شرحه لابن رجب 1/ 4 والحديثان في الجامع، وأولهما في كتاب الصلاة - باب الجمع بين الصلاتين في الحضر، ولفظه: عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الظهر والعصر بالمدينة، والمغرب والعشاء من غير خوف، ولا مطر، جامع الترمذي/ 1/ 354، 355 حديث / 187، وفي نسخة العلل: من غير خوف ولا سقم/ العلل مع شرحها 1/ 4.

قال: وهذا شرط واسع؛ فإن على هذا الأصل، كل حديث ¬

_ = والحديث الثاني حديث معاوية: من شرب الخمر فاجلدوه، فإن عاد في الرابعة فاقتلوه/ جامع الترمذي/ كتاب الحدود - باب ما جاء من شرب الخمر الخ 2/ 449، 450 حديث 1472 وشرح العلل 1/ 4، وقد علق ابن رجب على قول الترمذي: "ما أخرجت في كتابي هذا الا حديثًا قد عمل به بعض الفقهاء ... الخ"، بقوله: كأن مراد الترمذي رحمه الله تعالى، أحاديث الأحكام. شرح العلل 1/ 5 أقول فكأن شرط الترمذي هذا ليس منسحبًا على كل أبواب الجامع وإنما هو مختص بأبواب أحاديث الأحكام فقط، ومن نظر في أبواب الجامع وما ورد تحت كل منها، وجد أن أحاديث الأحكام تقارب نصف أحاديث الكتاب، والباقي للأبواب الأخرى من عقائد وآداب وغيرهما، مع التوسع في أبواب المواعظ والرقائق والآداب والتفسير والمناقب/ الإمام الترمذي/ د. عتر/ 43، ثم إن ابن رجب ذكر أن الحديثين اللذين استثناهما الترمذي قد عمل بكل منهما بعض العلماء شرح العلل / 1/ 5 وقرر الخطابي والنووي ذلك بالنسبة للحديث الأول وتابعهما الشيخ شاكر على ذلك/ انظر تعليق الشيخ شاكر على جامع الترمذي 1/ 357 - 359، وأما الحديث الثاني فممن عمل به ابن حزم. المحلى 11/ 442، ثم ذكر ابن رجب أن اقتصار الترمذي على استثناء هذين الحديثين غير مسلم، لوجود أحاديث أخرى عنده لم يؤخذ بها وذكر منها ثلاثة أحاديث وكلها من أحاديث الأحكام، شرح العلل مع تعليق د. عتر عليها 1/ 8 - 15، ولعل هذا ما جعل ابن رجب يميل إلى أن شرط الترمذي المذكور خاص بأحاديث الأحكام فقط الخ. من الجامع دون بقية أحاديث الكتاب التي تقارب نصفه كما تقدم ولعل هذا الذي مال إليه ابن رجب يقوي معارضة المؤلف الآتية في أن الترمذي توسع في شرطه في الكتاب كله كما قرره أبو نصر المذكور ومن وافقه، وليس في أحاديث الأحكام فحسب/ انظر شروط الأئمة لابن طاهر/ 13 والإمام الترمذي للدكتور عتر 56، 99، 152، 155.

احتج به محتج، أو عمل به (¬1) عامل، [أخرجه] (¬2) سواء صح طريقه أو لم يصح، وقد أزاح عن نفسه الكلام، فإنه شفَى في تصنيفه، وتكلم على كل حديث بما فيه (¬3). قوله: وهذا شرط واسع، ليس كما ظهر له، إلا لو كان الترمذي التزم (¬4)، أن يذكر كل حديث هو بتلك المثابة (¬5)، وأما قوله: وما أخرجت في كتابي إلا ما كان كذلك، فلا يلزم منه ذلك المراد. وقد أطلق عليه الحاكم أبو عبد الله: الجامع الصحيح (¬6)، ¬

_ (¬1) في شروط الأئمة/ 13 "بموجبه". (¬2) من شروط الأثمة لابن طاهر/ 13. (¬3) في شروط الأئمة/ 13 "بما يقتضيه". (¬4) بالأصل "ألزم" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى. (¬5) بالهامش تعليق على هذا بالآتي: [لم يقل]: إنه يخرج كل حديث بهذه المثابة؛ وإنما قال: إنه توسع في كتابه، بأنه لم يشترط فيما أخرجه زيادة على: أن قال به بعض الفقهاء، قلت: على أن الترمذي قد استثنى حديثين من هذه القاعدة فقال في العلل: إنه لم يقل بهما أحد من أهل العلم، والله أعلم هـ. (¬6) مقدمة ابن الصلاح مع التقيد والإيضاح/ 60 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 وقد وجّه ابن الصلاح ومن بعده الحافظ ابن حجر إطلاق الحاكم هذا بأنه سائغ بناءًا على أن الحاكم ممن لا يرى التفرقة بين الصحيح والحسن، ومجموعهما في جامع الترمذي أكثر من المردود، فيكون هذا الإطلاق من الحاكم مرادًا به أغلب ما في الجامع، ومراده بالصحيح في كلامه: المقبول الذي يشمل الصحيح والحسن، وإلا فإن الصحيح فقط في الجامع أقل من مجموع الحسن والضعيف/ الإفصاح على مقدمة ابن الصلاح ونكت العراقي/ ق 61.

وأطلق الخطيب أبو بكر عليه أيضًا اسم: الصحيح (¬1). وذكر الحافظ أبو طاهر السِّلَفي (¬2) الكتب الخمسة، وقال: اتفق على صحتها علماء/ المشرق والمغرب (¬3). وهذا محمول منه على ما لم يصرح بضعفه منها ¬

_ (¬1) فتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 ومقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 60 وتاريخ بغداد 2/ 42. (¬2) السِّلفي -بكسر السين المهملة وفتح اللام وفي آخرها الفاء، نسبة إلى "سِلْفة" جَدُّ أبي طاهر المذكور، فهو أحمد بن محمد بن أحمد بن ابراهيم بن سلفة الأصبهاني، عني بجمع الحديث وسماعه من الحفاظ المشهورين، وبعد ترحاله في طلب الحديث استقر بالاسكندرية وانتهى إليه علو الإسناد، ثم توفي بالاسكندرية في خامس ربيع الآخر سنة 576 هـ الأنساب/ 7/ 171 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 3، 4 وهامش الاكمال / 4/ 468، 469. (¬3) مقدمة السلفي لمعالم السنن للخطابي مع معالم السنن 8/ 146، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 83 والتدريب/ 95 وكذا أطلق ابن الأثير عليه اسم الصحيح/ جامع الأصول 1/ 193 وقول السِّلَفي هذا نقله عنه أيضًا ابن الصلاح/ 60 المقدمة مع التقييد والإيضاح، وتعقبه بقوله: وهذا تساهل، لأن فيها -يغني سنن أبي داود والترمذي والنسائي- ما صرحوا -أي مؤلفوها- بكونه ضعيفًا، أو منكرًا، أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف ... والترمذي مصرِّح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن هـ. وقد تعقب العراقي ابن الصلاح فقال: وإنما قال السلفي: بصحة أصولها وكذا ذكره في مقدمة الخطابي، فقال: وكتاب أبي داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفاظ الحديث الاعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها. قال العراقي: ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون هو صحيحًا ... التقييد والإيضاح/ 62؛ لكن الحافظ ابن حجر انتصر لابن الصلاح فعقب على قول العراقي المتقدم، فقال: قلت: وحاصله توهيم ابن الصلاح في نقله لكلام السلفي، وهو في ذلك تابع للعلامة مغلطاي، وما تضمنه -يعني كلام العراقي- من الانكار ليس بجيد، إذ العبارتان جميعًا موجودتان في كلام =

مُخَرّجُه أو غيره (¬1). وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: وليس في قدر كتاب (¬2) ¬

_ = السلفي؛ لكن ما نقله مغلطاي وتبعه شيخنا -يعني العراقي- أسبق، ثم عاد السلفي وقال ما نقله ابن الصلاح عنه بزيادة، قال ابن حجر: ولفظه: وأما السنن فكتاب له [صيت] في الآفاق، ولا يُرَى مثله على الإطلاق، وهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب ... ". ثم قال ابن حجر: وإذا تقرر هذا ينبغي حمل كلام السلفي على نحو ما حملنا عليه كلام الحاكم، قال: وقد سَبَق إلى نحو ذلك الشيخ محيي الدين -النووي- فقال إثر كلام السلفي: مراده بهذا أن معظم الكتب الثلاثة يحتج به، أي صالح لأن يحتج به؛ لئلا يَرِدُ على إطلاق عبارته المنسوخ والمرجوح عند المعارضة، والله أعلم هـ./ مقدمة ابن الصلاح والتقييد والايضاح/ 62 ونكت الحافظ ابن حجر/ ل 63 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 84، أقول: وما ذكره العراقي من أن كلام السلفي السابق مذكور في مقدمة الخطابي، وأقره تلميذه ابن حجر وزاد عليه، ومِن بعدِهما السخاوي، هو موجود فعلًا في مقدمته لمعالم السنن للخطابي كما تقدمت الإحالة عليها، ومنها صوبت نص ما نقله الحافظ ابن حجر عنها بلفظه كما مر. (¬1) نقل السخاوي عن الحافظ العراقي في شرحه الكبير لألفيته: أن حمل ابن سيد الناس قول السلفي على هذا يقتضي أن ما كان في الكتب الخمسة مسكوتًا عنه، ولم يصرح بضعفه، يكون صحيحًا، ثم قال العراقي: وليس هذا الاطلاق صحيحًا، بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود، ولم نجد لغيرهم فيها كلامًا ومع ذلك فهي ضعيفة، ثم قال: وأحسن من هذا قول النووي ... وساق كلام النووي السابق ثم قال: ويجوز أن يقال: إنه لم يعتبر الضعيف الذي فيها لقلته بالنسبة الى النوعين هـ فتح المغيث للسخاوي 1/ 83، 84. (¬2) عبارة ابن العربي: وليس فيهم مثل كتاب أبي عيسى: حلاوة مقطع ... الخ/ عارضة الأحوذي 1/ 5.

أبي عيسى مثله.، حلاوة مَقْطَع، ونفاسة مَنْزَع، وعذوبة مَشْرَع، وفيه أربعةُ عشر علمًا فرائد: صَنَّف (¬1)، وذلك أقرب إلى العمل، وأسند وصحح، وأشهر (¬2)، وعدد الطرق، وجَرَّح وعدَّل، وأَسْمَى، وأكْنَى، ووصَل وقطَع، وأوضح المعمول به والمتروك، وبين اختلاف العلماء في الرد والقبول لآثاره، وذكر اختلافهم في تأويله. وكل علم من هذه العلوم أصل في بابه، فرد في نصابه (¬3). قال الإمام أبو عبد الله محمد بن عمر بن رُشَيْد (¬4) -رحمه الله-: هذا الذي قاله القاضي أبو بكر -رحمه الله- في بعضه تداخل، مع أنه لم يستوفِ تعديد علومه، ولو عدد ما في الكتاب من الفوائد -بهذا ¬

_ (¬1) أي: بوب ووضع عناوين للأبواب مستنبطة من معاني الأحاديث، كقوله: أبواب الطهارة عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحو ذلك ثم وزع الأحاديث أصنافًا تحت الأبواب الدالة عليها، وبذلك سهل على الأمة العمل بتلك الأحاديث فيما دلت عليه/ انظر الجامع للخطيب البغدادي 2/ 284، 285، ط الطحان. (¬2) عارضة الأحوذي / 1/ 6 وفيها "أسلم" ولكن المعنى عليه غير واضح. (¬3) العارضة 1/ 6. (¬4) هو الإمام المحدث محب الدين أبو عبد الله، محمد بن عمر بن محمد بن عمر بن محمد بن إدريس أو (أويس) بن سعيد بن مسعود بن حسن بن محمد بن عمر بن رشيد الفهري السبتي، كان عالي الإسناد، صحيح النقل تام العناية بصناعة الحديث قَيِّمًا عليها بصيرًا بها، محققًا فيها، قرأ ببلده، ثم رحل إلى مصر والشام والحجاز، ومن شيوخه: الدمياطي، والقُطْب القسطلاني، وله رحلة سماها "مِلْء العَينة" ضمنها شيوخه ورحلاته، ومن مؤلفاته: تَرْجُمان التراجم على أبواب البخاري - مولده سنة 657 هـ بسبتة ووفاته بفاس في محرم سنة 721 هـ/ طبقات الحفاظ للسيوطي 524، 525 ولحظ الألحاظ لابن فهد/ ضمن ذيول تذكرة الحفاظ 96 - 99.

الاعتبار- لكانت علومه أكثر من أربعة عشر؛ فقد حسَّن، واستغرب، وبَين المتابعة والانفراد، وزيادات الثقات وبين المرفوع من الموقوف، والمرسَلَ من الموصول، والمزيدَ في مُتصلِّ الأسانيد، ورواية الصحابة بَعضِهم عن بعض، ورواية التابعين بَعضِهم عن بعض، ورواية الصاحب عن التابع، وعدد من روى ذلك الحديث من الصحابة ومن تثبت صحبته ومن لم تثبت، ورواية الأكابر عن الأصاغر إلى غير ذلك، وقد تدخل رواية الصاحب عن التابع تحت هذا، وتاريخ الرواة. وأكثر هذه الأنواع قد صُنف في كل نوع منها، وفي الذي بيناه ما هو أهم للذكر. والأجْرَى على واضح الطريق أن يقال: إنه تضمن الحديث مصنفًا على الأبواب، وهو علم (¬1) برأسه، والفقه عِلْم ثان، وعلل الأحاديث، ويشتمل على بيان الصحيح من السقيم، وما بينهما من المراتب، علم ثالث، والأسماء والكنى، رابع، والتعديل والتجريح، خامس، ومن أدرك النبي صلى الله عليه وسلم، ممن لم يدركه ممن أسند عنه في كتابه، سادس، وتعديد من روى ذلك الحديث، سابع. هذه علومه الجُمْلية. وأما التفصيلية/ فمتعددة، وبالجملة فمنفعته كبيرة، وفوائده كثيرة، انتهى مما ذكره ابن رشيد. ومما لم يذكراه أيضًا ولا أحدهما: ما تضمنه من الشذوذ وهو نوع ثامن، ومن الموقوف، وهو تاسع، ومن المدرج، وهو عاشر، وهذه ¬

_ (¬1) بالأصل: "على" ولا يستقيم المعنى عليها، والمثبت من مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 356.

الأنواع مما يكثر في فوائده التي تُسْتَجاد منه، وتُستفاد عنه. وأما ما يقل فيه وجوده من الوفيات، أو التنبيه على معرفة الطبقات وما يَجري مجرى ذلك، فداخِل فيما أشار إليه من فوائده التفصيلية. وسيأتي الكلام على هذه الأنواع، وما للناس فيها من تعريفات ورسوم تامة أو ناقصة، عند ذكر العلل في آخر الكتاب، حيث هو موضوع فيه، حاشا الحسن وما قد يقترن به من صحيح تارة، وغريب أخرى، في قوله: حسن صحيح، وآخر: غريب، أو الجمع بينهما (¬1) وما استدعى ذلك الكلام عليه مما هو واقع في طريقه على سبيل الاختصار، فإني أذكره هاهنا لغرضين. أما الأول: فلأنه -أعني الحسن- كثير في كتابه، قليل عمن تقدمه، لا سيما على الوضع المصطلَحِ عليه عنده (¬2). ¬

_ (¬1) أي بين الصحة وبين الغرابة مع الحُسن كقوله: حسن صحيح غريب، وانظر شرح العلل لابن رجب 1/ 342. (¬2) قوله: "قليل عمن تقدمه لا سيما على الوضع المصطلح عليه عنده" يفيد أن الحسن استُعمِل ولو قليلًا عند من تقدموا على الترمذي على الوضع المصطلح عليه عنده، وهذا ما يُفهَم مما نقله المؤلف بعد قليل عن ابن الصلاح، من أن الترمذي أكثر ذكر الحسن في جامعه، وأنه يوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبلهم، وكذا قرر غير واحد من علماء المصطلح الذين اشتغلوا بشرح جامع الترمذي كما سيأتي ذكره عنهم، لكن المؤلف سيأتي بعد هذا تصريحه أكثر من مرة بأن الترمذي لم يسبقه أحد إلى مراده بالحديث الحسن، وهذا كما ترى مخالف لما يُفهَم من عبارته هنا، فصار بين قوليه تناقض، وقوله الأول هنا هو الصواب إن شاء الله، ولذا سنردُّ عليه قوله الثاني بالدليل عند أول موضع يرد فيه بعد قليل/ ص 196 وما بعدها.

الثاني: أنه ربما جر الكلام عليه، إلى ما يقتضي الجواب عما ظاهره التناقض من تصرفاته في مواضع (¬1). أحدها: الحكم بالإسناد الواحد -أو ما هو في معناه- على الحديثين، أو الأحاديث، بالحُسن في أحد الطرفين، والصحة في الأخر، مما يُوْرَد ذلك عليه (¬2)، كما فعله ابن القطان وغيره، لِمَا هو المعروف من أن جُل الحكم على الحديث إنما هو تبع للحكم على سنده. الثاني: حيث يقول: حسن صحيح، في الحكم على الحديث الواحد؛ لما هو مستقر من مرتبة الصحيح، وما قرره الترمذي في (¬3) قصور الحسن عنده عن مرتبة الصحيح، فأثبتَ له من الصحة ما نفاه عنه بالحُسْن. الثالث: حسن غريب؛ لا قرر في الحسن، من أنه لا يكون شاذًا وأن يروى من غير وجه نحو ذلك (¬4)، وهذا ظاهره ينافي الغرابة، وربما جمع فقال: صحيح حسن غريب (¬5). فنقول: قال الإمام أبو عمرو ابن الصلاح -رحمه الله- كتاب الترمذي أصل في معرفة الحسن، وهو الذي نوه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه، ويوجد في متفرقات، من كلام بعض مشايخه، والطبقة التي قبلهم. ¬

_ (¬1) بالأصل "موضع" وما أثبته هو الذي يستقيم المعنى عليه. (¬2) أي يُعتَرضُ عليه فيه. (¬3) كذا الأصل والأقرب "من". (¬4) انظر جامع الترمذي/ كتاب العلل / 5/ 413. (¬5) انظر مثلًا الجامع 2/ 9 ح 506، / 100، 101 ح 689.

[كأ] (¬1) حمد بن حنبل، والبخاري -المفضل (¬2) -؛ ولكن لم يذكر الإمام أبو عمرو: هل هو في مصطلح من تقدم الترمذي كما هو في مصطلحه، أو لا؟ بل لعله عند قائليه من المتقدمين يجري مجرى الصحيح، ويدخل في أقسامه؛ فإنهم لم يرسموا له رسمًا يقف الناظر عنده، ولا عرَّفوا مُرادهم منه بتعرِيف يجب المصير إليه ولم يذكر الترمذي في التعريف به ما ذكر حاكيًا عن غيره، ولا مشيرًا إلى أنه هو الاصطلاح المفهوم من كلام مَن تقدمه (¬3)؛ بل ذَكر مَا ذَكر مِن ¬

_ (¬1) مَمحُوَّة بالأصل وأثبتها من كتاب ابن الصلاح/ 32. (¬2) قوله "المفضل" ليست في كلام ابن الصلاح ولعل المؤلف زادها لتحصل السجعة مع: أحمد بن حنبل/ مقدمة ابن الصلاح/ 32. (¬3) قرر المؤلف هنا: 1 - أن الترمذي وابن الصلاح لم يتعرضا لبيان اصطلاح الحسن عند المتقدمين على الترمذي، ولا لبيان علاقة الحسن عنده بالحسن عندهم. 2 - أعرب عن ميله إلى أن الحسن عند قائليه من المتقدمين على الترمذي قسم من الصحيح، وسيأتي بعد قليل قطعه بذلك صراحة حيث نقل قول ابن الصلاح: إن من أهل الحديث من يجعل، لحسن مندرجًا في أنواع الصحيح، ثم عقب على ذلك بقوله: وإشارة من أشار إلى أن ما وقع من ذلك في كلام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما محمول على الصحيح، جديرة بالصحة، خليقة بالعثور على المراد، ص 296. وسيأتي أيضًا قوله: إن الترمذي لم يسبقه أحد إلى مراده بالحسن، ص 278. وقوله: وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي وضعه، حتى يُشاحَحَ في إطلاقه ويُطلبَ منه اطراد رَسْمه منفردًا أو مُقتَرِنًا بالصحة، وأيد ذلك بقول ابن الصلاح المتقدم انظر ص 295. هذه خلاصة ما قرره المؤلف هنا وفيما سيأتي، ولكننا نجد من العلماء الذين مارسوا جامع الترمذي وعلم المصطلح في عصر المؤلف وما بعده، نجد من هؤلاء =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من تعرض لبيان ما أغفله الترمذي وابن الصلاح، مع مخالفتهم للمؤلف فيما قرره من أن الحسن عند قائليه من المتقدمين قسم من الصحيح، وأن الترمذي لم يسبق إلى مراده بالحسن، وأهم من وقفتُ على كلامه في هذا، الحافظ ابن رجب -وهو معاصر للمؤلف ومن شراح الترمذي- ثم الحافظ ابن حجر وهو من شراح الترمذي أيضًا والمشتغلين المحققين في علم مصطح الحديث. وخلاصة كلامهما: أن العلماء قبل الترمذي منهم من أطلق الحسن على غير المعنى الاصطلاحي له بنوعيه، أعني الحسن لذاته ولغيره عند الترمذي ومَن بعده. ومنهم من اختلف اطلاقه للحسن فلم يتعين مراده به، ومنهم من أطلقه بالمعنى الاصطلاحي للنوعيين، وعن بعض هؤلاء أخذ الترمذي واستمد. 1 - فَمِمَّن أطلق الحسن على غير المعنى الاصطلاحي بنوعيه: ابراهيم النخعي، وشعبة بن الحجاج، ومالك، وسفيان الثوري، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم، وبيان ذلك أن الخطيب البغدادي والرامهرمزي قد رويا بسنديهما عن إبراهيم النخعي قال: كانوا -يعني المحدثين- يكرهون إذا اجتمعوا أن يخرج الرجل أحسن حديثه، أو أحسن ما عنده، قال الخطيب: عَنَى ابراهيم بالأحسن: الغريب؛ لأن الغريب غير المألوف يستحسن أكثر من المشهور المعروف، وأصحاب الحديث يعبرون عن المناكير بهذه العبارة، ولهذا قال شعبة بن الحجاج، لما سئل: ما لَكَ لا تروي عن عبد الملك بن أبي سليمان، وهو حسن الحديث؟، فقال: من حسنها فررت، ويؤيد ذلك ما رواه الرامهرمزي بسنده عن ابراهيم النخعي أيضًا، قال: لا تحدث الناس بأحسن ما عندك فيرفضوك. ومن ذلك أيضًا ما حكى عن سفيان الثوري أنه كان إذا كان الحديث حسنًا لم يكد يحدث به، ولذلك أورد الخطيب قول إبراهيم النخعي الأول تحت باب "استحباب الرواية عن المشاهير والصدوف عن الغرائب والمناكير"، وبَوَّب الرامَهرمزي على ما تقدم عن ابراهيم وسفيان: باب من كره أن يَرْوي أحسن ما عنده/ انظر الجامع للخطيب 2/ 100، 101 والمحدث الفاصل للرامهرمزي 561 - 564 بتصرف والجرح والتعديل 1/ 146.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما الإمام مالك فأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن ابن وهب قال: سمعت مالكا سئل: عَن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء فقال: ليس ذلك على الناس. قال [ابن وهب]: فتركته حتى خف الناس فقلت له: عندنا في ذلك سنة، فقال: ما هي؟ قلت: حدثنا الليث بن سعد، وابن لهيعة، وعمرو بن الحارث عن يزيد بن عمرو المعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبلي عن المستورد بن شداد القرشي، قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يدلك بخنصره ما بين أصابع رجليه فقال: ان هذا الحديث حسن، وما سمعت به قط إلا الآن. قال [ابن وهب]: ثم سمعته بعد ذلك يُسأل فيأمر بتخليل الأصابع/ الجرح والتعديل 1/ 31، 32 وعندما ندرس اسناد هذا الحديث، فإننا نجده حسنًا لغيره؛ لأن ابن لهيعة مقرون بعمرو بن الحارث المصري، وهو ثقة/ التقريب 2/ 67 وبقية رواته ثقات ما عدا يزيد بن عمرو المعافري، فقد وثقه ابن حبان وقال أبو حاتم: لا بأس به وقال الحافظ ابن حجر صدوق/ التهذيب 11/ 351 والتقريب 2/ 369، لكن سياق القصة السابقة يفيد أن مالكًا قصد بحسنه غرابته عليه مع أنه أخذ به؛ وأيضًا فإن المؤلف قد أورده ضمن أنواع الحديث الغريب كما سيأتي مع حكمه بصحته/ ص 312، 313. وأما الإمام الشافعي فقد أخرج بسنده حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قعدت على حاجتك فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس. قال ابن عمر: ولقد ارتقيت على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجته، ثم قال الشافعي: وحديث ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، مسند حسن الإسناد، اختلاف الحديث بهامش الأم 7/ 269، 271، 272 والإفصاح لابن حجر 51 ب، والتقييد والإيضاح للعراقي/ 52 والنكت الوفية للبقاعي/ 71 ب/ وسيأتي في الأصل ذكر المؤلف له/ ص 871. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكذا قال عن حديث منصور عن ابراهيم عن علقمة عن ابن مسعود، في السهو في الصلاة/ الافصاح/ 51 ب، ويلاحظ أن هذين الحديثين صحيحان، متفق عليهما، فالأول أخرجه البخاري/ مع الفتح - كتاب الوضوء، باب من تبرز على لبنتين، وباب التبرز في البيوت 1/ 246، 250 ومسلم - كتاب الطهارة باب الاستطابة 1/ 225، وأخرجه الترمذي في جامعه، كتاب الصلاة - باب الرخصة في استقبال القبلة ببول أو غائط، وقال: حديث حسن صحيح/ جامع الترمذي 1/ 16، والحديث الثاني أخرجه البخاري -مع الفتح كتاب الصلاة- باب التوجه نحو القبلة حيث كان 1/ 503، ومسلم في كتاب المساجد - باب السهو والسجود له 1/ 400 أحاديث/ 89، 90، والإفصاح 51 ب. ولهذا قال الحافظ ابن حجر: إن حكم الشافعي هذا بالحُسْن خلاف الاصطلاح/ 51 ب. يعني اصطلاح المتأخرين. وأما الإمام أحمد فإنه سئل فيما حكاه الخلال - عن أحاديث نقض الوضوء بمس الذكَر، فقال: أصح ما فيها حديث أم حبيبة رضي الله عنها/ الإفصاح/ 51 ب والحديث أخرجه ابن ماجه في سننه -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 162 من طريقين عن العلاء بن الحارث عن مكحول عن عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، وقد أخرج الترمذي في جامعه سنده، ولم يسُق متنه لذكره قبله حديث بُسرة الآتي، وهو بنحو حديث أم حبيبة، ثم قال: قال أبو زرعة: حديث أم حبيبة في هذا الباب صحيح، ثم قال: وقال محمد -يعني البخاري- لم يسمع مكحول من عنبسة بن أبي سفيان عن أم حبيبة، قال الترمذي: وكأنه -أي البخاري- لم ير هذا الحديث صحيحًا 1/ 56 وذكر هذا الخلاف في تصحيح الحديث في كتاب العلل الكبير أيضًا ولم يرجح شيئًا / ترتيب العلل الكبير/ ق 9 وقد أعل البوصيري الحديث بالانقطاع لعنعنة مكحول وهو مدلس، ولقول البخاري السابق: إن مكحولًا لم يسمع من عنبسة عن أم حبيبة/ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري 1/ 69، وبمثله قال أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان/ المراسيل لابن أبي حاتم/ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 211 وعلل الحديث له / 1/ 38، 39، لكن الحافظ ابن حجر رد على القول بعدم سماع مكحول من عنبسة، ومال إلى تصحيح الحديث، التلخيص الحبير 1/ 124 وقال الخلال: إن أحمد سئل عن حديث بسرة رضي الله عنها في نقض الوضوء من مس الذكر أيضًا فقال: صحيح/ الإفصاح/ 51 ب والحديث أخرجه أبو داود -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 125، 126 حديث 81 والنسائي -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر 1/ 100، 216 وابن ماجه كتاب الطهارة - باب الوضوء من مس الذكر 1/ 161 حديث 479 والترمذي -كتاب الطهارة- باب الوضوء من مس الذكر، وقال: حديث حسن صحيح، ونقل عن البخاري قوله: أصح شيء في هذا الباب حديث بسرة 1/ 126 - 129 حديث 82، وقد أخرج أحمد الحديث من طريق الترمذي التي صححها، وغيرها/ المسند 6/ 406، 407. وقال الخلال: حدثنا أحمد بن أصرم أنه سأل أحمد عن حديث أم حبيبة السابق ذكره في الوضوء من مس الذكر، فقال: حديث حسن/ الإِفصاح/ 51 ب، ويلاحظ أنه تقدم قوله عن نفس الحديث: إنه أصح ما في الباب، وقال عن حديث بسرة في الباب: صحيح، فمقتضى ذلك أن يكون حديث أم حبيبة عنده أصح من حديث بسرة الصحيح، مع أنه وصف حديث أم حبيبة بأنه حسن، ولذا قال الحافظ ابن حجر: فظاهر هذا أنه لم يقصد المعنى الاصطلاحي؛ لأن الحسن لا يكون أصح من الصحيح/ الإفصاح/ 51 ب. 2 - وممن اختلف اطلاقه للحسَن: أبو حاتم الرازي، ففي ترجمة عمرو بن محمد، الذي يروي عن سعيد بن جبير قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عنه فقال: هو مجهول والحديث الذي رواه عن سعيد بن جبير، حسن/ الجرح والتعديل 6/ 262، قال الحافظ ابن حجر تعليقًا على هذا: وكلام أبي حاتم هذا محتمل؛ فإنه يُطلِق المجهول على ما هو أعم من المستور وغيره، فيحتمل أن يكون حكم على هذا الحديث بالحسن؛ لأنه روي من وجه آخر، فيوافق كلامه كلام =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الترمذي -يعني في تعريف الحسن، كما نقله عنه المؤلف- قال الحافظ: ويحتمل أن يكون حكم بالحسن وأراد المعنى اللغوي أي أن متنه حسن والله أعلم/ الإفصاح 51 ب/ أقول وسيأتي موقف الشارح من إطلاق الحسن بالمعنى اللغوي على المتن ومناقشته بعد قليل. ثم إنه قد جاء عن أبي حاتم أنه قال عن عمرو بن حصين البصري: هو ذاهب الحديث ليس بشيء، أخرج أول شيء أحاديث مشبهة خسانًا، ثم أخرج بعدُ لابن عُلاَثة -أحد شيوخه- أحاديث موضوعة فأفسد علينا ما كتبنا عنه؛ فتركنا حديثه/ الجرح والتعديل 6/ 229، وقد اعتبر السيوطي قول أبي حاتم هذا من إطلاق الحسن بالمعنى الاصطلاحي/ التدريب 1/ 178 مع أن سياقه يدل على أن مراده به المقبول، وهو أعم من الحسن كما هو معروف؛ لكن نقل عنه البقاعي إطلاقه الحسن بمعنى غير المحتج به، وهوعكس قوله المتقدم فقد ذكر البقاعي عن ابن أبي حاتم أنه قال: سألت أبي عن حديث فقال: إسناده حسَن، فقلت يحتج به؟ فقال: لا/ النكت الوفية للبقاعي/ 165 وجاء عنه أيضًا وصف بعض الأحاديث بقوله: صحيح حسن غريب/ شرح العلل لابن رجب 1/ 343. 3 - وممن وافق اطلاقه للحسن المعنى الاصطلاحي لنوعي الحسن، الإمام علي بن المديني؛ فإنه -كما قال الحافظ ابن حجر- قد أكثر من وصف الأحاديث بالصحة والحسن، في مسنده، وفي علله، قال الحافظ: وظاهر عبارته قصد المعنى الاصطلاحي، وكأنه الإمام السابق بهذا الاصطلاح، وعنه أخذ البخاري، ويعقوب بن شيبة، وغير واحد وعن البخاري أخذ الترمذي. فمن ذلك ما ذكره الترمذي في العلل الكبير/ ترتيب العلل/ ل 10 / أنه سأل البخاري عن أحاديث التوقيت في المسح على الخفين، فقال: حديث صفوان بن عَسَّال صحيح، وحديث أبي بكرة حسن. وحديث صفوان أخرجه الترمذي في جامعه في لطهارة باب المسح على الخفين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = للمسافر والمقيم 1/ 159 - 162 حديث 96، وفي الدعوات - باب ما جاء في فضل التوبة والاستغفار 5/ 204 - 206 حديثي 3601، 3602، وهو في كلا الموضعين من طريق عاصم بن أبي النجود، ومع هذا قال الترمذي في الموضعين: حسن صحيح، وفي باب المسح على الخفين نقل عن البخاري قوله: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عَسَّال المُرادي، مع أنه نقل عنه في العلل كما تقدم: أنه صحيح. وكذا قال الحافظ ابن حجر: وحديث صفوان المشار إليه موجود فيه شرائط الصحة/ الإفصاح 25 أ، مع أن في سنده كما قدمت: عاصمًا بن أبي النجود وقد قال عنه الحافظ في التقريب: صدوق له أوهام، وحديثه في الصحيحين مقرون/ التقريب 1/ 283، فلعل تصحيحه لما وُجِد من متابعات لعاصم تفيد خروج هذا الحديث عما وَهِم فيه، فقد قال الترمذي بعد تخريج الحديث وتصحيحه: وقد رُوِي هذا الحديث عن صفوان بن عَسال أيضًا من غير حديث عاصم/ الترمذي 1/ 162 ط شاكر، وذكر الحافظ في التلخيص بعض من تابعوا عاصمًا عليه، وأشار إلى غيرهم/ التلخيص الحبير 1/ 157. وأما حديث أبي بكرة فقد أخرجه ابن ماجه -كتاب الطهارة- باب التوقيت في المسح 1/ 184 حديث 556، وابن الجارود في المنتقى -كتاب الطهارة- باب المسح على الخفين/ 39 حديث 87، والدارقطني في سننه - كتاب الطهارة باب الرخصة في المسح على الخفين 1/ 194 حديث 1، ثلاثتهم من طريق المهاجر بن مخلد أبو مخلد، كما ذكر ابن حجر أن ابن حبان أيضًا قد أخرجه وكذا الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي والترمذي في العلل المفرد/ التلخيص الحبير 1/ 157. قلت: ولكني لم أجده من طريق المهاجر في ترتيب العلل/ ل 10، ولم أجد تخريج البيهقي له من طريق المهاجر المذكور؛ ولكنه أشار إليها فيه فقط وقال: انها الأولى أن تكون محفوظة السنن 1/ 276، باب التوقيت في المسح، ووجدت تخريج ابن حبان له من طريق المهاجر/ الإحسان 2/ 447 حديث 1318. وقد ذكر الحافظ ابن حجر تحسين البخاري للحديث، وتخريجه من ابن ماجه من طريق المهاجر كما تقدم ثم قال: والمهاجر، قال وهيب: إنه كان غير حافظ، وقال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن معين: صالح، وقال الساجي: صدوق، وقال أبو حاتم: لين الحديث، يكتب حديثه، فهذا على شرط الحسن لذاته كما تقرر/ الافصاح 52 أ / أقول: وقوله: كما تقرر، إشارة إلى أنه قبل هذا بقليل قال: إن رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والاتقان، مع اتصال السند، فهذا هو الحسن لذاته وهو الذي لم يتعرض الترمذي لضبطه -يعني تعريفه كما عَرَّف الحسن لغيره / الافصاح 47 أ، ثم لما انتهى الحافظ إلى تحسين الحديث لذاته من طريق المهاجر، قال: وإن كان ابن حبان أخرجه في صحيحه فذاك جرى على قاعدته في عدم التفرقة بين الصحيح والحسن، فلا يُعتَرَض به/ الافصاح 52 أ. أقول: لكن بقي على الحافظ أنه قال عن المهاجر المذكور في التقريب 2/ 278: إنه مقبول، واصطلاحه في هذا الكتاب لا يفيد أن من قال عنه: مقبول، يكون حديثه حسنًا لذاته/ انظر مقدمة التقريب 1/ 5. ثم ذكر الحافظ ممن أطلق الحسن بالمعنى الاصطلاحي عند الترمذي، الامام البخاري فقال: وذكر الترمذي أيضًا -في الجامع- أنه سأل البخاري عن حديث شريك بن عبد الله النخعي عن أبي إسحق عن عطاء بن أبي رباح عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من زرع في أرض قوم بغير أذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته -وهو من إفراد شريك عن أبي إسحق- فقال البخاري: هو حديثه حسن/ الإفصاح/ 52 أ. أقول: والحديث أخرجه الترمذي في كتاب الأحكام - باب من زرع في أرض قوم 3/ 639، 640 حديث 1366 وبقية كلام البخاري عنه: لا أعرفه من حديث أبي إسحق إلا من رواية شريك، وساق سنده به من طريق عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع بن خَديج، وقد حسن الترمذي الحديث وتقاربت عبارته من عبارة البخاري السابقة، فقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث أبي إسحق إلا من هذا الوجه من حديث شريك بن عبد الله اهـ. قال الحافظ ابن حجر: وتفرد شريك بمثل هذا الأصل عن أبي إسحق، مع كثرة الرواة عن أبي إسحق مما يوجب التوقف عن الاحتجاج به، لكنه اعتضد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بما رواه الترمذي أيضًا -يعني عن البخاري كما تقدم- من طريق عقبة بن الأصم عن عطاء عن رافع رضي الكه عنه فَوَصَفه -أي البخاري- بالحُسن لهذا، وهذا على شرط القسم الثاني-يعني الحسن لغيره- فبان أن استمداد الترمذي لذلك إنما هو من البخاري، ولكن الترمذي أكثر منه، وأشاد بذكره، وأظهر الاصطلاح فيه، فصار أشهر من غيره والله أعلم، الافصاح/ 52 ب. أقول وهذا الذي قرره الحافظ ابن حجر ودعمه بالأمثلة التطبيقية، وإن كان في بعضها نظر كما قدمت، فقد قرر نحوه الحافظ ابن رجب أيضًا من قَبْلِه، وذلك بعد ممارسته لشرح جامع الترمذي كاملًا ووصوله إلى كتاب العلل الصغير الذي في آخره، حيث ذكر تقسيم الترمذي الحديث في جامعه إلى صحيح وحسن وغريب، وأنه قد يجمع تلك الأوصاف الثلاثة لحديث واحد وقد يذكر اثنتين منها أو واحدًا، ثم قال: وقد نسب طائفة من العلماء الترمذي إلى هذا التفرد بهذا التقسيم، ولا شك أنه هو الذي اشتهرت عنه هذه القسمة، وقد سبقه البخاري إلى ذلك كما ذكره الترمذي عنه في كتاب العلل: أنه قال في حديث البحر "هو الطهور ماؤه": هو حديث حسن صحيح، وأنه قال في أحاديث كثيرة: هذا حديث حسن، هـ انظر شرح العلل لابن رجب 1/ 342، 343 وجامع الترمذي - كتاب الطهارة باب ما جاء في ماء البحر أنه طهور 1/ 100، 101 حديث 69، وقال: حسن صحيح، وفي ترتيب العلل/ ل 7 أن البخاري قال: صحيح، فقط وفي هامشه تعقب لابن عبد البر على تصحيح البخاري للحديث بهذا الإسناد. والله أعلم. وقد ذكر السخاوي أن ابن المديني أطلق الحسن على ما يعتبر حسنًا لذاته وأطلقه البخاري على ما يعتبر حسنًا لغيره، ثم ذكر أن الترمذي هو الذي أكثر من التعبير به ونوه بذكره، ثم ذكر مثالًا لما حسنه البخاري وصححه الترمذي وغيره (انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 69، 72، 73). أما ما ذكره المؤلف من أن الترمذي لم يشر إلى أن هذا هو الاصطلاح المفهوم من كلام من تقدمه، فسيأتي الجواب عليه في التعليق على نص عبارة الترمذي من تعريف الحسن، في الصفحة التالية، وما بعدها.

ذلك حاكيًا عن مصطلحه مع نفسه في كتابه الجامع، فقال: وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حَسن، فإنما أردنا حُسْن إسناده، عندنا كُلُّ حديث يُروَى لا يكون في إسناده من يُتهَمُ بالكذب، ولا يكون الحديث شاذًا، ويروى من غير وجه نحو ذلك، فهو عندنا حديث حسن (¬1). فهذا كما ترى - إخبار عن مصطلحه في هذا الكتاب، فلو قال في كتاب غير هذا عن حديث بأنه حسن، وقال قائل: ليس لنا أن نفسر الحسن هناك بما هو مفسر به هنا إلا بعد البيان، لكان له ذلك (¬2). ¬

_ (¬1) العلل الصغير مع شرحه لابن رجب / 1/ 340. (¬2) هذا الذي قرره المؤلف من أن كلام الترمذي السابق حكاية عن مصطلحه مع نفسه وفي كتابه الجامع فقط عَده العراقي استشكالًا على من اعتبر تعريف الترمذي المذكور للحسن اصطلاحًا عامًا لأهل الحديث كابن الصلاح حيث اعتبر تعريف الترمذي تعريفًا اصطلاحيًا عامًا لأحد نوعي الحسن عند أهل الحديث/ المقدمة مع التقييد والإيضاح/ 46، 47 وقد تابعه على هذا من جاء بعده، ومنهم الحافظ العراقي في ألفيته وشرحها له 1/ 84، 85، 88، 89 فلما نقل العراقي تعريف الترمذي المذكور للحسن علق عليه بقوله: ولكن استشكل أبو الفتح اليَعْمُري -في شرح الترمذي- كَوْنَ هذا الحد الذي ذكره الترمذي اصطلاحًا عامًا لأهل الحديث، ثم ساق -أي ابن سيد الناس- عبارته -أي عبارة الترمذي- ثم قال: أي ابن سيد الناس - فَقيَّد الترمذي تفسير الحسن بما ذكره في كتاب الجامع، قال العراقي: فلذلك قال أبو الفتح اليعمري، في شرح الترمذي: إنه لو قال قائل: إن هذا إنما اصطلح عليه الترمذي في كتابه هذا ولم ينقله إصطلاحًا عامًا كان له ذلك، ثم قال العراقي: فعلى هذا لا ينقل عن الترمذي حد الحديث الحسن بذلك مطلقًا بالاصطلاح العام/ التقييد والإيضاح/ 45 بتصرف يسير، والنكت الوفية/ 62 أ، ولم يجب العراقي عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذا في النكت على ابن الصلاح. وكذا ساقه السيوطي ولم يجب عنه/ التدريب 1/ 156 أما السخاوي فقد نقل عن العراقي في شرحه الكبير لألفيته أنه قال: الظاهر أنه -أي الترمذي- لم يرد بقوله: "عندنا كل حديث الخ"، حكاية اصطلاحه مع نفسه، وانما أراد أهل الحديث، كقول الشافعي: وإرسال ابن المسيب عندنا، أي أهل الحديث، فإنه كالمتفق عليه بينهم هـ فتح المغيث للسخاوي 1/ 64 ونحو هذا ذكر الحافظ ابن حجر فقال: إن الترمذي احتمل أن لا يوافقه غيره، على اصطلاخ الحسن لغيره أو يبادر أحد بالإنكار عليه إذا وَصَف في جامعه حديث الراوي الضعيف أوما إسنادُه منقطع بكونه حسنًا! فاحتاج إلى التنبيه على اجتهاده في ذلك وأفصَح عن مصطلحه فيه، ولهذا أطلق الحسن لَمَّا عرف به فلم يُقيده بغرابة وغيرها، ونسبه إلى نفسه وإلى من يرى رأيه فقال: عندنا كل حديث، إلى آخر كلامه/ الإفصاح/ 45 أ. وقد عقب السخاوي على كلام العراقي السابق بأنه يُبعِدُه قول الترمذي: "وما ذكرناه في هذا الكتاب" وقوله: "فإنما أردنا به"، ثم قال: وحينئذ فالنون -يعني نا- في كلام الترمذي المذكور - لإظهار نعمة التلبس بالعلم المتاكد نعظيمُ أهلهِ، عملًا بقوله تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} (سورة الضحى آية 11). مع الأمن من الإعجاب ونحوه المذموم معه مثل هذا/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 64، 65. أقول: ويمكن الجواب عن تعقيب السخاوي هذا بان كلام الترمذي عبارة عن فقرتين: الفقرة الأولى قوله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب: حديث حسن فإنما أردنا حُسن إسناده" وهذه الفقرة يُحمل فيها الضمير "نا" على الترمذي وحده، على الاعتبار الذي ذكره السخاوي وهو إظهار نعمة التلبس بالعلم، ومقصود الترمذي بهذه الفقرة التنبيه على أن مقصوده بالحَسَن في جامعه عمومًا حُسْن الاسناد. وأما الفقرة الثانية فهي قوله: عندنا كل حديث يروى ... الخ. "وهذه جملة مستأنفة لبيان تعريف النوع المُشكِل -في نظره- مِنْ حُسن الإسناد عند أهل =

وأما غير الترمذي من طبقته وما قاربها، فإن الإِمام أبا عمرو -رحمه الله- زعم أن من مظان الحسن، كتاب أبي داود (¬1). وإنما أخذ ذلك من قوله: ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه، وما يقاربه (¬2) ¬

= الحديث كما ذكر العراقي، أو عند الترمذي ومن يرى رأيه كما قال ابن حجر، وعليه يكون ما وقع في جامع الترمذي من هذا -وهو عبارة- عن تطبيق من الترمذي لهذا التعريف العام، ويؤيد هذا ما نجده في غير موضع من الجامع، حيث يحكم الترمذي على الحديث بالحُسن ثم يتبع ذلك بنقل تحسينه أيضًا عن غيره، وأحيانًا تتقارب عبارته اللفظية مع عبارة مَن نَقل عنه، كما تقدم في حديث شريك: مَن زرع أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء، راجع جامع الترمذي كتاب الأحكام باب مَن زرع في أرض قوم .... / 3/ 639، 640 حديث 1366؛ لكن الترمذي لما أكثر من تطبيق هذا الاصطلاح في جامعه وَنوَّه به صار أشهر به من غيره ... والله أعلم. (¬1) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 52. (¬2) قال السخاوي: لفظه فيما رويناه في تاريخ الخطيب 9/ 57 من طريق ابن داسة عنه: "ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه" وذكر أن مقتضى العطف هنا المغايرة، فما يشبه الشيء وما يقاربه ليس به، ولذا قيل: إن الذي يشبهه هو الحسن، والذي يقاربه الصالح، ولزم منه جعل الصالح قِسْمًا آخر، وقول يعقوب بن شيبة: "إسناد وسط ليس بالثبْت ولا بالساقط، هو صالح"، قد يساعده" / فتح المغيث للسخاوي/ 73 وقال البقاعي: الصحيح يمكن أن يريد به الصحيح لذاته، الثاني: شبهه، ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره، الثالث مُقارِبه ويحتمل أن يريد به الحسن لذاته/ النكت الوفية/ 72 أ، وعلى أي من التفسيرين لا يكون تفسير المؤلف الآتي بعد قليل، من أن المراد بالجميع الصحيح مع تفاوته، غير مُسلم، وعبارة أبي داود هذه، بعض كتب المصطلح ذكرتها منسوبة =

وقد قال أبو داود: إنه يذكر في كتابه، في كل باب، أصح ما عرفه في ذلك الباب (¬1)، وقال: ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بينته، وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح، وبعضها أصح من بعض (¬2)، فلم يرسم شيئًا بالحُسن، وعمله في ذلك شبيه بعمل مسلم -الذي لا ينبغي أن يحمل كلامه على غيره- أنه اجتنب الضعيف الواهي، وأتى بالقسمين: الأول والثاني (¬3)، وحديث مَن مَثَّل ¬

_ = لأبي داود بدون تحديد مصدر لها مثل: مقدمة ابن الصلاح 52، وتقريب النووي 1/ 167 مع شرحه التدريب، وفتح المغيث للعراقي 1/ 45، وبعضها يعزوها إلى أبي داود في رسالته إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه (السنن) مثل: التقييد والإِيضاح/ 55، والنكت الوفية 72 أ، وكشف الظنون 2/ 1004، 1005، لكني رجعت إلى رسالة أبي داود المطبوعة طبعة محققة على نسخة موثقة وغيرها بواسطة الدكتور محمد الصباغ، فلم أجد بها هذا النص، وقال الحازمي في شروط الأئمة: وقد روينا عن أبي بكر ابن داسة أنه قال: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسمائة ألف حديث، انتخبت منها ما ضمنت هذا الكتاب ... وذكرت الصحيح، وما يشبهه وما يقاربه / شروط الأئمة للحازمي/ 55 ويفهم من تصرف الحازمي أن هذا الكلام ليس من رسالة أبي داود كما ذكرت المصادر السابقة، لأنه نقل أولًا نصًا من الرسالة وقال في نهايته: وذكر -أي أبو داود- باقي الرسالة، ثم قال: وقد رَوينا عن أبي بكر ابن داسة ... الخ، وكما ذكر الحازمي ذكر الخطيب في تاريخ بغداد بسنده عن ابن داسة/ تاريخ بغداد، 9/ 57. (¬1) رسالة أبي داود الى أهل مكة/ 22. (¬2) رسالة أبي داود/ 27. (¬3) هذا تعبير من المؤلف عن معنى كلام مسلم، وذلك أنه في مقدمة صحيحه قال: ثم إنا إن شاء الله مبتدئون في تخريج ما سألت، وتأليفه على شريطة سوف أذكرها لَك، وهو: أن نعمد إلى جملة ما أُسنِد من الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنقسمها ثلاثة أقسام، وثلاث طبقات من الناس: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فأما القسم الأول: فإنا نتوخى أن نقدم الأخبار التي هي أسلم من العيوب من غيرها وأنقى، من أن يكون ناقلوها أهل استقامة في الحديث، وإتقان لما نقلوا، لم يوجد في رواياتهم اختلاف شديد، ولا تخليط فاحش ... ثم قال: فإذا نحن تقصينا أخبار هذا الصنف من الناس أتبعناها أخبارًا يقع في أسانيدها بعض من ليس بالموصوف بالحفظ والإتقان، كالصنف المقدم قبلهم، على أنهم وإن كانوا -فيما وصفنا- دونهم فإن اسم الستر والصدق، وتعاطي العلم يشملهم، كعطاء بن السائب، ويزيد بن أبي زياد، وليث بن أبي سُلَيم وأضرابهم ... فعلى نحو ما ذكرنا من الوجوه، نؤلف ما سألت من الأخبار عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. فأما ما كان منها عن قوم هم عند أهل الحديث متهمون، أو عند الأكثر منهم، فلسنا نتشاغل بتخريج حديثهم، كعبد الله بن مِسْوَر، أبي جعفر المدائني، ثم قال: وكذلك مَن الغالب على حديثه المنكر أو الغلط، أمسكنا أيضًا عن حديثهم/. صحيح مسلم 1/ 4 - 7. وكلام الإمام مسلم صريح في أنه ذكر في صحيحه حديث القسم الأول استقصاءًا، وأتبعه ببعض أحاديث القسم الثاني وترك -كُلية- أحاديث القسم الثالث بأنواعه المذكورة، وهكذا قرر المؤلف، مع الإشارة إلى مطابقة ذلك لواقع الصحيح؛ ولكنه لم يوضح كيفية إيراد مسلم لحديث الطبقة الثانية، مع أن ذلك فهم في بيان ما هدف إليه من اثبات مشابهة عمل مسلم في صحيحه، لعمل أبي داود في سننه، ولكن قد أشار إلى ذلك القاضي عياض مِن قَبله، حيث قال: ووجدته -يعني مسلمًا- ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الطبقة الثانية منها على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب من الأولى شيئًا، ثم أضاف القاضي عياض قسمًا رأى أن مسلمًا لم يذكره عند تقسيم الطبقات، ولكنه ذكر بعضًا من حديثه على طريقة المتابعة والاستشهاد أيضًا في صحيحه، وذلك القسم هو المختلَف فيه من الرواة، فبعضهم اتهمه، وبعضهم صحح روايته، وبذلك يصبح عدد الأقسام التي ذكر مسلم حديثها ثلاثة، ويصبح القسم الذي تركه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رابعًا، إلا أن القاضي عياضًا بعد أن ذكر هذا قال: ويحتمل أن يكون -يعني مسلمًا- أراد بالطبقات الثلاث: الحفاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها ... / شرح النووي لمسلم 1/ 33، 34 وتوضيح الأفكار 1/ 104، 105، وعلى كلا الاحتمالين فالقاضي عياض أوضح -كما ترى- أن ذكر مسلم لأحاديث الطبقة الثانية، أو القسم الثاني أغلبُه في المتابعات والشواهد، وهذا خلاف ما قرره الحافظ ابن حجر من أن الأمر اشتبه على القاضي عياض ومَن تبعه في أحاديث أهل القسم الثاني الموجودة في صحيح مسلم، وبالتالي رد عليهم بما سيأتي بعد قليل. أما المؤلف فإنه ذكر إخراج مسلم للقسمين دون تفريق في كيفية الرواية عنهما، وبالتالي سوى بينه وبين أبي داود، وهذا هو المستحِق للرد الذي وجهه الحافظ ابن حجر للقاضي عياض ومَنَ تبعه كما أشرت من قبل، فقد قال الحافظ: الرواية عن أهل القسم الثاني موجودة في صحيحه -يعني مسلمًا- لكن فَرض المسألة هل احتج بهم كما احتج بأهل القسم الأول أم لا؟ ثم قال: والحق أنه لم يخرج شيئًا مما انفرد به الواحد منهم، وإنما احتج بأهل القسم الأول سواء تفردوا أم لا، ويخرج من أحاديث أهل القسم الثاني ما يترفع به التفرد عن أحاديث أهل القسم الأول، وكذلك إذا كان لحديث أهل القسم الثاني طرق كثيرة يعضُد بعضها بعضًا، فإنه يخرج ذلك، وهذا ظاهر بَيِّن في كتابه، ولو كان يخرج جميع أحاديث أهل القسم الثاني في الأصول؛ بل وفي المتابعات لكان كتابه أضعاف ما هو عليه، ألا تراه أخرج لعطاء بن السائب في المتابعات، وهو من المكثرين؟ ومع ذلك فما له عنده سوى مواضع يسيرة، وكذا محمد بن إسحق، وهو من بحور الحديث، وليس له عنده في المتابعات إلا ستة أو سبعة مواضع، ولم يخرج لليث بن أبي سُلَيم ولا ليزيد بن أبي زياد، ولا لمجالد بن سعيد، إلا مقرونًا، وهذا بخلاف أبي داود، فانه يخرج أحاديث هؤلاء في الأصول محتجًا بها، ولأجل ذا تخلف كتابه عن شرط الصحة / الإفصاح 53 ب، 54 أوفتح المغيث للسخاوي 1/ 78. ومن هذا يظهر أن ابن حجر اقتصر على القول: بأن مسلمًا ذكر في كتابه حديث =

به من الرواة من القسمين موجود في كتابه، دون القسم الثالث (¬1)، فَهلَّا ألْزَم الشيخُ أبو عمرو مسلمًا من ذلك ما أَلزمَ به أبا داود؟، فمعنى كلامهما واحد، وقول أبي داود: وما يشبهه يعني: في الصحة، وما يقاربه، يعني: فيها أيضًا (¬2) وهو نحو قول/ مسلم: إنه ليس كل الصحيح نجده عند مالك، وشعبة، وسفيان. فاحتاج إلى أن ينزل إلى مثل حديث ليث بن أبي سليم (¬3) وعطاء بن ¬

_ = القسم الأول احتجاجًا، والقسم الثاني استشهادًا غالبًا، والقسم الثالث تركه تمامًا، كما ذكر في مقدمة صحيحه. أما البقاعي -وهو تلميذ ابن حجر- فمع تصريحه بأن مسلمًا لم يأت من حديث القسم الثالث بشيء كما سيأتي نقله عنه قريبًا، إلا أنه في رده التفصيلي على المؤلف -كما سيجيء- قرر أن مسلمًا قد يروي عن القسم الثالث في المتابعات، ولم يحدد مقصوده بالقسم الثالث، هل هو ما ذكره القاضي عياض زيادة على ما ذكره مسلم، وهم الرواة المختلف فيهم قبولًا وردًا -كما تقدم - أو هو- ما ذكره مسلم نفسه، وهم المتروكون لتهمة أو غلبة الخطأ والنكارة على حديثهم؟. أو هو ما ذكره الحازمي في شروط الأئمة وهم من لم يسلم من غائلة جرح - كما سيأتي بيانه قريبًا؟. (¬1) وهو الضعيف الواهي/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 77. (¬2) تقدم جواب السخاوي والبقاعي عن هذا في الهامش رقم 3 ص 208 وما بعدها. (¬3) قال الذهبي: فيه ضعف يسير من سوء حفظه، وبعضهم احتج به، مات سنة 148 هـ. وقال المزي: استشهد به البخاري في الصحيح، وروى له مسلم مقرونًا بأبي إسحاق الشيباني/ الكاشف 3/ 14 وتهذيب الكمال 3/ 1155. قلت: ورواية مسلم التي أشار إليها المزي هي في كتاب اللباس والزينة - باب تحريم استعمال آنية الذهب وغيرها / صحيح مسلم 3/ 636 حديث 3 مكرر، وانظر تحفة الأشراف 2/ 63، 64 حديث 1916؛ لكن الحاكم عده فيمن أخرج له مسلم دون البخاري وذكر الرواية السابق ذكرها / المدخل إلى معرفة الصحيحين 1/ 407.

السائب (¬1)، ويزيد بن أبي زياد (¬2)، لما يشمل الكلَّ من اسم العدالة ¬

_ (¬1) قال الذهبي: ثقة ساء حفظه بآخره، وقال أبو حاتم: سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير، وأخرج البخاري له متابعة/ الكاشف - 2/ 265 ورواية البخاري التي أشار إليها الذهبي، في كتاب الرقاق - باب في الحوض ح 6578، مقرونًا بأبي بشر جعفر بن أبي وحشية، أحد الأثبات. وقال ابن حجر: ماله -يعني عطاء- عند البخاري إلا هذا الموضع - البخاري مع شرحه فتح الباري 11/ 463، 470 وهدي الساري/ 425 والمدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم 2/ 502، 653. وأما رواية مسلم له فقد أثبتها الحاكم فقال: روى له مسلم عن عبد الله بن بريدة عن أبيه، في زيارة القبور، وغير هذا في الشواهد ونقل عن ابن معين قوله في عطاء مرة: لا يحتج بحديثه، ومرة أخرى قال: كان قد اختلط؛ فمن سمع منه قبل الاختلاط فهو جيد، ومن سمع منه بعد الاختلاط فليس بشيء، ثم قال الحاكم تعقيبًا على هذا: فمسلم لم يجاوز في معناه شرطه في الخطبة، في الاستشهاد بأمثاله من المحدثين/ المدخل إلى معرفة الصحيحين 2/ 563. أقول: ورواية مسلم التي أشار إليها الحاكم موجودة فعلًا في صحيحه - كتاب الجنائز/ باب استئذان النبي -صلى الله عليه وسلم- ربه في زيارة قبر أمه 2/ 672 ح - 106 مكرر، ولم يوردها مسلم احتجاجًا، بل متابعة لرواية محارب ابن دِثَار -أحد الثقات- التي أخرجها مسلم قبل رواية عطاء المذكورة. ولعل تحديد الحاكم لموضع هذه الرواية في مسلم ولرواية ليث المتقدمة، وجوابه السابق عن تخريج مسلم لعطاء، لعل هذين الأمرين يفيدان أن قوله: إن مسلمًا عزم على تخريج الحديث على ثلاث طبقات من الرواة، فلم يُقدِّر له -رحمه الله- إلا الفراغ من الطبقة الأولى منه/ المدخل 1/ 27، ليس مقصوده به نفي رواية مسلم كلية عن الطبقة الثانية، كما فهم ذلك القاضي عياض وغيره وردوا على الحاكم بوجود أحاديث الطبقة الثانية هذه في مسلم، كعطاء بن السائب، وليث بن أبي سليم ويزيد بن أبي زياد/ انظر شرح النووي على مسلم بهامش القسطلاني 1/ 33 - 35 وتوضيح الأفكار 1/ 104 - 107. (¬2) رمز ابن حجر والمزي لتخريج البخاري له تعليقًا، وقا المزي والذهبي: أخرج =

والصدق، وإن تفاوتوا في الحفظ والإِتقان، ولا فرق بين الطريقين، غير أن مسلمًا شرط الصحيح، فَتَحَرَّج (¬1) من حديث الطبقة الثالثة، وأبا داود لم يشترطه، فذكر ما يشتد وَهنه عنده، والتزم البيان عنه وفي قول أبي داود: إن بَعضَها أصح من بعض، ما يشير إلى القدر المشترك بينهما من الصحة، وإن تفاوتت فيه، لما تقتضيه صيغة "أَفْعَل" في الأكثر (¬2). ¬

_ = له مسلم مقرونًا، وعده الحاكم ممن انفرد مسلم عن البخاري به، وذكر أن مسلمًا أخرج له استشهادًا، وقال الذهبي: صدوق رديء الحفظ، لم يُترَك/ تهذيب الكمال 3/ 1534 الكاشف 3/ 278 والتقريب 2/ 365 والمدخل للحاكم 1/ 473. (¬1) قال البقاعي: قوله: فتحرَّج -بمهملتين وجيم- أي أن الحرج وهو الضيق الواقع من تلك الجهة [واجهه]، فتركه واجتنبه، فلم يأت بشيء من حديثهم لئلا يلزمه بذلك ضيق لقلة الوثوق بكتابه لطرد احتمال الضعف في كل حديث منه/ النكت الوفية/ 74 ب. لكن سيأتي عنه أن مسلمًا قد يخرج لأهل الطبقة الثانية في المتابعات، فلعل المقصود هنا ترك مسلم ذكر أحد من هذا القسم احتجاجًا، لأنه هو المتنازع فيه، أو لعل قصده فيما يأتي، الطبقة الثالثة حسب تقسيم الحازمي في شروط الأئمة كما سيأتي ذكره. (¬2) من قول المؤلف: "إن الإمام أبا عمرو -يعني - ابن الصلاح- زعم ... إلى قوله: "في الأكثر" نقله عنه العراقي في شرحه لألفيته في المصطلح، وعزاه إلى شرح الترمذي هذا/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 98 - 100 وكذا نقله في التقييد والإيضاح/ 53، 54. والكلام بطوله يعتبر تعقبًا على ابن الصلاح وقد اختلفت أنظار العلماء فيه، وأكثرهم رده، فقد قال السخاوي: قال بعض المتأخرين: وهو تعقب وجيه، ورده شيخنا -يعني ابن حجر- بقوله: بل هو تعقب واه جدًّا لا يساوي سماعه، قال السخاوي: وهو كذلك ... / فتح المغيث للسخاوي 1/ 77. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وبيان هذا أن الكلام المذكور يفيد أمرين: 1 - أن ابن الصلاح يفرق بين ما اشتمل عليه صحيح مسلم، وبين ما اشتمل عليه سنن أبي داود من الأحاديث، بناء على أن شرط مسلم في صحيحه يفترق عن شرط أبي داود في سننه. وذلك من جهة أن مسلمًا اشترط الصحة في عموم كتابه، وأبا داود لم يشترط الصحة، وإنما يدخل في شرطه الصحيح والحسن والضعيف، وبالتالي يكون كتاب أبي داود من مظان الحديث الحسن، بخلاف كتاب مسلم، فعامته صحيح. 2 - أن المؤلف يعارض ابن الصلاح في هذا، فيرى أن كلام أبي داود عن شرطه في سننه، لا يفيد ذكره لشيء من الحديث الحسن فيها حتى تكون من مظانه؛ بل كلامه يفيد أنه يذكر فيها الصحيح مع تفاوت درجاته، ويذكر الضعيف مع التنبيه على ضعفه وبالتالي يكون شرط مسلم في صحيحه مساويًا لشرط أبي داود في سننه، ما عدا الأحاديث التي بين أبو داود ضعفها، وعليه فلا يصح اعتبار سنن أبي داود مظنة للحديث الحسن، إلا إذا اعتبرنا صحيح مسلم كذلك مظنة له، وبذلك يلزم ابن الصلاح أن يقول: إن في صحيح مسلم غير الصحيح، أو أن كل ما في سنن أبي داود صحيح ما عدا الذي بين هو ضعفه/ النكت الوفية/ 74 ب. وقد نظم الحافظ العراقي في ألفيته في المصطلح اعتراض المؤلف ولم ينظم جوابًا عنه/ الألفية مع فتح المغيث للسخاوي 1/ 60. لكنه ذكر الاعتراض مرة أخرى في نكته على ابن الصلاح وتصدى للجواب عنه: بأن مسلمًا شرط تخريج الحديث الصحيح، بل الصحيح المجمع عليه في كتابه، فليس لنا أن نحكم على حديث في كتابه بأنه حسن عنده؛ لما عرف من قصور الحسن عن الصحيح، وأبو داود قال: إن ما سكتُ عنه فهو صالح، والصالح يجوز أن يكون صحيحًا ويجوز أن يكون حسنًا -عند من يرى الحسن رتبة متوسطة بين الصحيح والضعيف- ولم ينقل لنا عن أبي داود: هل يقول بذلك، أو يرى ما ليس بضعيف صحيحًا؟ فكان الأولى؟ بل الصواب ألا يُرتَفَع بما سكت عنه إلى الصحة حتى يُعلَم أن رأيه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هو الثاني، ويحتاج هذا إلى نقل/ التقييد والإيضاح/ 54 وفتح المغيث للعراقي 1/ 47 و 48 والنكت الوفية/ 74 أ، والتدريب 1/ 169. وقد أضاف الحافظ ابن حجر إلى جواب شيخه العراقي جوابًا آخر فقال: قد أجاب الحافظ صلاح الدين العلائي عن كلام أبي الفتح اليعمري بجواب أمتن من هذا فقال ما نصه: "هذا الذي قاله ضعيف، وقول ابن الصلاح أقوى، لأن درجات الصحيح إذا تفاوتت فلا يُعنَى بالحسن إلا الدرجة الدنيا منها، والدرجة الدنيا منها لم يُخرج مسلمٌ منها في الأصول شيئًا؛ إنما يخرجها في المتابعات والشواهد، ثم قال الحافظ ابن حجر: قلت: وهو تعقب صحيح، ثم بين وجه صحته بأنه ينبني على تقسيم مسلم في مقدمة صحيحه للرواة، وبيان من أخرج لهم منهم على الترتيب، ومن ترك حديثهم، وعلى ما قرره العلماء في ذلك من التفريق بين من خرج لهم مسلم احتجاجًا، ومن خرج لهم متابعة واستشهادًا، واختلاف أبي داود عنه في ذلك كما تقدم تفصيله عن القاضي عياض وابن حجر، وكما سيأتي في كلام البقاعي، حيث إنه أورد قول المؤلف عن أبي داود: إن عمله في سننه شبيه بعمل مسلم، في أنه اجتنب الضعيف الواهي ... الخ، ثم قال البقاعي: والجواب عنه من أوجه: الأول: لا نُسلم أن العملين متشابهان من الحيثية التي ذكرها، وليس بينهما اشتباه إلا في أن كلا أتى بثلاثة أقسام، وهي في سنن أبي داود راجعة إلى متون الحديث، وفي مسلم إلى رجال الحديث، وليس بين ضعف الرجل وصحة حديثه منافاة ... بل قد يكون حديثه صحيحًا لاعتضاده من طرق أخرى، وهذا عمل مسلم؛ فأين هو ممن قسم الحديث نفسه في كتابه إلى صحيح وغيره؟. الثاني: بعد تسليم ما قاله -أي المؤلف- من اتحاد العملين، [فالجواب] هو ما ذكره الشيخ -يعني العراقي- من أن مسلمًا التزم الصحة في كتابه دون أبي داود. الثالث: أن أبا داود قال: وما كان فيه وهن شديد بينته، فَفُهِم من تقييده بـ (شديد) أن ثَم شيئًا فيه وهن غير شديد لم يلتزم بيانه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الرابع: وهو أرضاها: أن مسلمًا إنما يروي عن الطبقة الثالثة في المتابعات، ويعتني حينئذ بتكثير الطرق، بحيث ينجبر ذلك القصور الذي في رواية ذلك الراوي الذي من الطبقة الثانية، ومع ذلك فإنه يقل من حديثهم جدًّا، بحيث إنه ليس في كتابه لليث بن أبي سليم وأنظاره إلا نحو من عشرة أحاديث. وأما أبو داود فإن صنعه في ذلك مخالف لصنعه في الأمرين معًا؛ يسوق أحاديث نحو هؤلاء للاحتجاج ويُكِثر منها جدًّا، بحيث إن كتابه طافح بذلك. ووراء هذا كله أن مسلمًا لا يذكر حديثًا لأهل هذه الطبقة وهو يجده عند الطبقة الأولى؛ مثال ذلك: ابن عون، وعوف الأعرابي، كلاهما رويا عن ابن سيرين، وابن عون من الطبقة الأولى، والأعرابي من الثانية، فلا يروي مسلم عنه وعن أمثاله شيئًا وهو يجده لابن عون وأمثاله، ومراده بالاتيان بحديث الطبقة الثالثة تقوية حديث الطبقة الثانية، بحيث يرقيه إلى درجة الأولى، فالحاصل: أن عمدة مسلم أهل الطبقة الأولى، فإن لم يجدها أتى بالثانية، فإن لم يجد لمن ساق حديثه منهم متابعًا من تلك الطبقة أتى بمتابعة من الثالثة، فبين العملين فرق كبير كما ترى، والله الموفق/ النكت الوفية/ 74 أوب. ويلاحظ أن البقاعي قد مثل لأهل الطبقتين الأولي والثانية، ولكن لم يمثل لأهل الثالثة حتى نعرف مقصوده بها ونعرف على ضوء ذلك مقصوده بقوله السابق ذكره نعليقًا على قول المؤلف: "إن مسلمًا تحرَّج من حديث الطبقة الثالثة". حيث قال البقاعي: إن مسلمًا لم يأت من حديث الطبقة الثالثة بشيء، والله أعلم. ثم قال هنا: إنه قد يخرج لها في المتابعات. ولعله لا يقصد هنا الطبقة الثالثة في تقسيم مسلم؛ بل الثالثة في تقسيم الحازمي في شروط الأئمة وهم: من لم يسلموا من غوائل الجرح، فهم بين الرد والقبول، قال الحازمي: وهم شرط أبي داود والنسوي/ شروط الأئمة/ 44 و 45. وقد صرح السخاوي بهذا مع التمثيل ببعض رواة هذه الطبقة، فقد أشار لتقسيم الحازمي لطبقات الرواة ومن أخرج لهم البخاري ثم قال: وأما مسلم فيخرج أحاديث الطبقتين على سبيل الاستيعاب، وقد يخرج حديث من لم يسلم من غوائل الجرح إذا كان =

قال الإِمام أبو عمرو: فعلى هذا، يكون ما وجدناه في كتابه -يعني أبا داود- مذكورًا مطلقًا وليس في واحد من الصحيحين، ¬

_ = طويل الملازمة لمن أخذ عنه، كحماد بن سلمة في ثابت البُنَاني، فإنه لكثرة ملازمته له وطول صحبته إياه، صارت صحيفة ثابت على ذكره وحفظه بعد الاختلاط كما كانت قبله، وعمل مسلم في هذه كعمل البخاري في الثانية، يعني من كانوا دون الطبقة الأولى في الاتقان والحفظ/ انظر فح المغيث للسخاوي 1/ 41 و 42، وشروط الأئمة للحازمي 43 و 44. أما ما ذكر المؤلف من أن قول أبي داود عن أحاديث سننه: "وبعضها أصح من بعض" فيه ما يشير إلى القدر المشترك بينهما في الصحة وإن تفاوتت فيه ... الخ. فقد أجاب عنه البقاعي أيضًا فقال: قوله -أي المؤلف-: "أصح ... ألخ" لا ينهض له به حجة؛ وذلك لأن إطلاق "أفعَل" يكون حينئذ بحسب الأكثر، لأن غير الصحيح أقل، والعرب تقول: هذا أحلى من هذا ويكون في الثاني الحلو وغيره، وأن "أصح" ليست على بابها، وأهل هذا الشأن -يعني المحدثين- يكثرون من استعمالها كذلك، فهذا الترمذي يكثر من أن يروي عن ضعيف حديثًا ثم يروي آخر عن ضعيف، ويقول: هذا أصح من حديث فلان، أو يكون ضَمّن "أصح" معنى: أولى أو أرجح، ونحو ذلك/ النكت الوفية/ 74 ب، 75 أوقال أيضًا: إن أبا داود يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره، فلا يخفى عليك أن تصريحه بهذا يوضح أن مراده المفاضلة بينها في الاحتجاج أي وبعضها أقوى في باب الاحتجاج من بعض، لا المشاركة في نفس الصحة. ثم قال: وعن ابن كثير ما حاصله: أن قول أبي داود: "بعضها أصح من بعض" [لا] يقتضي الصحة، إلا أن يُجاب بأنه على رأي المتقدمين في تسمية الحسن صحيحًا، أو أن المراد بالأصحية الأمر النسبي، أي أن بعضها أقل وَهنًا من بعض، ... قال البقاعي: فظهر بهذا أن "أصح" ليست على بابها/ النكت الوفية 72، 73 أمع تصرف يسير.

ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفناه بأنه من الحسن عند أبي داود، وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره (¬1). وقد تعقب أبو عبد الله بن رُشَيْد (¬2) هذا، بأن قال: ليس يلزم أن يستفاد من كون الحديث لم ينص عليه أبو داود بضعف، ولا نص عليه غيره بصحة، أن الحديث عند أبي داود حسن؛ إذ قد يكون عنده صحيحًا، وإن لم يكن عند غيره كذلك. وهذا تعقب حسن (¬3)؛ لكنه ربما نبه عليه قول الإمام ¬

_ (¬1) مقدمة ابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 53، وقال الحافظ ابن حجر تعليقًا على هذا: ويمكن أن يكون فيه ما ليس بحسن عند أبي داود نفسه، وهو الذي فيه وهن ليس بشديد، ويقال لابن الصلاخ: إذا جاز ذلك فكيف يطلق عليه اسم الحسن؟ وإن قلت: حسن عنده، فأين ذلك والحال أن قوله: "صالح" يصلح لأن يُجعَل مُتَعلّقهُ الاحتجاج والاعتبار؟ / النكت الوفية 73 أ. (¬2) تقدم التعريف به ص 192 هامش 4. (¬3) نظم العراقي اعتراض ابن رشيد هذا واستحسان المؤلف له فقال في ألفيته: وابن رشيد قال -وهو متجه- قد يبلغ الصحة عند مُخرِجه ثم قال في شرحها: وقد يجاب عن اعتراض ابن رُشَيد بأن ابن الصلاح إنما ذكر ما لنا أن نعرف الحديث -أي المسكوت عنه- به عنده، أى عند أبي داود، والاحتياط ألا يُرتَفع به إلى درجة الصحة وإن جاز أن يبلغها عند أبي داود؛ لأن عبارته "وهو صالح" أي للاحتجاج به، فإن كان أبو داود يرى الحسن رتبة بين الصحيح والضعيف، فالاحتياط -زاد في النكت- بل الصواب ما قاله ابن الصلاح، وإن كان رأيه كالمتقدمين أن الحديث ينقسم الى صحيح وضعيف، فما سكت عنه فهو صحيح - والاحتياط أن يقال: (صالح) كما عبر هو عن نفسه./ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 96 و 97 و 98 والتقييد والايضاح/ 53. قال السيوطي: وبهذا التقرير يندفع اعتراض ابن رُشَيد/ التدريب 1/ 167. ودَفْع العراقي ذلك لاعتراض ابن رُشَيد يفيد موافقته =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لابن الصلاح على أن ما سكت عنه أبو داود وليس في الصحيحين أو أحدهما ولم يصححه أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، يعتبر حسنًا عنده؛ لكن السخاوي -كما تقدم- ذكر أن العراقي قال في شرحه الكبير لألفيته: ... بل في كتب السنن أحاديث لم يتكلم فيها الترمذي أو أبو داود، ولم نجد لغيره فيها كلامًا، ومع ذلك فهي ضعيفة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 84، فكان على العراقي أن ينبه على ذلك هنا عقب جوابه على اعتراض ابن رُشَيد حتى يستفاد من مجموع كلامه أنه يرى أن ما سكت عنه أبو داود منه ما هو محتج به عنده وعند غيره، ومنه ما هو ضعيف فيعتبر به، ولايحتج به إلا عنده وعند من يرى الاحتجاج بالضعيف في بعض الأحوال، وبذلك كان يَسْلَم من الانتقاد الموجه لابن الصلاح ومَن وافقه، وكذا لابن رُشَيد وللمؤلف هنا، حيث إن خلاصة تعقب ابن رشيد: أنه يرى أن قول أبي داود: "وما لم أذكر فيه شيئًا -أي سكت عن ذكر علة له- فهو صالح" يَحتِمل أن يكون صحيحًا أو حسنًا لا حَسَنًا فقط كما قرر ابن الصلاح، وقد استحسن المؤلف قول ابن رُشَيد كما ترى، وبناء عليه يكون موافقًا له في أن ما سكت عنه أبو داود ولم نعرف صحته من عند غيره فإنه لا ينزل عن درجة الحسن، وهذا ليس بِمُسلَّم؛ بل الصواب ما دل عليه مجموع كلام العراقي كما تقدم، وقد فصل ذلك الحافظ ابن حجر وبعض تلاميذه على النحو التالي: أما الحافظ ابن حجر فقال: وفي قول أبي داود: "ما كان فيه وهن شديد بينته" ما يفهم أن الذي فيه وهن غير شديد أنه لا يبينه، ومن هنا يتبين أن جميع ما سكت عليه أبو داود لا يكون من قبيل الحسن الاصطلاحي، بل هو على أقسام: 1 - منه ما هو في الصحيحين أو على شرط الصحة. 2 - ومنه ما هو من قبيل الحسن لذاته. 3 - ومنه ما هو من قبيل الحسن اذا اعتضد. وهذا القسمان كثير في كتابه جدًّا. 4 - ومنه ما هو ضعيف؛ لكنه من رواية من لم يُجمع على تركه غالبًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكل هذه الأقسام -عنده- تصلح للاحتجاج بها، كما نقل ابن منده عنه: انه يخرج الحديث الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، وأنه أقوى عنده من رأي الرجال، وكذلك قال ابن عبد البر: كل ما سكت عليه أبو داود فهو صحيح عنده، لا سيما إن كان لم يَذكُر في الباب غيره ... ثم قال الحافظ: ومن هنا يظهر ضعف طريقة من يحتج بكل ما سكت عليه أبو داود، فإنه يخرج أحاديث جماعة من الضعفاء في الاحتجاج، ويسكت عنها، مثل: ابن لَهِية، وصالح مولى التوأمة، وعبد الله بن محمد بن عقيل ... وغيرهم، فلا ينبغي للناقد أن يقلده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر، هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه؟ لا سيما إن كان مخالفًا لرواية من هو أوثق منه، فإنه ينحط الى قبيل المنكر. وقد يخرج لمن هو أضعف من هؤلاء بكثير، كالحارث بن وجيه، وصدقة الدقيقي، وعثمان بن واقد العمري ... وأمثالهم من المتروكين، وكذلك ما فيه من الأسانيد المنقطعة، وأحاديث المدلسين بالعنعنة، والأسانيد التي فيها من أُبهِمَت أسماؤهم، فلا يتجه الحكم لأحاديث هؤلاء بالحسن من أجل سكوت أبي داود؛ لأن سكوته تارة يكون اكتفاء بما تقدم له من الكلام في ذلك الراوي في نفس كتابه، وتارة يكون لذهول منه، وتارة يكون لشدة وضوح ضعف ذلك الراوي، واتفاق الأئمة على طرح روايته، كأبي الحويرث، ويحيى بن العلاء، وغيرهما، وتارة يكون من اختلاف الرواة عنه -وهو الأكثر-، فإن في رواية أبي الحسن بن العبد عنه من الكلام على جماعة من الرواة والأسانيد ما ليس في رواية اللؤلؤي، وإن كانت روايته أشهر ... وقد يتكلم على الحديث بالتضعيف البالغ خارج السنن، ويسكت عنه فيها ... أما الأحاديث التي في إسنادها انقطاع أو إبهام، ففي الكتاب من ذلك أحاديث كثيرة ... فالصواب عدم الاعتماد على مجرد سكوته، لما وصفنا أنه يحتج بالأحاديث الضعيفة ويقدمها على القياس، إن ثبت ذلك عنه، والمعتمد على مجرد سكوته لا يرى الاحتجاج بذلك فكيف يقلده؟. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذا جميعه، إن حملنا قوله: "وما لم أقل فيه شيئًا فهو صالح" على أن مراده أنه صالح للحجة، وهو الظاهر. وإن حملناه على ما هو أعم من ذلك وهو الصلاحية للحجة أو للاستشهاد، أو للمتابعة فلا يلزم منه أنه يحتج بالضعيف. ويُحتاج إلى تأمل تلك المواضع التي يسكت عليها وهي ضعيفة، هل فيها أفراد أم لا؟ إن وجد فيها أفراد تعين الحمل على الأول (يعني إرادة الاحتجاج)، وإلا حُمل على الثاني (يعني الأعم). وعلى كل تقدير فلا يصلح ما سكت عليه للاحتجاج مطلقًا. فقد نبه على ذلك الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى- فقال: "في سنن أبي داود أحاديث ظاهرة الضعف لم يبينها، مع أنه متفق على ضعفها، فلا بد من تأويل كلامه، يعني قوله: "فهو صالح" ثم قال: أي النووي: والحق أن ما وجدناه في سننه مما لم يُبينه ولم ينص على صحته أو حسنه أحد ممن يعتمد فهو حسن، وإن نص على ضعفه من يعتمد، أو رأى العارف في سنده ما يقتضي الضعف، ولا جابر له، حكم بضعفه، ولم يلتفت إلى سكوت أبي داود". قال ابن حجر: قلت: وهذا هو التحقيق، لكنه -أي النووي- خالف ذلك في مواضع في شرح المهذب وغيره من تصانيفه، فاحتج بأحاديث كثيرة من أجل سكوت أبي داود عليها، فلا يغتر بذلك، والله أعلم/ الإِفصاح/ 55 ب، 56 أ. أقول: ومع اعتماد ابن حجر لكلام النووي هذا فإنه يلاحظ أن النووي جعل للعارف النظر في قسم واحد مما سكت عليه أبو داود وهو ما وصفه أحد غيره بالضعف، وقد تعقبه السخاوي في هذا فقال: وما أشعر به كلامه من التفرقة بين الضعيف وغيره فيه نظر، والتحقيق التمييز لمن له أهلية النظر، ورد المسكوت عليه إلى ما يليق بحاله من صحة وحسن وغيرهما كما هو المعتمد، ورجحه هو -أي النووي- في بابه، وإن كان رحمه الله قد أقر في مختصريه -أي الارشاد والتقريب- ابن الصلاح على دعواه هنا -أي بتحسين ماسكت عليه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أبو داود ... ثم قال السخاوي: وممن لم يكن ذا تمييز فالأحوط أن يقول في المسكوت عليه: صالح، كما هي عبارته -أي عبارة أبي داود-/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 76. أما البقاعي فقال: ... فليس بمُسَلَّم أن كل ما سكت عليه أبو داود يكون حسنًا؛ بل هو وهم أتى من جهة أن أبا داود يريد بقوله "صالح" الصلاحية للاحتجاج. ومِنْ فَهْم أن "أصح" في قوله: "وبعضها أصح من بعض" تقتضي اشتراكًا في الصحة، وكذا قوله: "إنه يذكر في كل باب أصح ما عرف فيه"، وليس الأمر في ذلك كذلك. أما من جهة قوله: "صالح" فلأنه كما يحتمل أن يريد صلاحيته للاحتجاج فكذا يحتمل أن يريد صلاحيته للاعتبار؛ فإن أبا داود قال في الرسالة التي أرسلها إلى من سأله عن اصطلاحه في كتابه: "ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه ويقاربه، وما فيه وهن شديد بينته وما لا فصالح، وبعضها أصح من بعض"،ثم قال البقاعي: واشتمل هذا الكلام على خمسة أنواع: الأول: الصحيح، ويجوز أن يريد به الصحيح لذاته. الثاني: شبهه، ويمكن أن يريد به الصحيح لغيره. الثالث: مقاربه، ويحتمل أن يريد الحسن لذاته. والرابع: الذي فيه وهن شديد. وقوله: "وما لا"، يفهم منه: أن الذي فيه وَهَن ليس بشديد، فهو قسم خامس. فإن لم يعتضد كان صالحًا للاعتبار فقط، وإن اعتضد، صار حسنًا لغيره، أي الهيئة المجموعة، وصلح للاحتجاج، وكان قسمًا سادسًا. وعلى تقدير تسليم أن مراده صالح للاحتجاج، لا يستلزم الحكم بتحسين ما سكت عليه؛ فإنه يرى الاحتجاج بالضعيف إذا لم يوجد في الباب غيره ... اقتداء بأحمد -رضي الله عنه-. وأما من جهة "أصح" فلا يخفى عليك أن تصريحه بأنه يحتج بالضعيف يوضح أن =

أبي عمرو: وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند غيره؛ فمن هنا يلوح لقائل أن يقول: وقد يكون في ذلك ما هو صحيح عنده، وليس صحيحًا عند غيره؛ لأنه جوز أن يخالف حكمه حكم غيره في طرف، فكذلك يجوز أن يخالفه في طرف آخر (¬1). قد ذكرنا ما نُقِل عن الترمذي في الحسن. وقال الإِمام أبو سليمان الخطابي: الحسن: ما عُرِف مَخْرَجُه (¬2)، ¬

_ = مراده المفاضلة بينها في الاحتجاج، أي وبعضها أقوى في باب الاحتجاج من بعض، لا المشاركة في نفس الصحة، ... إلى أن قال كما في التعليق الذي قبل هذا بتعليق: فظهر بهذا أن "أصح" ليست على بابها. ثم قال: ونقل عن ابن كثير أنه قال: ويروى عن أبي داود أنه قال: "وما سكت عنه فهو حسن" وعلى تقدير صحة الرواية عنه بذلك يَطْرقُه احتمال أنه حسن للاحتجاج به، وأن ما يسكت عنه قد يكون ضعيفًا، وليس في الباب غيره، فيكون مما يحتج به عنده، فلا يفيد ذلك الحسن الاصطلاحي/ النكت الوفية 72 ب، 73 أبتصرف قليل، واختصار علوم الحديث لابن كثير مع الباعث الحثيث/ 41. (¬1) قال السخاوي: وفيه -أي في هذا الاحتمال الذي ذكره المؤلف- نظر؛ لاستلزامه نقض ما قرره -أي ابن الصلاح/ فتح المغيث 1/ 76. (¬2) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الراء مُخَفّفة، وأصْلهُ في اللغة: مكان الخروج وأُطلق على الموضع الذي برز منه الحديث/ توضيح الأفكار 1/ 154 والبحر الذي زخر للسيوطي/ 46 أوقال البقاعي: قوله: "ما عرف مخرجه" أي رجاله الذين يدور عليهم، فكل واحد من رجال السند مَخْرَج خرج منه الحديث/ النكت الوفية/ 59 أومثله ذكر الأنصاري/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 1/ 84 ويبدو أن هذا تعريف للمخرج بالاصطلاح العام الشامل لكل رجال السند. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والذي يفهم من كلام ابن العربي والعراقي: أن المراد في تعريف الخطابي مخرج واحد خاص، وهو الراوي المشتهر برواية حديث أهل بلده/ التقيد والإيضاح/ 44 وعارضة الأحوذي 1، 14، 15 وقد مثل له ابن العربي، بقوله: كحديث البصريين عن قتادة، والكوفيين عن ابن اسحاق، والمدنيين عن ابن شهاب، والمكيين عن عطاء/ عارضة الأحوذي 1/ 14، 15 ولعل مما يؤيد هذا التفسير للمخرج هنا، إشارة الخطابي بعده لشرط ثان في بقية رجال السند بقوله: "واشتهر رجاله"، فهذا يشير إلى أنه ليس المراد بالمخرج كل رجال السند كما ذكر البقاعي والأنصاري، وإلا كان في التعريف ترادف بين قوله: "عرف مخرجه" وقوله "اشتهر رجاله". وقد مشى على تفسير المخرج بالراوي المشهور برواية حديث أهل بلده الحافظ ابن حجر/ الإفصاح 46 ب والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 61 وشرح التقريب/ 10 أ، والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77، وذكر ابن حجر أن عرفان المخرج بهذا المعنى قيدٌ في التعريف، يخرج به الحديث الشاذ، وذلك أنه بعد ذكر كلام ابن العربي السابق، قال: فإن حديث البصريين مثلًا إذا جاء عن قتادة ونحوه كان مخرجه معروفًا، وإذا جاء عن غير قتادة ونحوه كان شاذًا/ الإفصاح 46 ب ثم نقل البقاعي عنه -كما سيأتي-: أن معرفة المخرج كناية عن اتصال السند، فيخرج به المنقطع انقطاعًا ظاهرًا أو خفيًا، لكن الصنعاني تبعه على الأول فقط/ توضيج الأفكار / 1/ 155 ونحوه ما نقله العراقي عن بعض المتأخرين أنه قال: إن الشاذ ينافي عرفان المخرج، وإن قول الخطابي: "عُرف مَخْرَجُه" كقول الترمذي في تعريف الحسن: "ويروى نحوه من غيره وجه"؛ لكن العراقي رد ذلك فقال: إنه لا يدل عليه كلام الخطابي أصلًا/ التقييد والإِيضاح/ 44. أما الطيبي فجعل عرفان المخرج كناية عن اتصال السند، وعليه فلا يخرج به الشاذ كما قال ابن حجر وغيره فيما تقدم، بل يخرج به المنقطع ونحوه، كالمرسل والمدلَّس -بفتح اللام- قبل تَبين تدليسه/ الخلاصة للطيبي/ 38. وقد استحسن العراقي ذلك ووجهه فقال: وهذا أحسن في تفسير كلام الخطابي؛ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لأن المرسل الذي سقط بعض إسناده، وكذلك المدلس الذي سقط منه بعضه، لا يعرف فيهما مخرج الحديث؛ لأنه لا يُدرَى مَن سقط من إسناده، بخلاف من أُبرِز جميعُ رجاله فقد عرف مخرج الحديث من أين؟ والله أعلم/. التقييد والإِيضاح/ 44 ونقل السخاوي عن ابن الصلاح أنه قال في حاشية كتابه علوم الحديث: إن الخطابي احترز بمعرفة المخرج عن المنقطع وعن حديث المدلِّس -بكسر اللام -، ثم قال السخاوي: وحينئذ فالمعتبر الاتصال ولو لم يُعرف المخرج؛ إذ كل معروف المخرج متصل ولا عكس، ثم علل تعبير الخطابي عن الاتصال بمعرفة المخرج، فقال: وكأنه لتعبيره في (تعريف) الصحيح بالمتصل، نَوّع العبارة، لدفع انتقاد الإِتيان في المحدودَيْن المختلفَين بلفظ واحد في الجملة، سيما وفي ضمن قوله: (عُرِف مَخْرجُه) الإِشعار بفائدة معرفة المخرج/ شرح التقريب/ ق 10 أ. وقد مشى على تفسير معرفة المخرج بهذا أيضًا السيوطي/ التدريب 1/ 153 والأنصاري/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 84 والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77. وبناء على هذا عدوا تعريف الخطابي للحسن مقتصرًا على ذكر شرطين فقط، وهما: اتصال السند، المعبر عنه بمعرفة المخرَج - وشهرة الرواة بالعدالة والضبط المتوسط -كما سيأتي ذكره- ولذا اعتبر العراقي أن من زوائد ابن الصلاح على تعريف الخطابي للحسن اشتراط نفي الشذوذ والعلة، وتبعه الأنصاري/ شرح التبصرة والتذكرة ومعه فتح الباقي للأنصاري 1/ 84، 85، 89، وأكد ذلك السخاوي فقال: ولا بد مع هذين الشرطين ألا يكون (الحديث) شاذًا ولا معللًا، ثم قال: لكن بما تقدم من الاتصال والشهرة حَد الخطابي (الحسن) غير متعرض لمزيد/ فتح المغيث 1/ 61 وأيد ذلك في شرح التقريب بأن الخطابي لم يصرح في حد الصحيح باشتراط نفي الشذوذ والعلة/ شرح التقريب/ 10 أ؛ غير أن البقاعي قال: إن هذه الزيادة -أي زيادة ذكر نفي الشذوذ والعلة صراحة- ليست ضرورية بحيث يختل الكلام بدونها، بل غايتها =

واشتهر رواته (¬1)، قال: وعليه مدار أكثر الحديث (¬2) وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء. ¬

_ = أن تكون شرحًا، وعلل ذلك قائلًا: لأن قول الخطابي: "ما عرف مخرجه" يخرج المعلل، فإنه لم يُعرف مخرجه، والشاذ قسم من أقسام المعلل، والمنكر معلل على كل حال، ... وأيضًا فإنه -أي المنكر- يخرج بقوله: "واشتهر رجاله" النكت الوفية/ 63 ب. (¬1) قال الطيبي: المراد به أن رجاله مشهورون عند أرباب هذه الصناعة بالصدق وبنقل الحديث ومعرفة أنواعه، وحيث كان (هذا في كلامه) مطلقًا من قيد العدالة والضبط دل على انحطاطهم -أي رجال الحسن- عن درجة رجال الصحيح/ الخلاصة 40 / ولخص الأنصاري ذلك فقال: اشتهرت رجاله بالعدالة والضبط اشتهارًا دون اشتهار رجال الصحيح/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي / 1/ 84 وبهذا التفسير لشهرة رجال الحسن يتميز عن الصحيح الذي عرفه الخطابي قبل تعريفه هذا للحسن حيث قال: فالصحيح عندهم -أي أهل الحديث- ما اتصل سنده وعُدِّلَت نقلته/ المعالم 1/ 11 / وقد أقر هذا التفسير ابن دقيق العيد/ الاقتراح/ 165 / والعلائي/ الافصاح 46 أ، والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 61 وشرح التقريب / 10، والسيوطي/ شرحه لألفيته/ 49 أ، ب والبقاعي/ النكت الوفية/ 60 أوبهذا يُدفع انتقادُ الخطابي -كما سيأتي في الشرح- بأن تعريفه للحسن لا يميزه عن الصحيح، وكذا يدفع انتقاد ابن جماعة له بأنه يدخل في هذا التعريف الضعيف الذي عرف مخرجه واشتهر رجاله بالضعف/ الخلاصة للطيبي/ 39، 40، وشرح السيوطي لألفيته/ 49 أ، ب والاقتراح/ 165 وفتح المغيث 1/ 60، وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 85. (¬2) قال البقاعي: قوله: وعليه مدار الحديث إلى آخره، كلام كاشف -أي موضح- لا أنه داخل في الحد/ النكت الوفية/ 59 أوهكذا قرر السخاوي/ شرح التقريب/ 10 أ، وفتح المغيث 1/ 67، والسيوطي/ تدريب الراوي 1/ 154، وقد جرى على هذا من قبل هؤلاء العراقي في ألفيته فأخر هذا عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحد وفصله عنه بخمسة أبيات/ الألفية مع فتح المغيث 1/ 59، قال البقاعي: وفصلُه عنه يدل على أنه فهم أنه ليس من تمام الحد؛ بل موضح له، ثم قال: وهو كذلك/ النكت الوفية/ 65 أ؛ لكن قال الإمام البلقيني: بل هو من جملة الحد، ليخرج الصحيح والضعيف أيضًا/ التدريب 1/ 154. ويبدو أن الَأولى عدم اعتبار هذه العبارة من جملة الحد، حيث تقدم بيان خروج الصحيح والضعيف من الحد بدونها. والله أعلم. وأما تفسير الألفاظ: فقوله: وعليه -أي الحسن- مدار الحديث، أي بالنظر لتعدد الطرق؛ فإن غالبها لا يبلغ رتبة الصحيح المتفق عليه، ونحوه قول البغوي: أكز الأحكام ثبوتها بطريق حسن. وقوله: يقبله أكثر العلماء، أعم من الفقهاء فيشمل المحدثين والأصوليين. وغيرهم، وعبَّر بالأكثر لأن من أهل الحديث من شدد فرد بكل علة، سواء كانت قادحة أم لا، كما جاء عن أبي حاتم الرازي أنه سئل عن حديث فَحسَّنه، فقيل له: أتحتج به؟ فقال: إنه حسن، فأعيد عليه السؤال مرارًا وهو لا يزيد على قوله: إنه حسن، والمعتمد ما عليه الأكثر من الاحتجاج به. وقوله: ويستعمله عامة الفقهاء، المراد بالاستعمال الاحتجاج والاستنباط والعمل في القضايا والأحكام وغيرها، قال البقاعي: والاستعمال أخص من القبول اهـ. أقول: وذلك لأن من المقبول ما لا يعمل به كالمنسوخ والمرجوح، ولذلك قال السخاوي في وجه ذكر الاستعمال بعد ذكر القبول: إن القبول تضمن الاستعمال ما لم يمنع منه نسخ ونحوه، والمراد بعامة الفقهاء جميعهم، وأفردهم الخطابي بالذكر مع اندراجهم في العلماء وذكر معهم الاستعمال مع مشاركة غيرهم لهم في ذلك، لتميزهم فيهما عن غيرهم، ولأن المخالف فيه من غيرهم، كأبي حاتم الرازي من المحدثين كما تقدم/ انظر في هذا التفسير والتوجيه لتلك العبارات/ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي وفتح الباقي معه للأنصاري 1/ 90 وفتح المغيث 1/ 67 وشرح التقريب/ 10 أكلاهما للسخاوي، وتدريب الراوي 1/ 154 والنكت الوفية/ 65 أوشرح النخبة لابن حجر/ ضمن المجموعة الكمالية/ 267، 268.

وقال بعض المتأخرين: الحديث الذي فيه ضعف/ قريب محتمل، هو الحديث الحَسَن ويصلح للعمل به (¬1). قال الإمام أبو عمرو: كل هذا مستبهم، لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح (¬2)، وقد أمْعَنْتُ النظر في ذلك والبحث، جامعًا بين أطراف كلامهم، ملاحظًا مواقع استعمالهم فَتنقَّح لي (¬3) واتضح أن الحديث الحسن قسمان: أحدهما: الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور (¬4) ¬

_ (¬1) المراد ببعض المتأخرين: ابن الجوزي، وهذه عبارته في الموضوعات مع تصرف يسير/ الموضوعات لابن الجوزي 1/ 35، وقد انتُقِد هذا التعريف من عدة وجوه، حتى قال السخاوي بعد ذكره: هذا كلام صحيح في نفسه؛ لكنه ليس على طريقة التعاريف/ فتح المغيث 1/ 65 وسيأتي في الشرح ص 123، ذكر بعض ما انتُقِد به، ونذكر هناك بعض أجوبة العلماء عنه إن شاء الله؛ لكن نذكر هنا ما لا يذكر هناك، وهو: أنه انتقد التعريف بأن فيه دَوْرًا، وذلك أنه ذكر فيه صلاحية الحسن للعمل به، وهذا متوقف على معرفة كونه حسنًا، وأجاب الطيبي، بأن قوله: "ويصلح للعمل" كالخارج عن الحد، بيانًا لما يلزم من الحد، أي إذا كان معنى الحسن ذلك صَلُح للعمل به، وعلى هذا يندفع الدور/ الخلاصة للطيبي/ 39 و 41. (¬2) قال البقاعي: بل فيه ما يميزه؛ لأن الحسن نوعان، وكل منهما عرف نوعًا كما سيأتي في كلام ابن الصلاح (نفسه) / النكت الوفية 63 أ. (¬3) من التنقيح وهو التهذيب/ مختار الصحاح 675 وتوضيح الأفكار 1/ 162. (¬4) تعددت الأقوال في تعريف المستور حتى بلغت في نظر الشيخ الصنعاني حد الاضطراب وقال: إنه ينبغي تحقيق (تعريف) المستور/ توضيح الأفكار 1/ 182. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأنسَبُ ما يُذكر هنا هو ما ذكره ابن الصلاح حيث نقل عن البغوي من أئمة الشافعية - فقال: قال بعض أئمتنا: المستور من يكون عدلًا في الظاهر، ولا نعرف عدالة باطنه هـ، وبناء على هذا عدَّه قسمًا من المجهول؛ لجهالة باطِنه/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح/ 140، وقد نازع العراقي ابن الصلاح في إقراره تعريف البغوي للمستور، واستند العراقي إلى أنه نُقِل عن الشافعي ما يدل على إن مَنْ كان عدلًا في الظاهر فعدالته ثابتة، وعليه فلا يعتبر مستورًا/ التقييد والإيضاح/ 145، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 328، 329، ولكن السخاوي قد أجاب عن ذلك، ثم نازع ابن الصلاح بوجه آخر وهو أنه جاء عن الشافعي أيضًا ما يظهر منه أن المستور من لم يُعرَف سوى إسلامه، ثم قال: ولا يُمنع شموله -أي المستور- لهذا، ولِمَا قاله البغوي، كما هو مقتضى التسمية/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 324. وعليه فالسخاوي يرى أن المستور يطلق على من عرفت عدالته الظاهرة، وعلى من لم يعرف من حاله سوى أنه مسلم، أما شيخه ابن حجر فعرَّف المستور بأنه من روى عنه أكثر من واحد؛ ولكن لم يوثقه أحد/ تقريب التهذيب 1/ 5، ونخبة الفكر وشرحها له/ 278 ضمن المجموعة الكمالية. وكما تعددت الأقوال في تعريف المستور، تعددت أيضًا في قبول روايته وردها، والذي مال إليه ابن الصلاح في مبحث من تُقبَل روايته ومن ترد، هو الاحتجاج برواية المستور/ علوم الحديث لابن الصلاح/ 145، ولكنه هنا يعتبره كما ترى غير محتج به بمفرده؛ بل باعتضاده بمتابع أو شاهد، وقد عزا الحافظ ابن حجر القول برد روايته إلى الجمهور، ثم قال: والتحقيق أن رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يُطلق القول بردها، ولا بقبولها، بل يقال: هي موقوفة إلى استبانة حاله، كما جزم به إمام الحرمين هـ، وتبعه في هذا السخاوي/ شرح نخبة الفكر 278 / ضمن المجموعة الكمالية، وفتح المغيث للسخاوي 1/ 322 - 323 وسيأتي مناقشة ابن الصلاح في اقتصاره على ذكر المستور فقط في هذا القسم من الحسن، كما سيأتي للشارح تعريفه للمستور وحكايته للخلاف في قبوله ورده، دون ترجيح ص 278، 279 =

لم تتحقق أهليته؛ غير أنه ليس مُغَفَّلًا كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث، أي لم يظهر منه تَعمُّد الكذب في الحديث، ولا سبب آخر مُفَسِّق، ويكون مَتن الحديث مع ذلك قد عُرِف، بأن رُوِي مثلُه أو نحوُه من وجه آخر أو أكثر (¬1) حتى اعتضد بمتابعة مَن تَابع ¬

_ = أقول: وما حققه الحافظ ابن حجر من التوقف نقلًا عن إمام الحرمين فيه نظر؛ فإن الذي يفهم من باقي كلام إمام الحرمين: ان التوقف في رواية المستور يكون في بداية الأمر، قبل تمام البحث عن حاله، فإذا انتهى بَحْثنا إلى اليأس من معرفة حاله، رددنا حديثه، كما هو رأي الجمهور/ انظر المصدرَين السابقين في الموضع المذكور. (¬1) وبذلك يكون أقل ما يصلح جابرًا هو طريق واحدة مساوية، أو أعلى، دون أن تبلغ درجة الصحة/ النكت الوفية/ 66 أو 70 أوالتقييد والإيضاح 48، وسيأتي تحقيق ذلك بعد قليل ص 238 - 240 هامش، وقوله: "مثله أو نحوه "، قال الصنعاني: "المِثْل ما يساويه في لفظه أو معناه، و"النحو" ما يقاربه في معناه/ توضيح الأفكار/ 1/ 163، ويبدو لي أن "المِثْل" خاص بالمساواة في اللفظ، أما المساواة في المعنى مع اختلاف اللفظ - فلا يقال عنها "بمثله" وإنما يقال: بمعناه أو بنحوه، وهذا شائع في كلام المحدثين واصطلاحهم، ومنه قول الحاكم أبي عبد الله: إن "مثله" إذا كان الحديثان على لفظ واحد، و"نحوه" إذا كان أحدهما على مثل معاني الآخر، وقال الأنصاري: ظاهر "مثله" يفيد التساوي في اللفظ. هـ أقول: أما من أجاز الرواية بالمعنى فعنده أن "مثله" و"نحوه" سواء/ انظر شرح التبصرة والتذكرة ومعه فتح الباقي 2/ 192؛ لكن المقام هنا مقام التفريق بينهما كما في كلام الصنعاني، وقد قال ابن رجب في تفسير قول الترمذي: ويروى من غير وجه نحوه: يعني أن يروى معنى الحديث ... عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير ذلك الإسناد/ شرح العلل لابن رجب 1/ 384. ولذا نجد الترمذي في غير موضع من جامعه يقرن بين نحوه وبين "معناه" وهذا يدل على أن ما هو بمعنى الحديث لا يقال عنه إنه بمثله على التحقيق إلا مع التقييد، كأن يقال: بمثل معناه، ومن أمثلة ما قرن فيه الترمذي بين "نحوه" وبين =

رَاوِيه (¬1) على مثله، أو بماله مِنْ شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه (¬2) ¬

_ = "معناه" ما جاء في كتاب الأحكام - باب إمام الرعية حيث أخرج الترمذي حديث عمرو بن مرة -المكنى بأبي مريم- أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ما من إمام يغلق بابه دون ذوي الحاجة والخلة والمسكنة إلا أغلق الله أبواب السماء دون خلته وحاجته ومسكنته. ثم قال: حديث عمرو بن مرة حديث غريب، وقد رُوي هذا الحديث من غير هذا الوجه ... وساق هذا الوجه الثاني المشار إليه إلى عمرو بن مرة، أبي مريم، مرفوعًا ولكن لم يذكر متن الحديث بل أحال به على المتن السابق فقال: نحو هذا الحديث بمعناه/ الترمذي 3/ 395، 396 ح - 1347، 1348. وهذا المتن الذي وصفه بأنه بنحو اللفظ السابق بمعناه قد أخرجه أبو داود من الطريق التي أوردها الترمذي عن أبي مريم، قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: من ولاه الله عز وجل شيئًا من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخَلَّتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره/ سنن أبي داود - كتاب الخراج والإِمارة والفيء/ باب فيما يلزم الإمام من أمر الرعية/ 3/ 356، 357 ح 2948 / ويتضح من مقارنة الروايتين أنهما متساويتان في المعنى دون اللفظ، ولم يجعل الترمذي الثانية بمثل الأولى كما هو مقتضى كلام الصنعاني؛ بل اعتبرها نحوها بمعناها، وسيأتي في تكملة العراقي لهذا الشرح أيضًا أن كلمة "مثله" تقتضي الموافقة بين الحديثين في المتن، وأن كلمة "نحوه" تقتضي المقاربة في المعنى، والموافقة في أكثر ألفاظ المتن/ انظر تكملة شرح الترمذي للعراقي/ كتاب الديات - باب ما جاء في الدية كم تكون من الإبل؟ - 122 ب من مخطوطة دار الكتب المصرية. (¬1) بالأصل "رواية" وما أثبته من علوم الحديث لابن الصلاح/ 28. (¬2) مشى ابن الصلاخ هنا وفي مبحث الاعتبار والمتابعات والشواهد/ 109 مع التقييد والإيضاح على أن المتابعة مختصة بالمماثلة بين الحديثين في اللفظ سواء اتفقا في الصحابي أم لا، وأن الشاهد مختص بالموافقة بين الحديثين في المعنى، =

فيخرج بذلك عن أن يكون شاذًا أو منكرًا، وكلام الترمذي على هذا يتنزل (¬1). ¬

_ = وقد تابعه على هذا غير واحد، كالعراقي في ألفيته وشرحها / 1/ 203، 204 وابن كثير في مختصر علوم الحديث/ 59، والطيبي في خلاصته/ 57، 58، وهذا مذهب جماعة من العلماء كالبيهقي ومن وافقه، وقيل: إن المتابعة تختص بالموافقة بين الحديثين في اللفظ، والشاهد أعم/ التدريب 1/ 243؛ لكن الجمهور على أن الفرق بين المتابع والشاهد باعتبار الصحابي المروي عنه الحديث، فكل ما جاء عن الصحابي الراوي للحديث المتابَع -بالفتح- يُعد متابِعًا له، ولو خالفه في اللفظ، وما جاء عَن غير الصحابي الراوي للحديث يعتبر شاهدًا له سواء وافقه في اللفظ أو خالفه، ورجح الحافظ ابن حجر ذلك وأقره عليه غيره/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 254، وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 204، والنخبة مع شرحها ضمن المجموعة الكمالية/ 266. (¬1) بالأصل" ينزل" وما أثبته من علوم ابن الصلاح/ 28، أقول: وهذا الذي نزل ابن الصلاح عليه كلام الترمذي هو الذي سُمِى بعد ابن الصلاح بالحسن لغيره، أي لشيء خارج عنه، وهو الاعتضاد بغيره/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 66 وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 88 والنخبة مع شرحها لابن حجر/ 263 ضمن المجموعة الكمالية، فالحسن لغيره ضعيف لذاته أصلًا، وإنما طرأ عليه الحُسْن بما عضده/ فتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 87. وقد ناقش الحافظ ابن حجر ابن الصلاح في هذا القسم من الحسن وفي تنزيله إياه على كلام الترمذي، فذكر أن المُعرَّف به عند الترمذي -وهو حديث المستور على ما فهمه ابن الصلاح- لا يعده كثير من أهل الحديث من قبيل الحسن، وليس هو في التحقيق عند الترمذي مقصورًا على رواية المستور؛ بل يشترك معه الضعيف بسبب سوء الحفظ، والموصوف بالغلط أو الخطأ، وحديث المختلط بعد اختلاطه، والمدلِّس إذا عنعن، وما في إسناده انقطاع خفيف، فكل ذلك عنده من قبيل الحسن بالشروط الثلاثة وهي: -ألا يكون فيهم من يتهم بالكذب، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولا يكون الإسناد شاذًا، وأن يروى مثل ذلك الحديث أو نحوه من وجه آخر فصاعدًا، وليس كلها في المرتبة على حد سواء؛ بل بعضها أقوى من بعض، وقد أيد دخول رواية غير المستور في الحديث الحسن عند الترمذي بأمرين: أولهما: عدم ذكره في التعريف لاشتراط اتصال السند. وثانيهما: وصفه في جامعه كثيرًا من الأحاديث بالحُسْن، مع أن في سندها من هو موصوف بسوء الحفظ، أو يكون في سنده انقطاع، ونحو ذلك مما تقدم ذكره له، وأورَد أمثلة تطبيقية لذلك من جامع الترمذي/ الإفصاح/ 43 أ - 45 أ، وقد تبعه على ذلك السيوطي/ شرحه لألفيته 50 أوما بعدها، والصنعاني/ توضيح الأفكار 1/ 163 - 166. لكنه قد أُجيب عن ابن الصلاح في هذا الذي رتبه ابن حجر على اقتصاره في التعريف على ذكر المستور، بأنه ذكر المستور للتمثيل به وليس للحصر فيه، ويؤيد ذلك أنه في التفريعات التالية لتعريفه للحسن ذكر أن من الضعيف القابل للإنجبار والترقي لمرتبة الحَسَن ما كان ضعفه ناشئًا عن ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والأمانة، أو كان ضعفه بسبب الإرسال، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ/ علوم الحديث/ 55، والمنهج الحديث لشيخنا الأستاذ/ محمد السماحي/ 101 - 153، وأيضًا فإن تمثيل ابن الصلاح بالمستور يدفع عنه الاعتراض بدخول الصحيح والحسن لذاته في التعريف/ المنهج الحديث لشيخنا السماحي/ 101. أما الشيخ بدر الدين ابن جماعة فقال: وأما القسم الأول -يعني من تقسيم ابن الصلاح، وهو الحسن لغيره- فَيَرِدُ عليه الضعيف والمنقطع والمرسل الذي في رجاله مستور ورُوِي مثله أو نحوه من وجه آخر/ الخلاصة للطيبي/ 39 وشرح السيوطي لألفيته/ 50 أ، وقد أجاب الطيبي عن ذلك بما خلاصته: أن الغرض من التقييد بقوله: "ويروى من غير وجه" اعتضاد الحديث المروي بما ينجبر به ضعفه، وإزالة الإرسال والانقطاع وغيرهما، فلا يؤتى بالرواية من غير وجه إلا على وجه يرفع به ذلك الضعف، وإلا كان عبثًا، وفي كلام =

القسم الثاني: أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة؛ غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح؛ لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإِتقان، وهو مع ذلك يرتفع حاله عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرًا، ويعتبر في كل هذا -مع سلامة الحديث من أن يكون شاذًا أو (¬1) منكرًا- سلامتُهُ من أن يكون مُعللًا، وعلى القسم الثاني ¬

_ = ابن الصلاح إشعار بذلك/ الخلاصة للطيبي/ 40، وسيأتي جواب آخر للبقاعي قريبًا. وقد ذكر الحافظ ابن رجب تقسيم ابن الصلاح هذا للحسن وتنزيله على كلامي الترمذي والخطابي، وأقره/ شرح العلل 1/ 387 و 390 و 391؛ غير أنه تعقبه في قوله في تعريف القسم الأول أيضًا: "وليس مغفلًا كثير الخطأ" فذكر أن هذه زيادة لا يدل عليها كلام الترمذي؛ لأنه اعتبر -أي في تعريفه للحسن- ألا يكون راويه متهمًا، فقط -يعني فلا يشمله "كثير الغلط"- ثم قال: لكن قد يؤخذ مما ذكره الترمذي قبل هذا -أي قبل تعريفه للحسن- حيث قال: إن من كان مغفلًا كثير الخطأ لا يحتج بحديثه، ولا يشتغل بالرواية عنه عند الأكثرين/ شرح العلل/ 1/ 387، وجامع الترمذي/ كتاب العلل 5/ 397، 399. هكذا تعقب ابنُ رجب ابن الصلاح واعتبر أن قوله: "ليس مغفلًا كثير الخطأ" لا يدل عليه قول الترمذي "لا يكون راوية متهمًا" ولكنه قبل هذا التعقب بصفحة واحدة اعتبر من كثر غلطه، أو غلب على حديثه الوهم" داخلين في الحسن عند الترمذي، بناء على قوله "ألا يكون راويه متهمًا"/ شرح العلل 1/ 384. وستأتي مناقشته في ذلك وفي بعض تفسيره أيضًا لتعريف الترمذي للحسن، وتشبيهه بتفسير ابن الصلاح. (¬1) في علوم الحديث لابن الصلاح: بالواو فقط/ 28 ولكل منهما وجه؛ فالعطف بالواو بناء على تغاير الشاذ والمنكر، والعطف "بأو" بناء على ترادفهما، فيكون اشتراط أحدهما كافيًا، وهذا هو المناسب لرأي ابن الصلاح، حيث يرى أن الشاذ والمنكر مترادفان، ولذا اقتصر في تعريف الصحيح على نفي الشذوذ فقط، =

تنزل كلام الخطابي (¬1). ¬

_ = كما اقتصر الترمذي على التصريح بنفيه في الحسن، وسيأتي بحثه/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 66 والنكت الوفية 63 ب وقال الحافظ ابن حجر: إن بينهما عمومًا وخصوصًا من وجه؛ لأن بينهما اجتماعًا في اشتراط المخالفة، وافتراقًا في أن الشاذ رواية ثقة أو صدوق والمنكر رواية ضعيف، وقد غفل من سَوّى بينهما/ شرح النخبة/ 266 ضمن المجموعة الكمالية. وقال البقاعي: قوله: "ويعتبر في كل هذا -مع سلامته ... الخ" هذا شرح لكلام الخطابي/ النكت الوفية 64 أ. (¬1) وهذا هو الذي سُمي بَعدَ ابن الصلاح بالحسن لذاته، أي أن حسنه لا يرجع لشيء خارج، وهو العاضد كما تقدم في القسم الأول الذي سمي بالحسن لغيره/ النخبة وشرحها/ 263 ضمن المجموعة الكمالية. وفتح الباقي مع شرح التبصرة والتذكرة 1/ 89 وفتح المغيث 1/ 65 قال السخاوي: وهذا الثاني هو الحسن حقيقة، بخلاف الأول فهو مجاز؛ لكونه يطلق على مرتبة من مراتب الضعيف -يعني قبل الاعتضاد- كما يطلق اسم الصحيح مجازًا على الثاني/ فتح المغيث 1/ 66 بتصرف يسير، ولذا قال البقاعي: واعلم أنه كان ينبغي له -أي لابن الصلاح- أن يقدم الكلام على حد الخطابي من وجوه ... ومنها أنه هو الحسن لذاته، ومنها أن بعض أهل الحديث يسميه صحيحًا/ النكت الوفية 64 أ. هذا وقد أورد ابن جماعة على ابن الصلاح في القسم الثاني وهو الحسن لذاته، أنه يدخل في تعريفه له المرسل الذي اشتهر راويه بما ذكر؛ مع أنه ليس حسنًا في الاصطلاح/ الخلاصة/ للطيبي/ 39 وشرح السيوطي لألفيته/ 50 أوالنكت الوفية 64 أ، وقد أجاب الطيبي عن هذا بأن قول ابن الصلاح: "يرتفع حاله عن حال من يعد من ينفرد به منكرًا" احتراز مما ذكره ابن جماعة؛ لأنه لا يخلو من أن الذي رواه هذا الراوي مما عرف متنه أو معناه من غير روايته من غير وجه، أو مما لم يعرف؛ لا من الوجه الذي رواه، ولا من وجه آخر؛ فالأول: أخرج =

قلت: قد اشترط الترمذي في الحسن ثلاثة شروط: أحدها: يرجع إلى الإسناد، وهو: ألَّا يُتَّهم راويه بكذب (¬1) ¬

_ = المرسل والمنقطع من الحد، والثاني: هو الذي احترز منه بقوله: لا يعد ما انفرد به منكرًا/ الخلاصة/ 42 - 45. أما البقاعي فإنه قد ذكر ما اعتُرِض به على ابن الصلاح في هذا التقسيم والتعريف إما إجمالًا، كقول ابن دقيق العيد بعد نقل كلام ابن الصلاح هذا، في الاقتراح / 171: وهذا كلام فيه مباحثات ومناقشات على بعض الألفاظ، وإما تفصيلًا، وهو كلام ابن جماعة المتقدم، ثم تصدى للجواب عمومًا عن ابن الصلاح فقال: وعندي أنه لا يرد عليه شيء؛ لأنه لم يسلك ما ذكر مسلك التعريف، وإنما بَيَّن القيد الذي ينزل به الحسن عن درجة الصحيح، وجعله شرحًا لكلام الترمذي والخطابي، والترمذي قد حكم على ما عَرَّف به بأنه: لا يكون في اسناده من يتهم بالكذب، وهذا فرع معرفة الاتصال، فالساقط والمنقطع والمرسل لا يسوغ الحكم عليه بتهمة كذب ولا عدمها؛ لأن الحكم على الشيء فرع تصوره، والخطابي اشترط معرفة المَخْرَج، والمرسل لم يُعْرَفْ مَخْرَجُه/ النكت الوفية 64 أ. (¬1) قرر ابن رجب أن هذا الشرط يدخل بمقتضاه في الحسن: ما يرويه الثقة العدل، ومن كثر غلطه، ومن يغلب على حديثه الوهم، بشرط عدم الشذوذ، ورواية نحوه من وجوه متعددة/ شرح العلل/ 1/ 384 و 385، وهذا ليس مُسَلّمًا له، ويمكن الجواب عنه بما يلي: (أ) أن الثقة العدل شرط راوي الصحيح كما هو مقرر، وكما ذكره ابن رجب بنفسه قبل هذا وبعده في تعريف الصحيح - شرح العلل 1/ 345 و 388. وهذا التعريف مسوق لتمييز الحسن لغيره عما عداه؛ فكيف يجعل الصحيح داخلًا فيه؟ ولو قيل: إن هذا مُسَلّم؛ ولكن عبارة الترمذي تُفيد ما ذُكِر، فإنه يُجَاب برد إفادتها ذلك نصًا وسياقًا؛ أما نصا فلأن الترمذي لم يَعْدِل عن "ثقة" وهي كلمة واحدة، إلى قوله: "لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب" إلا لغرض يناسب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المعرَّف وهو إرادة قصور رواته عن وصف "الثقة"؛ بل وعن وصف راوي الحسن لذاته، كصدوق ونحوها، وأما سياقًا فيؤيد إرادته هذا القصور بقيةُ سياق التعريف؛ حيث اشترط مع نفي الشذوذ، وجود عاضد من وجه آخر، والثقة والصدوق ونحوهما عند عدم الشذوذ لا يَحتاج قبولهما لعاضد، فكأن قول الترمذي: "لا يكون متهمًا" يراد به في إطار بقية التعريف: أن يكون الراوي مضعفًا بما هو أخف من تهمة الكذب، حتى يقبل الانجبار بالعاضد ويرتقي إلى مرتبة الحسن./ انظر النكت الوفية/ 61 ب وتدريب الراوي 1/ 156، 164، 175، وتعليق د. عتر على شرح ابن رجب للعلل 1/ 385. (ب) أما إدخال ابن رجب "لكثير الغلط، ومن يغلب على حديثه الوهم" فهذا غير مُسلم؛ لأن هؤلاء في مرتبة المتهم بالكذب، فنفيه نفي وإخراج لمن يماثله، ويؤيد هذا أن الترمذي قبل تعريفه للحسن بصفحات قال: فكل من رُوي عنه حديثه، ممن يُتهم أو يضعف لغفلته وكثرة خطئه، ولا يعرف ذلك الحديث إلا من حديثه، فلا يحتج به/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 397، ثم قال بعد هذا بصفحة: فكل من كان متهمًا في الحديث بالكذب، أو كان مغفلًا يخطئ الكثير، فالذي اختاره أكثر أهل الحديث من الأئمة ألا يشتغل بالرواية عنه/ المصدر السابق/ 399. فهذا يفيد أن من ذكرهم ابن رجب، معدودون في مرتبة المتهم عند الترمذي، فضلًا عن غيره، وأن حكمهم مثله في الترك وَردِّ ما ينفردون به حيث لا ينجبر، بل إن ابن رجب نفسه بعد صفحات من قوله بدخول هؤلاء في حد الحسن عند الترمذي قال متعقبًا غيره كما سيأتي قريبًا: وتسمية الحديث الواهي الذي تعددت طرقه حسنًا، لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه/ شرح العلل/ 1/ 394. وأيضًا تقدم تعقبه لابن الصلاح في ذكر "المغفل كثير الخطأ" في التعريف الذي نزل عليه كلام الترمذي وقال: إن كلام الترمذي لا يدل عليه. أما الحافظ ابن حجر فذكر أن شرط عدم الاتهام بالكذب يدخل في الحسن عند الترمذي رواية كل من المستور، والضعيف بسوء الحفظ أو بالغلط، أو الخطأ غير =

والثاني والثالث: يرجعان إلى المتن، وهو ألا يكون شاذًا، ويروى من غير وجه نحوه (¬1). ¬

_ = الفاحش، أو رواية المختلط بعد اختلاطه، والمدلِّس اذا عنعن، لعدم منافاة كل هذه الأنواع من الضعف لشرط عدم التهمة بالكذب، فمتى انتفى عن الرواة الموصوفين بذلك الشذوذ، ووجد العاضد كان حديثهم حسنًا عند الترمذي، وقد أيد الحافظ ذلك بالأمثلة التطبيقية من جامع الترمذي كما أشرت من قبل/ انظر الإفصاح / 43 أ - 44 أوقد تابع ابن حجر على هذا: البقاعي/ النكت الوفية / 61 ب والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 63 والسيوطي/ شرحه لألفيته/ 50 أوما بعدها، والقاري/ شرح شرح النخبة/ 77 والصنعاني/ 1/ 163 - 166، فهذا أقرب لمقتضى شرط عدم تهمة الكذب هنا، بخلاف ما تقدم عن ابن رجب، والله أعلم. (¬1) أشار البقاعي إلى أن "نحوه" ليست قيدًا لإِخراج ما كان مثله؛ بل ليفهم منها أن المتن العاضد إذا كان مثل لفظ المعضود كان داخلًا من باب أولى/ النكت الوفية 70 ب، ومن المعروف أن عبارة الترمذي: "يروى من غير وجه نحوه" قد أخذ ابن الصلاح منها قوله السابق ص 230 (أصل): "رُوِيَ مثلهُ أو نحوه من وجه آخر أو أكثر". وقد ذكر ابن رجب أن عبارة الترمذي تفيد: أن يروى معنى ذلك الحديث من وجوه أُخر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بغير ذلك الإسناد/ شرح العلل 1/ 384 ثم عاد بعد ذلك فقال: إن الترمذي في هذه العبارة، لم يقل: عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فيُحْتمَل أن يكون مراده عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقد يحتمل أن يُحمَل كلامه على ظاهره وهو أن يكون معناه: يروي من غير وجه، ولو موقوفًا؛ ليُستَدَل بذلك على أن هذا المرفوع له أصل يعتضد به، قال: وهذا كما قال الشافعي في الحديث المرسل: إنه إذا عَضَده قول صحابي أو عمل عامة أهل الفتوى به كان صحيحًا/ شرح العلل 1/ 387، 388، ونلاحظ هنا أمرين: أحدهما: أنه قصر العاضد أولًا على المرفوع للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ثم عاد ثانيًا فقرر أن كلام الترمذي محتمل للمرفوع وللموقوف، وظاهره عدم التقيد بالمرفوع. وهذه النقطة لم يتعرض لها ابن الصلاح. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأمر الثاني: أنه قرر اشتراط أن يكون العاضد مرويًا من عدة وجوه، وقد اعتبر تفسيره في ذلك لكلام الترمذي موافقًا لتفسير ابن الصلاح الذي نزَّل عليه كلام الترمذي، ولكلام الشافعي في اعتضاد المرسل، بينما نجد ابن الصلاح -كما تقدم كلامه في الشرح ص 230 - لا يشترط تعدد العاضد؛ وإنما قال: وجها أو أكثر، وعلقنا عليه هناك بأنه على هذا يكفي وجه واحد للاعتضاد به، وكذا نجد الشافعي لا يشترط تعدد العاضد كما سيأتي ذكرة، وعليه فقول ابن رجب: إن تفسيره لكلام الترمذي موافق لتفسير ابن الصلاح له في هذا الموضع، ولكلام الشافعي في اعتضاد المُرسَل، غير مسلَّم، ونعم إن ابن الصلاح بعد تقريره الاكتفاء في العاضد بوجه واحد -كما تقدم- عاد بعد أحد عشر سطرًا فقال: إن الحسن يُكْتفَى فيه بماسبق ذكره من مجيء الحديث من وجوه ... الخ/ علوم الحديث/ 48. وقد تعقبه العراقي في هذا بأنه لم يسبق اشتراط مجيئه من وجوه، بل "من غير وجه" كما سبق ذلك في كلام الترمذي، ثم قال العراقي: وعلى هذا فمجيؤه -يعني الحديث- من وجهين -أي العاضد والمعضود- كاف في حد الحديث الحسن/ التقييد والإيضاح/ 48، وقد عاد ابن الصلاح مرة أخرى في مبحث شرقي الحسن لذاته إلى الصحيح لغيره، فذكر أنه لمَّا رُوِي من أوجه أخَر صح الإسناد والتحق بدرجة الصحيح/ علوم الحديث 51 / وقد وافقه العراقي في ألفيته وشرحها على ذلك، وقال في الشرح: إن ابن الصلاح أخذ كلامه هذا من قول الترمذي: "روي من غير وجه". وبهذا وقع هو فيما كان تعقب به ابن الصلاح، كما تقدم من القول بتعدد العاضد/ انظر التبصرة والتذكرة وشرحها للعراقي / 1/ 92، 93 وقد ذكر البقاعي أنه يمكن توجيه كلام الترمذي على أن الحسن لغيره يروى من وُجوْه أقلُّها ثلاثة: المعضود، من وجه، والعاضد الذي يكون نحوه، يروى من غير وجه، أي من وجهين فأكثر؛ فإذا ضممت طريقي العاضد إلى طريق المعضود، كانت ثلاثة؛ لكنه عارض هذا بأنه يكون مخالفًا لنص الشافعي في المرسل، فإنه =

ولعلهما إذا حُقِّقا كانا واحدًا (¬1)، وسيوضح ذلك التعريفُ ¬

_ = صرح بأنه يكتفى فيه بوجه واحد يَعْضُده/ النكت الوفية/ 65 ب وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 91 والرسالة للشافعي - باب الحجة في تثبيت خبر الواحد/ 144 الطبعة الأولى. وعليه فالراجح هنا ما تقدم من أن أقل ما يُجْبَر به طريق واحدة مساوية للمجبور في الضعف، أو أعلى، بشرط قصورها عن درجة الصحة، ولذا قال البقاعي: والعبارة المخلَّصة -أي من الاحتمال- أن يقال: إذا رُوي من غير وجه نحوه، كما قال الترمذي، وكما قال ابن الصلاح في الحسن لغيره: بأن رُوي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر/ النكت الوفية/ 70 أبتصرف يسير. ويبدو لي أن عبارة الترمذي غير مخلصة من الاحتمال، بدليل تفسير البقاعي نفسه لها، ولذا مشى ابن حجر على عبارة ابن الصلاح/ الإِفصاح/ 45 أ، 47 أ، ولكن لا شك أنه كلما كثر المتابع أو الشاهد قَوِي ظنُّ ثبوت الحديث، كما في أفراد المتواتر؛ فإن أولها من رواية الأفراد، ثم لا يزال يكثر إلى أن يقطع بصدق المروي، ولا يستطيع سامعه أن يدفع ذلك عن نفسه/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 63، 70، والنكت الوفية/ 66 أ، ب. (¬1) وقد مشى على أنها ثلاثة بدون تداخل، غير واحد، وإن اختلف بعضهم مع المؤلف في تلك الشروط من جهة أخرى، قال الحافظ ابن رجب: ومن المتأخرين أيضًا من قال: مراد الترمذي بالحسن أن كلًا من الأوصاف الثلاثة التي ذكرها في الحسن - وهي سلامة الإِسناد من المتهم، وسلامته من الشذوذ، وتعدد طرقه -ولو كانت واهية- موجب لحسن الحديث عنده. قال: وهذا بعيد جدًّا، وكلام الترمذي إنما يدل على أن لا يكون حسنًا حتى يجتمع فيه الأوصاف الثلاثة، وتسمية الحديث الواهي الذي تعددت طرقه حسنًا، لا أعلمه وقع في كلام الترمذي في شيء من أحاديث كتابه/ شرح العلل 1/ 394، ولم يفصح ابن رجب كما ترى باسم هذا المتأخر القائل بهذا، ويبعد أن يكون مراده ابن سيد الناس؛ لأن العبارة التي ساق بها شروط الترمذي وإن كانت متقاربة مع عبارة ابن سيد الناس هنا؛ لكنها تختلف عنها من جهتين: =

بالشاذ ما هو؟؛ وحيث أحال في تعريف الحسن عليه، ولم يسبق تعريفه، وجب أن نبين ما ذكر العلماء فيه ليتبين المراد من قوله: "وألا يكون شاذًا" وقد قال الامام الشافعي -رحمه الله ورضي عنه-: ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره/، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثًا يخالف ما روى الناس (¬1). ¬

_ = أُولاهما: أن ابن سيد الناس لم يقل: إن كل شرط من الثلاثة موجب وحده حُسْن الحديث، في حين يرى هذا المتأخر ذلك كما حكى عنه ابن رجب. وثانيتهما: أنه يرى كفاية الطرق الواهية في الاعتضاد، وليس في كلام ابن سيد الناس ما يدل على ذلك وقد ذكر الحافظ ابن حجر أيضًا بعد ابن رجب هذه الشروط كما ذكرها ابن سيد الناس هنا، وعدها ثلاثة، وأشار إلى اشتراطها عند الترمذي مجتمعة لتحقق الحديث الحسن/ الإِفصاح/ 43 أ، 47 ب. (¬1) أخرجه الحاكم بسنده عن الشافعي: ولفظه: ليس الشاذ من الحديث أن يَروِي الثقةُ ما لا يرويه غيره، هذا ليس بشاذ؛ إنما الشاذ أن يروى الثقة حديثًا يخالف فيه الناسَ، هذا الشاذ من الحديث/ المعرفة للحاكم/ 119، أما الخليلي فأشرك مع الشافعي جماعةً من أهل الحجاز؛ فقال: وأما الشاذ، فقد قال الشافعي وجماعة من أهل الحجاز: الشاذ عندنا ما يرويه الثقات على لفظ واحد، ويرويه ثقة خلافه، زائدًا أو ناقصًا هـ ثم عقب الخليلي على ذلك بقوله: "والذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد يشذ بذلك شيخ ... " الخ ما سيأتي ذكر الشارح له قريبًا،/ منتخب إرشاد الخليلي لأبي طاهر السلفي / ل 9 ومقدمة ابن الصلاح/ 69 وكأن الخليلي بتعقيبه على تعريف الشافعي ومن معه بما عليه حفاظ الحديث، لا يرتضي تعريف الشافعي ومن معه. ونحوه فعل ابن رجب، فإنه بعد ذكر تعريف الشافعي للشاذ قال: وأما أكثر الحفاظ المتقدمين فإنهم يقولون في الحديث إذا انفرد به واحد -وإن لم يرو الثقات خلافه-: إنه لا يتابع عليه، ويجعلون ذلك علة فيه، اللهم إلا أن يكون ممن كثر حفظه واشتهرت عدالته وحديثه، كالزهري ونحوه، وربما يستنكرون بعض =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تفردات الثقات الكبار أيضًا، ولهم في كل حديث نقد خاص، وليس عندهم لذلك ضابط يضبطه، قال صالح بن محمد الحافظ: الشاذ: الحديث المنكر الذي لا يُعرف/ شرح العلل 1/ 352، 353؛ لكن ابن رجب بعد ذكره أن أكثر أهل الحديث على خلاف تعريف الشافعي للشاذ كما ذكرت، قرر أن الترمذي في قوله في تعريف الحسن: "ولا يكون شاذًا" أراد بالشاذ ما قاله الشافعي/ شرح العلل 1/ 384، و 388، وكذا قال ابن حجر وزاد أنه أليق؛ لكي لا يكون معناه مكررًا مع قول الترمذي بعده: ويروى من غير وجه نحوه، قال: والحمل على التأسيس أولى من الحمل على التأكيد، لا سيما في التعاريف/ الإِفصاح 47 أو 102 أ، وتبعه على ذلك السخاوي/ فتح المغيث 1/ 13، و 63، و 65، و 197؛ لكن هذا يخالف اتفاق هؤلاء ومن تبعهم على أمرين -كما تقدم في كلامهم قبل قليل- وهما: 1 - أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره. 2 - أن الحسن لغيره، قبل الاعتضاد بغيره ضعيف لذاته؛ لعدم اتصال سنده، أو لضعف راويه بما دون تهمة الكذب. وعليه فكيف يفسر الشذوذ المرادُ انتفاؤه في تعريف الترمذي، بأنه كما ذكر الشافعي: تفرد الثقة مخالفًا الناس، أو بعبارة أخرى، ما خالف فيه الراوي من هو أحفظ منه، أو أكثر عددًا سواء تفرد به أو لم ينفرد به؟ / الافصاح 47 أ/ هذا ما لا يعد لائقًا بمراد الترمذي فضلًا عن كونه أليق، كما عبر عنه الحافظ ابن حجر رحمه الله، ومما يؤيد هذا، أن الحافظ ابن حجر أيضًا وتبعه السخاوي، قررا أن الشاذ المراد انتفاؤه في تعريف الحديث الصحيح لذاته هو الشاذ كما فسره الشافعي/ الإِفصاح/ 4 ب، فتح المغيث 1/ 13 فكيف يتساوى المراد بالشاذ في تعريفي الصحيح لذاته والحسن لغيره؟. ولعل هذا ما جعل الشارح كما سيأتي قريبًا في الأصل - يقرر أن الترمذي توسع في المراد بالشاذ هنا عن تعريفي الشافعي والحاكم، وأن مراده به يقرب مما ذكر الخليلي؛ لكنه عند تفصيل ذلك أوضح جانبًا من التوسع والقرب من مراد الخليلي، وتردد في جانب. =

وذكر أبو عبد الله الحاكم: أن الشاذ هو: الحديث الذي ينفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة (¬1). ¬

_ = فالجانب الذى أوضحه هو جانب عدم التقيد في الشاذ بتفرد الثقة الذي اتفق الشافعي والحاكم على التقيد به، وصرح الخليلي بعدم التقيد به -كما سيأتي كلامه في الأصل ص 246، 247 - وقد قرر الشارح ذلك بقوله: "إن كلام الترمذي مؤذن بدخول تفرد المستور في مسمى الشاذ". أما جانب مخالفة ما رواه الراوي لمن هو أقوى أو أكثر عددًا منه ونحو ذلك من المرجحات، وهو الذي صرح الشافعي بالتقييد به أيضًا، فقد تردد الشارح في دخوله في مقصود الترمذي بالشاذ أو عدم دخوله، وبناء عليه تردد في مقصوده بالعبارة التالية للشاذ في التعريف وهي قول الترمذي: "ويروى من غير وجه نحوه" هل هي تفسير للشاذ المذكور قبلها، أو شرط جديد في التعريف؟ ولكن ستأتي مناقشة الشارح في ذلك وبيان الأنسب في تقديري لمراد الترمذي. (¬1) معرفة علوم الحديث للحاكم/ 119 ومقدمة ابن الصلاح/ 69، ونسبه النووي إلى جماعات من أهل الحديث غير الحاكم، ثم قال: وهذا ضعيف/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 195، وقال الحافظ ابن حجر: أسقط -يعني شيخه العراقي- من قول الحاكم قيدًا لا بد منه وهو أنه قال:-يعني بعدما تقدم-: وينقدح في نفس الناقد أنه غلط - ولا يقدر على إقامة الدليل على ذلك، وعلل أهمية هذا القيد بأن به يكون التغاير بين الشاذ وبين المعلل الذي ذكره الحاكم بقوله: وهو غير المعلول؛ فإن المعلول ما يوقف على علته، أنه دخل حديث في حديث ... الخ/ النكت الوفية/ 145 أوتدريب الراوي 1/ 232 ومعرفة علوم الحديث للحاكم/ 119. أقول: وهذا القيد الذي ذكر الحافظ ابن حجر أن شيخه أسقطه من كلام الحاكم، ليس موجودًا مع تعريفه المذكور للشاذ، ولا في كلامه عن نوع الشاذ كله، ولا عن معرفة علل الحديث؛ وإنما الموجود فقط تعريف الشاذ كما ذكره المؤلف هنا بلفظه، مع ذكر الفرق بين الشاذ والمعلول كما أشرت/ انظر معرفة علوم الحديث للحاكم/ 113 - 122.

فكلاهما جعل الشاذ: تفرد الثقة؛ غير أن الشافعي ضم إلى ذلك شرط مخالفة ما روى الناس. والذي يظهر من كلام الترمذي التوسع في ذلك (¬1)، وأن تفرد ¬

_ (¬1) سيأتي تصريح الشارع بعد قليل بمراده بهذا التوسع، وهو أن الترمذي يرى أن الشذوذ المذكور في تعريفه للحسن يشمل تفرد الثقة أو المستور؛ فيكون دخول المستور مع الثقة في مسمى الشاذ توسعًا عما قاله الشافعي والحاكم؛ ولكن نسبة هذا التوسع للترمذي غير مُسلَّمة؛ لأنا قدمنا أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره، وعليه فلا يدخل في مسمى الشاذ المذكور في تعريفه تفرد الثقة، لنزول رواته عن حد الثقة، ولا يقال -كما سيأتي في بعض الاعتراضات على الترمذي في الشرح- إن الثقة داخل في التعريف بمقتضى قول الترمذي: "ألا يكون في رواته متهم بالكذب"، لأننا نقول: إن في بقية التعريف ما يدل على أن مراده بهذا ما دون الثقة، من المستور أو المضعف بما هو أخف من تهمة الكذب ونحوها كفحش الخطأ؛ حتى يَقبَل الانجبار، وذلك حيث قال: "ويُروَى من غير وجه نحوه" فاشترط مع انتفاء الشذوذ وجودَ عاضد، والثقة إذا انتفى شذوذه لا يحتاج قبول روايته إلى عاضد، وحديثه يكون صحيحًا لذاته، فخرج عن حد الحسن لغيره، وسيأتي مزيد بيان لذلك في الجواب عن الاعتراض على الترمذي في هذا التعريف. والذي يبدو لي أنه طالما تقرر عند الشارح كما سيأتي -وعند غيره - كما تقدم-: أن تعريف الترمذي مقصود به الحسن لغيره؛ فإنه يجب تفسير قوله: "ولا يكون شاذًا، ويروى من غير وجه نحوه" بما يجعل التعريف مطابقًا للمعَرَّف ولأمثلته التطبيقية -ولو غالبًا- خاصة في جامع الترمذي نفسه؛ لأن هذا أقرب دليل على مراده، سواء وافق هذا التفسير تعريف غير الترمذي لكل من الشاذ والمنكر أم لا؛ لأن الترمذي من أئمة التقعيد وتقرير الاصطلاحات، وتعريف الشاذ والمنكر، والتفريق أو الموافقة بينهما، مما تعددت فيه الأقوال وتفاوتت/ انظر شرح شرح النخبة لعلي قاري/ 54، 55 وعلوم الحديث لابن الصلاح والتقييد والايضاح/ 104 - 106 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 194 - 199. =

المستور داخل في مسمى الشاذ؛ لِمَا أَذِنَ به كلامُه (¬1) من أن رواية المستور الذي لا يتهم بالكذب على قسمين: ¬

_ = وعليه يمكن أن نقول: إن الترمذي قصد بالعبارتين السابقتين نفي نوع من الشذوذ ونوع من النكارة يناسبان قصور مرتبة رواة الحسن لغيره. فمقصوده بالشاذ ما تفرد به مستور الحال، أو سيء الحفظ، ونحوه من المضعف بأخف من تهمة الكذب ونحوها كفحش الخطأ، مع وجود مخالف لهؤلاء أرجح منهم بقوته أو كثرة عدده، ونحو ذلك من المرجحات، والشاذ بهذا المعنى قد نسب السخاوي للأكثرين تسميته منكرًا/ فتح المغيث 1/ 199. أما قوله: "ويروى من غير وجه نحوه" فيكون مقصودًا به شرط آخر وهو تعدد طرق الحسن لغيره بمتابع أو شاهد، ولو لم يوجد مخالف أرجح، انظر الافصاح / 143 أ، 47 أ. وبهذا الشرط ينتفي عن الحسن أحد قسمي المنكر وهو ما تفرد به راويه ولو لم يُخَالَف، كما يوجد في إطلاق الامام أحمد وغيره/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 198، 199. وعلى هذا التفسير للعبارتين تكون كل منهما أفادت شرطًا خاصًا، ويتحقق بذلك التأسيس الذي هدف اليه الحافظ ابن حجر كما مر، ويندفع عن الحسن الشذوذ والنكارة. ولعله بهذا يطابق التعريف المعرف وأمثلته، لا سيما في جامع الترمذي الذي أكثر فيه من هذا النوع من الحسن. (¬1) يقصد قول الترمذي: كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 412 فيدخل فيه المستور؛ لكن يلاحظ أنه لا يقتصر عليه بل يدخل أيضًا المجهول، وسيء الحفظ، ونحوهما مما خلا عن تهمة الكذب ونحوها كما تقدم/ وانظر النكت الوفية/ 61 ب وفتح المغيث للسخاوي 1/ 63.

1 - ما شُورِك فيه، وهو داخل عنده في مسمى الحسن (¬1). 2 - وما لم يُشارَك فيه، والذي سماه شاذًا، ولم يُلْحِقْه بالحَسَن (¬2). وينبغي إذا كان تفرد المستور عنده يجبره متابعةُ مَن تابَعه -وهو محتاج إليها؛ لانحطاطه عن درجة الثقة- أن يكون [ما] (¬3) تفرد به الثقة عنده مقابَلًا بالقبول، إذا لم يُخالَفْ، أو التوقف؛ ليظهر بينهما فَرق (¬4) وهو خلاف ما ذكره الحاكم -رحمه الله (¬5) - ونحو مما ذكر الخليلي (¬6). ¬

_ (¬1) بمقتضى قوله في بقية التعريف: "ويروى من غير وجه نحوه". (¬2) لاشتراطه انتفاء الشذوذ، لكن يلاحظ أن الشارح اقتصر كما ترى على أن حصول المشاركة فقط يرفع الشذوذ، وعدمَها يوجدُه، ومقتضى ما تقدم في بيان مقصود الترمذي بالشاذ يقتضي أن يراعى مع المشاركة، عدم المخالف الأرجح، حتى يرتفع الشذوذ، ولعل الشارح لم يذكر المخالفة لما سيأتي في كلامه قريبًا من التردد في أن الترمذي قصدها أو لا؟. (¬3) زيادة مني لا يستقيم المعنى بدونها. (¬4) أي بين تفرد المستور والثقة. (¬5) يعني في تعريفه للشاذ كما تقدم في الأصل ص 243. (¬6) هو الإمام أبو يعلى، الخليل بن عبد الله بن أحمد بن الخليل، الخليلي القزويني، مصنف كتاب "الارشاد في معرفة المحدثين" وهو كتاب كبير انتخبه الحافظ السلفي، وكان الخليلي ثقة حافظًا عارفًا بالعلل والرجال وتوفي آخر سنة 446 هـ/ سير أعلام النبلاء/ 17/ 666، 667 وتذكرة الحفاظ/ 3/ 1123، 1124 / كلاهما للذهبي/. هذا وما ذكره الشارح من أن ما تفرد به الثقة ولم يُخالَف فهو مقبول، وما خولف =

حيث يقول: إن الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ: ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة؛ فما كان ¬

_ = فيه فهو متوقف فيه، ليس نحوًا مما ذكر الخليلي؛ لأن الخليلي لم يفرق بين من خولف ومن لم يُخالَف؛ بل أطلق التوقف في الحالتين. كما أن الذي اختاره ابن الصلاح وأقره مَن بعده: أن ما ينفرد به الثقة مُخالِفًا مَن هو أرجح منه فهو قسم من الشاذ المردود، وهو الذي عرفه الشافعي كما مر في الأصل/ وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 197. وعلى هذا فالقول المذكور بالتوقف المطلق فيما تفرد به الثقة إذا خُولف، لا يتفق مع تعريف الترمذي للحسن، ولا مع المختار عند المحققين من العلماء، اللهم إلا أن يُراد التوقف لحين ظهور الراجح، فيجب التقييد بذلك. وإذا كان القصد من ذكره -كما أشار الشارح- هو إظهار فرق بين تفرد المستور، وتفرد الثقة، أو تقريب مُراد الترمذي بالشاذ في تعريف الحسن، من مراد الخليلي بالشاذ عمومًا، كما أشار له الشارح بَعْد، فكلا الأمرين لا ينهضان مبررًا لذلك. أما إظهار فرق بين تفرد المستور وتفرد الثقة فيمكن بدون اللجوء للقول المذكور بالتوقف، وذلك لأن ما تفرد به المستور ولو لم يخالفه الأرجح فلا يقبل عند الترمذي إلا بعاضد، لاشتراطه العاضد في تعريف الحسن كما تقدم، وأما ما تفرد به الثقة ولم يُخالَف، فهو مقبول كما ذكره الشارح نفسه/ وانظر شرح العلل/ 1/ 462. وأما تقريب مراد الترمذي بالشاذ، من مراد الخيلي فليس ضروريًا، لأن تعريف الخليلي للشاذ منتقد، كما سيأتي في الأصل، ودفاع الشارح عنه غير مسلم كما سيأتي قريبًا، كما أن الخلاف في المراد بالشاذ ليس مقتصرًا على الخليلي، فالتقريب من مراده لن يرفع الخلاف./ وانظر هامش شرح العلل 1/ 461 وأيضًا سيأتي في التعليق أنه لو سُلّم للشارح استنتاجه المذكور فسيبقى هناك فرق بين ما ذكره وبين مراد الخليلي بالشاذ.

عن غير ثقة فهو متروك لا يقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه، ولا يحتج به (¬1). وأورد عليه أبو عمرو (¬2) ما تفرد به العدل الحافظ (¬3) كحديث الأعمال بالنيات (¬4). ¬

_ (¬1) منتخب ارشاد الخليلي لأبي طاهر السلفي/ ل 9، وعلق السخاوي على قول الخليلي: "ولا يحتج به" فقال: ولكن يصلح أن يكون شاهدًا/ فتح المغيث 1/ 195، ومقتضى إطلاقه التوقف فيما تفرد به الثقة عدم الفرق في ذلك بين ما تفرد به ثقة وخالفه أرجح منه، وبين ما تفرد به، ولم يخالفه الأرجح/ شرح السيوطي لألفية العراقي/ 9 ب، ولذا جاء إيراد ابن الصلاح عليه مطلقًا غير مقيد بالمخالفة، وإن كان ما مثل به من الأحاديث، وما فسره بعدها يوضح أن مراده مقيد بالمخالفة. (¬2) هو ابن الصلاح، وإيراده ليس على الخليلي وحده كما يفيده قول الشارح: "أورد عليه"؛ بل الإيراد عليه وعلى الحاكم، وسيأتي في التعليق التالي ذكر كلامه. (¬3) ولم يخالفه من هو أرجح منه، كما يدل عليه تمثيله بحديث النية وتصريحه بعده بأن ما رواه الفرد المخالَف بمن هو أرجح، شاذ مردود/ علوم الحديث/ 104؛ لكنه لم يُقيد في الإيراد تبعًا لعدم تقييد الخليلي والحاكم. (¬4) قال ابن الصلاح -بعد ذكر تعريف الشاذ عند الشافعي والحاكم والخليلي-: قلت: أما ما حكم الشافعي عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول، وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث: إنما الأعمال بالنيات؛ فإنه حديث فرد، تفرد به عمر رضي الله عنه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم تفرد به عن عمر، علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة، محمد بن ابراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد، على ما هو الصحيح عند أهل الحديث/ علوم الحديث، مع التقييد والإِيضاح/ 102، والحديث أخرجه الستة من طُرق، عن يحيى بن سعيد، به/ تحفة الأشراف 8/ 91 - 93 ح 10612 ولشهرته نكتفي بتخريجه من الصحيحين، فقد أخرجه البخاري في كتاب بدء الوحي - باب =

قلت: وفي لزومه نظر؛ للفرق بين الوصف بالثقة، والوصف بالعدل الحافظ، فيحتمل الثاني ما لا يحتمل الأول؛ لتفاوت الدرجتين، كما قلنا في الثقة والمستور (¬1). ¬

_ = كيف كان بدء الوحي/ البخاري مع الفتح 1/ 9 ح 1، وفي الإيمان - باب ما جاء أن الأعمال بالنية/ 1/ 135 ح 54، وفي العتق - باب الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه/ 5/ 160 ح 2529 وفي مناقب الأنصار - باب هجرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- الى المدينة/ 7/ 226 ح 3898 والنكاح - باب من هاجر أو عمل خيرًا لتزويج امرأة/ 115/ 9 ح 5070، وفي الأيمان والنذور - باب النية في الايمان/ 11/ 571، 572 ح 6689، والحيل - باب في ترك الحيل/ 12/ 327 ح 6953 وأخرجه مسلم في كتاب الإِمارة - باب إنما الأعمال بالنية/ 3/ 1515 ح 155. (¬1) أورد الحافظ العراقي خلاصة هذا التعقب، ولم ينسبه للشارح، ثم أجاب عنه بعبارتين: أولاهما قال: والجواب: أن الخليلي والحاكم ذكرا تفرد مطلق الثقة، فيدخل فيه الثقة الحافظ قطعًا/ التقييد والإِيضاح/ نسخة دار الكتب المصرية رقم 25337 ب/ ق 36 ب، ونحوها في التدريب 1/ 236. وثانيتهما قال فيها: والجواب أن الحاكم ذكر تفرد مطلق الثقة، والخليلي إنما ذكر مطلق الراوي؛ فَيرِدُ على إطلاقهما تفرد العدل الحافظ ولكن الخليلي يجعل تفرد الراوي الثقة شاذًا صحيحًا، وتفرد الراوي غير الثقة شاذًا ضعيفًا، والحاكم ذكر تفرد مطابق الثقة، فيدخل فيه تفرد الثقة الحافظ قطعًا./ التقييد والإيضاح / 101 ط السلفية، و 84 ط حلب ونسخة دار الكتب المصرية رقم 36 مصطلح الحديث/ 76 ب، وقد أُثبِتَتْ العبارة بالهامش مع إشارة دخولها في الصلب بعلامة (صح)، وكتب بالهامش أيضًا أن تلك العبارة من زيادات العراقي في نكته في 29 جمادي الأولى سنة 793 هـ، وعليها مشى البقاعي/ النكت الوفية / 145 ب، 146 أ، ويؤيد ما ذكره العراقي في عبارتيه من دخول العدل الحافظ في وصف (الثقة) قول الذهبي: حد الثقة: العدالة والإِتقان/ الميزان/ 1/ 5. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعليه فالفرق والتفاوت بينهما بحيث يحتمل الوصف بـ (عدل حافظ) ما لا يحتمله الوصف بـ (ثقة)، وقياس ذلك بالفرق بين الثقة والمستور، ثم جعل حديث العدل الحافظ صحيحًا، وحديث "الثقة" مرة حسنًا، ومرة صحيحًا كما سيأتي في بقية كلام الشارح، كل ذلك غير مسلم كما سنوضحه فيما يلي من التعليق. لكن الحافظ ابن رجب قد التقى مع الشارح في دفع الإيراد المذكور عن الخليلي، وذكر أن الخليلي يفرق بين تفرد الثقة وتفرد الإِمام أو الحافظ؛ وبيان ذلك، أن الخليلي -قبل ذكره تعريف الشاذ عند حفاظ الحديث كما جاء في الأصل- قال: وأما الأفراد، فما تفرد به حافظ مشهور ثقة، أو إمام من الحفاظ والأئمة فهو صحيح متفق عليه، ومثل لذلك بما تفرد به مالك عن ابن شهاب عن أنس أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دخل مكة وعلى رأسه المغفر/ أخرجه البخاري/ كتاب الحج باب دخول مكة والحرم بغير احرام/ البخاري مع الفتح/ 59 حديث/ 1846 ومسلم في الحج - باب جواز دخول مكة بغير إحرام/ 2/ 989، 990 حديث/ 450 والترمذي -كتاب الجهاد- باب ما جاء في المغفر، وقال: حسن صحيح، لا تَعرِفُ كبير أحد رواه غير مالك عن الزهري/ الترمذي 3/ 119 حديث 1744 / قال الخليلي: فهذا وأمثاله من الأسانيد متفق عليها/ منتخب الإِرشاد لأبي طاهر السلفي/ ل 5 ب، ثم ذكر بعد ذلك تعريف الشاذ، كما في الأصل عن حفاظ الحديث وأقرهم. فرأى الحافظ ابن رجب أن مجموع كلامي الخليلي عن الحديث الفرد والشاذ يدل على أنه يفرق بين ما ينفرد به شيخ ثقة، وبين ما ينفرد به إمام أو حافظ؛ فالأول يتوقف فيه، والثاني يحتج به، وأنه حكى ذلك عن حفاظ الحديث، وأيد ابن رجب تفرقة الخليلي هذه، فذكر: أن كلام الخليلي -يعني قولَه بالتوقف- في تفرد الشيوخ، والشيوخ في اصطلاح أهل هذا الفن عبارة عمن دون الأئمة والحفاظ، وقد يكون فيهم الثقة وغيرُه/ شرح العلل/ 1/ 461، 462 مع تصرف يسير. وهذا الذي قرره الحافظ ابن رجب غير مُسلَّم له؛ لأن الشيوخ غير الثقات خارجين عن دائرة النزاع لضعفهم، وأما الشيوخ الثقات فإن سلّمنا له وللشارح =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولمن يوافقهما أنهم دون الأئمة والحفاظ فإننا لا نُسلم أن التفاوت بينهم يصل إلى درجة إطلاق القول بقبول ما تفرد به الإمام أو الحافظ، والتوقف فيما تفرد به الشيخ الثقة، بل هم مشتركون في استيفاء شرط صحة الحديث لذاته عند جمهور العلماء وهو التوثيق، وتفاوتهم إنما هو في إطار الصحة، فرواية الثقة المستوفاة لباقي الشروط، صحيحة، ورواية الإِمام أو الحافظ المستوفاة لها أصح، والتفاوت بين الصحيح والأصح ينظر إليه عند التعارض، فيقدم الأصح على الصحيح، وهذا خلاف القول بالتوقف الذي رتبه الإِمام ابن رجب والشارح على التفاوت المذكور،/ انظر الإِفصاح/ 9 أ، ب وتدريب الراوي 1/ 76 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 20 والكفاية للخطيب/ 425 ويؤيد هذا ما قرره جمهور العلماء في مراتب ألفاظ التعديل من أن التوثيق بأفعل التفضيل وما في حكمه أعلا من التوثيق بتكرير لفظ الثقة وما في درجته؛ وهذا أعلا من التوثيق بلفظ واحد منها، ولكنهم يقررون اشتراك الجميع في أصل الصحة والاحتجاج/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 363، 368 وشرح شرح النخبة للقاري/ 235 وعلوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 157، وميزان الاعتدال 1/ 4 ومختصر علوم الحديث لابن كثير وشرحه للشيخ شاكر/ 105، 106، وعليه فالتفاوت بينهم في دائرة الصحة والاحتجاج. وأيضًا قرر غير واحد من الأئمة أن كلًا من: الحافظ، والحجة، والإمام، أعلا من الثقة لتميزهم عنه بالدراية والمعرفة، وكذا قرروا أن الحفاظ طبقات/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 365 والموقظة للذهبي 8 أ - 9 أإلا أن الجمهور على أن تلك الألفاظ الثلاثة من مرتبة واحدة في الصحة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 364، 365 وعليه فالتفاوت بينهم في إطار نفس المرتبة. وإذن فالإمام والحافظ والثقة؛ بل والأعلى من ذلك، يشتركون عند التفرد في الخضوع للتفصيل الذي اعتبره المحققون من أنه إذا خالف أيًّا منهم من هُو أرجحُ منه كان ما تفرد به شاذًا مردودًا، وإذا لم يُخالَف كان صحيحًا، مع تفاوتهم في مراتب الصحة، وهذا يفيد عند التعارض بين ما هو صحيح وأصح كما قدمت، بل وبين أفراد الأصح كما في أصح الأسانيد في معارضة بعضها لبعض، وفي معارضتها للصحيح/ انظر فتح المغيث للسخاوي =

فتلخص من هذا، أن الحديث الذي ينفرد به راويه غير مخالَف فيه، قد يتأتى فيه أحوال ثلاثة: الصحة، مع الحفظ، والحسن، مع الثقة (¬1)، والرد، مع الستر (¬2) وإذا تقرر هذا، فالحكم بالإسناد الواحد على الحديثين بتصحيح أحدهما وتحسين الآخر مع الثقة، أو تحسين أحدهما ورد الآخر مع الستر، بحسب المتابعة والانفراد، متوجه (¬3). ¬

_ = 1/ 20، 196، 197 وتوضيح الأفكار للصنعاني 1/ 37، 382 - 386. وإذا تقرر هذا فقياس التفاوت بين الثقة والعدل الحافظ، بالتفاوت بين الثقة والمستور، قياس مع الفارق؛ لأن التفاوت بين الثقة وبين العدل الحافظ تفاوت في إطار الصحة والاحتجاج، أما بين الثقة والمستور فهو تفاوت بين الصحيح، والمتوقف فيه أو المردود، عند التفرد، كما قدمت من قبل، وكما سيأتي أيضًا هامش 3، وانظر شرح شرح النخبة للقاري/ 155، ولا يظهر أن الشارح يقصد بالقياس مطلق التفاوت المشترك، بدليل ما سيجيء من جعله "الحافظ" صحيح الحديث، و"الثقة" حسن الحديث اذا انفرد، وصحيحه إذا توبع. (¬1) هذا خلاف ما تقدم في التعليق السابق من أن الجمهور على أن الثقة والحافظ من مرتبة توثيق واحدة وأن حديثهما صحيح لذاته. (¬2) القول برد رواية ما تفرد به المستور غَيرُ المُخالَف هو مقتضى اشتراط الترمذي في الحسن لغيره: أن يُروى من غير وجه نحوه، ولكن سيأتي للشارح أن المستور المنفرد متردد بين القبول والرد، فيتوقف فيه حتى يوجد مرجح لجانب قبوله أو رده ص 278، 279، 326، 354، وهذا ما اختاره الحافظ ابن حجر كما تقدم ص 229، 230 هـ، وقد ذكرت هناك أن التوقف يكون إلى تمام البحث عن حالة، فإذا أيسنا من معرفته، رددنا روايته، كما هو رأي الجمهور، وقد جزم المؤلف بهذا بعد الموضع الذي اقتصر فيه على التوقف ص 424 أيضًا. (¬3) بل هذا الذي ذكره الشارح غير متوجه، بناءً على التفصيل الذي تقدم في حكم تفرد الثقة، وعلى القول المختار في تفرد المستور، وإنما المتجه أن حديث الثقة الفرد إذا لم يُخالَف بالأرجح منه، يكون صحيحًا لذاته بدون احتياج لمتابعة =

وقد قال الحاكم في كتاب المدخل للصحيحين: إن أئمة النقل/ فرقوا بين الحافظ، والثقة، والثبْت، والمتقن، والصدوق، هذا في التعديل (¬1)، ¬

_ = أو شاهد، ولا ينزل عن ذلك لدرجة الحسن. وأما حديث المستور غير المخالَف فيتوقف فيه حتى يترجح فيه جانب القبول أو الرد؛ فإن توبع بمن يُرقِّيه إلى الحُسن أو إلى الصحة ارتقى. (¬1) انظر المدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم/ 28، وقد تقدم قريبًا أن تسليم الفرق بين الموصوفين بهذه الألفاظ وغيرها من ألفاظ التعديل لا يقتضي ما صرح به الشارح من تحسين حديث الثقة إذا انفرد وتصحيح حديث الحافظ، وبالتالي فاستدلاله بما ذكره الحاكم عن أئمة النقل، لا يستقيم، فهذه الألفاظ التي ذكرها الحاكم، الأربعة الأُول منها وإن تفاوتوا فيما بينهم فإنهم من مرتبة واحدة وهي المرتبة الثالثة من مراتب التعديل حسبما استقر عليه تقسيم المتأخرين للمراتب / تدريب الراوي 1/ 342، 343، وشرح شرح النخبة للقاري/ 234 وفتح الباقي للأنصاري مع شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 4 / وحديث أهل هذه المرتبة جميعًا صحيح لذاته وإن تفاوتت أفراده من صحيح إلى أصح كما تقدم قريبًا. أما لفظ "صدوق" فمرتبته تنزل عن مرتبة هؤلاء إلى المرتبة التالية لهم مباشرة وهي المرتبة الرابعة، وحديث أصحابها حسن لذاته، قال البقاعي: فإن الثقة مَن جَمع الوصفين: العدالة وتمام الضبط، ومن نزل عن التمام إلى أول درجات النقصان قيل فيه: صدوق؛ أو لا بأس به، ونحو ذلك، ولا يقال: ثقة إلا مع الإرداف بما يزيل اللبس/ النكت الوافية/ 191 أ، ب/، يعني كأن يقال: ثقة له أوهام، أو أخطاء، ونحو ذلك. وقد ذكر الحافظ ابن حجر من ألفاظ المرتبة الثالثة في التعديل: ثقة، ومتقنًا، وثبتًا، ثم ذكر من ألفاظ الرابعة: صدوقًا، ولا بأس به، ومن ألفاظ الخامسة: صدوقًا يَهمِ أو له أوهام/ التقريب 1/ 4 فعلق تلميذه البقاعي على ذلك بأن مرتبة "صدوق يَهم" ليس بينها وبين مرتبة من يقول شيخه فيه: ثقة أو ثبت إلا مرتبة واحدة -يعني مرتبة الصدوق ونحوها- ثم قال: وحديث هذا الضرب حسن لذاته/ النكت الوفية/ 73 ب. وقال ابن الصلاح: إذا كان راوي الحديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = متأخرًا عن درجة أهل الحفظ والإِتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، ورُويَ مع ذلك حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقِّي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح/ علوم الحديث/ 31 ط السلفية، وأقره على ذلك النووي/ التقريب مع التدريب 1/ 175 والطيبي/ الخلاصة/ 44، والسيوطي حيث ذكر قول ابن الصلاح: "مع كونه مشهورًا بالصدق والستر" ثم علق عليه بقوله: وقد عُلِمَ أن من هذه حاله، فحديثه حسن/ التدريب/ 1/ 175، وقال الحافظ ابن حجر: إن رواية الصدوق الذي لم يوصف بتمام الضبط والإتقان هي الحسن لذاته، وهو الذي لم يتعرض الترمذي لوصفه/ الإِفصاح/ 47 أ، يعني في تعريفه للحسن، وسيأتي مزيد من ذلك في الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسْن لما روي بإسناد واحد. ومن هذا يتضح أن وصف "الثقة" إذا أطلق يراد به العدل التام الضبط، وبالتالي يكون الموصوف به حديثه صحيحًا لذاته، دون حاجة لمتابعة أو شاهد، ولا ينزل الى درجة الحسن كما ذكر الشارح. كما يتضح أن المرتبة التالية لمرتبة الثقة هي مرتبة الحسن لذاته، وأنه لا يوصف أصحابها بوصف "ثقة" إلا مع التقييد بما يدل على النزول عن تمام الضبط كأن يقال: ثقة له أخطاء، ونحو ذلك، حتى لا تلتبس ألفاظ المرتبتين، وبالتالي يلتبس الحسن بالصحيح مع قصوره في الحقيقة عنه حتى عند من يسمي الحسن صحيحًا/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح/ 62. ويتضح أيضًا أن درجة الحديث الحسن لذاته لها ألفاظ اصطلاحية خاصة ومنها (صدوق) "ولا بأس به" وذلك حين يوصف الراوي بأي منهما مطلقة بدون اقتران بما يدل على النزول إلى الضعف "كصدوق كثير الغلط" أو بما يدل على الارتفاع الى درجة الصحة كـ "صدوق ضابط" أو "صدوق حافظ". وأما قول ابن أبي حاتم: وإذا قيل له -أي للراوي- إنه "صدوق" ... أو "لا بأس به" فهو ممن يكتب حديثه وينظر فيه/ الجرح والتعديل 2/ 37 / وقول ابن الصلاح: هذا كما قال؛ لأن هذه العبارات لا تشعر بشريطة الضبط/ علوم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الحديث مع التقييد والإِيضاح/ 158. فهذا لا يعكر على ما تقدم عن غيرهما؛ لأنه يمكن الجواب عن ذلك بأكثر من جواب لا يتسع المقام هنا لتقريره، ولكن نكتفي من ذلك بالنسبة لابن الصلاح بتصريحه نفسه في مبحث الحسن بتحسين حديث الصدوق، كما تقدم نقله عنه واقرار غيره له، وبالنسبة لابن أبي حاتم قد صرح في معرض بَيانه لوجوب تمييز مراتب الرواة، ثم في تقسيمه لمراتب الرواة من أتباع التابعين عازيًا لجهابذة النقاد ومقرًا لهم حيث إنه في الموضعين قد قرر: أن الصدوق الورع الثَبْت الذي يهم أحيانًا، وقد قَبِلة إلجهابذة النقاد، فهذا يحتج بحديثه/ الجرح والتعديل 1/ 6، 10، فإذا كان وصف الصدوق المقترن بما يدل على الوهم أحيانًا، قد قبله جهابذة النقد، وقرر هو الاحتجاج بحديثه، فأولى بذلك من وُصِف بـ"صدوق" مُطلقًا، ولا يقال: إن ذلك خاص بأتباع التابعين دون غيرهم؛ لأن الجمهور على عدم الفرق بين من سِوَى الصحابة من التابعين فمن بعدهم من الرواة في الخضوع للجرح والتعديل، ولو كان قبول الصدوق خاصًا بمن هو من أتباع التابعين لكان عليه أن يستثنيهم من عموم الحكم المتقدم بعدم القبول. ومع أن"صدوقًا مقترنة في عبارته بـ"ثبت" التي تعني الثقة، إلا أنه صدَّر وصف "الصدوق" وبنى التقسيم عليه. ومما يلاحظ أن عامة من نقل كلام ابن أبي حاتم في مراتب الرواة يقتصرون على نقل الموضع الأول فقط، دون إشارة إلى الموضعين الأخرين، أو جواب عنهما، مع أن كلامه في الموضعين فيه عزو منه لغيره من النقاد، وإقرار منه للمنقول، كما يلاحظ أن الذين صرحوا بتحسين حديث من وُصف بالفاظ المرتبة الرابعة اقتصروا على ذكر ذلك في مبحث الحديث الحسن، ولم ينبهوا أو يحيلوا عليه في مراتب التعديل، وقد تسبب هذا في اختلاف الأراء حول تحديد ألفاظ التعديل الاصطلاحية التي يحكم لمن وصف بها أن حديثه حسن لذاته، ولكن من المتأخرين من تنبه لذلك وربط بين ما صرحوا به في مبحث الحسن وبين مراتب ألفاظ التعديل في موضعها، كالشيخ أحمد شاكر رحمه الله، الباعث الحثيث/ 105، 106 وإن كان ما ذكره يحتاج إلى تحرير أكثر ليتطابق مع ما تقدم نقله عن المتقدمين، والله أعلم.

وكثير (¬1) مما يُورَد على الترمذي واضح: الأول (¬2): أعني التصحيح والتحسين - بسند واحد (¬3) وهذا جواب عنه مما أَورَد عليه الحافظ أبو الحسن بن القطان: ذِكْرهُ حديث "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة"، بسند ذكر بنحوه حديث "أين كان ربنا قبل أن يخلق سماواته وأرضه"؟؛ فصحح الأول وحسن الثاني، ولا خفاء بما بينهما من التفاوت في الشهرة والمتابعات (¬4). ¬

_ (¬1) بالأصل "وكثيرًا" والموافق لقواعد الإعراب ما أثبته. (¬2) ذكر الشارح "الأول" هكذا ولم يذكر الثاني بعد ذلك، وقد كُتِب مقابله بهامش الأصل كلمة (كذا) إشارة إلى أن الكلام ثابت في الأصل المنقول عنه هكذا، وإن لم يستقم السياق عليه، ولعل الأمر الثاني هو قوله فيما سيأتي ص 263 ومما وقع لابن القطان ... الخ. (¬3) يتضح من مراجعة إسناد الحديثين اللذين سيذكرهما المؤلف عقب هذا أن المراد بوحدة السند هو الاتفاق في بعض حلقات سند الحديثين، فيكون الراوي واحدًا يدور عليه الإسنادان، ويخرج منه الحديثان. (¬4) حديث "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" أخرجه الترمذي بالسند الذي أشار الشارح إليه، وسياقه هكذا: قال الترمذي: حدثنا الحسن بن علي الخلال أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا شعبة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس عن عمه أبي رَزِين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: رؤيا المسلم جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهي على رِجْل طائر ما لم يُحدِّث بها، وإذا حَدَّث بها وَقَعَتْ، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح/ جامع الترمذي - أبواب الرؤيا - باب تعبير الرؤيا 3/ 366 ح 2381 وقد أخرجه الطبراني في الكبير من طريق علي بن الجعد أنا شعبة وهشيم عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدس عن عمه أبي رَزِين العَقِيلي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الرؤيا جزء من أربعين جزءًا، أو ستة وأربعين جزءًا من النبوة، وهي على رجْل طائر فإذا عُبرت

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقعت. قال شعبة: وأحسبه -يعني يعلي- قال: لا يقصها إلا على وادّ أو ذي رأي/ المعجم الكبير للطبراني 19/ 204 ح 461 وهذه الرواية أجمع ما وقفت عليه من روايات الحديث وأوضحها؛ ففيها بيان أن أبا رَزِين عم وكيع الراوي عنه، وبيان أن صدر الحديث روي بلفظ "أربعين جزءًا وبلفظ" "ستة وأربعين" وبيان أن القائل: "وأحسبه" هو شعبة حاكيًا عن شيخه يعلى بن عطاء، بخلاف قول صاحب تحفة الأحوذي 6/ 559: قال: أي أبو رَزِين العَقيلي، وقائله وكيع بن عُدس، وأَحسبه أي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ويبدو أن الأول هو الأقرب؛ لأنه المصرح به في الرواية كما ترى. وقد ورد الحديث بروايات أخرى متعددة، بعضها بسياق رواية الترمذي أو نحوها، مع الاختلاف في العدد الدال على نسبة الرؤية من النبوة، بين أربعين، وستة وأربعين، وسبعين جزءًا، وبعضها يُقدَّم فيه صدر الحديث المتعلق بنسبة الرؤيا من النبوة على عجُزِه المتعلق بكون الرؤيا على رجل طائر ما لم تُعبَّر/ انظر المعجم الكبير للطبراني 19/ 205، 206 حديث 462 إلى 464، وسنن ابن ماجه 2/ 288 حديث 3914، موارد الظمآن/ 444 حديث 1796، ومستدرك الحاكم مع تلخيصه للذهبي 4/ 390 ومسند أحمد 4/ 10 إلى 13 والطيالسي كما في منحة المعبود 1/ 349. وبعض الروايات يذكر فيها صدر الحديث فقط كحديث مستقل، أو في أثناء حديث مع اختلاف نسبة الرؤيا من النبوة/ انظر البخاري مع الفتح 12/ 316 ح 6983 وص 373 ح 6986 إلى 6989 وصحيح مسلم 4/ 1773 ح 6 برواياته، وسنن ابن ماجه 2/ 1289 ح 3917 والطيالسي كمافي منحة المعبود 1/ 349 ومصنف ابن أبي شيبة 11/ 50 و 51، وقد سرد الحافظ ابن حجر خمس عشرة رواية في بيان عدد نسبة الرؤيا من النبوة، وقرر هو وابن بطال من قبله أن أصحها مطلقًا رواية "ستة وأربعين" المذكورة في صدر رواية الترمذي السابقة، مع أنه أخرج رواية أربعين جزءًا بنفس السند وصححها/ جامع الترمذي - أبواب الرؤيا باب تعبير الرؤيا 3/ 366 ح 2380، انظر فتح الباري 12/ 363 و 365.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وبعض الروايات يُذكَر فيها عجز الحديث فقط حديثًا مستقلًا/ انظر سنن أبي داود 5/ 283 ح 5020 والدارمي 2/ 51 ح 2154. وبعضها يُذكر فيه صدر الحديث. ثم يُعطف عليه عجزه كحديث مستقل، مع أن الإسناد واحد، وذلك كما أخرجه الطبراني في المعجم الكبير 19/ 206 ح 464 وابن أبي شيبة في مصنفه 11/ 50 ح 1835 كلاهما من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدس العَقيلي عن عمه أبي رَزِين أنه سمع النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: الرؤيا على رِجْل طائر ما لم تُعبّر فإذا عبرت وقعت، قال: والرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة (الحديث). وبالنظر في هذه الروايات عمومًا نجد أن صدر الحديث له شواهد متعددة صحيحة تفيد شهرته كما ذكر الشارح، ونجد لعجزه شاهدًا صحيحًا أيضًا كما سيأتي ذكره؛ لكن لم أجد للطريق التي أورد الترمذي الحديث منها متابعًا كما أشار الشارح؛ فمن الشواهد الصحيحة لصدر الحديث ما أخرجه الترمذي نفسه من حديث أبي هريرة بلفظ: "رؤيا المسلم جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" في أثناء الحديث، وقال: هذا حديث صحيح، وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت بلفظه مع ذكر "المؤمن" بدل "المسلم" وقال: حديث عبادة حديث صحيح/ جامع الترمذي -أبواب الرؤيا- باب رؤيا المؤمن 83/ 3663 ح 2372، 2373. وأخرجه البخاري من حديث أبي هريرة ومن حديث عبادة أيضًا بلفظه، ومن حديث أبي سعيد الخدري بلفظ "الرؤيا الصالحة جزء ... (الحديث) - كتاب التعبير - باب الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة/ البخاري مع الفتح 12/ 373 ح 6987، 6989، وأخرجه مسلم من طرق عن أبي هريرة بلفظ "رؤيا المسلم" و"رؤيا المؤمن" (الحديث) وبلفظ (الرؤيا الصالحة) مع زيادة، وبدون زيادة، وأخرجه من حديث عبادة بن الصامت بلفظ "رؤيا المؤمن" (الحديث) / صحيح مسلم - كتاب الرؤيا الباب الأول/ 4/ 1773 أحاديث 6 - 8. وأخرجه أبو داود من حديث عُبادة، بلفظ رواية مسلم - كتاب الأدب - باب ما جاء في الرؤيا - سنن أبي داود 5/ 281 ح 5018.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه الدارمي من حديث عبادة بلفظ رواية مسلم - كتاب الرؤيا - باب في رؤيا المسلم/ سنن الدارمي 2/ 48 ح 2143. وأما عجز الحديث: وهو أن الرؤيا "على رجْل طائر ما لم يحدث بها، وإذا حدث بها وقعت" فأخرجه الدارمي بلفظه - كتاب الرؤيا - باب الرؤيا لا تقع ما لم تعبر- سنن الدارمي 2/ 51 ح 2154، وأخرجه أبو داود بنحوه مع زيادة كلمة "شعبة" قال: وأحسبه قال: ولا تَقُصَّها إلا على وادٍّ أَو ذِي رَأْي - كتاب الأدب - باب ما جاء في الرؤيا - سنن أبي داود 5/ 283 خ 5020، وأخرجه ابن حبان في صحيحه بمثل رواية أبي داود، وذكر صدر الحديث بلفظ "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزءًا" بدل "ستة وأربعين" موارد الظمآن - كتاب التعبير - باب رؤيا المؤمن/ 444 وهذه الرواية أخرجها الترمذي أيضًا قبل رواية "ستة وأربعين" السابق ذكرها. وأخرج ابن حبان أيضًا الحديث بلفظ "الرؤيا جزء من سبعين جزءًا من النبوة، والرؤيا معلقة برجل طائر ما لم يتحدث بها صاحبها، فإذا حدث بها وقعت، فلا تحدث بها إلا عالمًا أو ناصحًا أو حبيبًا". وأخرجه أيضًا، بنحوه مختصرًا وفيه "أربعين جزءً"/ موارد الظمآن/ الموضع السابق. وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده بلفظ "رؤيا المسلم جزء من أربعين جزءًا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها وقعت، قال: -أي شعبة- أظنه قال: لا يحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا" وأخرجه أيضًا وفيه قول شعبة: "أشك" بدل "أظنه" و"ما لم يخبر بها" بدل "يحدث بها" وأخرجه أحمد أيضًا بلفظ "رؤيا المؤمن جزء من أربعين جزئًا من النبوة، وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها، فإذا حدث بها سقطت، وأحسبه قال: لا يحدث بها إلا حبيبًا أو لبيبًا/ مسند أحمد 4/ 11، 12، 13 وأخرجه الطيالسي بلفظ رواية أحمد السابقة مع زيادة لفظ "معلقة" بعد كلمة "طائر"/ مسند الطيالسي حديث 1088. أقول: وكل هذه الروايات التي ورد فيها الشطر الثاني لرواية الترمذي أخرجها كل من ذكرت، من طريق يعلى بن عطاء عن وكيع بن عُدُس وقيل "حُدس" عن

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عمه أبي رَزِين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... وهو السند الذي أخرج به الترمذي الحديث بشطريه، وأشار اليه الشارح كما قدمت؛ لكن وقع في إحدى روايات أحمد. سياق الإسناد هكذا: "عن يعلى بن عطاء عن أبي رَزِين لقيط عن عمه، رفعه" ولكن عليه علامة الاشارة لوجود خطأ فيه، ولكنه لم يصوب ويبدو أنه خطأ في النسخ فقط لاتفاق روايتي أحمد الأخريين مع بقية المصادر على سياق الإسناد كما هو عند الترمذي، وكما تقدم سياقه. وقد تعددت طرق الحديث عن يعلى بن عطاء؛ فرواه عنه هثيم وشعبة وسفيان وحماد بن سلمة وأبو عوانة، كما أشار إليه الترمذي عقب تخريج الحديث وكما جاء في المصادر السابق تخريج الحديث منها، لكن لم أجد من تابع يعلى بن عطاء ولا وكيعًا على رواية الحديث، وقد قال الذهبي في ترجمة وكيع: تفرد عنه يعلى بن عطاء/ الميزان 4/ 335 ترجمة 9355، وقال في اللسان: روى عنه يعلى بن عطاء فقط 7/ 425 لكن نقل ابن حبان عن أحمد بن حنبل أنه أصاب في كتاب الأشجعي: عن شقيق ووكيع بن حُدس/ الثقات 5/ 496 وهذا يفيد متابعة شقيق هذا لوكيع لكن لم أجد ما يعرفنا بشقيق من هو؟ ولم أجد في ترجمة أبي رَزِين الذي يروي عنه وكيع هذا الحديث من اسمه شقيق/ الاصابة مع الاستيعاب 3/ 113 وتهذيب التهذيب 8/ 456 وتهذيب الكمال 3/ 1152 والثقات لابن حبان/ 3/ 359. وإسناد الترمذي الى وكيع جميعهم ثقات وهم: الحسن بن علي الخلال/ التقريب 1/ 168 ترجمة 296 ويزيد بن هارون/ التقريب/ 2/ 372 ترجمة 340 وشعبة بن الحجاج/ التقريب/ 1/ 351 ترجمة 67 ويعلى بن عطاء/ التقريب 2/ 378 ترجمة 309، أما وكيع فهو ابن عُدُس -بالعين والدال والسين المهملات، بضم أوله وثانيه وقد يفتح ثانيه، ويقال "حدس" بالحاء بدل العين وعن أحمد والجواليقي أنه الصواب، ومال اليه ابن حبان وقال الترمذي: الأول أصح، وكنية وكيع "أبو مصعب" ونسبته "العَقِيلي" بفتح العين، وقيل بضمها وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: يَروِي عن أبي رَزِين وهو عمه، وروى عنه يعلى بن عطاء، ثم أخرج له حديثه هذا في صحيحه كما تقدم ذكر ذلك في تخريجه، وقال الذهبي في الميزان: تفرد عنه يعلى بن عطاء، وفي اللسان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لابن حجر: روى عنه يعلى بن عطاء فقط. قال عنه ابن القطان: مجهول الحال، وقال ابن قتيبة في اختلاف الحديث: غير معروف، وقال الذهبي في الميزان: لا يُعرف، وقال في الكاشف: وُثِّق، وقال ابن حجر في التقريب: مقبول/ انظر الثقات لابن حبان/ 5/ 496 والكاشف/ 3/ 237 ترجمة/ 6160 والميزان 4/ 335 ترجمة 9355 واللسان 7/ 425 وتقريب التهذيب 2/ 331 ترجمة 41 والاكمال لابن ماكولا/ 9/ 153 والخلاصة/ 415؛ ومن ذلك كله يبدو لي -والله أعلم- أن وكيعًا مجهول الحال، كا قال ابن القطان وغيره، وقول الذهبي: إنه "وُثق" إشارة الى ذكر ابن حبان له في الثقات، ولعله ذكره على قاعدته التي صرح بها في صدر كتابه من أن العدل: مَن لم يُعرَف منه الجرح، أخذا بالظاهر، وكذا تصحيحه لحديثه -كما تقدم- لتوفر شروطه الخمسة الأخرى من عدم كل من النكارة والتدليس والانقطاع، وغيرها/ انظر الثقات لابن حبان 1/ 10 - 13، وبذلك يكون حديث الترمذي المذكور من طريق وكيع هذا ضعيفًا لجهالة حاله؛ لكن كما وجد لصدر الحديث شواهد صحيحة كما تقدم، فقد وُجد شاهد صحيح أيضًا لعجز الحديث، وهذا الشاهد هو ما أخرجه الحاكم في مستدركه من حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الرؤيا تقع على ما تُعبّر به، ومَثَلُ ذلك مَثلُ رَجُلِ رفع رجله فهو ينتظر متى يضعُها، فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها الا ناصحًا أو عالمًا، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي/ المستدرك وتلخيصه كتاب تعبير الرؤيا 4/ 391. أما الحديث الثاني: الذي ذكر الشارح أن الترمذي أخرجه بنحو سند الحديث السابق الذي صححه، ولكنه اقتصر على تحسينه فقط، وهو حديث: "أين كان ربنا قبل أن يخلق سمواته وأرضه؟ " فقد أخرجه الترمذي، فقال: حدثنا أحمد بن منيع أخبرنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حُدس عن عمه أبي رَزِين قال: قلت يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلُق خلقه؟ قال: كان في عماء، ما تحته هواء، وما فوقه هواء وخلق عرشه على الماء، قال أحمد بن يزيد: العماء أي ليس معه شيء، قال الترمذي: هذا حديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حسن/ جامع الترمذي - كتاب التفسير - سورة هود/ 4/ 351 ح 5109. وقد أخرجه أيضًا بن ماجه في سننه من طريق يزيد بن هارون؛ بلفظه، وزاد: "وما ثَم خَلْق" قبل قوله "عرشه على الماء"/ سنن ابن ماجه - المقدمة - باب ما أنكرت الجهمية/ 1/ 64 ح 182. وأخرجه ابن حبان في صحيحه من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء، به بلفظ "أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء". وفي أوله زيادة/ موارد الظمآن/ كتاب الإيمان - باب في الرؤية/ 40 ح/ 39 وأخرجه أحمد في مسنده عن يزيد بن هارون، به بلفظه/ 4/ 12511. وأخرجه الطيالسي في مسنده من طريق حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء به، بلفظ مقارب مع زيادة في أوله/ منحة المعبود - القسم السادس - كتاب خلق العالم 2/ 79 ح 2286، ونلاحظ أن إسناد الجميع قد دار على "يعلى بن عطاء عن وكيع عن أبي رَزِين" ولم أجد من تابع يعلى ولا وكيعًا على رواية الحديث، وإسناد الترمذي الى وكيع جميعهم ثقات وهم: أحمد بن منيع/ التقريب 1/ 27 ترجمة 128، ويزيد بن هارون -تقدم أنه ثقة، وحماد بن سلمة - التقريب 1/ 197 ترجمة 543 ويعلى بن عطاء تقدم أيضًا أنه ثقة وأما وكيع فتقدم بيان أقوال العلماء فيه، وترجيح القول بأنه مجهول الحال، فيكون هذا الحديث من طريقه ضعيفًا، كسابقه؛ لكن الترمذي قد حسنه، ويبدو من تصرفه أنه حسنه لذاته، دون نظر لما يشهد له، كما سيأتي توضيحه، والواقع أن للحديث شاهدًا صحيحًا، وهو ما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث عمران بن حصين أنه أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- ناس من اليمن فقالوا: جئناك لنتفقه في الدين ولنسألك عن أول هذا الأمر ما كان؟ قال: كان الله ولم يكن شيء قبله، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السموات والأرض "الحديث" / البخاري مع الفتح - كتاب التوحيد - باب وكان عرشه على الماء 13/ 403 ح 7418 وفي كتاب بدء الخلق - باب قوله تعالى: =

ومما وقع لابن القطان في الاعتراض على عبد الحق: الحديث يخرجه معزوًا إلى مكان قد يُخالِفُ لفظُه الذي عنده، لفطَ المكان المعزو إليه بزيادة أو نقص، فيخرج اللفظة المزيدة ويعترض عليه بها، ثم يُلزِم الاعتراض (¬1) مِن وقع له ذلك: من بقية مستدل بذلك الحديث، أو مُحدِّث ضمَّنه مُصنَّفَه أو مُسنَده. وليس ذلك من تصرفه على الاطلاق تسديدًا؛ إذ الكلام مع كل ¬

_ = {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} / 6/ 286 ح 3191، وأخرجه أحمد في مسنده 4/ 431 والدارمي أبو سعيد، كلاهما بنحوه من طريق الأعمش عن جامع بن شداد، وهو طريق البخاري/ الرد على الجهمية للدارمي/ 14، فلعل الترمذي في تصحيحه لحديث وكيع الأول -وهو حديث الرؤيا- نظر إلى شواهده التي تقدم ذكرها، وفي تحسينه لحديثه الثاني وهو حديث "أين كان ربُّنا" ... ؟ "لم ينظر لشاهده السابق ذكره، ويؤيد ذلك أنه عند تخريج صدر الحديث الأول وهو "الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءًا من النبوة" أشار إلى ورود أحاديث أخرى في الباب عن عدد من الصحابة، وذكر منهم أبا رَزَين/ جامع الترمذي 3/ 363. أما عند تخريج الحديث الثاني فلم يُشر لورود أحاديث أخرى في الباب/ جامع الترمذي/ 4/ 351 وهذه النتيجة تلتقي في أصلها مع جواب المؤلف السابق عن تغاير حكم الترمذي على الحديثين؛ ولكن يظل تحسينه للحديث الثاني منتقدًا؛ لأن سنده في ذاته ضعيف، لحال وكيع، وبمراعاة شاهده الصحيح، يكون صحيحًا لغيره. وعلى كل حال فالذي وجد للحديثين -كما ترى- هو شواهد لا متابعات كما ذكر الشارح، اللهم إلا أن يكون أطلق المتابعة بمعنى الشاهد، كما يفعله الحاكم في المستدرك والمدخل إلى معرفة الصحيحنِ مثلًا؛ لكن يلاحظ بعد قليل أن الشارح يجمع في عبارته بين المتابعة والشاهد وهذا يفيد تفريقه بينهما. (¬1) بالأصل "للاعتراض" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى.

قوم على قدر مصطلحهم، وإلزامهم ما التزموه، ولا يلزم المحدِّث المخرِّج للحديث تتبع ألفاظه إذا عزاه إلى كتاب، وإنما يلزمُه وجود أصل الحديث عند من عزاه إليه، على هذا بنوا تصانيفهم وتخاريجهم، قديمًا وحديثًا (¬1). نعم قد يَلزمُ ذلك المُستدِلُّ منه بلفظ غير معزو إلى مُخْرِجه؛ إذ هو الناظر في مدلول ألفاظه. وإذا تبين هذا، فربما كان الحديث ثابتًا في نفسه منتشر الطرق معروفها، وانفرد ثقة بزيادة فيه، فحكمها عندهم القبول، وهذا جار على اصطلاح المحدثين (¬2)، والذي التحقت به ¬

_ (¬1) انظر علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 30، 31. (¬2) عبارة الشارح هذه تفيد أن قبول زيادة الثقة مطلقًا جار على اصطلاح المحدثين عمومًا وهذا غير مسلم حتى بالنسبة للترمذي الذي هو بصدد شرح كتابه. فالترمذي قد أخرج في جامعه حديث صدقة الفطر من طريق أيوب عن نافع عن ابن عمر بلفظ "فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صدقة الفطر على الذكر والأنثى والحر والمملوك" (الحديث) ثم أخرجه من طريق مالك عن نافع، به مع زيادة "من المسلمين" وعقب على ذلك بقوله: رواه مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- نحو حديث أيوب، وزاد فيه "من المسلمين" ورواه غير واحد عن نافع، ولم يذكروا فيه من "المسلمين" ثم ذكر أخذ الشافعي وأحمد مع الإمام مالك بهذه الزيادة وإن خالفهم غيرهم في ذلك/ جامع الترمذي - أبواب الزكاة - باب صدقة الفطر 2/ 92، 93. فنلاحظ هنا أنه أطلق قبول زيادة مالك، أما في العلل التي في آخر الجامع فقال: ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث. وإنما يصح إذا كانت الزيادة ممن يعتمد على حفظه، ومثل لذلك بحديث صدقة الفطر السابق وزيادة مالك فيه لفظ "من المسلمين" ثم قال: وروى بعضهم عن نافع مثل رواية مالك ممن لا يعتمد على حفظه، وقال: وقد أخذ غير واحد من الأئمة بحديث مالك، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = واحتجوا به، منهم الشافعي وأحمد ... " علل الترمذي مع شرح ابن رجب لها 1/ 418، 419. وقد اعتبر العلماء أن قول الترمذي الأخير هو المعتمد في رأيه في زيادة الثقة وأنه بناء عليه لا يقول بقبول زيادة الراوي لمجرد كونه ثقة، ولكن يقيد ذلك بأن يكون فوق توثيقه من الحفاظ الموصوفين بزيادة التثبت والإتقان، فإن كان الراوي موصوفًا بمجرد الثقة فلا، قال الحافظ ابن رجب في شرحه لقول الترمذي السابق: "ورب حديث إنما يستغرب لزيادة تكون في الحديث ... الخ" قال ابن رجب: هذا أيضًا نوع من الغريب وهو أن يكون الحديث في نفسه مشهورًا، لكن يزيد بعض الرواة في متنه زيادة تستغرب، وقد ذكر الترمذي أن الزيادة إذا كانت من حافظ يعتمد على حفظه فإنها تقبل، يعني وإن كان الذي زاد ثقة لا يعتمد على حفظه لا تقبل زيادته/ شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 419. أما الحافظ العراقي فإنه تعقب ابن الصلاح في نقله كلام الترمذي الأول فقط في قبول زيادة مالك مطلقًا، بأن كلام الترمذي الذي في العلل التي في آخر الجامع لم يذكر التفرد مطلقًا عن مالك وإنما قيده بتفرد الحافظ كمالك/ التقييد والإيضاح/ 111، 112 بتصرف يسير. وكذلك الحافظ ابن حجر ذكر قول الترمذي: وإذا زاد حافظ ممن يعتمد على حفظه قبل ذلك عنه، ضمن أقوال من قيد قبول زيادة الثقة ببعض القيود وعقب عليها بقوله: وهذا مغاير لقول من قال: زيادة الثقة مقبولة، وأطلق/ الإفصاح/ 113 أ، ولكن المحققين من العلماء رأوا أن تقييد الترمذي هذا غير كاف، لأنه يقتضي تصحيح ما ينفرد به حافظ متقن ولو خالفه من هو أحفظ منه أو من هو مثله في الحفظ ولكنه أكثر عددًا، بينما هذا يعتبر شاذًا، وشرط الصحة انتفاء الشذوذ كما هو مقرر، ولهذا قرر هؤلاء المحققون من أئمة الحديث والأصول أن في زيادة الثقة تفصيلًا، خلاصته أنها تنقسم إلى أقسام: أحدها: زيادة تخالف ما رواه الأوثق ممن انفرد بها، وهذه ترد لكونها من الشاذ كما تقدم.

أصل لها، كالمتابعة؛ لتفرد الثقة عن جارح (¬1). وفي جري ذلك على اصطلاح المستدِل نظر إذا مشى على ما أصله الحاكم والخليلي في معنى الشذوذ، وسواء كانت زيادة مطلقة أو متضمنة خُلْفًا (¬2) أو تخصيصًا. ثم نقول: إن كان الترمذي يرى الشذوذ: تفرد الثقة أو المستور، من غير اشتراط لمخالفة ما روى الناس، كما اشترط الشافعي، فالشرطان واحد (¬3) وقوله: "ويروى من غير وجه ¬

_ = ثانيها: زيادة لا تخالف ما رواه الأوثق، أو لا مخالِف لها أصلًا، وهذه مقبولة، بناء على أن الثقة لو انفرد برواية حديث مستقل لم ينقله غيره فإنه يُقبل، فكذلك الانفراد بمثل هذه الزيادة. ثالثها: زيادة تقع بين القسمين السابقين لاشتمالها على شَبهٍ بكل منهما من وَجه، كزيادة لفظة في حديث لم يذكرها سائر رواة هذا الحديث، ولكنها توجب قيدًا لمطلق أو تخصيصًا لعام، فهذه تشبه القسم الأول المردود من حيث إن ما رواه الجماعة عام وما رواه المنفرد بالزيادة خاص وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع مخالفة يختلف بها الحكم، وتشبه القسم الثاني من حيث إنه لا منافاة بينهما، وهذا القسم صحح النووي قبوله مطلقًا، وحقق العلائى وابن حجر أنه لا يطرد الحكم بقبوله ولا برده، وإنما ينظر في القرائن المحتفة بالزيادة وبما خلا عنها، ويُرجح القبول أو الرد على ضوء ذلك/ انظر الإِفصاح 112 أوما بعدها، وتدريب الراوي 1/ 246 و 247 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 211 - 213. (¬1) بالأصل "خارج" ولا يستقيم المعنى. عليه، لأن: المقصود -كما يبدو لي- تعليل القول بقبول زيادة الثقة مطلقًا بخلوه عن جارح يقتضي رد مرويِّه. (¬2) بالأصل (خلقًا) بالقاف المثناة ولا يظهر المعنى عليها، إذ المراد ما تضمنت حكمًا يُغيِّر أو ينقص حكمًا آخر ثبت بخبر ليست فيه هذه الزيادة/ انظر الكفاية للخطيب/ 597 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 208، 209. (¬3) يعني شرطيه في الحسن: أن لا يكون شاذًا، وأن يُروى من غير وجه نحوه كما تقدم.

نحو ذلك"، تفسير لقوله: ولا يكون شاذًا. وإن كان [يرى] (¬1) تفسير الشذوذ بمخالفة الناس، فيستقيم / أن يكونا شرطين. وأما الخطابي، فالذي حكاه عنه ابن الصلاح قوله: ما عُرِف مخرجُه واشتهر رجاله (¬2) والذي ذكر أبو عبد الله بن رُشَيد (¬3) أنه رآه عن الخطابي، خط أبي عَلي الغَسَّاني (¬4) وقال: وأَنَا به جِدُّ بَصير -يعني بخط الغسّاني-: ما عُرِف مخرجُه واستقر حاله. قال: هكذا لفظه "استقر حاله" (¬5) بالقاف، من الاستقرار، ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها لتقابل قوله أولًا: "إن كان الترمذي يرى ... ". (¬2) علوم الحديث مع التقييد والإِيضاح/ 43 وتقدم شرح التعريف عند ذكر الشارح له أولًا. (¬3) تقدم التعريف به ص 192 هامش 4. (¬4) هو الحسين بن محمد بن أحمد، أبو علي الغسَّاني، المعروف بالجيَّاني، نِسبة إلى (جَيَّان) بفتح أوله وثانيه مشددًا، وآخره نون- مدينة واسعة شرقي قرطبة بالأندلس، وكان الجياني شيخ المحدثين بقرطبة والأندلس في وقته، وأضبطهم كتابًا وأتقنهم رواية، ومن تأليفه كتابه القيم المفيد (تقييد المهمل وتمييز المشكل) في الصحيحين، وقد حُققت أجزاء منه حاليًا ضمن رسائل التخصص في جامعتَي الإمام محمد بن سعود، والملك سعود، بالرياض وشُرفْت بالإِشراف على بعضها، وقد توفي الجَياني في شعبان سنة 498 هـ/ الغنية في فهرست شيوخ القاضي عياض/ 201، 202 والأنساب للسمعاني 2/ 450 ومعجم البلدان 1/ 195. (¬5) قال العراقي: أي بالسين المهملة وبالقاف/ التقييد والإيضاح/ 43 وتبعه في ذلك البقاعي/ النكت الوفية/ 59 ب والسيوطي/ شرحه لألفيته المسمى "البحر الذي زخر في شرح ألفية الأثر" / 49 أ.

و"حاله" (¬1) وتحت الحاء علامة الإِهمال، بحيث لا تَخْفى (¬2). قلت: ولا يسْلَم شيء من هذه التعريفات من الاعتراض (¬3): أما كلام الترمذي، فقد اعترض عليه الامام أبو عبد الله بن المَوَّاق (¬4)، بأنه لم يميز الصحيح من الحسن، فإنه ما من حديث صحيح ¬

_ (¬1) قال العراقي: بالحاء المهملة دون راء في أوله/ التقييد والإيضاح/ 43 وتبعه البقاعي والسيوطي في كتابيهما/ الموضع السابق. (¬2) هكذا ذكر المؤلف قول ابن رُشَيد هذا وسكت عنه، ولكن جاء من بعده العراقي فتصدى لرد قول ابن رُشَيد هذا فقال: وما اعترض به ابن رُشيد مردود؛ فإن الخطابي قد قال ذلك في خطبة كتابه "معالم السنن" وهو في النُّسخ الصحيحة (المعتمدة) المسموعة، كما ذكره المصنف -يعني ابن الصلاح-: "واشتهر رجاله"، وليس لقوله: "واستقر حاله" كبير معنى/ التقييد والإيضاح/ 44. أقول: وما في المعالم المطبوع بين أيدينا الأن هو ما ذكره ابن الصلاح والعراقي / معالم السنن مع مختصر سنن أبي داود للمنذري 1/ 11، وقد أقر العراقيَّ على رده من جاء بعده كالبقاعي/ النكت الوفية/ 59 ب، والسيوطي/ التدريب 1/ 153، 154. (¬3) وكذا قال الإمام بدر الدين بن جماعة: بعد ذكر التعريفات السابقة: وفي كل هذه التعريفات السابقة نظر/ انظر الخلاصة للطيبي/ 39. (¬4) هو محمد بن يحيى بن أبي بكر، أبو عبد الله، المعروف بابن الموَّاق، تلميذ أبي الحسن بن القطان صاحب "بيان الوهم والإِيهام الواقعين في كتاب الأحكام" لعبد الحق الإشبيلي، وقد توفي ابن المواق سنة 642 هـ على الصحيح، خلافًا لما ذكره صاحب كشف الظنون أن ابن المواق توفي سنة 897 هـ/ كشف الظنون/ 1/ 251، وصاحب معجم المؤلفين 6/ 197؛ إذ لو صح هذا ما أمكن نقل المؤلف المتوفي سنة 734 هـ عنه/ وترجمته في الأعلام للمركشي 4/ 231.

إلّا وشرطُه: ألّا يكون شاذًا، وألا يكون في رجاله متهم بالكذب (¬1). وقد اعترض غيره بغير هذا الاعتراض (¬2). وكذلك قول الخطابي: ما عُرِف مخرجهُ ... إلى آخره، يدخل تحته أيضًا قسما الصحيح والحسن (¬3). ¬

_ (¬1) هذا مجمل اعتراض ابن المواق، وسيأتي ذكر المؤلف له بطوله بعد قليل 289، 290 مع الرد عليه ولذا سأضطر الى تأخير مناقشته إلى الموضع التالي، مع أن موضعه الأصلي هنا لا هناك كما سيأتي توضيحه، وأكتفي هنا بذكرْ أن اعتراض ابن المواق هذا ذكره في كتاب له تعقب فيه كتاب "بيان الوهم والإيهام" لشيخه ابن القطان، ويسمى كتابه "بغية النقاد فيما أخل به كِتَاب البيان أو أغفله أو ألمَّ به فما تَّممه وأكمله" وللجزء الأول من هذا الكتاب نسخة "ميكروفيلمية" بمكتبة الحرم المكي برقم 51 حديث/ وانظر التقييد والايضاح للعراقي/ 61 وسجل المخطوطات المصورة بالحرم المكي/ 45، وقد اطلعت على صورة الكتاب فوجدته ناقصًا من أوله ولم أستطع تحديد مقدار النقص، لكنه عمومًا ليس قليلًا، ومنه نسخة بدير الإسكوريال بأسبانيا تحت رقم (1749) ويبدو أن نسخة الحرم المكي مصورة عنها. (¬2) ومن ذلك ما ذكره ابن دقيق العيد وبدر الدين بن جماعة: أن في جامع الترمذي ما يقول: إنه حسن، مع أنه فرد، ليس له مخرج إلا من وجه واحد/ الاقتراح 168، والخلاصة/ 40، وقد أجاب الطيبي عنه بجواب غير ناهِض/ انظر الخلاصة للطيبي/ 40، كما سيأتي إيراد المؤلف لهذا الاعتراض والجواب عنه في شرح "كتاب الطهارة- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء". (¬3) هذا مجمل اعتراض لإمامين سابقين على المؤلف: أحدهما شيخه ابن دقيق العيد، وثانيهما معاصره بدر الدين ابن جماعة، حيث قال ابن جماعة بعد ذكر تعريف الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح: وفي كل هذه التعريفات نظر: أما الأول -يعني تعريف الترمذي- والثاني -يعني تعريف الخطابي- فلأن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الصحيح كلَّه أو أكثرَه كذلك، فيدخل الصحيح في حد الحسن/ الخلاصة للطيبي/ 39. أما ابن دقيق العيد فإنه بعد أن ذكر تعريف الخطابي قال: وهذه عبارة ليس فيها كبيرُ تلخيص، ولا هي أيضًا على صناعة الحدود والتعريفات؛ فإن الصحيح أيضًا قد عُرف مخرجُه واشتهر رجالُه، فيدخل الصحيح في حدّ الحسن؛ لكنه أعقب ذلك بالتماس وجه يمكن حمل كلام الخطابي عليه، ويصير به تعريفه قاصرًا على الحسن فقط، فقال: وكأنه -أي الخطابي- يريد بهذا الكلام: ما عُرف مخرجُه واشتهر رجالُه مما لم يبلغ درجة الصحيح/ الاقتراح لابن دقيق العيد/ 163، 164. وذكر الطيبي نحو هذا، مع تعليله بأن الخطابي ذكر معرفة المَخرج -وهم الرواة- مطلقةً عن تحديد الوصف الذي عُرِفوا به، فقال: أما قول الخطابي، فالمراد به أن رجالَه -أي الحسن- مشهورون عند أرباب هذه الصناعة بالصدق، وبنقل الحديث ومعرفة أنواعه، وحيث كان -أي الوصف بالمعرفة- مطلقًا من قيد العدالة والضبط دل على انحطاطهم عن درجة رجال الصحيح/ الخلاصة/ 40 أقول: ولعل مما يعكر على تعليل الطيبي قول السخاوي: إن الوصف إذا أُطلِق يُحمَل على الكامل، لا على المنحط عنه/ فتح المغيث 1/ 13. ومما يؤيد ذلك أن العلائي جاء من بعد الطيبي فأقر حمل كلام الخطابي على ما ذكره ابن دقيق العيد والطيبي؛ بل قال: إنه هو المَحمَل المتعيِّن، لكن لم يعلله بإطلاق الوصف بالمعرفة الذي علله به الطيبي، وإنما علله بدلالة مجموع كلام الخطابي عليه؛ حيث عرف الصحيح ثم أتبعه بتعريف الحسن، فقال العلائي: وإنما يتوجّه الإعتراض على الخطابي أن لو كان عرف بالحسن فقط، أما وقد عرّف بالصحيح أولًا، ثم عرف بالحسن؛ فيتعين حمل كلامه على أنه أراد بقوله: "ما عرف مخرجه، واشتهر رجاله" ما لم يبلغ درجة الصحيح، ويعرف هذا من مجموع كلامه/ الإفصاح 46 ب، 47 أوتوضيح الأفكار 1/ 155. قال السخاوي بعد ذكر كلام العلائي السابق: وبه يتقوى قول ابن دقيق العيد: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكأنه -أي الخطابي- أراد ما لم يبلغ درجة الصحيح/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 61؛ لكن الحافظ ابن حجر تعقب توجيه العلائي المذكور فقال: وعلى تقدير تسليم هذا الجواب، فهذا القدر -يعني من النزول عن درجة رجال الصحيح- غير مُنضبط ... فيصح ما قاله القُشيري -أي ابن دقيق العيد- إنه أي كلام الخطابي - على غير صناعة الحدود والتعريفات/ الإفصاح 47 أ. غير أن البقاعي قد نقل عن ابن حجر توجيهًا لكلام الخطابي بنحو توجيه العلائي السابق مع تحديد جهة النزول بالضبط، دون العدالة، في حين جاء كلام العلائي عامًا، ثم ذكر ابن حجر أيضًا كيفية تحديد درجة نزول رجال الحسن في الضبط عن رجال الصحيح، ومقتضى ذلك التقاؤه مع جواب العلائي في الجُملة، وعدمُ تَسليمه النهائي بانتقاد ابن دقيق العيد أو غيره لتعريف الخطّابي في هذا، فقد قال البقاعي: قال شيخنا -أي ابن حجر-: يُعتَنَى بالخطابي فيقال: الحيثية هنا (أي في تعريفه للحَسَن) مَرعيّة؛ لأنه قد عرَّف الصحيح والضعيف (أي وعرَّف الحسن بينهما) فَينزِل حد الحسن على ما لم يكن ذكره في حد واحدٍ منهما، وهو الأمر المتوسط بينهما، (فَعُرِف مخرجُه) بمعنى لم يفقد سنده الاتصال ظاهرًا -كالانقطاع والإِرسال ونحوهما-، ولا خفِيًّا كالتدليس. "واشتهر رجاله" يعني بالصفات المتوسطة بين صفات الصحيح والضعيف، فلا يشترط أن يبلغوا الإتقان المشروط في رواة الصحيح؛ بل يكون إتقانُهم دون ذلك، ولا ينزلون في خِفة الضبط إلى القدر الموصِّل إلى الضعيف/ النكت الوفية 60 أ. أقول: فقول ابن حجر: يكون إتقانهم دون إتقان رواة الصحيح، ولا ينزلون في خفة الضبط إلى القدر الموصل إلى الضعيف، فيه تحديد لجهة النزول بأنها الضبط فقط، وتحديد أيضًا إجمالي لمقدار خفة ضبط رواة الحسن، وتسليم بأنه يمكن دلالة تعريف الخطابي عليه. وهناك ألفاظ اصطلاحية قرر أئمة النقد أن وصف الراوي بها يدل على خفة الضبط الموصلة الى الضعف كقولهم: فلان سَيء الحفظ، أو كثير الخطأ، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أو مضطرِب الحديث/ التدريب 1/ 346، 348 وتوضيح الأفكار 1/ 9، كما جاء عن بعض أئمة النقد تحديد لهذا القدر من خفة الضبط بعدد معين من الأغلاط؛ قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي أخبرنا سليمان بن أحمد الدمشقى قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أَكتُب عمن يغلط في مائة؟ قال: لا، مائةٌ كثير، قال أبو محمد (أي ابن أبي حاتم): يعني مائة حديث/ الجرح والتعديل 2/ 33، والمقصود بالكتابة هنا الكتابةُ للاحتجاج، لا للاعتبار، لأن ابن أبي حاتم أورد هذا تحت باب بيان صفة من لا تُحتمَل الرواية في الأحكام والسنن عنه؛ وايراد ابن أبي حاتم لهذا التحديد عن ابن مهدي مُحتجًا به في هذا الباب دليل على إقراره له، كما أن روايته له عن ابن مهدي من طريق والده أبي حاتم يدل على إقرار والده لذلك التحديد أيضًا؛ غير أنه لا بد من تناسب هذا العدد مع مقدار ما يحفظه الراوي، ولذا قال البقاعي: إن المراد بالكثرة أمرٌ نِسْبي، فمن حفظ ثلاثة آلاف (حديث) مثلًا، فأخطأ في خمسين منها فقد أخطأ في كثير؛ لكن لم يفحُش غلطُه بالنسبة إلى ما حفظ/ النكت الوفية/ 11 أ. وكما جاءت ألفاظٌ اصطلاحية وتحديد عددي هكذا لخفة الضبط الموصلة إلى الضعف، جاءت أيضًا ألفاظ اصطلاحية يدل وصف الراوي بها على خفة ضبطه مع علوه عن درجة الضعف السابقة، ونزوله عن تمام الضبط الذي هو شرط الصحة مثل قولهم: فلان له أخطاء أو أوهام، وقال البقاعي: إن الثقة من جمع الوصْفَين: العدالة وتمام الضبط، ومن نزل عن التمام إلى أولى درجات النقصان قيل فيه: صَدُوق، أو لا بأس به، ونحوُ ذلك/ النكت الوفية/ 191 أ. مع ملاحظة أن تمام الضبط لا يعني انعدام الخطأ ولا يستلزمه؛ بل يكفي في ثبوته ندرة الخطأ وغلبة الصواب/ التدريب 1/ 304 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 298، وشرح العلل لابن رجب 1/ 105، 110. وقد جاء عن ابن مهدي تحديد عدد معين من الأغلاط لا يقدح في ضبط الراوي، والاحتجاج به، فقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي أخبرني سليمان بن أحمد الدمشقي قال: قلت لعبد الرحمن بن مهدي: أكتب عمن يَغلط =

وأما الذي قال: فيه ضعف يسير مُحتمَل (¬1)؛ فلم يبين مقدار ¬

_ = في عشرة؟ قال: نعم، قيل له: يَغلط في عشرين؟ قال نعم، قلت: فثلاثين؟ قال: نعم، قلت فخمسين؟ قال نعم/ الجرح والتعديل 2/ 28 والمقصود بالكتابة هنا الكتابة للاحتجاج؛ لأن ابن أبي حاتم أورد ذلك تحت باب "بيان صفة من يَحتمِل الرواية في الأحكام والسنن عنه" واحتجاجه بذلك مع روايته له عن والده يعتبر اقرارًا منهما لذلك؛ لكن يجب ملاحظة ما قدمته من تناسب الأعداد المذكورة مع مرويات الشخص؛ حيث تقدم عن البقاعي أن الخمسين قد تكون كثيرة بالنسبة لعدد ما يحفظه الراوي، فيمكن الاستفادة من هذا التحديد العددي على أساس أن يكون ضئيلًا ونادرًا بالنسبة لمرويات الشخص. وعلى هذا يكون تحديدُ مقدار خفة ضبط راوي الحديث الحسن ممكنًا؛ بأن نقول: هو أن يَزيد خَطؤهُ عن حدود الندرة المعفوِّ عنها، ويقل عن حدود الكثرة وسوء الحفظ المقتضي للضعف. ويعرف ذلك اجمالًا، من الألفاظ الاصطلاحية التي يَصفُ الراويَ بها أهلُ الجرح والتعديل كما تقدم. ويعرف تفصيلًا بتتبع مروياته ومقارنة ما شارك فيه الضابطين، برواياتهم، وما يوجد له من أخطاء ينظر في نسبتها الى مجموع مروياته في ضوء ما جاء عن ابن مهدي وغيره من النقاد من تحديد عددي، فإن وجدت النسبة زائدةً عن حد ما يعتبر خطًا نادرًا وقَفت عما يعتبر كثيرًا فيكون ذلك هو خفة الضبط المعتبرة في حد الحسن. وإذا تقرر هذا لم يُسلَّم لابن قطلوبغا الحنفي قوله: ان خفةَ الضبط المذكورة في حد الحسن غير منضبطة / شرح شرح النخبة للقاري/ 70، كما لا يُسلّم للصنعاني قولُه: إنه لا عُرْف في مِقدار خِفةِ الضبط / توضيح الأفكار 1/ 155. (¬1) وهو ابن الجوزي كما تقدم قريبًا ولفظه: "ما فيه ضعف قريب محتمَل" / الموضوعات الكبرى لابن الجوزي 1/ 35.

الضعف ما هو؟ ولا أتى بما تبلغ درجته أن يُعرَض عليه فيه (¬1). وبالجملة فأجود هذه التعاريف للحسَن ما قاله الترمذي (¬2) وعليه من ¬

_ (¬1) اتفق مع المؤلف في إيراد هذا الاعتراض شيخُه ابن دقيق العيد/ الاقتراح 169، والبحر الذي زخر/ 49 ب وتدريب الراوي 1/ 157 كلاهما للسيوطي، وبدر الدين ابن جماعة / الخلاصة للطيبي/ 39 والذهبي/ الموقظة 2 أوابن حجر/ الإفصاح له 47 أ؛ لكن أجاب عنه الطيبي فقال: وأما قول بعض المتأخرين: "ما فيه ضعف قريب محتمَل" فمبني على أن معرفة الحسن موقوفة على معرفة الصحيح والضعيف؛ لأن الحسن وسط بينهما، فقوله: "قريب" أي قريب مخرجُه إلى الصحيح "مُحتمَل" كَذِبُه؛ لكون رجاله مستورين/ الخلاصة 41 والبحر الذي زخر للسيوطي 49 ب. وقال البقاعي: ربما يُعتنَى بابن الجوزي بمثل ما اعتُني بالخطَّابي ويقال: بل هو مضبوط؛ إن عُرِف الصحيح والضعيف بالحيثية، وهي: أن ضعفه بالنسبة إلى الصحيح، واحتماله بالنسبة إلى الضعيف، أي فيكون متوسطًا بينهما، لا يعلو إلى رتبة الصحيح، لما فيه من الضعف، ولا ينحط الى رتبة الضعيف لما فيه من قلة الضعف، ويؤيد ذلك أنه قال -عقب ما نُقِل عنه-: ويصلح للعمل به؛ فوصفَه بوصف هو بَيْن بَيْن؛ فإن الصحيح يوصف بأنه يجب العمل به، والضعيف أعلا ما يقال فيه: يعمل به في الفضائل، لا مطلقًا، والله أعلم/ النكت الوفية/ 63 أ. (¬2) اعتبر السخاوي قول المؤلف هذا: إن أجود تعاريف الحسن ما قاله الترمذي، زعمًا لا يُوافَق عليه، وأن ما قيل في توجيهه وتوجيه تعريفي الخطابي وابن الجوزي يعد تكلفًا، كما قال ابن الصلاح بعد ذكره التعاريف الثلاثة: قلت: كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، ثم اختار تقسيم الحسن إلى قسمين وعرف كل قسم كما تقدم في الأصل ص 228، 230 - 232؛ لكنه بدوره قد انتُقِد فيما قرره من التقسيم والتعريف، ثم تصدى غير واحد لدفع ما انتُقِد به كما تقدم ذكره في التعليق على كلامه، وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 65.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولهذا صدر ابن دقيق العيد كلامه في تعريف الحسن بأن في تحقيق معناه اضطراب/ الاقتراح/ 162 وذكر الطيبي تعريفات الحسن عند الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح، ثم ذكر بعضَ ما انتُقِد به كل منهما ثم ذكر تعريفًا آخر لابن جماعة، ثم قال معقبًا على كل ذلك: اعلم أن هذا المقام صعب مرتقاه ... الخلاصة/ 39. وذكر الذهبي تعريفات الترمذي والخطابي وابن الجوزي وابن الصلاح مع ذكر بعض ما انتُقِد به كل منهم، ثم قال: وقد قلت لك: إن الحسن ما قُصر سندُه قليلًا عن رتبة الصحيح، وسيظهر لك بأمثلة؛ ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدة تندرج كل الأحاديث الحسان فيها، فأنا على إياس من ذلك؛ فكم من حديث تردد فيه الحفاظ هل هو حسن أو ضعيف أو صحيح؟، بل الحافظ الواحد يتغير اجتهاده في الحديث الواحد، يومًا يصفه بالصحة، ويومًا يصفه بالحُسْن، وربما استضعفه، وهذا حق، فإن الحديث الحسن يستضعفه الحافظ عن أن يُرقِّيه الى رتبة الصحيح؛ فبهذا الاعتبار فيه ضعف مَّا؛ إذ الحسن لا ينفك عن ضعف مَّا، ولو انفك لصح باتفاق/ الموقظة للذهبي 2 أ. لكن الحافظ ابن حجر وتلميذه السخاوي يعارضان هذا الاتجاه إلى أنه لا مطمع في تمييز الحديث الحسن عن الصحيح والضعيف؛ فقال السخاوي: الحق أن من خاض بحار هذا الفن سَهُل عليه ذلك، كما قال شيخنا -يعني ابن حجر- ولذا عرَّف الحسن لذاته فقال: هو الحديث المتصل الإِسناد برواة معروفين بالصدق، في ضبطهم قصور عن ضبط رواة الصحيح، ولا يكون معلولًا ولا شاذًا ... ثم قال السخاوي: وأما مطلق الحسن (أي بقسميه) فهو الذي اتصل سنده بالصدوق الضابط المتْقِن غير تامهما، أو بالضعيف بما عدا الكذب إذا اعتَضد، مع خلوهما عن الشذوذ والعلة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 66، 67. أقول: والصواب في تعريف السخاوي هذا أن يقال: أو بالضعيف بأقل من تهمة الكذب أو فُحْش الخطأ؛ لأن المضعف بأي منهما لا ينجبر بالعاضد، عند الجمهور، وبالتالي لا يصير حسنًا لغيره، ولذا قال السخاوي نفسُه في موضع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = آخر: فالحسن بنوعيه ما اتصل سنده بالعدل الضابط غيرَ تَامِّه، أو بالضعيف بغير مفَسِّق كالكذب، إن لم يفحُش خطأ المضعَّف به، إذا اعتضد، بدون شذوذ أو علة/ شرح التقريب للسخاوي/ 10 ب. فتنبه في هذا التعريف الثاني للاحتراز عن فُحش الخطأ؛ لكنه اقتصر أيضًا على الاحتراز عن الكذب كما في التعريف الأول، والصواب ما قدمته، ليقبل الضعف للانجبار بالعاضد / انظر علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والايضاح / 50. ثم إنه يجب أن يتضمن تعريف كل من ابن حجر والسخاوي للحسن لذاته تحديدًا لمقدار قصور ضبط راوي الحسن لذاته عن تمام الضبط المشترَطِ في راوي الصحيح؛ لأنه تقدم انتقاد ابن حجر لتعريف غيره بعدم ضبطه مقدارَ هذا القصور بضابط، وقد أقر أيضًا السخاوي ذلك/ فتح المغيث له 1/ 65. وقد قدمت كيفية إمكان ضبط هذا القصور وإشارة ابن حجر نفسه لذلك. ويفهم من كلام ابن الصلاح أيضًا أن الراوي المختلف في توثيقه وتضعيفه بسبب سوء حفظه، ولم يوجد مرجِح لتوثيقه، فإن هذا الراوي يُعد قاصرًا عن تمام الضبط، ويعد حديثه حسنًا لذاته، ومثل له بحديث محمد بن عمرو بن علقمة عن أبي سلمة عن أبي هريرة مرفوعًا: لولا أن أشقَّ على أمتي لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاة/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإِيضاح / 51، وقد أقره على ذلك العراقي وغيرُه / فتح المغيث للعراقي 1/ 43، 44 والتدريب/ 91، 102، 103 وقال العراقي: إن ابن الصلاح أخذ ذلك من كلام الترمذي على حديث السواك المذكور/ فتح المغيث للعراقي 1/ 44. ثم إنه ينبغي في تعريف ابن حجر التعبير بالإِفراد بدل الجمع في قوله: "برواة معروفين". فيقال: "براو معروف"، لأن الجمع يوهم اشتراط أن يروي الحسن جماعة عن جماعة في حلقات الإِسناد، وليس ذلك مُرادًا، بل يكفي راو فقط في كل حلقة، وقد انتُقِد بمثل هذا تعريف النووي للصحيح بأنه: ما اتصل سنده بالعدول الضابطين / التدريب 1/ 63، وقد تنبه السخاوي لهذا فعبر في تعريفه بالإِفراد كما تقدم. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وبعد تلافي ما قدمت من الملاحظات على تعريفي ابن حجر والسخاوي يمكن أن يقال في تعريف ابن حجر: الحسن لذاته: هو الحديث المتصل الإسناد براو معروف بالصدق وفي ضبطه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المضعِّف، ولا يكون معلولًا ولا شاذًا. ويقال في تعريف السخاوي: -الحسن ما اتصل سنده بالصَّدوق الضابط ضبطًا فيه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المضعِّف أو بالراوي الضعيف بأقل من تهمة الكذب أو فحش الخطأ، إذا اعتضد، مع خلوهما عن الشذوذ والعلة. وبهذا يتحرر التعريفان، ويخلوان من أكثر انتقادات التعاريف السابقة، وبمقتضاه يتميز المعرف، وهو الحسن لذاته ولغيره، عن كل من الصحيح والضعيف، ولو تميزا غالبًا يُبعِد عنه الاضطراب الذي أشار إليه ابن دقيق العيد، والصعوبة التي ذكرها الطيبي، وكذا اليأس الذي بدا للذهبي رحمهم الله وإيانا، كما أنه بالنسبة لما استدل به الذهبي على اليأس من ضبط الحسن بضابط عام يمكن القول: إن اختلاف أنظار العلماء، أو العالم الواحد في الحكم على الحديث لا يبرر القول باليأس من ضبط الحسن بتعريف عام يميزه عن الصحيح والضعيف؛ وذلك لأن اختلاف الأنظار لم يقتصر على الحسن، بل وقع في الصحيح أيضًا مع وجود ضابط عام له متفق عليه من جمهور المحدثين، وعليه فلا يلزم أن يكون الاختلاف في وصف بعض الأحاديث بالحُسْن سببه عدم إمكان ضبط الحديث الحسن بتعريف عام مميز له عن غيره، بل يمكن أن يكون سبب ذلك هو اختلاف النظر أو الأنظار في توفر الضابط العام في سند ومتن الحديث النظور فيه، ولهذا فإن ابن الصلاح ذكر ضابط الحديث الصحيح المتفَق عليه عند المحدثين، ثم قال: وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجوه هذه الأوصاف فيه/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 21، وعليه فالخلاف في تطبيق القواعد والضوابط العامة على الأفراد، لا يدل على صعوبة الوصول لوضع تلك القواعد والضوابط وإقرارها. والله أعلم.

الاعتراض ما رأيت، وهو أبو عُذْرة هذا المنزع، ولم يسبقه أحد إلى هذا المراد بالحُسْن (¬1)، ولم يَعْدُ مَن بَعده مرادَه؛ فإن الحديث ينقسم إلى: 1 - مقبول. 2 - ومُقابِلُه. 3 - وما تجاذبه طرفا القَبُولِ والرد؛ بانقسام الرُّواة إلى: 1 - عدل وهو راوي الصحيح. 2 - ومجروح، وهو: راوي المردود. 3 - ومتردَّد بينهما، لم يَتبين فيه مقتضى القَبول فيقبل، ولا مقتضى الردّ [فيُرد، فيقبله قوم] (¬2) وهم الذين لا يبتغون في العدالة أمرًا زائدًا على الإسلام والستر، ويردُّه آخرون (¬3) إلى أن يثبت مقتضى القبول -وهم الذين لا يقتصرون على الإسلام والستر في مقتضى العدالة؛ فهذا قسم المستور (¬4) الذي عُرِف شخصُه، وجُهِلَتْ ¬

_ (¬1) قدمت قبل ذلك عرضًا متتابعًا لإِطلاق وصف الحُسْن على الحديث، ابتداء من ابراهيم النخعي حتى شيوخ الترمذي، وتبين منه أن الترمذي مسبوق إلى استعمال الحَسَن بالمعنى الاصطلاحي المراد عنده، وخاصة من أبرز شيوخه وهو الإمام البخاري، ومنه استفاد الترمذي في ذلك، بالنقل الصريح عنه. انظر ص 196 ت وما بعدها. (¬2) ما بين المعكوفين ليس بالأصل، وأضفته ليستقيم المعنى، ومن هؤلاء الذين قبلوه الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه وبعض الشافعية / شرح شرح النخبة للشيخ علي القاري/ 71 وتوضيح الأفكار 1/ 182. (¬3) وهم الجمهور/ شرح النخبة مع شرح الشرح للقاري/ 155. (¬4) قوله "فهذا" إشارة إلى قوله السابق: "ومتردد بينهما".

حالُه، ممن لم يُنقَل فيه جرح ولا تعديل، أو مما نُقِلا فيه معًا ولم يترجح أحدهما على الآخر ببيان (¬1) حيث يُحتاج إليه، وما أشبهه (¬2). ولكل من هذه الأقسام الثلاثة أنواع يأتي الكلام عليها في آخر الكتاب (¬3). وربما وقع الاشتباه بين النوع الآخِر من كل قسم والنوع الأول من الذي يليه. ¬

_ (¬1) بالأصل "تبنان" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬2) هذا التعريف المتقدم للمستور ذكره السخاوي بعبارة المؤلف مع تصرف يسير، ولكن لم يَعزُه إليه / فتح المغيث 1/ 63 ولذا عزاه إلى السخاوي الشيخ علي قاري / شرح شرح النخبة / 71 والصَّنْعاني/ توضيح الأفكار 1/ 162، 163، وقد قدمت في التعليق على تعريف ابن الصلاح للحديث الحسن ص 228 هامش 4 وما بعدها مجمل آراء العلماء في تعريف المستور، وترجيح الحافظ ابن حجر أن رواية المستور يُتَوقف في قبولها أو ردها إلى استبانة حالِه تعديلًا أو تجريحًا، وقد أشرت هناك إلى ترجيح الرد، كما يرى الجمهور. ويلاحظ أن المؤلف اقتصر على ذكر الخلاف في قبول رواية المستور وردها دون ترجيح من جانبه، لكنه جزم بالرد قبل هذا ص 252 وفيما يأتي ص 424 أيضًا وقال بالتوقف إلى ظهور حاله في ص 326، 354. (¬3) يعني آخر شرح جامع الترمذي، حيث تكلم الترمذي في كتاب العلل الذي ختم به جامعه عن بعض أنواع الرجال الثقات والمجروحين؛ فيلزم المتصدي لشرح ذلك أن يبين ما أشار إليه المؤلف هُنا؛ لكن للأسف أن المؤلف والعراقي لم يصلا في الشرح إلى آخر الجامع فيما وقفنا عليه حتى الآن من نسخ الشرح كما تقدم، ولعل فيما وصل الينا من شرح كتاب العلل هذا لابن رجب الحنبلي عَزاء عما فاتنا مما وعد به المؤلف، ولم يتح له الوفاء به/ انظر شرح العلل لابن رجب 2/ 340 وما بعدها/ تحقيق د. همَّام سعيد.

إذا تقرر هذا، فلكل حديث مرتبة لا يعدُوها، وحكم لا ينتقل عنه؛ إلا أن يتغير العلم بحال راويه فالصحيح ليس بحسن ولا ضعيف، كما أن الحسن ليس بواحد منهما، ومن هنا. أُورِد على الترمذي جَمعُه بين الحسن والصحة في حديث واحد؛ حتى أجاب بعضُهم: أن ذلك باعتبار طريقين (¬1)، ويَرِد عليه ذو الطريق الواحدة (¬2). ¬

_ (¬1) هذا مجمل ما أجاب به ابن الصلاح، وقد جعل فيه الوصفين راجعين الى الإسناد، فقال: فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين أحدِهما إسناد حسن، والآخر إسناد صحيح، استقام أن يقال فيه: إنه حديث حسن صحيح؛ أي أنه حَسَن بالنسبة الى إسناد، صحيح بالنسبة الى إسناد آخر/ علوم الحديث لابن الصلاح / 35، وقد نقل هذا الجواب عن ابن الصلاح عامةُ من جاء بعدَه، سواء مع التصريح بنسبته إليه، كالعراقي/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 108 والسخاوي / فتح المغيث 1/ 91 أو بدون تصريح بنسبته إليه، كفصيح الهرَوي/ جواهر الأصول له/ 22، والذهبي، وقد وصفه بأنه جواب لا ينهض/ الموقظة 2 ب والحافظ ابن حجر، وأضاف أنه على هذا الجواب، ما قيل فيه "حسن صحيح" فوق ما قيل فيه "صحيح" فقط، وكان إسناده فَردًا؛ لأن كثرة الطرق تُقَويِّ / النخبة مع شرح الشرح/ 75. (¬2) قال الذهبي: فهذا يبطل قول من قال: أن يكون ذلك بإسنادين/ الموقظة 2 ب، وأصل هذا الإِيراد لابن دقيق العيد؛ فإنه ذكر جواب ابن الصلاح السابق بتعدد الإِسناد؛ ثم قال: ... فَيرِد عليه الأحاديث التي قيل فيها: "حسن صحيح"، مع أنه ليس لها إلا مخرج واحد، وَوِجْهة واحدة، وإنما يعتبر اختلاف الأسانيد بالنسبة الى المخارج، وهذا موجود في كلام أبي عيسى الترمذي، في مواضع يقول: هذا حديث حسن صحيح لا نعْرِفُه الا من هذا الوجه، أو لا نعْرِفه الا من حديث فلان/ الاقتراح 173، 174. وهذا يفيد أن ابن دقيق العيد يعتبر القول بتعدد الإِسناد منافيًا للوصف بالغرابة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المطلقة، كالعبارة الأولى، أو المقيدة، كالعبارة الثانية، وقد صرح بنسبة هذا التعقب لابن دقيق العيد غير واحد، كالعراقي/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 108، والتقييد والإيضاح/ 59، والسيوطي/ التدريب 1/ 162، وزاد السخاوي اعتبار ابن سيد الناس تابعًا لشيخه ابن دقيق العيد في رد جواب ابن الصلاح بهذا التعقيب/ فتح المغيث 1/ 91، ومن العلماء من ذكره بدون عزوه لابن دقيق العيد، كالذهبي/ الموقظة 2 ب، وابن كثير/ مختصر علوم الحديث له مع الباعث الحثيث / 43، وابن رجب/ شرح العلل 1/ 391. وقد أَوْرَد كل من العراقي وابن رجب جوابًا عن التعقب بما وصف مع الصحة والحسن بالغرابة المطلقة أو المقيدة، وعزَا كل منهما ما ذكره إلى بعض المتأخرين دون تعيين شخصه. فقال العراقي: وقد أجاب بعض المتأخرين عن ابن الصلاح بأن الترمذي حيث قال هذا يريد تفرُّد أحد الرواة به (أي بالحديث) عن الآخر، لا التفرد المطلق، قال (أي المجيب): ويوضح ذلك ما ذكره في كتاب الفتن (باب ما جاء في إشارة الرجل على أخيه بالسلاح) من حديث خالد الحَذّاء عن ابن سيرين عن أبي هريرة يرفعه: من أشار إلى أخيه بحديدة لعنته الملائكة، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه، يُسْتَغْربُ من حديث خالد الحَذَّاء/ جامع الترمذي 3/ 314 حديث 2250، فاستَغْرَبَه من حديث خالد، لا مطلقًا/ التقييد والإِيضاح/ 59. وذكر البُلْقِيني هذا الجواب أيضًا بنحو ما ذكره العراقي، لكنه لم ينسبه لأحد/ محاسن الاصطلاح للبُلْقِيني/ 10 أ. وخلاصة هذا الجواب أن صاحبه يرى أن المطلق من عبارات الترمذي المركبة المُشْكِلَة، يوضحه عباراته المقيدة المصرح فيها بمراده؛ فَيُحْمَل المطلق على المقيد. لكن العراقي تعقب هذا الجواب بأنه لا يمشي في العبارات المطلقة، فقال: وهذا الجواب لا يمشي في المواضع التي يقول فيها (الترمذي): لا نعرفه إلا من هذا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الوجه، ثم مثل لذلك بقوله: كحديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا بَقِي نصف من شعبان فلا تصوموا، قال أبو عيسى: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح، لا نَعرفُه إلا من هذا الوجه على هذا اللفظ/ جامع الترمذي - كتاب الصيام - باب كراهية الصوم في النصف من شعبان لحال رمضان 2/ 121 حديث 735 والتقييد والإيضاح/ 60. وفي تعقب العراقي هذا نظر؛ فإن ما ذكره من أن الجواب لا يمشي في المواضع المطلقة يفيد أنه لا يقر المجيب على حمل - عبارات الترمذي المركبة المطلقة على المقيدة، وكان مقتضى هذا أن يأتي لنا بمثال فيه عبارة مركبة مطلقة، ولا يستقيم حملها على المقيد؛ لكنه جاء بمثال مقيد، كما مثَّل المجيب بمثال مقيد، وإن كان القيد في مثال المجيب راجعًا إلى السند، وفي مثال العراقي راجع إلى المتن؛ ولهذا فإن البقاعي علق على تمثيل العراقي بالحديث المذكور، فقال: إنه ليس مثالًا صحيحًا؛ فإن قول الترمذي: "على هذا اللفظ" يُشعِر بأنه رُوِي من غير هذا الوجه على غير هذا اللفظ، وهو كذلك؛ فإنَ أصْلَه حديث: "لا تَقدَّموا رمضان بصوم يوم ولا يومين". وهو مروي من غير هذه الطريق/ جامع الترمذي - كتاب الصوم - باب ماجاء لا تَقدَّموا الشهر بصوم 2/ 96 حديث 679 وقال عنه الترمذي: "حديث حسن صحيح". أقول: وقد أشار الترمذي عقب حديث العلاء إلى رجوع معناه للحديث المذكور عند بعض العلماء وأَقرَّة. ثم أضاف البقاعي قائلًا: وللترمذي في تعبيره عن ذلك أنواع من التقييدات لا ينتبهون لها، كان يقول: "غريب من هذا الوجه"، "غريب بهذا السياق"، "لا نعرفه إلا من هذا الوِجه بهذا التمام"، ونحو ذلك، فلا يمنع أن يكون رُوِي من وجه آخر، أوْ أَوجُهٍ أُخَر من غير ذلك الوجه، وبغير ذلك السياق، وبغير ذلك التمام، ووراء ذلك كله أنه إذا اقتصر على قوله: "غريب" احتمَل أن يكون مراده الغرابة النسبية؛ أي أن ذلك الراوي تَفرَّد به عن شيخه، وذلك مثل: "حسن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = غريب من هذا الوجه"؛ فلا يمتنع ان يكون رواه العدد الكثير عن غير ذلك الشيخ، فلْيُتَنَّبه لذلك كله / النكت الوفية / 86 ب، 87 أ، وبهذا أيد البقاعي القول بحمل المطلق من عبارات الترمذي على المقيد، في مواجهة رد العراقي لذلك، غير أنه لم يُجب عما لا يمكن فيه حمل المطلق على المقيد، كان ننظر في الحديث الموصوف مع الصحة والحسن بالغرابة المطلقة فنجد سنده فردًا في كل حلقاته، ولا نجد لمتنه شاهدًا، وسيأتي للمؤلف ما يجاب به عن تلك الصورة من الغرابة. أما الحافظ ابن رجب، فقد ذكر اعتراض ابن دقيق العيد على القول بتعدد الإِسناد بما قيل فيه "حسن صحيح غريب"، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ... ، ثم قال: وقد أجاب عن ذلك بعض أكابر المتأخرين: بأنه قد يكون أصل الحديث غريبًا ثم تتعدد طرقُه عن بعض رواته (أي الذي تحصل الغرابة بالنسبة إليه)، إِما التابعي أو من بعده، فإن كانت تلك الطرق كلها صحيحة، فهو صحيح غريب، وإن كانت كلها حسنة فهو حسن غريب، وإِن كان بعضُها صحيحًا وبعضها حسنًا فهو صحيح حسن غريب؛ إذ الحسن عند الترمذي ما تعددت طرقه، وليس فيها مُتَّهَم، وليس شاذًا (أي وهذا فيه شُروطه وزيادة)؛ فإذا قال مع ذلك: "إنه غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه" حمل على أحد شيئين: -إما أن تكون طُرُقه تعددت الى أحد رُواتِه الأصليين؛ فيكون أصله غريبًا، ثم صار حسنًا، وإما أن بكون إسناده غريبًا، بحيث لا يعرف بذلك الإِسناد الا من هذا الوجه، ومتنه حسنًا بحيث روي من وجهين وأكثر -كما يقول: وفي الباب عن فلان وفلان - فيكون لمعناه شواهد تبين أن متنه حسن، وإن كان إسناده غريبًا/ شرح العلل 1/ 391، 392. أقول وهذا الجواب -كما ترى- أكثر تفصيلًا وتوضيحًا من الجواب الذي ذكره العراقي والبُلْقِيني وأيده البقاعي، ولكن الجوابين متفقان في القول بحمل مطلق عبارات الترمذي على مُقَيَّدِهَا، لكن هذا الجواب -مع تفصيله- ما زال بحاجة إلى إضافة شرط في أصل السند الذي ترجع الغرابة إليه، وتتعدد عنه طرق =

وَرَدّ غيرُه (¬1) الحُسْن إلى المتن، وهو أبعدُ من الأول (¬2)، إذ كل ¬

_ = الحديث، وذلك أن يُقال: إنه إذا لم يكن للمتن شاهد من طريق آخر فيُشتَرط أن يكون من ترجع إليه الغرابة في السند "ثقة" بالنسبة للحديث الذي يقول الترمذي عنه: صحيح غريب، أو حسن صحيح غريب، وأن يكون في مرتبة الحسن لذاته بالنسبة للحديث الذي يقول عنه: حسن غريب، أما إذا كان للمتن شاهد يرفعه الى الصحة أو الحسن فيكفي أن يكون ضعفه قابلًا للانجبار؛ حتى يرتفع بالشاهد الى الصحة أو الحُسْن، وينطبق بذلك عليه الوصف، مع ضعف أصله وغرابته؛ لكن رغم ذلك فإنه يظل كسابقه غير شامل للجواب عما يصفه الترمذي بالغرابة المطلقة مع الصحة والحُسن، ولا نجد له سندًا متابعًا، ولا شاهدًا لمتنه. ولعل هذا وذاك مما جعل ابن رجب يتعقب هذا الجواب بقوله: وفي بعض هذا نظر، وهذا بعيد من مراد الترمذي لمن تأمل كلامه/ شرح العلل 1/ 392. لكن يبدو أنه لو أضيف إليه الشرط الذي ذكرتُه فإنه يصلح جوابًا عن أكثر عبارات الترمذي المركبة المُشْكِلة، فيما عدا صورة الغرابة المطلقة التي قدمْت ذِكرَها. (¬1) أي غيرُ من اعترض بذي الطريقة الواحدة، وهذا الغير هو ابن الصلاح؛ فإنه بعد ذكر الجواب السابق بِحَمْل الجمع بين الصحة والحُسْن على تعدد الإِسناد، قال: على أنه غير مُستَنكَر أن يكون بعض من قال ذلك (أي قال: حسن صحيح) أراد بالحَسَن معناه اللغوي، وهو ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده / علوم الحديث / 35، و 36، وقد استبعد المؤلف هذا الجواب أكثر من سابِقه، مع التعليل كما ترى في باقي كلامه، كما تعقب غيره ابن الصلاح أيضًا في هذا الجواب، كما سنذكره بعد. (¬2) سبق ابن دقيق العيد المؤلف إلى ردّ هذا الجواب الثاني من ابن الصلاح، كما سيأتي؛ ولذا اعتبر السخاوي المؤلِّفَ تابعًا لشيخه ابن دقيق العيد في رَدِّه هذا الجواب، كما اعتبره تابعًا له في رَدِّ الجواب الأوّل/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 91.

حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حَسَن (¬1) سواء كان في الأحكام أو الرقائق أو غيرهما (¬2)، وأيضًا فلو أراد واحدًا من ¬

_ (¬1) بالأصل "حسنًا" وما أثبتُه هو الموافق لقواعد الإِعراب. (¬2) يُلاحَظ أن تعليل المؤلف هذا لإِبعاد الجواب المذكور يختلف مع تعليل شيخه ابن دقيق العيد الآتي، وإن كانا قد اتفقا على ردّ الجواب، وقد أقر السخاوي تعليل المؤلِّف لرد حَمْل الحَسَن على متن الحديث، فقال: هو كذلك جَزمًا؛ لكن لا مانع من النص فيما يتضمن الترغيب والرقائق ونحوهما على الحُسْن اللغوي، غير أنه نَقَل عن الْبُلْقِيني أنه يمكن أيضًا وصف ما تضمن الترهيب ونحوَه بالحُسْن اللغوي باعتبار أن ما فيه من الزجر والوعيد مسوق بأَساليب بديعة؛ وبذلك انتهى إلى أن كل حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- حسنًا كما ذكر المؤلف؛ وعليه فالحمل على المعنى اللغوي للمتن لم يَحُل إشكال الجمع بين الحُسْن والصحة؛ ولذا قال السخاوي: وحينئذ فالإِشكال باق / فتح المغيث للسخاوي 1/ 90، 91 ومحاسن الإِصطلاح للبُلْقِيني/ 10 أ. وأما ابن دقيق العيد فاتجه في تعليل رده لجواب ابن الصلاح هذا إلى ناحية أخرى فقال: إما إطلاق الحَسن باعتبار المعنى اللغوي فيلزم عليه أن يطلق على الحديث الموضوع إذا كان حسن اللفظ أنه حَسَن، وذلك لا يقوله أحد من أهل الحديث إذا جَرَوا على اصطلاحهم/ الاقتراح/ 174. ورَدّ البُلْقِيني ذلك من وجهين: أحدهما: أن الكلام فيما جمع بين الصحة والحُسْن؛ فلا يدخل الحديث الموضوع. وثانيهما: أن الأحاديث الموضوعة وإن كان فيها ترقيقات إلا أنه لا يحل إطلاق الحُسْن عليها، ولو بعيدًا عن الاصطلاح، منعًا للالتباس بإرادة الحسن الاصطلاحي/ محاسن الإصطلاح 110 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 90. أما العراقي فذكر أن ابن عبد البر -وهو من أهل الاصطلاح- قد أطلق على الحديث الضعيف - (بل الذي في سنده وضَّاع) - أنه حَسن، وأراد حُسْن لفظه، لا الحسن الاصطلاحي/ التقييد والإيضاح/ 60، ورد ابن حجر ذلك بأن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن عبد البر وإن كان من أهل الاصطلاح؛ لكنه لم يجر في حكمه على الحديث المشار إليه على اصطلاح المحدثين بدليل اعترافه عند الحكم عليه بضعف سنده، واصطلاح المحدثين في الحسن خلاف ذلك/ الإِفصاح 60 ب، وعليه فلا يُتَعقب ابن دقيق العيد بإطلاق ابن عبد البر الحُسن على الحديث الضعيف فضلًا عن الموضوع؛ لأن ابن دقيق العيد قيّد منع إطلاق الحسن على مثل هذا الحديث بمراعاة الاصطلاح؛ لكن يبقى تعقبه بما تقدم عن البُلقيني: أنه لا يحل إطلاق الحسَن على الموضوع ولو بدون تقييد بمراعاة الاصطلاح، خشية الالتباس، وزاد السخاوي: أن حُسن لفظه أيضًا معارَض بقُبْح الوضع أو الضعف/ فتح المغيث/ 1/ 90. وعليه يندفع إلزام ابن دقيق العيد لابن الصلاح بإطلاق الحُسْن اللغوي على الحديث الموضوع إذا كان حَسَن اللفظ؛ لكن مع اندفاع هذا الإِلزام عن ابن الصلاح فإن حَمْلُه الحُسن على المعنى اللغوي لا يرفع إشكال الجمع بين الصحة والحُسْن، وذلك لما ذكره المؤلف ومِن بَعدِه البلقيني والسخاوي: أن حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- كلَّه حسَن اللفظ والمعنى، سواء تضمن ترغيبًا أو ترهيبًا أو غيرَهما، ولذلك اعتبر البقاعي أن هذا هو الإِلزام الصحيح المترتب على قول ابن الصلاح بإرادة الحُسن اللغوي فيما جُمع في وصفه بين الصحة والحُسْن؛ لكنه نسب إلزام ابن الصلاح بذلك إلى شيخه ابن حجر فقال: والإِلزام الصحيح ما قاله شيخُنا من أنه كان يَلزم على قوله - (أي قول ابن الصلاح) - أَن لا يوصف حديث بصفة إلا والحُسْن تابعه؛ فإن كل أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- حَسنةُ الألفاظ بليغة، فلما رأينا هذا الذي وقع في كلامه هذا، كثيرًا يفرق؛ فتارة يقول: "حسن" فقط، وتارة يقول: "صحيح" فقط، وتارة يقول: "حسن صحيح" وتارة يقول: "صحيح غريب" وتارة "حسن غريب"، ونحو ذلك، عرفنا أنه لا محالة جارِ مع الاصطلاح، وأيضًا فهو قد قال في "العلل" في آخر كتابه: وما قلنا في كتابنا: "حديث حسن" فإنما أردنا به حَسُن إسناده عندنا "جامع الترمذي 5/ 413 مع تصرف يسير"؛ فقد صرح بأنه إنما أراد حُسْن الإِسناد، فانتفى أن يريد حسن اللفظ./ النكت الوفية/ 86 أ، ب والتدريب 1/ 163، ويبدو أن البقاعي لم يكن مُسَلِّمًا بهذا؛ فناقش شيخه ابن حجر فيه؛ حيث إنه ساق كلامه السابق ثم =

المَعْنَيَيْن (¬1) لَحَسُن أن يأتي بواو العطف المُشرِّكة، فيقول: حسن وصحيح؛ ليكون أوضح في الجمع بين الطريقين، أو السند والمتن. وقد كان يمكن أن يجاب عنه من هذا النَمط، أنه صَدقَ عليه الوصفان باعتبار الاختلاف في حال راويه؛ إذ قد يكون الراوي عند مُعدِّل في مرتبة الصحيح، وعند غيره، دون ذلك، وَيرِد على هذا -لَوْ قيل- ما لا يختلف النظر في تعديل راويه، وأنه كان يَحسُن في مثله أن يأتي بلفظة "أو" التي هي لأحد الشيئين أو الأشياء، فيقول: حسن أو صحيح (¬2). ¬

_ = قال: فقلتُ: يمكن أن يجيب مُدَّعِي هذا (يعني إرادة الحُسن اللغوي) بما أجبتم به من أن هذا الكلام (في تعريفه للحسن) خاص بما يقول فيه: "حسن" من غير صفة أخرى، فقال (ابن حجر): بل هذا شامل للجميع، والذي يختص بما يخصه بقوله: "حسن" هو الكلام الذي بعد هذا، وهو قوله: "كل حديث يُروَى" إلخ "وإنما يريد تحسين أهل هذا الشأن للفظ الضعيف مقيدًا، كما يقول ابن عبد البر أحيانًا: "حديث حسن اللفظ، وليس له إسناد قائم" / النكت الوفية/ 86 ب، وإذن فذكر "الحسَن" عند الترمذي مفردًا أو مركبًا -إذا لم يُقيِّده- ينصرف إلى حُسن الإِسناد، أما إرادة حُسن اللفظ فتحتاج إلى تقييد، كما في عبارة ابن عبد البر المذكورة. (¬1) بالأصل "المعندين" وما أثبته هو الذي يستقيم عليه المعنى، ويؤيده نقل السخاوي له بلفظ "الوصفين" والمراد: "الحُسْن والصحة" / فتح المغيث للسخاوي 1/ 91. (¬2) هذا الجواب الذي أورده المؤلف من جانبه فصدَّره بقوله: وقد كان يمكن أن يجاب ... الخ، وكذا ما أورده عليه من تعقب، قد ذكره ابن حجر مع بعض زيادة وتصرُّف في العبارة، عازيًا إياه لبعض المتأخرين دون تحديد شخصه، فقال: وأجاب بعض المتأخرين عن أصل الإِشكال (يعني إشكال الجمع بين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وصفي الحُسن والصحة لحديث واحد) بأنه اعتبار صدق الوصفين على الحديث بالنسبة إلى أحوال رواته عند أئمة الحديث؛ فإذا كان فيهم من يكون حديثه صحيحًا عند قوم، وحسنًا عند قوم، يقال فيه ذلك. ويتعقب هذا بأنه لو أراد ذلك لأتى بالواو التي للجمع، فيقول: حسن وصحيح، أو أتى بـ"أو" التي هي للتخيير أو التردد، فقال: حسن أو صحيح، ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم أن الترمذي إنما يحكم على الحديث بالنسبة إلى ما عنده، لا بالنسبة إلى غيره؛ فهذا يقدح في هذا الجواب، ويتوقف أيضًا على اعتبار الأحاديث التي جمع الترمذي فيها بين الوصفين؛ فإن كان في بعضها ما لا اختلاف فيه عند جميعهم في صحته فَيُقْدَح في الجواب أيضًا؛ لكن لو سَلِم هذا الجواب من التعقب لكان أقرب إلى المراد من غيره، وإني لَأمِيلُ إليه وأرتضيه، والجواب عما يَرِد عليه ممكن/ الإفصاح/ 60 ب، 61. أقول: وقد كان على الحافظ حيث ارتضى هذا الجواب ومال إليه أن يُجيب عما أوْرَدَه عليه من تعقبات، ولا يكتفي بالإِشارة لإِمكان ذلك. ثم إنه أرتضاه هنا كجواب عام عن أصل إشكال الجمع بين الصحة والحُسن لحديث واحد، ومقتضى هذا شمولُه لما تعدد إسناده من ذلك وما لم يتعدد، وما وصف مع ذلك بالغرابة أولًا، ولكنه مع تصريحه بارتضائه والميل إليه لم يَعتبرْه أقوى الأجوبة عن أصل الإِشكال؛ حيث إِنه بعد تصريحه بارتضائه ذكر بعض الأجوبة الأخرى، ثم قال: وفي الجملة أقوى الأجوبة ما أجاب به ابن دقيق العيد/ الإِفصاح/ 60 ب، وتبعه في ذلك الشيخ البَنُّوْري وشيخُه الكَشميري/ معارف السنن 1/ 44، وجواب ابن دقيق العيد المشار إليه، خلاصته أن صفات الرواة المقتضية لقبول رواياتهم درجات بعضها فوق بعض، فوجود الدنيا لا ينافيه وجود ما هو أعلا منها؛ فإذا وجدت الدرجة العليا، لم يناف ذلك وجود الدنيا. وعليه يمكن اجتماعها في راو واحد، وبالتالي يقال عن حديث واحد: إنه حَسنٌ باعتبار وجود الصفة الدنيا في رواته وهي الصدق مثلًا، ويقال عنه أيضًا: "صحيح"، باعتبار وجود الصفة العليا -وهي الحفظ والإِتقان- في نفس رُواته، =

وكل هذه الأجوبة مرغوب عنها. ويلتحق بهذه الأجوبة، ما ذكره الحافظ أبو عبد الله بن أبي بكر بن المَوَّاق (¬1): أن الترمذي لم يَخُص الحسن بصفة تميزه عن ¬

_ = ثم قال ابن دقيق العيد: ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنًا، ويؤيده قول المتقدمين: "هذا حديث حسن" في الأحاديث الصحيحة/ الاقتراح/ 176. وأقرب ما يَرِد على هذا الجواب، ما ذكره ابن حجر نفسه أنَّ قول ابن دقيق العيد: ويلزم على هذا ... الخ"، يُشعِر بعدم ارتضائه لهذا الجواب/ النكت الوفية/ 78 ب، ومن أوضح ما يَرِد عليه أيضًا ما تعقب به المؤلف ابنَ المَوَّاق، كما سيأتي، وخلاصته أنه ليس كل صحيح يكون حسنًا عند الترمذي، وقد أقر ابن حجر نفسه هذا التعقب/ الإِفصاح/ 60 ب وتوضيح الأفكار 1/ 241؛ بل نقل البقاعي عنه قوله: إن هذا ليس جوابًا صحيحًا، لأن الحق أن الضبط الذي في راوي الحسن غير الضبط الذي في راوي الصحيح؛ فإن الذي في راوي الحسن مُشترط فيه القصور، والذي في راوي الصحيح مشترط فيه التمام، فهما حقيقتان مختلفتان، ... ومن جعل الحسن من جنس الصحيح لاجتماعهما في القبول فقد غَفَل عن فصل الحسن، وهو اشتراط قصور ضبط راويه/ النكت الوفية/ 78 ب، ومقتضى هذا أنه رجَع عن تقوية جواب ابن دقيق العيد المذكور، وقد أشار السخاوي لذلك فقال: ثم رجع شيخنا فقال: الحق أنهما -أي الصحيح والحسن- متباينان؛ لأنهما قسمان في الأحكام، فلا يَصدُق أحدهما على الآخر البتَّة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 62. وبهذا انتهى الأمر -كما نرى- إلى أن جوابي ابن دقيق العيد وجواب تلميذه المؤلف مِنْ بعده لايصلح أيُّ منهما بمفرده جوابًا عامًا عن إشكال الجمع بين الصحة والحُسن بمختلف صوره، ولعل هذا مما جعل الحافظ ابن حجر يتجه اتجاهًا آخر يصل به إلى جواب عام عن الإِشكال بمختلف صوره، كما سيأتي ذكره في التعليق على الجواب المختار عند المؤلف. (¬1) تقدم التعريف به، وذكر العراقي أن كلام ابن الموَّاق هذا في كتابه "بُغية النقاد" / التقييد والإِيضاح/ 61، وسبق عند ترجمته التعريفُ بنسخة هذا الكتاب التي اطلعت عليها.

الصحيح؛ فلا يكون صحيحًا إلا وهو غير شاذ، ولا يكون صحيحًا حتى يكون رواته غير متهمين؛ بل ثقات، قال: فظهر من هذا، أن الحسن عند أبي عيسى، صفة لا تخص هذا القسم (¬1)؛ بل قد يَشْرَكه فيها الصحيح؛ فكل صحيح عنده حسن، وليس كلُّ حسن صحيحًا. ويشهد لهذا أنه لا يكاد يقول في حديث يصححه إلا: حَسنٌ صحيح (¬2). ¬

_ (¬1) قال البقاعي: (قوله): "لا تخص هذا القسم" أي الحسن من حيث هو حَسَن، لا يخص هذا القسم الذي اندرج تحت حد الترمذي/ النكت الوفية/ 62 أ. (¬2) سبق للمؤلف ذكر خلاصة كلام ابن الموَّاق هذا مُصرِّحًا بأنه اعتراض على الترمذي في تعريفه للحسن بما لم يُميزه عن الصحيح، ص 268، 269، واكتفى هناك بذكره كاعتراض، ولم يَرُدّ عليه، أو يشر لمجيء رده هذا، وكلا الأمرين غير وجيه؛ وذلك لأن الموضع الأصلي لكلام ابن المواق هو الاعتراضات على تعريف الحسن، ورَدُّ المؤلف هنا على اعتراضه مُنصَبّ على ذلك؛ فلماذا أخره عن موضعه الأصلي حتى بدون إحالة على ما هنا؟. ثم إن الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحسن بمثابة دفاع عن تصرفه وتوجيه له، والاعتراض مضاد لذلك، فكيف يلحق هذا بذاك؟. ونعم إن بعض نتيجة اعتراض ابن الموَّاق وهو قوله: "كل صحيح حسن"، متفق مع بعض نتيجة جواب ابن دقيق العيد عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسن، وهو قوله: "ويلزم على هذا أن يكون كل صحيح حسنًا"، لكن هذا لا يُسوِّغ إلحاق اعتراض ابن الموَّاقَ كله بالأجوبة، كما فعل المؤلف؛ وإنما كان يكفي هنا الربط بين ما اتفق فيه اعتراض ابن الموَّاق مع جواب ابن دقيق العيد، أمّا تفصيله اعتراض ابن المواق كله على تعريف الترمذي للحسن، ثم التصدي للرد عليه، فذاك محله ما تقدم من تعريفات الحَسَن ومناقشتها، وعلى هذا النحو مشى البقاعي/ النكت الوفية/ 61 ب - 62 ب، 89 ب والسيوطي/ تدريب الراوي 1/ 155، 164. =

قلت: بقي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُروى نحوُه من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح؛ فانتفى أن يكون كل صحيح حسنًا؛ نعم قولُه: وليس كل حسن صحيحًا، صحيح (¬1). ¬

_ = أما غيرهما فاختلف صنيعه: فالحافظ العراقي في التقييد والإِيضاح أورد كلام ابن المواق ورَدّ المؤلف عليه في موضع واحد، وهو الجواب عن جمع الترمذي بين الصحة والحُسن/ 61، ولكن في شرح ألفيَّته المسماة بالتبصرة والتذكرة أورد اعتراض ابن المواق ورَدَّ المؤلف علبه في موضعه الأصلي، وهو تعريفات الحسن ومناقشتها، ثم أورده ثانيًا في هذا الموضع وهو جمع الترمذي بين الصحة والحُسن/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 85، 86، 110، ومثل هذا فعل ابن الوزير والصنعاني/ تنقيح الأنظار مع شرحه توضيح الأفكار 1/ 159، 160، 240، 241. أما الحافظ ابن حجر/ الإِفصاح 60 ب، والسخاوي/ فتح المغيث 1/ 92، 93 فسلكا مسلك العراقي في التقييد والإِيضاح. والأولى ما مشى عليه البقاعي والسيوطي كما تقدم. (¬1) تعقب الحافظ العراقي اعتراض المؤلف هذا من وجوه، وسأذكُرُ كلا منها ثم أجيب عنه بعون الله، إنصافًا للحقيقة، وللمؤلف. أحدها: أنه يترتب عليه أن الحديث الصحيح الذي ليس له إلا طريق واحد لا يكون حسنًا عند الترمذي؛ مع أن الواقع في جامعه خلاف ذلك، فقد ذكر العراقي اعتراض المؤلف هذا على ابن الموَّاق ثم قال: فعلى هذا، الأفراد الصحيحة ليست بحسنة عند الترمذي؛ إذ يَشْتَرِط في الحسن أن يُروَى من غير وجه/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110. والجواب عن هذا أن الحسن الذي عَرَّفه الترمذي، ونازعه ابن الموَّاق في تعريفه، من المقرر -سلفًا- أنه قاصر عن الصحيح؛ بل عن الحسن لذاته، وبالتالي فالصحيح مستبعد كليَّة عن محل النزاع. وثانيها: أنه يمكن دفع اعتراض المؤلف هذا أصلًا؛ وفي ذلك يقول العراقي: وجواب ما اعترض به (أي المؤلف): أن الترمذي إنما يَشترِط في الحسن مَجيئَه من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وجه آخر، إذا لم يبلغ رتبة الصحيح؛ فإن بلغها لم يَشتَرِط ذلك؛ بدليل قوله في مواضع: "هذا حديث حسن صحيح غريب" فلما ارتفع إلى درجة الصحة أثبت له الغرابة باعتبار فرديته، (يعني ومع الفردية أثبت له الحُسْن أيضًا) / شرح التبصرة والتذكرة 1/ 110، 111، وسيأتي توجيه الجمع بين الثلاثة في حديث واحد. والجواب هنا عن كلام العراقي هو: أنّ ردَّه قائم على اعتباره أن لفظ "الحسن" مراد به عند المؤلف العموم، أوعلى الأقل يُفْهَم منه هذا، وذلك في قوله: إن الترمذي "شَرَط في الحسن أن يروى نحوه من وجه ... "، وبذلك يشمل النوعَ الذي عرّفه الترمذي وأكثر منه في جامعه، وهو الحسن لغيره، ويشمل النوع الآخر الذي أورده في جامعه أيضًا وإن لم يُعَرِّفْه، وهو الحسن لذاته، والواقع خلاف هذا الذي بنى العراقي عليه ردَّه؛ وذلك لأن ابن المَوَّاق لم يعترض على كل الحسن بنوعيه الواردَيْن في جامع الترمذي عمومًا، وإنما اعترض على نوع واحد فقط، وهو الذي عَرَّفه الترمذي، والمؤلف رد على اعتراضه هذا، وعليه فالسياق يقضي بأنّ رده على ابن الموَّاق مقصور على النوع الذي اعترض ابن المواق عليه فقط، وهو: الحسن لغيره، ومن هنا فإن لفظ "الحسن" الوارد في كلامه ليس عامًا شاملًا لنوعي الحسن، كما يرى العراقي، ولكنه خاص بنوع واحد فقط بدليل السياق، فالألف واللام فيه ليست للجنس، ولكنها للعهد، وتقدير عبارة المؤلف: إن الترمذي اشترط في الحَسَن المعهود -وهو الذي عرفه واعترض عليه فيه ابن المواق- أن يُروى من وجه آخر، ولم يَشتَرِطْ ذلك في الصحيح، وسيأتي تصريحه بما يؤكد هذا في نقل العراقي نفسه عنه؛ وبالتالي لا يتجه تعقبه هذا له. وثالثها: أن المؤلف قرر أن الترمذي يَشترط في الحسن الرواية من وجه آخر، ثم خالف ذلك في أثناء الشرح، فقال: إنه لا يُشترط في كل حسن أن يكون كذلك؛ حيث إن الترمذي أخرج حديثَ عائشة: "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: غفْرانك" وقال عنه: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ... ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة/ جامع الترمذي - أبواب الطهارة- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء 1/ 7 / فقال المؤلف: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذا قد يُوهم منافاة الحسن الذي وصفه به على شرطه، فَيَحتاج إلى الجواب عن ذلك فنقول: لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي يُحتاج فيه أن يُروى نحوه من وجه آخر هو ما كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته، ولا ارتقى الى أن تُدْخَل في الصحيح -مع المتابعة- روايتُه؛ فهناك يُحْتاجُ الى تقويته بالمتابعات والشواهد، ليصل بمجموع ذلك إلى تلك الدرجة ... ثم قال: وأكثر ما في الباب أن الترمذي -في الموضع الذي شرط فيه في الحسن تقويته بالمتابعات- عرَّف بنوع منه، وهو أكثرُه وقوعًا عنده، لا بِكُل أنواعه، وهذا (يعني ما وَصف به حديث عاثشة) نَوْع آخر منه يستفاد من كلامه، وكلام الحاكم والخليلي وغيرهم من أئمة هذا الشأن في الغرائب والشذوذ والانفرادات/ الشرح ق/ 25 أوالتقييد والإِيضاح/ 61. فاعتبر العراقي هذا مخالفًا لكلام المؤلف في الرد على ابن المواق. ويلاحظ أن هذا التعقُب -كسابقه- مبني على أن "الحسن" في ردِّ المؤلف على ابن الموَّاق مراد به العموم؛ فيشمل الحَسَن بنوعيه المشار إليهما، وبالتالي يخالف ردُّه ما قرره في الجواب عن هذا الحديث من أن الحسن في تعريف الترمذي مُراد به نوع واحد فقط، والنوع الآخر أورده في جامعه ويستفاد من وصفه الأحاديث به، وإن لم يَضع له تعريفًا كسابقه. وطالما كان مبنى التعقبين واحدًا، يكون الجواب عن هذا بمثل - ما أجبتُ به عن سابقه، وخلاصته: أن الحسن في رد المؤلف على ابن المواق ليس عامًا، ولكنه خاص بالنوع الذي اعترض ابن المواق على تعريف الترمذي له؛ وبهذا يكون تعقب العراقي له مردودًا. ويؤيد هذا أن العراقي ذكر في شرحه لألْفيته هذا الاعتراض السابق فقال: قال أبو الفتح اليعمري (أي في الرد على ابن الموَّاق): وبَقِي عليه أنه اشترط في الحسن أن يُروَى من وجه آخر، ولم يشترط ذلك في الصحيح، ثم قال العراقي: قلت: وسترى في كلام أبي الفتح بعد هذا بدون الصفحة (يعني كلامه على الحديث السابق) أنه لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، فَتَأَمّلْه/ شرح التبصرة والتذكرة 1/ 86. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقال البقاعي: حصل التأمل، وظهر أن ابن سيد الناس فَهِم مراد الترمذي، وأنه يَشْترِطُ في الحسن الذي اعترض ابن المواق على حَدِّه مجيئَه من وجه آخر، وهو الحسن لغيره، وهو الذي يقول فيه الترمذي: "حديث حسن" من غير وصف آخر، ولا يَشترِط ذلك في الحسن لذاته، وهو الذي قد يصفه بكونه صحيحًا، وبكونه غريبًا، ونحو ذلك، والله أعلم/ النكت الوفية/ 62 أ. وقال البقاعي أيضًا: ولو كان ابن سيد الناس يعتقد أن الترمذي يشترط في كل حسن أن يروى من غير وجه لاعتذر عنه بذلك؛ لكنه قدّم أن الترمذي إنما قال ذلك في نوع من الحسن/ النكت الوفية/ 89 ب. وبهذا نجد البقاعي لم يعتبر بين كلامَي المؤلف تخالفًا كما رأى العراقي، وإنما اعتبر كلامه عن حديث الدعاء عند الخروج من الخلاء موضحًا ومكمّلًا لكلامه في الرد على ابن الموَّاق، ومن مجموع كلامَيْه يُستفاد رأيهُ العام، وهو: أن الحسن في جامع الترمذي متنوع؛ فمنه نوع ينطبق عليه التعريف الذي ذكره في آخر الجامع، ومنه نوع ذكره في الجامع ولم يُعَرِّفه، ومن ذلك النوع حديث الدعاء عند الخروج من الخلاء. ويلتقي مع البقاعي في اعتماد تعقب المؤلف لابن المواق الحافظُ ابن حجر حيث قال: وما اعترض به أبو الفتح اليعمري من أنه (أي الترمذي) اشترط في الحسن أن يجيء من غير وجه، ولم يشترط ذلك في الصحيح، قلت: وهو تعقب وَارِد، ورَدٌّ واضح على زاعم التداخل بين النوعين (يعني الحسن والصحيح)، ثم قال: وكان ابن الموَّاق فَهِم التداخُل من قول الترمذي: وألا يكون راويه متهمًا بالكذب، وذلك ليس بلازم للتداخل؛ فإن راوي الصحيح لا يُشتَرط فيه أن لا يكون متهمًا بالكذب فقط؛ بل بانضمام أمر آخر، وهو ثبوت العدالة والضبط، بخلاف قسم الحسن الذي عرَّف به الترمذي، فَبان التَّبايُن بينهما/ الإِفصاح 60 ب. وقال البقاعي: قال شيخنا: الترمذي عرَّف الحسن لغيره، وادعاء ابن الموَّاق أنه لم يُميز ممنوع؛ فإنه ميزه بشيئين: أحدهما: أن يكون راويه قاصرًا عن درجة راوي الصحيح، بل عن درجة الحسن =

والجواب: أن الحكم لِلَفْظَةِ "حَسَن" إنما هو (¬1) إذا انفردت، ومعلوم/ حينئذ أنها جاءت على الوضع الاصطلاحي، لِتُفيد ما تقرّر من المراد. وأما إذا جاءت تبعًا للصحيح، فالحكم للصحيح، وليس ذلك المعنى الوضعي مُراد منها. ولا منافاة حينئذ، كما لو قُلْتَ: حديث صحيح معروف، أو مشهور صحيح، لم تكن تلك الزيادة على الوصف بالصحة إذا مما يحط الحديث عن مرتبته؛ وإن كانت قاصرة عن الوصف بالصحة إذا انفردَت، وليس وضع الحسن على هذا النوع من الحديث، مما تقدم الترمذيَّ وضعُه حتى يُشاحَحَ في إطلاقه، ويُطلَب منه اطرادُ رَسْمِه، منفردًا، ومُقترِنًا بالصحة، فقد قال الشيخ أبو عمرو: إن من أهل الحديث من لا يُفرِدُ الحسن، ويجعلُه مندرجًا في أنواع الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يُحتَجّ به (¬2). ¬

_ = لذاته، وهو أن يكون راويه غير متهم بالكذب؛ فيدخل فيه المستور، والمجهول، ونحوُ ذلك، وراوي الصحيح لا بد وأن يكون ثقة، وراوي الحسن لذاته لا بد وأن يكون موصوفًا بالضبط، ولا يكفي كونُه غير متهم بالكذب، وقد ذكر هذا ابن الموَّاق في نفس اعتراضه بقوله: "بل ثقات" ولم يَتنبّه له؛ فإن الترمذي لم يَعدِل عن قوله: "ثقات" وهي كلمة واحدة، إلى قوله: "لا يكون في إسناده من يُتّهم بالكذب" إلا لإِرادة قصور رواته عن وصف الثقة، كما هي عادة البلغاء في المُخاطبات. والثاني: أن يُروى من غير وجه نحوُه، وهذا الذي استدركه عليه ابن سيد الناس/ النكت الوفية 61 أ، ب ومثله في التدريب 1/ 155. (¬1) بالأصل "لفظة إنما هو حَسن إذا انفردت" والسياق كما أَثبتُه أوضح. (¬2) علوم الحديث لابن الصلاح/ 36.

وإشارة من أشار إلى أنّ ما وقع من ذلك في كلام أحمد بن حنبل والبخاري وغيرهما، محمول على الصحيح، جديرة بالصحة، خَليقةٌ بالعثور على المراد (¬1). ¬

_ (¬1) هذه هي نهاية مطاف المؤلف في الجواب عن جمع الترمذي في وصف الحديث الواحد بين الصحة والحُسن فقط أو مع ذكر الغرابة، وقد ذكر المؤلف في الجواب عن ذلك خمسةَ آراء، ردّ منها أربعة واختار الخامس وهو الأخير. أما الأربعةُ التي ردّها فهي عبارة عن جوابي ابن الصلاح، والجواب الذي ذكره من جانبه هو بقوله: وقد كان يمكن أن يجاب ... الخ، ورابعها الجواب الذي أخذه من اعتراض ابن الموَّاق على تعريف الترمذي للحسن، وقد اعتبر تلك الأجوبة الأربعة مرغوبًا عنها، لِمَا أورده بنفسه وما عزاه لغيره من تعقبات على تلك الأجوبة، كما أن جواب شيخِه ابن دقيق العيد -الذي تقدم ذكرُه في تعليق سابق ص 288، 289 ت- يعتبر أيضًا مرغوبًا عنه في نظره؛ بدليل إهماله لذكره أصلًا مع أنه -كما أوضحت- قد تبع شيخه في رد جوابي ابن الصلاح، وهذا الجواب اختاره شيخه عقب رده جوابي ابن الصلاح؛ فاطلاع المؤلف عليه مؤكّد/ انظر الاقتراح/ 175، 176، ومع ذلك أهمله. وهناك أجوبة أخرى ذكرها غيرُ المؤلف وشيخُه، كابن كثير/ مختصر علوم الحديث له مع شرحه الباعث الحثيث/ 43، وابن رجب/ شرح العلل له 1/ 389، 394، وابن حجر/ الإِفصاح له/ 60 ب - 61 ب، وابن الوزير، والصنعاني/ تنقيح الأنظار للأول مع شرحه توضيح الأفكار للثاني 1/ 236 - 246 وبلغ السيوطي بتلك الأجوبة بِضعةَ عشر جوابًا/ قُوتُ المغتذي في شرح جامع الترمذي 1/ 8 - 14، ومعارف السنن 1/ 43، 44، وجميعُها لا تخلو من التعقب والانتقاد. أما الجواب الذي اختاره المؤلف فخلاصته كما ترى - أن لفظة "حسن" إذا جاءت مع "صحيح" فلا يُراد بها المعنى الاصطلاحي للحسن؛ وإنما يكون الحكم للصحيح فقط؛ وبذلك ترتفع المُنافاة في الجمع بينهما وبين "الصحيح" في وصف حديث واحد. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذا الجواب غير مُسَلَّم للمؤلف، ولم أجد من ناقشه فيه من قبل، مع أنه يبدو لي أن ما يَرِدُ عليه وعلى توجيهه له لا يقلُّ عما تُعقِّبَ به أحد الأجوبة التي ردها هو واعتبرها مرغوبًا عنها؛ فمن ذلك قوله: إن لفظة "حسن" لا يُراد بها المعنى الاصطلاحي لها إذا جاءت مع لفظ "صحيح"، فهذا يَرُدُّه ما تقدم في رد القول بحمل لفظ "حسَن" على المعنى اللُّغوي اذا جاءت مع لفظ "صحيح"؛ وذلك أن الترمذي لما أكثر من استعمال هذه العبارات المركبة مع التنويع في تركيبها عَرَفْنا أنه لا محالة جَارٍ في ذلك مع الاصطلاح في الألفاظ التي يستعملها ومن ضمنها لفظ "حسن"، ويضاف لذلك قوله: "وما ذكرنا في هذا الكتاب حديث حسن، فإنما أردنا حَسُن إسناده" فذلك عام شامل لجميع صور ذكره للفظ "حسن"، مُفرَدًا أو مُركبًا، ما لم يقيده الترمذي نفسُه بقيد، ثم استأنف لبيان بقية شروط الحسن الذي يذكره مفردًا عن الصحيح، -فقال: "كل حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم الخ" / جامع الترمذي 5/ 413 وانظر النكت الوفية/ 86 أ، ب والتدريب 1/ 163 وتوضيح الأفكار 1/ 245، وبذلك ينتفى ألَّا يُراد بالحسَن المعنى الاصطلاحي إذا رُكب مع الصحيح. ومن ذلك قول المؤلف: إن الجمع بين الحُسن والصحة يشبه في عدم المنافاة، الجمعَ بين "صحيح" وبين كل من: مشهور، ومعروف، فهذا أيضًا قياس مع الفارق؛ لأن المعروف والمشهور الاصطلاحيان يمكن اجتماعهما مع الصحة في حديث واحد بدون تناف؛ لأن منهما صحيح، وغير صحيح/ شرح التبصرة والتذكرة للعراقي 2/ 268 وشرح شرح النخبة/ 87 والتدريب 1/ 241، بخلاف الحسن فإنه قاصر عن الصحيح حتى عند من سمى الحَسَن صحيحًا، كما سيأتي في الرد على بقية كلام المؤلف. ومن ذلك قوله: وليس وضع الحَسَن على هذا النوع من الحديث مما تقدم الترمذي أحدٌ لوضعه، فهذه ثالث مرة يقرِّر فيها المؤلف عدمَ سبق الترمذي إلى استعمال الحسن بالمعنى الاصطلاحي عنده، وقد مَرّ الرد الكافي عن ذلك فراجعه ص 196، 197، 201 - 204 ت. أما استدلاله بقوله ابن الصلاح: "إنّ من أهل الحديث من يُدرج الحَسَن في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أنواع الصحيح" الخ، فهذا مُسَلَّم؛ ولكنه لايصلح دليلًا لمُدَّعاه؛ لأن ابن الصلاح بعد ذكر هذا قال: ثم إن من سمى الحسن صحيحًا لا ينكر أنه دُون الصحيح المتفق على تعريفه؛ فهذا إذن اختلاف في العبارة دون المعنى/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإِيضاح/ 62 وبالتالي تبقى منافاة الجمع بينهما في وصف حديث واحد، والله أعلم. وبهذا نخلص إلى أن الجواب الذي اختاره المؤلف عن جمع الترمذي بين الصحة والحسن، عليه من الانتقادات ما يجعله مرغوبًا عنه كالأجوبة الخمسة التي رغب عنها هو كما مر. ويصبح المقام بحاجة إلى ذكر جواب أمثل من تلك الأجوبة الستة فضلًا عن غيرها؛ وقد قام الحافظ ابن حجر -فيما نقله البقاعي وغيره عنه- بعرض ومناقشة جوابي ابن الصلاح، وثلَّث بجواب ابن دقيق العيد المتقدم ذكره ثم قال: وبقي جواب رابع: وهو المتوسط بين كلام ابن الصلاحٍ، وابن دقيق العيد، فيخص جواب ابن الصلاح بما يكون له إسنادان فصاعدًا، وجواب ابن دقيق العيد بما يكون فردًا. ثم قال: وجواب خامس: وهو الذي أَرْتَضِيه، ولا غبار عليه، وهو: أن الحديث إذا كان متعدد الإسناد، فالوصف راجع إلى الحديث باعتبار الإسنادين، أو الأسانيد، كأنه قيل "حسن" بالإِسناد الفلاني، "صحيح" بالإِسناد الفلاني. وإن كان الحديث فردًا، فالوصف وقع بحسب إختلاف النقاد في راويه، فيرى المجتهد منهم -كالترمذي- بعضَهم يقول: "صدوق" مثلًا، وبعضَهم يقول "ثقة"، ولا يترجح عنده قول واحد منهما، أو يترجح؛ ولكنه أراد أن يُشير إلى كلام الناس فيه، فيقول: "حسن صحيح"، أي حسن عند قوم؛ لأن راويه عندهم "صدوق"، "صحيح" عند آخرين، لأن راويه عندهم "ثقة"، وهو نظير قول الفقيه: في المسألة قولان، أو بحسب تردد المجتهد نفسه في الراوي؛ فتارة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يؤديه اجتهاده -باعتبار حديثه، وعرضِه على حديث الحفاظ، ونحو ذلك- إلى قصور ضبطه، وتارة إلى تمامه، فكأنه حينئذ قال: "حسن" أو "صحيح"، وغايته أنه حذف كلمة "أو"، وحذفُها شائع في كلامهم، كما في أثر عمر -رضي الله عنه- في الصحيح، في أوائل كتاب الصلاة (باب الصلاة في القميص وغيره/ 1/ 475 مع الفتح): صلّى رجل في إزار ورداء، في إزار وقميص، في إزار وقباء .... في كذا، وكذا، إلى آخره، وكما في حديث: تصدّق رجل من درهمه، من ديناره، من صاع تمره ... الخ، ذكره ابن مالك في شواهد التوضيح (مبحث 15 ص 63، وصحيح مسلم - كتاب الزكاة - باب الحث على الصدقة 2/ 705)، (ومثَّل بثلاثة أحاديث أخرى فيها حذفُ حرف العطف، لصحة المعنى بحذفه) ثم قال: ويتفرع على هذا الجواب سؤالٌ من أجاب فيه بغير تفصيل أخطأه وهو أن يقال: أيهما أرفع؟ ما يقال فيه: "صحيح" فقط أو ما يقال فيه: "حسن صحيح"؟ والجواب: أنه إن كان متعدد الإِسناد فما جُمع الوصفان فيه أعلا مما لم يكن له إلا إسناد واحد صحيح؛ لأنه زاد عليه بالطريق الحسنة، وإن كان فردًا فما أُفرِد وصفُه بالصحة أعلا؛ لأنه لا تردُّد فيه، والله أعلم/ النكت الوفية/ 87 ب - 88 ب والتدريب 1/ 164، 165. ويلاحظ أن هذا الجواب الخامس الذي صرح ابن حجر بارتضائه وسلامته من أي غبار، قد ترك فيه كلية جواب ابن دقيق العيد، وركبه -مع التصرف- من جواب ابن الصلاح، وهو أن جمع الصحة والحُسن للحديث الواحد، باعتبار تعدد الإِسناد، ومن جواب المؤلف، وهو أن جمعهما باعتبار اختلاف نظر العلماء في تعديل الرواة. وقد جاء في التدريب أن هذا الجواب مركب من جواب ابن الصلاح وابن كثير 1/ 165، وعليه جرى الدكتور نور الدين عتر/ الإمام الترمذي/ 191، والذي يبدو أن ما في التدريب وَهْم أو سهو ناسخ؛ لاتفاق جواب التفرد مع كلام المؤلف كما ترى، وهو مخالف لجواب ابن كثير كما يتضح لمن قارنه به/ انظر مختصر علوم الحديث لابن كثير مع الباعث الحثيث/ 43، ولتفسير العراقي له/ التقييد والإِيضاح/ 61، 62 وابن رجب/ شرح العلل 1/ 392، ويؤيد ذلك أيضًا ما صرح به السخاوي من أن جواب شيخه عن جمع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الوصفين مع تفرد الحديث، أصله لابن سيد الناس/ فتح المغيث 1/ 93، فلم يبق الا الجواب عما تعدد إسناده، وأَخْذُه من كلام ابن الصلاح واضح. وقد اقتصر الحافظ ابن حجر في نخبته وشرحها على ذكر هذا الجواب المرتَضَى، واعتبره كافيًا في معرفة جواب إشكال الجمع في وصف الحديث الواحد بين "الصحة والحسن" فقط، أو مع الوصف أيضًا بالغرابة، وأنه يدفع الكثير من الإِيرادات التي طال البحث فيها، ولم يسفر وجه توجيهها/ النخبة مع شرحها، وشرح الشرح للقاري/ 73 - 75. وقد اعتُبِر هذا هو رأي ابن حجر النهائي في الجواب عن هذا الإِشكال، وذلك بناء على أمرين: أولهما: اكتفاؤه بهذا الجواب فقط في النخبة وشرحها، وقد أحال في شرحها على بعض مباحثه في النكت على ابن الصلاح والعراقي/ ص 270 ضمن المجموعة الكمالية، وهذا قد يدل على تأخر الشرح عن النكت التي ارتضى فيها جواب المؤلف وحده عن الإِشكال ثم أتبعه بتقوية جواب ابن دقيق العيد كما تقدم، وبتأخر الشرح يكون ما أورده فيه مع المتن، وهو النخبة، هو القول المعتمد الذي استقر عليه رأيه أخيرًا. وثانيهما: أن كُلًّا من: تلميذه البقاعي، ومِنْ بَعده السيوطي قد نَقلا عنه ارتضاءه لهذا الجواب كما تقدم، فتأخرُه عما في النكت، وتصريحه بارتضائه، يدلان على أنه رأيه النهائي في حَلِّ الإِشكال بِرُمَّته. وفي هذا رد لما ذكره الشيخ يوسف البَنُّوري؛ حيث اعتبر جواب ابن دقيق العيد من أحسن ما أُجيب به، وقال: إنه الصواب عند شيخه الكشميري، وأيد ذلك بتقوية ابن حجر له في النكت، ثم قال: ولعل ما أجاب به في شرح النخبة غير مَرضي عنده ... وأرى -والله أعلم- أن نكته آخِر تأليفًا عن شرح النخبة/ معارف السنن للبَنُّوري 1/ 44. ومع أن الحافظ ابن حجر قد وصف هذا الجواب -كما تقدم- بأنه لا غبار عليه، وأقره عليه عامة من جاء بعده، واستحسنه الصنعاني/ توضيح الأفكار 1/ 244؛ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مع هذا فإني أرى أنه ليس سالمًا من النقد الذي يثير بعض الغبار المحتاج للإزالة: فمن ذلك أن الجواب عن الحديث الفرد بحمل تعدد الوصف على الاختلاف أو التردد في حال الراوي، يَرِد عليه ما يتعدد وصفُه، ولا نجد خلافًا في توثيق راويه، كما قرر ذلك المؤلف هنا، ومِنْ بعدِه ابن حجر نفسه/ الإفصاح/ 61 أوكذا تلميذه ابن قُطْلُوبَغا/ شرح شرح النخبة للقاري/ 73، ولم يذكر أيٌّ منهم جوابًا عن ذلك الإيراد. وقال الحافظ ابن رجب -بعد شرحه لجامع الترمذي كله، وممارسته لأحاديثه - قال: إن الترمذي يجمع بين الحُسْن والصحة، في غالب، الأحاديث الصحيحة المتفق على صحتها والتى أسانيدها فِي أعلا درجة الصحة، كَمالِك عن نافع عن ابن عمر /شرح العلل 1/ 393. أقول: فما كان سنده من ذلك فردًا، كيف يُحْمَل وصفه بالحُسْن والصحة على الاختلاف والتردد؟ وغاية ما أجاب به ابن المُلَقِّن عن ذلك أنه نادر/ المُقْنِع في علوم الحديث لابن الملَقّن/ ص 19، وذلك لا يرفع الإيراد. ومن ذلك أن قول الحافظ: "وإن كان الحديث فردًا" يحتاج الى إيضاح المراد بهذه الفردية المطلقة هل هي باعتبار وصف الترمذي نفسه للحديث بذلك، أو باعتبار نتيجة البحث والنظر في طرق الحديث؟ ولا يستقيم الجواب على أي منهما وحده؛ لأننا لو اعتبرنا وصف الترمذي فلا يطّرِد معه الحمل على التردد والاختلاف؛ لأنه قد يُطلِق الغرابة المطلَقة على ما هو متعدِّد الإسناد. كان اعتبرنا نتيجةَ البحث والنظر، بقي ما يصفه الترمذي بالغرابةِ المطلقة -مع كونه متعدد الإسناد- بحاجة الى جواب. مثال ذلك أنه في أبواب الجهاد - باب ما جاء من شَاب شَيْبة في الإسلام 3/ 94 قال: "حدثنا إسحق بن منصور حدثنا حيوة بن شُرَيح عن بَقيَّة عن بحير بن سعد (أو سعيد) عن خالد بن معْدان عن كثير بن مرة الحضرمي عن عمرو بن عبسة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: من شاب شيبة في سبيل الله كانت له نُورًا يوم القيامة. هذا حديث حسن صحيح غريب"، قال العراقي: وحديث عمرو بن عَبْسة أخرجه النسائي عن عمرو بن عثمان عن بقية عن صفوان بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عمرو عن سليم بن عامر عن شُرَحْبيل بن السمط عن عمرو بن عَبْسة، وقد اختُلِف فيه على "بقية" كما ترى. ورواه أحمد من غير طريق بقية، رواه عن الحكم بن نافع عن حريز -هو ابن عثمان- عن سليم -يعني ابن عامر- أن شُرَحْبيل بن السمط قال لعمرو بن عبسة: حَدِّثنا حديثًا ليس عنه تَزَيُّد ولا نسيان، فقال عمرو: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ... فذكره بزيادة في أوله وآخره. ورواه أحمد أيضًا عن رَوح عن هشام بن عبد الله عن قَتادة عن سالم بن أبي الجعد عن مِعْدان بن أبي طلحة عن أبي نَجِيح السلمي -وهو عمرو بن عبسة. ورواه أيضًا من رواية أبي عبد الله الصنابحي عن عمرو بن عبسة، وفي إسناده رجل لم يُسَم/ تكملة شرح الترمذي للعراقي/ مخطوط رقم 506 / ق 122 أ، ب، ومسند أحمد 4/ 113، وبالتأمل نجد أن السند الذي روى الترمذي الحديث به، فيه "بقية بن الوليد" وهو صدوق كثير التدليس، وقد عُدّ فيمن اتُّفِق على عدم الاحتجاج بشيء من حديثهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع/ التقريب 1/ 105 وطبقات المدلسين/ 8، 37، وروايته لهذا الحديث بالعنعنة؛ فيكون الحديث بسند الترمذي ضعيفًا، ومع ذلك وصفه بأنه حسن صحيح غريب، فكيف يستقيم حمل ذلك على الخلاف أو التردد في أن إسناده هذا حسن أو صحيح؟. وحينما بحثنا وجدنا للحديث متابعات، وبالتالي يكون الحكم بصحته وحُسنِه باعتبار تعدد إسناده، ولذلك قال العراقي بعد ذكر المتابعات السابقة: "وكأن الترمذي إنما حكم بصحته -وإن كان بَقيةُ رواهُ معنعنًا- لهذه المتابعات/ تكملة العراقي/ الموضع السابق. وبناء على ثبوت تعدد إسناد الحديث يكون وصفه بالغرابة ليس مطلقًا كما هو مقتضى عبارة الترمذي، بل تُعتبر الغرابةُ مقيدةً بالوجه الذي أخرجه منه وإن لم يصرح هو بذلك. قياسًا على تقييداته الأخرى، أو حملًا للمطلق على المقيد. وعلى ذلك فإن الفردية في جواب الحافظ ابن حجر يجب تقييدها صراحة بما تظهر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فرديته المطلقة بعد البحث، فبدلًا من قوله: "فإن كان الحديث فردًا" يقال مثلًا: "فإن ظهر بالبحث أن الحديث فرد ... الخ"، وبذلك لا يشمل الجواب كلَّ ما وصفه الترمذي -مع الصحة والحسن- بالغرابة المطلقة؛ بل يجب النظر في طرق الحديث - الموصوف بذلك، فما لم نجد له متابعًا ولا شاهدًا حملنا وصفه بالصحة والحُسن على الخلاف أو التردد، ويكون وصفه أيضًا بالغرابة المطلقة على ظاهره، وما وجدنا له متابعًا أو شاهدًا، كالمثال السابق، حملنا وصفه بالصحة والحسن على تعدد الإسناد أو الأسانيد، ويحمل وصفه بالغرابة المطلقة على جهة معينة من المتن أو الإسناد، كأن يقال: غريب من هذا الوجه، أو بهذا اللفظ، أو لا نعرفه صحيحًا إلا من حديث فلان، وسيأتي قريبًا تقرير المؤلف لذلك بقوله: إن الترمذي إذا قال: هذا حديث غريب أمكن أن يحمل على الغرابتين المطلقة والمقيدة/ ص 311. وبهذا تضيق دائرة الحمل في جمع وصفي الصحة والحسن على الاختلاف أو التردد - بدرجة تناسب واقع أجمع وأشهر كتاب في هذا الاصطلاح وهو جامع الترمذي، وتناسب أيضًا دراية صاحبه هو وأمثاله من الأئمة الذين جاءت عنهم مثل هذه العبارات. على أني لا أدعي تخليص جواب ابن حجر بهذا نهائيًا من التعقب، وإنما الجواب القاطع في هذا يحتاج الى جمع كل العبارات المركبة في جامع الترمذي، وجمع أقصى ما يمكن من العبارات المماثلة التي جاءت عن غيره من الأئمة، ثم تصنيف ذلك إلى مجموعات، كل مجموعة تشمل عبارة مركبة عند الترمذي، ثم عند غيره، كمجموعة "حسن صحيح غريب" و"حسن غريب" وهكذا، ثم تُبحَث أحاديث كل مجموعة سندًا ومتنًا، وترصد نتائج ذلك، ثم يُستخلَص منها المراد بكل عبارة عند الترمذي وعند غيره من العلماء. ثم إني رأيت صاحب "منهج ذوي النظر" قد أشار الى نحو هذا الاقتراح واستبعد وجود الكفء الذي ينهض به في عصره، ولكني أرجو الله أن يُقَيض لهذا بعض ذوي الكفاءة العلمية في عصرنا الحاضر، ويمنحه العون والسداد/ انظر منهج ذوي النظر للشيخ محفوظ التَّرمُسي، شرح منظومة علم الأثر للسيوطي/ 37.

ومما يُورَد على أبي عيسى -رحمه الله- قوله: حَسن غريب؛ إذ الغريب ينافي الحَسن، من جهة أنه شَرَط في الحَسن أن يُروَى نحوُه من وجه آخر، وليس الغريب كذلك؛ فثبوت مثله أو نحوه رافع للغرابة عنه (¬1) فيُحتَاج إلى معرفة الغريب ما هو؟. وحينئذ يتبين: هل هذا الإِيرادُ لازم أم لا؟ فنقول: الغريب على أقسام: ¬

_ (¬1) هذا الإيراد مبني على أن الحسن الوارد في جامع الترمذي عمومًا هو ما عرَّفه في نهايته، والواقع خلف ذلك؛ لأن الترمذي عَرَّف نوعًا واحدًا من الحسَن، وهو الحسن لغيره، وقد صرح في بداية التعريف أنه لِمَا يقول عنه: "حديث حسن" فقط غير مقترن بوصف آخر .. وبالتالي لا يَشْملُه هذا الإيراد. أقول: ولو فُرِض وجود ما وصفه من هذا النوع بالغرابة المطلقة، فيمكن حمله على الغرابة المقيدة؛ وهي لا تُنافي هذا النوع من الحسَن. وهناك نوع ثان أورد منه الترمذي في الجامع؛ ولكن لم يُعرِّفه، وهو الحسن لذاته، وهذا لا تنافيه الغرابة؛ لأنه لا يُشترط فيه تعدد الإسناد، بل كثيرًا ما يشير الترمذي لتفرده، وذلك مع الحسن بالغرابة، وقد أجاب المؤلف نفسه بنحو هذا فيما سيأتي في شرحه لحديث الدعاء عند الخروج من الخلاء، كما تقدمت الإشارة لذلك ص 292، 293 ت ثم تبعه في هذا الحافظ ابن حجر وغيره من العلماء، وقال البقاعي: جواب ابن سيد الناس هو المعتَمَد، فإنه (أي الترمذي) إذا حَسَّن الفَرد أراد الحسَن لذاته، وإذا حَسّن المعتَضِد فإنما حسنَّه لمجموع الطرق، فهو الحسن لغيره/ النكت الوفية/ 62 ب، وانظر/ شرح شرح النخبة/ 75، 76 وتوضيح الأفكار 1/ 244، 245 والإمام الترمذي وموازنة جامعه بالصحيحين/ 171، 186. أقول فَيعَد جواب المؤلف الآتي مُكَمّلًا لكلامه هنا على النوع الذي عَرَّفه الترمذي فقط وهو الحسن لغيره.

1 - غريب سندًا وَمْتنًا. 2 - ومتنًا لا سندًا (¬1). 3 - وسندًا لا متنًا (¬2). 4 - وغريب بعض السند فقط (¬3). 5 - وغريب بعض المتن فقط (¬4). وكلها قد ترتقي إلى درجة الصحة -إن نهض راويها بما حَمل-، أو تَنْحطُّ عن ذلك بحسب انحطاطه. وليس فيها ما يقبل الحُسْن مُنفردًا به إلا الغريب سندًا لا متنًا إذا سَلِم راويه من الانحطاط عن درحة الحسَن (¬5)، وسواء قُيدَتْ غرابتُه ¬

_ (¬1) هكذا قرَّر المؤلف هذا النوع مطلقًا، وقال العراقي: إنه لم يَذكُر له مثالًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وعلَّل السخاوي ذلك بأنه لا يوجد له مثال، وإنما القِسْمةُ العقلية هي التي اقتضت ذكره/ فتح المغيث للسخاوي 3/ 34؛ لكن نقل السيوطي عن العراقي قوله: إنه وقع في كلام ابن سيد الناس ما يقتضي تمثيلُه لهذا النوع (يعني بحديث تخليل أصابع الرجلين كما سياتي في كلام المؤلف بعد قليل) وانظر التدريب/ 377. (¬2) ستأتي إشارة المؤلف لمثاله ص 311. (¬3) سيأتي تمثيل المؤلف له ص 309 بحديث أم زرع. (¬4) سيأتي ذكر مثاله مع الذي قبله. (¬5) هذا بناء على أن المراد بالحَسن في كلام المؤلف النوع الذي عرفه الترمذي، وهو الحَسَن لغيره كما تقدم في التعليق قبل ثلاثة تعليقات، وعليه فالمراد بسلامة راويه من الإنحطاط عن درجة الحسَن أن لا يكون متهمًا بالكذب كما ذكر الترمذي في تعريفه، وأن لا يكون فاحش الخطأ أيضًا؛ لأنه في حكم المتهم. =

براو معين، كقوله: غريب من حديث فلان، أو من حديث فلان عن فلان، لا نعرفه إلا من هذا الوجه، أو لم تُقيَّد. وأما غرابة بعض المتن -وهي الزيادة المتصلة بالحديث- فلا يتأَتَّي فيها التحسين؛ لأن غرابتها راجعة إلى المتن (¬1). فقد تبين أن الغريب قد يقبل الوصف بالصحة أو بالحُسن، أو بهما معًا على ما تقدم/ كما ياتي عنده أيضًا، أو لا يقبل الوصف بواحد منهما، فلا يُورَد على الغريب الموصوف بوصف آخر (¬2) إلا من وجده موصوفًا به في القسم الذي يمتنع وصفه به -كما بيناه (¬3) - وما إخالُه يَجده. ¬

_ = أما الحَسَن لذاته فيقبله بقية أنواع الغريب الأربعة، لعدم اشتراط التعدد فيه، وعليه يكون المراد بسلامة راويه من الانحطاط عن درجة الحسن أن يكون عدلًا وفي ضبطه قصور أزيد من النادر المعفو عنه، وأقل من الكثير المقتضِي للضعف. كما قدمت توضيحه من قبل ص 271، 273 ت وانظر توضيح الأفكار 2/ 7، 8 هامش وعلوم الحديث لابن الصلاح مع التقييد والإيضاح/ 104. (¬1) ومعها أيضًا غرابة الإسناد لتفرد راوي الزيادة بها، فهما متلازمان كتلازم غرابة المتن الكامل المطلقة مع غرابة السند، كما قرر ابن الصلاح/ علوم الحديث مع التقييد والإيضاح/ 273، والإمام الترمذي للدكتور عتر / 182، 183، والتحسين الذي لا يتأتى في هذه الزيادة هو التحسين الذي عرَّفه الترمذي؛ لاشتراطه تعدد الإسناد فيه، أما الحسن لذاته فيتأتى في هذه الزيادة إذا كان المنفرد بها في درجة الحسن لذاته، ولم تكن شاذة/ انظر علوم الحديث لابن الصلاح/ 104. (¬2) يعني من الصحة أو الحُسْن. (¬3) يعني القسم الخامس وهو غريب بعض المتن، حيث ذكر أنه لا يتأتى فيه التحسين -يعني لغيره-.

وقد رأيت عن الحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، قال: وأما الغريب من الحديث، كحديث الزهري وقتادة، وأشباههما من الأئمة ممن يُجَمع حديثهم -إذا انفرد الرجل عنهم بالحديث- يُسمى غريبًا، وإذا رواه عنهم رجلان وثلاثة، واشتركوا في حديث، يسمي عزيزًا، وإذا روى الجماعة حديثًا سُمِّي مشهورًا (¬1). قال المقدسي: اعلم أن الغرائب والأفراد على خمسة أنواع: فالنوع الأول: غرائب وأفراد صحيحة، وهو: أن يكون الصحابي مشهورًا برواية جماعة من التابعين عنه، ثم ينفرد بحديثٍ عنه أحْدُ الرواة الثقات -لم يروه عنه غيره- ويرويه عن التابعي رجل واحد من الأتباع، ثقة، وكلهم من أهل الشهرة والعدالة، وهذا أُخِذ (¬2) في معرفة الغريب والفرد الصحيح، وقد أُخرِج له نظائر في الكتابين (¬3). والنوع الثاني: من الأفراد: أحاديث يرويها جماعة من التابعين عن الصحابي، ويرويها عن كل واحد منهم جماعة، فينفرد عن بعض رواتها بالرواية عنه رجل واحد، لم يرو ذلك الحديث عن ذلك الرجل غيرُه، من طريق يصح، كان كان قد رواه عن الطبقة المتقدمة عن شيخ شيخه، جماعة (¬4) إلا أنه من رواية هذا المنفرد عن شيخه، لم يروه عنه غيره (¬5). ¬

_ (¬1) أطراف الغرائب للمقدسي/ ل 10. (¬2) كذا ضُبِطَت في نُسخة أطراف الغرائب/ ل 10. (¬3) يعني: صحيحي البخاري ومسلم. (¬4) في الأطراف "عن شيخه إلا أنه ... الخ"/ ل 10 ولعلّ ما هنا هو الصواب لاستقامة المعنى عليه. (¬5) كلمة "غيره" ليست في "الأطراف" وِإثْبَاتُها هو الأولى.

النوع الثالث: أحاديث ينفرد بزيادة ألفاظ فيها واحدٌ عن شيخه لم يرو تلك الزيادة غيره عن ذلك الشيخ؛ فَيُنسَب إليه التفرد بها، ويُنظَر في حاله. النوع الرابع: متون اشتهرت عن جماعة من الصحابة، أو عن واحد منهم، فروى ذلك المتن عن غيره من الصحابة ممن لا يُعرَف به إلا من طريق هذا (الواحد) (¬1) ولم يتابعه عليه غيره. النوع الخامس من التفرد: أسانيد، ومتون، ينفرد بها أهل بلد، لا توجد إلا من روايتهم، وسنن ينفرد بالعمل/ بها أهل مِصْرٍ، لا يُعمل بها في غير مصرهم (¬2). قلت: يحتاج أن يكون المنفرد في النوع الأول، في المرتبة العليا من الثقة والعدالة والحفظ، حتى يُقْبل انفرادُه في كل طبقة: الأولى، والثانية، اللَّتان (¬3) أشار إليهما، وثالثة -إن وُجِدَت- أو أكثر من ذلك (¬4). ¬

_ (¬1) بالأصل "الوجه" وما أثبته من الأطراف وهو المناسب لسياق المعنى/ ل 10. (¬2) انظر النص من أول "اعلم أن الغرائب والأفراد" إلى هنا، في الأطراف/ ل 10. (¬3) الأصل "التي" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬4) من قول المؤلف: يحتاج أن يكون المنفرد في النوع الأول في المرتبة العليا من الثقة ... إلى هنا، فيه رد على ما تقدم عن ابن طاهر: أن انفراد أحد الرواة الثقات بالحديث يكفي في صحته، ويكون من الغرائب والأفراد الصحيحة، وقد جرى المؤلف في هذا على ما سبق من تقريره أن الوصف بالثقة أنزَلُ من الوصف بالعدل الحافظ، وبالتالي يكون حديث الثقة حسنًا لا صحيحًا، كما ذكر ابن طاهر هنا، وقد تقدم الرد على المؤلف في هذا ص 249 - 252 ت، وبذلك يكفي هنا للحكم بالصحة ما قرره ابن طاهر من أن يكون المنفرد موصوفًا بمطلق الثقة فقط =

وأما الثاني ففيه نقص، لعله من النسخة (¬1) وقد نبهت عليه -مقابِلُه- في الحاشية. فهذا النوع الأول عنده. والثاني هو: الذي أشرت اليه بغريب بعض السند، وقد يَقبل الصحة أو ينحط عنها كما قلنا. وقد يقبل التحسين، إن وُجِد (¬2) له شاهد، وقد لا يقبله، إن لم يُوجد (¬3) ومن هذا النوع: حديث أم زرع؛ فإن عيسى بن يونس يرويه عن هشام بن عروة عن أخيه، عبد الله بن عروة عن أبيه عن عائشة (¬4)، ويرويه غيره -ممن ¬

_ = لا بالمرتبة العليا فيها كما يرى المؤلف، طالما انتفى الشذوذ والعلة كما هو مقرر في تعريف الصحيح المتفق على صحته عند الجمهور. (¬1) أي نسخة أطراف الغرائب للمقدسي التي فيها كلامه السابق عن الغريب، ولم يتضح في النقص الذي أشار إليه المؤلف؛ لأن ما ذكره هو الموجود في نسخة الأطراف التي رجعت إليها، وكذا في نسخة أخرى راجعتها. (¬2) بالأصل "وُجدت" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى. (¬3) هذا بالنسبة للحسن لغيره، أما الحسن لذاته فيقبله هذا النوع كما يقبل الصحيح دون الحاجة لشاهد، طالما كان المنفرد في السند في درجة راوي الحسن لذاته كما قدمت توضيحه، ص 305 ت. (¬4) هكذا أخرجه الشيخان بهذا الإسناد/ البخاري -كتاب النكاح- باب حسن المعاشرة مع الأهل 6/ 146 ومسلم -كتاب فضائل الصحابة- باب ذكر حديث أم زرع 4/ 1896 ح 2448، وقال العراقي: والمحفوظ ما رواه عيسى بن يونس عن هشام بن عروة عن أخيه عبد الله بن عروة (عن عروة) عن عائشة، هكذا اتفق عليه الشيخان، وكذا رواه مسلم من رواية سعيد بن سَلَمة بن أبي الحُسام عن هشام/ صحيح مسلم الموضع السابق، ص 1902، وفتح المغيث للعراقي 4/ 5 وللسخاوي 3/ 28.

لا يَحفظ- عن هشام عن أبيه عن عائشة، فيسلُك به الجادَّة (¬1)، فهذه غرابة تخص موضعًا من السند، صحيحة، والحديث صحيح. والنوع الثالث: هو الذي أشرت إليه بـ "غريب" بعض المتن، وهو أيضًا مختلف بحسب حال التفرد بالزيادة، وإلى بعضه يشير الإمام أبو عمرو بقوله: غرائب الشيوخ، في أسانيد المتون الصحيحة، قال (¬2): "وهو الذي يقول فيه أبو عيسى: غريب من هذا الوجه (¬3) وقد تقدم - في هذا النوع (ما) (¬4) يجب عند ذكر الشاذ، في حكم الزيادة ¬

_ (¬1) عبارة ابن طاهر في الأطراف: "فيسلك به الطريق المشهورة" / ل 11، وممن رواه هكذا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، وعَبّاد بن منصور، بسنديهما عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، بدون ذكر واسطة بين هشام وأبيه، مع رفع كل الحديث بطوله، هكذا أخرجه الطبراني في الكبير كما ذكر العراقي والسخاوي وابن حجر، وموضع الغرابة في هذا الإسناد، هو حذف أخي هشام الذي هو الواسطة بين هشام وبين أبيه/ انظر فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وللسخاوي 3/ 28 وفتح الباري 11/ 164. (¬2) أي أبو عمرو ابن الصلاح. (¬3) علوم الحديث لابن الصلاح/ 244، 245 الطبعة السلفية، ولم يذكر ابن الصلاح ولا المؤلف مثالًا لهذا النوع، ولكن العراقي قال عن رواية الطبراني المذكورة في التعليق السابق: ويصلح ما ذكرنا من عند الطبراني مثالًا للقسم الخامس؛ لأن عبد العزيز وعبَّادا جعلا جميع الحديث مرفوعًا، (أي وهذا الرفع غريب) وإنما المرفوع منه قوله: -صلى الله عليه وسلم-: "كنت لَكِ كأبي زرع لأم زرع" ثم قال العراقي: فهذا (أي رفع جميع الحديث) غرابة بعض المتن أيضًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5 وأقره السخاوي/ فتح المغيث له/ 3/ 34. (¬4) زيادة لتقويم السياق.

- توضيحه (¬1)؛ فإذا قال أبو عيسى في حديث: "غريب من هذا الوجه"، مشيرًا إلى ذلك، أو "غريب من حديث فلان عن فلان" فقد أوضح مراده منه (¬2) وإن قال: "هذا حديث غريب"، أمكن أن يُحْمَل على الغرابتين: المطلقة، والمقيدة. وأما النوع الرابع: فهو الغريب سندًا لا متنًا، كحديث "الأعمال بالنيات" (¬3) إذا رُوي عن غير عمر بن الخطاب؛ فقد وقع لنا طريق، لا ذكر فيها ليحيى بن سعيد، ولا مَن فوقه إلى عمر، وهذا إسناد غريب كله (¬4) والمتن الصحيح. ¬

_ (¬1) انظر ص 89، 94 - 97 وما بعدها. (¬2) بالأصل "من أفقه" ولا يظهر المعنى عليه. (¬3) تقدم تخريجه ص 248، 249 ت. (¬4) لم يذكر المؤلف هذا الإسناد الغريب، كما ترى، وقد ذكره العراقي فقال: مثاله حديث رواه عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رَوَّاد عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الأعمال بالنية"، ثم قال: قال الخليلي في الإرشاد: أخطأ فيه عبد المجيد، وهو غير محفوظ من حديث زيد بن أسلم بوجه، قال (أي الخليلي): فهذا مما أخطا فيه الثقة (يعني عبد المجيد) عن الثقة (يعني مالك) / فتح المغيث للعراقي 5/ 4، وذكره البُلْقِيني أيضًا وعزاه إلى الدارقطني، في "أحاديث مالك التي ليست في الموطأ"، وقال الدارقطني: تفرد به عبدالمجيد عن مالك، ولا يُعلَم حدّث به عن عبد المجيد غيرُ نوح بن حبيب، وابراهيم بن محمد العتيق/ محاسن الاصطلاح مع مقدمة ابن الصلاح/ 175؛ ولكن السيوطي ذكر أن الذي مثل بهذا الحديث هو ابن سيد الناس/ التدريب 2/ 183 .. ثم إن الحديث قد ذكر جماعةُ من الحفاظ أنه من أفراد عمر رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ومن أفراد علقمة عنه، ومن أفراد محمد بن ابراهيم عن علقمة ومن أفراد يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم، وقال الخطابي: لا أعلم خلافًا بين أهل الحديث في أنه لم يصح مسندًا =

النوع الخامس: فيشمل الغريب كله: سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر (¬1) وقد ذكر أبو محمد بن أبي حاتم -رحمه الله، بسندٍ له (¬2) أن رجلًا سأل مالكًا عن تخليل أصابع الرِّجلين في الوضوء، فقال له مالك: إن شئت خلِّل، كان شئت لا تُخلل. وكان عبد الله بنِ وَهب حاضرًا، فعجب من جواب/ مالك، وذكر لمالك في ذلك حديثًا ¬

_ = عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا من رواية عمر، ورواية علقمة عنه ... الخ"؛ لكنه قد تعدد رواته عن يحيى بن سعيد، وأكثر رواته عنه أئمة، فبلغ حد الشهرة عن يحيى بن سعيد، لكنه يعد غريبًا سندًا باعتبار طرفه الأعلى أو أصل الإسناد إلى يحيى بن سعيد، كما أنه يُعتبَر غريبًا متنًا كما سيأتي، وما ذكر له من طرق غير ذلك عن عمر رضي الله عنه أو عن غيره من الصحابة فلم يصح منها شيء، وقد أخرج ابن عساكر الحديث من طريق بقية بن الوليد عن إسماعيل النَّضري عن أبان، عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يقبل الله قولًا إلا بعمل، ولا يقبلُ قولًا ولا عملًا إلا بنية (الحديث) وقال هذا حديث حسن هـ. ولكن في سنده كما ترى بقية بن الوليد وهو مدلس لا يُحْتَمَل تدليسه، وقد رَوى الحديثَ معنعنًا، قال البُلْقِيني: فظهر أن الحديث لم يصح عن أحد إلا عن عمر رضي الله عنه؛ فهو من أفراد عمر، على الصحيح / انظر تكملة العراقي لشرح الترمذي نسخة رقم (506) في/ 240 ب، 241 أ، ومحاسن الاصطلاح مع مقدمة ابن الصلاح/ 174، 175 وتهذيب التهذيب 1/ 473 - 478 والكاشف 1/ 160 والتقييد والإيضاح/ 101، 102. (¬1) هذا تقرير ثان من المؤلف لنوع الحديث الغريب متنًا مطلقًا، بعد ذكره السابق له ص 305. وسيأتي تحقيق ذلك عند التعليق على حديث تخليل أصابع الرجلين الآتي ذكره له. (¬2) فقال: أنا أحمد بن عبد الرحمن بن أخي بن وهب قال: سمعت عَمِّي يقول: سمعت مالكًا سئل عن أصابع الرجلين في الوضوء ... (الحديث)، بنحو ما ذكره المؤلف/ الجرح والتعديل 1/ 31، 32.

بسند مِصري صحيح (¬1) وزعَم أنه معروف عندهم؛ فاستفاد مالك الحديث، واستعاد السائل، فأمره بالتخليل، هذا أو معناه (¬2). ¬

_ (¬1) تقدم أن مالكًا وصفه بالحسن مريدًا به الغرابة ص 198 ت وأن الحديث بحسب دراسة إسناده المصري يعتبر حسنًا لغيره فقط، وانظر التعليق التالي. (¬2) بل هذا نحو ما ذكره ابن أبي حاتم، كما أشرت لذلك من قبل، وانظر الجرح والتعديل 1/ 31، 32 وقد اعتبر العراقي هذا الحديث مثالًا للغريب متنًا مطلقًا، في حين أن ابن الصلاح استبعد وجود هذا النوع إلا مقيدًا بطرف الإسناد الأخير، ومثل لذلك بحديث الأعمال بالنيات السابق ذكْره، وذلك باعتبار أنه تعدد سنده من الطرف الأخير بعد يحيى بن سعيد، ولكن المتن يعتبر غريبًا باعتبار طرف الإسناد الأعلى حيث لم يصح إلا من حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن ابراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص عن عمر رضي الله عنه، كما سبق ذكر ذلك. أما المؤلف فقد تقدم إقراره مرتين لوجود هذا النوع مطلقًا دون تقييد بأحد طرفي الإسناد، ص 305، 312؛ ولكنه لم يُصرح بذكر مثال له، ولذلك قال العراقي: إنه لم يذكر له مثالًا/ فتح المغيث للعراقي 4/ 5؛ لكن السيوطي نقل عن العراقي قوله: إنه وقع في كلام المؤلف ما يقتضي تمثيلُه لهذا النوع، وذلك أنه لما حكى قول ابن طاهر في الخامس من أنواع الغريب، وهو غرائب البلدان قال: وهذا النوع يشمل الغريب كله سندًا ومتنًا، أو أحدهما دون الآخر، قال: وقد ذكر ابن أبي حاتم بسند له (الحديث)، إلى قول المؤلف: فأمره بالتخليل هـ قال العراقي: والحديث المذكور رواه أبو داود (كتاب الطهارة - باب غَسل الرجلين 1/ 103)، والترمذي (أبواب الطهارة - باب تخليل الأصابع 1/ 57، 58، وكلاهما) من رواية ابن لَهيعة عن يزيد بن عمرو المُعافري عن أبي عبد الرحمن الحُبْلى عن المستورد بن شداد، وقال الترمذي: حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لَهيعة هـ. وقال العراقي: ولم ينفرد به ابن لَهيعة، بل تابعه عليه الليث بن سعد، وعمرو بن الحارث، كما رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن عبد الرحمن بن أخي بن وهب عن عمه عبد الله بن =

وفي ذلك جمع غرائب البلدان، وما تفرد به أهل الأمصار من (¬1) السنن، من جمعها وقبولها للصحة وغيرها - واضح. ¬

_ = وهب عن الثلاثة المذكورين (الجرح والتعديل 1/ 31، 32)، وصححه ابن القطان؛ لتوثيقه لابن أخي بن وهب، فقد زالت الغرابة عن الإسناد بمتابعة الليث وعمرو بن الحارث لابن لَهيعة، والمتن غريب/ التدريب/ 377، 378 والتقييد والإيضاح/ 273، 274، وبهذا انتهى العراقي إلى اعتبار الحديث المذكور مثالًا للغريب متنًا فقط مطلقًا. وتقدم نقل السيوطي عنه أن كلام المؤلف السابق عن النوع الخامس من الغريب يقتضي تمثيله لهذا النوع بالحديث المذكور، لكن الذي صرح به ابن سيد الناس عند شرح هذا الحديث خلف هذا؛ حيث قرر أن الحديث بمقتضى هذه المتابعات السابقة ليس بغريب ولا حسن، كما وصفه الترمذي؛ ولكنه يعد صحيحًا مشهورًا/ انظر نسخة المحمودية لهذا الشرح/ 12 ب، ويبدو أن العراقي لم يقطع بكون الحديث المذكور مثالًا معتبرًا؛ فإنه ذكر كلام المؤلف السابق ومثل بالحديث المذكور ثم قال: ويُحتَمل أن يريد (أي المؤلف) بكونه (أي الحديث) غريب المتن لا الإسناد، أن يكون ذلك الإسناد مشهورًا جادَّة، لعدة من الأحاديث، بأن يكونوا مشهورين برواية بعضِهم عن بعض، ويكون المتن غريبًا لانفرادهم به/ التقييد والإيضاح 274. وقد عد الترمذي وابن رجب هذا من الغريب متنًا وسندًا، ومثّل له ابن رجب بحديث: الأعمال بالنيات باعتبار سنده الأعلى من عمر رضي الله عنه إلى يحيى بن سعيد، كما تقدم انظر/ شرح العلل لابن رجب 1/ 413، 415، 416. وبذلك انتهى الأمر إلى عدم ذكر مثال يعتبر للغريب متنًا فقط مطلقًا، ولعل هذا مما جعل السخاوي يقول: إن مثال هذا النوع لا يوجد، وأن المؤلف ذكره افتراضًا، تبعًا للقسمة العقلية/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 34. (¬1) بالأصل "لمن" ولا يستقيم المعنى عليه.

"فصل" [في معنى قول الترمذي: وفي الباب عن فلان، وفائدة ذلك] ومما تضمنه جامع أبي عيسى الترمذي -رحمه الله- من الاختصار فى التصنيف: أنه يذكر الحديث في الباب بسنده، عن صحابيه، ثم يتبعه قوله: "وفي الباب عن فلان وفلان" حتى يأتي على ما يوجد في ذلك الباب، أو أكثره (¬1) فلو استوعب أسانيد ذلك لطال الكتاب جدًّا، ولو تركه بالكلية، لفاته تقوية حديثه المسند، بإضافة ما أضاف إليه، والتنبيه على تلك الأحاديث، ليتتبع مظَانَّها من له غرض في التتبع؛ غيرأنه ينبغي أن يكون ما أسند في ذلك الباب أقوى ¬

_ (¬1) قال العراقي: إن الترمذي حيث يقول: وفي الباب عن فلان وفلان، فإنه لا يريد ذلك الحديث المعين، وإنما يريد أحاديث أخر يصح أن تُكتَب في ذلك الباب وإن كان حديثًا آخر غير الذي يرويه في أول الباب، وهو عمل صحيح، إلا أن كثيرًا من الناس يفهمون من ذلك أن من سُمِّي من الصحابة يروون ذلك الحديث الذي رواه في أول الباب بعينه، وليس الأمر على ما فهموه؛ بل قد يكون كذلك، وقد يكون حديثًا آخر يصح إيراذه في ذلك الباب/ التقييد والإيضاح/ 102، وقد أقر العراقي على ذلك غيرُه/ انظر مقدمة تحفة الأحوذي 1/ 386، ومع ما قرره المؤلف من أن الترمذي قد يأتي على ما يوجد في الباب كله أو أكثره، فإنه ينبغي التنبيه إلى أن الترمذي لم يقصد الاستيعاب، ولذا فإنه قد يغفَل أو يغيب عنه الإشارة إلى أحاديث كثيرة على شرط كتابه وبعضها معلوم له كأحاديث الصحيحين أو أحدهما، وفي شرح المؤلف هذا وتكملته للعراقي مصداق ذلك حيث جعلا من منهجهما في الشرح تخريج ما ورد في الباب ولم يُشر إليه الترمذي؛ ومع ذلك لم يستوعبا أيضًا فاستدرك عليهما غيرُهما، كما سيأتي في بعض الهوامش، وانظر الإمام الترمذي/ 113.

مما لم يذكر سنده، وذلك هو الأكثر من عمله، وقد ذكر أبو نصر ابن يوسف كلامًا هذا معناه (¬1) فقال: وظاهر طريقته أن يُتَرْجِم الباب (¬2) الذي فيه حديث مشهور عن صحابي، وقد صح الطريق إليه، وأُخرِج مِنْ حَدِيثه في الكتب الصحاح - فَيورِد في الباب [ذلك الحكم] (¬3) من حديث صحابي [آخر] (¬4) لم يخرجوه من حديثه، ولا يكون الطريق (¬5) إليه كالطريق الأول؛ إلا أن (¬6) الحكم صحيح، ثم يتتبعه بأن يقول: "وفي الباب عن فلان وفلان"، ويَعُد جماعة فيهم الصحابي [المشهور] (¬7) يعني الذي أُخرِج (¬8) ذلك الحكم من حديثه - وقَلّما يسلك هذه الطريقة (¬9) إلا في أبواب معدودة (¬10). ¬

_ (¬1) وذكر ما سيذكره الشارح أيضًا أبو الفضل ابن طاهر/ شروط الأئمة الستة له/ 3، 4. (¬2) أي يضع له ترجمة وهي عنوان الباب. (¬3) ليس بالأصل وأثبتُه من شروط الأئمة الستة لابن طاهر ص 14 وقوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 3، 4. (¬4) ليس بالأصل وأثبتُه من شروط الأئمة الستة لابن طاهر ص 14 وقوت المغتذي على جامع الترمذي للسيوطي 1/ 3، 4. (¬5) في شروط الأئمة لابن طاهر: "ولا تكون الطرق" ص 14. (¬6) بالأصل "لأن الحكم" وما أثبته من قوت المغتذي 1/ 3، 4 وفي شروط الأئمة لابن طاهر: "وإن كان الحكم صحيحًا"/ ص 14. (¬7) في شروط الأئمة لابن طاهر: "الصحابي المشهور، وأكثر" ص 14. (¬8) بالأصل "أخرجا" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬9) يعني ذكر الصحابي الذي اشتُهِر الحديث عنه، وأُخرِج من حديثه في الكتب الصحاح، وقد يَذكر أيضًا الصحابي الذي رَوَى هو من طريقه حديث الباب/ انظر الإمام الترمذي للدكتور عتر/ 114. (¬10) هذا الذي نقله المؤلف عن أبي نصر ابن يوسف ليس فيه كما ترى معنى ما ذكره =

قلت: لو اطرد ذلك من عمل الترمذي، لكان له وجه، ولتضمن اختصارًا ثانيًا، يُشْفِع الأول، لكن ليس مُطرِدًا ولا أكثريًّا؛ وإذ (¬1) لم يَطَّرِد له على الوجه الأول عَملٌ، ولا على الثاني، لم يبق إلا الجواب عما يقع من الثاني -إذ هُو أقلُّهما- في مواضعه إن تيسر جواب، والله الموفق للصواب. [قال أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي] (¬2): أبواب الطهارة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم/. ... ¬

_ = هو من أن الأكثر من عمل الترمذي أن ما يذكره في الباب من الأحاديث المسندة يكون أقوى مما لم يذكره، فقد قدمتُ أنه يَغفُل أو يغيب عنه أحاديث مخرَّجة في الصحيحين أو أحدهما كما يتضح من تخريج المؤلف والعراقي في الشرح لما يصلح إيرادُه في الباب ولم يذكره الترمذي. كما أن ابن رجب ذكر أنه اعتُرِض على الترمذي بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغريبة الإسناد غالبًا، ثم قال مجيبًا عنه: وليس ذلك بِعَيب؛ فإنه -رحمه الله- يبين ما فيها من العلل، ثم يبين الصحيح في الإسناد، وكان مقصده -رحمه الله- ذكر العلل/ شرح العلل 2/ 566. (¬1) بالأصل: "وإذا" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى. (¬2) ليس بالأصل وأثبته من ط شاكر 1/ 5.

1 - باب ما جاء: لا تقبل صلاة بغير طهور

1 - باب ما جاء: لا تُقْبلُ صلاةٌ بغير طَهور قال: أنبأ أبو رَجاء -قُتيبةُ بن سعيد ثنا أبو عَوانة عن سِماك بن حرب [ح] (¬1) قال: وثنا هناد، ثنا وكيع، عن إسرائيل، عن سِماك، عن مُصعب بن سعد عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تُقْبلُ صلاةٌ بِغَير طَهور، ولا صَدَقةٌ من غُلول. قال أبو عيسى: هذا الحديثُ، أصحُّ في هذا البابِ، وأَحْسَن. وفي الباب عن أبي المَلِيح عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس. وأبو المَلِيح بن أسامة، اسمه عامر بن أسامة، ويقال زيد بن أسامة بن عُمير الهُذَلي (¬2). ¬

_ (¬1) زيادة من ط شاكر، والحاء المهملة المفردة هذه يكتبُها علماء الحديث إشارة إلى التحول من سند أو بعض سند إلى غيره؛ فالمراد هنا أن الترمذي روى الحديث من طريق قتيبة إلى سِمَاك، ورواه أيضًا من طريق هَناد إلى سِمَاك أيضًا فاجتمع الطريقان في سِمَاك فلما أراد إيرادَه من الطريقين ذكر أولَّهما إلى سِمَاك ثم تحول منه إلى الطريق الآخر، فَساقَه إلى سِمَاك، واستمر في سياق بقية السَّند إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويقاس على هذا ما سيأتي في هذا الجامع؛ بل وفي غيره من كتب السنة التي التزمت بذكر الإسناد اهـ/ انظر جامع الترمذي بتحقيق الشيخ شاكر 1/ 5 مع تصرف. (¬2) بالأصل "الهمداني" وما أثبته من المصادر/ الترمذي ط شاكر 1/ 6 وتهذيب الكمال 1/ 77 والخلاصة للخزرجي/ 26.

[الكلام عليه] (¬1) [التخريج والصناعة الحديثية] (¬2): قوله: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، لا يلزم منه أن يكون صحيحًا عنده (¬3)، وكذلك إذا قال: أحسن، لا يقتضي أن يكون حسنًا، كما ستقف عليه بعد هذا في مواضعه، إن شاء الله. وإذا كان كذلك، فنقول: الحديث صحيح، أخرجه مسلم عن قتيبة وغيره من حديث أبي عَوانة، وإسرائيل، وغيرِهما (¬4). ورواه ابن ماجه من حديث إسرائيل، وشُعْبَة -جميعًا- عن سِمَاك (¬5) ورجالُه رجالُ مسلم، ولعل البخاريَّ لم يخرجه لحال سِمَاك؛ فإن مدارُه عليه، وهو لا يُخرِج حديث سِمَاك. فينبغي أن نُعَرِّفَ بحاله ليتبين عُذرُ البخاري في عدم إخراج حديثه. ¬

_ (¬1) ليست هنا بالأصل ولكن الشارح صدَّر بها شرحَه بعد ذلك في باب "النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول" وما بعده، فأثبتُها هنا وفي أول شرح الأبواب التي لا أجدُها مذكورة في أولها، وذلك لأمرين: أولهما: ربما يكون سقوطها من الأصل لسهو ناسخ، وثانيهما: للتوضيح، مع وضعها بين معكوفتين كما هنا، لتتميز عما هو مثبت في الأصل. (¬2) ليست بالأصل، وقد عنونت بها هذا المبحث في كل الشرح، إضافة مني للتوضيح. (¬3) وفي هذا جواب عن قول الشيخ شاكر: إن قول الترمذي عن هذا الحديث إنه أصح شيء في الباب، فيه نظر/ الترمذي بتحقيق الشيخ شاكر 1/ 6 هامش 4. (¬4) صحيح مسلم - كتاب الطهارة - باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 204 حديث 1. (¬5) سنن ابن ماجه - كتاب الطهارة - باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور 1/ 100 حديث 273.

فنقول: هو سِمَاك (¬1) بن حرب بن أوس بن خالد بن نِزَار بن معاوية بن حارثةَ [بن ربيعة] (¬2) بن عامر بن ذُهْل بن ثَعلبة، الذُّهْلي البَكري، وقيل: الهُذَلي، أبو المغيرة، كذا قال الحافظ عبد الغني، في "كماله" (¬3)، وقوله: وقيل: الهُذَلي، ليس بشيء، وقد خالفه ابن الكَلْبي (¬4) في هذا النَسَب، والنَفْس إلى ما قال ابن الكَلْبي؛ أمْيَل، قال: سِمَاك بن حرب بن علقمة بن هند بن قيس بن عمر بن سَدُوس بن شَيبان بن ذُهْل بن ثَعلبة، أخو محمد وابراهيم ابنَيْ حَرْب (¬5)، سمع جابر بن سَمُرة، والنعمان بن بشير، وأنس بن مالك، وغيرَهم (¬6). وقال: أدركت ثمانين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (¬7). ¬

_ (¬1) بكسر السين المهملة وفتح الميم مُخففة/ تقريب التهذيب 1/ 332. (¬2) من تاريخ بغداد 9/ 214. (¬3) "الكمال في أسماء الرجال" لعبد الغني المقدسي الجَمَّاعِيلي 3 / ق 131 أ. (¬4) هو هشام بن محمد بن السَّائَب المتوفى 204 هـ وله كتاب "النسب الكبير" أو "جمهرة النسب" مخطوط، وهو علّامة في النسب، متروك الحديث/ لسان الميزان 6/ 19 ومقدمة د النجد لتحقيق كتاب "حذف من نسب قريش/ لمُؤرج الدَّوْسي/ 6 ". (¬5) لكن سياق نسبه كما في الكمال هو الذي اعتمده غير واحد ممن بعد المقدسي كالمِزِّي في تهذيبه 1/ 549 وابن حجر في تهذيب التهذيب 4/ 232، وكذا من قبله كابن حِبّان في الثقات 4/ 339 والسمعاني في الأنساب 6/ 21، وتاريخ بغداد 9/ 214 مع زيادة "ربيعة" بين حارثة وعامر. (¬6) الأنساب 6/ 21، وقوله: أخو محمد وابراهيم إلى: "أنس بن مالك" في الكمال أيضًا/ الموضِع السابق، وفي تاريخ بغداد 9/ 214. (¬7) تاريخ بغداد 9/ 214.

وكان قد ذهب بصري، فدعوت الله عز وجل - فرد عليَّ بَصري (¬1) وروى عنه حماد بن سلمة: أنه سمعه يقول: ذهب بصري، فرأيت ابراهيم -خليل الرحمن-صلى الله عليه وسلم- في المنام، فمسح يَدَه على عيني، فقال: إئت الفُرات، فاغتمِسْ فيه، وافتح عينيك في الماء؛ ففعلتُ، فرد/ الله عليَّ بصري. روى عنه إسماعيل بن أبي خالد، والأعمش، ومالك بن مِغْوَل، والثوري، وشُعبة، وزائدة، وزهير، في خلق كثير. وقال البخاري: عن عَليّ: له نحو مائتي حديث (¬2). وقد اخْتُلِف في حاله: فقال أحمد: سِمَاك، أصلحُ حديثًا من عبد الملك بن عُمير (¬3) وقال أبو حاتم: صدوق [ثقة] (¬4) وقال أبو بكر بن عيَّاش: سمعت أبا إسحاق السَّبِيعي (¬5) يقول: عليكم بعبد الملك بن عُمير، وسِمَاك [بن حرب] (¬6)، ووثقهُ يحيى بن مَعِين. ¬

_ (¬1) الكمال للمقدسي 3 / ق 131 ب والجَرح 4/ 279 وتهذيب الكمال 1/ 550. (¬2) الكمال 3 / ق 131 ب، وتهذيب الكمال 1/ 550. (¬3) الكمال 3 / ق 131 ب وتهذيب الكمال 1/ 550 والجرح والتعديل 4/ 279 وزادا: أن عبد الملك بن عُمير يَختلفُ عليه الحفاظ. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من المصادر/ الجرح 4/ 280 وتهذيب الكمال 1/ 550 وتهذيب التهذيب 4/ 233، ولكن الذي في الكمال "صدوق" فقط 3/ 131 ب. (¬5) في الجرح "الهمداني" بدل "السبيعي" وهو عمرو بن عبد الله أبو إسحق الهمْداني السَّبِيعي/ التقريب 2/ 73 وما بالأصل مطابق لما في تاريخ بغداد 9/ 215. (¬6) ليست بالأصل، وأثبتها من تهذيب الكمال، وعبارة السَّبِيعي هذه نصها في الجرح: "خذوا العلم من سفيان بن حرب" 4/ 279.

وقيل له: ما الذي عِيبَ عليه؟ قال: أسندَ أحاديث لم يُسْنِدُها غيرُه (¬1). وقال عبد الرحمن بن يوسف بن خِرَاش: في حَديثه لِين (¬2)، وقال أحمد -مَرّةً- مضطرب الحديث (¬3). وقال ابن حِبَّان -وقد ذكره في كتاب الثقات (¬4) -: كان يُخطئ كثيرًا، وقال أحمد بن عبد الله العِجْلي: هُو تابعي (¬5) جائز الحديث، إلا أنه كان يُخطئ في حديث عِكْرمِة، وربما وصل الشيء عن ابن عباس (¬6). وكان الثوري يُضعِّفه بعض الضعف (¬7) وكان جائز الحديث، لم يترك حديثه أحد، ولم يرْغَب ¬

_ (¬1) الجَرح والتعديل 4/ 279، وذكر العُقَيلي في الضعفاء/ 685 والخطيب في تاريخ بغداد 9/ 215، 216 بعضَ تلك الأحاديث. (¬2) تهذيب الكمال 1/ 550. (¬3) الجَرح والتعديل 4/ 279. (¬4) الثقات 4/ 339. (¬5) في ترتيب ثقات العِجْلي للهَيثَمي "كوفي" بدل "تابعي" / ل 22، وفي تهذيب الكمال 1/ 550، وفي تهذيب التهذيب "بكري" بدل "تابعي" وعمومًا فهو بكري كوفي كما في ترتيب الثقات/ ل 22 وتاريخ بغداد 9/ 214 كما أنه تابعي لإدراكه عددًا من الصحابة وسماعه من بعضهم كما تقدم. (¬6) ترتيب ثقات العجلي ل/ 22 وبقية كلامه: وربما قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-، وإنما كان عكرمة يحدِّث عن ابن عباس هـ أي أنه يقول: عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعًا، وغيره يُرسِل ذلك فيقول: عن عكرمة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- / انظر تهذيب الكمال 1/ 550 وتهذيب التهذيب 4/ 233 وشرح العلل/ 2/ 643. (¬7) الأنساب 6/ 22 وتهذيب الكمال 1/ 550 وتهذيب التهذيب 4/ 233 وترتيب الثقات/ ل 22.

عنه [أحد] (¬1) وكان عالمًا بالشعر، وأيام الناس، وكان فَصيحًا (¬2) وقال النسائي: إذا انفرد بأصل، لم يكن له حجة؛ لأنه كان يُلَقّن فَيَتلقَّن (¬3) وربما قيل له: عن ابن عباس [فيقول: عن ابن عباس] (¬4)، وقال العُقَيلي: أبنا (¬5) عبد الله بن أحمد قال: حدثني أبي قال: ثنا حجاج قال: قال شعبة: كانوا يقولون لسِمَاك: عِكرمِة عن ابن عباس، فيقول: نعم (¬6): قال شعبة: فكنت لا أفعل ذلك به (¬7). وذكره أبو الحسن ابن القطان (¬8) فقال: هذا أكثرُ ما عِيبَ به سِمَاك، وهو قَبُول التلقين، وإنه لَعيْب تسقط الثقةُ بمن يتصف به، وقد كانوا يفعلون ذلك بالمُحدِّث، تجوبة لحفظه، وضبطه وصدقه، فَربَّما لقَّنوه الخطأ، ¬

_ (¬1) من تاريخ بغداد 9/ 216 والكمال 3 / ق 131 ب. (¬2) تهذيب الكمال 1/ 550 وتاريخ بغداد 9/ 216. (¬3) تهذيب التهذيب 4/ 234 وفي تهذيب الكمال عن النسائي أنه قال عنه: ليس به بأس وفي حديثه شيء 1/ 550. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من مسائل أبي داود لأحمد/ 318. (¬5) في العُقيلي: حدثنا / ل 183. (¬6) العقيلي/ ل 183 ونحوه في رواية لأحمد عن شَرِيك/ مسائل أبي داود لأحمد/ 318 ومعنى هذا أنه كان يقبل التَّلْقِين. (¬7) العقيلي/ ل 183 و"بيان الوهم والإيهام" لابن القطان/ 2/ 198 ب ونحوه في تهذيب الكمال 1/ 550، وزاد في "بيان الوهم والإيهام" تفسيرًا لِقول شعبة هذا فقال: أي لم أكن ألقِّنه مثلهم كما صرح به في رواية أخرى 2/ 198 ب. (¬8) في "بيان الوهم والإيهام" باب ذكر أحاديث ضعفها -يعني عبد الحق الإشبيلي في أحكامه- ولم يبين بماذا؟ / 2/ 198 ب.

كما فعلوا بالبخاري، حين قَدِم بغداد، وبالعُقَيلي أيضًا، [نَحو ذلك] (¬1)؛ فالحافظ الفَطِن يفطن لما رُمِي به من ذلك، فيصنعُ ما صَنعا، وقصة البخاري مشهورة، وقصة العُقَيلي ذكرها مَسْلمة بن القاسم (¬2) -عند ذكره أبا جعفر، محمد بن عمرو بن موسى بن حماد بن مُدرك العُقيلي قال: كان مَكيًّا ثقة، جليل القدر، عظيم الخطر، عالمًا بالحديث، ما رأيت أحدًا من أهل زماننا أعرف بالحديث منه، ولا أكثر جمعًا، وكان كثير التاليف، عارفًا بالتصنيف، وكان كل/ من أتاه من أهل الحديث يقرأ عليه، قال: اقْرَأْ من كتابك، وكان يُقْرَأُ عليه، لا يخرج أصله، فأنكرنا ذلك عليه، وتكلمنا في أمره، فقلنا: إما أن يكون من أحفظ الناس، أو من أكذب الناس، فاجتمعتُ مع نفر من أصحاب الحديث، فاتفقنا على أن نكتب له أحاديث من أحاديثه، ونزيد فيها وننقص، ونقرأَها عليه، فإن هو عَلِم بها، وأصلحها من حِفْظه، عرفنا أنه أوثق الناس، وأحفظُهم، وإن لم يَفْطِن للزيادة والنقصان، عَلِمنا أنه من أكذب الناس. فاتفقنا على ذلك، فاخذنا أحاديث من روايته، فَبدَّلْنا فيها ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وهي موجودة في "بيان الوهم والإيهام" 2/ 198 ب، والعُقَيلي بضم العين وفتح القاف وسكون الياء التحتية، نسبة إلى عقيل بن كعب بن عامر بن ربيعة، وممن اشتهر بهذه النسبة أبو جعفر المذكور وهو محمد بن عمرو بن موسى بن حماد، العُقَيلي الحجازي، ثقة جليل القدْر حافظ عالم بالحديث، كثير التصانيف، ومنها كتاب الضعفاء، كبير، وقد حُقق سنة 1399 هـ، وتوفي العقيلي سنة 322 هـ/ الأنساب / 9/ 341، وتذكرة الحفاظ/ 3/ 884 والرسالة المستَطْرَفة / 108 وسِيَر النُّبلاء 15/ 396، وما بعدها. (¬2) هو مَسْلمة بن القاسم بن ابراهيم، من علماء الحديث والتاريخ الأندلسيين، له كتاب في تاريخ الرجال/ تاريخ علماء الأندلس 2/ 128 / وما بعدها.

ألفاظًا، وزدنا ألفاظًا، وتركنا منها أحاديث صحيحة، ثم أتينا بها مع أصحابٍ لنا من أهل الحديث، فقلنا له: أصلحك الله، هذه أحاديث من روايتك، أردنا سماعها وقراءتها عليك، فقال لي: اقرأ فقرأتُها عليه، فلما أتت الزيادة والنقصان، فَطن لذلك؛ فأخذ مني الكتاب، وأخذ القلم، فأصلحها من حفظه، وألحق النقصان، وضرب على الزيادة، وصححها كما كانت، ثم قرأها علينا، فانصرفنا من عنده، وقد طابت أَنُفسنا، وعلمنا أنه من أحفظ الناس. ورُوي عن قتادة -من غير وجه- إذا أردت أن يَكذِب صاحبُك فَلقِّنه. وعن ابن سيرين، وابن أبي مُلَيْكة، نحوُه (¬1) وقال حماد بن زيد: لَقنّتُ سلَمة بنَ علقمة حديثًا فحدَّثَني به، ثم رجع عنه، وقال: إذا سرَّك أن يَكذِب صاحبُك، فَلقِّنه. وأخبار الناس في التلقين كثيرة، وسيأتي منها في هذا الكتاب -إن شاء الله- عند ذكر من رُمِي به من الرواة، ما فيه كفاية. [حكم من يلَقَّن] (¬2) فنقول: من يَفْطِن لما يُرمى به من ذلك، ويرجع إلى الصواب، فهذا في رتبة الثقة، بل في رتبة الحفظ والإتقان، ¬

_ (¬1) انظر فيما تقدم "بيان الوهم والإيهام" وفيه نص ما رُوي عن ابن سيرين وابن أبي مُلَيكة 2/ 199 أ، وقصة امتحان العقيلي ذكرها الذهبي مع بعض اختصار في ترجمته للعقيلي في التذكرة 3/ 833، 834 وفي سِير النبلاء 15/ 236 - 238 مع نقل بعض ترجمته عن ابن القطان صاحب بيان الوهم والإيهام. (¬2) ليست بالأصل.

ومَن لا يَفْطِن، ففي رتبة الترك، لاسيما إن أكثر ذلك منه، ومن جُهِلت حالُه: هل هو ممن يَفْطِن، أم لا؟ -كما ذُكر عن سِمَاك (¬1) -، فهذا المستور موقوف على تَبين حالِه، فهذا مقتضى توقف البخاري عن سِمَاك، والله أعلم (¬2). وفي كتاب الأثرم: أن حديث سِمَاك، مضطرب عن عكرمة (¬3) قلت: ليس هذا من حديثه عن عكرمة، فلعله أسلمُ من القدَح. وتُوفِي سِمَاك في [آخر] (¬4) خلافة هِشام بن عبد الملك، سنة أربع وعشرين ومائة (¬5). [منهج الترمذي في سياق الأحاديث في جامعه]: وقد ذكر/ الترمذي حديث ابن عمر، وأسنده، لترجحه على ما عداه من أحاديث هذا الباب، كما هو الأكثر من عمله (¬6). ¬

_ (¬1) بالأصل يوجد هنا سطر مضروب عليه، لكونه عبارة عن نص حديث كُتِب سهوًا من الناسخ هكذا: "يقبل الله صلاة إمام حكم بغير ما أنزل الله، ولا يقبل الله صلاة عبد بغير طهور، ولا صدقة من غُلول ووجدنا أيضًا فيه". (¬2) تقدم في ص 252 ما يفيد قول المؤلف برد ما تفرد به المستور وكذا سيأتي ص 424؛ لكنه قال بالتوقف أيضًا هنا وفي ص 278، 279، 354. (¬3) وكذا قال ابن المديني/ تهذيب الكمال 1/ 550. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من الثقات 4/ 339 وتهذيب الكمال 1/ 550. (¬5) الذي في المصادر "ثلاث وعشرين ومائة"/ تهذيب الكمال 1/ 550، وتهذيب التهذيب 4/ 334 والخلاصة / 156، والكاشف 1/ 430. (¬6) تقدمت مناقشة المؤلف في هذا ص 316، 317.

وقال: في الباب عن أبي المَلِيح عن أبيه، وأبي هريرة، وأنس. فأما حديث أبي المَلِيح [عن أبيه] (¬1)، فرواه أبو داود (¬2) والنسائي (¬3) وابن ماجه (¬4) من حديث شعبة عن قتادة عنه (¬5). وأما حديث أنس فرواه ابن ماجه من حديث ابن إسحق [عن يزيد بن أبي حبيب] (¬6) عن سِنَانْ بن سعد عنه (¬7). وأما حديث أبي هريرة فذكره ابن عَدِي من حديث ابن سيرين ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها بمقتضى كلامه السابق، ومصادر الحديث الآتية بعد. (¬2) كتاب الطهارة - باب فرض الوضوء 1/ 87 مع عون المعبود. (¬3) كتاب الطهارة - باب فرض الوضوء 1/ 87، 88 والزكاة باب الصدقة من غلول 5/ 56، 57، وانظر التحفة 1/ 64. (¬4) كتاب الطهارة - باب لا يقبل الله صلاة بغير طهور 1/ 110 حديث 271. (¬5) وكذا رواه الدارمي في سننه - كتاب الطهارة والصلاة باب لا تقبل الصلاة بغير طهور 1/ 140 حديث/ 1/ 6 وأحمد في المسند 5/ 74 وابن أبي شيبة في المصنف 1/ 5. (¬6) سقط من الأصل وأُثبِت بالهامش وكتب فوقه "سَقْط" وانظر التحفة 1/ 223 وسنن ابن ماجه/ الموضع التالي. (¬7) كتاب الطهارة - باب لا يقبل الله صلاة بغير ظهور 1/ 100 حديث 273، قال البوصيري في زوائد ابن ماجه: حديث أنس إسناده ضعيف، لضعف التابعي، وقد تفرد يزيد بالرواية عنه، فهو مجهول/ حاشية السندي على ابن ماجه 1/ 118، وأخرجه أيضًا بنفس طريق ابن ماجه، ابن أبي شيبة في المصنف 1/ 5.

وأَبِي سلمة عنه، وقال: لا أعلمه (¬1) رفعه إلا غَسَّان بن عُبيد الموصلي، ثم قال: وهذا بهذا الإسناد، باطل (¬2). وقد وجدنا مما لم يذكره الترمذي في الباب، ما أخبرنا به أبو المعالي، أحمد بن إسحاق (¬3) -سماعًا- قال: أنبأ عبد السلام بن فَتحة السرْقولي (¬4)، أنبا أبو منصور، شَهْردَار بن شِيرَوْيه الدّيلمي (¬5) ¬

_ (¬1) في الكامل: لا أعلمُ رَفعَه إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- غيرَ غسان بن عبيد عن عكرمة بن عمار، ورُوِي عن أبي حذيفة عن عكرمة مرفوعًا أيضًا، وغيرهما، وقفوه على أبي هريرة، ولِغَسّان بن عبيد غيرُ ما ذكرتُ من الحديث، والضعف على حديثه بَيِّن/ ل 724 ب وانظر الميزان 3/ 334 وما بعدها. (¬2) وعدَّه الذهبي أيضًا من مناكير غَسّان؛ لكن أخرج البيهقي -من غير طريق غسان- عن يعقوب بن سلمة عن أبيه عن أبي هريرة قال، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه؛ إلا أنه أعله أيضًا بانه لا يعرَفُ سماع لِسلمة من أبي هريرة ولا لِيَعقوب من أبيه -السنن- كتاب الطهارة باب التسمية على الوضوء 1/ 43، 44. (¬3) ابن محمد بن المؤيد الأَبَرْقُوهي -بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء- نسبة إلى "أبَرقُوه" بلدة بأصبهان، وكان مُسنِد الديار المصرية في وقته، مقرئًا صالحًا متواضعًا فاضلًا، وتفرد بأشياء، وتُوفي بمكة حاجًا في ذي الحجة سنة 701 هـ. وله سبع وثمانون سنة/ حسن المحاضرة 1/ 386 وشذرات الذهب 6/ 4. (¬4) أبو هلال، وبالأصل "السرْقول" وما أثبتُه من الطبقات الكبرى لابن السبكي 7/ 111. (¬5) شهْردَار بن شِيروَيه بن فَناخسْره، أبو منصور، كان حافظًا، وعارفًا بالحديث والأدب، وأجاز له أبو بكر ابن خلف الشيرازي، وقد خرج أسانيد لكتاب والده المسمى "بالفِرْدوس" في ثلاث مجلدات، وسماه =

أنبا أحمد بن عمر، البيِّع -سماعًا عليه- قال: ثنا أبو غانم حميد بن المأمون، أنبا أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن الشيرازي (¬1) -في كتاب الألقاب- ثنا أحمد بن الفرج، ثنا مكرم بن أحمد القاضي، ثنا يوسف بن موسى، كُريم، ثنا ابن الحسن بن حماد الكوفي، أبو محمد ثنا عبد الله بن محمد العدوي قال: سمعت عمر بن عبد العزيز -على المنبر- يقول: حدثني عُبادة بنُ عبدِ الله عن طَلحةَ بن عُبيد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول -على منبره-: لا يَقبلُ الله صلاة إِمام حَكمَ بغير ما أنزل الله، ولا يقبلُ الله صلاة عبد بغير طُهور، ولا صدقة من غُلولُ (¬2). ووجدنا أيضًا فيه حديثًا لأبي بَكْرة، من رواية الحسن عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه ابن ماجه (¬3) وقد تكلم فيه ابنُ عَدِي أيضًا (¬4). ¬

_ = "الفِرْدَوْس الكبير" (أو مُسند الفِردُوس)، وتُوفي في رجب سنة 558 هـ عن خمسة وسبعين عامًا/ طبقات الشافعية الكبرى لابن السبكي 7/ 110، 111 وشذرات الذهب 4/ 182. (¬1) هو أبو بكر أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن موسى الفارسي، صاحب كتاب "الألقاب" توفي بشيراز سنة 407 هـ وقيل سنة 411 هـ/ تذكرة الحفاظ. 3/ 1065، 1066. (¬2) ذكره السيوطي في الجامع الكبير وعزاه إلى الحاكم في المستدرك والشيرازي في الألقاب، كلاهما من حديث طلحة بن عُبَيد/ الجامع الكبير 1/ 935. (¬3) كتاب الطهارة - باب لا يقبل الله صلاة بغير طُهور 1/ 100 حديث 274. (¬4) بسبب وجود الخليل بن زكريا في سنده، فأخرج هذا الحديث في ترجمة الخليل بنفس سند ابن ماجه، ثم قال: وفيه الخليلُ المذكور، وهذا عن هشام بهذا =

وحديثًا لابن مسعود، من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن أبي السَّفْر عن الأسود عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لا يقبلُ الله صلاةً بغير طُهوُر ولا صدقة من غُلُول، وابْدَأ بمن تعول. رواه الطبراني عن مُحمدِ بن عبد الله الحضْرَمي أنبأ عَبّاد بن أحمد العَرْزَمَي ثنا عمِّي عن أبيه عن إسماعيل (¬1). وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن عَبِيدَة بن حميدعن عبد الملك بن عمير عن أبي روح قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه، فقرأ بسورة "الروم" فتردد فيها، فلما انصرف قال: إنما يُلْبِس علينا صلاتَنا، قوم يحضُرون الصلاة بغير طُهور، مَن شهد ¬

_ = الإسناد، وليس يرويه عنه غيرُ الخليل والمِنْهال بن بكر، ثم ساق عدة أحاديث أخرى من طريق الخليل وقال بعدها: وهذه الأحاديث التي ذكرتُها بأسانيدها عن الخليل بن زكريا مناكير كلُّها من جهة الإسناد، والمتن جميعًا، وللخليل غير ما ذكرت من الحديث، ولم أر لمن تقدم فيه قولًا، وقد تكلموا فيمن كان خَيْرًا منه بدرجات؛ لأن عامة أحاديثه مناكير، وقال أيضًا فيه: عامة حديثه مما لم يتابعُه أحدً عليه/ الكامل ل 321 و 123 من نسخة الظاهرية، وقال الذهبي في الكاشف: مُتَّهَم 1/ 283. أقول: وهذا الحديث كما ترى قد توبع عليه الخليل، حيث رُوِي من طرق أخرى كما تقدم، فلم ينفرد به هو، وبالتالي يُعَوَّل على طرقه الأخرى بمجموعها. وقد أشار ابن حجر لذلك فقال: روى له ابن ماجه حديثًا واحدًا تُوبع عليه وهو: لا تُقبل صدقةٌ من غُلول/ تهذيب التهذيب 3/ 166. (¬1) المعجم الكبير/ 160، 161 ح 10205 وفيه "ثنا عَبّاد" بدل "أنبأ" وأيضًا عن محمد بن عبد الله الحضرمي ثنا مسروق بن المرزبان ثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن أبيه عن أبي إسحق عن أبي عُبيدة عن عبد الله (بن مسعود) بدون قوله "وابدأ بمن تعول".

الصلاة/ فَلْيُحْسِن الطُّهور (¬1). وقال ابن أبي شيبة أيضًا: ثنا عفَّان ثنا وهيْب ثنا عبد الرحمن بن حرملة أنه سمع أبا ثِفَال يُحدّث: قال: سمعت رَبَاح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان ابن حُوَيطب يقول: حدَّثَتْ جدَّتي أنها سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: لا صلاة لِمَن لا وُضوءَ له (¬2). فهذان حديثان أيضًا، لكن لَيس فيهما ذكر "الغُلول". وأبو ثِفال، اسمه: ثمامةُ بن وائل، ويقال ابن الحُصين (¬3) ¬

_ (¬1) المصنف لابن أبي شيبة - كتاب الطهارة - باب من قال: لا تُقبل صلاةُ إلا بطهور 1/ 5 وجاء بهامش الأصل مُقابِل هذا ما نصه "قلت: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح": عن أبي سعيد الخدري، رواه الطبراني في مُسند الشامِيّين، من رواية رجاء بن حيوة عن أبى سعيد: قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لا يَقبلُ الله صلاةِ بِغير طُهور، ولا صدقة من غُلُول. ورواه أيضًا في المعجم الأوسط من هذا الوجه. ومن حديث الزبير بن العوام من رواية هشام بن عروة عن أبيه عن جده. ورواه البزار أيضًا من حديث أبي سعيد الخُدري، وحديث أبي هريرة هـ. (¬2) مصنف ابن أبي شيبة الموضع السابق، وابن حِبَّان في الثقات وقال: في القلْب من هذا الحديث؛ لأنه قد اختلِف على أبي ثفال فيه ... الخ" 8/ 157، 158 وسنن البيهقي/ الطهارة - باب التسمية على الوضوء 1/ 43. (¬3) فينسب لجده، وهكذا فعل ابن حِبَّان في الثقات 8/ 157 والترمذي في جامعه/ كتاب الطهارة - باب التسمية عند الوضوء 1/ 39 فهو ثُمامة بن وَائِل بن حصين، وقيل: ابن هاشم بن حصين، أبو ثفال المُرِّي، مشهور بكُنيته، وضُبِط اسمه بضم الثاء المثلثة أولَه وتخفيف المِيمَيْن/ المغني للفتَّني 54، وضَبْط كنيته. بكسر الثاء المثلثة بعدها فاء مخففة/ المغني/ 54 والتقريب 1/ 120، وقال: مقبول من الخامسة، والخلاصة/ 58 وقال البيهقي: ليس بالمعروف جدًّا/ السنن 1/ 44.

الشاعر. روى عن (¬1) رباح هذا، وعبد الرحمن بن حَرملة الأسْلَمي، وعبد العزيز الدَّراورْدِي. ذكره أبو أحمد الحاكم. وجَدَّةُ رباح بن عبد الرحمن، ابنَةٌ لسعيد بن زيد بن عمرو بن نُفَيل، عن أبيها -سعيد بن زيد (¬2) -. وفي الباب عن عُمر، وابنِ عُمر، وعَبْدِ الله بن مسعود، موقوف (¬3). وقد ذكرنا أن حديث ابن عمر أخرجه مسلم، ولفظه عند مسلم: عن مصعب بن سعد قال: دخل عبد الله بن عمر على ¬

_ (¬1) بالأصل "عنه" والصواب ما أثبته طِبقَا لسياق سند الحديث في الأصل، ولما في المصادر/ الثقات 8/ 157 وتهذيب التهذيب/ 2/ 29. (¬2) وقال البيهقي: وجَدَّة رباح هي: أسماء بنت سعيد بن زيد 1/ 43 وعليه اعتَمد الحافظ في تهذيب التهذيب والتقريب فذكرها في الأسماء، وكان الأولى ذكرُها في المبهمات كما وقعت في رواية الترمذي وابن ماجه عنها، ثم ينبه على تسميتها، وهكذا فعل الخزرجي في الخلاصة/ 500 وانظر التقريب 2/ 559 وتهذيب التهذيب 12/ 398. (¬3) اكتفى المؤلف بالإشارة لتلك الآثار الموقوفة عن هؤلاء الثلاثة ولم يخَرِّجْها، وقد أخرجها ابن أبي شيبة في المصنف، وثلاثتُها بلفظ: لا تقبل صلاةُ بغير طُهور/ المصنف 1/ 5. وفيه أيضًا عن ابن عباس مرفوعًا: إنما أُمِرت بالوضوء إذا قُمتُ إلى الصلاة -أخرجه الترمذي في أبواب الأطعمة - باب في ترك الوضوء قبل الطعام- وقال الترمذي: هذا حديث حسن/ الترمذي مع التحفة 5/ 579، 580. وفيه أيضًا عن أبي سعيد الخُدْري مرفوعًا: لا صلاة لمن لا وضوء له، ولا وضوء لمن لم يَذكُر اسمَ الله عليه، أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 1/ 43.

ابن عامر يعوده -وهو مريض- فقال: ألَا تدْعو الله لي يا ابن عمر؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تقبل صلاةٌ بغير طهور، ولا صدقة من غلول. وكُنْتَ على البصرة. [المعاني والأحكام]: "الطُّهور" بضم الطاء، وهو اسم لفعل التطهر. هذا هو المشهور (¬1) واسم الماء: الطهور -بفتح الطاء- وكل ماء نظيف، طهور. قاله ابن سِيدَه (¬2) وكذا قال الجوهري، كالسُّحور، والفُطور، والوُقود (¬3) وذهب الخليل، والأصمعي، وغيرُهما، إلى أنه بالفتح فيهما (¬4) قال القاضي عياض: ولم يَعْرِف الخليلُ الضم (¬5). وحكى ابن قُرَقَوْل، في المطالع: الضم فيهما (¬6). ¬

_ (¬1) المُحكَم لابن سيده 5/ 221 نهر/ 1. (¬2) المصدر السابق 4/ 175 نهر/ 3 ولسان العرب 6/ 177. (¬3) الصحاح للجَوهري 2/ 727 نهر/ 2؛ لكن فسره بأنه ما يُتَطهَّر به، وذلك أعم من الماء؛ لكنه استشهد له بقوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا}. (¬4) تاج العروس شرح القاموس للزبيدي 3/ 363 وكذا قال سيبويه/ لسان العرب 6/ 177. (¬5) مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/ 321. (¬6) بهامش الأصل تعليق على هذا نصه: قلت: قد حكاه القاضي عياض قبله؛ فلا حاجة إلى عَزوهِ لابن قرقَوْل اهـ. أقول: وهذا التعقب للمؤلف في محله؛ فإن القاضي عياضًا حكى في نفس =

"والغُلُول": بضم الغين المعجمة، قال ابنُ سِيدَه: غلّ يَغُلُّ غُلُولًا، وأَغلَّ: خان، وخَصّ بعضُهم (¬1) به الخَوَنَ في الفيء، وأَغلَّهُ: خَوَّنهُ، وفي التنزيل: "وما كان لِنَبي أن يَغُل (¬2)، والإغلال: السّرِقة، وفي الحديث: "لا إِغلَال، ولا إِسلال" (¬3). قال الإمام أبو سليمان الخطَّابي: فيه من الفقه: أن الصلواتِ كلَّها مفتقرةُ إلى الطهارة، ويدخُل فيها: صلاة الجنازة، والعيدين، وغيرُهما من النوافل كلُّها. وفيه دليل أن الطواف لا يُجزِئ بغير طُهور، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- سماه صلاة، فقال: "الطوافُ ¬

_ = الموضع الذي نقل منه المؤلف قولَ القاضي عياض السابق، ما ذكره عن ابن قرقول/ المشارق 1/ 321، وابن قرقول هو أبو إسحق ابراهيم بن يوسف بن ابراهيم بن بادِيس بن القائد بن قرقول الحَمْزي المتوفى سنة 569 هـ، والمطالع كتاب له يسمى "مطالع الأنوار على صحاح الآثار" في غريب حديث الصحيحين، وموطأ مالك، وهو مختصر من كتاب القاضي عياض "مشارق الأنوار" والمطالع مخطوط منه نسخة بمكتبة شستربيتي برقم 3561 عدد أوراقها 329 ومنها سورة ميكروفيلمية بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض. (¬1) كسيبويه وأبي عبيد وجماعات من كبار الأئمة/ تاج العروس 3/ 363 ولسان العرب 14/ 13. (¬2) لسان العرب 12/ 14 والآية 161 من سورة آل عمران. (¬3) أورد ابن الأثير الحديث وعزاه إلى الهروي، وذكر ابن منظور أن الرسول أملاه في صُلح الحديبية وقال أبو عبيد: الإغلال: الخيانةُ، والإسلال: السرتة، من سَلَّ البعير وغيرَه في جوف الليل، إذا انتزعه من بين الإبل، وهي السَّلة/ لسان العرب 13/ 13 والنهاية لابن الأثير 3/ 380.

صلاةُ، إِلا أنه أبيح فيه الكلام" (¬1) ¬

_ (¬1) المعالم 1/ 49، وحديث: "الطواف صلاة" أخرجه في أبواب الحج - باب 109 من حديث طاوس عن ابن عباس بلفظ: الطواف حول البيت مثل الصلاة إِلا أنكم تتكلمون فيه (الحديث) وقال الترمذي: وقد رُوِي عن ابن طاوس وغيرُه عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا، ولا نعرفه مرفوعًا إلا من حديث عطاء بن السائب/ الترمذي مع التحفة/ 4/ 31، 34 وقال ابن التركماني: عطاء مُتكَلَّم فيه، وقد اختلط في آخر عمره، ومع هذا اختُلِف عليه فيه، ورواه غيرُ واحد عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا كما بينه البيهقي/ الجوهر النقي بهامِش سنن البيهقي 5/ 85. وأخرجه النسائي في كتاب المناسك - باب إباحة الكلام في الطواف 2/ 31 عن طاوس عن رجل أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: الطواف بالبيت صلاة فَأقِلّوا من الكلام (الحديث). وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث طاوس عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ "الطواف بالبيت صلاة إلا أن الله أباح فيه المَنْطِق" (الحديث) / موارد الظمآن - كتاب الحج 247 ح 998. وأخرجه الدارمي في سننه - كتاب الحج - باب الكلام في الطواف 1/ 374 ح 1854، 1855، بإسناد ابن حبان ولفظه. وأخرجه ابن الجارود في المنتقى - كتاب المناسك/ ص 161 ح 461 بإسناد ابن حبان ولفظه. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى كتاب الحج - باب الكلام بغير ذكر الله في الطواف بإسناد ابن حبان، ونحو لفظه. وأخرجه أيضًا عن طاوس عن ابن عباس موقوفًا/ سنن البيهقي 5/ 85. وأخرجه الحاكم في المستدرك 1/ 266، 267، 495 وفي كتاب التفسير بنحوه، وصححه وأقره ابن حجر. التلخيص الحبير 1/ 129، 130. =

قلت: المُشبَّه لا يَقْوَى قُوَّة المُشبَّه بهِ من كل وجه، ومعلوم أن قوله -عليه [الصلاة و] السلام-: "الطواف صلاة"، أي يُشْبه الصلاة، وقد نبَّه على الفرق/ بينهما- بجواز الكلام فيه، وكما أنه يجوز فيه ما لا يجوز في الصلاة (¬1) فكذلك لا يُشْتَرط فيه كلُّ ما يُشتَرط في الصلاة (¬2). وَيرِدُ على الخطابي: إباحتُه الكلام فيه، والمشي، وليسا مما يُباح في الصلاة. وقد صحيح بعضهم رفْعَ الحديث الذي أشار إليه، وبعضُهم وَقْفَه (¬3) وسيأتي الكلام على هذه المسألة في موضعها ¬

_ = وأخرجه الطبراني في الكبير من طريق ليث عن طاوس عن ابن عباس مرفوعًا بلفظ: "الطواف بالبيت صلاة" وفي آخره زيادة 11/ 34 ح 10955. ومن طريق ابراهيم بن مَيْسرة في طاوس عن ابن عباس مرفوعًا بلفظه مع زيادة في آخره 11/ 40 ح 10996. وأخرجه أبو نعيم في الحلية بإسناد ابن حبان ولفظه، وقال: لا أعلم أحدًا رواه مُجردًا عن عطاء إلا الفُضَيل (بن عِياض) / الحلية 8/ 128. وقد توسع الحافظ ابن حجر في تخريج الحديث وبيان ما صح وما أُعِل من طرقه كما سيأتي في موضع الحديث من جامع الترمذي وهو كتاب الحج، وانظر التلخيص الحبير 1/ 129، 130. (¬1) كالأكل والشرب/ تحفة الأحوذي 4/ 33. (¬2) كاستقبال القبلة/ تحفة الأحوذي 4/ 33. (¬3) يعني حديث "الطواف صلاة" قال الحافظ ابن حجر: واختُلِف في رفْعه ووقْفهِ، ورجح الموقوف: النسائي والبيهقي وابن الصلاح والمُنذِري والنووي، وزاد: أن روايةَ الرفع ضعيفة، قال الحافظ: وفي إطلاق ذلك نظر، ثم ذكر ما صح من الطرق المرفوعة ورجحها مبينًا وجه رُجْحانها/ انظر التلخيص الحبير 1/ 129، 130.

- إن شاء الله (¬1). قال الشيخ محيي الدين النووي -رحمه الله تعالى-: هذا الحديث، نص في وجوب الطهارة للصلاة، وقد أجمعت الأمةُ على أن الطهارة شرط في صحة الصلاة (¬2). قال القاضي عياض: واختلفوا، متى فُرضَت الطهارة للصلاة؟: فذهب ابن الجَهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام، كان سنة، ثم نزل فرضه في آية التيمم (¬3). وقال الجمهور: بل كان قبل ذلك فرضًا (¬4). ¬

_ (¬1) موضعها هو أبواب الحج باب 109 حيث أخرج الترمذي الحديث المذكور كما قدمت في تخريجه؛ ولكن للأسف لم يصل المؤلف في شرحه لهذا الموضع؛ ولكنه في تكملة العراقي. (¬2) شرح النووي على مسلم 2/ 208 وكذا قال القاضي عياض من قبله، وتعقبهما الُأبِّي في هذا فقال: والحديث إنما فيه أنها شرط في القبول، والقبول أخص من الصحة، وشرط الأخص لا يجب أن يكون شرطًا في الأعم/ الُأبِّي على مسلم 2/ 7، وسيأتي للمؤلف تعليق على هذا قريبًا. (¬3) واحتج بقوله تعالى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}. كذا في نقل الأبي عن القاضي عياض/ حاشية الأبي على صحيح مسلم 2/ 7، فلعل المؤلف تصرف في النقل. (¬4) عبارة القاضي عياض كما نقلها الُأبِّي عنه أنه بعد أن ذكر الاتفاق على وجوب الطهارة لصلاة الفرض قال: وإنما اختلف متى فُرِضَت؟: فقال الجمهور: من أول الأمر، وأن جبريل عليه السلام نزل صبيحة الإسراء فهمز للنبي -صلى الله عليه وسلم- بعَقِبه، فتوضأ، وعلمه الوضوء، وآية التيمم إنما نزلت بحكم التيمم، ثم ذكر رأي ابن الجهم السابق ودليله؛ فكأن المؤلف نقل كلام القاضي عياض بتصرف وتقديم وتأخير/ الْأبِّي على مسلم/ 2/ 7.

قال (¬1): واختلفوا في أن الوضوء، هل هو فرض على كل قائم إلى الصلاة، أم على المُحدِث خاصة؟: فذهب ذاهبون من السلف، إلى أن الوضوء لكل صلاة فرض، بدليل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} الآية (¬2). وذهب آخرون (¬3) إلى أن ذلك كان، ثُم نُسِخ. وقيل: الأمر به لكل صلاة، على الندْب (¬4). وقيل: بل لم يُشرَع إلا لمنَ أَحْدَث، ولكن تجديده لكل صلاة مستحب، وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك، ولم يبق بينهم فيه اختلاف. ومعنى الآية عندهم: إذا قمتم مُحْدِثين (¬5). قلت: وسيأتي لهذا مزيدُ بَيَان، في حديث حُمَيد عن أنس: "كان يَتوضّأ لكل صلاة" إن شاء الله تعالى (¬6). ¬

_ (¬1) أي القاضي عياض كما في الأبِّي على مسلم 2/ 8. (¬2) سورة المائدة: الآية 6. (¬3) في نقل النووي عن عياض: وذهب قوم/ النووي على مسلم 2/ 208. (¬4) في نقل الأُبِّي عن القاضي عياض: وقال الأكثر: إنما هو لكل صلاة مندوب وقد نُسِخ الوجوب بجمعهِ -صلى الله عليه وسلم- بين صلاتين بوضوء واحد". وهذا يفيد أن القولَين الثاني والثالث، قول واحد، لا قولان، كما أنه يكون بمعنى القول الأجر الآتي ذكره، لكن النووي والشارح ذكراهُما قولين كما ترى، وذكرا بَعدَهُما القولَ الأخير على حدة/ الأُبِّي على مسلم 2/ 8 والنووي على مسلم 2/ 8. (¬5) من قول المؤلف: "قال الشيخ محيي الدين النووي" إلى هنا، في شرح النووي على مسلم/ 2/ 208. (¬6) في باب ما جاء في الوضوء لكل صلاة/ الترمذي 1/ 86 ح 58.

وقوله: "هذا الحديث نص في وجوب الطهارة للصلاة" ظاهر؛ لما يقتضيه من انتفاء القبول عن الصلاة، عند إنتفاء شرطها (¬1) -وهو الطهارة- فكذلك يقتضي مفهومه وجودَ القَبول، إذا وجد شرطُه، وهو المراد. والقبول موكول إلى علم الله تعالى، ليس لنا بوجوده علم، فلا بُد من الكلام على معنى القَبول، فنقول: القبول: ثمرةُ وقوع الطاعة مجزئَة، رافعةَ لما في الذمة. ولما كان الإتيان بالصلاة بشروطها مَظِنة الإجزاء، الذي هو ثمرة القَبول، عبر عنه بالقَبول، مجازًا، وقد تمسك به من لا يرى وجوبُ الوضوء لكل صلاة -وهم الجمهور-، إذ الطُّهور الذي تقام به الصلاة الحاضرة، أعم من أن يكون قد أقيمت به صلاة أخرى، أو لم تُقَم، وكذلك أيضًا قوله -عليه السلام-: "لا يَقْبلُ/ -الله صلاة أحدكم إذا أحدثَ- حتى يَتوضأ" (¬2)، لأن نفي القَبول ممتدٌ إلى غاية الوضوء، ومعلوم أن ما بعد الغاية، مغاير لما قبلها، فيقتضي ذلك، قبول الصلاة، بعد الوضوء مطلقًا. ويدخل تحته الصلاة الثانية، قبل الوضوء ثانيًا، وقد استدل جماعة من المتقدمين، بانتفاء القَبول على انتفاء الصحة، وفيه بحث. ذكره شيخنا الإمام الحافظ أبو الفتح ¬

_ (¬1) بالأصل "شُروطها" والمناسب للسياق هو الإفراد، لا الجمع. (¬2) أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ مقارب -الطهارة- باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 204 حديث 2 وأخرجه الترمذي كذلك بلفظ مقارب -كتاب الطهارة- باب ما جاء في الوضوء من الريح كما سيأتي - الترمذي مع تحفة الأحوذي 1/ 247.

القُشيري (¬1)، وسيأتي، في الكلام على قوله عليه السلام-: "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث، حتى يتوضأ" (¬2) إن شاء الله تعالى. وذهب بعض الفقهاء، من المالكية إلى أن الطهارة شرط في وجوب الصلاة. وقال آخرون منهم: بل هي شرط، في أدائها، لا في وُجوبها، وبنوا عليه الخلاف فيمن لم يجد ماء ولا ترابًا، حتى خرج الوقت -هل عليه القضاء أو لا؟ وسيأتي تفصيل مذهبهم في ذلك (¬3). وقد تمسك بعضهم في وجوب الاغتسال على الكافر -إذا أسلم- بهذا الحديث. قال القاضي أبو بكر ابن العربي -رحمه الله تعالى-: هو مستحب عند الشافعي وأبي إسحق القاضي، وقال، مالك وابن القاسم، وأحمد، وأبو ثور: هو واجب، وهو الصحيح؛ لقوله -عليه السلام-: "لا يقبل الله صلاة بغير طُهور". ¬

_ (¬1) هو تقي الدين محمد بن علي بن وهْب، القُشيري البَهزِي المنفلوطي القُوصِي الصَّعيدي، المصري، الشافعي، المالكي، الشهير بابن دقيق العيد/ تذكرة الحفاظ 4/ 1481 والطالع السعيد للإدْفَوي/ 567، فوات الوفيات لابن شاكر 3/ 442 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 90 وتقدم التعريف به في شيوخ المؤلف ص 31 - 32 من القسم الأول. والبحث المشار إليه ذكره ابن دقيق العيد في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 1/ 12، 13. (¬2) باب ما جاء في الوضوء من الريح/ الترمذي 1/ 110 ح 76. (¬3) ص 342 وما بعدها.

وقد أجمعت الأمة على وجوب الوضوء، فالغُسل مثله، دليلا بدليل، واعتراضًا باعتراض، وجوابًا بجواب (¬1). قلت: قد خرَّج الترمذي عن قيس بن عاصم، أنه أسلم، فأمره النبي -صلى اللة عليه وسلم- أن يغتسل بماء وسِدْر (¬2) وهناك يأتي الكلامُ على هذه المسألة، وما في حديث قيس هذا من الانقطاع، مستَوْفًى، إن شاء الله تعالى. واختلف: هل يجب الوضوء بالحدث وجُوبًا موسَّعًا، أو عند القيام إلى الصلاة أو بالأمرين؟ على ثلاثة أوجه. قال الشيخ محيي الدين: والآخِر المختار عند أصحابنا، قال: وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة، من ماء أو تراب، ولا فرق بين الصلاة المفروضة، والنافلة، وسجود التلاوة، والشكر، وصلاة الجنازة؛ إلا ما حُكِي عن الشَّعْبي، ومحمد بن جرير الطبري، من قولهما: تجوز صلاة الجنازة بغير طهارة. وهذا مذهب باطل، وأجمع العلماء على خلافه (¬3). وأما سجود التلاوة، فقد رُوِي فيه أيضًا عن عثمان، وسعيد/ بن المسيب: تُومِئ الحائض بالسجود (¬4). قال سعيد: ¬

_ (¬1) عارضة الأحوذي، لابن العربي 1/ 9 ط بيروت مصورة. (¬2) باب في الإغتسال عندما يُسْلِم الرجل/ الترمذي مع التحفة 3/ 225 ح 602. (¬3) من قوله: واختلف هل يجب الوضوء بالحدث إلى هنا/ في شرح النووي على مسلم، مع تصرف يسير 2/ 208، 209. (¬4) أخرج ذلك عنهما ابن أبي شيبة في المصنف - كتاب الصلاة - باب الحائض تسمع السجدة 2/ 14 ولفظه: "تومئ برأسها إيماء وهذا خلف ما عليه الجمهور" / انظر المغني لابن قدامة 1/ 620 وسنن الدارمي 1/ 190.

وتقول: رَبِّ لك سَجَدْت (¬1). وعن الشعبي: جواز سُجودِها إلى غير القبلة (¬2). قال (¬3): ولو صَلى مُحدِثا، متعمدًا، بلا عذر، أَثِم، ولا يكفر عندنا، وعند الجماهير (¬4). وحكى عن أبي حنيفة -رحمه الله- أنه يَكْفُر، لتلاعُبِه. هذا في غير المعذور. وأما المعذور -كمن لم يجد ماء، ولا ترابًا- ففيه أربعةُ أقوال للشافعي -رحمه الله (¬5) -: 1 - أصحها -عند أصحابنا- يجب عليه أن يصلي على حاله، و [يجب] (¬6) أن يُعيد إذا تمكن من الطهارة. 2 - الثاني: يحرُم أن يصلي، ويجب القضاء. 3 - الثالث: يستحب أن يصلي، ويجب القضاء. ¬

_ (¬1) المصنف لابن أبي شيبة/ الموضع السابق بلفظ "اللهم لك سجدت" وكذا في المغني 1/ 620 والمُحلَّى 5/ 165. (¬2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف/ الموضع السابق بلفظ: "يسجد حيث كان وجهه"، وكذا في المغني 1/ 620. (¬3) أي النووي في شرح مسلم/ 3/ 103. (¬4) قال النووي: ودليلنا: أن الكفر للاعتقاد، وهذا المصلي اعتقاده صحيح/ شرح النووي على مسلم/ الموضع السابق. (¬5) بقية كلام النووي هنا بعد "رحمه الله": "وهي مذاهب للعلماء، قال بكل واحد منها قائلون، أصحها ... الخ"/ شرح للنووي/ الموضع السابق. (¬6) ليست بالأصل وأثبتها من شرح النووي/ الموضع السابق.

4 - الرابع: يجب أن يصلي، ولا يجب القضاء (¬1). 5 - وقال أبو العباس (¬2): فيه دليل لمالك، وابن نافع على قولهما، إن من عَدِم الماء، والصعيد، لم يُصلِّ، ولم يَقضِ، إن خرج وقت الصلاة؛ لأن عدم قبولها، لعدم شرطها، يدل على أنه ليس مخاطبًا بها حالة عدم شرطها؛ فلا يترتب شيء في الذمة، فلا يَقْضِي. وعلى هذا فتكون الطهارة من شروط الوجوب (¬3). فهذا قول خامس. والمَحكِي عن ابن القاسم (¬4): يُصلي ويَقضِي (¬5). وعن ¬

_ (¬1) بقية كلام النووي: وهذا القول اختيار المُزَني، وهو أقوى الأقوال دليلًا، ثم قال: فأما وجوب الصلاة فلقوله -صلى الله عليه وسلم-: "وإذا أمرتكم بأمر فافعلوا منه ما استطعتم". وأما الإعادة فإنما تجب بأمر مجدَّد، والأصل عدمه/ شرح النووي على مسلم/ الموضع السابق. (¬2) هو أحمد بن عمر بن ابراهيم الأنصاري القرطبي المالكي المتوفى بالإسكندرية سنة 656 هـ. تذكرة الحفاظ 4/ 1438، وهو غير القرطبي المفسر، وقد أكثر المؤلف ومِن بَعدِه العراقي من ذكره عند النقل عنه بنسبة "القرطبي"، وله: كتاب "المُفهِم في شرح مختصره لصحيح مسلم" وهو مخطوط لم أقف على طبعة له للآن. (¬3) المُفهِم للقرطبي 1/ 88 ب. (¬4) هو عبد الرحمن بن القاسم العُتَقِي، الإمام المشهور، رَوَى عن مالك والليث، وخرَّج عنه البخاري في صحيحه، وقال الدارقطني: صالح مُقِل متقن حسن الضبط، ووثقه النسائي وغيرُه، وقال ابن حارث: هو أقعد الناس بمذهب مالك، وتوفي بمصر في صفر سنة 191 هـ/. انظر الدِّيباج المذَهَّب 1/ 465 - 468 وتهذيب التهذيب 6/ 252. (¬5) عارضة الأحوذي 1/ 9.

أشهب (¬1): يُصلِى ولا يُعِيد (¬2) وعن أَصْبَغ (¬3): يصلي إذا قَدر (¬4). وأبو الطاهر ابن بشير يقول: سبب هذا الخلاف، الخلافُ في كون الطهارة شرطًا في الوجوب، فتسقط الصلاة عمن تعذرت عليه، أو شرطًا في الأداء، فيقف الفعل على الوجود. وأما الصلاة في الحال، دون الإعادة، أو معها، فمبنيَّان على الأخْذ بالأحوط. 6 - وحكى ابن العربي عن القابسي قولًا سادسًا: أنه يُومِئ إلى التيمم. وفي لفظه (¬5) -عند مسلم-: قول ابن عمر: وكُنتَ على ¬

_ (¬1) هو مسكين بن عبد العزيز بن داود بن ابراهيم، أبو عمر القَيْسي العامري "وأشهب" لقبه وعُرِف به، رَوى عن مالك والليث وغيرهما، وانتهت إليه الرياسة بمصر بعد ابن القاسم، وقال الشافعي ما رأيت أفقه منه، وقد ولد سنة 140 هـ وقيل سنة 150 هـ وتوفي بمصر سنة 204 هـ، بعد الشافعي بثمانية عشر يومًا/ الدِّيباج المذهَّب 1/ 307. (¬2) عارضةُ الأحْوذِي 1/ 9. (¬3) أصبغ بن الفرج بن سعيد بن نافع مولى عبد العزيز بن مروان، يكنى أبا عبد الله، صحب ابن القاسم وابن وَهب وأشهب وتفقه بهم، وهو صدوق ثقة، وقال ابن مَعِين: كان من أعلم خلق الله كلهم بِرَأْي مالك ومَن خالفه في آرائِه، وله تآليف حسان، منها "كتاب الأصول" و"تفسير غريب الموطأ"، و"آداب الصيام" وتوفي بمصر سنة 225 هـ، وقيل سنة 224 هـ - الديباج المذَهَّب 1/ 299، 300. (¬4) العارضة 1/ 9. (¬5) أي لفظ حديث الباب.

البصرة (¬1)، فذكر ابن عمر لابن عامر هذا الحديث -حين سأله الدعاء- على جهة الوعظ والتذكير (¬2) حتى يَخرُج عما تعلق به من ولاية البصرة، وكأنه يشير له إلى أن الدعاء مع عدم التخلص من التَّبِعات، قد لا يُجْدِي، كما لا تنفعُ صلاة بغير طُهور، ولا صدقةُ من غُلوَل (¬3). وكذلك قال له: وكُنتَ على البصرة، ليشير له إلى الأمر الذي تعلقت به فيه الحقوق [لِيُردَّ] (¬4) كثيرًا منها إلى أربابها، أو مما أمكنه منها. وقال الخطابي: في قوله: "ولا صدقة من غلول" بيان أَن (¬5) من سرق مالًا أو خانه، ثم تصدق به، لم يُجزئه (¬6) وإن كان نواهُ عن صاحبه. وفيه (¬7) مُستَدَل لمن ذهب إلى أنه إن تصدق به عن/ صاحب المال، لم يُسقِط عنه تبعته، وإن كان طعامًا فأطعمه إياه، لم يبرأ منه، ما لم يُعلِمْه بذلك، وإطعام الطعام لأهل الحاجة صدقة، ولغيرهم معروف، وليس من باب أداء الحقوق، ورد الظَّلامات (¬8). ... ¬

_ (¬1) صحيح مسلم - كتاب الصلاة - باب وجوب الطهارة للصلاة 1/ 204 ح 1. (¬2) أي ولم يَرِد القطع حقيقة بأن الدعاء للفساق لا ينفع، فلم يزل النبي -صلى الله عليه وسلم-، والسلف والخلف يدعون للكفار، وأصحاب المعاصي بالهداية والتوبة/ شرح النووي على مسلم 3/ 104. (¬3) شرح النووي على مسلم 3/ 103، 104 بتصرف. (¬4) ليست بالأصل ولا يظهر المعنى بدونها. (¬5) بالأصل "إلى" والتصويب من معالم السنن 1/ 45. (¬6) في المعالم: "لم يجز" 1/ 45. (¬7) بالأصل "دليل مُستدل" وما أثبته من المعالم 1/ 49 وهو الذي يستقيم عليه المعنى. (¬8) المعالم 1/ 49.

2 - باب ما جاء في فضل الطهور

2 - باب ما جاء في فضل الطهور قال (¬1): ثنا اسحق بن موسى الأنصاري، ثنا معن بن عيسى ثنا مالك بن أنس. [ح] (¬2) وثنا قُتيبةُ عن مالك عن سُهيلِ بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا تَوضّا العبدُ المسلمُ، أو المؤمنُ، فَغَسَلَ وَجهه، خرجت من وجهه كل خَطيئةٍ نظر إليها بعينيه، مع الماء، أو مع آخر قَطْر الماء، أو نحوُ هذا، فإذا غسل يديه، خرجت من يديه كل خطيئة بطشتها يداه، مع الماء، أو مع آخر [قَطْر] الماء (¬3)، حتى يَخرُجَ نَقِيًّا من الذنوب. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، وهو حديث مالك ¬

_ (¬1) لفظ "قال" ليس في المتن المطبوع مع التحفة 1/ 26 ولا مع معارف السنن 1/ 26. (¬2) من ط شاكر 1/ 7 وحاء التحويل هذه ساقطة من المتن الوارد في هذا الشرح عمومًا. (¬3) من ط شاكر 1/ 7.

عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة. وأبو صالح والد سهيل هو: أبو صالح السَّمَّان، واسمه ذَكْوان. وأبو هريرة: اختلفوا في اسمه (¬1) فقالوا: عَبْد شمس، وقالوا: عبد الله بن عمرو، هكذا قال محمد بن إسماعيل، وهذا أصح (¬2). وفي الباب عن عثمان بن عفان، وثَوْبان، وعمرو بن عَبْسَة، وسَلْمان، والصُّنَابحي (¬3) وعبد الله بن عمرو. والصُّنَابِحي هذا، الذي رَوَى عن النبي (¬4) -صلى الله عليه وسلم- في فضل الطُّهور، هو: أبو عبد الله الصُّنَابِحي، واسمه: محمد الرحمن بن عُسَيلَة (¬5) وهو صاحب أبي بكر الصديق، ولم يَلْق النبي -صلى الله عليه وسلم-، رحل إلى النبي -[صلى الله عليه وسلم] (¬6) -، فقُبِض النبي -[صلى الله عليه وسلم] (6) - وهو في الطريق، وقد رَوَى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أحاديث. والصُّنابح بن الأعْسر ¬

_ (¬1) كذا في المتن المطبوع مع معارف السنن 1/ 47 وفي المطبوع مع العارضة 1/ 3 "اختُلِف على نحو ثلاثين قولًا في اسمه"، وفي المطبوع مع التحفة 1/ 26 وط شاكر 1/ 7: "اختُلِفَ في اسمه فقالوا": - الخ. (¬2) في ط شاكر: "وهو الأصح" 1/ 7. (¬3) بضم الصاد وفتح النون وبعد الألف ياء موحدة مكسورة ثم حاء/ اللُّباب في تحرير الأنساب 2/ 247 والتقريب 1/ 370. (¬4) في ط شاكر "عن أبي بكر الصديق، ليس له سماع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، واسمه عبد الرحمن بن عُسَيلة، ويُكْنى أبا عبد الله، رحل" الخ" 1/ 8. (¬5) بالعين والسين المهملتين، مُصغَّرًا/ الإصابة 5/ 105. (¬6) من ط شاكر 1/ 8.

الأحْمَسِي (¬1)، صاحب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويقال له: الصُّنَابِحي، أيضًا (¬2) وإنما حَديثُه قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: إنِّي مُكاثِرُ بِكُمُ الأمَم، فلا تَقْتَتَلُنَّ بعدي (¬3). [الكلام عليه] [التخريجُ والصناعة الحَديثية]: الحديث قد حَكم بصحَّته، وقد أخرجه مسلم، قال: ثنا سُوَيْد [بن سعيد] ثنا مالك، [ح] (¬4) وثنا أبو الطاهر عن ابن وهب عن مالك (¬5). وإسحق بن موسى الأنصاري أخرج له مسلم (¬6) وغيره، ¬

_ (¬1) بالأصل "الأخمس" بالخاء المعجمة والصواب ما أثبته كما في ط شاكر 1/ 7 والتقريب 1/ 370 والصُّنابح -بضم أوله ثم نون وموحدة ومهملة/ التقريب 1/ 370. (¬2) قال ابن حجر: ومن قال فيه: الصُّنَابِحي فقدْ وَهِم ... والصواب في ابن الأعسر أنه "صُنَابح" بغير ياء/ التقريب 1/ 370 والإصابة 2/ 194. (¬3) أخرجه أحمد في مسنده بنحوه 4/ 351 وابن ماجه في سننه بلفظه وفي أوله زيادة/ كتاب الفتن - باب لا ترجعوا بعدي كفارًا 2/ 1300 حديث 3944، وقال البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح ورجاله ثقات/ هامش سنن ابن ماجه/ الموضع السابق. (¬4) ما بين المعكوفين ليس بالأصل وأثبته من صحيح مسلم/ الموضع الآتي ذكره، وتحفة الأشراف 9/ 417، وفي المصدرين "عن" بدل "ثنا". (¬5) صحيح مسلم كتاب الطهارة - باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء 1/ 215 حديث 32. (¬6) كتاب الطهارة - باب وضوء النبي -صلى الله عليه وسلم- 2/ 211.

وأبو حاتم (¬1) وكان يُطْنِب في صدقه وإتقانه (¬2). وسُهَيْل بن أبي صالح، لم يخرج له البخاري إلا استشهادًا (¬3) وقد أثنى الناس عليه: فقال أبو طالب: سألت أحمد بن حنبل/ عن سُهْيَل بن أبي صالح [ومحمد بن عمرو] (¬4). قال: قال يحيى بن سعيد: محمد أحب إلينا، [قال أحمد بن حنبل] (¬5)، وما صنع شيئًا، سُهيْلٌ أثبَتُ عندهم [من محمد بن عمرو] (¬6) وقال أحمد: ما أصلح حديثه (¬7)، وقال يحيى بن معين: سُهيْل، والعَلَاء، قريبُ من السَّواء، وليس حديثهما بحجة (¬8)، وقال أبو حاتم: يُكْتَب حديثُه، [ولا يُحتَج به] (¬9)، وهو أحب إليَّ من عمرو بن أبي عمرو، وأحب إليّ من العَلَاء عن أبيه [عن أبي هريرة] (¬10). قال أبو زرعة: سُهَيلٌ أشبَه [وأشهرُ] (¬11) من العَلَاء، وأبوه أشهر قليلًا. وقال أحمد بن عبد الله: ¬

_ (¬1) الرازي. (¬2) الجرح والتعديل 1/ 235. (¬3) تهذيب الكمال 1/ 558 وتهذيب التهذيب 4/ 264 وعبارتهما: رَوَى له البخاري مقرونًا بغيره، وهذا يفيد أنه جمع بينه وبين غيره في سياق السند وهذا هو الموجود فعلًا في البخاري عن ابن جُرَيج قال: أخبرني يحيى بن سعيد وسُهَيْل بنُ أبي صالح أنهما سمعا النعمان ... "، صحيح البخاري مع الفتح - كتاب الجهاد - باب فضل الصوم في سبيل الله/ 6/ 47. (¬4) ما بين المعكوفات ليس بالأصل وأثبتُه من تهذيب الكمال/ 1/ 558 والجرح 4/ 24. (¬5) ما بين المعكوفات ليس بالأصل وأثبتُه من تهذيب الكمال/ 1/ 558 والجرح 4/ 24. (¬6) ما بين المعكوفات ليس بالأصل وأثبتُه من تهذيب الكمال/ 1/ 558 والجرح 4/ 24. (¬7) تهذيب الكمال/ 1/ 558 والجرح 4/ 247. (¬8) يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 243، 3/ 230 والجرح 4/ 247. (¬9) ليس بالأصل وأْثبتُّه من الجرح 4/ 247 وتهذيب التهذيب 4/ 263. (¬10) ليس بالأصل وأثبته من تهذيب الكمال 1/ 558 وانظر قوله في ترتيب ثقات العجلي للهيثمي/ ل 23 ب. (¬11) ليس بالأصل وأثبته من تهذيب الكمال 1/ 558 وانظر قوله في ترتيب ثقات العجلي للهيثمي/ ل 23 ب.

[العجلي] (¬1) سُهَيْلُ بن أبي صالح ثقة وأخوه عبَّاد: ثقة (¬2). وقال أبو أحمد ابن عَدِي: ولسُهْيل نُسَخ [و] (¬3) ورَوَى عنه الأئمة، وحدَّث عن أبيه، وعن جماعة عن أبيه، وهذا يدل على ثقة الرجل (¬4)، كَوْنُه ميَّز ما سمع من أبيه، وما سمع من غير أبيه عنه، وهو عندي ثَبْت، لا بأس به، مقبول الأخبار (¬5). وذكر الترمذي عن سفيان بن عُيَيْنَة قال: كنا نَعُدُّ سُهيْل بن أبي صالح ثَبْتًا في الحديث (¬6) وذَكَره العُقَيلي، وحكى عن ابن المديني: سُئِل يحيى عن سُهَيْل، ومحمد بن عمرو، فقال: محمد أعلا مِنْه (¬7). وقد تقدم هذا عن أحمد، وقال ابنُ معين: صُوَيْلِحُ، وفيه لِين (¬8)، وسئل أحمد عن سُهيْل بن أبي صالح فقال: صالح. وقال يحيى: ليس بالقوي في الحديث، وليس بحُجَّة، وقال مرة: ثقة. وقال أبو عبد الرحمن السُّلَمي: سألته -يعني أبا الحسن الدارَقُطْني (¬9) - لِمَ ترك محمد بن إسماعيل البخاري، حديث ¬

_ (¬1) ترتيب الثقات/ ل 29 أ. (¬2) ترتيب الثقات/ ل 29 أ. (¬3) من الكامل 2 / ل 70 أ، وتهذيب التهذيب 4/ 264. (¬4) في تهذيب الكمال 1/ 558 وتهذيب التهذيب 4/ 264 "تميز الرجل" وفي الميزان "على ثقته" 2/ 243 وفي الكامل: "على ثقة الرجل"، ثم ذكر حديثه عن أبيه، وعن رجل عن أبيه وقال: وهذا يدل على تمييز الرجل 2/ 70. وتهذيب الكمال 1/ 558 وتهذيب التهذيب 4/ 264. (¬5) الكامل / 2/ 70 أببعض تصرف. (¬6) تهذيب الكمال 1/ 558. (¬7) الضعفاء للعقيلي 1 / ل 175. (¬8) تهذيب التهذيب 4/ 264. (¬9) سؤالات السُلَمي للدارقطني/ 161، 162، وتهذيب التهذيب 4/ 264، والميزان 2/ 243.

سُهَيل بن أبي صالح في الصحيح؟ فقال: لا أعرف له فيه عُذرًا؛ فقد كان أبو عبد الرحمن [أحمد بن شعيب] (¬1) النسائي إذا مَرَّ بحديث لسُهَيْل قال: سُهَيل -والله- خير من أبي اليَمان، ويحيى بن بُكَير، وغيرهما، وكتاب البخاري من هؤلاء مليء، وقال: قال [أحمد بن شُعَيب] (¬2) النسائي ترك [محمد بن إسماعيل] (¬3) البخاري إخراج حديثَ سُهْيل [بن أبي صالح] (¬4) في كتابِه، وأَخْرج عن ابن بُكَيْر وأبيِ اليمان، وفُلَيْح بن سليمان، لا أعرف له وجها، ولا أعرف له فيه عُذرًا (¬5). وقال بعض الحفاظ (¬6): روى عنه مالك، ومالك هو المرجوع إليه في مشايخ المدينة [الناقد لهم] (¬7)، وقال محمد بن يحيى بن الحذَّاء -في كتابه، في التعريف بمن ذكر في الموطأ-: سُهَيْل بن أبي صالح -واسم أبي صالح: ذَكْوان- مدني مولى جُوَيْرِية، سمع ابنَ المسيَّب، وعطاء بن يزيد، وأباه، وعبد الله بن دينار، سمع منه مالك، والثوري وشعبة، وتُوفي في أول خلافة أبي جعفر، وكانت ¬

_ (¬1) من السؤالات/ 162. (¬2) من السؤالات/ 162. (¬3) من السؤالات/ 162. (¬4) من السؤالات/ 162. (¬5) الى هنا نهاية جواب الدارقطني/ السؤالات/ 162. (¬6) هو أبو عبد الله الحاكم في كتابه المدخل إلى معرفة الصحيحين - باب من عيب على مسلم إخراجُ حديثه/ ل 55 وتهذيب التهذيب/ 4/ 264. (¬7) ليست بالأصل وأثبثها من المدخل/ ل 55.

ولايته في ذي الحجة سنة ثلاث وثلاثين، إلى ذي الحجة سنة ثمان وخَمسين (¬1)، قال/ ابن معين: أبو صالح السمَّان، له بنون ثلاثة: سُهيْل، وعَبّاد، وصالح، وكلهم ثقة (¬2) وقال ابن سعد: ثقة كثير الحديث، رَوَى عنه أهل المدينة، وأهل العراق (¬3) قلت: وقد أخرج لهم ثلاثتهم مُسْلم وقال النسائي: سهيل ثقة (¬4) ورأى سهيل أنس بن مالك. وقال علي بن المديني: مات لسهيل أخ: فَوجِد عليه، فنسي كثيرًا من الحديث (¬5). قلت: ولعل هذا عُذر البخاري في ترك إخراج حديثه، لا سيما ¬

_ (¬1) في الكاشف 1/ 409 أنه توفي سنة 140 هـ وفي تاريخ الخلفاء للسيوطي: أن أبا جعفر المنصور تولى الخلافة في أوائل سنة 137 هـ وقال السيوطي: إنَّ مِمَّن توفي في أيام المنصور من الأعلام: سهيل بن أبي صالح، هـ تاريخ الخلفاء/ 101، 106، وبذلك يكون تحديد وفاته بسنة 140 كما في الكاشف أقرب إلى الصواب مما ذكر الشارح. (¬2) الكامل/ 190 الظاهرية، وتهذيب التهذيب 4/ 394 ويحيى بن معين وتاريخه 2/ 158، 3/ 182 وليس فيه قوله: كلهم ثقة. (¬3) لم أجد لسهيل بن أبي صالح ترجمة في المطبوع من طبقات ابن سعد، ولكن المترجم فيها هو والده أبو صالح السمان ووصفه ابن سعد بأنه ثقة كثير الحديث، وذكر بعض من رَوى عنه من أهل المدينة وأهل الكوفة/ الطبقات 5/ 301، 6/ 226، ولكن ابن حجر نقل عن ابن سعد أنه أرخ وفاته في ولاية أبي جعفر وقال عنه: كان سهيل ثقة كثير الحديث/ تهذيب التهذيب 4/ 264. (¬4) الذي في التهذيب عن النسائي: ليس به بأس/ التهذيب 4/ 264. (¬5) تهذيب التهذيب 4/ 264، والمدخل إلى معرفة الصحيحين/ ل 55 والميزان 2/ 244.

هذا الخبر عن علي بن المديني، من روايته، مذكور في تاريخه الكبير (¬1). وقال ابن حبان: يخطئ، وهو عنده مذكور في كتاب الثقات (¬2). وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين يقول: لم يزل أصحاب الحديث يتقون حديثه (¬3) وسئل مرة أخرى فقال: ليس بذاك، ومرة أخرى فقال: ضعيف. وذكر له ابن القطان حديثًا فقال: وهذا مما أُنكِر على سهيل، ¬

_ (¬1) هكذا قرر المؤلف، ومن قبله الحاكم في المدخل/ ل 55: أن هذا الخبر موجود في التاريخ الكبير للبخاري، ولكني لم أجد ذلك في ترجمة سهيل في تاريخ البخاري 4/ 105، وإنما وجدت في سنن أبي داود - كتاب الأقضية - باب القضاء باليمين والشاهد نحو هذا حكاية عن عبد العزيز الدَّراوَرْدِي/ سنن أبي داود 4/ 309. وأما توقع المؤلف أن يكون عُذر البخاري في ترك إخراج حديث "سهيل" احتجاجًا هو ما يستفاد من هذا الخبر من سوء حفظ سهيل مؤخرًا بعد وفاة أخيه، فهذا خلف ما ترره الحازمي من أن البخاري ترك إخراج حديث سهيل احتجاجًا بسبب كلام العلماء في سماعه من أبيه، فقالوا إنه رَوى عنه بصيغة السماع أحاديث لم يسمعها منه بل وجدها في صحيفة له، فترك البخاري إخراج حديثًا معتَمِدًا عليه، تحريًا واحتياطًا، واستغنى عنه بغيره من أصحاب أبيه. وأما مسلم فسَبَر أحاديثه فوجده قد ميز ما سمع من والده عما رواه عنه بواسطة، وبذلك زالت عنده الشبهة التي من أجلها ترك البخاري الاحتجاج به، فاعتمد هو عليه واحتج بحديثه/ انظر شروط الأئمة الخمسة للحازمي ص 11 بتصرف للتوضيح؛ ولكن ما قرره المؤلف أعَم ولا مانع من اعتبار الأمرين معًا. (¬2) ونص عبارته: "كان يخطئ" / الثقات لابن حبان 6/ 417، 418. (¬3) تهذيب التهذيب 4/ 264.

وعُدّ مما ساء فيه حفظه، وظهر أثر تغيره عليه، وكان قد تغير (¬1). قلت: وفيما ذكرناه آنفًا، في توثيق سهيل، رواية مالك عنه، وأنه المرجوع إليه في مشايخ المدينة، وهذا لا يَرِدُ على البخاري؛ لأن مالكًا من أهل المدينة، وسهيل ليس من قُدَماء شُيوخِه، وقد تبين له أنه تغير حفظه بآخره، فيكون مالك سمع منه قبل التغيُّر، وكثيرًا ما يَعرِض في المتغيرين والمختلطين، مثل هذا، فَيفرق هناك بين الراوي عنه قبل الاختلاط، فَيُقْبَل، أو بعده فَيُرَد، أو الجهالة بحالة الراوي، متى كان سماعه؟ فينبغي أن يتوقف عنه، كما تقرر في المُلَقَّن، والمسْتُور (¬2). وأبو صالح أبوه: ذَكْوان، هو السَمَّان، وهو الزيَّات، كان يجلبهما (¬3) قال البخاري (¬4): مَولى جُوَيرية، الغَطَفاني، مَولَى غَطَفان. وقال مسلم: مَولَى جويرية بنت الأَحمَس (¬5) الغَطَفاني، امرأة من قيس. قال ابن الحذَّاء: وكان من أهل السِّتَار والتَجمُّل، وكان أبو هريرة إذا نظر إليه قال: ما على هذا إلّا أن يكون من بني عبد مناف (¬6). توفي ¬

_ (¬1) ميزان الاعتدال 4/ 13. (¬2) ص 149، 150. (¬3) إلى الكوفة/ انظر طبقات ابن سعد 5/ 301. (¬4) التاريخ الكبير ق 1/ 2 / 260 ترجمة/ 895. (¬5) وهكذا قال البخاري أيضًا/ التاريخ الكبير 1/ 2 / 260 وبالأصل "الأخمس" بالخاء المعجمة وما أثبتُه من التاريخ الكبير/ الموضع السابق، وفي الجَرح "بنت الحارث" 3/ 450 وفي الطبقات الكبرى لابن سعد: جُوْيرِية امرأة من قيس/ الطبقات 5/ 301، 6/ 266. (¬6) وهكذا في التاريخ الكبير للبخاري/ الموضع السابق.

سنة إحدى ومائة (¬1) وقال [ابن] (¬2) أبي حاتم: أبو صالح الزيات، رَوَى عن سعد بن أبي وقاص مسألة واحدة، وأبي عَيَّاش الزُّرقي، وأيي سعيد الخدري، وابن عباس، وابن عمر، وجابر، وأبي هريرة، وعائشة (¬3) ولم يسمع من أبي الدرداء شيئًا. روى عنه عطاء بن أبي رباح، والزهري، وحبيب بن أبي ثابت/ والحكم بن عُتَيْبة (¬4)، والأعمش، وزيد بن أسلم، وعاصم بن بَهْدَلة، والقعقاع بن حُكَيم، وعبد الله بن دينار، وأبو حُصين، وابنه؟ سهيل، سمعت أبي يقول ذلك. حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل قال قال: أبي لم يَرْوِ منصور عن أبي صالح، ذَكْوان، ورَوَى عن أبي صالح، بَاذَام (¬5). أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل -فيما كتب إليّ- قال: قلت لأبي: أبو صالح ذَكْوان، فوق عبد الرحمن بن يعقوب، والد العلاء؟ فقال: أبو صالحِ من جِفَة الناس، وأوثَقِهم، من أصحاب أبي هريرة، وقد شهِد الدار -يعني زمن عثمان- وهو ثقة ثقة (¬6). ¬

_ (¬1) وكذا في طبقات ابن سعد 5/ 302. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من الجرح 3/ 450. (¬3) وعن علَيّ رضي الله عنه/ طبقات ابن سعد 6/ 226. (¬4) بالأصل "عُيَيْنة" وما أثبته من الجرح 3/ 450 وتهذيب التهذيب 3/ 219 وطبقات ابن سعد 6/ 226 وضَبَطَه في التقريب بالمثناة ثم الموحدة مصغَّرًا/ 1/ 192. (¬5) في الجرح "باذان" بالنون، وقال الحافظ ابن حجر: اسمه باذام ويقال: باذان ويقال: ذكوان/ تهذيب التهذيب 12/ 132، 1/ 416. (¬6) تهذيب التهذيب 3/ 219.

أخبرنا ابن أبي خيثمة -فيما كَتب إليّ- قال: - سألت يحيى بن معين عن أبي صالح، الذي يَروِي عنه الأعمش، فقال: اسمه ذَكْوان السمَّان، مَدنِي، مولَى غَطَفَان، ثقة (¬1). [قال عبد الرحمن] (¬2) سمعت أبي يقول: أبو صالح، ذَكْوان، صالح الحديث، يُحتَجِ بحديثه [وقال] (¬3): سئل أبو زرعة عن أبي صالح السمَّان، ذَكْوان، فقال: مدني ثقة مستقيم الحديث، وقال محمد بن سعد: كان أبو صالح ثقةً كثير الحديث، وكان يَقْدُم الكوفة يَجْلِب [الزيت] (¬4) فينزل في بني أسد، فيؤُم بني كاهل، وقال عاصم: [كان] (¬5) أبو صالح، عظيم اللحية، وكان يُخلِّلها (¬6) وقال ابن إسحق: قال أبو صالح: ما أحد يُحدث عن أبي هريرة إلا وأنا أعلم: صادقًا هو أم كاذبًا (¬7)؟. ¬

_ (¬1) في رواية عثمان الدارِمَي عن ابن معين: أنه سأله الدارِمي عن أبي صالح ذكوان وأبي صالح الحنفي، أيها أصح حديثًا؟ فقال: كلاهما ثقة/ تاريخ عثمان الدارمي/ 240. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها اعتمادًا على الجَرح 3/ 451. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها اعتمادًا على الجَرح 3/ 451. (¬4) ليست بالأصل/ وأثبتُها من تهذيب التهذيب 3/ 219. وفي تهذيب الكمال "بجلب" 1/ 396 وفي طبقات ابن سعد "يجلب" بالياء 5/ 301. (¬5) من طبقات ابن سعد 5/ 302. (¬6) وبقية الكلام: قالوا: وتوفي أبو صالح بالمدينة سنة 101 هـ/ الطبقات لابن سعد 5/ 302. (¬7) طبقات ابن سعد 5/ 301، 302 وتهذيب الكمال 1/ 396.

وقال الأعمش عن أبي صالح: ما كنت أتمنى من الدنيا إلا ثَوْبين أبيضَين، أجالس فيهما أبا هريرة (¬1). أبو هريرة: قال أبو عُمر: وهو أبو هريرة الدَّوْسِي، صاحبُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ودَوْس: هو ابن عُدْثَان (¬2) ابن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحرث بن مالك بن نصر بن الأزد بن الغَوث (¬3). قال خليفة بن خَيَّاط: هو (¬4) عُمير بن عامر بن عبد ذي الشَّرى (¬5) بن طَريف بن عَتاب (¬6) بن أبي صعْب (¬7) بن ¬

_ (¬1) نص الرواية كما في تهذيب الكمال: ما كنت أتمنى من الدنيا إلا ثوبين أجالس فيهما أبا هريرة، وقال أبو عبد الله (أي أحمد بن حنبل): ولعله قد ذكر فيهما: "أبيضين" تهذيب الكمال 1/ 396 وبذلك يكون لفظ "أبيضين" غير مجزوم به كما ترى، ولكنه في كلام المؤلف مجزوم به، فلعل المصدر الذي اعتمد عليه هكذا. (¬2) بضم العين المهملة ثم مُثلَّثة/ تبصير المنتبه لابن حجر 3/ 935. (¬3) الاستيعاب 4/ 1768 وإنباه الرواة / 113، وجمهرة الأنساب/ 379، 473، واختُلِف أيضًا في منع "أبي هريرة" من الصرف، وصرفه والراجح الأول/ تحفة الأحوذي 1/ 31. (¬4) أي أبو هريرة/ الطبقات لابن خَيَّاط/ 114. (¬5) بالأصل السري "وما أثبته" من طبقات ابن خياط/ 114 وجمهرة الأنساب لابن حزم/ 382 والثَّرى اسم صنم لدَوْس/ الإصابة 7/ 427. (¬6) في جمهرة الأنساب نقلًا عن الكلبي "عباد" وفي طبقات ابن سعد 4/ 325 "غياث". (¬7) في الأصل "صعبة" وما أثبتُه من طبقات ابن خياط/ 114 وجمهرة الأنساب / 382 والاستيعاب 4/ 1768.

مُنَبِّه (¬1) بن سعد بن ثعلبة بن سُلَيم بن فَهْم بن غَنَم بن دَوْس، كذا نسب أبو عُمر دوسًا (¬2) وزاد فيه الرُّشاطي بين كعب، ومالك "عبد الله" (¬3) وقد اختُلِفَ في اسمه واسم أبيه اختلافًا كثيرًا، لا تَشَأ أن تَجدَه في مكان إلا وَجَدْتَه (¬4) والشهور فيه على ألسنة المحدثين: عيد الرحمن بن صخر وكأن تسميته بعبد الرحمن، أو عبد الله، التي استقرت عليه بعد الإسلام (¬5) وإنما كُني بأبي هريرة، لأنه حمل هِرَّة في كُمِّه. قال: فرآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما هذه؟ ¬

_ (¬1) كذا في طبقات ابن خياط/ 114 وفي جمهرة الأنساب/ 382 "هنية" وكذا طبقات ابن سعد 4/ 325. (¬2) ومثله في جمهرة الأنساب/ 473 وانظر الاستيعاب 4/ 1768 واللُّباب في تحرير الأنساب 1/ 513. (¬3) وانظر جمهرة الأنساب/ 473. (¬4) وعدَّد الحافظ ابن حجر مُجْمَل الآراء في ذلك برواياتها مع بيان درجات أسانيد بعضها من الصحة والحسن أو الضعف/ الإصابة 7/ 427 وما بعدها. (¬5) وذكر ابن خُزَيمة عن الذهلي أن أوضح الروايات عنده رواية التسمية بعبد الرحمنِ بن غنم، ولكن لم يُقِرُّه ابن خزيمة على ذلك، بل رجح رواية التسمية بعمرو بن غنَم. وقال أبو أحمد الحاكم: إن أصح شيء عنده في اسم أبي هريرة هو: عبد الرحمن بن صخر، وقال النووي: إنه الأصح من ثلاثين قولا، وأرجع الحافظ بن حجر الأسماء من جهة صحة النقل الى ثلاثة فقط هي: عمير وعبد الله، وعبد الرحمن، وقال: الأولان محتملان في الجاهلية والإسلام، "وعبد الرحمن" في الإسلام خاصة/ انظر الاصابة 7/ 428، 429، 431، والاستيعاب 4/ 1768.

قلتُ هِرَّة، فقال لي يا أبا هريرة (¬1) /. أسلم عام خيبر، قال أبو عمر: ثم (¬2) شَهِدَها مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لَزِمه، [وواظب عليه] (¬3) رغبة في العلم، راضيًا بِشِبَع بَطْنه، فكانت يده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان يدور معه حيثُما دار (¬4)، وكان من أحفظ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-[وكان] (¬5) يحضُر ما لا يحضُره سائرُ المهاجرين والأنصار؛ لاشتغال المهاجرين بالتجارة، والأنصار ¬

_ (¬1) الاستيعاب 4/ 1770 وفي صحيح البخاري -أول كتاب الأطعمة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال له يا أبا هريرة 6/ 196 ولكنه غير صريح في أنه أول من كَنَاه بذلك، وإنما أخرَج البغوي بسند حسن، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كناه أبا هِر، أي بالتذكير/ الإصابة 8/ 434 لكن أخرج الترمذي وابن سعد بسند حسن أيضًا عن أبي هريرة أن الذي كَناه بذلك أهله/ جامع الترمذي -أبواب المناقب- باب مناقب أبي هريرة - الترمذي مع التحفة 10/ 339 وطبقات ابن سعد 4/ 329 والإصابة 7/ 426. (¬2) الذي في الاستيعاب: "أسلم عام خيبر وشهدها الخ" 4/ 1770، ولكن في طبقات ابن سعد أن أبا هريرة قال: قَدِمنا على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقد افتتح خيبر فكلم المسلمين فأشركونا في سهمانهم، وفي الطبقات أيضًا من طريق الواقدي أن أبا هريرة قَدِم سنة سبْع والنبي -صلى الله عليه وسلم- بخيبر، فسار الى خيبر. حتى قَدِم مع النبي -صلى الله عليه وسلم- المدينة/ الطبقات 4/ 327، 328، وفيها وفي الإصابة أنه كان قُدومُه وإسلامه بين الحُدَيبية وخيبر/ الطبقات 4/ 327 والإصابة 7/ 434. (¬3) من الاستيعاب 4/ 1770. (¬4) حتى مات -صلى الله عليه وسلم-، ولذلك كَثُر حديث أبي هريرة عنه/ الإصابة 7/ 433. (¬5) من الاستيعاب 4/ 1770.

بحوائطهم (¬1) وقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأنه حريص على العلم، والحديث، وقال له: يارسول الله: إني قد سمعت منك حديثًا كثيرًا، وإني أخشى أن أنسى، قال: ابسط رداءك، قال: فبسطته (¬2) فَغرَف بيده فيه، ثم قال: ضُمَّهُ، فَضَمَمتُه، فما نَسيتُ شيئًا بعد (¬3). قال البخاري: روى عنه أكثرُ من ثمانمائة رجل، من بين صاحب وتابع (¬4) واستعمله عمر على البحرين، ثم عَزَلَه، ثم أراده على العمل فأَبَى (¬5) عليه، ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاتُه سنة سبع، وقيل ثمان، وقيل: تسع وخمسين (¬6) وصلى عليه الوليد بن عتبة (¬7) بن أبي سفيان (¬8). ¬

_ (¬1) الذي في الاستيعاب "بحوائجهم" وما في الأصل أقرب لما في طبقات ابن سعد: "تشغلهم أرضُوهم والقيامُ عليها" / الطبقات 4/ 330. (¬2) في الأصل "فبسطت" وما أثبته من البخاري في صحيحه - آخر كتاب المناقب 4/ 188 والاستيعاب 4/ 1771 وطبقات ابن سعد 4/ 329. (¬3) في الاستيعاب "بعده" 4/ 1771 وما بالأصل موافق للفظ رواية البخاري/ آخر كتاب المناقب 4/ 188. (¬4) وسَرَد ابن حجر منهم عددًا في الإصابة 8/ 431، 432. (¬5) بالأصل "فأَتَى" بالمثناة الفوقية، وما أثبتُه من الاستيعاب 4/ 1771 والإصابة 7/ 442. (¬6) الاستيعاب 4/ 1772 وقال ابن حجر: والمعتمد في وفاة أبي هريرة قول هشام بن عروة، يعني سنة سبع وخمسين/ الإصابة 7/ 444، 445. (¬7) في الاستيعاب "عقبة" وكذا في الإصابة نقلًا عن ابن سعد/ الاستيعاب 4/ 1772 والإصابة 7/ 444 ولكن الذي في الطبقات -مُكررًا عدة مرات- مطابق لما في الأصل/ طبقات ابن سعد 4/ 339، 340 وكذا في التاريخ الصغير للبخاري 1/ 114. (¬8) في التاريخ الصغير للبخاري: ابن أبي لهب 1/ 114 وما أثبته هو المذكور في =

رُوي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خمسةُ آلاف حديث وثلثمائة حديث وأربعة وسبعون حديثًا (¬1)، واتفقا على ثلاثمائة حديث وخمسة وعشرين (¬2)، انفرد البخاري بثلاثة وتسعين، ومسلم بمائة وتسعين (¬3)، وكان من أصحاب الصُّفَّة (¬4) وهو حَلِيفُ أبي بكر الصديق (¬5). قال [الترمذي] (¬6): وفي الباب: عن ثَوْبَان، وحديثه عند ابن ماجه من حديث سفيان عن منصور عن سالم بن ¬

_ = الإصابة 7/ 444 وفي الاستيعاب الذي نقل عنه المؤلف، وزاد ابن عبد البر أيضًا: أن الوليد كان يومئذ أميرًا على المدينة، ومروان بن الحكم معزول/ الاستيعاب 4/ 1772 ومثله في طبقات ابن سعد 4/ 340 وفيها وفي الإصابة: أن ذلك كان بعد أن صلى الوليد بالناس العصر/ الإصابة 7/ 444. (¬1) تلقيح فهوم أهل الأثر لابن الجوزي ص 363، وأخرج له الشيخان في صحيحهما ستمائة وتسعة أحاديث/ التلقيح ص 396 والرياض المستطابة في جملة من رُوِي عنه في الصحيحين من الصحابة، للعامري/ 271. (¬2) في التَّلْقِيح ص 396 وفي الرياض المستطابة ص 271: وستة وعشرون. (¬3) التلقيح والرياض/ الموضعين السابقين. (¬4) وهو أَشْهرُ من سكنها واستوطنها طول عمر النبي -صلى الله عليه وسلم- ولم ينتقل عنها، وكان عَرِيف من يَسْكُنُها من القاطنين، ومن نَزَلَها من الطارفين/ الحلية 1/ 376، والصُّفَّة: الظُّلَّة، والمراد بها هنا موضعُ مظَلَّل في مؤخرة مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كان المساكين يأوون إليها، ومن ليس له منهم منزل يقيم فيها/ لسان العرب 11/ 97 ومعجم البلدان 3/ 414 والحلية 1/ 339. (¬5) الإصابة 7/ 426. (¬6) ليست بالأصل وأثبتها لطول الفاصل في الشرح.

أبي الجَعْد عنه (¬1). وعن عثمان بن عفان، وعمرو بن عَبْسَة ... إلى آخره. حديث عثمان، أخرجه البخاري من حديث معاذ بن عبد الرحمن، عن حُمْران (¬2). وأخرجه مسلم من حديث مِسْعَر، وشعبة، عن جامع بن شدَّاد عن حُمْران عنه (¬3). ¬

_ (¬1) بالهامش تعليقًا على هذا نصه: قلت حديث ثوبان، ليس عند ابن ماجه، والذي عنده بهذا السند حديث "لن يحافظ على الوضوء إلّا مؤمن" وهو غير هذا الحديث هـ. أقول: وبالرجوع إلى السنن لابن ماجه نجد ما ذكر في هذا التعليق هو الصواب، ولفظ الحديث "ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" مع زيادة في أوله/ كتاب الطهارة - باب المحافظة على الوضوء 1/ 101 حديث/ 278، وفي الزوائد للبوصيري: رجالُ إسناده ثقات أَثْبات؛ إلا أن فيه انقطاعًا بين سالم وثوبان، لكن أخرجه الدارمي، وابن حبان في صحيحه، من طريق ثوبان متصلًا/ حاشية السندي على ابن ماجه/ 1/ 118، 119 وسنن الدارمي - كتاب الطهارة - باب ما جاء في الطهور 1/ 133 ح 662 وموارد الظمآن 1/ 69. (¬2) كتاب الرقاق - باب "إنَّ وعد الله حق" وفيه بدل "حُمران" "ابن أَبان" / البخاري مع الفتح 11/ 249، 250 حديث/ 6433، و"ابن أبان" كنية لحِمُران؛ فهو حُمْران بن أبان/ تهذيب التهذيب 3/ 24، فاختلفت الروايات عن البخاري فيه، وفي أكثرها "ابن أبانا" وفي رواية ابن السكن عن الفِرَبْرى "حُمْران بن أبان" وهكذا جاء في مسند أحمد 1/ 64 عن شيخه حسن بن موسى عن شيبان، بإسناده كما في البخاري، وفيه "حمران بن أبان". انظر الفتح/ الموضع السابق وعمدة القاري للعيني 18/ 420. (¬3) صحيح مسلم كتاب الطهارة - باب فضل الوضوء والصلاة عَقبَه/ 1/ 207،=

وحديث عَمرو بن عَبْسة، رواه ابن ماجه عن ابن أبي شيبة، وبُنْدَار (¬1) عن غُنْدَر، عن شعبة عن يَعْلَى بن عَطاء عن يزيد بن طَلْق عن عبد الرحمن بن البَيْلمَاني عنه (¬2). ¬

_ = 208 حديثي/ 10، 11؛ لكن في أحاديث عثمان في هذا الباب ما هو أقرب لمعنى حديث الترمذي من هذين الحديثين اللذين حددهما الشارح، حيث إن حديث الترمذي قد رَتَّب المغفرة للذنوب على الوضوء وحدَه، في حين أن الحديثين المذكورين رتبا المغفرة على الصلوات بعد إتمام الطُّهور، فكان على الشارح أن يذكر من حديث عثمان ما يناسب معنى حديث الترمذي، وذلك موجود عند مسلم في الباب الذي فيه الحديثين السابقين وعن عثمان أيضًا بلفظ "ألا إني رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- توضأ وضُوئي هذا ثم قال: من توضأ هكذا غُفِر له ما تقدم من ذنبه، وكانت صلاته ومشيه إلى المسجد نافلة/ صحيح مسلم 1/ 207 ح 8، ومن تواعد التخريج مراعاة اللفظ ثم المعنى للحديث المراد تخريجه/ انظر المغنِي عن حمل الأسفار؛ بهامش الإحياء 1/ 9 والتلخيص الحَبير 1/ 11، 13 و 287. (¬1) بضم الباء وفتحها وسكون النون، وهو لقب لهذا الراوي واسمه "محمد بن بشار" كما في إسناد حديث ابن ماجه المشار إليه -كتاب الطهارة- باب ثواب الطُّهور 1/ 104 ح 283 وفي التقريب 2/ 147؛ لكن المِزِّي لما ساق الإسناد المذكور، ذكره فيه بلقبه فقط، التحفة/ 8/ 162 ح 10763؛ غير أنه كان على الشارح أن يذكره باسمه كما ورد في إسناد الحديث الذي ذكره. (¬2) بهامش الأصل تعليقًا على هذا بما نصه: قلت حديث عمرو بن عبسة رواه مسلم في صحيحه في كتاب الصلاة، في قصة إسلام عمرو بن عبسة، ورواه النسائي أيضًا هـ. أقول: فِعْلًا الحديث أخرجه مسلم في الموضع المذكور - من كتاب صلاة المسافرين، في أثناء حديث وفيه قصة؛ لكنه ليس من الطريق التي حددها الشارح/ صحيح مسلم 1/ 569 ح 832، وكذلك أخرجه النسائي - كتاب =

وحديث سلمان، رواه ابن أبي شيبة: عن وكيع عن الأعمش عن شَقِيق، عن سَلَمة بن سُبْرة عنه، وعن قَبِيصة بن عُقْبة، عن حماد بن سَلَمَة عن علي بنيِ زَيْد عن أبي عثمان عنه، ولفظه (¬1): "من ثَوضأ فأَحْسَن الوضوء تَحاتَّت خطاياه، كما يَتحاتَّ الوَرق". والصُّنابِحي/ هو عبد الرحمن بن عُسَيْلَة، من مراد (¬2) منسوب إلى صُنَابح بن زاهر بن عامر بن عُوَثَبان بن زاهر بن مراد (¬3) كذا قال الكلبي -فيما حَكَى عنه الرُّشَاطِي-، ثم قال: ويقال: إنه من طَئ، من بني عمر الغَوث (¬4). ¬

_ = الطهارة - باب ثواب من توضأ كما أُمِر؛ لكن من في الطريق التي حددها الشارح أيضًا 1/ 91، 92، إلَّا أن الاستدراك على الشارح في محله من ناحية أن من قواعد التخريج أن الحديث إذا كان في الصحيحين أو أحدهما فلا يُعدَل عن تخريجه منهما أو من أحدهما الى غيرهما؛ لأنهما أصح من غيرهما فيقدم الأصح والأقوى على غيره/ وبناء على هذه القاعدة من تقديم الأقوى فإن سنن النسائي مقدمة أيضًا على سنن ابن ماجه، كما أن الدارقطني أخرج الحديث من طريقين عن أبي أُمامة عن عمرو بن عبسة وقال: هذا إسناد ثابت صحيح 1/ 107، 108، وبالتالي فإن اقتصار الشارح على تخريج الحديث من ابن ماجه مع وجوده في أحد الصحيحين وفي الدارقطني بسند صحيح، وفي النسائي، يُعَد قصورًا في التخريج، وإبعادًا للنجعة، وإيهامُ عدم تخريجه في الصحيح/ انظر فتح الباري بشرح صحيح البخاري 1/ 158 ط السَلَفيَّة. (¬1) أي لفظ رواية قَبِيصة، أما رواية وكيع فلفظُها: إذا توضأ الرجل المسلم وضعت خطاياه على رأسه، فَتَحاتَّت كما يَتَحاتُّ عِذْقُ النخلة/ المصنف 1/ 7، 8. (¬2) بالأصل "في مراد" وما أثبته من تهذيب الكمال 1/ 804 / وتهذيب التهذيب/ 6/ 229، 230. (¬3) في اللُّباب: ابن يُحابِر، وهو مراد 2/ 247. (¬4) انظر عُجالة النَّسَب للحازمي/ ص 81 ومرجعها واحد/ انظر تاريخ بغداد 2/ 195، واللباب 1/ 46.

قال ابن دُرَيْد (¬1): واشتقاق صُنَابح -إن كانت النون زائدة- من الصُّبح، وهو الضوء، وقال قوم: الصُّنَابح: العَرَق المُنْتِن؛ فإن (¬2) كان كذلك، فهو "فُعالِلْ" (¬3). كان الصُّنَابِحيُّ مُسْلِمًا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقَصَدَه، فلما انتهى إلى الجُحْفَة لَقِيه الخَبَر بِمَوْتِه -صلى الله عليه وسلم-، وهو معدود في كبار التابعين، رَوَى عن أبي بكر، وعُمر، وبلال، وعُبَادَة بن الصَّامت، وكان فاضلًا (¬4). قال أبو عمر: وكان عُبَادة كثيرَ الثناء عليه (¬5) وذكر أبو عمر عن أبي مُسْهِر -بسنده إليه- قال: كتب إليَّ ابنُ لَهيعَة عن ¬

_ (¬1) هو محمد بن الحسن بن دُرَبد البَصري، أبو بكر، معروف بابن دُرَيد، ولد سنة 223 هـ وكان من أعلم أهل زمانه باللغة والشعر والأنسَاب، وأيام العرب؛ ولكنه تُكُلِّم فيه من ناحية الرواية، ومن مؤلفاته: اشتقاق الأسماء، والجمهرة، والأمالي، وغيرها، وتوفي في شعبان سنة 321 هـ/ انظر: لسان الميزان 5/ 132 وما بعدها، وتاريخ بغداد 2/ 195، وما بعدها وطبقات الشافعية الكبرى لابن السُّبكي 3/ 138 وما بعدها، وطبقات القراء لابن الجزري 2/ 116. (¬2) بالأصل "وإن" وما أَثبَتُّه من "الاشتقاق" / ص 415. (¬3) الاشتقاق/ ص 415. (¬4) الاستيعاب بهامش الإصابة/ 2/ 426. (¬5) من ذلك ما أخرجه الطَّبَراني في المعجم الكبير/ مسند عبادة بن الصامت/ من طريق مُحَيْريِز قال: عُدْنا عُبَادة بنَ الصامت فأقبل أبو عبد الله الصُّنَابِحي فقال عبادة: مَن سرَّه أن ينظر الى رَجُل عُرِجَ به الى السماء فنظر الى أهْلِ الجَنَّة وأهلِ النار، فرجع، وهو يعمل على ما رأى، فلينظر الى هذا/ راجع تهذيب التهذيب 6/ 230.

يزيدَ بنِ أبي حَبِيب عن أبي الخير، قال: قلت للصُّنِابِحي: هاجرت؟ قال: خرجت من اليمن، فَقَدِمْنَا الجُحْفَة ضُحًى، فمر بنا راكب، فقلنا: ما وراءك؟ قال: قُبضَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منذ خَمْس، قال أبو الخيرة فقلت له: لم يَفُتْكَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلّا بِخَمْس (¬1). وحَدِيثُه ذكره مالك (¬2) فقال: عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصُّنابِحي، الحديث: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا توضأ العبد المؤمن ... ، فذكره، كذا هو في الموطأ (¬3) وهو أبو عبد الله، عبد الرحمن بن عُسَيلَة، قال الترمذي (¬4): سألت البخاري عنه فقال: مالك بن أنس، وَهِمَ في هذا الحديث، فقال: عبد الله الصُّنَابِحي، وهو: "أبو عبد الله الصُّنَابِحي" واسمه: ¬

_ (¬1) الاستيعاب 2/ 841 ثم ذكر رواية أخرى بنفس سند الرواية المذكورة وفيها أن الرجل الذي لقى الصُّنَابحي بالجُحْفَة قال: له تُوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أولَ أَمْس، ولم يرجح ابن عبد البر أيَّهما. (¬2) بالهامش تعليقًا على هذا نَصُّه: قلت: وحديث الصُّنَابِحي رواه النسائي وابن ماجه هـ. أقول: وهذا صحيح فعلًا، فقد أخرجه النسائي بسنده، عن مالك بسنده ولفْظِه/ كتاب الطهارة باب مسح الأذُنَين مع الرأس 1/ 74 وأخرجه ابن ماجه بسنده عن زيد بن أسلم عن عطاء عن عبد الله الصُّنَابحي بلفْظ مُقارب -الطهارة- باب ثواب الطهور 1/ 103 ح 282. (¬3) كتاب الطهارة - باب جامع الوضوء 31/ 1 ح 30. (¬4) في العلل الكبير له/ انظر ترتيب العلل الكبير لأبي طالب/ ل 2.

عبد الرحمن بن عُسَيلَة (¬1). وقد وافق مالكًا علي تسميته كذلك، أبو غسان، محمد بن ¬

_ (¬1) بقية كلام البخاري: ولم يسمع من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهذا الحديث مرسل/ ترتيب العلل الكبير/ ل 2، ونقل ذلك عنه ابن عبد البر وسكت عليه/ التمهيد 4/ 31، ومِنْ بعده السيوطي/ تنوير الحوالك 1/ 40، 41. وقال ابن عبد البر في الاستذكار 1/ 249 عقب كلام البخاري: هو كما قال البخاري، وقال ابن حجر تعليقًا على كلام البخاري هذا: وظاهره أن عبد الله الصنابحي لا وجود له، وفيه نظر، فقد روى سويد بن سعيد عن حفص بن مَيسرة عن زيد بن أسلم حديثًا غير هذا، وهو عن عطاء بن يسار أيضًا عن عبد الله الصنابحي قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الشمس تطلع بين قرنَي شيطان (الحديث). وكذلك أخرجه الدارقطني. في غرائب مالك، من طريق اسماعيل بن أبي الحارث، وابن مندة من طريق إسماعيل الصائغ -كلاهما- عن مالك، وزهير بن محمد قالا: حدثنا زيد بن أسلم بهذا. قال ابن مندة: رواه محمد بن جعفر بن أبي كثير، وخارجة بن مصعب عن زيد. ثم ذكر ابن حجر بعد ذلك حديث الوتر الآتي ذِكْر المؤلِّف له من رواية زهير بن عمد، وأبو غسان، عمد بن مُطَرف -كلاهما- عن زيد، وفيه: "عبد الله الصنابحي". ثم قال ابن حجر: فورود عبد الله الصنابحي في هذين الحديثين من رواية هؤلاء الثلاثة (أي خارجة وزهير وأبو غسان) عن شيخ مالك (أي زيد بن أسلم) يدفع الجزم بوهم مالك فيه/ الإصابة 4/ 272، وذكر في تهذيب التهذيب 6/ 91، 92 روايات أخرى عن مالك فيها "أبو عبد الله" بدل "عبد الله" وقال: ولكن المشهور عن مالك "عبد الله"، وسيأتي مزيد بيان لهذا بعد قليل ص 368 هامش 5.

مُطَرَّف (¬1) عن زيد بن أسلم، في حديث لأبي داود، من طريقه، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله الصُّنَابِحي، قال: زعم أبو محمد أن الوتر واجب (¬2)، وكذلك قال زهير بن محمد (¬3)، عن زيد (¬4)، فذكره أبو علي بن السَكَن (¬5). حكاه ابن القطان. ¬

_ (¬1) ثقة من السابعة، مات بعد الستين./ التقريب 2/ 208، وضَبْط "مطرف" في تبصير المنتبه 4/ 1295. (¬2) وفي آخره معنى حديث الباب/ سنن أبي داود - كتاب الصلاة - باب المحافظة على وقت الصلوات 1/ 295 ح 425، وانظر الإصابة 2/ 348، وتهذيب التهذيب 6/ 91. (¬3) التميمي أبو المنذر الخراساني، رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة، قال البخاري: وهو ثقة ليس به بأس، ووثقه غير واحد، خاصة في رواية البصريين عنه، وفيما حدث به من كتابه، وتوفي سنة 160 هـ الخلاصة/ 122 والتقريب 1/ 264 وتهذيب التهذيب 3/ 348 وما بعدها. (¬4) وكذلك قال حفص بن ميسرة عن زيد بن أسلم، كما في رواية ابن ماجه السابق ذكرها، وحفص ثقة رُبَّما وَهِم/ التقريب 1/ 189. (¬5) وبقية كلامه: يقال له صحبة، معدود في المدنيين، روى عنه عطاء بن يسار، وأبو عبد الله الصنابحي، مشهور، روى عن أبي بكر، ليست له صحبة هـ الإصابة/ 2/ 385، وبهذا قرر أن عبد الله الصنابحي - صحابي وأن أبا عبد الله الصنابحي تابعي، وعليه لا يكون مالكًا قد وهم في ذكره باسم "عبد الله الصنابحي" وقد أيد الحافظ ابن حجر هذا، مستدلًا بأن غير واحد من الرواة - ومنهم أبو غسان بن مُطرف، وزهير بن محمد، اللذان ذكرهما الشارح، وحفص بن ميسرة المذكور في سند حديث ابن ماجه السابق، ومحمد بن جعفر بن أبي كثير، وخارجة بن مصعب، كل هؤلاء قد تابعوا مالكًا على ذكر "عبد الله الصنابحي" وبذلك قرر أن هذا يدفع الجزم بوهم مالك فيه/ انظر/ الإصابة 2/ 384، وتهذيب التهذيب/ 6/ 29، وعليه يكون الحديث متصل الاسناد =

وذكر ابن أبي حاتم عن أبيه، فيمن روى عن الصُّنَابِحي هذا: مَرثَد (¬1) بن عبد الله، وربيعة بن يزيد، غير أن ربيعة يقول فيه: عن عبد الله (¬2). وأما حديث عبد الله بن عمرو، فذكر ابن أبي شيبة، في [باب] (¬3): "المحافظة على الوضوء وفضله": حدثنا حسين بن علي عن زائدة عن/ ليث عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: لن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن (¬4). ¬

_ = وليس مرسلًا كما قاله البخاري فيما تقدم نقله عن الترمذي، ويكون قول الترمذي والشارح فيما تقدم: إن الصنابحي راوي هذا الحديث هو: عبد الرحمن بن عُسَيلة التابعي، خلف ما رجحه الحافظ ابن حجر بالأدلة المتقدمة. ويكون الصنابحيون ثلاثة: الصُّنابح الأحمَسِي الذي يروي عنه الكوفيون، ومن قال فيه الصنابحي، فقد أخطأ، وعبد الرحمن بن عُسَيلَة الصنابحي ويكنى أبا عبد الله، فيقال له "أبو عبد الله الصُّنابحي" وهو تابعي، وعبد الله الصنابحي، وهو صحابي مختلف في صحبته، وذلك خلف ما قرره ابن المديني، وصوبه يعقوب بن شيبة من أن الصنابحيين في العدد ستة وفي الواقع اثنان فقط: الأحمسي، وعبد الرحمن. انظر تهذيب التهذيب 6/ 229، 230 والإصابة 4/ 271، 272 و 5/ 105. (¬1) بسكون الراء وفتح المثلثة/ تبصير المنتبه 4/ 1272. (¬2) الجرح 5/ 262. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها من المصنَّف 1/ 5. (¬4) المصنف لابن أبي شيبة 1/ 6، ويلاحظ أن فضل الوضوء المذكور في حديث الباب، بعيد الصلة بهذا الحديث كما أن هذا الحديث والذي سيذكره المؤلّف بعده من عند الدارقطني، كلاهما -من حديث عبد الله بن عمر، كما صرح به المؤلف في حديث الدارقطني، لكن الحديث الذي أشار إليه الترمذي عن عبد الله بن =

وعن ابن عمر، رواه الدارقطني من طريق ابن البيلماني عن أبيه عنه (¬1). قلت: وفي الباب أيضًا (¬2) عن أبي أُمامة، ذكره النسائي من ¬

_ = عمرو -بالواو-كما في الأصل، وفي مُختلِف طبعات الترمذي التي بين أيدينا، وقد ذكر صاحب تحفة الأحوذي أنه لم يقف على حديث ابن عمرو هذا/ التحفة 1/ 34، ولكني قد وجدته -بحمد الله- حيث ذكره السيوطي بلفظ: من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى أربع ركعات لا يسهو فِيهن، غُفِر له، وعزاه الى البزار عن ابن عمرو/ جمع الجوامع للسيوطي/ حرف الميم من الأقوال 1/ 768. (¬1) سنن الدارقطني - كتاب الطهارة - باب دليل تثليث المسح 1/ 92 ح 7، وفي سنده ما يقتضي شدة ضعفه/ انظر التعليق المغني مع سنن الدارقطني 1/ 92، 93، لكن شواهد الباب كثيرة كما ترى. (¬2) بالهامش في الأصل تعليق على هذا نصه: حاشية: قلت: وفي الباب مما لم يذكره الترمذي ولا الشارح: عن مرة بن كعب البهزي، رواه أبو عمر ابن عبد البر في التمهيد، وفي إسناده رجل لم يُسَمَّ، والله أعلم. وفي الباب أيضًا عن أنس بلفظ: طُهورُ الرجل لصلاته يكفر ذنوبه، رواه ابن حبان في الضعفاء، من رواية بشار بن الحكم عن ثابت عنه هـ. أقول: وهذا صحيح؛ فالحديث الأول في التمهيد 4/ 56 عن رجل من أهل الشام عن كعب بن مرة البهزي قال: قال رجل: يا رسول الله، أي الليل أسْمَع؟ (الحديث) وفيه: فإذا غسلت وجهك خرجت خطاياك من وجهك، واذا غسلت ذراعيك خرجت الخطايا من ذراعيك، وإذا غسلت رجليك خرجت الخطايا من رجليك. والحديث الثاني في "المجروحين" لابن حبان 1/ 191 في ترجمة بشار بن الحكم، وعده ابن حبان من مناكير بشار عن ثابت البُناني.

حديث شهر بن حَوْشَب عنه (¬1) ولم يذكرها الترمذي. وذَكَر (¬2) الصُّنابح بن الأعْسَر، للتفرقة بينه وبين الصُّنابِحي. وقد ذكره (¬3) أبو عُمر، وقال: له صحبة، معدود في أهل الكوفة من الصحابة. روى عنه قيس بن أبي حازم، لم يرو عنه غيره، وليس هو الصُّنابِحي، ذاك منسوب إلى قبيلة من اليمن، وهذا الصُّنابح، اسم لا نَسَب، ونسبه في أحمس وذاك تابعي، هذا له صحبة. وذاك معدود في أهل الشام، وهذا كوفي (¬4). وحديث الصُّنابح الذي ذكره: إني فَرَطُكم (¬5) على الحوض، وإني مُكاثِر بِكُم الأمم. رواه ابن ماجه، من حديث اسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم عنه (¬6). ¬

_ (¬1) أخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب عمل اليوم والليلة - باب ثواب من أوى طاهرًا إلى فراشه يذكر الله تعالى حتى تغلبَه عيناه/ عمل اليوم والليلة/ 470 ح 807، وأخرجه أيضًا أحمد في مسنده بنحو رواية النسائي/ مسند أحمد 4/ 113. أقول: وفي الباب غيرُ كل ما تقدم أحاديث عن عدد من الصحابة/ انظر جمع الجوامع للسيوطي، حرف الميم من الأقوال 1/ 765 - 768، ومجمع الزوائد للهيثمي - الطهارة - باب فضل الوضوء 1/ 221 - 226. (¬2) أي الترمذي. (¬3) يعني ذكر أبو عُمَر ابن الأعسر وقال: له صُحبة ... الخ. (¬4) الاستيعاب 2/ 201، 202 مع تصرف بالاختصار من جانب المؤلف. (¬5) الفَرط" بفتح الفاء والراء-: الذي يتقدم الواردِين، فيهيئ لهم ما يحتاجون إليه/ هَدْى الساري لابن حجر 1/ 186. (¬6) تقدم تخريجه من عند ابن ماجه وأحمد في مسنده ص: 348 ت، وانظر تحفة الأشراف 4/ 195 ح 4957.

[المعاني والأحكام]: قوله: "العبد المسلم أو المؤمن" "أو" هاهنا للشك من أحد الرواة، وكذلك هي في "مع الماء أو مع آخر قَطْر الماء" (¬1)، ويحمل عليه التَحري بإتيان لفظ الحديث دون معناه (¬2)، وهي مسألة ذهب الجمهور إلى جوازها (¬3). وما وقع في هذا الحديث: "بَطَشَتْها يداه، ومَشْتها رِجْلَاه" فمعناه -والله أعلم- اكتَسبَتْها (¬4) قال أبو عمر: وفي رواية ابن وهب عن مالك بهذا الحديث، زيادة ليست لغيره من الرواة عن مالك؛ وذلك أنه زاد في هذا الحديث ذكر "الرجْلَيْن" فقال: فإذا غَسَل رِجْلَيْه خَرجَت كل خطيئة مشتهما رجلاه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء. وهكذا قال: "مشتهما"، مُثَنًى (¬5). وقوله: إن زيادة لفظة "الرِّجْلَيْن" لا تُعرَف عن مالك إلا (¬6) من ¬

_ (¬1) انظر شرح النووي على مسلم 3/ 133. (¬2) كذا الأصل: وفي الاستذكار 1/ 255: وإنما حمل المحدث على ذلك التحري لألفاظ النبي -صلى الله عليه وسلم- اهـ والمعنى عليه واضح عما في الأصل. (¬3) انظر تفصيل ذلك في الكفاية للخطيب/ باب ذكر الحُجة في إجازة رواية الحديث على المعنى/ ص 300 وما بعدها، وتدريب الراوي 2/ 98 وما بعدها. (¬4) شرح النووي على مسلم 3/ 133. (¬5) وذكر ابن عبد البر أيضًا أن في رواية يحيى عن مالك وطائفة: "بطشتهما يداه" ثم عقب على هاتين الزيادتين في روايتي يحيى وابن وهب بأن فيهما من الوهم ما لا يخفى/ الاستذكار/ 1/ 254، 255. (¬6) بالأصل "ولا" وما أثبته هو الموافق لما تقدم من كلام ابن عبد البر.

طريق ابن وهب، يُعارِضُه (¬1) ثُبوُتُها في صحيح مسلم (¬2) من حديث مالك، من طريق سُويد بن سعيد، وابن وهب عنه، وفيه "مشتها رجلاه" بغير تَثْنِيته (¬3) وإن كان مسلم قد جعل اللفظة فيه لابن وهب، دون سويد، فإنه لا يَحتَمِل مثل ذلك الانفراد بهذه الزيادة، ولو لم تكن (¬4) عن سويد لبَيَّنَها. وفي حديث الصُّنَابِحي زيادة: "فإذا مسح برأسه، خرجَتْ الخطايا من رأسه، حتى تخرج من أذنيه" (¬5). وقد يَسْتَدِلُّ بهذا من يجعل الأذنين من الرأس (¬6)، وهو ما وقع الخلاف/ بَيْن العلماء فيه، وسيأتي (¬7). قال أبو عمر: وليس في هذه الأحاديث ذكر الرأس، إلا في حديث الصُّنَابِحي (¬8) وقد وقع في حديث عمرو بن عَبْسة: فإذا غَسل ¬

_ (¬1) بالأصل "فعارضه" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬2) تقدم تخريج الرواية المشار إليها من صحيح مسلم انظر ص 348 ت. (¬3) أي بغير تثنية الفعل فقال: مشتها. (¬4) بالأصل "يكن" ولا يستقيم المعنى عليها. (¬5) انظر التمهيد حيث ساق ابن عبد البر روايات الحديث من عدة طرق ثم قال: ليس في شيء من هذه الآثار "فإذا مسح برأسه خرجَتْ الخطايا من أذنيه" وذلك موجود في حديث الصُّنَابِحِي ... الخ/ التمهيد 4/ 57. (¬6) التمهيد 4/ 38. (¬7) حيث بوَّب له الترمذي باب ما جاء أن الأُذُنَين من الرأس/ جامع الترمذي - أبواب الطهارة - 1/ 53، 54 ح 37 ط شاكر. (¬8) التمهيد 4/ 57 ونص عبارته ما ذكرته في التعليق السابق.

ذراعيه خَرَّت (¬1) خطاياه من ذراعيه ورأسه، وإذا غَسَل رجْلَيه، خَرَّت خطاياه من رِجْلَيه. كذا ذكره ابن أبي شيبة من طريق ابن [البَيْلَمَاني] (¬2) عن أبيه عنه؛ فتضمن ذكر "الرِّجْلَين" الذي ذكر أبو عمر أنه ليس في حديث أبي هريرة الذي رواه مالك، إلا من طريق ابن وهب عنه. وقد ذكره أبو عمر من طريق أبي داود، وفيه: ثُم إذا مَسَحْتَ برأسك، خرجَتْ خطاياك من أطراف شَعْرك، ثم إذا غَسَلْتَ رِجْلَيك، خرجَتْ خطاياكَ من أطراف أنامِل رِجْلَيك (¬3). وذكر ابن العربي كلامًا معناه: لِمَ كانت خطايا الوجه [مَخرَجُها] من العين (¬4) دون الفم والأنف؟ وأجاب بوجهين: ¬

_ (¬1) في المصنف: "خرجَتْ" وذكر بهامشه أن في نسخة أخرى "خرت" كما هنا وكذا "خَرَّت" الآتية في بَقية الحديث/ المصنف لابن أبي شيبة 1/ 6. (¬2) بالأصل "السلماني" وما أثبته من التقريب 1/ 474 والخلاصة/ 225 مع ضبطه فيها بالحروف حيث قال: بفتح الموحدة ثم تحتانية ساكنة وفتح اللام، وفي "المُصنَّف" البَيْلَماني، وذكر مُحَققة أنه في نسخة أخرى "السلماني" 1/ 1، وما أَثبَتُه هو الصواب باتفاق المصادر السابق ذكرها. (¬3) التمهيد لابن عبد البر 4/ 51 - 53 وبعضه في سنن أبي داود، مع الإشارة لبقيته بقوله: وقص حديثًا طويلًا - سنن أبي داود - كتاب الصلاة - باب من رخص في صلاة العصر إذا كانت الشمس مرتفعة/ السنن مع عون المعبود 4/ 156 - 158، وأخرجه ابن سعد مطولًا بلفظ مقارب للفظ رواية ابن عبد البر؛ لكن من رواية شهر بن حَوْشَب عن عمرو بن عَبْسة/ الطبقات الكبرى 4/ 217، 218، أما رواية ابن عبد البر وأبي داود فهي من رواية أبي أُمامة عن عمرو بن عبسة. (¬4) بالأصل "لم كانت خطايا الوجه من العين وجهًا" ولا يستقيم المعنى عليه وما أثبته من العارضة 1/ 11.

الأول: أن العين ليس في خطاياها كبيرة، بخلاف الفم والأنف، ولا يخلو هذا من عمل، وهو: أن الأنف أخَفُّ خَطايا من العين. [الثاني: أن الفم والأنف لهما طُهور في الوجه، يَنفردَانِ به، مختصًا بفائدتها، وليس في العين طُهور] (¬1). وقد استدل بعض من لم يُجز الوضوء بالماء المستعمل "بهذا الحديث" وقال: الماء إذا حصل الوضِوء به مرة، خرجَت الخطايا معه، فوجب التنزه عنه، لأنه ماء الذَّنوب (¬2)، قال أبو عمر: وهذا عندي لا وجه له، لأن الذنوب لا تنجس الماء، لأنها لا أشخاص لها تُمازِجُ الماء فتفسده، وإنما معنى قوله: خرجت الخطايا مع الماء"، إعلام [منه] (¬3) بأن الوضوء للصلاة عمل يُكَفر الله به الذنوب والسيئات عن عباده المؤمنين، رحمة منه بهم. وتفضلًا (¬4) عليهم، أُعلِموا بذلك ليرغبوا في العمل به. واختلف الفقهاء في الوضوء بالماء المستعمل الذي قد تُوضِّئ به مرة: فقال الشافعي، وأبو حنيفة، وأصحابُهما، لا يُتوضَّأ به، ومن تَوضأ به، أعاد؛ لأنه ليس بماء مطلق، يتيمم واجده، لأنه ليس بواجد ماء، قالوا (¬5): لما كان مع الماء الذي يستعمل كَلَامَاء، [كان عند ¬

_ (¬1) هذا الوجه ساقط كله من الأصل، وأَثبتُّه من العارضة 1/ 11. (¬2) التمهيد 4/ 42. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها من التمهيد 4/ 42. (¬4) بالأصل "تفضيلًا" والتصويب من التمهيد 4/ 42. (¬5) الذي في التمهيد: ومن حجتهم في ذلك على الذين أجازوا الوضوء به عند عدم غيره، أنه لما كان ... الخ 4/ 42.

عدمه أيضا كَلَاماء و] (¬1) وجب التيمم. وقال بقولهم في ذلك: أصبغ [بن الفرج] (¬2) وهو قول الأوْزَاعي. وأما مالِك، فقال: لا يُتوضَّأ به إذا وُجِد غيره من الماء ولا خير فيه، ثم [قال] (¬3): إذا لم يجد غيره توضأ به، ولم يتيمم؛ لأنه ماء طاهر [لم يغيره شيء]. وقال أبو ثَوْر، وداود: الوضوء بالماء المستعمل جائز؛ لأنه ماء طاهر] (¬4) لا ينضاف إليه شيء، فواجب (¬5) أن يكون مُطهرًّا؛ لطهارته، ولأنه لا يضاف إليه شيء وهو ماء مطلق، واحتجوا بإجماع الأمة على طهارته إذا لم يكن في أعضاء المتوضئ نجاسة، وإليه ذهب محمد بن نصر المرَوزِي (¬6). واختلف عن الثوري في هذه المسألة: فَرُوِي عنه عدم الجواز (¬7)، وقال (¬8): هو ماء الذُّنوب. ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتُّها من التمهيد 4/ 42 وعبارة الأصل مختصرة هكذا (لَمَّا كان مع الماء الذي لم يستعمل كلاماء، وجب التيمم). وما أثبته أوضح وأكمل. (¬2) من التمهيد 4/ 43 وتقدمت ترجمة أصبغ ص 334 هامش 3. (¬3) من التمهيد 4/ 43. (¬4) من التمهيد 4/ 43. (¬5) في التمهيد 4/ 43 "فوجب". (¬6) التمهيد 4/ 43 وتتمة الكلام فيه: ومن حجتهم أن الماء قد يستعمل في العضو الواحد لا يَمْنَع من ذلك أحد، ولا يَسْلَم من ذلك، ثم قال: واخْتُلِفَ عن الثوري .... الخ. (¬7) وقال في الاستذكار: إن هذا هو المشهور عن الثوري 1/ 253. (¬8) عبارة التمهيد 4/ 43 والاستذكار 1/ 253: "وأظنه حُكِي عنه أيضًا أنه قال:=

وقد رُوِي عنه خلاف ذلك: [وذلك أنه] (¬1) أفتى فيمن نسى مسح رأسه قال: يأخذ من بلل لحيته فيمسح به رأسه (¬2). وقد روى عن علي، وابن عمر، وأبي أمامة، وعطاء بن أبي رَباح، والحسن البصري، والنَّخَعي، ومكحول، والزهري: أنهم قالوا فيمن نسى مسح رأسه فوجد في لحيته بللًا: أنه يجزئه أن يمسح بذلك البلل، رأسه (¬3) وعند مالك والشافعي وأبي حنيفة -ومن قال بقولهم-: أن من فعل ذلك كمن لم يمسح رأسه (¬4)، لأنه ماء قد أُدِّيَ به فرض آخر، كالجِمَار وشبهها (¬5) قال أبو عمر: الجمار مختلِف في ذلك عنها (¬6) وروايةَ المدنيين من أصحاب مالك: أنه طَهور، لكن كرهوه، للخلاف فيه (¬7) وقيل مشكوك فيه، فَيُجمَع بينه وبين التيمم، ¬

_ = هو ماء ... الخ"، فتصرف المؤلف في النقل غير سديد؛ لأن الظن غير الجزم بالقول الذي ذكره، أو لعل نسخته هكذا. (¬1) من التمهيد 4/ 43. (¬2) بقية الكلام في التمهيد، وهذا واضح في استعمال الماء المستعمل/ 4/ 43 ونحوه في الاستذكار 1/ 253. (¬3) بقية الكلام في التمهيد: 4/ 43: فهؤلاء كلهم أجازوا الوضوء بالماء المستعمل، وأما مالك ... الخ. (¬4) بقية الكلام في التمهيد 4/ 43: وكان عليه الإعادة لكل ما صلّى بذلك الوضوء عندهم لأنه ماء ... الخ. (¬5) أي جمار الرمي في الحج/ التمهيد 4/ 44، والاستذكار 1/ 254 مع تصرف من المؤلف بالاختصار. (¬6) التمهيد 4/ 44. (¬7) انظر الكافي في فقه أهل المدينة لابن عبد البر 1/ 158، وقيده بأن تكون أعضاء المتوضئ به طاهرة.

ثم اختُلِف في البداءة بالوضوء به قبل التيمم، أو بالتيمم، على قولين، ذكره ابن شاس (¬1) ومراعاة الخلاف مما استعمله المالكيون أكثر من غيرهم. ¬

_ (¬1) بالشين المعجمة والسين المهملة بينهما ألف. وذكر تلميذه المنذري وأكثر المصادر غيره أنه: أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس، ابن نزار، وفي حسن المحاضرة للسيوطي 1/ 454، وشجرة النور التركية لابن مخلوف 1/ 165 ذكر أن اسم والده "محمد" ولعل هذا مما جعل الزركلي -رحمه الله- يترجم له مرتين في كتابه الأعلام 4/ 269، 286. أما في كشف الظنون 1/ 612 فذكر شخصًا واحدًا مع الاشارة إلى الاختلاف في ذكر اسم أبيه، وذكر ابن مخلوف تلقيبه بنجم الدين. واتفقت المصادر على أنه: الجذامي، السعدي، المصري، المالكي، وعلى أنه مؤلف كتاب "الجواهر الثمينة، في مذهب عالم المدينة" وأنه ألفه على ترتيب كتاب الوجيز في الفقه الشافعي للإمام الغزالي، وأحسن ابن شاس تصنيف هذا الكتاب وتنقيحه فسارت به الركبان، وعكف عليه المالكية بمصر، وعُرِف ابن شاس به فقيل له: "صاحب الجواهر" كما في البداية والنهاية لابن كثير 13/ 83. وفي حسن المحاضرة أنه توفي سنة 610 هـ، ولكن الذي ذكره تلميذه المنذري وغيره: أنه توفي غازيًا بثغر دمياط في جمادي الآخرة، أو في رجب سنة 616 هـ/ انظر التكملة لوفيات النقلة للمنذري 2/ 468، 469، أصل وهامش، وسير النبلاء 22/ 98، 99، والديباج المذهب لابن فرحون 1/ 443، 444. أقول: وقد ذكر أبو القاسم التجِيبي المتوفي سنة 730 هـ كتاب ابن شاس هذا في بَرنامجه/ 271 ضمن مروياته عن بعض شيوخه، بسنده المتصل إلى المؤلف، وهذا يؤكد شهرة الكتاب وتداوله بعد وفاة مؤلفه. ولكن لم يتيسر لي الوقوف عليه مطبوعًا، وهو مَظِّنه ما عزاه المؤلف إلى ابن شاس من أقوال ونصوص خلال هذا الشرح، كما هنا وكما سيأتي في ص 392 وغيرهما، =

وقال أبو العباس: قد استدل أبو حنيفة بهذا الحديث على نجاسة الماء المستعمل. ولا دليل فيه، وذكر نحو ما حكيناه عن أبي عُمر (¬1). فتلَخص أن في الماء المستعمل ثلاثة مذاهب: 1 - قول بالتنجيس: وهو أضعفها مأخذًا (¬2)، لما روَى الدارقطني وغيرُه من حديث أبي أمامة: أن الماء لا ينجسه إلا ما غير ¬

_ = ويوجد الجزء الثالث منه مخطوطًا/ انظر فهرس القرويين، للفاسي 3/ 221. وقد نقل كل من الخطاب في حاشيته المعروفة. وابن المَواق العبدري في كتابه "التاج والإكليل لمختصر خليل" نقولًا كثيرة عن ابن شاس، ولكن لم أجد فيهما هذا النقل. انظر: حاشية الحطاب وبهامشها التاج والإكليل 1/ 66 - 69، 228 - 230. (¬1) وعبارة أبي العباس: ولا حجة فيه؛ لما ذكرناه اهـ. وأشار بقوله: "لما ذكرناه" إلى أن قال قبل ذلك في كلامه على الحديث: إنه مخالف لحديث عثمان عند مسلم الذي يفيد أن التكفير إنما يكون بالوضوء إذا صلى به صلاة مكتوبة يُتم ركوعها وسجودها وخشوعها، وأجاب عن ذلك بانه يرَدُّ مطلق الحديث -كالذي معنا- إلى مقيده. كحديث عثمان، أو أن يقال: إن ذلك التكفبر يختلف باختلاف أحوال الأشخاص، فبعض المتوضئين يحصل له من مراعاة الأداب، وحضور الهمة ما يستقل بسببها وضوؤوه بالتكفير، ورب متوضئ لا يحصل له ذلك، فيكون التكفير له بمجموع الوضوء والصلاة هـ. أقول: وهذا نحو ما نقله الشارح آنفًا عن ابن عبد البر: أن المراد بهذا الحديث الإعلام بأن الوضوء للصلاة عمل يكفر الله به الذنوب عن عباده رحمة بهم وتفضلًا، وأُعلِموا بذلك للترغيب فيه. والله أعلم. (¬2) وقال ابن رشد: إنه شاذ/ بداية المجتهد 1/ 45 وقال النووي: إنه عَجَب/ المجموع 1/ 152.

ريحه أو طعمه. الحديث (¬1) وفيه من حديث ثوبان أيضًا (¬2). 2 - وقول بالطهارة، دون الطّهوريَّة: وأقوى ما يَستدِل به من ذهب إليه: تصرفهم في لفظة "طهور" في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} (¬3). وقوله عليه السلام: هو الطهور ماؤه (¬4)، وما جاء [على ذلك ¬

_ (¬1) سنن الدارقطني - كتاب الطهارة باب الماء المتغير - وقال الدارقطني عقبه: لم يرفعه غير رِشْدِين بن سعد عن معاوية بن صالح، وليس بالقوى، والصواب في قول راشد اهـ. يعني أن الصواب كون الحديث من قول راشد بن سعد موقوفًا عليه، كما ذكره قبل رواية أبي أمامة المرفوعة هذه؛ لكن قول الدارقطني: لم يرفعه غير رِشْدين بن سعد، معارض برواية البيهقي له بنحوه من غير طريق رِشْدين مرفوعًا/ السنن كتاب الطهارة - باب نجاسة الماء الكثير إذا غيَرتْه النجاسة 1/ 259، 260 ولكن مع هذا صحيح أبو حاتم إرساله/ التعليق المغنى بهامش سنن الدارقطني 1/ 28. (¬2) سنن الدارقطني - كتاب الطهارة - باب الماء المتغير 1/ 28 وفي سنده رِشْدِين بن سعد ضعيف/ التقريب 1/ 251 ولفظ الحديث: الماء طَهور إلا ما غلب على ريحه أو على طعمه. (¬3) الآية 48 من سورة الفرقان. (¬4) أخرجه ابن خزيمة في صحيحه من حديث أبي هريرة وجابر/ كتاب الطهارة - باب الرخصة في الغسل والوضوء بماء البحر، داود في سننه - كتاب الطهارة - باب الوضوء بماء البحر/ السنن مع عون المعبود 1/ 152. والحاكم في المستدرك - كتاب الطهارة - باب البحر هو الطهور ماؤه/ 19/ 140 وما بعدها وصححه من حديث أبي هريرة وأقره الذهبي.

فإنه يقتضى] (¬1) زيادة على الطَّاهِريَّة، من حيث البنْيَة، فإن "فَعُولا" من أَبْنِيَة المبالغة، ومن حيث المعنى؛ فإنهم كانوا يَعلمون طهارة ماء البحر، وإنما سألوا عن جواز رفع الحدث وقول جابر عنه عليه السلام-: فتوضأ وصب [وضوؤه] (¬2) عَليَّ. وعن معاذ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه (¬3) وغير ذلك. وما يؤخذ من قوله عليه السلام: وجُعِل تُرابها طُهورًا (¬4) فيما خُص به، وقد كان ترابها طاهرًا قبل ذلك، فالذي وقع الاختصاص به، هو القدر الزائد من الطّهوريَّة على الطَّاهِريَّة. 3 - وقول ببقائه على طهارته وطُهوريَّته - مع تنزه القائلين بطهوريَّته عن استعماله إذا وُجِد غيره، على التفصيل المحكي عنهم آنفًا - ويُستَدَل له، بعموم قوله عليه السلام في بئر بُضاعة (¬5): إن الماء ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من رواية الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الوضوء - باب صب النبي وضوءه على مُغْمى عليه/ البخاري مع الفتح 1/ 301 ح 194، وفي كتاب الاعتصام باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل مما لم ينزل عليه الوحي/ البخاري مع الفتح 13/ 290 ح 7309. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من رواية الحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الوضوء - باب صب النبي وضوءه على مُغْمى عليه/ البخاري مع الفتح 1/ 301 ح 194، وفي كتاب الاعتصام باب ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأل مما لم ينزل عليه الوحي/ البخاري مع الفتح 13/ 290 ح 7309. (¬3) أخرجه الترمذي - أبواب الطهارة - باب ما جاء في التَمندُل بعد الوضوء، وقال: حديث غريب وإسناده ضعيف/ الترمذي 1/ 75 ح 54. (¬4) أخرجه مسلم من حديث حُذيفة بلفظ: وجُعِلَت تُربتُها لنا طهورًا، إذا لم نجد الماء/ كتاب المساجد ومواضع الصلاة/ الباب الأول 1/ 371 ح 4. (¬5) بضم الباء وكسرها، والمحفوظ في الحديث الضم، وبالضاد المعجمة، وقيل بالصاد المهملة، وهي بئر معروفة بالمدينة، وكان سيل الماء يَطرَح فيها النجاسات كلفافات دم الحيض ولحم الكلاب النتن؛ ولكنها كانت كثيرة الماء فلا بغير ذلك =

طَهور، لا ينجسه شيء (¬1) وبما في معناه من حديث ابن عباس: "إن ¬

_ = لونَها ولا طعمَها، فسئل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن حكم استعمال مائها في الطهارة، فأجاب بالحديث المذكور، وقد قيل إن "بُضَاعة" اسم لصاحب البئر، وقيل اسم لموضعها بالمدينة في دار بني ساعدة، وقد بَصقَ فيها الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبرَّك، وتوضأ في دلو وردّه فيها، وقد رآها أبو داود صاحب السنن ووصفها وقاس أبعادها/ سنن أبي داود مع العون 1/ 126 - 119 والتلخيص الحبير مع المجموع 1/ 91، 93. (¬1) أخرجه الترمذي بلفظه من حديث أبي سعيد الخدري - أبواب الطهارة - باب ما جاء أن الماء لا ينجسه شيء، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وقد جوَّد أبو أسامة إسناده، فلم يَرْو أحد حديث أبي سعيد في بئر بُضاعة أحسن مما روى أبو أسامة، وقد رُوِي هذا الحديث من غيره وجه عن أبي سعيد/ الترمذي مع التحفة 1/ 213، 205. وأخرجه أبو داود بسند الترمذي ولفظه، ومن طريق آخر بلفظه أيضًا/ كتاب الطهارة باب ما جاء في بئر بُضاعة/ سنن أبي داود مع عون المعبود 1/ 126 - 128. وأخرجه أحمد في مسنده بلفظه من طريقين/ مسند أحمد 3/ 15، 16، 86 وبسند الترمذي ولفظ "الماء الطهور لا ينجسه شيء/ المسند 3/ 31. وأخرجه النسائي بسند الترمذي ولفظِه، ومن طريق آخر بلفظ "الماء لا ينجسه شيء" كتاب المياه - باب ذكر بئر بضاعة/ سنن النسائي مع التعليقات السلَفية 1/ 39. وأخرجه النسائي أيضًا من حديث ابن عباس بلفظ "إن الماء لا ينجسه شيء" - كتاب المياه - الباب الأول/ سنن النسائي مع التعليقات السلفية 1/ 39. وأخرجه أحمد في مسنده من طرق 1/ 284 بلفظه، 235 بلفظ: "الماء طهور =

الماء لا يُجْنِب" (¬1) وغيره. ولكل فريق من الاحتجاج لقولهم، والمعارضة لمخالِفيهم (¬2) ¬

_ = لا ينجسه شيء"، و 308 بلفظ "إن الماء لا ينجسه شيء". وأخرجه أحمد أيضًا عن عائشة موقوفًا بلفظه/ مسند أحمد 6/ 172. وأخرجه أحمد أيضًا بنحوه من حديث ميمونة مرفوعًا/ المسند 6/ 330. وسيأتي بسط الكلام عنه في موضعه من جامع الترمذي بعون الله. (¬1) بضم الياء وكسر النون، وقيل بفتح الياء وضم النون، أي لا يصير بمثل هذا الفعل إلى حال يُجتَنَب فلايستعمل، وإذا غمس الجنب يده فيه لا ينجُس/ جامع الأصول لابن الأثير 7/ 70 وسيأتي شرح الحديث في محله من الترمذي إن شاء الله. فقد أخرجه الترمذي بلفظه وقال: حسن صحيح - أبواب الطهارة - باب ما جاء في الرخصة في ذلك (أي في فضل طُهور المرأة) / الترمذي مع التحفة 1/ 200، 201 وأخرجه أبو داود في سننه بسند الترمذي، بلفظ: "الماء لا يُجْنِب"/ كتاب الطهارة - باب الماء لا يُجنِب/ سنن أبي داود مع العون 1/ 130، 131. وأخرجه الدارمي بسند الترمذي، وأحال بِمتنه على حديث قبله بنحوه - سنن الدارمي - كتاب الطهارة - باب الوضوء بفضل وضوء المرأة 1/ 153. وأخرجه ابن ماجه بسند الترمذي ولفظ أبي داود السابق ذكره - سنن ابن ماجه - كتاب الطهارة - باب الرخصة بفضل وضوء المرأة 1/ 132 ح 370. وأخرجه الحاكم وصححه، وأقره الذهبي - المستدرك وبهامشه تلخيص الذهبي له 1/ 260. (¬2) بالأصل "فخالفهم" ولا يستقيم المعنى عليه.

ما يطول ذكره (¬1) وأصحابنا يُفرِّقوُن في ذلك بين الأغسال المسنونة، وما وقع عِنْديا (¬2) فيجيزونه في الأول دون الثاني، وكذلك ما بلغ القُلَّتيَن، وما لم يبلغهما. وسيأتي ذلك عند ذِكَر حديث القُلَّتين، إن شاء الله (¬3). والذُّنوب التي تضمن الحديث تكفيرَها، هي الصغائر، دون الكبائر (¬4). ¬

_ (¬1) انظر في ذلك المجموع للنووي 1/ 149 وما بعدها والمغنى لابن قدامة 1/ 18 - 22. (¬2) كذا الأصل، ولعل صوابه "عَيْنيًّا" أي فرض عين، لمقابلته "بالمسنون" في قوله قبله "الأغسال المسنونة". (¬3) حيث أخرجه الترمذي - أبواب الطهارة - بابٌ منه آخر، أي مما جاء أن الماء لا ينجسه شيء/ الترمذي مع التحفة 1/ 215. (¬4) شرح النووي على صحيح مسلم 3/ 133. وهنا سطر مضروب عليه بالأصل وهو عبارة عن نقل كلام لابن عبد البر نصه "وقال أبو عمر: قال بعض المنتسبين إلى ذلك في قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه} وهو الشرك هـ والكلام بدونه مستقيم. قال النووي: وفي هذا الحديث دليل على الرافضة وإبطال لقولهم: الواجبُ مسح الرِّجلين/ شرح النووي على مسلم 3/ 133.

3 - باب [ما جاء أن] مفتاح الصلاة الطهور

3 - باب [ما جاء أنَّ] (¬1) مِفْتاح الصلاة الطُّهور حدثنا هنَّادُ، وقُتَيْبَةُ، ومحمودُ بن غَيْلان، قالوا: ثنا وكيع عن سفيان [ح] (¬2). وحدثنا محمد بن بَشَّار ثنا عبدُ الرحمن بن مَهْدي، ثنا سفيان، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عن محمد بن الحَنفية، عن علي، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: مِفْتاح الصلاة الطُّهور، وتحريمُها التكبير، وتَخلِيلُها التسْلِيم. قال أبو عيسى: هذا الحديث أصح شيء في هذا الباب، وأحسن. وعبد الله بن محمد بن عَقِيل، هو صَدُوق، وقد تكلَّم فيه بعضُ أهل العِلْم من قِبَل حِفْظه. قال أبو عيسى: وسمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: كان أحمد بن حنبل، وإسحق بن إبراهيم، والحُمَيْدي، يحتجون بحديث عبد الله بن محمد بن عَقِيل، قال محمد: وهو مُقارِبُ الحديث. قال أبو عيسى: وفي الباب عن جابر وأبي سعيد. حدثنا أبو بكر محمد بن زِنْجَوْيه، البغدادي -وغير واحد- قالوا: ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قَزم عن أبي يحيى القَتَّات عن مجاهد عن جابر بن عبد الله -[رضي الله عنهما] (2) قال رسول الله ¬

_ (¬1) من ط شاكر 8/ 1. (¬2) من طبعة شاكر 1/ 10.

-صلى الله عليه وسلم-: مفتاحُ الجنة الصلاة، ومِفتاحُ الصلاةِ الوضوء (¬1). ¬

_ (¬1) أخرجه البيهقي في شعب الإيمان وأحمد في المسند بنفس سند الترمذي هنا، وفيه أبي يحيى القَتَّات، لَيِّن الحديث من الثالثة/ انظر مسند أحمد 3/ 330 والفتح الرباني 2/ 205 وضعيف الجامع الصغير 5/ 135 والتقريب 2/ 489، وسيأتي كلام المؤلف عنه في الأصل ص 297 - 299. وفي مقابل هذا الحديث بالأصل حاشية نَصُّها: "هذا الحديث وقع في رواية أبي يعلي عن السِّنْجِي، وليس هو في رواية الشارح هـ. أقول: وأبو يعلى هو أحمد بن عبد الواحد بن محمد بن جعفر المشهور بابن زوج الحُرَّة، وهو يروِي جامع الترمذي عن السِّنْجِي، وهو أبو علي الحسن بن محمد بن أحمد بن شُعبة المَرَوزِي السِّنْجِي، والسِّنْجِي يروى الجامع عن أبي العباس المحبوبي، والمحبوبي يرويه عن الترمذي وتعرف روايته برواية المحبوبي/ فهرسة ابن خير الإشبيلي/ 118 ولكن رواية الشارح كما ساق سنده بها فيما تقدم عن أبي عامر الأزْدِي، وأبي بكر التاجر، وأبي نصر التِّرْيَاقي وأبي المُظَفَّر الدَّهَّان، جميعهم عن عبد الجبار الجَرَّاحي عن المحبوبي عن الترمذي فاختلف طريق الروايتين عن المحبوبي؛ وعليه اختلفا بالزيادة والنقص؛ لكن عدم وجود الحديث في رواية الشارح بالسماع من شيوخه لا يمنع من إثْباته بالوِجَادة في أصل معتمد كما هو معروف، خاصة وأنه في عصر الشارح لم تكن العمدة في ثبوت الأحاديث على اتصال سند السماع إليه وإنما العمدة على الثبوت في أصل موثوق بصحته/ انظر التقريب مع شرحه التدريب 2/ 63؛ ولهذا فإن المِزِّي أثبت هذا الحديث في تحفة الأشراف مَعْزُوًّا إلى الترمذي مع التنبيه على أنه ليس في السماع، ثم قال: ولم يذكره أبو القاسم -يعني ابن عساكر- في كتابه "أطراف السنن الأربعة"/ التحفة 2/ 264، كما أثبته أيضًا الشيخ أحمد شاكر في طبعته للترمذي معتمدًا في ذلك على نسخة الشيخ عابد السِّنْدي، وقال: إنها نسخة موثَّقَة، ثم أيَّد كون الحديث ثابتًا في جامع الترمذي بِعَزو الحافظ ابن حجر إياه للترمذي، وهو كما قال/ راجع جامع الترمذي بتحقيق الشيخ شاكر 1/ 14 من المقدمة، 10 من متن الكتاب/ أصل =

[الكلام عليه] [التخريج والصناعة الحديثية]: هذا الحديث (¬1): مُخَرَّج عند أبي داود، في الطهارة (¬2) وفي الصلاة (¬3) عن عثمان بن أبي شيبة عن وكيع. [وعند] (¬4) ابن ماجه عن علي بن محمد عنه (¬5). وزعم ابن العربي: أن إسناد أبي داود هذا، أصح من سند ¬

_ = وهامش، والتلخيص الحبير لابن حجر - كتاب الصلاة 1/ 216 أما في متن الترمذي المطبوع مع شرحه معارف السنن للشيخ البَنُّوري 1/ 75 فليس الحديث موجودًا به، ولم يتعرض له الشارح بشيء. وأما متن الترمذي المطبوع مع شرحه تحفة الأحوذي للمباركفوري 1/ 41، 42 فيوجد الشطر الأخير فقط من الحديث وهو"مفتاح الصلاة الطُّهور" لكنه موضوع خطأ تحت الباب التالي لهذا الباب وهو باب "ما يقول إذا دخل الخلاء"؛ مع أنه لا تعلق له بهذا الباب، كما أن صاحب التحفة لم يتعرض لشرحه مطلقًا، وكذلك الشارح هنا لم يتعرض لشرح شطره الأول، ولكنه قرر كما سيأتي إخراج الترمذي له في هذا الباب وتكلم على سنده. وليس الحديث موجود أيضًا في نسخة الترمذي المطبوعة مع عارضة الأحوذي 1/ 16. (¬1) أي حديث عَليِّ المذكور في أول الباب. (¬2) باب فرض الوضوء/ سنن أبي داود مع عون المعبود 1/ 88. (¬3) باب الإمام يُحْدِث بعدما يرفع رأسه من آخر ركعة/ سنن أبي داود مع عون المعبود 2/ 325. (¬4) زيادة مني للتوضيح. (¬5) أي عن وكيع - كتاب الطهارة - باب مفتاح الصلاة للطُّهور 1/ 101 ح 275.

الترمذي (¬1) ولا وجه لهذا الترجيح. ومداره على ابن عَقِيل. ولم يُصحِّح أبو عيسى حديثَ ابنِ عَقِيل هُنا، وصححه في غير هذا الموضع، وينبغي أن يكون حديثه حسنًا، فقد أثنى عليه قوم، وتكلم فيه آخرون (¬2) فلنذكر من قاله؟، وما البأس عليه؟ وليُفْهم فيه ما انتهى إلينا: وهو عبد الله بن محمد بن عَقِيل بن أبي طالب، [روى عن أبيه ¬

_ (¬1) عارضة الأحْوَذِي 1/ 15، 16. (¬2) هذا يفيد أن الشارح يرى أن من أثنى عليه قوم من النقاد وتكلم فيه آخرون يكون حديثه حسنًا لذاته، وقد سبقه إلى تقرير هذا ابن القطَّان في كتابه "بيان الوَهْم والإيهام" حيث قال عن حديث الترمذي عن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل قبرًا ليلًا فأُسرِجَ له سراج (الحديث) قال: إن الترمذي قال فيه: حسن، ثم قال: ولم يُبيِّن -يعني عبد الحق في أحكامه- المانع من تصحيحه، وهو حديث في إسناده ثلاثة كل واحد منهم مخْتلَف فيه بحيث يقال -على الاصطلاح- للحديث من روايته حسن، أي حال بين حَالَيْ الصحيح، والسقيم، بل أحدهم رُبما نزلت حاله عن هذه الدرجة لدرجة الضعيف، وهو حجاج بن أرطاة، لا سيما وهو لم يذكر سماعًا هـ يعني في هذا الحديث/ بيان الوهم والإيهام 1 / ق 236 أ، وقَيَّد ابن الصلاح ذلك بأن يكون التكلم في الراوي من قِبَل حفظه فقط دون عدالته/ علوم الحديث مع التقييد والإيضاح / 51. واعتبر الذهبي المرتبة الثانية من الحسن لذاته ما اخْتُلِفَ في تحسينه وتضعيفه/ التدريب ص 91. أقول وينبغي تقييد هذا بأن لا يوجد مُرجِّح يرجح جانب توثيق الراوي المختلف فيه أو تضعيفه، فإن وُجِد مرجح عمل به، فإن ترجح التوثيق كان الحديث صحيحًا، إذا توفرت فيه بقية شروط الصحة، كان ترجح التضعيف كان الحديث بهذا الإسناد الذي فيه هذا الراوي ضعيفًا والله أعلم.

وخاله] (¬1) محمد بن الحنفية، ومحمد بن مسلم الزهري، وعطاء بن يسار، وأبي (¬2) سلمة بن عبد الرحمن، وسعيد بن المسيب، وعلي بن الحسين، وحمزة بن أبي سعيد الخدري، وفضالة بن أبي فضالة الأنصاري. روى عنه: ابن عُيَينة وزهير بن معاوية، وشريك، والنخعي، وابن عَجْلان، وبشر بن المفضَّل، ومحمد بن راشد، والثوري، ورَوْح/ بن القاسم، وفُلَيح، وزائدة، ويعقوب العَمِّي، ومحمد بن علي الجُعْفِي، وعبيد الله بن عَمْرو الرَّقِّي (¬3) وحماد بن سَلَمة، وزهير بن محمد قال [أبو أحمد] الحاكم: كان أحمد وإسحق [بن ابراهيم بن رَاهُويَه] يحتجان بحديثه (¬4)، وقال أبو عمر بن عبد البر، فيه: شريف عالم، لا يطعن عليه الا متحامل، وهو أقوى من كل من ضعفه، وأفضل (¬5) وقال أبو أحمد بن ¬

_ (¬1) ليس بالأصل وأثبتها من الخلاصة/ 213 وتهذيب التهذيب 6/ 13. (¬2) بالأصل "وأبا" وما أثبته موافق لقواعد الإعراب، لعطفه على مجرور. (¬3) بالأصل "عبد الله بن عمرو الررقي" والتصويب من المصادر/ تهذيب الكمال 2/ 717 وتهذيب التهذيب 6/ 14، 7/ 42 والخلاصة/ 252. (¬4) تهذيب الكمال/ 2/ 735 وتهذيب التهذيب 6/ 15 وما أثبته بين المعكوفين زيادة منهما وبقية كلام الحاكم فيهما أيضًا: "وليس بذاك المَتين المُعتمَد" أقول: وما كان للمؤلف أن يحذفها إذا كانت وُجِدَت في المصدر الذي نقل عنه؛ لأنها عبارة عن رأي الحاكم في هذا الراوي بعد ذكر موقف أحمد واسحق منه. (¬5) في تهذيب التهذيب 6/ 15 "وهو أوثق من كل من تكلم فيه، وتعقبه ابن حجر فقال: وهذا إفراط هـ أقول ومع ذلك أخذ الشيخ شاكر رحمه الله يقول ابن عبد البر، واعتمد توثيق ابن عَقِيل مع أن عبارة ابن عبد البر على ما ذكرها =

وهو خير من ابن سمعان، ويكتب حديثه (¬1)، وقال ابن سعد: منكر الحديث، لا يكتب حديثه (¬2) وكان كثير العلم، مات سنة خمس وأربعين ومائة. وقال ابن حِبَّان: كان رديء الحفظ، يحدث على التَّوَهُّم، فيجئ بالخبر على غير سَنَنه، فوَجَبت مُجانبة أخباره (¬3)، وقال أبو مَعْمر القَطِيعي: كان ابن عيينة لا يَحْمَد حِفْظَ ابن عَقِيل (¬4)، وقال أبو حاتم: هو لَيّن الحديث/ ليس [بالقوى، ولا] ممن يُحتج بحديثه، يكْتب حديثه، وهو أحب إليّ من تَمّام بن نَجِيح (¬5) وقيل ليحيى بن معين: عبد الله بن محمد بن عَقِيل أحب إليك، أو عاصم بن عُبَيْد الله؟ فقال: ما أحب واحدًا منهما في الحديث (¬6)، وقال أبو عمر -في موضع-: وعبد الله بن محمد بن عقِيل، ليس بالحافظ عندهم. وفي الباب مما لم يذكره الترمذي: حديث أنس "مفتاح الصلاة الطُّهور، والتكبير تَحْريمُها"، ذكره ابن عَدِي، وضعَّفه بنافع بن هُرْمُز (¬7). ¬

_ (¬1) الكامل/ ل 500 أ. (¬2) الذي في تهذيب الكمال 2/ 737 وتهذيب التهذيب 6/ 15 والطبقات المحققة/ 265: لا يحتجون بحديثه. (¬3) المجروحين لابن حِبَّان 2/ 3. (¬4) تهذيب الكمال 2/ 737 وتهذيب التهذيب 6/ 14 والجرح 5/ 154. (¬5) الجرح 5/ 154 وتهذيب الكمال 2/ 737. (¬6) الجرح 5/ 154. (¬7) أو "أبو هرمز" كما في الكامل، والمغني في الضعفاء 2/ 693 وسند الحديث كما في الكامل: ثنا الوليد بن حماد الزيات ثنا سليمان بن عبد الرحمن ثنا سَعْدان بن يحيى عن نافع مولى يوسف السُّلَمي عن عطاء عن ابن عباس قال: سألوا =

وفي الباب مما لم يذكره: حديث ابن مسعود، ذكره الطبراني في معجمه الكبير، من حديث أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله (¬1). وذكر أبو بكر البيهقي حديث عليِّ هذا، وقال: قال الشافعي في القديم: وكذلك رُوِي عن عبد الله بن مسعود، وذكر (¬2) بسنده عن شعبة عن أبي إسحق عن أبي الأحوص عن عبد الله قال: مفتاح الصلاة التكبير، وانقضاؤها بالتسليم. وذكر (¬3) في الباب حديث جابر وأبي سعيد، وكلاهما عنده. أما حديث جابر، ففي الباب ذَكَره، وأما حديث أبي سعيد، فرواه في الصلاة (¬4) عن سفيان بن وكيع عن محمد بن الفُضَيْل (¬5) عن أبي سفيان -طرِيف السَّعْدِي- عن أبي نَضْرة (¬6) عنه، وقال: ¬

_ = رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن افتتاح الصلاة الطهور وتحريمُها التكبير، ثم قال: ولِنَافِع أبو هرمز غير ما ذكرْت، وعامة ما يرويه غير محفوظ والضعف على روايته بَيِّن / ل/ 915. (¬1) المعجم الكبير 9/ 295 ح 9271 بلفظ "تحريم الصلاة التكبير، وتحلِيلُها التسليم- (الحديث). (¬2) أي البيهقي في سننه الكبرى - كتاب الصلاة - باب ما يُدخَل به في الصلاة من التكبير 2/ 15، 16. (¬3) أي الترمذي. (¬4) جامع الترمذي - كتاب الصلاة - باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها 2/ 3. (¬5) في التحفة "فضيل" 3/ 465. (¬6) في الأصل "نصرة" بالصاد المهملة، ولكنه كتبه بعد ذلك بقليل بالمعجمة وكذا هو في المصادر/ تحفة الأشراف 3/ 465 ح 4357 والتقريب 2/ 275، 481.

عَدِي (¬1) حدثنا علي بن أحمد بن سليمان، قال: ثنا أحمد بن سعد بن أبي مريم (¬2)، قال: سمعت يحيى بن مَعِين يقول: عبد الله بن محمد بن عَقِيل، ضعيف الحديث. قال: وثنا ابن أبي بكر وابن حماد قالا: ثنا عيَّاش، قال: سمعت يحيى يقول: [وقد] (¬3) سئل عن حديث سُهيْل، والعَلاء، وابن عَقِيل، وعاصم بن عُبَيْد الله - فقال: عاصم وابن عَقِيل، أضعف الأربعة، والعَلاء، وسُهيْل، حديثهم قريب من السوَّاء، وحديثهم ليس بالحُجج، أو قريب من هذا. تَكلَّم فيه يحيى، قال يحيى: ومحمد بن عمرو أكثر بالحُجج (¬4) من هؤلاء الأربعة - زاد ابن أبي بكر: وفُلَيح، وابن عَقِيل وعاصم ابن عُبَيد الله، لا يُحْتَج بحديثهم. حدثنا ابن حماد قال: ثنا معاوية عن يحيى، قال: عبد الله بن محمد بن عقيل [ابن أبي طالب] (¬5) ضعيف، وفي رواية ابن الدَّوْرَقي عنه كذلك (¬6). ¬

_ = المؤلف بلفظ "أقوى" ليست صريحة في التوثيق، ولو سُلِّمَت فهي من الإفراط كما قرر الحافظ بن حجر اعتمادًا على مجموع ما نقله عن الأئمة النقاد، وسيأتي في كلام المؤلف أيضًا رواية أخرى عن ابن عبد البر أنه ليس بالحافظ ص 392، وانظر جامع الترمذي ط شاكر 1/ 9 هامش 7. (¬1) في "الكامل في معرفة الضعفاء" له/ 1 ل 499 ب. (¬2) في الأصل "سعيد بن أبي مُزاحِم" وما أثبته مصوَّب من الكامل 1 / ل 499 ب ومن تهذيب الكمال 1/ 20، 21، وتقريب التهذيب 1/ 15. (¬3) زيادة مني ليستقيم المعنى. (¬4) ليست بالكامل/ ل 499 ب وفي تهذيب الكمال: قيل (يعني ليحيى): فمحمد بن عمرو؟ قال: فَوْقَهم/ 2/ 737. (¬5) زيادة من الكامل/ ل 499 ب. (¬6) انظر نصها في الكامل/ ل 499 ب.

وذكر عن يعقوب بن شيبة قال: سمعت علي بن [عبد الله] (¬1) المديني يقول: لم يُدخِل مالك في كتبه "ابنَ عقيل" -يعني عبد الله بن محمد بن عَقِيل- ولا ابن أبي فَرْوَة. وقال السعدي (¬2): يُوقَفُ عنه، عامة ما يُرْوى عنه غريب. وقال عمرو بن علي: سمعت يحيى وعبد الرحمن -جميعًا- يحدثان عن ابن عَقيل، والناس يختلفون عليه. وقال يعقوب العَمِّي، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل: قال: كنت أنطلق أنا ومحمد بن علي، وأبو جعفر، ومحمد بن الحنفية، إلى جابر بن عبد الله الأنصاري، فنسألُه عن سنن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعن صلاته، فنكْتبُ ونتعلّم منه. ومن رواية غيره عنه قال: كنت أختلِف أنا وأبو جعفر، إلى جابر بن عبد الله، فنكتب عنده (¬3) في الألواح. وذكر أبو أحمد، من طريقه أحاديث. منها الحديث المذكور "مِفتاح الصلاة، الطُّهور" فرواه عن الحسن بن سفيان ثنا اسحق بن ابراهيم الحنظلي، وأبو بكر بن أبي شيبة، قالا: ثنا وكيع، كما ذكرناه (¬4)، ثم قال عن ابن عقيل: له أحاديث، وروايات، وقد روى عنه جماعة من المعروفين الثقات، ¬

_ (¬1) زيادة من الكامل/ ل 499 ب. (¬2) تهذيب الكمال 2/ 737 وتهذيب التهذيب 6/ 15. (¬3) في الأصل "عليه" وما أثبته من الكامل/ ل 499 ب، 500 أ. (¬4) الموجود في نسخة الكامل التي في أحمد الثالث: سند الحديث فقط إلى محمد بن الحنفية، والمتن ساقط/ الكامل/ ل 500 أ، ولكنه موجود بنسخة الظاهرية ل 210.

[هذا حديث حسن، ثم قال:] (¬1) وحديث علي [بن علي طالب في هذا] (¬2) أجود إسنادًا [وأصح] (¬3) من حديث أبي سعيد (¬4)؛ فإن مدار حديث أبي سعيد -عن علي بن مُسْهِر، وعن أبي كُريْب- محمد بن العلاء عن أبي معاوية الضرير، جميعًا عن أبي سفيان السعدي به. أما قوله: إن حديث عَليِّ أجود إسنادًا من حديث أبي سعيد؛ فإن مدار حديث أبي سعيد، على أبي سفيان، عن أبي نضرة، كذا هو عنده، وعند ابن ماجه (¬5). وعند أبي يَعْلَى، في مُسنَدِه، قال أبو يَعلى: ثنا إسحق -يعني ابن إبراهيم- ثنا حسان بن إبراهيم، ثنا أبو سفيان، فَذَكره (¬6). وأبو سفيان، قيل: طَرِيف بن شهاب، ويقال: طَرِيف بن سفيان، ويقال: طَريف بن سَعد، ويقال: طَرِيف الأشَلّ (¬7)، وِإنما غَير نسبَه، لئِلا يُعْرَف. ¬

_ (¬1) من ط. شاكر 2/ 3. (¬2) من ط. شاكر 2/ 3. (¬3) من ط. شاكر 2/ 3. (¬4) هنا نهاية كلام الترمذي في ط شاكر/ 2/ 4. (¬5) في الأصل "ماجه" بتاء مُثَنَّاة في آخره، وهكذا يأتي في عدة مواضع، وتارة يذكره بالهاء وهو الصواب فمشيت عليه عمومًا. والحديث بالطرق التي ذكرها عند ابن ماجه/ كتاب الطهارة - باب مفتاح الصلاة الطهور 1/ 101 ح 276. (¬6) مسند أبي يعلى/ ل 70 أ، وأخرجه أيضًا عن أبي سعيد من طريق آخر قال: ثنا عبد الغفار ثنا علي بن مُسْهِر عن أبي سفيان عن أبي نصرة عن أبي سعيد، فذكره مع زيادة في آخره. ل/ 68 أ. (¬7) "الأشَلَّ" ذكر في الأصل بالسين المهملة وما أَثبتُّه من الخلاصة/ 179 وضَبَطَهُ في التقريب بالحروف فقال: بالمعجمة/ 1/ 377 وبدأ ابن حبان بكونه "طَرِيف بن سفيان" / المجروحين 1/ 381.

يروي عن الحسن، وأبي نضرة. قال أحمد ويحيى: ليس بشيء (¬1). وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم (¬2). وقال عمرو بن [علي: ما] (¬3) سمعت يحيى [بن سعيد] (¬4) و [لا] (¬5) عبد الرحمن [بن مهدي] (¬6) يُحَدِّثان عن أبي سفيان السَّعدي، بشيء [قط] (¬7) وقال أحمد بن حنبل: ليس بشيء ولا يُكْتَبُ (¬8) حديثُه. وقال ابن معين: ضعيف [الحديث] (¬9) وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس بقوي (¬10) وقال ابن عَدِي: روى عنه الثقات، وإنما أُنكِرَ عَليه في متون الأحاديث، أشياء لم يأت بها غيره، وأما أسانيده فهي مستقيمة (¬11). وقال النسائي: متروك الحديث (¬12). وقال الدارقطني: ضعيف (¬13) وقال ¬

_ (¬1) الميزان 2/ 336. (¬2) تهذيب الكمال 2/ 626. (¬3) بالأصل "بن عطاء سمعت" والتصويب من الجرح 4/ 493 وتهذيب الكمال 2/ 262. (¬4) ما بين المعكوفين زيادة من المصدرين السابقين لتقويم النص. (¬5) ما بين المعكوفين زيادة من المصدرين السابقين لتقويم النص. (¬6) ما بين المعكوفين زيادة من المصدرين السابقين لتقويم النص. (¬7) ما بين المعكوفين زيادة من المصدرين السابقين لتقويم النص. (¬8) بالأصل "يثبت" والتصويب من الجرح/ 4/ 493 وتهذيب الكمال 2/ 626. (¬9) الزيادة من الجرح 4/ 493 وتهذيب الكمال/ 2/ 626. (¬10) الجرح 4/ 493. (¬11) الكامل/ ل 497 أ، وقد أَخْرج من طريقه حديث أبي سعيد الخدري: الوضوء مفتاح الصلاة والتكبير تحريمها والتحليل تسليمها. (¬12) الكامل/ ل 496 ب، تهذيب التهذيب 5/ 12. (¬13) الضعفاء والمتروكين له/ ص 239.

ابن حبان: كان مُغَفَّلًا، يَهمُ في الأخبار، حتى يَقْلِبَها، ويَرْوِي عن الثقات ما لا يُشْبِه حديث الأَثْبات (¬1). فهذا وجه انحطاطه عن درجة حديث علي. أخبرنا أبو الفضل الموصلي (¬2) -بقراءة والدي عليه، وأنا/ أسمع- قال: أنا ابن طَبْرَزْد (¬3). وأنا ابن عبد الباقي، أنا الحسن بن علي الجوهري (¬4) أنا أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لُولُو، الورَّاق (¬5) أنا حمزة بن محمد بن عيسى (¬6) أنا نُعَيْم بن حماد (¬7) ثنا ¬

_ (¬1) المجروحين لابن حبان 1/ 381. (¬2) هو: عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى بن العلم الموصلي/ عيون الأثر 2/ 342. (¬3) هو مُسنِدُ عصره أبو حفص مُوَفَّق الدين، عمر بن محمد بن معمر الدَّارْقَزِّي المؤدِّب، ولد سنة 510 هـ، أكثر مسموعاته، وحفظ أصول الكتب التي سمع فيها إلى وقت الحاجة فروى الكثير، ثم قدم دمشق في آخر حياته فازدَحمُوا عليه، وأملى مجالس بجامع المنصور، وكان ظريفًا، كثير المزاح، وعاش تسعين سنة وتوفى ببغداد في رجب سنة 607 هـ./ شذرات الذهب لابن العماد 5/ 26. (¬4) الحسن بن علي بن محمد الجوهري - مسند الآفاق، وكان آخر أصحاب القَطِيعي توفى سنة 454 هـ./ تذكرة الحفاظ 3/ 1128. (¬5) محدِّث بغداد، توفى سنة 377 هـ عن خمس وتسعين سنة/ تذكرة الحفاظ 3/ 972، 973. (¬6) الكاتب "خاتمة من رَوى عن نعيم بن حماد الأتي التعريف به/ تذكرة الحفاظ 2/ 418. (¬7) الإمام الشهيد أبو عبد الله الخُزاعي المروزي الفَرَضِي الأعور نزيل مصر، روى عنه البخاري مقرونًا بغيره، وروى عنه خلق خاتِمهُم حمزة بن محمد الكاتب كما تقدم، اختُلِف في توثيقه وتجريحه، وقال ابن معين: كان نعيم صديقي =

أبو معاوية، ومحمد بن فَضْل، عن أبي سفيان، عن أبي نَضْرة، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: الوضوء مفتاح الصلاة، والتكبير تحريمُها، والتحليلُ تسلِيمها، ولا تُجزِئُ صلاة إلا بفاتِحَة الكتاب، ومعها غيرُها، وفي كل ركعتين تسليم -يعني التشهد-. وقد قال في حديثَ علي: إنه أجود شيء في الباب وأحسن، وذلك: أن حديث جابر أيضًا في إسناده سليمان بن قَرْم (¬1) عن أبي يحيى القَتّات. فأما سليمان بن قَرْم كان كان أَخرَج له مسلم في صحيحه - فهو: أبو داود، الضَّبِّي، يَرْوِي عن الأعمش وسِمَاك. قال يحيى: ليس بشيء، وهو ضعيف (¬2) وقال أبو حاتم: ليس بالمَتِين (¬3) وقال أبو زَرعة: ليس بِذَاك (¬4) ¬

_ = وهو صدوق، وقال الذهبي: وهو مع إمامته منكَر الحديث، كان جَهْميًا ثم تحول عنهم واشتد في الرد عليهم، وقيل إنه أول من جمع المسند، وحُمِل من مصر إلى بغداد في محنة خلق القرآن، فَحُبِس بِسَامَرَّا حتى مات بها في جمادى الأولى سنة 228 هـ. على الأصح، وقد تتبع ابنُ عَدِيّ الأحاديث التي أخطأ فيها ثم قال: باقي حديثه مستقيم/ انظر تذكرة الحفاظ 2/ 418 - 420 وتقريب التهذيب 2/ 305 ترجمة 124، الكامل 7/ 2482، 2485. (¬1) بفتح القاف وسكون الراء المهملة/ تقريب التهذيب/ 1. (¬2) تاريخ عثمان الدارمي عن ابن معين/ 129 وتهذيب الكمال 1/ 544 / والجرح/ 4/ 136، 137. (¬3) الجرح 4/ 137. (¬4) الجرح/ 4/ 137.

وقال النسائي: ليس بالقوي (¬1) وقال ابن حبان كان رافِضِيًّا غاليًا، وكان يَقْلِبُ الأخبار (¬2) وهو سليمان بنُ معاذ (¬3) الضَّبيِّ البصري، أيضًا" روى عنه أبو داود الطيالسي [ونَسَبه إلى جَدِّه كي لا يُفْطَن له] (¬4) وقال الدارقطني: وقد تبع أبا داود على ذلك البخاري، فجعلهما رَجُلَين، وعقد ترجمتين لهما (¬5) وقال أبو حاتم الرازي: سُليمان بن قَرْم، وسليمان بن مُعاذ، واحد، وهو سليمان بن قرْم بن معاذ (¬6). وأما أبو يحيى القَتَّات، فهو: عبد الرحمن بن دينار، ويقال: إن اسمه، زَاذَان (¬7) ويقال: يزيد، ويقال: دينار (¬8) كوفي، يروي عن مجاهد (¬9) ضَعَّفه شريك ويحيى (¬10) ووثقه يحيى في رواية (¬11) وقال ¬

_ (¬1) الضعفاء والمتروكين للنسائي/ 50 والميزان 2/ 219. (¬2) المجروحين 1/ 329. (¬3) نِسْبَهُ لِجدِّه/ الميزان 2/ 219. (¬4) تهذيب الكمال/ 1/ 544 والجرح 4/ 136. (¬5) تهذيب التهذيب 4/ 214 والتاريخ الكبير للبخاري/ 4/ 33، 39. (¬6) تهذيب الكمال/ 1/ 545 وتهذيب التهذيب 4/ 214. (¬7) يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 731، 3/ 322. (¬8) ورجح ابن حبان أنه عبد الرحمن/ المجروحين 2/ 53. (¬9) الجرح والتعديل 5/ 231. (¬10) يحيى بن معين وكتابه 2/ 331، 3/ 261 وتهذيب الكمال 3/ 1659. (¬11) تاريخ عثمان الدارمي عن ابن معين/ 247.

أحمد: رويت عنه أحاديث مناكير جدًّا (¬1) وقال النسائي: ليس بالقوي (¬2) وقال ابن حبان: فَحُش خَطُؤه، وكثر وَهْمُه، حتى سلك غير مسلك العدول في الروايات (¬3). فقد تبين بما قلناه، أن ليس في الباب أمثلُ من حديث عَلي، فأقل مراتبه أن يكون من قسم الحسن (¬4) وما عداه، لا يعدو درجة الضعيف. وما حكاه أبو عيسى عن البخاري من قوله في ابن عَقِيل: مُقارِب الحديث، هو بكسر الراء (¬5) وهو محمول عندهم، على مُقَاربةِ الصحة (¬6) قال القاضي أبو بكر بن العربي: أصح شيء في هذا ¬

_ (¬1) تهذيب الكمال/ 3/ 1659. (¬2) تهذيب الكمال 3/ 1659. (¬3) المجروحين لابن حبان 2/ 53 وتهذيب التهذيب 12/ 278. (¬4) بالأصل "أبي الحسن" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬5) قال العراقي: وقد ضُبِط أيضًا في النسخ الصحيحة عن البخاري بالوجهين، يعني الكسر والفتح/ التقييد والإيضاح/ 162. (¬6) هذا يشير إلى مَيْل المؤلف إلى أن "مُقارِب" بكسر الراء، يختلف عن فتحها، وقد ذهب بعض العلماء كالإمام البلقيني إلى هذا الاختلاف، فجعلوا اللفظ بكسر الراء للتوثيق، وبفتحها للتجريح، وذهب الأكثرون إلى أن اللفظ بالكسر والفتح من ألفاظ التوثيق؛ إمّا مع تساويهما كما يُفْهم من كلام العراقي، واستحسنه البقاعي، وإما مع تفاوتهما كما قرره السخاوي، فجعل الكسر أرفع، ومعناه أن الموصوف به حديثه يُقارِب حديث غيره من الثقات، وجعل الفتح نوعَ مدح وَسَط، فلا ينزل الموصوف به إلى درجة السقوط، ولا يرتفع إلى الجَلالة، ومعناه أن الموصوف به يقاربه حديث غيره، فليس بشاذ ولا منكر، وقد أيد العراقي =

الباب، وأحسن، حديث مجاهد عن جابر (¬1) - قلت: وما قاله الترمذي أولى. [المعاني والأحكام]: قال الخطابي (¬2): في هذا الحديث، بيان أن التسليم ركن للصلاة، كما أن التكبير ركن لها، وأن التحليل منها، إنما يكون بالتسليم، دون الحَدَث، والكلام؛ لأنه عَرَّفه بالألف واللام، وعَيَّنه، كما عَيّن الطُّهور وعَرَّفه، فكان ذلك منصرفًا إلى ما جاءت به الشريعة، من الطهارة المعروفة، والتعريف بالألف واللام مع الإضافة، يوجب ¬

_ = جعل اللفظ بالفتح والكسر من ألفاظ التوثيق بأنه ثبت ضبطه بالوجهين عن البخاري في تاريخه، وبأن الوجهين معروفان لدى العلماء، وبأن المفاعلة تقتضي المشاركة غالبًا، وقال البقاعي: ومع الضبط بالوجهين جعلوا المعنى واحدًا، فمن قاربك فقد قاربْتَه، فكل من كان مقارِبًا -بالكسر- كان مُقارَبًا -بالفتح- فلا فرق في المآل، والله أعلم هـ./ راجع التقييد والإيضاح للعراقي/ 162، والنكت الوفية للبقاعي / 235 أوفتح المغيث للسخاوي 1/ 366، 367، وتدريب الراوي 1/ 349. (¬1) جاء بالهامش تعليقًا على هذا ما نصه: قلت: لم يَقُل ابن العربي ذلك؛ ولكن عدم التأمل أوقع في هذا النقل الفاسد، وهذا بَعدَ مراجعة كلامه واضح هـ. أقول: بل قال ابن العربي في العارضة 1/ 15: أصح شيء في هذا الباب وأحسن، مجاهد عن جابر "مِفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الوضوء" هـ. فالحق مع الشارح والله أعلم. (¬2) كلمة "الخطابي" مكررة بالأصل، وما عزاه الشارح إلى الخطابي مجموع من موضعين من كتابه "المعالم" مع تقديم وتأخير في السياق، وتصرف من الشارح في بعض العبارات كما جرى عليه في غير هذا الموضع عند نقل النصوص، عن الغَيْر،/ راجع المعالم 1/ 46، 380.

التخصيص، كقولك: فلان مَبيتُه المساجد، تريد أنه لا مَبِيتَ له يأوي إليه غيرها. وفيه دليل على أن افتتاح الصلاة لا يكون إلا بالتكبير، دون غيره من الأذكار. / وحاصل ما ذكره الإمام أبو سليمان: أنه مِن باب حَصر المبتدأ في الخبر، وهو يقبل المنازعة -مع قُوَّتِه-. والحَنفِي يخالفه في المسألتين معًا: من الإفتتاح بالتكبير، ووجوب الانصراف بالتسليم، وتعيينه كذلك (¬1). وأما التحريم بالتكبير، فقال الإمام أبو العباس القرطبي -رحمه الله- (¬2): واخْتُلِف في حكم التحريم: فعامة أهل العلم، على وجوبه، إلا ما روى عن الزُّهْرِي وابن المسيب، والحَكَم، والحسَن، والأوزاعي، وقَتادة، في أنه سُنَّة (¬3) وأنه يُجزِئُ الدخول في الصلاة بالنية، وعامة أهل العلم على أنه لا يجزئ إلا بلفظ التكبير، إلا أبا حنيفة وأصحابَه، فإنهم يُجيزُون الدخول بكل لفظ فيه تعظيم الله [عز وجل] (¬4) وأجاز الشافعي "الله الأكبر". وأجاز أبو يوسف "الله ¬

_ (¬1) انظر شرح النووي على مسلم - الصلاة - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به 4/ 214 - 216، وباب السلام للتحليل من الصلاة 5/ 82، 83. (¬2) المُفهِم 1/ 110 أ. (¬3) الاستذكار 1/ 134. (¬4) ليست بالأصل، وأثبتُّها من المفهِم الذي نقل المؤلف منه 1/ 110 أوانظر الاستذكار 1/ 137.

الكبير" ومالك، لا يُجيز إلا اللفظ المعيَّن "الله أكبر" المعهود في عُرف اللغة والشرع لا سواه (¬1). واحتُج لمذهب مالك في ذلك، بحديث عليِّ هذا (¬2) وقال: والألف واللام في "التكبير" و"التسليم" حَوالةُ على معهودِ تكبيرِه -صلى الله عليه وسلم- وتَسلِيمه. ولم يُرْوَ عنه قط أنه قال في التكبير ولا في التسليم، غير لفظين مُعَيَّنَين، وهما: الله أكبر، والسلام عليكم (¬3). قلت: وقد ثبت من حديث عائشة -رضي الله عنها- في صحيح مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته بالتكبير، والقراءة بالحمد لله رب العالمين (¬4) ففيه رد على من أجاز الدخول في ألصلاة بالنية، ممن حكينا عنه ذلك. وقولها في الحديث: وكان يَخْتِم الصلاة بالتسليم، حجة على ¬

_ (¬1) الاستذكار 1/ 137. (¬2) ونص عبارته بعد قوله "لا سواه": والأوْلَى ما صار إليه مالك، لما صح عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حديث علي بن أبي طالب: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: قال: تحريم الصلاة التكبير (الحديث) ثم قال: والألف واللام ... الخ. (¬3) المفهم 1/ 110 أوانظر المجموع 3/ 292، ويلاحظ أن فيما لم ينقله المؤلف ترجيح القرطبي لمذهب مالك، وتصحيحه لحديث الباب عن علي، مع أن المؤلف انتهى إلى تحسينه فقط. (¬4) صحيح مسلم - كتاب الصلاة - باب ما يَجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختم به 1/ 357 ح 240.

أبي حنيفة والأوزاعي والثوري، ومن ذهب إلى جواز الانصراف بغير التسليم (¬1). وقولهم: أحرم بالصلاة، والباءُ معيِّنة، ومعناه: دخل بسبب الصلاة، فيما يُحرِّمُ عليه غير أفعال الصلاة، كما فعلوا في الأمكنة، والأزمنة، من قولهم: أَحْرَمَ، إذا دخل في بلد حرام، أو شهر حرام. وقال: قتلوا ابنَ عَفَّان الخليفةَ، مُحْرِما ... ودعا فَلم أر (¬2) مِثلَه مقتولا أي قتلوه في شهر حرام (¬3). [وقوله] (¬4): تحريمها التكبير: أي المؤدّى للتحريم (¬5)، إذ هو أول أفعالها الظاهرة وأول أفعالها مطلقًا، النية، وبها التحريم، فاستفدنا من ¬

_ (¬1) انظر شرح النووي على مسلم - الصلاة - باب ما يجمع صفة الصلاة وما يفتتح به ويختتم به 4/ 215. (¬2) بالأصل "فدعا فلم أن" والتصويب من لسان العرب 15/ 13. (¬3) انظر لسان العرب 15/ 10، 14 وجامع الأصول 5/ 428 والبيت المذكور منسوب الى "الراعي" ونقل صاحب اللسان عن ابن بَرِّي أن "مُحْرِمًا" في البيت المذكور ليس من الإحرام، ولا من الدخول في الشهر الحرام -كما ذكر المؤلف هنا- وإنما المراد: أن عثمان في حُرْمة الإسلام وذمته، لم يُحلَّ من نفسه شيئًا يُوقَع به/ اللسان 15/ 13. (¬4) زيادة مني للتوضيح. (¬5) بالأصل "بالتحريم" مع ضبط "المؤدي" بكسر الدال، وما أثبته هو الذي يستقيم عليه المعنى وانظر جامع الأصول 5/ 428.

ذلك: مقارنة النية للتكبير، كما ذهب إليه أصحابنا، وفيه خلاف بين العلماء، يأتي إن شاء الله (¬1). "والتسليم": هو حَلُّ ما كان مُنْعَقِدًا، أو حِلُّ ما كان حرامًا؛ ولذلك قلنا: لا يكون إلا بنية، ولا ينحَلُّ شرعًا ما كان مُنْعَقِدًا إلَّا بِقَصْد، كما لم يرتبط إلّا بقصد، ولأن السلام جزء من أجزائها. وقد روى عبد العزيز بن عبد الملك (¬2): أنه لا يكون الخروج عن الصلاة إلا بقَرينة، كالخروج عن الحج، وهذا لا يصح؛ فإن الخروج من الحج، يكون بفعل مقترن بالنية وهو الرَّمْي، والطواف. ويُسْتَدَلُّ لأبي حنيفة، بما رَوى البيهقي من حديث أبي عَوانةَ عن الحكم عن عاصم بن ضَمُرة عن عليّ رضي الله عنه قال: إذا جلس مقدار التشهد، ثم أحدَث فقد تمت صلاته (¬3). قلت: وهذا جارٍ على أصولهم (¬4) وأما عندنا، فالحجة فيما رَوى، لا فيما رأى. وَروَى أيضًا من حديث عبد الرحمن بن زياد بن أَنعِم، عن ¬

_ (¬1) في أبواب الصلاة - باب ما جاء في تحريم الصلاة وتحليلها. (¬2) لم أقف على مصدر هذه الرواية وفي الرواة غير واحد اسمه عبد العزيز بن عبد الملك/ تهذيب التهذيب 6/ 347 - 348. (¬3) السنن الكبرى كتاب الصلاة - باب تحليل الصلاة بالتسليم 2/ 173، وضَعَّفَهُ البيهقي سندًا ومتنًا، ورد عليه صاحب الجوهر النقي/ انظر هامش السنن الموضع السابق. (¬4) من أن الحجة بما يراه الراوي ويذهب إليه؛ لأنه بمشاهدته الرسول -صلى الله عليه وسلم- أعرف بمقاصده؛ ولكن لهم في ذلك تفصيل واختلاف/ راجع المعتمد لأبي الحسين البصري 2/ 670 والفتح - البيوع 4/ 330.

عبد الرحمن بن رافع وبكر بن سَوَادة عن عبد الله بن عمرو، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا قضى الإمام الصلاة وقَعد فأحدَث قبل أن يتكلم، فقد تمَّت صلاتُه، ومن كان خَلفَه ممن أتم الصلاة (¬1). وَرَدَّ الأول (¬2) بعاصم بن ضَمُرة، والثاني (¬3) بعبد الرحمن بن زياد بن أَنْعِم، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا، عند ذكر حديث عبد الرحمن هذا في موضعه، في هذا الكتاب (¬4) والتعريف بحال عبد الرحمن، وما يُعْتَذَر به عن تضعيفه، ومَحلُّه من الرد أو القبول، إن شاء الله تعالى - وهل يتعدى السلام المُعرف بالألف واللام أو لا؟ وهل تُجُزِئُ التسليمة الواحدة، أو لابُدَّ من اثنتين؟ يأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى (¬5). ... ¬

_ (¬1) سنن البيهقي - كتاب الصلاة - باب تحليل الصلاة بالتسليم 2/ 176. (¬2) أي رَدَّ البيهقي الحديث الأول وهو حديث علي رضي الله عنه، وظاهر العبارة أنه لم يَرُدّ الحديث إلا من ناحية السند فقط لوجود عاصم بن ضَمُرة فيه، ولكنه أعل متنه أيضًا بمعارضته لحديث الباب الذي معنا، وهو من رواية علي رضي الله عنه وأبي سعيد الخدري وغيرهما كما تقدم ولكن الحافظ ابن التركماني الحنفي تصدَّى للبيهقي ورد عليه تضعيفه لهذا الحديث سندًا ومتنًا/ الجوهر النقي بهامش السنن 2/ 172، 173، لكن حديث الباب وما في معناه هو الراجح لدى الجمهور. (¬3) أي الحديث الثاني وهو حديث عبد الله بن عمرو: إذا قضي الإمام الصلاة (الحديث). (¬4) وذلك في أبواب الصلاة - باب الرجل يُحْدِث بعد التشهد/ جامع الترمذي 2/ 261. (¬5) وذلك في أبواب الصلاة - باب ما جاء في التسليم في الصلاة، و"بابٌ منه" بعده/ جامع الترمذي 2/ 89 - 93.

4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء

4 - باب ما يقول إذا دخل الخلاء حدثنا قتَيبةُ وهنَّاد، قالا: ثنا وكيع عن شعبة عن عبد العزيز بن صُهيْب عن أنس بن مالك قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء، قال: اللهم إني أعوذ بك. قال شعبة: وقد قال مرة أخرى: أعوذُ بالله من الخُبُث والخَبِيث، أو الخُبُث والخَبائث. قال أبو عيسى: وفي الباب عن علي، وزيد بن أرقَم، وجابر، وابن مسعود. قال أبو عيسى: حديث أنس، أصح شيء في [هذا] (¬1) الباب وأحسن. وحديث زيد بن أرْقَم، في إسناده اضطراب، روى هشام الدَّسْتَوَائِي، وسعيد بن أبي عَرُوبة عن قَتادة، [فقال: سعيد: عن القاسم بن عَوْف الشَّيْباني عن زيد بن أرقم، وقال هشام الدَّسْتَوائي: عن قتادة عن زيد بن أَرْقَم، ورواه شعبة ومعمر عن قتادة] (¬2) عن ¬

_ (¬1) زيادة من ط شاكر 1/ 11. (¬2) ما بين المعكوفَين ساقط من الأصل وأثبتَّه من ط شاكر 1/ 11 وسيأتي نقل الشارح نحوه عن العلل الكبير للترمذي.

النَّصْر بن أنس، فقال (¬1) شعبة: عن زيد بن أرقم، وقال معمر: عن النَضْر بن أنس عن أبيه [عن النبي صلى الله عليه وسلم]. قال أبو عيسى: سألت محمدًا عن هذا، فقال: يَحتمل أن يكون قتادة روى عنهما جميعًا] (¬2). حدثنا (¬3) أحمد بن عَبْدَة الضَّبِّي [البصري] (¬4) قال: ثنا حماد بن زيد عن عبد العزيز بن صُهَيْب، عن أنس بن مالك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال اللهم إنّي أعوذ بك من الخُبُث والخبائث. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [الكلام عليه] [التخريجُ والصِّنَاعةُ الحديثية]: حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس هذا، أخرجه الشيخان في صحيحيهما:- فرواه البخاري في الطهارة (¬5): ثنا آدم، وفي الدعوات (¬6) عن ابن عَرْعَرة، كلاهما (¬7) عن شعبة عنه. ¬

_ (¬1) بالأصل "وقال" وما أثبته من ط شاكر 1/ 11 وعليه يستقيم المعنى. (¬2) ما بين المعكوفبن من ط شاكر 1/ 11. (¬3) في ط شاكر "أخبرنا" 1/ 11. (¬4) من ط شاكر 1/ 11. (¬5) باب ما يقول عند الخلاء/ البخاري مع الفتح 1/ 243 ح 142. (¬6) باب الدعاء عند الخلاء/ البخاري مع الفتح 11/ 129 ح 6322. (¬7) يعني: آدم وعَرْعَرة.

ومُسلم في الطهارة (¬1): ثنا يحيى بن يحيى قال: ثنا حمادبن زيد، وهُشَيم [كلاهما] (¬2) عنه، قال (¬3) وثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير، عن ابن عُلَيَّة عنه (¬4). ورواه أيضًا النسائي (¬5) وابن ماجه (¬6). وحديث علي، رواه ابن ماجه (¬7) ورواه الترمذي، في أواخر كتاب الصلاة (¬8) وسيأتي/ الكلام عليه هناك (¬9). ¬

_ (¬1) كتاب الحيض - باب ما يقول إذا أراد دخولَ الخَلاء 1/ 283 ح 122. (¬2) زيادة من مسلم الموضع السابق. (¬3) يعني مسلم 1/ 284. (¬4) في ط فؤاد عبد الباقي لمسلم 1/ 284 قالا: حدثنا إسماعيل (وهو ابن عُلَيَّة) عن عبد العزيز ... (¬5) في السنن الصغرى - كتاب الطهارة - باب القول عند دخول الخلاء 1/ 20. وفي الكبرى/ كتاب النعوت - باب ذكر أسماء الله تعالى، مع زيادة في آخره / ل/ 200 وفي عمل اليوم والليلة بنفس السند ص 170، ح 74 وانظر تحفة الأشراف 1/ 279 ح 1047. (¬6) كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا دخل الخلاء 1/ 109 ح 298. (¬7) الموضع السابق ح 297 بسند الترمذي الآتي بيان درجتُه بَعْد. (¬8) باب ما ذُكِر من التسمية عند دخول الخلاء 2/ 503 ح 606 وقال: هذا حديث غريب لا نَعرِفه إلا من هذا الوجه، وإسناده ليس بذاك القوى. وقد روى عن أنس عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أشياء في هذا. هـ. وأشار الشيخ شاكر رحمه الله إلى أن هذا الباب وعِدَّة أبواب بعده موضِعُها المناسب هو الطهارة؛ لا الصلاة/ جامع الترمذي ط شاكر 2/ 552. (¬9) تقدم أن المؤلف لم يُوقَفْ من شرحه إلا على قطعة من بداية الجامع إلى أثناء "باب =

وحديث زيد بن أرقم، رواه الإمام أحمد (¬1) وأبو داود والنسائي، وابن ماجه من حديث النَّضْر بن أنس، ومن حديث القاسم بن عَوْن الشَّيْباني عنه. فأما حديث النَّضْر بن أنس، فرواه أبو داود، في الطهارة (¬2) عن عمرو بن مرزوق، عن شعبة عن قَتادة عن النَّضْر عن زيد. ورواه النسائي في اليوم والليلة "عن ابن المثنى عن غُنْدَر وابن مهدي، [كلاهما] (¬3) عن شعبة. وعن مُؤَمِّل بن هِشَام عن إسماعيل بن عُلَيَّة عن سعيد بن أبي عَروُبة، عن [قَتَادة عن النَّضْر بن أَنس عن زيد بن أرقم] (¬4). ¬

_ = ما جاء أنَّ الأرضَ كُلَّها مسجدُ إلّا المقبرة والحمام وهو باب 119 من كتاب الصلاة، بينما الحديث المشار إليه في باب ما ذُكِر في التسمية عند دخول الخلاء، وهو متأخر عن الباب السابق بقرابة مائتي باب/ انظر جامع الترمذي ط شاكر 2/ 131، 503؛ لكن المؤلف أحال عليه باعتبار ما كان يَعْتَزِمه من تكملة الشرح لو امتد به الأجل؛ لكن الأعمار بيد الله تعالى وحده لا بيد أصحابها، ونسأل الله حسن الختام. (¬1) مسند أحمد 4/ 369، 373، ولفظه: إن الحُشُوش مُحْتَضرة، فإذا دخَلَ أحدكم فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث، وذلك من طريق النضر، و 4/ 373 من طريق القاسم، بلفظ: فإذا أراد أحدكم أن يدخل .. (الحديث). (¬2) باب ما يقول الرجل إذا دخل الخلاء 1/ 16، 17 ح 6. (¬3) من تحفة الأشراف 2/ 203 ح 3685 وعند النسائي: قالا: حدثنا شعبة/ عمل اليوم والليلة، للنسائي ص 170 ح 75. (¬4) بالأصل جاء السند هكذا: عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن شعبة عن قَتادة عن

وأما حديث قاسم بن عوف الشَّيْباني الكوفي عن زيد، فرواه النسائي في "اليوم والليلة" عن إسماعيل بن مسعود، عن زيد بن زُرَيع، وعن هارون بن إسحق عن عَبدة بن سليمان -جميعًا- عن سعيد بن أبي عَرُوبة عن قتادة عن القاسم، به (¬1). ورواه ابن ماجه في الطهارة (¬2) عن جميل (¬3) بن الحسن العَتَكِي، عن عبد الأعلى عن ابن عبد الأعلى، وعن هارون بن إسحق، عن عَبْدَة -جميعًا- عن سعيد، به. وقال الترمذي في كتاب العلل (¬4): حدثنا محمد بن بشار ثنا محمد بن جعفر، وابن مهدي، ثنا شعبة، عن قتادة عن النضر بن أنس، عن زيد بن أرقم، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إن هذه الحُشُوش محْتَضَرة، فإذا دخل أحدكم الخلاء، فليقل: اللهم إني أعوذ بك من الخَبُث والخبائث (¬5): قال: سألت محمدًا عن هذا ¬

_ = قاسم بن عوف، والصواب ما أَثبتُّه كما في عمل اليوم والليلة - باب ما يقول إذا دخل الخلاء ص 171 ح 76 وتحفة الأشراف 2/ 203 ح 3685. (¬1) عمل اليوم والليلة - للنسائي باب ما يقول إذا دخل الخلاء 171 ح 77، 78. (¬2) باب ما يقول الرجل اذا دخل الخلاء 1/ 108 ح 296 مكرر، ولم يسق لفظ الحديث بل ذكر الإسناد فقط وأحال بالمتن على رواية النَّضْر بن أنس قبله. (¬3) بالأصل "حميد" والتصويب من ابن ماجه في الموضع السابق وتحفة الأشراف 3/ 200 ح 3681. (¬4) ترتيب العلل الكبير للترمذي، لأبي طالب/ ل 3 أ. (¬5) بهامش ترتيب العلل ما نصه: "حديث زيد هذا أخرجه البُسْتِي في صحيحه" / ل 3 أاهـ. أقول وهو فعلًا مُخَرج في صحيح ابن حبان كما في موارد الظمآن -كتاب الطهارة- باب ما يقول إذا دخل الخلاء، ص 61.

الحديث، وقلت له: روى هشام الدستوائي مثل رواية سعيد بن أبي عَرُوبة، عن قتادة، عن القاسم بن عوف (¬1) الشَّيْبَانِي عن زيد بن أرقم -يعني الحديث-، [وقال هشام: عن قَتادة عن زيد، وقال شعبة: عن زيد: وقال مَعْمر: عن النضر عن أبيه] (¬2) وقد رواه معمر مثلما روى شعبة: عن قتادة عن النضر بن أنس عن زيد، فأي الروايات، عندك أصح؟ قال (¬3) لعل قتادة سمع منهما (¬4) جميعًا [عن زيد بن أَرْقم] (¬5) ولم يَقْضِ في هذا بشيء. قال البيهقي (¬6): قال الإمام أحمد: وقيل عن مَعْمَر عن قتادة عن النَّضْر بن أنس، عن أنس، وهو وَهْم (¬7). ¬

_ (¬1) بالأصل "عمرو" والتصويب من ترتيب العلل/ 3 أوهو الموافق لما تقدم من أسانيد الحديث. (¬2) ما بين المعكوفين ساقط من ترتيب العلل ومسْتَدرَك بهامشه ل 3 أ، وبه يستقيم قول الترمذي بعد: فأي الروايات أصح؟ بلفظ الجمع؛ لأن المذكور بدون هذه الزيادة روايتان فقط، مع ملاحظة أن جواب البخاري؟ منْصَب على الروايتين المذكورتين في الأصل فقط كما ترى، وقد أضاف المؤلف فيما يلي جواب البيهقي عن جانب، وجوابه هو عن الجانب الثاني. (¬3) أي البخاري. (¬4) أي من النضر والقاسم/ انظر تحفة الأحوذي 1/ 45، 46 وعمدة القاري -الطهارة- باب ما يقول عند الخلاء 2/ 253. (¬5) من ترتيب العلل/ 3 أ، وسنن البيهقي 1/ 96. (¬6) في سننه الكبرى 1/ 96. (¬7) بهامش الأصل تعليقًا على هذا نَصُّه: حاشية: البيهقي إنما قال هذا من عند نفسه، وقوله في نُسَخ البيهقي: قال الإمام أحمد، المراد به البيهقي هـ. قلت =

وأما حديث قتادة عن زيد، فمنقطع (¬1). وفي الباب مما لم يذكره (¬2) عن أبي أُمامة، أن رسول الله/ -صلى الله عليه وسلم- قال: لا يعجَز أحدكم إذا دخل مَرفِقَه أن يقول: اللهم إني أعوذ بك من الرِّجْس النجس الخبيث، الشيطان الرجيم، رواه ابن ماجه (¬3) من حديث عبيد الله بن زَخر عن علي بن يزيد عن القاسم، عن أبي أُمامة. فأما عُبيد الله، فضعفه أحمد ويحيى (¬4)، وأما علي، فقال البخاري: مُنكَر الحديث (¬5) وقال النسائي: متروك (¬6). ¬

_ = وعليه فالشارح وَهِم في هذا فظن أن البيهقي يحكى هذا الكلام عن الإمام أحمد بن حنبل؛ ولكن المراد بالإمام أحمد، هو البيهقي نفسه؛ لأن اسمه "أحمد بن الحسين" وهذا التعبير من رواة السنن عنه، وهو يَرِد كثيرًا في كتب المتقدمين والمتأخرين، والكلام موجود بنصه في سنن البيهقي 1/ 96. (¬1) ويؤيد ذلك قول الحاكم وغيره: إن قتادة لم يسمع من صحابي غير أنس/ تهذيب التهذيب 8/ 355، وبمجموع كلام البخاري والبيهقي والمؤلف، يمكن دفع الاضطراب، واعتماد رواية قتادة عن النضر والقاسم، كلاهما عن زيد. (¬2) انتقل المؤلف الى بيان ما يذكره الترمذي في الباب، مع أنه لم يستوف تخريج ما أشار إليه الترمذي، حيث ترك تخريج حديثي جابر وابن مسعود، وقد ذكر العيني حديث ابن مسعود بلفظ: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الغائط قال: أعوذ بالله من الخُبث والخبائث، وعزاه الى الإسماعيلي في معجمه، بسند جيد/ عمدة القارئ 2/ 255 أما حديث جابر، فلم أقف عليه، وكذا قال صاحب تحفة الأحوذي 1/ 44. (¬3) كتاب الطهارة - باب ما يقول اذا دخل الخلاء 1/ 109 ح 299. (¬4) تاريخ عثمان الدارمي / 174 والميزان 3/ 6 وتهذيب الكمال 1/ 877. (¬5) تهذيب الكمال 2/ 995 وعليه قال البوصيري في الزوائد عن الحديث: إسنادُه ضعيف، قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسنادِ خَبر: عُبيد الله بن زَحْر، وعلي بن يزيد، والقاسم، فذاك مما عملته أيديهم هـ. حاشية السِّندي على ابن ماجه 1/ 128. (¬6) تهذيب الكمال 2/ 995 وعليه قال البوصيري في الزوائد عن الحديث: =

وفيه أيضًا عن عبد الله بن بُرَيْدة، عن أبيه، كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الرِّجْس النَّجِس، المُخبَّث. رواه حفص بن عُمر العَدَني عن المُنذِر بن ثعلبة عن عِلباء بن أحمر، عن علي. وعن عبد الله بن بُرَيْدة عن أبيه، ذكره ابن عَدِي في "باب حَفْص" من كتابه (¬1) وقال: قد جمع بين صحابيين: [عَلِيٍّ وبُريدة] وما أظُن رواه غيرُ حفص [بن عمر] هذا، وهو غير ثقة. [المعاني والأحكام]: "والخلاء" بفتح الخاء، والمد، موضع قضاء الحاجة (¬2) وكذلك ¬

_ = إسنادُه ضعيف، قال ابن حبان: إذا اجتمع في إسنادِ خَبر: عُبيد الله بن زَحْر، وعلي بن يزيد، والقاسم، فذاك مما عملته أيديهم هـ. حاشية السِّندي على ابن ماجه 1/ 128. أقول: وعقَّب الحافظ ابن حجر على قول ابن حبان هذا، بأنه ليس في الثلاثة من اتُّهم إلا عَلِيّ بن يزيد، وأما الآخران فهما في الأصل صدوقان، وإن كانا يخطِئان/ تهذيب التهذيب 7/ 13 هـ وعليه فالحديث من طريقهم شديد الضعف لا موضوع. (¬1) الكامل في الضعفاء/ ل 278 ونص عبارته بعد ذكر الحديث عن علي وبُريدةَ معًا هكذا: هذا الحديث قد جَمع فيه صحابيين: عليّ، وبُريدة، وجَمعُهما غَيرُ بَيِّن في هذا الباب، وما أظن رواهما غير حفص بن عمر هذا ... وعامة حديثه غير محفوظ، وأخاف أن يكون ضعيفًا، كما ذكره النسائي هـ. ويلاحَظ بعضُ الاختلاف في النص عن نقل المؤلف، وقد أثبَتُّ ما بين المعكوفين منه، لأن النص عليه أوضح. (¬2) لسان العرب 17/ 261.

"الكنيف" بفتح الكاف وكسر النون، وهو الساتر، فأصلهما من الخَلْوة، والسَّتر (¬1)، لأنه يُقصَد لذلك، و"الخلاء" مقصور. والحَشيش، والحُشوش: جمع/ حَش، مفتوح الحاء، وهو البُسْتان (¬2)؛ لأنهم كانوا يتَنَاوَبُونَها لذلك (¬3). [والخُبُث] (¬4)، قال الخطابي: الخُبُث، بضم الباء جمع خبيث، والخَبائث، جَمْعُ الخبيثة. يريد ذُكْران الشياطين، وإناثَهم. وعامة أصحاب الحديث يقولون: الخُيْث، ساكنة الباء، وهو غلط، والصواب "الخبُث" مضمومة الباء. قال ابن الأعرابي: أصل الخُبث في كلام العرب: المكروه، فإن كان من الكلام، فهو الشَّتم، وإن كان من المِلَل فهو الكفر، وإن كان من الطعام، فهو الحرام، وإن كان من الشراب، فهو الضار (¬5). وهذا الذي أنكره الخطابي، هو الذي حكاه أبو عُبَيد، القاسم بن سلَّام (¬6) وحسبك به جلالة. وقال القاضي أبو الفضل ¬

_ (¬1) المصدر السابق 11/ 220، 221. (¬2) أو موضع الغائط وقضاء الحاجة منها/ لسان العرب 8/ 174 وهذا هو المعنى المقصود هنا/ انظر لسان العرب 2/ 447. (¬3) أي لقضاء الحاجة/ لسان العرب 8/ 174. (¬4) زيادة مني ليترتب عليها الشرح بَعدها. (¬5) المعالم 1/ 16 وانظر: إطلاح غلط المحدثين/ 48 - 50 وغريب الحديث 3/ 220، 221 كلاهما للخطابي. (¬6) ذكر القاسم بن سلام هذا الحديث في كتابه غريب الحديث وتكلم على معناه، =

عياض: أكثر روايات الشيوخ الإسكان (¬1)، وقال أبو العباس: رويناه بالضم والإسكان (¬2). قلت: لا ينبغي أن يعد مثلُ هذا غلطًا، لأن "فُعُلا" بضم الفاء والعين، تُسَكَّن عينُه، قياسًا، فلعل من سكَّنها سلك ذلك المسلك، ولم يُرد غيرَ ذلك، مما قد يخالف المعنى الأول. وقال الدَّاوُدِي: الخُبث: الشيطان، والخبائث: المعاصي (¬3) وأما بسكون "الباء" فقيل فيه: إنه المكروه مطلقًا، وقيل الخبث الكفر، والخبائث الشياطين. قاله ابنُ الأنباري (¬4)، وقيل: الخبائث: البول والغائط، وقد عبر عنهما في ¬

_ = ولم يتكلم عن ضبطه مطلقًا 2/ 192 ولكن عزا النووي إليه ضبطه بإسكان الباء، وتبعه غيره كما هنا وكما في الفتح 1/ 243، ولم تخْفَ على الخطابي حكاية أبي عبيد للاسكان، حيث ذكرها بنفسه، ثم عقب عليها بالجزم بالضم/ إصلاح غلط المحدثين، وغريب الحديث/ الموضعين السابقين. (¬1) مشارق الأنوار للقاضي عياض/ ونص عبارته/ أكثر الروايات فيه بالسكون 1/ 228. (¬2) المفهم 1/ 98 ب ونص عبارته: رويناه ساكن الباء ومضمومها. وقوله: "روينا" يُضبَط بالبناء للفاعل، أي تحملناه بالرواية عن بعض شيوخنا بإسنادهم، ويُضبَط بالبناء للمفعول: أي رُوِي لنا، ورَوَّانا مشايخُنا، أي صيَّرونا رواة عنهم. وذكر الكازروني وابن المعز الحجازي: أن المشهور هو الأول/ الفتوحات الربانية على الأذكار النووية، لابن علان الصديقي 1/ 29، 30. (¬3) قول الداودي في المشارق 1/ 228 وكذا المفهم 1/ 99 أمع اختلاف. (¬4) هو أبو بكر محمد بن القاسم بن محمد بن بشار بن الحسن، ابن الأنباري البغدادي، ثقة صدوق، قارئ، مفسر، لغوي، إمام في ذلك، توفي ببغداد، يوم الأضحى سنة 328 هـ، وقيل سنة 327 هـ. وله ثمان وستون سنة/ غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري 2/ 231، 232 وقوله هذا نقله صاحب لسان العرب 2/ 447.

موضع آخر بالأخبَثين (¬1) في حديث مدافعة الأخبثين (¬2). وقوله: إذا دخل "الخلاء" يحتفل أن يراد به: إذا أراد الدخول (¬3)، نحو قوله [تعالى] (¬4): {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ} (¬5). أي إذا أردتم القيام، و، فإذا قرأت القرآن (¬6). أي إذا أردت القراءة، وكذلك وقع في صحيح البخاري (¬7). ¬

_ (¬1) لسان العرب 2/ 449، 450. (¬2) أخرجه مسلم من حديث عائشة بلفظ: "لا صلاة بحضرة الطعام، ولا وهو يدافعه الأخبثان/ صحيح مسلم - كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله في الحال، ومع مدافعة الأخبثين 1/ 393 ح 67. (¬3) وهو مذهب الجمهور/ فتح الباري 1/ 255 ط مصطفى الحلبي. (¬4) زيادة مني لتناسب الآية. (¬5) سورة المائدة آية 7. (¬6) بالأصل "وإذا" والمثبت هو المطابق لأول الآية وبقيتها: "فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" سورة النحل آية 98. (¬7) أخرجه البخاري معلقًا مجزومًا عن سعد بن زيد حدثنا عبد العزيز: إذا أراد أن يدخل/ البخاري - كتاب الوضوء - باب ما يقول عند الخلاء 1/ 45. ووصله المؤلف في الأدب المفرد - باب دعوات النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: حدثنا أبو النعمان، حدثنا سعيد بن زيد، حدثنا عبد العزيز بن صهيب، قال: حدثني أنس قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يدخل الخلاء (الحديث) / الأدب المفرد ص 101، وذكر الحافظ ابن حجر أن سعيد بن زيد لم ينفرد بهذا اللفظ، فقد =

ويحتمل أن يراد به ابتداء الدخول. وينبني عليه، من دخل ونسي التعوذ، فهل يتعوذ أم لا؟ كرهه (¬1) جماعة من السلف، منهم: ابن عباس، وعطاء (¬2) والشعبي (¬3). فيحمل الحديث عندهم على المعنى الأول. واختار جماعة [جوازَه]، (¬4)، منهم: ابن عمر، وابن سيرين (¬5) والنخعي (¬6). أخذًا يقول عائشة -رضي الله عنها-؛ كان رسول الله ¬

_ = تابعه عليه عبد الوارث (بن سعيد التميمي) كما روى ذلك عنه مسَدَّد، وإخرجه البيهقي من طريقه/ السنن 1/ 95، وقال ابن حجر عن عبد الوارث: إنه على شرط البخاري/ فتح الباري 1/ 255 ط الحلبي وتهذيب التهذيب 6/ 441. (¬1) ذكر الامام النووي أن هذه كراهة تنزيه لا تحريم، فلا إثم على فاعله، وذكر أن هذا القول بالكراهة هو مذهب الشافعية والأكثرين من غيرهم/ شرح النووي على مسلم آخر باب التيمم 4/ 65. (¬2) أخرج بن أبي شيبة في المصنف قول ابن عباس وعطاء - كتاب الطهارة - باب الرجل يذكر الله وهو على الخلاء، أو وهو يجامع 1/ 144 هـ. (¬3) لكن أخرج ابن أبي شيبة عنه في الرجل يعطس على الخلاء، قال: يَحمد الله/ المصنف - الطهارة باب الرجل يعطس وهو على الخلاء 1/ 114، والحمدُ نوع من ذكر الله/ انظر شرح النووي على مسلم باب التيمم 4/ 65. (¬4) زيادة مني للتوضيح ويؤيده ما في الفتح 1/ 473 ط مصطفى الحلبي. (¬5) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف - كتاب الطهارة - باب الرجل يعطس وهو على الخلاء 1/ 114، 115 وأخرج الدارمي قول ابراهيم النخعي - الطهارة باب الحائض تذكر الله ولا تقرأ القرآن - سنن الدارمي 1/ 188، 189، وانظر شرح النووي على مسلم آخر باب التيمم 4/ 65. (¬6) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف - كتاب الطهارة - باب الرجل يعطس وهو على الخلاء 1/ 114، 115 وأخرج الدارمي قول ابراهيم النخعي - الطهارة باب الحائض تذكر الله ولا تقرأ القرآن - سنن الدارمي 1/ 188، 189، وانظر شرح النووي على مسلم آخر باب التيمم 4/ 65.

-صلى الله عليه وسلم- يذكر الله على كل أَحيانه (¬1) ولم يَحْتَجْ هؤلاء ¬

_ (¬1) وعلى قول الجمهور بكراهة الذكر حال الجلوس على البول أو الغائط أو في حالة الجماع يكون هذا الحديث مخصوصًا بما عدا هذه الأحوال/ انظر شرح النووي على مسلم - كتاب الحيض - باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها 4/ 68. وحديث عائشة هذا علقه البخاري بلفظ: "وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله في كل أحيانه - كتاب الحيض - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف/ البخاري مع الفتح 1/ 407، وعلقه أيضًا، بلفظ: "قالت عائشة: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يذكر الله تعالى على كل أحيانه - كتاب الآذان - باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهنا، وهاهنا؟ البخاري 1/ 156. وأخرجه مسلم موصولًا مرفوعًا، بهذا اللفظ، من حديث عائشة - كتاب الحيض - باب ذكر الله تعالى في حال الجنابة وغيرها/ صحيح مسلم 1/ 282 ح 117، وعزاه المزي إلى مسلم في كتاب الفضائل، ولكني لم أجد فيه، وتعقبه الحافظ ابن حجر أيضًا بعدم وجود الحديث عند مسلم في هذا الكتاب المذكور من صحيحه/ تحفة الأشراف وبهامشه النكت الظراف 2/ 14. وأخرجه أبو داود بإسناد مسلم ولفظه - كتاب الطهارة - باب الرجل يذكر الله تعالى على غير طهر/ سنن أبي داود 1/ 24 ح 18. وأخرجه الترمذي - أبواب الدعوات - باب دعوة المسلم مستجابة - بسند مسلم ولفظه أيضًا، وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن زكريا بن أبي زائدة/ الترمذي مع التحفة 9/ 325، 326. وأخرجه أحمد في مسنده، بسند مسلم ولفظه/ المسند 6/ 70، 153. وأخرجه ابن ماجه في سننه بإسناد مسلم ولفظه/ كتاب الطهارة - باب ذكر الله عز وجل على الخلاء، والخاتم في الخلاء 1/ 110 ح 302. أقول/ وفي إسناد مسلم هذا الذي صححه وحسنه الترمذي كما مر "عبد الله البهَيّ" وهو عبد الله بن يسار، مولى مصعب بن الزبير قال عنه الحافظ في التقريب 1/ 463: صدوق يخطئ وتحفة الأحوذي 9/ 326، وقال الذهبي: وُثِّق/ الكاشف 2/ 146.

إلى حَمل الحديث على مَجازِه، من العبارة بالدخول عن إرادته. وقد نُقل القولان معًا، عن مالك (¬1). هذا كله في الكُنُف المتخذة في البيوت، لا في الصحراء (¬2) وهو ظاهر في لفظه وجَلي، ومن قوله: إن هذه الحُشُوش محتضَرة يأْوي إليها الشياطين، وكذلكَ اختلفوا أيضًا في دخوله الخلاء بالخاتم فيه اسم الله تعالى. وسيأتي ذلك عند ذكر حديث (¬3) أنس: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا دخل الخلاء وضع خاتمه (¬4). ... ¬

_ (¬1) الذي عزاه الحافظ ابن حجر لمالك: القول بالجواز مطلقًا فقط/ فتح الباري 1/ 255 ط مصطفى الحلبي، لكنه عزا إليه في قراءة القرآن عند الخلاء قول بجواز قراءة آية فقط، وقول بجواز القراءة مطلقًا ولو أكثر من آية، وقول بجواز ذلك للحائض فقط/ فتح الباري - كتاب الحيض - باب تقضي الحائض المناسك كلها إلا الطواف 1/ 423 ط مصطفى الحلبي. (¬2) بل أجرى الحافظ ابن حجر ذلك في غير الأمكنة المعدة لقضاء الحاجة، وأن من أجاز الذكر قال: إن الشخص يقول هذا الدعاء في أول الشروع في قضاء الحاجة كتشمير ثيابه مثلًا/ فتح الباري - الطهارة - باب ما يقول عند الخلاء 1/ 255 ط مصطفى الحلبي، وقال النووي: سواء في ذلك البناء والصحراء/ المجموع 2/ 76. (¬3) بالأصل "حديث ذكر" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬4) أخرجه الترمذي - أبواب اللباس - باب ما جاء في نقش الخاتم، وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب/ الترمذي مع التحفة 5/ 426، لكنه لم يصل المؤلف في شرحه إلى موضع هذا الحديث كما تقدم بيانه، وهو داخل في تكملة العراقي لهذا الشرح، كما ستأتي بمشيئة الله وتوفيقه.

5 - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء

5 - بابُ ما يقولُ إذا خَرَجَ من الخَلاء حدثنا محمدُ بن إسماعيل (¬1)، ثنا مالك بن إسماعيل عن إسرائيل [بن يونس] (¬2). عن يوسف بن أبي بردة، عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: غفرانك. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل، عن يوسف بن أبي بُردة، وأبو بردة بن أبي موسى، اسمه: عامر بن عبد الله بن قيس. ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة. ¬

_ (¬1) وقع في النسخ المطبوعة بالهند ومع معارف السنن: محمد بن إسماعيل بن حميد، وفي طبعة بولاق سنة 1291 هـ، ومع العارضة: محمد بن إسماعيل نا حميد، والصواب ما بالأصل/ انظر ط. شاكر 1/ 12 أصل وهامش، ومعارف السنن 1/ 82، 83. (¬2) من ط شاكر 1/ 12.

[الكلام عليه] [التخريج والصناعة الحديثية]: الحديث أخرجه أبو داود (¬1) والنسائي (¬2) وابن ماجه (¬3) من حديث يحيى [بن أبي بكير عن] (¬4) اسرائيل. كما أخرجه أبو داود، عن عمرو الناقد عن هاشم بن القاسم (¬5)، والنسائي، عن أحمد بن نصر النيسابوري (¬6)، وابن ماجه، عن أبي بكر (بن أبي شيبة) (¬7) ¬

_ (¬1) بلفظ (الغائط) بدل "الخلاء" كتاب الطهارة - باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء/ أبو داود مع عون المعبود 1/ 152. (¬2) بلفظ: "ما خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الغائط إلا قال غفرانك/ عمل اليوم والليلة - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء/ ص 172 ح 79. (¬3) بلفظ "الغائط" بدل "الخلاء"، وأخرجه أبو الحسن بن سلمة من زوائده على سنن ابن ماجه، فساق سنده به إلى أبي غسان النهدي عن إسرائيل، وأحال بالمتن على رواية ابن ماجه، فقال: نحوه، أي نحو المتن الأول - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء/ سنن ابن ماجه 1/ 110 ح 300. أقول: وقد ذكر صاحب المهذب حديث عائشة بلفظ "الخلاء" فتعقبه النووي بأن لفظ من أخرجوه كلهم "الغائط" بدل "الخلاء" وقال: إن بين اللفظين تفاوت لا يخفى، لكن المقصود يحصل (يعني بأحد اللفظين) / المجموع للنووي 2/ 76 وتلاحظ أن رواية الترمذي بلفظ "الخلاء" وعليه يكون تعقب النووي لصاحب المهذب غير وارد، أو لعله اطلع على نسخة من الترمذي فيها لفظ "الغائط" كبقية من أخرجه من الأئمة السابق ذكرهم. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من سياق أسانيد الحديث في مصادره السابقة. (¬5) انظر مواضع تخريج الحديث من تلك المصادر في التعليقات المتقدمة على هذا التعليق. (¬6) انظر مواضع تخريج الحديث من تلك المصادر في التعليقات المتقدمة على هذا التعليق. (¬7) انظر مواضع تخريج الحديث من تلك المصادر في التعليقات المتقدمة على هذا التعليق.

كلاهما (¬1) عن يحيى بن أبي بكير (¬2) كلاهما (¬3) عن إسرائيل، به. وقوله: "حسن غريب" (¬4) لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل ... إلى آخره. ثم قال: ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة ... أَثبتَ له غرابة السند، بِتَفرد إسرائيل فَمن فَوقه به (¬5)، لكونه لا يعرف في الباب إلا حديث عائشة (¬6) ثم وصفه بعد ذلك، بأنه ¬

_ (¬1) أي أحمد بن نصر، وأبو بكر بن أبي شيبة/ انظر سند الحديث في مصادره السابقة. (¬2) بالأصل "بكر" مكبر وما أثبته من مصادر تخريج الحديث السابقة، والخلاصة/ 421 والتقريب 2/ 344 ترجمة 28. (¬3) أي يحيى بن أبي بكير وهاشم بن القاسم/ انظر مصادر تخريج الحديث السابقة. (¬4) جاء في بعض النسخ "غريب حسن" انظر ط شاكر 1/ 12 هامش 6 وهكذا يقع في مواضع أخرى تقديم الغرابة على الحسن، وقد نقل صاحب معارف السنن عن ابن سيد الناس تعليلًا لهذا بأن الترمذي يقدم في كل موضع ما هو الأعنى/ المعارف 1/ 86، لكني لم أجد ذلك في شرح المؤلف لهذا الحديث مع أنه أول موضع يرد فيه ذلك فلعل صاحب المعارف نقله من موضع آخر أو من مصدر آخر. (¬5) قال الدارقطني: تفرد به إسرائيل عن يوسف، ويوسف عن أبيه، وأبوه عن عائشة/ الفتوحات الربانية على الأذكار النووية لمحمد بن عِلان 1/ 403. (¬6) سيأتي للحديث من المتابعات والشواهد ما يقتضي أن تكون الغرابة في كلام الترمذي راجعة الى الإِسناد فقط، ومقيدة بالطريق التي أخرجه هو منها، وهي طريق إسماعيل عن يوسف عن عائشة، كما تقدم تقرير الدارقطني ذلك، وقد صرح المؤلف نفسه كما سيأتي/ ص 433، 434 بأن للحديث شواهد: وكان مقتضى ذلك أن لا يفسر عبارة الترمذي هنا بأنها تثبت غرابة المتن، ولذا قال الحافظ =

حسن، ولو لم يكن إلا الغرابة الراجعة إلى الإسناد، لما عارضتُ في ذلك. وأما أنه لا يعرف في الباب إلا حديث عائشة، مع قوله في "الحسن": إنه يروي مثل ذلك الحديث، أو نحوه، من وجه آخر، فهذا قد يوهم منافاة الحُسن الذي وصفه به، على شرطه، فيحتاج إلى الجواب عن ذلك، فنقول:- لا يشترط في كل حسن أن يكون كذلك، بل الذي يحتاج فيه ¬

_ = ابن حجر تعليقًا على قول الترمذي هذا: "إن أراد هذا اللفظ بخصوصه ورد عليه حديث علي و (عبد الله بن) بُريدة (يعني ما أخرجه ابن عدي في ترجمة حفص بن عمر العدني عنهما معًا: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا دخل الخلاء قال: "اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس (الحديث) وفيه: وإذا خرج قال: غفرانك ربنا وإليك المصير" وضعفه ابن عدي بحفص الذكور/ الكامل ل 102 نسخة الظاهرية) - قال ابن حجر: كان أراد (أي الترمذي) أعم من ذلك وردت عليه أحاديث أبي ذر وأنس (كما ستأتي ص 433، 435، 438) وشواهدها، فلعله أراد: مما يَثْبُت/ الفتوحات الربانية 1/ 3، 4، وعليه يكون تقدير عبارة الترمذي: ولا نعرف في هذا الباب مما يثبت إلا حديث عائشة. وسيأتي نحو ذلك عن النووي ص 433 هامش رقم 4، إلا أنه سيأتي عن ابن حجر نفسه تحسين حديث أبي ذر من طريق النسائي، ص 437 ت ومقتضى ذلك أن يكون تقدير عبارة الترمذي: لا نعرف في هذا الباب أقوى من حديث عاثشة، ويؤيد ذلك ما ذكره المؤلف عن أبي حاتم الرازي أنه قال: أصح حديث في هذا الباب حديث عائشة، قال ابن علان: فيه إشارة إلى أنه ورد فيه غيره، وحديث أبي ذر حسن/ الفتوحات الربانية 1/ 402، أقول: وسيأتي بيان أن بقية الأحاديث غير حديث أبي ذر فيها مقال، وبذلك يصدق أنه ليس في الباب أقوى من حديث عائشة. فقد حسنه الترمذي وقرر المؤلف أنه يرتقى بالشواهد -كما ستأتي- لدرجة الصحيح لغيره.

إلى أن يروي نحوه من وجه آخر، هو: ما كان راويه في درجة المستور، ومن لم تثبت عدالته، ولا ارتقى إلى أن تدخل في "الصحيح" مع المتابعة، روايته. فهناك يحتاج إلى تقويته بالمتابعات والشواهد؛ ليصل بمجموع ذلك إلى تلك الدرجة. وأما هذا، فقد كان من شأنه أن يكون من الصحيح؛ فإن إسرائيل المنفرد به، متفق على إخراج حديثه عند الشيخين (¬1) وقد تقدم في الكلام على الشذوذ، والمنفردات، ما يوضح أن ما انفرد به الثقة، ولم يتابَع عليه، لا يرتقي إلى درجة الصحيح، حتى يكون -مع الثقة- في المرتبة العليا من الحفظ والإتقان، وإن لم يتجاوز الثقة، فحديثه هناك حسن (¬2) كما أن المستور، مع التفرد، لا يرتقي إلى درجة الحسن، بل تفرده مردود (¬3) فكذلك هذا الحديث، لو وَجَد شاهدًا له، لما وقف [به] (¬4) عند مرتبة الحسن، وربما لم يقف عندها (¬5) فقد أخرجه أبو حاتم بن حبان، في صحيحه، كما يأتي بيانه (¬6). ¬

_ (¬1) لكن من الأئمة السابقين عليهم واللاحقين لهم من ضعفه، وتخريجهما لحديثه لا يرفع هذا الخلاف، وإنما يفيد رجحان توثيقه عندهما، أو انتقاءهما من حديثه ما يريانه صحيحًا أوله عاضد/ انظر قواعد في علوم الحديث للتهانوي/ 467. (¬2) ص 249، 252 وقد عارضت هناك المؤلف في هذا بما استقر عليه رأي الجمهور من تصحيح حديث الثقة المنفرد لما لم يعارضه من هو أوثق منه أو أكثر عددًا. (¬3) تقدم أيضًا ص 228، 229 أن هذا ليس على إطلاقه وانظر شرح ابن حجر لنخبته ص 278 ضمن المجموعة الكمالية. (¬4) زيادة منى لتوضيح المعنى. (¬5) أي عند درجة الحسن. (¬6) ص 432.

وأكثر ما في الباب، أن الترمذي، في الموضع الذي شرط فيه، في الحسن، تقويته بالمتابعات، عرف بنوع منه، وهو أكثره وقوعًا عنده، لا بكل أنواعه. وهذا نوع آخر منه، مستفاد من كلامه (¬1) وكلام الحاكم والخليلي وغيرهم، من أئمة هذا الشأن، في الغرائب، والشذوذ، والانفرادات، كما قلنا (¬2). وقد بقي علينا أن نعرف محل رواته من الثقة، ليتبين ما قررناه، فنقول:- 1 - محمد بن إسماعيل الذي، رواه عنه، هو: ابن يوسف السُّلَمي، أبو إسماعيل، الترمذي (¬3) سكن بغداد، سمع محمد بن عبد الله الأنصاري، وأبا نعيم، الفضل بن دكين، والحسن بن سوار [البغوي] (¬4) وعبد الله بن الزبير الحميدي، وإسحق الفَروي (¬5) ¬

_ (¬1) أي من وصفه لعدد من الأحاديث في جامعه بالحسن مع الغرابة وقد تقدم أن هذا الكلام من المؤلف يعتبر مكملًا لكلامه السابق في الرد على ابن المواق في اعتراضه على تعريف الترمذي للحديث الحسن ص 292 - 294 ت وانظر التقييد والإيضاح 61. (¬2) ص 243، 246 - 249، 252. (¬3) وهذا خلف ما قرره الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله: أن هذا محمد بن اسماعيل البخاري صاحب الصحيح/ انظر سنن الترمذي بتحقيق الشيخ شاكر 1/ 12 هامش 4، وكذا صاحب معارف السنن 1/ 82، 83 وصاحب تحفة الأحوذي، وأيد ذلك بما جاء في كتاب الدُّر الغالي أن البخاري قد روى الحديث المذكور في كتابه الأدب المفرد وأن الترمذي رواه عنه، وذكر صاحب الدُّر رواية الترمذي هذه بسندها ومتنها/ تحفة الأحوذي 1/ 48. (¬4) بالأصل "العنبري" وما أثبته من تاريخ بغداد 2/ 42 وتهذيب التهذيب 2/ 281. (¬5) بالأصل "القروي" بالقاف وما أثبته من المصدرين السابقين.

وقَبِيصةُ بن عقبة، في خَلْقٍ يطول ذكرهم (¬1). روى عنه أبو داود، والترمذي، والنسائي وأبو بكر بن أبي الدنيا، وموسى بن هارون الحمال، وجعفر الفِرْيَابِي، وأبو علي الصواف، ويحيى بن صاعد، والمحاملي، ومحمد بن مخلد، وإسماعيل ألصفار، ومحمد بن عمرو بن البَختري (¬2) وأبو عمرو بن السماك، وأحمد بن سليمان (¬3) النَّجاد، وأبو سهل بن زياد القطان، وأبو علي بن خُزيمة، وأبو بكر الشافعي، وآخرون (¬4). قال النسائي: ثقة، وقال الخلال: رجل معروف، ثقة، كثير العلم، متفقه (¬5) وأثنى عليه الخطيب (¬6) وأبو العباس بن عقدة (¬7) وغيرهم (¬8) قال ابن ¬

_ (¬1) وذكر الخطيب عددًا منهم/ تاريخ بغداد 2/ 42 وكذا ابن حجر/ تهذيب التهذيب 9/ 62. (¬2) في تاريخ بغداد "محمد بن عمرو الرزاز" 2/ 41 وفي تهذيب التهذيب "أبو جعفر بن البختري" 9/ 62. (¬3) في تاريخ بغداد "سَلْمان". (¬4) ذكر بعضهم في تاريخ بغداد وتهذيب التهذيب/ الموضعين السابقين. (¬5) تاريخ بغداد 2/ 44 وتهذيب التهذيب 9/ 62. (¬6) فقال: كان فَهِمًا متقنًا مشهورًا بمذاهب السنة 2/ 42. (¬7) فقال: سمعت عمر بن إبراهيم يقول: أبو إسماعيل الترمذي صدوق مشهور بالطلب/ تاريخ بغداد 2/ 44 وتهذيب التهذيب 9/ 62. (¬8) كالدارقطني، والحاكم، ومسلمة، وتكلم فيه أبو حاتم وغيره/ تهذيب التهذيب 9/ 62، 63.

شجرة (¬1): مات في رمضان سنة ثمانين ومائتين، ودفن عند قبر أحمد ابن حنبل (¬2). ومالك أبو غَسَّان، هو: مالك بن إسماعيل بن دِرْهَم، ويقال: ابن زياد بن دِرْهَم، النَّهْدِي (¬3) الكوفي، سمع من حماد بن زيد، واسرائيل، وغيرهما (¬4). أخرج له الجماعة كلهم. وأثنى عليه الأئمة ثناء حسنًا: قال أبو حاتم: متقن ثقة، له فضل، وصلاح وعبادة، وصحة حديث، واستقامة، في ثناء أكثر من هذا (¬5) وقال ابن نمير: محدث من أئمة المحدثين (¬6). وقال يعقوب بن شيبة: ثقة صحيح الكتاب، وكان من ¬

_ (¬1) هو أحمد بن كامل بن خلف بن شجرة بن منصور، الشجري، القاضي البغدادي. قال ابن حجر مشهور وقال الخطيب: كان من العلماء بالأحكام وعلوم القرآن والنحو والشعر وأيام الناس، وتواريخ أصحاب الحديث، وله مصنفات في أكثر ذلك، وقال الدارقطني: أملى كتابًا في السير، وتكلم على الأخبار، وتوفي في يوم الأربعاء 8 محرم سنة 350 هـ/ انظر تبصير المنتبه لابن حجر 2/ 728 وتاريخ بغداد 2/ 44 و 4/ 357 - 359. (¬2) تاريخ بغداد 2/ 44 وذكر رواية أخرى عن ابن المنادي بتحديد اليوم من الشهر بقوله: لأيام بقين من رمضان/ تاريخ بغداد، الموضع السابق. (¬3) بفتح النون وسكون الهاء، وبعدها دال مهملة/ اللباب 3/ 336. (¬4) بالأصل "غيرهم" وما أثبته هو الصواب، لأنه لم يذكر من شيوخه غير اثنتين فقط، وذكر الحافظ بن حجر عددًا آخر منهم/ تهذيب التهذيب 3/ 10. (¬5) انظر الجرح والتعديل جـ 4 قسم 1/ 206. (¬6) تهذيب التهذيب 10/ 4.

العابدين (¬1) وقال ابن معين: ليس بالكوفة أتقن من أبي غسان (¬2) وهو أجود كتابًا من أبي نعيم (¬3) وقال مرة أخرى لأحمد بن حنبل: إن سَرَّك أن تكتب عن رجل ليس في [قلبي] (¬4) منه شيء فاكتب عن أبي غسان (¬5) قال البخاري: مات سنة تسع عشرة ومائتين (¬6). وأما إسرائيل -وهو المنفرد بالحديث- فهو: ابن يونس بن أبي إسحق السَّبِيعي، سمع جده، وعبد الملك بن عمير، والمِقْدام بن شريح، وغيرهم. روى عنه وكيع، وابن مهدي، وابن أبي زائدة، وغيرهم (¬7). وثقه أحمد، ويحيى (¬8) وأبو حاتم (¬9) ولد سنة مائة، ومات سنة ¬

_ (¬1) المصدر السابق وزاد: وقال مرة: كان ثقة متقنًا. (¬2) بالأصل "عَتَّاب" وما أثبته من الجرح والتعديل جـ 4 قسم 1/ 206 ويحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 543. (¬3) المصدر السابق. (¬4) بالأصل "قليل" وما أثبته هو الصواب كما في تهذيب التهذيب 10/ 3. (¬5) تهذيب التهذيب 10/ 3، وذكر أقوالًا أخرى في توثيقه، وقولين بنسبته الى التشيع. (¬6) وحدد ابن سعد يوم الوفاة وشهره فقال: في غرة ربيع الأول/ تهذيب التهذيب 10/ 4 وطبقات ابن سعد 6/ 405. (¬7) انظر عددًا من شيوخه وتلاميذه، آخرين في تهذيب التهذيب 1/ 261. (¬8) يعني ابن معين؛ لأن يحيى القطان كان يحمل عليه في حال أبي يحيى القَتَّات/ تهذيب التهذيب 1/ 262 والكامل لابن عدي ل/ 31 نسخة الظاهرية. (¬9) انظر تهذيب التهذيب 1/ 262 والكاشف 1/ 116 وقال: وضعفه ابن المديني =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكذا في تهذيب التهذيب 1/ 263 وقد اقتصر المؤلف -كما ترى- على ذكر من وثق إسرائيل مطلقًا، والإطلاق ينصرف إلى الكمال فيفيد ذلك كمال توثيق إسرائيل؛ لكن المؤلف ترك عددًا غير قليل من أقوال الأئمة فيه: فمنهم من حكى الخلاف في توثيقه وتضعيفه كما ذكرته عن الذهبي في الكاشف، ومن قبل الذهبي قال ابن سعد: كان ثقة، وحدث عنه الناس حديثًا كثيرًا، ومنهم من يستضعفه/ طبقات ابن سعد 6/ 374 وتهذيب التهذيب 1/ 263. ومنهم من ضعفه مطلقًا كقول ابن المديني: إنه ضعيف، وقول ابن مهدي: يسرق الحديث، وضعفه أيضًا ابن حزم/ تهذيب التهذيب 1/ 263. وتعدد قول يعقوب ابن شيبة فيه، فمرة قال: صالح الحديث، وفي حديثه لِين، وقال في موضع آخر: ثقة صدوق، وليس في الحديث بالقوى ولا بالساقط/ تهذيب التهذيب 1/ 262، وعن يحيى بن سعيد القطان أنه كان لا يعبأ به، وعنه أيضًا أنه ثقة/ الكامل لابن عدي ل/ 31 نسخة الظاهرية. ومن العلماء من توسط في توثيقه: فقال النسائي: ليس به بأس/ تهذيب التهذيب 1/ 263. وقال ابن عدي هو: مستقيم الحديث في حديث أبي إسحق -أي السبيعي- وغيره، وما تفرد به فكله محتمل وعامته مستقيم، وحديثه الغالب عليه الاستقامة وهو ممن يكتب حديثه ويحتج به/ الكامل ل 32 ملخصًا. وقال العجلي: ثقة صدوق متوسط/ هدى الساري 2/ 150 وقال أيضًا: كوفي ثقة ومرة أخرى قال: جائز الحديث/ تهذيب التهذيب 1/ 262، وهدى الساري 2/ 150 وترتيب الثقات للهيثمي ل/ 24. فمن مجموع الأقوال في إسرائيل يتضح أنه إما مختلَف في توثيقه وتجريحه بدون ترجيح، واما ثقة متوسط، فيقل عن مرتبة التوثيق الكامل قليلًا، وبهذا يتجه اقتصار الترمذي على تحسين حديثه هنا لذاته، لأن هاتين هما مرتبتا الحسن لذاته كما تقدم ص 252 ت - 255 ت، وقد سبق للمؤلف الإشارة إلى تحسين حديث =

ستين ومائة (¬1) روى له الجماعة. ويوسف بن أبي بردة، يروى عن أبيه، يُعَدُّ في أهل الكوفة، روى عنه إسرائيل بن يونس، وسعيد بن مسروق ذكره أبو حاتم بن حبان في الثقات (¬2). وأبو بردة: اسمه عامر (¬3) وقيل غير ذلك (¬4)، ولي قضاء الكوفة (¬5) فعزله الحجاج وجعل أخاه أبا بكر مكانه. روى عن (¬6) الزُّبير بن العوام، وعوف بن مالك، وسمع أباه، ¬

_ = المختلف فيه بدون ترجيح ص 388، فلو مشى على ذلك هنا كان أولى من اقتصاره على التوثيق ثم تعليل تحسين الترمذي للحديث بتفرد الثقة كما سيأتي قريبًا مع أن الجمهور على خلافه كما قدمت بيانه من قبل ص 249 ت - 253 ت. (¬1) وقيل سنة 161 هـ وقال خليفة وابن سعد سنة 167 هـ، وعليه مشى الذهبي/ تهذيب التهذيب 1/ 263 والكاشف 1/ 116. (¬2) 7/ 638 وقال العجلي أيضًا: كوفي ثقة/ ترتيب الثقات للهيثمي/ ل 59، وتبعهما الذهبي/ الكاشف 2/ 297 لكن قال ابن حجر في التقريب، مقبول 2/ 379. (¬3) وعليه مشى ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 3/ 325 وابن سعد في الطبقات 6/ 268 وقال ابن حبان أنه صحيح/ الثقات 5/ 187، 188. (¬4) قال الذهبي وابن حجر: اسمه الحارث وقيل عامر؛ زاد ابن حجر: وقيل اسمه كنيته/ الكاشف 3/ 312 وتهذيب التهذيب 12/ 18. (¬5) الكاشف 3/ 312. (¬6) بالأصل "عنه" وما أثبته هو الصواب الموافق لمصادر الترجمة/ الكاشف 3/ 312 وتهذيب التهذيب 12/ 18.

وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عمر، والأغر المزني، وعبد الله بن سَلام (¬1) وعائشة، روى عنه الشعبي، وأبو اسحق السَّبِيعي، وعبد الملك بن عُمير (¬2) وعمر بن عبد العزيز، وثابت البناني، ومحمد بن المنكدر وقتادة، والقاسم بن مُخَيْمَرة، وأبو حَصِين (¬3) عثمان بن عاصم، وسالم أبو النصر، وعَدِي بن ثابت، وبُكَيْر بن عبد الله بن الأشَج، وحُمَيد بن هلال، وعاصم بن بَهدَلة/، وأبو إسحق الشيباني، وأبو جَنَاب (¬4) يحيى بن [أبي] (¬5) حَيَّة، وجابر بن يزيد الجُعْفي، ومحمد بن واصل، وعمرو بن مُرَّة، وموسى الجُهني، وأبو حَرِيز (¬6) قاضي سِجْسِتان، وطلحة بن مُصرِّف، وسيار أبو الحكم، وإبراهيم السَّكْسِكِي، وأبو مِجْلَز (¬7). وجماعة يطول ذكرهم. قال أحمد بن عبد الله العجلي: أبو بردة، وأبو بكر، ¬

_ (¬1) بفتح السين المهملة وتخفيف اللام/ تبصير المنتبه 2/ 702 وقد أرسله أبوه إلى ابن سلام ليتعلم منه/ طبقات ابن سعد 6/ 268. (¬2) في تهذيب التهذيب "نُمير" وما في الأصل هو الصواب المطابق للمصادر/ الكاشف 2/ 212 وتهذيب التهذيب 6/ 411. (¬3) بفتح المهلمة (في أوله) / التقريب 2/ 412. (¬4) بتخفيف النون/ التقريب 2/ 407. (¬5) من التهذيب 11/ 201 والتقريب 2/ 417. (¬6) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وآخره زاي/ التقريب 2/ 411 وانظر تهذيب التهذيب 5/ 187. (¬7) بكسر الميم، وسكون الجيم، وفتح اللام، بعدها زاي/ التقريب 2/ 340.

ابنا أبي موسى، تابعيان ثقتان، كوفيان (¬1)، وقال ابن سعد: توفي بالكوفة، سنة ثلاث [ومائة] (¬2) وكان ثقة، كثير الحديث (¬3) ويقال: سنة أربع (¬4). رَوى له الجماعة. وذكره ابن حبان أيضًا في "الثقات" (¬5). فرواته إذن كلهم موثوقون، فلم يقصر به عن درجة التصحيح إلا التفرد الذي أشار إليه بالغرابة، فثبت بذلك كونه حسنًا غريبًا (¬6). وقد أخرجه أبو حاتم بن حبان في صحيحه، من هذا الوجه، قال: ثنا عمران بن موسى [بن مُجَاشِع] (¬7). ثنا عثمان بن أبي شيبة، ¬

_ (¬1) ترتيب الثقات/ ل 61 ب، 62 أ. (¬2) بالأصل "وأربعين" وما أثبته من طبقات ابن سعد 6/ 269 وهو الموافق لبعض المصادر/ انظر المعارف لابن قتيبة/ 266 وتهذيب التهذيب 12/ 18. (¬3) لم أجد هذا التوثيق في الطبقات لابن سعد 6/ 268، 269. (¬4) يعني: "ومائة" كما في الطبقات لابن سعد 6/ 269 وتهذيب التهذيب 12/ 18، وزاد ابن حبان قولا ثالثًا وهو أنه مات سنة 107 هـ. وقد نيف على الثمانين/ الثقات 5/ 187، 188، واعتمد ابن حجر سنة 104 هـ/ التقريب 2/ 394. (¬5) 5/ 187، 188. (¬6) تقدمت الاشارة إلى أن هذه النتيجة غير مسلمة للمؤلف؛ فإسرائيل النفرد بالحديث ليس متفقًا على كمال توثيقه، كما أن تفرد كامل التوثيق بالحديث لا ينزل عن درجة الصحة إلى درجة الحسن لذاته كما قدمت بيانه ص 249 ت وما بعدها و 252 أصل، والإشارة إليه قريبًا ص 429. (¬7) ليست بالأصل وأثبتها من الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان لعلي بن بَلبَان الفارسي كتاب الطهارة - باب الاستطابة - ذكر ما يستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا المغفرة عند خروجه من الخلاء 2/ 307.

ثنا يحيى بن زياد (¬1) ثنا إسرائيل (¬2). فثبت بذلك ثقة رواته لما ذكرناه. ولا يُعتَرضُ على الترمذي بتصحيح ابن حبان، فقد يكون ابن حبان عشر من متابعته على مالو [عَثُر] عليه (¬3) الترمذي، لصححه به (¬4). وقد ذكرنا في الباب أحاديث تأتي بعد هذا، وهي ¬

_ (¬1) كذا الأصل، والذي في سند ابن حبان، كما في الإحسان "يحيى بن أبي كثير" الإحسان/ الموضع السابق، وهكذا جاء في نسختين من عمل اليوم والليلة للنسائي، إحداهما نسخة الخزانة الملكية بالرباط ذات الرقم (1067)، والثانية جزء من إحدى نسخ السنن الكبرى للنسائي، وكلا النسختين ترجعان لأصل واحد، وهما متأخرتان، والأولى منهما ليس عليها علامة توثيق، والثانية أصوب وأدق منها؛ ولكن ناسخهما واحد/ انظر مقدمة تحقيق عمل اليوم والليلة للنسائي بقلم د. فاروق حمادة 123 - 126 وعمل اليوم والليلة/ 172 هامش 79. غير أن النسخة الأوثق من هاتين النسختين جاء فيها "يحيى بن أبي بكير"/ انظر عمل اليوم والليلة/ 172 ح 79، وهكذا جاء في سنن ابن ماجه 1/ 110 / ح 300 وجاء أيضًا في ترجمة ابن بكير هذا أن من شيوخه: إسرائيل بن يونس، وهو شيخه في هذا الحديث كما ترى/ انظر تهذيب التهذيب 11/ 190، وتاريخ بغداد 1/ 155، 156 فلعل ما في الإحسان "يحيى بن بكير" وتحرف من الناسخ "بكير" إلى "كثير". (¬2) الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان -لابن بلبان- كتاب الطهارة - باب الاستطابة - ذكر ما يُستحب للمرء أن يسأل الله جل وعلا المغفرة عند خروجه من الخلاء 2/ 307 ب. (¬3) بالأصل "عدّ" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى. (¬4) لعل الأولى في الجواب أن يقال: لا يعترض على الترمذي بتصحيح ابن حبان؛ لأن ابن حبان يُسَمِي الحسن صحيحًا أيضًا فلا يرى التفرقة بين الصحيح =

شواهد له، ولو كانت ضعيفة، والأولى أن يكون الحديث صحيحًا لذلك، والله أعلم. ¬

_ = والحسن/ الإفصاح 12 أوالتدريب/ 53 وبذلك أجاب ابن حجر عما حسنه الترمذي وصححه ابن حبان/ انظر الإِفصاح 52 أ، ولعل المؤلف أجاب بما ذكر أخذًا من ظاهر قول الترمذي: ولا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة، لكن من العلماء من قيد قول الترمذي هذا، كما قدمته عن ابن حجر، وقال النووي: وجاء في الذي يقال عقب الخروج (أي من الخلاء)، أحاديث كثيرة ليس فيها شيء ثابت إلا حديث عائشة المذكور، وهذا مراد الترمذي بقوله: لا نعرف في الباب إلا حديث عائشة/ المجموع 2/ 76، وقد قدمت أن الأولى أن يقال عما عدا حديث عائشة: ليس منها شيء أقوى منه، لأن من تلك الأحاديث كما سيأتي ما يرقى لدرجة الحسن لذاته، ثم يرقى ببقية المتابعات والشواهد لدرجة الصحيح لغيره، وهكذا شأن حديث عائشة، كما ذكر المؤلف. لكن صاحب معارف السنن يرى أن تُحمَل عبارة الترمذي "لا نعرف في هذا الباب إلا حديث عائشة" على ظاهرها وهو النفي المطلق، وأيد ذلك بقوله: إذ دَأْبُ الترمذي عندما يقول: وفي الباب عن فلان" الخ "يشير إلى جميع ما يكون في الباب من ضعيف وقوي، فإذن يعم قوله عند النفي أيضًا/ معارف السنن 1/ 89. فهذا يؤيد ما ذهب إليه المؤلف من أن عبارة الترمذي تفيد أنه لم يَعثر لهذا الحديث على متابعة؛ غير أن ذلك لا يمنع في نظري وجاهة جواب ابن حجر السابق عن تصحيح ابن حبان لمثل هذا الحديث مما يحسنه الترمذي؛ لأن هذا الجواب يجعل تحسين الترمذي للحديث موافقًا لتصحيح ابن حبان له، وإن اختلفت التسمية عند ابن حبان، فيرتفع بذلك الاعتراض على الترمذي بتصحيح ابن حبان، وأما جواب المؤلف فيفيد أن تصحيح ابن حبان للحديث أرفع من تحسين الترمذي له، ولذلك احتاج إلى الاعتذار عن الترمذي بأنه لم يعثر على متابعة للحديث ترفعه إلى الصحة، وأما ابن حبان فعثر له على متابعة فرفعه بها إلى الصحة، ومما يعكر على ذلك أنه ليس من شروط الصحة عند ابن حبان تعدد طرق الحديث/ انظر التدريب 53.

قال الترمذي: وأبو بُردة: اسمه عامر بن عبد الله بن قيس، وكذا قال الإمام أحمد (¬1)، وقال يحيى بن معين: اسمه الحارث (¬2)، حكاه عنهما أبو أحمد الحاكم. قال [الترمذي]: "ولا نعرف في الباب إلا حديث عائشة"، قال الحافظ المنذري (¬3): وفي الباب حديث أبي ذر -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا خرج من الخلاء قال: الحمد لله الذي أَذهَب عني الأذى، وعافاني (¬4). وحديث أنس بن ¬

_ (¬1) الأسامي والكنى لأحمد/ 79 ترجمة 214 وكذا قال مسلم/ الكنى له 1/ 149 نرجمة 431. (¬2) يحيى بن معين وتاريخه 2/ 694، 3/ 426. (¬3) في مختصر سنن أبي داود له، مع معالم السنن 1/ 32، 33. (¬4) عزاه النووي إلى النسائي في عمل اليوم والليلة - وذكر أنه أخرجه من طرق بعضها مرفوع وبعضها موقوف على أبي ذر، كما قال إنه حديث ضعيف، إسناده مضطرب غير قوي/ المجموع 2/ 75 ولكني لم أجده في عمل اليوم والليلة المطبوع محققًا، وإثباته هو الصواب، فقد أخرجه ابن السني من طريق النسائي عن شعبة مرفوعًا/ عمل اليوم والليلة لابن السني باب ما يقول إذا خرج من الخلاء/ 19 وفي تحفة الأشراف عزاه المزي إلى النسائي في عمل اليوم والليلة، بطرقه التي أشار إليها النووي. فأولى هذه الطرق عن شيخ النسائي: حسين بن منصور عن يحيى بن أبي بكير عن شعبة عن منصور عن أبي الفيضن عن أبي ذر مرفوعًا. وهذه هي الطريق التي أخرجه ابن السني منها كما قدمت. وثانيهما عن بُندار عن غُندر عن شعبة عن منصور قال: سمعت رجلًا يرفع الحديث إلى أبي ذر قوله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وثالثهما ورابعهما: عن بُندار عن ابن مهدي، وعن أحمد بن سليمان عن محمد بن بشر كلاهما - (أي ابن مهدي وابن بشر) عن سفيان عن منصور عن أبي علي الأزدي عن أبي ذر قوله. فنلاحظ أن الطريقين الأولى والثانية تلتقيان في شعبة، وأولاهما مرفوعة وثانيتهما موقوفة على أبي ذر. أما الطريقين الثالثة والرابعة فتلتقيان في سفيان، وهما موقوفتان على أبي ذر. ثم نلاحظ أن شيخ منصور قد اختلفت الروايات فيه، ففي الطريق الأولى عن شعبة ذكر مكنى بأبي الفيض، وفي الثانية ذكر مبهمًا بعبارة "رجُل" وفي الطريقين الثالث والرابع عن سفيان، ذكر فكْنى "بأبي علي". ولعل هذا ما جعل النووي يحكم باضطراب سند الحديث، كما تقدم. ولكن الدارقطني قد سئل عن هذا الحديث من طريق سهل بن أبي حَثْمة عن أبي ذر مرفوعًا فقال: يرويه شعبة، واختُلِفَ عنه: يرويه عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن شعبة عن منصور عن أبي الفيض عن سهل بن أبي حَثمة وأبي ذر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وليس هذا القول بمحفوظ. أقول: وعبد الله بن أبي جعفر المذكور قال عنه الذهبي: وثق، وفيه شيء/ الكاشف 2/ 78. قال الدارقطني: وغيره (أي غير عبد الله بن أبي جعفر) يرويه عن شعبة عن منصور عن رجل يقال له "الفيض" عن ابن أبي حثمة عن أبي ذر، موقوفًا، وهو أصح/ العلل للدارقطني 2 / ل 73. وبهذا رجح الدارقطني الرواية الموقوفة عن شعبة بالسند المذكور. ويلاحظ أن طريقي شعبة المرفوع والموقوف المذكورين عند النسائي يختلفان عن طريق رواية شعبة هذه التي رجحها الدارقطني، حيث يوجد بها زيادة "سهل بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أبي حثمة" بين شيخ منصور وبين أبي ذر. وسيأتي في كلام المؤلف في الأصل: ص 442، 443، أن أبا زرعة الرازي سئل عن رواية شعبة هذه بالسند الذي رجحه الدارقطني فقال: وَهِم شعبة في هذا الحديث، ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي عبيد بن علي عن أبى ذر، وهذا الصحيح، العلل لابن أبي حاتم 1/ 27. وبهذا رجح أبو زرعة رواية سفيان الموقوفة بإسناد النسائي السابق ذكره، وأقره الحافظ ابن حجر/ النكت الظراف مع تحفة الأشراف 9/ 194، 195، وسيأتي تأييد ذلك أيضًا ص 443 ت. وقد أخرجها أيضًا ابن أبي شيبة من طريق عبدة بن سليمان ووكيع -كلاهما- عن سفيان؛ بسند النسائي/ مصنف ابن أبي شيبة 1/ 2، وقال أبو حاتم الرازي: الثوري أحفظ/ العلل لابن أبي حاتم 1/ 27. فبهذا الترجيح لرواية سفيان الموقوفة يرتفع الاضطراب الظاهري للحديث الذي ذكره النووي، ثم إن مدار طرق الحديث مرفوعًا وموقوفًا على أبي علي الأزدي، وقد قال عنه: الحافظ في التقريب: مقبول من الثالثة 2/ 453، غير أنه فيما نقل ابن علان عنه قال: أبو علي الأزدي ذكره ابن حبان في ثقات التابعين، فَقَوِي، ويزداد قوة بشاهده، وبناء على ذلك حكم على الحديث بأنه حسن من طريق سفيان موقوفًا/ الفتوحات الربانية 1/ 403، 404، وبهذا يرتفع إطلاق الحكم بضعفه كما عبر النووي. ومن شواهده التي أشار إليها ابن حجر ما أخرجه ابن أبي شيبة عن حذيفة موقوفًا بلفظه، ومن حديث أبي الدرداء أيضًا موقوفًا بلفظ "أماط" بدل "أذهب"، وأخرج ابن أبي شيبة أيضًا عن ابراهيم التيمي أن نوحا النبي -عليه السلام- كان إذا خرج من الغائط قال: الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني/ المصنف - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من المخرج 1/ 2 ومن شواهده أيضًا ما سيأتي في الأصل من أحاديث أنس وابن عمر وطاوس.

مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مثله (¬1). وفي لفظ: الحمد لله الذي أحسن إليَّ في أوله وآخره (¬2). وحديث عبد الله بن عمر: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعني، كان إذا خرج- قال: الحمد لله الذي أذاقني لذَّتَه، وأبْقى فيّ قُوَّتَه، وأذهب عني أَذاه (¬3). ¬

_ (¬1) أخرجه ابن ماجه - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء 1/ 110 ح 301، وفي سنده إسماعيل بن مسلم، قال الذهبي: ضعفوه وتركه النسائي/ الكاشف 1/ 129. وقال أبو زرعة: ضعيف/ العلل للرازي 1/ 17، وقال البوصيري بها زوائد ابن ماجه: متفق على ضعفه، والحديث بهذا اللفظ غير ثابت/ هامش سنن ابن ماجه 1/ 110. (¬2) أخرجه ابن السني بها عمل اليوم والليلة - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء/ ص 19، وفي سنده الوليد بن بكير، أبو جناب -بفتح الجيم ثم نون- الكوفي، قال ابن حجر: لَيِّن الحديث من الثامنة/ التقريب 2/ 332 وفيه أيضًا عبد الله بن محمد العدوي ضعيف رمى بالكذب/ تهذيب التهذيب 6/ 20، 21. (¬3) أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة، بها آخر حديث/ عمل اليوم والليلة الوضع السابق، وفي سنده إسماعيل بن رافع، أبو رافع المدني القاص، وقال الذهبي: ضعيف واه/ الكاشف 1/ 122 وما في تهذيب التهذيب من أقوال الأئمة فيه يؤيد هذا/ تهذيب التهذيب 1/ 294 - 296. وقال الحافظ بن حجر: الحديث غريب، وأخرجه المُعمَّري بها اليوم والليلة وابن السني وبها سنده ضعيفان، وانقطاع؛ لكن للحديث شواهد، منها: عن عائشة مرفوعًا: أن نوحًا عليه السلام لم يَقُم عن خلاء قط إلا قال: الحمد لله الذي أذاقني لذته، -وأبقى منفعته في جسدي، وأخرج عني أذاه، قال الحافظ: =

غير أن هذه الأحاديث، أسانيدها ضعيفة (¬1). ولهذا قال أبو حاتم [الرازي] (¬2): أصح ما فيه حديث عائشة (¬3). ¬

_ = حديث غريب، أخرجه المُعَمَّري والخرائطي في فضيلة الشكر، وفي سنده الحارث بن شِبْل، وهو ضعيف، وأخرجه العقيلي (الضعفاء 1/ 214 ترجمة 260) وابن عدي (ولم أجد الحديث في ترجمته/ الكامل 2/ 612، ونسخة الظاهرية / ل 65) فيما استُنكِر من حديثه. وأخرج عبد الرازق عن ابن جريج عن بعض أهل المدينة قال: حُدِّثت أن نوحًا كان يقول: -فذكر نحوه، وأخرجه ابن أبي شيبة عن هشيم عن العوام بن حوشب قال: حُدِّثت أن نوحًا ... فذكره/ المصنف - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من المخرج 1/ 2، ومنها حديث أنس المتقدم، وحديث طاوس الآتي في الأصل/ انظر الفتوحات الربانية 1/ 405، ونتائج الأفكار للحافظ ابن حجر، بتحقيق الشيخ حمدي السلفي 1/ 221. (¬1) تقدم ص 437 ت تحسين ابن حجر لحديث أبي ذر موقوفًا، بإسناد النسائي في عمل اليوم والليلة، من طريق سفيان فيكون خارجًا عن هذا التعميم، كما أن ضعف أسانيد الباقي باعتبار كل إسناد على حدة كما قدمت توضيحه عقب تخريج الأحاديث المتقدمة؛ ولكن مجموع هذه الأسانيد -غير طريق عبد الله بن محمد العدوي- يرقى الحديث إلى الحسن لغيره، وبضم إسنادي حديث عائشة عند الترمذي وحديث أبي ذر عند النسائي يرتقي الحديث إلى درجة الصحيح لغيره، لكون الإسنادين المذكورين حسنين كما تقدم/ وانظر الفتوحات الربانية 1/ 400. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من مختصر السنن للمنذري - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من الخلاء 1/ 33 واعتمادًا على ما في العلل لابن أبي حاتم 1/ 43. (¬3) نسب الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وغيره الى أبي حاتم تصحيح حديث عائشة هذا/ انظر جامع الترمذي بتحقيق الشيخ شاكر 1/ 12 هامش 5، وتخريج سنن =

قلت: وفي الباب أيضًا مما لم يذكره الترمذي، ولا المنذري: حديث طاوس، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتى أحدكم البُرَاز فليكرم قبلة الله -الحديث- وسيأتي في "باب الاستنجاء بالحجارة" وفيه: ثم ليقل الحمد لله الذي أخرج عني ما يؤذيني، وأمسك على ما ينفعني. رواه الدارقطني مرسلًا، وبعضه مرفوعًا (¬1) ¬

_ = الدارمي للسيد عبد الله اليماني، بهامش سنن الدارمي 1/ 139 حديث 686، مع أن عبارة أبي حاتم هذه لا يلزم منها صحة الحديث الموصوف بها وقد تقدم ذكر المؤلف نفسه لذلك ص 319 وقال الإمام النووي: لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث؛ فإنهم يقولون: هذا أصح ما جاء في الباب، وإن كان ضعيفًا، ومرادهم أرجحه، أو أقله ضعفًا/ التدريب ص 39، ومنهج ذوي النظر شرح منظومة علم الأثر للسيوطي - تأليف الشيخ محمد محفوظ الترمسي 17 والأذكار للنووي - باب أذكار صلاة التسبيح ص 168، وانظر الجوهر النقي بهامش سنن البيهقي 3/ 286 وقد قيد ابن أبي حاتم حكم أبيه هذا بسند واحد للحديث لا بمجموع طرق شواهده التي تقدمت، فقد قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: أصح حديث في هذا الباب -يعني في باب الدعاء عند الخروج من الخلاء- حديث عائشة -يعني حديث اسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه عن عائشة/ علل الحديث لابن أبي حاتم- أحاديث الطهارة - 1/ 43. وقد تقدم 429 ت أن إسرائيل الذي عليه مدار الحديث مختلف في توثيقه وتجريحه وأن أوسطَ أحواله أن يكون حسن الحديث، كما حكم الترمذي على حديث عائشة هذا من طريقه، فيكون الأولى حمل عبارة "أصح حديث" في كلام أبي حاتم على "أقوى حديث"، حيث لم يُعْرَف من طرق متابعاته وشواهده ما يزيد على درجة الحَسَنَ هذه التي بلغها سند حديث عائشة المذكور، والله أعلم. (¬1) أي وبعض طرقه مرفوعًا/ انظر سنن الدارقطني - كتاب الطهارة - باب الاستنجاء 1/ 57، 58.

عن ابن عباس، وضَعّفَ من [رفعه] (¬1). ¬

_ (¬1) بالأصل "من وثقة" وما أثبته هو الذي يستقيم المعنى عليه ويفيده كلام الدارقطني عن الحديث حيث قال بعد سياق الرواية المرفوعة من طريق أحمد بن الحسن المضري: لم يسنده غير المضري، وهو كذاب متروك، وغيره يرويه عن أبي عاصم عن زمعة عن سلمة بن وهرام عن طاوس مرسلًا، ليس فيه: "عن ابن عباس"، ثم ذكر تلك الروايات المرسلة، وذكر رواية عن سفيان موقوفة، وفي سند الروايات المرفوعة والمرسلة "زَمْعة بن صالح" ضعيف "تهذيب التهذيب" 3/ 338، 339. وقد ذكر الدارقطني عقب رواية سفيان الموقوفة أن علي (بن المديني) قال: قلت لسفيان أكان زمعة يرفعه؟ قال نعم، فسألت سلمة عنه فلم يعرفه، يعني لم يرفعه/ سنن الدارقطني، الموضع السابق. ومن طريق الدارقطني أخرج البيهقي الروايات السابقة، ثم روى بسنده عن الشافعي قال: حديث طاوس هذا مرسل ... الخ/ معرفة السنن والآثار للبيهقي- كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 267، 268، وانظر اختلاف الحديث للشافعي بهامش كتاب الأم 7/ 271. وقد أخرجه ابن أبي شيبة أيضًا من طريق زَمعة، عن طاوس مرسلًا - المصنف - كتاب الطهارة - باب ما يقول إذا خرج من المخرج 1/ 2. وأخرجه الطبراني أيضًا، وقال: لم نجد من وصل هذا الحديث/ الفتوحات الربانية 1/ 405، يعني غيرَ شيخه أحمد بن الحسن المُضَرى؛ لأنه شيخ للطبراني، وقد تقدم قول الدارقطني: إنه لم يُسند الحديث غير المُضَرى هذا/ وانظر المجروحين لابن حبان 1/ 145، ولسان الميزان 1/ 150 وتبصير المنتبه 4/ 1368. ومع إرسال رواية طاوس ففيها أيضًا ضعف لوجود "زَمعَة بن صالح" في سندها كما تقدم، وقد قرر ذلك الحافظ ابن حجر أيضًا/ الفتوحات الربانية 1/ 405.

وحديث أبي ذر، ذكر ابن أبي حاتم: أنه سأل أباه وأبا زرعة، عنه، وقال: قد روى شعبة عن منصور عن الفيض (¬1). [عن] (¬2) ابن أبي حثمة عن أبي ذر (¬3) -الحديث-. فقال أبو زرعة: وَهِم شعبة/ في هذا الحديث. ورواه الثوري فقال: عن منصور عن أبي علي، عُبيد بن علي [عن أبي ذر] (¬4) ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، وبالعلل لابن أبي حاتم الرازي 1/ 27 وفي سند الحديث عند ابن السني/ عمل اليوم والليلة -له- باب ما يقول إذا خرج من الخلاء/ 19، وكلها من طريق شعبة، والموجود في سند الحديث عند النسائي من طريق يحيى بن أبي بكير عن شعبة "أبو الفيض" / تحفة الأشراف 9/ 195 وهكذا جاء في تهذيب التهذيب 12/ 174، 203 وفي التقريب 2/ 453 لكن قال ابن حجر: إن الأصح في كنيته "أبو علي" وذكر أن اسمه: عُبَيد بن علي. أقول: وبهذه الكنية والاسم ذكر في إسناد سفيان الذي رجحه أبو زرعة/ العلل لابن المديني 1/ 27، وأما في إسناد سفيان عند النسائي فذكر بالكنية والنسبة وهما "أبو علي الأزدي" تحفة الأشراف 9/ 195. وقد رجح الدارقطني من روايات الحديث عن شعبة الطريق التي ذكر فيها أبو علي هذا بعبارة "رجل يقال له الفيض" كما تقدم ص 436 ت، فلعل هذا لقب له، وعليه يكون هذا الراوي اسمه: عبيد بن علي وكنيته "أبو علي" على الصحيح، ونسبته "الأزدي" و"الفيض" لقب له. (¬2) ليس بالأصل ولا بالعلل لابن أبي حاتم 1/ 27، وأثبتُه من روايات الحديث في العلل للدارقطني/ الموضع السابق. ويؤيده ما تقدم من أن الفيض اسمه: عبيد بن علي، وكذا ما جاء في علل الدارقطني: أنه سئل عن حديث سهل بن أبي حثمة عن أبي ذر (الحديث) العلل للدارقطني 2 / ل 73. (¬3) موقوفًا، كما يفهم من سياق الحديث في علل ابن أبي حاتم 1/ 27. (¬4) ليس بالأصل وأثبته من العلل لابن أبي حاتم 1/ 27 وتحفة الأشراف 9/ 195، والمراد: عن أبي ذر موقوفًا عليه كما قرره في التحفة/ الموضع السابق.

وهذا الصحيح، وكان أكثر وَهْم شعبة في أسماء الرجال. وقال أبي: كذا قال سفيان، وكذا قال شعبة، والله أعلم أيهما [الصحيح] (¬1)، والثوري أحفظ، وشعبة ربما أخطا في أسماء الرجال، ولا يُدرَى هذا منه أم لا (¬2)؟. وفي الباب مما لم يذكراه معًا: حديث سَهْل بن أبي حَثمة، ذكره ¬

_ (¬1) بالأصل "الصواب" وما أثبته من العلل لابن أبي حاتم 1/ 27، والمراد بقوله: "أيهما" أي رواية شعبة، ورواية سفيان الموقوفتان على أبي ذر، أما الروايات المرفوعة من طريق شعبة فقد تقدم ترجيح الدارقطني للموقوف من طريق شعبة أيضًا عليها ص 436 ت. (¬2) قوله: "ولا يُدرَى هذا" يعني الاختلاف فيما ذكر به شيخ منصور في إسناد شعبة، حيث ذكر مرة "الفيض" ومرة "أبو علي" عبيد بن علي، ومرة "رجل" على الإبهام، كما تقدم في طرق الحديث عند النسائي، والضمير في قوله "منه" يعود إلى الخطا في أسماء الرجال المفهوم من قوله: "كان شعبة ربما أخطأ في أسماء الرجال". فتقدير العبارة: ولا يُدرى هل الاختلاف فيما ذُكِر به شيخ منصور يُعد من أخطاء شعبة في أسماء الرجال أم لا؟ وقد ذكر أبو داود أن خطا شعبة في أسماء الرجال لا يضره، ولا يُعاب عليه/ تهذيب التهذيب 4/ 345. ومع أن أبا حاتم لم يقطع بترجيح أي من الروايتين على الأخرى، إلا أن قوله: "سفيان أحفظ" يشير إلى ترجيح روايته على رواية شعبة، ويؤيد هذا ما جاء عنه أنه قال عن سفيان: هو أحفظ من شعبة، وإذا اختلف شعبة والثوري، فالثوري/ الجرح والتعديل 2 قسم 1/ 225. وأيضًا هذا الحديث عن منصور، وقد قال ابن معين: لم يكن أحد أعلم بحديث منصور من سفيان الثوري/ المصدر السابق. وقد تقدم أيضًا اعتماد أبي زرعة وابن حجر لرواية سفيان/ ص 437 ت.

ابن الجوزي، في كتاب العلل المتناهية (¬1). وهذه الأحاديث كلها، تضمنت حمد الله تعالى على خروج الأذى. وحديث الباب عند الترمذي، تضمن الدعاء بالمغفرة، وهو غير الأول؛ غير أن التبويب تضمن ما يقول إذا خرج من الخلاء، فهي داخلة تحت التبويب، وإن لم تَكن في معنى حديث الباب. [المعاني والأحكام]: "والغُفْران" مصدر، كالمغَفرة، وإنما نصبه بإضمار "الطلب" و"المسألة" كأنه يقول: اللهم إني أسألك غفرانك (¬2) وقد قيل في تأويل ¬

_ (¬1) لابن الجوزي كتاب الطهارة -حديث فيما يقال عند الخروج (من الخلاء) 1/ 329، 330، وقد وقع فيه بدل "حثمة" "خيثمة" فلعله خطأ نسخ أو طباعة، وظاهر عبارة المؤلف أن ابن الجوزي أخرج الحديث عن سهل وحده، والواقع أنه أخرجه من طريق عبد الله بن أبي جعفر الرازي عن شعبة عن منصور عن أبي الفيض عن سهل بن أبي حئمة وأبي ذر -معًا- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحديث) وهذه هي رواية الدارقطني في العلل كما تقدم ذكره ص 436 ت، وقد نقل ابن الجوزي ترجيح الدارقطني السابق ذكره لرواية شعبة عن الفيض عن سهل بن أبي حثمة عن أبي ذر موقوفًا، على هذه الرواية المرفوعة، وأقر ذلك/ العلل المتناهية 1/ 330. (¬2) فيكون "غفرانك" مفعولًا به، وقيل: يجوز أن يكون منصوبًا على المفعولية المطلقة، والتقدير: "اغفر غفرانك". وقيل غير ذلك/ انظر الفتوحات الربانية 1/ 401، 402. والوجه الأول الذي اقتصر عليه الخطابي، قال النووي: هو الأجود، واختاره الخطابي وغيره/ المجموع 2/ 76 واقتصر عليه الحافظ في هدى الساري =

ذلك، وفي تعقيبه الخروج من الخلاء بهذا الدعاء قولان: أحدهما: أنه قد استغفر مِن تَرك ذكر الله سبحانه وتعالى مُدة لُبثه على الخلاء، كان -صلى الله عليه وسلم- لا يهجر ذكر الله سبحانه وتعالى - إلا عند الحاجة، فكأنه رأى هجران الذكر في تلك الحال، تقصيرًا، وعدّة على نَفسه دَيْنًا، فتداركه بالاستغفار (¬1). [ثانيهما] (¬2): وقيل معناه: التوبة من تقصيره في شكر النعمة التي أنعم الله بها عليه: فأطعمه، ثم هضمه، ثم سهَّل خروج الأذى ¬

_ = / 182؛ لكن نقل البَنُورِي عن شيخه الكشميري: أن المتعين الثاني، وهو كونه مفعولًا مطلقًا/ معارف السنن 1/ 83. والغفران مأخوذ من الغَفْر وهو الستر، فكان العبد يسأل الله تمام المِنَّة بتسهيل الأذى، وعدم حَبسه لئلا يفضي إلى شهرته وانكشافه/ الفتوحات الربانية 1/ 401. وقيل في توجيه الاستغفار في هذه الحالة غير ذلك، كمأ سيأتي. (¬1) انتقد هذا الوجه بأن ترك الذكر حينئذ هو المشروع: فكيف يكون تركه تقصيرًا؟ وأجيب عن ذلك بأن فيه تقصيرًا من حيث إن القائل تعاطى لأجل شهوته ما اقتضى ترك الذكر، فكان شهود التقصير حينئذ من إجلال الله تعالى، والاعتراف بعدم الوفاء بشكر نعمته، مما لا يخفى عِظَم وَقْعِه/ الفتوحات الربانية 1/ 401. أقول: ولعل هذا ما جعل الإمام العيني يعتبر هذا الوجه هو أحسن وجوه حكمة الاستغفار في هذه الحالة/ عمدة القاري في شرح صحيح البخاري - كتاب الوضوء - باب ما يقول عند الخلاء 2/ 255، وقال الشيخ البنوري: إنه المشهور/ معارف السنن 1/ 85، مع أنه رجح غيره كما سيأتي. (¬2) زيادة منى للتوضيح وكذا عبارة "وجه ثالث" الآتية بعد.

منه، فرأى شكره قاصرًا عن بلوغ حق هذه النعم، ففزع إلى الاستغفار منه. والله أعلم. قاله الخطابي (¬1). [وجه ثالث] ويَحتَمِلُ وجهًا ثالثًا: أن يكون هذا خرج منه -عليه السلام- مَخرِج التشريع والتعليم، في حالتي الدخول، والخروج، فَحق مَن خرج سالمًا، مُعاذًا مما استعاذ منه، من الخُبثُ، والخبائث، أن يؤدي شكر نعمة الله عليه، في إعاذته، وإجابة سؤاله، وأن يستغفر الله تعالى، خوفًا أن لا يؤدي شكر تلك النعم حقها (¬2). وهو قريب من تحميد العاطِس على سلامه، مما قد كان يَخْشى ¬

_ (¬1) معالم السنن 1/ 32 مع مختصر سنن أبي داود، ونقله عنه النووي/ المجموع 2/ 76. ونقل ابن عِلّان عن شرح العباب أن بعضهم قال: إن أصح الوجوه هو هذا الوجه الثاني/ الفتوحات الربانية 1/ 401، مع أنه تقدم عن العيني استحسان الأول، وسيأتي عن البنوري ذكر وجه آخر وترجيحه له، وعمومًا فإن المسألة اجتهادية. (¬2) ذكر الشيخ البنوري نحوًا من هذا الوجه، واعتبره المآل النهائي لتشريع الاستغفار في هذه الحالة، أما غيره من الأوجه فاعتبرها لأصل المشروعية، وهو فعل الرسول نفسه لهذا الاستغفار، وقد عَزى لغيره ذكر ثلاثة أوجه في حكمة فعل الرسول لهذا الاستغفار، ومنها الوجه الأول المذكور في الأصل، وقد وصفه البنوري بأنه هو المشهور كما قدمت، لكنه ذكر وجهًا رابعًا من عنده وخلاصته أن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، كان لا يخلو عن مراقبة الله جل جلاله، وهي في مثل هذا الوقت، وهو وقت الخروج من الخلاء، مما ينافي جلال الله تعالى ويوجب الخجل طبعًا، فاستغفر الرسول -صلى الله عليه وسلم- ربه، لأجل وقوع مراقبته -صلى الله عليه وسلم- لمولاه في وقت لا يليق بجلاله، ثم قال: وهذا ألطف عندي - والله أعلم، فكأنه لعدم انقطاع الذكر القلبي -والحالة هذه- استغفر الله تعالى/ معارف السنن 1/ 85.

منه، حالة العُطاس، ولما كانت حالة التخلي لقضاء الحاجة، محظورًا فيها الذكر، والتوجه إلى الله تعالى، حَسُن أن يكون الذكر والاستغفار، أول ما يصدر منه عند الخروج، كما كان ذلك آخر ما خَتَم به عند الدخول. ونحوٌ من هذا ما مرَّ بي عند بعض أهل العلم (¬1) في الأدعية المأثورة عند النوم إلى جنبه، والبداءة عند اليقظة يقول المستيقظ: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا، وإليه النُّشُور (¬2). ¬

_ (¬1) لعله يقصد الإمام النووي حيث ذكر نحو ما ذكر المؤلف عازيًا إياه للعلماء دون تحديد لكن لم يذكر بيت الشعر التالي. / انظر شرح النووي على مسلم 35/ 17. (¬2) هذا حديث لم يتعرض المؤلف لتخريجه حتى من الترمذي الذي هو بصدد شرحه، وقد أخرجه البخاري عن حذيفة في الدعوات - باب ما يقول إذا نام - بلفظه مع زيادة في أوله/ البخاري 7/ 147، وباب وضع اليد اليمنى تحت الخد الأيمن/ بلفظه مع زيادة في أوله 7/ 147، وباب ما يقول إذا أصبح - بلفظه أيضًا مع زيادة 7/ 150. وأخرجه في التوحيد من حديث حذيفة ومن حديث أبي ذر -باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها- بلفظه مع زيادة في أوله/ البخاري 8/ 169. وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث البراء بلفظه مع زيادة في أوله- كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار- باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع 4/ 2083 ح 59. وأخرجه الترمذي - أبواب الدعوات - باب منه رقم 28 من حديث حذيفة بلفظ "الحمد لله الذي أحيا نفسي بعدما أماتها، وإليه النشور" وفي أوله زيادة، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح/ الترمذي مع التحفة 9/ 362، 363 ح 3477. أقول: وفي سند الترمذي عمر بن إسماعيل بن مُجالد، قال في =

وقال: فيه استحباب ختم الأعمال بالدعاء والتوجه، وافتتاحها بمثله. وأنشد هذا القائل متمثلًا: وآخر شيء أنت آخر (¬1) هجعه ... وأول شيء أنت، عند هبوبِ ... ¬

_ = التقريب: متروك 2/ 52 فتصحيح الترمذي له باعتبار مجيئه من طرق أخرى صحيحة كما تقدم في تخريجه/ وانظر تحفة الأحوذي 9/ 363. وأخرجه أبو داود في سننه - كتاب الأدب - أبواب النوم/ باب ما يقول عند النوم - وذلك من حديث حذيفة بلفظه مع زيادة في أوله - السنن مع عون المعبود 13/ 391 ح 5028. وأخرجه النسائي في اليوم والليلة بنحوه، ولم أجده في النسخة المطبوعة ولكن المزي عزاه إليه من حديث أبي ذر/ تحفة الأشراف 9/ 160 ح 11910، وكذا عزاه الحافظ ابن حجر إلى النسائي في الكبرى من حديث أبي ذر ومن حديث حذيفة/ الفتوحات الربانية 1/ 284. وأخرجه ابن ماجه من حديث حذيفة بلفظ: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا انتبه من الليل قال الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا، وإليه النشور/ سنن ابن ماجه - كتاب الدعاء - باب ما يدعو إذا انتبه من الليل 2/ 277 ح 3880. (¬1) في الفتوحات "أول" / الفتوحات الربانية 1/ 287.

6 - باب في النهي عن استقبال القبلة، بغائط، أو بول

6 - بابٌ في النَّهْي عن استقبالِ القِبْلَةِ، بِغائِطٍ، أو بَوْل حدثنا سَعيدُ بنُ عبد الرحمن المخْزُومِي، ثنا سفيان بن عُيَيْنَة، عن الزهري، عن عطاء بن يَزِيَد اللَّيثيِّ، عن أبي أَيُّوب الأنصاري قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. إذا أتَيْتُم الغائط، فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بَول، ولا تَسْتَنبِرُوها، ولكن شَرِّقُوا، أو غَرِّبُوا. قال (¬1) أبو أيوب: فَقدِمْنا الشام، فَوجدنا مَراحِيضَ قد بُنِيَتْ، مُسْتَقْبَل القِبْلَة، فننحرف عنها ونستغفر الله. [قال أبو عيسى] (¬2) وفي الباب عن عبد الله بن الحارث [بن جَزْء الزبيدي] (¬3) ومعقل بن أبي الهيثم، ويقال: معقل بن أبي معقل، وأبي أمامة، وأبي هريرة، وسهل بن حنيف. قال [أبو عيسى] (¬4) وحديث أبي أيوب، أحْسَنُ شيءٍ في هذا ¬

_ (¬1) في ط شاكر "فقال" 1/ 13. (¬2) من ط شاكر/ الموضع السابق. (¬3) من ط شاكر 1/ 13، 14. (¬4) من ط شاكر 1/ 14.

الباب وأصح، وأبو أيوب اسمه: خالد بن زيد، والزهري [اسمه] (¬1) محمد بن مسلم بن عبيد الله، بن شهاب الزهري [وكنيته أبو بكر] (¬2). قال أبو الوليد المكي: قال أبو عبد الله [محمد بن إدريس] (¬3) الشافعي: إنما معنى قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول، ولا تستدبروها" إنما هذا في الفيافي، فأما (¬4) في الكنف البنية، فله (¬5) رخصة في أن يستقبِلَها، وهكذا قال إسحق [بن إبراهيم] (¬6). [و] (¬7) قال أحمد بن حنبل: إنما الرخصة من النبي -صلى الله عليه وسلم- في استدبار القبلة بغائط، أو بول، فأما استقبال القبلة، فلا يَسْتَقبِلُها، كَأَنَّه لَمْ يَر في الصحراء ولا في الكُنُف، أن يستقبل القبلة. [الكلام عليه] [التخريج والصناعة الحديثية]: أما حديث أبي أيوب، فَمخَرّجُ في الكتب الستة (¬8) وحديث ¬

_ (¬1) من ط شاكر 1/ 14. (¬2) من ط شاكر 1/ 14. (¬3) من ط شاكر 1/ 14. (¬4) ط شاكر "وأما" 1/ 14. (¬5) في ط شاكر "له". (¬6) من ط شاكر 1/ 14 ويؤيده مصادر حكاية المذاهب في المسألة كالمجموع 2/ 81، 82، والمغنى لابن قدامة 1/ 162، 163 وعمدة القاري العيني 2/ 262 ط مصطفى الحلبي. (¬7) من ط شاكر 1/ 14 وتؤيده مصادر حكاية المذاهب السابقة. (¬8) أخرجه البخاري بلفظه وسنده في كتاب الصلاة - باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق 1/ 103 وذلك من طريقين، في أولهما تصريح سفيان بالتحديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عن الزهري، وفي ثانيهما تصريح عطاء بالسماع من أبي أيوب، وذلك بدل العنعنة في سند الترمذي في الموضعين. وأخرجه البخاري أيضًا بنحوه، دون قول أبي أيوب: قدمنا الشام ... إلخ - كتاب الوضوء - باب لا يستقبل القبلة ببول ولا غائط إلا عند البناء 1/ 45. وأخرجه مسلم بلفظه - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224 ح 59. وأبو داود، في الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة، ولم يذكر النهي عن الاستدبار 1/ 27 مع عون المعبود. والنسائي في الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة، مقتصرًا على ذكر النهي عن استقبال القبلة واستدبارها، وفي باب النهي عن استدبار القبلة عند الحاجة، ولم يذكر كلام أبي أيوب، وفي باب الأمر باستقبال المشرق والمغرب عند الحاجة، بلفظ: "إذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة، ولكن ليشرق، أو ليغَرِّب" سنن النسائي مع التعليقات السلفية 1/ 5، 6. وابن ماجه - كتاب الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط أو البول، ولم يذكر النهي عن الاستدبار، ولا كلام أبي أيوب 1/ 115 ح 318. أقول وأخرجه غير الستة أيضًا: فقد أخرجه الدارمي بسند الترمذي ولفظه، ثم قال: وهذا أصح من حديث عبد الكريم، وعبد الكريم شبه المتروك - سنن الدارمي - كتاب الصلاة والطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول 1/ 135، 136 ح 671 ومقصود الدارمي بحديث عبد الكريم، حديث سهل بن حنيف الذي أشار إليه الترمذي ضمن ما في الباب، فقد أخرجه الدارمي قبل هذا الحديث، وفي سنده عبد الكريم، وهو ابن أبي المُخارِق، وسيأتي تخريج الحديث، كما سيأتي في الأصل التعريف بعبد الكريم ص 456. وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ مقارب من طريق معمر عن الزهري به، ومن طريق مالك عن إسحق بن عبد الله، وفي أوله قصة، ولم يذكر فيه كلام

عبد الله بن الحارث رواه الإمام أحمد (¬1) وابن ماجه (¬2). ¬

_ = أبي أيوب: فلما قَدِمنا الشام إلخ/ مسند أحمد 5/ 414، 415 ومن طريق سفيان عن الزهري، ومعمر عن الزهري بنحوه، مع ذكر كلام أبي أيوب 4/ 416، 417، 421 ومن طريق حماد بن سلمة عن إسحق بن عبد الله، بنحوه دون ذكر كلام أبي أيوب 4/ 419. وأخرجه مالك في الموطأ، عن إسحق بن عبد الله، بسنده إلى أبي أيوب، بلفظ رواية أحمد الأخيرة/ الموطأ كتاب القِبْلَة - باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته/ 137 ح 1. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق مالك بلفظ: إذا ذهب أحدكم الغائط، أو البول، فلا تستقبلوا القبلة، أو قال: بفرج/ المصنف - كتاب الطهارة - باب في استقبال القبلة بالغائط أو البول 1/ 150. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه بنحو رواية الترمذي/ صحيح ابن خزيمة - كتاب الطهارة - باب ذكر خبر رُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها عند الغائط والبول، بلفظ عام 1/ 33 ح 57. (¬1) في مسنده مكررًا ست مرات من طرق، بعضها عن الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الله، وبعضها عن ابن لَهيعة عن سليمان الحضرمي عن عبد الله، وألفاظها متقاربة، ومقتصرة على ذكر النهي عن استقبال القبلة بالبول/ مسند أحمد 4/ 190، 191. (¬2) من طريق "الليث" السابق ذكره من عند أحمد، وبلفظ رواية أحمد/ سنن ابن ماجه/ كتاب الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 115 ح 317. وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: إسناده صحيح، وحَكَم بصحته جماعة/ هامش السنن/ الموضع السابق. أقول: وممن صححه ابن حبان، فقد أخرجه في صحيحه من طريق غوث بن =

وحديث مَعْقِل بن أبي مَعْقِل، في النهي عن استقبال القبلتين (¬1) -وسيأتي الكلام على مَعْقِل، لذكره الخلاف في (¬2) اسم أبيه- رواه الإمام أحمد (¬3) وأبو داود (¬4)، وابن ماجه (¬5). ¬

_ = سليمان عن عبد الله، بمعناه/ موارد الظمآن 1/ 62، 63، وكان الأولى تخريج المؤلف للحديث منه مراعاة للصحة. قال العيني: فإن قُلتَ: قال ابن يونس في تاريخه: وهو حديث معلول، ثم قال العيني: قلت: لا التفات الى قوله هذا، فإن ابن حبان قد صححه/ عمدة القاري 2/ 261 ط الحلبي. أقول: ويؤيد ابن حبان تصحيح غيره للحديث كما تقدم. وأخرجه أيضًا الخطيب في تاريخه بلفظ: لا يتغوط أحدكم لبوله ولا لغيره مستقبل القبلة ولا مستدبرها، شرقوا أو غربوا/ تاريخ بغداد 4/ 192، 193. (¬1) أي الكعبة وبيت المقدس/ معالم السنن 1/ 20 مع مختصر سنن أبي داود. (¬2) بالأصل "و" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬3) من طريقين عن أبي زيد مولى ثعلبة عن أبي مَعْقِل، ولفظ الرواية الأولى: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط، ولفظ الثانية: أن تُستقبل القبلتان بغائط أو بول/ المسند 4/ 210، 6/ 406. (¬4) بلفظ رواية أحمد الأولى، ومن طريق أبي زيد، مولى ثعلبة، كتاب الطهارة باب كراهية استقبال القبلة 1/ 28 ح 10 مع عون المعبود. أقول: ولم يُضغِّف أبو داود هذا الحديث مع وجود أبي زيد المذكور في سنده، وهو مجهول الحال كما سيأتي ص 592 ت. (¬5) بلفظ رواية أبي داود، مع تقديم "الغائط" على "البول" ومن طريق أبي زيد أيضًا/ سنن ابن ماجه - كتاب الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 115، 116 ح 318. =

وحديث أبي هريرة (¬1) إذا جلس أَحدُكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدبرْها، رواه مسلم (¬2). ¬

_ = وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه: قيل: أبو زيد مجهول الحال؛ فالحديث ضعيف به/ سنن ابن ماجه هامش/ الموضع السابق، ويؤيده ما في التقريب 2/ 425 ترجمة 29، وعليه فلا يُسلَّم قول النووي عن هذا الحديث: إسناده جيد/ المجموع 2/ 80. أقول وأخرجه أيضًا ابن أبي شيبة في المصنف بلفظ رواية ابن ماجه، ومن طريقين عن عمرو بن يحيى عن أبي زيد المذكور/ المصنف - كتاب الطهارة - باب في استقبال القبلة بالغائط أو البول 1/ 150، 151، وسيأتي ذكر شاهدين له، يرقيانه إلى الحسن لغيره ص 610 - 612 ت. (¬1) بالأصل قبل هذا ما نصه "وحديث أبي أمامة" ثم ضرب عَلَى "أبي أمامة"، مع أن الترمذي ذكره ضمن من له حديث في الباب كما تقدم. وقد بحثتُ عن حديثه فلم أقف عليه في المظان، فلعل المؤلف ترك ذكره لعدم وقوفه عليه، ولكن كان عليه أن ينبه على هذا. (¬2) في صحيحه - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224 ح 60. أقول: وأخرجه أيضًا أبو داود، في أثناء حديث بلفظ: "فإذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها - كتاب الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة 1/ 27 مع عون المعبود. وقد أخرجه أيضًا ابن ماجه في أثناء حديث بلفظ: "إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبرها" - كتاب الطهارة - باب باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة 1/ 114 ح 313. وأخرجه ابن حبان في صحيحه بنحو رواية أبي داود السابقة/ موارد الظمآن - كتاب الطهارة - باب آداب الخلاء أو الاستجمار بالحجر ص 62 ح 128. وأخرجه أحمد في مسنده بلفظ رواية ابن ماجه السابقة - الفتح الرباني لترتيب مسند الإِمام أحمد بن حنبل الشيباني، للشيخ أحمد البنا الساعاتي 1/ 173 =

وحديثُ سَهْل بن حُنَيْف، ذكره الدَّارِمي في مسنده (¬1) ثنا أبو عاصم عن ابن جُرَيْج، عن عبد الكريم، عن الوليد بن مالك [من] (¬2) عبد القيس - عن محمد بن قيس -مولى سهل بن حُنَيف- ¬

_ = ح 121 مع بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني للساعاتي أيضًا. وأخرجه الدارمي -في أثناء حديث، بلفظ "فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها"- كتاب الطهارة والصلاة - باب الاستنجاء بالأحجار 1/ 138 ح 680. وأخرجه النسائي في أثناء حديث، بلفظ: "إذا ذهب أحدكم إلى الخلاء فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها"/ كتاب الطهارة - باب النهي عن الاستطابة بالروث 1/ 8 مع التعليقات السلفية. وأخرجه البيهقي -في أثناء حديث- بالفاظ مقاربة - كتاب الطهارة - جماع أبواب الاستطابة 1/ 91. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ "فلا يستقبل أحدكم القبلة ولا يستدبرها" -يعني في الغائط- كتاب الطهارة - باب النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار 1/ 43، 44 ح 80. (¬1) تعقب الحافظ العراقي ابن الصلاح في تسمية كتاب الدارمي هذا "بالمسند" كما فعل المؤلف هنا، فقال العراقي: إن هذا وَهْم، لأنه مرتب على الأبواب، كالكتب الخمسة، واشتهر تسميته "بالمسند" كما سمى البخاري كتابه "المسند الجامع الصحيح" -وإن كان مرتبًا على الأبواب- لكون أحاديثه مسندة، إلا أن مسند الدارمي كثير الأحاديث المرسلة والمنقطة والمعضلة والمقطوعة/ التقييد والإيضاح/ 56 ونسخته الخطية بدار الكتب المصرية رقم 36 مصطلح الحديث ورقة 14 ب. (¬2) بالأصل "عن" وفي مسند أحمد أنه رواه روح وعبد الرزاق عن ابن جريج، فقال روح: ابن عبد القيس، وقال عبد الرزاق: من عبد القيس/ المسند 3/ 487، وتابع عبد الرزاق على ذلك أبو عاصم شيخ الدارمي/ سنن الدارمي 1/ 135، 137، وانظر تعجيل المنفعة/ 438.

عن سهل، [و] (¬1) قال: عبد الكريم شِبْهُ المتروك (¬2) وذكر ابن المديني أنه أيضًا: لا الوليد عن مالك، ولا محمد بن قيس؛ فإن هذا الحديث لا يُروى إلا عن عبد الكريم، وأن محمد بن قيس، لا يُرْوَى عنه شيء غير هذا الحديث، وقال: غريب من حديث سهل: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُسْتقبلَ شيء من القبلتين بالغائط والبول. وفي الباب مما لم يذكره: حديث سلمان الفارسي، وهو عند مسلم (¬3)، وفيه أيضًا ما ذكره أبو أحمد بن عدي من حديث ¬

_ (¬1) زيادة منى ليستقيم الكلام. (¬2) سنن الدارمي - كتاب الطهارة والصلاة - باب النهي عن استقبال القبلة بغائط أو بول 1/ 135 خ 670. ومن قوله: "وعبد الكريم شبه المتروك" الى قوله: "بالغائط والبول" متأخر في الأصل عن قوله الآتي: "وفي الباب مما لم يذكره ... " إلخ ولكن عليه إشارة بأن يُقدم ويوصل ببقية الكلام كما فعلت. أقول: وأخرج حديث "سهل" هذا أيضًا الإمام أحمد في أثناء حديث بلفظ: "وإذا تخليتم فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها"/ المسند 3/ 487. (¬3) في صحيحه، بلفظ: "لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول" - كتاب الطهارة باب الاستطابة 1/ 223 ح 57، وبلفظ: نهانا أن يستنجى أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة/ كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224 ح 57 مكرر. أقول/ وأخرج حديث سلمان أيضًا أبو داود، بلفظ: "لقد نهانا -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول" - كتاب الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة 1/ 24، 25 ح 7 مع عون المعبود. وأخرجه النسائي بنحو رواية أبي داود - كتاب الطهارة باب النهي عن الاكتفاء =

عمرو (¬1) العَجْلاني وقال: في إسناده عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، وهو ضعيف عندهم (¬2). ¬

_ = في الاستطابة بأقل من ثلاثة أحجار، وباب النهي عن الاستنجاء باليمين - بلفظ: "نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه، ويستقبل القبلة" السنن مع التعليقات السلفية 1/ 8، 9، 10. وأخرجه ابن ماجه بلفظ "أمرنا أن لا نستقبل القبلة" - كتاب الطهارة - باب الاستنجاء بالحجارة والنهي عن الروث والرمة 1/ 115 ح 316. وأخرجه ابن خزيمة في صحيحه بلفظ ابن ماجه السابق/ كتاب الطهارة - جماع أبواب الاستنجاء بالأحجار 1/ 41 ح 74 وباب الدليل على النهي عن الاستطابة بدون ثلاثة أحجار ... إلخ 1/ 44 ح 81. وأخرجه أحمد - بلفظ "ينهانا أن يستقبل أحدنا القبلة وأن يستدبرها" وبلفظ: "ينهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه أو يستقبل القبلة"/ المسند 5/ 437، 438، 439. وأخرجه ابن أبي شيبة في المصنف بنحو رواية أبي داود السابقة/ المصنف - كتاب الطهارة - باب في استقبال القبلة بغائط أو بول 1/ 150 وبلفظ: رواية ابن ماجه السابقة/ باب من كان لا يستنجي بالماء ويجتزئ بالحجارة 1/ 155. وأخرجه أبو داود الطيالسي بلفظ: "نهانا أن نستقبل القبلة بفروجنا أو نستدبرها/ مسند الطيالسي 91 ح 654. (¬1) بالأصل "ابن العجلاني" ومصوبة بالهامش كما أثبتها، وكذا في التجريد للذهبي 1/ 413، 414 وفي سند الحديث أيضًا عند ابن عدي/ ل 215 الظاهرية. (¬2) الحديث المشار اليه أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة عبد الله بن نافع المذكور، ومن طريقه، بلفظ "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نستقبل شيئًا من القبلتين بالغائط والبول" ولكن لم أجد في الترجمة وصف ابن عدي لعبد الله بالضعف صراحة؛ وإنما الموجود بعد هذا الحديث قول ابن عدي: "ولعبد الله بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = نافع من الحديث غير ذلك ... وهو ممن يكتب حديثه، وإن كان عنده مخالفة" وهذا الكلام يفيد تضعيف ابن عدي له؛ ولكنه بعبارة غير التي نسبها المؤلف لابن عدي، ونعم إنه ذكر في صدر ترجمته عن يحيى بن معين أنه قال: عبد الله بن نافع مولى ابن عمر ضعيف/ الكامل لابن عدي/ ل 215 من نسخة الظاهرية. وسيأتي أن الجمهور على تضعيف عبد الله هذا، خاصة في روايته عن أبيه كهذا الحديث/ ص 609 ت، كما سيأتي أن حديثه هذا يرتقى للحسن لغيره/ ص 610 ت. ثم إن ابن عدي أخرج في ترجمة عبد الله هذا حديثًا آخر من أحاديث الباب، وفي سنده عبد الله بن نافع المذكور، ولكن المؤلف لم يذكره، وقد أخرجه إبن عدي بروايتين: أولاهما عن شيخه. ابن مكرم، وثانيتهما عن شيخه أبي يعلى الموصلي -صاحب المسند- كلاهما بإسناده عن أسامة بن زيد، ولفظ الرواية الأولى: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تستقبلوا القبلة لغائط ولا بول" ولفظ الثانية: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تُستَقْبل القبلة بغائط أو بول"/ الكامل/ الموضع السابق. وعزا ابن حجر الرواية الثانية لأبي يعلى في مسنده/ المطالب العالية بزوائد المسانيد الثانية، لابن حجر العسقلاني - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 17 ح 42. وهناك أحاديث أخرى من أحاديث الباب لم يذكرها الترمذي ولم يشر إليها، ولم يستدركها عليه المؤلف أيضًا: فمن ذلك ما أخرجه أحمد في مسنده مكررًا - عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "زجر أن تستقبل القبلة لبول"/ المسند 3/ 12، 15. ومن ذلك ما أخرجه أحمد أيضًا في مسنده عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط/ المسند جـ 5/ 430. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومنها ما أخرجه مالك في الموطأ عن رجل من الأنصار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن تستقبل القبلة لغائط أو بول/ الموطأ - كتاب القبلة - باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته 1/ 137 ح 2. وأخرجه من طريق مالك، الشافعي، ومن طريق الشافعي الطحاوي، ومن طريق الطحاوي البيهقي وفي رواياتهم جميعًا: عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى (الحديث). معرفة السنن والأثار للبيهقي - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 264، 265، وقال ابن عبد البر: إن في رواية يحيى بن يحيى: "عن رجل من الأنصار أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الحديث) وأما سائر الرواة عن مالك غير يحيى - فإنهم يقولون: "عن رجل من الأنصار عن أبيه" وهو الصواب/ تنوير الحوالك للسيوطي 1/ 154 مع موطأ مالك بتصرف يسير. وقد رواه هكذا على الصواب، البيهقي من طريق ابن بكير عن مالك/ معرفة السنن والآثار 1/ 265. ومنها ما أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن الحضرمي -وكان من الصحابة- أن أعرابيًا لقي النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفتيه عن الغائط فقال: لا تستقبل القبلة ولا تستدبرها إذا استنجيت، قال يا رسول كيف أصنع؟ قال: اعترض بحجرين وضمن الثالث "وقال الحافظ ابن حجر: في سنده متروك/ المطالب العالية - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 16 ح 39. ومنها ما أخرجه ابن أبي حاتم الرازي عن سراقة بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "إذا أتي أحدكم الغائط فلا يستقبل القبلة" وفي آخره زيادة وقال أبو حاتم: إن ما يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بآخرة/ علل الحديث لابن أبي حاتم 1/ 36، 37. ومنها ما أخرجه ابن أبي شيبة عن طاوس مرسلًا -بلفظ: "حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله، فلا يستقبل منها شيئًا، يقول: في غائط أو بول/ المصنف =

ومعقل "المذكور، قال أبو عمر: مَعْقِل بن/ الهيثم (¬1) الأسدي، ¬

_ = لابن أبي شيبة - كتاب الطهارات باب في استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 101. وأخرجه الدارقطني عن طاوس مرسلًا بلفظ: "إذا أتي أحدكم البراز فليكرم قبلة الله فلا يستقبلها ولا يستدبرها" وفي آخره زيادة، وأخرجه موقوفًا على طاوس بنحوه، وأقر ابن المديني وغيره أن المعروف هو الرواية الموقوفة على طاوس/ سنن الدارقطني - كتاب الطهارة باب الاستطابة 1/ 57، 58. وأخرجه البيهقي من طريق الدارقطني، ونقل عن الشافعي أن حديث طاوس هذا مرسل/ معرفة السنن والآثار للبيهقي 1/ 268، 268. ولكن يبدو أن المؤلف كان مطلعًا على بعض تلك الأحاديث وإن لم يستدركها على الترمذي، بدليل ذكره لحديث "سراقة" السابق - فيما سيأتي من شرح الحديث، وذكره أيضًا حديث طاوس في شرح الباب السابق. (¬1) الذي في طبعتي "الاستيعاب" ابن أبي الهيثم" 3/ 1432 ط النهضة، 3/ 391 ط الحلبي، وعليه مشى الترمذي -كما تقدم كلامه في الأصل- وقال الحافظ ابن حجر: رجح العسكري والدارقطني وابن مندة وابن عبد البر، وآخرون قول من قال فيه: "معقِل بن أبي الهيثم" وبه جزم صاحب "الكمال" يعني المقدسي - ووهَّمه المزي في ذلك، والعلم عند الله تعالى/ النكت الظراف لابن حجر مع تحفة الأشراف 8/ 459. أقول: وقول ابن حجر هذا: إن المزي وَهَّم صاحب الكمال في الجزم "بابن أبي الهيثم" يفيد ترجيح المزي لكونه "ابن الهيثم"، وقد ذكره به فعلًا في "تهذيب الكمال 3/ 1353، وفي تحفة الأشراف 8/ 459؛ ولكن يخالف هذا ما في نسخة تهذيب التهذيب المطبوعة 10/ 235 حيث ذكر فيها "ابن أبي الهيثم" وذكر أن المؤلف -يعني المِزي- اختاره، فلعل هذا خطأ ناسخ أو طابع في تهذيب التهذيب. كما أن ذكر ابن حجر للدارقطني ضمن من رجح "ابن أبي الهيثم" يخالف ما في تهذيب التهذيب المطبوع أيضًا 10/ 235 أن الدارقطني صحح "ابن الهيثم" ولعل ما ذكر في "النكت الظراف" هو المعتمد من قول الدارقطني؛ لأن ابن حجر أشرك =

يُقال له: مَعْقِل ابنُ أُم مَعْقِل، وُيقال له: مَعْقِلُ بن أَبي مَعْقِلْ، وكلُّه واحد (¬1) يُعَدُّ في أهل المدينة، مات في عهد معاوية. رَوى عن النبي ¬

_ = فيها مع الدارقطني في ترجيح "ابن أبي الهيثم" كلًا من العسكري وابن مندة وابن عبد البر: وهم المذكورون في نفس تهذيب التهذيب" ضمن القائلين "بابن أبي الهيثم"، وقال ابن حجر في "الإصابة" 3/ 426: قال الدارقطني: الصحيح أنه معقل بن أبي الهيثم، وذكر ممن وافق الدارقطني على ذلك: العسكري والترمذي. وقول ابن حجر بعد ذكر عدد ممن رجح "ابن أبي الهيثم": "والعلم عند الله تعالى"، يدل على عدم ترجح أي من الأمرين عنده، ويؤيد ذلك تصرفه في باقي مؤلفاته، ففي موضع من الإصابة 3/ 426، قال: "وهو معقل بن الهيثم، ويقال: "ابن أبي الهيثم"، وهذا يفيد ترجيحه للأول ثم عكس هذا في التقريب 2/ 265، وقال في موضع آخر في "الإصابة" 3/ 426: "معقل بن الهيثم أو ابن أبي الهيثم"، فلم يرجح أيهما، ثم في ترجمة والد معقل هذا، في الأسماء وفي الكنى من "الإصابة" 3/ 581، 4/ 182 جزم بأن اسمه "الهيثم" وكنيته "أبو معقل" ونقله عن النسائي أيضًا "الإصابة" 4/ 181 ونجد الذهبي في "تجريد الصحابة" في ترجمة "معقل" يرجح كونه "ابن أبي الهيثم" التجريد 2/ 88 وفي ترجمة والده في الأسماء من التجريد أيضًا 2/ 124 جزم بأنه "الهيثم " وفي ترجمته في الكنى/ التجريد 2/ 204 ذكره بكنية "أَبي مَعْقِل" وقال: يقال: اسمه "هيثم " وكذا فعل أبو نعيم في معرفة الصحابة، له/ ل 141، 287. ومع كل هذا الخلاف في تسمية الأب فالابن واحد كما سيأتي ذكره في الأصل. (¬1) ولذا عقد ابن عبد البر ثم الذهبي له ترجمة واحدة وقررا فيها هذا/ الاستيعاب 3/ 391، وتجريد الصحابة 2/ 88، أما الحافظ ابن حجر فعقد له ثلاث تراجم، بناءا على الخلاف فيمن نُسِب إليه في الروايات المثبتة لصحبته، لكنه ربط بين التراجم الثلاثة بما يشير إلى كونهم لشخص واحد أيضًا/ الإصابة 3/ 426، 427.

-صلى الله عليه وسلم-: عمرة في رمضان تَعْدِلُ حَجة (¬1) وَرَوى أن ¬

_ (¬1) الاستيعاب 3/ 391 والحديث المذكور أخرجه من روايته عن النبي -صلى الله عليه وسلم- النسائي في سننه الكبرى - كتاب الحج - عن عمرو بن علي عن يحيى (بن سعيد) عن هشام الدَّسْتَوائي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عمِّ معقل بن أبي مَعْقِل قال: أرادت أمي أن تحج، وكان جملها أعجف، فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: اعتمري في رمضان، فإن عُمرة فيه تَعْدِلُ حَجة/ تحفة الأشراف 8/ 459 ح 11464. وأخرجه أحمد في مسنده عن يحيى بن سعيد، بإسناد النسائي السابق، وبلفظ مقارب لمتنه/ مسند أحمد 4/ 210. وأخرجه أحمد أيضًا في مسنده من طريق آخر عن أبي زيد عن مَعقِل بن أبي معقل أنه قال: يا رسول الله، إن أم مَعْقِل فاتها الحج معك (الحديث) وفيه: فَلْتعتمر في رمضان، فإن عمرة في رمضان كحجة/ المسند 4/ 210. وأخرجه أحمد أيضًا في مسنده من طريق آخر عن إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن القرشي عن مَعْقِل بن أبي مَعْقِل أن أمه أتت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: ولم يسق متن الحديث ولكن قال: انه بمعنى حديثٍ قبله، وفي هذا الحديث الذي قبله: عُمرة في رمضان تَعْدِلُ حجه أو تُجزي عن حجة/ المسند 6/ 406. ولكن حديث العمرة هذا مروي أيضًا من طريق إبراهيم بن مهاجر وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن المذكور عن أُم مَعْقِل، مرفوعًا/ مسند أحمد 6/ 405، 406، والسنن الكبرى للنسائي - كتاب المناسك/ كما في تحفة الأشراف 13/ 106 ح 18359. ورُوي من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن رسول مروان الى أُم مَعْقِل عنها/ سنن أبي داود - كتاب المناسك - باب العمرة 2/ 305، 504 ح 1988، ومسند أحمد 6/ 405، 406، وابن مندة كما في الإصابة 4/ 181. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ورُوي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي مَعْقِل مرفوعًا - سنن النسائي الكبرى - كتاب الحج - كما في تحفة الأشراف 9/ 289 ح 12174، 13/ 106 ح 18359. ورُوي من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن مرسلًا/ الموطأ - كتاب الحج - باب جامع ما جاء في العمرة 1/ 346، 347 ح 66. ولهذا الاختلاف في الروايات من طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، ذكر ابن عبد البر أنه اختُلِف عليه فيه/ الاستيعاب 4/ 189. وأخرجه الترمذي من طريق الأسود (بن يزيد) عن ابن أبي مَعْقِل عن أُم مَعْقِل، مرفوعًا - كما في تحفة الأشراف 13/ 106 ح 18360 والإِصابة 4/ 181 وتهذيب التهذيب 10/ 235. وفي الترمذي المطبوع عن ابن أم مَعْقِل عن أُم مَعْقِل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-/ جامع الترمذي أبواب الحج - باب ما جاء في عمرة رمضان 3/ 267 ح 939 ط فؤاد عبد الباقي، و 2/ 208 ح 943 من ط الدار السلفية بتحقيق عبد الرحمن عثمان، وقال عنه الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه. وأخرجه ابن ماجه - من طريق الأسود أيضًا عن أبي مَعْقِل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-/ كتاب المناسك - باب العمرة في رمضان 2/ 996 ح 2993، وقال المزي: إنه وقع في بعض نسخ ابن ماجه "عن ابن أبي مَعْقِل عن أُم مَعْقِل" كما في رواية الترمذي، وهو وَهْم/ تهذيب الكمال 3/ 1353. وروي أيضًا -كما قال ابن مندة- من طريق الأسود عن أَبي مَعْقِل عن أُم مَعْقِل/ الإصابة 4/ 181. ولهذا وغيره من اختلاف رواياته التي استوعب الحافظ ابن حجر كثيرًا منها في الإصابة 4/ 181، 182، وصف ابن عبد البر سند هذا الحديث عن أم مَعْقل بأنه مضطرب/ الاستيعاب 4/ 476؛ ولكن تقدم تحسين الترمذي لبعضها. كما أنه مخرج في الصحيحين بنحوه من حديث ابن عباس/ صحيح البخاري مع =

النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن استقبال القبلتين لبول (¬1) أو غائط (¬2)، وقال ابن سعد: صَحِبَ النبي -صلى الله عليه وسلم- وَرَوى عنه (¬3)، رَوَى له أبو داود وابن ماجه، والنسائي (¬4). ¬

_ = الفتح - كتاب الحج - باب عمرة في رمضان، 3/ 603 ح 1782، وكتاب جزاء الصيد - باب حج النساء 4/ 72 ح 1863. وأخرجه مسلم بلفظه وبنحوه - كتاب الحج - باب فضل العمرة في رمضان 2/ 917 ح 221، 222. (¬1) كذا في الاستيعاب 3/ 391 ولكن لفظ حديث مَعْقِل في مصادر تخريجه السابقة، وفي تحفة الأشراف 8/ 459 "ببول". (¬2) تقدم تخريج الحديث ص 453 أصل وت. (¬3) الإصابة 3/ 426 ترجمة 8140 وتهذيب الكمال 3/ 1353. (¬4) تهذيب الكمال 3/ 1353، وتقدم تخريج حديثه من كل منها، وعلى هذا اقتصر الذهبي في الكاشف 2/ 163 ترجمة 5652 وتجريد الصحابة 2/ 88 ترجمة 990. لكن جاء في تهذيب التهذيب 10/ 235: أن الترمذي أخرج لِمَعْقِل هذا في أبواب الطهارة ولم يسمه، وأنه أخرج أيضًا حديث "عُمرة في رمضان تَعْدِلُ حَجة" من طريق ابن أَبي مَعْقِل عن أُم مَعْقِل، وجاء في "تهذيب الكمال" مثل ذلك بدون تحديد موضع الرواية الأولى بـ "الطهارة" أو غيرها من أبواب جامع الترمذي/ تهذيب الكمال 3/ 1353. لكن المزي في "تحفة الأشراف" 8/ 459 لم يذكر رواية لِمعْقل عند الترمذي في "الطهارة" مطلقًا، بل لم يذكر له عند الترمذي رواية أخرى غير حديث "العمرة في رمضان"/ تحفة الأشراف 13/ 106 ح 18360، وهو في "الحج"، لا في "الطهارة" كما تقدم تخريجه ص 463 ت، وبناءًا على هذا الحديث فقط يتوجه وضع رمز الترمذي على ترجمة معقل كما في تهذيب الكمال 3/ 1353، وفروعه، تهذيب التهذيب 10/ 235، والخلاصة/ 383، والتقريب 2/ 265.

قال (¬1): وأبو أيوب: اسمه خالد بن زيد، وهو ابن كُليب بن ثَعْلبةَ بن عبْدِ عَوف (¬2) بن غَنْم (¬3) بن مالك بن النجار (¬4)، وقيل: ابن عبد عوف بن جُشم بن غَنْم بن مالك الأنصاري الخزرجي، يُكْنى أبا أيوب، شهد بدرًا، والعقبة، والمشاهد كلها، مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نزل عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قدم المدينة، شهرًا، حتى بنيت مساكنه، ومسجده (¬5)، رُوِي له عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مائةٌ وخمسون حديثًا، اتفقا منها على سبعة، وانفرد البخاري بحديث واحد، ومسلم بخمسة (¬6) روى عنه: البراء بن عازب، وجابر بن سَمُرة، والمقدام بن مَعدى كرب، وأبو أُمامة الباهِلي، وزيد بن خالد الجُهَني (¬7) وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن يزيد الخَطْمِي (¬8)، وسعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وسالم بن عبد الله بن عمر، وعطاء بن يزيد الليثي وعبد الله بن ¬

_ (¬1) أي الترمذي كما تقدم كلامه في الأصل. (¬2) ويقال: ابن عمرو بن عبد عوف/ تهذيب الكمال 2/ 353. (¬3) بفتح المعجمة وسكون النون/ المغنى للفتَّني/ 191. (¬4) جمهرة أنساب العرب لابن حزم/ 348. (¬5) تهذيب الكمال 1 ك 353 والاستيعاب 1/ 403. (¬6) الخلاصة/ 100 والرياض المستطابة للعامري/ 62 وهدي الساري/ 474. (¬7) الإصابة 1/ 405. (¬8) بفتح الخاء المنقوطة بواحدة وسكون الطاء المهملة، في آخرها الميم، نسبة إلى بطن من الأنصار، يُقال له: خَطْمة بن جُشَم، منهم "عبد الله" المذكور/ الأنساب 5/ 163.

حنين، وخلق سواهم، روى له الجماعة. قال أبو عمر: وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بينه وبين مُصْعَب بن عُمير (¬1) وكان أبو أيوب الأنصاري مع علي بن أبي طالب في حروبه كلها، مات بالقُسْطَنْطِينِيّة، من بلاد الروم، في زمن معاوية، وكانت غَزاتُه تلك تحت راية يزيد، هو (¬2) كان أميرهم يومئذ، وكان سنة خمسين أو إحدى وخمسين من التاريخ، وقيل: بل كان ذلك سنة اثنتين وخمسين -وهو الأكثر-، في غزوة يزيد، القُسْطَنْطِينِية. قال (¬3): حدثنا سعيد بن نصر قال: ثنا قاسم بن أَصْبَغ، قال: ثنا محمد بن وضَّاح قال: ثنا ابن أبي شيبة، ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي ظَبْيان، عن أشياخه، عن أبي أيوب، أنه خرج غازيًا في زمن معاوية، فمرض، فلما ثقل قال لأصحابه: إذا أنا مِت، فاحملوني، فإذا صافَفْتم العدو، فادفنوني تحت أقدامكم، ففعلوا -وذكر تمام الحديث-. وقبر أبي أيوب، قُرب سُورِها (¬4) معلوم إلى اليوم، مُعظَّم، يَسْتَسقُون به، فيُسْقَون (¬5). ¬

_ (¬1) الاستيعاب 1/ 404، وآخى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-أيضًا بين زوجة أبي أيوب، وبين عاثشة -رضي الله عنها-/ الرياض المستطابة/ 61. (¬2) في الاستيعاب "وهو" 1/ 404 والضمير يعود ليزيد/ انظر الإصابة 1/ 405. (¬3) أي ابن عبد البر/ الاستيعاب 1/ 404. (¬4) أي سور القُسْطَنطِينِيَّة كما تقدم ذكرها، وفي تهذيب الكمال 1/ 354: وقبره في أصل سور القُسْطَنْطِينِيَّة. (¬5) الاستيعاب 1/ 405، 4/ 5، 6 والخلاصة/ 100، ومن المعلوم أن الاستسقاء =

قال (¬1): والزهري: محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب. كذا قال: نَسَبَ "عُبيد الله" إلى جده "شهاب" وهو: عبيد الله بن [عبد الله] (¬2) بن شهاب بن عبد الله بن الحارث بن زُهْرة بن كِلَاب القرشي الزُّهْري (¬3)، قال ابن الحَذَّاء (¬4): وشَهِد جَدُّه ¬

_ = المذكور ونحوه من التوسل بالقبور والمقبورين مُحرم شرعًا، وعليه فما كان لابن عبد البر ثم المؤلف من بعده، ذكر هذا دون تنبيه على فساده والنهي عنه، فليتنبه لمثل ذلك وعدم الاغترار بجلالة قائله، فما من أحد غير المعصوم -صلى الله عليه وسلم- إلا يؤخذ من قوله، ويُرَد عليه، تبعًا للدليل، والله أعلم. (¬1) أي الترمذي كما تقدم كلامه في صدر الباب. (¬2) ليست بالأصل، ولا يستقيم المعنى بدونها، وهي في سياق النسب في المصادر/ الثقات لابن حبان 5/ 349، تهذيب الكمال 3/ 1369، والتاريخ الكبير 1/ 220، والكنى للدولابي 1/ 122 ترجمة الزهري من تاريخ دمشق بتحقيق الأخ الأستاذ/ شكر الله قوجاني 3 و 39، 40 - 47؛ لكن جاء نسب الزهري على لسانه هو كما ذكر الترمذي تارة، وكما في غيره من المصادر تارة أخرى/ انظر ترجمة الزهري من تاريخ دمشق 21، 26، 67. (¬3) في الثقات لابن حبان 5/ 349: الزهري القرشي، وما بالأصل وغيره من المصادر هو المناسب لقاعدة النسب، في البدء بالنسبة للعام ثم الخاص؛ ليحصل بالثاني فائدة لم تحصل من الأول/ التدريب 2/ 385، وهنا "الزهري" منسوب إلى "زُهْرة بن كِلَاب" وهي من قريش/ الأنساب للسمعاني 6/ 350، ولعل من قدم "الزهري" راعى شهرته بها/ انظر الأنساب 6/ 350 وترجمة الزهري من تاريخ دمشق لابن عساكر/ 43، 46. (¬4) هو محمد بن يحيى بن أحمد، أبو عبد الله، التميمي، القرطبي، المالكي، المعروف بابن الحذاء، كان عالمًا بالفقه والحديث، وولد سنة 348 هـ، وتوفي سنة 416 هـ، وله مؤلفات منها: "التعريف بمن ذكر في الموطأ من الرجال والنساء" =

-عَبدُ الله بن شهاب- أُحدًا (¬1) مع/ المشركين، ثم أسلم بَعْدُ، وكان اسمُه في الجاهلية: عَبدَ الجَانِّ (¬2)، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبد الله، وهو عبدُ الله الأصغر (¬3) قال ¬

_ = وهو مَظِنة الكلام الذي نقله عنه المؤلف في التعريف بالزهري، كما أنه نقل عنه هذا الموضع في تراجم بعض الرواة أيضًا، وتوجد من هذا الكتاب نسخة خطية بخزانة القرويين بفاس، تقع في 42 ق/ انظر شجرة النور الزكية 1/ 112 وفهرس مخطوطات القرويين لمحمد العابد الفاسي 1/ 186 - 188. (¬1) في طبقات ابن سعد: شهد بدرًا مع المشركين، وكان أحد النفر الأربعة الذين تعاهدوا وتعاقدوا يوم أحد، لئن رأوا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لَيَقْتُلُنه، أو لَيُقْتَلُن دونه/ الطبقات الكبرى 4/ 125، وسيأتي في الأصل ذكر اثنين من هؤلاء الأربعة، وعبد الله بن شهاب هو الثالث ورابعهم أُبي بن خَلف/ الطبقات 4/ 125. (¬2) بالأصل "الحاز" وفي الموضع الآتي قريبًا "الحبار" وما أثبته هو الوارد في مصادر الترجمة/ الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 125، والاستيعاب 2/ 387، وجمهرة أنساب العرب لابن حزم/ 130، وهكذا ذكر ابن حجر في الإصابة 2/ 325 فيمن اسمه "عبد الله بن شهاب". لكن قال في فصل "من أضيف بالعبودية إلى اسم من أسماء الله تعالى أو غيره": عبد الجبار بن شهاب وأحال به على "عبد الله بن شهاب" المتقدم/ الإصابة 2/ 387. (¬3) هذا الذي نقله المؤلف عن ابن الحذاء بشأن "عبد الله بن شهاب" جَدّ الزهري، تضمن أمورًا: أولها: أنه جده لأبيه، وثانيها: أنه شهد غزوة أحد مع المشركين، ثم أسلم بَعْدُ، وثالثها: أنه كان اسمه "عبدَ الجَانّ" فغير الرسول -صلى الله عليه وسلم- اسمه إلى "عبد الله"، ورابعها: أنه عبد الله الأصغر. وقد اختلف العلماء في تلك الأمور، كما في نقل المؤلف عن بعضهم في بقية كلامه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بعدُ، ولم أجد ترجيحًا عامًا في أي من تلك الأمور؛ بل إن بعض تلك الأمور اختلف فيه قولُ العالم الواحد من موضع لآخر في كتاب واحد. ويمكن إجمال ذلك بأن "شهابًا" والدُ جَدِّ الزهري، كان له ولدان، كل منهما يسمى "عبد الله" وأحدُهما "أكبر" والثاني "أصغر" منه، وما ذكره ابن الحذاء من أن جد الزهري لأبيه هو "عبد الله الأصغر" قد قرره معاصره "المَرْزُبانِي"/ معجم الشعراء، له/ 345، ومن قبلهما قرره الزبير بن بكار/ جمهرة نسب قريش، له ق 93 أ، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق لابن عساكر/ 39 أصل وهامش، وأُسْد الغابة لابن الأثير 3/ 184، وتجريد الصحابة للذهبي 1/ 318، وقرره أيضًا أبو عبد الله الزبيري/ نسب قريش له/ 274 ثم قرره أخيرًا ابن حزم، وذكر مما يؤيده: أن "عبد الله الأكبر" الذي قال غير هؤلاء: إنه جد الزهري لأبيه - لم يكن له عقب/ جمهرة أنساب العرب لابن حزم/ 130. ومع ذلك فإن الذي صدر به ابن الأثير ثم الذهبي كلامهما أن جد الزهري لأبيه هو "عبد الله الأكبر"/ أسد الغابة لابن الأثير 3/ 184، وتجريد الصحابة للذهبي 1/ 318، لكن يعكر على هذا ما قرره ابن حزم من أن "عبد الله الأكبر" لم يكن له عقب مطلقًا كما تقدم ذكره. أما ابن سعد فتعدد قوله في "الطبقات الكبرى"؛ ففي ترجمته للزهري قرر أن جده لأبيه هو "عبد الله الأصغر"/ 157 من الجزء الذي حققه الشيخ زياد منصور، وترجمة الزهري من تاريخ دمشق/ 41، ولكن في ترجمته لعبد الله الأصغر قرر أنه جد الزهري لأمه، وأن جده لأبيه هو "عبد الله الأكبر" ثم ترجم لعبد الله الأكبر عقب ترجمته للأصغر مباشرة، وقرر أن من ولده "الزهري"/ الطبقات الكبرى 4/ 125، 126. وسيأتي ترجيح أن جده لأمه ليس عبد الله الأصغر ولا عبد الله الأكبر. وما نقله المؤلف عن ابن الحذاء أن عبد الله الأصغر شهد أحدًا مع المشركين، ثم أسلم بَعْدُ، قد قرره الزبير بن بكار، وابن حزم من بعده/ انظر جمهرة أنساب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = العرب لابن حزم/ 130 والاستيعاب 2/ 387 وأسد الغابة 3/ 184 وتجريد الصحابة 1/ 318، وقد ذكر الواقدي ممن شهد أحدًا من المشركين "عبد الله بن شهاب الزهري" وأنه كان من الأربعة الذين تعاهدوا على قتل الرسول -صلى الله عليه وسلم- لكن لم يبين أنه الأصغر أو الأكبر/ المغازي للواقدي 1/ 238، 243، 245، 248. وأما ابن سعد، فقد قال: إن "عبد الله الأصغر" هو الذي أسلم قديمًا بمكة، وهاجر إلى الحبشة، في قول الواقدي والكَلْبي، ثم مات بمكة قبل الهجرة للمدينة/ الطبقات الكبرى لابن سعد 4/ 125، وذكر ذلك أيضًا ابن عبد البر/ الاستيعاب 2/ 388، وابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 184، وعلى هذا فلم يشهد أُحدًا، ولا غيرها من غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقد ضعف ابن حجر قول السُّهَيلي: إن عبد الله الأصغر هذا قد توفي بمكة بعد الفتح/ الإصابة 2/ 325. ثم ذكر ابن سعد أيضًا في ترجمة عبد الله الأصغر، عقب كلامه السابق: أن "عبد الله الأكبر" هو الذي شهد بدرًا وأحدًا مع المشركين ثم أسلم بعد/ الطبقات الكبرى/ الموضع السابق، وهذا عكس ما قرره ابن حزم/ جمهرة أنساب العرب/ 130 ومشى عليه الذهبي/ تجريد الصحابة 1/ 318، وصدَّر به ابن الأثير كلامه/ أسد الغابة 3/ 184؛ لكن ابن سعد عقب ترجمته للأصغر، ترجم لأخيه عبد الله الأكبر، وقال في ترجمته، إنه أسلم بمكة، ومات بها قديمًا قبل الهجرتين إلى أرض الحبشة/ الطبقات الكبرى 4/ 126، وهذا يفيد أنه لم يشهد أيًا من غزوات الرسول -صلى الله عليه وسلم-. وأما ما ذكر المؤلف عن ابن الحذاء: أن الذي غير رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- اسمه من "عبد الجان" إلى "عبد الله" هو الأصغر، فقد قرره ابن سعد والزبير بن بَكَّار، ودل عليه صنيع ابن حجر -كما سيأتي بيانه- وإن لم يُصرح به/ انظر الطبقات الكبرى 4/ 125 والإصابة 2/ 325. لكن الذي قرره كل من ابن عبد البر وابن حزم وابن الأثير: أن الذين غير الرسول -صلى الله عليه وسلم- اسمه: هو "عبد الله الأكبر"/ انظر الاستيعاب 2/ 387 وجمهرة أنساب العرب/ 130، وأسد الغابة 3/ 184. =

الزبير (¬1): هما أخوان: عبد الله الأكبر، وعبد الله الأصغر، ابنا شهاب، كان اسم عبد الله بن شهاب الأكبر، عبد الجَانِّ، فسماه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عبدَ الله، كان من المهاجرين إلى أرض الحبشة، ومات بمكة قبل الهجرة إلى المدينة. وأخوه عبد الله بن شهاب الأصغر، شهد ¬

_ = أما الحافظ ابن حجر، فذكر لعبد الله بن شهاب ثلاث تراجم متوالية، ولم يبين في أي منها أنها للأكبر أو للأصغر، ولكن يفهم من الترتيب للتراجم أن أولاهم للأكبر وثانيتهم للأصغر، كما صرح بذلك ابن الأثير/ أسد الغابة 3/ 184، وقد ذكر ابن حجر في كل من الترجمتين: الثانية والثالثة أن صاحبها كان اسمه "عبد الجَانِّ" فغيِّره الرسول -صلى الله عليه وسلم- إلى عبد الله/ الإِصابة 2/ 325، وهذا يتفق مع ما تقدم عن ابن سعد وغيره أن تغيير الاسم كان لعبد الله الأصغر، وإن لم يُصرح بذلك ابن حجر، ثم إنه ذكر بعد ذلك ترجمة رابعة باسم "عبد الجبار بن شهاب" -كما قدمت ذكره- وأحال بها فقال: عبد الجبار بن شهاب، في عبد الله بن شهاب، تقدم/ الإِصابة 2/ 387. وقد أطلت في عرض هذه الآراء بشأن عبد الله بن شهاب، جَدُّ الزهري، حتى لا يؤخذ ما نقله المؤلف عن ابن الحذاء وغيره بشأنه قولًا مُسلَّمًا، وإن كان هذا لا يؤثر في توثيق الزهري الذي هو أحد رجال إسناد الحديث الذي معنا، لأنه ليس في هذا الخلاف مطعن له. (¬1) هو الزبير بن بكار بن عبد الله بن مصعب، أبو عبد الله، الحافظ النسَّابة، قاضي مكة وعالمهما، ولد سنة 172 هـ، وتوفي في ذي القعدة سنة 256 هـ، وقد روى عنه ابن ماجه في سننه، وأبو حاتم الرازي وغيرهما، ووصفه السليماني بأنه منكر الحديث، ورد الذهبي ذلك، وقد وثقه الدارقطني والخطيب، ومن مؤلفاته كتاب "جمهرة نسب قريش وأخبارها" وهو المتضمن أقواله المذكورة عن جد الزهري، ولكن لم يتيسر لي مراجعته الآن لعزوها إليه، مع أنه قد طبع جزء منه يقارب النصف، بتحقيق الشيخ محمود شاكر سنة 1381 هـ/ سير أعلام النبلاء 12/ 311، 315 أصل وهامش/ ولكن ليس فيه النص المذكور.

أُحَدًا مع المشركين ثم أسلم بَعْدُ، وهو جد محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، الفقيه (¬1). قال ابن إسحق: هو الذي شج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه، وابن قَمِيئة جَرَح وَجْنَتَه، وعُتبة كسر رَبَاعِيَته (¬2) وحكى الزبير عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد العزيز الزهري قال: ما بلغ أحد الحُلُم من ولد عُتبة بن أبي وقاص، إلا بَخِر (¬3) أَوْ هَتِم (¬4)، لِكَسْرِ عُتبة رَبِاعِيةَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وقيل: إن عبد الله بن شهاب الأصغر، هو جد الزهري من قِبَل أُمه (¬5) وأما جدُّه من قِبَل أبيه، فهو عبد الله بن شهاب الأكبر، وأن ¬

_ (¬1) الاستيعاب بهامش الإصابة 2/ 387. (¬2) المصدر السابق. والرَّباعية: بوزن الثمانية: هي السن التي بين الثَّنِيَّة والناب، قال القاضي عياض: وهي أربع محيطات بالثنايات، اثنان من فوق، واثنان من أسفل، وقال ابن حجر: رَبَاعِيته: أي المُقدم من أسنانه/ مختار الصحاح/ 231، مشارق الأنوار 1/ 280، وهدي الساري/ 121. (¬3) بفتح الباء وكسر الخاء المعجمة، أي نَتُن، والبَخَر -بفتحتين- النَّتنَ يكون في الفم وغيره/ لسان العرب 5/ 110، 111 ومختار الصحاح/ 42 والنهاية في غريب الحديث 1/ 101 مادة "بخر" في الجميع. (¬4) بفتح الهاء وكسر التاء، من الهتم، وهو انكسار الثنايا من أصولها خاصة، وقيل من أطرافها/ لسان العرب 16/ 81 والنهاية لابن الأثير 5/ 243 مادة "هتم" فيهما. (¬5) كذا جاء في الاستيعاب 2/ 288 بهامش الإصابة، وفي أسد الغابة 3/ 184. وفي الطبقات الكبرى لابن سعد، وعنه روى ابن عساكر: أن الزهري أمه عائشة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بنت عبد الله الأكبر بن شهاب/ القسم المحقق من الطبقات/ 157 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 41. ولم أجد من عني بتحقيق الأمر في هذا، ولكني وجدت دلائل ترجح أن جَد الزهري لأمه ليس واحدًا من هذين الرجلين، وإنما هو رجل آخر اسمه أُهبان بن أفْصَى، من بني نُفَاثة من بني الدِّئْل من عبد مَناة بن كنانة؛ فقد قرر ذلك خليفة بن خياط في طبقاته/ 261 والزبير بن بكار، ومصعب بن عبد الله الزُّبَيري، وأبو أحمد الحاكم، ورواه عن هؤلاء من جاء بعدهم/ نسب قريش لمصعب/ 274 والكنى لأبي أحمد الحاكم/ ل 25 ب، وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر 38، 39، 40، 45 والتمهيد لابن عبد البر 6/ 101. ويؤكد هذا ما جاء أن الزهري عندما كان يأتي المدينة المنورة يقيم في بيت له في بني الدِّئْل بين أخواله منهم، فروى الفسوي بسنده عن مالك أنه قال عن ابن شهاب: كُنَّا نأتيه في بيته من بني الدِّئْل المعرفة والتاريخ 1/ 633، 634. وروى ابن عساكر بسنده عن الفسوي أن الزهري لما خرج "للحج من الشام" سنة 119 هـ مع أبي شاكر (مَسْلَمة) بن هشام بن عبد الملك نزل في دار بني الدِّئْل، بين أخواله؛ لأن أمه نُفاثِيَّة، وكان يحيى بن سعيد، وربيعة، والناس، يختلفون إليه/ ترجمة الزهري/ 168، 169. وقد رُوِيَتْ بعضُ أخبار الزهري من طريق بعض أخواله هؤلاء، فقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر -يعني الواقدي- قال: أخبرني شيخ من أخوال الزهري من بني نُفاثة من بني الدِّئل قال: أخْدَم الزهري -يعني في حجته السابق ذكرها- في ليلة واحدة خمس عشرة امرأة، كل خادم بثلاثين دينارًا ... إلخ/ القسم المحقق من طبقات ابن سعد/ 180 وترجمة الزهري/ 169، فهذه دلائل واضحة على أن جد الزهري لأمه هو "أُهبان بن أفصى" من بني نُفاثة، وليس عبد الله الأصغر ولا عبد الله الأكبر ابني شهاب، كما ذكرته المصادر المتقدم ذكرها.

عبد الله الأصغر، هو الذي هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم مكة، فمات بها قبل الهجرة (¬1). وقد روي أن ابن شهاب قيل له: أَشهِد جَدُّك بدرًا؟ قال: شهدها من ذلك الجانب -يعني مع المشركين-، فالله أعلم أيّ جَدَّيْه كان؟ (¬2). ومحمد بن مسلم، بُكْنَى أبا بَكر (¬3) مَدَني (¬4) سكن الشام (¬5) سمع (¬6) أنسَ بنَ مالك، وسَهْل بن سَعْد السَاعِدي، وأبا الطُّفيْل عامر بن ¬

_ (¬1) الاستيعاب، بهامش الإِصابة 2/ 388 وأسد الغابة 3/ 184. (¬2) الذي في الاستيعاب 2/ 388، وأسد الغابة 3/ 184: أيَّ جَدَّيْه أراد. (¬3) انظر الكنى والأسماء للإمام مسلم 1/ 114، 115 والكنى للدولابي 1/ 122، والطبقات الكبرى لابن سعد/ الجزء المحقق 157، والعلل لابن المديني - بتحقيق الدكتور الأعظمي/ 36 والجرح والتعديل 8/ 71 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر بتحقيق الأخ شكر الله/ 3، 37، 38، 39، 41، 42، 43، 44 وتهذيب التهذيب 9/ 445 والتاريخ وأسماء المحدثين وكُناهم للمقدمي/ ل 131 والحلية 3/ 372. (¬4) التاريخ الكبير للبخاري 1/ 220، والعلل لابن المدني/ 36 والكنى لأبي أحمد الحاكم/ ل 25 ب، وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 42، 45، 46 وسير أعلام النبلاء 5/ 326 وتهذيب التهذيب 9/ 445. (¬5) وتوفي بها: انظر ترجمة الزهري من ابن عساكر/ 47، والطبقات الكبرى لابن سعد/ القسم المحقق/ 186 وسير أعلام النبلاء 5/ 349 والبداية والنهاية لابن كثير 9/ 387 والمعرفة والتاريخ للفسوي 1/ 636. (¬6) بالأصل "مع" والصواب ما أثبته كما في التاريخ الكبير للبخاري 1/ 220، وترجمة الزهري من ابن عساكر/ 42، 43، 45، 46 وزاد الذهبي في السير: أن الزهري لَقِيَ أَنسًا في دمشق/ السير 5/ 327 وقال ابن عساكر: وسمع منه =

واثِلَة، والسائب بن يزيد، وسُنَيْنًا أبا جَميلة، وعبد الرحمن بن أزهر (¬1) ¬

_ = بدمشق/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 3. ويؤيد هذا التصويب ما سيأتي في الأصل من ظهور علامة النصب بالحروف في ذكر بعض الرواة على المفعولية لـ "سمع" مع ملاحظة أن سماع الزهري من بعض المذكورين فيه خلاف كما سيأتي في التعليقات التالية. (¬1) ذكر الإمام مسلم أن عبد الرحمن بن أزهر هذا ومن ذكر قبله من الصحابة قد أدركهم الزهري ورآهم/ رجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين وغيرهم للإمام مسلم/ 128، وقال أبو نعيم: إنه رآهم وروى عنهم/ الحلية 3/ 372، وذكر أحمد وابن المديني وغيرهما أن الزهري روى عن عبد الرحمن بن الأزهر/ الجرح والتعديل 8/ 71 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 42، 43، 50، 51 ورواية الدقاق عن يحيى بن معين/ 75، 76، وتهذيب الكمال 3/ 1269 وسير أعلام النبلاء 5/ 327، لكن أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن أبي بكر الأثرم أنه قال لأحمد بن حنبل: هل سمع الزهري من عبد الرحمن بن أزهر؟ قال: ما أراه سمع منه، ثم بين أحمد -رضي الله عنه- دليله على هذا، وكيف حَدَث ذِكْر سماع الزهري من ابن أزهر، فقال: إنما يقول الزهري: كان عبد الرحمن بن أزهر يُحدِّث، كذا، فيقول معمر وأسامة عنه (أي عن الزهري): سمعت عبد الرحمن بن أزهر، ولم يصنعا عندي شيئًا، ما أراه حُفِظ، وقد أُدخِل بينه وبينه طلحة بن عبد الله بن عوف/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 190، 191، وتهذيب التهذيب 9/ 450، وجامع التحصيل للعلائي/ 331 وتحفة التحصيل لأبي زرعة ابن العراقي/ 184 أ، وقد نقل كل من ابن أبي حاتم وابن حجر والعلائي وأبو زرعة ابن العراقي كلام أحمد وأقروه، وفسره الحافظ ابن رجب بأن أحمد لم يصحح قول مَعْمَر وأسامة: عن الزهري سمعت عبد الرحمن بن الأزهر/ شرح علل الترمذي لابن رجب في 1/ 370، 371. ومع ذلك فإن الإمام أحمد قد أخرج في مسنده الحديث الذي أشار إليه في كلامه السابق من رواية الزهري عن ابن الأزهر في رؤيته الرسول -صلى الله عليه وسلم- في غزوة حنين يحثو التراب في وجه شارب الخمر، ويجعل الحاضرين يضربونه بالنعال، وذلك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من طريق كل من أسامة بن زيد ومَعْمر بن راشد، كل منهما عن الزهري وفي رواية أسامة التصريح بسماع الزهري من ابن الأزهر مرة، والتعبير بـ "عن" مرة، وبـ "قال" مرة أخرى، وفي رواية معمر عن الزهري قال: وكان عبد الرحمن بن أزهر يُحدِّث. ولم يعلق أحمد في المسند على ذلك بشيء، لكنه ذكر متابعة صالح لكل من أسامة ومعمر على الرواية الخالية من ذكر سماع الزهري من ابن الأزهر/ مسند الإمام أحمد 4/ 88، 350. وذكر النسائي وأبو داود وغيرهما الرواية بغير السماع أيضًا ورجحها النسائي وغيره. وبيان ذلك أنه قد أخرج النسائي في السنن الكبرى - كتاب حد الخمر/ 68 أ، وأبو داود في السنن - كتاب الحدود - باب إذا تتابع في شرب الخمر 4/ 627، 628 ح 4487، 4489 كلاهما عن أسامة بن زيد عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن أزهر قال .. (الحديث بنحو رواية أحمد في المسند) وانظر تحفة الأشراف 7/ 191، 192 ح 9685. ثم أخرج النسائي وأبو داود أيضًا - في الموضعين السابقين، (ح 4488 عند أبي داود) كلاهما من طريق عَقِيل بن خالد عن ابن شهاب أن عبد الله بن عبد الرحمن بن الأزهر أخبره عن أبيه قال ... (الحديث بنحوه)، وقال أبو داود: أَدخل عقيلُ بن خالد بين الزهري وبين ابن الأزهر في هذا الحديث، عَبدَ الله بن عبد الرحمن بن الأزهر، عن أبيه/ سنن أبي داود/ الموضع السابق ص 629، ونحوه قال أبو نعيم في المعرفة 2/ 46، وأبو زرعة الدمشقي كما في تاريخه 1/ 417، أقول: وعقيل هذا ثقة ثَبْت/ التقريب 2/ 79، ولم ينفرد بإدخال عبد الله بن عبد الرحمن بينه وبين الزهري؛ بل تابعه أيضًا ابن لهيعة/ المصدر السابق، وقد ذكر النسائي رواية أسامة بن زيد التي ليس فيها واسطة بين الزهري وبين ابن الأزهر، ثم رواية عقيل المشتملة على الواسطة بينهما وقال: هذا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أولى بالصواب من الأول/ سنن النسائي الكبرى/ الموضع السابق. وسأل ابن أبي حاتم أباه وأبا زرعة عن الحديث المذكور، من طريق أسامة عن الزهري عن ابن الأزهر فقالا: لم يسمع الزهري هذا الحديث من عبد الرحمن بن أزهر، ثم ذكرا له أن عقيل بن خالد يُدخِلُ بينهما عبد الله بن عبد الرحمن بن أزهر/ علل الحديث للرازي - كتاب الحدود 1/ 446 ح 1344. وأقر ذلك أيضًا ابن حجر في التلخيص الحبير 4/ 75. لكن يلاحظ أن الإمام أحمد -كما تقدم- استدل بهذا الحديث على نفي سماع الزهري مطلقًا من ابن الأزهر. أما النسائي وأبو حاتم وأبو زرعة الرازي فنفوا سماعه هذا الحديث فقط من ابن الأزهر. فلعل مطلق كلام أحمد يُحمَل على تَقْييدهم بهذا الحديث فقط. والزهْري مع إمامته وزيادة توثيقه، قد عُدَّ ممن يُرسل عن كل أحد، أي عن الثقات والضعفاء من الشيوخ، كسليمان بن أَرقم، وغيره؛ ولهذا رجح الأكثرون ضعف مراسيله وقال العلائي: الظاهر أن قول الأكثرين أولى بالاعتماد/ جامع التحصيل للعلائي/ 41، 43، 44، 74، 75، 81، 87، 95، 101، 102، 116، 331، وانظر شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 284 وسير النبلاء 5/ 339 وانظر لتفصيل الآراء في مراسيله ص 518 ت. ويُعَد الزهري من المدلِّسين أيضًا مع الخلاف في طبقته، فالعلائي -مع ترجيحه لضعف مراسيله كما مضى- قد عده من الطبقة الثانية من المدلسين، وهم من احتمل الأئمة تدليسهم وإن لم يصرحوا بالسماع، وذلك لإمامته، أو لقلة تدليسه بالنسبة لمجموع مرويَّاته/ جامع التحصيل 130، وقال الذهبي: كان يدلس في النادر/ الميزان 4/ 40، وأما البرهان الحلبي فذكر أنه مشهور بالتدليس، لكنه =

وربيعة من عِبَاد (¬1) الدِّيلي (¬2)، ومحمود بن الربيع، [و] (¬3) رجلًا من ¬

_ = أتبع ذلك بقوله: وقد قبل الأئمة قوله: "عن"/ التبيين لأسماء المدلسين للبرهان الحلبي/ 15. فعلى هذا تحمل عنعنةُ الزهري عمن أدركه، أو لقيه على الاتصال، ما لم يأت ناف لذلك، فيؤخذ به فيما ورد فيه، مطلقًا أو مقيدًا، مع مراعاة إمكان الجمع أو الترجيح عند الإِختلاف، كما تقدم في قول الإِمام أحمد وأبي حاتم وأبي زرعة الرازيان، والنسائي في سماع الزهري من ابن الأزهر. أما الحافظ ابن حجر فقد عد الزهري في الطبقة الثالثة من المدلسين، وهم من أكثر من التدليس فلم يحتج جماعة من الأئمة الا بما صرحوا فيه بالسماع/ تعريف أهل التقديس لابن حجر/ 23، 109، وعلى هذا لا يُعد متصلًا من رواياته عمومًا عمن أدركهم أولقيهم إلا ما صرح فيه بما يدل على الاتصال، كالسماع أو التحديث ونحوهما. ويمكن الجواب عما أخرجه من اشترط الصحة، لاسيما الشيخين، من أحاديث الزهري المنعنعة، بمعرفتهم اتصالها من طرق أخرى/ انظر جامع التحصيل للعلائي/ 130 وهدي الساري لابن حجر/ 385. أقول: ولم يذكر المزي تخريج الشيخين ولا أحدهما لشيء من رواية الزهري عن ابن الأزهر هذا/ تحفة الأشراف 7/ 190 - 193. (¬1) بكسر أوله وتخفيف الموحدة على الصواب/ الإِصابة 2/ 469، وتعجيل المنفعة/ 128. (¬2) بكسر الدال والياء الساكنة نسبة الى حَي يُسمى الدُّئل أو الدُّول، من كنانة، أو من عبد القيس، أو من غيرهما، صحابي، أدرك الجاهلية، وعُمِّرَ في الإسلام ومات بالمدينة في خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان/ الإِصابة 2/ 469، 470 وتعجيل المنفعة/ 128، وتبصير المنتبه 2/ 564، 565، واللباب 1/ 514، 515. (¬3) ليست بالأصل، والصواب إثباتها، لما سيأتي في التعليق التالي لهذا.

بَلِيِّ (¬1) له صحبة، [ورأى] (¬2) عبد الله بن عمر بن الخطاب. ¬

_ (¬1) بفتح الباء وكسر اللام، وهي قبيلة من قُضاعة، رأسُها: بَلِي من عمر بن الحاف بن قُضاعة/ الإكمال لابن ماكولا 1/ 355، والأنساب 2/ 323، وعجالة المبتدى في النسب للحازمي/ 27. وقد ترجم ابن أبي حاتم لهذا الصحابي في "باب من عُرفوا بأسماء آبائهم دون أن تُذكر أسماؤهم"، وقال: روى عنه الزهري/ الجرح والتعديل 9/ 317، وذكر أيضًا الذهبي في التجريد أنه روى عن أبيه، وقال: روى عنه الزهري/ تجريد أسماء الصحابة للذهبي 2/ 217، وذكره الذهبي ضمن شيوخ الزهري وكناه "بأبي عُمر"/ سير أعلام النبلاء 5/ 317، وأخرج أبو نعيم بعض روايات الزهري عنه من عدة طرق/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 ل/ 298. (¬2) ليست بالأصل، وأثبتها بناء على ما سيأتي من تصريح المؤلف بها بعد قليل. وقد قرر أئمة الجرح والتعديل إدراك الزهري ومعاصرته لابن عمر؛ لكنهم اختلفوا في تلاقيهما، وفي سماع الزهري منه، والذي يترجح أن الزهري لم ير ابن عمر ولم يسمع منه شيئًا. وتفصيل ذلك: أنه قد ذكر الأئمة مسلم وأبو حاتم الرازي وأبو أحمد الحاكم: أن الزهري أدرك ابن عمر ورآه/ الكنى 1/ 114، 115، ورجال عروة بن الزبير وغيره من التابعين/ 28 كلاهما للإِمام مسلم، والجرح والتعديل 8/ 71، والكنى لأبي أحمد الحاكم ل/ 25، وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 43، 44، 45، وذكر ابن بُكَير أنه عند وفاة ابن عمر كان الزهري ابن ست عشرة سنة/ ترجمة الزهري/ 51. وذكر أبو نعيم أن الزهري أدرك ابن عمر ورآه وروى عنه/ حلية الأولياء 3/ 327. وذكر العِجْلي أن الزهري روى عن ابن عمر ثلاثة أحاديث/ التمهيد 10/ 7، وترجمة الزهري/ 50، وتهذيب التهذيب 9/ 448، وترتيب ثقات العجلي للهيثمي بتحقيق الدكتور قلعجي، وفيه "ثمانية أحاديث" بدل "ثلاثة"/ 413، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهو خطأ طباعي، لاتفاق الأصل المخطوط/ ل 48، والنقول عنه على "ثلاثة"، وقد عقب ابن عبد البر على قول العجلي بقوله: هذا مما لا يصححه أحد سماعًا/ التمهيد/ 10/ 7. وقد اقتصر غير العجلي على أن الزهري سمع من ابن عمر حديثين فقط، مع خلاف في تحديدهما، والراجع عدم ثبوت سماعه لهما منه. وخلاصة ذلك أن ابن المديني ذكر عن عبد الرزاق أن الزهري سمع من ابن عمر حديثين، ثم قال ابن المديني: ولم يحفظهما عبد الرزاق، إلا أنه ذكر عن معمر عن الزهري أنه شهد ابن عمر مع الحجاج (بن يوسف) بعرفات/ ترجمة الزهري/ 50 وسير النبلاء 5/ 327 والمراسيل لابن أبي حاتم/ 190 والتمهيد لابن عبد البر 10/ 7، وجامع التحصيل للعلائي/ 331 وتحفة التحصيل لابن العراقي/ 184 أ. فهذا الكلام يفيد أن ابن المديني يرى أن عبد الرزاق كان يعرف الحديثين، ولكنه نسيهما، وأن هناك حديثًا آخر غيرهما رواه عبد الرزاق عن مَعْمر عن الزهري، وفيه تصريح الزهري بمشاهدته لابن عمر مع الحجاج (بن يوسف) بعرفات. لكن الذي رواه غير ابن المديني عن عبد الرزاق يفيد أنه لم يعرف الحديثين مطلقًا، وأنه كان نادمًا على ذلك، فقد ذكر الحسن بن علي (الحلواني) قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أنبأنا معمر عن الزهري - في حديثه الذي ذكر أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج: اقتدِ بابن عمر في مناسك الحج، فأرسل إليه الحجاج، قال: وقال الزهري: وأنا يومئذ بينهما، وكنت صائمًا فلقيت من الحر شدة. قال عبد الرزاق: فقلت لمعمر: فَرأى الزهري ابن عمر؟ قال: نعم، وقد سمع منه حديثين، فسلني عنهما أُحَدِثكَهُمَا، قال: فجعلت أتَحَيِّنُ خَلوتَه لأن أسألُه عنهما ولا يكون معنا أحد، قال: فلم يمكني ذلك حتى أنسيته، فما ذكرت حتى نفضت يدي من قبره، فندمت بعد ذلك، فقلت: وما ضرني لو سمعتهما وسمع معي غيري! / التمهيد 10/ 9. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فرواية الحلواني هذه واضحة الدلالة على أن عبد الرزاق لم يعرف الحديثين أصلًا، وأنهما غير حديث الزهري المذكور في مشاهدته لابن عمر في عرفات، لأن معمرًا وعد عبد الرزاق بتحديثه بهما بعد أن حدثه بالحديث المذكور. لكن ابن عبد البر يرى أن الحديث المذكور هو أحد الحديثين، وأن كلام عبد الرزاق، السابق يدل على أن الحديث الثاني فقط هو الذي لم يُسْمَع من معمر وقال: ولا أنه ذُكِر -فيما علمت- عند أحد من أهل العلم/ التمهيد 10/ 9. ثم نقل قولًا عن أحمد بن خالد: أن الحديث الآخر في الحج، وتعقبه بقوله: وهذا لا يوجد ولا يُعرف/ التمهيد 10/ 9. ثم ذكر ابن عبد البر حديثًا آخر عن الحلواني قال: وحدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: أنبأنا شريك عن خالد بن ذُؤيب عن الزهري قال: رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة/ التمهيد 10/ 10، وهذا في إثبات رؤية الزهري لابن عمر، وقد روى الحلواني أيضًا في تأييد هذا الحديث أمرين: أحدهما: أنه قال: حدثنا أحمد بن صالح قال: أنبأنا عَنْبَسةُ بن خالد بن أخي يونس بن يزيد (عن يونس) عن الزهري قال: وَفدْتُ إلى مروان بن الحكم وأنا مُحْتلِم. قال الحسن (الحلواني): ومات ابن (عمر) سنة أربع وسبعين، في أولها، إلا أنه حج سنة ثلاث وسبعين، ومات بعد الحج، ومنهم من يقول: مات في آخر سنة ثلاث وسبعين/ التمهيد 10/ 10، (مع تصويب كلمة "ابن عمر" وذكر ما يبين. القوسين من المصادر كالتهذيب 5/ 328 - 330، 9/ 451) وقد تأخرت وفاة الزهري عن ذلك بسنين عديدة كما سيأتي. فيكون وجه الدلالة من ذلك كما سيأتي عن الذهلي: أن وفود الزهري وهو بالغ على مروان، ثم تأخُّر وفاته كثيرًا عن تاريخ وفاة ابن عمر، يجعلان معاصرته له مؤكَّدة، وبالتالي تكون رؤيته له كما ورد في حديث الجنازة السابق ممكنة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وثانيهما: قال الحلواني أيضًا: سمعت أحمد بن صالح يقول: قد أدرك الزهري "الحَرَّة" وهو بالغ وعَقلَها -أظنه- قال: وشَهدَها، وكانت الحرَّة في أول خلافة يزيد بن معاوية، وذلك سنة إحدى وستين/ التمهيد 10/ 8. والذي قرره الطبري في تاريخه 5/ 487 وابن كثير في البداية والنهاية 8/ 235، 237، أن وقعة الحَرَّة كانت في ذي الحجة سنة 63 هـ. وعلى كلٍّ فوجه الدلالة من هذه الرواية أن عبد الله بن عمر كان موجودًا بالمدينة حين حدوث تلك المعركة، وروى نافع عنه أنه منع أهل بيته من الدخول فيها، والخروج على يزيد/ انظر مسند أحمد 2/ 96 والبداية والنهاية 8/ 235، 251، فبإدراك الزهري للمعركة يكون قد أدرك ابن عمر، وأمكن لقاؤُه به. وقد أورد ابن عبد البر حديث الحلواني المتقدم، والذي صرح فيه الزهري برؤيته لابن عمر وهو يمشي أمام الجنازة، وأورد أيضًا ما أيده به الحلواني من الأمرين السابقين عن عَنْبَسةُ وأحمد بن صالح، ولم يتعقب ذلك كله بشيء، لكن سيأتي تعقب غيره لذلك. كذلك روى محمد بن يحيى الذُّهْلي عن عبد الرزاق ما تقدم من حديث معمر عن الزهري أنه شاهد ابن عمر مع الحجاج بن يوسف بعرفات، ثم قول معمر لعبد الرزاق: إن الزهري سمع من ابن عمر حديثين/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 50، وقد عزا الحافظ ابن حجر رواية معمر هذه إلى مصنف عبد الرزاق، ولم أجدها في مظنتها من المصنف المطبوع، لكن الحافظ ساق المقصود منه بلفظه، مما يدل على وجوده في نسخته/ انظر فتح الباري 3/ 511، وتهذيب التهذيب 9/ 451، وأطلق غيره عزو الحديث لعبد الرزاق دون تحديد كتاب/ التمهيد 10/ 8 وسير النبلاء 5/ 327 وقد أقر الذُّهْلِي حديث معمر هذا فقال: ممكن أن يكون الزهري قد شاهد ابن عمر مع سالم في قصة الحجاج، فلست أدفع رواية معمر، لأن ابن وهب روى عن العُمري عن ابن شهاب نحو رواية معمر، وروى عنبسة بن خالد عن يونس عن ابن شهاب قال: وفدت على مروان وأنا محتلم، قال الذهلي، ومروان مات سنة 65 هـ، ومات =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن عمر (في تلك الحجة) سنة ثلاث وسبعين، (قال): وأظن مولد الزهري سنة خمسين أو نحو هذا، وموته سنة أربع وعشرين ومائة، فممكن أن يكون شاهد ابن عمر في تلك الحجة/ فتح الباري 3/ 511 والتمهيد 10/ 7، 8. وهكذا قرر الذهلي رؤية الزهري لابن عمر في عرفات، وقرر الحلواني رؤيته له يمشي أمام الجنازة، وأيَّد ذلك. بما تقدم من متابعة العمري لمعمر، وبالمقارنة التاريخية بين مولد الزهري ووفاة ابن عمر، وببعض الأحداث العامة التي اشتركا في إدراكها. وقرر الدكتور السباعي - رحمه الله أيضًا لقاء الزهري بابن عمر في عرفات بناءًا على رواية عبد الرزاق التي اعتمدها الذُّهْلِي/ انظر السُّنة ومكانتها في التشريع للدكتور السباعي/ 328. ولكن المحققين من العلماء ردوا كل ما تقدم استناد الذُّهْلي والحَلَواني، والسباعي عليه فيما قرروه من رؤية الزهري لابن عمر، وخلاصة ذلك كما يلي: (أ) أن ما رواه معمر وتابعه عليه العُمري: أن الزهري شاهد ابن عمر بعرفات، قد خالفهما فيه من هو أثبت منهما في الرواية عن الزهري، وهُما: مالك، وعَقِيل بن خالد، فأدخلا في هذه الرواية بين الزهري وبين ابن عمر، ابنَه سالمًا، فروى مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: كتب عبد الملك بن مروان إلى الحجاج (الحديث) وفيه: قال سالم: فلما كان يوم عرفة جاءه (أي الحجاجَ) عبدُ الله بن عمر، وأنا معه ... فساق الحديث بطوله، وليس فيه ذِكْرُ حضور الزهري، ولا قولُه: وكنت يومئذٍ صائمًا فلقيتُ من الحَرِّ شدة/ الموطأ - كتاب الحج - باب الصلاة في البيت وقصر الصلاة وتعجيل الخطبة بعرفة 1/ 399 ح 194. وقد أشار ابن المديني ومن بعده ابن أبي حاتم إلى معارضة رواية مالك هذه لرواية معمر السابقة/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 190 وترجمة الزهري/ 50، 51. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومن طريق مالك أخرج البخاري الحديث محتجًا به - في كتاب الحج - باب التهجير بالرواح يوم عرفة/ البخاري مع الفتح 3/ 511 ح 1660، وأخرجه أيضًا النسائي في السنن - كتاب مناسك الحج - باب الرواح يوم عرفة/ المُجتبى 5/ 252. وأخرج البخاري -تعليقًا مجزومًا- عن الليث حدثني عَقِيل عن ابن شهاب قال: أخبرني سالم أن الحجاج بن يوسف عامَ نزل بابن الزبيرَ -رضي الله عنهما- سأل عبد الله -رضي الله عنه- ... (الحديث) بنحو رواية مالك السابقة مع اختصار/ البخاري مع الفتح 3/ 513، وقد وصل الإسماعيلي الحديث، ورجح الحافظ ابن حجر رواية مالك وعَقِيل هذه التي ذكَرَا فيها "سالمًا" بن عبد الله بينه وبين الزهري، بأن مالكًا وعَقيلًا إليهما المرجع في حديث الزهري، قال الحافظ: فتكون روايتهما هي المعتمدة/ فتح الباري 3/ 511. وقال ابن معين عن رواية معمر أيضًا: وَهِم في ذلك معمر، وابن شهاب لم يَرَ ابن عمر ولا سمع منه/ فتح الباري 3/ 511، والتمهيد 10/ 7. (ب) أما رواية عنبسة بن خالد في وفود الزهري على مروان وهو محتلم، فقال يحيى بن بكير: إنها باطلة، والصواب أن الزهري وَفَد على عبد الملك بن مروان سنة 83 هـ، لا على مروان، وقد أيد ابن بكير بطلان رواية عنبسة بأمرين: أحدهما: أن عنبسة ليس أهلًا لكتابة الحديث عنه، ولا لسماعه منه، وكثيرًا ما كان يختبئ في أسفل دار ابن بُكير، فهو أعرف به، مع أنه قد وافقه على تضعيفه: أحمد وأبو حاتم الرازي وغيرهما/ تهذيب التهذيب 8/ 154 وسير أعلام النبلاء 5/ 326 وترجمة الزهري/ 12، 13، 17، 23، 28، 34، 36. ثانيهما: أن الزهري -في رأي ابن بكير- قد ولد سنة 56 هـ، ومروان توفي سنة 65 هـ/ ترجمة الزهري/ 36، وسير أعلام النبلاء 5/ 326 وفتح الباري 3/ 511، وعليه يكون عُمْر الزهري عند وفاة مروان 9 سنوات، فكيف يتأتي وفوده وهو محتلم على مروان؟ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال غَيرُ ابن بكير: إن رواية عنيسة هذه أيضًا وَهْم، وإنما قال الزهري: وَفَدْتُ على عبد الملك، ولو كان الزهري وفد على مروان لأدرك جِلَّة الصحابة، ممن ليست له عنهم رواية إلا بواسطة/ فتح الباري 3/ 11، وترجمة الزهري/ 12، 13، 17، 23، 28، 34 وطبقات ابن سعد الكبرى/ القسم المحقق/ 158، 159 وسير أعلام النبلاء/ 328 - 330. (جـ) وأما حديث خالد بن ذُؤيب عن الزهري قال "رأيت ابن عمر يمشي أمام الجنازة" فقد أخرجه عبد الرزاق في مصنفه في آخر حديث مرسل، ولفظه: عن معمر عن الزهري قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر يمشون بين يدي الجنازة، قال مَعْمر: وأخبرني الزهري قال: أخبرني سالم أن أباه كان يمشي بين يدي الجنازة/ المصنف لعبد الرزاق - كتاب الجنائز - باب المشي أمام الجنازة 3/ 444، 445، وبهذا أدخل بين الزهري وبين ابنِ عمر ابنَه سالمًا. ومن طريق عبد الرزاق هذه أخرجه الترمذي بلفظه، ونقل عن البخاري أن يونس أيضًا روى عن الزهري (الحديث) بلفظه المتقدم. وأخرج المرفوع فقط من طريق منصور وبكر الكوفي وزياد وسفيان بن عيينة عن الزهري عن سالم عن أبيه قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر يمشون أمام الجنازة/ جامع الترمذي أبواب الجنائز - باب ما جاء في المشي أمام الجنازة 3/ 237، 238. ومن طريق ابن عيينة هذه ومَنْ معه أخرجه أيضًا النسائي، ثم قال: هذا خطأ، والصواب مرسل/ سنن النسائي - كتاب الجنائز - باب مكان الماشي من الجنازة 4/ 56، ونقل الزيلعي عبارة النسائي بلفظ: "قال النسائي: هذا حديث خطأ، وهِم فيه ابن عيينة وخالفه مالك -رضي الله عنه-، فرواه عن الزهري، مرسلًا وهو الصواب ... " ثم أوضح وجه حصول الوَهْم من ابن عيينة/ نصب الراية - كتاب الصلاة 2/ 294. ونقل الترمذي عن ابن المبارك قال: حديث الزهري في هذا مرسل أصح من حديث ابن عيينة/ جامع الترمذي 2/ 238 ونقل النسائي عن ابن المبارك أيضًا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أن الحفاظ عن الزهري ثلاثة: مالك ومعمر وابن عيينة، فإذا اجتمع اثنان منهم على قول أخذنا به وتركنا قول الآخر/ نصب الراية 2/ 294. وقال الترمذي: وأهل الحديث كلهم يرون أن الحديث المرسل في ذلك أصح/ جامع الترمذي 2/ 238 ونصب الراية 2/ 294. وأخرج الترمذي أيضًا من طريق محمد بن بكر عن يونس عن الزهري عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يمشي أمام الجنازة، وأبو بكر وعمر وعثمان، ثم سأل الترمذي البخاري عن هذا الحديث فقال: هذا حديث أخطأ فيه محمد بن بكر، وإنما يُرْوَى هذا الحديث عن يونس عن الزهري: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة، قال الزهري: وأخبرني سالم أن أباه كان يمشي أمام الجنازة، قال محمد (أي البخاري): وهذا أصح/ جامع الترمذي - أبواب الجنائز - باب ما جاء في المشي أمام الجنازة 2/ 238، 239. ونحو هذا ذكر الترمذي عن البخاري أيضًا/ العلل الكبير للترمذي - ترتيب أبي طالب/ كتاب الجنائز/ ل 24 ونقل البغوي مجمل قول الترمذي وابن المبارك والبخاري وأقرهم/ شرح السنة للبغوي - كتاب الجنائز - باب المشي مع الجنازة 5/ 332، 333 ح 1488، ونقله ابن التركماني أيضًا في رده على ترجيح البيهقي لرواية سفيان المرفوعة/ الجوهر النقي في الرد على البيهقي لابن التركماني، بهامش السنن الكبرى للبيهقي - كتاب الجنائز - باب المشي أمام الجنازة 4/ 23، 24؛ لكن جاء عند التركماني والبغوي في الموضعين السابقين عبارة الترمذي بلفظ "وأهل الحديث كأنهم يرون" بدل "كلهم يرون" الواردة في جامع الترمذي وفي نقل الزيلعي عنه كما تقدم، فلعل ما في شرح السنة وفي الجوهر النقي تحريف لكلمة "كلهم" إلى "كأنهم". وأخرج الإمام أحمد الحديث عن عبد الرزاق و (محمد) بن بكر عن ابن جريج عن الزهري حدثني سالم بن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن عمر كان يمشي بين يدي الجنازة، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر وعمر وعثمان يمشون أمامها المسند لأحمد 2/ 37. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه أيضًا بنحوه من طريق عَقِيل بن خالد وزياد بن سعد -كلاهما- عن ابن شهاب بنحوه/ المسند 2/ 140. ونقل الزيلعي عن الإِمام أحمد قال: هذا الحديث إنما هو عن الزهري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مرسل، وحديث سالم فِعْلُ ابنِ عمر، وحديث ابن عيينة (يعني المرفوع السابق) كأنه وَهْم/ نصب الراية للزيلعي - كتاب الصلاة - باب صلاة الجنازة 2/ 294، 295. وقال النسائي في بيان سبب حدوث وَهْم ابن عيينة في رفع الحديث: وإنما أُتِيَ عليه فيه من جهة أن الزهري رواه (هكذا). عن سالم عن أبيه أنه كان يمشي أمام الجنازة، قال: وكان النبي عليه السلام، وأبو بكر وعمر يمشون أمام الجنازة، فقوله: "وكان النبي عليه السلام ... " إلى آخره، من كلام الزهري لا من كلام ابن عمر/ نصب الراية 2/ 294. وبهذا يتبين أن رواية الزهري المرسلة المرفوعة والتي صححها أهل الحديث عامة وكذا روايته الموقوفة على ابن عمر ليس فيهما رؤية الزهري لابن عمر وهو يمشي أمام الجنازة، ولا روايته عنه مباشرة، وإنما جاء بينه وبين ابن عمر ابنُه سالم، وعليه تكون رواية ابن ذُؤَيب السابقة التي أخرجها ابن عبد البر، مرجوحة، فلا يعول عليها في إثبات رؤية الزهري لابن عمر. وقد ذكر المزي في تحفة الأشراف ثلاثة أحاديث فقط بِعدَّة طرق عن الزهري عن ابن عمر، وعزاها للنسائي فقط دون بقية الستة/ تحفة الأشراف 6/ 45، 46. وبالرجوع لتلك الأحاديث في سنن النسائي الكبرى والصغرى نجد عبارة الزهري في جميعها لا تدل على الاتصال، ففي بعضها يقول: سألوا ابن عمر/ سنن النسائي الكبرى - كتاب الحج - باب الطواف بين الصفا والمروة على الراحلة 52 أ، وفي بعضها يقول: كان ابن عمر يحدث/ السنن الصغرى - كتاب الصلاة - باب صلاة الخوف 3/ 172،=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وبعضها يقول: عن ابن عمر/ السنن الصغرى/ الموضع السابق، والكبرى - كتاب العتق - باب العبد يعتق وله مال 65 أ، ثم نجد النسائي نفسه قد أخرج حديثين من الثلاثة، كل منهما من طريق آخر صحيح وفيه بين الزهري وبين ابنِ عمر ابنه سالم. فحديث "من باع عبدًا وله مال" (الحديث) أخرجه النسائي من طريق إسحق بن إبراهيم قال: حدثنا سفيان بن الزهري عن سالم عن أبيه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- به. ثم أخرجه من طريق إسحق بن إبراهيم قال: ثنا معاذ بن هشام قال: حدثنا أَبِي عن قتادة عن عكرمة بن خالد عن الزهري عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ... وذكر طرفًا من الحديث ثم أحال بيقيته على حديث سفيان السابق/ سنن النسائي الكبرى - كتاب العتق - باب العبد يَعتِقُ وله مال 65 أ. والطريق الأولى للحديث التي ذُكِر فيها "سالم" هي الصحيحة، فقد أخرج الحديث بها -مع النسائي- كل من: مسلم في صحيحه، وأبو داود وابن ماجه في سننيهما/ انظر تحفة الأشراف 5/ 370 ح 6819. أما الطريق الثانية الخالية من ذكر سالم بين أبيه وبين الزهري، فيلاحظ أن فيها قتادة بن دعامة السَّدُوسي، وهو مع ثقته - مدلِّس من الطبقة الثالثة، فلا يحتج من حديثه إلا بما صرح فيه بالاتصال، وهو هنا قد عنعن/ انظر تهذيب التهذيب 2/ 123 وطبقات المدلسين لابن حجر/ 102 والتأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس للشيخ عبد العزيز الغماري/ 27 - 29. وأما الحديث الثاني فهو حديث "صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ركعة بإحدى الطائفتين في صلاة الخوف" وقد أخرجه النسائي أيضًا من طريق معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه، به. ثم أخرجه من طريق سعيد بن عبد العزيز، والعلاء، وأيوب، ثلاثتهم عن الزهري، عن ابن عمر، به. وقد وجدت ابن السني تلميذ النسائي، وأحد رواة السنن عنه، عَقَّب على الحديث من طريق الثلاثة المذكورين آنفًا، فقال: سمع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الزهري من ابن عمر حديثين، ولم يسمع هذا منه/ سنن النسائي الصغرى - كتاب الصلاة - باب الخوف 3/ 172، 173. وعلى هذا تكون رواية الزهري للحديث المذكور عن ابن عمر منقطعة - والصحيح روايته له عن سالم عن أبيه، كما في طريق معمر السابقة، فقد اتفق الشيخان على إخراج الحديث بها/ انظر تحفة الأشراف 5/ 391 ح 6931 و 6/ 46 ح 7448. ويلاحظ أن ابن السني لم يذكر الحديثين اللذين قال إن الزهري سمعهما من ابن عمر، فلعله اعتمد في هذا على مجرد قول معمر السابق أو غيره، وقد تقدم لنا تحقيق عدم معرفة هذين الحديثين على وجه التحديد، وما عَدْه ابن عبد البر منهما، وهو حديث معمر عن الزهري في لقائه بابن عمر في عرفات، كما تقدم، لم يقطع بثبوته، حيث قال: وليس لابن شهاب سماع من ابن عمر غير حديث معمر هذا -إن صح عنه-/ التمهيد 10/ 7، وقد بينت آنفًا أن سنده مُعَلٍّ، فلا يعتد به. وحكى المِزِّي القولَ بسماع الزهري حديثين من ابن عمر بلفظ "يقال" الذي اصطلح على التعبير بمثله عما في إسناده نظر عنده/ تهذيب الكمال 1/ 3، 3/ 1269. وأما غير هذين الحديثين، فإن استعراضنا السابق للأحاديث التي لم تذكر فيها واسطة بين ابن عمر وبين الزهري، أو ما صرح فيه برؤيته له، قد تبين منه أن طرق تلك الأحاديث مُعَلَّة، وأن الراجح وجود واسطة بين الزهري وبين ابن عمر، كما ثبت في الطرق الأخرى المعتمدة لتلك الأحاديث. وقد جاء عن الزهري نفسه تصريح بدخول سالم بينه وبين ابن عمر والد سالم، فقال مالك -وهو من أثبت أصحاب الزهري-: كنا نجلس إلى الزهري والى محمد بن المنكدر، فيقول الزهري: قال ابن عمر: كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه، فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر، من أخبرك به؟ قال: ابنُه سالم/ الطبقات الكبرى لابن سعد/ القسم المحقق/ 179 والتمهيد لابن عبد البر 1/ 37. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فالظاهر مما تقدم أنه لم تتوافر لنا رواية معتمدة تثبت سماع الزهري من ابن عمر، أو لقاءهما. ولما قرر أبو حاتم الرازي رؤية الزهري لابن عمر، نَبَّه في نفس الوقت على عدم اقتضاء تلك الرؤية لسماعه منه، فقد قال: الزهري لم يصح سماعه من ابن عمر، رآه ولم يسمع منه/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 192 وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 367، وقال ابن عبد البر: وليست الرؤية دليلًا على صحة السماع/ التمهيد 1/ 37، وقال: ابن رُشَيد: كم مِنْ تابع لقي صاحبًا ولم يسمع منه، وكذلك مَنْ بَعدهم/ السَّنَن الأبْينَ لابن رُشَيد/ 33 وقال ابن رجب: وكذلك من عُلِم منه أنه مع اللقاء لم يسمع ممن لقيه إلا شيئًا يسيرًا فرواياته عنه زيادة على ذلك مرسلة/ شرح علل الترمذي 1/ 366، وقد وافق أحمد أبا حاتم على عدم سماع الزهري من ابن عمر فقال: لم يسمع الزهري من عبد الله بن عمر شيئًا/ جامع التحصيل/ 331 وتحفة التحصيل/ 184 أوتهذيب التهذيب 9/ 450، ووافق ابن معين أيضًا أبا حاتم على عدم السماع؛ ولكنه خالفه في ثبوت الرؤية، فقال: لم يسمع الزهري من ابن عمر شيئًا/ جامع التحصيل/ 331 وتحفة التحصيل/ 184 أ، وفي لفظ: ليس للزهري عن ابن عمر رواية/ تهذيب التهذيب 9/ 450 - يعني رواية متصلة- وفي لفظ آخر قال: وابن شهاب لم ير ابن عمر ولا سمع منه/ التمهيد 10/ 7 وفتح الباري 3/ 511، وأوجز المسالك الى موطأ مالك للكاند هلوي 7/ 347، وقال عمرو بن دينار: أنا لقيت ابن عمر ولم يلقه الزهري/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 112، والتمهيد 6/ 102 وابن دينار ممن روى عن الزهري وجالسه بمكة وأثنى عليه/ المصدر السابق/ ترجمة الزهري/ 112، 113 والتمهيد 6/ 102 ومع أن من المؤكد من تاريخ مولد الزهري وتاريخ وفاة ابن عمر ومن تَتَبُّعِ مسار حياتهما أنهما تعاصرا، وأمكن لقاؤهما إلا أن من يكتفي بالمعاصرة وإمكان اللقاء والسماع في إثبات الاتصال -كالإِمام مسلم ومن وافقه- يشترطون مع ذلك السلامة من التدليس، وعدم وجود دلالة بَيِّنة على أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لقيه ولكن لم يسمع منه شيئًا/ صحيح مسلم =

وسمع عبد الله بن عامر بن ربيعة وعبد الله بن ثَعلبة بن صُعَيْر (¬1) وأَبا أمامة بن سَهْل بن حُنَيف، ومالك بن أوس بن ¬

_ = 1/ 30، 33 والسَّنن الأبين لابن رُشَيد/ 4، 30، 35، 36، 48، 49 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 161، 162، وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 360، 361 هامش 363، 364، 365، وكلا هذين الشرطين منتفيان هنا، فالزهري كما أسلفت - موصوف بالتدليس والإرسال، وقد نفى سماعه لابن عمر ولقاءه به غير واحد من الأثبات، ومنهم بعض تلاميذه العارفين به، كابن دينار، ومالك الذي وجه إليه مع زملائه سؤالًا محددًا عما حدثهم به عن ابن عمر، فقرر لهم صراحة أنه أخبره به عن ابن عمر ولده "سالم". (¬1) يقال: ثَعْلَبةُ بن صُعَير وابن أبي صُعير، وقيل ابنُ صُعير غيره، وصُعَير بضم الصاد وفتح العين المهملتين، مُصغَّر، ونسبته "العُذرِي" بضم العين المهملة وسكون الذال المعجمة وبالراء، ولثعلبة هذا صُحبةُ ورواية، أما ولدُه "عبد الله" المذكور فاختلف في تاريخ مولده اختلافًا بيَّنًا؛ فقيل: إنه ولد قبل الهجرة بأربع سنين، وقيل: بعدها، وإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توفي وهو ابن أربع سنين، ويُرجِّح هذا الأخير ما سيأتي في الأصل ص 522 من أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مسح على رأسه زمن فتح مكة، وهذا قد أخرجه البخاري في الصحيح، كما سيأتي تخريجه ص 523 ت هامش، وعليه يكون حينذاك صغيرًا؛ ولهذا يُعَد من صغار الصحابة، له رؤية ولم يثبت له سماع من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتوفي سنة سبع أو تسع وثمانين، وله ثلاث وثمانون، وقيل تسعون، وقيل غير ذلك، وقد روي الزهري عنه وعن أبيه ثعلبة أيضًا/ انظر الإِكمال لابن ماكولا 5/ 182 والمشتبه للذهبي/ 411 والإصابة 1/ 200، 2/ 285، وتاريخ يحيى بن معين - رواية الدقاق/ 76 والتقريب 1/ 405 ومعرفة علوم الحديث للحاكم/ 24، وعمدة القاري للعيني - كتاب المغازي - بابٌ منه 17/ 288. وقد حكي الزهري بنفسه تلمذته لعبد الله بن ثعلبة في تلقي الحديث، وفي عِلْم نسَب قريش الذي كان ابن ثعلبة خبيرًا به، لكونه حليفهم وابن أُختهم، كما قرر الزهري أيضًا أنه حينذاك كان غلامًا وابن ثعلبة رجل مُسِن، وأشار أيضًا إلى أنه مع روايته للحديث لم يكن فقيهًا، =

[الحَدَثان (¬1) وعمر بن أبي سلمة] (¬2) ¬

_ = ولذا تحول من مجالسته إلى مجالسة سعيد بن المسيب، والتلمذة له ولغيره حتى فَقه/ انظر طبقات ابن سعد/ الجزء المحقق/ 157، 158 وترجمة الزهري/ 67، 66 وحلية الأولياء 3/ 366. (¬1) بالأصل "الحكم" والصواب ما أثبته كما في الإِصابة 3/ 319 وسير النبلاء 5/ 327 ورجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين لمسلم/ 128، و"الحَدَثانِ" بفتح المهملة والمثلثة/ التقريب 2/ 223. (¬2) بالأصل "عمير أبي سَلَمة" وذَكَره بعد كلمات باسم "عمرو أبي سَلَمة" مع الإشارة إلى الخلاف في سماع الزهري منه، ولم أجد في أمهات كتب الصحابة والرجال صحابيًا اسمه وسياق نسبه هكذا، إلا ما يُفهم من كلام الذهبي الآتي ذكره قريبًا ص 494 ت. كما لم أجد في مصادر ترجمة الزهري المتعددة شيخًا له بهذا الاسم، ولكن ما أثبته هو الذي ذكرته المصادر التي سأحيل عليها، مع ذكرها حُدوث وَهْمٍ من بعض الرواة في تسميته وفي إثبات رواية الزهري عنه. وبيان ذلك أن ابن طاهر المقدسي ذكر في أطراف الغرائب للدارقطني: مسند عمر بن أبي سلمة، (رَبيبُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) وذكر حديثه: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في ثوب واحد ... الحديث، ثم قال: تفرد به جابر بن نوح عن عبيد الله (يعني ابن عمر) عن الزهري عن عمر، به وقال: ورواه الحسن بن حبيب، وهو غريب/ أطراف الغرائب لابن طاهر 232 أ، ثم ذكر بعد ذلك: مسند عمرو ابن أبي الأسد، وذكر فيه نفس حديث الصلاة في الثوب الواحد كما تقدم، وقال: كذا قال محمد بن بشر (يعني العبدي) عن عبيد الله بن عمر عن الزهري (عن) عمرو بن أبي الأسد/ المرجع السابق/ 239 أ، ب، فأفاد بهذا أن الحديث بالإسناد المذكور غريب، تفرد به محمد بن بشر، كما تفرد بالإِسناد السابق، جابر بن نوح، ويلاحَظ أنهما اختلفا في تسمية الصحابي، فرواية جابر فيها "عمر بن أبي سلمة" ورواية محمد بن بشر فيها "عمرو بن أبي الأَسد"، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وجابر بن نوح ضعيف/ تهذيب التهذيب 2/ 45، 46 وتقريب التهذيب 1/ 123 والكامل لابن عدي 2/ 544. ومحمد بن بشر وَثَّقه غير واحد توثيقًا مطلقًا، وقيد عثمان ابن أبي شيبة توثيقه بما حدث به من كتابه فقط/ الثقات لابن شاهين/ 211، ولابن حبان 7/ 441 وتهذيب التهذيب 9/ 73، 74 وعلى أي حال فأنه قد وَهِم في هذا الحديث، وخالف غيره من الثقات كما سيأتي ذكره، وبذلك لا يعتد بروايته هذه، كما لا يعتد برواية جابر السابقة؛ لضعفه، كما أن رواية الزهري معنعنة في الطريقين، وهو مدلس كما قدمت، فتكون روايته هذه عن عمر منقطعة، ويؤيد ذلك. أن أبا نعيم ذكر "عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد" وذكر مما أسنده حديثَ الصلاة في الثوب الواحد المتقدم؛ لكن من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن أبي سلمة ... به، ثم ذكر متابعة عبد الرحمن الجُمحي لأبي أُسامة على الحديث المذكور، بنحوه/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2/ 72، 73 أ. وأبو أسامة المذكور هو: حماد بن أسامة القرشي مولاهم الكوفي، ثقة ثَبْتُ رُبَّما دلَّس، وكان بآخرِه يحدث من كتب غيره/ تهذيب التهذيب 3/ 2، 3 والتقريب 1/ 195. وعبد الرحمن، هو ابن بكر بن الربيع بن مُسلم الجُمَحي البصري - صدوق من العاشرة/ تهذيب الكمال 2/ 777 تقريب التهذيب 1/ 473. ثم ذكر أبو نعيم "عمرو بن أبي الأسد" وذكر له الحديث السابق من طريق محمد بن بشر العبدي عن عُبيد الله بن عمر عن ابن شهاب الزهري عن عمرو بن أبي الأسد، ثم قال: وَهِم فيه محمد بن بشر، فقال: عمرو بن أبي الأسد، وصوابه ما رواه أبو أسامة وغيره، عن عبيد الله بن عمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2/ 957 أ. =

وأبارُهْم (¬1) ¬

_ = وعلى هذا يكون الصواب أن هذا الصحابي اسمه: "عمر بن أبي سلمة" وأن تسميته بعمرو بن أبي الأسد، يُعتبر وَهْمًا، كما أن رواية الزهري عنه منقطعة. وقد أقر هذا. التصويب لا سمه كل من ابن الأثير والذهبي وابن حجر، إلا أن ابن الأثير ذكر أن أبا نعيم جعل اسم هذا الصحابي "عمرو بن الأسود"/ أسد الغابة 4/ 191 ط الشعب، والذي في المعرفة لأبي نعيم -كما تقدم- هو: "عمرو بن أبي الأسد" وكذا جاء في النسخة التي اطلع عليها ابن حجر/ انظر الإِصابة 3/ 172، فلعل النسخة التي اطلع عليها ابن الأثير من "المعرفة" وقع فيها الاسم كما ذكره. وأيضًا ذكر الذهبي هذا الصحابي باسم "عمرو بن أبي الأسد" وقال: روى عنه الزهري، وَهِم فيه محمد بن بشر، وإنما هو ابن أبي سلمة/ انظر تجديد الصحابة 1/ 400، وقوله: "وإنما هو ابن أبي سلمة" يفيد إقراره لكون اسمه "عمرو بن أبي سلمة" وذلك خلاف ما تقدم من أن الصواب كونه "عمر بن أبي سلمة" لا "عمرو". وفي الإِصابة أيضًا ذكر تصويب رواية "عمرو بن أبي سلمة" بالواو/ الإِصابة 3/ 172 ط التجارية سنة 1939 م، و 5/ 288 ط النهضة، والصواب "عمر" بدون الواو كما تقدم نقله عن المعرفة لأبي نعيم، وأطراف غرائب الدارقطني، وهما مصدرا ابن حجر في التصويب المذكور. (¬1) بالأصل "وأبي رُهم" والصواب ما أثبته، لعطفه على منصوب، وقد ضبط ابن حجر هذه الكنية فقال: بضم الراء/ التقريب 2/ 136، وفي الصحابة غير واحد كُنِي بهذه الكنية؛ ولكن لم أجد ذكرًا لرواية الزهري عن أي منهم؛ لكن نقل ابن حجر في ترجمة أبي رُهم الغفاري عن ابن المديني أن حديث الزهري عنه غير متصل/ تهذيب التهذيب 9/ 451، وهذا يفيد أن أبارُهْم المقصود هو أبو رُهْم الغفاري، واسمه كلثوم بن الحصين، واختلف في بقية نسبه؛ ولكنه مشهور باسمه وبكنيته/ انظر الكنى لمسلم 1/ 326 وللدولابي 1/ 28، 29. وقد ساق ابن حجر له حديثًا عزاه إلى أحمد والبَغوي وغيرهما من طريق معمر عن =

والمِسْوَر (¬1) وأم عبد الله الدَّوسِيَّة (¬2) على خلاف في [عمر بن] ¬

_ = الزهري أخبرني ابن أخي أبي رُهم أنه سمع أبا رُهْم يقول: غزوت مع النبي -صلى الله عليه وسلم- غزوة تبوك/ الإِصابة 4/ 71 ففي هذه الرواية نجد بين الزهري وبين أبي رُهم هذا واسطةً، هو ابن أخي أبي رُهْم، فيصدق عليه قول ابن المديني: إن حديث الزهري عنه غير متصل، لوجود الواسطة بينهما، وهكذا قال الذهبي: روى الزهري عن ابن أخيه عنه/ تجريد الصحابة 2/ 167 بل زاد المزي ذكر واسطتين بينهما، فقال بعد ذكر السند السابق: وقيل: عن الزهري عن ابن أُكَيمة الليثي عن ابن أخي أبي رُهم عن أبي رُهم/ تهذيب الكمال 3/ 1149، وأوسع من عَدَّد الذين رآهم الزهري، والذين روى عنهم هو الإمام مسلم في كتابه: رجال عروة بن الزبير وجماعة من التابعين، ومع ذلك لم يذكر فيهم أبا رُهم هذا/ انظر رجال عروة/ 128 - 136. (¬1) بكسر الميم وسكون السين (المهملة) وفتح الواو وتخفيفها - ابن مَخزمة بن نوفل الزهري، وهو من صغار الصحابة، وقال المزي: صح سماعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وتوفي بمكة في حصار ابن الزبير الأول على عهد يزيدَ بنِ معاوية سنة 64 هـ أو سنة 65 هـ على الصواب/ الجرح والتعديل 8/ 297 والإِصابة 3/ 399، 400 وتهذيب الكمال 3/ 1330، والإكمال 7/ 245، وبناءًا على تاريخ وفاته المذكور تكون معاصرة الزهري له مؤكدة، وذكر ابن حجر أنه روى عنه/ تهذيب التهذيب 9/ 445، لكن قال أبو حاتم الرازي: الزهري لا يثبت له سماع من المِسْوَر بن مخرمة، يَدخُل بينه وبينه سليمان بن يسار، وعروة بن الزبير/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 191 ونقله عنه العلائي/ جامع التحصيل/ 231 وأبو زرعة ابن العراقي/ تحفة التحصيل/ 184 أوأَقرَّاه على ذلك. (¬2) هكذا ذكرها ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني، دون ذكر اسم لها ولا نَسَب، وتبعه المؤلفون في الصحابة بعده، وساق أبو نعيم وابن حجر حديثها من طريق بقية بن الوليد عن معاوية بن يحيى حدثني معاوية بن سعيد التُّجِيبي عن الحكم بن عبد الله بن سعد عن الزهري عن أم عبد الله الدَّوسِيَّة قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: الجمعة واجبة على كل قرية فيها إمام، وإن لم يكن =

أبي سلمة ومَن بَعدَه (¬1). وسمع من كَثِير (¬2) ¬

_ = فيها إلا أربعة، ومع تصريحها في هذا الحديث بالسماع من الرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن أبا نعيم والذهبي وابن حجر قالوا: إنها أدركت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقط، بل زاد الذهبي قائلًا: وأظنها تابعية، وقال: روى عنها الزهري/ الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم/ ل 392 أومعرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 383 وتجريد الصحابة للذهبي 2/ 327 والإِصابة 4/ 452، وقد أخرج الدارقطني حديث الدَّوسِيَّة السابقة، وتعقبه بقوله: الزهري لا يصح سماعه عن الدَّوسِيَّة، والحَكَم هذا متروك، كما أخرجه من طريق الوليد بن محمد عن الزهري قال: حدثتني أم عبد الله الدَّوُسِيَّة قالت قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الحديث)، وتعقبه بقوله: الوليد بن محمد الموقري متروك، ولا يصح هذا عن الزهري، كل من رواه عنه متروك، وأخرجه أيضًا من طريق معاوية بن سعيد التُّجِيبي ثنا الزهري عن أم عبد الله الدَّوْسِيَّة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الحديث)، وتعقبه بقوله: لا يصح هذا عن الزهري/ سنن الدارقطني مع التعليق المغني - كتاب الجمعة - باب الجمعة على أهل القرية 2/ 7 - 9 ح 1 - 3. وقد نقل العلائي وابن العراقي قول الدارقطني بعدم سماع الزهري من الدَّوْسية وأقراه/ جامع التحصيل/ 331 وتحفة التحصيل/ 184 أ، وعليه تكون روايته عنها منقطعة. (¬1) قوله: "على خلاف في عمر بن أبي سلمة ومن بعده" بالأصل "عمرو" والصواب ما أثبته كما تقدم بيانه، وهذه العبارة تقييد لما تقدم من أن الزهري "سمع من عبد الله بن عامر بن ربيعة، وعبد الله بن ثعلبة ... " الخ، وما تقدم في التعليقات السابقة يفيد أن الخلاف في سماع الزهري ليس مقتصرًا على عمر بن أبي سلمة ومَنْ بَعدَه من الصحابة، بل تعدى هؤلاء إلى غيرهم ممن سبق ذكره من الصحابة كعبد الله بن عمر، ومَن سيأتي بَعدُ مِنْ غيرهم. (¬2) كَثِير -بفتح الكاف وكسر الثاء المثلثة/ الإِكمال 7/ 16 والمشتبه/ 544، وهو كثير بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي، أبو تَمَّام، ابن عم الرسول =

وتَمَّام (¬1) انتهى. ¬

_ = -صلى الله عليه وسلم- وأدركه وهو صغير، واختلف في ثبوت سماعه منه، وقال ابن السكن: "لم يصح سماعه من النبي -صلى الله عليه وسلم-"، وعلى ذلك فهو صحابي من حيث الرؤية، وبهذا الاعتبار ذكره ابن الحَذَّاء هنا في الصحابة، ولكنه تابعي من حيث الرواية عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-/ انظر الإِصابة 1/ 8، ولذلك سيأتي ذكر المؤلف له ثانيًا ضمن مَنْ روى عنهم الزهري من التابعين. وقد قرر رواية الزهري عنه الإِمام مسلم/ رجال عروة وغيره/ 129، والمزي/ تهذيب الكمال 3/ 1143 وابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 5 وأبو نعيم/ الحلية 3/ 372 وابن حجر الإصابة/ 3/ 294. وغيرهم. ثم إنه يلزم التنبه إلى أن الزهري يروي عن اثنين آخرين كل منهما يسمى: "كَثيرًا" ولم يذكرهما المؤلف هنا، وقد ذكرهما غيره: أحدهما: كَثِير بن أفلح، مولى أبي أيوب الأنصاري، وهو ثقة من كبار التابعين/ انظر رجال عروة وغيره لمسلم/ 132 وتهذيب التهذيب 8/ 411 وتقريب التهذيب 1/ 5، 2/ 131. وثانيهما: كَثِير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني، من كبار أتباع التابعين، قال عنه ابن حجر: ضعيف من السابعة، ومنهم من نسبه إلى الكذب/ انظر رجال عروة وغيره لمسلم/ 133 وتقريب التهذيب 1/ 6، 2/ 132 وذكر ابنُ عَدِي كثيرًا من أحاديثه المعلولة ولم أجد فيها شيئًا من طريق الزهري، لكنه لم يستوعب كل أحاديثه/ الكامل لابن عدي 6/ 2078 - 2083. ولهذا يجب التنبه للمقصود من هؤلاء الثلاثة عندما يَرِدُ في إسنادٍ روايةٌ للزهري: "عن كثير" غير منسوب ولا مُميَّز، فيلجأ لجمع طرق الرواية والنظر فيها لتحديد المقصود منهم، حتى لا يختلط الضعيف بالثقة منهم، والله الموفق. (¬1) بفتح التاء المثناة في أوله وتشديد الميم/ المشتبه للذهبي/ 117 وهو ابن العباس بن عبد المطلب، أخ شقيق لكثير المتقدم ذكره، وهو أصغر أولاد العباس العشرة، وفيه قال أبوه: =

ومن التابعين: سعيد بن المُسَيِّب (¬1) وأبا سلمة بن عبد الرحمن (¬2) ¬

_ = "تَمُّوا بِتَمامٍ فصاروا عشرة ... يا رب فاجعلهم كراما بَررة" وهو كأخيه "كثير" له رؤية، ولم تحفظ له رواية عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من وجه ثابت، وقد عده ابن حبان في ثقات التابعين، وقال: حديثه عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرسل، وإنما رواه عن أبيه/ انظر الاستيعاب والإِصابة معه 1/ 186، 187. (¬1) بفتح السين المهملة، مع اختلاف في ضبط الياء المثناة؛ فأهل المدينة يكسرونها، وارتضاه سعيد نفسه، وأهل العراق يفتحونها، وكان سعيد يكرهه/ تبصير المنتبه لابن حجر 4/ 1287. (¬2) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف، وقيل اسمه اسماعيل، وقيل اسمه كنيته/ الكني لمسلم 1/ 378 وتهذيب التهذيب 12/ 115 ورواية الزهري عنه في الصحيحين وبقية الستة/ تهذيب الكمال 3/ 1610، 1611 وتحفة الأشراف 11/ 23 - 63 و 12/ 362، 368، وقد صرح بتحديثه له، كما في حديث الإِفك عند البخاري - كتاب المغازي - باب حديث الإِفك؛ ففيه أن الوليد بن عبد الملك قال له: أَبَلَغَك أن عليا كان فيمن قذف عائشة؟ قال الزهري: قلت لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك: أبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث (الحديث) البخاري مع الفتح 7/ 435 ح 4142، وتحفة الأشراف 12/ 367، 368 ح 17771. لكن الترمذي قرر عدم سماع الزهري من أبي سلمة حديثًا معينًا وهو حديث: "لا نذر في معصية"، فقد أخرجه من طريق يونس عن الزهري عن أبي سلمة عن عائشة به مرفوعًا، ثم قال: وهذا لا يصح؛ لأن الزهري لم يَسمع هذا الحديث من أبي سلمة، ثم نقل عن البخاري أن الحديث مروي عن جماعة غير يونس المذكور، عن الزهري عن سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن عائشة، به، واعتمد البخاري هذه الرواية التي فيها واسطتان بين =

وأخاه حُمَيدًا (¬1) وعلي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وعبد الله [و] (¬2) الحسن [ابني] (2) محمد بن الحنيفة، وكَثِير بن العباس، ومحمد بن عباد بن جعفر، وحمزة بن عبد الله بن عمر، وحفص بن عاصم بن عمر، ومحمد بن النعمان بن بشير، وعبد الله بن كعب بن مالك، وعبَّاد بن تميم، وأبا بكر بن محمد بن عمرو بن حزم (¬3) ¬

_ = الزهري وبين أبي سلمة، وتبعه الترمذي فقال: إن هذا أصح من حديث أبي صفوان عن يونس -يعني الخالي من الواسطة كما تقدم/ انظر جامع الترمذي- أبواب النذور والأيمان - باب ما جاء أن لا نذر في معصية 3/ 40 ح 1562، 1563، ونقل المزي ذلك عن الترمذي وأقره/ تحفة الأشراف 12/ 367 ح 17770 وكذا العلائي وابن العراقي/ جامع التحصيل 331 وتحفة التحصيل/ 184 أ. ويلاحظ أن الحديث رواه الزهري عن أبي سلمة بالعنعنة، فيكون مُعْضَلًا؛ لوجود واسطتين بينهما في الطرق الأخرى الصحيحة كما تقدم. ولا يقدح هذا في اتصال الأحاديث الأخرى التي رواها الزهري عن أبي سلمة بما يفيد الاتصال من تحديث أو إخبار، كحديث الإِفك المتقدم، وغيره مما يُعلم اتصاله. (¬1) بالتصغير/ المغني للفتَّني/ 81 وانظر رجال عروة وغيره لمسلم/ 129 وتهذيب التهذيب 3/ 45 والتمهيد 7/ 160 وما بعدها. (¬2) بالأصل "وعبد الله بن الحسن" والصواب ما أثبته وِفَاقًا لما في مصادر الترجمة، أن الزهري روى عن: عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، والحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب، أو ابن الحنفية/ انظر تهذيب الكمال 3/ 1269 ورجال عروة وغيره لمسلم/ 129 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 5 وتهذيب التهذيب 9/ 446. (¬3) بالأصل "خزم" بالخاء المعجمة وما أثبته هو الصواب الموافق لمصادر الترجمة/ رجال عروة وغيره لمسلم/ 135 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 6 وتهذيب الكمال 3/ 1269 وغيرها.

وعمارة بن خزيمة بن ثابت، وسعيد بن جُبَيْر بن مُطْعِم (¬1) وعطاء بن يزيد، وعلقمة بن وقاص، وقبيصة بن ذؤيب، وأبا إدريس الخَوْلَانِي (¬2) ¬

_ (¬1) كذا في الأصل، وأوسع المصادر التي عددت شيوخ الزهري مثل ابن عساكر في تاريخ دمشق، ومسلم في رجال عروة وغيره، والمزي في تهذيب الكمال، لم يذكر في أي منها شيخًا للزهري بهذا الأسم، ونعم ذكر ابن حزم أن من ولد "جبير بن مطعم" سعيدًا الأكبر، وسعيدًا الأصغر، لكنه لم يذكر رواية الزهري عن أي منهما، بل لم يصفهما بالتحديث كما وصف غيرهما من أبناء جبير/ جمهرة أنساب العرب لابن حزم/ 115، 116. ثم إن المزي ذكر أن سعيدًا الأكبر وسعيدًا الأصغر هذين من ولد مُطعِم بن عدي، فيكونان أخوين لجبير، لا ولدين له/ انظر تهذيب الكمال 1/ 185. وذكر ابن حزم والمزي ومسلم وغيرهم أن من ولد جبير بن مطعم "محمد بن جبير" وقد وصفه ابن حزم بأنه ممن رَوِي عنه الحديث/ الجمهرة/ 116، وقرر مسلم وابن عساكر والمزي وغيرهم: أن الزهري روى عنه/ رجال عروة وغيره لمسلم/ 129، وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ وتهذيب الكمال 3/ 1182، 1269، ورواية الزهري عنه ثابتة في الكتب الستة/ تحفة الأشراف 2/ 411 - 416 وفي الموطأ/ التمهيد 9/ 114، 155. ومحمد بن جُبير هذا يُكْنَى "أبا سعيد"؛ فلعل في الأصل سقطًا وصحته "وأبا سعيد بن جُبَير بنِ مُطعِم". (¬2) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو، وبعدها لام ألف، وفي آخرها نون، نسبة الى خَوْلان بن عمرو/ اللباب 1/ 472 واسم أبي إدريس هو عايذ الله -بتحتانية ومعجمة- ابن عبد الله الخَوْلاَني، ولد في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة، ووصف بأنه كان عالم الشام بعد أبي الدرداء، وتوفي سنة 80 هـ/ رجال عروة وغيره لمسلم/ 131 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 6 وتهذيب الكمال 3/ 1269 وتقريب التهذيب 1/ 390.

وخالد بن سعيد (¬1) بن عمرو بن عثمان بن عفان، ونبهان -مولى أم سلمة- (¬2) وعروة بن الزبير، وابنه يحيى، وعبد الله بن مُحَيْرِيز، وعُبَيْد الله بن عبد الله بن عُتْبة (¬3)، والقاسم بن محمد/ بن أبي بكر ¬

_ (¬1) كذا بالأصل، وفي ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر، والذي في بقية المصادر "سعيد بن خالد"/ رجال عروة وغيره لمسلم/ 128، 129 وتهذيب الكمال 1/ 485، 3/ 1269 وتقريب التهذيب 1/ 294. (¬2) وروي الزهري عن عدد آخر من الموالي بلغ بهم مسلم 22 رجلًا خلاف نَبْهان المذكور/ رجال عروة وغيره لمسلم/ 132، 133، وبه يتحقق جوابه لمعمر بن راشد حين قال له: ذكروا أنك لا تحدث عن الموالي، فقال: إني لأحدث عنهم؛ ولكن إذا وَجدتُ أبناء أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإذا أصنع بغيرهم؟ / ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 64 وسير النبلاء 5/ 344 وطبقات ابن سعد الكبرى/ القسم المحقق/ 169. (¬3) وقال الزهري في تلمذته له: كنت أحْسِب أني قد أصبت من العلم، حتى جالست عُبيدَ الله بن عبد الله بن عُتبة، فكأنما كُنت في شِعْب من الشعاب/ سير النبلاء 5/ 344، وعندما رأى الزهري أنه قد استوعب كل علم عبيد الله، واستغنى عنه، انقطع عنه، فقال فيه عبيد الله: إذا شئت أن تلقي خليلًا مصافحًا ... لَقِيتَ، وإخوانُ الثقات قليل! ترجمة الزهري/ 56. وفي رواية للهروي: أن الزهري لما ظَنَّ أنه استوفى كُلَّ عِلْم عبيد الله لم يعد يُظهر له التَّكْرِمَة كما كان من قبل، حتى خرج عليه يومًا، فلم يُقمْ له الزهري، فقال له: إنك بعدُ في العَزازَ فقُم، أي إنك في الأطراف من العلم لم تتوسطه بعدُ/ النهاية لابن الأثير 3/ 229 ورواية الزهري عن عُبيد الله المذكور عن ابن عباس عن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أصح الأسانيد/ ترجمة الزهري من تاريخ عساكر 101، وتهذيب الكمال 3/ 1270 وفيه "عبدوس" بدل "عباس".

الصديق، وأبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، وسالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، وخَارِجة بن زيد بن ثابت (¬1)، وعمر بن عبد العزيز (¬2). وروى عن أبان بن عثمان بن عفان، ولم يسمع منه، قاله ابن أبي حاتم، قال: ولا يصح حديث أبان بن عثمان، في طلاق السَّكْران (¬3). ¬

_ (¬1) وهو في مقدمة من وجَّه عبدُ الملك بن مروان الزهريَّ للأخذ عنهم، وذلك حين قدم الزهري الشام على عهد الملك سنة 82 هـ، فسأله عمن لقي من العلماء، قال الزهري: فجعلت أُسَمِّي له وأخبره بمن لقيت من قريش، لا أعدُوهم، فقال عبدُ الملك: فأين أنت عن الأنصار؟؛ فإنك واجد عندهم علمًا، أين أنت عن ابن سيِّدهم، خارجة بن زيد بن ثابت؟ ... قال الزهري: فسمي رجالًا منهم، فقدِمْتُ المدينة فسألتهم، وسمعت منهم -يعني الأنصار- ووجدت عندهم علمًا كثيرًا./ طبقات أبن سعد الكبرى/ القسم المحقق/ 162. أقول: وهذا يفيد في تحديد زمن رواية الزهري أو إكثاره الرواية عنه هو وغيره ممن أدركهم من الأنصار، وبذلك يُعرَف الناسخ والمنسوخ والراجح والمرجوح من الروايات. (¬2) وقد روى عمر أيضًا عن الزهري، فَعُدَّ من تلاميذه، وخطب الناس ببعض ما رواه عن الزهري فقال في خطبته: إن الزهري حدثني بكذا وكذا/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 6، طبقات ابن سعد/ القسم المحقق/ 164، وتهذيب الكمال 3/ 1269 وسير النبلاء 5/ 327، 328. (¬3) عند مراجعة المصادر نجد أن نفي سماع الزهري من أبان، وإعلال حديثه عنه في طلاق السكران من قول أبي حاتم الرازي، وليس من قول ابنه كما ذكر المؤلف، نعم ابن أبي حاتم هو الناقل لكلام والده مع إقراره عليه، لكنه صرح

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بعزوه إليه، تارة بقوله في نهاية العبارة المذكورة في الأصل: سمعت أبي يقول ذلك/ الجرح والتعديل 8/ 71، 72 وتارة بقوله: قال أبي: الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئًا، وتارة بقوله: سمعت أبي يقول: الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 192؛ ولهذا نجد غير واحد ممن نقل هذه العبارة يعزوها لأبي حاتم مباشرة/ شرح علل الترمذي، لابن رجب 1/ 368، وجامع التحصيل/ 331 ومنهم من ساق العبارة بإسناده عن ابن أبي حاتم، وفي نهايتها قوله: سمعت أبي يقول ذلك/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 43. وعمومًا فإن هذا القول خلاف الراجح، كما سأوضحه؛ مع أن أبا حاتم لم ينفرد به، بل حكى موافقة غير واحد له على ذلك فقال: لم أختلف أنا وأبو زرعة. وجماعة من أصحابنا أن الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئًا/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 191 وجامع التحصيل/ 331 وتحفة التحصيل/ 184 أ، وقال الإِمام أحمد أيضًا بعدم سماع الزهري من أبان كما سيأتي كلامه. وقد أيد أبو حاتم والإِمام أحمد عَدمَ سماع الزهري من أبان، بأنه قد ورد بينهما واسطةٌ، وذلك مما يُستدَل به على عدم السماع/ شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 369، فقال أبو حاتم عقب ما تقدم من نفيه لسماع الزهري من أبان: وكيف سمع من أبان، وهو يقول: بلغنى عن أبان؟ / المصادر السابقة، ولما سُئِل الإِمام أحمد: هل الزهري سمع من أبان بن عثمان؟ قال: ما أراه سمع منه، وما أَدْرِي -أو نحو هذا- إلا أنه قد أدخَل بينه وبينه عبد الله بن أبي بكر/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 189، 190. لكن محمد بن يحي النيسابوري الذُّهْلي -شيخَ الإِمام البخاري- قرر سماع الزهري من أبان، ولما قال أبو حاتم الرازي -كما مر-: إن الزهري لم يسمع من أبان، قيل له: فإن محمد بن يحيى النيسابوري كان يقول: قد سمِع، فردَّ أبو حاتم بقوله: محمد بن يحيى كان بابُه السلامة/ المراسيل/ 191. أقول: ومحمد بن يحيى الذُّهلي له تصنيف في حديث الزهري يسمى "السنن"/=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تخريج الدلالات السمعية لأبي الحسن التلمساني/ 808، وتوجد قطعتان مخطوطتان من تأليفه في حديث الزهري، فلعلهما منها/ انظر تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين 1/ 261 ط جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية، وقد قال يحيى بن معين: إن الذُّهلي كفانا جمع حديث الزهري، وقال الدارقطني: من أحب أن يعرف قصور علمه عن علم السلف فلينظر في علل حديث الزهري لمحمد بن يحيى/ تهذيب الكمال 3/ 1286، 1287 وتهذيب التهذيب 9/ 512 - 515، فلعل هذا هو السبب في مواجهة أبي حاتم عند نفيه للسماع؛ بأن الذُّهلي يقول بإثباته. يعني وهو مشهودٌ له بالعناية بحديث الزهري، والتأليف فيه والخبرة بعلله؛ لكن أبا حاتم أجاب بدوره عن قول الذُّهلي بناء على خبرة به، حيث تتلمذ له، وكتب عنه الحديث، ووَّثقه/ الجرح والتعديل 8/ 125 وتهذيب التهذيب 9/ 512 - 515، وقد قرر عنه في تلك المسألة: أنه كان بَابُه السلامة، وقد قدمت في التعليق على سماع الزهري من ابن عمر أن الذُّهلي أقر اتصال روايته المعنعنة عن ابن عمر بناء على تعاصرهما، وإمكان لقائهما، كما هو قول الإِمام مسلم ومن وافقه، فلعل هذا هو مقصود أبي حاتم بقوله: إن محمد بن يحيى كان بابُه السلَامة، أي أنه يحمل رواية الزهري عمن أدركهم، وأمكن لقاؤه بهم، على الاتصال والسماع، ويشير إلى حمل العبارة على هذا المعنى قول الحافظ ابن حجر في تقويم الآراء في السند المعنعن: ومن اكتفى بالمعاصرة سهَّل/ تدريب الراوي 1/ 216. وقد ردَّ أبو حاتم أيضًا التلازم بين المعاصرة والسماع فقال: الزهري لم يسمع من أبان بن عثمان شيئًا، لا أنه لم يدركه، قد أدركه وأدرك من هو أكبر منه؛ ولكن لا يثبُت له السماع منه، كما أن حبيب بن أبي ثابت لا يثبت له السماع من عروة بن الزبير، وهو قد سمع ممن هو أكبر منه، غير أن أهل الحديث قد اتفقوا على ذلك (أي على عدم ثبوت سماع حبيب من عروة مع إدراكه له) قال أبو حاتم: واتفاق أهل الحديث على شيء يكون حجة/ المراسيل/ 192، 28 وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 368، 372، وجامع التحصيل/ 331 وتحفة التحصيل/ 184 أ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لكن هناك نقطة أخرى واجهت أبا حاتم، وهي وجود حديث صرح فيه الزهري بتحديث أبان له، وهو حديث طلاق السكران، الآتي تخريجه، وقد أجاب أبو حاتم عنه بأنه لا يصح، كما ذَكرَ المؤلف لا الأصل، وانظر الجرح والتعديل 8/ 71. غير أن أبا حاتم لم يوضح سبب عدم صحة الحديث حتى يمكن النظر فيه، وقد ذكر غيره بعض الأسباب ولكن الراجح ردُّها، كما سيأتي قريبًا. وكما شارك أبا حاتم في قوله غيرُ واحد، فإن الذُّهلي أيضًا قد شاركه غيرُ واحد في إثبات سماع الزهري من أبان، وتصحيح حديث طلاق السكران. ومن هؤلاء أبو زرعة الدمشقي، وشيخه عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدُحَيم، فقد قال أبو زرعة: وأنكر بعض أهل العلم أن يكون ابن شهاب سمع من أبان بن عثمان بن عفان، فذكرت ذلك لعبد الرحمن بن إبراهيم، فلم ينكر لقاءه/ تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 508. وسأله أيضًا أبو زرعة: أتستوحش سماع الزهري من أبان؟ قال: لا/ المصدر السابق 1/ 510، وذكر دُحَيم لأبي زرعة دليلَه على اللقاء، والسماع: أن الزهري كان مرة بصحبة عمر بن عبد العزيز بالمدينة المنورة، في حين كان أبان بن عثمان واليًا عليها، فاجتمع ثلاثتهم في مجلس عُرِض فيه على عمر بن عبد العزيز الفصل في طلاق رجل سكران، قال دُحَيم لأبي زرعة: فحدثني آدم -يعني ابن أبي إياس- قال: حدثنا ابن ذِئْب عن الزهري قال: قال رجل لعمر بن عبد العزيز: طلقتُ امرأتي وأنا سكران، قال الزهري: فكان رأى عمر بن عبد العزيز مع رأينا أن يجلده، ويفرق بينه وبين امرأته، حتى حدثه أبان بن عثمان بن عفان (أن عثمان -رضي الله عنه- قال): ليس على المجنون ولا السكران طلاق، فقال عمر: تأمروني، وهذا يحدثني عن عثمان بن عفان؟ فَجلَده، وردَّ إليه امرأته/ تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 509، فقول الزهري: "فكان رأي عمر مع رأينا ... حتى حدثه أبان"، يفيد أنه كان حاضرًا مع عمر آنذاك، وسمع تحديث أبان له بهذا الحديث؛ ولهذا فإن أبا زرعة الدمشقي ساق الحديث المذكور =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثم قال: فهذه مشاهدة وسماع صحيح، وأضاف تأييد ذلك بالمعاصرة فقال: ثم نظرنا فوجدنا أمثال ابن شهاب قد سمع من أبان بن عثمان، وسمع منه من هو دونه في السن/ تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 509. ثم إنه جاء في رواية ابن أبي شيبة تصريح الزهري بتحديث أبان له بهذا الحديث، حيث قال ابن أبي شيبة: نا وكيع عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان بن عثمان، عن عثمان، (أنه): كان لا يجيز طلاق السكران والمجنون، قال: وكان عمر بن عبد العزيز يجيز طلاقه، ويُوجِع ظَهره، حتى حدثنا أبان بذلك/ مصنف ابن أبي شيبة -كتاب الطلاق- باب من كان لا يرى طلاق السكران جائزًا 5/ 39، فقول الزهري: "حتى حدثنا أبان بذلك" يفيد أنه كان أحد السامعين لتحديث أبان بهذا الحديث. وبهذا ينتفي القول بعدم سماع الزهري شيئًا من أبان. كما يَثْبُت اتصال سند هذا الحديث بينهما. ورجال إسناد الحديث المتقدم ذكرهم في رواية أبي زرعة الدمشقي، ورواية ابن أبي شيبة وهم: آدم بن أبي إياس ووكيع (بن الجرَّاح) كلاهما عن (محمد بن عبد الرحمن) بن أبي ذئب، عن الزهري عن أبان بن عثمان بن عفان، وهؤلاء جميعهم ثقات/ انظر تهذيب الكمال 3/ 1463، 1464 وتقريب التهذيب 2/ 184 ترجمة 462، 207 ترجمة 702، 1/ 31 ترجمة 163، 1/ 30 ترجمة 153. ونَعم تكلم العلماء في رواية ابن أبي ذئب عن الزهري خاصة، بين مضعِّف، ومُوثِّق/ انظر شرح علل الترمذي لابن رجب 2/ 481، 482، 484، 485، 664، 665 وتاريخ عثمان الدَارِمي عن ابن معين/ 48، وهدى الساري لابن حجر/ 440، 463، وقد فسر بعضهم جهة تضعيف روايته عن الزهري بالاضطراب، وفسرها بعضهم بعدم السماع من الزهري بعد جَفْوةٍ حصلت بينهما، فتلقي عنه ابن أبي ذئب بعد ذلك عدة أحاديث فقط مُناولةً أو مُكاتبة/ تاريخ ابن معين برواية الدوري 2/ 525، ومال إلى ذلك الحافظ ابن حجر/ هدى الساري/ 440 وتهذيب التهذيب 9/ 305، وعليه تكون روايته عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الزهري مقبولة، وقد قال أبو زرعة الدمشقي: قُلت لعبد الرحمن بن إبراهيم (دُحَيم): أَتَسْتَوْحِشُ من حديث ابن أبي ذئب، وسماع الزهري من أبان بن عثمان؟ قال: لا/ تاريخ دمشق أبي زرعة الدمشقي 1/ 510. ومن جهة أخرى نجد الإِمام أحمد يقول: إن أبان بن عثمان لم يسمع من أبيه شيئًا/ المراسيل لابن أبي حاتم 16 وتهذيب التهذيب 1/ 97؛ لكن الصواب سماعه منه كما جاء في صحيح مسلم - كتاب النكاح - باب تحريم نكاح المُحْرِم 2/ 1031 ح 45 وكتاب الحج باب جواز مداواة المُحْرِم عينَه 2/ 863 ح 90، وسنن أبي داود - كتاب الحج - باب المُحرِم يتزوج 2/ 420 ح 1841، وبهذا رد الحافظ ابن حجر قولَ الإِمام أحمد بعدم السماع/ تهذيب التهذيب 1/ 97، بل إن الإِمام أحمد نفسه روى حديث طلاق السكران من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري عن أبان عن عثمان، به. ثم قال: وهو أرفع شيء فيه - يعني في طلاق السكران/ مسائل الإِمام أحمد - رواية ابنه عبد الله/ 361. وبهذا كله يتضح لنا أن سند الحديث منفصل برواية الثقات بعضهم عن بعض، وقال عنه العيني: إنه سند صحيح/ عمدة القاري 20/ 252. وقد ذكر البخاري في صحيحه الحديث معلقًا بصيغة الجزم، حيث قال: وقال عثمان: ليس لمجنون ولا لسكران طلاق/ كتاب الطلاق - باب الطلاق في الإغلاق والمكره والسكران ... إلخ/ البخاري مع الفتح 9/ 388، والتعليق المجزوم يفيد صحة إسناده إلى من عُلِّق عنه وهو عثمان -رضي الله عنه-/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 52، 53. ومشى الألباني على صحته/ إرواء الغليل 7/ 112. وأخرجه ابن حزم في المحلَّي من طريق ابن أبي شيبة، واحتج به/ المحلَّي - كتاب الطلاق 11/ 537، 538. وأخرجه أيضًا البيهقي في السنن مطولًا وفي آخره زيادة، وذلك من طريق شبابة نا ابن أبي ذئب عن الزهري ... به - كتاب الطلاق - باب من قال لا يجوز طلاق =

روى عنه:- عِرَاك (¬1) بن مالك وأخوه (¬2) عبد الله بن مُسلم، وبُكير (¬3) بن الأَشَج، ومنصور بن المُعتمِر، وعمرو بن شُعيب، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وصالح بن كيسان، وسليمان بن موسى، ومالك بن أنس، وسفيانُ بن عُيينة (¬4) ومَعْمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعُقَيل (¬5) والأوزاعي، والزُّبَيدِي (¬6). ¬

_ = السكران ولا عِتْقُه 7/ 359. وعزاه السيوطي أيضًا إلى مُسدَّد في مسنده/ الجامع الكبير للسيوطي 2/ 13 مسند عثمان -رضي الله عنه-. وعلى هذا تكون النتيجة ردَّ قول أبي حاتم الرازي ومن وافقه بعدم سماع الزهري شيئًا من أبان، ورد القول بعدم صحة حديث الزهري عن أبان عن عثمان في طلاق السكران، وترجيح ثبوت سماع الزهري للحديث المذكور من أبان، وثبوت صحته أيضًا بهذا الإسناد. والله أعلم. (¬1) بكسر أوله وتخفيف الراء، وفي آخره كاف/ تقريب التهذيب 2/ 17 والمُغنِي للفتَّني/ 172. (¬2) يعني أخا الزهري. (¬3) بضم أوله وفتح ثانيه، مصغر/ التقريب 1/ 107. (¬4) ويشتبه بسفيان آخر يروي عن الزهري، وهو مُضَعَّف في حديثه عنه، وهو سفيان بن حسين أبو محمد/ تهذيب الكمال 1/ 510، ويحصل هذا الاشتباه عندما يَرِدُ في الإسناد كل منهما باسمه فقط، ولذا عَني الترمذي في مثل هذه الحالة بالتنبيه على المراد منهما/ انظر جامع الترمذي - أبواب الجنائز - باب المشي أمام الجنازة 2/ 238. (¬5) بالتصغير، وهو ابن خالد بن عَقِيل - بفتح أوله/ التقريب 2/ 29 والمغني للفتَّني/ 176، 177. (¬6) بالزاي والموحدة، مصغرًا، وهو محمد بن الوليد بن عامر/ التقريب 2/ 215. =

روى عبد الرازق عن مَعْمَر قال: قال عمر بن عبد العزيز، لجلسائه: هل تأتون ابن شهاب؟ قالوا: إنا لنَفْعَل. قال: فَأْتُوه، فإنه لم يبق أحدٌ أعلمُ بِسُنَّة ماضية منه. قال مَعْمر: وإنَّ الحسنَ وأَضْرابَه (¬1) لأحْياء يومئذ (¬2). ¬

_ = هذا ولم يستوعب المؤلف كل من رووا عن الزهري، ولكن هؤلاء من ذكرهم أبو حاتم، ونقلهم عنه بهذا السياق وَلدُه في الجرح والتعديل، له 8/ 71، 72، ونقله عنه ابن عساكر نَصًا/ ترجمة الزهري 43، ومن أراد المزيد مِنْ تلاميذ الزهري وشُيوخه فعليه بترجمته لابن عساكر/ 6 وما بعدها، وتهذيب الكمال 3/ 1269، 1270 وحلية الأولياء 3/ 372، 373، وسير النبلاء 5/ 327، 328، ثم إن العلماء اختلفوا في أثبت وأوثق من روى عن الزهري، ممن ذكرهم المؤلف وغيرهم، كما ضعَّف بعضُ العلماء أيضًا بعض الرواة عنه في روايتهم عنه خاصة، مثلما أسلفت في رواية ابن أبي ذئب عنه، وثمرة هذا الخلاف هي تقوية بعض الروايات عنه دون بعض، وترجيح بعض الروايات عند التعارض على بعض. وقد فصل القول عن كثير من الرواة عن الزهري وعرض أقوال العلماء في درجات رواياتهم عنه الحافظ ابن رجب في شرحه لعلل الترمذي بحيث يجب الرجوع إلى ما ذكره لمعرفة حكم رواية هؤلاء التلاميذ عنه قبولًا وردًا/ انظر شرح العلل الجزء 2/ 478 - 486، 664، 665، 750. (¬1) بالجرح والتعديل "ضُرَبَاءَه" 8/ 72 وكذا في ترجمة الزهري/ 111 وأخرج ابن عساكر من طريق آخر عن معمر بلفظ "نظراؤه"/ الموضع السابق وكذا الفَسَوِي/ المعرفة والتاريخ 1/ 696. (¬2) انظر الجرح والتعديل/ الموضع السابق، وترجمة الزهري/ 110، 111 وتهذيب التهذيب 9/ 449، وأخرج ابن عساكر العبارة بنحوها من طريقين آخرين: إحداهما: عن عبد الرزاق عن مَعْمَر عن رجل من قريش قال: قال لنا عمر بن عبد العزيز: فَذَكَره، إلى قوله: "بسُنَّةٍ ماضية". وثانيتهما: عن عبد الرزاق عن معمر قال: أخبرني رجل أنهم كانوا عند عمر بن =

وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال عنه مَرة: ما رأيت أحدًا أحسنُ سَوْقًا للحديث منه (¬1). وعن عبد الرحمن بن مهدي: سمعت مالك بن أنس يقول: حدَّثَ الزهري يومًا بحديث (¬2) فلما قام، قمتُ فأخَذْتُ بعِنان دَابَّته، فاستفهمتُه، قال: تستفهمني؟! ما استفهمت عالمًا قط (¬3) ولا رَددْتُ شيئًا على عالم قط. قال: فَجعل عبد الرحمن بن مهدي يعجب، فيقُول (¬4): فَذِيك الطِّوال (¬5) ¬

_ = عبد العزيز ... فذكر العبارة بتمامها، وفيها: "نظراؤه" بدل "أضرابه"/ ترجمة الزهري من ابن عساكر 111. وبمثله أخرجه الفَسَوى من طريق عبد الرازق عن معمر عم رجل من قريش/ المعرفة والتاريخ 1/ 638. (¬1) في الجرح والتعديل: "ما رأيت أحد أحسن سَوقًا للحديث -إذا حدث- من الزهري" 8/ 72. ومن طريق ابن أبي حاتم أخرجه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 94، وأخرجه بهذا اللفظ أيضًا ابن عَدِي من طريق آخر/ الكامل 1/ 70، ومن طريق ابن عَدِي أخرجه ابن عساكر كذلك/ ترجمة الزهري 94. (¬2) زاد أحمد في روايته عن ابن مَهدي عبارة "فيه طول"/ ترجمة الزهري/ 77 وفي رواية علي عن ابن مهدي "بحديث طويل، فلم أحفظه". المصدر السابق/ 78، وعليهما يتجه تعجب ابن مهدي في آخر الرواية. (¬3) كلمتا "قط" و"يقول" ليستا في الجرح والتعديل 8/ 72 ولكنهما في بعض المصادر التي نقلت عنه مثل ترجمة الزهري لابن عساكر/ 76 وسير النبلاء 5/ 333 وتهذيب الكمال 3/ 1270. (¬4) كلمتا "قط" و"يقول" ليستا في الجرح والتعديل 8/ 72 ولكنهما في بعض المصادر التي نقلت عنه مثل ترجمة الزهري لابن عساكر/ 76 وسير النبلاء 5/ 333 وتهذيب الكمال 3/ 1270. (¬5) بكسر الطاء المهملة -جمع طويل/ مختار الصحاح- مادة "طول"/ 401 والمراد: الأحاديث التي طال متنُها، وللإمام الطبراني فيها تصنيف جمع فيه =

وتِلْك المغازي (¬1)! وقال ابن أبي حاتم: حدَّثنا أحمد بن عبد الرحمن ¬

_ = 62 حديثًا، وطبع في آخر المجلد الأخير من معجم الطبراني الكبير بعنوان: "الأحاديث الطوال"، بتحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، ويقع الكتاب في 131 صفحة، وألف الشيخ مجد الدين ابن الأثير في شرح الغريب من طوال الأحاديث كتاب "منال الطالب في شرح طوال الغرائب" وهو مطبوع لمركز البحث العلمي التابع لجامعة أم القرى، بتحقيق الصديق العالم الدكتور محمود الطناحي، وفقه الله، ويقع الكتاب في مجلد كبير، ومن مصادره كتاب الطبراني السابق/ انظر مقدمة المحقق/ ص 17 وحديث قس بن ساعدة مع تخريج المحقق له/ ص 12 أصل وهامش ط أولى. (¬1) رواية ابن مهدي هذه أخرجها بطولها ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 72، ومن طريقه أخرجها ابن عساكر في ترجمة الزهري/ 76، 77، وقد رويت قصة سؤال مالك للزهري من طرق أخرى عن ابن مهدي عنه، وعن آخرين غير ابن مهدي عن مالك، وجُلُّها متفقه على أن المسؤول عنه حديث واحد طويل، سمعه مالك من الزهري في مجلس التحديث، ثم شك في حفظه له، فطلب من الزهري أن يعيده عليه ليتثبت من حفظه له، فرفَضَ الزهري، كما في الرواية المذكورة في الأصل/ انظر المعرفة والتاريخ الفَسَوِي 1/ 621، 622 وترجمة الزهري/ 77 - 83 وسير النبلاء 5/ 333، والتاريخ الكبير للبخاري 1/ 221 وفي رواية للزبير بن بكَّار بسنده، عن مالك/ قال: حدَّثنا ابن شهاب أربعين حديثًا فتوهَّمتُ في حديث منها، فانتظرته حتى خرج، ثم سألته -وأَخذْتُ بلجام بغلته- عن الحديث الذي شككتُ فيه، فقال: أوَ لَمْ أحدثْكَهُ؟ قلت: بلى، ولكني تَوهَّمْتُ فيه، فقال: لقد فسَدَت الرواية، خلِّ لجامَ البغلة-، فَخلَّيتُه ومضى/ التمهيد 6/ 157 وترجمة الزهري/ 83. ولكن جاء في رواية لابن عساكر بسنده عن أبي زرعة (الدمشقي) بسنده عن مالك أنه سأل الزهري مرتين عن حديثين، وأن واحدًا منهما كان الزهري حدَّث به مُختصرًا، وطلب مالك منه إعادة الحديثين فرفض/ انظر ترجمة الزهري/ 79، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فلعل القصة تعددت. وقول ابن مهدي في الرواية المذكورة في الأصل: "وتلك المغازي" إشارة إلى ما حدَّث به الزهري من مغازي الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وفيها روايات مطولة كثيرة، فتعجب ابن مهدي من حفظ الزهري لها عن شيوخه من أول مرة يسمعها منهم، وعدم حاجته لطلب إعادتها من أحد منهم، لأن هذا يدل على قوة حافظته بدرجة عجيبة، ويمكن تصور ذلك بمراجعة ما أودعه عبد الرازق منها، في مصنفه من طريق شيخه معمر عن الزهري/ المصنف لعبد الرازق - كتاب المغازي 5/ 313 - 492، وقد حققها الدكتور سهيل زكار في طبعة مستقلة تبلغ 142 صفحة، عَدا المقدمة والفهارس وتاريخ الطبع سنة 1401 هـ بدار الفكر بدمشق. لكن محمد بن عكرمة -قرين الزهري في طلب الحديث- ذكر أن الزهري كان يحضر معهم مجلس الأعرج لسماع الحديث، فربما كان الحديث فيه طول فيأخذ الزهري ورقةً من ورق الأعرج -وكان الأعرج يعمل بكتابة المصاحف- ثم يكتب ذلك الحديث في تلك القطعة ثم يقرؤه ثم يمحوه مكانه، وربما قام بها معه فيقرؤها ثم يمحوها، وفي رواية أنه كان يكتب ثم يتَحفَّظ، فإذا حفظ الحديث مزق الرقعة/ انظر ترجمة الزهري 60 - 62 والتاريخ الكبير للبخاري 4/ 50 ترجمة 228 وخطأ البخاري في تاريخه/ 95 ترجمة 434. فهذا يفيد أن الزهري كان يستعين على حفظ الأحاديث الطِّوال بكتابتها عند السماع، ومراجعتها من المكتوب، إلى أن يحفظها تمامًا، بل قرر غير واحد من أقرانه في الطَّلَب أنه كان يطوف معهم على الشيوخ ومعه الألواحُ والصحف، فكانوا يضحكون من ذلك، وكان هو يكتب كل ما يسمع من شيوخه وبذلك أفلح/ ترجمة الزهري من ابن عساكر/ 58 - 60 وسير النبلاء 5/ 332. وبذلك لا يحتاج فعلًا لطلب الإعادة ممن سمع منه، وهذا يخالف حالة مالك في استعادته له، حيث لم يكن قد كتب عنه كما كان هو يكتب الطوال وغيرها عن =

- أخي ابن وهب (¬1) قال: أَنا ¬

_ = شيوخه حتى يحفظها، ولو أنه فعل مثل الزهري في الكتابة لما احتاج إلى استعادته الواردة في تلك القصة، وعليه فلا تقدحُ تلك القصة في ضبط مالك رحمه الله، كما قد يتبادر من ظاهرها، ثم إن ابن عساكر أخرج بسنده عن هشام بن عروة قال: ما حدث ابن شهاب عن أبِي بحديث فيه طول إلا زاد ونقَص/ ترجمة الزهري/ 157، فهذا يفيد أنه كان في رواية الأحاديث الطوال عن عروة لا يراعي اللفظ المسموع له منه، ولكن يَروِي بالمعنى، ولو كان يحفظ اللفظ لحدَّث به؛ لأنه الأصل، والأولى. (¬1) قوله: "أخي ابن وَهْب" يعود إلى "عبد الرحمن" أما أحمد فهو ابن أخي ابن وهب، انظر تهذيب التهذيب 1/ 54، وقد جاء في الجرح والتعديل "ابن أخي وهب" وهو خطأ والصواب "ابن أخي ابن وهب" انظر المصدر السابق. والرواية المذكورة في الأصل بنصها في الجرح والتعديل 8/ 272. وأخرجها الفَسَوي وأبو نعيم وابن عبد البر وابن عساكر، جميعهم من طريق عبد الله بن صالح عن الليث عن ابن شهاب بلفظ "ما استودعت قلبي شيئًا قط فنسيتُه"/ المعرفة والتاريخ 1/ 625 والحلية 3/ 363، 364 والتمهيد 6/ 111 وترجمة الزهري/ 106، 109. وكذا ذكرها ابن كثير/ البداية والنهاية 3/ 395 والذهبي في السير 5/ 332 وأخرجها البخاري من نفس الطريق بلفظ: ما استودعت حفظي شيئًا فخانني/ التاريخ الكبير 1/ 221 وستأتي في الأصل. وأخرجها الفَسَوِي أيضًا من طريق زيد بن بشر عن ابن وهب عن الليث عن الزهري، وابن عدي من طريق عبد الملك - بن شعيب عن الليث به. وابن عبد البر من طريق عبد العزيز بن عمران عن الزهري/ انظر المعرفة والتاريخ 1/ 635 والتمهيد 6/ 109، 110 والكامل 1/ 71 وأخرجها ابن عساكر أيضًا من طريق عبد العزيز بن عمران عن الزهري قال: والله ما استودعت قلبي حفظ شيء قط فنسيتُه، ولا خرج منه/ ترجمة الزهري/ 75؛ لكن هناك رواية أخرى عن الزهري تفيد أنه شك في حفظ حديث واحد، فأزال شكه بالمقارنة بحفظ =

عمِّي (¬1) أنا الليث بن سعد، قال: قال ابن شهاب: ما استودَعْتُ قلبي عِلْمًا نَسِيتُه. وقال ابن القاسم: سمعت مالكًا يقول: بقي ابن شهاب، وما له في الناس نظير (¬2). وروى إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين أنه قال: الزهري ويحيى بن سعيد، أثبت في القاسم بن محمد، من عبد الرحمن بن القاسم، ومن أفلح بن حميد (¬3). وكان يحيى بن سعيد القطان يقول: الزهري، حافظ، كان إذا سمع الشيء عَلِقَه (¬4). ¬

_ = صاحب له، ولفظ هذه الرواية عن الزهري قال: "ما استَعَدْتُ حديثًا قط، ولا شككت في حديث قط، إلا حديثًا واحدًا، فسألت صاحبي؛ فإذا هو كما حفظت، وفي رواية: فإذا هو ما حفظت/ التمييز لمسلم/ 177 وترجمة الزهري 84، 85 وشرح العلل لابن رجب 1/ 166 وتذكرة الحفاظ 1/ 111. (¬1) يعني عبد الله بن وهب/ انظر تهذيب التهذيب 1/ 54. (¬2) أخرجه ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 72، ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري 123. (¬3) أخرجه ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 73، ومن طريقة ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 102. (¬4) بفتح أوله وكسر ثانيه، وكل شيء وَقع مَوقِعَهُ فقد عَلِق مَعالِقة/ النهاية 3/ 289 مادة "عَلِق"، فالمعنى أنه ذو حافظة قوية يستقر فيها ما يسمعه، استقرار الشيء في موضعه الأمثل، فيتمكن منه/ انظر شرح العلل لابن رجب 1/ 28 والرواية المذكورة أخرجها ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 73 من طريق أحمد بن سنان عن يحيى بن سعيد القطان، وأخرجها من نفس الطريق بلفظ آخر، =

وعن مكحول: ما بقى على ظهرها أعلم بِسُنَّة ماضية من ابن شهاب الزهري (¬1). وذكر سعيد بن بَشِير عن قتادة: ما بقي على ظهر الأرض إلا اثنان: الزهري، وآخر، فظننا أنه يعني نفسه (¬2). ¬

_ = استَدَل فيه بحفظ الزهري على ضعف مراسيله، فقال ابن سنان في تلك الرواية: كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسال الزهري وقتادة شيئًا، ويقول: هؤلاء قوم حفاظ كانوا إذا سمعوا الشيء عَلِقُوه/ الجرح والتعديل 1/ 346، والمراسيل لابن أبي حاتم/ 3 وجامع التحصيل/ 33 وشرح العلل لابن رجب 1/ 282. ووجه الدلالة: أن الزهري ما دام مشهودًا له بقوة الحفظ، فعدم ذكره لمن يَتَحمل عنه، ليس من باب السهو أو النسيان والغفلة، وإنما ذلك عن قصد منه؛ لأنه يرى ضعف الراوي، أو صغره بالنسبة له، فينزل بسببه إسناده/ انظر شرح العلل 1/ 284، ويؤيد ذلك ما جاء عن يحيى نفسه من طريق آخر، قال: مرسل الزهري شر من مرسل غيره؛ لأنه حافظ، وكُلَّمَا يقدر أن يُسمِّي سمَّى، وإنما يترك من لا يستجيز أو يستحي أن يُسميه/ ترجمة الزهري/ 157، 158 وتذكرة الحفاظ 1/ 111 وسير النبلاء 5/ 338 وشرح العلل لابن رجب 1/ 284. (¬1) الجرح والتعديل 8/ 73 والمعرفة والتاريخ 1/ 641، 642 والتمهيد لابن عبد البر 6/ 104 وترجمة الزهري/ 114، 119 - 121 وسير النبلاء 5/ 336 وتهذيب التهذيب 9/ 449، وفي رواية عنه قال: ابن شهاب أعلم الناس/ التمهيد 6/ 103. (¬2) أخرجه الفَسَوِي/ المعرفة والتاريخ 1/ 640 وابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 73، والتمهيد 6/ 104، 155 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 113، 114 وسير النبلاء 5/ 336 وأخرج أبو زرعة الدمشقي ومن طريقه ابن عساكر، رواية سعيد بن بَشِير عن قتادة بلفظ مقارب للفظ رواية مكحول المذكورة في الأصل/ ترجمة الزهري/ 113. =

وقال أحمد بن حنبل: سمعت عبد الرحمن بن مهدي عن وُهَيْب قال: سمعت أيوب يقول: ما رأيت أعلم من الزهري، فقال له صخر بن جُوَيْرِيَة: ولا الحسن؟! قال: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري (¬1). وقال سفيانُ بن عيينة: سمعت عَمرو بن دينار يقول: ما رأيت أحدًا أَنَصَّ (¬2) للحديث من الزهري، ولا رأيت أجود ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم من طريق اسماعيل بن أبي الحارث عن أحمد/ الجرح والتعديل 8/ 73 وأخرجه ابن عساكر من طريق العباس العنبري عن أحمد بن حنبل به/ ترجمة الزهري/ 115، وأخرجه ابن عبد البر من طريق أحمدَ بن زهير عن أحمد به/ التمهيد 6/ 106، 107، وأخرجه ابن عساكر من طريق أحمد أيضًا بلفظ "ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري" ومن طريق آخر بلفظ "ما رأيت أعلم من الزهري"/ انظر ترجمة الزهري/ 114، 115. وأخرجه الفَسَوِي والبخاري وابن سعد وابن عبد البر وابن عساكر، جميعهم من طريق عبد الرحمن بن مهدي حدثنا وُهَيْب به/ المعرفة والتاريخ 1/ 637 والتاريخ الكبير 1/ 220، 221 وطبقات ابن سعد/ الجزء المحقق/ 178 والتمهيد 6/ 106 وترجمة الزهري/ 116، ومثله في سير النبلاء 5/ 336 ونحوه في شرح العلل لابن رجب 1/ 166 وأخرجه ابن عساكر من طريق أبي داود، ومن طريق بهز بن أسد، كلاهما عن وُهَيْب، به/ ترجمة الزهري/ 116، 117. (¬2) أي أرفع له وأسند/ النهاية لابن الأثير 5/ 64، 65 مادة "نصص" وقد جاءت رواية أخرى تؤيد هذا، أخرجها ابن عساكر من طريق أبي سلمة التَّبُوذَكِي، نا ابن عيينة عن عمرو بن دينار قال: جالست جابر بن عبد الله وابن عمر وابن عباس وابن الزبير فلم أر أحدًا أسند للحديث من الزهري/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 98.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والنَّص في الأصل: أقصى الشيء وغايته، ونَصَّ الحديثَ إلى فلان، رَفعه إليه، وقال مسكين الدرامي: ومن المجاز: نَصُّ الحديث إلى صاحبه، قال: ونُصَّ الحديث إلى أهله ... فإن الوثيقة في نَصِّه. انظر النهاية لابن الأثير 5/ 64، 65 مادة نصص" ومختار الصحاح للرازي، وأساس البلاغة/ نفس المادة". وقد جاءت هذه العبارة من طرق عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار، مع اختلاف، فأخرجها باللفظ الوارد في الأصل ابن أبي حاتم من طريق ابن الطباع عن سفيان، به/ الجرح والتعديل 8/ 73، وكذا أخرجها ابن عدي وابن عساكر من طريق سعيد بن عبد الرحمن المخزومي عن سفيان به/ الكامل 1/ 71، وترجمة الزهري لابن عساكر/ 96. وأخرجها أيضًا ابن عبد البر وابن عساكر من طريق الحُمَيدي عن سفيان به/ التمهيد 6/ 111 وترجمة الزهري/ 96 وكذا في السير للذهبي 5/ 334 من طريق سفيان. وكذا أخرجها ابن عساكر من طريق الزبير بن بكار عن سفيان، به/ ترجمة الزهري 97، 98. لكن أخرجها الفَسَوِي من طريق الحميدي عن سفيان، به بلفظ "أبصرَ بالحديث"/ المعرفة والتاريخ 1/ 634 أصل وهامش، وكذا أخرجها ابن عساكر من طريق إبراهيم بن نصر عن سفيان، به/ ترجمة الزهري/ 95، وأخرجها ابن سعد عن سفيان، به بلفظ "أبصر بحديث" الطبقات الجزء المحقق/ 174. وأوردها ابن رجب عن أحمد بن حنبل أنه قيل لسفيان: قال عمرو بن دينار: ما رأيتَ أحدًا أبصر بالحديث من الزهري؟ قال: نعم/ شرح العلل 1/ 166. وأخرجها ابن عساكر من طريق محمد بن اسحق المُسَيّبِي، نا سفيان بن عيينة، به بلفظ "آمنَ في الحديث". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد عقب ابن عساكر على ذلك بأن كلتا الروايتين تصحيف، والصواب "أنص" / ترجمة الزهري/ 95. وقد أخرج ابن عبد البر أيضًا رواية التَّبوذَكي السابقة من نفس المصدر الذي أخرجها ابن عساكر منه ولكن بلفظ "أنسق للحديث" بدل "أسند للحديث"/ التمهيد 6/ 103، وكذا أوردها ابن رجب من نفس الطريق/ شرح العلل 1/ 166، وسيأتي ذكر المؤلف لها في الأصل ص 533 فلعله تصحيف أيضًا، ولعله تعدد قوله، فمرة قصد السند، ومرة قصد المتن بقوله: "أنسق للحديث" أي أكثر تحريًا وحُسْنَ قراءة لسياقته المأخوذة عن شيوخه، وقد جمع له الأمرين الإمام أحمد فقال: الزهري أحسن الناس حديثًا، وأجود الناس إسنادًا/ السير 5/ 335. وبناء على رواية "أنص" من أن معنى العبارة: أن عمرو بن دينار ما رأى أرفع ولا أسند للحديث من الزهري، يكون هذا مخالفًا لما قدمته في التعليقات السابقة ص 477 ت، 478 ت من أن الزهري وُصِف بالتدليس وكثرة الإرسال للحديث/ وانظر جامع التحصيل/ 101، 331، وقال الآجري: عن أبي داود: جميع حديث الزهري كله ألفا حديث ومائتا حديث، النصف منها مسند، وقدر مائتين عن غير الثقات/ تهذيب الكمال 3/ 1270 وتهذيب التهذيب 9/ 447 / وسير النبلاء 5/ 328، وقد تكلم العلماء في مراسيل الزهري، فبعضهم صححها وأكثرهم على تضعيفها/ انظر ترجمة الزهري/ 157 - 160، وجامع التحصيل/ 101، 102 وشرح العلل لابن رجب 1/ 282، 284 والتمهيد 6/ 112. وما روى عن أحمد بن صالح المصري أنه أنكَر على يحيى بن سعيد تضعيف مرسل الزهري، تعقبه ابن رجب بأنه مروى من وجه لا يَثْبُت/ شرح العلل 1/ 284. وقال الذهبي: مراسيل الزهري كالمُعضَل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي =

منه (¬1)، ما كانت الدنانيرُ والدراهم (¬2) عنده إلا بمنزلة البَعْر (¬3). وقال أيضًا -مرةً-: ما رأيت أحدًا أعلم من الزهري، ولقي (¬4) رجالًا. ¬

_ = لأوضحه، وَلمَا عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- ومَن عَدَّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسَيَّب، وعروة بن الزبير ونحوهما فإنه لم يَدْر ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه/ سير النبلاء 5/ 339. أقول: وقد قال يحيى بن سعيد عن إرسال الزهري وقتادة: هو بمنزلة الريح/ شرح العلل لابن رجب 1/ 282 والجرح والتعديل 1/ 246. وقد جاءت رواية عن عمرو بلفظ "ما رأيت شيخًا أنَصّ للحديث الجيد من هذا الشيخ" - يعني الزهري/ ترجمة الزهري/ 97، فيمكن حمل الرواية المطلقة على هذه المقيدة، دفعًا للمخالفة، ومطابقة لحال الزهري من الإرسال تارة والإسناد أخرى. (¬1) التمهيد 6/ 111. (¬2) تعددت ألفاظ الروايات عن عمرو بن دينار في هذا، ففي رواية قال ابن دينار: ما رأيت أحدًا أهون عليه الدنيا منه، وما كانت الدنيا بين عينيه إلا بمنزلة البَعْر/ ترجمة الزهري/ 95. وفي رواية أخرى: وما رأيت أحدًا الدينار والدرهم أهون عليه من ابن شهاب، وما كانت الدنانير والدراهم عنده إلا بمنزلة البَعْر/ ترجمة الزهري/ 95. وبقية الروايات بنحو هذا/ انظر ترجمة الزهري/ 95 - 98، والمعرفة والتاريخ 1/ 634 وتهذيب الكمال 3/ 1270 وسير النبلاء 5/ 334 وحلية الأولياء 3/ 371. (¬3) التمهيد 6/ 111. (¬4) بالأصل "وأنقى" وما أثبته هو الواقع في الرواية عند ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 8/ 74 وكذا في رواية ابن عساكر من طريقه/ ترجمة الزهري/ 112.

وعن سفيان: لم يكن أحد (¬1) أعلم بِسُنَّة منه - يعني الزهري، وحكى سفيان: قال لي أبو بكر الهُذَلي: لقد جالسنا الحسن وابن سيرين، فما رأينا أحدًا أعلم منه - يعني الزهري (¬2) / وقال علي بن المديني: لم يكن بالمدينة -بعد كبار التابعين- أعلمُ من ابن شهاب، ويحيى بن سعيد، وأبي الزناد وبُكَيْر بن عبد الله بن الأشَج (¬3). وروى خالد عن سفيان قال: كان الزهري أعلم أهل المدينة (¬4) وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: قلت لإِبراهيم بن موسى: ابن شهاب الزهري، عندك فقيه؟ فقال: نعم فقيه، وجَعل يُفَخِّمُ أَمْرَه (¬5) [و] (¬6) وسمعت أبي يقول: الزهري أَحب إليَّ من ¬

_ (¬1) في الجرح والتعديل زيادة "في الناس"/الجرح والتعديل 8/ 74 ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 130 وفي رواية لابن عساكر: "لم يكن في الناس أحدٌ أعلم بالسنة من الزهري"/ ترجمة الزهري/ 117 وأخرجه ابن عبد البر بنحوه/ التمهيد 6/ 106. (¬2) الجرح والتعديل 8/ 74 والمعرفة والتاريخ 1/ 621 والطبقات الكبرى لابن سعد/ القسم المحقق/ 167 والتمهيد 6/ 155 وترجمة الزهري لابن عساكر/ 118 وسير النبلاء 5/ 536 وتهذيب الكمال 3/ 1271. (¬3) الجرح والتعديل 8/ 74 ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 134. (¬4) الجرح والتعديل 8/ 74 ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 130 وسير النبلاء 5/ 334. (¬5) الجرح والتعديل 8/ 74 ومن طريقه ابن عساكر/ 134، 135. (¬6) ليست بالأصل، وأثبتها ليتصل الكلام.

الأعمش (¬1)، يحتج بحديثه وأثبت أصحاب أنس، الزهري (¬2). سئل أبو زرعة، عن الزهري، وعمرو بن دينار، فقال: الزهري أحفظ الرجُلَين (¬3). قال ابن الحذَّاء: وذكر ابن أخي الزهري عنه، أنه أخذ القرآن في ثمانين ليلة (¬4). وقال الزهري: ما استعدت حديثًا قط (¬5)، وما استودِعْت ¬

_ (¬1) كذا في الجرح والتعديل 8/ 74 وغيره من المصادر التي نقلَتْ عنه، كما ستأتي الإحالة عليها، ولكن أبا القاسم البلخي ذكر الرواية عن الرازي بلفظ "الزهري أحب إليَّ من الأعمش، وكلاهما يحتج بحديثه فيما لم يُدَلِّسا/ قبول الأخبار للبلخي/ ص 218. (¬2) الجرح والتعديل 8/ 74 ومن طريقه ابن عساكر/ 103 والفقرة الأخيرة في شرح العلل لابن رجب 1/ 167 وفي سير النبلاء للذهبي 5/ 335. (¬3) الجرح والتعديل 8/ 74 وفي طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 103. (¬4) أخرجه الفَسَوي بإسناده عن ابن أخي الزهري/ المعرفة والتاريخ 1/ 633 ومن طريقه أخرجه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 49، 55 ثم ذكر الذهبي عن نافع بن أبي نعيم أنه عرض القرآن على الزهري/ سير النبلاء 5/ 341. (¬5) أخرجه البخاري عن مالك عنه/ التاريخ الكبير 1/ 221، وأخرجه أبو زرعة الدمشقي بسنده عن مالك عنه، ومن طريقه ابن عبد البر وابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 79، والتمهيد 6/ 107 وتاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 410 وأخرجه ابن عساكر أيضًا من طريق آخر عن مالك، به/ ترجمة الزهري/ 81، ومن طريق آخر بلفظ: ما استعدت أحدًا قط حديثًا/ ترجمة الزهري/ 83، وأخرجه ابن سعد وأبو نعيم من طريق عبد الرحمن بن اسحق عن الزهري، به/ طبقات ابن سعد/ الجزء المحقق/ 166 والحلية 3/ 363 ومن طريق ابن سعد أخرجه =

حفظي شيئًا فخانني (¬1). وفيما ذكرناه -قبلُ- في ترجمة الزهري هذه: أنه رأى عبد الله بن عُمر (¬2)، قال ابن الحَذَّاء وروى عنه حديثين (¬3). ورَوَى عن عبد الله بن ثَعلبةَ (¬4)، مَسَحَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على رأسه. ¬

_ = ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 85 وأخرجها ابن عساكر عن مَعْمَر عن الزهري بلفظ "ما قُلتُ لأحد قط أَعِدْ عليَّ/ ترجمة الزهري/ 84 وكذا في السير 5/ 333، وقدَّمتُ في التعليق السابق ص 215 ت، 513 ت ما يمكن أن يعلل به عدم قول الزهري لأحد من شيوخه: أَعِدْ عليَّ. (¬1) أخرج البخاري هذا بسنده عن الليث عن الزهري بلفظه/ التاريخ الكبير 1/ 221 وأخرجه غيره من طريق الليث أيضًا وغيره، بألفاظ مقاربة كما تقدم في التعليق السابق ص 511، 512 ت وانظر المعرفة والتاريخ 1/ 625، 635 والجرح والتعديل 8/ 72 والتمهيد 6/ 109 - 111، وترجمة الزهري لابن عساكر/ 75، 106، 109 وحلية الأولياء 3/ 363، 364 والكامل لابن عدي 1/ 71 وتهذيب الكمال 3/ 1270 والبداية والنهاية 9/ 395 وسير النبلاء 5/ 332. (¬2) انظر ص. (¬3) تقدم تحقيق هذه المسألة بأوفى ما تيسر لي، واتضح أنه لم يلق ابن عمر ولم يسمع منه شيئًا/ انظر ص 479 ت وما بعدها. (¬4) هو عبد الله بن ثعلبة، ابنُ صُعَير العُذْري، تقدم التعريف به وبيان تلمذة الزهري له في تَعلُّم نسب قريش، وفي رواية الحديث ص 491 ت ورواية الزهري عنه حديثَ مَسْحِ النبي -صلى الله عليه وسلم- على رأسه، أشار إليها الزهري نفسه/ الطبقات الكبرى لابن سعد/ الجزء المحقق/ 158، وأشار إليها غيره/ انظر ترجمة الزهري/ 51. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد أخرجها البخاري - كتاب المغازي - باب منه رقم 53، مُعَلَّقًا مجزومًا به، فقال: وقال الليث: حدَّثني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير - وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- قد مسح وجهه عام الفتح/ البخاري مع الفتح 8/ 22 ح 4300. وقد جاء بلفظ "مَسْحِ الوجه زمن الفتح" في الزهريات للذُّهلى، وفي مسند الشاميين للطبراني، كما عزاه لهما الحافظ في الفتح - كتاب الدعوات - باب الدعاء للصبيان بالبَركة ومَسْحِ رؤوسِهم 11/ 152. وذكر الحافظ أيضًا أن البخاري وصل الحديث من الطريق المعلقة، وذلك في التاريخ الصغير له/ انظر الفتح 8/ 22، وسنده في التاريخ الصغير: حدثنا عبد الله حدثنا الليث، به، بلفظ: مَسَح وَجهَه عامَ الفتح/ التاريخ الصغير 1/ 224. كما ذكر أن البخاري وصله أيضًا من طريق آخر عن الزهري، به في كتاب الأدب المفرد له/ انظر هدى الساري/ الفصل الثالث/ 35 والفتح 8/ 22. وأخرجه البخاري موصولًا أيضًا في كتاب الدعوات/ باب الدعاء للصبيان بالبركة، ومَسْحِ رؤوسهم، ولفظه: "وكان الرسول -صلى الله عليه وسلم- مسح عَينيه"/ البخاري مع الفتح 11/ 151 ح 6356. وأخرجه أبو زرعة الدمشقي موصولًا أيضًا من طريق شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: أخبرني عبد الله بن ثعلبة بن صُعَير، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مَسح وجْهَه زمن الفتح/ تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 416. وأخرجه الإِمام أحمد في مسنده من طريق يونس عن الزهري، به، بلفظ "مسح وجهه"/ المسند 5/ 432 ومن طريق الزُّبيدي وشعيب عن الزهري، به، بلفظ "مسح وجهه زمن الفتح"/ المسند 5/ 432 ومن طريق عُقَيل عن الزهري، به بلفظ "مسح على وجهه"، وأدرك أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: كانوا ينهوني عن القُبْلَةِ تَخوفًا أن أتقرَّب لأكثر منها (الحديث) / المسند 5/ 432. =

ورَوى عن محمود بن الرَّبيع (¬1) الأنصاري: عَقَل (¬2) عن النبي ¬

_ = أما المسح على الرأس كما جاء في الأصل: فوجدته في طبقات ابن سعد/ الجزء المحقق 158 وفي ثقات ابن حِبَّان قال: مسح النبي -صلى الله عليه وسلم- رأسه ووجهَهُ يوم الفتح/ الثقات 3/ 246، وذُكِر في الإِصابة بلفظ "عام الفتح" بدل "يوم الفتح" 2/ 285 وفي عمدة القاري "مسح على رأسه ووجهه زمن الفتح" 17/ 288. وما ذكر من رواية الزهري عن عبد الله بن ثعلبة حديث "مَسْحِ النبِيّ -صلى الله عليه وسلم- على رأسه، لا يَعني عدم روايته عنه غير هذا الحديث، بل له عنه رواياتَ أخرى/ انظر تحفة الأشراف 2/ 126، 127 ح 2037، 4/ 297، 298 ح 5208 - 5211 ومسند الإِمام أحمد 5/ 431، 432. (¬1) بفتح الراء/ عمدة القاري 3/ 76، الأنصاري الخزرجي، كنيته على الراجح "أبو محمد" وهو من صغار الصحابة، حيث روى الطبراني عنه قوله: توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن خمس سنين، وهكذا قال الزهري نفسه الذي تتلمذ له، وتبعه الخطيب وغيره، وذكر أبو نعيم أنه توفي سنة 79 هـ وهو ابن 73 سنة، ولكن ذكر ابن حبان أنه توفي سنة 99 هـ وهو ابن 94 سنة، وهو الراجح، لموافقته ما في الصحيح - كما سيأتي أنه عَقَلَ مَجَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وهو غلام، وفي رواية: وهو ابن خمس سنين، وقوله هو والزهري -كما تقدم- إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- تُوفي وهو ابن خمس سنين، وعليه تكون مَجَّة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في وَجْهِه حصلت في آخر سَنةٍ من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وقد قال عنه ابن حبان: "أكثر ما يَرْوِي سمعه من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-". وقد كثرت الرواية عنه، ورواية الزهري عنه مُخَرِّجة في الصحيحين وغيرهما، كما سيأتي في تخريج حديث المَجَّة/ وانظر الثقات لابن حبان 3/ 397، 398 ومعرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 189 وترجمة الزهري/ 51 وفتح الباري 1/ 172، 173 والإِصابة 4/ 366 والكفاية للخطيب/ 106، 111 والاستيعاب 4/ 402. (¬2) بفتح العين والقاف، أي حفِظ وعَرف/ الفتح 1/ 172 وعمدة القاري 2/ 72 وستأتي رواية البغوي بلفظ "ما أَنس مَجَّةً".

-صلى الله عليه وسلم- مَجَّةً (¬1) مَجَّهَا من بئر في دارِهم، [في وَجْهِه] (¬2) ¬

_ (¬1) بفتح الميم وتشديد الجيم، من المَج، ومعناه هنا قَذفُ الماء، وإرسالُه من الفم مع نَفْخ، وقيل: لا يسمى مَجًا حتى يكون القذف من بُعْد، والتركيب يدل على رَمْي الشيء بسرعة، وقد فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- المَج لمحمود إمَّا مُداعبة معه، أو ليبارك عليه به، كما كان ذلك شأنه مع أولاد الصحابة، تأنيسًا لهم، وإكرامًا لآبائهم، ونقل النووي عن بعضهم أنه: لعل النبي -صلى الله عليه وسلم- أراد بذلك أن يحفظه محمود فينقله كما وقع، فتحصل له فضيلَةُ نَقْلِ هذا الحديث، وصحةُ صحبته/ انظر مشارق الأنوار للقاضي عياض 1/ 374 والنهاية 4/ 297 وشرح النووي على مسلم 3/ 346 مع القسطلاني، وفتح الباري 172/ 1 وعمدة القاري 2/ 72. (¬2) ليست بالأصل وأثبتُّها اعتمادًا على أكثر الروايات للحديث كما سيأتي تخريجه/ وانظر ترجمة الزهري/ 51، ولم أجد رواية للحديث باللفظ الذي في الأصل، فقد أخرجه البخاري في كتاب الأذان -باب من لم يَرُد السلام على الإِمام، من طريق الزهري أخبرني محمود بن الربيع- وزعم أنه عَقل رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- وعَقَل مجة مجها من دلو كان في دارهم/ البخاري مع الفتح 2/ 323 ح 839، وأخرجه في كتاب التهجد - باب صلاة النوافل جماعة، من طريق الزهري أخبرني محمود بن الرَّبِيع الأنصاري أنه عَقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وعَقَل مجة مجها في وجهه من بئر كانت في دارهم/ البخاري مع الفتح 3/ 61 ح 1186. وأخرجه في الدعوات - باب الدعاء للصبيان بالبركة ومَسْح رؤوسهم، من طريق الزهري، أخبرني محمود بن الربيع - وهو الذي مجَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وهو غلام من بئرهم/ البخاري مع الفتح 11/ 151 ح 6356. وأخرجه في كتاب الرقائق - باب العمل الذي يُبْتَغَى به وجهُ الله، من طريق الزهري أخبرني محمود بن الربيع - وزعم عمود أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: وعقل مَجَّة مجَّها من دلو كانت في دارهم/ البخاري مع الفتح 11/ 241 ح 6423. وأخرجه أيضًا مسلم - كتاب المساجد - باب الرخصة في التخلف عن الجماعة،=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من طريق الزهري عن محمود بن الربيع قال: إني لأعقل مجَّة مجَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من دلو في دارنا/ مسلم 1/ 456 ح 265. وأخرجه النسائي في السنن الكبرى - كتاب عمل اليوم والليلة - باب ما يقول عند الموت -من طريق الزهري أخبرني محمود بن الربيع- زعم أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعَقَل مَجَّة مجَّها من دلو كانت في دارهم/ عمل اليوم والليلة للنسائي/ 594، 595 ح 1108. وأخرجه أحمد في مسند محمود بن الربيع من طريق الزهري عن محمود بن الربيع -وقد كان عقل مَجَّة مجَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو من بئر لهم/ المسند 5/ 427 ومن طريق أحمد أخرجه أبو نعيم في المعرفة 2 / ل 189 ثم أخرجه أحمد أيضًا في مسند محمود بن لَبِيد، أو ابن ربيع، من طريق ألزهري حدثني محمود بن لَبيد أنه عقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعقل مجَّة مجَّها النبي -صلى الله عليه وسلم-، من دلو كان في دارهم/ المسند 5/ 429، ويبدو أن الصواب الأول؛ لأن ابن لَبِيد وإن كان من صغار الصحابة أيضًا على الراجح، وله رؤية فقط مثل ابن الربيع، إلا أَن ابن عبد البر ذكر أنه أَسَنُّ من ابن الربيع، وغيرُه من علماء الرجال ترجموا لِلرَّجُلَيْن، وذكروا حديث المجَّة لابن الربيع دون ابن لَبيد/ انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 189 والثقات لابن حبان 3/ 397 والاستيعاب 4/ 401، 402، 403 وتجريد الصحابة للذهبي 2/ 63 والإِصابة 4/ 366، 367. وأخرج البغوي الحديث -كما في الإِصابة- من طريق الأوزاعي عن الزهري عن محمود (بن الربيع) قال: ما أنسى مجَّة مجَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من بئر في دارنا، في وجْهي/ الإِصابة 4/ 366. وأخرجه البخاري كتاب العلم - باب متى يصح سماع الصغير، من طريق أبي مُسْهِر أبي مُسْهِر، حَدَّثني محمد بن حرب حدثني (محمد بن الوليد) الزُّبَيْدِي عن الزهري عن محمود بن الربيع قال: عَقلْت من النبي -صلى الله عليه وسلم- مَجَّة مجَّها في وجهي، وأنا ابن خمس سنين من دلو/ البخاري مع الفتح 1/ 172 ح 77. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومن طريق البخاري أخرجه عياض، وقال: وتابع أبا مسهر على قوله: خمس سنين، ابنُ مَصفى وغيره، وخالفهم غيرهم فقال: أربع/ الإِلماع - باب متى يُستَحب سماع الطالب والصغير/ 62، 63 قال الحافظ ابن حجر: ولم أقف على هذا -يَعني "أربع" بدل "خمس"- صريحًا في شيء من الروايات بعد التتبع التام، إلا إن كان ذلك مأخوذًا من قول صاحب الاستيعاب: إنه (أي محمود) عَقَل المجَّة وهو ابن أربع سنين أو خمس، ثم ذكر أن قول ابن عبد البر هذا لَعلَّ سبَبَه ما ذُكِر من الخلاف في سن محمود، بَين أربع وتسعين -كما تقدم عن ابن حبان- وبين ثلاث وتسعين، كما قال الواقدي، ثم قال: والأول أولى بالاعتماد لصحة إسناده، على أن قول الواقدي يمكن حملُه - على أنه ألْغَى الكسرِ، وجَبره غيره، والله أعلم/ الفتح 1/ 173. وأخرج أبو نعيم الحديث من طريق محمد بن مُصَفَّى، ثنا محمد بن حرب عن الزُّبَيْدِي عن الزهري عن محمود بن الربيع أنه عقل مَجَّة مجَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- من دلو معلق في دارهم وهو ابن خمس سنين/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 189. وأخرجه ابن عبد البر من رواية أبي مُسهِر وابن مُصَفى قالا: ثنا محمد بن حرب، به، بلفظ: وكان يزعم أنه أدرك النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس سنين، وزعم أنه عقل مَجَّة مجَّها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه من دلو معلق في بئرهم/ الاستيعاب 4/ 402. وأخرجه النسائي في كتاب العلم -باب متى يصحِ سماع الصغير، فقال: أخبرنا محمد بن مصفى، ثنا محمد بن حرب، به سندًا ومتنًا، إلا أن فيه "معلق في دارهم" بدل "معلق في بئرهم" سنن النسائي الكبرى/ ل 76 وانظر تحفة الأشراف 8/ 364. وأخرجه الخطيب والطبراني من طريق عبد الرحمن بن نَمر اليَحصُبي عن الزهري، به بلفظ مقارب وفي آخره، قال (الزهري): فتوفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو ابن خمس سنين. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فتح الباري 1/ 72 والكفاية للخطيب باب ما جاء في صحة سماع الصغير/ 111 وذكر الحافظ ابن حجر -وتبعه العَيني- أنه لم ير التقييد بالسن عند تحمل محمود لواقعة المَجَّة النبوية في فيه، لا في الجوامع ولا المسانيد، إلا من طريق الزُّبَيْدِي وابن نَمر كما تقدم/ انظر الفتح 1/ 172 وعمدة القاري 2/ 72، وهذا غير مُسَلَّم لهما، فقد أخرج البخاري الحديث كتاب الطهارة -باب استعمال فضل وضوء الناس- من طريق صالح (بن كيسان) عن ابن شهاب قال أخبرني محمود بن الربيع، قال: وهو الذي مَج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في وجهه وهو غلام من بئرهم/ البخاري مع الفتح 1/ 295 ح 189. وأخرجه أيضًا بمثله في الدعوات كما تقدم؛ فقولُه: (وهو غلام) تقييد بالسن إجمالًا، حيثُ يطلق (الغلام) على الصبي من حين يولد إلى أن يَبْلُغ/ تهذيب الأسماء واللغات للنووي 3/ 62، ثم إن أبا نُعيم بعد أن أخرج حديث التحديد بخمس سنين من طريق الزُّبَيْدي كما تقدم، أَتبعه بقوله: رواه معمر في آخرين، عن الزهري مِثلُه/ معرفة الصحابة 2 / ل 189، وذلك صريح في وجود أكثر من رواية فيها التقييد بسن الخامسة من غير الطريقين اللذَيْن ذكرهما ابن حجر، وتبعه على ذلك العيني، وإن كانت عبارة ابن حجر دقيقة حيث قال: "لم أر"، فقَيَّد النفي بما أطلع عليه من المصادر، بخلاف عبارة العيني حيث قال: "ليس في الصحيحين ولا في غيرهما من الجوامع والمسانيد" - إلخ. هذا ويلاحظ تعدد روايات الحديث في مصدر مَجَّة الماء التي مجَّها النبي -صلى الله عليه وسلم- في وجه محمود، فجاء بلفظ "من بئرهم" وبلفظ "من بئر في دارهم" وبلفظ "من دلو" وبلفظ "من دلو كانت في دارهم" وبلفظ "من دلو معلق في دارهم" وبلفظ "مِنْ دَلو معلق في بئرهم" وعلى ضوء هذه الأخيرة يجمع بين الروايات السابقة بأن الماء أُخِذ من بئر كانت في البيت بالدلو المعلق فيها، ثم تناوله النبي -صلى الله عليه وسلم- من الدَّلو فَمجَّهُ في وجه محمود/ انظر عمدة القاري 2/ 72 والفتح 1/ 173.

وكان الزهري كريمًا، سخيًا جوادًا (¬1)، وكان يقول الشعر، ذكره أبو عبيد الله، محمد بن عمران بن موسى (¬2) المَرْزُبَاني (¬3) في معجم ¬

_ (¬1) انظر وصفَه بذلك وذكر نماذِج من كرَمه وما قيل فيه من شعر في/ ترجمته من تاريخ ابن عساكر/ 107 فقد أخرج ابن عساكر عن الليث بن بن سعد قال: كان ابن شهاب من أسخى من رأيت، كان يعطي كل من جاء وسأله، حتى إذا لم يَبْق معه شيء يَسْتَسْلِفُ من أصحابه، فيعطونه حتى إذا لم يبق معهم شيء يستسْلِفُ من عَبيده/ 107، 170، 169، 163، 172، 173، 174، 175، 178، والتمهيد 6/ 110، 111 وتهذيب الكمال 3/ 1271 وسير النبلاء 5/ 335، 338، 339 وتهذيب التهذيب 9/ 449، وقد عبر عن وِجْهة نظره في الاستدانة من أجل الكرم أنه بذلك يُتاجر مع ربه بالقليل، فيربح الكثير، وفي ذلك يقول: والله لم أفعل ذلك إلا للتجارة، ,أُعطِي القليلَ فأُعْطَى الكثير/ ترجمة الزهري/ 176، آداب الشافعي ومناقبه لابن أبي حاتم/ 54. (¬2) بالأصل "بن موسى بن عمران" وما أثبته هو الصواب الموافق لمصادر ترجمته الآتية في التعليق التالي. (¬3) بفتح الميم وسكون الراء وضم الزاي وفتح الباء المنقوطة بواحدة وفي آخرها النون، نسبة إلى "المَرْزُبَان" وهو فارسي معرب، ومعناه الفارس الشجاع المُقَدَّم على القوم دون المَلِكْ، ويُقال أيضًا للرئيس من العجم "مَرْزُبَان"/ لسان العرب مادة "رزب" ولكنه هنا اسم لجد المنتسب إليه، ومنهم أبو عبيد الله هذا، وهو محمد بن عمران بن موسى بن عُبيد، الكاتب المعروف بالمَرْزُبَاني من أهل بغداد، وأصلُه من خُراسَان، ولد في جمادى الآخرة سنة 297 هـ على ما ذكر ابن النديم -وهو ممن شاهده وعاصره- وذكر غيره أن مولده سنة 296 هـ، وتوفي في شوال سنة 378 هـ على ما ذكر ابن النديم أو سنة 384 هـ على ما ذكر غيره، وقد رَوى عن أبي القاسم البَغَوي وأبي بكر بن دُرَيد، وغيرهما، ورَوى عنه أبو عبد الله الصَّيْمَري، والحسن بن علي الجوهري وغيرُهما، وكان صاحب أخبار، ورواية للأداب، وقد وُصِفَ بأن أكثر مرْوِيَّاته كانت بالإجازة، ولكن كان =

الشعراء -له- (¬1) وقال: وهو القائل لعبد الله بنَ عبدِ الملك بن مروان: أقولُ لعبد الله لَمَّا (¬2) لقيتُه ... يَسيرُ بِأعْلَى الرَّقَّتَينِ (¬3) مُشَرِّقا ¬

_ = يؤديها بلفظ "أخبرنا" دون تقييد بالإِجازة مع أن "أخبرنا" من الألفاظ المصطلح على أنها تستعمل مطلقة في السماع، فَعدَمُ تقييدها يؤدي إلى اختلاط المسموع بالمُجاز/ انظر التدريب 1/ 9، 10 وفتح الباري 1/ 144، 145، ونسب إلى المَرزُبَاني أيضًا شُرْبُ النِّبِيذِ والاعتزال، والتشيع والكذب، وأنه ليس بثقة، ولكن ابن النديم يقول عنه: آخر من رَأيْنا من الأحبار بين المصنفين، راويةٌ صادقُ اللهجة، واسع المعرفة بالروايات، كثيرُ السماع، والخطيبُ البغدادي -وهو من تلاميذ تلاميذه- يقول: ليس حالُ أبي عبيد الله عندنا بالكذب، وأكثر ما عِيبَ به المَذْهَب، وروايته عن إجازات الشيوخ له من غير تبيين الإجازة، فالله أعلم، وقال أحمد العتيقي: كان مذهبُه التشيع والاعتزال، وكان ثقة في الحديث. وكان حسن التصنيف وله مؤلفات في الشعر، وتراجم الشعراء والغَزل والنوادر والأخلاق، وأخبار المعتزلة، وقد أفاض ابن النديم في سَرْد مؤلفاته وبيان موضوع كل كتاب، وعَددِ أوراقه، مما يدل على، دراية واطلاع فِعْلِيِّ عليها، ومن مؤلفاته المطبوعة "معجم الشعراء" الذي ذكره المؤلف في الأصل، وقد تَرْجَم فيه للزهري باختصار، وذكر له البيتين الآتي ذكرهما في الأصل، وبيتين بعدهما، والكتاب مطبوع أكثر من طبعة في مجلد متوسط الحجم، ومنها -طبعة- عيسى الحلبي بمصر سنة 1960 م. وانظر فيما ترجَمتُ له به/ الفهرست لابن النديم 190 - 192 وتاريخ بغداد 3/ 135، 136 والأنساب للسمعاني 12/ 188 - 190 ولسان الميزان 5/ 326، 327. (¬1) بالأصل "وله" والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى عليه. (¬2) كذا جاء في معجم المرزباني/ 413 وجاء في التمهيد "يوم" 6/ 112. (¬3) كذا في معجم المرزُباني/ 413 وجاء في التمهيد "وقد شد أحلاس المطي" بدل "يسير بأعلا الرقتين"/ التمهيد 6/ 112 والرَّقتَينْ: بفتح أوله وثانيه =

تَبَغَّ (¬1) خَبايا الأرض وادع مليكَها (¬2) ... لعلك يومًا أن تُجَاب وتُرزَقا (¬3) في أبيات ذكرها (¬4). ¬

_ = وتشديده، تثنية "الرَّقة"، وهي تطلق على عدة مواضع ومدن، وأشهرها بلدة على طرف الفرات بينها وبين حَرَّان ثلاث مراحل، وتعد في بلاد الجزيرة، لأنها من جانب الفرات الشرقي، قال ياقوت: وأصله كل أرض إلى جنب واد ينبسط عليها الماء، وقال السمعاني: وإنما سميت الرَّقَّة لأنها على شط الفرات، وكل أرض تكون على الشط تُسمى الرَّقة، قال في المراصد: وكان بالجانب الغربي مدينة أخرى تُعرَف بِرَقَّة واسط، بها قَصْران لهشام بن عبد الملك، على طريق رُصافة الشام، وأسفل من الرَّقة بفرسخ وقال السمعاني: الرَّقة بلدتان: الرَّقة والرَّافِقة، والرقة خَرِبت، والتي يقال لها الرَّقة الساعة هي الرافِقة، وقال ياقوت: الرَّافِقة بلد متصل البناء بالرَّقة، وهي على ضفة الفرات، وبينها ثلاثمائة ذراع، وقد بناها المنصور سنة 155 هـ ولها أسواق ورُيُض بينها وبين الرَّقَّة، وذكر أَن الرقة خربت وأصبح اسمها يطلق على الرافقة هذه المجاورة لها، وهي بلدة كثيرة الخير/ انظر معجم البلدان لياقوت 3/ 15، 57، 59 ومراصد الاطلاع 2/ 625، 626 والأنساب للسمعاني 6/ 156 - مع تصرف بالاختصار، وقال ياقوت في وجه تثنية الرقة: وأظنهم ثنوا الرقة، كما قالوا: العِرَاقان، للبصرة والكوفة/ معجم البلدان 3/ 57. (¬1) كذا بالمعجم للمرزباني وجاء في التمهيد "تَتَبَّع" ومعنى "تَبَغَّ" اطلب، ويقال تَبغَّيتُ الشي طلبته/ مختار الصحاح/ مادة "بغى" / 59. (¬2) في معجم المرزباني: "وارجُ مليكنا"/ 413 ط القدسي. (¬3) في التمهيد: "فتُرزَقا". (¬4) انظر: معجم الشعراء للمَرزُباني/ 413 والموجود بيتان فقط بعد هذين البيتين.

وغيرُه يقول: الشعر لِعَمْران بن أبي حُدَير (¬1) أنشَدَهُ الزهري، مُتمثِّلًا (¬2). وقال موسى بن عبد العزيز: كان ابن شهاب إذا أبى (¬3) أحدٌ من أصحاب الحديث أن يأكل طعامه، حَلفَ أن لا يُحَدِّثَه عشرة أيام. وقال مالك: ما رأيت (¬4) أحدًا فقيهًا إلا واحدًا، قيل: [وقال مَرَّة] (¬5): ابن شهاب. وقال عمرو بن دينار: جالست ابن عمر، وابن عباس ¬

_ (¬1) بضم الحاء وفتح الدال المهملة وسكون التحتيَّة، فراء/ المغنى 73. (¬2) وقال ابن عبد البر: إن هذين البيتين وما ذُكِر بعدهما -كما في المعجم- إنَّما هم لابن شهاب، خاطب بهم أخاه عبد الله، وقد رُوِي أنه قالهما لعبد الله بن عبد الملك بن مروان/ التمهيد 6/ 112 / 113. (¬3) بالأصل "أتي" وما أثبته من التمهيد 6/ 111 وترجمة الزهري/ 177 وهو الصواب. (¬4) كذا في التمهيد من طريق أحمد بن صالح عن مُطرف عن مالك 6/ 112 وفي رواية محمد بن سعد عن مُطرف قال: "ما أَدرَكَتْ"/ طبقات ابن سعد 2/ 388 والقسم المحقق 167، ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 124. (¬5) بالأصل "قيل مرة وقال" وما أثبته أوضح؛ على أن الذي في المصادر: "فقلت: مَن هو؟ قال: ابن شهاب"/ طبقات ابن سعد والتمهيد وترجمة الزهري/ المواضع السابقة. وهذه العبارة لا تدُل على تعدد قول مالك، بخلاف عبارة الأصل فهي تفيد تعدد قوله؛ فَمَرةٌ قال: ما رأيت أحدًا فقيهًا إلا ابن شهاب، ومرة قال: ما رأيت أحدًا فقيهًا إلا واحدًا، فلما سئل عن تحديده قال: ابن شهاب.

وابن الزبير، وجابرًا، فلم أَرَ [أحدًا] (¬1) أنسَقَ (¬2) للحديث من الزهري. وقال الأوزاعي: ما دَاهنَ (¬3) ابن شهاب مَلِكًا من الملوك ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من مصادر الترجمة/ ترجمة الزهري 98 والتمهيد 6/ 103 وسير النبلاء 5/ 334 وشرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 166. (¬2) كذا جاء لفظ الرواية عند ابن عبد البر والذهبي وابن رجب، ثلاثتهم من طريق موسى بن إسماعيل المِنْقَري التبُوذَكِي/ التمهيد 6/ 103 وسير النبلاء 5/ 335 وشرح العلل 1/ 166، وجاءت عند ابن عساكر من طريق التبُوذَكي نفسه بلفظ "أسند"/ ترجمة الزهري/ 98 وتقدَّم أن معنى "أسند" أكثرُ رفْعًا للحديث، بينما "أنسق" تعود لتَحِّري إيراد المتن بسوقه الذي تلقاه به وجَوْدة القراءة، كما قال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أحدًا أحسن سَوْقًا للحديث إذا حدث من الزهري/ الترجمة/ 94، وقد تقدم توجيه ذلك بتعدد قول عَمرو فيه، وذِكْر روايات أخرى عنه من غير طريق التبُوذَكي/ ص 516 - 518 ت، وقال ابن حبان: إنه كان أحسن أهل زمانه سَوْقًا لِمتون الأخبار/ الثقات 5/ 349. (¬3) كذا في التمهيد 6/ 103 والذي في تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 410 والمعرفة والتاريخ للفَسَوِي 1/ 639 وفي ترجمة الزهري/ 161 "ادَّهن. لِمَلِك" وكلِّ من "داهن" و"ادهن" يطلقان مجازًا بمعنى: لَايَن وصانَع/ أساس البلاغة/ مادة "دهن"/ 200. وهذه الشهادة المطلقة من الإِمام الأوزاعي تلميذ الزهري ومعاصره، تَردُّ قول القِلَّة من القُدامى والمُحْدَثِين الذين انتقدوا الزهري تصريحًا أو تلميحًا، بصحبته لأمراء وخلفاء الأمويين، والسيْرِ في رِكابهم، وتولي بعض الوظائف العامة والخاصة تحت إمرتهم. فمع توثيق مكحول له وثنائِه عليه، نجده يقول عنه "أَيُّ رجُل هو، لولا أنه أَفْسد نفسَهُ بصحبة الملوك/ المعرفة والتاريخ 1/ 642 وترجمة الزهري/ 160 وسير النبلاء 5/ 339.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال رجُل ليحيى بن معين: الأعمش مثل الزهري؟ فقال: برِئْتُ من الأعمش أن يكون مثلَ الزهري، الزهري يرى العَرض والإِجازة -يعني يُجيز التحمل للحديث بهما ثم الأداء- وكان يَعمل لبني أُمية، وذكر الأعمش فمدَحَه، فقال: فقيرُ صبور، مُجانِبٌ السُلْطان ... / معرفة علوم الحديث للحاكم/ 54. وقال عمر بن رُدَيْح: كنت مع ابن شهاب الزهري نَمشِي، فرآني عَمْرو بن عُبَيد، فَلَقِينَي بعدُ، فقال: مالَكَ ولمِنْدِيل الأمراء؟ يعني ابن شهاب/ ترجمة الزهري/ 162. وسيأتي في تعليقي على بقية ترجمة الزهري نقد أبي حازم سلمة بن دينار له بنحو هذا أيضًا، وانظر تفصيله في ترجمة سلمة من الحلية لأبي نعيم 3/ 223، 224، 237، 246 - 249. وممن انتقد الزهري حديثًا المستشرق "جولد تسيهر" وأشياعه؛ فذكروا أن الزهريَّ ارتضى الانضمام لحاشية أمراء بني أمية، وخاصة صديقه عبد الملك بن مروان، كما تولى منصب القضاء لبعضهم، وبذلك أثَّروا عليه، فغض الطرف عن مفاسدهم، واستغلُّوه في وضع بعض الأحاديث على الرسول -صلى الله عليه وسلم-/ انظر السنة ومكانتها في التشريع للدكتور مصطفى السباعي - فصل "السنة مع المستشرقين"/ 298 - 302، 306 - 310، 312، 313، 320، 327 - 329. وقد تصدى الدكتور السباعي -رحمه الله- للرد على ذلك ودحضه جملة وتفصيلًا/ المصدر السابق/ 306، 310، 312، 313 - 330. وتعتبر شهادة الأوزاعي جوابًا جامعًا أيضًا؛ لأن ما وجهه هؤلاء وأولئك، وأمثالُهم من انتقادات للزهري، تعود في جملتها إلى مبدأ المُدَاهَنة والمُلَاينة لهؤلاء الحكام، وهذا ما نفاه الأوزاعي تمامًا عن الزهري، ويؤيد ذلك ما ثبت للزهري من مواقفَ مشهودة مع أكثرَ مِنْ خليفة وأمير أُموي على امتداد صلته بهم، ومخالطته لهم. فمن ذلك موقفه مع الوليد بن عبد الملك، حين قال له: ما حديث يحدثُنا به أهل

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الشام؟ قال: ما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثُونَنَا أن الله إذا استرعى عَبْدًا رَعيَّته كتب له الحسنات، ولم يكتبْ له السيئات، قال الزهري: باطل يا أمير المؤمنين ... ثم بين له وجه بطلانه، بمعارضته لقوله تعالى لداود عليه السلام: {يَادَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} / الآية 26 من سورة ص، قال الزهري: فهذا وعَيدٌ يا أمير المؤمنين لنَبِيٍّ خليفة، فما ظنُّكَ بخليفة غيرِ نَبِي؟ قال الوليد: إن الناس لَيُغوُونَنا عن ديننا/ العقد الفريد لابن عبد ربه 1/ 60 والسنة ومكانتها في التشريع/ 320. أما هِشام بن عبد الملك؛ فمن مواقف الزهري معه، أن هشامًا قرأ قولَه تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} الآية. إلى قوله: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} / سورة النور آية 11. ثم قال لسليمان بن يَسار: من الذي تَولى كِبرَهُ منهم؟ فقال له: عبد الله بن أبَيِّ بن سلول، فقال له: كذبْتَ، هو علي بن أبي طالب، قال سليمان: أمير المؤمنين أعلم بما يقول، فدخل ابن شهاب، فقال (هِشام): يا ابن شهاب، من الذي تَولى كِبرَه منهم؟ فقال له: عبد الله بن أُبَيِّ (بن سلول المنافق)، فقال له: كذبْتَ، هو علي بن أبي طالب، فقال له: أنا أكذِبُ؟ لا أبا لَك، فوالله لو نادَى منادٍ من السماء؛ إن الله أحَلَّ الكذِبَ ما كَذبْتُ؛ حدثني عروة بن الزبير، وسعيدُ بن المسيِّب وعبيد الله بن عبد الله وعَلْقمة بن وقاص؛ كُلُّهم عن عائشة: أن الذي تَولَّى كِبَرهَ منهم: عبد الله بن أُبَيِّ، فلم يَزَل القوم يُغْروُن به، فقال له هشام: ارحل، فوالله ما كان ينبغي لنا أن نَحْمِل عن مثلك، فقال له ابن شهاب: ولِمَ ذاك؟ أنا ما أغتصبتُك على نفسي، أو أنت اغتصبْتَني على نَفسيِ، فَخَلِّ عني، فقال له: لا، ولكنك استدَنت ألْفَي ألْف، فقال: قد علمتَ، وأبوكَ قبلكَ، أنِّي ما استدنتُ هذا المال عليك، ولا على أَبيك، فقال هشام: إنا إنْ نُهيِّج الشيخ، يَهِمُّ الشيخ، فأمر فقضى عنه من دينه ألفَ ألف، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فأُخبِر بذلك، فقال: الحمد لله الذي هذا هو من عنده/ ترجمة الزهري/ 162، 163 وسير أعلام النبلاء 5/ 339، 345 والدر المنثور للسيوطي 5/ 32، 33، وفتح الباري 8/ 440، 441 ط مصطفى الحلبي. وقد أخرج البخاري رواية الزهري عن عائشة أن الذي تولى كِبرَه عبد الله بن أُبَيِّ، وذلك في أثناء حديث - كتاب المغازي - باب حديث الإِفك 8/ 436، 137 وكتاب التفسير - سورة النور، باب {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} 10/ 68، 78 البخاري مع الفتح ط مصطفى الحلبي. وأخرج البخاري وأبو نعيم من طريقين مختلفين عن الزهري: أن هذا الموقف كان له مع الوليد بن عبد الملك، وفي روايتهما اختصار، وزيادة؛ فلم يذكرا تكذيب الوليد للزهري، بل سمع جوابه وسكت عليه، وفي رواية البخاري زيادة عن عاثشة بلفظ: إن عليا -رضي الله عنه- كان مُسَلِّمًا في شأنها/ البخاري - كتاب المغازي حديث الإِفْك 8/ 440، 441 مع الفتح ط مصطفى الحلبي، وحلية الأولياء 3/ 369، وفي رواية للبخاري وغيره "مسيئًا" بدل "مسَلِّمًا"، وذلك لقوله للرسول -صلى الله عليه وسلم- لما استشاره في الأمر: لم يُضَيِّق اللهُ عليك، والنساء سِواها كثير، ونحو ذلك. قال الحافظ ابن حجر: وكأن بعض منَ لا خَيْر فيه من الناصبة، تَقرَّب إلى بني أُميةَ بهذه الكِذْبة -يعني كون الذي تَولى كِبرهُ هو علي -رضي الله عنه- فَحرَّفوا قول عائشة إلى غير وجهه لِعلْمِهم بانحرافهم عن علي، فظنوا صِحتها، حتى بَيَّن الزهري للوليد أن الحق خلاف ذلك، فجزاه الله تعالى خيرًا/ فتح الباري 8/ 411، وعزا السيوطي رواية البخاري السابقة إلى ابن المُنذِر والطبراني والبيهقي في الدلائل وابن مَرْدَوْيه/ الدر المنثور 5/ 32. وساق ابن حجر رواية ابن مَرْدَويْه: أن الزهري قال: كُنت عِند الوليد بن عبد الملك ليلة من الليالي وهو يقرأ سورة النور -مُستلقِيًا- فلما بلغ هذه الآية: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ} حتى بلغ: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} جَلَس، ثم قال: يا أبا بَكْرة من تولى كِبرَه منهم؟ أليس علي بن أبي طالب؟ قال: فقلتُ في نفسي، ماذا أقول؟ لئن قلت: لا، لقد خَشيتُ أن ألْقيَ منه شَرًّا، ولئن قلتُ: نَعم، لقد جئتُ بأمر عظيم، قلتُ في نَفسي، لقد عَوَّدني الله على الصدق خَيرًا، قلت: لا، قال: فضرَبَ بقَضيبه على السرير ثم قال: فَمَن فَمَن؟، حتى ردَّد ذلك مِرارًا، قلت: لكن عَبدَ الله بن أُبَيَّ/ الفتح 8/ 440، 441. ويفهم من كلام ابن حجر أن هذا الموقف تعدد من الزهري، مرةً مع الوليد، ومرةً مع هشام/ الفتح 8/ 441، وعليه يتضح امتداد صمود الزهري، وثباتُه على الحق مهما توالى الأمراء على خِلافِه. وعندما جعل هشامٌ وَلدَه أبا شاكر أَميرًا على الحج، وأمر الزهري بصحبته في ذلك، ذهب معه، وصار يُوجِّهه خلال الرحلة إلى أَعمال الخير العامة، حيث أشار عليه بأن يَصْنع إِلى أَهل المدينةِ خيرًا، وحضَّه على ذلك، فاستجاب أبو شاكر وأقام بالمدينة المنورة نصف شهر، وقسم الخُمس على أهل الديوان، وفعل أمورًا حَسَنة/ الطبقات الكبرى لابن سعد/ القسم المحقق/ 164. وكان الزهري في أول أمْرِه عندما يُحدِّث لا يترك أحدًا يكتب بين يديه ما يُحدِّث به، تفضيلًا منه لحفظ الصدر، فَلما طلب منه هشام أن يكتب بنفسه بعض مروياته لأبناء هشام، امتنع، وطلب إليه أن يُرسل كاتبًا من عنده، يَحضُر مجلسَ تحديث الزهري لعامة طلابه فيكتب لهم ما يُحدِّث به، فأرسل هشام كاتبًا، وقيل كاتبين، ومكثا سنةً يكتبان عنه/ حلية الأولياء 3/ 361 ترجمة الزهري 87، 88 وسير النبلاء 5/ 333 والمعرفة والتاريخ 1/ 632. ولما طلب هشام أيضًا منه إِملاء الحديث على أَولاده، أملى عليهم أربعمائة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حديث، وكتبها لهم عنه كاتب، فلما خرج الزهري من عند هشام دخل المسجد، فاستند إلى عمود من عُمُدِه، ثم نادى: يا طَلبة الحديث، فلما اجتمعوا إليه قال: إني كنت منعتكم أمرًا بذلْتُه لأمير المؤمنين آنفًا، هَلُمُّ فاكتبوا، قال: فكتب عنه الناس من يَومئذ/ ترجمة الزهري 90، 91. وجاء عنه في ذلك أيضًا أنه قال: كنا نَكْره الكِتاب، حتى أكرهَنا عليه هؤلاء الأمراء، فرأيت أن لا أمنعه مُسْلِمًا/ طبقات ابن سعد/ القسم المحقق 169 والمعرفة والتاريخ 1/ 641، وترجمة الزهري 62/ 93 وحلية الأولياء 3/ 363، وفي رواية قال: كنا لا نَرى الكتابَ شيئًا، فأَكرَهَتْنا عليه الأمراء، فأحْبَبْنا أن نُواسِيَ بين الناس/ المعرفة والتاربخ 1/ 633، فأين هذا من تحريف "جولد تسيهر" بأن عبارة الزهري: "إن هؤلاء الأمراء أكرهونا على كتابة أحاديث"؟، وهل مثل هذه المواقف تدل على أن الزهري كان مستعدًا لتحقيق رغبات الحكام في ذلك كما زعم هذا المستشرق وأمثاله؟ / انظر السنة ومكانتها في التشريع/ 300. أما ما رواه يعقوب الفسوي قال: حدثني سعيد بن عُفَيرنا حفص بن عمران بن (الرسام) عن السري بن يحيى عن ابن شهاب أن عبد الملك بن مروان قال له: يا بن شهاب، أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل ابن أبي طالب؟ قلت: نعم، قال: هَلُمَّ، فقمت من وراء الناس، حتى أتيت خلف القُبة -أي التي كان يجلس فيها عبد الملك- وحَوَّل وجهه فأحنى عليَّ، فقال: ما كان؟ قال: فقلت: لم يُرْفَعْ حجر في بيت المقدس إلا وُجِد تحته دم، قال: فقال: لم يبق أحدٌ يعلم هذا غيري وغيرك، فلا يُسْمَعَنَّ منك. قال: فما تحدثتُ به حتى تُوفي/ المعرفة والتاريخ 1/ 629، 630 وترجمة الزهري/ 34، 35، وبالتأمل في هذه الرواية نجد أن في سندها حفص بن عمران وقد قال عنه الذهبي: انه لا يعرفه، وأقره الحافظ ابن حجر؛ مع أن الحاكم رَوَى عنه في المستدرك/ انظر لسان الميزان 2/ 330 ويمكن حَمْلُ استجابة الزهري لطلب عبد الملك في الكِتمان، على أنه كان يرى في اذاعة ذلك احياءًا لإثارة الفتن والاختلاف على أمير اجتمع عليه أمر المسلمين، وفي هذا من المفسدة ما لا يوازيه كتمانُ هذا الخبر كُلِّيَّةً أو إلى حين، =

-قط- إذا دَخَل عليه، ولا أدْرَكَتْ خلافةُ هِشام أحدًا من التابعين أَفقهَ منه. وقال ابراهيم بن [سعد] (¬1) عن أبيه: ما جَمع ¬

_ = بدليل أنه لم يستمر على الكتمان، بل رواه فيما بعد ذلك عند رؤيته أَمْنَ المفسدة، ووصل إلينا كما ترى. على أن هناك رواية أخرى بسند رجالُه ثقات، رواها ابن سعد فقال: أخبرنا سليمان بن حرب قال حدثنا حماد بن زيد عن معمر قال: أولُ ما عُرِف الزهري، أنه كان في مجلس عبد الملك بن مروان، فسألهم عبد الملك، فقال: من منكم يعلم ما صنَعَتْ أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين؟ قال: فلم يكن عند أحد منهم من ذلك علم، فقال الزهري: بلغني أنه لم يُقْلَبْ منها يومَئذ حجر إلا وُجِد تحته دمُ عَبيط، قال: فَعُرِف -أي الزهري- من يومئذ/ الطبقات/ القسم المحقق/ 163، وهذه الرواية تفيد أن السؤال كان عما حدث يوم مقتل الحسين بن علي، لا يوم مقتل علي، كما تفيد أن الزهري روى الخبر على مسامع الحاضرين جميعًا، فعُرِف به، ولم يَطْلُب إليه عبدُ الملك كتمانَه. وعلى هذا فليس علي هذا الموقف على أي من الروايتين مطعن في الزهري كما ترى. ولذا فإن الذهبي لما ذكر قول مكحول السابق: إن الزهري أفسد نفسه بصحبة الملوك، تعقبه بقوله: قلت: بعضُ من لا يُعْتَد به لم يأخذ عن الزهري؛ لكونه كان مُداخلًا للخلفاء، ولئن فعل ذلك فهو الثَبْت الحجة، وأين مثل الزهري رحمه الله؟ / سير أعلام النبلاء 5/ 339. (¬1) بالأصل (ربيعة) والتصويب من المصادر/ طبقات ابن سعد - القسم المحقق/ 166، 167 وترجمة الزهري لابن عساكر/ 109، 110 والتمهيد 6/ 155 وسير النبلاء 5/ 335 وتهذيب الكمال 1/ 54، وهو: ابراهيم بن سعد بن ابراهيم بن عبد الرحمن بن عوف، القرشي، الزهري، أبو إسحاق، وَالِد يعقوب بن إبراهيم، قال ابن حجر: ثقة حجة، تُكُلِّم فيه بلا قادح/ تقريب التهذيب 1/ 35 ترجمة 202. =

أحد (¬1) بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما جمع ابن شهاب. وفي رواية: ما وَعَى (¬2). قال أبو عمر: كان من علماء التابعين، وفقهائهم، مُقدَّمًا (¬3) في الحفظ والإِتقان والرواية، والاتساع، إمامًا جليلًا من أئمة الدين. وقد وقع في ترجمته من غرائب الجَرْح ما أنا ذاكِرُه: ¬

_ (¬1) كذا في التمهيد 6/ 105 وفي الطبقات لابن سعد/ القسم المحقق/ 167 وعند ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 110 بلفظ (ما أرى أحدًا) وفي السير للذهبي 5/ 335: (ما رؤي أحد) والمراد بقوله: (بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) أي بعد عصره عليه الصلاة والسلام. وقد جاء عن الزهري نفسه، وعن تلميذيه: عراك بن مالك، والليث بن سعد ما يوضح معنى تلك الرواية والتي بعدها؛ بأنه قد تتلمذ على أئمة عصره في الفقه والقرآن والحديث والسيرة والتاريخ والأنساب، فجمع علمهم إلى علمه، فصار أعلمهم وصار إذا تحدث في علم من ذلك يرى سامعه أنه لا يُحسن إلا هو، من قوة إلمامه به/ ترجمة الزهري/ 66، 106، 144، 146. وحلية الأولياء 3/ 361، والتمهيد 6/ 108. (¬2) ذكر هذه الرواية من طريق ابراهيم بن سعد أيضًا عن أبيه، ابن عساكر، ولفظها عنده: (ما وعي العلم أحد بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما وعاه ابن شهاب) ترجمة الزهري/ 110. وذكرها أيضًا من طريقه ابن عبد البر بلفظ: "ما وعي أحد من العلم بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما وعاه ابن شهاب) / التمهيد 6/ 105. (¬3) في التمهيد: (مقدم) على الاستئناف، وكذا قوله: في بقية النص "إمامًا جليلًا" جاء في التمهيد: "إمام جَليل"/ التمهيد 6/ 101، 102.

فذكر البَلْخِي (¬1) في كتابه، في مَعْرِفةِ الرِّجَال (¬2): ¬

_ (¬1) بفتح الباء الموحدة، وسكون اللام، وفي آخرها الخاء المعجمة، نسبة إلى بلد من بلاد خُراسانُ يقال لها بَلْح، وقد تكون نسبة إلى جد المنتسب إليه/ اللباب 1/ 172، والمراد بالبَلْخِي هنا: عبدُ الله بن أحمد بن محمود البَلْخي، أبو القاسم، الكَعْبي، من كبار المعتزلة، وصفهُ الذهبي بأنه كان داعية إلى الاعتزال، وقال ابن حَزْم: انتهت إليه رياستُهم، وقال جعفر المُسْتَغْفِري: إنه لا يستجيزُ الرواية عنه، وذكر أن عبد المؤمن بن خلف الواسطي كان يُكَفِّره، وذكر ابن النديم أنه نُسب إليه الطائفة البلخية، وقيل عُرِف أتباعُه باسم الكَعْبِية، وقال الاصطخري: ما رأيت أجْدَل منه، إما أبو حَيان التوحيدي فإنه أثنى على علمه ودرايته، فكان هذا مما يُطْعَن به على التوحيدي، وقد صنف البَلْخي كُتبًا كثيرة في علم الكلام، واعتمد عليها غَيرُه مِنْ بعدِه، كما صنف كتاب "قبول الأخبار ومعرفة الرجال" الذي نَقل عنه المؤلف هنا، كما سَيجِيء، وذكر المستَغْفري أنه ولد سنة 273 هـ وتُوفِي سنة 319 هـ/ لسان الميزان لابن حجر 3/ 255، 256، وتاريخ بغداد 9/ 384 وتاريخ التراث العربي للدكتور فؤاد سزكين 2/ 407، 408 ط المصرية. (¬2) اسم الكتاب كما في صفحة عنوانه "قَبول الأخبار ومعرفة الرجال" وتوجد منه نسخة خطية بدار الكتب المصرية برقم 14 مصطلح م، تقع في 110 ورقة من القطع الصغير، وباطَّلاعي عليها وجدتُها نسخة قيمة إلا أن الصفحة الأولى من المقدمة تآكَل أسفلُها فذهب منه ثلاثة سطور، كما تقطع السطر العلوي من عدة أوراق منها في الأثناء، بسبب التجليد، وأحسن وصف رأيته لمضمون الكتاب إجمالًا ما جاء في لسان الميزان/ الموضع السابق، وانظر فهرس مصطلح الحديث بدار الكتب المصرية/ 273 ومما جاء عن هذا الكتاب في اللسان: أنه اشتمل على الغضِّ من أكابر المحدثين، وتتبَّع مثالبَهم، سواء كان ذلك عن صحة أم لا، وسواء كان ذلك قادحًا أم غير قادح/ اللسان 3/ 255، ولذا فإنه كان الأولى بالمؤلف عدم ذكر ما أورده البَلْخِي هذا في شأن الزهري بعد أن استفاض لديه توثيق جمهور النقاد له، واتفاقهم على ذلك ومن بينهم من نقل البَلْخِيُّ عنهم وهذا ما سلكه غير المؤلف ممن ترجم للزهري، فلم أجد من عَرَّج على ما ذكر البلْخي =

قال يحيى (¬1): [مرسَل] (¬2) الزهري ليس بشيء (¬3)، وقال ابن المَدِيني: ¬

_ = من طَعن في عدالة الزهري، كما لم أجد من شارك المؤلف في النقل عن كتاب البَلْخي في ترجمة الزهري، وهذا هو الأولى، بعد أن عُرِفَ تعصب مؤلفه ضد المحدِّثين والرواة، ثم إن الشارح لم يُعْن بتعقب ما أورده البَلْخي بالحواب عنه، منعًا لرواجه على غير الخبر، بل اكتفى بقولته المجملة: "إن هذا من غرائب الجرح" وهذا لا يكفي في تقديري، وسأحاول الجواب بإيجاز عما نقله المؤلف، ليتضح الحق ويبرأ الزهري من هذا التجريح، إن شاء الله ويبقى ثقة كما شهد له الجمهور بذلك. (¬1) هو ابنَ معين كما في المراسيل لابن أبي حاتم/ 3 وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 159، وشرح العلل لابن رجب 1/ 284. (¬2) بالأصل "وقد سئل عن" وما أثبته من كتاب البلخي/ ص 90 وتؤيده المصادر السابقة/ نفس المواضع المحال عليها. (¬3) ولا يعتبر هذا مَطْعنًا في الزهري، فقد ذكر غير واحد من النقاد أن الزهري وغيرَه من الحُفاظ قد يشيرون بالإرسال إلى ضعف الراوي الذي لم يُصرِّحوا به، فيكون ارسالهم بيانًا ضمنيًا لدرجة الحديث الذي يرسلونه. قال ابن رجب في السبب الرابع لتفاوت مراتب المرسل: الرابع: أن الحافظ إذا روى عن ثقة لا يكاد يترك اسمه؛ بل يُسَمِّيه، فإذا ترك اسم الراوي دل إبهامُه على أنه غير مَرْضي، وقد كان يفعل ذلك الثوري وغيره كثيرًا، يُكْنُون عن الضعيف ولا يُسمونه، بل يقولون: عن رَجُل، وهذا معنى قول القطان: "لو كان فيه إسنادُ لصاح به" يعني لو كان أخذه عن ثقة لسماه، وأعلن باسمه. وخرَّج البيهقي من طريق أبي قدامة السرخسي قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: مرسل الزهري شرُّ من مرسل غيره، لأنه حافظ، وكُلّما يقدرُ أن يُسَمِّي سَمَّى، وانما يتركُ من لا يستجيز أن يُسميه/ شرح العلل 1/ 284. وروى ابن أبي حاتم عن أحمد بن سِنان الواسطي قال: كان يحيى بن سعيد لا يرى إرسالَ الزهري وقتادة شيئًا، ويقول: هوَ بمنزلةِ الريح، ويقول: هؤلاء =

قال سفيان بن حبيب: ثنا أبو جَعفر الخَطمي (¬1): أن الزهري قتل ¬

_ = قوم حفاظ، كانوا إذا سمعوا الشيء عَلِقُوه/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 3 وشرح العلل 1/ 282 وجامع التحصيل للعلائي/ 33، وتقدم في الأصل وصف يحيى بن سعيد أيضًا للزهري وحده بذلك/ ص 514. وقد روى الشافعي حديث الزهري في الضحك في الصلاة مرسلًا، ثم رواه مسندًا من رواية الزهري عن سليمان بن أرقم -وهو متروك، كما في الكاشف 1/ 390 - وقال الشافعي: فلم نَقْبل هذا؛ لأنه مُرسل/ الرسالة للشافعي/ 202 ط. مصطفى الحلبي ثم قال: وابن شهاب عندنا إمام، ولكن ابن أرقم وَاهٍ / جامع التحصيل/ 41 وانظر الرسالة/ الموضع السابق، وقال أيضًا: يقولون إنَّا نُحابِي ولو حابينا أحدًا لحابينا الزهري، وإرسال الزهري عندنا ليس بشيء، وذلكَ أنَّا نجدُه يَرْوِي عن سليمان بن أرقم/ جامع التحصيل/ 41 ومناقب الشافعي لابن أبي حاتم الرازي/ 82 ومعرفة السنن والآثار للبيهقي 1/ 82. فنبه الشافعي على أن رَدَّ مُرسل الزهري لا يقدح في إمامته، وجَعل علة الرد راجعةً إلى ضعف من أسند الزهريُّ المرسلَ عنه. ومما يؤيد هذا ما ثبت عن عمر بن عبد العزيز من الحث على تلقي ما أسنده الزهري، حيث قال سليمان بن حبيب المحاربي: قال لي عمر بن عبد العزيز: ما أتاك به الزهري بسنده فاشدُد يديك به/ تاريخ أبي زرعة الدمشقي 1/ 411 ومن طريقه ابن عساكر/ ترجمة الزهري/ 99، ومن مسانيده أيضًا ما عده العلماء من أصح الأسانيد/ ترجمة الزهري من ابن عساكر/ 101 ومعرفة علوم الحديث للحاكم - النوع الثامن عشر/ 53 - 55. (¬1) بفتح الخاء المعجمة، وسكون الطاء المهملة، وفي آخرها ميم، نسبة إلى بَطْن من الأنصار وهم بنو خَطْمة بن جُشم بن مالك/ اللباب 1/ 453 وأبو جعفر هذا هو عُمير بن يزيد بن عُمير بن حبيب الأنصاري، أبو جعفر الخَطْمِي، ثقة/ الكاشف 2/ 353 وتهذيب التهذيب 8/ 151.

رَجُلًا، فَحدَّثْتُ بذلك ابن عُيينة فقال: إِيْهًا (¬1)، تَولَّى السِّعَايةَ (¬2) فَعزَّر (¬3) رجُلًا فمات (¬4)، ¬

_ (¬1) كذا الأصل، والذي في كتاب البلخي "إنما"/ ص 90، والمعنى يستقيم على كل منهما؛ فأبقيت ما في الأصل، وهو بكسر الهمزة ونصب الهاء منونةً، وتطلق هذه اللفظةُ ويراد بها الأمر بالكف عن الشيء والسكوت عنه، ويُراد بها التصديق والرضا بالشيء/ اللسان مادة "أيَه" 17/ 366، 367 وهَدْي الساري 1/ 110 ط مصطفى الحلبي، وذكْر العبارة هنا في معرض الجرح يدل على أن المراد بها، هو تصديق سفيان للقائل. (¬2) في كتاب البَلْخِي/ 90 "ولي السِّعَاية" والسعاية لها معان، والمراد بها هنا العمل في جمع الزكاة، وأخذها من الأغنياء وتوزيعها في الفقراء، وبه سُمي عامل الزكاة: الساعي/ اللسان لابن منظور - مادة سعى 19/ 108، 109 وقد ذكر الزهري نفسُه تَولِّيه هذا العمل وإعدادَه له عُدَّته، وذلك فيما أخرجه ابن عبد البر بسنده عن عبد العزيز بن أبي سلمة الماجشُون قال: سمعت ابن شهاب يقول: ما كتبت شيئًا قط يعني من الأحاديث -ولقد وَليتُ الصدقة، فأَتيتُ سالَم بن عبد الله، فأخْرَجَ إليَّ كتاب الصدقة فقرأه عليَّ فحفظتُه، وأتيتُ إلى أبي بكر بن حزم فقرأ عليَّ كتابَ العُقول فحفظتُه/ التمهيد 6/ 108، 109. وهذا يفيد عنايته بتأهيل نفسه بالإلمام بالأحكام الشرعية المطلوبة لتلك الوظيفة، والالتزام في عمله بذلك. (¬3) "عَزّر" من العَزْر والتعزير، وأصله التأديب والمنع، والمراد به هنا الضرب دون الحد الشرعي، وذلك لمنع الجاني من المعاودة، ورَدْعِه عن المعصية/ اللسان مادة "عزر" 6/ 237 والتعريفات للجرجاني/ 34 ط تونس. (¬4) ما قدمته عن حرص الزهري على معرفة الأحكام الشرعية المطلوبة في تلك الوظيفة يدل على التزامه بمراعاتها، وبالتالي لا يتجاوزها عن قَصد، وعليه فموت هذا الرجل، إن ثبت حدُوثه، لا يُطعَن به في الزهري، لعدم ثبوت قصده لذلك، ثم إن ابن عبد البر قد حكى عن ابن معين نسبةَ هذه الواقعة إلى =

قال: ولم يَرْو لعَلِيّ [فضيلةٌ] (¬1) قَط. ¬

_ = الزهري أيضًا، وعدَّ ابن عبد البر ذلك مما أُنكِر على ابن معين/ جامع بيان العلم - باب حُكْم قول العلماء بَعضِهم في بعض 2/ 196، فينسحب الإنكار على غير ابن معين أيضًا. (¬1) بالأصل "حديثًا" وما أثبته من كتاب البَلْخي/ 95، وعلى كُلِّ فهذا الأمر يَردُّه الواقع. فبالنسبة للرواية، نجد الزهري روى كثيرًا من أحاديث الإمام علي -رضي الله عنه-، وأخرجها عنه أصحابُ دواوين السُّنةِ الأصلية المشهورة/ انظر مثلًا تحفة الأشراف للمزي/ 8 الأحاديث ذات الأرقام 10179، 10246، 10263، 10332؛ بل قرر النسائي أن من أحسن الأسانيد: الزهري عن علي بن حسين، عن حسين بن علي، عن علي بن أبي طالب، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 101، وقال أبو بكر بن أبي شيبة: أصح الأسانيد كلها: الزهري عن علي بن الحسين عن أبيه عن علي/ معرفة علوم الحديث للحاكم - النوع الثامن عشر/ ص 53. وبالنسبة للفضائل، فمما رواه الزهري في فضل علي -رضي الله عنه- ما أخرجه النسائي قال: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى عن الحارث بن مسكين - قراءة عليه وأنا أسمع، واللفظ له، عن ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال: أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبي سعيد الخُدري قال: بينما نحن عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يَقْسِم قَسْمًا، أتاه ذو الخُوْيصِرة -وهو رجلُ من تميم- فقال: يا رسول الله، اعدل؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومن يعدل إذا لم أعْدِل؟ لقد خِبتُ وخسرتُ إن لم أعْدِل، قال عمر: ائذن لي فيه، أضرب عنقه، قال دَعْه، فإن له أصحابًا يَحقِر أحدكم صلاته مع صلاته، وصيامَه مع صيامه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام مُروق السهم من الرميَّة (الحديث) وفيه: آيتُهم رجلٌ أسود، إحدى عَضُدَيْه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تَدردَر، يخرجون، على خير فرقة من الناس، قال أبو سعيد: فأشْهَدُ أني سمعت من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأشهدُ أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه قاتلهم وأنا معه، =

وكان مروانيًّا (¬1) وحَدَّث الوليدَ بنَ عَبدِ [الملك] (¬2) عن قَبيصة بنِ ¬

_ = فأمَر بذلك الرجل فالتُمِس فَوُجِد، فَأُتي به حتى نظرتُ إليه على النعت الذي نعت به رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم-/ وقد أخرج النسائي الحديث في كتاب خصائص علي -رضي الله عنه-، من سننه الكبرى، وبَوَّب عليه بقوله: ذكر ما خُص به أميرُ المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، من قتال المارقين"/ الخصائص المطبوع/ 78، 79، أقول: ودلالة الحديث على فضيلة علي -رضي الله عنه- ومنقَبتُه واضحة. وروى أبو زرعة الدمشقي في تاريخه قال: حدثني الحكم بن نافع قال: أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري قال: كان علي بن الحسين من أفضل أهل بيته وأفقَهِهم، وأحسنهم طاعة، وأحبهم إلى مروان بن الحكم، وابنِه عبد الملك 1/ 413، فهذا أيضًا من ثنائه الواضح على ذرية علي -رضي الله عنه-. (¬1) لعل المراد بذلك أنه كان يميل إلى بني مروان بن الحكم من الأموين، وقد تقدم أنه لازم عبدَ الملك وبعضَ أولاده، وقد عُرِف أبناءُ مروان وذريته بالمروانيِّين، كما جاء على لسان عمر بن عبد العزيز وهو في الخلافة حيث قال يومًا لحاجبه: لا يدخلن عليَّ اليوم إلا مروانيّ، فلما اجتمعوا عنده حمد الله وأثنى عليه، ثم قال: يا بني مروان، إنكم قد أُعطيتم حَظًا وشرفًا وأموالًا، إني لأحسب شطر أموال هذه الأمة أو ثلثه في أيديكم، فسكتوا ... / الحلية 5/ 273 وفي الأنساب المتفقة لابن القيسراني: المرواني منسوب إلى مروان بن الحكم/ 148. (¬2) بالأصل "عبد الله" وما أثبته من كتاب البَلْخي/ ص 90 والمعنى: حدَّث الزهريُّ الوليدَ بالحديث الآتي فقال: عن قَبِيصة ... إلخ، ويؤيد ذلك رواية الحديث الآتية، قريبًا. والوليد بن عبد الملك، هو الخليفة الأموي، ولي الخلافة بعهد من أبيه، وذلك في شوال سنة 86 هـ، ومع اتصافه بالجور والتَجَبر، فإنه أقام الجهاد، وفُتِحَتْ في خلافته الفتوحات العديدة، وعُمِلَتْ الإِصلاحات الكبيرة، وتوفي في نصف جمادى الآخرة سنة 96 هـ/ تاريخ الخلفاء للسيوطي/ 355 - 357.

ذُؤَيب (¬1) عن المغيرة بن شعبة/ أنه قال: إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تُناشِدوا الخُلفاء [بالله] (¬2). فبلغ ذلك سعيدَ بنِ المُسَيِّب، فقال ما نَرغَبُ عن ذكره (¬3). ثم ¬

_ (¬1) ابن حَلْحَلَة الخزاعي، المدني، أبو سعيد، ويقال أبو إسحاق، وُلد عام الفتح، وروى عن جماعة منهم المغيرة بن شعبة، وروى عنه جماعة، منهم الزهري، وكان قبيصة على خاتم عبد الملك بن مروان، وآثر الناس عنده - وهو الذي أدخل الزهري على عبد الملك ليروي له حديث عمر بن الخطاب في حكم أمهات الأولاد، وذلك في سنة 82 هـ، فحدثه به، وقد أُعجِب عبد الملك بعلمه، وقال له: ما مات رجل ترك مثلك، وأمر أن يكون من صحابته الملازمين لمجلسه/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 12 - 36، 66 - 72. وكان قبيصة عالمًا ثقة، ويقال إنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم-، وتُوفي في خلافة عبد الملك بن مروان، مع خلاف في سنة وفاته ما بين 86 - 96 هـ/ تهذيب التهذيب 8/ 346 - 347 والكاشف 2/ 396. (¬2) ليست بالأصل وأثبتُها من كتاب البَلْخي/ ص 90، وليست أيضًا في رواية الحديث الآتي تخريجها، والتناشُد من النشيد وهورفع الصوت، ويقال للسائل والطالب والمُستحلِفِ: نَاشِدٌ، لرفع صوته عادة بذلك، ومعنى "لا تُناشِدُوا الخلفاء بالله"، أي لا تسألوهم أو تطلبوا إليهم، بالله، أو لا تقسموا عليهم، أو تستحلفوهم به/ اللسان 4/ 431، 432، والنهاية مادة "نشد" فيهما وهدي الساري 1/ 214 ط مصطفى الحلبي. (¬3) قوله: "فقال ما نرغب عن ذكره" من كلام المؤلف كَنى بها عن العبارة التي ذكر البلخي أنَّ ابنَ المُسيِّب قالها عن الزهري، ونَصُّها في كتاب البَلْخي أن ابن المُسيِّب قال: "عَلَى ابن شهاب لعنةُ الله"، أما سمع أخا خُزاعة" ... إلخ/ ص 90، وإني أستغفر الله من حكايتها، وإن كان في كتب الجرح والتعديل ما يماثلها من حكايات الخصوم والطاعنين التي تصور مدى جَرْأتهم وتجاوزهم الحد في الجَرح. ثُم إن في ذكر نص العبارة منعًا لذهن السامع من أن يذهب في تقدير ما أبهمه المؤلف من قول ابن المسيِّب لأبعد وأكثر من هذا، والله المستعان وهو من وراء القصد.

قال: أمَا سَمِعَ أخا خُزاعةَ (¬1) يقول: يا ربِّ (¬2) إني ناشِدٌ (¬3) محمدًا؟! ¬

_ (¬1) هو عمرو بن سالم بن حصين بن سالم بن كلثوم الخزاعي، رجح ابن حجر كونه صحابيًا/ الإِصابة 4/ 630 - 632، والشطر الآتي في الأصل هو مطلع قصيدة خاطب بها عمرو رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُسْتَنْصِرًا به، وقيل: إن القائل عَمرو بنُ كُلثوم الخزاعي، وجَمع الحافظ ابنُ حجر بين القولَين بأنه يُحتمل أن يكون هذا هو الأول منسوبًا إلى جده الأعلا/ الإِصابة/ الموضع السابق، وجرى في الفتح على أنه عمرو بن سالم/ كتاب المغازي - باب فتح مكة 9/ 60، 61 ط مصطفى الحلبي، وهكذا ذكر الواقدي في المغازي 2/ 788، 789 وابن هشام في السيرة/ قسم 2/ 394 وابن عبد البر في الاستيعاب 3/ 1175. ومناسبة البيت مع بقية القصيدة، أنه لما عقد الرسول -صلى الله عليه وسلم- صُلحَ الحديبية المعروف مع قريش، كان من شروط الصلح وضعُ الحرب بين الفريقين عشرُ سنوات، وأن من أراد الدخول في عهد أي من الطرفين دخل فيه، فدخلَتْ خُزاعة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودخلت قبيلة بني بكر في عهد قريش، ثم حدث أن نقضت قريش العهد وساعدت بني بكر على قتال خزاعة والنيل منهم، فركب عمرو بن سالم مع وفد من خزاعة إلى المدينة، ووقف عمرو بالمسجد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقال القصيدة التي مطلعها هذا البيت، مُستنصرًا بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، على قريش وبني بكر، فأجابه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بقوله: نُصرْتَ يا عمرو بن سالم، وكان ذلك من أسباب وجوب فتح مكة في العام الثامن للهجرة/ المغازي للواقدي 2/ 780 - 791 والسيرة لابن هشام/ قسم 2/ 389 - 395 والإصابة 4/ 630 - 632. (¬2) كذا في السيرة لابن هشام/ القسم الثامن/ 394 والاستيعاب لابن عبد البر 3/ 1175 وفي المغازي للواقدي 2/ 789 والإِصابة 4/ 631: (اللهم). والشطر الثاني للبيت: حِلفَ أبينا وأبيه الأتْلَدا/ الإِصابة 4/ 631. (¬3) والمعنى: أني طالب من محمد -صلى الله عليه وسلم- النصرة بمقتضى الحِلْف المبرم بيننا من قبل، كما صرح به عمرو نفسه حيث قال: جئت بسرح مستنصرًا من مكة إلى المدينة/ الإِصابة 4/ 631 وانظر المغازي للواقدي 2/ 788، 789.

قال ابن المسيب: فيناشَد النبي، ولا يناشَد الوليد [بن عبد الملك] (¬1)؟! وقَدِم على عمر بن عبد العزيز فأخرجه من عَسكره، ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من كتاب البَلخي/ ص 90 ولم أجدها في رواية الحديث التي وقفت عليها، فقد أخرجه أبو بكر محمد بن الحسن بن دُريد قال: حدثنا الحسن قال: حدثنا يعقوب بن محمد الزهري قال: حدثني أبو عبد الرحمن المُذحجي قال: حدثنا معاوية الصِّدفي قال: قلت لسعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: إن ابن شهاب الزهري حدث الوليد بن عبد الملك عن قبيصة بن ذؤيب عن المغيرة بن شعبة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: لا ينبغي للخليفة أن يُناشَد، فذكرت ذلك لسعد، فقال: على ابن شهاب لعنة الله وعلى قبيصة لعنة الله، وعلى الوليد لعنة الله، أما سمع قول الخزاعي: يارب إني ناشِدٌ محمدًا.؟ فيناشَد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا يناشَد الوليد؟! / المجتنى لابن دريد/ 29، 30. أقول: ولم أجد من أخرج هذا الحديث غير ابن دُريد، وقوله: "فذكرتُ ذلك لسعد" لعله تحرف عن (سعيد) يعني ابن المسيب، كما جاء عند البلخي، ويَبعُد أن يُراد به (سعد بن إبراهيم) المذكور قبل ذلك، لأنه هو الذي وجه الصِّدفي إليه الحديث من أوله. وهذا الحديث في سنده "الحسن" شيخ ابن دريد، وأبو عبد الرحمن المُذحِجي، لم أقف لهما على ترجمة، وفيه ثلاثة ضعفاء وهم: 1 - ابن دُريد الذي أخرجه فهو محمد بن الحسن بن دُريد، إمام في الأدب الحافظ له، ولكن ضعفه غير واحد من جهة عدالته، قال مَسلمةُ بن قاسم: لم يكن ثقة عند جميعهم، وكان خليعًا/ انظر لسان الميزان 5/ 132 - 134. 2 - معاوية بن يحيى الصِّدفَي: ضعفه الجمهور من جهة حفظه، وقال الساجي: ضعيف الحديث جدًّا، وكان اشترى كتابًا للزهري من السوق، فروى عن الزهري/ تهذيب التهذيب 10/ 219، 220. أقول: ولم يُصرح في روايته هذه بما يدل على اتصال روايته عن الزهري، فيحتمل انقطاعها. 3 - يعقوب بن محمد الزهري: ضعفه الأكثرون من جهة حفظه/ تهذيب

من أجل هذا الحديث، وَمِنْ نَقصِه (¬1) عليًّا. قال ابن المديني: سمعت يحيى (¬2) يقول: حديث يحيى بن أَبي كَثِير، أحسن من حديث الزهري (¬3). ¬

_ = التهذيب 11/ 391 - 397، فالحديث بهذا الإِسناد ضعيف جدًّا على الأقل؛ وبالتالي لا يُعتَد بما في آخره من القدح في الزهري ومَن ذُكِر معه، وأكرر الاستغفار من حكايته. (¬1) في البلخي ص 90 ولِتَنقُّصِه عليًا، وقال بعده: "وكان عُمر كافًا عنه" وقد تقدم في الأصل وفي التعليق عليه بالهامش، ثناءُ عمر بن عبد العزيز على الزهري ثناء بالغًا، وروايته عنه، وحَثُّه رواة الحديث على الأخذ عنه، ورواية الزهري لمناقب علي، ومعارضته لهشام بن عبد الملك في أن عليًا -رضي الله عنه- هو المراد في آية: {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} كل ذلك وغيره مما لم نُرِد الإطالة بذكره، يدْفَع تلك الفِرية ويبطلُها. (¬2) هو ابن سعيد القطان/ انظر ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر/ 134 وشرح العلل لابن رجب 1/ 167 وتهذيب التهذيب 11/ 268، 269. (¬3) كذا النص في كتاب البلخي ص 90 والذي في المصادر السابقة، أن القائل هو شعبة، ويحيى القطان راو عنه ذلك فقط، ففي شرح العلل: وذكر ابن المديني أنه سمع يحيى بن سعيد يقول: قال شعبة: حديث يحيى بن أبي كثير أحسن من حديث الزهري، وروى عبد الرحمن بن الحكم بن بَشير قال: كان شعبة يقدم يحيى بن أبي كثير على الزهري/ شرح العلل 1/ 167 وفي تهذيب التهذيب: وقال القطان: سمعت شعبة يقول: يحيى أحسن حديثًا من الزهري/ 11/ 268، 269، ومما يؤيد أن الصواب نسبة القول لشعبة، ما جاء في ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر، فقد روى بسنده عن ابن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد يذكر عن شعبة قال: يحيى بن أبي كثير أحسن حديثًا من الزهري قال: وقال علي: ما لِشُعبة وحديث الزهري؟ لو لقي شعبة الزهري؟! ما رأيت مثل الزهري في زمانه، ولو قُلت في غير زمانه، لو كان رجل =

وسمعْتُ شيخنا الحافظَ، أبا الفتح، محمدَ بنَ عَلي القُشَيري (¬1) يقول: ذُكِر للزهري: أن رجلًا -يعني سلمَةَ بن دينار-[أبو حازم] (¬2) يروي عن سهل بن سعد، فقال: عن أبي حازم هذا: ¬

_ = يريد أن يضع الحديث، (ما) كان يحسن أن يجيء به أحسن مما كان يجيء به الزهري/ ترجمة الزهري 134، فنلاحظ أن ابن المديني وهو الراوي لهذا القول، قد وجّه تعقبه عليه لشعبة لا ليحيى القطان، فهذا يدل على أن القائل شعبة، ويحيى راو عنه فقط، وهذا التعقب من ابن المديني كاف في الرد على قول شعبة هذا بتقديم ابن أبي كثير على الزهري، لا سيما أن ابن أبي كثير أحد تلامذة الزهري، ويمكن أن يضاف لذلك أيضًا، أن قول شعبة - لو سلمنا به، فإنه يعتبر من المفاضلة بين الثقات، وهو لا يعد طعنًا في أي واحد من المُفاضَل بينهم، وإنما يؤخذ به في ترجيح رواية بعضهم على بعض عند التعارض، وعدم إمكان الجمع، وفي ذلك يقول الإمام أحمد: يحيى -يعني ابن أبي كثير، من أثبت الناس، إنما يُعَد مع الزهري، ويحيى بن سعيد، وإذا خالفه الزهري، فالقول قول يحيى/ تهذيب التهذيب 11/ 269، ويؤيد ذلك أيضًا أن الحافظ ابن رجب ذكر كُلًّا من الزهري وابن أبي كثير ضمن الحفاظ المُتْقِنين المحتج بهم بالاتفاق، وإن كان لهم خطأ نادر أو قليل، وذكر في ترجمتيهما: المفاضلةُ بينهما من شعبة كما هنا، ومن غيره، دون أن يعتبر ذلك مَطْعنًا في أي منهما/ انظر شرح العلل 1/ 158 - 168. (¬1) هو المعروف بابن دقيق العيد، تقدم التعريف به ص 345 ت. (¬2) ليست بالأصل، وأثبتها من مصادر الترجمة ليتضح بذكرها بقية الكلام التالي، وقد لُقب أبو حازم هذا بالقاص، لأنه كان يَعظُ الناس ويذَكِّرهُم بمسجد المدينة المنورة، كما وُصِف بأنه كان كثير الحديث، ووثقه كافة العلماء، رَوى عن سهل بن سعد الساعدي، وأيي أمامة بن سهل بن حُنَيف وغيرِهما، ورَوَى عنه الزهري والسفيانان، وغيرهم وتوفي سنة خمس وثلاثين ومائة، وقيل أربعين، وقيل غير ذلك، وقد حَدَثت بينه وبين الزهري مواقف أنتجَت جفوة بينهما، وتَكلم كل منهما في الآخر، كما يظهر من العبارة التي حكاها المؤلف عن شيخه =

لا أعرفه، فَذُكِر ذلك لأبي حازم، فقال (¬1). ¬

_ = ابن دقيق العيد، وسأذكر في التعليق التالي على تلك العبارة ما يقتضيه المقام بإذن الله، وانظر/ الكاشف 1/ 383، وتهذيب التهذيب 4/ 143، 144 والثقات لابن حبان 4/ 316 وحلية الأولياء لأبي نعيم 3/ 229 وما بعدها. ومن كلام الزهري في أبي حازم أنه مرَّ عليه فسمعه يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما لي أرى أحاديث ليس لها خُطُم ولا أزِمَّة/ الحلية 3/ 365، يعني ليس لها سند؛ لكن ابن حبان ذكر أن الزهري روى عن أبي حازم مع توثيقه على الإبهام، فقال: حدثني من أرضى، عن سهل بن سعد/ الإحسان - الاغتسال 2/ 244. (¬1) هكذا جاءت العبارة في الأصل، ومن الواضح أنه ساقط منها جواب أبي حازم، ويمكن الاستدلال عليه مما جاء في الحلية، فقد قال أبو حازم للزهري في أحد المواقف بينهما: أما إني لو كنتُ غَنِيًا عَرَفْتَني/ الحلية لأبي نعيم 3/ 234. وعمومًا فإن هذه العبارة التي حكاها المؤلف عن شيخه ابن دقيق العيد، أصلُها في ترجمة أبي حازم في الحلية، مع بقية مواقفه من الزهري. ومقصودُ المؤلف بالعبارة ذِكر بعض غرائب الجَرح الموجه للزهري، ويتضح ذلك بما خلاصته: أن أبا حازم هذا كان جارًا للزهري بالمدينة المنورة، ولكنهما اختلفا في الرأي والمَسْلَك، مما أدى إلى وقوع جفوة بينهما، وتَكلُّم كل منهما في الآخر كما قدمت، فأبو حازم جاء عنه التصريح بأن بني أمية مغتصبين للخلافة، وأنه لا يجوز للعلماء أصلًا الدخول في بطانة ولاة الأمور، ولا طلب أعطياتهم أو قبول صِلاتهم، معللًا ذلك بخشية وقوع العلماء في مخالفات شرعية، منها: مجاراة وُلاة الأمر في باطلهم، والرضا بظلمهم للرعية، والتماس الرُّخَص لهم، وغير ذلك مما سيأتي في كلامه. أما الزهري فإن علاقته بأمراء الأموين دلت على أنه كان مُقِرًا بالخلافة لمن تولاها منهم، وأنه يرى جواز الانضمام لبطانة ولاة الأمر وطلب العطاء، والصلة منهم عند الحاجة، وتَولي الوظائف منهم، طالما أن ذلك كله ليس فيه وقوع العاِلم فعلًا فيما عَلل به أبو حازم المنع، وهو عمل المخالفات الشرعية، فالفرق بينهما أَخْذُ أبي حازم بمبدأ الورع، وأَخْذُ الزهري بالجائز، مع عدم الوقوع فِي المحظور، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكلاهما مسلكان جائزان. ولذا نجد الزهري لمَّا نشأ ووجد نفسه فقيرًا معدَمًا والمدينة كلها في مجاعة عامة، سافر من المدينة إلى الشام طلبًا للرزق، فلما سنحت له الفرصة بالدخول على عبد الملك بن مروان ليروي له حديثًا كان يحتاجه، دخل عليه، وروى له الحديث، ثم تطرق من ذلك إلى شكاية حاجته، وطلب أن يفرض له حقه في العطاء الدائم من بيت مال المسلمين أسوة ببقية أهل بيته من قُريش، كما طلب سداد دين كان عليه، وخادمًا لحاجة أسْرتِه إليه، فاستجاب عبد الملك لذلك كله، وزاد عليه، وخرج قبيصة بن ذُؤيب -أمينُ سِرِّ عبد الملك- فقال للزهري: إن أمير المؤمنين قد أَمر أن تُثْبَت في صحابته، وأن يُجرَى عليك رزقُ الصحابة، وأن تُرفع فريضتك إلى أرفع منها، فالزم باب أمير المؤمنين، .. قال الزهري: ولزِمْت عسكر عبد الملك، وكنت أدخل عليه كثيرًا/ ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر 12 / - 35، 71 والمعرفة والتاريخ للفَسَوِي 1/ 626 - 630 وطبقات ابن سعد - القسم المحقق / 157 - 162، قال الزهري: وتُوفي عبد الملك بنْ مروان، فلزمتُ الوليدَ بن عبد الملك حتى تُوفي، ثم سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز، ويزيدَ بن عبد الملك، قال الراوي للخبر: فاستقضى يزيدُ بنُ عبد الملك على قضائه الزهري وسليمانَ بنَ حبيب المحاربي، جميعًا - قال (الزهري): ثم لزمتُ هشام بن عبد الملك/ طبقات ابن سعد/ الموضع السابق، وترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر 71، 72. وفي أيام سليمان بن عبد الملك بَدتْ مظاهر الجفوة بين الزهري وبين أبي حازم، حتى أحس الزهري بأن في كلام أبي حازم تعريضًا به، وشَتْمًا له، فقد أرسل سليمان بن عبد الملك، الزهري إلى أبي حازم بالمدينة يطلب منه الحضور إلى الشام ليكون في صحبة سليمان، فقال له الزهري: أَجِب الأمير، فقال: ما لي إليه حاجة، فإن كان له حاجة فَلْيأتِني/ الثقات لابن حبان 4/ 316. وروى أبو نعيم بسنده عن يحيى بن أبي كثير أن سليمان بن عبد الملك دخل المدينة المنورة حاجًّا، وبصحبته الزهري، فسأل سليمان: هل بالمدينة رجل أَدرك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عِدة من الصحابة؟ قالوا: أبو حازم، فأرسل إليه، فأتاه، فلما جاء عاتبةُ سليمان على عدم مجيئه إليه بنفسه، مع أن وجوه الناس أَتوه، وعَدَّ ذلك جفاءً منه، فقال له أبو حازم: ما عَرفْتَني قبل هذا، ولا أنا رأيتُك، فأي جفاء رأيتَ مني؟ فالتفت سليمان إلى الزهري، فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا، وطلب من سليمان الموعظة، فوعظه موعظة علا منها نَحيبُه واشتد بكاؤه، ثم قال له: يا أبا حازم، هل لك أن تصحَبنا وتصيبَ مِنَا ونُصيبَ منك؟ قال: كلا، قال: ولِمَ؟ قال: إني أخاف أنْ أَرْكن إليكم شيئًا قليلا، فيذيقني الله ضِعفَ الممات، ثم لا يكون لي منه نصير، ثم قال له: يا أبا حازم، ما تقول فيما نحن فيه؟ قال: أَوْتعفيني يا أمير المؤمنين، قال: بل نصيحة تُلقيها إليَّ، قال: إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر، فأخذوه عَنْوة بالسيف، من غير مشورة ولا اجتماع من الناس، وقد قتلوا فيه مَقْتلةً عظيمة، وارتحلوا، فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم، فقال رجل من جلسائه: بئسما قلْتَ، قال أبو حازم: كَذَبْتَ، إن الله تعالى أخذ على العلماء الميثاق لَيبَيِّنُنَّه للناس ولا يكتمونه، ... وفي آخر اللقاء قال سليمان: يا أبا حازم، هذه مائة دينار، أَنفِقْها، ولك عندي أمثالها كثير، فرمى بها، وقال: والله ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي؟ ... ثم قال له: فإن كانت هذه المائة دينار عِوَضًا عما حدَّثْتُك به فالميتة والدمُ ولحم الخنزير -في حال الاضطرار- أحلُّ منه، وإن كان من مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء، إن وازيتهم، وإلا فلا حاجة لي فيها، إن بني إسرائيل لم يزالوا على الهُدَى والتقى حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلما نكسوا ونفسوا وسقطوا من عين الله تعالى وآمنوا بالجِبْتِ والطاغوت، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم ويشاركونهم في دنْيَاهم، وشَرَكوا معهم في قتلهم، قال ابن شهاب: يا أبا حازم إيَّايَ تعني؟ أَوْ بي تُعرِّض؟ قال: ما إياك اعتمدت، ولكنْ هو ما تسمع. قال سليمان: يا ابن شهاب، تَعْرِفه؟ قال: نعم، جاري منذ ثلاثين سنة، ما كَلَّمتُه كلمة قط، قال أبو حازم: إنك نسيتَ الله فنسيتني، ولو أحببتَ الله تعالى لأحْبَبتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم تَشْتُمني؟ قال سليمان: ما شَتَمَك، ولكن شَتَمتْك نفسك، أَما علمتَ أن للجار على الجار حقًا كحق القرابة؟ فلما ذهب أبو حازم، قال رجل من جلساء سليمان: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يا أمير المؤمنين، تُحب أن يكون الناس كلهم مثل أبي حازم؟ قال: لا،/ الحلية 3/ 234 - 237. وأخرج أبو نعيم بسنده عن زمعة بن صالح قال: قال الزهري لسليمان: ألا تسأل أبا حازم ما قال في العلماء؟ قال: وما عَسَيْتُ أن أقول في العلماء إلا خيرًا، إني أدركت العلماء وقد استغنوا بعلمهم عن أهل الدنيا، ولم يستغنِ أهلُ الدنيا بدنياهم عن علمهم، فلما رأوا ذلك قدموا بعلمهم إلى أهل الدنيا، ولم يُنلْهم أهل الدنيا من دنياهم شيئًا، إن هذا -يعني الزهري- وأصحابَه ليسوا علماء، إنما هم رُواة، فقال الزهري: وإنه لجاري، وما علمت أن هذا عنده، قال: صدق، أَمَا إني لو كنتُ غنيًا عرفتني/ الحلية 3/ 233، 234. وأخرج أبو نعيم بسند فيه مجهول، أن بعض الأمراء أرسل إلى أبي حازم، فأتاه وعنده الإفريقي والزهري وغيرهما، فقال أبو حازم: إن خير الأمراء من أحب العلماء، وإن شر العلماء من أحب الأمراء، وإنه كان فيما مضى، إذا بعث الأمراء الى العلماء لم يأتوهم، وإذا أعطوهم لم يقبلوا منهم، وإذا سألوهم لم يُرَخِّصوا لهم، وكان الأمراء يأتون العلماء في بيوتهم فيسألونهم، فكان في ذلك صلاح للأمراء وصلاح للعلماء، فلما رأى ذلك ناس من الناس، قالوا: ما لنا لا نطلب العلم حتى نكون مثل هؤلاء؟ فطلبوا العلم فأتوا الأمراء فحدثوهم، فَرَخَّصوا لهم، وأعطوهم فقبلوا منهم، فَجَرِئَتْ الأمراء على العلماء، وجَرِئَتْ العلماء على الأمراء/ الحلية 3/ 243، 244. وروى أبو نعيم بسند فيه مقال، عن الذيال بن عباد قال: كتب أبو حازم الى الزهري ... وساق رسالة طويلة في أزيد من ثلاث صفحات، ومع أنه قال له فيها: لا تحسبن أني أردت توبيخك أو تَعْيِيرك وتَعنيفِك، ولكني أردت أن تُنْعِش ما فات من رأيك، وترد عليك ما عَزُب، عنك من حلمك، ... وشهد له فيها بغزارة العلم وجودة الفقه في الدين والفهم للسنة، مع هذا كله، فإنه وجه إليه عبارات قاسية، فقال: ولا تحسبَن الله راضيًا منك بالتعزير، ولا قابلًا منك التقصير، ... اعلم أن أدق ما ارتكبتَ، وأعظمَ ما احْتَقَبْت أن أَنِسْتَ للظالم، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وسهَّلْتَ له طريق الغَي بدُنُوِّكَ حين أُدْنِيت، وإجابتك حين دُعِيت، فما أخلقك أن تبوء (بإثمك) غدًا مع الجَرَمَة وأن تُسأل عما أردت بإغْضاءِك عن ظُلْم الظلَمة ... جعلوك قُطْبًا تدور رَحى باطلهم عليك، وجسرًا يعبرون بك إلى بلائهم، وسُلَّمًا الى ضلالتهم، وداعيًا إلى غَيِّهم، سالكًا سبيلهم، ما لَكَ لا تَنْتَبِه من نعستك، وتَستقِيل من عَثْرتِك فتقول: والله ما قمتُ لله مقامًا واحدًا أُحْيِي له فيه دينًا، ولا أُميتُ له فيه باطلًا ... أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغيرة؟ ... نحتسب عند الله مُصِيبَتَنا ونشكو اليه بَثَّنا وما نرى منك، ونحمد الله الذي عافانا مما ابتلاك به، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته/ الحلية 3/ 246 - 249. ويلاحظ جَلِيًا أن تلك الرسالة قد اشتملت على التجريح والنقد الموجَّهَيْن صراحة من أبي حازم للزهري، ولكنه قد جاء في سندها أن أحد رجال الإسناد وهو هارون بن حميد الدهكي قال: حدثنا الفضل بن عنبسة عن رجل قد سماه -أُراه عبد الحميد بن سليمان-/ الحلية 3/ 246، فيكون تحديد هذا الراوي غير مجزوم به، وهذا يجعل السند ضعيفًا، وعليه تكون الرسالة بهذا الإسناد ضعيفة، ولو قلنا إن في بقية الروايات السابقة ما يصلح شاهدًا مقويًا لها، فيحتج بمضمونها فإنه يمكن الجواب عن مضمونها ومضمون الشواهد المقوية لها، وذلك من غير وجه: أولًا: أن هذه الانتقادات الموجهة للزهري من أبي حازم يعارضُها تعديل الجمهور للزهري تعديلًا كاملًا مطلقًا، كما تقدم في كلام المؤلف ونقوله في الأصل، فيكون الراجح ما عليه الجمهور، وقول أبي حازم يعتبر مرجوحًا لا يُعوَّل عليه. ثانيًا: أن انتقاد أبي حازم للزهري متركز في صحبته للحكام الفاسدين في نظر أبي حازم، ومجاراتهم في مفاسدهم، وهذا مردود بما تقدم من شهادة الأوزاعي تلميذ الزهري ومعاصِرُه بأنه ما داهَن قط ملكًا دخل عليه، وبما تقدم من رده على هشام والوليد بشدة في قولهما: إن عليًا رضي الله عنه هو المقصود بقوله تعالى: "والذي تولى كِبَره منهم له عذاب أليم". =

وأبو الوليد المكي الذي رَوَى عن (¬1) الشافعي، اسمه: موسى، ويُعرفُ بالجارُودِي (¬2) وكأنها نسبة إلى أبيه، فإنه ابن أبي الجارود (¬3). [قوله: بغائط]: (¬4) والأصل في الغائط، المُطْمَئِنُّ (¬5) من الأرض، كانوا يَنْتَابُونه (¬6). لقضاء الحاجة، ثم كَنَوا به عن الخارج (¬7). ¬

_ = ثالثًا: أنه طالما ثبت حدوث جَفوة وعَداء بين الجارح والمجروح، وأن الجرح صدر بناء على اختلاف في الاجتهاد، فلا يلزم المقولَ فيه ما قال الجارح، ولا يُقْبلُ الجَرح، وهذا متحقق بالنسبة لأبي حازم مع الزهري كما تقدم، فلا يقبل قول كل منهما في الآخر/ انظر جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر - باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض 2/ 185 - 200 وقاعدة السبكي في الجرح والتعديل 9 - 30 ولسان الميزان 1/ 16 وقواعد في علوم الحديث للتهانَوِي/ 196، 197. (¬1) بالأصل "عنه" وما أثبته هو المطابق لما في ترجمة أبي الوليد، أنه روى عن الشافعي رضي الله عنه/ تهذيب التهذيب 10/ 339. (¬2) بفتح الجيم وضم الراء، وفي آخرها الدال المهملة- نِسْبة إلى الجارود، وهو اسم لبعض أجداد المنتَسِب إليه/ اللباب 1/ 249 والأنساب المتفقة، لابن القيسراني/ 28. (¬3) المكي الفقيه، روى عن ابن عيينة والشافعي والبُوَيْطِي وغيرهم، وروى عنه الترمذي، والربيع بن سليمان المرادي وغيرهما، وذكره ابن حبان في الثقات/ تهذيب التهذيب 10/ 339 واعتمد الذهبي توثيقه/ الكاشف 3/ 182. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من عندي ليتضح السياق. (¬5) أي المنخفض/ لسان العرب/ مادة طمن 138/ 17. (¬6) أي يأتونه مرة بعد مرة/ لسان العرب/ مادة "نوب". (¬7) من قوله: "والأصل"، إلى هنا، هذه عبارة الخطابي مع تصرف يسير وتناقلها عنه شراح الحديث معزوة إليه، وفي بقيتها يقول: إن ذلك كراهية لذكره بخاص =

"والشام": إقليم مشهور، يُذكَّر ويُؤنَّث، ويقال بالهمزة (¬1) وبغير همز (¬2) وأما "شَأم" بفتح الهمزة (¬3) فأباه أكثرهم، إلا في النّسب، وقيل سُميت الشام، بـ "سام" بن نوح، وذلك أنه أولُ من نَزَلَها (¬4) فجُعِلَت "السين" شينًا لتغيير (¬5) اللفظ الأعجمي، وقيل سُميت بذلك، لكثرة ¬

_ = اسمه، ومن عادات العرب التعفف في ألفاظها، واستعمال الكناية في كلامها، وصون الألسنة عما تُصان الأبصار والأسماع عنه/ معالم السنن مع مختصر سنن أبي داود 1/ 19 وانظر النهاية لابن الأثير/ مادة "غوط" ولسان العرب نفس المادة، وتحفة الأحوذي 1/ 52 وعمدة القاري 2/ 258 كتاب الضوء - باب لا تُستَقْبَل القبلة بغائط/ ط مصطفى الحلبي، وشرح السنة للبغوي 1/ 357. (¬1) مع سكونها/ معجم البلدان 3/ 311. (¬2) قال ياقوت: من غير الهمز: كذا يزعم اللغويون/ معجم البلدان 3/ 311. (¬3) مع المد/ انظر معجم البلدان 3/ 311 ومراصد الاطلاع 2/ 775 وذكر كلاهما أنها جاءت هكذا بهمزة ممدودة في شعر عربي قديم، وذكر ياقوت منه ثلاثة أمثلة، وأجاب صاحب المراصد بقوله: لعله لضرورة الشعر، وقال ياقوت: وما جاء من ضرورة الشعر فمحمول على أنه اقتصر من النسبة على ذكر البلد/ مُعجم البلدان 3/ 312 وكذا في اللسان مادة "شأم". (¬4) نسب ياقوت هذا القول لبعض أهل الأثر وذكر منهم: الشرقي/ معجم البلدان 3/ 312، وقد مشى على هذا مِنْ بَعْد ياقوت، صاحب مراصد الاطلاع 2/ 775، ولكن أبا عبيد البكري -وهو متقدم عنهما، وعليه اعتمد ياقوت كثيرًا- قد تعقب هذا القول، فقال: ولم يَدْخُلْها سام بن نوح قط، كما قال بعض الناس: إنه أول من اختطها، فَسُمِّيت به/ معجم ما استعجم لأبي عبيد البكري - بتحقيق الأستاذ مصطفى السقا 3/ 773. (¬5) بالأصل "تعبير" وما أثبته من معجم البلدان 3/ 312.

قُراها، وتَداني بَعْضِها من بعض، فشبهت بـ "الشامات" (¬1) وقيل: باب الكعبة مُستَقْبَل المطلع، فمن قابل طلوع الشمس، كانت اليمن عن يمينه، والشام عن يده الشُّومَى (¬2) وقيل: هو مأخوذ من اليد الشُّومَى (¬3) أو من الشُّؤْم (¬4). "والمراحيض" جَمع مِرْحاض، قال ابن سِيدَه: والمِرْحضَةُ، والمِرْحَاضُ: المغتَسَل، والمِرْحاض: موضع الخلاء، وهو منه، والمِرْحاض: خشبةُ يُضرَب بها الثوبُ إذا غُسِل، والرُّحضَاء: العَرق، والرُّحضاء: الحُمَّى بِعرَق (¬5). ¬

_ (¬1) جمع "شامَة" وهي الخال في الجسد/ لسان العرب مادة "شام" وذكر هذا القول ياقوت/ معجم البلدان 3/ 312 وقال أبو عبيد البكري: قيل: إنه سُمي بشامات هناك حُمْر وسُود/ معجم ما استعجم 3/ 773. (¬2) أشار لهذا القول صاحب اللسان/ مادة "شأم" والحافظ ابن حجر في هدى الساري 1/ 156 ط مصطفى الحلبي، ولكن ياقوتًا تعقب هذا القول بأنه فاسد، لأن القِبْلةَ لا شامة لها ولا يَمين، لأنها مَقصِد من كل وجه، يَمْنَة لِقَوم، وشامة لآخرين/ معجم البلدان 3/ 312. (¬3) أي اليُسرى/ معجم البلدان 3/ 312. (¬4) معجم البلدان 3/ 312، وقد علق ياقوت على الأقوال المذكورة بأنها حسنة، ما عدا القول بشأمة الكعبة، فعدَّهُ فاسدًا كما تقدم في التعليق السابق، وانظر معجم البلدان 3/ 312. (¬5) المحكم 3/ 89 نهر/ 2 ونحوه في اللسان عن الأزهري/ اللسان، مادة "رَحَض" وذكر الأزهري أيضًا وغيره ممن شرح الحديث، أن المراد بالمراحيض في هذا الحديث المواضع التي بنيت للغائط، أي مواضع الاغتسال/ اللسان مادة "رحض"، وانظر عارضة الأحوذي 1/ 24 ومعالم السنن للخطابي 1/ 20 وشرح السنة للبغوي 1/ 359.

وفي الحديث دليل على منع في استقبال القبلة واستدبارها، وقد اختلف العلماء في ذلك: 1 - فمنهم من منع ذلك مطلقًا، أخذًا بظاهر هذا الحديث، وبما رَوى مسلم عن أبي صالح، عن أبي هريرة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا جلس أحدكم على حاجته، فلا يستقبل القبلة، ولا يستدْبِرْها (¬1) وبما رَوى مسلم -أيضًا- من حديث سلمان الفارسي قال: أَجَلْ إنه نهانا أن يَسْتَنْجِي أحدنا بيمينه، أو يستقبل القبلة (¬2). وبما رَوى الإمام أحمد، وابن ماجه، عن عبد الله بن الحارث بن جَزْء (¬3) الزُّبَيدي (¬4) -وهو آخر من مات من الصحابة بمصر (¬5) - لا يبولَنَّ أحدكم مستقبِلَ القبلة (¬6) وحديثَ معْقِل: أن ¬

_ (¬1) صحيح مسلم كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224 ح 265. (¬2) بالأصل رواية الحديث هكذا "انتهانا أن نستقبل القبلة وأن يَسْتَنْجِي أحدُنا بيمينه" وما أثبته إحدى روايتي مسلم لحديث سلمان، والثانية لفظها: "أَجَلْ لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين"، وبذلك نجد أن اللفظ الذي ذكره الشارح غير مطابق للفظ روايتي الحديث في مسلم، كما أن الصريح في الاستدلال للمسألة، الرواية الثانية التي لم يذكرها، مع أنها المذكورة أولًا في صحيح مسلم/ انظر مسلم كتاب الطهارة باب الاستطابة 1/ 223، 224 ح 262 بروايتيه. (¬3) بفتح الجيم وسكون الزاي، بعدها همزة/ التقريب 1/ 407. (¬4) بضم الزاي/ المصدر السابق. (¬5) وذلك سنة ست وثمانين، على الأصح/ تقريب التهذيب 2/ 407 والإصابة 4/ 46 ط النهضة. (¬6) تقدم تخريج الحديث، وبيان صحته ص 452 ت.

النبي-صلى الله عليه وسلم- نهى أن نَستَقبِل القِبلَتين ببول أو غائط. وقد تقدمت الإشارة إلى هذه الأحاديث (¬1). وإليه ذهب أبو أيوب (¬2) وممن نَحَى هذا المنحَى: مُجاهد بن ¬

_ (¬1) وتقدم تخريجُها ص 453 ت وما بعدها. (¬2) فقد أخرج البيهقي عنه موقوفًا: لا تَستقبِلُوا القِبلَة لغائط ولا بول، ولا تَستدْبِرُوها/ سنن البيهقي - كتاب الطهارة - جِماع أبواب الاستطابة 1/ 91. وفي آخر حديثه في النهي العام عن الاستقبال والاستدبار للقبلة قال: فَقدِمْنا الشامَ، فوجدنا مراحيض بُنِيَتْ قِبَل القِبْلَة، فننحرف عنها ونستغفر الله تَعالى - البخاري - كتاب الصلاة - باب قِبْلة أَهل المدينة والشام 1/ 103 ومسلم - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224 ح 59. والشافعي في اختلاف الحديث - باب استقبال القِبْلة للغائط والبول 7/ 269 بهامش كتاب الأم. ومن طريقه البيهقي في معرفة السُّنن والآثار - باب الاستطابة 1/ 263. والبيهقي في السنن - كتاب الطهارة - جماع أبواب الاستطابة 1/ 91. وروى مالك بسنده عن رافع بن إسحق أنه سمع أبا أيوب الأنصاري -وهو بمصر- يقول: والله ما أدري كيف أصنع بهذه الكرابيس؟ -يعني المراحيض- وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا ذهب أحدكم الغائط أو البول، فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بِفَرْجه/ الموطأ -كتاب القِبلة- باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان على حاجته/ 137 ح 1 ط الشعب. وأخرجه البيهقي من طريق الشافعي عن مالك به/ معرفة السنن والآثار - باب الاستطابة 1/ 264. وأخرجه النسائي من طريق مالك، به، لكن بدون ذكر الفَرْج - سنن النسائي =

جَبر (¬1)، وإبراهيم بن يزيد ¬

_ = الصغرى - كتاب الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة عند الحاجة/ 5 ط لاهور - وقال السيوطي: قوله: وهو بمصر، في رواية الصحيحين: فَقدِمْنا الشام، ... قال الشيخ ولي الدين العراقي في شرحِ أبي داود: ولا تَنافيَ بين الروايتين؟ فيمكن أنه وقع له هذا في البَلَديْن معًا، قَدِم كُلًّا منهما فَرأى مراحيضهما إلى القبلة/ التعليقات السلفية على سنن النسائي بهامشها/ ص 5، وانظر في ذِكْر رأي أبي أيوب/ المحلى 1/ 258 والتمهيد 1/ 304 والمجموع للنووي 2/ 81 وعمدة القاري 2/ 261 وفح الباري 1/ 256 ط مصطفى الحلبي. (¬1) بالأصل "جُبَيْر" مُصغر، مع ضبط الجيم بالضم، والصواب أنه مكبَّر كما أَثبتُّه من الخُلاصة/ 369 والتقريب 2/ 229 وضَبَطه فيه بالحروف، فقال: بضم الجيم وإسكان المُوحَّدة. وقوله هذا أخرجه ابن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن منصور عن مجاهد، قال: كان يكره أن يستقبل القبلة ببول، ونقل المحقق عن نسخة أخرى "القِبْلتين" بدل "القبلة"/ مصنف ابن أبي سيبة - كتاب الطهارة - باب في استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 150 أصل وهامش. وعلى رواية "القبلتين" مشى ابنُ حَزم، فنسب إلى مجاهد أنه كان يَكرهُ أن يُستقبلَ القبلتان بالفروج. المُحلى - كتاب الطهارة مسألة 146 - 1/ 259، ونَسب إليه ابن عبد البر القول بكراهة استدبار إحدى القبلتين أو استقبالها بغائط أو بول/ التمهيد 1/ 305. ونسب النووي إليه القولَ بحرمة استقبال القبلة أو استدبارها مطلقًا/ المجموع 2/ 81. ونَسب العَيْني إليه القولَ بعدم جواز ذلك/ عمدة القاري 2/ 260 ط مصطفى الحلبي.

النَّخَعِي (¬1) وسفيان/ بنُ سعيد الثوري (¬2) وأهل الكوفة (¬3) وأبو ثَوْر (¬4) ¬

_ (¬1) أخرج ابن أبي شيبة، قال: حدثنا جرير بن منصور عن إبراهيم قال: كانوا يَكرهُون أن يستقبلوا بغائط أو بول، أو يستدبروها، ولكن عن يمينها أو يسارها/ مصنف ابن أبي شيبة - كتاب الطهارات - باب استقبال القبلة بالغائط أو البول 1/ 150، 151. ونسب إليه ذلك ابن حَزْم/ المحلَّى 1/ 258 والعيني/ عمدة القاري 2/ 261 ط مصطفى الحلبي. ونسب إليه النووي القولَ بحرمة الاستقبال والاستدبار للقبلة/ المجموع 2/ 81. ونسب إليه ابن عبد البر القولَ بكراهة استقبال أو استدبار إحدى القبلتين ببول أو غائط/ التمهيد 1/ 305 وسيأتي ذكر المؤلف له على أنه قول مستقل في المسألة. (¬2) نسب إليه القول بعدم جواز ذلك ابن حزم/ المحلَّى 1/ 258 والعيني/ عمدة القاري 2/ 261 وابن قدامة/ المغْنِي 1/ 261 وابن عبد البر/ التمهيد 1/ 309. ونسب إليه النووي القولَ بالحرمة/ المجموع 2/ 81. (¬3) يعني أبا حنيفة ومن تبعه، وقد نسب ابن عبد البر والحازمي إلى الكوفيين القول بعدم الجواز/ التمهيد 1/ 309 والاعتبار/ 38، وكذا نسبه العيني وابن قدامة الى أبي حنيفة/ العمدة 2/ 261، والمغني 1/ 162، ونسب إليه ابن حزم القولَ بالمنْع/ المُحلَّى 1/ 259 ونسب النووي إليه القول بالحرمة/ المجموع 2/ 81 وقال ابن حجر إنه المشهور عن أبي حنيفة/ فتح الباري 1/ 259 ط مصطفى الحلبي. (¬4) هو إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان، الكَلْبي، البغدادي و"أبو ثور" لقبه، وهو صاحب الإمام الشافعي، وروى عنه وعن سفيان الثوري وغيرهما، وروى عنه مسلم =

وأحمد - في إحدى الروايتين عنه (¬1) - وقالوا: إنما كان المنع لِحُرْمة ¬

_ = خارج الصحيح، وأبو داود وابن ماجه وغيرهم، وثقه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وغيرهم، ووصفه ابن عبد البر بحسن النظر، مع شذوذه عن الجمهور بمخالفتهم في بعض الأراء، وعده ابن عبد البر أيضًا وغيره أنه من أئمة الفقهاء، وقال ابن السبكي: كان الفقه أغلبَ عليه من الحديث، وذكر الخطيب وغيره أنه كان أولًا يتفقه بالرأي، ويذهب إلى قول أهل العراق، حتى قَدِم الشافعيُّ بغداد فاختلف إليه، ورجع عن الرأي إلى الحديث، وتُوفي في صفر سنة 240 هـ/ طبقات الشافعية لابن السبكي 2/ 74 - 80 وتهذيب التهذيب 1/ 118، 119. وقد نسب إليه ابنُ حزم القولَ بعدم جواز استقبال القبلة أو استدبارها مطلقًا/ المحلى 1/ 258 وكذا العَيْني/ عمدة القاري 2/ 261 ط مصطفى الحلبي، وابن عبد البر/ التمهيد 1/ 309، ونسب إليه النووي وابن حجر القول بحرمة ذلك/ المجموع 2/ 81 وفتح الباري 1/ 256. (¬1) نسب ابن عبد البر لأحمدَ القولَ بعدم الجواز/ التمهيد 1/ 309 ومِنْ بَعْدِه الحازمي/ الاعتبار/ 38 وكذا العيني/ العمدة 2/ 261. وذكر ابن قدامة أن هذه إحدى الروايتين عن أحمد/ المُغْني 1/ 162، وذكر النووي أن القولَ بحرمة الاستقبال والاستدبار مطلقًا رواية عن أحمد/ المجموع 2/ 81 وقال ابن حجر: إنه المشهور عن أحمد/ فتح الباري 1/ 256؛ ولكن في الإفصاح لابن هُبَيْرَة 1/ 76 أن الرواية الثانية هي المشهورة، وقال ابن قدامة إنها الصحيح، وهي أنه يجوز الاستقبال والاستدبار للقبلة في البنيان فقط دون القضاء/ المُغْني 1/ 162 وسيأتي في الأصل الإشارة لتلك الرواية، وممن اختار القول بالمنع ورجَّحه على غيره: ابنُ حزم، وابنُ العربي، والشوكاني، والمبارَكفُورِي، وأجابوا عما يُخالِف ذلك من الأقوال بما يَرونَه كافيًا في رَدِّها/ انظر المحلَّى 1/ 258 - 266 وعارضة الأحوذِي 1/ 27 ونيل الأوطار 1/ 94 - 96، 101 وتحفة الأحْوذِي 1/ 58، 59 / ولكن ستأتي إشارة المؤلف إلى ترجيح =

القِبْلَة، وهذا المعنى موجود في البنيان والصحراء؛ ولأنه لو كان الحائلُ كافيًا، لجاز في الصحراء (¬1)، لأن بيننا وبين الكعبة جبالًا وأودية، وغير ذلك من أنواع الحائل (¬2) وتَعلِيلُ ذلك باحترام الفِنَاء، ظاهر؛ لأنه معنى مناسب، وَرَد الحُكْم على وَفْقهِ فيكونُ عِلَّة لَهُ (¬3). وأقوى من هذا في التعليل بذلك (¬4)، ما رُوي من حديث ¬

_ = الرأي الثالث مما أورده في الأصل، وهو المعتمد عند المحققين كما سيأتي ذكره في التعليق عليه. ومما ردُّوا به هذا القول بالمنع المطلق: أن فيه تعطيلًا لبعض الأحاديث الصالحة للحجةِ واسقاطًا لها، وهي أحاديث الترخيص الآتي ذكرها في الباب التالي لهذا، وما في معناها/ وانظر معالم السنن للخطابي 1/ 20. (¬1) بالأصل "ولأن"، ولا يستقيم المعنى عليه، وما أثبته من شرح النووي لصحيح مسلم - كتاب الطهارة - باب آداب قضاء الحاجة 3/ 154 ط المطبعة المصرية، وفي المجموع للنووي أيضًا "فإن" 2/ 81. (¬2) من قول المؤلف: وقالوا: إنما كان المنع ... إلى هنا، هو نص عبارة النووي في شرح مسلم/ الموضع السابق، ونص عبارته في المجموع أيضًا، مع تصرف يسير، ونحوه في عمدة القاري 2/ 261 وذكر النووي: أن هذا هو التعليل الصحيح، كما حَكَى عن ثلاثة غيرِه من أئمة الشافعية: أنه هو المعتمد، وذكر أن الترخيص في البنيان لأجل المشقة، ويبقى عند انعدامها أيضًا، لأن الرخصة تَرِدُ لسبب ثم تَعُم كقصر الصلاة/ المجموع 2/ 81، 82. (¬3) من قول المؤلف: "وتعليل ذلك" إلى هنا، هو كلام شيخه ابن دقيق العيد، مع تصرف يسير جدًّا / انظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد، شرح عمدة الأحكام لعبد الغني المقدسي 1/ 53. (¬4) عبارة ابن دقيق العيد: "في الدلالة على هذا التعليل" / إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 1/ 53.

سُراقة بن مالك، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إِذا أتى أحدُكم البُراز فلْيكرِم قبلة الله -عز وجل-، ولا تستقبلوا القبلة (¬1). وهذا ظاهر قوي في التعليل (¬2). ¬

_ (¬1) عزاه السيوطي إلى الطبري في تهذيبه، وإلى حرب بن إسماعيل الكرماني في مسائله، كلاهما عن سراقة بن مالك، وقال: ضُعِّف يعني الحديث/ الكنز - الطهارة - النهي عن استقبال القبلة في الخلاء 9/ 361 ح 26464 (الأقوال) وعزاه أيضًا إلى عبد الرزاق، ولم يتكلم عنه/ الكنز - الطهارة/ من الأفعال 9/ 511 ح 7201. وقال في نصب الراية: أخرجه أبو جعفر الطبري في تهذيب الآثار عن سماك بن الفضل عن (أبي) رِشدِين الجَنَدي عن سراقة بن مالك قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا أتى أحدُكم الغائطَ فليكرم قبلة الله عز وجل فلا يستقبل القبلة، وأخرج (الطبري) أيضًا عن عمرو بن جميع عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من جلس يبول قُبالة القبلة فذكر فتحرَّف عنها إجلالًا لها، لم يقم من مجلسه حتى يُغفَر له/ نصب الراية - الصلاة حديث 99 جـ 2/ 103. أقول: وفي سند الرواية الأولى أبو رِشْدِين، وهو زياد، أبو رشدين الجَنَدي، ذكره مسلم في الكني 1/ 323، باب أبو رِشْدين، وبيض له ابن أبي حاتم/ الجرح والتعديل 2/ 550، فلعل السيوطي ضعف هذه الرواية لجهالة حال أبي رِشدين هذا، وأما الرواية الثانية ففي سندها عمرو بن جميع، وقد وصفه الدارقطني وجماعة: بأنه متروك، وقال البخاري فيه نظر: وقال ابن عدي: كان متهمًا بالوضع، وكذبه ابن معين/ انظر الميزان 3/ 251 والكامل 5/ 1764، 1765. وعليه فالحديث من طريقه موضوع أو شديد الضعف؛ لكن سيأتي التعليق بعد التالي ذكر رواية بمعناه، من حديث أبي هريرة، صالحة للاحتجاج، وكان الأولى ذكر المؤلف لها، لتظهر قوة هذا التعليل، وهو إكرام القبلة. (¬2) انظر المصدر السابق، وفيه بَعد: "في التعليل" زيادة: "لما ذكرنا".

وحديث سُراقة هذا، ذكرِ ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عن حديث رواه أحمد بن ثابت، [فرْخُوَيه] (¬1) عن عبد الرزاق، عن مَعمر، عن سِمَاك [بن الفضل، عن أبي رشدين الجَنَدِي] (¬2) عن سراقة [بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: إذا أَتى أحدُكم الغائط فَلْيكرم قِبلة الله - عز وجل- فلا يستقبل القبلة ... (الحديث)، قال أبي: إن ما يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بأخَرة] (2). ¬

_ (¬1) أثبتها من عند ابن أبي حاتم/ علل الحديث - كتاب الطهارة 1/ 36 /، الجرح وِالتعديل له 2/ 544 وهو أحمد بن ثابت بن عَتْاب الرازي، المعروف بفَرخُويَه، روى عن عبد الرزاق وعمرو بن عثمان الرقي، وغيرهما، وقال ابن أبي حاتم: سمع منه أبي، ثم روى عن أبي العباس الطهراني قوله: كانوا لا يشكُّون أن فرخويَه كذاب/ الجرح والتعديل/ الموضع السابق، ولسان الميزان 1/ 143 وعليه فالحديث من طريق "فَرخُويَه" موضوع، وقد أخرجه الدارقطني بمعناه مع زيادة، وذلك من طريق مُبشر بن عبيد -بسنده- عن عائشة قالت: مر سراقة بن مالك المُدلِجي على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن التغوط، فأمره أن يتنكب القِبلة، ولا يستقبلها، ولا يستدبرها" (الحديث) ثم قال الدارقطني: لم يروه غير مبشر بن عبيد، وهو متروك الحديث/ سنن الدارقطني - كتاب الطهارة 1/ 57556، ح 11، وقال ابن حجر: رماه أحمد بالوضع/ التقريب 2/ 228، وعليه فالحديث بهذا الإسناد، إما شديد الضعف وإما موضوع أيضًا لحال "مبشر" هذا والله أعلم. (¬2) ما بين المعكوفتين ساقط من الأصل، وأثبته من المصدر الذي أشار اليه المؤلف وهو علل الحديث لابن أبي حاتم - كتاب الطهارة 1/ 37، ومن نصب الراية 2/ 103، وقوله: بأخَرة، أي أخيرًا، كذا فسرها الرافعي، وضبطها بفتح الخاء المعجمة/ التدوين في أخبار قزوين للرافعي 1/ 12، وقال ابن حجر عن الحديث: أخرجه الدارمي، وغيره، وإسناده ضعيف/ التلخيص الحبير 1/ 105. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أقول: ولم أجده في مَظِنَّتهِ في سنن الدارمي. وكل من الرواية الموقوفة التي أشار ابن أبي حاتم إليها، والمسندة التي نسبها أيضًا لعبد الرزاق، قد أخرجهما الدارقطني في سننه، ومن طريقه البيهقي في المعرفة، وأخرج ابن أبي شيبة الموقوفة فقط؛ ولكن كل هذه الروايات ليست عن سراقة بن مالك، ولا عن عائشة، كالروايتين السابق ذكرهما، وإنما هذه الروايات جميعها من رواية سلمة بن وهرام عن طاوس، ومنها رواية موقوفة عليه، وثلاثة يرفعها هو للرسول -صلى الله عليه وسلم- فتكون مرسلة لعدم ذكره الصحابي فيها، ومرفوعة لرفعها للرسول -صلى الله عليه وسلم-. وقد رَوى المرسلة المرفوعة عبد الرزاق، ووكيع وعبد الله بن وهب، ثلاثتهم عن زَمعة بن صالح عن سلمة بن وهرام عن طاوس عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة الله، فلا يستقبلْها ولا يستدبِرْها (الحديث). وأما الموقوفة فرواها سفيان بن عيينة عن سلمة بن وَهرام أنه سمع طاوسًا يقول: نحوه، ولم يرفعه. قال علي بن المديني: قلت لسفيان: أكان زمعة يرفعه؟ قال: نعم، فسألت سلمة عنه فلم يعرفه، يعني لم يرفعه/ سنن الدارقطني - الطهارة 1/ 57 - أحاديث 12 - 15، ومعرفة السنن والآثار للبيهقي - باب الاستطابة 1/ 267، 268، والمصنف لابن أبي شيبة - كتاب الطهارة - باب في استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 151. ولعل هذا ما جعل أبا حاتم يُرجح كون الحديث موقوفًا، حيث قال: "إن ما يروونه موقوف، وأسنده عبد الرزاق بأخَرة، لكن يلاحظ مما تقدم أنه قد شارك عبد الرزاق في رفعه كل من: ابن وهب ووكيع، بل أشار الدارقطني إلى مشاركة غيرهم لهم في رفعه/ سنن الدارقطني 1/ 57. أما الشافعي فقد أورد الحديث معلقًا موقوفًا على طاوس، ثم أعله بالإرسال، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقال: فإن قيل: فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس: حق على كل مسلم أن يُكرم قبلة الله، أن يستقبلها لغائط أو بول، قيل له: هذا مرسل وأهل الحديث لا يثبتونه. ثم أجاب عنه من وجه آخر فقال: ولو ثبت، كان كحديث أبي أيوب، ثم قال: فإن كان قال طاووس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها، فإنما سمع -والله أعلم- حديث أبي أيوب عن النبي -صلى الله عليه وسلم- فأنزل ذلك على إكرام القبلة، وهي أهل أن تُكرم/ اختلاف الحديث للشافعي، بهامش الأم 7/ 271، 272، ورواه البيهقي عنه في معرفة السنن والآثار، وأقره 1/ 268. ويضاف لما قرره كل من أبي حاتم والشافعي بشأن هذا الحديث: أن مدار روايته المرفوعة، على زمعة بن صالح الجَنَدي، وقد ضعفه الأكثرون/ الكاشف 1/ 325، والمغني 1/ 240، كلاهما للذهبي، وتهذيب التهذيب 3/ 338، 339، وتقريب التهذيب 1/ 263، وقد أيده ابن العربي أيضًا بحديث آخر، فذكر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- علل المنع بحرمة القبلة ثم قال: فَرُوِي أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: من جلس لبول قُبالة القبلة فذكر فانحرف عنها إجلالًا لها لم يقم من مجلسه حتى يغفر له، أخرجه البزار العارضة 1/ 25، ويلاحظ أنه لم يذكر سند الحديث ولا راويه ولا درجته. وقد أورده السيوطي بنحوه، وعزاه الى الطبري في تهذيب الآثار، عن الحسن مرسل، وعقب عليه بقوله: وفيه كذاب/ جمع الجوامع 1/ 770 حرف الميم. وعليه فهذه الروايات لا تنهض وحدها للحجة؛ لكن أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعًا: "مَن لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتبت له حسنة، ومحي عنه سيئة"، قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح إلّا شيخ الطبراني وشيخ شيخه، وهما ثقتان/ مجمع الزوائد 1/ 206، وقرر الألباني تصحيحه/ انظر سلسلة الأحاديث الصحيحة 3/ 88، 89، ح 1598 وصحيح الترغيب والترهيب 1/ 63 ح 146، وقال السيوطي: حُسِّن/ الكنز 9/ 363.

2 - ومنهم مَن أجاز (¬1) ذلك مطلقًا في الصحراء، والبنيان. واحتجوا بحديث ابن عمر الآتي في الباب بعد هذا (¬2) وحديث جابر الآتي فيه أيضًا (¬3) وقوله فيه: [فرأَيتُه] (¬4) قبل أن يُقْبَضَ بعام، يستقبلها، وبحديث عائشة: لما بِلغ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قولُ الناس في ذلك، أمر بِمقْعدتِه، فاستقبل بها القَبلِة (¬5). وَرأَوا هذه الأحاديث وما أشبهَها، ناسخةً للأحاديث المتقدمة (¬6). ¬

_ (¬1) بالأصل "اختار" ولا يستقيم المعنى عليه، وما أثبته من الصادر التي اعتمد عليها المؤلف، وإن لم يصرح بذلك، مع تطابُق أغلب عباراته لهم، كما قدمت في توثيق بعضها، وانظر عبارة "أجازه مطلقًا" في إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 231 مع حاشية الصنعاني عليه. (¬2) يعني في متن الترمذي، وهو باب الرخصة في الاستقبال والاستدبار ص 620. (¬3) ص 619. (¬4) ليست بالأصل، وأثبتها من روايات الحديث كما سيأتي في الأصل ص 619. (¬5) سيأتي تخريجُ الحديث في الباب التالي، حيث أشار الترمذي إليه فيه، وتكلم عنه الشارح ص 657 وما بعدها. (¬6) ذكر هذا التوجيه الحازمي/ الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار للحازمي/ 38، 39، والشوكاني/ نيل الأوطار 1/ 95، 98، 101 والتمهيد 1/ 310. وهذا أحَدُ توجيهين للقائِلينْ بالجواز المطلق، والتوجيه الثاني: أن منهم من قال: إن الأخبار في الباب جاءت مختلفة يعني بالجواز والمنع فيجب إيقافُها، وتَرْكُ الأشياء على الإباحةِ التي كانت، حكى ذلك ابنُ المُنذِر/ الاعتبار للحازمي/ 38، وقال في التمهيد: قالوا: لما تعارضت الآثار في هذا الباب لم يجب العمل بشيء منها، لتَهاتُرِها، كالبَيِّنَتَينْ المتعارِضَتَينْ، قالوا: والأصل أن لا حَظْر، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إلَّا ما يَرِدُ به عن الله أو عن رسوله، مما لا مُعارِض له/ التمهيد 1/ 311. ونحوه في الفتح باختصار/ فتح الباري 1/ 256 ط الحلبي، وفي المجموع للنووي 2/ 82. لكن المُحققين من العلماء ردُّوا كِلَا هذين التوجيهين، وبالتالي يُرَدُّ هذا القولَ بالجواز المطلق. فابن عبد البر وابن دقيق العيد اعتبرا القول بنسخ النهي الوارد في حديث أبي أيوب، بحديث جابر رضي الله عنهما زَعْمًا/ التمهيد 1/ 311 وإحكام الأحكام 1/ 51، 52، وكذا ذكر العيني/ عمدة القاري 2/ 262 وعَدَّهُ ابن خزيمةَ تَوَهُّمًا/ صحيح ابن خزيمة 1/ 34، وقال ابن حجر: والحق أنه (أي حديث جابر) ليس بناسخ لحديث النهي، خلافًا لمن زعمه. فتح الباري 1/ 256، ط. الحلبي، وقال العيني: إن دعوى النسخ المذكور ليست بظاهرة، بل هو استدلال ضعيف؛ لأنه لا يُصارُ إليه إلا عند تعذر الجمع، وهو ممكن، كما سيجيء بيانُه إن شاء الله/ عمدة القاري 2/ 262، 265، ونحوه في التمهيد 1/ 307، 312، وذكر النووي: أن القول بالنسخ خطأ؛ لإمكان الجمع/ المجموع له 2/ 83. ثم إن ابن العربي نَفَى معارضةَ حديثِ جابر لحديث أبي أيوب لوجوه أربعة، منها: أن حديث جابر فِعْل، وحديث أبي أيوب قَوْلٌ، ولا معارضة بين القولِ والفِعْل/ عارضة الأحوذِي 1/ 27، وأيَّدهُ ابنُ القَيِّم/ تهذيب سنن أبي داود له 1/ 22 مع مختصر السنن للمنذري، والحافظ ابن حجر/ التلخيص الحبير 1/ 104، وقال الشوكاني: الأولى في الجواب عنه (أي عن حديث جابر) أنَّ فِعْلَه -صلى الله عليه وسلم- لا يعارض القولَ الخاصِ بنَا، كما تقرر في الأصول/ نيل الأوطار 1/ 95، 96، 99. وقال ابن قُدامة في المغني 1/ 162: إن حديث جابر يَحْتمِل أنه رآه في البنيان أو مستترًا بشيء، والنسخ لا يثبت بالاحتمال. وهناك من ردَّ المعارضة والنسخ بحديث جابر لتضعيفه، كابن حزم/ المُحلَّى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1/ 265، وأحمد/ التمهيد 1/ 309 وابن عبد البر/ المرجع السابق 1/ 312 وعُمدة القاري 2/ 262. ولكنه قد أُجِيبَ عن تضعيفه كما سيأتي في الباب التالي، وجُعِلَ الحديثُ بعد ثبوته، محمولًا على أن جابرًا رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- في بناء ونحوه؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله -صلى الله عليه وسلم- لمبالغته في التستر/ التلخيص الحبير 1/ 104 وفتح الباري 1/ 256 ط الحلبي وعمدة القاري 2/ 262 ط الحلبي، وبالتالي أُخِذَ بحديث جابر في جواز الاستقبال في البنيان مع أن لفظه عام. وأما النسخ بحديث ابن عمر فقال ابن العربي: هذا باطل، وعَلَّل ذلك بعدم توافر شروط الناسخ فيه/ عارضة الأحوذي 1/ 27، وقال ابن حزم، وغيرُه مِنْ بَعدِه: إنه ليس في الحديث بيانُ تأخره عن النهي/ المحلَّى 1/ 261 ونيل الأوطار 1/ 100، وحقق الحافظ ابن حجر وُرودَ بعضِ رواياته الصحيحة مقيدةً بأن ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في بنيان/ الفتح 1/ 258، فلا يَنْسخُ النهيَ العام/ نيل الأوطار 1/ 98، 99. وذكر ابنُ العربي أَن حديث ابن عمر لا يُعارِض حديث أبي أيوب في النهي، لأربعة أوجه، منها: أنه فِعْلٌ فلا يُعارض القول/ عارضة الأحوذِي 1/ 27 وأقره الشوكاني/ نيل الأوطار 1/ 98، 99، 101 والمباركفُوري/ تحفة الأحوذِي 1/ 59. وأما المعارضةُ والنسخ بحديث عائشة، فمنهم من رده بتضعيفه مرفوعًا، وتصحيح وقفه على عائشة رضي الله عنها، وبالتالي لا يُعارِض ولا يَنسخُ النهي المرفوع، وسيأتي ترجيح تصحيحه موقوفًا، وأنه مرفوع حكمًا، ولو سُلِّم تصحيحُ المرفوع؛ فإن لفظَه خاص بالاستقبال فقط، فلا يَنسخُ النهي العام، ثم إن نَصه يُبين أنه كان قبل النهي لا بَعدَه، فكيف ينسخه؟ انظر المحل 1/ 261، 264 أصل وهامش، ونيل الأوطار 1/ 100، 101 وعمدة القاري 2/ 265، 266 وتحفة الأحوذي 1/ 58 وتعليقَ ابنِ القيم على سنن أبي داود 1/ 22، 23 مع مختصر =

وهذا يُحكَى عن عروة بنِ الزبير (¬1) وربيعة بن أبي عبد الرحمن (¬2) وأَبِي سليمان داود بن علي الأصبهاني (¬3). ¬

_ = المنذري للسنن. وقال الحافظ ابن حجر: واعتلُّوا (أي المجيزين مطلقًا) بأن الأحاديث تعارضت، فلْيُرجع إلى أصل الإباحة/ فتح الباري 1/ 256. وقال ابن العربي: ولا نسلم أن الأصل الإباحة/ العارضة 1/ 27، وتقدم عنه ردُّ معارضةِ حديثَيْ جابر وابن عمر لحديث أبي أيوب في النهي العام. (¬1) انظر عَزْوه إليه في التمهيد 1/ 311 والمحلى 1/ 259 والاعتبار للحازمي/ 38 وشرح مسلم للنووي 3/ 154 وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 52 وفتح الباري 1/ 256 وعمدة القاري 2/ 262 وتحفة الأحْوذِي 1/ 56. (¬2) هو المعروف بربيعة الرأي، مع حفظه للسنة وثقته في الحديث، وشهرته في الفقه؛ لكن قال ابن سعد: كانوا يتَقونَه لموضع الرأي، وقد تُوفي على الصحيح سنة 136 هـ، وعنه أخذ الإمام مالك وغيره/ تقريب التهذيب 1/ 247 والتهذيب 3/ 258، 259، وقد حكى عنه القول بهذا الرأي أبو صالح عن الليث عنه/ التمهيد 1/ 311 وانظر عزوه إليه في بقية المصادر المذكورة في التعليق الذي قبل هذا، وفي المجموع للنووي 2/ 81 والمغنى لابن قدامة 1/ 162 وإحكام الأحكام 1/ 52. (¬3) وهو المعروف بداود الظاهري، إمام أهل الظاهر وفقيههم، كان بصيرًا بصحيح الحديث وسقيمه، وصنف التصانيف، وأودع فيها حديثًا كثيرًا، لكن الرواية عنه عزيزة، وبدعه الإمام أحمد؛ لكونه قال: القرآن مُحدَث، وتوفي في رمضان سنة 270 هـ/ تذكرة الحفاظ 2/ 572 ترجمة 597. وانظر عزو هذا القول اليه في المصادر المذكورة في التعليقين السابقين على هذا التعليق.

3 - ومنهم من أجاز (¬1) ذلك في البنيان، ورآه (¬2) في الصحراء مُحرمًا، وحَمَل حديث ابنَ عمر وجابر، وما في معناهما، على التخصيص لحديث أبي أيوب (¬3)، لا على النسخ. والحمل على التخصيص أولى؛ إذ إعمال الحديثين أولى من إلغاء أحدهما، ولأنه لا يُصار إلى النسخ إلّا إذا تعذر التخصيص، وليس هو هاهنا متعذرًا. قالوا: الرخصة في استقبال القبلة للغائط والبول، في المنازل، والمنع من ذلك في الصحارى (¬4) ¬

_ (¬1) بالأصل "اختار" وما أثبته هو الوارد في المصادر التي ذكرت هذا الرأي، كما سيأتي ذكرها بعد. (¬2) بالأصل "ورواه" والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى والسياق عليه. (¬3) الأولى أن يقول: لحديث أبي أيوب وما في معناه، كما سيأتي في بقية كلامه، وكما قال أولًا: حديث ابن عمر وجابر وما في معناهما؛ وذلك لأنه قد ثبت في النهي عن استقبال القبلة واستدبارها أحاديث كثيرة، غير حديث أبي أيوب رواها جماعة من الصحابة منهم: أبو هريرة وابن مسعود، وسهل بن حُنيف وعبد الله بن الحارث بن جَزْء، وسلمان الفارسي، وقد تقدمت إشارة الترمذي في أول الباب لبعضها، وخرّجها الشارح فيما تقدم، كما تقدم تخريجي هناك لأحاديث أخرى عن غير هؤلاء الصحابة، وقد قرر ذلك ابن عبد البر أيضًا/ انظر التمهيد 1/ 309، والعيني في عمدة القاري 2/ 261 ط الحلبي. (¬4) من قول المؤلف: "قالوا (أي أصحاب هذا القول الثالث): الرخصة في استقبال القبلة" ... إلى هنا، هو بيان لكيفية التخصيص، فتحمل أحاديث الترخيص على أن المراد بها البنيان والمنازل، حيث ورد التقييد بالبنيان صراحة في بعض ألفاظها، كما قدمت ذكره فتخرُج من عموم أحاديث النهي، ويحمل النهي على الصحارى والفضاء، كما سيشير المؤلف في الأصل قريبًا، وبهذا يحصل إعمال كُل من أدلة الترخيص والنهي، وقد عبر بعض العلماء عن هذا بالجمع بين تلك =

وهذا المذهب يروى عن العباس بن عبد المطلب (¬1) وعبد الله ¬

_ = الأحاديث، وبعضهم عبر بالتخصيص، مثل المؤلف، وابن خزيمة في صحيحه 1/ 33 باب 42، والتخصيص هو طريق للجمع هنا، ومؤدى العبارتين هو إعمال كل من أدلة النهي والترخيص جميعًا على الوجه المذكور، وهذه ميزة جعلت غير واحد من المحققين يرجحون هذا الرأي على بقية الآراء المتعددة في الموضوع، وعزاه الحافظ ابن حجر للجمهور، يعني من الشافعية، كما دل على ذلك ما في المجموع 2/ 79، وسيأتي نَقلُ المؤلف له ص 602 وليس جمهور العلماء عمومًا، كما يُفهم من نيل الأوطار 1/ 54 /، وتحفة الأحوذي 1/ 56، وقال: وهو أعدل الأقوال؛ لإعماله جميع الأدلة/ فتح الباري 1/ 256، وقال الخطابي: هو أولى؛ لأن في ذلك جمعًا بين الأخبار المختلفة، واستعمالها على وجوهها كلها/ معالم السنن مع مختصر سنن أبي داود 1/ 20، وقال ابن عبد البر: هوالصحيح عندنا ... ؛ لأن في ذلك استعمال السنن على وجوهها الممكنة فيها دون رد شيء ثابت منها/ التمهيد 1/ 312، وذكر النووي أحاديث الترخيص عن ابن عمر وعائشة وجابر، ومروان بن الأصفر عن ابن عمر، ثم قال: فهذه أحاديث صحيحة مصرحة بالجواز في البنيان، وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة وغيرهم ووردَتْ بالنهي، فيُحمَل على الصحراء، ليُجمعَ بين الأحاديث، ولا خلاف بين العلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يُصار إلى ترك بعضها، بل يجب الجمع بينها، والعمل بجميعها، وقد أمكن الجمع على ما ذكره، فوجب المصير إليه/ شرح النووي لصحيح مسلم 3/ 154، 155، وانظر ذكر طريقة الجمع أيضًا في إحكام الأحكام 1/ 52، والتمهيد 1/ 307، 312 واعتمد العيني أيضًا الجمع/ عمدة القاري 2/ 262، 265. وذكر ابن قدامة أن هذا القول هو الصحيح ... وفيه جمع بين الأحاديث فيتعين المصير إليه/ المغنى 1/ 162، 163. (¬1) وانظر عزوه إليه في شرح مسلم للنووي 3/ 154 والمجموع له 2/ 81 والمغني لابن قدامة 1/ 162 ونيل الأوطار 1/ 94.

ابن عمر (¬1) ¬

_ (¬1) أخرج ذلك عنه أبو داود والحاكم والبيهقي والدارقطني والحازمي وابن خزيمة، جميعهم من طريق الحسن بن ذكوان عن مروان الأصفر، قال: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن: أليس قد نهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهى عن ذلك في الفضاء، فإذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس/ سنن أبي داود - كتاب الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة 1/ 28 مع عون المعبود، وسنن البيهقي كتاب الطهارة - باب الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية 1/ 92 - والمستدرك - كتاب الطهارة، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري فقد احتج بالحسن بن ذكوان، ولم يخرجاه، وقد أقره الذهبي على ذلك/ المستدرك وبهامشه تلخيص الذهبي/ 1/ 154، وقال ابن حجر: إن هذا إسناد لا بأس به/ فتح الباري 1/ 258 ط الحلبي. وقال الدارقطني عقب إخراج الحديث: هذا صحيح، كلهم ثقات/ سنن الدارقطني - كتاب الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء 1/ 58، وقال الحازمي: هذا حديث حسن/ الاعتبار للحازمي/ 40، وأخرجه أيضًا ابن خزيمة في صحيحه - كتاب الطهارة - باب 144/ 35 ح 60. لكن في سند الحديث عند الجميع "الحسن بن ذكوان" وقد ضعفه غير واحد، تضعيفًا مجملًا، وفسره بعضهم برميه ببدعة القدر، وبعضهم بالتدليس، وبعضهم بوجود بعض مناكير في حديثه/ تهذيب التهذيب 2/ 276، 277 وهدى الساري 1/ 158، 159 ط الحلبي، والكامل لابن عدي 2/ 730، 731 ونسخة الظاهرية ل/ 90. ولكنه قد وُثق أيضًا من غير واحد، فقد أخرج له البخاري في صحيحه، حديثًا واحدًا محتجًا به، وذلك في كتاب الرقائق - باب صفة الجنة والنار/ البخاري مع الفتح 11/ 481 ح 6566 ط السلفية وهدى الساري 1/ 158، 159 ط الحلبي وطبقات المدلسين لابن حجر/ 85. كما أخرج له ابن خزيمة أثر ابن عمر هذا في صحيحه، كما تقدم فيعتبر هذا توثيقًا فعليًا منهما له/ انظرا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الاقترح لابن دقيق العيد/ 326، 327 ط بغداد. وذكره ابن حيان في الثقات، ولقبه بـ "المعلم"/ الثقات 6/ 163، والمعروف بهذا اللقب هو الحسين بن ذكوان/ تهذيب التهذيب 2/ 338، وذكره أيضًا ابن شاهين في الثقات وقال: بصري ثقة، ليس بينه وبين الحسين بن ذكوان قرابة/ الثقات لابن شاهين، بتحقيق الشيخ صبحي السامرائي/ 59. وقال ابن عدي: على أن يحيى القطان وابن المبارك رويا عنه، وناهيك به للحسن بن ذكوان من الجلالة أن يرويا عنه، وأرجو أنه لا بأس به/ الكامل لابن عدي 2/ 731 ونسخة الظاهرية ل 90 / وتهذيب التهذيب 2/ 276. وقال الدارقطني عن رواة أثر ابن عمر هذا بما فيهم الحسن: "كلهم ثقات/ السنن للدارقطني 1/ 58 فيكون ذلك توثيقًا له. وبتوثيق هؤلاء الأئمة له قوليًا وفعليًا يندفع جرحه المجمل بأنه ضعيف، أو ليس بالقوي، وبالنسبة للتدليس، فقد ذكره ابن حجر في الطبقة الثالثة، وهم من أكثر من التدليس فلم يحتج الأئمة من أحاديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع، ومنهم من رد حديثهم مطلقًا، ومنهم من قبلهم/ طبقات المدلسين لابن حجر/ 23 ووصَفَ الحسن بأنه مختلف في الاحتجاج به/ طبقات المدلسين/ 85. أما جرحه بأن له بعض أحاديث مناكير فإن ابن عَدِي قد ذكر من أحاديثه المتكلم فيها ستة أحاديث ثم قال: وللحسن ابن ذكوان أحاديث غير ما ذكرت وليس بكثير، وفي بعض ما ذكرت ما لا يرويه غيره/ الكامل/ الموضع السابق، فهذا يفيد قلة مناكيره التي ينفرد بها، وهذا يدل على خفة ضبطه فقط، فينزل بذلك توثيقه إلى مرتبة الحسن لذاته فيما ينفرد به، ما لم يُدلِّسه، ولم يكن مؤيدًا لبدعة القدر التي نُسِبَت إليه، مع ملاحظة أن في نسبتها إليه خِلافًا؛ حيث إن أبا داود لما قال عنه: كان قَدريًا، قال له الآجري: زَعم قوم أنه كان فاضلًا جدًّا، فقال أبو داود: ما بلغني عنه فضل، كان صديقًا لأبي جعفر الخليفة/ سؤالات الآجري لأبي داود/ 265 وتهذيب التهذيب 2/ 277، أقول: وكون أبي داود لم يبلغه عنه فضل، لا ينفي ثوت فضله الكبير عند غيره وسلامته من البدعة عند =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من أشار الآجري إليهم. وبالتأمل في سند قول ابن عمر الذي معناه في عامة المصادر التي أخرجته والتي قدمت ذكرها، فإننا نجد أن الحسن بن ذكوان قد رواه عن شيخه بالعنعنة، فمَن قَبِل عنعنة أصحاب الطبقة الثالثة من المدلّسين التي ذُكِر فيها الحسن بن ذكوان، قَبِل هذا الأثر، وعليه جرى كل من ابن خزيمة والدارقطني والحاكم حيث حكموا بصحته، وكذا الحازمي حيث حسَّنه. وقد تقدم نقل ذلك عنهم. أما ما نقله صاحب بذل المجهود عن ابن حجر أنه وصف إسناد هذا الأثر في الفتح بالحُسْن فلم أجده فيه، ولكن الموجود في الفتح 1/ 247 الطبعة السلفية و 1/ 285 ط الحلبي قول ابن حجر: رواه أبو داود والحاكم بسند لا بأس به، فلعل هذا مقصود صاحب البذل بالحُسن، وانظر بذل المجهود في حل أبي داود للشيخ خليل أحمد السهارَنْفُوري 1/ 29. وأما من شَرَط لقبول أصحاب هذه الطبقة من المدلّسين أن يصرحوا بالتحديث ونحوه، فإن هذا الأثر يعتبر عندهم ضعيفًا بهذا الإسناد، لأنه يكون منقطعًا بعنعنة الحسن عن شيخه، ولعل مما يؤيد هذا أن الحديث الذي أخرجه البخاري في الصحيح عن الحسن محتجًا به كما تقدم، إذا تأملنا سنده نجد الحسن مصرِّحًا فيه بتحديث شيخه له، وليس معنعنًا، كما في أثر ابن عمر الذي معنا. لكن هناك ما يجبر ضعف إسناده هذا، وذلك هو وجود شاهد صحيح لقول ابن عمر من المرفوع، ومن رواية ابن عمر نفسه، كما سيأتي ذكره قريبًا. وقد عَزا القول المذكور الى ابن عمر كلٌّ من ابن عبد البر/ التمهيد 1/ 307، والخطَّابي/ معالم السنن 1/ 20، والبغوي شرح السنة 1/ 359، وأورد رواية أبي داود له ابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام 1/ 52، والنووي/ شرح مسلم للنووي 3/ 154 والمجموع له 2/ 81 وابن حجر/ فتح الباري 1/ 258 ط الحلبي، وغير هؤلاء. لكن ابن حزم قال: ورَوينا من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السختياني عن =

والشعبي (¬1) ومالك بن أنس (¬2) ¬

_ = نافع عن ابن عمر: أنه كان يكره أن تستقبل القبلتان بالفروج/ المحلى 1/ 258 وهذا إسناد ضعيف، لضعف رواية حماد عن أيوب/ انظر شرح العلل 1/ 128، 2/ 674، 675 وتلك الرواية هي الموافقة لِمَا ذهب إليه ابنُ حزم من ترجيح المنع المطلق بالنسبة للكعبة، ولكنه ذكر رواية أخرى عن ابن عمر من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد عن نافع عن ابن عمر أنه يجوز استقبال الكعبة واستدبارُها بالبول والغائط/ المحلى 1/ 259. وهذا إسناد صحيح؛ غير أن الرواية التي معنا يؤيدها حديث ابن عمر المرفوع الذي صح فيه رؤيته للرسول -صلى الله عليه وسلم- يستدبر القبلة عند قضاء الحاجة محجوبًا (كذا؟) عليه بِلَبِن، أوْ في كتيف/ فتح الباري 1/ 228 ط الحلبي، وبهذا تترجح رواية ابن عمر التي معنا لموافقتها للمرفوع المقيد بالبناء وما يقوم مقامه من السواتر. (¬1) هو عامر بن شراحيل الشعبي -بفتح الشين المعجمة، وسكون العين المهملة ثقة مشهور فقيه فاضل، مات بعد المائة، وله نحو ثمانين سنة/ تقريب التهذيب 1/ 387 وإحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 387 وقوله هذا أخرجه عنه غير واحد كما سيأتي بيانه قريبًا، حيث ذكره المؤلف في الأصل. وذكر قوله بغير إسناد كل من ابن حزم/ المحلي 1/ 259 وابن دقيق العيد/ إحكام الأحكام 1/ 53 والخطابي/ معالم السنن 1/ 20، والبغوي/ شرح السنة 1/ 359 والنووي/ شرح مسلم للنووي 3/ 154 والمجموع له 2/ 81، وغير هؤلاء. (¬2) عزاه لمالك كل من: ابن القاسم/ المدونة 1/ 7 والخطابي ورجَّحه/ معالم السنن له 1/ 20 والبغوي/ شرح السنة له 1/ 359 وابن عبد البر، وقال: إنه الصحيح/ التمهيد 1/ 309، 312، وابن العربي/ عارضة الأحوذي/ 1/ 26 والنووي/ المجموع له 2/ 81 وابن قدامة، وقال: هو الصحيح/ المغني 1/ 162 وابن حزم، وشدد العبارة في رده/ المحلي 1/ 259، 266 والصواب ما قرره غيره من الأئمة المذكورين وغيرهم: أنه الصحيح والأولى؛ لما قدمته، =

والشافعي (¬1) وأحمد - في إحدى الروايتين (¬2) عنه، واسحق ¬

_ = وذكر ابن العربي أنه رُوِي عن مالك تقييد الجواز بالمواضع التي عملت للخلاء ولا يقدر الشخص على الانحراف فيها عن القبلة، أما إذا قدر على الانحراف فلا يجوز/ عارضة الأحوذي 1/ 24. (¬1) ذكر الشافعي ذلك في جمعه بين حديث ابن عمر بالترخيص، وحديث أبي أيوب بالمنع، فقال: والحال في الصحاري كما حدّث أبو أيوب، وفي البيوت كما حدث ابن عمر، لا أنهما يختلفان/ اختلاف الحديث للشافعي - باب استقبال القبلة للغائط والبول/ بهامش الأم 7/ 272، ورواه البيهقي بسنده إلى الشافعي/ معرفة السنن والآثار للبيهقي - كتاب الطهارة - باب الاستطابة 1/ 268، 269، وعزاه إليه الخطابي/ معالم السنن 1/ 20 وابن حزم المحلي 1/ 256 / وابن عبد البر، وقال: إنه الصحيح 1/ 309 والبغوي/ شرح السنة له 1/ 359 وابن العربي/ عارضة الأحوذي 1/ 24 وابن قدامة/ المغني/ 1/ 162 وغير هؤلاء. (¬2) هكذا ذكر النووي في شرح مسلم 3/ 154: إن هذه إحدى الروايتين مطلقًا عن أحمد، وذكر صاحب الافصاح: أنها الرواية الثانية المشهورة/ الافصاح لابن هبيرة 1/ 76 فقيد الثنائية بالشهرة، والرواية الأولى عنه هي رواية المنع المطلق للاستقبال والاستدبار كما تقدم. اما ابن الجوزي وابن قدامة فصرحا بأن هاتين الروايتين عن أحمد في الاستدبار والاستقبال في البنيان وما في حكمه من السواتر فقط/ المغنى 1/ 162 والتحقيق لابن الجوزي 1/ 68، أما حكم الاستقبال والاستدبار عمومًا فعن أحمد فيه رواية ثالثة، وهي التي حكاها عنه الترمذي في هذا الباب: أنه يجوز الاستدبار فقط للكعبة دون الاستقبال، وكذا ذكرها صاحب المغني 1/ 163 والافصاح 1/ 76. وقد راعى النووي نفسه مجموع الروايات عن أحمد مرة ثانية فقال في المجموع عن القول بالاستقبال والاستدبار في البنيان والسواتر وعدمه في غيرهما: إنه رواية عن أحمد، وذكر الروايتين الأخريين أيضًا/ المجموع للنووي 2/ 81 وانظر المغنى 1/ 162، 163 والتمهيد 1/ 309، 310. وراعي مجموع الروايات أيضًا =

ابن راهُوْيَهْ (¬1). واحتجوا في المنع بحديث أبي أيوب وما في معناه، وفي الإباحة ¬

_ = صاحب الافصاح، فوصف الرواية الأولى عن أحمد بأنها إحدى الروايات/ الافصاح 1/ 76 وراعاه أيضًا العيني في العمدة فقال عن القول الذي معنا: إنه لأحمد في رواية/ العمدة 2/ 262، ولم يقيده ابن حجر أيضًا بأنه إحدى الروايتين عن أحمد/ فتح الباري 1/ 256. هذا وقد قرر ابن الجوزي أن رواية الجواز في البنيان هذه هي أصح الروايتين فيه عن أحمد/ التحقيق 1/ 68. (¬1) هو إسحق بن ابراهبم بن مخلَد أبو يعقوب الحَنظلي، وعُرف بابن رَاهوَيْه، ومعناه: مَن وُلِدَ في الطريق؛ لأن والده ولد في الطريق، ومذهب أهل النحو والأدب في ضبط رَاهُوَيْه، ونظائره، فتح الواو وما قبلها، وسكون الباء ثم هاء، ومذهب المحدثين سكون الواو، وضم ما قبلها، وفتح الياء، وإسكان الهاء آخره، ومن كتبها "تاءً" فهو خطأ، وللمحدثين في ضبطهم سلف، وإسحق هذا ثقة فقيه مجتهد، كان قرين أحمد بن حنبل، ذكر أبو داود أنه تغير حفظه قبل موته بخمسة أشهر، قال: سمعت منه في تلك الأيام، فَرَميْتُ به، وقال عنه ابن حبان: إنه كان من سادات أهل زمانه فقهًا وعلمًا وحفظًا، وصنف الكتب وفرع على السنن، وذب عنها وقمع من خالفها، وتوفي سنة 237 هـ أو سنة 238 هـ/ انظر تقريب التهذيب 4/ 51، وتهذيب التهذيب 6/ 211 - 219 والثقات لابن حبان 8/ 115، 116 وتدريب الراوي/ 226، 228 ط أولى. وقول إسحق هذا نسبه إليه ابن عبد البر/ التمهيد/ 1/ 309 والنووي/ شرح مسلم للنووي 3/ 154. كما نُسب هذا القول أيضًا لعبد الله بن المبارك/ التمهيد/ 1/ 359 ولعبد الله بن عباس/ عمدة القاري 3/ 262 ونيل الأوطار 1/ 54 ولابن المنذر/ المغني 1/ 162 ولأبي حنيفة/ فتح الباري 1/ 256.

بحديث جابر، وابن عمر (¬1) وما في معناهما. ومَحْمَل النهي عندهم -حيث وَرد- على حُرمة المصلِّين من الملائكة (¬2).-أي في ¬

_ (¬1) سيأتي الحديثان في الباب التالي لهذا، حيث أخرجهما الترمذي فيه. (¬2) كذا ذكر ابن عبد البر عن بعض المالكية/ التمهيد 1/ 312 وزاد الخطابي/ معالم السنن للخطابي مع مختصر المنذري لسنن أبي داود 1/ 20 والبغوي/ شرح السنة 1/ 312 والرافعي/ فتح العزيز 1/ 460 ذِكْر "الإنس والجن"، واقتصر البيهقي/ السنن الكبرى 1/ 93 والشيرازي والنووي على ذكر الملائكة والجن/ انظر المهذب للشيرازي مع شرحه المجموعٍ للنووي 2/ 78، 83، ويؤيد ذكر الجميع عموم الرواية الآتية في الأصل قريبًا عن الشعبي حيث قال: لأن الله خلق خلقًا من عباده يصلون في الصحراء الخ. وقول المؤلف إن ذلك "محمل النهي عندهم" يجعل الضمير في "عندهم" يرجع إلى من قدم ذكرهم من القائلين بهذا القول الثالث، وذلك يفيد أن كلهم يعللون النهي بحرمة المصلين لا بحُرمة القبلة، وهذا غير مسلَّم، فالإمام الشافعي قد أقر تعليل النهي بحرمة القبلة/ اختلاف الحديث له، بهامش الأم 7/ 271، 272. نعم روى هذا التعليل عن الشعبي، كما سيأتي ذكره في الأصل، وعزاه إليه ابن العربي عارضه الأحوذي 1/ 24، والعيني/ عمدة القاري 2/ 277، وعزاه الرافعي والنووي إلى الأصحاب من الشافعية/ فتح العزيز للرافعي 1/ 460، 461 والمجموع 2/ 83، وعزاه ابن عبد البر إلى بعض أصحابهم - يعني المالكية/ التمهيد 1/ 312. وذكره دون تحديد قائله كل من الخطابي/ معالم السنن له 1/ 20 والبغوي/ شرح السنة له 1/ 362، وابن حزم/ المحلي 1/ 266. وقد قدمت أن الراجح والمعتمد هو التعليل بحُرمة القبلة، أما هذا التعليل بحرمة المصلين فقد رده، غير واحد، سواء من جهة المعنى أو من جهة ثبوت روايته عن الشعبي.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فابن حزم بعد ذكره هذا التعليل قال: هذا باطل؛ لأن وقوع الغائط كيفما وقع في الصحراء فموضعه لا بد أن يكون قِبلَة لجهة مَّا، وغيرَ قبلةِ لجهة أخرى/ المحلي 1/ 266. وقال العيني: هو تعليل في مقابلة النص/ عمدة القاري 2/ 277، يعني: النص على أن النهي لِحُرمة القِبلة، كما سيأتي ذكره عن ابن العربي. وقال ابن العربي: والتعليل بحرمة القبلة أولى بخمسة أوجه: أحدهما: أن الوجه الأول -يعني حرمة المصلين- قاله الشعبي، فلا يلزم الرجوع إليه. الثاني: أنه إخبار عن مغيب، فلا يثبت إلا عن الشارع. الثالث: أنه لو كان لِحُرمة الصلين، لما جاز التغريب والتشريق أيضًا؛ لأن العورة لا تخفي معه أيضًا عن المصلين، وهذا يعرف باختيار المعاينة. الرابع: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- إنما علل بحرمة القبلة فرُوِي عنه أنه قال: من جلس لبول قبالة القبلة فذكر، فانحرف عنها إجلالًا لها، لم يقم من مجلسه حتى يُغفر له، أخرجه البزار. أقول: وقد قدمت أن لهذا الحديث شاهدًا حسنه السيوطي وصححه غيره ص 569 ت. الخامس: أن ظاهر الأحاديث يقتضي أن الحرمة إنما هي للقبلة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم- "لا تستقبلوا القبلة" فذكرها يلفظها، فأضاف الاحترام لها/ عارضة الأحوذي/ 1/ 24، 25. وقال النووي: وهو تعليل ضعيف؛ فإنه لو قعد قريبًا من حائط، واستقبله، ووراءه فضاء واسع جاز بلا شك، صرح به إمام الحرمين والبغوي وغيرهما، ويدل عليه ما قدمناه عن ابن عمر: أنه أناخ راحلته، وبال إليها، فهذا يبطل هذا التعليل؛ فإنه لو كان صحيحًا لم يجز في هذه الصورة؛ فإنه مستدبر الفضاء =

الصحراء- لا على حُرمة القبلة، وذكروا في ذلك (¬1) عن عيسى بن أبي عيسى قال: قلت للشعبي: عجبت لقول أبي هريرة -رضي الله عنه-، ونافع عن ابن عمر، قال: وما قالا؟ قلت: قال أبو هريرة: لا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها، وقال نافعٍ عن ابن عمر: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم-/ ذهب مذهبًا مُواجه القبلة. قال: أما قول أبي هريرة، ففي الصحراء، إن لله خلقًا من عباده، يصلون في الصحراء، فلا تستقبلوهم، ولا تستبدروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنَّتن، فإنه لا قبلة لها (¬2) وذكر ¬

_ = الذي فيه المصلون. ولكن التعليل الصحيح: أن جهة القبلة معظمة، فوجب صيانتها في الصحراء، ورُخص فيها في البناء للمشقة، وهذا التعليل اعتمده القاضي حُسين والبغوي والروياني، وغيرهم، والله أعلم/ المجموع 2/ 83. أقول سيأتي أيضًا تضعيف إسناد رواية التعليل بحرمة المصلين عن الشعبي عقب تخريجها قريبًا. (¬1) أي في الاستدلال لحمل النهي على ذلك، وتعليله به، كما مر في كلام ابن العربي، والنووي، وانظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 53. (¬2) أخرجه ابن القاسم في المدونة - باب استقبال القبلة - للبول والغائط 1/ 7، وابن ماجه في طريقين، ذَكَر المتن مختصرًا من الطريق الأولى، وأحال عليه بنحوه من الطريق الثانية/ سنن ابن ماجه - كتاب الطهارة - باب الرخصة في الاستقبال والاستدبار في الكتيف وإباحته، دون الصحارى 1/ 117 ح 323 / وأخرجه الدارقطني في سننه - كتاب الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء 1/ 61 ح 11 ومن طريقه أخرجه الحازمي في الاعتبار/ كتاب الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة والخلاف فيه/ 41. وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى - كتاب الطهارة - باب الرخصة في استقبال القبلة واستدبارها في الأبنية 1/ 93. =

الدارقطني: أن عيسى بن أبي عيسى الحَنَّاط، وهو عيسى بن مَيسرة، وهو ضعيف (¬1) ¬

_ = وأخرجه ابن عبد البر/ التمهيد 1/ 309. جميعهم من طريق عيسى بن أبي عيسى المذكور، وألفاظهم متقاربة، إلا أن في رواية البيهقي: "إن لله عبادًا، ملائكة وجن، يصلون" "الحديث"). (¬1) ذكر الدارقطني ذلك في سننه عقب إخراج أثر الشعبي هذا من طريق عيسى/ سنن الدارقطني/ الموضع السابق، وأخرج قبل هذا حديثًا آخر من طريقه، وقال عقبه: عيسى بن أبي عيسى الحناط ضعيف/ سنن الدارقطني 1/ 60. وسمعه البرقاني يصف عيسى هذا أيضًا بأنه "متروك" سؤالات البَرقاني للدارقطني، بتحقيق الدكتور عبد الرحيم القشقري/ 54 ترجمة 387. وقول الدارقطني -كما في الأصل-: إن عيسى بن أبي عيسى، هو عيسى بن ميسرة" فيه رد على من ظنهما اثنين، لتعدد ذكر الأب مرة بالكنية ومرة بالاسم. وقد ذكر البخاري في تاريخه المطبوع باسم الصغير/ 121 ط الهند، وفي الضعفاء الصغير أيضًا ص 221 ترجمة واحدة لعيسى هذا، وذكر فيها مثل قول الدارقطني السابق؛ لكنه في تاريخه الكبير 6/ 404، 405 ذكر ترجمة مستقلة باسم: عيسى بن ميسرة الغفاري، ثم أعقبها بترجمة ثانية مستقلة باسم "عيسى بن أبي عيسى" وقال فيها: وهو عيسى بن ميسرة المديني الحناط "وهذا واضح في تقريره أن الترجمتين لشخص واحد، وإن كان ذكر في الأولى أنه غِفَاري، ويَروِى عن أبي الزناد، وفي الثانية أنه مديني ويروى عن نافع والشعبي. لكن الخطيب البغدادي عد هذا وَهْمًا من البخاري، فقال: وقد وَهِم في فصله بين هذا -يعني عيسى بن أبي عيسى- والذي قبله -يعني عيسى بن ميسرة؛ لأنه رجل واحد مديني يروى عن نافع مولى ابن عمر، وأبى الزناد عبد الله بن ذكوان وسمع من الشعبي بالكوفة ... الخ/ موضح أوهام الجمع والتفريق/ للخطيب/ الوهم الثامن والأربعون 1/ 144. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومن قبل الخطيب البغدادي عد ابن أبي حاتم الرازي ذلك أيضًا وَهمًا من البخاري؛ فقد ذكر ترجمتين باسم عيسى بن ميسرة الغفاري، وذكر في أولاهما: أنه هو عيسى بن أبي عيسى الحناط المديني، وذكر في الثانية أنه هو عيسى الحناط، ثم قال: وفرق بينهما محمد بن إسماعيل البخاري، وجعلهما اسمين، وهُما واحد/ الجرح والتعديل 6/ 289، 290. والذي يبدو لي -والله أعلم- أن وَهم البخاري ليس فيما ذكره كل من الخطيب وابن أبي حاتم، لأن البخاري مع ذكره ترجمة مستقلة - باسم عيسى بن ميسرة، وأخرى باسم عيسى بن أبي عيسى الحناط قد نبه في الثانية على أن الترجمتين لشخص واحد ويؤيد هذا اقتصاره في كتابيه الآخرين على ذكر ترجمة واحدة له باسم عيسى بن أبي عيسى، وتقريره فيها أنه هو عيسى بن ميسرة المديني، كما قدمت. ولكن وَهم البخاري في التاريخ الكبير: أنه ذكر عقب الترجمتين المذكورتين ترجمة ثالثة باسم "عيسى بن ميسرة بن حيان" وذكر أنه يعد في أهل المدينة، ثم ذكر أنه بروى عن أبي الزناد، وهذا موافق لما ذكره في الترجمة الأولى التي ذكرها باسم عيسى بن ميسرة الغفاري/ انظر التاريخ الكبير 6/ 404 ترجمة 2793، 405 ترجمة 2795، ولكن البخاري لم يربط بين هاتين الترجمتين: الثالثة والأولى كما ربط بين الثانية والأولى، فوهَمه إذن في عده من يسمى "عيسى بن ميسرة" ويروى عن أبي الزناد، رجلين، والصواب أنهما واحد، وهو أيضًا الذي يقال له "عيسى بن أبي عيسى الحناط" فصار له عند البخاري ثلاث تراجم، والله أعلم. وقد لقب عيسى هذا بـ "الخياط" بالخاء المعجمة المفتوحة والياء التحتية المشددة، وذلك لاشتغاله بالخياطة، ثم اشتغل ببيع الحِنْطة فلقب بـ "بالحنَّاط" بالحاء المهملة المفتوحة وبعدها نون مشددة، وهذا هو اللقب الذي اشتهر عيسى به، ثم اشتغل ببيع الخَبَط -وهو الوَرق المتساقط من الشجر المستعمل في علف الإبل- ولذا لُقب أيضًا بـ "الخبّاط" بالخاء المعجمة والباء الموحدة المشددة/ انظر تهذيب التهذيب 1/ 224، 225 ترجمة 417 والإكمال لابن ماكولا/ 275. =

وقد عُلل بغير ذلك (¬1). 4 - ومذهب رابع: لا يجوز الاستقبال، لا في الصحراء، ولا في البنيان، ويجوز الاستدبار فيهما (¬2) وهو أحد القولين عن ¬

_ = وعامة النقاد قد ضعفوا عيسى هذا، وقال غير واحد منهم: إنه "متروك" وفسر بعضهم تضعيفه بسوء الحفظ الذي جعل حديثه مضطربًا منكرًا، حتى قال ابن عدي: "وأحاديثه لا يتابَع عليها متنًا، ولا إسنادًا/ انظر تهذيب التهذيب 8/ 224 - 226، والضعفاء للعقيلي 1/ 393 - 393 والكامل لابن عدي 5/ 1886 - 1888 وديوان الضعفاء للذهبي/ 242 أقول: وبذلك يكون أثر الشعبي هذا ضعيف الإسناد جدًّا لحال عيسى هذا، والله أعلم. وحكم النووي بضعفه فقط/ المجموع 2/ 83، والأنسب لحال عيسى ما ذكرته؛ لكن ما في هذا الأثر مِنْ حمل النهي على الصحراء، وحمل الترخيص على الكُنُف، له شاهد من قول ابن عمر بسند ضعيف، ومما رواه أيضًا ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- بسند صحيح: أنه رآه مستقبلًا بيت المقدس (محجَّرًا) عليه بلَبن، وفي رواية في كنيف "كما تقدم ذكرى لذلك، وانظر فتح الباري 1/ 247 وصحيح ابن حزيمة 1/ 35 / فيُعَوَّل على ذلك بدلًا من أثر الشعبي لشدة ضعفه. (¬1) وهو حُرمة القبلة، مع الجواب عن جواز استقبالها في البنيان، بأنه للضرورة أو المشقة/ عارضة الأحوذي 1/ 24 والمجموع 2/ 83 وقد قدمت أن هذا هو التعليل المعتمد/ ص 584 ت، وسيأتي نقل المؤلف عن شيخه ابن دقيق العيد ص 603، وعن ابن شاس من المالكية ص 605 ذكر التعليل بأحد أمرين آخرين؛ وهما: خروج المُسْتَقْذَر، وكشف العورة، وكلاهما يعودان إلى حرمة القبلة، وحرمة المصلي. (¬2) اشار ابن دقيق العيد إلى هذا القول، وعزاه إلى بعض العلماء دون تحديد، وذكر في تعليلهم لذلك أن الاستقبال أزيد في القبح من الاستدبار، على ما يشهد به العُرف، فمنعوا الاستقبال دون الاستدبار/ انظر إحكام الأحكام 1/ 58.

أبي حنيفة (¬1) وأحمد (¬2) والمحكى عند الترمذي عن الشافعي. واحتج هؤلاء بحديث سلمان، [أنه] ليس فيه أكثر من قوله: أجل، لقد نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نستقبل القبلة بغائط أو بول (¬3). ¬

_ (¬1) والقول الثاني بمنع الاستقبال والاستدبار مطلقًا، وهو المشهور عنه كما تقدم، فيكون هذا القول خلاف المشهور عنه، وقد عزاه إليه ابن العربي/ عارضة الأحوذي 1/ 26، والنووي/ شرح مسلم له 2/ 275 مع إرشاد الساري والمجموع 2/ 81 والأبي/ إكمال إكمال المُعلم بشرح صحيح مسلم له 2/ 41، والعيني/ عمدة القاري 2/ 278. (¬2) ذكر هذا الترمذي عنه في صدر الباب ص 450 وروى عنه أبو داود منع الاستقبال مطلقًا/ مسائل أبي داود لأحمد/ 2 باب استقبال القبلة بالبول، ومقتضى ذلك إجازته الاستدبار مطلقًا، وقد صرح بعزو منع الاستقبال مطلقًا، وجواز الاستدبار مطلقًا إلى أحمد في إحدى الروايتين، كل من ابن العربي/ عارضة الأحوذي 1/ 26 والنووي في شرح مسلم 2/ 275 مع القسطلاني، أما في المجموع فذكر أنها رواية عن أحمد/ المجموع 2/ 81 وذكر ابن هبيرة أن هذه رواية ثالثة/ الافصاح لابن هبيرة 1/ 76 وذلك مراعاة لأن مجموع الروايات عن أحمد في كل من الاستقبال والاستدبار زادت على روايتين، ولذا ذكر أبو عمر بن قدامة أن لأحمد في استدبار الكعبة بالبول والغائط ثلاث روايات: إحداها: الجواز المطلق المذكور ضمن هذا القول، وثانيها: المنع المطلق، وثالثها: الجواز في البنيان والمنع في غيره/ الشرح الكبير له 2/ 88، 89 ويلاحظ أن الأخيرين قد دخلا ضمن ما تقدم نسبته لأحمد من الأقوال في الأصل. (¬3) تقدم تخريج الحديث ص 456 هامش رقم 3، وقد ذكر النووي والشوكاني استدلال أصحاب هذا القول عمومًا بحديث سلمان هذا/ شرح النووي على مسلم 2/ 270، 271 مع ارشاد الساري، ونيل الأوطار 1/ 96، ولكن الأبي عزا الاستدلال به إلى أبي حنيفة فقط، وذكر أن وجه الاستدلال قصره على =

قلت لم أقف على هذا القول محكيًا عن مذهب الشافعي، في غير كتاب الترمذي، فقد قال الإمام الرافِعي (¬1) في كتابه في شرح وجيز ¬

_ = ما ورد فيه فقط وهو النهي عن الاستقبال المطلق/ شرح الأبي على مسلم 2/ 41، وبالتالي لا يشمل النهي الاستدبار مطلقًا. أما ابن العربي فذكر أن أبا حنيفة أخذ جواز الاستدبار من حديث ابن عمر الآتي في الباب التالي، وهو أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام، مستدبر الكعبة، ورآه ناسخًا لحديث النهي، ثم رد ابن العربي ذلك بعدم توفر شروط الناسخ في حديث ابن عمر/ العارضة 1/ 26، 27. ورد هذا القول عمومًا النووي بأن أصحاب هذا القول محجوجون بالأحاديث الصحيحة المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار جميعًا، والله أعلم/ المجموع 2/ 83 / وشرح مسلم 2/ 272، وقال الشوكاني: إنه مذهب باطل، لأن النهي عن الاستدبار وارد في الأحاديث الصحيحة، وهو زيادة يتعين الأخذ بها/ نيل الأوطار 1/ 96. (¬1) بفتح الراء وكسر الفاء بعد الألف وفي آخرها العين المهملة، قيل إنها نسبة إلى "رافعان" بلدة من بلاد قزوين، ورُدَّ هذا بأنه ليس بنواحي قزوين بلدة بهذا الإسم، وإنما رافعان نسبة عند العجم بمعنى "الرافعي" عند العرب، وقد اشتهر الرافعي عند العجم بـ "الإمام رافعان" أي "الرافعي وذلك نسبة إلى أحد أجداده الأعلين، وهو الصحابي الجليل "رافع بن خَدِيج" رضي الله عنه، كما كان الرافعي نفسه يكتبه بخطه، ورجحه العلائي. وهو عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن الفضل، إمام الدين، أبو القاسم، القزويني الرافعي، الشافعي، كان إمامًا في الفقه والتفسير والحديث والأصول وغيرها، ولُقب بمجتهد زمانه في مذهب الشافعي، وله مؤلفات، منها: شرح الوجيز المذكور في الأصل، وشرح مسند الشافعي وهو كتاب نفيس، والتدوين في ذكر أهل العلم بقزوين وهما مخطوطان حتى الآن، وقد توفي الرافعي بقزوين في ذي القعدة سنة 623 هـ، وقيل أول سنة 624 هـ/ انظر الأنساب للسمعاني =

الغزالي -رحمه الله (¬1) - عندما تكلم على آداب قضاء الحاجة. الثالث: إن (¬2) كان في بناء، أو بين يديه ساتر، فالأولى (¬3) أنه لا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها. ¬

_ = 6/ 41 وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة، بتحقيق الدكتور عبد العليم خان 2/ 94 - 98 ومقدمة البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي، تأليف سراج الدين ابن الملقن 1/ 16 ب - 21 أ، وشذرات الذهب لابن العماد 5/ 108. (¬1) قد سماه الرافعي في مقدمته "العزيز، شرح الجيز" ولكن بعضًا من العلماء تحرزوا في هذه التسمية، فسموه "الفتح العزيز، شرح الوجيز" أي الذي عز على المتخلفين تحصيل مثله، وعز عند المبرزين قدره، كما أوضح ذلك الرافعي بنفسه، وعلى هذه التسمية جرى ابن الملقن في ترجمته للمؤلف، ولكن غيره سماه "فتح العزيز، شرح الوجيز" وبه طبع الكتاب، ومعناه ما فتح الله العزيز به على المؤلف في شرح كتاب الوجيز. ويعرف أيضًا بالشرح الكبير؛ نظرًا لأن المؤلف اختصره في كتاب باسم "الشرح الصغير"، وعلى ذلك جرى ابن الملقن في تسمية كتابه في تخريج أحاديث وآثار هذا الشرح. كما سبقت الإحالة عليه، وقد وصف غير واحد من العلماء كتاب الرافعي هذا بأنه لم يُصنف في مذهب الشافعي مثله في التحقيقات، وجمع المقاصد والمهمات، وقد طبع هذا الشرح مع المجموع للنووي/ وانظر فيما ذكرته عنه/ مقدمة البدر المنير، لابن الملقن 1/ 7 ب، 11 أ، 19 ب، 20 أ، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة 2/ 94 - 97 وفتح العزيز للرافعي 1/ 75 أصل وهامش مع المجموع للنووي. (¬2) في المطبوع "إذا"/ فتح العزيز 1/ 458. (¬3) في المطبوع "فالأدب"/ فتح العزيز 1/ 458 وكذا ذكر النووي في المجموع 2/ 79، ولكنه عبر بـ "الأولى" في شرح مسلم 2/ 272 مع القسطلاني، وسيأتي نقله عنه في الأصل.

وإن (¬1) كان في الصحراء ولم يستتر بشيء، حَرُم عليه استقبال القبلة واستدبارها، لما روى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول؛ ولكن شرقوا، أو غربوا (¬2). وروى أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا ذهب أحدكم إلى الغائط لا يستقبل القبلة (¬3). ولا يحرم ذلك في البناء -وإن كان الخبر مطلقًا- خلافًا لأبي حنيفة، وذلك لما رُوي عن ابن عمر -[رضي الله عنهما] (¬4) - قال: رقيتُ السطح مرة، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا على لَبِنَتين، مستقبلًا بيت المقدس (¬5)، ومن استقبل ببيت المقدس بالمدينة، فقد استدبر الكعبة. وعن جابر قال: نهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ¬

_ (¬1) في المطبوع "إذا"/ فتح العزيز 1/ 458. (¬2) هذا الحديث في المطبوع متأخر عن الذي بعده/ فتح العزيز 1/ 459، وهو حديث الباب في الترمذي، وقد تقدم تخريجه ص 450 ت، وانظر التلخيص الحبير لابن حجر 1/ 459 بهامش فتح العزيز 1/ 459. (¬3) تقدم تخريج الحديث ص 450 هامش 8، وانظر التلخيص الحبير/ الموضع السابق. (¬4) زيادة من المطبوع 1/ 459. (¬5) إلى هنا لفظ حديث ابن عمر كما سيأتي في الباب التالي، وما بعده من كلام الرافعي، وذكر مثله الخطابي في تعليل النهي عن استقبال بيت المقدس/ معالم السنن 1/ 21.

تستقبل القبلة بفروجنا ثم رأيته -قبل موته بعام- مُستقبل القبلة (¬1). 5 - ومذهب خامس: وهو جواز الاستدبار دون الاستقبال، في البنيان خاصة، وهو مروي عن الامام أبي حنيفة (¬2). 6 - ومذهب سادس: وهو تحريم الاستقبال، والاستدبار للقبلتين: الكعبة، وبيت المقدس. نقل عن النخعي (¬3) ¬

_ (¬1) سيأتي الحديث في الباب التالي عند الترمذي، وانظر النص من أول قول الرافعي: "الثالث" إلى هنا في فتح العزيز 1/ 458 - 460، ولم ينبه المؤلف على انتهاء نقله عن الرافعي هنا، ولكنه بعد ذكر بقية الآراء عاد إلى ذكر بقية كلام الرافعي هذا كما سيأتي، وهذا يشعر القارئ بأن بقية الأراء ذكرها الرافعي أيضًا وليس الأمر كذلك كما يعرف من مراجعة كلام الرافعي في موضعه. (¬2) الذي ذكره ابن حجر، والعيني -وهو من الأحناف العارفين بالمذهب- أن هذا القول مروي عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة، لا عن أبي حنيفة نفسه، وذكر أن دليل هذا القول هو ظاهر حديث ابن عمر، حيث صرح فيه بأنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- مستدبر الكعبة، مستقبل الشام/ انظر فتح الباري 1/ 246 وعمدة القاري 2/ 278، 279. وقد نقله الشوكاني عن الفتح، ورده بأن دليله وهو حديث ابن عمر فِعْل للرسول -صلى الله عليه وسلم- فلا يعارِض ولا ينسخ النهي العام كما في حديث أبي أيوب وغيرِه/ انظر نيل الأوطار 1/ 96. (¬3) عزاه إلى ابراهيم النخعي، ابن عبد البر/ التمهيد 1/ 305 وابن حجر العسقلاني، والعيني، وذكرا أن مستند هذا القول حديث معقل الأسدي السابق ذكره ص 453 أصل وت. وانظر الفتح 1/ 246 وعمدة القاري 2/ 279، وقد أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا القول من وجهين: أولهما: أن حديث معقل هذا ضعيف؛ لأن في سنده راويًا مجهول الحال -يعني أبا زيد مولى ثعلبة، الراوي له عن معقل، كما تقدم عند تخرجه ص 453 ت هامش رقم 4. =

وغيره (¬1). ¬

_ = ثانيهما: على تقدير صحة الحديث، فالمراد به أهل المدينة ومن على سَمْتِها، لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة، فالعلة استدبار الكعبة، لا استقبال بيت المقدس/ فتح الباري 1/ 246، ونقل الشوكاني هذين الوجهين عن الفتح وأقرهما/ نيل الأوطار 1/ 96. (¬1) ذكر منهم ابن عبد البر وابن حجر والعيني: "محمد بن سيرين/ التمهيد 1/ 305 فتح الباري وعمدة القاري/ الموضعين السابقين، والذي رواه عنه ابن أبي شيبة. كراهة استقبال إحدى القبلتين فقط، دون الاستدبار/ مصنف ابن أبي شيبة - كتاب الطهارات - باب في استقبال القبلة بالغائط والبول 1/ 151. وعزاه ابن عبد البر إلى مجاهد/ التمهيد 1/ 305 ونقل الشوكاني عن "البحر" عزوه إلى عطاء والزهري والمنصور بالله/ نيل الأوطار 1/ 96 وعزاه ابن حجر أيضًا إلى بعض الشافعية/ الفتح 1/ 246. ولهذا عارض ابن حجر والعيني دعوى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة، لأن مخالفة هؤلاء تنقض دعوى الإجماع/ انظر فتح الباري 1/ 246 وعمدة القاري 2/ 279 وأقر ذلك الشوكاني/ نيل الأوطار 1/ 96. وقد ذكر ابن حجر والعيني والشوكاني أن أصحاب هذا القول استدلوا بحديث معقل الأسدي في النهي عن استقبال القبلتين ببول أو غائط/ الفتح 1/ 246 والعمدة 2/ 279 ونيل الأوطار 1/ 96. ثم تعقب ابن حجر وتبعه الشوكاني - القول المذكور بأمرين: أحدهما: أن حديث معقل المستدل له به، ضعيف، ومقتضى ذلك رد هذا القول كلية. وثانيهما: على فرض صحة الحديث فهو خاص بأهل المدينة ومن على سَمْتِها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقط؛ لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبار الكعبة، والعلة استدبار الكعبة، لا استقبال بيت المقدس/ فتح الباري 1/ 246 ونيل الأوطار 1/ 96. أما النووي فذكر عن الأصحاب من الشافعية أنه لا يَحرُم استقبال أو استدبار بيت المقدس لا في بناء، ولا في صحراء، وإنما يكره ذلك، لكونه كان قبلة لنا، وأجابوا عن حديث معقل بأمريين: أحدهما: ما تقدم من تخصيصه بأهل المدينة ومَن على سَمْتها ... إلخ. والثاني: أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- نهى عن استقبال بيت المقدس حيث كان قِبْلة، ثم نهى عن الكعبة حين صارت قِبلة فجمعهما الراوي/ المجموع 2/ 80. ويمكن الجواب عما ذكره ابن حجر ومن تبعه والأصحاب من الشافعية بما يلي: 1 - إن حديث معقل وإن لم يكن إسناده بذاته جيدًا كما قال النووي، ولا حسنًا كما ذكر غيره، فإن له من الشواهد -كما سيأتي ما يرقيه إلى درجة الحسن لغيره على الأقل/ انظر 396، 397 والمجموع للنووي 2/ 80 والتيسير للمناوي شرح الجامع الصغير 2/ 477 وبذلك يمكن الاحتجاج به كغيره من أحاديث النهي، وذلك على التفصيل الآتي ذكره عن النووي. 2 - أن ما ذكره ابن حجر والأصحاب من تخصيص النهي بالنسبة لبيت المقدس بأهل المدينة وما شابهها. وما ذكره الأصحاب وحدَهُم من أن الجمع بين القبلتين في النهي من تصرف الراوي، هذان الأمران قال عنهما النووي: هذان تأويلان مشهوران للأصحاب، ولكن في كل منهما ضعف. ثم قال: والظاهر المختار أن النهي (يعني عن استقبال القبلتين) وقع في وقت واحد، وأنه عام لكلتيهما في كل مكان، ولكنه في الكعبة نهى تحريم في بعض الأحوال على ما سبق (يعني كما في القول الثالث مما ذكره المؤلف) وفي بيت المقدس: كونُه كان قبلة فبقيت له حُرمة الكعبة، وقد اختار الخطابي هذا التأويل، فإن قيل: =

7 - ومذهب سابع: أن تحريم الاستقبال والاستدبار في ذلك لأهل المدينة وما وراءها، من الشام، والمغرب، لأنهم في التشريق، والتغريب، لا يستقبلون القبلة، ولا يستديرونها (¬1) وإليه ذهب ¬

_ = لم حملتموه في بيت المقدس على التنزيه؛ قلنا للإِجماع، فلا نعلم مَن يَعتدّ به حرمه، والله أعلم/ الجموع 2/ 81. أقول سيأتي تعرض المؤلف مرة ثانية لحكم استقبال القدس واستدبار الكعبة عند قضاء الحاجة، وللاستدلال بحديث معقل هذا على ذلك ص 606 فكن ذاكرًا لما تقرر هنا جمعًا لأطراف الموضوع. وجاء عن الإمام أحمد أيضًا أن حديث ابن عمر الآتي في الباب التالي ناسخ للنهي عن استقبال بيت المقدس واستدباره بالغائط والبول وقال: "هذا الذي لا أشك فيه، وليس في نفسي منه شيء، أنه لا بأس به" يعني استقباله واستدباره بالغائط والبول/ التمهيد 1/ 309، 310. ولكن الراجح كما تقدم أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع، وهو أيضًا هنا ممكن، بحمل حديث ابن عمر على الأبنية والسواتر، وحمل مثل هذا النهي على الفضاء، كما تقدم في القول الثالث، ويحمل النهي بالنسبة لبيت المقدس على التنزيه للإِجماع الذي أشار إليه النووي. بقي أن نقول: إن قول الإمام أحمد رحمه الله بالنسخ للنهي عن بيت المقدس، دليل على إقراره بثبوت هذا النهي أولًا حتى يوجه إليه النسخ، وهذا يرد قول ابن حزم الآتي: إن النهي عن بيت القدس لم يصح/ انظر ص 612 ت والمحلى 1/ 259. (¬1) ذكر هذا القول أيضًا الحافظ ابن حجر، والبدر العيني وعزياه إلى أحد الشافعية، وهو أبو عوانة، صاحب المُزَني، وذكرا أنه استدل لذلك بعموم قوله -صلى الله عليه وسلم- كما في حديث أبي أيوب "ولكن شرقوا أو غربوا" / فتح الباري 1/ 246 وعمدة القاري 2/ 279. =

البخاري (¬1). ¬

_ = وهذا الاستدلال -فيما يبدو لي- غيرُ مستقيم، وذلك لأمرين: أولهما: أن العموم يقتضي دخول غير أهل المدينة ومن على سَمْتها، حتى لو كان في التشريق أو التغريب، استقبال أو استدبار القبلة، وهذا خلاف الوارد في صدر الحديث نفسه -فضلًا عن غيره- من النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة. ثانيهما: أن كلا من ابن حجر والعيني ذكرا أن البخاري قد حمل الأمر في "شرقوا أو غربوا" على العموم، وأنه بهذا يُعتبَر قائلًا بعكس هذا القول السابع/ الفتح 1/ 246، 498 وعمدة القاري 2/ 279، 4/ 128، 129، فكيف يكون العموم دليلًا للقول ولعكسه؟ ولعل هذا ما جعل الشوكاني يقرر أن الاستدلال لهذا القول بعموم "شرقوا أو غربوا" استدلال في غاية الركة والضعف/ نيل الأوطار 1/ 96. فالمناسب في الاستدلال لهذا القول، أن يُحمل عموم قوله "شرقوا أو غربوا" على خصوص المخاطبين بالحديث، وهم أهل المدنية، ويُلْحق بهم من على مِثْل سِمْتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها، حتى لا يتناقض هذا مع ما في صدر الحديث من النهي عن الاستقبال والاستدبار للقبلة. وهذا أيضًا ما تأول به الحافظ ابن حجر وغيره، حَمْلَ البخاري "شرقوا أو غربوا" على التعميم كما سيأتي في التعليق التالي لهذا. (¬1) هكذا عزا المؤلف هذا القول للبخاري وقد ترجم البخاري في صحيحه على حديث أبي أيوب الذي معنا فقال: "باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام والمشرق، ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة" / البخاري مع الفتح 1/ 498، فقوله: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة" عام، فَيُفهَم منه حملُه "شرقوا أو غربوا" على عمومها، كما قدمت، في حين أن هذا القول يقتضي حمل الأمر على خصوص أهل المدينة ومن على سمتهم، فلا يستقيم هذا مع ظاهر عبارة البخاري، وعليه فلا يعد قائلًا بهذا القول السابع وفد نُوزع البخاري في عبارته، وتصدى غير واحد من شراح صحيحه لتأويلها على معنى غير التعميم لتتفق مع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = باقي الترجمة، وتندفع المنازعة للبخاري، فقال ابن حجر بعد ذكر عبارة البخاري السابقة: وقد نُوزع في ذلك؛ لأنه يحمل الأمر في قوله "شرقوا أو غربوا" على عمومه، وإنما هو مخصوص بالمخاطبين، وهم أهل المدينة، ويلحق بهم من كان على مثل سَمتهم، ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم يستقبل القبلة، ولم يستدبرها، وأما من كان في المشرق، فقبلته في جهة المغرب، وكذلك عكسه، وهذا معقول لا يخفى مثله على البخاري، فيتعين تأويل كلامه بأن يكون مُراده: "ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة"، أي لأهل الدينة والشام ولعل هذا هو السر في تخصيصه المدينة والشام بالذكر/ فتح الباري 1/ 498. وقال ابن التين الصفاقسي: إن البخاري "يريد أن قبلة هؤلاء المسلمين ليست في المشرق منهم، ولا في المغرب، بدليل أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أباح لهم قضاء الحاجة في جهة المشرق منهم والمغرب، وقال العيني: قلت: معناه: القبلة ما بينهما، ثم أيد ذلك بحديث الترمذي عن أبي هريرة مرفوعًا ما بين الشرق والمغرب قبلة" وبما روى نحوهُ موقوفًا على عدد من الصحابة، ونقل عن البيهقي وغيره أن المراد به أهل المدينة ومن وافقها في القبلة/ عمدة القاري 4/ 128. وقال ابن بطال: تفسير هذه الترجمة: يعني وقبلة مشرق الأرض كلها إلا ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من المشرق إلى المغرب، فحكم مشرق الأرض كلها كحكم مشرق أهل المدينة والشام في الأمر بالانحراف عند الغائط؛ لأنهم إذا شرقوا أو غربوا لم يستقبلوا القبلة ولم يستدبروها، قال: وأما ما قابل مشرق مكة من البلاد التي تكون تحت الخط المار عليها من مشرقها إلى مغربها، فلا يجوز لهم استعمال هذا الحديث ولا يصح لهم أن يشرقوا ولا أن يغربوا؛ لأنهم إذا شرقوا استدبروا القبلة، وإذا غربوا استقبلوها، وكذلك من كان موازيًا بمغرب مكة، إن غَرَّب استدبر القبلة، وإن شرق استقبلها، وإنما ينحرف إلى الجنوب أو الشمال، فهذا هو تغريبه وتشريقه، قال: وتقدير الترجمة: باب قبلة أهل المدينة وأهل الشام، والمشرق والمغرب، ليس في التشريق ولا في التغريب، يعني أنهم عند الانحراف للتشريق والتغريب ليسوا مواجهين للقبلة ولا مستدبرين لها/ عمدة القاري 4/ 128. =

8 - وبعضهم يشير إلى أن ذلك ممنوع في البنيان إذا كان للمتبرز عنه مَنْدُوحَة (¬1). ¬

_ = أقول: فلعل المؤلف اعتبر البخاري قائلًا بهذا القول السابع، بناء على تأول كلامه بمثل ما تأوله به هؤلاء العلماء. أما البدر العيني فإنه بعد نقل تأويل غيره من الشراح لكلام البخاري بما يتفق مع هذا القول السابع، عاد فقال: "احتج البخاري بعموم هذا الحديث، وسوى بين الصحراء والأبنية، وجعله دليلًا للترجمة التي وضعها"، ثم رتب العيني على ذلك اعتبار قول البخارب موافقًا لقول أبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين: أنه يمتنع في أي موضع الاستقبال والاستدبار للقبلة في بناء أو فضاء، كما تقدم هذا في القول الأول مما ذكره المؤلف/ انظر عمدة القاري 4/ 128، 129 وتبعه القسطلاني على ذلك/ إرشاد الساري 1/ 412 مع شرح النووي لمسلم. أقول: فإن كان مرادهما موافقة قول البخاري مع قول أبي حنيفة وأحمد في مجرد التسوية في المنع بين البنيان والفضاء، فهذه جزئية من القولين وباقيهما مختلف كما ترى، وبناءًا على هذا الاختلاف عُد كل منهما قولًا مستقلًا، ثم إن البخاري قد ترجم قبل هذا على حديث أبي أيوب نفسه فقال: "باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء، جدار أو نحوه"/ البخاري مع الفتح 1/ 245 فلم يسو بين الصحراء والأبنية، كما ذكر العيني والقسطلاني، بل قال العيني هناك: والصواب أن يقال: إن الحديث عنده عام مخصوص" يعني بغير الأبنية ونحوها/ عمدة القاري 2/ 276، 279. وعليه فالأولى حمل كلامه هنا في ترجمة قبلة المدينة والشام وما وافقهما على ما تأوله به غير العيني والقسطلاني من الشراح السابق ذكرهم، بجعله موافقًا للقول السابع، ثم تكون ترجمته السابقة بالتفريق بين الأبنية والصحراء رأيًا آخر له في الموضوع، وفيما يمكن أن يدل عليه الحديث بمفرده، أو مع ملاحظة غيره من الأحاديث التي خرجها في الموضوع، كحديث ابن عمر الآتي في الباب التالي عند الترمذي/ انظر عمدة القاري 2/ 275، 276 وفتح الباري 1/ 245. (¬1) أي سعة وفسحة/ النهاية في غريب الحديث لابن الأثير، مادة "ندح" 5/ 135.

وإن أحوجه البنيان إلى الاستقبال أو عَكْسِه جاز. هذا، أو معناه" (¬1). 9 - ومنهم من تَوقَّف (¬2). ¬

_ (¬1) ذكر ابن العربي قول ابن عمر والشافعي ومالك بمنع الاستقبال والاستدبار في الصحراء، ثم قال: وروى عن مالك أن ذلك -يعني المنع- في موضع يقدر على الانحراف فيه، فأما المواضع التي قد عُمِلت على ذلك، فلا بأس به/ عارضة الأحوذي 1/ 24، فلعل هذا مقصود المؤلف بقوله: "وبعضهم يشير" إلخ. (¬2) من قول المؤلف قبل هذا: "و"مذهب خامس" إلى هنا، ليس من كلام الرافعي، ولم ينبه المؤلف على هذا، والمراد هنا التوقف في الأخذ بأي من أحاديث الباب، لتخالفها، منعًا، وترخيصًا، وهذا التوقف يؤول إلى إباحة الاستقبال والاستدبار مطلقًا، وقد أشار إلى ذلك غير واحد من العلماء، فالحازمي ذكر القول بترخيص الاستقبال والاستدبار مطلقًا، وأتبعه بتفصيل وِجْهة القائلين به فقال: ثم القائلون بالرخصة اختلفوا، فمنهم من قال: الأخبار في هذا الباب جاءت مختلفة فيجب إيقافها، وترك الأشياء على الإباحة التي كانت، حكى ذلك ابن المنذر، ومنهم من قال: الأحاديث الأول التي مر ذكرها -يعني الدالة على المنع- منسوخة/ الاعتبار للحازمي/ 38، ونحو هذا ذكر ابن عبد البر/ التمهيد 1/ 310، 311. وذكر النووي القول بالجواز مطلقًا، كما تقدم "في القول الثاني في الأصل، ثم قال: "واحتج من أباح مطلقًا بحديثي جابر وعائشة، قالوا: وهما ناسخان للنهي، قالوا: ولأن الأحاديث تعارضت فرجعنا إلى الأصل/ المجموع 2/ 82 فتح الباري 1/ 246. أقول: وقد تقدم رد القول بالنسخ، وقال ابن العربي: لا نُسلم أن الأصل الإِباحة/ عارضة الأحوذي 1/ 27.

وسبب المنع في الصحراء -فيما ذكره الأصحاب- أن الصحراء لا تخلو من مُصَلِّ من ملك، أو جِني، أو إنسي، وربما (¬1) وقع بصره على عورته. وأما في الأبنية، فالحُشُوش (¬2) لا يحضرها إلا الشياطين، ومن ¬

_ = وقال الأبِّي: ومن العلماء من وقف، لتعارض الأحاديث، وليس بينها تعارض؛ فإن حديث عائشة وجابر مُتَكلَّم في سندهما، فلم يبق إلا أحاديث الأم -يعني الأصلية في الباب- والجمع (بينها) بما قال مالك -يعني وغيره من الجواز في الأبنية والمنع في الفضاء كما تقدم- والتعارض والنسخ إنما يكونان عند عدم إمكان الجمع/ شرح مسلم للأبي 2/ 41 مع شرحه أيضًا للسنوسي. وعليه يكون هذا القول بالتوقف، وما يؤول إليه من الإباحة المطلقة، مردودا، ويبقى القول الراجح من هذه الأقوال كما تقدم هو القول الثالث؛ لجمعه بين مختلف أحاديث الباب، وإعمالها، وإمكان الجواب المناسب عما يُنْتَقَدُ به. ثم إن المؤلف مع هذا التوسع لم يستوعب كل الأقوال في الموضوع، فقد ذكر الشوكاني قولًا بأن النهى للتنزيه، فتكون مخالفته بالاستقبال أو الاستدبار مكروهة، وعزاه لبعض أئمة الزيدية ولأبي حنيفة وأحمد في إحدى الروايتين عنهم، ولأبي أيوب الأنصاري/ نيل الأوطار 1/ 94، وهذا لم يذكره المؤلف كما ترى. (¬1) في المطبوع من شرح الرافعي "فربما" 1/ 465. (¬2) جمع "حش" بفتح الحاء المهملة في أوله، والمراد به الكنيف وموضع قضاء الحاجة، وأصل الحش "البستان" وأُطلِق على الكنيف ونحوِه لأنهم كانوا كثيرًا ما يتغوطون في البساتين/ النهاية لابن الأثير، مادة "حش" 1/ 390. وقال الحافظ ابن حجر: كأنه أي الرافعي يشير إلى حديث زيد بن أرقم مرفوعًا: إن هذه الحشوش مُحْتَضَرة، فإذا أتى أحدُكم الخلاء فليقل: أعوذ بالله من الخبث والخبائث، أخرجه أبو داود والنسائي وغيرهما/ التلخيص الحبير 1/ 464 بهامش المجموع.

يصلي يكون خارجًا عنها، فيحول البناء بينه وبين المصلِّي، وليس السببُ مجردَ احترام الكعبة (¬1). وقد نُقِل ما ذكروه عن ابن عمر وعن الشعبي (¬2) -رضي الله عنهما- انتهى ما ذكره (¬3). وليس فيه التفرقة بين الاستقبال مطلقًا والاستدبار مطلقًا (¬4)، وفيه التصريح بالعلة، والتعليل بها لا يناسب هذا المذهب الرابع بوجه (¬5). وقول الرافعي: "إن كان في بناء أو بين يديه ساتر، فالأولى أنه لا يستقبل القبلة، ولا يستدبرها". ¬

_ (¬1) تقدم أن الراجح هو التعليل بحرمة الكعبة، خلافًا لهذا الذي نقله الرافعي عن الأصحاب من الشافعية ص 584 ت. (¬2) إن كان المراد بـ (ما ذكروه) نفس القول بالجواز في الأبنية والمنع في الصحراء فمسلَّم/ انظر التمهيد 1/ 308 وإن كان المراد ما ذكره الأصحاب من التعليل لمنع الاستقبال في الصحراء، فهذا مروي عن الشعبي وحده، كما تقدم تخريجه عنه ص 584 ت، وقد نبه على هذا الحافظ ابن حجر/ التلخيص الحبير 1/ 460، 461 بهامش المجموع وفتح العزيز. (¬3) يعني الرافعي في فتح العزيز، كما تقدم في بداية النقل ص 589، ويلاحظ أن المؤلف قد أدخل ذكر الأقوال من الخاص إلى التاسع في أثناء ما نقله عن الرافعي، كما أشرت من قبل، ومن قوله فيما سبق: و"سبب المنع" الى هنا بقية كلام الرافعي الأول. (¬4) يعني كما جاء في هذا القول الرابع الذي عزاه الترمذي إلى الشافعي كما تقدم، لكن فيه التفرقة بين الصحاري بدون ساتر، وبين الأبنية وما في حكمها من السواتر. (¬5) لأنه لم يفرق في المنع بين الصحاري، وبين الأبنية والسواتر، كما أشرت.

قال الشيخ محيي الدين: قال جماعة من أصحابنا: هو مكروه، ولم يذكر الجمهور الكراهة. والمختار أنه: إن كان عليه مشقة في تكلُّف (¬1) التحرف عن القبلة، فلا كراهة، وإن لم تكن مشقة للأولى تجنبُه، للخروج من خلاف العلماء، ولا تطلق عليه الكراهة، للأحاديث الصحيحة [فيه] (¬2) والله أعلم. قوله (¬3): "إن كان عليه مشقة فلا كراهة"، يقتضي ثبوت الكراهة حيث لا مشقة، ثم قوله: "وإن لم تكن مشقة فالأولى تجنبه" لا يقتضي ثبوت الكراهة حيث لا مشقة، ليفرق بين أولوية الفعل، وثبوت الكراهة في الترك، لا سيما وقد أتبع التجنب المطلوب، كونَه مسببًا عن الخروج من خلاف العلماء. وربما يقتضي ذلك [أن] (¬4) لا كراهة عنده لذاته فتأمَّلْه. ¬

_ (¬1) بالأصل "تكليف" وما أثبته من شرح النووي على مسلم 2/ 272 مع القسطلاني. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من شرح النووي على مسلم/ الموضع السابق، وقد حدد في المجموع أن القائل بالكراهة صراحة هو "المتولى" وأن إمام الحرمين قال: الأدب أن يَتَوقَّى الاستقبالَ والاستدبار، ثم قرر النووي: أن المختار عدم الكراهة كما هنا، وأن الأدب والأفضل الميلُ عن القبلة إذا أمكن بلا مشقة/ المجموع 2/ 79. (¬3) يعني قول الشيخ محيي الدين (النووي) كما تقدم ذكره له. (¬4) ليست بالأصل وتوضيح المعنى يَقْتضَيها.

والحديث دلّ على المنع من استقبال القبلة لغائط أو بول (¬1). قال شيخنا الإِمام أبو الفتح القُشيري -يرحمه الله-: هذه الحالة تتضمن أمرين: أحدهما: خروج الخارج المُستقذَر (¬2)، والثاني: كشف العورة. فمن الناس من قال: المنع للخارج؛ لمناسبته لتعظيم القبلة عنده (¬3). ¬

_ (¬1) والمنع من استدبارها أيضًا كما هو ظاهر لفظه، وقد قرره شيخ المؤلف ابن دقيق العيد الذي سيأتي النقل عنه/ انظر إحكام الأحكام له 1/ 51؛ إلا أن المؤلف اقتصر على ذكر المنع من الاستقبال؛ لأنه هو الذي علق به شيخه أيضًا ما سيأتي في الأصل من بيان محل علة النهي عن الاستقبال للقبلة في حالة قضاء الحاجة. (¬2) عبارة الأبي "النجس"/ شرح الأبي على مسلم 2/ 42 وهو أظهر في المنع، وكذا عبر ابن حجر والعيني "بمواجهة القبلة بالنجاسة"/ الفتح 1/ 246 والعمدة 25/ 279. (¬3) في أكثر من طبعة من الإِحكام "عنه" أي عن الخارج المستقذر/ انظر الإحكام 1/ 47 ط الشعب، نشر عالم الفكر بمصر وص 15 من الطبعة الهندية، وقد أيد ابن حجر هذا بما في بعض روايات حديث أبي أيوب وغيره من تقييد النهي عن الاستقبال والاستدبار بالبول والغائط، وبحديث جابر بلفظ "كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستدبر القبلة أو نستقبلها بفروجنا إذا أهرقنا الماء" فدل ذلك على اختصاص النهي بخروج الخارج من العورة، لإِكرام القبلة عن المواجهة بالنجاسة/ الفتح 1/ 246، أقول: لكن حديث جابر نهى عن الاستدبار أيضًا بذلك، مع عدم وجود المواجهة.

ومنهم من قال: المنع لكشف العورة (¬1). وينبني على هذا الخلافِ، الخلافُ (¬2)، في جواز الوطء مُسقبَل القبلة، مع كشف العورة؛ فمن عَلل بالخارج، أباحه، إذ لا خارج (¬3)، ومَن عَلل بالعورة منعه (¬4). انتهى ما قاله (¬5). وهو حَسن، لو كان المعلِّل بكشف العورة موافِقًا له على الحكم الذي أشار إليه؛ لكن ليس كذلك؛ فقد قال الشيخ محيي الدين ¬

_ (¬1) قال ابن حجر: وكان قائله تمسك برواية في الموطأ "لا تستقبلوا القبلة بفروجكم"، ولكنها محمولة على المعنى الأول، أي حال قضاء الحاجة، جمعًا بين الروايتين، والله أعلم/ فتح الباري 1/ 246، والموطأ - كتاب القبلة - باب النهي عن استقبال القبلة والإنسان يريد حاجته 4/ 85 مع أوجز المسالك، ولفظ الرواية "بفرجه". قال الكاندَهْلَوِي: الأوجه عندي، أن زيادة "بفرجه" ليست للإشارة إلى مثار النهي ليُحتاج إلى الجمع بين الروايات، بل إشارة إلى أن المعتبر هاهنا الاستقبال بالفرج، بخلاف الصلاة، فإن المعتبر فيها الاستقبال بالصدر، فلو استقبل القبلة بصدره، وحول ذكره عنها وبال لم يُكره، بخلاف عكسه، فالمعتبر الاستقبال بالفرج/ انظر أوجز المسالك للكاندهْلَوِي 4/ 86. (¬2) في الإحكام "خلافهم"/ انظر الموضع السابق في الطبعتين، ولكن الناسخ للأصل وضع فوق ما فيه علامة "صح" هكذا، للإشارة إلى تأكده منها في الأصل الذي نقل عنه. (¬3) عبارة الأُبي "لعدم ظهور الخارج" وهو الصواب، لأن الوطء من لوازمه خروج المنى، وإن لم يكن ظاهرًا خارج الفرج/ شرح الأُبي على مسلم 2/ 41. (¬4) وكذا غيره مما تظهر فيه العورة كالختان، والأستحداد/ انظر الفتح 1/ 246 وأوجز المسالك 4/ 85. (¬5) إحكام الأحكام 1/ 47.

-رحمه الله-: يجوز الجماع في الصحراء، والبنيان مستقبلَ القبلة (¬1)، هذا مذهبنا، ومذهب أبي حنيفة، وأحمد، وداود [الظاهري] (¬2) واختلف فيه أصحاب مالك: فجوزه ابن القاسم، وكرهه ابنُ حبيب. والصواب: الجواز، فإن التحريم إنما يَثبُت بالشرع، ولم يرد فيه نهي، والله أعلم (¬3). وكذلك/ أيضًا قالوا (¬4): إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارَها، حالة خروج البول والغائط، ثم أراد الاستقبال، أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز (¬5). فهؤلاء المبيحون للوطء هم المعللون بكشف العورة، كما حكى الرافعي عنهم (¬6)، فلا يَحْسُن أن يُورَد هذا نقلًا، ولكن يَحسن أن يُورَد إلزامًا في المسألتين. وأما ما حكاه الشيخ محيي الدين، من مذهب مالك، فيحتاج إلى تنقيح: قال ابن شاس (¬7): وفي جواز الاستقبال والاستدبار -مع ¬

_ (¬1) في شرح النووي المطبوع "مستقبل القبلة" فقدمة، حيث ذُكِرت بعد كلمة "الجماع" 2/ 272 مع القسطلاني. (¬2) ليست بالأصل، وأثبتها من شرح النووي/ الموضع السابق. (¬3) شرح النووي على مسلم/ الموضع السابق. (¬4) أي الشافعية/ انظر شرح النووي على مسلم/ الموضع السابق. (¬5) المصدر السابق. (¬6) انظر ص 600 أصل. (¬7) انظر الأُبي 2/ 41.

وجود الساتر -وإن لم تكن مراحيض- ومَنعِهما روايتان، سببهما: هل النهي لحُرمة المصلِّين، أو لِحَق أو لحق القبلة؟ وهل ينزل الوطء منزلة قضاء الحاجة، أو يجوز مطلقًا، مستقبلًا ومستدبرًا؛ قولان، مثارهما: هل النهي للعورة، فيستويان؛ أو للخَارج، فيفترقان؟ وحكى ابن سابق عن ابن حبيب: أنه لا يجوز في صحراء، ولا بنيان. وهذا هو المسلك الذي سلكه شيخنا القشيري -رحمه الله تعالى (¬1) -؛ ولكنه أطلق في موضع التقييد، وفيما حكاه النووي عن ابن حبيب: الكراهة (¬2)، وابن شاس، يحكي عن ابن سابق عنه عدم الجواز. وفي الأحاديث السابقة في الباب، حديث مَعقِل: "أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهي أن نَستقبِل القبلتين" (¬3). قيل: أراد "بالقبلتين: الكعبة وبيت المقدس" (¬4). ¬

_ (¬1) في كلامه السابق نقل المؤلف له. (¬2) المجموع 2/ 80. (¬3) تقدم الحديث وتخريجه وبيانُ ضعف إسناده، لجهالة حال راويه عن مَعقِل، كلما سيأتي في كلام المؤلف بعد سطور؛ لكن سيأتي قريبًا أيضًا ذكره شاهدًا له من حديث عمرو العجلاني، كما أني سأذكر متابعًا لهذا الشاهد في التعليق عليه، ثم أذكر شاهدًا آخر، وأبين أن الحديث بمجموع الطرق يكون حسنًا على الأقل، فيُحتَج به في النهي عن استقبال القبلتين؛ على التفصيل الذي اختاره النووي كما قدمته ص 595 ت. (¬4) ذكر ذلك الخطابي/ معالم/ السنن 1/ 20.

ويُحتَمل أن يكون احترام البيت المقدس (¬1)، إذ كان قبلة لنا مَرة (¬2). أو يكون ذلك من أجل استدبار الكعبة؛ لأن من استقبله بالمدينة استدبر الكعبة (¬3). وقد قال أصحابنا (¬4): لا يَحرم استقبال بيت المقدس، ولا استدباره بالبول والغائط؛ لكن يكره. فلو ثبت الحديث (¬5) طولبوا بالفَرق على التأويل الأول (¬6)؛ لكن ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وعبارة الخطابي: "هذا يحتمل أن يكون على معنى الاحترام لبيت المقدس ... الخ"، المعالم/ الموضع السابق، وهي أوضح، ويظهر منها مدى اعتماد المؤلف عليه وإن لم يصرح. (¬2) فبقيت له حُرمة الكعبة، كذا زاده النووي، وأقر هذا التأويل وذكر اختيار الخطابي له/ المجموع 2/ 81. (¬3) من قوله: "أو يكون ذلك ... " إلى هنا هي عبارة الخطابي مع تصرف يسير/ المعالم 1/ 21. وقد قال النووي عن هذا التأويل: إن فيه ضعفًا/ المجموع 2/ 81. (¬4) يعني من الشافعية، والعبارة إلى قوله: "لكن يكره" في شرح النووي على مسلم، مع اختلاف يسير/ شرح النووي على مسلم 2/ 272 وذكرها مع تفصيل أكثر في المجموع 2/ 80. (¬5) هذا وما بعده ليس من كلام النووي، ولكنه من كلام المؤلف، وسيأتي تقرير ثبوت الحديث، وصلاحيته للحجة كما أشرت قبل قليل. (¬6) وهو أن سبب النهي عن استقبال بيت المقدس كونُه كان قبلة لنا، فبقيت له حرمة الكعبة، فيقال للأصحاب؛ ما الفرق إذَن بينه وبين الكعبة، حتى جعلتم استقبالَها مُحرَّمًا في بعض الأحوال، واستقبال بيت المقدس مكروهًا فقط؟. وقد أجاب النووي عن ذلك كما قدمته ص 595 ت بإجماع من يعتد به على هذا التفريق في الحكم بين استقبالهما، وانظر المجموع 2/ 81.

في إسناده أبو زيد، مولى بَني ثعلبة، راويه (¬1) عَن مَعقل، ولا نَعرف له حالًا. وفي معناه ما ذكره ابن عدي من حديث عَمرو بنُ [أبي عَمرو] (¬2) العَجَلاني، ومداره أيضًا على: عبد الله بن نافع ¬

_ (¬1) بالأصل "رواية" والمعنى مستقيم على ما أثبته. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من مصادر الترجمة الآتي ذكرها، وهو عَمرو بن أبي عَمرو الأنصاري ثم العَجلاني -بفتح العين المهملة وسكون الجيم، وبنون-، نسبة إلى عَجلان بن زَيد الأنصاري، يكنى بأبي عبد الرحمن، وقيل عبد الله، وقد ذكره ابن أبي عاصم في الصحابة الأنصاريين، وذكر تصريحه بالسماع من النبي -صلى الله عليه وسلم- لحديث النهي عن استقبال القبلتين عند قضاء الحاجة، وكذا ذكر في الصحابة غيرُ واحد من بعد ابن أبي عاصم، ولم أجد من ذكر اسم والد عمرو هذا، وقد قال الحافظ ابن حجر: إنه جرت عادة ابن مَندة إذا لم يُسَمَّ والد الصحابي يَكْنيه باسم ولده، وقد ذكر له أبو نعيم ترجمتين: أُولاهما باسم: عمرو بن أبي عمرو العَجلاني، والثانية باسم: عمرو العجلاني الأنصاري، وذكر فيها نفس الحديث الذي ذكره في الأولى لإثبات الصحبة، وبنفس الإسناد/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 85، 94، ولذا نبه ابن الأثير والذهبي على أنهما ترجمتين لشخص واحد/ أسد الغابة 4/ 121، 122 وتجريد أسماء الصحابة للذهبي 1/ 413، 414 وانظر الإصابة 3/ 8 مع الاستيعاب أيضًا 2/ 542 والمعجم الكبير للطبراني 17/ 12 والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم ل 226 والمغنى للفتني/ 184. وقد تقدم ذكر المؤلف لهذا الحديث ضمن ما ورد في الباب مما لم يذكره الترمذي، وذكرت هناك تخريجه من الكامل لابن عدي الذي عزاه إليه المؤلف ص 457، 458، وأضيف هنا: أن ابن عدي قد أخرج هذا الحديث في ترجمة عبد الله بن نافع مولى ابن عمر، ضمن أحاديثه المنتقدة من روايته عن أبيه، وسياق إسناده: قال ابن عدي: حدثنا عبد الرحمن بن ابراهيم، [دُحَيم] ثنا ابن أبي فُديَك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حدثني عبد الله بن نافع، مولى ابن عمر -رضي الله عنهما- عن أبيه أن عبد الرحمن بن عمرو العَجلاني حدث ابن عمر عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن يُستقبلَ [شيء] من القبلتين بالغائط والبول/ الكامل 4/ 1481 - 1483. وقد اقتصر المؤلف هنا وفيما تقدم في صدر الباب على عزو الحديث إلى ابن عدي، في حين أنه مخرج في عدة مصادر أخرى، وبعضها أولى في التخريج منه، بدلًا من الكامل لابن عدي، مثل مسند أحمد، ومعجم الطبراني الكبير. كما سيأتي ذكره. وقد أخرجه ابن أبي عاصم بنفس إسناد ابن عدي المتقدم ومتنه/ الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم ل/ 226. وأخرجه الطبراني من طريق عبد الرحمن بن ابراهيم الملقب "بدُحَيم" الدمشقي، وهي طريق ابن عدي، وابن أبي عاصم السابقة، ومن طريق أحمد بن صالح، كلاهما عن ابن أبي فُدَيك، به؛ إلا أنه قال: "عبد الله بن عمرو العَجلاني" بدل "عبد الرحمن بن عمرو" الوارد عند ابن عدي وابن أبي عاصم/ المعجم الكبير للطبراني 12/ 17، ولهذا اختلف في كنية "عمرو العجلاني" كما قدمت، ولم أقف على ترجمة باسم عبد الله، أو عبد الرحمن بن عمرو العجلاني، في المصادر التعددة التي راجعتها؛ لكن مَن تكلم على سند الحديث اقتصر على إعلاله بعبد الله بن نافع فقط، كابن عدي فيما تقدم، والهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 205. ومن طريقَي الطبراني أخرجه أبو نعيم/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 85، كما أخرجه أيضًا من طريق ابن أبي عاصم/ المصدر السابق 2 / ل 94. ومدار الحديث عند هؤلاء جميعًا على عبد الله بن نافع، وجمهور النقاد على تضعيفه وما ذُكر في تفسير تضعيفه يرجع إلى اختلال في ضبطه، وخاصة فيما رواه عن أبيه -كالحديث الذي معنا-، ولهذا قال ابن عدي بعد سرد الأقوال فيه: وهو ممن يُكتَب حديثه، وإن كان غيرُه يخالفه فيه/ الكامل 4/ 1383 وقال ابن حبان: كان يخطئ ولا يَعلم، فلا يحتج بأخباره التي لم يوافِق فيها الثقات/ تهذيب =

وهو ضعيفٌ عندهم (¬1). ¬

_ = التهذيب 6/ 35 ترجمة 100، وانظر الكاشف 2/ 137 ترجمة 3055 وديوان الضعفاء/ 179 والتقريب 1/ 456، وعليه فحديث عبد الله هذا مما ينجبر ضعفه بمتابع أو شاهد مثله أو فوقه. أقول: ومع أن مدار الحديث عند من ذَكَرْتُ من المخرجين على "عبد الله بن نافع" فإنه لم ينفرد به كما سأوضحه في التعليق التالي. (¬1) اعتبر المؤلف الحديث الذي ذكرته في التعليق السابق، من طريق عبد الله بن نافع المذكور شاهدًا لحديث معقل المتقدم ذكره له في الأصل؛ ولكنه لم يُرقِّه بهذا الشاهد لدرجة الحسن لغيره؛ بل تركه على حالة الضعف وعدم الاحتجاج به كما ترى. وهذا غير مُسلَّم له، لما يأتي: أولًا: على فرض تسليم قوله بأن مدَار الشاهد على عبد الله بن نافع، فإنه مع ضعفه يصلح حديثه للاعتبار به كما قدمت، وحديث معقل ضعيف؛ لجهالة حال أحد رواته كما سبق ذكر المؤلف له؛ فيمكن أن يترقى بهذا الشاهد المروى عن طريق عبد الله بن نافع، ويصبح الحديث بمجموع الطريقتين حسنًا لغيره، وذلك كما قرره ابن حجر والسيوطي وغيرهما: أن ما كان ضعفه لجهالة حال الراوي ينجبر بمجيئه من وجه آخر ولو كان مساويًا في الضعف للأول، ويترقى لدرجة الحسن لغيره/ انظر تدريب الراوي/ 1/ 177 وألفية السيوطي وشرحها للترمسي/ 32 والنكت الوفية/ للبقاعي/ 65 ب. ثانيًا: قول المؤلف: إن مدار الحديث الشاهد على عبد الله بن نافع غير مُسَلَّم له؛ فقد تابعه عليه أيوب السختياني، وغيره، كما قرر ذلك أبو نعيم؛ حيث أخرج الحديث كما قدمت من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه، ثم قال: رواه جماعة عن أيوب عن نافع، قال: سمعت رجلًا يحدث ابن عمر عن أبيه، نحوه/ معرفة الصحابة لأبي نعيم 2 / ل 85، وأقر ذلك ابن الأثير أيضًا/ انظر أسد الغابة 4/ 122. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهكذا أخرجه أحمد، فقال: حدثنا اسماعيل أنا أيوب عن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى أن نستقبل القبلتين ببول أو غائط/ مسند أحمد 5/ 430. وقد أفاد ما تقدم عن أبي نعيم وابن الأثير أن هذه رواية للحديث نفسه، وإن أُبْهمَ فيها اسم الراوي عن نافع، وكذا اسم أبيه الذي هو صحابي الحديث، في حين ظنهما الهيثمي حديثين، فذكر رواية أحمد، وقال: إن فيها رجلًا لم يُسَم -يعني غير الصحابي؛ فإن إبهامه لا يضر-، ثم ذكر عَقِبَه الحديث من عند الطبراني كما قدمته مصرحًا فيه بمن لم يُسَم عند أحمد، وهو عبد الله، وأبوه عمرو العَجلاني صحابي الحديث/ انظر مجمع الزوائد 1/ 205. وطالما عُرِف المبهم من طريق آخر فلا ضرر من إبهامه في سند أحمد، ولا يضر أيضًا عدم ذكر ابن عمر في سند أحمد، لكونه ليس من سلسلة السند. وقد ذكر ابن الأثير الاسناد كما عند أحمد وأبي نعيم، ثم قال: ورواه عاصم بن هلال عن أيوب عن نافع عن ابن عمر، والأول أصح/ أسد الغابة 4/ 122. أقول: وبرواية أيوب هذه للحديث عن نافع، يثبت أن عبد الله بن نافع لم ينفرد به عن أبيه، ويثبُت أيضًا أن مدار الحديث ليس عليه وَحدَه، فقد تابعهُ أيوب متابعة تامة، وأيوب هو ابن أبي تَميمة السَّخْتياني، ثقة ثَبْت حُجة من أثبت أصحاب نافع/ انظر التقريب 1/ 89 وتهذيب الكمال 1/ 133، 134 وبمتابعته يتحقق لعبد الله بن نافع ما قرره ابن حبان فيما سبق من أنه يحتج من حديثه بما وافقه عليه الثقات. أما إسماعيل، شيخ الإِمام أحمد في هذا الحديث، والراوي له عن أيوب، فهو: إسماعيل بن إبراهيم بنَ مقسم المعروف بابنُ عُلَيّة، ثقة حافظ، من الثامنة/ انظر التقريب 1/ 65، 66 وتهذيب الكمال 1/ 95، 96. وأما عبد الله، أو عبد الرحمن بن عمرو العَجْلاني، الذي أُبهِم عند أحمد وسُمِّي عند غيره كما تقدم، فلم أقف له على ترجمته كما ذكرت من قبل، ولولا هذ الكان الحديث بإسناد أحمد هذا صحيحًا لذاته؛ لكنه مع هذا يعتبر أقوى من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عبد الله بن نافع التي اقتصر المؤلف على الاستشهاد بها لحديث معقل، وبمجموع الطريقين إلى جانب طريق الحديث عن مَعْقل يتقوى تحسينه، كما تقدم. وله أيضًا شاهد آخر موقوف على ابن عمر، أخرجه ابن حزم من طريق حماد بن سلمة عن أيوب السَّخْتياني، عن نافع عن ابن عمر أنه كان يكره أن تستقبل القبلتان بالفروج،/ المحلى 1/ 259 وهذا الأثر فيه ضعف، لأنه من رواية حماد بن سلمة عن أيوب وهو السّخْتياني. وقد ضُعفَ حماد في روايته عن أيوب/ انظر شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 128، 2/ 674، 675. وقد قال ابن حزم عقب أثر ابن عمر هذا: لا نرى ذلك في بيت المقدس؛ لأن النهي عن ذلك لم يصح/ المُحَلى 1/ 259، والذي يَبدُو لي أن ابن عمر لم يقل بكراهة استقبال القبلتين عند الحاجة عن اجتهاد منه؛ لأنه تقدم في حديث عمرو العَجلاني أن ولده قد حدث به ابن عمر كما قرر ذلك نافع نفسه، وهو الراوي للموقوف عن ابن عمر، فقد قال: نافع: سمعت عبد الرحمن بن عمرو العَجلاني حدث ابن عمر عن أبيه أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهي أن يُسَتْقبلَ شيء من القبلتين بغائط أو بول/ الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم/ ل 226. فكأن قول ابن عمر الذي أخرجه ابن حزم في حكم المرفوع، وهو مع ضعف سنده -كما أشرت- يصفح شاهدًا لحديثي معقل وعمرو العَجلاني، وبمجموع ذلك يكون حديث كل منهما حسنًا لغيره، وصالحًا للاحتجاج به. وذلك على التفصيل الذي اختاره النووي كما قدمت ذكره ص 595 ت ونحوه في التيسير شرح الجامع الصغير للمناوي 2/ 477. هذا وقد ورد حديث عمرو العَجْلاني المذكور. بلفظ النهي عن استقبال "القبلة" بدل "القبلتين"، فقد رواه هكذا عن مالك عن نافع سائرُ رواة الموطأ غير يحيى بن يحيى، ومن طريق مالك رواه الشافعي ثم الطحاوي ثم البيهقي، وإسناده عندهم؛ مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن أبيه، كما سبق في تخريجي لتلك الرواية ص 458 ت. وهكذا أوردها ابن الأثير من طريق عبد الله بن نافع عن أبيه عن عبد الرحمن بن عمرو العَجلاني عن أبيه/ أسد الغابة 4/ 122. =

وقوله: "ولكن شَرِّقوا أَو غَرِّبوا": محمول على محلِّ يكون التشريق والتغريب فيه مخالفًا لاستقبال القبلة واستدبارها، كالمدينة التي هي مسكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما في معناها من البلاد (¬1) فلا يدخل تحته ما كانت القبلة فيه إلى المشرق [أو المغرب] (¬2). وقول أبي أيوب: فننحرِفُ عنها، ونستغفر الله. دليل على أنه ¬

_ = وأوردها ابن عبد البر مقتصرًا على ذكر عبد الرحمن عن أبيه، به/ الاستيعاب 4/ 542 مع الإصابة. وكذا ذكرها أبو زرعة ابن العراقي: عن نافع أن رجلًا من الأنصار أخبره عن أبيه، به وذكر أن الرجل هو عَمرو العَجلاني/ المستفاد من مبهمات المتن والإسناد لأبي زرعة ابن العراقي، بتصحيح وتعليق الشيخ حماد الأنصاري/ 15، والصواب أن الرجل هو "عبد الرحمن بن عَمرو العَجلاني" كما في الروايات السابقة، ولعل هذا من خطأ الطباعة أو النسخ. وعمومًا فهذه الرواية لا تعكر على رواية "القِبْلتَين" التي معنا؛ لإمكان سماع العَجلاني للنهي من الرسول -صلى الله عليه وسلم- مرة عن القِبلة ومَرة عن القِبلتين. (¬1) كالشام واليمَن/ عمدة القاري 2/ 277 والمغرب/ شرح الأبي على صحيح مسلم 2/ 43. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من المصدر الذي اعتمد عليه المؤلف، وإن لم يصرح به وهو إحكام الأحكام لابن دقيق العيد، فالنص من أول "قوله: ولكن شرقوا ... " إلى هنا موجود فيه حرفيًا 1/ 48. ذكر الخطابي والمازري أن من كانت قبلتُه إلى الشرق أو الغرب فلا يُشرِّق، ولا يُغَرِّب، قال الأبي: لأنهم لو فعلوا صادفوا القبلة، فينحرف هؤلاء إلى الجنوب أو الشمال/ معالم السنن 1/ 20 وشرح الأبي على مسلم 2/ 43.

لم يبلُغْه حديث ابن عمر وما في معناه (¬1)، أو لم يره مُخَصِّصا، وحمل ما رواه على العموم (¬2). ¬

_ (¬1) كحديث جابر وعائشة وغيرهما مما سيأتي في الباب التالي، وقد جزم الشافعي وابن عبد البر أبا أيوب لم يَبْلُغه حديث ابن عمر، فقال الشافعي: وسمع أبو أيوب الأنصاري النهي من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولم يعلم ما علم ابن عمر من استقباله -صلى الله عليه وسلم- بيتَ المقدس لحاجته، فخاف المأثم في أن يجلس على مرحاض مستقبل الكعبة، وتَحرَّف لئلا يستقبل الكعبة، وهكذا يجب عليه إذا لم يعرف غيره، ثم قال: وهذا يدل على أن خاص العلم لا يوجد إلا عند القليل، وقلما يعم علم الخاص/ اختلاف الحديث للشافعي، بهامش الأم 7/ 270، 271. وقال ابن عبد البر نحو هذا، مع التصريح بحمل أبي أيوب لهذا النهي عن الاستقبال والاستدبار على العموم، وأنه هكذا يجب على كل من بلغه شيء أن يستعمله على عمومه حتى يثبت عنده ما يخصصه، أو ينسخه/ التمهيد 1/ 304. أما الحافظ ابن حجر فلم يجزم بعدم بلوغ حديث ابن عمر أبا أيوب، فقال: كأنه لم يبلغه حديث التخصيص (يعني حديث ابن عمر؛ لدلالته على تخصيص الجواز بالأبنية) / انظر فتح الباري 1/ 245، وعدم الجزم بأن أبا أيوب بلغه هذا، يفتح المجال للتوجيه الثاني لِمَا ذهب إليه أبو أيوب، والمذكور بعد هذا في الأصل. (¬2) ذكر حَمْل أبي أيوب الحديث الذي سمعه من الرسول -صلى الله عليه وسلم- على العموم/ ابن عبد البر كما قدمتُ، وابنُ دقيق العيد؛ إذ قال: إن حَمْلَه على الصحارى مخالفُ لما حَمَلَه عليه أبو أيوب من العموم؛ فإنه قال: "فأتينا الشام فوجدنا مراحيضَ قد بُنيَتْ قِبَل القبلة، فَنَنْحَرِف عنها" فرأى النهي عامًا/ إحكام الأحكام/ 1/ 46، 48. ولكن القائلين بحَمْلِه على الصحراء جمعًا بين أحاديث النهي، وأحاديث الترخيص، أجاب الشافعيةُ منهم عن قول أبي أيوب هذا بوجهين: أولهما: أنه شك في عموم النهي فاحتاط بالاستغفار. =

وفي معنى الاستغفار في هذا الحل، أقوال رأيتها عن العلماء: 1 - فمنهم من يقول المراد نستغفر الله لباني الكنيف على هذه الصفة (¬1) الممنوعة [عنده] (¬2) / وإنما حملهم على هذا التأويل أنه إذا انحرف عنها لم يَفعل ممنوعًا؛ فلا يَحتاج إلى الاستغفار (¬3). 2 - ومنهم من يقول: إنما استغفر لنفسه (¬4)، قال شيخنا القشيري -رحمه الله-: ولعل ذلك لأنه [استقبل واستدبر] (¬5) بسبب ¬

_ = ثانيهما: أن هذا مذهَبُه ولم ينقله عن النبي -صلى الله عليه وسلم- صريحًا، وقد خالفه فيه غيره من الصحابة/ المجموع 2/ 82. وقد استنبط ابن دقيق العيد من قول أبي أيوب هذا حُكمًا أُصوليًا هامًا فقال: "وفيه دليل على أن للعموم صيغةً عند العرب وأهل الشرع، على خلاف ما ذهب إليه بعض الأصوليين" وتوسع في تقرير ذلك ومناقشة بعضِ مَن أولُعَ مِن معاصريه بجوانب من الموضوع/ انظر إحكام الأحكام 1/ 48، 49. (¬1) في إحكام الأحكام المنقول عنه هذا القول نصًا "الصورة" 1/ 49، 50، ولكن في نيل الأوطار كما في الأصل، ولعله نقل عن المؤلف. (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من الإحكام 1/ 50 والنيل 1/ 57 وأضاف ابن العربي قائلًا: فإن الاستغفار للمذنبين سنة/ العارضة 1/ 25. (¬3) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 50. (¬4) وقرر ابن دقيق العيد: أن هذا القولَ هو الأقرب/ انظر المصدر السابق، وهذا ترجيح له عنده على بقية الآراء؛ ولكن المؤلف حذف هذا الترجيح من كلام شيخه، دون أن يذكر بديلًا عنه أوْرَدًا له. (¬5) ليست بالأصل وأثبتها من المصدر السابق/ نفس الموضع، واقتصر ابن العربي على ذكر الاستقبال فقط/ العارضة 1/ 25.

موافقته [لمقتضى] (¬1) البناء (¬2) غلطًا أو سهوًا، فيتذكر، فينحرف ويستغفر الله. قال: فإن قلت: فالغائط أو الساهي لم يفعل إثمًا، فلا حاجة به (¬3) إلى الاستغفار. قلت: أهل الورع والمناصب العلية في التقوى، قد يفعلون [مثل] (¬4) هذا، بناء على نسبتهم التقصيرَ لأنفسهم [في عدم] (¬5) التحفظ ابتداء. 3 - وقيل: يستغفر الله من ذنوبه؛ فإن الذنب يذكر بالذنب (¬6). 4 - وقال القاضي أبو بكر ابن العربي: يستغفر الله من ¬

_ (¬1) ليست بالأصل، وأثبتها من إحكام الأحكام 1/ 50. (¬2) في الطبعة الهندية للاحكام "النهي" ص 17، وما في الأصل موافق للطبعات الأخرى، والمعنى مستقيم عليه. (¬3) في الإحكام 1/ 50، "فالغالط والساهي لم يفعلا إثمًا فلا حاجة بهما" وما في الأصل يستقيم عليه المعنى أيضًا فأبقيته. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من الإحكام 1/ 50. (¬5) بالأصل "مع التحفظ" وما أثبته من الإحكام 1/ 50 ط عالم الفكر، ص 17 ط الهند، وهو المستقيم عليه المعنى. (¬6) ذكر هذا ابن العربي/ العارضة 1/ 25.

الاستقبال الأول (¬1). فإن أراد القاضي أبو بكر بـ "الاستقبال الأول" قبل أن تُتخَذ الكُنُف، فلم يكن النهي بلغهم، وأيضًا فأبو أيوب، لا يرى الأحاديث المعارضة لروايته ناسخة، ولا مُخصِّصة، فالأول وغيره عنده سواء. وإن كان يريد "بالأول" أول الدخول، فليس في الحديث ما يدل على أنه كان أول دخوله جالسًا لقضاء الحاجة نحو القبلة، ثم انصرف عنها. وإن كان يشير إلى ما قد يقع من ذلك على سبيل الغلط أو السهو، فكان ينبغي أن يبينه. انتهى ما ألفيته في ذلك عن سلف (¬2). وكلهم جعلوا بين الانحراف والاستغفار رابطة. ¬

_ (¬1) الذي في العارضة بدون كلمة "الأول" 1/ 25 كما أشرت لذلك قريبًا، وبذلك لا يتوجه ما بناه المؤلف على تلك اللفظة من المناقشات لابن العربي كما هو مذكور عقب هذا. ولكن يبدو أن كلمة "الأول" هذه وُجدَت في نسخة العارضة التي اعتمد عليها المؤلف حتى لفتت انتباهه للمناقشة لابن العربي في مراده بها، كما سيأتي. (¬2) مما ذكره السابقون على المؤلف ولم يذكره: "أن أبا أيوب شك في عموم النهي فاحتاط بالاستغفار"/ المجموع للنووي/ 2/ 82.

5 - ولو قِيل بأنه (¬1) أخبر عن أمرين لا تعلق لأحدهما بالآخر، لم يكن به بأس، أخبَر عن الانحراف، لِمعتَقده بقاء الحكم في الكنيف وغيره، وعن الاستغفار المسنون الذي ورد عنه عليه [الصلاة و] السلام: أنه "كان إذا خرج من الخلاء قال: غُفرانك" (¬2). ... انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني وأوله: (باب ما جاء من الرخصة في ذلك) وانظر الفهارس في نهاية الجزء الثاني ¬

_ (¬1) يعني أبا أيوب. (¬2) تقدم الحديث في الباب الذي قبل هذا، وتخريجه ص 420، 421 أصل وت.

7 - باب [ما جاء من] الرخصة في ذلك

7 - باب [ما جاء من] (¬1) الرخصة في ذلك حدثنا محمدُ بنُ بَشّار، ومحمدُ بن المثَنَّى، قالا: ثَنا وَهْبُ بنُ جَرِير، ثنا أَبِي، عن محمد بن إسحاق، عن أبان بن صالح، عن مجاهد، عن جابر بن عبد الله، قال: نَهى النبي -صلى الله عليه وسلم- أن تُسْتَقْبَلَ (¬2) القِبلةُ ببول، فرأيته قبل أن يقبض بعام، يَستقِبلُها. وفي الباب عن أبي قَتادَةَ، وعائشةَ، وعَمَّار [بن ياسر] (¬3). قال [أبو عيسى] (¬4): وحديثُ جابر في هذا الباب، حديثٌ حسنُ غَريب. وقد رَوى هذا الحديثَ، ابنُ لَهيعةَ عن أبي الزُّبَير، عن جابر، عن أَبي قَتادة، أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يَبُول مُستَقْبلَ القبلة، قال (¬5): أنا بذلك قُتيبةُ، قال: ثنا ابنُ لَهيعَة. ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من ط شاكر وغيرِها. (¬2) في ط شاكر وغيرها "نَستَقْبِل" بالبناء للفاعل، وما بالأصل مطابق للنسخة التركية. (¬3) ليست بالأصل وأثبتها من ط شاكر وغيرها. (¬4) ليست بالأصل وأثبتها من ط شاكر وغيرها. (¬5) أي الترمذي.

وحديث جابر، عن النبي -صلى الله عليه وسلمَ- أصحُّ من حديث ابنِ لَهيعة. وابنُ لَهيعَة ضعيف عند أهل الحديث؛ ضعفه يحيى بنُ سعيد القطان، وغيره [مِنْ قِبَلِ حفظه] (¬1). حدثنا هَنَّاد، ثنا عَبَدةُ [بنُ سليمانَ] (¬2)، عَن عُبيدِ الله بنِ عمَر، عن محمد بن يحيى بن حَبَّان (¬3)، ابن عمر، قال: رَقِيتُ يومًا على بيت حَفصةَ/، فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته، مُستقبل [الشام] (¬4) مُستَدْبِر الكعبة. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. [الكلام عليه] [التخريج والصناعة الحديثية]: أما حديث ابنِ عمر: فمخرَّج في الكتب الستة (¬5). ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من ط شاكر وغيرها، وهي غير موجودة في بعض النسخ، مثل المطبوعة مع العارضة 1/ 126، وإثباتها مهم؛ لكونه انتقد أيضًا بما يتعلق بالعدالة، كما سيأتي في ص 793 ت. (¬2) من ط شاكر. (¬3) بالأصل "حَيان" بالياء المثناة من تحت. وكذا في الموضع التالي، وما أثبته موافق لما في التركية وط شاكر وغيرها، وكذا ضَبَطه في التقريب فقال: بفتح الهملة وتشديد الموحدة/ تقريب التهذيب 2/ 216. (¬4) بالأصل "مستقبل القبلة ثم" وما أثبته من ط شاكر والنسخة التركية وتؤيده مصادر تخريج الحديث كما سيأتي، وتحفة الأشراف 6/ 296 ح 8552. (¬5) يعني بما فيهم الترمذي، ولذا كان الأولى أن يقول: في بقية الستة؛ لأن تخريج الترمذي له قد عُلِم من صدر الباب، والواقع أن هذا الحديث قد تعددت مصادر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تخريجه، غير الستة، وخاصة من اشترط الصحة، وتعددت أيضًا طرُقُه عن ابن عمر، مع تعدد الألفاظ ومعارضةِ بعضِها لبعض؛ ولكن مقصود المؤلف من ذلك هو الرواية الموافقة لرواية الترمذي، ومن العلماء من صحح بعض المُتعارِض من ألفاظه، اعتمادًا على النظر في الإسناد، دون بيان وجه للجمع بين المتن ومُعارِضِه، ومنهم من رجح أحد المتعارِضَيْن، لاتفاق أكثر الثقات عليه. ومنهم من عَدَّ المُعارِضَ من مقلوب المتن، فأعله بذلك وإن صح سنده، ومن العلماء من لم يتعرض لشيء من ذلك، ومنهم الشارح هنا كما ترى، مع أهمية ذلك وتعلقه المباشر بحديث الباب، وبالأحكام المستفادة منه من جهة، ومن جهة أخرى أن روايات الحديث المخرجة في الكتب الستة التي أحال عليها المؤلف، بعضُها يعارض رواية الترمذي، مع كونها عن ابن عمر أيضًا. لهذا رأيت التوسع في تخريج طرقِ الحديث وألفاظِه من بقية الكتب الستة وغيرها وتحقيقَ القولِ فيها بقدر الإمكان، منعًا لِلبْس عندما يطلق حديث ابن عمر في موضوع هذا الباب، وفي بقية شرح المؤلف له كما سيأتي. وخلاصة ذلك أني وجدت الحديثَ قد رواه عن ابن عمر أربعةُ وهم: نافِعٌ مولاه، ورافعُ بن حُنَين أبو المغيرة، والشعبي، وواسع بن حَبّان. وعن هؤلاء الأربعة تعددت طرق الحديث، واختلفت مراتبُها، وألفاظُها. فقد جاء من الطرق الثلاثة الأول: أن ابن عُمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على خَلائِه مُستقْبِلَ القبلةَ. وهذا يستلزم حُكمًا آخر وهو استدبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- حينذاك - لبيت المقدِس بالشام؛ وذلك لأن مَن استقبلَ القِبلةَ وهو بالمدينة المنورة يكون مُستدْبِرَ الشام، بما فيها بيت المقدس. وسيأتي التصريح بذلك في بعض الروايات. أما طريقُ واسع بن حَبَّان فقد جاء الحديث من بعض وجوهها بمثل الرواية الأولى أو بمعناها أو بنحوها. وجاء من أكثرِ وجوهها وأصحها: أن ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مُستدبِر القبلة، مستقبل الشام، حيث بيت المقدس.=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وجاء من بعض وجوهها أيضًا "مستقبلَ القبلة أو بيت المقدس" على الشك من بعض الرواة. ولكن أكثرَ الثقاتِ -كما سيأتي- يتفقون على رواية "مستدبر القبلة" وما هو بمعناها أو بنحوها. وتفصيل ذلك كما يلي: أما طريق نافع فأخرجها ابن ماجه وتلميذه أبو الحسن بن سلمة -الطهارة- باب الرخصة في (استقبال القبلة) في الكنيف وإباحتِه، دون الصحاري - وذلك من طريقين عن عُبيد الله بن موسى عن عيسى الحَناط عن نافع عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كنيفه مستقبل القبلة" وفي آخر الحديث عند ابن ماجه وتلميذِه، زيادة، وقد أورد أبو الحسن بن سلمة روايته هذه عقب رواية شيخه في السنن، وساق إسناده بها، وأحال بالمتن على رواية شيخه، فذكر أنه نحوها/ سنن ابن ماجه 1/ 117 ح 323. ولكن البوصيري في الزوائد ذكر الرواية بسندها ومتنها كاملًا عقب رواية ابن ماجه، وحكم على إسناد كل من ابن ماجه وتلميذه بالضعف: لوجود عيسى الحناط في كليهما/ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه -الطهارة- باب الرخصة في استقبال القبلة بالبول والغائط 1/ 47 بتصحيح الكشناوي. وقد تقدم في تعليقي على الباب السابق ص 585 ت - 587 ت التعريف بعيسى الحناط وبيان أن أكثر العلماء وصفوه بما يدل على شدة ضعفه، لا ضعفه فقط، كما ذكر البوصيري، وعليه يكون الحديث من طريقه شديد الضعف، لا ضعيفًا فقط. هذا وتجدر الإشارة إلى أن أبا الحسن بن سلمة قد ذكر خلال روايته للسنن عن ابن ماجه أحاديثَ مُتعددة يرويها عن غير ابن ماجه، مثل حديثنا هذا. ولكن الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي تارة يدخل هذه الأحاديث ضمن عدد أحاديث سنن ابن ماجه، فيعطيها رقمًا متسلسلًا مثل أحاديث الأصل، وتارة يهمل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ترقيمها/ انظر سنن ابن ماجه - بتصحيح محمد فؤاد عبد الباقي 1 / ح/ 321، 323، 324 و 2 / ح/ 2722. وأيضًا الحافظ البوصيري، تارة يُدخِل بعض هذه الزوائد ضمن زوائد ابن ماجه على الكتب الستة، دون تنبيه ولا تمييز، وتارة ينبه/ انظر مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه، للبوصيري 1/ 46، 47 وقارِنْه بالسنن ط فؤاد عبد الباقي 1/ 16، 17. أما الأستاذ الدكتور محمد مصطفى الأعظمي فقد أدخل جميع زيادات أبي الحسن، هذه ضمن الترقيم المسلسل لسنن ابن ماجه، وضِمْن فهارس ألفاظه، دون تمييز، بل إنه علق على أحد الأحاديث الزائدة بقوله: هذا الحديث بخط أحمد بن أيوب -حسبما يظهر- وهو على هامش الأصل، لكنه من مرويات ابن قدامة، وعليه علامة "صح"، لذلك أدخلناه في الكتاب/ انظر سنن ابن ماجه بتحقيق وترقيم وفهرسة د. الأعظمي 2/ 99 ح 2653، وانظر أيضًا ج 1 / ح 73، 217، 218، 227، ج 2 / ح 2755، وقد أدخل الحديث الأخير ضمن ما عنونه صراحة بقوله "المعجم المفهرس لألفاظ سنن ابن ماجه". انظر ج 3/ 359 كلمة "سدس". ونعم إنه ذكر في مقدمة التحقيق أن عدد أحاديث السنن: أربعة آلاف وثلاثمائة وسبع وتسعون حديثًا، بما فيها من زيادات القطان -يعني أبا الحسن- لأنه يقال له القطان أيضًا، 1/ 19؛ لكن هذه الإشارة المُجملة غير كافية، وإدخال هذه الزوائد في الترقيم العام لأحاديث السنن وفي فهارسه المعجمية دون تمييز لا وجه له؛ لكون تلك الأحاديث ليست من رواية ابن ماجه قطعًا، وطالما أن الدكتور قد رجح الاعتماد في التحقيق على رواية واحدة للسنن، بحجة تجنب اختلاط روايات السنن نفسها عن ابن ماجه/ مقدمة التحقيق 1/ 20 ط ثانية، فمن باب أولى كان يجب عليه فصل هذه الزوائد في الترقيم والفهارس، تجنبًا لما هو واقع فعلًا من اختلاطها بأحاديث السنن، وهي ليست منها. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ذلك الاختلاط الذي يقع للقارئ العادي، بل وللمخرجين للأحاديث من تلك السنن، حتى من بعض ذوي الخبرة بعلم الحديث، كما سيأتي بعض أمثلته قريبًا في التعليق على أحاديث هذا الباب. كما نرجو أن يتنبه الدكتور لاستبعاد هذه الزوائد من حساباته الرقمية والإحصائية لأحاديث سنن ابن ماجه التي أودعها في حاسبه الآلي، حتى لا ينتهي الأمر بمن يعتمد على نتائج عمله إلى تقويل ابن ماجه من أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله، وإن كان الدكتور لا يقصد ذلك قطعًا، ولا يقبله. وهذا من باب النصيحة والمشورة التي رحب بها غير مرة في طبعته هذه مثلما في ج 3/ 10، 12، والله من وراء القصد. وأعود لمواصلة تخريج الحديث، فأقول: إن الدارقطني قد أخرجه من طريق موسى بن داود عن حاتم بن إسماعيل عن عيسى بن أبي عيسى الحَنَّاط عن نافع عن ابن عمر قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب مذهبًا مواجه القِبْلَة" وفي آخره زيادة، ثم قال الدارقطني عقبه: عيسى بن أبي عيسى هو الحنَّاط، وهو عيسى بن ميسرة، وهو ضعيف/ سنن الدارقطني - الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء 1/ 61 ح 11، وإذا كان الدارقطني وصف عيسى هنا بالضعف فقط؛ فإنه قال عنه مرة أخرى: إنه "متروك"/ سؤالات البرقاني للدارقطني/ 54 ترجمة 387. وهذا يقتضي شدة ضعفه كما قدمت. وأخرجه البيهقي من طريق يعقوب بن كعب الحلبي عن حاتم بن إسماعيل، به بلفظ "دخلت بيتَ حفصة فَحانَت مِني التفاتة، فرأيت كنيف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستقبلَ القبلة وفي آخره زيادة، ثم قال البيهقي: "وهكذا رواه موسى بن داود وغيره عن حاتم بن إسماعيل". (يعني وحاتم يرويه عن عيسى، به)، ثم ذكر البيهقي تضعيف عيسى كما تقدم في كلام الدارقطني/ سنن البيهقي الكبرى - الطهارة - جماع أبواب الاستطابة - باب الرخصة في ذلك في الأبنية 1/ 193. وأخرج ابن عبد البر رواية عيسى أيضًا ولَقَّبَه بالخياط، وذلك من طريق عبيد الله بن موسى عن عيسى الخياط عن نافع عن ابن عمر قال: "رأيت =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في كنيفه مستقبل القبلة" وفي آخره زيادة/ التمهيد 1/ 308، ومع وجود عيسى في سنده فلم يعلق عليه ابن عبد البر بشيء، ولعله اكتفى بما قرره في المبحث نفسه، وقبل ذكر عيسى بصفحتين: أن أَثْبَتَ روايات حديث ابن عمر رواية "مستدبِرَ القبلة" كما سيأتي، وانظر التمهيد 1/ 306. وعلى أي حال فإن عيسى لم ينفرد بالحديث، فقد تابعه عليه يحيى بن أبي كثير الطائي، وذلك فيما أخرجه الإمام أحمد في مسنده من طريق أيوب بن عُتْبة عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عن ابن عمر قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتخلَّى على لَبِنتين مستقبل القبلة/ المسند 2/ 99. وأخرجه أبو أُمية الطرسوسي، عن أحمد بن يونس عن أيوب، به، بلفظ: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يبرُز بين لبنتين وهو مستقبل القبلة، وهو (أي ابن عمر) على ظهر بيت، قال أيوب: كأنه فجئه/ مسند عبد الله بن عمر، رواية أبي أمية الطرسوسي/ 39 ح 64. وأخرجه ابن عدي أيضًا في الكامل في ترجمة أيوب ضمن أحاديثه المعلولة، وذلك من طريقين: إحداهما عن علي بن ثابت الجَزَري عن أيوب به، بلفظ: "رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا للغائط وللبول على حجرين أو لَبِنتين مستقبلًا القبلة، وذكر أن لفظ الحديث من الطريق الأخرى نحو هذا/ الكامل 1/ 345 من الطبعة الأولى. وأيوب بن عُتبة قد ضعفه الأكثرون، وفسر بعضُهم الضعف بسوء الحفظ/ انظر الكامل 1/ 343 - 346 وتهذيب التهذيب 1/ 408 - 410. وأما يحيى بن أبي كثير الطائي، فهو ثقة ثبت؛ ولكنه يُرسل ويُدَلِّس، وتدليسه مُحتمل/ التقريب 2/ 356، والتهذيب 1/ 2681 - 270 وطبقات المدلسين لابن حجر/ 36 بتصحيح د. القريوتي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعلى هذا يكون الحديث من هذا الطريق ضعيفًا، لضعف أيوب، ولا ينجبر ضعفه بطريق عيسى السابقة، لشدة ضعفها كما تقدم. أما رواية الشعبي عن ابن عمر فأخرجها الدارقطني من طريق عمر بن شبيب عن عيسى الحناط عن الشعبي عن ابن عمر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في حاجة، فلما دخلت عليه فإذا النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحَرَج على لبنتين مستقبل القبلة، ثم ذكر تضعيف عيسى كما تقدم/ سنن الدارقطني - الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء 1/ 61 و"الحَرَج" هو المكان/ التعليق المغني على سنن الدارقطني 1/ 60 أو المكان الشديد الضيق/ المعجم الوسيط، مادة "حرج". وذكر ابن عبد البر رواية الشعبي أيضًا من طريق عُبَيد الله بن موسى عن عيسى بن أبي عيسى الخَياط عن الشعبي عن ابن عمر قال: حانت مني التفاتة، فرأيت النبي - عليه (الصلاة و) السلام في كنيفه مستقبل القبلة/ التمهيد 1/ 308. ومدار رواية الشعبي هذه كما ترى على عيسى الخياط، فتكون شديدة الضعف، لِمَا تقدم من شدة ضعف عيسى. وبذلك لا ينجبر بها ضعف طريق نافع السابقة. وأما رواية رافع بن حُنَين أبي المغيرة عن ابن عمر، فقد أخرجها الإمام أحمد، من طُرق عن فُلَيح بن سليمان عن عبد الله بن عكرمة عن رافع بن حنين أبي المغيرة عن ابن عمر أنه رأى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- مذهبًا مواجه القبلة/ مسند أحمد 2/ 97، 99. وأخرجه الدولابي عن النسائي عن محمد بن رافع عن (سُريج) بن النعمان قال حدثنا فُلَيح بن سليمان، به، بنحو رواية أحمد السابقة/ الكنى للدولابي 2/ 126 ترجمة أبي المغيرة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه البخاري في تاريخه الكبير من طريق يونس بن عمد قال حدثنا فُلَيح، به، بلفظ رواية أحمد مع ذكر "النبي" بدل "الرسول"،/ التاريخ الكبير للبخاري 3/ 307، ترجمة "رافع، أبو المغيرة". وطريق البخاري المذكورة هي إحدى طرق الحديث عند أحمد، وعلى أساسها حكم الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- بصحة الحديث/ انظر تعليقه على مسند أحمد 8/ 69 - 70 ح 5715، مع أن في هذه الطريق وفي بقية الطرق فُلَيحًا بن سليمان، وهو مُختلَف فيه، وقد رجح الشيخ أحمد شاكر توثيقه، وبالتالي صحح الحديث، وفليح قد احتج به الشيخان، لكن ضعفَه عدد من الأئمة، وترجم له البخاري في تاريخه الكبير 7/ 133 ترجمة 601 وفي تاريخه الصغير/ 188 ط الهند، ولم يَذكُر فيه جرحًا ولا تعديلًا، وقال الحافظ ابن حجر: إن البخاري لم يعتمد عليه -يعني في الصحيح- اعتماده على مالك وابن عُيينة وأضرابُهما، وإنما أخرج له أحاديث أكثرُها في المناقب، وبعضها في الرقائق، وأخرج له مسلم حديثًا واحدًا، وهو حديث الإفك/ هدي الساري/ 435 ط السلفية، ثم إنه لخص حاله بقوله: صدوق كثير الخطأ/ التقريب 2/ 114، واعتمد الذهبي قول المضعفين له/ الكاشف 2/ 387 وديوان الضعفاء / 250 كلاهما للذهبي وانظر تهذيب التهذيب 8/ 304، 305، وقد وثقه ابن عدي في بعض مروياته عن نافع عن ابن عمر، وعن بعض الشيوخ من أهل المدينة مثل: أبي النضر، وغيره، ثم قال: وهو عندي لا بأس به/ الكامل لابن عدي 6/ 2055، 2056، وقال الدارقطني: يختلفون فيه، ولا بأس به/ الميزان 3/ 365، 366. أقول: فلعل قول ابن عدي والدارقطني هو الأنسب لحال فُلَيح، ويكون الشيخان قد انتقيا من حديثه ما هو تام التوثيق فيه عندهما، ويلاحظ أنهما قد أخرجا حديث ابن عمر هذا من غير طريق فليح كما سيأتي، مع أن فليحًا قد رواه كما نرى عن بعض ثقات المدنيين، وهو عبد الله بن عكرمة بن عبد الرحمن المخزومي المدني/ تعجيل المنفعة لابن حجر 229. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعمومًا فعلى ما قدمته من الأنسب في حال فُليح، وهو أنه لا بأس به، يكون هذا الإسناد حسنًا لذاته فقط، وليس صحيحًا كما قرر الشيخ أحمد شاكر، بل إنه لو سُلمت صحة الإسناد من هذا الطريق، أو من غيره كما سيأتي، فإن متن هذا الحديث وما هو بمعناه يعتبر معلولًا، لمعارضته بما اتفق أكثر الثقات من رواة الحديث عليه، وهو أن ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستدبر القبلة، لا مستقبلها كما في هذه الرواية وما بمعناها أو بنحوها. ولا يتأتى الجمع بين الروايتين الا على القول بتعدد الواقعة، بمعنى أن يكون ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على خلائه مرتين: إحداهما: مستقبل القبلة، والأخرى: مستدبرها، وهذا ما لم نجده في مختلف روايات الحديث؛ بل الذي جاء في بعضها يدل على عكس ذلك، وهو عدم تكرر رؤية ابن عمر للرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو على هذه الحالة، مثل قول ابن عمر في الروايات المتقدمة: "حانت مني التفاتة" وقول أحد رواة الحديث وهو أيوب بن عتبة -كما تقدم-: إن ابن عمر "كأنه فجئه". وفي رواية سعيد بن منصور في سننه، قال ابن عمر: ظهرت على إجَّار في بيت حفصة في ساعة لم أكن أظن أحدًا يخرج فيها ... " (الحديث)، كما في شرح معاني الآثار للطحاوي 4/ 234، وجمع الجوامع في الحديث للسيوطي 2/ 506 ط الأولى، وسيأتي نحوه أيضًا في رواية الدارقطني. وقد أقر هذا شُرَّاحُ الحديث، ومنهم الشارح هنا كما سيأتي في الأصل، وكذا غيرهم، كما سيأتي في التعليق، فاهتموا جميعًا بالتأكيد على أن رؤية ابن عمر للرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذه الحالة لم تكن مقصودة له ابتداء؛ لأنها حالة لا يليق تتبع الرسول فيها، حيث يُمكن معرفةُ حكمها وهيئتها الشرعيين بسؤاله -صلى الله عليه وسلم- أو سؤال أهل بيته وخَدَمِه، ولكنها كانت مصادفة أتيحت لابن عمر فانتهزها في استفادة الحكم الشرعي مباشرة/ انظر فتح الباري 1/ 247 ونيل الأوطار 1/ 99 ط المنيرية، والمعتبر في تخريج أحاديث المنهاج والمختصر للزركشي بتحقيق الشيخ حمدي السلفي/ 172. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وحيث لم يمكن الجمع بوجه معتبر فتترجح رواية أكثر الثقات وهي الاستدبار،، على رواية "الاستقبال" ولو كان بعض أسانيدها حسنًا أو صحيحًا، ولو تعددت طرقها ومخارجها عن ابن عمر كما تقدم، وتكون معلولة بمخالفة أكثر الثقات لها كما سيجيء، وعليه فلا يُسلَّم تحسين هذا المتن، ولا تصحيح غيره له من طريق أخرى. وأما طريق واسع بن حَبَّان فيروي الحديث بها عنه ابن أخيه: محمد بن يحيى بن حَبَّان، وهو ثقة فقيه/ التقريب 2/ 216 والتهذيب 9/ 557 - 508. وعن محمد تعدد الرواة للحديث، وتفرع الإسناد، واختلفت ألفاظ المتن؛ فبعضهم رواه بلفظ الاستقبال أو التوجه للقبلة، وأكثرهم رواه بلفظ "استدبارها"، وبعضهم رواه على الشك بين الاستقبال والاستدبار، وتفصيل ذلك كما يلي: فممن رواه عن محمد: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى تعدد الرواة، بطرقهم: فرواه عنه مالك في الموطأ، بلفظ: أن عبد الله بن عمر قال: "لقد ارتقَيْتُ على ظهر بيت لنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنتين مستقبل بيت المقدس لحاجته، وذلك في أثناء حديث/ الموطأ - كتاب القبلة - باب الرخصة في استقبال القبلة لبول أو غائط 1/ 193، 194 ح 3. وكما قدمتُ أن روايات استقبال القبلة تستلزم حكمًا آخر وهو استدبار الرسول -صلى الله عليه وسلم- لبيت المقدس بالشام، فإن رواية مالك هذه وما بمعناها تستلزم العكس وهو استقباله -صلى الله عليه وسلم- حالتئذ لبيت المقدس، وإن لم يُصَرح به في مثل هذه الرواية، فقد صرح به في غيرها كما سيأتي. وعن مالك أخرج الشافعي الرواية بلفظها/ الرسالة 292، 293، بتحقيق الشيخ شاكر، واختلاف الحديث - باب استقبال القبلة للغائط والبول/ 226 ط مؤسسة الكتب الثقافية - بيروت. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعنه أيضًا أخرجه البخاري بنحوها - الوضوء - باب من تبرز على لَبنَتَيْن/ البخاري مع الفتح 1/ 246، 247 ح 145. وكذا أخرجه أبو داود في سننه/ الطهارة - باب الرخصة في استقبال القبلة عند قضاء الحاجة/ السنن مع بذل المجهود 1/ 29 - 31. وأخرجها كذلك النسائي في سننه الصغرى دون ذكر الزيادات التي وردت عند السابقين - الطهارة - باب الرخصة في (الاستقبال) في البيوت/ السنن مع حاشيتي السيوطي والسندي 1/ 23، 24. وأخرجها كذلك ابن حبان في صحيحه، مع ذكر الريادة التي في أوله فقط/ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان، لابن بَلبان الفارسي 2/ 498 ح 1408. ومن طريق الشافعي والقعنبي، كلاهما عن مالك به أخرجها البيهقي في سننه الكبرى مع الزيادة التي في أوله فقط - الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الأبنية 1/ 92. ومن طريق أبي مصعب عن مالك، به أخرجها البغوي في شرح السنة - الطهارة - باب أدب الخلاء 1/ 360 ح 176. ومن طريق ابن وهب عن مالك أخرجها الطحاوي/ شرح معاني الآثار - كتاب الكراهة - باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول 4/ 233. ومن طريق الشافعي عن مالك أخرجها الحازمي في الاعتبار - الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة والخلاف فيه/ 40. وقد تابع مالكًا يزيد بن هارون وسليمان بن بلال وأنس بن عياض، والأوزاعي، وهُشَيم بن بَشِير، وعبد الوهاب الثقفي، وجميعهم ثقات أثبات، إلا أن عبد الوهاب اختلط قبل موته بثلاث أو أربع سنوات، ولكن ابن المديني قال: ليس في الدنيا كتاب عن يحيى-يعني بن سعيد الأنصاري- أصح من كتاب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عبد الوهاب، وكل كتاب عن يحيى فهو عليه كَلٌّ/ تهذيب التهذيب 6/ 449 - 450، أقول: وروايته هنا عن يحيى بن سعيد الأنصاري، مع موافقة المذكورين له كما سيأتي، وأيضًا قال الذهبي: إنه ما حدث في زمن اختلاطه/ الميزان 2/ 680، 681، وانظر فتح المغيث للسخاوي مبحث المختلطين من الثقات 3/ 340، والكواكب النيرات لابن الكيال/ 314 - 319. أما يزيد بن هارون فأخرج البخاري روايته عن يعقوب بن إبراهيم عن يزيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى، به بلفظ: لقد ظهرت ذات يوم على ظهر بيتنا، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لَبِنَتَيْن مستقبل بيت المقدس. الوضوء - باب التبرز في البيوت 1/ 255 ح 149 مع الفتح. وعن يزيد بن هارون، به أخرجه الدارمي بنحوه - سنن الدارمي - الطهارة - باب الرخصة في استقبال القبلة 1/ 136 ح 673. وأخرجه أحمد في المسند عن يزيد، به بلفظ/ المسند 2/ 41. وأخرج ابن المنذر الحديث من طريق يزيد، به، بنحوه/ الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لابن المنذر - تحقيق د. أبو حماد صغير 1/ 327 ح 262. وأخرجه البيهقي في السنن من طريق يزيد، به، بلفظ: أن ابن عمر قال: لقد رَقِيتُ ذات يوم على ظهر بيت لنا، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لبنتين لحاجته، مستقبل الشام مستدبر القبلة - سنن البيهقي الكبرى - الطهارة - باب الرخصة في الأبنية 1/ 92. واشتمال تلك الرواية على ذكر استقبال الشام واستدبار القبلة معًا، يدل على أن عدم ورودهما معًا في روايات أخرى كما تقدم وكما سيأتي، إنما ذلك من باب الاكتفاء فقط، لأن مِن لازِمِ استقبالِ الشام بالمدينة استدبارَ القبلة كما ذكرتُ من قبل، وذكر ابن حجر والعيني، أن ذِكْرَها في الروايات الأخرى من باب التأكيد والتصريح/ الفتح 1/ 250 والعمدة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2/ 286، ويدل هذا أيضًا على أن قول الحافظ ابن حجر: "ولم يقع في رواية يحيى: مستدبر القبلة" يصدُق على رواية البخاري وما يماثلها، ولا يعتبرُ نفيًا لوقوعها في رواية يحيى مطلقًا، بدليل رواية البيهقي هذه، وكان الأولى تقييد الحافظ صراحة لنفي الوقوع، برواية الصحيح كما فعل العيني، أو تنبيهه على رواية البيهقي هذه/ انظر الفتح 1/ 250 والعمدة 2/ 287. وأخرج أبو يعلي الموصلي الحديث فقال: حدثنا زهير، ثنا يزيد، به، بلفظ: ولقد صعدت يومًا على بيتنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حاجته -شَكَّ أبو يعلي- مستقبلَ بيت المقدس، وفي أول الحديث قصة/ مسند أبي يعلي/ ق 264،/ وطالما تحدد أن الشك وقع من أبي يعلي في اللفظ الذي تلقاه عن شيخه زهير، فلا يقدحُ ذلك في أصل الحديث عمن فوقه. وقد أخرج الإسماعيلي في مستخرجه على صحيح البخاري عن أبي يعلي رواية له من طريق آخر-كما سيأتي- خالية من شكه هذا ولفظها "مستدبر القبلة مستقبل الشام" فتكون هي المعتمدة، وهي موافقة لبقية الروايات عن يزيد بن هارون ومَن تابعه في الصحيح وغيره. وستأتي رواية أخرى ليزيد مشاركًا للأوزاعي أيضًا. وأما سليمان بن بلال، فأخرج مسلم روايته في الصحيح من طريقه عن يحيى بن سعيد الأنصاري، به، بلفظ: "ولقد رَقِيت على ظهر بيت، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لبنتين مستقبلًا بيت المقدس لحاجته" وفي أوله قصة - الطهارة - باب الاستطابة 224/ 1، 225 ح 61. وأما أنس بن عياض فأخرج روايته الطحاوي من طريقه عن يحيى بن سعيد، وأحال بباقي الإسناد والمتن على رواية مالك السابقة، حيث كان أخرجها قبل رواية أنس/ شرح معاني الآثار - الكراهة - باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول 4/ 234. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأما الأوزاعي فأخرج ابن ماجه من طريق يزيد بن هارون والأوزاعي، كلاهما عن يحيى بن سعيد، به. بلفظ: "ولقد ظهرت ذات يوم من الأيام على ظهر بيتنا فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لَبِنتين مستقبل بيت المقدس" وفي أوله زيادة، وقال ابن ماحه عَقِبه: هذا حديث يزيد بن هارون/ سنن ابن ماجه - الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الكنيف، وإباحته، دون الصحارى/ 1/ 116 ح 322، ومعنى قوله: "هذا حديث يزيد بن هارون" أن روايته عن يحيى باللفظ المذكور، وأن رواية الأوزاعي عن يحيى بلفظ آخر؛ ولكنها موافقة لرواية يزيد في المعنى، فجمعهما ابن ماجه معًا في السياق. وأما هُشَيم فأخرج الدارقطني روايته من طريق الحسن بن عرفة، نا هُشَيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، به، بلفظ: ظهرت على إجَّار على بيت حفصة في ساعة لم أظن أحدًا يخرج في تلك الساعة، فاطلَعْتُ فإذا أنا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لبنَتين مستقبل بيت المقدس/ سنن الدارقطني - الطهارة - باب استقبال القبلة، في الخلاء 1/ 61 ح 12. وأخرجه الطحاوي من طريق سعيد بن منصور أنا هُشيم، به، بنحوه/ شرح معاني الآثار - الكراهة 4/ 234. وأخرجه البغوي وابن عبد البر من طريقين، إحداهما طريق هُشَيم عن يحيى بن سعيد، به، بلفظ: "فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالسًا على حاجته مستقبلًا بيت المقدس، مستدبر الكعبة"، وقال البغوي عقب ذكر الحديث من الطريقين: هذا حديث صحيح/ شرح السنة - الطهارة - باب أدب الخلاء 1/ 361 ح 177 والتمهيد 1/ 306. وأخرجه ابن خُزيمة من طرق -سيأتي باقيها- وإحداها طريق هُشَيم عن يحيى ابن سعيد، به، بنحو الرواية السابقة، مع تقديم استدبار القبلة على استقبال بيت المقدس/ صحيح ابن خزيمة - الوضوء باب 44/ 1 / 34، 35 ح 59. وأما عبد الوهاب الثقفي - فأخرج ابن خزيمة الحديث من طرق كما أشرت، ومنها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = طريق عبد الوهاب الثقفي عن يحيى بن سعيد، به، بنحو الرواية السابقة/ صحيح ابن خزيمة/ الموضع السابق. وهناك رواية للحديث عن يحيى بن سعيد أيضًا، ولكنها تخالف ما اتفق هؤلاء السبعة على روايته عنه، فقد أخرج ابن عبد البر عن شيخين له، أحدهما عبد الوارث بن سفيان بسنده إلى مُسدَّد قال: حدثنا حفص بن غِياث عن يحيى بن سعيد، به، بلفظ: أن ابن عمر قال: "رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا على لبنتين يقضي حاجته متوجهًا نحو القبلة أو بيت المقدس/ التمهيد 1/ 305. وتلك الرواية كرواية أبي يعلي الموصلي السابقة، تفيد شك الراوي بين الاستقبال للقبلة والاستدبار لها، وقد ذكر ابن عبد البر أن لفظة "أو بيت المقدس" والتي أفادت الشك، قد جاءت في رواية شيخه عبد الوارث وحدَه، أما شيخه الآخر سعيد بن نصر فقد روى له الحديثَ بسند آخر إلى أبي بكر بن أبي شيبة، قال: حدثنا حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد، به، بلفظ "متوجهًا نحو القبلة" فقط بدون لفظة "أو بيت المقدس"/ التمهيد/ الموضع السابق. ويبدو أن تلك الرواية التي بدون عبارة الشك هي المعتمدة من طريق حفص هذه، فقد أخرجها ابن أبي شيبة في مُصنفه عن حفص بن غِياث، به، بلفظ: "متوجهًا نحو القبلة" فقط. وهكذا أخرجها ابن عبد البر بنحوها عن شيخه عبد الوارث نفسه، وذلك بعد روايته السابقة، التي تفيد الشك، ومن طريق آخر كما سيأتي/ وانظر التمهيد 1/ 306. ومن التخريج السابق يتضح لنا: أن روايتي ابن أبي شيبة وابن عبد البر بلفظ: "التوجه نحو القبلة"، وأن مدارهما عندهما على حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد. وحفص ثقة مأمون فقيه، لكن تغير حفظه قليلًا بآخِرِه، وعدَّه ابن حجر من الطبقة الأولى من المدلسين، فتدليسه نادر غير قادح فيه/ تقريب التهذيب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1/ 189 وتهذيب التهذيب / 2/ 415 - 418 وطبقات المدلسين/ 25 بتحقيق د. البنداري وآخر. وقد خالفت رواية حفص هنا ما اتفق عليه الثقات السبعة السابق ذكر رواياتهم، والمشاركون في رواية الحديث عن يحيى بن سعيد، به، حيث اتفقوا على أن ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبرًا القبلة، لا متوجهًا نحوها، وبذلك تكون روايته معارضة لروايتهم، وتَقدَم بيانُ عدم إمكان الجمع بين الروايتين، فتترجح إذن رواية أكثر الثقات التي بلفظ استدبار القبلة، وتعد رواية حفص التي بلفظ "التوجه نحو القبلة" شاذة أو معلولة، وإن اتصل سند ابن أبي شيبة بها برواية الثقات. وسيأتي أيضًا بعض الروايات من بعض الطرق الأخرى عن يحيى بن سعيد، مع موافقتها لرواية أكثر الثقات المذكورة. هذا وقد روى الحديث عن محمد بن يحيى بن حَبَّان أيضًا عبيد الله بن عمر بن حفص بن عمر بن الخطاب، فشارك بذلك يحيى بن سعيد الأنصاري في روايته عن محمد بن يحيى/ وكما تعدد رواة الحديث، وتعددت رواياته عن يحيى الأنصاري، على النحو السابق، فقد تعددت الرواية والرواة أيضًا عن عبيد الله بن عمر، وبعض الرواة رَوى الحديثَ عن يحيى وعُبيد الله وغَيرِهما مجتمعين في سياق واحد، وبعضهم روى عنهما متفرقين، كما سنشير إليه. فممن رواه عن عبَيدِ الله: أنسُ بنُ عِياض، ومحمدُ بن بِشر العبدي، وعبدة بن سليمان الكلابي، وعقبة بن خالد، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى، وعبد الرزاق الصنعاني، ويحيى بن سعيد القطان، وسبعتهم ثقات. فرواية أنس بن عياض أخرجها البخاري من طريق أنس عن عُبَيدِ الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن واسِع عن ابن عُمر قال: ارتقيت فوق ظهر بيت حفصة لبعض حاجتي فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام/ الوضوء - باب التبرز في البيوت/ البخاري مع الفتح 1/ 250 ح 148. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرجه من طريق أنس، به، بلفظ: ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- .. والباقي سواء - فرض الخمس - باب ما جاء في بيوت أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم-/ البخاري مع الفتح 6/ 210 ح 3102. وقد تقدمت رواية أنس للحديث عن يحيى بن سعيد، بنحو روايته هذه عن عبيد الله، فاتفقت روايته عنهما. وأما رواية محمد بن بِشْر فأخرجها مسلم من طريق محمد، عن عبيد الله بن عمر، به، بلفظ: رَقِيتُ على بيت أختي حفصة فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعدًا لحاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة - الطهارة - باب الاستطابة/ صحيح مسلم 1/ 225 ح 62. وأما رواية عَبدة فأخرجها الترمذي كما في الأصل، وقال: حسن صحيح، ولفظها مُقارِب لرواية مسلم السابقة. وأخرجها كذلك أحمد في المسند، عنه، به، بنحو رواية مسلم أيضًا/ المسند 2/ 12. وأما رواية عَقبةَ بن خالد فأخرجها ابنُ الجارودِ، من طريق عقبةَ عن عُبَيد الله، به، بلفظ: "رَقِيت فوق بيت حفصة -رضي الله عنها-، فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي الحاجة مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة/ المنتقى - الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة للغائط والبول والاستنجاء/ 20، 21 ح 30. وأما رواية عبد الأعلى، فقد أخرج ابن خُزَيمة الحديث منها عن عبيد الله، به، مع طرق أخرى، كما أشرت من قبل، وجَمَع الطرقَ جميعًا على محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر قال: دخلت على حفصة ابنة عمر، فصعدت على ظهر البيت، فأشرفت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على خلائه مستدبر القبلة متوجهًا نحو الشام، ثم قال: هذا لفظ حديث عبد الأعلى، ثم بَيَّن ورود مخالفة لهذا اللفظ من أحد الرواة في الطرق الأخرى وهو أبو هشام المخزومي، كما سيأتي/ وانظر صحيح ابن خزيمة - الطهارة - باب 44/ 1 / 34، 35 ح 59، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومعنى ذلك أن باقي رواة الحديث من الطرق التي ذكرها ما عدا المخزومي هذا، كلهم روايتهم متفقة مع رواية عبد الأعلى المتقدمة، في المعنى، وإن اختلفت ألفاظ روايتهم عنه. وأما رواية عبد الرزاق، فقد عزاها السيوطي إلى مصنفه،/ الجامع الكبير للسيوطي - 2/ 487 ط الأولى، ولكني لم أجدها في الطبعة الحالية من مصنف عبد الرزاق، لكونها ناقصة من الأول، حيث تبدأ بباب غسل الذراعين، وقد أخرجه الطبراني من طريق عبد الرزاق عن (عبيد) الله بن عمر، به، بلفظ: "ارتقيت فوق سطح فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت حفصة يضرب الخلاء بين لَبِنَتَين، وهو متوجه نحو بيت المقدس/ المعجم الكبير للطبراني 12/ 349 ح 13312، وهذه الرواية بمعنى الروايات المتقدمة؛ لأن التوجه نحو بيت المقدس بالمدينة يستلزم استدبار القِبلة، كما ذكرت من قبل. وأما رواية يحيى بن سعيد القطان، فأخرجها ابن خزيمة، عنه، عن عبيد الله، به، مع الطرق الأخرى التي روى الحديث منها، كما مر، ولم يسق ابن خزيمة لفظ رواية يحيى هذه، ولكن ساق لفظ رواية عبد الأعلى؛ مع الإشارة كما قدمت إلى موافقة بقية الرواة له في المعنى، ما عدا راوٍ واحد وهو أبو هشام المخزومي كما سيأتي ذكره، وعليه تكون رواية القطان بمعنى رواية عبد الأعلى المتقدمة، وانظر صحيح ابن خزيمة - الطهارة - باب 44 ج 1/ 34، 45 ح 59. وأخرج الدارقطني رواية يحيى بن سعيد القطان كذلك من طريق زياد بن أخزم، ثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله، به، بلفظ أنه -صلى الله عليه وسلم- كان "يقضي حاجته مستدبر الكعبة مستقبل الشام". ومن طريق أبي موسى، وحفص بن عمرو، كلاهما عن يحيى (عن) عبيد الله، به، بلفظ: "أنه -صلى الله عليه وسلم- كان على حاجته مستقبل الشام مستدبر القبلة/ العلل للدارقطني 4 ل 69، والروايتان بمعنى واحد مع التقديم والتأخير في كل منهما عن الأخرى، كما نرى، وقد أخرجهما الدارقطني عقب استعراضه لاختلاف الرواة في هذا الحديث، كما سيأتي ولم يتعقبهما بشيء، وذلك يدل على اعتماده لهما. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرج أحمد أيضًا رواية يحيى القطان، عن عبيد الله، به، بلفظ: "رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستدبر البيت مستقبل الشام/ المسند 2/ 13. وأخرجها البغوي وابن عبد البر ضمن طريقيهما السابق تخريج أحدهما، وهذا هو الثاني، وهو عن يحيى القطان عن عبيد الله، به، ولفظه كما تقدم "مستقبلًا بيت المقدس مستدبر الكعبة" وفيه كما نرى تقديم وتأخير عن رواية أحمد المتقدمة، ولكن المعنى واحد، وقال البغوي عقبه: هذا حديث صحيح/ شرح السنة - الطهارة - باب أدب الخلاء 1/ 361 ح 177، والتمهيد 1/ 306. وبهذا التخريج الموسع لطرق الحديث وتتبعها يتضح لنا أن الثقات السبعة الذين تابع بعضهم بعضًا على رواية الحديث عن عبيد الله بن عمر، قد اتفقوا باللفظ أو بالمعنى، على أن ابن عمر رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستدبر القبلة، لا مستقبلها، وبهذا يتفقون مع رواية أكثر الثقات أيضًا عن يحيى بن سعيد الأنصاري، كما تقدم؛ بل مَر بنا أن أنس بن عياض روى الحديث عن كل منهما بنحو ما رواه عن الآخر. ولهذا فإن ابن عبد البر ذكر رواية مالك للحديث عن يحيى بن سعيد، وذكر غيرها مما وافقها أو خالفها، من الروايات المتقدمة والآتية، ثم ذكر روايته السابقة عن هُشيم عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وعن يحيى بن سعيد القطان، عن عبيد الله بن عمر، كلاهما عن محمد بن يحيى، به. ثم أعقب ذلك بقوله: هذه الرواية فيها موافقة لما قاله مالك من استقبال بيت المقدس، -يعني من جواز استقباله حَال قضاء الحاجة-. ثم قال: وهذا إن شاء الله أثبت الروايات في حديث ابن عمر، وأيَّد ذلك بمتابعة عبد الوهاب الثقفي وسليمان بن بلال، لمالك على روايته كما تقدم، ثم نقل عن الروزي قوله: رواية يحيى القطان عن عُبَيد الله بن عُمر في هذا الحديث تشهد لما قاله مالك والثقفي، وسليمان بن بلال، في ذكر بيت المقدس خاصة/ التمهيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1/ 306، 307، يعني في رخصة استقباله تبعًا لاستدبار القبلة، كما مر. وسيأتي أيضًا عن الدارقطني وغيره ما يؤيد ترجيح رواية استدبار القبلة واستقبال بيت المقدس، عند قضاء الحاجة. وممن رَوَى هذا الحديث عن محمد بن يحيى بن حَبَّان أيضًا، محمدُ بنُ عَجلان، وقد أخرج ابنُ خُزَيمة الحديث من طريقه ضمن طرقه السابق تخريج بَعْضِها، ومنها طريق ابن عَجْلاَن هذا، حيث أخرجه عن شيخه أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم البَرْقي، ثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب أخبرني ابن عجلان، به، ولم يَسق لفظَه؛ ولكن أشار -كما قدمت- إلى أن روايته بمعنى رواية عبد الأعلى السابق ذكرها، بلفظ: "مستدبر القبلة، متوجهًا نحو الشام"/ صحيح ابن خزيمة - الطهارة - باب 44 ج 1/ 34، 35 ح 59. وهذا الإسناد إلى يحيى بن أيوب رجاله ثقات. فأحمدُ بنُ عبد الله بن عبد الرحيم البَرقي، ثقة،/ تذكرة الحفاظ 1/ 570. وابنُ أبي مريم، هو سعيدُ بنُ الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجُمَحِي -بالولاء- ثقة ثبت/ التقريب 1/ 293. ويحيى بنُ أَيوب، هو الغَافقي المِصري، صدوق ربما أخطأ/ التقريب 2/ 343 وانظر التهذيب 11/ 186، 187. وأما محمدُ بنُ عَجلان المدني، فهو صدوق، اختلطت عليه أحاديث أبي هريرة/ تقريب التهذيب 2/ 190، وصرح ابنُ حجرِ بتحسين حديثه لذاته/ فيض القدير للمناوي 1/ 280، والفتوحات الربانية على الأذكار النووية، لمحمد بن عجلان/ 1/ 291 - باب ما يقول إذا استيقظ من منامه؛ ثم إن حديثنا هذا ليس عن أبي هريرة الذي انتُقدت روايات ابن عجلان عنه. وقد أخرج الطحاوي الحديث عن شيخه إبراهيم بن أبي داود، ثنا ابنُ أَبي مريم قال: ثنا يحيى بن أيوب، به، لكن بلفظ: أن ابن عمر قال: يتحدث الناس عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الغائط، بحديث، وقد اطلعت يومًا، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ظهر بيت (كذا؟ ولعله خطأ طباعي) يقضي حاجته، محجوبًا عليه بلَبِن، فرأيته مستقبل القبلة/ شرح معاني الآثار - الكراهة - باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول 4/ 234، وقد صحح الطحاوي الحديث، وذلك ضمن حكمه العام على ما أخرجه في هذا الباب من الأحاديث المتعارضة، فبعد محاولته الجمع بينها قال: فلما كان حكم هذه الآثار كذلك، كان أَولى بنا أن نُصححها كلها/ شرح معاني الآثار 4/ 236. وإسناد الطحاوي بالحديث المذكور إلى يحيى بن أيوب، رجاله ثقات أيضًا. فإبراهيم بن أبي داود، هو ابن سليمان بن داود، ثقة حافظ/ تراجم الأحبار من رجال شرح معاني الآثار، لمحمد أيوب المظاهري 1/ 1، 2. وابن أبي مريم تقدم أنه ثقة. ولكن يُلاحَظ أن تلك الرواية مخالفة لرواية ابن خزيمة كما ترى، حيث تفيدُ عكسَها، وبذلك يكون، كل من ابن أبي داود، وأحمد البَرقي -مع ثقتهما- قد اختلفا في لفظ الحديث عن شيخهما ابن أبي مريم، والجمع بين لفظيهما غيرُ ممكن كما قدمت؛ لكن يمكن ترجيح رواية البَرقي لموافقتها لرواية أكثر الثقات، وهي استدبار القبلة، كما تقدم. وعليه تكون رواية ابن أبي داود شاذة. وأخرج ابن عبد البر عن شيخه عبد الوارث -الذي قدمت ذكر روايته للحديث بلفظ الشك-، أخرج روايته للحديث أيضًا قال: ثنا محمد بن إسماعيل الترمذي، قال: ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح قال: حدثني الليث، قال: حدثني محمدُ بن عَجلان، به، بلفظ رواية الطحاوي السابقة، إلا أن فيها: "اطلعت يومًا على ظهر بيت ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- على حاجته". بدلًا من "اطلعت يومًا، ورسول -صلى الله عليه وسلم- ظهر بيت"، التي جاءت في رواية الطحاوي، ولعل ما في كتاب الطحاوي خطأ ناسخ أو طابع/ انظر التمهيد 1/ 306، وقارن بالموضع السابق في شرح معاني الآثار. وعلى كل فإن تلك الرواية وإن كانت من طريق الليث -وهو ثقة إمام- عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = محمد بن عجلان، إلا أن في إسنادها عبد الله بن صالح، قال الذهبي وغيره: إنه كان كاتب الليث على أمواله وضياعه، وخلاصة حاله -كما قال ابن حجر وغَيرُه-: أنه صدوق، كثير الغلط، ثَبْت في كتابه غالبًا، وقد انتقى البخاري ما أخرجه عنه في صحيحه، ولم يخرج عنه هذا الحديث/ وانظر التقريب 1/ 423 والكاشف 2/ 96 والميزان 2/ 440 - 445، وهدي الساري الفصل التاسع، من طُعِن فيه من رجال البخاري/ 413 - 415. وعلى ذلك تكون تلك الرواية ضعيفة الإسناد، لحال عبد الله بن صالح هذا، وبذلك لا تعارض الرواية السابق ترجيحها عن يحيى بن أيوب عن ابن عجلان، به، بلفظ "لاستدبار". وقد ذكر الزركشى رواية ابن حبان الآتية قريبًا بلفظ: "مستقبل القبلة مستدبر الشام"، وعَقَّب عْليها بقوله: لكن تَوقفَ الشيخُ أبو الفتح القُشَيرِي في صحته، لأن الحديث -يعني أصلَه- واحد، ومَخرجَه واحد، والمَخْرَجُ من جهة محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حَبَّان عن ابن عمر، ورواه عن محمد بن يحيى: يحيى بنُ سعيد، وعبيد الله بن عمر، فذكرا "الاستدبار" دون "الاستقبال". رواه كذلك عن يحيى-يعني ابن سعيد الأنصاري- مالكُ بنُ أنس، وسفيان، وحماد، وعَبدُ الوهاب الثقفي، فقد اتفق الحافظان: يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمر على "الاستدبار واجتمع من ذكرناه عن يحيى بن سعيد على ذلك. وخالف محمدُ بنُ عَجلان، فرواه عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن واسع بن حبَّان عن ابن عمر، وقال: "مستقبل القبلة". فهذا حديث واحد، اختُلِفَ فيه على رجل واحد، والذي قاله -أي قولُه- إنما هو واحد، إما "الاستقبال" أو "الاستدبار"، فوجب الترجيح، ويحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، متقدمان في الخلاف على ابن عَجلان عندهم، فوجب أن يكون الحكم لهما، ولا يثبت الاستقبال/ المعتبر للزركشي/ 171. أقول: وما نقله الزركشي هنا عن القُشَيري، وهو ابن دقيق العيد من التوقف في صحة رواية ابن حِبان التي بلفظ الاستقبال، مُسَلَّم له، لما سيأتي ذكره عند تخريج =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = رواية ابن حِبَان هذه، وكذلك ما قرره الزركشي من وجوب ترجيح رواية "الاستدبار" من طريق يحيى بن سعيد وعبيد الله بن عمر، على رواية "الاستقبال" من طريق ابن عَجلان، مُسَلَّم أيضًا له، لكن ينبغي التنبه إلى أن رواية ابن حبان التي تعقبها الزركشي بهذا، ليست من رواية ابن عَجْلان، كما ستأتي، وأيضًا فإن الرواية عن ابن عَجْلان، ليست بلفظ "مستقبل القبلة" فقط، كما ذكر، ولكن روى عنه "الاستدبار" أيضًا، كما تقدم ذكره وترجيحه، وسيأتي إرجاع الدارقطني اختلاف رواية ابن عجلان إلى الرواة عنه. وقد رَوى الحديث أيضًا، وُهَيبَ بنُ خالد، عن كل من يحيى بن سعيد الأنصاري، وعُبيد الله بن عمر، وإسماعيل بن أمية -ثلاثتهم- عن محمد بن يحيى بن حبان، به،. ووُهَيْب، ثقة ثبت، لكنه تغير قليلًا بآخره/ التقريب 2/ 339 والتهذيب 11/ 169، 170. وقد اختلف لفظ رواية الحديث عنه: فرواه عنه المغيرةُ بنُ سلمة، أبو هشام المخزومي، وهو ثقة ثبت/ التقريب 2/ 269. وأخرج ذلك ابن خزيمة في صحيحه، ضمن طرقه السابق تخريج الحديث منها، ومنها هذا الطريق، فقال: وحدثنا محمد بن عبد الله (المَخَرَّمي) -وتحرف إلى "المخزومي" في المطبوع- ثنا أبو هشام -يعني المخزومي- ثنا وُهَيب، به، أن ابن عمر أشرف على النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو على خلائه - مستقبل القبلة. وذكر ابن خزيمة أن هذا لفظ خبر أبي هشام المخزومي/ صحيح ابن خزيمة - الطهارة - باب 44 ج 1/ 34، 35 ح 59. أقول: ورواية ابن خزيمة بهذا اللفظ تَستلزِم استدبارَ الشام، كما سيأتي التصريح بذلك في رواية الطحاوي وابن حبان من نفس طريق "وُهَيب". أما باقي من روى ابنُ خزيمة الحديثَ من طرقهم -وهم الأكثر- فإن روايتهم تخالف رواية "وهيب" هذه التي رواها عنه "أبو هشام المخزومي"، مع أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = معظمهم يلتقي مع أبي هشام في يحيى بن سعيد، وعبيد الله بن عمرو، وكلهم يلتقون معه فيمن فوقهما وهو محمد بن يحيى بن حَبَّان. وقد أشار ابن خزيمة إلى أن من عَدا "أبا هشام" من هؤلاء، روايتهم بلفظ "مستدبر القبلة متوجهًا نحو الشام" أو بمعناه/ انظر صحيح ابن خزيمة الموضع السابق، وهذه الرواية كما ترى مخالفة لرواية أبي هشام التي بلفظ: استقبال القبلة، كما تقدم، ومع هذا فإن ابنَ خزيمة لم يتعقب رواية أَبي هشام هذه بشيء، بل بوب على الروايتين بما يدل على احتجاجه بهما معًا، أعني رواية "استقبال القبلة" وراية "استدبارها"/ انظر صحيح ابن خزيمة - الطهارة - ترجمة الباب 44 ج 1/ 34. ومثل هذا سلك الطحاوي/ شرح معاني الآثار - الكراهة - باب استقبال القبلة بالفروج للغائط 4/ 235، وكذا ابن حبان - الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان 2/ 496 - 498. مع أن المخالفةَ بين الروايتين واضحة، والجمْعَ بينهما غيرُ متحقق -كما مر- لعدم تحقق تعدد الواقعة، بل إن الطحاوي لما أراد الجمع بين رواية الاستقبال هذه من طريق ابن عمر، وبَين رواية ذلك من طريق أبي قتادة، الآتية بعد قليل، لما أراد الطحاوي هذا، لم يَسَعْه إلا إشراكهما معًا في رؤية واحدة، فقال: (إن أبا قتادة) قد يكون رآه -صلى الله عليه وسلم- حيث رآه ابن عمر، فيكون معنى حديثه وحديث ابن عمر سواء/ شرح معاني الآثار الموضع السابق. أقول: ومع أن الطحاوي لَو بنى الجمعَ بين هذين الحديثين على احتمال تعدد الواقعة بناء على تعدد الصحابي، لكان احتمالًا أقرب؛ لكنه لم يتجه لهذا الاحتمال مع وجاهته، فمن باب أولى يكون جمعه هو أو غيره بين روايتي الاستقبال والاستدبار من طريق ابن عمر وحده، دون تحقق تعدد الواقعة أمر غير مستقيم، وقد مر قول الزركشي بوجوب ترجيح الاستدبار، في حديث ابن عمر، وسيأتي نحوه عن غيره. وقد رَوَى الحديثَ بلفظ "الاستقبال" عن وُهَيْب أيضًا، ابراهيمُ بن الحجَّاج، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = السامي -بالسين المهملة- وهو ثقة يَهم قليلًا، توفي سنة 233 هـ/ التقريب 1/ 33 والتهذيب 1/ 113. وقد أخرج روايته الطحاوي فقال: حدثنا أحمد بن داود، قال: ثنا ابراهيم بن الحجاج، قال: ثنا وهيب عن اسماعيل بن أمية، ويحيى بن سعيد، وعبيد الله بن (عمرو) عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حبان عن ابن عمر، قال: رَقِيت فوق بيت حفصة فإذا أنا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- جالس على مقعدته مستقبل القبلة، مستدبر الشام/ شرح معاني الآثار، الموضع السابق. وهكذا أخرجه ابن حِبَان في صحيحه، قال: أخبرنا الحسن بن سفيان قال: حدثنا إبراهيم بن الحجاج (السامي)، به سندًا ومتنًا/ الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان/ الموضع السابق، حديث/ 1405. وبهذا يكون أحمد بن داود -شيخ الطحاوي- قد تابعِ الحسنَ بنَ سفيان -شيخَ ابن حبان- متابعة تامة على رواية الحديث سندًا ومتنًا، كما ترى، وأحمد بن داود هذا، هو السدوسي أبو عبد الله، المكي، نزيل مصر وثقه ابن يونس وغيره، وقد أكثر الطحاوي الرواية عنه، وكانت وفاته بمصر سنة 282 هـ/ تراجم الأحبار، من رجال شرح معاني الآثار، -للطبيب العالم محمد أيوب المظاهري 1/ 18. وكذا يعتبر الطحاوي متابِعًا لابن حبان في روايته الحديث عن شيخ شيخه إبراهيم ابن الحجاج، به، سندًا ومتنًا. وأيضًا يعتبر أبو هشام المخزومي - في طريق ابن خزيمة السابقة، وابراهيم بن الحجاج - في طريق ابن حبان - قد تابع كل منهما الآخر على روايته، متابعة تامة، مع اتفاقهما -كما ترى- على لفظ الفقرة الأولى، ومِنْ لازِمها الفقرةُ، الثانية وهي "مستدبر الشام" كما تقدم بيانه. ومع توفر هذه المتابعات على رواية "استقبال القبلة" واتصاف المتابعين بالثقة -وإن تفاوتوا فيها- تظل الرواية المعارضة وهي رواية "استدبار القبلة" -وما بمعناها- هي المتفَقُ عليها من أكثر الثقاتِ الأثبات، فتكون هي الراجحة، وتعد رواية كل من الطحاوي وابن خزيمة وابن حبان، المخالفةُ لها مرجوحة، وسيأتي إعلالُها بأنها من مقلوب المتن، فتكون خطأ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لكن هناك نقطة تَستلْفِت الانتباه، وهي أن مَن وَجَدْتُهم تصدوا لرواية الاستقبال هذه بالإعلال يقتصرون على عزوها لابن حِبَان، ومنهم من أشرك معه شيخَه الحسنَ بنَ سفيان، صاحب المسند الكبير/ تذكرة الحفاظ 2/ 703، 704، وذلك مع السكوت عن روايات بقية المخرّجين، السابقين واللاحقين، الموافقين لابن حبان وشيخه، سواء في المتن والسند معًا، أو في المتن فقط الذي هو موضع الانقلاب. فالزركشي -كما تقدم اقتصر على عزو الرواية لابن حبان، ثم تصدى لإعلالها من غير الطريق التي أخرجها منه ابن حبان. والحافظ ابن حجر قال: حديث ابن عمر "رَقيِتُ السطح مرة فرأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- جالسًا على لَبِنتين مستقبلًا بيت المقدس" وله طرق، ووقع في رواية لابن حبان "مستقبل القبلة، مستدبر الشام"، ثم قال: وهي خطأ، تعد من قسم المقلوب في المتن/ التلخيص الحبير - الطهارة - باب الاستنجاء 1/ 104 / ح 127. وفي نكته علي ابن الصلاح والعراقي قال في نوع المقلوب: ومن ذلك -يعني مقلوبَ المتن-: ما وقع في صحيح ابن حبان: "مستقبل الكعبة، مستدبر الشام" / النكت 2/ 883 بتحقيق د. ربيع بن هادي. وهذا الاقتصار على العزو لابن حبان يُوهِم انفراده بذلك، كما يوهم أن الروايات التي أخرجها غيره بمعنى روايته، أو بلفظ الفقرة الأولى فقط وهي الاستقبال، لا يشملها النقد. والواقع بخلاف ذلك؛ فالتخريج السابق يفيد تعدد من سبق ابن حبان لتخريج الحديث بسنده ومتنه، أو ببعضه أو بمعناه، ومنهم من صححه أيضًا قبله، كشيخه ابن خزيمة. ومن ناحية قلب المتن، فإن تعريف المقلوب منطبق على جميعها، وحالُ طرقها يؤيد الحكم بقلب المروي بها. وذلك أن السخاوي قد عَرَّف القلب بأنه: إعطاء أحد الشيئين ما اشتهر للآخر، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعرفه ابن الجزري بأنه: الذي يكون على وجه، فينقلب بعض لفظه على الراوي، فيتغير معناه، وربما العكس/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 277. فعلى أي من التعريفين يعتبر القلب حاصلًا في الموافِق تمامًا لرواية ابن حبان، كرواية الطحاوي، أولى الفقرة التي اقتُصِر عليها، كما في رواية ابن خزيمة وابن أبي شيبة وغيرهما، ويلْزَم عليها حصول القلب أيضًا في الفقرة الأخرى وهي: "مستدبر الشام"، لتلازمهما في المعنى، وإن لم يُصرِّح بها، كما مر بيانه. وبالرجوع إلى ما تقدم تخريجه من طرق الرواية بلفظ "مستقبل القبلة" أو بنحوها، أو بمعناها، نجد أن بعضها ضعيف: كطريق أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن نافع عن ابن عمر، وبعضُها شديد الضعف: كالطرق التي فيها عيسى الحناط، والباقي يعتبر مرجوحًا، وإن كان رجال إسناده محتجًا بهم، وذلك لمخالفة أكثر الثقات لهم، وقد قال الحافظ ابن حجر: إن كل مقلوب لا يخرج عن كونه مُعللًا، أو شاذًا/ النكت لابن حجر 2/ 874. وعلى هذا فإن الصواب تعميمُ الحكم بأن روايات هذا الحديث بلفظ استقبال القبلة، كُلها مقلوبةُ المتن على بعض رواتها، إما لضعف الضبط أو لِوَهْم الثقة فيهم، وسواء في ذلك ما ذُكِر فيه كل مِنْ فَقرتَي "استقبال القبلة واستدبار الشام" كما عند الطحاوي وابن حبان، أو ما كان مقتصرًا على ذكر الفقرة الأولى بلفظها أو بنحوها أو بمعناها كبقية المصادر، وخاصة من اشترط الصحة كابن خزيمة. وهناك ملاحظة أُخرى على ما ذكره الحافظ ابنُ حجَر وهي عدمُ تصريحِه بتحديد من وقع منه القلب في رواية ابن حبان التي ذكرها، وهذا مهم لترتفع العهدة عن باقي الرواة. وقد نقل الشوكاني ومِن بَعدِه الشيخ أحمد شاكر، قولَ الحافظ السابق عن هذا الحديث، وأقرَّاه/ نيل الأوطار 1/ 98 المنيرية وهامش المحلي، لابن حزم بتحقيق الشيخ أحمد شاكر 1/ 259. أما تلميذ ابن حجر وهو السخاوي، فإنه قال في نوع المقلوب: ومن أمثلته =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = -يعني مقلوبَ المتن- ما رواه البخاري من طريق عبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حَبَّان، عن واسع بن حَبَّان عن ابن عمر، قال: ارتقيت فوق بيت حفصة فرأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقضي حاجته مستدبر القبلة مستقبل الشام، فرواه ابن حبان كما في نسخة صحيحة معتمدة، قديمة جدًّا، من طريق وُهَيب عن عبيد الله بن (عمر) وغيره عن محمد بن يحيى، بلفظ "مستقبل القبلة، مستدبر الشام" رواه عن الحسن ابن سفيان عن ابراهيم بن الحجاج (السامي) عن وهَيب، وهو مقلوب، وقد رَواه الإسماعيلي في مُستخرجه -يعني على صحيح البخاري- عن أبي يعلي عن إبراهيم، فقال: "مستدبرَ القبلة مستقبل الشام" كالجادة. وعَقب على ذلك بقوله: فانحصر -يعني إيقاع القلب- في الحَسنِ بنِ سفيان، أو ابن حبان/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 278. وبهذا نجد أن أبا يعلي في طريق الإسماعيلي، والحسنَ بنَ سفيان في طريق ابن حِبان، قد اشتركا في رواية الحديث عن شيخ واحد، وهو ابراهيم السامي، ولكن اختلف لفظ روايتيهما، كما ترى، واتفقت رواية أبي يعلي مع رواية أكثر الثقات المعتمدة، ولهذا وصفها السخاوي بأنها كالجادة، يعني كرواية معظم الثقات؛ لأن الجادَّة تطلق على معظم الطريق ووسطه وما وَضَح منه/ اللسان/ مادة "جد" 5/ 80 واعتبر الرواية الأخرى المخالفة لها مقلوية. ونحن نوافق السخاوي على القول بانقلاب هذا المتن، بل وانقلاب ما هو بنحوه وبمعناه، كما تقدم، لكن نرد عليه الآتي: أولًا: اقتصارُه كسابِقِيه على وصف رواية ابن حبان وحدَها بالقلْب دون باقي روايات الحديث التي خرجها غيره، وفيها متابعة تامة أو ناقصة لروايته، أو فيها موافقة للمعنى، كما مرَّ بيانه. ثانيًا: حصرُه مسؤولية قلب هذا المتن في: الحسن بن سفيان، أو تلميذه ابن حبان، وهذا مما زاده على ما تقدم من كلام شيخه ابن حجر، وكلام غيره الآتي قريبًا عن هذا الحديث. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ويبدو لي أن هذا الحصر غير مُسَلَّم للسخاوي، وذلك لما يأتي: 1 - أن ابنَ سفيان وتلميذَه ابن حبان لم ينفردا برواية الحديث، سواء بالنسبة لهذا الطريق أو بالنسبة لغيره. فبالنسبة لهذا الطريق نجد أن ابنَ خزيمة -وهو من شيوخ ابن حبان- قد خرج الحديث كما قدمت، فهو مشارك لتلميذه، وسابق عليه في تخريج تلك الرواية نفسها بشطرها الأول، ودلالتُه على الثاني، مع وجود المتابعة التامة عليها بين السامي والمخزومي في طريقيهما كما تقدم، حيث اجتمعا على رواية هذا الحديث عن وُهَيبِ بن خالد، وبذلك صار مَخْرج الحديث الأعلى إليهما واحدًا، عليه مدار الحديث عندهما، واللفظ أيضًا واحد. وأيضًا أخرج الحديثَ أبو جعفر الطحاوي عن شيخه أحمد بن داود قال: ثنا إبراهيم بن الحجاج، قال: ثنا وهيب به، سندًا ومتنًا، كما عند ابن حبان، وقد صحح الطحاوي الحديث كذلك ضمن حكمه العام بصحة ما أخرجه في الباب كما قدمت. والطحاوي متوفي سنة 321 هـ، فهو أسبقُ في تخريجِ الحديث وتصحيحِه من ابن حبان بسنين متعددة، ويعتبر متابعًا لابن حبان في شيخ شيخه، وهو إبراهيم بن الحجاج السامي، فكيف ينسب القلب لابن حبان دون الطحاوي مثلًا؟. كما يعتبر أحمد بن داود، شيخُ الطحاوي، متابعًا متابعة تامة للحسن بن سفيان، في رواية الحديث بلفظه عن إبراهيم بن الحجاج، فكيف ينسب القلب إلى الحسن دون مُشارِكَه ابن داود مثلًا؟. وأيضًا أبو هشام المخزومي في طريق ابن خزيمة المتقدمة، قد تابع الحسن على رواية الحديث بنفس شطره الأول عن شيخ شيخه، وهو وُهَيب بن خالد، فكيف ينسب قلب الحديث بشطريه إلى الحسن وهو دُون وُهيب بِدرجة؟، حيث يوجد بينهما إبراهيم السامي، شيخ الحسن. وقد صرح ابن خزيمة أيضًا -كما تقدم- بنسبة الشّطْر الأول المقلوب إلى رواية أبي هشام المخزومي. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ويتبع ذلك الشّطر الثاني أيضًا، وإن لم يُصرِّح به لتلازمهما كما مر. أما بالنسبة للطرق الأخرى ومخرجيها فإن ابن أبي شيبة مثلًا أقدمُ كثيرًا من ابن حبان، ومن الحسن بن سفيان، وقد أخرج الشّطر الأول من الحديث بنحو اللفظ المقلوب، وذلك عن حفص بن غياث عن يحيى بن سعيد، به، فَمنَ الذي أوقع هذا القلب مع اختلاف طريقه؟ وسَبْق رواته ومخَرِّجِه عن كل من ابن حبان وشيخِه ابن سفيان. 2 - أنه إذا كان حصر القلب في رواية ابن سفيان أو رواية ابن حبان سببهُ مخالفة روايتهما لرواية أبي يعلي الموافقة لرواية أكثر الثقات، مع كون شيخ أبي يعلي وابن سفيان واحد، وهو إبراهيم السامي، فإن مثل هذا الخلاف قد وقع في بعض طرق الحديث أيضًا ممن هم فوق ابن سفيان وأبي يعلي، حتى رواة الحديث عن ابن عمر نفسه، كما تقدم في التخريج، وكما سيأتي تقرير غير واحد من الأئمة له. ومع هذا التعدد والاختلاف في الطرق والمخارج لتلك الرواية المخالفة لجمهور الثقات لا يسوغ حصر قلَبها في راو أو طريق معين، دون قرينة جازمة أو دليل صريح، وكلاهما غيرُ متحقَّق بالنسبة لابن سفيان أو تلميذه ابن حبان. ولعل هذا ما جعل الحافظ ابن حجر يقتصر على ذكر القلب فقط دون تحديد من وقع منه. ومِنْ قَبلِ ابنِ حجر، اعتنى الدارقطنيُّ وابنُ عبد البر ببيان اختلاف طرق وروايات هذا الحديث؛ ولكن لم يتصديا لنحو ما تصدى له السخاوي من الحصر، بل لم يَصِفا شيئًا من روايات الحديث بالقلب، وإنما اعتنيا بعرض وجوه الاختلاف -على نحو ما قدمته خلال التخريج- وانتهيا إلى اعتماد رواية أكثر الثقات، وهي "استدباره -صلى الله عليه وسلم- القبلة، واستقباله بيت المقدس عند قضاء الحاجة". فالإمام الدارقطني لما سئل عن هذا الحديث من رواية واسع بن حَبَّان عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن عمر: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على لَبِنتَين مستقبل بيت المقدس لحاجته، فقال: يرويه محمد بن يحيى بن حَبَّان، واخْتُلِفَ عنه؛ فرواه يحيى بن سعيد الأنصاري، واخْتُلِفَ عنه؛ فرواه سُلَيم بن كثير عن يحيى عن نافع عن ابن عمر، وَوهِم فيه. ورواه مالك بن أنس، والثوري، ومحمدُ بن جعفر بن أبي كثير، والأوزاعي، وحماد بن سلمة، وزهير وأنس بن عياض وعبد الوهاب - (يعني الثقفي) - وحفص بن غِيَاث، وهُشَيم، ويَزيدُ بن هارون، عن يحيى (يعني الأنصاري) عن محمد بن يحيى بن حَبّان عن عمه واسع بن حَبّان عن ابن عمر. ورواه عُبَيد الله بن عمر، واخْتُلِفَ عنه؛ فرواه يحيى بن سعيد القطان، وأنس بن عياض، وعباد بن عباد، وعَبدة بنُ سليمان، ومحمدُ بن بشر العبدي، ووُهَيْب بن خالد عن عُبيد الله بن عمر عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حبان. ورواه الثوري عن عبيد الله عن محمد بن يحيى بن حبان عن ابن عمر، ولم يذكر "واسعًا". ورواه اسماعيل بن أمية وعبد الله (كذا؟) بن عمر العُمَري عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه، عن ابن عمر. ورواه محمد بن عَجْلان، واختُلِفَ عنه، فرواه الليث بن سعد عن ابن عَجلان عن محمد بن يحيى عن عمه واسع عن ابن عمر. ورواه يحيى بن أيوب عن ابن عَجْلان عن محمد بن يحيى عن ابن عمر، ولم يذكر "واسعًا"، والصحيح قول من ذكر فيه "واسعًا"/ العلل للدارقطني 4 / ل 69. أقول: وقد مر في التخريج رواية الطحاوي وابن خزيمة للحديث من طريق يحيى بن أيوب أخبرني ابن عَجلان عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حَبَّان عن ابن عمر، فذكرا فيه واسعا/ انظر صحيح ابن خزيمة 1/ 35، وشرح معاني الآثار 4/ 234. لكن بقية الاختلافات الأخرى في متن الحديث على الرواة الذين ذكرهم الدارقطني لم يصرح بترجيح شيء منها؛ لكنه خَتم استعراضه لتلك الاختلافات بروايته للحديث بلفظ الرواية الراجحة وهي رواية "الاستدبار" وذلك من طرق، عن يحيى بن سعيد القطان عن عبد الله عن محمد بن يحيى عن عمه عن ابن عمر، كما تقدم، ولم يتعقبها بشيء، وهذا يشير إلى ترجيح تلك الرواية عنده على رواية الاستقبال المخالفة لها. أما ابن عبد البر فقال: وفي حديث يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عمه واسع بن حَبَّان عن عبد الله بن عمر أنه كان يقول: إن ناسًا يقولون: إذا قَعَدْت لحاجتك فلا تستقبل القبلة، ولا بيتَ المقدس. ثم أعقب ذلك بذكر اختلاف روايات الحديث، فقال: وقد اختُلِفَ في متن هذا الحديث على يحيى بن سعيد/ التمهيد 1/ 305، ثم ساق ما تقدم تخريجه من عنده من روايات الحديث بطرقها عن يحيى بن سعيد الأنصاري، وبعضُها بلفظ: التوجه للقبلة، وبعضُها بلفظ: استدبارها. كما ذكر أيضًا بعض الروايات من طريق عُبَيد الله بن عمر، ومن طريق محمد بن عَجلان مع الإشارة الى اختلاف رواتهما عنهما في اللفظ بين الاستقبال والاستدبار، وأنهى ذلك بأن أثبت روايات هذا الحديث ما جاء فيها: أن ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل بيت المقدس، مستدبر الكعبة، أو ما هو بمعنى ذلك، مؤيدًا هذا باتفاق أكثر الثقات عليه، كما قدمتُ نقلَه عنه، وانظر التمهيد 1/ 305 - 307. وهذا الترجيح منه لتلك الرواية وما بمعناها واعتبارُها أثبت الروايات يفيد تضعيفه للروايات الأخرى المخالفة، وهي: 1 - ما جاء بلفظ "مستقبل القبلة ومستدبر الشام" أو بلفظ الشطر الأول فقط، أو بنحوه، أو بمعناه، لاستلزامه الثاني. =

أما حديث جابر: فعند أبي داود (¬1) ¬

_ = 2 - ما جاء بالشك من الراوي بين "مستقبل القبلة" أو "مستقبل بيت المقدس". وهذا يلتقي مع ما تقدم من ظهور الضعف أو شدته في بعض طرق هاتين الروايتين، أو اتصاف المتن بالشذوذ والقلب، ويلتقي أيضًا مع مَا تقدم عن الدارقطني والزركشي من اعتماد رواية استقبال القبلة وترجيحها. النتيجة: فتكون النتيجة العامة لكل ما تقدم عن هذا الحديث ما يلي: 1 - أن السخاوي لم يُصِب في حصر مسؤولية قلب متن رواية: مستقبل القبلة، في ابن حبان أو شيخِه الحسنِ بن سفيان. 2 - أن حديث ابن عمر بمختلف طرقه، له ألفاظ ثلاثة: أحدها: مستقبل بيت المقدس مستدبر الكعبة، وما هو بنحو ذلك أو بمعناه، وهذا أثبت الروايات عن ابن عمر، لصحته، سندًا ومتنًا، واتفاق أكثر الثقات عليه. وثانيها: ما كان بعكس هذا. وثالثها: ما كان بالشك بين الأول والثاني. وهذان الأخيران مردودان؛ إما من جهة السند والمتن معًا، وإما من جهة المتن فقط، وإن صح السند أو حَسُن؛ لكن هذا الرد لا يمنع من ثبوت جواز استقبال القبلة في البنيان والسواتر، بغير حديث ابن عمر من الأدلة، كحديث جابر الذي رواه الترمذي في هذا الباب، وغيرِه مما سيأتي، وانظر الفتح 1/ 245. (¬1) في الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة - عن محمد بن بشار - بسنده عن محمد بن إسحاق يُحدِّث عن أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله، قال: نهى نبي الله أن نَستَقْبِل القِبلَة ببول، فرأيته قبل أن يُقبَض بعام يستقبلُها - سنن أبي داود مع البذل 1/ 31 - 34. وإسناد أبي داود هو إسناد الترمذي، إلا أن الترمذي قَرَن محمدَ بنَ بشَّار بمحمدِ بنِ المُثنى، ولفظ المتن واحد. =

وابن ماجه (¬1) أيضًا. ¬

_ (¬1) الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الكنيف، وإباحته دون الصحارى - بإسناد أبي داود، ولفظِه، مع ذكر "الرسول" بدل "النبي" -صلى الله عليه وسلم- سنن ابن ماجه 1/ 117 ح 325. وأخرجه ابنُ خُزَيمةَ في صحيحه - الطهارة - باب 43 - ص طريق مُحمدِ بن بشار، به بلفظ ابن ماجه - صحيح ابن خزيمة 1/ 34 ح 58. وأخرجه الحازمي، بسنده عن حماد النَّرسي -بدل ابن بشار- وباقي الإسناد واللفظ سواء/ الاعتبار - الطهارة - بابُ النهي عن استقبال القبلة والاختلافِ فيه/ 39. وأخرجه ابنُ حبان في صحيحه من طريق عمرو الناقد حدثنا يعقوب بن ابراهيم قال: حدثنا أبي عن ابن اسحاق، قال: حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر بن عبد الله، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نستقبلَ القبلة أو نستدبرَها بفروجنا إذا أَهْرَقْنا الماء، قال: ثم رأيته قبل موته بعام يبول مستقبل القبلة/ الإحسان - الطهارة 2/ 497. وأخرجه الطحاوي عن علي بن مَعْبِد عن يعقوب، به بنحوه - شرح معاني الآثار - كتاب الكراهة - باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول 4/ 234. وأخرجه الحاكم في المستدرك - الطهارة - باب النهي عن البول مستقبل القبلة والرخصة فيه - من طريق محمد بن رافع عن يعقوب، به بنحو لفظ ابن حبان، ولكن لم يذكر قوله "بعام"، وقال: صحيح على شرط مسلم، وأقره الذهبي/ المستدرك ومعه تلخيصه للذهبي 1/ 154. لكن تَعقّبَ العينيُّ الحاكم بأن مدار الحديث على أبان بن صالح ولم يخرج له مسلم شيئًا، ثم ذكر تصحيح البخاري له فيما نقله الترمذي عنه/ عمدة القاري 2/ 278. ومعنى هذا أن العيني أقر صحة الحديث، ورد على الحاكم قولَه: إنه على شرط مسلم، ودَلَّل لذلك بأن أبان لم يُخرِجْ له مُسلم في صحيحه شيئًا، وهذا صحيح، كما نص عليه المِزِّي في تهذيب الكمال 1/ 47، وكذا لم يُذكر في ترجمته رمز مسلم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = في تهذيب التهذيب 1/ 94، 95 ولا التقريب 1/ 30 ولا الخلاصة/ 15؛ لكن جاء في الكاشف وضع علامة الكتب الستة عليه 1/ 74، فلعل هذا يفسر إقرار الذهبي للحاكم على أن الحديث على شرط مسلم، فيكون قَدْ سَها -رحمه الله- في الموضعين. ثم إن الحديث انفرد بروايته محمد بن إسحاق عن أبان، في مختلف طرقه المتقدمة، وقد أقر الذهبي أيضًا تصحيح الحديث، ولكن الذي رجحه في غالب كتبه في التراجم أن ابن إسحق حَسن الحديثِ في غير ما يَشِذُّ به وما يدلسه/ انظر سير النبلاء 7/ 41، والكاشف 3/ 19، والميزان 3/ 475، وهذا ما رجحه غير واحد أيضًا كما سيأتي قريبًا. وعن الحاكم أخرجه البيهقي في السنن الكبرى - الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الأبنية 1/ 192. وأخرجه ابن الجارود في المنتقى - كتاب الطهارة - باب كراهية استقبال القبلة للغائط والبول والاستنجاء، وذلك عن أبي الأزهر، أحمدَ بن أبي الأزهر عن بعقوب، به بنحو رواية ابن حبان/ المنتقى/ 21 ح 31. وأخرجه أحمد عن يعقوب، به بنحو رواية ابن حبان/ المسند 3/ 360. وأخرجه الدارقطني في السنن - الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء، من طريق أبي الأزهر، عن يعقوب، به بنحو رواية ابن حبان، ومن طريق محمد بن شوكر عن يعقوب، به، وفي روايته و"أن نَستقِبل القبلة أو (نَستدبرَها) "، وقال الدارقطني عقب الحديث من طريقه: "كلهم ثقات"/ السنن 1/ 58، 59 ح 2. وعن الدارقطني، من طريق أبي الأزهر، أخرجه الحازمي/ الاعتبار/ الموضع السابق. وعنه من طريق ابن شوكر، أخرجه البيهقي في السنن/ الموضع السابق. وقد انتقد بعض العلماء هذا الحديث من جهة سنده ومتنه، ودفَع بعضُ آخر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ما انتَقِد به، وسيأتي في الأصل جانب من ذلك، ولكني سأجمل هنا خلاصة ما انتقد به الحديث مع الجواب عنه، ثم أحيل ما سيأتي عليه: فابن حزم قال: وأما حديث جابر فإنه رواية أبان بن صالح، وليس بالمشهور، وأيضًا فليس فيه بيان أن استقباله القبلة -عليه السلام- كان بعد نهيه، ولو كان ذلك لقال جابر: ثم رأيته/ المحلي- الطهارة 1/ 265. وأما ابن عبد البر فقد عزا إلى الإمام أحمد أنه رد حديث جابر وضعفه/ التمهيد 1/ 309، ثم قال من جانبه هو: وليس حديث جابر بصحيح عنه، فَيعرَّج عليه؛ لأن أبان بن صالح الذي يرويه ضعيف، وقد رواه ابن لَهيعة عن أبي الزبير عن جابر عن قتادة عن النبي -عليه (الصلاة و) السلام- على خلافِ رواية أبان بن صالح عن مجاهد عن جابر، وهو حديث لا يحتج بمثله/ التمهيد 1/ 312. وقال ابن العربي: أما حديث جابر ففيه تَكلُّم/ عارضة الأحوذي 1/ 26. وأما ابنُ مفوز فاعل الحديث بأنه قد انفرد به محمد بن إسحق وقال: وليس هو ممن يُحتَج به في الأحكام، وأقره على ذلك الشيخ ابن القيم/ تهذيب سنن أبي داود له 1/ 22 مع مختصر السنن للمنذري، والمعالم للخطابي. وعزا الحافظ ابن حجر إلى النووي: أنه توقف في الحكم على هذا الحديث لعنعنة ابن إسحاق/ التلخيص الحبير 1/ 104. والجواب عن تلك الانتقادات يتلخص في الآتي: ذَكَر غير واحد من العلماء أن قولَ ابن حزم: "إن أبان ليس بمشهور" يعتبر حكمًا منه بجهالة أبان، وغلطوه في ذلك، كما غلطوا ابن عبد البر في وصفه أبان بالضعف، وقال ابن حجر: وهذه غفلة منهما وخطأ تَوارَدا عليه: فلم يضعف أبان هذا أحد قبلهما، ثم اعتمد -كغيره- توثيق جمع من الأئمة له، كابن معين والعِجْلي وأبي زرعة، وأبي حاتم الرازيَّان، وغيرهم/ انظر تهذيب التهذيب 1/ 94، 95 والتقريب 1/ 30، والتلخيص الحبير 1/ 104 والخلاصة للخزرجي/ 15، وتهذيب السنن/ لابن القيم 1/ 22، وعمدة القاري =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2/ 278 وسيأتي قول المؤلف بشأنه: إن أقصى ما ينفرد به أن يكون حسنًا. وقول ابن حزم بأنه لو كان الاستقبال بعد نهيه -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك لقال جابر: "ثم رأيته"، فالجواب عنه بأنه قد ورد الحديث بهذا في عدة مصادر كما تقدم في التخريج، وكذلك الرواية بلفظ "فرأيته" كما ذكرها ابن حزم نفسه تفيد الترتيب والتعقيب، فتدل بذلك على أن الاستقبال كان عقب النهي، والتعقيبُ في كل مقام بحسبه، ولو تراخى، وعلى كل حال فالبعدِية التي طلبها تُستَفاد من رواية "فرأيته" التي ذكرها، والرواية بلفظ "ثم" قد تحققت، فاندفع انتقاده. وأما ما ذكره ابنُ عبدِ البر من أن رواية الحديث عن جابر مرفوعًا، يعارضُها روايتُه من طريق ابن لَهيعة عن جابر عن قتادة مرفوعًا، فجواب ذلك ما ذكره الترمذي في هذا الباب عقب ذكر حديث قتادة، حيث رجح رواية جابر، وسيأتي أيضًا نقل المؤلف عنه: أن حديث قتادة غيرُ محفوظ. وأما ما ذكره ابن عبد البر مِن رَد الإمامِ أحمدَ وتضعيفِه للحديث، فهو كما ترى غير مُبَيَّن السبب. ولذا أجاب العيني عن هذا بأنه: إنْ كان المراد أنَّ أحمد قد رد العمل بالحديث فمحْتَمَل، وإن كان المراد رده من ناحية الصناعة الحديثية، فغير مُسَلَّم: لثبوته في مسنده، لم يضرب عليه كعادته فيما ليس بصحيح عنده، أو مردود، على ما بينه الحافظ أبو موسى المديني في خصائص مسنده/ عمدة القاري 2/ 278، يعني مسند أحمد. أقول: وما ذكره العيني من أن رد العمل بالحديث محتمل، سيأتي ترجيحُ خلافِه، وهو العمل به. وأما ما نقله الشيخ ابن القيم عن ابنُ مَفوز من تضعيف الحديث بوجود ابن إسحاق في إسناده، فيُجاب عنه بما تقدم ص 654 من أن الراجح في حال ابن إسحاق أنه حسن الحديث في غير ما شذَّ به، أو دَلَّسه، وهذا الحديث ليس كذلك: لوجود ما يشهد له، كحديث عاثشة وغيرِه، كما أشار إليه الترمذي، =

وحديث عائشة: رواه الإمامُ أحمد (¬1) ¬

_ = وسيأتي تخريجُه، كما سيأتي أيضًا جزم المؤلف بتحسين حديث ابن إسحاق، وسنشير هناك لمصادر ترجمة ابن إسحاق التي تضمنت الأقوال في شأنه، وترجيح ما ذكرته هنا. وأما قول ابن حجر: إن النووي توقف في الحديث لعنعنة ابن إسحاق، فلم أقف على مصدره فيه، والموجود عن النووي في كتابيه المجموع/ 2/ 82، وشرح مسلم 1/ 271 مع القسطلاني، هو الجزم بتحسين هذا الحديث، وكلا الكتابين من أشهر كتبه، كما أنه قد جاء في أكثر من طريق للحديث تصريح محمد بن إسحاق بالتحديث كما مر في التخريج، فزالت خشية التدليس. وبذلك كله اندفعت عن هذا الحديث تلك الانتقادات، وأصبح حكم الترمذي وغيرِه بأنه حسن هو الصواب، وعلى هذا استدل به كل من القائلين بنسخ النهي عن الاستقبال، والقائلين بتخصيصه بحالة الفضاء وانعدام الساتر، وعليه فيحمل حديث جابر هذا وما في معناه على إجازة الاستقبال في الأنبية وما قام مقامها من السواتر، وتقدم أن هذا هو الراجح لما فيه من إعمال أدلة النهي والجواز معًا، بخلاف النسخ/ وانظر الفتح 1/ 245، 246 وشرح معاني الآثار للطحاوي 4/ 233، 234، 236. (¬1) أخرجه أحمد من عدة طرق، وبألفاظ أحدها مقارب لما سيذكره المؤلف في الأصل، وذلك من طريق أبي كامل حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت أن عِراكَ بِنَ مالك حدَّث عن عُمر بن عبد العزيز أن عائشة (كذا في المطبوع؟) قالت: ذكِر لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ناسًا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم، فقال: أَوَقَدْ فعلوها؟. حَوَّلُوا مقعدي قِبَل القبلة/ المسند 6/ 227. بالتأمل في هذا الإسناد نجد فيه الحديث من رواية عِراك عن عمر بن عبد العزيز عن عائشة، وهذا خلاف ما جاء في باقي طرق الحديث الآتية عند أحمدَ وغيرِه، من عدم وجود عمر بين عِراك وعائشة، كما أن عُمر قد وُلد سنة 61 هـ، أي بعد وفاة عائشة بأكثر من عامين، حيث توفيت رضي الله عنها سنة 58 هـ، فلعل كلمة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "عن" المذكورة قبل "عمر بن عبد العزيز" محرفة، وصوابها "عند" كما في باقي روايات الحديث، ويضاف لذلك انتقاداتٌ أخرى لِسَند هذا الحديث، حتى من الإمام أحمدَ نفسِه كما سيأتي بعد نهاية التخريج. وأخرجه من طريق وكيع ثنا حماد بن سَلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلْت، عن عِراك عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد فعلوها؟ استقبلوا بمقعدتي القبلة 6/ 137. وأخرجه من طريق بهز (يعني ابنَ أسد) عن حماد، به بنحوه/ المسند 6/ 219. وأخرجه من طريق عبد الوهاب الثقفي قال: حدثنا خالد عن رَجُل عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: ما استقبلت القبلة بفرجى منذ كذا وكذا، فَحدث عِراك بنُ مالك عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بخلائه أن يُستَقبَل به القِبلة، لمَّا بلغه أن الناس يكرهون ذلك/ المسند 6/ 183. وأخرجه من طريق علي بن عاصم، قال خالد الحذاء: أخبرني، عن خالد بن أبي الصلت، أنه كان عند عمر بن عبد العزيز في خلافته، وعنده عِراكُ بنُ مالك، فقال عراك: حدثتني عائشة (الحديث) بنحو الرواية السابقة مع تقديم وتأخير/ المسند/ 6/ 182. ومن طريق أحمد هذه أخرجه المزي في تهذيب الكمال، في ترجمة خالد بن أبي الصلت 1/ 356. وفي هذه الطريق -كما ترى- تصريح عِراك بتحديث عائشة له، وكذلك سيأتي في رواية الدارقطني والبخاري في تاريخه؛ ولكن الإمام أحمد والبخاريَّ نَفَيا ذلك، وأقرهما غيرهما كما سيأتي. وأخرج أحمد الحديث أيضًا من طريق يزيد (بن هارون) عن حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت، قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز، فذكروا الرجلَ يجلس على الخلاء، فيستقبلُ القبلة، فكرهوا ذلك، فحدَّث عن (كذا؟) عِراكِ بن مالك عن عائشة أن ذلك ذُكِر عند النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أَوَقَدْ فَعلُوها؟ =

وابن ماجه (¬1) ولفظُه: عن عِرَاك، عن عائشة قالت: ذُكِر ¬

_ = حولوا مَقعدي إلى القِبلة/ المسند 6/ 239. ويلاحظ في هذا الطريق وجود واسطة بين خالد بن أبي الصلت وبين عِراك، وهو عمر بن عبد العزيز، وسيأتي قول البخاري: إن رواية ابن أبي الصلت عن عمر بن عبد العزيز، مُرسَلَة، يعني منقطعة، ثم نناقش ذلك بالمشيئة، وأيضًا ستأتي رواية أخرى بلفظ هذه، من طريق يزيد عن حماد، وفيها ذِكْر عروة بَيْن عِراك بن مالك وبين عائشة. (¬1) أخرجه ابن ماجه - الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الكنيف - وذلك من طريق وكيع عن حماد، به بنحو رواية أحمد السابقة عن وكيع وفيها "أُرَاهُم قد فعلوها" / سنن ابن ماجه 1/ 117 ح 324. وأخرجه تلميذ ابن ماجه، أبو الحسن القطان من زوائده على روايته لسنن ابن ماجه، عَقِب الحديث السابق، وذلك من طريق عبد العزيز بن المغيرة، عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت، وأحال بباقي السند وبالمتن على رواية ابن ماجه السابقة فقال: "مْثِلُه"/ سنن ابن ماجه/ الموضع السابق. هذا وقد عزا الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- تلك الرواية الثانية إلى ابن ماجه/ هامش المُحلَّى 1/ 262، وتبعه على ذلك صاحب فتح المُلَهِم بشرح صحيح مسلم 1/ 317 الشيخ شَبير أحمد العثماني، وهذا خطأ من عاِلمَين بالحديث لا يخفى محلهما، وبسببه نبهت في تعليق سابق على خطورة عدم تمييز الطابِعِين والمحقق لسنن ابن ماجه لتلك الزوائد، وإدخالها ضِمْنَ الترقيم المسلسل لأحاديث السنن، ولفهارس أحاديثها، ولعل هذا المثال العملي من الخطأ في العزو وبتسلْسُلِه ينبهان لضرورة تمييز هذه الزوائد في أي طبعة جديدة لسنن ابن ماجه، وقد أحسن الشيخ الألباني صُنْعًا فعزا هذا الحديث إلى أبي الحسن القطان في زياداته على ابن ماجه/ سلسلة الأحاديث الضعيفة 2/ 355، وهو الصواب المطابق للواقع، وستأتي مخارج أخرى للحديث، مع تحقيق درجته، قريبًا. =

لرسول (¬1) الله -صلى الله عليه وسلم- أن ناسًا يكرهون أن يَستقبِلوا القبلة بفروجهم، فقال: أَوَقَدْ فَعلوا (¬2)!؟ حَولوا مقعدتي، قِبَل القِبلَة (¬3). ¬

_ (¬1) بالأصل "رسول" ولا يستقيم المعنى عليه، وما أثبته من الرواية الأولى التي قدمتُ تخريجها من عند الإمام أحمد؛ لأنها أقرب الروايات في عامة لفظها لِلَّفْظ الذي ذكره المؤلف هنا. (¬2) كذا الأصل "فعلوا" وهكذا. ذكره البوصيري في زوائد ابن ماجه 1/ 47؛ لكن طبعات ابن ماجه الموجودة حاليًا وخاصة التي بتحقيق د. الأعظمي 1/ 65 ح 329، وكذا روايات مسند أحمد التي جاء فيها هذا اللفظ، كلُّها فيها جاء هكذا "فعلوها" بالهاء بعدها ألف. (¬3) عزا المؤلف الحديث بهذا اللفظ لابن ماجه وأحمد، ومقتضى هذا أن يكون عندهما بهذا اللفظ أو بنحوه، والواقع ليس كذلك، فبين هذا اللفظ ولفظ ابن ماجه عِدةُ اختلافات، ونقصٌ، وزيادةٌ، كما أشرتُ لبعضها في التعليقين السابقين، ويَقرُب منه عند أحمد رواية واحدة كما قدمت. ثم إن الحديث قد أخرجه غير أحمد وابن ماجه -آخرون، وهو حديث مختلَف في حاله، فالتوسع في تخريجه وبيانُ حاله مطلوب، وقد أشار المؤلف في الأصل لبعض ما قيل فيه كما سيأتي قريبًا كلامه في الأصل، ومجمل ما يتعلق باستكمال تخريجه وبيان حاله كما يلي: فقد أخرجه الطيالسي في مسنده عن حماد بن سلمة، به، بنحو رواية أحمد التي أخرجها عن علي بن عاصم عن حماد، به، لكن بدون تصريح عِراك بسماع عائشة وبدون الزيادة التي عن عمر بن عبد العزيز في أوله/ منحة المعبود 1/ 46، وفي متن الحديث سقط في المطبوع من المسند، والمنحة، وكذا في بعض نسخه الخطية التي راجعتها. وأخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه -الطهارة باب من رخَّص في استقبال القبلة بالخلاء- وذلك عن (عبد الوهاب) الثقفي عن خالد (الحذاء) عن رجل عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عِراك عن عائشة بنحو رواية أحمد السابقة؛ لكن بدون الزيادة التي عن عمر بن عبد العزيز في أوله أيضًا - وكذا ليس فيه تصريح عِراك بسماع عائشة. وأخرجه أيضًا عقب تلك الرواية، وذلك من طريق وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك عن عائشة، به كرواية أحمد السابقة أيضًا بدون ذكر الزيادة التي عن عُمر بن عبد العزيز، وبدون سماع عِراك، ولفظ تلك الرواية: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: استقبلوا بمقعدي إلى القبلة/ مصنف ابن أبي شيبة 1 / ل 76 من النسخة الخطية بالمكتبة المحمودية بالمدينة المنورة، أما ما جاء بالمطبوعة بلفظ "استقبلوا بمقاعدكم إلى القبلة" ومن سقط (خالد الحذاء) فهو خطأ طِباعي فاحش، ولم يَذكر الطابع تصويبًا له، وسبب الفحش أنه أسقط من السند راويًا، وغَيَّر معنى الحديث من كونه فِعْلًا لهُ -صلى الله عليه وسلم- إلى كونه قولًا بلفظ الأمر العام لغيره كما ترى، وهذا خلاف ما جاءت به كل الروايات لهذا الحديث، وخصوصًا رواية غير ابن أبي شيبة له مِنْ نَفْس الطريق، كرواية الإمام أحمد السابقة، وغيرها. فقد أخرجه ابن عبد البر من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع، به بلفظ "استقبلوا بمقعدي القبلة/ التمهيد 1/ 310، 311. وأخرجه ابنُ المنذِر من طريق حجاج -يعني بن منهِال- عن حماد، به، بنحو رواية أحمد السابقة، وفيه "قال عراك بن مالك: قالَت عائشة"/ الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لابن المنذر - الطهارة - ذكر النهي عن استقبال القِبلة واستدبارها بالغائط والبول 1/ 326 ح 261. وأخرجه الطحاوي عن ربيع المؤذن قال: ثنا أسد -يعني بن موسى- قال ثنا حماد بنُ سلَمة، به، بنحو رواية أحمد السابقة، وفيها أيضًا: فقال عِراك بن مالك: قالت عائشة"/ شرح معاني الآثار - كتاب الكراهة باب استقبال القبلة بالفروج للغائط والبول 4/ 234. ثم أخرج الطحاوي عن علي بن شيبة قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت قال: كنا عند عمر بن عبد العزيز فذكروا الرجل يجلس على الخلاء فيستقبل القبلة، فكرهوا ذلك فَحدث عِراك بن مالك عن عروة بن الزبير عن عائشة أن ذلك ذُكِر عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: أوَقَدْ فعلوها؟ حولوا مقعدتي إلى القبلة/ شرح معاني الآثار للطحاوي - الموضع السابق. ورواية الطحاوي الثانية -كما ترى- فيها ذكره عروة بن الزبير "بين عِراكَ وبَين عائشة، وقد أخرجها الطحاوي عن شيخه علي بن شيبة عن يزيد بن هارون عن حماد، به. وعَليُّ هذا هو ابن شيبة بن الصلت، أبو الحسن السدوسي، جاء في ترجمته أنه سكَن بغداد مدة، ثم انتقل إلى مصر، فسكنها، وحدث بها عن يزيد بن هارون -كما في هذا الإسناد- وعن غيره. وقد عمى قبل موته بيسير، وتوفي سنة 272 هـ، ولم أجد في توثيقه إلا قول الخطيب: روى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي، وغيره من المصريين أحاديث مستقيمة. أقول: فيمكنُ دخُول رواياتِ الطحاوي عنه في هذه الإشارة، خاصة أنه جاء في ترجمته: أن الطحاوي قد أكثر الرواية عنه/ تراجم الأحبار 3/ 5 وتاريخ بغداد 11/ 436 , 437. وقد خالَف الإمامُ أحمدُ عَليًا هذا في رواية الحديث الذي معنا عن يزيد بن هارون، كما تقدم تخريج روايته، فدم يُذكَر في رواية أحمد "عروة بن الزبير" بَين عِراك وبَين عائشة. وبناء على ما تقدم من حال "عَلِي بن شيبة"، فإن الإمام أحمد أوثقُ منه، فتكون روايته الخالية من ذكره "عروة" هي الراجحة. وأيضًا فإن ما تقدم وما سيأتي من روايات الحديث المرفوعة من غير طريق يزيد عن حماد، ومن غير طريق حماد، كُلَّها خالية من ذكره "عروة"، وعليه يكون ذكره في رواية عَلي هذه شاذًا، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والراجح ذِكرُه في الرواية الموقوفة على عائشة. كما سيأتي، وأما الرواية المرفوعة فالراجح أنها من رواية عِرَاك عن عائشة، منقطعًا. كما سيأتي تفصيله عَقِب استكمال التخريج. وقد أخرج البيهقي الحديث - في السنن الكبرى - الطهارة - باب الرخصة في ذلك في الأبنية - وذلك من طريق علي بن عاصم، به، بلفظ رواية أحمد المتقدمة عن علي بن عاصم. ثم قال البيهقي عَقِبهُ: تابَعهُ -يعني تابع علي بن عاصم- حمادُ بنُ سلمة عن خالد الحذاء، في إقامة إسناده، ورواه عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحَذاء عن رجل عن عِراك عن عائشة، ورواه أبو عوانة وغيرُه، عن خالد الحذاء عن عِراك عن عائشة/ السنن الكبرى 1/ 92، 93. أقول: وقول البيهقي: إن حمادًا تابع عَلِيَّ بنَ عاصم عن خالد الحذاء في إقامة إسناد الحديث، يفيد أمرين: أحدهما: أن رواية كل من عبد الوهاب الثقفي، ورواية أبي عوانة ومن وافقه، كلاهما، غير مستقيم الإسناد، وبالتأمل في هاتين الروايتين، وفي كلام العلماء عنهما، نجدهُما كذلك فعلًا، وذلك لأن رواية عبد الوهاب في سندها مُبهم، وإن كانت رواية غيره تدل على أن هذا المبهم هو ابن أبي الصلت المصرح به في رواية حماد، وغيره كما سيأتي توضيحه؛ إلا أن هذا السند وحدَه من غير مراعاة للطرق الأخرى يعتبر ضعيفًا لذاته. وأيضًا ستأتي رواية أخرى مخالفة لرواية عبد الوهاب هذه، حيث يرويها وُهَيْب عن خالد عن رجل عن عِراك عن عَمرة عن عائشة، به، مرفوعًا، وستأتي رواية كذلك لعبد الوهاب عن خالد الحَذَّاء عن عِراك بن مالك به، وهي منقطعة، كما سيأتي. وأما ما رواه أبو عوانة ومن وافقه، فسيأتي بيان الدارقطني وغيرُه لعلَّتها. الأمر الثاني المستفادُ من كلام البيهقي؛ أن الحديث من طريق علي بن عاصم مستقيمُ الإسناد، وأن حمادًا تابعه على ذلك أيضًا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولكن عَليَّ بن عاصم المذكور قال فيه الذهبي: حافظ مشهور، ضعفوه/ المغني في الضعفاء 5/ 42، واقتصر في الكاشف على قوله: ضعفوه/ الكاشف 2/ 288 وقال ابن حجر في التقريب: صدوق، يخطيء ويصر، ورُمي بالتشيع/ التقريب 2/ 39. ومجمل أقوال الأئمة فيه قريبة من ذلك/ انظر تهذيب التهذيب 7/ 344 - 346. وعليه يكون الحديث من طريقه ضعيفًا. أما حَمادُ بنُ سَلَمة، فهو ثقة عابد، وقد تغير حفظه بآخره/ التقريب 1/ 197. فبمتابعته لعلي يتقوى الحديث، ويمكن ترقيه بمجموع طريقيهما لدرجة الصحيح لغيره، ولعل هذا مقصود البيهقي وغيره ممن صحح الحديث أو حسنه كما سيأتي؛ ولكن هذا لا يتم إلا إذا سَلِم باقي السند بطريقيه من الانتقادات الأخرى التي تقدح فيه، كما سنفصله بعد قليل. ومتابعة حماد، ورواية عبد الوهاب اللتان أشار إليهما البيهقي، قد تقدم تخريجهما من عند الإمام أحمدَ وغيره. أما رواية أبي عوانة التي أشار إليها البيهقي أيضًا فأخرجها الدارقطني من طريق أبي عَوانة عن خالد الحذاء عن عِراك بنِ مالك عن عائشة، مرفوعًا بلفظ: "فأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بموضع خلائه أن يُستقبَل به القبلة" وقال الدارقطني عقبهُ: "بين خالد وعراك، خالدُ بن أبي الصلت"/ سنن الدارقطني 1/ 59، يعني وهُو لم يُذكر هنا في رواية أبي عوانة هذه، فتكون منقطعة، وسيأتي أيضًا قول العلائي: إن عدم ذكر ابن أبي الصلت، وَهْم من بعض الرواة عن الحذاء. ثم أخرج الدارقطني الحديث من طريق القاسم بن مطيب عن خالد الحذاء قال: كانوا عند عمر بن عبد العزيز فقال: ما استقبلتُ القبلة بغائط مذ كنت رَجُلًا -وعِراك بنُ مالك عنده- فقال عراك: قالت عائشة: بَلغَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن قومًا يكرهونه، فأمر بمقعدته فَحُوِّلَت إلى القِبلة. وقال الدارقطني عَقبهُ: وهذا مِثلُه، يعني مثلَ رواية عوانة لسابقة في عدم ذكر خالد بن أبي الصلت في إسناده. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثم قال الدارقطني: تابعه يحيى بن مطر عن خالد، وأخرج متابعة يحيى هذا للقاسم، وذلك من طريق يحيى عن خالد الحذاء عن عِراك بنِ مالك عن عائشة قالت: سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوم يكرهون أن يستقبلوا القبلة بغائط أو بول، فحول مقعدته إلى القبلة. وقال الدارقطني عقبه: هذا القول أصح. السنن 1/ 59. ولم يتضح لي مراده بقوله: هذا القول أصح، إلا بمعنى أن رواية الحديث بلفظ الحكاية لفعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فقط -كما في تلك الرواية- أرجح من روايته بلفظ قوله: "حَوِّلُوا مقعدتي" ونحوه، كالروايات القولية المتقدمة والآتية. ثم أشار الدارقطني إلى مخالفة إسناد الرواة الثلاثة المتقدمين لإسناد غيرهم ممن شاركهم في رواية الحديث عن خالد الحَذَّاء، فقال: هكذا رواه أبو عوانة والقاسم بن مُطَيب، ويحيى بن مطر: عن خالد الحَذَّاء عن عِراك. ورواه علي بن عاصم وحمادُ بن سلمة،: عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك، وتابعُهما عبدُ الوهاب الثقفي؛ إلا أنه قال: عن رجل/ السنن 1/ 59. ثم ساق الدارقطني رواية كل من: علي بن عاصم وحماد، وعبد الوهاب. أما رواية علي فأخرجها من طريقه خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصَّلَت عن عِراك بن مالك قال: حدثتني عائشة قالت: لما بَلغَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قول الناس في ذلك أمر بمقعدته فاستقبل بها القبلة. وقال الدارقطني عقب تلك الرواية: هذا أضبط إسناد، وزاد فيه "خالد بن أبي الصلت" وهو الصواب/ سنن الدارقطني 1/ 60. أما رواية حماد فأخرجها من طريقين عنه، إحداهما عن وكيع عن حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك بن مالك عن عائشة، بمثل رواية علي بن عاصم المتقدمة. ثانيهما: عن يحبى بن إسحاق عن حماد بن سلمة عن خالد الحَذَّاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك بن مالك عن عائشة قالت: خرج النبي -صلى الله عليه وسلم- وهم يذكرون كراهية استقبال القبلة بالفروج فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- قد فعلوها؟ حولوا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مقعدتي إلى القبلة، قال الدارقطني: وهذا مِثلُه/ السنن 1/ 60. يعني مثل رواية وكيع. ثم أخرج رواية عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن رجل عن عِراك عن عائشة، مرفوعًا بنحو رواية ابن أبي شيبة المتقدمة/ السنن 1/ 6 ح 8. وما قرره الدارقطني من أن أضبط إسناد لهذا الحديث، هو رواية علي بن عاصم عن خالد الحَذَّاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك حدَّثتني عائشة، به، مرفوعًا، هذا يلتقي مع قول البيهقي السابق: إن هذا إسناد مستقيم، مع متابعة حماد لِعَلي على هذا، وقد قَدمتُ أن استقامة هذا الإسناد ومُتابعِه لا يتمان إلا بعد انتفاء بَاقي الانتقادات الموجهة إليه وإلى متابعاته، وانتقاء الانتقادات غيرُ متحقق كما سيجيء. وقد أخرج أبو بكر الباغَنْدِي الحديث عن جعفر الطيالسي ثنا يحيى بن معين ثنا عبد الوهاب الثقفي عن خالد الحَذاء عن عِراك بنِ مالك عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بخلائه أن يُستقَبل به القبلة، وأن الناس يكرهون ذلك/، مسند عمر بن عبد العزيز، للباغندي/ ص 216 - ص 219 ح 99، وفي هذه الرواية ما قرره الدارقطني فيما تقدم من الانقطاع بين خالد الحذاء وبين عِراك. وأخرج الحازمي الحديث من طريق الدارقطني بسنده عن علي بن عاصم، به، كما تقدم ثم قال: تابعه -يعني تابع عليًا- حمادُ بنُ سلمة وعبد الله بن المبارك، ثم قال: وفي هذا الحديث كلام كثير أشرت إلى بعضه في مُسند المهذب/ الاعتبار - الطهارة - باب النهي عن استقبال القبلة والاختلاف فيه/ 39. أقول: ومتابعة حماد قد تقدم تخريجها من عدة مصادر؛ لكني لم أقف على متابعة ابن المبارك التي أشار إليها الحازمي، كما لم أقف على كتابه "مسند المهذب" وهو في تخريج أحاديث المهذب، في الفقه الشافعي لأبي إسحاق الشيرازي، وذَكر الذهبي أن الحازمي لم يُتم هذا الكتاب/ تذكرة الحفاظ 4/ 363، 1364. وما أشار إليه الحازمي من الكلام الكثير لا هذا الحديث، قد تقدم بعضُه خلال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تخريجه، وكذا سبق كلام البيهقي والدارقطني عنه، وسيأتي ذكر الشارح في الأصل بعض الكلام عنه، ولكني سأجمل القول فيه هنا عقب تخريج طرقه السابقة ليكتمل بيان حال الحديث في موضع واحد، ثم أحيل عليه ما سيأتي في الأصل بإذن الله. وقد جاء في العلل للدارقطني: أنه سُئل عن حديث عِراك بن مالك عن عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذُكِر له أن ناسًا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: استقبلوا بمقعدي القبلة، فقال الدارقطني: يَرويه خالد الحَذَّاء، واختُلِف عنه:- فرواه حماد بن سلمة، وهُشيم وخالد الواسطي، وخالد بن يحيى السدوسي وعلي بن عاصم، عن خالد الحذاء عن (ابن) أبي الصلت عن عِراك بن مالك -لم يَذكُر بينهما أحدًا- والصحيح قول حماد بن سلمة ومَن تَابَعه/ العلل للدارقطني 5 / ل 95 مسند عائشة. وقول الدارقطني هذا يلتقي مع ما تقدم عنه من أن أضبط إسناد للحديث هو طريق عَلي بن عاصم وحماد بن سلمة، كلاهما عن خالد الحَذَّاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك عن عائشة، مرفوعًا، وكذا قَولُ البيهقي أيضًا: إن عليًا وحمادًا قد أقاما إسناد الحديث، وبهذا آخذ من صحح الحديث أو حَسَّنه مرفوعًا كما سيأتي. لكن العلماء قد انتقدوا طريق حماد هذه ومَن تابعهُ، وذلك من عدة وجوه، على النحو التالي: لَمَّا ذكر البيهقي ما تقدم من كون إسناد الحديث مستقيمًا من طريق عَلي وحَمَّاد، تعقبه ابن التركماني بإعلال البخاري لرواية حماد المشار إليها، وترجيح رواية الحديث من طريق آخر، موقوفًا على عائشة/ الجوهر النقي بهامش السنن الكبرى 1/ 92، 93، ويتجه هذا التعقيب أيضًا إلى كلام الدارقطني المتقدم؛ لالتقائه مع كلام البيهقي، وسيأتي تفصيل إعلال البخاري لرواية حماد هذه، وترجيحه. أما رواية علي بن عاصم فتقدم مِنْ بيان حاله ما يقتضي أن روايته بمفردها ضعيفة كما قدمت. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ثم إن ابن حزم بعد أن ذكر الحديث عن عائشة مرفوعًا قال: إنه ساقط، وعلل سقوطه بأمرين: أولهما: إن في إسناده خالد بن أبي الصلت، وقال ابن حزم فيه: وهو مجهول لا يُدرَي من هو؟ ثانيهما: إن عبد الرازق الصنعاني أخطأ في إسناده، فرواه عن خالد الحذاء عن كثير بن الصلت، وخالد لم يُدرِك كثير بن الصلت/ المحلى - الطهارة 1/ 260 - 264، أقول: وهذه الرواية لم أقف عليها، لا في مصنف عبد الرازق في مَظِنَّتها ولا في غيره من المصنفات المتعددة التي يلاحِظ القاريءُ تخريجي للحديث منها. وقد نقل وَليُّ الدين ابن العراقي قولَ ابن حزم بعدم إدراك خالد لكثير بن الصلت وأقره/ تحفة التحصيل/ لولي الدين ابن العراقي ق 162 أ. وقال ابن المنذر: ودفع أبو ثور حديث عائشة بأن قال: خالد بن أبي الصلت ليس بمعروف الأوسط 1/ 326. ويمكن الجواب عن رواية عبد الرازق بوجود الطرق الأخرى للحديث غير تلك التي عزاها ابن حزم إلى عبد الرزاق. وأما قول ابن حزم: إن خالد بن أبي الصلت مجهول، ومثله قول أبي ثور، فهذا مردود عليه بأنه قد عَرَفه ووثقه غيرهما، ومنهم من شاهده وخالطه، مثل تلميذه سفيان بن حُسين حيث قال: كنا نأتي خالد بن أبي الصلت - وكان عينًا لعمر بن عبد العزيز بواسِط وكان له هيئة، فأتيناه، يومًا وقد مَرِض، وإذا تحته شَاذّ كُونيَّة خَلِقة من متاع رَث فقلنا له في ذلك، فقال: إنكم كنتم تأتون وأنا في حال دُنيا، فكنت في هيئة الدنيا، وإنكم الآن أتيتموني وأنا في حال الآخرة، فَأنا على تلك الحال/ تاريخ واسط لأسلم بن سهل، المعروف ببحشل/ 141. أقول: فهذا الكلام من تلميذ خالد، شهادة عينية على عدالته، وكذا اتخاذ عمر بن عبد العزيز له عَينًا يدل على أنه عنده عَدْل مؤتمن موثَّق في دينه ومروءته، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أما في جانب الرواية، فقد قال عنه ابنُ مُفَوز: هو مشهور بالرواية، معروف بحمل العلم، وأيضًا فإنه قد رَوى عن غير واحد، منهم عمر بن عبد العزيز، وروى عنه كذلك غير واحد منهم سفيان بن حُسين وقد تقدم قوله: كُنا نأتي خالد بن الصلت، فهذا يدل على تعدد مَن كان يتردد عليه من طلاب العلم وغيرهم، وقد ذكره ابن حِبان في الثقات/ تهذيب التهذيب 3/ 97، 98 والتمهيد 1/ 311 وأيضًا سيأتي عن الإمام أحمد وصف الحديث من طريقه بأن مَخرجَه حَسن، وإن كان غير متصل الإسناد/ التمهيد 1/ 309، 310 وشرح العلل لابن رجب 1/ 311، 312، المَخْرَج هم رواة الحديث عمومًا؛ أو مَن عليه مدار الإسناد منهم، ولما كان مدار الإسناد المذكور على خالد هذا، فيعتبر قول أحمد هذا مقويًا لحاله أيضًا، وما جاء في تهذيب التهذيب 3/ 98 عنه. أنه قال: ليس معروفًا، فهو متجه إلى اتصال الإسناد بسماع عِراك من عائشة، يعني أن هذا الاتصال ليس معروفًا، ويؤيد ذلك ما نُقل عقب هذه العبارة من قول ابراهيم بن الحارث: أنكر أحمد قول من قال: عراك سمعتُ عائشة ... الخ/ التهذيب/ الموضع السابق؛ ولهذا فإن ابنَ المنذر نقل قول أحمد هذا بتحسين مَخرج الحديث في معارضة القول بجهالة ابن أبي الصلت، فبعد ذكره لقول أبي ثور: إن أبا الصلت ليس بمعروف، قال: وقال أحمد بن حنبل: أما من ذهب إلى حديث عائشة فإن مخَرجَهُ حَسن، ثم قال: غَيرُ أحمد: خالد معروف، قد روى عنه خالد الحذاء، والمبارك بن فضالة وواصل مولى أبي عُيينة/ الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، لأبي بكر بن المنذر - بتحقيق د. أبو حماد صغير 1/ 326. أما الذهبي فإنه ذكر في الميزان توثيق ابن حبان له، ثم قال: وما علمت أحدًا تعرض إلى لِينه/ الميزان 1/ 632 وحزم في الكاشف بأنه ثقة 1/ 270؛ لكن قال في المجرد لرجال ابن ماجه: إنه "وُثَق"/ ق 30 وهذه عبارة تشير إلى وجود قول آخر بتضعيفه، فلعل الذهبي وقف على ذلك بعد قوله السابق في الميزان. وقد ذكر ابن حجر أن عبد الحق الإِشلبيلي قال عن خالد هذا إنه: ضعيف/ تهذيب التهذيب 3/ 98، ثم قال ابن حجر عنه في التقريب: مقبول 4/ 211، وهذا يفيد عِنده ضعف الموصوف بهذا، ما لم يتابعه غيره/ انظر تقريب التهذيب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1/ 5، وقد تبع الحافِظَ في ذلك صاحب تراجم الأحبار من رجال شرح معاني الآثار 1/ 399. وبالتأمل فيما قدمته عن خالد هذا من كلام تلميذه سفيان بن حسين، واعتماد عمر بن عبد العزيز عليه في تعرف أحوال الرعية ونحوها، ثم تحسين الإمام أحمد لمَخرجَ الحديث عمومًا، واعتماد ابن المنذر لذلك، ثم نقله عن غير أحمد القول "بدفع الجهالة" لتعدد الرواة عنه، ثم توثيق ابن حبان والذهبي له، مع شهرته بالرواية تحملًا وأداء، كل ذلك إذا وضعناه في مقابل التضعيف المُجْمَل من ابن عبد الحق، نجد أن الأنسب لحال خالد بن أبي الصلت أنه في مرتبة من يعد حديثه حسنًا لذاته. لكن توثيق خالد ورد جهالته، لم يمنع من إعلال حديثه هذا من بعض النواحي الأخرى؛ فالذهبي مع توثيقه لخالد -كما تقدم- قال في نفس ترجمته عن الحديث: لكن الخبر منكر، وفصَّل أكثر، فقال: تفرد به -أي عن خالد بن الصلت- به خالد الحَذّاء، وهذا حديث منكر، وتارة رواه الحذاء عن عِراك، مدلَّسًا، وتارة يقول: عن خالد عن رجل عن عِراك/ الميزان/ 1/ 632. وذكر العلائي أن رواية الحديث عن خالد الحذاء "عن عراك، وَهْمُ من بعض الرواة عنه؛ لأن بينهما خالد بن أبي الصلت، وهو صاحب القصة مع عمر بن عبد العزيز، وقول عراك -يعني للحديث- حينئذ/ تحفة التحصيل ق 162 أ. وسيأتي عن أحمد أيضًا أنه مع تحسين مَخرجَ الحديث أعله بالإرسال. وقد تقدم قول الدارقطني أيضًا: إن خالد بن أبي الصلت بَيْن خالد الحذاء وبَين عِراك، وتقدم أيضًا في بعض طرق الحديث عن حماد بن سلمة عند أحمد، وجود عمر بن عبد العزيز بين خالد بن أبي الصَّلْت وبَيْن عِراك/ انظر مسند أحمد 6/ 239. وبهذا كله وبغيره مما سيأتي يتضح أن في سند الحديث اختلافًا بالقطع والوصل، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حتى حكم البخاري باضطراب سنده مرفوعًا، كما سيأتي. وما قرره العلائي من أن خالد بن أبي الصلت هو صاحب القصة، إشارةٌ إلى ما تقدم في التخريج لروايات الحديث من اجتماع خالد بن أبي الصلت مع عِراك بن مالك في مجلس عمر بن عبد العزيز، وتحديث عِراك للحاضرين في المجلس بالحديث المذكور، ومنهم خالد بن أبي الصلت. لكن البخاري قرر أن رواية خالد بن أبي الصلت هذا عن كُل من عِراك وعمر بن عبد العزيز صاحب المجلس المذكور تعتبر مرسلة -يعني منقطعة-، ويَعتبر أن الروايات المتقدمة في التخريج، والتي جاء فيها قصة مجلس عمر بن عبد العزيز الذي جمعه هو وخالد بن أبي الصلت وعِراك بن مالك وتحديثه حينئذ بهذا الحديث مرفوعًا، تعد روايات مضطربة الإسناد، وأن الصواب هو رواية الحديث بإسناد آخر عن عائشة موقوفًا عليها. فقد قال في تاريخه الكبير: خالد بن أبي الصلت، عامل عمر بن عبد العزيز، عن عمر بن عبد العزيز، وعراك بن مالك، مرسل. ثم قال: قال موسى [يعني بن اسماعيل]: حدثنا حماد عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصَّلْت: كُنّا عند عمر بن عبد العزيز، فقال عِراك بن مالك: سمعت عائشة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: حَولوا مقعدي إلى القبلة -بفَرجه. وقال موسى: حدثنا وُهَيبٌ عن خالد عن رجل، أن عِراكًا حدث عن عَمرة، عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال: وقال ابن (بكر): حدثني بكر -يعني ابن مُضر- عن جعفر بن ربيعة عن عِراك عن عروة أن عائشة كانت تنكر قولهم: لا تستقبل القبلة، وهذا أصح/ التاريخ الكبير 3/ 155، 156، وقد نقل غيرُ واحد من العلماء ذلك عن البخاري وأقروه/ انظر تحفة الأشراف 11/ 488 وتهذيب الكمال 1/ 356، 357 وتهذيب التهذيب 3/ 97، 98 والجوهر النقي في الرد على البيهقي لابن التركماني - بذيل السنن الكبرى 1/ 92، 93. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ويلاحظ على ما ذكره البخاري من رواية وُهَيب عن خالد (يعني الحذاء) عن رجل، أنها تخالف ما تقدم ذكره من رواية عبد الوهاب الثقفي عن خالد عن رجل، أيضًا، حيث نجد في رواية وهَيب ذكر "عمرة" بين عِراك وبين عائشة، ولا نجد واسطة بينهما في رواية عبد الوهاب، وبذلك تكون الرواية عن الحَذّاء قد اختلَفتَ بذكر الواسطة وعدم ذكرها، وهذا من مظاهر الاضطراب في إسناد الرواية المرفوعة، كما وصفه البخاري بذلك فيما سيأتي. فقد أخرج الترمذي الحديث في علله الكبير عن علي بن خَشرم عن عيسى بن يونس عن أبي عبد الله عن خالد الحذاء عن عِراك بن مالك عن عائشة بنحوه مرفوعًا، ثم قال: ورواه حماد بن سلمة عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك بن مالك، قالت عائشة، به مرفوعًا، مع ذكر قصة اجتماع خالد بن أبي الصلت وعِراك بن مالك حين حدَّث بهذا الحديث في مجلس عمر بن عبد العزيز، ثم قال الترمذي: فسألت محمدًا [يعني البخاري] عن هذا الحديث فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح عن عائشة قولُها/ ترتيب علل الترمذي الكبير، لأبي طالب القاضي/ ل 3. ومجموع كلامَيْ البخاري والترمذي يفيد تضعيف روايات الحديث المرفوعة، لاضطراب طرقها اتصالًا، وانقطاعًا، واعتماد روايته موقوفًا على عائشة للسلامة من ذلك. والذي يبدو أن الاضطراب بالاتصال، والانقطاع ليس شاملًا لرواية خالد بن أبي الصلت عن عِراك كما هو مقتضى وصف البخاري لها فيما تقدم بالإرسال، ثم بالاضطراب، وإنما الاضطراب والإرسال في رواية عِراك عن عائشة، وذلك لأن الرواية الأولى مما ذكره البخاري في تاريخه جاء فيها خالد بن أبي الصلت بين خالد الحذاء وبين عِراك، والرواية الثانية فيها خالد، وهو الحذاء عن رجل عن عراك، فتحمل الثانية على الأولى، ويكون الرجل المبهم في الثانية هو خالد بن أبي الصلت المصرح به في الأولى، ويؤيده قول الدارقطني والعلائي فيما تقدم: إن الذي بين خالد الحَذّاء وعِراك، هو خالد بن أبي الصَّلْت. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وكذلك الإمام أحمد -وهو ممن يتمسك في اتصال السند بثبوت السماع- لم ينف اتصال رواية خالد بن أبي الصلت عن عراك، وإنما نفى اتصال رواية عِراك عن عائشة، فقال: إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها/ تهذيب التهذيب 3/ 98، فقوله: إنما هو عِراك عن عروة عن عائشة، يعني موقوفًا، كما مر عن البخاري، وكما سيأتي عن غيره، وبذلك اعتبر الإمام أحمد رواية الحديث عن خالد الحذاء عن خالد بن أبي الصلت عن عائشة مرفوعًا، منقطعة في موضع واحد بين عراك وبين عائشة فقط. ثم إن ما تقدم عن البخاري يفيد موافقته لأحمد على عدم الاتصال بين عراك وبين عائشة؛ لأنه أورد رواية حماد بن سلمة المصرح فيها بسماع عِراك من عائشة، ضمن روايات الحديث المعلولة، وأيضًا الإمام أحمد قد نفى سماع عِراك منها، مع تخريجه في المسند -كما تقدم- للرواية المصرح فيها بسماعه منها، وذلك من طريق علي بن عاصم، وقد أجاب أحمد عن ذلك في حوار له مع تلميذه ابن هانئ الأثرم، وذلك لما ذكر هذا الحديث من طريق خالد بن أبي الصلت عن عِرَاك بن مالك عن عائشة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، به قال الأثرم: قال أحمد بن حنبل: أحسن ما في الرخصة حديث عائشة، وإن كان مرسَلا، فإن مَخرَجَه حسن، قال ابن هانئ: قلت له: فإن عِراكًا يرويه مرَة، ويقول: سمعت عائشة، قال ابن هانئ: فأنكره، وقال: عِراك بن مالك من أين سمع عائشة؟ ما لَه ولِعَائشة؟، إنما يروى عن عروة عنها، هذا -يعني ذِكْرَ السماع- خطأ، ثم لم يكتف الإمام أحمد بذلك، بل قال لابن هانئ: من روى هذا؟ -يعني سماعَ عِراك منها- قال ابن هانئ: قلت: حمادُ بن سلمة عن خالد الحذاء. فقال أحمد: رواه غير واحد عن خالد الحذاء، ليس فيه: "سمعْتُ"، وقال غير واحد أيضًا: عن حماد بن سلمة، ليس فيه: "سَمعْتُ"، وقد نقل ابن أبي حاتم وغيره هذا الحوار بين ابن هانئ وشيخه أحمد، وأقره معظمهم، ومَن عارَضَة سيأتي الجواب عنه/ انظر المراسيل 162، 163 وانظر شرح العلل لابن رجب 1/ 367 - 372، وتهذيب التهذيب 3/ 98 ونصب الراية - الصلاة - باب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ما يفسد الصلاة وما يكره فيها 2/ 106 حديث 99 والتمهيد 1/ 309، 310. وبالتأمل في كلام الإمام أحمد هذا نجده قد ضعف الحديث بما أراد غيره تصحيحه به، وذلك أن خلاصة ما تقدم من كلام الدارقطني والبيهقي والحازمي: أن رواية الحديث من طريق حماد بن سلمة متصلة برواية الثقات، وإن تفاوتت درجة توثيقهم - ثم اعتبروا مَن شارك حمادًا في رواية الحديث بسنده المتقدم، متابعين له على وصل رواية عِراك عن عائشة، وبذلك يتجه الحكم بصحة الإسناد أو حسنه مرفوعًا، عند من قال به. أما الإمام أحمد فيخالفهم في كلا الأمرين، حيث يقرر لابن هانئ أن مَن شاركوا حمادًا في رواية الحديث، ليس كلهم، ولا أكثرهم متابعين له في الواقع؛ بل كثير منهم خالفوه بعدم ذكرهم لما ذكره هو من سماع عِراك لعائشة، الذي هو محل النزاع، وهو النص الصريح في اتصال السند؛ بل ولم يذكروا ما يقوم مقامه، كالتحديث أو الإخبار، وبالتالي يكون ذكر حماد للسماع هو وبعض المشاركين له في الرواية مرجوحًا؛ لمخالفة الكثيرين له، هذا ما يُفهم من قول الإمام أحمد السابق: "رواه غيرُ واحد -[يعني غيرَ حماد]- عن خالد الحذاء، ليس فيه "سَمِعْت" يعني بين عِراك وعائشة، وقبل ذلك قال عن السماع من طريق حماد: هذا خطأ. ثم أضاف الإمام أحمد أمرًا آخر تضعف به رواية حماد في حَدِّ ذاتها، وهو أن الرواة عن حماد قد اختلفوا عليه، فبعضهم ذكر السماع المتنازع فيه، وغير واحد لم يذكروه، فكأن من ذكره من الرواة عنه، قد شَذَّ بذكره، لمخالفة الكثيرين له، هذا ما يُفهم قول الإمام أحمد: وقال غير واحد أيضًا: عن حماد بن سلمة، ليس فيه: "سَمِعْت"، يعني بين عراك وعائشة، كما تقدم. أقول: ومن يراجع ما أسلفت في تخريج الحديث، يجد مصداق كلام الإمام أحمد -رحمه الله-، فقد وقفتُ على رواية ثلاثةٍ ممن تابعوا حمادًا -غيرِ علي بن عاصم- وهؤلاء الثلاثة هم: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1 - عبد العزيز بن المغيرة المِنْقَري، وقد قال فيه أبو حاتم الرازي: صدوق، لا بأس به، وأقره ابن حجر/ تهذيب التهذيب 6/ 203، والتقريب 1/ 513، وروايته تقدم تخريجها من زوائد أبي الحسن بن سلمة على روايته لسنن ابن ماجه. 2 - عبد الوهاب الثقفي، وتقدم أنه ثقة تَغيَّر قبل وفاته بثلاث أو أربع سنوات، فَحُجب عن الرواية ص 630 ورواية عبد الوهاب تقدم تخريجها من مسند أحمد ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما. 3 - أبو عبد الله -ولم أهتد لمعرفة اسمه- وقد تقدم تخريجُ روايته من علل الترمذي الكبير. ولم يَذكر أيٌّ من هؤلاء الثلاثة ما ذَكره حماد بن سلمة من سماع عِراك من عائشة، ولا ما يقوم مقامه في إفادة الاتصال. أما رواة الحديث عن حماد فيما تقدم تخريجه فعددهم تسعة، وهم: أبو كامل الجَحْدري ووكيع بن الجراح، وبَهز بن أسد، ويزيد بن هارون، وأبو داود الطيالسي، وحجاج بن المنْهال، وأسد بن موسى، ويحيى بن إسحق، وموسى بن إسماعيل. ولم يُذكَر سماع عِراك من عائشة إلا في رواية موسى بن اسماعيل فقط، وقد أتبعها البخاري برواية أخرى لموسى نَفْسِه عن غير حماد، وفيها ذكر "عَمْرة" بين عِراك وعائشة، كما تقدم، فاختلَفَتْ روايته كما ترى، وقد ضَعَّف البخاري كِلْتا الروايتين بالاضطراب كما تقدم، وقد خالف موسى الأكثرون المشاركون له في رواية الحديث عن حماد، كما ترى، حيث لم يذكروا ما ذكره من سماع عراك لعائشة، وبالتالي يُعد ذِكْرة للسماع شاذًا؛ لمخالفة الأكثرين له. وأيضًا تقدم أن رواية يزيدَ بنِ هارون قد اختلِفَ عليه فيها، فرواها عَليٌّ بن شيبة عن يزيد عن حماد، وفيها ذكر "عروة" بين عراك وبين عائشة، ورواها الإمام أحمد عن يزيد عن حماد، بدون ذكر "عروة"، وتقدم أن رواية أحمد هي الراجحة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وبمقتضى تلك المخالفة في ذكر سماع عِراك لعائشة، سواء ممن شاركوا حمادًا في رواية الحديث عن الحذاء، أو ممن رووه عن حماد نفسِه، رجَّح الإمام أحمد انقطاع إسناد الحديث مرفوعًا على الاتصال والسماع، واعتبر ذِكْرَ السماع خطأ ممن ذكره، ويؤيده ما تقدم عن البخاري وما سيأتي عن غيره. ولا ينافي هذا ما جاء عن أحمد نفسِه في صدر كلامه السابق، من أن "الحديث من طريق خالد بن أبي الصلت عن عِراك عن عائشة مرفوعًا، "هو أحسن ما رُوِي في الرخصة -وإن كان مُرسلًا- فإن مَخرجَه حسن"، وذلك لأنه قد أبقاه على انقطاعه، وقَصر التحسين على حال رواته فقط كما هو واضح من تقييده الحُسْن بالمَخْرَج، وهُم الرواة، أو مَن عليه مدار الحديث منهم -كما تقدم. وقد ذكر ابن رجب أن الإمام أحمد يعنى بالإرسال: أن عِراكًا لم يسمع من عائشة، ثم أراد ابن رجب توجيه تحسين أحمد للحديث، فقال: فلعله حَسَّنه؛ لأن عِراكًا قد عُرِف أنه يَروى حديث عائشة عن عروة عنها/ شرح العلل 1/ 312. أقول: قول ابن رجب: "لَعله حسنه ... الخ" يُشير إلى عدم جَزمه بذلك، ومقتضى ما ذكره أن أحمد قد حَسَّن الحديث مرفوعًا باعتبار بعض الطرق الأخرى الموصولة بذكر "عروة" بين عِراك وبَين عائشة، أي أنه حسنه لغيره على الاصطلاح؛ لكن هذا يُعكر عليه ما ذكره البخاري آنفًا، وما سيأتي أيضًا عن غيره، من أن الروايات الموصولة بذكر عُروة بين عراك وبين عائشة، الراجحُ منها هو الموقوف على عائشة وليس المرفوع، ومن جهة أخرى فإن أحمد نفسَه قد تقدم ترجيحه لانقطاع المرفوع وتخطئة مَن وَصلَه، فلا يتجه اعتمادُه له في تحسين الحديث، وتقدم أيضًا أن الرواية المرفوعة التي فيها ذِكْر "عروة" تعد شاذَّة، ولهذا فالأولى تفسير الحُسْن في كلام الإمام أحمد بغير الحُسن الاصطلاحي، كما فُسِّر قوله، وقول غيره: "أصح ما في الباب كذا" بغير الصحة الاصطلاحية، فقد سأل أبو داود أحمد: أي حديث أصح في: أفطر الحاجم والمحجوم؟ "، قال: حديث ابن جُريج عن مكحول عن شيخ من الحي عن ثوبان/ الاعتبار للحازمي/ ص 140، وهذا الإسناد فيه مجهول كما ترى"، فهو ضعيف، فيكون قوله: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = "أحسن ما رُوي في الرخصة" أي أمثل الضعيف المروي مرفوعًا في هذا أو أقواه، وذلك بالنظر إلى حال رواته، دون اتصال سنده، بدليل قوله: "وإن كان مُرسَلًا، فإن مَخَرجَه حَسن". وبذلك يتفق قوله بالتحسين للحديث مرفوعًا، مع ترجيحه لانقطاعه، ويلتقي أيضًا مع باقي الآراء المرجحة لوقف الحديث، على رفْعهِ عمومًا، كما سنذكره. وسيأتي للمؤلف أيضًا صَرْف التحسين في كلام أحمد هذا عن الحُسن الاصطلاحي إلى حُسْن الاستدلال بمتنه؛ لتصريحه بالحكم المتنازَع فيه، وهو التفريق بين الأبنية وبَينَ غيرها/ انظر ص 691. ويتفق مع الإمام أحمد والبخاري في تقرير انقطاع رواية عِراك عن عائشة: موسى بن هارون حيث قال: لا نعلم لِعِراك سماعًا من عائشة/ تهذيب التهذيب 7/ 174، وكذا رجح انقطاعَه المؤلفُ وغيرُه، كما سيأتي في الأصل ص 684، 692، 685. لكن الإمام ابن دقيق العيد عارض هُو وغيرُه القولَ بانقطاع الاسناد بين عراك وبين عائشة، فذكر ابن دقيق العيد: أنه وإن كان لِعرِاك أحاديث عديدة عن عروة عن عائشة؛ ولكن لقائل أن يقول: إذا كان الراوي عن [عِراك] قولَه: "سمعْتُ" ثقة، فهو مقدم؛ لاحتمال أنه لقي الشيخَ بعد ذلك فحدَّثه، إذا كان ممن يمكن لقاؤه، وقد ذكروا سماع عِراك من أبي هريرة، ولم ينكروه، وأبو هريرة تُوفي هو وعائشةُ في سنةٍ واحدة، فلا يبعد سماعهُ من عائشة، مع كونهما في بلدة واحدة، ولعل هذا هو الذي أوجب لسلم أن أخرج في صحيحه حديث عِراك عن عائشة من رواية يزيد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن عِراك عن عائشة: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها (الحديث) -وسيأتي تخريجه- ثم قال ابن دقيق العيد: وبعد هذا كلِّه، فقد وقعت لنا رواية صريحة بسماعه من غير جهة حماد بن سلمة التي أنكرها أحمد، أخرجها الدارقطني عن علي بن عاصم ... ، وذكر الحديث كما تقدم تخريجه/ انظر نصب الراية - الصلاة 2/ 107، 108 ح 99. أقول وقد ذكر الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- رواية حماد بن سلمة من تاريخ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = البخاري كما تقدمَت، ثم حذف إعلال البخاري لها!، ثم ذكر خُلاصة كلام ابن دقيق العيد المتقدم، واعتبر مجموع الأمرين تحقيقًا علميًا نادرًا تَوصل به إلى تصحيح الحديث بسند متصل بالسماع الثابت، وعلى شرط مسلم/ هامش المحلي لابن حزم/ الطهارة 1/ 261 - 264. وما ذكره ابن دقيق العيد قد سبقه إلى نحوِه الحافظ رشيد الدين أبو الحسين العطار، ما عدا ذكر رواية علي بن عاصم، وقد نَقل المؤلف في الأصل كلامه كما سيأتي قريبًا، ومقصود الرشيد العطار بما ذَكَر الجوابُ عن إيراد مسلم لحديث عِراك بن مالك عن عائشة في صحيحه/ انظر غُرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، لأبي الحسين يحيى بن علي، المعروف بالرشيد العطار/ ق 15 ب، نسخة برلين. أما الحافظ شهاب الدين البوصيري فإنه قد ذكر ما تقدم من إعلال البخاري لرواية الحديث مرفوعًا، وترجيح رواية الوقف، ثم قال: وهذا الذي علَّل به البخاري، ليس بقادح؛ فالإسناد الأول -يعني إسناد حماد بن سلمة عن الحذاء عن ابن أبي الصلت عن عراك عن عائشة- حَسن، رجالُه ثقات معروفون، وقد أخطأ من زعم أن خالد بن أبي الصلت مجهول، ثم قال: وأقوى ما عُلِّل به هذا الخبر: أن عِراكًا لم يسمع من عائشة، نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم/ مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه للبوصيري، بتصحيح الكشناوي - الطهارة - باب الرخصة في ذلك 1/ 47. ومجموع ما تقدم عن ابن دقيق العيد وأبي الحسين العطار، والبوصيري والشيخ أحمد شاكر -رحمهم الله- لا ينهض مُستَندًا لتصحيح الحديث أو تحسينه، ويمكن الجواب عنه من وجوه: أحدها: أن الاسنادَ المذكور، مدارُه على خالد بن أبي الصلت، وقد تقدم أن حديثه في مرتبة الحسن فقط، لا الصحيح، وقد اقتصر البوصيري كما مر - على تحسين هذا الحديث فقط، وكذا جزم النووي بتحسينه في شرحه لمسلم 2/ 270 بهامش القسطلاني، وأما في شرح المهذب فجمع بين تحسينه والتنبيه على إعلال =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = البخاري له فقال: وإسناده حسن؛ ولكن أشار البخاري في تاريخه، في ترجمة خالد بن أبي الصَّلْت إلى أن فيه عِلة/ المجموع شرح المهذب مع فتح العزيز 2/ 78 - كتاب الطهارة. وبهذا لا يُسَلَّم القولُ بصحة الحديث -كما ذكر الشيخ أحمد شاكر- لا على شرط مسلم، ولا على شروط الصحة المذكورة في تعريف الصحيح عند المحدثين، وسيأتي ردُّ القولِ بتحسينه أيضًا. ثانيها: قول البوصيري: "رجال الحديث ثقات معروفون" يجاب عنه بأن ثقة الرواة لا تستلزم اتصال السند، ولا تغني عنه. وقول ابن دقيق العيد: "إنه إذا كان الراوي للسماع ثقة فهو مقدَّم" يجاب عن ذلك بأن تقديم ما يثبته الثقة ليس على إطلاقه، ولكنه مقيد بعدم وجود مُعارِض أرجح منه، بكونه أوثق أو أكثر عددًا، أو نحو ذلك من المرجحات؛ فإن وُجِد هذا المعارِض كان هو المعتمد، وكان ذكر السماع من الثقة مرجوحًا أو شاذًا، وهذا ما قرره الإمام أحمد عندما ذُكِر له وُرود السماع من طريق حماد بن سلمة، حيث أثبت معارضته بمن هو أرجح منه، لكثرته، وبالتالي شذوذ أو مرجوحية رواية حماد ومن وافقه قي إثبات السماع، ومن العروف أن من شروط الصحة والحُسن عند جمهور المحدثين السلامةَ من العلة ومن الشذوذ، المُعرَّف بأنه مخالفة الثقة بمن هو أرجح منه/ انظر النكت لابن حجر 1/ 236، 387 ونزهة النظر له أيضًا - زيادة الثقة/ 34، 35. ثالثها: ما ذكره البوصيري من أنه ثبت عند مسلم سماع عِراك من عائشة، فهذا غير مُسلَّم أيضًا؛ لأن الذي في صحيح مسلم روايته عنها بالعنعنة، كما سيأتي تخريج الرواية المشار إليها قريبًا، وانظر صحيح مسلم 4/ 2027 وسلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للشيخ ناصر الدين الألباني 2/ 357. ولهذا فإن ابن دقيق العبد والرشيد العطار قد وَجَّها إخراج مسلم لحديث عراك عن عائشة بأنه اعتمد على تعاصرهما وإمكان اللقاء، ولم يَذكُرا ثبوت السماع عنده صراحة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال العلائي أيضًا -بعد ذكر رواية مسلم المشار إليها-: والظاهر أن ذلك على قاعدته المعروفة/ تحفة التحصيل/ ق 176 أ. أقول: وينبغي التنبه إلى أن قاعدة مسلم التي أشار إليها العلائي، بجانب اشتراطها المعاصرة الممكن معها اللقاء، وعدم التدليس، تَشترِط أمرًا آخر، وهو عدمُ وجود دلالة بَيِّنة تنفي اللقاء أو السماع، كما سيأتي نقل المؤلف لذلك في كلام أبي الحسين العطار، وانظر أيضًا صحيح مسلم - باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن 1/ 29، 30، 33، وهذا الشرط غير مُتحقق هنا، حيث إن الإِمام أحمد والبخاري وغيرهما -كما تقدم- نفوا سماع عراك عن عائشة،/ ودلَّل الإمام أحمد على ذلك بشذوذ ومرجوحية الروايات التي جاء فيها ذكر السماع صريحًا. وقد أشار ابن القيم إلى ذلك، فقال: فإن قيل: قد روَى مسلم في صحيحه حديثًا عن عراك عن عائشة، قيل: الجواب: أن أحمد وغيرَه خالفه في ذلك، وبينوا أنه لم يسمع منها/ تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم مع معالم السنن 1/ 23. ومن جهة أخرى يجب التنبيه إلى أن إخراج مسلم لحديث عِراك عنها مع رجحان الانقطاع بينهما ليس بقادح في شرطه -عند التأمل-؛ وذلك لأن مسلمًا أخرج الحديث أولًا من طريقين بسند متصل عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عروة عن عائشة، ثم أَتْبعه برواية عِراك عن عائشة/ انظر صحيح مسلم - كتاب البر والصلة 4/ 2027 ح 147، 148، فهي متابعة للرواية الأولى، وليست هي الرواية الأصلية التي اعتمد عليها في تصحيح الحديث، والمتابعة والشاهد يُكتفَى فيهما بمثل هذه الرواية، ولا تقدح في صحة أصل الحديث من الطريق أو الطرق الأخرى. وبمثل هذا أجاب أبو الحسين العطار نفسه عن بعض الأحاديث التي أقر بأن مسلمًا رواها منقطعة في الشواهد، فقال: إذا كان الحديث ثابتًا متصلًا من وجه صحيح ثم رُوى من وجه آخر دونه في الصحة، وفي اتصاله نظر، فلا يؤثر ذلك في ثبوته واتصاله من الوجه الآخر/ المصدر السابق/ ق 14 أ. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وهذا الجواب عن إخراج مسلم لرواية عِراك هذه، أمتنُ من الجواب عنه بإمكان سماع عِراك من عائشة؛ لأنه أمر مرجوح، كما تقدم بيانه. وأما إثبات سماع عِراك من أبي هريرة فهو مُسوغ فقط لإمكان سماعه من عائشة؛ ولكن لا يستلزمه بالقطع، خاصة مع وجود معارض أقوى بالنفي. رابعها: وأيضًا ما ذكره ابن دقيق العيد في الرواية المصرحة بسماع عِراك من عائشة، وذلك من طريق علي بن عاصم، فيجاب عنه بما تقدم من تضعيفه من قِبَل حفظه، وقد كان مما انتُقِد عليه، أحاديث عن خالد الحَذَّاء، حتى أنكر الحذاء نفسه عددًا منها لما سُئل عنها، وكذبه فيها وحذَّر منه/ تهذيب التهذيب 7/ 344 - 347، ولم نجد لِعَلي هذا متابعةً سالمةً من الانتقاد، حتى يمكن تقويته بها، والاعتماد عليها، كما مرَّ بيانُه، ولم تكن روايته هذه خافيةً على الإمام أحمد الذي رجح الانقطاع؛ لأن عليا من شيوخه الذين عرفهم جيدًا، وقد سئل عن أخطائه فقرر أنها لا تنزل به إلى درجة المتروك؛ فلم ير بالرواية عنه بأسًا، وقد أخرج عنه هذا الحديث فِعلًا في المسند كما تقدم في التخريج، وبه يتعقب ابن معين في قوله: إن أحمد لم يُحدث عن عَلي هذا بشيء/ انظر تهذيب التهذيب 7/ 345، 347؛ لكن أحمد مع هذا رجَح انقطاع رواية عِراك عن عائشة كما تقدم، فَدل على عَدم اعتداده برواية على هذه مع وجودها عنده، وهو أخبر بشيخه من غيره. وكذلك البخاري الذي أخرج رواية حماد بن سلمة التي فيها تصريح عِراك بالسماع من عائشة؛ قد أعلها بترجيحه عليها الرواية الموقوفة على عائشة والتي فيها ذكر عروة بينهما وبين عِراك، كما تقدم. ولم ينفرد أحمد والبخاري بهذا، بل قرر ذلك أيضًا الحافظ ابنُ عساكر في تاريخه/ انظر سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة للألباني 2/ 356، وكذا قرره أبو حاتم الرازي، بعد فحصه وتتبعه بنفسه لطرق الحديث؛ فقد قال ولده: سألت أبي عن حديث رواه حماد بنُ سلمة عن خالد الحَذاء، عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك بن مالك قال: سمعت عائشة تقول: سمع النبي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = -صلى الله عليه وسلم- (الحديث) قال أبي: فلم أَزل أقفُو أثرَ هذا الحديث حتى كتبتُ بمصر عن إسحق بن بكر بن مضر (و) غيره عن بكر بن مُضر عن جعفر بن ربيعة عن عراك بن مالك عن عروة عن عائشة، موقوف -يعني أنها كانت تنكر قولهم: لا تُستَقْبلُ القبلة، ببول أو غائط، كما مر في رواية البخاري- قال أبو حاتم: وهذا أشبه/ علل الحديث لابن أبي حاتم - الطهارة 1/ 29 ح 50. وجاء في تهذيب التهذيب عنه أيضًا: أن من قال في هذا الحديث: عن عِراك سمعت عائشة، مرفوعًا، وَهِم فيه سندًا ومتنًا/ تهذيب التهذيب 3/ 98. وقال ابن القيم أيضًا عن رواية الحديث مرفوعًا: هذا حديث لا يصح، وإنما هو موقوف على عائشة، حكاه الترمذي في كتاب العلل عن البخاري، وقال بعض الحفاظ: هذا حديث لا يصح، وله علة لا يُدركُها إلا المُعْتَنُون بالصناعة، المعانون عليها؛ وذلك أن خالد بن أبي الصلت لم يحفظ متنه، ولا أقام إسناده، خالفه فيه الثقة الثَّبْت، صاحب عِراك بن مالك، المختص به الضابط لحديثه، جعفرُ بن ربيعة الفقيه، فرواه عن عِراك عن عُروة عن عائشة، أنها كانت تُنكر ذلك، فبين أن الحديث لعراك عن عروة، ولم يرفعه، ولا تجاوز به عائشة، وجعفر بن ربيعة هو الحجة في عِراك بين مالك/ تهذيب سنن أبي داود لابن القيم، مع معالم السنن 1/ 22. الخلاصة: وبهذا كله يتضح أن الصواب انقطاع رواية عِراك عن عائشة، وأن القول بتصحيح أو بتحسين حديث عِراك هذا عن عائشة مرفوعًا، ليس له دليل معتمَد، وأن الصواب هو رواية الحديث موقوفًا على عائشة من الطريق الذي أخرجه به أبو حاتم الرازي عن إسحق بن بكر بن مضر عن بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة، عن عِراك بن مالك عن عروة عن عائشة أنها كانت تُنكر قولهم: إذا خرج أحدكم إلى الخلاء فلا يَستقبِل القبلة، هكذا أورده ابن عبد البر في التمهيد 1/ 311،/ وجاء فيه: "جعفر عن ربيعة" وهو خطأ طباعي أو نسخة، وأورده أيضًا البخاري وابن عساكر كما تقدم وقالا: وهذا أصح. وعندما نبحث أحوال سند تلك الرواية الموقوفة نجدهم كالتالي: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1 - إسحق بن بكر بن مضر بن محمد المصري، قال تلميذه أبو حاتم الرازي: لا بأس به، وقال ابن يونس، ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات/ الجرح والتعديل 4/ 212، وتهذيب التهذيب 1/ 227، 228 وقال الذهبي: ثقة مُفْتٍ / الكاشف 1/ 108. 2 - وبكر بن مضر -هو والد إسحق السابق- وهو بكر بن مضر بن محمد بن حكيم المصري، أبو محمد، وأبو عبد الله، ثقة ثَبْت من الثامنة/ التقريب 1/ 107. 3 - جعفر بن ربيعة، هو جعفر بن ربيعة بن شُرِحْبِيل بن حَسَنَة، أبو شُرَحْبِيل المصري، ثقة من الخامسة التقريب 1/ 130 وتقدم قول ابن القيم: إنه صاحبُ عِراك بن مالك المختصُّ به الضابطُ لحديثه الحجةُ فيه، ومقتضى هذا ترجيحه على من يشاركه في الرواية عن عِراك عند الاختلاف، كما في حديثنا هذا. 4 - وعِراك بن مالك المدني ثقة فاضل من الثالثة/ التقريب 2/ 17. وعلى ذلك يكون إسناد تلك الرواية الموقوفة صحيحًا؛ لاتصاله وثقة رُواته كما ترى، وسلامته من العلة والشذوذ بشهادة الأئمة الأثبات، وبُرجحان جعفر بن ربيعة على مخالفه ابنِ أبي الصلت. ومع كونه موقوفًا على عائشة فإنه يعتبر مرفوعًا حكمًا؛ لأنه لا يقال بالرأي حيث إنه لا يتأتى لعائشة أن تنكر على غير واحد من الصحابة أمرًا كهذا، دون وقوفها على ترخيص الرسول -صلى الله عليه وسلم- فيه، وإن لم تُصرح بنسبته إليه، ويشهد له أيضًا حديثُ جابر المتقدم. لكن ابن القيم رحمه الله -بعد ترجيحه لتلك الرواية الموقوفة كما مر، أشار إلى إعلالِها هي الأخرى من جهة ثانية، وهي معارضة الأحاديث الصحيحة المشهورة لها- يعني بذلك أحاديث النهي العام عن الاستقبال والاستدبار للقبلة حال قضاء الحاجة، كما تقدمت/ انظر تهذيب سنن أبي داود، لابن القيم - الطهارة - باب الرخصة في ذلك 1/ 22. =

قال أحمد: أحسن ما رُوِي في الرخصة حديث عِراك [عن عائشة] (¬1) -وإن كان مرسَلًا- فإن مخرَجَه حَسن (¬2) ¬

_ = وهذا يمكن الجواب عنه بأن المعارضة غيرَ متحققة، حيث أمكن الجمع بحمل أحاديث النهي -كما تقدم- على حالة الخلاء وعدم الساتر، وحمل أحاديث الرخصة الثابتة على حالة البناء أو الساتر، وإعمالُ الدليلَين أولى من إهمال أحدهما. وعلى هذا جاءت أصح الروايتين عن أحمد بجواز استقبال القبلة واستدبارها عند قضاء الحاجة في البنيان، جمعًا بين أحاديث النهي وأحاديث الرخصة، كما قرر ذلك ابن الجوزي وابن عبد الهادي وغيرَهما/ انظر التحقيق في أحاديث التعليق لابن الجوزي وبهامشه تنقيح التحقيق لابن عبد الهادي - بتحقيق الشيخ محمد حامد الفقي 1/ 68، 69 والمغني مع الشرح الكبير 1/ 88، 89. وقال ابن المنذر: وأصح هذه المذاهب: مذهبُ من فرق بين الصحاري والمنازل في هذا الباب، وذلك أن يكون ظاهرُ نَهي النبي -صلى الله عليه وسلم- على العموم إلا ما خَصّته السنة فيكون ما خصته السنة مستثنى من جملة النهي، وإنما تكون الأخبار متضادة إذا جاءت جملة فيها ذكر النهي، مُقابل جُملةِ ما، فيها ذِكْر الإباحة، فلا يمكن استعمال شيء منها إلا بطرح ما ضادَّها ... وهذا الوجه موجود في كثير من السنن، والله أعلم، فلما نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن استقبال القبلة بالغائط والبول نهيًا عامًا، واستقبلَ بيت المقدس مستدبرًا الكعبة، كان إباحةُ ذلك في المنازل مخصوص من جملة النهي/ الأوسط لابن المنذر - الطهارة - باب ذكر النهي عن استقبال القبلة واستدبارها بالغائط والبول 1/ 328. (¬1) ليست بالأصل، وأثبتها لوجودها في المصادر التي نقلت قول أحمد، والآتي الإحالة عليها. (¬2) روى ذلك عنه الأثرم ضمن حواره السابق ذكره وشرحه ص 673، 674 ت وانظر نصب الراية - الصلاة الحديث 99 توابعه 2/ 106 وما فيه مطابق للنص هنا، وذكره أيضًا ابن رجب في شرح العلل 1/ 311، 312، وكذا ابن عبد البر مع اختصار/ التمهيد 1/ 309، والمَخرَج: هو الموضع الذي خرج =

قال الحافظ ضياء الدين، محمد بن عبد الواحد المقدِسي (¬1): سَماه مرسَلًا؛ لأن عراكًا لم يسمع من عائشة (¬2). قال الحافظ أبو الحسين القرشي -رحمه الله- (¬3): وفي سماع ¬

_ = منه الحديث، فيطلق على رجال السند الذين يدور عليهم، ويطلق أيضًا على رجل واحد منهم، يعرف الحديث من جهته، قال البقاعي: فكل واحد من رجال السند مَخرَج خرج منه الحديث/ النكت الوفية للبقاعي/ 159، ومثل ابن العربي للمَخْرج بالراوي الذي اشتهر برواية حديث أهل بلده كحديث البصريين يخرج عن قتادة، والكوفيين عن أبي إسحق السبيعي والمدنيين عن ابن شهاب والمكيين عن عطاء/ النكت لابن حجر 1/ 405 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 61، وشرح شرح النخبة للقاري 77، وعارضة الأحوذي 1/ 15014. (¬1) ولد سنة 596، وأجيز وسمع ورَحَل ونسخ وصنف وصحَّح وليَّن وجرَّح وعدَّل، وكان المرجوع إليه في هذا الشأن، مع شدة التحري في الرواية والورع والتقوى، وتوفي في جمادي الآخر سنة 643 هـ وله عدة مؤلفات في الحديث هي مَظِنَّة هذا النص، ولكن معظم مؤلفاته مخطوطة حسب علمي، وأشهر مؤلفاته: كتاب الأحاديث المختارة -قال الذهبي: عَمِل نصفها في ست مجلدات- أقول: وهي مرتبة على مسانيد الصحابة حسب اطلاعي على قطع منها/ انظر تذكرة الحفاظ 4/ 1405، 1406 وسير النبلاء 23/ 126 - 130. (¬2) لم أقف على مصدر هذا القول من مؤلفات الضياء، ولا على مصدر آخر عزاه إليه، ولكن فسَّر ابن رجب الإرسال في كلام أحمد بهذا/ شرح العلل 1/ 312، وصرَّح أحمد نفسه بذلك في كلامه للأثرم كما تقدم ص 673، 674. (¬3) هكذا ذكر المؤلف هذا الحافظ، بلقبه وكنيته ونسبته، وهو لا يُعرف بأي منها، ولا يذكر كذلك بأي منها عند النقل عنه، ولا في فهارس الكتب المترجم فيها وإنما يذكر ويعرف "بالرشيد" أو برشيد الدين العطار" وهذه أول مرة ينقل فيها عنه المؤلف في هذا الكتاب فكان يجب ذكره له إما باسمه ونسبه، وإما بما هو معروف =

عِراك من عائشة نَظَرَ، فإنه إنما يَروي عن عُروة عن عائشة (¬1). وقال موسى بن هارون: لا نعلم له سماعًا من عائشة (¬2) وقد أخرج مسلم عن عِراك بن مالك الغفاري عن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعَمْتُها ثلاثَ تمرات -الحديث (¬3) - قال ¬

_ = به، وهكذا يجب على الباحثين عمومًا، وقد ذكرت هذا لأنه قد صَعُبَ عليَّ معرفته بما ذكره به المؤلف، حيث لم أتمكن من الوصول إلى ترجمته لا بلَقب "الحافظ" طبعًا لعمومه. ولا بكنية "أبي الحسين" ولا بنسبة "القرشي" حتى هيأ الله لي نسخة خطية من كتابه الموجود فيه النص المذكور هنا، فوجدت اسمه كاملًا في صفحة العنوان، وقد ذُكِر فيها أيضًا بما هو مشهور به "رشيد الدين أبي الحسين يحيى" ... الخ. "ومن صعوبة التعرف على صاحبنا هذا بما ذكره المؤلف أنه ليس بين كنيته وبين اسمه العلاقة المعتادة في غيره من كون "أبي الحسين" كنية لمن اسمه "علي"، وبالتالي كان يمكن الاستدلال بكنيته على اسمه، فتضيق دائرة البحث عنه، وعمومًا فهو: يحيى بن علي بن عبد الله بن علي بن مفرج، القرشي الأموي النابلسي ثم المصري، العطار، المالكي، ويلقب بـ "رشيد الدين" ويعرف بـ "الرشيد العطار" ولد سنة 584 هـ وتوفي في جمادي الأولى سنة 662 هـ. ووصف بأنه كان حافظًا ثَبْتًا، انتهت إليه رياسة الحديث بالديار المصرية، ومن مؤلفاته: "الغرر المجموعة في بيان ما وقع في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة" -مخطوط- وهو الذي نقل عنه المؤلف النص المذكور بعد/ انظر تذكرة الحفاظ 4/ 1442، 1443 وتاريخ التراث لفؤاد سزكين 1/ 141. (¬1) في الغُرر المجموعة يوجد بين العبارة السابقة والتي تليها زيادة نصها "وقد ذكر الإمام أبو عبد الله أحمد بن حنبل -رحمه الله- أن حديثه عن عائشة مرسل"/ الغرر المجموعة ق 15 أنسخة برلين. (¬2) تهذيب التهذيب 7/ 174. (¬3) الحديث أخرجه مسلم في صحيحه - كتاب البر والصلة والأدب - باب فضل الإحسان إلى البنات ح 147، 148، 4/ 2027 وذلك من طريقين عن =

أبو الفضل الحافظ، حفيد (¬1) أبي سعد الزاهد -في كلامه على هذا الحديث-: هذا عندنا حديثُ مُرسل، واستدل بقول أحمد، و (¬2) موسى بن هارون. ولم يُخرِج البخاري لعِراك عن عائشة، شيئًا (¬3). ¬

_ = عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن عروة عن عائشة، بنحوه. ثم أعقبه بالرواية المذكورة فقال: حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا بكر (يعني بن مضر) عن ابن الهاد، أن زياد بن أبي زياد، مولى ابن عياش حدثه عن عِراك بن مالك سمعته يحدث عمر بن عبد العزيز عن عائشة أنها قالت: جاءتني مسكينة (الحديث). وجاء في متن صحيح مسلم المطبوع بهامش شرح القسطلاني لصحيح البخاري 10/ 59 زيادة "عن" في الإسناد قبل "عمر بن عبد العزيز" لكن جاء في الإسناد في ط فؤاد عبد الباقي وفي تحفة الأشراف 11/ 87 ح 16330 كما أثبتُّه. أقول ويلاحظ أن عِراكًا لم يصرح في رواية مسلم هذه بتحديث عائشة له خلافًا لما قاله البوصيري فيما تقدم: إن سماع عراك من عائشة قد ثبت عند مسلم، يعني في الحديث المذكور، كما يلاحَظ أن مُسلمًا قد أورد رواية عِراك متابعة للرواية الموصولة قبلها "عن عروة عن عائشة" وبذلك لا يقدح ذكره لرواية عراك عن عائشة في شرطه ولا في صحة الحديث من الطريق الموصلة الأولى، كما قدمتُ توضيحه ص 680 ت. (¬1) بالأصل "حميد" وما أثبته من الغرر/ ق 15 أ، وكما ذكر المؤلف صاحبَ الغرر بما لا يعرف به، فكذلك ذكر صاحبُ الغرر أبا الفضل هذا، بما لم أتمكن من معرفته به، وبالتالي لم أقف على قوله إلا عند الرشيد العطار في غُرره/ الموضع السابق. (¬2) بالأصل "وهو" ولا يستقيم المعنى عليه، والذي في الغرر: واستبدل بما ذكرناه من قول أحمد بن حنبل، وموسى بن هارون/ انظر الموضع السابق. (¬3) الى هنا من كلام الرشيد العطار، وما بعده الى قول المؤلف: "قال أبو الحسين ... الخ" ليس في الغرر/ الموضع السابق.

وعِراك بن مالك الغفاري المدني هذا، روى عن عبد الله بن عمر، وأبي هريرة، ونوفل بن معاوية، وغيرهم (¬1). روى عنه: سَلْمان بن يَسار، وجعفر بن ربيعة، وابنُه (¬2) خُثَيم بن عِراك، وغيرهم (¬3). وثقه الرازيَّان (¬4) وقال عمر بن عبد العزيز: ما رأيت أكثر صلاة منه (¬5)، وقال عبد العزيز بن عمر: ما كان أبي يَعدِلُ بِعِراك أحدا (¬6) وقال الواقدي: توفي بالمدينة (¬7) في خلافة يزيد بن ¬

_ (¬1) انظر تهذيب التهذيب 7/ 172. (¬2) بالأصل "وأبيه" وهوخطأ التصويب من الثقات لابن حبان 5/ 281، وتهذيب الكمال 2/ 925 وفي التهذيب: أنه روى عن عِراك: ابناه: خُثَيم وعبدُ الله 7/ 172 وضُبِط "خُثَيم" في المغني بالتصغير/ المغني للفتني/ 90 حرف الخاء. (¬3) انظر تهذيب التهذيب 7/ 172. (¬4) الجرح والتعديل 7/ 38 وتهذيب التهذيب 7/ 172. (¬5) تهذيب الكمال 2/ 925. (¬6) تهذيب التهذيب 7/ 172. (¬7) كذا جاء في الخلاصة/ 264، ولكن في تهذيب الكمال جاءت نسبة القول بوفاته في المدينة الى ابن سعد وحده 1/ 926، ثم جاء في تهذيب التهذيب، نقلًا عن تهذيب الكمال: قال ابن سعد وغيره: مات بالمدينة ... الخ وتعقبه ابن حجر بقوله: ولم أر من صرح بأنه مات بالمدينة غير ابن سعد/ التهذيب 7/ 173، فلعله لم يطلع على قول الواقدي هذا، ثم قال ابن حجر: كلهم -يعني المتَرْجِمين لعِراك كما في المصادر السابقة- قالوا: مات في خلافة يزيد بن عبد الملك/ الموضع السابق من تهذيب التهذيب. وذكر المزي أن بداية خلافة يزيد كانت سنة 101 هـ بعد وفاة عمر بن عبد العزيز، واستمرت أربع سنين وشيئًا/ تهذيب الكمال 2/ 926.

[عبد الملك] (¬1) , روى له الجماعة (¬2). قال أبو الحسين القرشي الحافظ -رحمه الله تعالى-: وحديثه عن رجل عنها، لا يدل على عدم سماعه منها بالكلية، لاسيما وقد جمعهما بلد واحد، وعصر واحد، وهذا ومثله، محمول على السماع عند مسلم -رحمه الله تعالى-، حتى يقوم الدليل على خلافه، كما نص عليه في مقدمة كتابه (¬3) فسماع عِراك من عائشة -رضي الله عنها- ¬

_ (¬1) بالأصل "عبد الله" وفي الخلاصة "معاوية" 264 وما أثبته هو الصواب الموافق لما في مصادر الترجمة/ الطبقات لخليفة بن خياط/ 257 والكاشف 2/ 260 تهذيب التهذيب 7/ 173 وهامش الخلاصة/ الموضع السابق، والثقات لابن حبان 5/ 281. (¬2) انظر تهذيب الكمال/ الموضع السابق. (¬3) انظر مقدمة صحيح مسلم - باب صحة الاحتجاج بالحديث المعنعن 1/ 29، 33، حيث قال: إن القول المتفق علبه بين أهل العلم بالأخبار والروايات قديمًا وحديثًا أن كل رجل ثقة رَوى عن مثله حديثًا، وجائز ممكن له لقاؤه والسماع منه، لكونهما جميعًا كانا في عصر واحد، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا، ولا تشافها بكلام، فالرواية ثابتة، والحجة بها لازمة، إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق من روى عنه، أو لم يسمع منه شيئًا، فأما والأمر مبهم على الإمكان الذي فسَّرنا، فالراوية على السماع أبدًا، حتى تكون الدلالة التي بيَّنا، ثم قال بعد ذلك أيضًا: وإنما تفقدَ مَن تفقَّدَ منهم سماع رواة الحديث عمن روى عنهم، إذا كان الراوي ممن عُرف بالتدليس في الحديث وشُهِرَ به، فحينئذ يبحثون عن سماعه في روايته ويتفقدون ذلك منه، فتنزاح عندهم علة التدليس. أقول: وقول مسلم -رحمه الله- فيما تقدم: إلا أن يكون هناك دلالة بينة أن هذا الراوي لم يلق مَن روى عنه، ولا سمع منه شيئًا، وكذا قول الرشيد العطار كما في الأصل: "حتى يقوم الدليل على خلافه"، كلاهما صريح في أنه عند ثبوت الدلالة البيِّنةِ على عدم اللُّقِي أو عدم السماع، فيؤخذ بها، وفي سماع عِراك من =

جائز ممكن، قد ثبت سماعه من أبي هريرة وغيره من الصحابة [رضي الله عنهم] (¬1) وقال ابن أبي حاتم: سألتُ أبي عن حديث ¬

_ = عائشة وُجدَت دلالة بينة، وهي إنكار الإمام أحمد لثبوت السماع وتخطئة الرواية المثبتة لذلك، وترجيح خلافها، كما تقدم بيانه، وقول أحمد: عِراك بن مالك من أين سمع عائشة، ما له ولعائشة؟، إنما يَرْوي عن عروة ... الخ/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 163 وتقدم أنه وافق أحمدَ غيرُه، ومما يدل على أن مثل قول أحمد هذا يعتبر عند مسلم من الدلالة البينة على نفي السماع، اعتمادُه لمثله في كتابه التمييز، حيث أعَلَّ حديث ميمون بن مهران عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وَقَّت لأهل المشرِق ذات عِرْق فقال: إن ميمون لم يسمعه من ابن عمر/ التمييز، لمسلم بتحقيق د. الأعظمي/ 215. وميمون ثقة فقيه، كبير القَدْر، وقد وُلد سنة 40 هـ وابن عمر توفي سنة 74 هـ، فالإدراك والتعاصر وإمكان اللقاء كل ذلك متوفر،/ انظر الكاشف 2/ 112، 3/ 193، ومع هذا نفي مسلم سماعه للحديث المذكور من ابن عمر، في حين أن الإمام أحمد استبعد رواية ميمون عن ابن عمر من الإرسال الذي وصف به في روايته عن بعض من روى عنهم كحكيم بن حزام وغيره، وأقر ابن أبي حاتم قول أحمد/ المراسيل/ 206، 207 وعليه فحديث عِراك المذكور عن عائشة لا يلزم أن يكون محمولًا عنده على الاتصال حتى على قاعدته. وقد قدَّمتُ أن رواية مسلم لحديث المسكينة المذكور من طريق عِراك عن عائشة لا يفيد اتصاله عنده، لأنه لم يصرح فيه بما يدل على الاتصال من جهة، ومن جهة ثانية أنه أخرجه متابعة لرواية قبله متصلة: عن عروة عن عائشة، فهي المُعوَّل عليها. (¬1) من الغرر التي نقل المؤلف عنها، فما كان له -رحمه الله- حَذْفُها وهذا آخر كلام الرشيد العطار في الجواب عن إخراج مسلم لحديث عراك المذكور عن عائشة، وقد بينت من قبل أنه لو أجاب الرشيد بما ذكَرْتُ من كون مسلم أخرج الحديث متابعة، فلا ينتقد به، لكان جوابًا أقوى من جوابِه هذا بإمكان الاتصال، الذي عُورِض بما هو أرجح منه، وهو الانقطاع كما تقدم.

حماد عن خالد الحذاء، عن خالد بن أبي الصلت عن عِراك عن عائشة -الحديث- فقال: إِني لم أزلْ أَقفُوا أثر هذا الحديث حتى كتبتُ [بمصر] (¬1): عن إسحق بن بكر (¬2) بن مضر (¬3) عن بكر بن مضر، عن جعفر بن ربيعة عن عِراك بن مالك عن عُروة عن عائشة، موقوف. وهذا أشبه (¬4). / وقول الإمام أحمد، في حديث عِراك عن عائشة: إنه أحسنُ ما رُوي في الرخصة، لعله يريد: أحْسَنُ في الاستدلال، وأصرح في الرخصة (¬5) وإلا فحديث ابن عمر مُخَرَّج في الكتب الستة -كما قلنا- ¬

_ (¬1) ليست بالأصل وأثبتُها من المصدر الذي أخذ منه المؤلف وهو العلل لابن أبي حاتم الرازي - الطهارة - 1/ 29. (¬2) بالأصل "بكير" وكذا "بكر" الذي يأتي بعده، وكذا في التاريخ الكبير للبخاري 3/ 156 وما أثبته من العلل/ الموضع السابق، والكاشف 1/ 108 والتقريب 1/ 56 وهو الصواب كما تقدم في دراسة إسناد الحديث. (¬3) في العلل زيادة "أو غيره" ويبدو أن صوابها "وغيره" لأن ذكر "أو" يشير إلى الشك بين كون الرواية عن بكر أو عن راوٍ آخر مجهول، وبالتالي لا يستقيم ترجيح أبي حاتم للرواية بأنها أشبه، كما في باقي كلامه بعده، وقد نُسِبَ الحديث في التمهيد لبكر بن مضر عن جعفر، به/ التمهيد 1/ 311. (¬4) العلل لابن أبي حاتم/ الموضع السابق، وزاد في تهذيب التهذيب 3/ 98 في هذا النقل عن أبي حاتم: أن من قال فيه: عن عراك سمعت عائشة، مرفوعًا، وَهِم فيه سندًا ومتنًا، فلعله في نسخة العلل التي اطلع عليها ابن حجر. (¬5) هذا التفسير من المؤلف للحَسَن في كلام الإمام أحمد يتعلق بالمتن دون الإسناد، لتصريح أحمد نفسه بإرسال السند، ولكن ابن رجب فَسَّره بالحُسْن الاصطلاحي المتعلق بالسند، فقال: فلعله -أي أحمد- حسَّنه لأن عراكًا قد عُرِف أنه يروي حديث عائشة عن عروة عنها/ شرح العلل لابن رجب 1/ 312، وقد قدمت =

ولا عِلة تلحقه فيما نعلم (¬1) وفي حديث عِراك ما تقدمَت الإشارة إليه من الخلاف في الاتصال، والراجح عدمُه (¬2). [ومما] (¬3) يُعلَّل به أيضًا - ما ذكره الترمذي في العلل: أنه سأل البخاريَّ عنه فقال: هذا حديث فيه اضطراب، والصحيح: عن عائشة قولُها (¬4). قلت: وقد رواه حماد بن سلمة، عن خالد الحَذَّاء، عن خالد بن أبي الصلت، عن عراك (¬5)، وغَيرُه يرويه عن خالد الحذاء، ¬

_ = بيان عدم سلامة هذا التفسير أيضًا وأن الأقرب تفسير الحُسْن هنا بغير الحُسْن الاصطلاحي، وإنما بمعنى: أقوى الضعيف أو أَمثَلُه، وبه يتحقق مقصود المؤلف من الحمل على حُسْن الاستدلال بالحديث عن الإمام أحمد، لأنه كما قال الأثرم: ربما كان الحديث في سنده شيء فيأخذ به إذا لم يجيء خلافه أثبت منه ... وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجئ خلافه، وأقر ذلك ابن رجب/ انظر شرح العلل 1/ 312 , 313. (¬1) مقصود المؤلف بحديث ابن عمر هنا الرواية الراجحة وهي رواية "مستدبر القبلة مستقبل الشام" وما بمعناها، لأنها هي المخرَّجة في الكتب الستة، كما تقدم. أما رواية "مستقبل القبلة" فقد انفرد بها ابن ماجه عن بقية الستة، مع مشاركة جماعة غير الستة له في تخريجها. منهم ابن خزيمة وابن حبان كما تقدم أيضًا. (¬2) انظر ص 682 ت، 684 أصل، 685 أصل وت، 486 أصل، 689 أصل وتعليق- 689؛ 690 أصل وت. (¬3) بالأصل "من" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬4) ترتيب العلل الكبير لأبي بكر القاضي/ ل 3. (¬5) تقدم تخريج روايته، وبيان حالها ص 658 ت - 662، 665 ت وما بعدها.

عن عِراك، فَسقَط "ابنُ أبي الصلت" منه (¬1). وذكر الترمذي في كتاب العلل -أيضًا- أن حديث جابر عن أبي قتادة، غير محفوظ (¬2). وقال في حديث جابر -المُخَرَّج عنده هنا-: إنه سأل محمدًا عنه، فقال: رواه غير واحد، عن محمد بن إسحاق (¬3). فلعل غرابته عمن فوق محمد بن إسحاق فيه، وهي غرابة لا تنافي الحسن الذي وصفه به: فإنها ترجع إلى بعض الإسناد، وقد ذكر أن في بعض (¬4) الحديث الذي وصفه بذلك، أحاديث عن قوم من الصحابة، سماهم (¬5)، فلا يعترض عليه في وصفه بعد بالحسن، فهو ¬

_ (¬1) تقدم تخريج هذه الرواية أيضًا من طرق، وبيان حالها ص 663 ت - 666 ت، 670 ت، 671، 672. (¬2) ترتيب العلل/ الموضع السابق، وقد أخرجه الترمذي في العلل بالإسناد الذي أخرجه به في الجامع، ثم تعقبه بما نقله عنه المؤلف هنا: أنه غير محفوظ، وتعقبه في الجامع بأن حديث جابر السابق تخريجه، أصح منه، لأن في سند حديث أبي قتادة ابنَ لهيعة. (¬3) ترتيب العلل الكبير/ ل 3. (¬4) كذا الأصل، والذي يستقيم المعنى عليه أن يقال: "في معنى". (¬5) حيث قال: وفي الباب عن أبي قتادة، وعائشة، وعمار، ثم أخرج عقيب ذلك حديث أبي قتادة، وأخرجه أيضًا في العلل الكبير كما ذكرت قبلًا ص 692 ت وأما حديث عائشة فتقدم تخريج المؤلف له، ثم زدت في التعليق عليه من جانبي استكمال تخريجه وبيان حاله بما خلاصته: أنه قد صح سنده موقوفًا على عائشة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولكنه مرفوع حكمًا/ انظر ص 657 أصل وت إلى 692 أصل وت. وأما حديث عمار فلم يتعرض المؤلف لتخريجه ولا للكلام عنه، وقد أورده الهيثمي فقال: وعن عمار بن ياسر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مستقبل القبلة -بعد النهي- لغائط أو بول، وعزاه الهيثمي الى الطبراني في الكبير، ثم قال: وفيه جعفر بن الزبير، وقد اجمعوا على ضعفه/ مجمع الزوائد للهيثمي - الطهارة - باب استقبال القبلة عند الحاجة 1/ 206. وأخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة جعفر المذكور، ضمن المنتقد من حديثه، فقال: حدثنا محمد بن علي بن عمرو الحفار ثنا أبو همام ثنا عيسى بن يونس، ثنا جعفر عن القاسم الشامي عن عمار: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- بعد النهي- يستقبل القبلة ويستدبرها، ثم قال ابن عدي: ولجعفر هذا أحاديث غير ما ذكرت عن القاسم، وعامتها مما لا يتابع عليه، والضعف على حديثه بين/ الكامل 2/ 558 - 560. أقول: وما ذكره الهيثمي من وصف جعفر هذا بالاتفاق على ضعفه فقط، يعتبر من تساهل الهيثمي -رحمه الله- الذي يلاحظ كثيرًا في حكمه على الرواة في المجمع؛ لأن مقتضى وصفه بالضعف فقط أنه يصلح حديثه للمتابعة والاستشهاد، ولكن الذي يقف على أقوال العلماء فيه يجد أكثرهم على شدة ضعفه من ناحية الضبط، وبالتالي لا يصلح للمتابعة ولا للاستشهاد عند الجمهور، وقد نقل ابن الجوزي الإجماع على أنه متروك، وقال ابن حبان كان ممن غلب عليه التقشف حتى صار وهمه شبيهًا بالوضع انظر تهذيب التهذيب 2/ 90 - 92. أقول: ولعل هذا محمل قول شعبة بنسبته صراحة إلى وضع الحديث، وقد نص البخاري على ترك روايته عن القاسم خاصة، ويلاحظ أن الحديث هنا عنه/ انظر الكامل وتهذيب التهذيب الموضعين السابقين، وعليه فالحديث من طريق جعفر هذا ليس ضعيفًا فقط كما ذكر الهيثمي، ولكنه ضعيف جدًّا، كما هو مقتضى قول جمهور العلماء فيه.

حسن لمحل محمد بن إسحاق (¬1). وأما "أبان بن صالح"، فشيخ مكي، يروي عن أنس، وعمر بن عبد العزيز، ومجاهد وغيرهم (¬2). روى عنه: ابن عجلان، وابن إسحاق، والحارث بن يعقوب، وابن جُريج، وغير واحد (¬3) وثقه الرازيان (¬4)، ويعقوب بن شيبة (¬5) ولم يخرج له مسلم (¬6)، ولا البخاري، في الأصول، ولكن البخاري أخرج له استشهادًا، في باب "هل على من لا يشهد الجمعة غسل، من النساء والصبيان؟ " عن مجاهد (¬7). ¬

_ (¬1) هذه العبارة كما ترى تفيد أن المؤلف يعتبر ابن إسحاق حديثه في مرتبة الحسن لذاته مطلقًا، وسيأتي بعد قليل ذكره لذلك أيضًا بعبارة مقاربة، لكنه سيتبع ذلك بتفاصيل عن درجة حديث ابن إسحاق عند الترمذي وعند غيره مخالفة لهذا، ثم إنه في غير هذا الباب مما سيأتي من شرحه هذا، وفي بعض مؤلفاته السابقة عليه قد قرر أن ابن إسحاق حديثه صحيح لذاته، وحرص على الجواب عما يخالف هذا، وسيأتي بعد قليل عرض ذلك ومناقشته وبيان الراجح بمشيئة الله. (¬2) انظر تهذيب الكمال للمزي 1/ 47. (¬3) انظر المصدر السابق. (¬4) يعني أبا حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي، وكذا ابن معين/ انظر الجرح والتعديل 2/ 297. (¬5) وغيرهم، انظر تهذيب التهذيب 1/ 94، 95. (¬6) يعني مطلقًا، فليس من رجاله كلية/ تهذيب الكمال 1/ 47 وتقريب التهذيب/ 87، وقد تحرف الرمز على ترجمته في الكاشف إلى رمز الكتب الستة، وهو خطأ. (¬7) تعليقًا مجزومًا، بلفظ: "رواه أبان بن صالح .. إلخ" البخاري مع الفتح 2/ 382 ح 898.

وفي "الجنائز" عن الحسن بن مسلم (¬1) توفي سنة تسع (¬2) عشرة ¬

_ (¬1) تعليقًا مجزومًا بلفظ: "قال أبان بن صالح .. " البخاري مع الفتح - باب الإذخر والحشيش في القبر/ البخاري مع الفتح 3/ 213. (¬2) كذا الأصل، والذي في أغلب مصادر الترجمة التي ذكرت وفاته "بضع"، وهو أولى من التحديد بتسع، لأن "البضع" يشمل التسع فما دونها، وقد قرر ابن سعد ومن تبعه أن "أبان" ولد سنة 60 هـ وعاش خمسًا وخمسين سنة، ثم قرروا وفاته سنة بضع عشرة ومائة/ طبقات ابن سعد 6/ 234، 235 وتهذيب الكمال 1/ 47 وتقريب التهذيب/ 87، ولعل السبب في عدم تحديد ابن سعد سنة الوفاة بالضبط هو عدم تأكده من الشهر الذي ولد فيه "أبان" من سنة 60 هـ، فأصبح الأمر يحتمل ولادته في بداية السنة المذكورة، وبالتالي تكون الوفاة في نهاية سنة 114 هـ أو بداية سنة 115 هـ، ويحتمل ولادته في آخر السنة، وبالتالي تكون الوفاة في نهاية سنة 115 هـ أو بداية سنة 116 هـ على الأكثر، وسيجيء تحديد الذهبي بذلك، أما قول صاحب تراجم الأحبار إنه بناء على جزم ابن سعد بسنة الولادة وبمدة عمر أبان يتعين أنه مات سنة 114 هـ فلا وجه لهذا التعيين، طالما لم نقف على شهر المولد من سنة 60 هـ / انظر تراجم الأحبار 1/ 111، وقد جاء في الخلاصة/ 15 نقلًا عن طبقات ابن سعد تحديد الوفاة بسنة 115 هـ، وهذا خلاف ما وجدته في المطبوع من طبقات ابن سعد كما تقدم، ومخالف أيضًا لما في أصل الخلاصة وهو تذهيب تهذيب الكمال 1 / ق 30، فقد اتفق الكل على ذكر "البضع" لكن الذهبي ذكر أن أبان مات كهلًا مع قتادة/ الكاشف 1/ 74، ثم في ترجمة قتادة ذكر أنه مات سنة 118 أو سنة 116 هـ الكاشف 2/ 396، وتحرَّف سنة 116 هـ في المطبوع إلى سنة 117 هـ، وما أثبته من مخطوطة الكاشف، ومع أن الذهبي صدر تحديد وفاة قتادة بسنة 118 هـ ثم ذكر التحديد سنة 116 هـ بلفظ "قيل"، مما يشير إلى عدم ترجيحه له، إلا أنه يبدو أنه هو الراجح في وفاة كل من قتادة وأبان، لاتفاقه مع تحديد عمر أبان، وسنة ميلاده، على تقدير أنه ولد آواخر سنة 60 هـ كما قدمت، وعليه يكون التحديد الذي في الأصل هنا بـ "سنة 116 هـ" غير راجح ومحتمل للتحريف من "بضع" إلى "تسع"، والله أعلم.

ومائة، بعسقلان، وكان مولده سنة ستين. وقد ذكره الحافظ عبد الغني المقدسي، فقال: روى له البخاري. وأطلق (¬1) وذلك في العرف، محمول على الاحتجاج، ولم يقع حديثه عند البخاري كذلك، فليعلم (¬2). وزعم أبو عمر: أن حديث جابر لا يحتج به؛ لضعف أبان بن صالح، وعلله أيضًا، بما خالف فيه ابن لهيعة، من سنده ومتنه (¬3)، وليس ذلك بطائل: أما أبان، فليس مضطربًا، فقد قلنا بتوثيقه عن غير واحد. وأما الاضطراب، فقد رجح الترمذي حديث أبان، على حديث ابن لهيعة، والله أعلم. وذكر أبو محمد بن حزم: أن عبد الرزاق، أخطأ فيه، فرواه عن خالد الحَذَّاء عن كثير بن الصلت؛ لأن الحذَّاء لِم يدرك "كثيرًا" قط (¬4)، وقد نبهنا على كون الحديث حسنًا، وكونه غريبًا، وعلى أن الجمع بينهما ¬

_ (¬1) الكمال للمقدسي 1/ 189 أ، ب ونص عبارته: "روى له البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه". (¬2) قد علم هذا، وانظر كيفية روايتي البخاري عنه وتحديد موضعيهما فيما قدمته قريبًا، ولكن سيأتي للمؤلف في هذا الشرح/ ق 152 أإقرار إطلاق تلك العبارة على خلاف هذا العرف، وانظر ص 706، 707 ت. (¬3) انظر التمهيد له 1/ 2 / 3، وقد تقدم نقل كلامه هذا والجواب عنه ص 655 ت، ص 656 ت بنحو ما ذكر المؤلف هنا. (¬4) انظر المحلى 1/ 265، وقد ذكر المؤلف كلام ابن حزم، ولم يجب عنه كما ترى، ولكن تقدم جوابنا عنه ص 668 ت.

على هذه الصورة، لا يتنافى، لكن فيما ذكرته، من كونه حسنًا، أنه من رواية محمد بن إسحاق (¬1) وليس التحسين من عمل الترمذي، في أحاديث ابن إسحاق مطردًا؛ فإنه تارة يصححها (¬2)، وتارة يحسنها (¬3)، فيحتاج إلى التنبيه على ما صححه منها في مواضعه، لم كان صحيحًا؟ وعلى ما حسنه في موضعه، وهو أولى بالتنبيه، ما الذي قصر به عن التصحيح؟ وهو ربما صحح حديثه في غير ذلك الموضع. فنقول: هنا قد حصل فيه، مع رواية ابن إسحاق، تفرُّد أبان بن صالح به، الذي كان لأجله غريبًا، كما ذكر أبو عيسى، وقد تبيَّن مِن حال أبان: أن أقصى ما يتفرد به، أنه يكون حسنًا - على ما سبق بيانه، فانضم إلى رواية ابن إسحاق مِن تَفرُّد أبان، ما قصر به عن الصحة، وفيه ¬

_ (¬1) هذه إشارة ثانية من المؤلف لما قرره قبل قليل، من أن محمد بن إسحاق حسن الحديث مطلقًا، وبالتالي كان حديثه هذا حسنًا، لكنه سيأتي بعد قليل تقريره أنه ليس وجود ابن إسحاق في السند هو السبب الوحيد لتحسين هذا الحديث، ولكن لانضمام سبب آخر معه وهو أن شيخ ابن إسحاق قد انفرد به، وغاية ما ينفرد به أن يكون حسنًا، إلا أن هذا السبب الذي ذكره يعتبر وحده كافيًا في تحسين الحديث ولو لم يوجد معه سبب غيره، ومن ثم سنناقش عبارته في ذلك عند موضعها الآتي إن شاء الله. (¬2) وأوَّل ما صححه له في هذا الجامع حديث زيد بن خالد: "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة"، وسيأتي ذكر أمثلة أخرى في التعليق التالي لهذا. (¬3) اقتصر المؤلف هنا على ذكر التصحيح والتحسين، ولكنه قد زاد فيما بعد في موضعين آتيين قسمًا ثالثًا وهو ما سكت الترمذي عنه، وذكر أمثلة له، وزاد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الموضوع بحثًا وتفصيلًا وتحقيقًا، وضح فيه موقفه من حال محمد بن إسحاق ودرجة أحاديثه في جامع الترمذي وفي غيره بصفة عامة. ثم إن هناك قسمًا رابعًا لم ينبه المؤلف عليه، وهو ما أخرجه الترمذي مما دلَّسه ابن إسحاق عن بعض شيوخه الضعفاء، ثم بين الترمذي ذلك وأعل الحديث بمن دلَّسه ابن إسحاق، كما سيأتي. لذا رأيت من المفيد هنا ذكر خلاصة ما سيذكره المؤلف في الموضعين الآتيين، ليتضح منذ البداية حال ابن إسحاق، ودرجة أحاديثه في جامع الترمذي وفي غيره، ولتكتمل جوانب الكلام عنه في موضع واحد، ثم يحال على هذا الموضع بما سيأتي بعده. فأول حديث صححه الترمذي في هذا الجامع من رواية ابن إسحاق، هو حديث زيد بن خالد رضي الله عنه في السواك، كما أشرت من قبل، فقد علقه بقوله: وقد روى هذا الحديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم (يعني التيمي) عن أبي سلمة عن زيد بن خالد عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم أخرجه مسندًا من نفس الطريق وقال عقبة: هذا حديث حسن صحيح/ جامع الترمذي - الطهارة - باب السواك 1/ 34، 35 ط شاكر. وفي شرح المؤلف لهذا الحديث علَّق على تصحيح الترمذي للحديث ببيان عدد من أقوال المُوَثِّقِين وعدد من أقوال المجرحين لابن إسحاق بما في ذلك من نسبه إلى الكذب، كما سيأتي، ومن ثم أشار إلى اختلاف العلماء في قبول حديثه ورده، لا سيما في الأحكام، وبين المؤلف بعض الأجوبة الإجمالية والتفصيلية من عدد من العلماء عما انتقد به ابن إسحاق، كما سيأتي ذكر خلاصته. ثم ذكر المؤلف أن ممن يصحح حديث ابن إسحاق كل من الترمذي وابن حبان، وأعقب ذلك بقوله: أما الترمذي فإنه مع تصحيحه حديثه في بعض المواضع، ربما اقتصر في بعضها على تحسين حديثه، وربما سكت في بعضها فلم يَحكُم بشيء. ثم ذكر أمثلة لما صححه فقال: فمما صحح فيه حديثه: حديث هذا الباب - =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يعني حديث السواك المتقدم، وحديث: المذي يصيب الثوب (الطهارة - باب المذي يصيب الثوب 1/ 197، 198 ط شاكر) وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ولا نعرفه إلا من حديث محمد بن إسحاق، في المذي مثل هذا/ شرح المؤلف/ ق 62 أ - 63 ب. أقول: ورواية ابن إسحاق لحديث المَذْي معنعنة ولكنه صرح بالتحديث عند غير الترمذي كما في مسند أحمد 3/ 485، والحديث أصله المتعلق بالسواك متفق عليه من حديث أبي هريرة/ البخاري مع الفتح - الجمعة - باب السواك لها 2/ 374 ومسلم - الطهارة - السواك 1/ 220 ح 42، لكني لم أجد لآخره المتعلق بتأخير العشاء ما يُرقّيه إلى الصحة: انظر مجمع الزوائد - الطهارة - باب المذي 1/ 284، وقد دار سند الحديث عند الترمذي وأبى داود وابن ماجه وأحمد والدارمي على ابن إسحاق/ تحفة الأشراف 4/ 101، ومسند أحمد الموضع السابق، وسنن الدارمي - الطهارة - باب في المذي 1/ 150. ثم قال المؤلف: وحديث أوَّل ما بديء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من النبوة (الرؤيا الصالحة)،/ الشرح/ الموضع السابق، أقول: وقد قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب/ المناقب - باب 5/ 257 ط عبد الرحمن عثمان. وقد صرح ابن إسحاق هنا بالتحديث عند الترمذي، كما أنه لم ينفرد بالحديث بل تابعه عليه غيره من الثقات/ انظر عمدة القاري - باب بدء الوحي 1/ 48. قال المؤلف: وحديث: يمين الله ملأى (سَحَّاء) / الموضع السابق. أقول: وهذا الحديث أخرجه الترمذي في التفسير - سورة المائدة، وقال: هذا حديث حسن صحيح 4/ 317 وهو معنعن عنده، ولكن لم ينفرد به ابن إسحاق، بل تابعه عليه غيره من الثقات عند البخاري وغيره/ تحفة الأشراف 10/ 176. وقال المؤلف: وحديث: لم يكذب إبراهيم في شيء قط إلا في ثلاث/ الموضع السابق من الشرح. أقول: وقد أخرجه الترمذي في التفسير - سورة الأنبياء، وقال: هذا حديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حسن صحيح 5/ 4، ورواية ابن إسحاق هنا معنعنة أيضًا، ولكنه لم ينفرد بالحديث/ انظر البخاري مع الفتح 6/ 388، والفتح فقط 391 ومسلم - الفضائل حديث 154 جـ 4/ 1840. قال المؤلف: وحديث: لما توفي عبدُ الله بن أُبي دُعي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الصلاة عليه/ الموضع السابق من الشرح. أقول: وقد أخرج الترمذي الحديث في التفسير - سورة التوبة - وقال هذا حديث حسن غريب صحيح 4/ 342، 343 وفي التحفة: حسن صحيح 8/ 49 وروايته معنعنة ولم ينفرد به ابن إسحاق أيضًا/ التحفة الموضع السابق. قال المؤلف: وحديث: لا يحتكر إلا خاطيء/ الموضع السابق من الشرح. أقول: وقد قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن صحيح/ البيوع - باب ما جاء في الاحتكار 2/ 369، ورواية ابن إسحاق هنا معنعنة، ولكن الترمذي أشار إلى وجود أحاديث أخرى في الباب، كما أن ابن إسحاق لم ينفرد بالحديث، بل تابعه عليه غير واحد في الصحيح وغيره/ انظر تحفة الأشراف 8/ 467. وبهذا نجد أن تلك الأمثلة التي ذكرها المصنف لا يسلم الجزم فيها بأن الترمذي صحح فيها حديث ابن إسحاق لذاته، طالما أنه ليس منفردًا بتلك الأحاديث كما رأيت، وأيضًا فإن الترمذي قد أقر البخاري على إعلاله بعض أحاديث ابن إسحاق بوهمه فيها، أو بمخالفته للأكثرين/ ترتيب العلل الكبير للترمذي، للقاضي أبي طالب 2/ 674، 675، 861، 862، وجامع الترمذي - السير - باب منه برقم 20 / جـ 3/ 67 ط عبد الرحمن عثمان، وأما في علله الصغير فقد ذكر ابن إسحاق ضمن مَن تُكُلِّم فيهم لضعف حفظهم لبعض ما رووا، ووثقهم البعض لجلالتهم وصدقهم/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 399، 400 والعلل مع شرحه للحافظ ابن رجب 1/ 103، 120، وصنيع الترمذي هذا يفيد إقراره لكون ابن إسحاق عدل خف ضبطه، وهذا حد الحديث الحسن لذاته عند الجمهور مع السلامة من الشذوذ والعلة القادحة/ التدريب 1/ 159، 160، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وسيأتي ذكر ما أخرجه الترمذي وأعله، مما دلسه إسحاق عن بعض شيوخه الضعفاء، فيستخلص من مجموع ذلك أنه عند الترمذي في مرتبة من يحسن حديثه لذاته، ما عدا المنتقد عليه بسبب معين كالوهم والتدليس والشذوذ، وما صححه من حديثه فهو لما يعضده من متابع أو شاهد أو تعلقه بالمغازي ونحوها. ثم قال المؤلف: وحسن من أخباره -يعني حَسَّن الترمذي من أخبار ابن إسحاق: حديثَ: نَتْفِ الشيب/ الشرح الموضع السابق. أقول: والحديث أخرجه الترمذي في الاستئذان والآداب - ما جاء في نتف الشيب، وقال: هذا حديث حسن، ثم أشار إلى متابعة غير واحد لابن إسحاق في روايته لهذا الحديث عن شيخه فيه، وهو عمرو بن شعيب/ جامع الترمذي 4/ 207 ط عبد الرحمن عثمان. وقال المؤلف: ومما حسن الترمذي من حديث ابن اسحق: "قدم زيد بن حارثة المدينة، وحديث" ما من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاث صفوف من المسلمين"/ الشرح 63 ب. أقول: وحديث "قدوم زيد بن حارثة المدينة" قال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه من حديث الزهري، إلا من هذا الوجه/ جامع الترمذي - الاستئذان - باب المعانقة 4/ 174. ورواية ابن اسحق للحديث بالعنعنة، لكن يفهم من صنيع الترمذي في علله الكبير، أنه كان يتحرى سماع ابن اسحق/ ترتيب العلل لأبي طالب 2/ 712 وسيأتي كذلك إعلاله لما دلسه عن الضعفاء من شيوخه. وحديث "ما من مسلم يموت" أخرجه الترمذي من حديث مالك بن هبيرة وقال: حديث مالك بن هبيرة حديث حسن/ جامع الترمذي - الجنائز - باب كيف الصلاة على الميت والشفاعة له؟ 2/ 246 ط عبد الرحمن عثمان، ورواية ابن اسحق لهذا الحديث معنعنة، وقد استشكل العراقي تحسين الترمذي له، مع عنعنة ابن اسحق واتصافه بالتدليس/ تكملة العراقي لشرح الترمذي مجلد رقم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 509، ورقة 92 ب، وسيأتي تفصيل آخر للعراقي في تدليس ابن اسحق، ولكن المؤلف ذكر الحديث كما ترى مثالًا لتحسين الترمذي لحديث ابن اسحق وأقره، وسيأتي له أيضًا ما يدل على أنه لا يرى تدليس ابن اسحق قادحًا في روايته، وهناك سأحقق الأمر بمشيئة الله تعالى. أما ما سكت عنه الترمذي، فلم يحكم عليه بشيء، فقد قرر المؤلف أن الترمذي قصد بذلك ترك باب النظر في هذا مفتوحًا، حيث أعقب أمثلة التحسين السابقة بقوله: ومما سكت عنه وترك باب النظر فيه مفتوحًا لمن أراده حديث: سأل عثمان بن عفان -رضي الله عنه- قباب بن أشيم: أنت أكبر أم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ / شرح المؤلف/ 63 ب. أقول: وهذا الحديث لم يسكت عنه الترمذي، بل أنه يعتبر من أوضح الأمثلة على تحسين الترمذي لحديث محمد بن اسحق لذاته، كما تدل عليه عبارته السابقة، وذلك بحسب الطبعات التي بأيدينا، وتحفة الأشراف، فقد قال الترمذي عنه: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن اسحق/ جامع الترمذي/ المناقب - ما جاء في ميلاد الرسول -صلى الله عليه وسلم- 5/ 249، 250 ط عبد الرحمن عثمان، والترمذي مع العارضة 13/ 105 , 106 وتحفة الأشراف 8/ 273، 274 ح 11064. ثم إن المؤلف ذكر نفس هذا الحديث مرة أخرى، وقرر سكوت الترمذي عنه أيضًا كما سياتي، ولعله بنى ذلك على نسخته من جامع الترمذي، وسيأتي ذكره حديثًا آخر سكت عنه الترمذي، وشرحه المؤلف بنفسه، فكان الواجب تمثيله به. ثم إن المؤلف بعد ذكره الأمثلة السابقة مما صححه الترمذي أو حسنه أو سكت عنه من روايات ابن إسحق، عاد إلى تقرير رأيه هو في درجة حديث ابن إسحق عمومًا فقال: وسيأتي الكلام على الأحاديث التي حسنها -أي الترمذي- أو سكت عنها من أحاديثه -يعني ابن إسحق-، حديثًا حديثًا في مواضعها إن شاء الله تعالى/ شرح المؤلف/ ق 63 ب. أقول: وهذه العبارة تفيد أن ما يصححه الترمذي من حديث ابن إسحق، يرى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المؤلف عدم حاجته الى كلام في بيان وجه تصحيحه، لأنه هو الأصل في نظر المؤلف، ويؤيد هذا قوله في شرح هذا الباب -كما تقدم في الأصل ص 698. وما حسنه الترمذي أولى بالتنبيه، ما الذي قصر به عن التصحيح؟ ولكنه لا يكتفي بهذا المفهوم من كلامه، بل يقرر صراحة أنه يرى تصحيح حديث ابن اسحق مطلقًا ويردّ القول بتحسين حديثه فقط، وذلك أنه عقب عبارته الأولى قال: وإلى تحسين أخباره يذهب أبو الحسن بن القطان، وهي أخلق بالتصحيح إن شاء الله/ شرح المؤلف/ 64 أ. أقول: وسيأتي ذكر المؤلف لوجهة نظر ابن القطان في الاقتصار على تحسين حديث ابن إسحق وهي أنه مختلف فيه، فبعض العلماء جرحه وبعضهم وثقه، ولم يترجح توثيقه المطلق، وقد تقدم في هذا الشرح موافقة المؤلف لابن القطان على تحسين حديث من اختُلِف فيه هكذا ص 388 ت وما بعدها ولكنه في القول بتصحيح حديث ابن إسحق يعتبر مخالفًا له، ومقتضاه أنه لا يرى رجحان توثيقه فقط؛ بل يرى أنه في المرتبة العليا من الثقة والعدالة والحفظ، كما سيأتي توضيحه قريبًا، ولما كان المؤلف يعلم أن قوله هذا بتصحيح حديث ابن إسحق مطلقًا وما يترتب عليه من علو توثيقه معارض بالانتقادات المجملة والمفسرة الموجهة لابن إسحق، فإنه أتبع القول بالتصحيح المطلق لحديثه بقوله: وقد بسطت القول في ترجمته والاعتذار عن طعن الطاعنين عليه في كتابي المسمى: عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير/ الشرح ق 64 أ. أقول: وقد راجعت في كتابه هذا ما بسطه فيه فوجدته فعلًا من أوفى ما كتب عن ابن إسحق، فتتبع أكثر وأشدّ الطعون المفسرة ووفق في الجواب عن معظمها، وفي نهاية هذا قال: وما عدا ذلك من الطعن، فأمور غير مفسرة، ومعارضة -في الأكثر- من قائلها بما يقتضي التعديل، ثم قال: وممن يصحح حديثه ويحتج به في الأحكام: أبو عيسى الترمذي -رحمه الله-، وأبو حاتم ابن حبان، ثم ختم الترجمة بنقل كلام ابن حبان في كتابه الثقات من الجواب عن أهم ما رمي به ابن اسحق، وعدَّه تعبيرًا عما في نفسه هو بالنسبة لحال ابن إسحق/ انظر عيون الأثر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 1/ 8 - 17، وسيأتي ذكر خلاصة كلام ابن حبان وغيره بعد قليل ضمن استعراض وتحقيق الأقوال في ابن إسحق. أما الموضع الثاني الذي تكلم فيه المؤلف عن ابن إسحق فهو شرحه لثاني حديث صححه الترمذي في جامعه من طريق محمد بن إسحق، وهو حديث المذي المتقدم ذكره، فإنه في شرحه له قال: ومدار هذا الحديث على ابن إسحق، وقد تقدم -يعني في حديث السواك السابق- التعريفُ بحاله، وأن من الأئمة من صحح حديثه، ومنهم من يقف (عن) الاحتجاج به في الأحكام، وأما الترمذي فيصحح حديثه تارة، ويحسنه تارة. وساق نفس الأمثلة السابقة لما صححه الترمذي ولما حسنه، ثم قال: وربما ذكر من حديثه ما سكت عنه ولم يعرض له بتصحيح ولا تحسين، وترك باب النظر فيه مفتوحًا لمن أراده ... ثم ذكر نفس الحديث السابق أيضًا الذي مثل به لما سكت عنه الترمذي/ شرح الترمذي للمؤلف 1 / ق 247 ب، 248 أ. أقول: وقد قدمت أن هذا الحديث قد مثل به المؤلف في الموضعين لما سكت عنه الترمذي بناء على نسخته هو، ولكن الذي تبين لي أنه غير مسكوت عنه؛ بل صرح الترمذي بتحسينه مشيرًا إلى تقييد ذلك بطريق ابن إسحق التي أخرجه منها كما أسلفت ذكره ص 703. وهناك حديث آخر يصلح مثالًا، حيث أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحق وسكت عنه، وشرحه المؤلف، وقرر سكوت الترمذي عنه، فلو مثّل به لصح تمثيله، خاصة وأن موضعه في جامع الترمذي مقدم على هذا الموضع الثاني الذي أعاد المؤلف فيه التمثيلَ لما سكت عنه الترمذي بنفس المثال الأول. وهذا الحديث الذي سكت عنه الترمذي -بحسب نسخة المؤلف والنسخ الحالية- هو حديث القُلَّتَيْن، فقد أخرجه الترمذي من طريق ابن إسحق معنعنًا وسكت عنه - الطهارة - باب منه برقم 150/ 97 ح 67 ط شاكر، وانظر تحفة الأشراف 6/ 3 ح 7305. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ومن المفيد هنا أن ننبه على أن الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- اعتبر سكوت الترمذي هذا عن الحديث وإتباعه بذكر أقوال العلماء الأخذين به، يعد إشارة إلى صحة الحديث عند الترمذي وعند من ذكرهم من الآخذين به، وهم الشافعي وأحمد وإسحق بن راهويه، واعتمد الشيخ بدوره تصحيح الحديث، وذلك أنه علق عليه بقوله: لم يتكلم الترمذي على هذا الحديث، وإنما ذكر أقوال العلماء الذين أخذوا به وهذا يشير إلى صحته عندهم وعنده، وهو حديث صحيح، أطال العلماء القول في تعليله، لاختلاف طرقه ورواته، وليس الاختلاف فيه مما يؤثر في صحته/ تعليق الشيخ شاكر على جامع الترمذي 1/ 98 هامش. أما المؤلف، فإنه استهل شرح الحديث بقوله: هذا حديث سكت عنه الترمذي، ولم يحكم عليه بشيء، ثم ذكر من صححه غير الترمذي واعتمد تصحيحهم له/ شرح الترمذي للمؤلف 1/ 149 ب - 153 أ. وما سلكه المؤلف من إثبات سكوت الترمذي عن الحديث كما هو، ثم الانتقال إلى معرفة درجة الحديث عند غيره، هو المسلك الصحيح، وهكذا سلكه مِنْ بَعدِه العراقي في تكملته لشرح المؤلف/ انظر تكملة العراقي - أبواب الوتر - باب لا وتران في ليلة، مجلد رقم 510 ج 17 ق 16 أ، ولم أجد من سبق الشيخ شاكر رحمه الله أو وافقه على اعتبار سكوت الترمذي عن الحديث السابق أو غيره تصحيحًا له، وقوله: إن سكوت الترمذي عن الحديث ونقله لقول الآخذين به يشير إلى تصحيح الحديث عنده وعندهم، أقرب ما يُردُّ به أمران: أولهما: إن الترمذي أصلُ جامعه وميزته المعروف بها تصريحه في الغالب بدرجة الحديث، فالسكوت خلاف الأصل، فيحتاج إلى بيان صاحبه لمراده بالسكوت، وأين البيان؟ الأمر الثاني: إن الأخذ بالحديث ممن ذكرهم الترمذي لا يستلزم الصحة، بل الحَسن أيضًا محتج ومأخوذ به، عند جمهور العلماء، ومنهم الأئمة المذكورون. ومع تقريرنا صحة مسلك المؤلف بالنسبة لسكوت الترمذي عن الحديث، إلا أننا ننبه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إلى أن المؤلف نقل عن ابن منده في تأييده لتصحيح الحديث السابق أن محمد بن إسحق أخرج عنه مسلم وأبو داود ... الخ، وقد أقر المؤلف ابن منده على هذا واعتمد تصحيحه للحديث/ شرح المؤلف/ ق 152 أ، ومن المقرر والمعروف أن مسلمًا لم يخرج لابن إسحق احتجاجًا، بل أخرج له متابعة فقط/ انظر المدخل للصحيحين للحاكم بتحقيق د. إبراهيم الكليب مع تعليقه عليه/ 558 أصل وهامش، والميزان للذهبي 3/ 475 وتكملة العراقي لهذا الشرح مجلد رقم 510 ج 1 / ق 26 أ - 27 ب وهدي الساري لابن حجر/ 458، وقد سبق للمؤلف في شرح هذا الباب/ ص 697 تعقب الحافظ عبد الغني المقدسي في قوله: "إن أبان بن صالح روى له البخاري "بأنه أطلق القول برواية البخاري له، وأن ذلك في العرف محمول على الاحتجاج، ولم يقع حديثه في البخاري كذلك، أقول: فلعل إقراره المذكور لابن مندة على إطلاق القول بأن مسلمًا أخرج لابن إسحق، سهو منه عن تعقبه المشار إليه للمقدسي، مع أنه تعقب وجيه وموافق لما تعارف عليه العلماء في كتب الرجال، وغيرها من التمييز بين من أخرج له الشيخان، أو أحدهما، احتجاجًا، أو استشهادًا ومتابعة. ويجدر التنبيه هنا أيضًا إلى أن ابن خلكان في ترجمته لابن إسحق قد ذكر أن مسلمًا لم يخرج لابن إسحق إلا حديثًا واحدًا في الرجم/ وفيات الأعيان 4/ 276، وهذا أيضًا غير مُسلَّم لابن خلكان من وجهين، أحدهما: إطلاقه تخريج مسلم هذا على خلاف العرف المصطلح عليه، وهو الاحتجاج، حيث إن هذا الحديث الذي ذكره وهو حديث الرجم قد أخرجه مسلم لابن إسحق متابعًا لغيره وليس احتجاجًا به وحده/ انظر صحيح مسلم - الحدود - باب رجم اليهود أهل الذمة في الزنا 3/ 1328، 1329 ح 31 مكررًا. الوجه الثاني: إن مسلمًا قد أخرج لابن إسحق غير هذا الحديث أربعة أحاديث أخرى وكلها في المتابعات مثل هذا الحديث/ انظر المدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم مع تعليق د. إبراهيم الكليب عليه 2/ 558 وقد خَرَّج د. إبراهيم تلك الأحاديث بهامش الكتاب من مواضعها في صحيح مسلم، فَلْيَتَنبَّه لهذا الوهم =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المذكور في وفيات الأعيان. وعمومًا فإن ابن إسحق قد كثر الكلام فيه نظرًا لاتساع مروياته في السير والمغازي والأحكام، حتى قال البخاري: ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها، وروى البخاري عن إبراهيم بن حمزة قال: كان عند إبراهيم بن سعد عن ابن إسحق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي/ تهذيب التهذيب 9/ 41 والقراءة خلف الإمام للبخاري/ 36، قال الذهبي: يعني بتكرار طرق الأحاديث، فأما المتون الأحكامية التي رواها فما تبلغ عشر ذلك/ السير 7/ 39، 40، وقال الذهبي أيضًا: وهو أول من دوّن العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحرًا عجاجًا، ولكنه ليس بالمُجوِّد كما ينبغي/ المصدر السابق 7/ 35، ولقد كتب بعض المستشرقين عن ابن إسحق باعتباره أحد الرواد الأوائل في التأليف في المغازي/ المغازي الأولى ومؤلفوها ليوسف هورفتس/ 75 وما بعدها. كما ان الزميل الدكتور مروان شاهين قد جعل رسالته للعالمية (الدكتوراه) سنة 1399 هـ من كلية أصول الدين بالأزهر، موضوعها "محمد بن إسحق وجهوده الحديثية" وانتهى فيها إلى تصحيح حديثه كما هو رأي ابن سيد الناس فيما تقدم. والذي تبين لي خلاف ذلك؛ لأن ابن إسحق قد اجتمع فيه من أقوال النقاد ما يمثل معظم مناهج النقد ومدارسه، فجاء من أقوال النقاد فيه: الجرح والتعديل، مطلقين ومقيّدين ومجملين ومفسرين، ومن الجرح له المفسر، ما هو قاح وما ليس بقادح، ومنه ما صدر من بعض الأقران، ومنه ما صدر من غيرهم، ومن توثيقه ما هو أعلا التوثيق، ومنه ما هو أوسطه، ومنه ما هو أدناه، والجرح كذلك، ومن الجرح والتعديل له ما صدر من متشدد، وما صدر من معتدل، وما صدر من متساهل، وما صدر عن سبر مروياته وفحصها، وما صدر عن شهادة الغير، ومن النقاد أيضًا من تعدد قوله فيه جرحًا وتعديلًا، ومنهم من أشار إلى الخلاف فيه دون ترجيح، ومنهم من رجّح، وتصدي غير واحد من المحققين للجواب عن أكثر ما انتقد به ابن إسحق مع التسليم ببعض الانتقادات =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المقيدة، ومن ثم الجمع بينها وبين التوثيق المطلق، وذلك في تقديري هو الأولى بالاعتماد، كما سيأتي، ولكن المؤلف بعد تصريحه في هذا الباب بتحسين حديثه، كما مر، أشار في شرح الباب نفسه وفيما بعده بأبواب، وهو باب السواك، الى أن الأصل تصحيح حديثه، ثم اتبع الإشارة بتصريحه بتصحيح حديثه مطلقًا، وقد أدى به هذا الى تكلف في رد بعض الانتقاد المفسر الموجه لابن اسحق وإلى مخالفته لما قرره بنفسه فيما تقدم من هذا الشرح فضلًا عن غيره، فمن ذلك ما تقدم ذكره من سكوته عن قول ابن منده: ان ابن إسحق أخرج له مسلم، وعدم تنبيهه على أن رواية مسلم له استشهادًا لا احتجاجًا، مع تعقبه للمقدسي في مثل ذلك كما مر في الأصل قريبًا، وسيأتي بقية ما أشرت إليه، خلال عرضي لمجمل الأقوال في ابن إسحق، ومحاولة تحقيق الأمر فيها بمشيئة الله. فبمراجعة كتب الرجال نجد وصف ابن إسحق بأعلا مراتب التوثيق، حيث وصفه يزيد بن هارون وسفيان بن عيينة وشعبة بأنه: أمير المؤمنين في الحديث/ الثقات لابن حبان 7/ 383، والمدخل إلى معرفة الصحيحين للحاكم 2/ 559، وستأتي لسفيان بعض الأقوال الأخرى أيضًا، بعضها في دفع تهمة الكذب عنه، وبعضها في شأن اتهامه ببدعة القدرية، وكذا سيأتي لشعبة أقوال بتوثيقه. ويبدو أن يزيد بن هارون استمر على توثيقه العالي لابن إسحق حيث روى الخطيب بسنده عن زكريا بن يحيى قال: حُدثت عن مفضل (الغلابي) أنه حضر يزيد بن هارون سنة 193 هـ بالمدينة يحدث بالبقيع وعنده ناس من أهل المدينة يسمعون منه شيئًا بأَخرَة، حتى حدثهم عن محمد بن إسحق فأمسكوا، وقالوا: لا تحدثنا عنه، نحن أعلم به، فذهب يزيد يحاولهم فلم يقبلوا، فأمسك يزيد/ الخطيب 1/ 226، أقول وقد توفي يزيد في غرة ربيع الآخر سنة 206 هـ تهذيب التهذيب 11/ 368، وقال أبو معاوية -محمد بن حازم- كان ابن إسحق من أحفظ الناس، وكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر، جاء فاستودعها محمدَ بن اسحق، وقال: احفظها علَيَّ، فإن نسيتُها كنتَ قد حفظتَها عَليّ/ الخطيب 1/ 220، وذكر الحاكم عن البوشنجي أنه قال في ابن إسحق: هو عندنا ثقة ثقة/ تهذيب التهذيب 9/ 46، وقال الطبري: كان من أهل العلم بالمغازي، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبأيام العرب وأخبارهم وأنسابهم، راوية لأشعارهم، كثير الحديث غزير العلم، طلابة له، مقدمًا في العلم، بكل ذلك ثقة/ المنتخب من ذيل المذيل للطبري، مع تاريخه 11/ 654. وفي مقابل هذا وُصف ابن إسحق بأشد أنواع الجرح، سواء مع بيان السبب أو بدونه، فقد أخرج العقيلي وابن عدي بسنديهما عن سليمان بن داود -يعني الشاذكُونِي- قال: قال لي يحيى بن سعيد القطان: أشهد أن محمد بن إسحق كذاب، قال: قلت وما يدريك؟ قال: قال لي وُهَيب بن خالد: إنه كذاب، قال: قلت لوهيب: وما يدريك؟ قال: قال لي مالك بن أنس: أشهد أنه كذاب، قلت لمالك: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة: أشهد أنه كذاب، قلت لهشام: ما يدريك؟ قال: حدث عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، وأُدخلَتْ عَليَّ، وهي بنت تسع سنين، وما رآها أحد حتى لقيت الله/ الضعفاء للعقيلي 4/ 24 والكامل لابن عدي 6/ 217 والميزان 3/ 471 والسير 7/ 49، 50. وقد عقب الذهبي على تلك الرواية بقوله: معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واه، -يعني ترتيب الرؤية لفاطمة على تحديثه عنها-، قال: ولكن هذه خرافة من صنعة سليمان -وهو الشاذكوني- لا صبحه الله بخير، فإنه مع تقدمه في الحفظ، متهم عندهم بالكذب، وانظر كيف سلسل الحكاية؟ ثم أضاف الذهبي قائلًا: ويبين لك بطلانها أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين، لم يكن زوجها هشام خُلِق بعد، فهي أكبر منه بنيف عشرة سنة، وأسند منه -يعني أعلا سندًا، لسبقها له في التلقي، ثم أيد الذهبي ذلك بأن فاطمة روت عن أسماء بنت أبي بكر، ثم قال: وصح ان ابن إسحق سمع منها -يعني فاطمة- وما عَرف بذلك هشام، أفَبمثل هذا القول الواهي يكذب الصادق؟ كلا والله، نعوذ بالله من الهوى والمكابرة/ السير 7/ 49، 50، وقد أورد الذهبي أيضًا من طريق أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى -يعني القطان- قال: وقال هشام بن عروة: أهو كان يدخل على امرأتي؟ -يعني ابن إسحق- وعقب الذهبي بقوله: وما يدري هشام بن عروة؟ فلعله سمع منها في المسجد، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أو سمع منها وهو صبي، أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا؟ وقد كانت امرأة قد كبرت وأسنت/ الميزان 3/ 470، ثم أورد الذهبي في الصحيفة التالية لهذا، الرواية المتسلسلة كما نقلتها من السير آنفًا، وعقب عليها بالإشارة إلى جوابه السابق ذكره عقب رواية أحمد، ثم قال: والرجل ما قال إنه رآها، أفبمثل هذا يعتمد على تكذيب رجل من أهل العلم؟ هذا مردود، وأضاف الذهبي قائلًا: ثم قد روى عنها محمد بن سُوقة، ولها رواية عن أم سلمة وجدَّتِها -يعني جدةَ فاطمة وهي أسماءُ بنت أبي بكر رضي الله عنهما/ الميزان 3/ 471، ومقصود الذهبي بهذا، كما يبدو: أنه إذا كانت روايتها لغيرها أو عن غيرها تستلزم الرؤية لها عيانًا، فقد روى عنها رجل آخر وهو محمد بن سوقة، ولم يُنكَر عليه ذلك، مع أنه من الغرباء/ تهذيب التهذيب 9/ 46. وروت هي أيضًا عن أم سلمة وأسماء، فكيف يصح مع هذا قول هشام: إنه ما رآها مخلوق منذ زفت إليه في التاسعة من عمرها وحتى ماتت؟ وقال الذهبي أيضًا عقب كلامه السابق: ثم ما قيل من أنها دخلت عليه وهي بنت تسع، غلط بَيّن، ما أدري ممن وقع من رواة الحكاية؟ فإنها أكبر من هشام بثلاث عشرة سنة، ولعلها ما زفت إليه إلا وقد قاربت بضعًا وعشرين سنة، وأخذ عنها ابن إسحق وهي بنت بضع وخمسين سنة، أو أكثر/ الميزان 3/ 471، أقول: فلعل توقف الذهبي هذا في تحديد الراوي الذي وقع منه الخطأ في تلك الحكاية كان قبل أن يبدو له ما جزم به في السير من أن سليمان بن داود الراوي لتلك الحكاية هو الشاذكوني، وأنه هو المتهم بها كما مر، لكن ينبغي التنبه إلى أن الروايات لتلك الحكاية مسلسلة يرد في سندها "سليمان بن داود" فقط دون ذكر نسبته "الشاذكوني" ولا كنيته المعروف بها وهي "أبو أيوب" بل جاء في الموضع السابق من الميزان تكنيته "بأبي داود" فلعله خطأ طباعة أو نسخ، لأن كنية الشاذكوني المعروفة "أبو أيوب" / تاريخ بغداد 9/ 40 وما بعدها، والكامل لابن عدي 1/ 136، وما ذكره الذهبي من نسبة الشاذكوني إلى الكذب هو قول أكثر النقاد ومن نفى عنه الكذب قرر أن كتبه ذهبت فكان يحدث من حفظه فيغلط/ اللسان 3/ 84 - 86 , وأيضًا فإن شيخه في تلك الرواية هو: أبو قلابة عبد الملك بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = محمد الرقاشي، وقد وصف بأنه صدوق يخطيء، تغير حفظه لما قدم بغداد، كما في التقريب/ 365 ط عوامة، وعليه تكون الرواية على أي حال غير معتمدة؛ لحال الشاذكوني وشيخه. هذا وقد مشي ابن عبد البر وأبو الحسن بن القطان وابن سيد الناس وابن حجر على مقتضى ثبوت تلك الرواية بتسلسلها السابق، فاعتبر ابن عبد البر أن مالكًا قلّد هشامًا في هذا الطعن/ جامع بيان العلم 2/ 156، واعتبر ابن القطان مالكًا والقطان مُقلدَيْن لهشام/ عيون الأثر 1/ 13، واعتبر ابن سيد الناس وابن حجر: أن مَن فوق هشام في المسند وهم: مالك ووهيب ويحيى القطان، كلهم مُقلدِين وتابعين لهشام في تكذيبه ابن إسحق/ عيون الأثر 1/ 14، 16، وتهذيب التهذيب 9/ 45، ولم يتعرض أي من الأربعة لنقد تلك الحكاية لا سندًا ولا متنًا كما تقدم عن الذهبي نقدها. لكن إبطال الذهبي لتلك الرواية من ناحية سندها ومتنها لا يعني نَفيَهُ لثبوت وصف كل من هشام ويحيى القطان ومالك، لابن إسحق بالكذب مطلقًا؛ لأن ذلك قد ثبت عن كل منهم من غير طريق الشاذكوني هذه، وبغير هذا السياق المشتمل على الخطأ التاريخي، وقد أورد الذهبي نفسُه عددًا من تلك الروايات المعتمدة عن كل منهم، وتصدى أيضًا للجواب عنها؛ إما بنفسه واما بالنقل عن غيره، كما سنذكره بعد قليل. فقد أخرج الخطيب من طريق أبي داود الطيالسي عمَّن سمع هشام بن عروة وقيل له: إن ابن إسحق يحدث بكذا وكذا عن فاطمة، فقال: كَذبَ الخبيث/ تاريخ بغداد 1/ 222، وعيون الأثر 1/ 11، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق الطيالسي أيضًا قال: نا عمر بن حبيب، قال: قلت لهشام بن عروة: حدثنا محمد بن إسحق. قال: ذاك كذاب/ الجرح 7/ 193، أقول: فلعل المبهم في سند الخطيب هو عمر بن حبيب هذا المصرح به في سند ابن أبي حاتم، ويؤيّد ذلك ما في سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي، حيث قال أبو داود: سمعت عمر بن حبيب القاضي قال: كنا عند هشام بن عروة فقيل له: إن محمد بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إسحق يروي كذا وكذا، فقال: كذب الخبيث/ سؤالات البرذعي للرازي مع الضعفاء له 2/ 589 , 590. وأخرج الخطيب أيضًا عن يحيى بن سعيد القطان قال: سمعت هشام بن عروة وذكر محمد بن إسحق فقال: أَلِعدُو الله، الكذاب، يروي عن امرأتي؟ من أين رآها؟! / تاريخ بغداد 1/ 222 وعيون الأثر 1/ 11. وأخرج العقيلي بسنده عن يحيى القطان يقول: قال هشام بن عروة: متى سمع محمد بن إسحق من فاطمة بنت المنذر؟ ومتى دخل عليها؟ 4/ 25، وأخرج الخطيب أيضًا من طريق علي بن المديني أنه سمع يحيى بن سعيد -يعني القطان- يسأل هشام بن عروة: هل كان محمد بن إسحق يدخل على فاطمة بنت المنذر؟ فقال: وهو كان يصل إليها؟ / تاريخ بغداد 1/ 222، وأخرج ابن أبي حاتم وابن عدي وابن حبان، والعقيلي والخطيب، جميعهم من طريق علي بن المديني أنه سمع يحيى بن سعيد القطان يقول لهشام: إن محمد بن إسحق يحدث عن فاطمة بنت المنذر، فقال: هشام: أهو كان يصل اليها؟ / الجرح 7/ 193 والعقيلي 4/ 24 وتاريخ بغداد 1/ 222 والكامل لابن عدي 6/ 2117 وسير النبلاء 7/ 50. وقد أجاب الذهبي عن ذلك فقال: ويحتمل أن تكون إحدى خالات ابن إسحق من الرضاعة، فدخل عليها، وما عَلِم هشام بأنها خالة له أو عمة/ السير 7/ 50 أقول: وهذا الجواب فيه بُعد، حيث إن ثبوت تلك الصلة لابن إسحق بفاطمة يبعد خفاؤها على زوجها هشام. وهناك جواب متين لابن حبان عقب به على قول هشام السابق فقال: وهذا الذي قاله هشام بن عروة ليس مما يجرح به الإنسان في الحديث؛ وذلك أن التابعين مثل الأسود وعلقمة، من أهل العراق، وأبي سلمة وعطاء، ودونهما من أهل الحجاز، قد سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا اليها، سمعوا صوتها وقَبِل الناس أخبارهم من غير أن يصل أحدهم اليها، حتى ينظر إليها عيانًا، وكذلك ابن إسحق كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مُسبل، أو بينهما حائل من حيث يَسمع كلامَها، فهذا سماع صحيح، والقادح فيه بهذا غير منصف/ الثقات 7/ 381 وقد ارتضى ابن سيد الناس هذا الجواب وعده =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = معبرًا عما في نفسه كما أشرت لذلك فيما تقدم، وانظر عيون الأثر 1/ 16، 17. وأخرج ابن أبي حاتم والعقيلي بسنديهما عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان قال: قال لنا هشام بن عروة: هو كان يدخل على امرأتي؟ كالمنكر لذلك/ الجرح 7/ 193 والعقيلي 4/ 25 والميزان 3/ 470. وقد تقدم جواب للذهبي عن ذلك بمسألة الرضاع، ولكنه أجاب بوجه آخر أقرب من جوابه الأول، حيث يقول: وما يدري هشام بن عروة؟ فلعله سمع منها في المسجد، أو سمع منها وهو صبي، أو دخل عليها فحدثته من وراء حجاب، فأي شيء في هذا؟ وقد كانت امرأة قد كبرت وأسنت؟ الميزان 3/ 470، وفي تذهيب تهذيب الكمال قال: الظاهر أنه سمع منها وهو دون البلوغ، أو أنه سمع منها بالغًا، ولم تظهر عليه، ولو ظهرت عليه فكان ماذا؟ قد كانت حين سمع منها عجوزًا / 3/ 183 ب. وأما ابن المديني فإنه لما نوقش في تصحيح حديث ابن إسحق بتكلم هشام فيه قال: الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها/ تاريخ بغداد 1/ 229 وعيون الأثر 1/ 10 والميزان 3/ 475. وأخرج الخطيب بسنده عن عبد الله بن أحمد قال: نبأنا أبو بكر بن خلاد قال: سمعت يحيى -يعني ابن سعيد القطان- يقول: سمعت هشام بن عروة يقول: يحدث ابن إسحق عن امرأتي، فاطمة بنت المنذر؟ والله إن رآها قط، قال عبد الله بن أحمد: فحدثت أبي بحديث ابن إسحق، فقال: وما ينكر هشام؟ لعله -أي ابن إسحق- جاء فاستأذن عليها، فأذنت له، أحسبه قال: ولم يعلم/ تاريخ بغداد 1/ 223 وعيون الأثر 1/ 11، 12، وفي رواية أن أحمد قال: وقد يمكن أن يسمع منها، تخرج إلى المسجد، أو خارجه، فسمع، والله أعلم/ الكامل 6/ 2120 والضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 3/ 41 بتحقيق أبي الفداء، وذكر ابن عبد البر قول أحمد بلفظ: قد يمكن ابن إسحق أن يراها أو يسمع منها من وراء حجاب من حيث لم يعلم هشام/ جامع بيان العلم 2/ 156 وعلق الذهبي على قول هشام: "والله إن رآها قط" بقوله: هشام صادق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = في يمينه، فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا من عدة نسوة، وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة وما رأوا لها صورة أبدًا/ السير 7/ 38. وقال البخاري: قال لي بعض أهل المدينة: إن الذي يُذكَر عن هشام بن عروة قال: كيف يدخل ابن إسحق على امرأتي؟. لو صح هذا لجاز أن تكتب اليه، فإن أهل المدينة يرون الكتاب جائزًا، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب لأمير السرية كتابًا، فقال له: لا تقرأه حتى تبلغ موضع كذا وكذا، فلما بلغه قرأه وعمل به/ وأخرجه البخاري -تعليقًا كتاب العلم- باب ما يذكر في المناولة البخاري مع الفتح 1/ 153، 154، قال: وكذلك الخلفاء والأئمة، يقضون بكتاب بعضهم إلى بعض، وجائز أن يكون سمع منها وبينهما حجاب، وهشام لم يشهد/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 37 وللبيهقي 61 وتهذيب الكمال 3/ 1168 وتهذيبه 9/ 41 وسير النبلاء 7/ 41، 42، وعلق الذهبي على ذلك بقوله: ذاك الظن بها -يعني ابن إسحق وفاطمة، كما أخذ خلق من التابعين عن الصحابيات، مع جواز أن يكون دخل عليها ورآها وهو صبي، فحفظ عنها، مع احتمال أن يكون أخذ عنها حين كبرت وعَجِزت، وكذا ينبغي، فإنها أكبر من هشام بأزيد من عشر سنين، فقد سمعت من جدتها أسماء، ولمَّا روت لابن إسحق كان لها قريب من ستين سنة/ السير 7/ 42، ولما سئل سفيان بن عيينة: كان ابن إسحق جالسَ فاطمة بنت المنذر؟ فقال: أخبرني ابن إسحق أنها حدثته، وأنه دخل عليها/ الجرح 7/ 192، وتاريخ بغداد 1/ 221 والكامل 6/ 2117، قال الذهبي تعليقًا على هذا: هو صادق في ذلك بلا ريب/ السير 7/ 37، وفي رواية عن ابراهيم بن المنذر أنه قال لسفيان: إن هشام بن عروة كان يقول: من أين لقي ابن إسحق زوجتي فاطمة بنت المنذر فروى عنها وحدث عنها؟ فقال سفيان: ثنا ابن إسحق عن فاطمة كما حدثنا هشام/ سؤالات البرذعي للرازي مع الضعفاء له 2/ 593. أقول: وهذا تدليل عملي على صدق ابن إسحق وهو: أن سفيان وجد ما حدث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = به ابن إسحق عن فاطمة، موافقًا لما حدث به زوجها عنها، وهذا هو المعروف في اصطلاح المحدثين بالاعتبار، وبه يعرف ضبط الراوي، وصدقه. وهكذا توافر هؤلاء النقاد على رد تكذيب هشام بن عروة لابن إسحق، وبيان صدقه في روايته عن فاطمة بنت المنذر، وتوضيح أن روايته عنها، أو دخوله عليها للسماع منها لا يقتضيان رؤيته لها حسبما فهم زوجها هشام أو غيره. أما يحيى بن سعيد القطان فقد أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن علي بن المديني أنه سألَه عن تركه الرواية عن ابن إسحق، فقال: تركته متعمدًا، ولم أكتب عنه حديثًا قط/ الجرح 7/ 193، والسير 7/ 53، وفسر العقيلي ذلك بأنه لم يرو عنه مباشرة، ولا بواسطة راو عنه/ العقيلي 1/ 280، 4/ 27، وفي رواية ليحيى بن غيلان أنه سمعه يقول: ما تركت حديث محمد بن إسحق إلا لله/ الكامل 1/ 111، 6/ 2116 وعيون الأثر 1/ 11 وفي رواية ليحيى بن معين عن القطان أيضًا أنه كان لا يرضى ابن إسحق ولا يروي عنه شيئًا/ تاريخ بغداد 1/ 226، 227، وفي رواية عن علي بن المديني أنه سئل هل كان القطان لا يحدث عن ابن المديني لرأيه؟ -يعني في القول بالقدر، كما سيأتي- قال: لا، ليس لرأيه، وإنه كان سيء الرأي فيه، يضعفه/ العقيلي 4/ 26، وأخرج ابن أبي حاتم بسنده عن الفلاس قال: كنا عند وهب بن جرير، فانصرفنا من عنده، فمررنا على يحيى بن سعيد القطان، فقال: أين كنتم؟ قلنا عند وهب بن جرير -يعني- يقرأ علينا كتاب المغازي عن أبيه عن ابن إسحق، فقال: تنصرفون من عنده بكذب كثير/ الجرح 7/ 193 وعيون الأثر 1/ 12 وفي رواية للعقيلي: أن الفلاس سمع يحيى يقول نحو هذا لعبيد الله القواريري، لما قال له: أذهبُ إلى وهب بن جرير أكتب السيرة/ العقيلي 4/ 25 والميزان 3/ 469 والسير 7/ 52. وقد أجاب ابن سيد الناس عن تكذيب ابن القطان لابن إسحق بأنه تبع في هذا هشام ابن عروة تقليدًا له، وبنى ابن سيد الناس ذلك كغيره ممن قدمت ذكرهم، على الحكاية المسلسلة بهذا، من هشام إلى ابن القطان إلى مالك/ عيون الأثر/ 1/ 14، وقد مر نقد الذهبي لتلك الحكاية سندًا ومتنًا، وعليه فالتعويل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عليها في الجواب غير سديد، وقد تقدمت الروايات المتعددة عن القطان منفردًا بتكذيبه لابن إسحق مطلقًا، وبسبَب غير روايته عن فاطمة زوجة هشام، وقد قرر الإمام أحمد ما لمسه بنفسه من موقف ابن القطان من ابن إسحق فقال: ما رأيت يحيى بن سعيد أسوأ رأيًا منه في محمد بن إسحق، وليث، وهمام، وحجاج بن أرطأة، لا يستطيع أحد أن يراجعه فيهم/ العقيلي 1/ 279 ترجمة حجاج، 4/ 47، وشرح العلل لابن رجب 1/ 126. وفي رواية: لا نستطيع أن نراجعه فيهم/ السير 7/ 72 ترجمة حجاج، فهذا يدل على وجود رأي شخصي للقطان يفوق مستوى التقليد للغير، ثم إن قول أحمد في الرواية الثانية: لا نستطيع أن نراجعه -يعني ابن القطان- يدل على أن أحمد كان لا يقر تكذيب ابن القطان لابن إسحق. هذا وقد جاء في طبعة كل من الميزان وسير النبلاء للذهبي: أن يحيى بن سعيد الأنصاري ممن جرح ابن إسحق، وهذا خطأ عنيت بالتنبيه عليه لشيوع نقله عن المصدرين المذكورين، والصواب أنه "يحيى بن سعيد القطان" السابق نقل الروايات المتعددة عنه بطعنه البالغ في ابن إسحق، وتوضيح ذلك: أنه جاء في السير 7/ 49 عن العقيلي حدثنا محمد بن العباس مولى بني هاشم حدثنا أحمد بن منصور، زاج، حدثني أحمد بن زهير سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: كان يحيى بن سعيد الأنصاري ومالك يجرحان محمد بن إسحق، وكذا جاء في الميزان 3/ 469 مع حذف السند إلى عبد الرحمن بن مهدي، وبمراجعة العقيلي 4/ 23 نجد روايته هذه بنفس السند إلى ابن مهدي، وفيها "يحيى بن سعيد القطان" وكذا أخرج الحاكم الرواية بسنده عن أحمد بن زهير عن ابن مهدي قال: تكلم أربعة في محمد بن إسحق ... وذكر وصف شعبة وسفيان له بأنه أمير المؤمنين في الحديث كما تقدم، ثم قال: وأما مالك ويحيى بن سعيد القطان فكانا يجرحانه/ المدخل إلى معرفة الصحيحين 2/ 559. وجاء في السير أيضًا 7/ 49 عن أبي داود الطيالسي عن محمد بن مسلم بن أبي الوضَّاح قال: كنت عند يحيى بن سعيد الأنصاري فقيل له: إن أهل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = العراق يروون العلم عن محمد بن إسحق، فقال يحيى: تروون العلم عن محمد بن إسحق؟ تروون العلم عن محمد بن إسحق؟! وأخرج البرذعي الرواية بنفس الإسناد، وفيه: سمعت يحيى بن سعيد يقول: يروي أهل العراق عن محمد بن إسحق كتابه؟، كأنه تعجب وكره ذلك/ سؤالات البرذعي للرازي مع كتاب الضعفاء له 2/ 590، وقد علق محقق الكتاب بأن يحيى بن سعيد هذا هو الأنصاري/ هامش الصفحة السابقة. أقول: والرواية عند العقيلي بسنده عن الطيالسي، وفيها "القطان" بدل "الأنصاري" 4/ 24 ومما يؤيد ذلك أيضًا أن يحيى بن سعيد الأنصاري معدود من أئمة العلماء الذين رووا عن ابن إسحق/ تاريخ بغداد للخطيب 1/ 215، في حين تقدم لنا أن القطان لا يروي عن ابن إسحق ولا حتى بالواسطة، وفي وفيات الأعيان 4/ 276 جاء العكس وهو أن يحيى بن سعيد القطان ممن وثق ابن إسحق، والصواب أنه الأنصاري، فليتنبه لذلك، والله الموفق. وقد علق الذهبي على قول القطان السابق، بوجود الكذب فيما يرويه ابن إسحق في السيرة: بأن ذلك إشارة منه إلى ما فيها من الواهي من الشعر، ومن بعض الآثار المنقطعة المنكرة/ السير 7/ 52، وقال المنذري: وهو صالح الحديث ما له عندي ذنب إلا ما قد حشا في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة/ الترغيب والترهيب للمنذري 4/ 577 فصل الرواة المختلف فيهم، وقد ذكر هذا الكلام في الميزان غير منسوب للمنذري 3/ 469. وقد قال الذهبي عقب كلامه السابق عن السيرة: فلو حذف منها ذلك لَحَسُنت/ السير 7/ 52، وهذا يشير إلى تسليمه بتوجه هذا النقد لسيرة ابن إسحق، وان كان سيأتي وصفه له بأنه علامة في المغازي/ انظر السير 7/ 37، فَيُحْمَلُ ذلك على غير المنتقد عليه. فقد ذكر الذهبي أيضًا رواية عن أبي عمرو الشيباني أنه رأى ابن إسحق يعطي الشعراء الأحاديث يقولون عليها الشعر، وذكر عن الخطيب البغدادي قوله: رُوي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أن ابن إسحق كان يرفع إلى شعراء وقته أخبار المغازي، ويسألهم أن يقولوا فيها الأشعار، ليُلحِقَها بها/ الميزان 3/ 471، أقول: وهذا القول لم أجده في ترجمة الخطيب لابن إسحق في تاريخ بغداد، ولكن فيها شهادته له بالصدق، تعقيبًا على مجمل انتقادات العلماء له/ تاريخ بغداد 1/ 224. وذكر ياقوت الحموي عن ابن أبي حازم قال: إنه -يعني ابن إسحق- كانت تعمل له الأشعار فيضعها في كتب المغازي، فصار بها فضيحة عند رواة الأخبار والأشعار، وأخطأ في كثير من النَسَب الذي أورده في كتابه/ معجم الأدباء 18/ 5 - 8، وذكر ابن النديم تلك الرواية بوجه آخر بالنسبة للأشعار، فقال: ويقال: كان يُعمَل له الأشعار ويؤتي بها ويسأل أن يُدخِلَها في كتابه في السيرة فيفعل ... الخ/ الفهرست/ 136؛ فهذه الرواية تفيد أنه لم يكن هو الذي يطلب تلك الأشعار، بل كان يُؤتى بها، ويُطلب منه إدخالها في كتابه. وعلى كُلِّ فإن كل تلك الانتقادات الموجهة إلى ابن إسحق بسبب ما ألَّفه في السير والمغازي، لا يقتضي وصفه بالكذب، كما لا يقتضي رد كل مروياته في السيرة أو ضعفها، فضلًا عن مروياته في غيرها من الأحكام ونحوها، وذلك لما يأتي: بالنسبة للأشعار التي وصفت بأنها مصنوعة، قد راجعت نماذج منها فوجدت ابن إسحق يوردها بطريقة تدل على عدم جزمه بثبوتها، ويُلقي عهدتها على المأخوذة عنه، وبالتالي لا يلحقه بذلك عيب ولا فضيحة كما قيل، فمثلًا عند ذكره لسبب غضب تُبَّع، ملك اليمن على أهل المدينة المنورة وعزمه على قتالهم، وشعره في ذلك، استهل ابن إسحق ذلك بقوله: وهذا الحي من الأنصار يزعمون ... وساق السبب وأتبعه بشعر لتُبع، وقد ذكر ابن هشام أن هذا الشعر مصنوع، ولذلك حذفه في تهذيبه للسيرة وأبقى بيتًا واحدًا منه فقط/ سيرة ابن هشام 1/ 18 ط القاهرة، وفي موضع آخر يقول: وكان عبد المطلب -فيما يزعمون يوصي أبا طالب برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ... فقال عبد المطلب -فيما يزعمون- فيما يوصيه به ... وذكر عدة أبيات من شعره ... / انظر القطعة المحققة من سيرة ابن إسحق، بتحقيق د. محمد حَميد الله/ 47 ط تركيا. وعندما يجد خلافًا في نسبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بعض الأشعار إلى قائلها، ولا يترجح لديه شيء ينبه على ذلك، مثل قوله: وقد قال عمر بن الخطاب -فيما يزعمون- بعد إسلامه ... وقائل يقول: قالها أبو طالب، فالله أعلم بمن قالها ... ثم ساق الأبيات/ سيرة ابن إسحق/ 193 الطبعة السابقة، فهو بهذا يورد مثل تلك الأشعار بحسب زعم قائليها له، ويبريء نفسه صراحة، كما في عباراته السابقة - من عهدة ثبوتها، أو الجزم بقائلها، وذلك يدل على تحريه ونقده، وأمانته في الرواية، لا على فضيحة أو كذب، وقد ذكر ابن هشام في مقدمة تهذيبه لسيرة ابن إسحق أن مما تركه للاختصار أشعارًا ذكرها ابن إسحق ولم ير ابن هشام أحدًا من أهل العلم بالشعر يعرفها/ سيرة ابن هشام 1/ 3، ولعل قول ابن هشام هذا هو منطلق قول غيره بنقد ابن إسحق فيما جاء في سيرته من أشعار، في حين أن قوله هذا لا يقطع بكون تلك الأشعار مصنوعة؛ لأنه لا يُستَبعدُ أن يعرفها من لم يرهم ابن هشام من أهل العلم بالشعر، وقد تقدم وصف الطبري لاين إسحق بأنه كان راوية لأشعار العرب، ثقة في ذلك، والطبري ممن مارس روايات ابن إسحق، وخاصة في السير والمغازي، وأكثر من ذكرها في تاريخه المعروف كما يُدرَك ذلك بأدنى تأمل. وبالنسبة للخطأ في الأنساب، يبدو أنه ليس كثيرًا كما ذكر ابن أبي حازم، لأن ابن إسحق قد قرر بنفسه عنايته بضيط مضامين كتابه في السير والمغازي وحفظه، حيث أخرج ابن أبي حاتم بسنده عن يونس بن بكير يقول: سمعت محمد بن إسحق يقول: حفظت المغازي بمكة مرة، ثم تفلت مني، ثم عدت فيها فحفظتها/ الجرح 7/ 192، وقد راجعت مواضع متعددة من تعليقات ابن هشام خلال تهذيبه لسيرة ابن إسحق فوجدت أن ابن إسحق قد ينسب الرجل إلى أمه أو إلى جده، فيعلق ابن هشام على ذلك بذكر النسبة إلى الأب/ سيرة ابن هشام 1/ 15، 39، وقد يذكر نسبًا لقبيلة أو فرع فيذكر ابن هشام قولًا آخر في ذلك/ سيرة ابن هشام 1/ 83، 98، 99، ومثل هذا لا يعتبر خطأ، كما أنه كثيرًا ما يصدر سياقه للنسب بمثل ما صدر به ذكره للأشعار، كما قدمته، مثل قوله: وأما قُمعة فيزعم نساب مضر أن خزاعة من ولد عمرو بن لحي بن قمعة بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = إلياس، وقد تابعه على هذا ابن هشام/ سيرة ابن هشام 1/ 81، فما يكون في ذلك من خطأ، فعهدته على من رواه عنه ابن إسحق، خاصة مع تنبيهه على عدم الجزم أو الإقرار، بمثل عبارة الزعم السابقة، وعلى التسليم بوقوع خطأ منه هو في الرواية، فذلك قليل بحيث يقتضي خفة ضبطه فقط، وبالتالي يظل في مرتبة المحتج به في غير ما يثبت خطؤه فيه، وقد أسلفت توثيق الطبري له في العلم بأخبار العرب وأيامهم وأنسابهم، وسيأتي قول ابن حبان بأنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم منه. وقد ذكر ابن هشام أيضًا من عناصر اختصاره لسيرة ابن إسحق حذفَ أشياء بعضها يشنع الحديث به، وبعض يسوء بعض الناس ذكرُه/ سيرة ابن هشام 1/ 3 وكذلك أشار الذهبي كما تقدم، إلى أنه وقع في السيرة أخبار منقطعة منكرة، ونحن حين نجيل النظر في السيرة لابن إسحق نجده عند ذكر كثير من الروايات يجري على نمطه السابق الإشارة إليه، فتارة يشير إلى توقّفه وشكَّه في المروي، وتارة يجعل عهدة ثبوت المروي على من أخذه عنه هكذا، كان يقول: كما ذُكر لي/. سيرة ابن هشام 1/ 25، ويقول: فيما يزعم أهل اليمن/ سيرة ابن هشام 1/ 23، 25، ويقول: فيما يزعم بعض أهل العلم كذا/ المصدر السابق 1/ 51، ويقول: فيما يزعمون -والله أعلم-/ سيرة ابن إسحق/ 147، ويقول فيما بلغني كذا/ سيرة ابن هشام 1/ 420، 421 وسيرة ابن إسحق/ 146، وبعض الروايات يعقبها بقوله: والله أعلم أي ذلك كان/ سيرة ابن هشام 1/ 24، 35، وسيرة ابن إسحق/ 200، ويقول: يُشَك في كذا/ سيرة ابن إسحق/ 156، فطالما أنه يقرن مثل تلك الروايات بمثل هذا النقد الضمني، أو الصريح، فيكون ذكره لها لتمييزها وليعلم حالها فلا يغتر بها غيره أو يعول عليها، وقد أجاب ابن حبان بنحو هذا عن رواية ابن إسحق بعض أخبار المغازي عن أهل الكتاب كما سيأتي/ وانظر الثقات/ 7/ 382، 383، وبذلك فإن انتقاده بإيراد هذه الروايات لا يسلم لقائله، ومع ذلك فإننا نسلم بأن ما وجد منها معلولًا سندًا أو متنًا أو كليهما، فإنه يكون مردودًا، ولكن يحتج بما عداه =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = من مروياته في السيرة وغيرها كما سيأتي، وكذلك ذكره للمقاطيع المنكرة وما في سنده مبهم، طالما ساق سنده به، بحيث يتبين ذلك للناظر فيه، كما لاحظته بالاطلاع على السيرة/ ص 85، 86، 126، فلا مطعن بذلك في توثيقه، وما يعد من ذلك منكرًا فلعل مرجع نكارته إلى سعة مرويات ابن إسحق، بحيث نفرد بما لم يوجد عند غيره من الروايات والشيوخ فقد قال البخاري: محمد بن إسحق ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها لا يشاركه فيها أحد/ السير 7/ 43 وقال ابن يونس: إن ابن إسحق قدم الاسكندرية سنة 115 هـ، وروى عن جماعة من أهل مصر، منهم عبيد الله بن المغيرة وذكر خمسة آخرين، ثم قال: روى عنهم أحاديث لم يروها عنهم غيره فيما علمت/ السير 7/ 47، 48، وبهذا لا يطعن عليه بتلك الغرائب، وُيقبل منها ما لم يُخالِف فيه من هو أوثق منه. كما أنه لم يلزم نفسه في سيرته ومغازيه بذكر المحتج به فقط، ثم إن ما لا يتضمن حكمًا من أخبار الغازي والسير، قد يُتَسامح فيه برواية المراسيل وما في إسناده ضعيف بغير تهمة الكذب وغلبة الوهم، كما نبه على ذلك البيهقي في تأليفه فيها/ انظر دلائل النبوة للبيهقي 1/ 34 , 40 بتحقيق د. القلعجي، ولكن هذا التسامح في القبول لا يرفع وصف الضعف عما عنده في السيرة من تلك الروايات ونحوها، وما عداها يكون مقبولًا ومحتجًا به. وبهذا كله يتجلى لنا أنَّ واقع ما ألَّفه ابن إسحق في المغازي والسيرة، ينفي تهمة الكذب عنه، ويؤيد ذلك ما سيأتي من شهادات النقاد بعد، وأما باقي الأقوال المختلفة في سيرة ابن إسحق قبولًا وردًا بغير تهمة الكذب، فيمكن الجمع بينها، بأن الأقوال بالقبول أو الثناء المطلق تُقيد بغير المنتقد بعلة قادحة، سواء كان مرجعها إلى من روى عنهم ابن إسحق، أو إلى وهم ابن إسحق أو تدليسه أو شذوذه، ومما يؤيد هذا أن الإمام الذهبي مع انتقاده المتقدم لبعض مشتملات السيرة، أشاد بعلم ابن إسحق وتبحره في السيرة والمغازي فقرر أنه كان في ذلك بحرًا، وعلامة/ تذكرة الحفاظ 1/ 173 والسير 7/ 37. وعلى هذا التقييد بغير المنتقد، تحمل شهادات المتقدمين والمتأخرين بإمامة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن إسحق والاحتجاج به في المغازي والسير، فقد وصفه الحافظ ابن حجر بذلك، وقرر أن الجمهور على قبوله في السير/ انظر هدي الساري/ 371، 458، وذكر ابن عدي أيضًا أن تأليف ابن إسحق في السيرة فضيلة سَبق بها، ثم صنفها بعده قوم آخرون ولم يبلغوا مبلغه/ الكامل 6/ 2125، وأخرج البيهقي بسنده عن أبي العباس الدغولي قال: محمد بن إسحق بن يسار، إمام في المغازي صدوق في الرواية/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 59 بتحقيق أبي هاجر. أما الزهري وهو من أئمة المغازي والسير ومن شيوخ ابن إسحق فيها وفي غيرها، فإنه لما سئل عن مروياته في المغازي أشار إليه قائلًا: هذا أعلم الناس بها/ الكامل 6/ 2119 وتاريخ بغداد 1/ 219، والسير 7/ 36 وتهذيب التهذيب 9/ 41، وقال في مجلس له: مَن أراد المغازي فعليه بذاك الغلام/ منتخب الإرشاد للخليلي 26 ب يعني ابن إسحق والتاريخ الكبير للبخاري 1/ 40، وروى البخاري عن إبراهيم بن المنذر، ثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان يتلقف المغازي من ابن إسحق فيما يحدثه عن عاصم بن عمر بن قتادة/ تهذيب التهذيب 1/ 49 وسير النبلاء 7/ 39، 220، والقراءة خلف الإمام للبخاري/ 36 وكذلك أخرج الخليلي بسنده عن إبراهيم بن المنذر عن عمر بن عثمان التيمي قال: سمعت أن ابن شهاب كان يُجلِس محمد بن إسحق يتروى منه حديث عاصم بن عمر بن قتادة/ منتخب الإرشاد/ 27 أ. أقول: وهاتان الروايتان تدلان على استفادة الزهري في المغازي والسيرة وغيرهما من تلميذه ابن إسحق، ولكن المطبوع بين أيدينا من مغازي ابن إسحق فيه روايات متعددة له عن الزهري، في حين أن ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه من مغازي الزهري من طريق معمر عنه، لم أقف فيه على رواية للزهري عن ابن إسحق، ولا عن عاصم بن عمر بن قتادة، كما لم أجد في ترجمة الزهري الموسعة عند المزي وابن عساكر أنه روى عن ابن إسحق أو عاصم بن عمر، لكن يكفينا قول الزهري السابق: أن من أراد المغازي فعليه بابن إسحق، فذلك واضح في توثيقه فيها، بالإضافة إلى ما عرف من ثنائه العام على علمه حيث قال: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لا يزال بالمدينة علم جم ما بقي هذا، يعني ابن إسحق، وفي رواية: لا يزال بالحجاز علم كثير ما دام هذا الأحول بين أظهرهم/ الجرح والتعديل 7/ 191، والقراءة خلف الإمام للبيهقي/ 58 بتحقيق أبي هاجر. أما الإمام الشافعي فذكر الخطيب وغيره: أنه كان معجبًا بابن إسحق، كثير الذكر له، وينسبه إلى العلم والمعرفة والحفظ/ تاريخ بغداد 1/ 227 وبالنسبة للمغازي خصوصًا قال: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على ابن إسحق/ تاريخ بغداد 9/ 211، والسير 7/ 36، ونقل ذلك عنه ابن كثير وأقره/ البداية والنهاية 10/ 126، وكذا ابن خلكان/ وفيات الأعيان 4/ 226. وتقدم أيضًا توثيق الطبري له في المغازي والسيرة النبوية، وقد أشرت هناك الى اعتماد الطبري عليه في ذلك، أما البخاري فإنه في معرض رده على تكذيب مالك له في المغازي وغيرها كما سيأتي - قال: كان إسماعيل بن أبي أويس من أَتْبع من رَأينا لمالك، أخرج إليَّ كتب ابن إسحق عن أبيه في المغازي وغيرها، فانتخبت منها كثيرًا/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 36 السير 7/ 39 وتهذيب التهذيب 9/ 41، فهذا يفيد أمرين: أحدهما: إشارة البخاري إلى عدم موافقة ألصق الناس بمالك له على تكذيبه محمدَ بن إسحق، لا في السير ولا في غيرها كما سيأتي ذكره، وقد مثل البخاري لهؤلاء بإسماعيل بن أبي أويس، وهو من شيوخ البخاري. الثاني: تقرير البخاري أنه أخذ من طريق شيخه ابن أبي أويس هذا مرويات كثيرة لمحمد بن إسحق في السيرة وفي غيرها، وهذا يدل على أن المنتقد من روايات ابن إسحق في نظره، قليل بالنسبة الى المقبول، ومع أنه لم يدخل ما انتقاه في المحتج به في صحيحه، إلا أنه أودع الكثير منه في المتابعات والشواهد، معلقًا، وخاصة بصيغة الجزم، قال الحافظ ابن حجر: وله -أي ابن إسحق- مواضع عديدة معلقة عنه -أي مباشرة- وموضع واحد قال فيه: قال إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحق، فذكر حديثًا/ هدي الساري/ 458 وانظر البخاري =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مع الفتح -الجهاد- باب كراهية السفر بالمصاحف إلى أرض العدو 6/ 133، والمغازي - باب عمرة القضاء 7/ 509 , 510 وهذه الرواية من السيرة لابن اسحق، وقد علل الخليلي عدم تخريج البخاري لابن اسحق احتجاجًا فقال: وإنما لم يخرجه البخاري في الصحيح من أجل روايته للطوالات والمغازي، ويستشهد به، وأكثر عنه فيما يحكي من أيام النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي أحواله، وفي التواريخ/ منتخب الإرشاد للخليلي 26 ب. أقول: وتعليل الخليلي هذا غير متجه، لأنه لو كانت رواية الطوالات - وهي الأحاديث الطويلة السياق، كما تقدم توضيحه ص 510 ت والمغازي هما سبب عدم احتجاج البخاري به، لما احتج بالإمام الزهري، وهو شيخ ابن إسحق في المغازي خصوصًا، ومعروف أيضًا برواية الطوالات كما تقدم توضيحه في التعليق على ترجمته من هذا الشرح ص 511، 512 ت، وانظر ترجمة الزهري من تاريخ ابن عساكر ص 60، 61، 77 وما بعدها، وبذلك لا نُسلم للخليلي تعليله المذكور، وأقرب منه في تقديري أن نقول: إن البخاري يرى توثيق ابن إسحق، وقبول مروياته في السيرة والمغازي وغيرها، بدرجة أدنى من شرطه في صحيحه الذي يعد من أعلا درجات الصحيح، فذلك ما يُفْهم من مجموع كلامه السابق والآتي عنه، مع استشهاده كثيرًا به في الصحيح، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أنه لا يلزم من كون الراوي على غير شرط البخاري أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحًا للاحتجاج به عنده، وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلى شروط الصحة/ الفتح 2/ 205، ومما يؤيد ذلك أن البخاري قد احتج بروايته في كتاب القراءة خلف الإمام مع الدفاع عنه بما تقدم بعضه/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 35 - 37، ونقل البيهقي ذلك عن البخاري أيضًا وأقره/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 58، وكذلك في ترجمة البخاري في تاريخه لابن اسحق، نقل أقوال كبار الموثقين له، والقائلين بالاحتجاج به في السيرة وغيرها، والمدافعين لما اتهم به، وأقر ذلك كله، ولم يتعقبه بشيء/ التاريخ الكبير 1/ 40، والسير 7/ 39، وذكر الذهبي أن البخاري لم يذكر ابن أسحق في كتاب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الضعفاء له/ الميزان 3/ 471، ومن بعده قال العراقي أيضًا: إن البخاري ذكر ابن اسحق في تاريخه ولم يتكلم فيه، ولم يذكره في الضعفاء التي له، لا الكبرى ولا الصغرى، ورد العراقي بهذا على قول ابن العربي في العارضة 2/ 316: إن البخاري أسقط ابن اسحق، وقال: وإنما أراد ابن العربي بقوله: "أسقطه" أنه لم يخرج له في صحيحه، وكم من جماعة ثقات لم يخرج لهم البخاري في الصحيح وخَرَّج عمن دونهم/ تكملة شرح الترمذي للعراقي، مع تصرف يسير/ مجلد رقم 510 ج 261 أ - 27 ب. أقول: فأقل ما يفهم من هذا كله، مع ما سيأتي من باقي دفاع البخاري عن تكذيب مالك لابن إسحق، أن البخاري يقر توثيق ابن اسحق والاحتجاج به في السيرة وغيرها، ولكن بدرجة أدنى من شرطه في الصحيح، وبهذا صرح ابن خلكان فقال: وإنما لم يخرج البخاري عنه -يعني احتجاجًا- وقد وثقه/ وفيات الأعيان 4/ 276. هذا وسيأتي قول أحمد أيضًا في الاحتجاج بابن إسحق في المغازي والسير، وتحقيق ذلك ضمن أقوال أحمد المتعددة في ابن إسحق إن شاء الله. كما سيأتي نقد مالك لابن إسحق برواياته للمغازي عن اليهود مع الجواب عنه، أما قوله باتهامه بالكذب، وبتكذيبه صراحة، فقد نُقل عنه من عدة طرق معتبرة، حتى قال الخطيب البغدادي: أما كلام مالك في ابن إسحق فمشهور غير خاف على أحد من أهل العلم بالحديث/ تاريخ بغداد 1/ 224، ثم قال: وكان مالك بن أنس يسيء القول في ابن إسحق، وأيد ذلك بما أخرجه بسنده عن هشام بن عبد الملك أنه قال: كان مالك بن أنس سيء الرأي في ابن اسحق/ تاريخ بغداد 1/ 223، وأخرج العقيلي بسنده عن وهيب بن خالد قال: سألت مالك بن أنس عن محمد بن إسحق قال: فقال: واتهمه، قال عباس -يعني العنبري- بيده: إني أَتهمه/ الضعفاء للعقيلي 4/ 23، وأخرج الخطيب بسنده عن حسين بن عروة، وابن عدي بسنده عن وهيب بن خالد كلاهما أنهما سمعا مالك ابن أنس يقول: محمد بن إسحق كذاب/ تاريخ بغداد 1/ 223 والكامل 6/ 2116. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = هذا وهناك رجل في غاية التوثيق والصلابة في التمسك بالسنة وهو عبد الله بن إدريس بن يزيد الأودي الكوفي ولد سنة 115 هـ على الراجح وتتلمذ لكل من ابن إسحق ومالك، لكن كان بينه وبين مالك صداقة وروى عنه مالك أيضًا وقال ابن عدي أن مالكًا لم يرو عن أحد من الكوفيين غيره/ الكامل 1/ 18 تهذيب الكمال 2/ 665 وتهذيب التهذيب 5/ 144، 145، وقد روى عن ابن إدريس هذا من طرق وبألفاظ مختلفة طعن ابن إسحق في مالك، وطعن مالك في ابن إسحق عمومًا وفي المغازي خصوصًا، ومن أوضح وأتم الروايات عنه ما ذكره ابن عبد البر حيث قال: والكلام ما رويناه من وجوه عن عبد الله بن إدريس أنه قال: قدم علينا محمد بن إسحق فذكرنا له شيئًا عن مالك، فقال: هاتوا علم مالك فأنا بيطاره، قال ابن إدريس: فلما قدمت المدينة ذكرت ذلك لمالك بن أنس، فقال: ذلك دجال الدجاجلة، ونحن أخرجناه من المدينة، قال ابن إدريس: ولم أكن سمعت بجمع "دجال" قبلها على ذلك الجمع/ جامع بيان العلم لابن عبد البر - باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض 2/ 156، وقول ابن إدريس: "قدم علينا ابن إسحق" يحتمل أن يكون مراده قدوم ابن إسحق إلى الكوفة، حيث أنها أول ما ذكر ابن سعد من البلاد التي قصدها ابن إسحق لما خرج من المدينة قديمًا/ طبقات ابن سعد 7 / قسم 2 ص 67، وابن إدريس معدود من مشاهير علماء الكوفة ومحدثيها، وقد توفي فيها في عشر ذي الحجة سنة 192 هـ/ تهذيب التهذيب 5/ 145 ومشاهير علماء الأمصار/ ص 163، 173، والبداية والنهاية 10/ 236، 237، وفيات سنة 192 هـ. وفي هذه الرواية كما نرى أن ابن إسحق لم يتكلم في مالك ابتداء كما يفهم من بعض الروايات الأخرى المجملة، ولكنهم لما ذكروا له شيئًا من علم مالك، تكلم فيه بما تقدم، وفي تلك الرواية أيضًا أن ابن إدريس هو الذي نقل إلى شيخه وصديقه مالك قول ابن إسحق فيه، ولعله قصد بذلك استجلاء الحقيقة فقط، بناء على ما عرف به من ديانة وثقة كما مر، وفي رواية لابن أبي حاتم، ومن طريقه الخطيب: أن ابن إدريس قال: قلت لمالك بن أنس -وذكر المغازي- =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فقلت: قال ابن إسحق: أنا بيطارها فقال: قال لك أنا بيطارها؟ نحن نفيناه عن المدينة/ الجرح 7/ 192، 193، وتاريخ بغداد 1/ 123، وفي هذه الرواية دلالة على توجه نقد مالك لمغازي ابن إسحق، دون اشتمال كلام ابن إسحق المذكور على نقد لمالك. وفي رواية أخرى أخرجها ابن أبي حاتم، ومن طريقه الخليلي، أن يحيى بن آدم قال: نا ابن إدريس قال: كنت عند مالك بن أنس، وقال له رجل: يا أبا عبد الله: إني كنت بالري عند أبي عبيد الله، وثم محمد بن إسحق فقال محمد بن إسحق: اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره، فقال مالك: دجال من الدَّجَاجِلَة يقول: اعرضوا علي علمي؟! / الجرح 7/ 193 منتخب إرشاد الخليلي 27 ب، 28 أوفيه زيادة قول ابن إدريس: لم أسمع جمع الدجال إلا منه، يعني: من مالك، ونحوه في رواية البرذعي عن مسلم بن الحجاج بسنده إلى يحيى أيضًا، به/ انظر سؤالات البرذعي للرازي، ضمن كتاب "أبي زرعة الرازي وجهوده في السنة" دراسة وتحقيق د. سعدي الهاشمي، وكذا رواية العقيلي/ الضعفاء له 4/ 24 وفي رواية ابن عدي بدون ذكر قول ابن إدريس/ الكامل 6/ 2119. وانظر سير النبلاء 7/ 50، ومن تلك الرواية يظهر أن كلام ابن اسحق هذا لم يكن بالكوفة، ولكن بالري، ولم يحضره ابن إدريس، ولكن نقله لمالك شخص آخر بحضوره، وهذا الشخص سمعه من ابن إسحق في مجلس أبي عبيد الله، وهو معاوية بن عبيد الله بن يسار، وكان وزيرًا للمهدي بن أبي جعفر، المنصور، حين ولاه أبوه سنة 147 على خراسان، وأقام بالري/ البداية والنهاية 10/ 89 حوادث سنة 141 هـ وص 149 والطبري 8/ 118 أصل وهامش وسير النبلاء 7/ 398، فلعل واقعة الكلام من كل من مالك وابن إسحق تعددت، وفي رواية الفسوي من نفس الطريق أن ما ذكر لابن إسحق في مجلس الوزير المذكور، كان كُتبًا لمالك ولما قيل له ذلك قال: دجال من الدجاجلة تعرض كتبي عليه؟ / المعرفة والتاريخ 3/ 32 وفي نص الرواية خلل وفي التعليق عليها بالهامش وَهَم، يعرف من مراجعة الرواية في المصادر السابق ذكرها، وحدد ابن حبان أن ابن اسحق عني بكلامه: موطأ مالك عندما ألفه/ الثقات 7/ 382. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقول ابن إسحق إنه بيطار كتب مالك، أو علمه، إشارة منه الى وجود علل قادحة فيه، وأنه خبير بها قادر على كشفها، وقد اعتبر الخطيب البغدادي أن ذلك أشد نقد وجه لمالك ممن تكلموا فيه، حيث قال: وكان أشدهم فيه كلامًا محمد بن إسحق، كان يقول: ائتوني ببعض كتبه حتى أبين عيوبه، أنا بيطار كتبه/ تاريخ بغداد 1/ 224، وقد اعتبر ابن خلكان ذلك هو الدافع لكلام مالك بدوره في ابن إسحق، فقد قال: إنما طعن مالك فيه، لأنه بلغه عنه أنه قال: هاتوا حديث مالك، فأنا طبيب بعلله، فقال مالك: وما ابن إسحق؟ إنما هو دجّال من الدجاجلة، نحن أخرجناه من المدينة، ثم علق ابن خلكان على ذلك بأن كلام مالك المذكور يشير -والله أعلم- إلى أن الدجال لا يدخل المدينة/ وفيات الأعيان 4/ 276. ومع تعدد طرق وألفاظ تلك الروايات عن ابن إدريس كما ترى، فإنها كلها متفقة على أن كلام مالك وابن إسحق كل منهما في الآخر قد تعدد، وكان بعد خروج ابن إسحق من المدينة، وهذا يُشكل على جواب ابن حبان الآتي بعد قليل، بأن مالكًا تكلم في ابن إسحق مرة واحدة، ورجع عنها، لما تصالح الرجلان عندما عزم ابن إسحق على مغادرة المدينة، وأيضًا خرج العقيلي بسنده عن يحيى بن سعيد القطان أنه سمع مالك بن أنس يقول: يا أهل العراق، من يَغُت عليكم بعد ابن إسحق؟ 4/ 27، وأخرج ابن عدي أيضًا تلك الرواية بسنده عن يحيى القطان أنه سمع مالك بن أنس يقول: يا أهل العراق لا يغت عليكم أحد بعد ابن إسحق/ الكامل 6/ 2117، فهذه الرواية بلفظيها المذكورين واضحة الدلالة على أن مالكًا قال ذلك في ابن إسحق بعد خروجه من المدينة، بل ربما تشير إلى صدورها منه بعد وفاة ابن إسحق، حيث توفي ببغداد ودفن فيها سنة 150 هـ كما قال ولده/ تاريخ بغداد 1/ 233، وذلك في حياة مالك رحمه الله كما لا يخفى، وقوله: "يغت عليكم" مأخوذ من "الغت" وهو يطلق على فساد الشيء وتغطيته بما يخفيه ويستره/ المعجم الوسيط مادة "غت" 2/ 644، فلعل مالكًا يشير بذلك الى تدليس ابن إسحق - كما وصفه به غيره فيما سيأتي، أو يشير الى اتهامه بالكذب كما تقدم عنه صراحة. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = (ولكن كما أجاب النقاد عن طعن هشام بن عروة والقطان في ابن إسحق، كما تقدم، فإنهم أجابوا أيضًا عن طعن مالك فيه، وخلاصة الجواب أن طعن مالك عامته مجمل، يقابله توثيق ابن إسحق من عدد من أئمة النقد الخبراء به وبحديثه كما مر وكما سيأتي أيضًا، وبالتالي لا يقبل الجرح فيه من مالك، إلا مفسرًا بتفسير قادح/ عيون الأثر 1/ 16، وهدي الساري/ الفصل التاسع/ 384، وأيضًا فإن مالكًا تكلم فيه عن غيره خبرة به على الراجح، وكذلك هما قرينان وقد تبادلا القدح كما مر بنا في الروايات السابقة، ونحوها، فلا يقبل قول أي منهما في الآخر إلا ببرهان معتبر/ انظر القراءة خلف الإمام للبخاري/ 36، 37). وممن أجاب عن طعن مالك في ابن إسحق تلميذه وعشيره سفيان بن عيينة، فقد قال لإبراهيم بن المنذر -وهو من تلاميذ مالك-: ما يقول أصحابك في محمد بن إسحق؟ قال: قلت: يقولون: إنه كذاب، قال: لا تقل ذلك، فلقد رأيته خلف القبر ينتظر يزيد بن خُصَيفة، فقلت: ما تعمل هاهنا؟ قال: أَنتظر يزيد بن خصيفة أسمع منه الأحاديث التي أفدتني/ منتخب إرشاد الخليلي 27 أوالمحققة 1/ 234، ترجمة رقم 138، وفي رواية ابن أبي حاتم الرازي لهذا القول أن سفيان قال لابن المنذر: "ما يقول أهل المدينة" بدل قوله: "ما يقول أصحابك"، وفيها أنه رد على ابن المنذر بقوله في ابن إسحق: إني لأعرفه منذ نحو سبعين سنة فما سمعت أحدًا يذكر فيه إلا القدَر، ثم ساق واقعة رؤيته خلف القبر ينتظر ابن خصيفة المتقدمة/ سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي مع كتابه في الضعفاء 2/ 592، 593. وهناك رواية ثالثة لابن المديني عن سفيان سيأتي ذكرها، ولكن فيها قول سفيان "رأيت ابن إسحق في مسجد الخيف" - بدل قوله: "خلف القبر" في الروايتين المذكورتين هنا/ انظر سير النبلاء 7/ 51، 52. والذي يفهم من قول سفيان هنا أمران: أحدهما: تقريره لاتهامه ببدعة القدر وسيأتي الجواب عنها في موضعها. ثانيهما: رد وصفه، بالكذب في الحديث سواء كان صادرًا من ابن المنذر أو من غيره من أهل المدينة، وفي مقدمتهم الإمام مالك شيخ ابن المنذر، وقد اعتمد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = سفيان في رده هذا على الخبرة الطويلة بابن إسحق خلال نحو سبعين سنة عرف فيها باطن حاله مع ظاهره، وعرف فيها صدقه في مروياته ولاسيما ما قد يبدو لغيره أنه معلول، فالمثال الذي ذكره يفيد أن ابن إسحق سمع أحاديث من سفيان، وسفيان يرويها عن يزيد بن خصيفة، حيث إنه من شيوخه، فابن إسحق بعد أن سمعها من سفيان أراد سماعها من شيخه ابن خصيفة طلبًا لعلو السند، فتصير تلك الأحاديث، يمكن لابن إسحق التحديث بها عن سفيان عن ابن خصيفة، وعن ابن خصيفة مباشرة، وكلاهما ثابتان له، إلا أن من لم يعلم ذلك، حين يجد ابن إسحق يحدث بتلك الأحاديث مرة عن سفيان، ومرة عن شيخه ابن خصيفة مباشرة، يظنه في الحالة الثانية قد دلس إذا عنعن أو يتهمه بدعوى سماعه ما لم يسمعه من ابن خصيفة، إذا صرح في روايته عنه بالتحديث. والواقع أنه صادق في حالتي الرواية عن ابن خصيفة مباشرة، وبالواسطة، وسيأتي شهادة غير سفيان له بالصدق في مثل ذلك. وهذا الرد المبني على الخيرة من سفيان بحال ابن إسحق وبمروياته، يؤيد رد ابن المديني أيضًا لتكذيب مالك لابن اسحق؛ فقد سئل ابن المديني عن ابن إسحق، فصحح حديثه كما سيأتي ذِكْرُه، فقيل له، فكلام مالك فيه؟ فقال: مالك لم يجالسه، ولم يعرفه، ثم قال: أي شيء حدّث بالمدينة؟ / تاريخ بغداد 1/ 229 والميزان 3/ 475، وتهذيب التهذيب 9/ 42، 43، وذلك لأنه خرج قديمًا من المدينة كما تقدم، وبذلك كان تحديثه بها قليلًا، وبناء على ذلك رد ابن المديني تكذيب مالك له بأن مالكًا لم يخبر حاله، ولا مروياته، وفي هذا أيضًا رد على قول الدارقطني الآتي: بأن مالكًا أخبر بابن إسحق، ثم إن ابن المديني أيد صدق ابن إسحق بواقع مروياته فقال: إن حديث محمد بن إسحق ليتبين فيه الصدق، يروى مرة حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عمن سمع منه، يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبي النضر عن عمر "صوم يوم عرفة"، وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب "في سلف وبيع" وهو من أروى الناس عن عمرو بن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = شعيب/ تاريخ بغداد 1/ 229، وأخرج ابن حبان بسنده عن ابن المديني قال: محمد بن إسحق صدوق، والدليل على صدقه: أنه ما روى عن أحد من الجلَّة إلا روى عن رجل عنه، فهذا يدل على صدقه، وأخرج عنه رواية أخرى أيضًا أَنه سثل: ما تقول في محمد بن اسحق؟ فقال: ثقة، قد أدرك نافعًا وروى عنه وروى عن رجل عنه، وعن رجل عن رجل عنه، هل يدل هذا إلا على الصدق؟ / الثقات 7/ 384. أقول: وبهذا يلتقي ابن المديني مع سفيان بن عيينة في ردهما لتكذيب مالك -أو غيره- لابن اسحق في الرواية، بناء على خبرتهما بمروياته وبحاله. ونحا ابن حبان هذا المنحى، فقرر أن ابن إسحق غَني بعلم السنن وواظب على تعاهد العلم وكثرت عنايته فيه وجمعه على الصدق والاتقان، يَروِي عن مشايخ قد رآهم، ويروي عن مشايخ عن أولئك، وربما روى عن أقوام رووا عن مشايخ يروون عن مشايخه، يدُل ما وصفت من تَوقيه على صدقه/ مشاهير علماء الأمصار لابن حبان/ 139 وقال أيضًا: كان محمد بن إسحق يكتب عمن فوقه، ومثله، ودونه؛ لرغبته في العلم وحرصه عليه، وربما يروي عن رجل قد رآه، ويروي عن آخر عنه في موضع آخر، ويروي عن رجل عن رجل عنه، فلو كان ممن يستحل الكذب لم يحتج إلى الإنزال، بل كان يحدث عمن رآه، ويقتصر عليه، فهذا مما يدل على صدقه وشهرة عدالته في الروايات/ الثقات لابن حبان 7/ 384، وفي النص زيادة لفظة خطأ فحذفتها. وقال البيهقي: فأما الذي يروي عن مالك بن أنس من وقوعه فيه -يعني ابن إسحق- فلشيء تكلم به ابن اسحق في نسبه، وكلام نقل إليه عنه، وهو أنه يقول: اعرضوا علي علم مالك بن أنس فأنا بيطاره، فكره ذلك مالك، فتناول منه/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 59. ويلتقي مع هذا قول ابن عبد البر، حيث يرى أن تكذيب مالك لابن إسحق ليس في الرواية، وإنما في شيء آخر، وذلك أن بعد ذكره تكذيب مالك له يقول: وكان ابن إسحق يقول فيه: إنه مولى لبني تيم قريش، وقال فيه ابن شهاب =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أيضًا، فكذب مالك ابن إسحق، لأنه كان أعلم بنسب نفسه، وإنما هُم حلفاء لبني تيم في الجاهلية .. وربما كان تكذيب مالك لابن إسحق في تشيعه، وما نُسب إليه من القول بالقدر، وأما الصدق والحفظ فكان صدوقًا حافظًا، أثنى عليه ابن شهاب، ووثقه شعبة والثوري وابن عيينة وجماعة جِلَّة/ جامع بيان العلم وفضله، باب حكم قول العلماء بعضهم في بعض 2/ 156 فبهذا يقرر ابن عبد البر أن مالكًا يكذب ابن إسحق في طعنه في نسبه أو في القول بالقدر أو التشيع، وقد جاء عن غير ابن عبد البر ما يؤيد حمل تكذيب مالك لابن إسحق على أحد هذين الوجهين، فقد جاء عن الأعمش قوله لأبي معاوية: اتق هذه السبائية، فإني أدركت الناس يسمونهم الكذابين/ الميزان 3/ 557 ترجمة محمد بن السائب الكلبي، وسئل أحمد بن صالح المصري عن تكذيب الشعبي للحارث الأعور فقال: لم يكن بكذاب؛ إنما كان كذبه في رأيه/ الرواة المختلف فيهم لابن شاهين في آخر تاريخ جرجان للسهمي/ 560 وقد كان الحارث غاليًا في التشيع/ الميزان 1/ 435، 436 فهذا يدل على أن المبتدع قد يوصف بالكذب لبدعته ولو لم يكذب في الرواية، وقد قال أبو زرعة الدمشقي: ذاكرْتُ دُحيمًا قول مالك، فرأى أن ذلك ليس للحديث؛ إنما لأنه اتهم بالقدر/ السير 7/ 42، ولعل ذلك هو مراد مصعب بقوله في ابن إسحق: كانوا يطعنون عليه بشيء من غير جنس الحديث/ السير 7/ 44 وسيأتي الجواب عن اتهامه بالقدر مع غيره من البدع قريبًا. وبالنسبة للطعن في نسب مالك قال ابن حبان: إنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحق، وكان يزعم أن مالكًا من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم، فوقع بينهما لهذا (معارضة)، فلما صنف مالك الموطأ، قال ابن إسحق: ائتوني به؛ فإني بيطاره، فنقل ذلك الى مالك فقال: هذا دجال من الدجاجلة، يروي عن اليهود، وكان (بينهما) ما يكون بين الناس/ الثقات لابن حبان 7/ 382، يعني من الجفوة. ومن هذا يتضح أنه كان لطعن ابن إسحق في نسب مالك دخل في تكذيب مالك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = له، كما يتضح أن نقد كل منهما للآخر كان رد فعل لنقد متبادل بينهما، وجفوة ناتجة عن ذلك، وقد قرر أئمة النقد عدم قبول مثل هذا النقد من أحد الطرفين في الآخر، إلا بحجة ثابتة قادحة، وهذا ما لم يتوفر لنقد أي منهما للآخر. فطعن ابن إسحق في نسب مالك أو في موطئه لم يقبل منه لعدم تقديمه برهانًا يثبت صحة قوله، وكذلك تكذيب مالك لابن إسحق لم يقدم عليه دليلًا صحيحًا في مواجهة الأدلة المتوافرة على صدقه وعدالته في الرواية من غير واحد من النقاد كما تقدم وفي جواب البخاري عن ابن إسحق ما يتضمن ذلك أيضًا حيث قال: والذي يُذكر عن مالك في ابن إسحق لا يكاد يتبين/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 36 والسير 7/ 39، يعني أنه جرح غير مُبين السبب ولا مقترنًا بحجة بينة، ثم تنزل البخاري في الرد فقال: ولو صح عن مالك تناولُه من ابن إسحق، فلربما تكلم الإنسان فيرْمِي صاحبه بشيء واحد، ولا يتهمه في الأمور كُلِّها/ المصدرين السابقين، ثم أشار إلى هذا الشيء الواحد بالنسبة لابن إسحق، وعدم قدحه في روايته حيث يقول: ولم ينج كثير من الناس من كلام بعض الناس فيهم ... وتناوُلِ بعضهم في العرض والنفس، ولم يَلْتفِتْ أهلُ العلم في هذا النحو إلا ببيان وحجة، ولم تسقط عدالتهم إلا ببرهان ثابت وحجة/ القراءة خلف الإمام للبخاري 36، 37 وللبيهقي 59 , 60، والسير 7/ 39، 40 وشرح العلل لابن رجب 2/ 781. وقد علق الذهبي على كلام البخاري هذا بقوله: لسنا ندعى في أئمة الجرح والتعديل العصمة من الغلط النادر، ولا من الكلام بنفَس حاد فيمن بينهم وبينهم شحناء وِإحْنَة، وقد عُلِم أن كثيرًا من كلام الأقران بَعضِهم في بعض مُهدَر لا عبرة به، ولاسيما إذا وَثق الرجلَ جماعة يلوح على قولهم الإنصاف، وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثر كلام مالك في محمد بعضَ اللِّين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك وصار كالنجم، والآخرَ فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أَحادِيث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رُتْبة الصحة إلى رُتبة الحُسْن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يُعد منكرًا، هذا الذي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عندي في حاله، والله أعلم/ السير 7/ 40، 41. أقول: وما قرره الذهبي هنا من كون خلاصة حال ابن إسحق: أنه حَسن الحديث في غير ما شذ به، سيأتي بيان أنه هو الراجح عند الذهبي وغيره من المحققين، لكن تعليله ذلك بأن كلام مالك في ابن إسحق أثر فيه بعض اللين فأنزله من الصحة إلى الحُسن، فيه مخالفة لما ذكره عن البخاري في الجواب عن ابن إسحق، حيث إنه يفيد عدم تأثير كلام مالك في ابن إسحق من جهة الرواية مطلقًا كما مر بيانه، فلعل وجهة نظر الذهبي أن كلام مالك في ابن إسحق يعتبر جرحًا مجملًا في مقابل توثيق غيره له، وبذلك صار ابن إسحق مختلَفًا فيه؛ فيكون حديثه بهذا الاعتبار حسنًا، كما سيأتي عن ابن القطان وغيره. ومما يعتبر ردًا لتكذيب مالك لابن إسحق ما أخرجه الخطيب بسنده عن الأثرم قال: سألته -يعني أحمد بن حنبل- عن محمد بن إسحق كيف هو؟ فقال: هو حسن الحديث، ولقد قال مالك حين ذكره: دجال من الدجاجلة/ تاريخ بغداد 1/ 223، فتصدير أحمد كلامه بتحسين حديث ابن إسحق في مواجهة تكذيب مالك له، إشارة منه إلى عدم قبول قول مالك هذا، والا ما حَسَّن حديث ابن إسحق، حتى إن غيرَ واحد من العلماء يكتفي من هذه الرواية بذكر تحسين أحمد لحديث ابن إسحق/ شرح علل الترمذي لابن رجب 1/ 126 والميزان 3/ 469، لكن سيأتي من أقوال أحمد ما يفيد تقييده لما أطلقه هنا من تحسين حديث ابن إسحق. أما ابن حبان، فإنه في الجواب عن طعن مالك في ابن إسحق قال: إنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عادَ لَهُ إلى ما يُحب/ الثقات 7/ 381، 382 وعيون الأثر 1/ 16 وتهذيب التهذيب 9/ 45 ثم علل حصول القدح من مالك فقال: وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحق، وكان يزعم أن مالكًا من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم، فوقع بينهما لهذا (معارضة) فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحق: ائتوني به فأنا بيطاره، فنقل ذلك إلى مالك، فقال: هذا دجال من الدجاجلة، يروي عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = اليهود، وكان (بينهما) ما يكون بين الناس -يعني من الجفوة- حتى عزم محمد بن إسحق على الخروج إلى العراق فتصالحا حينئذ، وأعطاه مالك عند الوداع خمسين دينارًا، نِصفَ ثمرته تلك السَّنَة/ الثقات لابن حبان 7/ 381، 382 وعيون الأثر 1/ 16. أقول: وهذا يؤكد ما تقدم من أن نقد كل من الرجلين للآخر كان متأثرًا برد فعل النقد المتبادل، وحصول الجفوة بينهما. وقد أسلفت التنبيه على أن قول ابن حبان هذا: بأن نقد مالك لابن إسحق كان مرة واحدة قبل خروج ابن إسحق للعراق، وأنهما تصالحا قبل الخروج ورجع مالك عن نقده، كل ذلك يعكر عليه ما تقدم من الروايات الوثيقة عن ابن إدريس والتي تفيد صراحة أن طعن ابن إسحق في علم مالك، وتكذيب مالك لابن إسحق قد تعدد، ووقع من كل منهما بعد خروج ابن إسحق من المدينة إلى العراق، بل ربما تكرر كلام مالك في ابن إسحق بعد وفاته كما مر، وبذلك يكون في قول ابن حبان هذا نظر، ولم أجد من نبه إلى ذلك، بل إن المؤلف نقل جواب ابن حبان المذكور بطوله، وتبنَّاه، فذكر أنه يعرب عما في ضميره هو/ عيون الأثر 1/ 16، 17 ونقل ابن حجر منه عبارة أن "مالكًا تكلم في ابن إسحق مرة ثم عاد إلى ما يحب"/ تهذيب التهذيب 9/ 45 وأقرها. أما قول مالك: إن ابنَ إسحق يروي عن اليهود، فقد أجاب ابن حبان عنه بجواب مقبول حيث يقول: ولم يكن يقدح فيه مالك من أجل الحديث -يعني عمومًا- إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أولاد اليهود الذين أسلموا وحفظوا قصة خيبر، وقريظة والنضير وما أشبهها من الغزوات، عن أسلافهم، وكان ابن إسحق يتبع هذا عنهم ليعلم، من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق فاضل، يحسن ما يروي ويدري ما يحدث/ الثقات 7/ 383. أقول: وما ذكر عن مالك وغيره أنه كان لا يرى الرواية إلا عن ثقة، فهو على الغالب من فعلهم والأكثر من عملهم فقط، كما قرر ذلك أبو عبد الله محمد بن عبد الهادي/ الصارم المُنْكِي، له/ 40، 41 ط دار الإفتاء السعودية. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد انتقد ابن إسحق أيضًا بالرواية عن أهل الكتاب غير مالك، فقد قال يحيى القطان: والعجب من رجل -يعني ابن اسحق- يحدث عن أهل الكتاب، ورَغِب عن شرحبيل بن سعد/ العقيلي 4/ 25، والميزان 3/ 470 والسير 7/ 52 وفيه أن القائل الفلاس، فلعله سقط منه: "قال يحيى" بعد "قال الفلاس"، لأن الفلاس هو الراوي لهذا القول عن القطان. وقال ابن أبي حازم: وكان يحمل عن اليهود والنصاري ويسميهم في كتبه: أهل العلم الأول/ معجم الأدباء لياقوت 18/ 8. وقال محمد بن اسماعيل بن أبي فُديك: رأيت محمد بن إسحق يكتب عن رجل من أهل الكتاب/ العقيلي 4/ 27 وسيأتي انتقاد ابن المديني له أيضًا بالرواية عن أهل الكتاب، وروى أبو داود الطيالسي عن بعض أصحابه قال: سمعت محمد بن إسحق يقول: حدثني الثقة، فقيل له: من؟ فقال: بعقوب اليهودي/ الكامل 6/ 218 والميزان 3/ 471، وقد روى أبو زرعة الرازي هذا بسنده عن الطيالسي به، وأقره/ سؤالات البرذعي للرازي مع الضعفاء له 2/ 589. أقول وسند الطيالسي هذا ضعيف، لجهالة الراوي الذي حدث عنه أبو داود بهذا الخبر، ولو ثبت لكان من غير المتصوَّر أن يقصد ابن إسحق بالتوثيق لليهودي، معناه الاصطلاحي الجامع للعدالة والضبط، بل يكون المقصود الإشارة إلى ضبطه وحفظه لما يرويه من أحداث المغازي كما تقدم في جواب ابن حبان، كما أن الذهبي عقب على قول ابن أبي فُديك السابق بما يصلح جوابًا عن مثله فقال: ما المانع من رواية الإسرائيليات عن أهل الكتاب؟ مع قوله -صلى الله عليه وسلم- حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، وقال: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فهذا إذْن نبوي في جوازِ سماع ما يَأثِرونه في الجملة، كما سُمع منهم ما ينقلونه من الطب، ولا حجة في شيء من ذلك، إنما الحجة في الكتاب والسنة/ الميزان 3/ 470 وقال في السير أيضًا تعقيبًا على نفس القول: هذا يُشَنع به على ابن إسحق، ولا ريب أنه حمل ألوانًا عن أهل الذمة مترخصًا بقوله -صلى الله عليه وسلم-: حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج/ السير 7/ 53. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وممن نسب ابن إسحق إلى الكذب أيضًا الأعمش، حيث أخرج العقيلي وابن عدي بسنديهما عن يحيى (القطان) قال: قال إنسان للأعمش: إن ابن إسحق حدثنا عن ابن الأسود عن أبيه بكذا وكذا، فقال: كذب ابن إسحق، وكذب ابن الأسود، حدثني عمارة بكذا وكذا/ العقيلي 4/ 26 والكامل 6/ 2117. أقول وابن الأسود هذا لعله: عبد الرحمن بن الأسود بن يزيد النخعي، أحد شيوخ ابن إسحق،/ تهذيب الكمال 3/ 1167، ولعل كلام الأعمش هذا خاص ببعض مرويات ابن إسحق عن ابن الأسود، مع أن غيره من العلماء قد قرروا أن ابن الأسود من شيوخ ابن إسحق الذين سمع منهم/ تاريخ بغداد 1/ 218، وسيأتي أيضًا أن الأعمش نسب إلى ابن إسحق ما يدل على تدليسه. وأخرج ابن عدي بسنده عن معتمر بن سليمان قال: قال لي أبي: لا ترو عن ابن إسحق، فإنه كذاب/ الكامل 6/ 2116، وأبو معتمر هذا: هو سليمان بن طرخان التيمي ثقة من كبار التاسعة،/ التقريب ص 539 وقد صرح الذهبي وابن حجر بنسبة هذا القول لسليمان التيمي هذا والد معتمر/ الميزان 3/ 469 وتهذيب التهذيب 9/ 45، وقد عقب ابن حجر على تكذيب التيمي لابن إسحق بقوله: وأما سليمان التيمي فلم يتبين لي لأي شيء تكلم فيه؟ والظاهر أنه لأمر غير الحديث، لأن سليمان ليس من أهل الجرح والتعديل/ تهذيب التهذيب الموضع السابق، وترجيح ابن حجر أن التيمي تكلم في ابن إسحق لأمر غير الحديث يشير إلى أن تكذيبه له في بعض البدع التي نسب إليها من القدر وغيره كما سيأتي، وقد مر قول بعض العلماء بحمل تكذيب مالك له على ذلك أيضًا، ويؤيد هذا أن التيمي عرف بالحرص على التمسك بالسنة والورع والشدة على أهل البدع ومجانبتهم/ الحلية 3/ 33 وما بعدها وتذكرة الحفاظ 1/ 152، وقول ابن حجر: إن التيمي هذا لم يكن من أهل الجرح والتعديل، لعل مراده به أنه كان من أهل الصلاح والورع، وبالتالي كان يصدر في نقده عن هذا فقط حتى كان يمتنع عن تحديث من ينسب إلى بدعة/ الحلية الموضع السابق. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعلى كل فلو اعتبرنا قوله هذا هو والأعمش في ابن إسحق، فإنه يمكن الجواب عنه بأنه جرح مجمل في مقابل التوثيق المطلق من غيره، كما يدفعه أيضًا الجواب العام بتبرئة ابن إسحق من تهمة الكذب في الرواية عمومًا، وتقرير صدقه بشهادة غير واحد من أئمة النقد، وخاصة من خالطه ومن سبر مروياته، فقد قال تلميذه عبد الله بن إدريس الحافظ: كيف لا يكون ابن إسحق ثقة وقد سمع من الأعرج، ويروي عنه، ثم يروي عن أبي الزناد عنه، ثم يروي عن ابن أبي الزناد عن أبيه عنه؟ / السير 7/ 37، 51. ومن دلائل صدقه وأمانته أيضًا تنويع عبارته في الرواية عن الشخص الواحد، بما يميز ما سمعه منه، عما تلقاه عنه بواسطة، فيقول في الأول: حدثني ونحوها، ويقول في الثاني: ذكر فلان ونحوها مما يدل على عدم الاتصال، وقد جعل ابن المديني هذا الصنيع وما قبله من الدلائل العملية على صدق ابن إسحق، فقال ابن المديني: إن حديث محمد بن إسحق ليتبين فيه الصدق، يروي مرة: حدثني أبو الزناد، ومرة: ذكر أبو الزناد وروى عن رجل عمن سمع منه، يقول: حدثني سفيان بن سعيد عن سالم أبي النضر عن عمر: "صوم يوم عرفة"، وهو من أروى الناس عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار عن أيوب عن عمرو بن شعيب: "في سلف وبيع" يعني النهي عنهما - وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب/ تاريخ بغداد 1/ 229 وسير النبلاء 7/ 51 والميزان 3/ 475 وتهذيب التهذيب 9/ 43. وفي رواية أخرى عن ابن المديني أنه قال: محمد بن إسحق صدوق، والدليل على صدقه أنه ما روى عن أحد من الجلة إلا وروى عن رجل عنه، فهذا يدل على صدقه/ الثقات لابن حبان 7/ 384، وانظر مشاهير علماء الأمصار له ص 139 وتقدم أيضًا تدليل سفيان بن عيينة على صدقه بحرصه على تلقي ما سمعه من ابن عيينة عن شيخه ابن خصيفة، وذلك بالسماع مباشرة من ابن خصيفة. وقال أبو زرعة الدمشقي في معرض توثيق ابن إسحق: وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقًا وخيرًا/ تاريخ بغداد 1/ 224 والسير 7/ 42. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعندما سئل ابن المبارك عن ابن إسحق. قال: أَما إنا وجدناه صدوقًا، ثلاث مرات/ الثقات لابن حبان 7/ 383 وتهذيب التهذيب 9/ 45، 46. وأما أبو زرعة الرازي فروى ابن أبي حاتم أنه سئل عن ابن إسحق فقال: صدوق، من تكلم في محمد بن إسحق؟ محمد بن إسحق صدوق/ الجرح والتعديل 7/ 192، وأما ما قاله البرذعي: إنه ذكر للرازي محمد بن إسحق، فجعله في عداد الشيوخ، وسأله عن نسبته للقدر كما سيأتي، وعن روايته عن أهل الكتاب مع توثيقهم كما قدمت، فأقر الأمرين/ سؤالات البرذعي للرازي مع الضعفاء له 2/ 588، 589، فذلك لا ينافي شهادته له بالصدق في روايته. وأيضًا ابن معين مع اختلاف أقواله فيه كما سيأتي، فإنه سئل عن صدقه بوجه خاص، فقرره، فقد قيل له: في نفسك من صدقه شيء؟ فقال: لا، هو صدوق/ تاريخ بغداد 1/ 231 والكامل لابن عدي 9/ 2116 والميزان 3/ 472، وكذلك شعبة مع وصفه السابق له بأعلا التوثيق، قال فيه أيضًا: هو صدوق في الحديث/ الجرح والتعديل 7/ 192 وتاريخ بغداد 1/ 228، وذكر الخطيب بعض ما ضعف العلماء به ابن إسحق ثم قال: وأما الصدق فليس بمدفوع عنه/ تاريخ بغداد 1/ 224. أقول: فتلك الشهادات جميعها بصدقه في الرواية مطلقًا، كافية في رد قول من نسبه إلى الكذب جملة وتفصيلًا، لكن هناك بعض الانتقادات الأخرى المفسرة التي وجهت إلى ابن إسحق، فمنها قول أحمد بن حنبل: إن ابن إسحق كان رجلًا يشتهي الحديث، فيأخذ كتب الناس فيضعها في كتبه/. الضعفاء للعقيلي 4/ 28 وتاريخ بغداد 1/ 229 وتهذيب التهذيب 9/ 43. وقد أجاب عن ذلك ابن سيد الناس بأنه لا يتم الجرح به حتى ينفي أن تكون مسموعة له، ويثبت أن يكون حدث بها، ثم يُنظر بعد ذلك في كيفية الإخبار، فإن كان بألفاظ لا تقتضي السماع تصريحًا، فحكمه حكم المدلسين، ولا يحسن الكلام معه إلا بعد النظر في مدلول تلك الألفاظ، وإن كان يروي ذلك عنهم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مصرحًا بالسماع ولم يسمع، فهذا كذب صراح واختلاق محض، لا يحسن الحمل عليه إلا إذا لم يجد للكلام مخرجًا غيره/ عيون الأثر 1/ 15. أما الذهبي فاعتبر صنيع ابن إسحق الذي أشار إليه أحمد، شبيهًا بمعلقات البخاري، وبالتالي لا يكون قادحًا، فقد عقب على قول أحمد السابق قائلًا: هذا الفعل سائغ، فهذا الصحيح للبخاري فيه تعليق كثير/ السير 7/ 46، وجواب الذهبي هذا في تقديري يُعد قياسًا مع الفارق، بين تعليق البخاري في كتاب مشترَط فيه الصحة، وبين تعليق ابن إسحق في كتبه، حيث لم يَشترط فيها ذلك، لكنه جواب يدفع في الجملة عن ابن إسحق تهمة النقل عن الغير بدون عزو إليه. وجاء عن أحمد أيضًا أنه سئل: إذا انفرد ابن إسحق بحديث تقبله؟ قال: لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا/ السير 7/ 46، وتهذيب التهذيب 9/ 43، وفي رواية المروذي عن أحمد قال: ابن إسحق حسن الحديث، لكن إذا جمع بين رجلين، (قال المروذي): قلت: كيف؟ قال يحدث عن الزهري وآخر، يحمل حديث هذا على هذا/ شرح العلل لابن رجب 2/ 674. أقول: وجه الانتقاد بهذا عند القائل به أنه يدل على اختلال ضبط من يفعل هذا من غير الحفاظ المتقنين الذين يعرفون اتفاق شيوخهم واختلافهم/ انظر شرح العلل لابن رجب 2/ 672، 674، 676 - 679، ولهذا فإن أحمد نفسه قد فعله مع انتقاده ابن إسحق وغيره به/ انظر المسند 4/ 323، 328، و 5/ 218. وقد أجاب ابن سيد الناس عن هذا بما خلاصته أن ذلك من باب الرواية بالمعنى وهي جائزة بشروطها التي لا يَعْرَى عنها ابن إسحق، وبالتالي لا يقدح هذا فيه/ عيون الأثر 1/ 14، ولما انتقد الإمام أحمد أيضًا الواقدي بمثل هذا أجاب عنه إبراهيم الحربي بقوله: وليس هذا عيبًا، فقد فعل هذا الزهري وابن إسحق/ عيون الأثر 1/ 20 ولابن حبان أيضًا جواب بنحو هذا عن انتقاد حماد بن سلمة بمثل ما ذكر عن أحمد في ابن إسحق/ انظر الإحسان في ترتيب صحيح ابن حبان 1/ 86.

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وانتقد ابن إسحق أيضًا بغير نوع من البدعة إجمالًا، وببعضها تفصيلًا، فقد قال أبو إسحق الجوزجاني: الناس يشتهون حديثه -يعني ابن إسحق- وكان يرمي بغير نوع من البدع، ثم ذكره أيضًا ضمن جماعة قال: إن كلًا منهم كان يرمي بالقدر/ أحوال الرجال للجوزجاني / 136، 185 - 189، ونسبه إلى القدر أيضًا تلميذه يزيد بن زريع/ الكامل 6/ 2120 وقال رجل ليحيى بن معين: يصح أن ابن إسحق كان يرى القدر؟ قال: نعم كان يرى القدر/ يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 504، 3/ 247، وسؤالات ابن مُحرز لابن معين وغيره في أحوال الرجال 1/ 118 ومع وصف سفيان بن عيينة له بأعلا التوثيق كما تقدم، فإنه جاء عنه تقييد ذلك بما عدا بدعة القدر، فقد أخرج العقيلي من طريق صاعقة عن ابن المديني قال: سمعت سفيان بن عيينة يقول: ما سمعت أحدًا يتكلم في ابن إسحق، إلا في قوله في القدر/ الضعفاء للعقيلي 4/ 26 وأخرج ابن عدي من طريق صالح بن أحمد بن حنبل عن علي بن المديني أيضًا أنه سمع سفيان - وقد سئل عن عدم رواية أهل المدينة عن ابن إسحق فقال سفيان: جالست ابن إسحق منذ بضع وسبعين سنة، فما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا يقول فيه (شيئًا)، إلا أنهم اتهموه بالقدر/ الكامل 6/ 2117، وأخرج العقيلي من طريق صالح أيضًا عن علي قال: سمعت سفيان سئل عن محمد بن إسحق فقال: اتهموه بالقدر/ العقيلي 4/ 25، لكن ابن أبي حاتم أخرج نفس رواية صالح هذه خالية من ذكر تهمة القدر، أي بلفظ " ... وما يتهمه أحد من أهل المدينة، ولا يقول فيه شيئًا/ الجرح والتعديل 7/ 192 ومن طريق ابن أبي حاتم أخرجها أيضًا الخطيب/ تاريخ بغداد 1/ 221، وكذا روى البخاري عن علي بن المديني عن ابن عيينة/ التاريخ الكبير 1/ 40 والقراءة خلف الإمام له/ 36 ونقل البيهقي رواية البخاري هذه/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 58. وكذا الذهبي/ السير 7/ 39، وجدير بالذكر أن محقق سيرة ابن إسحق نسب هذا القول للبخاري نفسه محيلا على موضع الرواية في تاريخ البخاري، مع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وضوح نسبة البخاري القول لسفيان كما ترى/ انظر مقدمة د. محمد حميد الله لتحقيق القطعة الموجودة من سيرة ابن إسحق ص "كي". ولعل مما يرجح ذكر سفيان لتهمة القدر، ما روى ابن المديني أيضًا عنه قال: رأيت ابن إسحق في مسجد الخيف فاستحييت أن يراني معه أحد، فقال: -يعني ابن إسحق- أنا أرصد ابن خُصَيفة أبغي أن أسأله عما حدثتني عنه، ثم قال ابن عيينة: اتهموه بالقدر/ السير 7/ 51، 52 والميزان 3/ 469، أقول فقول سفيان: فاستحييت أن يراني معه أحد، وإشارته لعلة ذلك بأن أهل المدينة اتهموا ابن إسحق بالقدر، يدل على تأثر علاقته الشخصية به، بناء على معرفته بتهمة أهل المدينة له ببدعة القدر، فلعله لم يكن سمع من يتهمه منهم بذلك، ثم سمع، وخشي أن يتهموه هو الآخر بموافقته لابن إسحق على بدعة القدر، وأخرج الخطيب بسنده عن هارون بن معروف قوله: كان محمد بن إسحق قدريًا/ تاريخ بغداد 1/ 225 وتقدم أيضًا قول دحيم: إن طعن مالك في ابن إسحق كان لأجل القدر/ وانظر تاريخ الخطيب 1/ 224 وسير النبلاء 7/ 42. وروى الخطيب بسنده عن ابن أبي حازم قال: كنا قعودًا في المسجد، معنا محمد بن إسحق، إذ نعس، ثم فتح عينيه فقال: رأيت الساعة كان حمارًا أخرج من دار مروان -يعني مقر الوالي بالمدينة المنورة- في عنقه حبل، فأُدخل المسجد حتى أُخرج من الباب الآخر، قال: وكان قدم وال، قال: فجاءه -يعني ابن إسحق- عون من قِبَل الوالي، فقال: من هذا الجالس معكم؟ قلنا محمد بن إسحق، قال: فأخذه، فرأيناه قد مر علينا في عنقه حبل من دار مروان، حتى أُدخل المسجد وأخرج من الباب الآخر/ تاريخ بغداد 1/ 225، وأخرج الخطيب أيضًا رواية أخرى عقب هذه من طريق سعيد بن داود الزَّنْبَرِي -بالزاي المفتوحة بعدها نون ساكنة- قال: حدثني -والله- عبد العزيز بن محمد الدراوردي قال: كنا جلوسًا ... وساق القصة بنحو ما تقدم عن ابن أبي حازم، مع زيادة أن ابن إسحق لما ذُهب به إلى السلطان جلده، وذكر الزنبري أن ذلك الجلد من أجل القدر/ تاريخ بغداد 1/ 225 وأخرج ابن عدي أيضًا رواية الزَّنبري/ الكامل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 6/ 2120، وذكرها أيضًا المزي/ تهذيب الكمال 3/ 1168 وتهذيب التهذيب 9/ 42 والذهبي السير 7/ 43 والميزان 3/ 472. وأخرج ابن عدي بسنده إلى حميد بن حبيب أنه رأى محمد بن إسحق مجلودًا في القدر، جلده ابراهيم بن هشام، خال هشام بن عبد الملك/ الكامل 6/ 2120، وذكر الذهبي ذلك في الميزان 3/ 472. وإبراهيم بن هشام هذا هو المخزومي، وقد ولاه ابن أخته هشام بن عبد الملك ولاية الحرمين والطائف سنة 106 هـ واستمر إلى أن عزله هشام أيضًا عن الولاية سنة 114 هـ / البداية والنهاية لابن كثير 9/ 261، 262، 343، فتكون واقعة الجلد هذه لابن إسحق وقعت خلال فترة ولاية المخزومي المذكورة، ومع هذا فإن محمد بن عبد الله بن نُمير يقول: كان ابن إسحق يُرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه/ تاريخ بغداد 1/ 225، 226، والسير 7/ 43 والميزان 3/ 469، فلعله أُخذ بهذا ظلمًا. ثم إنه قد رُمي مع القدر بالاعتزال، فوصفه أبو داود بأنه قدري معتزلي: الميزان 3/ 469 أقول: ولعل السبب في وصفه بذلك ما جاء عنه أنه كان يحدث بأحاديث الصفات، فقد روى الفسوي عن مكي بن إبراهيم قال: جلست إلى ابن إسحق وكان يخضب بالسواد، فذكر أحاديث الصفة، فنفرت منها، فلم أعد إليه/ المعرفة والتاريخ 3/ 366، ومن طريق الفسوي أخرجه الخطيب/ تاريخ بغداد 1/ 226، وأخرج الخطيب أيضًا من طريق آخر عن مكي بن ابراهيم قال: حضرت مجلس محمد بن إسحق فإذا هو يروي أحاديث في صفة الله تعالى، لم يحتملها قلبي، فلم أعد إليه/ تاريخ بغداد 1/ 226، وأخرج الخطيب من طريق آخر عن مكي أيضًا قال: تركت حديث ابن إسحق، وقد سمعت منه بالري عشرين مجلسًا، فسمعت منه شيئًا فتركته/ المصدر السابق، ولكن يبدو أن مكيًا تبين له بعد ذلك أن رواية ابن إسحق لتلك الأحاديث ما كانت لتقدح فيه، ولا تقتضي ترك السماع منه، فقد أخرج الخطيب عنه من الطريق السابقة: أنه عدد ثلاثة نَبَلُوا بعد موتهم -يعني ارتفع شأنهم في نفوس الناس- وذكر منهم محمد ابن إسحق/ تاريخ بغداد 1/ 226، ثم إن ما ذكره =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مكي من تركه للأخذ عن ابن إسحق لروايته أحاديث الصفات، قد أجاب عنه ابن سيد الناس فقال: ليس في ذلك كبير أمر، فقد ترخص قوم من السلف في رواية المشكل من ذلك، وما يحتاج إلى تأويله، لا سيما إذا تضمن الحديث حكمًا أو أمرًا آخر، وقد تكون هذه الأحاديث من هذا القبيل/ عيون الأثر 1/ 13، 14، ثم أن مكيًا لم يشر إلى انضمام غيره إليه في النفور مما كان يرويه ابن إسحق في ذلك وتركهم للأخذ عنه، وقد ذكر ابن سعد وغيره أن كثيرًا من أهل الري التي سمع مكي فيها من ابن إسحق عشرين مجلسًا، قد رووا عن ابن إسحق/ طبقات ابن سعد/ القطعة المحققة/ 402 وتهذيب التهذيب 9/ 44، وذلك يدل على أن باقي طلاب الحديث غير مكي لم يتركوا الرواية عن ابن إسحق، ولم ينفروا مما كان يرويه من أحاديث الصفات، وبذلك لا يناله النهي عن تحديث الناس بما لا يَقوَوْن على فهمه. وقد رمي ابن إسحق أيضًا بالأرجاء، فقد ذكر البرذعي لأبي زرعة الرازي أنه يقال: إن ابن إسحق قدري، فَروى له أن يحيى القطان قال: كان ابن إسحق غَيلانيًا/ سؤالات البرذعي للرازي مع كتابه في الضعفاء 2/ 588، وأقر أبو زرعة قول يحيى هذا، والغَيلانية: فرقة من المرجئة، ينتمون إلى غَيلان القَدري/ الأنساب للسمعاني 10/ 108. ورمي أيضًا بالتشيع، كما ذكره الخطيب/ تاريخ بغداد 1/ 224، ونقله ياقوت عن الشاذكوني/ معجم الأدباء لياقون الحموي 18/ 5 - 8، وقد جاءت أقوال توضح سبب وصفه بالتشيع، فقد قال أحمد بن يونس: أصحاب المغازي يتشيعون، كابن إسحق ... وكان له انقطاع إلى عبد الله بن حسن بن حسن، وكان يأتيه بالشيء فيقول له: أَثبتْ هذا في علمك، فيثبتُه ويرويه عنه، وحدث المرزُباني بسنده إلى يحيى القطان أنه قال: كان محمد بن إسحق، والحسن بن ضمرة، وإبراهيم بن محمد، كل هؤلاء يتشيعون، ويقدمون عليًا على عثمان/ معجم الأدباء لياقوت 18/ 5 - 8 مع تصرف يسير في السياق، والذي وجدته عند الفسوي/ الحسن بن ضميرة/ المعرفة والتاريخ 3/ 43. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أقول: وهذه الأقوال يمكن الجواب عن أولها بأنه لا يلزم من التأليف في المغازي وروايتها التشيع، وأما ثانيها وهو الاتصال بعبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب والرواية عنه، وهو أحد أعيان أهل البيت، وتوفي سجينًا سنة 145 هـ، البداية والنهاية 10/ 95، 96، 110، فلا يقدح ذلك في ابن إسحق طالما أن ما يرويه عنه ينسبه إليه صراحة، وبذلك يبرأ من عهدته، وقد وجدت في القطعة المحققة من سيرة ابن إسحق، رواية ابن إسحق عن عبد الله بن حسن، ورواية عبد الله عنه أيضًا ص 114 بتحقيق د. محمد حميد الله. وأما ثالث الأقوال وهو قول القطان: إن ابن إسحق كان ممن يقدم عليًا على عثمان، فلم أجد من وافق القطان عليه، وعلى كل فإنه يجاب عنه وعن غيره مما رُمي به ابن إسحق من البدع، بأنها لو ثبتت فلا تقدح في روايته، وإن خدشت العدالة، وذلك لأنها بدع صغرى، ولم نجد من وصفه بالدعوة إليها أو الغلو فيها، أو استحلال الكذب لتأييدها، وممن قرر قبول رواية من هذا شأنه الجوزجاني الذي تقدم قوله في ابن إسحق: إنه كان يرمي بغير نوع من البدع، ولكن الناس يشتهون حديثه/ انظر أحوال الرجال للجوزجاني ص 32، 82، 136، وقد أخرج له أبو داود في سننه في غير موضع، مع ما تقدم من نسبته له إلى القدر والاعتزال. أما أشد ما انتُقِد به ابن إسحق في عدالته فهو ما حكاه ابن عدي، أنه حضر مجلس شيخه جعفر بن محمد الفريابي، فسئل عن حديث لمحمد بن إسحق، فكان يأبي إجابتهم، قال ابن عدي: فلما كرروا عليه قال: محمد بن إسحق -فذكر كلمة شنيعة- فقال: زِنْديق/ الكامل 6/ 2117، أقول: ووصف ابن عدي لتلك الكلمة في حق ابن إسحق بأنها شنيعة، دليل على رفضه الشديد لها، وهو محق في ذلك، لأن الزنديق، من يؤمن بالزندقة، وهي القول بأزلية العالم، وتطلق على الزردشتية وغيرهم من الثنوية وأهل الضلال والإلحاد/ المعجم الوسيط، مادة "زندق" 1/ 403 وعلى الجهمية أيضًا/ خلق أفعال العباد للبخاري/ 31، ولم يثبت عن ابن إسحق ما يذهب بعدالته ودينه، وذلك بشهادة من تقدم ذكر أقوالهم، ومن سيأتون من أئمة النقاد بما فيهم من عاشروه طويلًا، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وخبروا حاله، وسبروا مروياته، قبل أن يولد الفريابي، فلا يعتد بقوله هذا في مقابل توثيقهم لابن إسحق. ومما انتقد به ابن إسحق أيضًا مما يتعلق بالعدالة أنه كان يخضب شعره بالسواد، ويلبس الثياب المعصفرة، ويلعب بالديوك، وأنه صحب الولاة والحكام، أما خضاب السواد فتقدم وصف مكي بن إبراهيم له بذلك، ونُقِل أيضًا عن جرير تلميذ ابن إسحق/ سير النبلاء 7/ 35، وهذا يمكن الجواب عنه بأنه مما اختلف السلف فيه بحسب الأدلة الواردة بشأنه، حتى خصه بعض الأئمة بالتأليف ومال الحافظ ابن حجر إلى القول بكراهيته تنزيهًا/ انظر صحيح البخاري وشرحه فتح الباري - كتاب اللباس - باب الخضاب 10/ 354 - 356، وأما لبس الثياب المعصفرة وهي المصبوغة بصفرة الزعفران ونحوه، فقد أخرج ابن عدي بسنده إلى تلميذ لابن إسحق، وهو يزيد بن زريع قال: كان محمد بن إسحق قدريًا، وكان إذا حدثنا يخرج وعليه معصفرة/ الكامل 6/ 2118، أقول: ولباس المعصفر أيضًا مما اختلف السلف فيه بناء الأدلة على الأدلة الواردة فيه، فقد كرهه بعض السلف، ورخص فيه جماعة/ البخاري مع شرحه الفتح -كتاب اللباس- باب النهي عن التزعفر للرجال، وباب الثوب المزعفر 10/ 304، 305. وأما اللعب بالديوك، فقد أخرج العقيلي بسنده عن تلميذ آخر لابن إسحق، هو هو محمد بن أبي عدي قال: كان ابن إسحق يلعب بالديوك/ العقيلي 4/ 29، أقول: وقد تحرف في الميزان اسم هذا القائل إلى "ابن عدي" / الميزان 3/ 471، ثم تتابع نقله محرفًا في بعض البحوث العاصرة حول شخصية ابن إسحق/ انظر مقدمة د. محمد حميد الله لتحقيق قطعة من سيرة ابن إسحق/ ص/ ب، ط. ومع أن الدكتور المحقق وفقه الله قد عزا هذا النقل أيضًا لتذكرة الحفاظ، وهو فيها "ابن أبي عدي" على الصواب إلا أنه أثبت الخطأ الذي في الميزان، فتأمل. ومما ورد في النهي -عن اللعب بالديوك حديث جابر عند الترمذي وغيره: أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن التحريش بين البهائم، وقال الترمذي: حسن صحيح - الجهاد - باب ما جاء في كراهية التحريش بين البهائم والضرب والوسم 3/ 126، وقد قال العراقي في شرح الحديث: إنه يدخل في ذلك مناطحة الثيران والكبوش، ومنافرة الديوك، ونحو ذلك، وذكر المناوي أن النهي الوارد في الحديث بعضهم حمله على التحريم وبعضهم على الكراهة/ فيض القدير شرح الجامع الصغير 6/ 303 والتيسر على الجامع الصغير 2/ 466. أقول: وطالما أن تلك الأمور قد اختلف في حكمها على هذا النحو، فإن الجزم بالقدح في عدالة ابن إسحق بموجبها غير مُسلَّم. أما مصاحبته للولاة والحكام، فقد أشار إليه ابن سعد بقوله: إنه كان مع العباس ابن محمد بالجزيرة، وأتى أبا جعفر -يعني المنصور- بالحيرة، فكتب له المغازي/ القسم المحقق من طبقات ابن سعد/ 400 وتاريخ بغداد 1/ 220، 221 وسير النبلاء 7/ 48، وتقدم أنه لما تكلم في مالك كان بالري في مجلس أبي عبيد الله، وزير المهدي/ وانظر السير 7/ 50، وقال ابن حميد: أنه قدم الري مع المهدي/ الكامل 6/ 2118، وقد أجاب ابن إسحق بنفسه عن اتصاله بالولاة ومصاحبته لهم، كما أجاب عنه غيره، فقد أخرج ابن عدي بسنده عن يحيى بن هانيء قال: كان محمد بن إسحق قد ضاق، واشتدت حاله، فَكُتِب إليه أن يُحمل إلى العراق، فلما أراد الخروج قال له داود بن خالد -وهو أحد أصحابه- إني لأحسب أن السفرة غدا خسيسة يا أبا عبد الله، قال: والله ما أخلاقنا بخسيسة، وربما قصر الدهر باع الكريم/ الكامل 6/ 2118، وقال ابن عدي: ولو لم يكن لابن إسحق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء، فصرف انشغالهم، حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومبتدأ الخلق، ومبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- فهذه فضيلة لابن إسحق، سبق بها، ثم مِنْ بعده صنفه قوم آخرون، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحق فيه/ الكامل 6/ 2125 والسير 7/ 48. أقول: فمن الرواية الأولى يتضح أن الرجل مع احتياجه وضيق حاله لم يسع إلى الحكام ابتداء، ولكنه طُلِب إليه ذلك فأجاب، ويفهم من كلام ابن عدي أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = صلته بالحكام أثمرت تحويلهم إلى العلم المفيد، وبذلك لا يُقدَح فيه باتصاله بالولاة والحكام ومصاحبته لهم. ومما انتقد به أيضًا ما رواه المرزُباني بسنده عن الواقدي قال: كان محمد بن إسحق يجلس قريبًا من النساء في مؤخر المسجد، فيروي عنه أنه كان يسامر النساء، فرُفع إلى هشام، وهو أمير المدينة، وكانت له -يعني ابن إسحق- شعرة حسنة، فرقق رأسه، وضربه أسواطًا، ونهاه عن الجلوس هنالك، وكان حَسن الوجه/ معجم الأدباء لياقوت 18/ 5، وذكر ابن النديم تلك الرواية أيضًا مع تصرف، وصدَّرها بعبارة "يُحكى" ولكنه ذكر فيها: "يُغازِل النساء" بدل: "يُسامر النساء" / الفهرست لابن النديم/ 136. وعلى كل حال فتلك الواقعة مردودة سندًا ومتنًا، فهي من رواية الواقدي، وهو متروك أو ضعيف مع سعة علمه/ التقريب/ 498 وتهذيب التهذيب 9/ 363 - 368، ومن ناحية متنها فهو مخالف للواقع التاريخي، فإن ابن إسحق قد ولد سنة 80 هـ / السير 7/ 34، وهشام هذا هو ابن إسماعيل المخزومي، وقد تولى إمرة المدينة -كما يقول ابن كثير- نحوًا من أربع سنين، وعزله عنها الوليد بن عبد الملك في أوائل سنة 87 هـ وولي عليها عمر بن عبد العزيز، فدخلها في ربيع الأول من نفس السنة/ البداية والنهاية 9/ 78 حوادث سنة 87 هـ، ثم توفي هشام هذا بدمشق سنة 88 هـ/ المصدر السابق/، ومعنى ذلك أن ابن إسحق كان في السابعة من عمره، حين عُزل هشام هذا عن امرة المدينة، فكيف يتأتى منه هذا العمل، ويحاكم عليه شرعًا؟ نعم تقدم أن ابن هشام هذا وهو إبراهيم بن هشام المخزومي كان واليًا على الحرمين منذ سنة 105 هـ إلى سنة 114 هـ وأنه قد جلد ابن إسحق فيما نُسب إليه من بدعة القدر، وتقدم الجواب عن ذلك. ومن النقد الموجه لابن إسحق أيضًا أنه كثير التدليس، وخصوصًا عن الضعفاء والمجاهيل، وبالتالي يكون ما دلسه مردودًا وإن لم يقدح في عدالته. فأبو حاتم الرازي لما سئل عن حديث ابن إسحق عن سليط عن أبي سعيد الخدري في بئر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بضاعة قال: ابن إسحق صاحب تدليس، بينه وبين سليط رجل/ تحفة التحصيل لأبي زرعة ابن العراقي/ 182 ب، وجامع التحصيل للعلائي/ 261، 262 ونقل ابن أبي حاتم في مراسيله/ 195، 196 عن والده ذكر وجود الواسطة بينهما، ولم أجد ذكر التدليس، فلعله سقط من الناسخ أو الطابع، أما الخليلي فإنه بعد توثيق ابن إسحق، ذكر حديثه عن الزهري بسنده عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "نضر الله عبدًا ... (الحديث) ثم قال: فيه علل واضطراب ... وذكر من علله: أن ابن إسحق لم يسمعه من الزهري وإنما دلس فيه/ منتخب الإرشاد 26 ب، 27 ب، وعليه فيكون توثيق الخليلي لابن إسحق، والمقتضي قبول روايته عنده، مقيدًا بغير ما دلسه، كما صرح بذلك غيره، فقد قال ابن حبان: وهو -أي ابن إسحق- من أحسن الناس سياقًا للأخبار وأحسنهم حفظًا لمتونها، وإنما أُتي -يعني انتُقِد- لأنه كان يدلس على الضعفاء، فوقع المناكير في روايته من قِبَل أولئك، فأما إذا بين السماع فيما يرويه فهو ثبت يحتج بروايته/ الثقات لابن حبان 7/ 383، 384 وقد جاء عن ابن حبان في موضع آخر، أن بيان السماع يكفي فيه تأكد العالم من ثبوته في أحد طرق الحديث المحتج بها، ولو كانت الطريق التي ساقها هو معنعنة، حيث إنه في مقدمة صحيحه ذكر أن المدلسين الثقات لا يُحتج بأخبارهم إلا ما بينوا السماع فيما رووا ... ثم قال: فإذا صح عندي خبر من رواية مدلس أنه بَيَّن السماع فيه، لا أبالي أن أذكره من غير بيان السماع في خبره، بعد صحته عندي من طريق آخر/ الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان 1/ 90، 91، وعلى هذا فإن ابن حبان أخرج في صحيحه أحاديث معنعنة لابن إسحق وغيره من المدلّسين؛ لعلمه بتصريح كل منهم بسماع الحديث من طريق آخر، وإن لم يذكرها؛ ويفهم من تصرف شيخه ابن خزيمة في صحيحه أنه جرى على ذلك، فإنه أخرج من طريق ابن إسحق قال: وذكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: فضل الصلاة التي يُستاك لها على الصلاة التي لا يُستاك لها سبعين ضعفًا، ثم عقَّب ابن خزيمة على الحديث بقوله: أنا استثنيت صحة هذا الخبر؛ لأني خائف أن يكون محمد بن إسحق لم يسمع من محمد بن مُسلم، وإنما =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = دلَّسه عنه/ صحيح ابن خزيمة 1/ 71 أقول: وتخوف ابن خزيمة في محله؛ فإن الصيغة التي ذكرت بها روايته لهذا الحديث عن شيخه الزهري، سبق قول الإمام أحمد: إن تلميذ ابن إسحق في هذا الإسناد، وهو سعد بن إبراهيم، يُعبِّر بهذه الصيغة عما يدلِّسه ابن إسحق، وانظر تاريخ بغداد 1/ 230، وكذا أخرج أحمد الحديث في مسنده بمثل رواية ابن خزيمة/ المسند 6/ 272. وقد علق الشيخ الألباني على كلام ابن خزيمة السابق بالجزم بضعف الحديث؛ لتدليس ابن إسحق، وعدم تصريحه فيه بالتحديث/ صحيح ابن خزيمة، مع تعليق الألباني عليه 1/ 71، ثم أخرج ابن خزيمة عقب هذا الحديث، حديثا آخر في الأمر بالسواك عند كل صلاة، من طريق ابن إسحق عن محمد بن يحيى بن حَبَّان عن عبد الله بن عبد الله بن عمر قال: (الحديث) / صحيح ابن خزيمة 1/ 71، 72، ومع أن ابن إسحق لم يصرِّح في هذه الرواية بالتحديث كما ترى فإن ابن خزيمة احتج به ولم يتعقبه، كما تعقب سابقه، وبمراجعة طرق الحديث الأخرى عند غير ابن خزيمة ممن هو متقدم عليه أو متأخر، نجد تصريح ابن إسحق فيها بالتحديث/ انظر تعليق الشيخ الألباني على الحديث في الموضع السابق، ومسند أحمد 5/ 225. فهذا يدل على موافقة رأي ابن حبان لرأي شيخه ابن خزيمة، في أنه يكفي في بيان السماع اطلاع العالم على ثبوت التحديث ولو في طريق آخر لم يذكره، وقد نقل العلائي مثل هذا عن بعض الأئمة في توجيه ما أخرجه الشيخان في الصحيحين معنعنًا عن المدلسين، ولكنه لم يرضه/ جامع التحصيل/ 113، وتابعه على هذا سبط ابن العجمي/ التبيين لأسماء المدلسين له/ ضمن المجموعة الكمالية/ 359. ويبدو أن العلائي لم يرتض أيضًا ما تقدم عن ابن حبان من اصطلاحه في الرواية عن المدلس في صحيحه؛ حيث انتقده بانه احتج فيه برواية ابن إسحق مطلقًا وإن عَنعن/ جامع التحصيل للعلائي/ 261، ولكن تلميذ العلائي الحافظ زين الدين العراقي قد أقر ابن حبان على اصطلاحه المذكور، وسيأتي أحد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأحاديث التي صححها الترمذي وابن حبان مع روايتهما له من طريق ابن إسحق معنعنًا، وبيان موقف العراقي من تصحيح ابن حبان والترمذي له. وروى الخطيب بسنده عن محمد بن عبد الله بن نُمير أنه ذكر ابن إسحق فقال: إذا حدَّث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق/ تاريخ بغداد 1/ 227، وذكره الحافظ ابن رجب ضمن المعروفين بالتدليس، ولهم عادة في التعبير عنه، ثم نقل عن الإمام أحمد قوله: إذا قال ابن إسحق: "وذَكَر فلان" فلم يسمعه منه/ شرح العلل لابن رجب 1/ 376، وكذا ذكر قول أحمد هذا، العلائي/ جامع التحصيل/ 362، وذَكَر الإمام أحمد مما يُعرف به تدليس ابن إسحق أيضًا ما جرى عليه تلميذُه إبراهيم بن سعد في كتابه عنه؛ فقد قال الإمام أحمد: كان ابن إسحق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد، إذا كان سماعٌ قال: حدثني، وإذا لم يكُنْ، قال: قال/ تاريخ بغداد 1/ 235، وقد مر أن إبراهيم بن سعد هذا ممن أكثر الرواية عن ابن إسحق، ومما أخرجه أحمد في مسنده بصيغة "قال" المشار إليها، حديث عائشة في فضل السواك، فقال أحمد: ثنا يعقوب قال: ثنا أبي عن ابن إسحق قال: وذَكَر محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عروة بن الزبير عن عائشة (الحديث) / المسند 6/ 272، ويعقوب هذا هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد، وهو يروي الحديث عن أبيه إبراهيم بن سعد/ انظر صحيح ابن خزيمة 1/ 71، وتقدم توقف ابن خزيمة في سماع ابن إسحق للحديث من الزهري. وقال ابن رجب أيضًا: وكان يدلس عن غير الثقات، وربما دلس عن أهل الكتاب ما يأخذه عنهم من الأخبار/ شرح العلل 1/ 126. أقول: ومن تدليسه عن الضعفاء المتروكين ما أخرجه الترمذي - من طريقه عن أبي النضر عن باذان، مولى أم هانئ عن ابن عباس عن تميم الداري، فى هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}. قال: بريء الناس منها (الحديث بطوله في الوصية في السفر، وقال الترمذي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عقبه: هذا حديث غريب، وليس إسناده بصحيح، وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحق هذا الحديث هو عندي محمد بن السائب الكَلْبي، يُكْنى أبا النضر وقد تركه أهل العلم بالحديث وهو صاحب التفسير، جامع الترمذي -التفسير- سورة المائدة 4/ 323، 324. أقول: ولابن إسحق شيخ آخر ثقة ثبْت يُكْنى أبا النضر - وهو سالم بن أبي أمية المديني/ التقريب/ 226، ويعتبر ابن إسحق من أروى الناس عنه، كما تقدم، وقد أراد الترمذي أن ينبه على دفع القول باحتمال كون أبي النَّضْر المذكور في سند الحديث السابق، هو سالم هذا، وليس الكلبي، فقال عقب رواية الحديث: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي يُكْنى أبا النضر، ولا تعرف لسالم أبي النضر المديني رواية عن أبي صالح مولى أم هانئ/ جامع الترمذي الموضع السابق، والكَلْبي مشهور بنسبته هذه؛ فذِكْر ابن إسحق له في تلك الرواية بكُنيته يعتبر تدليسًا له، ويجعله مُشتبِهًا بشيخه الآخر الثقة، وهذا يقدح فيمن تعمده/ طبقات المدلسين لابن حجر، بتحقيق د. القريوتي/ 17 وجامع التحصيل للعلائي/ 100، 154، لكن ليس لدينا ما يقطع بتعمد ابن إسحق ذلك، وبالتالي لا يُقدَح به فيه، ولكن تعد عنعنته مما يَقدَح في تلك الرواية، بالإضافة إلى القدح فيها بوجود الكلبي وشيخه باذان مولى أم هانئ، في الإسناد كما ترى، وانظر التقريب/ 125 ترجمة 634، وقد تقدم قول الترمذي: إن هذا الإسناد ليس بصحيح. وانظر: شرح العلل لابن رجب مع تعليق د. عتر عليها 1/ 395، 396. ومن صور تدليسه بتكنية الراوي المشهور باسمه ما حكاه الإمام أحمد حيث يقول: مجاهد بن جبر، المعروف، ومحمد بن إسحق يقول: ابن جبر، ويَكْنى: أبا الحجاج، فسأل أبو طالب أحمد: سمع -يعني ابن إسحق- من مجاهد؟ قال: لا/ الكامل لابن عدي 6/ 2120، وتحرف في الطباعة "جبر" إلى "جبير"، ومنها أيضًا ما رواه ابن المديني عن يحيى القطان قال: رأيت محمد بن إسحق جاء الى الأعمش، فدخل عليه بيته، فما كان بأسرع من أن خَرج الأعمش وتركه في بيته، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قال: فقال: هذا إذا حدثته عن أبي وائل، قال: قل شقيق بن سلمة، وإذا قلت له: شقيق، يقول: قل أبو وائل ... / سؤالات ابن مُحرِز في معرفة أحوال الرجال 2/ 200، وأخرج العقيلي الرواية بنحوها مع الاقتصار على قول الأعمش: قلت له: شقيق، قال: قل: أبو وائل/ الضعفاء للعقيلي 4/ 26، وكذا أخرجها ابن عدي/ الكامل 6/ 2117، وذكرها الذهبي/ الميزان 3/ 470 وقد ذكر الخطيب البغدادي من أسباب عدم الاحتجاج برواية ابن إسحق، أنه كان يدلس في حديثه/ تاريخ بغداد 1/ 224. وقد سأل الأثرم الإمام أحمد: ما تقول في ابن إسحق؟ قال: هو كثير التدليس جدًّا، فكان أحسن حديثه عندي ما قال: أخبرَني، وسمعتُ/ الجرح والتعديل 7/ 193، 194 وهذا يفيد اتفاق رأي أحمد هذا مع ما تقدم عن غيره من رَدِّ ما دلسه ابن إسحق، أما ما لم يدلّسه، فسيأتي تحقيق رأي الإمام أحمد وغيره فيه بعد قليل. وقد ذكر كلٌّ من الذهبي وتلميذه أبو محمود المقدسي، ابنَ إسحق في منظومة كل منهما في المدلسين لكن لم يُبيّنا أن تدليسه محتمل، أو مؤثر في رد ما دلسه كما تقدم عن غيرهما/ انظر المنظومتين مع طبقات المدلسين لابن حجر بتحقيق د. عاصم القريوتي. لكن تلميذ الذهبي الآخر، وهو صلاح الدين العلائي، بعد اطلاعه على منظومة شيخه واستفادته منها/ جامع التحصيل/ 108 قَسَّم المدلسين من حيث قبولُ روايتهم وردها إلى خمس طبقات، وَعَد ابن إسحق من الطبقة الرابعة، وهي التي اتفق العلماء على أنه لا يُحتج بشيء من حديثهم إلا بما صرحوا فيه بالسماع؛ لغلبة تدليسهم وكثرته عن الضعفاء والمجهولين/ جامع التحصيل 109، 113، وقد تابع العلائي على ذلك مَن جاء بعده من المؤلفين في المدلسين، ومنهم سِبْط ابن العجمي/ التبيين لأسماء المدلسين، له/ 359 ضمن المجموعة الكمالية في الحديث، ثم الحافظ ابن حجر/ طبقات المدلسين له بتحقيق د. القريوتي/ 14، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 51، وعليه يكون المعتمد رد ما دلسه ابن إسحق، وإن لم يَقدح تدليسُه في عدالته. لكن ابن سيد الناس لما تكلم عن تدليس ابن إسحق، ذكر ما تقدم من قول محمد بن عبد الله بن نُمير: إن ابن إسحق إذا حدث عمن سمع من المعروفين فهو حسن الحديث، وقول أحمد: إنه كثير التدليس جدًّا، وأحسن حديثه عندي ما قال: أخبرَني وسمعتُ/ عيون الأثر 1/ 10، 12، ثم تصدى للجواب عن ذلك، فذكر أنه مما لا يوجب رد روايته، ولا يوقع فيها كبير وَهْن، وعلل ذلك بقوله: أما التدليس فمنه القادح في العدالة وغيره، ولا يُحمل ما وقع هاهنا -يعني في كلام يعقوب وأحمد الذي ذكره- من مطلق التدليس، على التدليس القيد بالقادح في العدالة/ عيون الأثر 1/ 13، ثم بين بنفسه القادح في العدالة بأنه: ما كان عن الضعفاء، مع العلم بحالهم وقصد إخفائهم لترويج الخبر، وذكر أن ذلك لم يوصف به ابن إسحق/ عيون الأثر 1/ 15 وفي صنيع المؤلف هذا مؤاخذتان: أولاهما: إنه لم يستوعب ذكر ما اطلع عليه من الأقوال الهامة والمحررة في تدليس ابن إسحق، وبالتالي جاء جوابه قاصرًا، وذلك أنه قد اطلع على كلام ابن حبان في الثقات بشأن ابن إسحق، وعده معبرًا عما في نفسه هو، كما قدمت، ومع ذلك لم يذكر هنا قول ابن حبان الذي تقدم قريبًا، وهو: "أن ابن إسحق كان يدلس على الضعفاء، فوقع المناكير في روايته من قِبَل أولئك، فأما إذا بيّن السماع فيما يرويه فهو ثَبْت يحتج بروايته" فلو أنه ذكر أو راعى قول ابن حبان هذا ما وَسِعه أن يطلق القول: بأن تدليس ابن إسحق لا يوجب رد روايته ولا يُوقع فيها كبير وَهْن؛ وذلك لأن قول ابن حبان واضح في تقرير رد وتضعيف ما دلسه ابن إسحق، وإن لم يقدح ذلك في عدالته، ولا في توثيقه في غير ما دلسه. والمؤاخذة الثانية: أنه قسم التدليس إلى قادح في العدالة وغير قادح، وأهمل تقسيمه من حيث: تأثيره في رد الرواية المدلّسة، أو عدم ردها، مع أن هذا هو المقصود الأصلي من بيان حال الراوي، وهو مؤثر في إطلاقه الحكم بتصحيح =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حديث ابن إسحق كما تقدم، كما أن ما تصدى للجواب عنه من كلام ابن نُمير وأحمد، مبني على التقسيم الثاني الذي أهمله، حيث جعل كل منهما رواية ابن إسحق المدلسة مردودة، ولم يجعلاها قادحة في عدالة شخصه ولا في توثيقه في غير ما دلَّسه. وعلى هذا فإننا وإن كنا نُسلّم لابن سيد الناس أن تدليس ابن إسحق ليس قادحًا في عدالته، فلا نُسلم له أنه تدليس مطلق من القيود التي تقدح في روايته المدلسة وتوجب ردها، ولم يكن يَسوغ له في الجواب عن تدليس ابن إسحق أن يهمل ذلك. وما قدمته من أقوال الأئمة يفيد أن ابن إسحق لم يوصف بالتدليس المطلق فقط، ولكن قُيِّد تدليسه بأمرين: أحدهما: إنه يدلس عن الضعفاء، ومن هم شر حالا منهم، كأهل الكتاب. وثانيهما: إن تدليسه كثير جدًّا، كما نقل ابن سيد الناس بنفسه ذلك عن أحمد، وكل واحد من هذين الأمرين قادح فيما يدلسه ابن إسحق، وموجب لرده، بالاتفاق كما تقدم عن العلائي وغيره، وانظر/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 174، وهذا يعارض قول ابن سيد الناس: أن ابن إسحق وُصِف بمطلق التدليس، وقوله أيضًا: إن حديثه صحيح مطلقًا. ويمكن أن يقال: إن ابن سيد الناس قصر جوابه على دفع التدليس القادح في عدالة ابن إسحق فقط، اعتمادًا على أن القدح فيما دلسه الثقة عن الضعيف -كما هي حاله- أمر متفق عليه، فلا يحتاج إلى بيان أو تنبيه. وأقول: إن هذا أمر وارد فعلًا، وكان يمكن حمل تصرف ابن سيد الناس عليه؛ لكني وجدته في التطبيق العملي يجري على خلاف ذلك، فيَعتبر عنعنة ابن إسحق غير مؤثرة في قبول ما عنعنه حيث إنه في حديث جابر في هذا الباب الذي نحن بصدد شرحه، قد رواه ابن إسحق عن أبان بالعنعنة، وقال عنه الترمذي: حسن غريب، فقرر المؤلف كما هو مذكور في الأصل ص 693، 695 - 697 أن الحديث حسن لذاته، ولم يعلق على عنعنة ابن إسحق بشيء، ومعنى ذلك أنه يرى تدليسه غير قادح في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = روايته المدلسة، وهذا أيضًا مُقتضى قوله السابق ذكره بصحة حديث ابن إسحق مطلقًا. وقد جرى الحافظ زين الدين العراقي في تكملته لهذا الشرح على خلاف ما جرى عليه المؤلف بالنسبة لتدليس ابن إسحق؛ فأخذ بالرأي المتفق عليه من رد ما دلسه ابن إسحق، وإن لم يقدح في عدالته؛ فمن ذلك أن الترمذي قد أخرج حديث الصلاة على الميت من طريق ابن إسحق معنعنًا، وقال: حديث حسن، فاستشكل العراقي تحسين الترمذي للحديث مع عنعنة ابن إسحق، كما قدمت ذكره ص 702 ت. وأخرج الترمذي أيضًا حديث: إذا نَعِس أحدكم يوم الجمعة فليتحول عن مجلسه، وذلك من طريق ابن إسحق معنعنًا، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح/ أبواب الجمعة، باب فيمن نعس يوم الجمعة 2/ 19 ح 525، وانظر تحفة الأشراف 6/ 224. وقد قال العراقي في شرحه للحديث: صحح المصنف حديث الباب، وسكت عنه أبو داود؛ فهو عنده صالح، مع كونه من رواية محمد بن إسحق بالعنعنة، وهو مدلس، وإنما يُقبل من حديث المدلّس الثقة ما صرح فيه بالاتصال بقوله: ثنا، أو أنا أو سمعت، وهذا لا خلاف فيه بين الذين لا يحتجون بالحديث المرسل، فما وجه تصحيحه؟ وذَكَر تخريج ابن حبان للحديث أيضًا من طريق ابن إسحق معنعنًا عن نافع، وقال: وكيف أخرجه ابن حبان في صحيحه من رواية يَعلَي بن عبيد عن محمد بن إسحق عن نافع، هكذا معنعنًا، مع التزامه الصحة في كتابه؟ ثم أجاب عن ذلك بقوله: والظاهر أن المصنف وابن حبان تبيّن لهما اتصاله بين ابن إسحق ونافع من وجه آخر، وإلا فما كانا يستجيزان الحكم بصحته، مع كونه من رواية المدلس بالعنعنة/ انظر تكملة شرح الترمذي للعراقي مجلد برقم (509) ج 4 / ق 26 أ، ب. أقول: وما استظهره العراقي في محله، فقد أخرج أحمد الحديث من غير طريق يَعلَي بن عبيد، وفيه تصريح ابن إسحق بالتحديث/ انظر مسند أحمد 2/ 135. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وعلى هذا فما قرره ابن سيد الناس وطبقه عمليًا، من عدم رد ما دلسه ابن إسحق يعتبر مردودًا عليه، ولا يعتد به، هذا وسيأتي أن حديث النعاس يوم الجمعة هذا مما انتقده ابن المديني على ابن إسحق بسبب آخر غير التدليس. ومما انتقد به ابن إسحق أيضًا أن محمد بن عبد الله بن نُمير بعد أن وثقه فيما لم يدلسه كما تقدم، قال: وإنما أتِي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة/ تاريخ بغداد 1/ 227، والكامل لابن عدي 6/ 2120 والسير 7/ 43، وأيضًا الإمام أحمد قال: قدم محمد بن إسحق إلى بغداد، وكان لا يبالي عمن يحكي، عن الكَلْبي وغيره/ تاريخ بغداد 1/ 230 وعيون الأثر 1/ 10، 11، 15 وتهذيب التهذيب 9/ 42، 43، وقد تصدى للجواب عن هذا ابن سيد الناس، وخلاصة ما أجاب به عما ذكره ابن نمير: أن الطعن على العاِلم بروايته عن المجهولين غريب، فقد حُكي عن الثوري وغيره، روايتهم عن المجهولين، وأكثر ما فيه التفرقة بين بعض حديثه وبعض، فيرد ما رواه عن المجهولين، ويُقبل ما حمله عبد المعروفين، وطالما أنه هو في نفسه، موثّق، فالأحاديث الباطلة التي رواها عن المجهولين يكون الحمل فيها عليهم، لا عليه/ عيون الأثر 1/ 14 مع تصرف غير مُخل. ثم أجاب عن قول أحمد المتقدم بأنه يَدخل أيضًا تحت الطعن السابق بالرواية عن الضعفاء، وقد تقدم الجواب عنه، ثم أجاب بأن ابن إسحق إما أن يُسمِّي الضعيف مع معرفة حاله فيبرأ بتسميته من العهدة، وإما أن يدلَّسه غير متعمد إخفاءه، ليروج الخبر، وبذلك لا يقدح تدليسه هذا في عدالته، وإن قدح فيما يدلسه كما مر، وأيضًا فإنه بحفظه وسعة علمه بالمرويات قد يميز من حديث الكلبي ومن يجري مجراه ما هو مقبول مما هو مردود من حديثه، فيكتُب ما يراه مقبولًا، كما أن غالب ما يرويه عن الكَلْبي أنساب وأخبار من أحوال الناس، وأيام العرب وسيرهم، وما يجري مجرى ذلك مما سمح كثير من الناس في حمله عمن لا تحمل عنه الأحكام، وممن حُكِي عنه الترخص في ذلك الإمام أحمد نفسه الذي وجه هذا النقد لابن إسحق/ عيون الأثر 1/ 15، أقول: ورواه البيهقي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أيضًا عن ابن مهدي ويحيى القطان، وأقره/ دلائل النبوة له، بتحقيق د. قلعجي 1/ 34 - 37، 40، ومما يؤيد تمييزه للمرويات عن الضعفاء وغيرِهم، ما قدمتُه عن كيفية روايته في السير والغازي، حيث نجده ينبه كثيرًا على عدم قبوله لما يرويه، فيصف بعضَه بالزعم، وبعضَه بالمشكوك فيه، وبعضه يَكِل علمَ وقوعه أو عدم وقوعه إلى الله تعالى. فخلاصة القول أن ما ذكر من رواية ابن إسحق عن الضعفاء والمجهولين يقدح فيما رواه عنهم فقط، ولا يقدح في توثيقه، ولا في قبول مروياته المتصلة عن المحتج بهم من الرواة. هذا مجمل الانتقادات المفسرة الموجهة إلى ابن إسحق، وتحقيق القول فيها، وخلاصة التحقيق: أن من تلك الانتقادات ما لم يثبتُ اتصاف ابن إسحق به، مثل الوصف بالكذب، ومنها ما ليس بقادح في شخصه ولا فيما رواه، وهو الرواية عن فاطمة بنت المنذر، زوجة هشام بن عروة، ومنها ما هو قادح في بعض مروياته لا في شخصه، مثل التدليس والرواية عن أهل الكتاب، وعن الضعفاء والمتروكين، ورواية الأحاديث المنقطعة والشاذة، والمنكرة، وستأتي بعض الانتقادات الأخرى المفسرة ضمن بيان تعدد أقوال العالم الواحد في ابن إسحق، مع تحقيق القول فيها، بالمشيئة. وأما الانتقادات المجملة الموجهة إليه: فمنها قول أبي حاتم الرازي: محمد بن إسحق ليس عندي في الحديث بالقوي، ضعيف الحديث، وهو أحب إليَّ مِن أَفلَح بن سعيد، يُكتَب حديثه/ الجرح والتعديل 7/ 192، 194، أقول ومثل هذه الانتقادات المجملة معارَضة بتوثيق الأئمة المتعددين لابن إسحق، فلا يُعتد بها. ويبقى بعد ذلك النظر في أقوال من تعددت أقوالهم من النقاد في بيان حال ابن إسحق، وقد سبقت أقوال لبعضهم في الانتقادات المفسرة، ويبقى كذلك النظر في أقوال من أشار إلى تعدد الآراء فيه، مع محاولة الجمع أو الترجيح بينها، أو التوقف، وتحقيق ما يبدو لي بمشيئة الله وفضله، وإليك التفصيل: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = فممن تعدد قوله فيه: شعبة، حيث وصفه كما تقدم بأنه: أمير المؤمنين في الحديث؛ لحفظه، وقد رَوى عنه، وأوصى غيره بالرواية عنه/ المعرفة والتاريخ 2/ 781 وتاريخ بغداد 1/ 228 وعيون الأثر 1/ 9، وهناك تلميذ لابن إسحق وهو: إسماعيل بن عُلَية، سمع شعبة يقول: ابن إسحق صدوق في الحديث/ الجرح والتعديل 7/ 192 والميزان 3/ 469 وفي رواية عن ابن عُلية أيضًا: أن شعبة قَرَن ابن إسحق مع جابر الجُعفي وقال: إنهما صدوقان/ تاريخ بغداد 1/ 228 والكامل لابن عدي 6/ 2121 وعيون الأثر 1/ 9 وفي رواية أنه قال: صدوقان في الحديث/ تاريخ بغداد 1/ 228، وأخرج العقيلي بسنده عن أبي شهاب -وهو الحناط الصغير- قال: قال لي شعبة: عليك بحجاج بن أَرطأة ومحمد بن إسحق فإنهما حافظان، واكتُم علي عند البصريين في خالد الحذاء وهشام/ الضعفاء للعقيلي 2/ 4، وفي سنده خَلل يُعرف بمراجعة تهذيب التهذيب 3/ 122 وتاريخ بغداد 1/ 228 والميزان 1/ 642، 643، وقد عقب الذهبي على هذا القول من شعبة بأنه ما التفت إليه، أحد، ومقصوده عدم الالتفات إلى شطره الأخير وهو القدح في الحذاء وهشام؛ لأنه ذكر هذا التعقيب في ترجمة الحذاء/ انظر الميزان/ الموضع السابق. أقول فآل مجموع الروايات عن شعبة إلى توثيقه لابن إسحق، عدالة وضبطًا؛ لكن سيأتي إشارة الإمام أحمد وغيره إلى أن في ضبط ابن إسحق شيئًا بحيث يقتضي خِفة ضبطه. وممن تعددت أقواله فيه أيضًا: يحيى بن معين، فقد روى المفضل بن غسان الغلابي قال: قال يحيى بن معين: ابن إسحق، ثَبْت في الحديث/ تاريخ بغداد 1/ 231، وسأله المفضل أيضًا عنه فقال: كان ثقة وكان حسن الحديث/ تاريخ بغداد 1/ 218، والسير 7/ 35 وعَطفُه "حسن الحديث" على التوثيق يُشير إلى أن المقصود بها ليس الحُسن الاصطلاحي، وإنما حُسن سياقه للمتون والروايات، كما قال الميموني: ما أحسن هذه القصص التي يجيء بها ابن إسحق/ تاريخ بغداد 1/ 220 والضعفاء للعقيلي 4/ 27، 28، كما أن وصَفَه بأنه: ثقة يُعتبر أنزل من وصفه السابق بأنه "ثَبْت". =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وروى الدُّوري أنه سمع ابن معين يقول: محمد بن إسحق ثقة، ولكنه ليس بحجة/ يحيى بن معين وكتابه التاريخ 2/ 504 وتاريخ بغداد 1/ 231 والضعفاء للعقيلي 4/ 28، والكامل لابن عدي 6/ 2117 وتهذيب التهذيب 9/ 44، وفي رواية ابن أبي حاتم الرازي عن الدُّوري أن ابن معين سئل: محمد بن إسحق أحب إليك أو موسى بن عبيدة؟ فقال: محمد بن إسحق، محمد بن إسحق، صدوق، ولكنه ليس بحجة/ الجرح والتعديل 7/ 172، وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين، وذكرتُ له الحجة، فقلت: محمد بن إسحق منهم؟ فقال: كان ثقة، إنما الحجة عُبيد الله بن عمر، ومالك بن أنس، وذكر قومًا آخرين/ تاريخ بغداد 1/ 232، والكامل لابن عدي 6/ 2118 والسير 7/ 47، وذكر الذهبي الرواية في الميزان بنحوها وفيها "صدوق" بدل "ثقة"/ الميزان 3/ 472، وقال أحمد بن زُهير، المعروف بابن أبي خيثمة: سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحق، فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة: لا يزال في الناس عِلْم ما عاش محمد بن إسحق/ تاريخ بغداد 1/ 219، 220 والسير 7/ 36. أقول: وعاصم هذا من شيوخ ابن إسحق، وهو مدني ثقة، عالم بالمغازي/ التقريب/ 286. وقد جاءت تلك الرواية بتفصيل آخر، وهو: أن يحيى بعد ذِكْره لقول عاصم السابق، بَين أهميته في توثيق ابن إسحق فقال: وابن إسحق سمع من عاصم، وكان لا يقول هذا فيه إلا من خُبرْ/ المنتقى من إرشاد الخليلي 26 ب، 27 أ، والثقات لابن شاهين بتحقيق الشيخ صالح المُحَطب/ 372، ومعنى هذا أن ابن معين اعتد بشهادة عاصم في توثيق ابن إسحق لصدورها عن خبرة الشيخ بتلميذه، كما أن عاصمًا مدني، فتعد شهادته ردًا على من انتقده من المدنيين كمالك وهشام بن عروة وغيرهما، وهو أيضًا عالم بالمغازي والسير، ففي شهادته توثيق لابن إسحق فيهما بوجه أخص، وقد أقر ابن معين توثيق عاصم لابن إسحق بكل تلك الاعتبارات. وفي رواية أن ابن أبي خَيثمة سمعه يقول: محمد بن إسحق ليس به بأس/=

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = تاريخ الخطيب 1/ 232، ومع أن ابن معين قال لابن أبي خيثمة نفسه: إذا قلتُ لك (فلان) لا بأس به، فهو ثقة، إلا أن العراقي علق على ذلك بأن للثقة مراتب، وأن التعبير بـ "ثقة" أرفع من التعبير بـ "لا بأس به" وإن اشتركا في مطلق الثقة/ تدريب الراوي 1/ 344، ويرى الأخ الفاضل الدكتور/ أحمد نور سيف: أن التفاوت بين اللفظين في حد ذاتهما مُسلّم به، ولكن الذي تبيّن له بالاستقراء لأمثلة كثيرة من استعمال ابن معين أن اللفظين عنده بمعنى واحد/ يحيى بن معين وكتابه التاريخ 1/ 112 - 114، والذي يبدو لي أن تساوي اللفظين عنده ليس مطلقًا، بل يلزم تقييده بأن لا يقترن لفظ "لا بأس به" في كلام ابن معين نفسه بما يدل على ارتفاع الراوي أو نزوله عن وصف "الثقة"، كقوله في يحيى بن يَمان: ليس به بأس صدوق، ليس هو بذاك القوي/ سؤالات ابن مُحرز 1/ 68، وكذا عدم ثبوت قول آخر لابن معين يُنْزِل فيه الراوي أو يرفعه عن وصف "الثقة"، ودليل الحاجة إلى هذا التقييد ما جاء عن ابن معين من أقوال أخرى في ابن إسحق؛ فقد تقدمت رواية وصفه له بأنه "صدوق" وهذا أَنزَلُ في التوثيق من لفظ "ثقة"، كما ستأتي عنه روايات أخرى أنزل فيها ابن إسحق إلى التضعيف المطلق والمقيّد؛ فابن أبي خيثمة بعد روايته السابقة: أن ابن معين وصف ابن إسحق بأنه: "لا بأس به"، قال: وسُئل ابن معين عنه مرة أخرى فقال: ليس بذاك، ضعيف، قال: وسمعته يقول مرة أخرى: محمد بن إسحق عندي سقيم الحديث، وليس بالقوي/ تاريخ بغداد 1/ 232، والسير 7/ 46، 47 والجرح والتعديل 7/ 194. وقال ابن أبي خيثمة: سمعت يحيى بن معين، وقيل له: أيُّما أحب إليك؟ موسى بن عبيدة الربَذي، أو محمد بن إسحق؟ فقال: محمد بن إسحق/ الجرح والتعديل 7/ 194، والضعفاء للعقيلي 4/ 28، أقول: وموسى بن عبيدة قال الذهبي: مشهور ضعّفوه، وقال أحمد: لا تحل الرواية عنه/ الكاشف 3/ 186 والمغني في الضعفاء 2/ 685 وديوان الضعفاء/ 311؛ فيستفاد من تقديم ابن إسحق عليه أنه عند يحيى أقل ضعفًا من موسى هذا. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال ابن أبي خيثمة: وسمعت يحيى يقول: ولم يزل الناس يتقون حديث محمد بن إسحق. وقال الميموني: سمعت يحيى بن معين يقول: محمد بن إسحق ضعيف/ تاريخ بغداد 1/ 231، والضعفاء للعقيلي 4/ 28 وجاء في كتاب محمد بن عبيد الله عن يحيى قال: محمد بن إسحق ليس بذاك/ تاريخ بغداد 1/ 231، وقال ابن محرز: وسمعت يحيى، وقيل له: أيما أكثر، محمد بن إسحق، أو محمد بن عمرو؟ قال: محمد بن عمرو أحب إليّ منه، وأهل المدينة لا يَروْن أن يحدثوا عن ابن إسحق، وذلك أنه كان قَدَريًا/ سؤالات ابن محرز في أحوال الرجال 1/ 18 بتحقيق محمد كامل القصار، وأخرج ابن عدي من طريق عبيد الله الدوْرقي عن ابن معين أنه قال: محمد بن عمرو روى عنه القطان، وقال: هو أحب إلي من محمد بن إسحق/ الكامل 6/ 2118. أقول: ومحمد بن عمرو بن علقمة مختلف فيه وقال ابن حجر: صدوق له أوهام/ التقريب/ 498، وقال في أجوبته عن أحاديث المشكاة: صدوق في حفظه شيء، وحديثه في مرتبة الحسن/ الأجوبة مع المشكاة 3/ 1784، وجعله ابن الصلاح والذهبي ومن جاء بعدهما مثالًا للراوي الذي يعتبر حديثه حسنًا لذاته/ علوم الحديث لابن الصلاح مع التقيد والإيضاح/ 51، وديوان الضعفاء للذهبي/ ص 373 بتحقيق الشيخ حماد الأنصاري والتدريب 1/ 176 وفتح المغيث للسخاوي 1/ 71، فتفضيل ابن معين له على ابن إسحق يفيد إِنزالَه ابن إسحق عن مرتبة الحسن، فيكون ضعيفًا، وروى الدوري عن ابن معين قوله: محمد بن عبد الله، ابن أخي الزهري أحب إليّ من محمد بن إسحق في الزهري/ الكامل 6/ 2120، أقول: وابن أخي الزهري قال عنه في التقريب: صدوق له أوهام/ التقريب ص 490، فتفضيله على ابن إسحق في الرواية عن الزهري، يدل على تضعيف ابن إسحق في روايته عن الزهري خاصة، وقد جاءت رواية أخرى توضح هذا، حيث روى عثمان الدارمي قال: سألت يحيى بن معين، قلت: فمحمد بن إسحق؟ قال: ليس به بأس، وهو ضعيف الحديث عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الزهري/ الكامل 6/ 2120، ففي هذه الرواية صرح بتضعيفه في الرواية عن الزهري، ويفهم منها أيضًا توثيقه في غيره، فكأنه قال: هو لا بأس به إلا في حديثه عن الزهري؛ لكن لم يفسّر لنا ابن معين سبب تضعيفه لحديث ابن إسحق عن الزهري، وقد قال الجوزجاني: وابن إسحق روى عن الزهري إلا أنه يمضغ حديث الزهري بمنطقه، حتى يعرف من رسخ في علمه، أنه خلاف رواية أصحابه عنه/ شرح العلل 1/ 483، فهذا يشير إلى أن سبب التضعيف روايته عنه بعض ما يخالف روايات أصحاب الزهري عنه، فيتطرق إليه احتمال الوهم أو الخطأ، وتعد روايته هذه ضعيفة، لشذوذها، وقد عدّه ابن رجب في الطبقة الثالثة من أصحاب الزهري، وهم من لازموه وصحبوه ورووا عنه، ولكن تكلم في حفظهم/ المصدر السابق 1/ 399 إلا أن هذا لا يقتضي تضعيفه مطلقًا في كل حديثه عن الزهري، كما سأوضحه بعد. وأخرج ابن عدي من طريق الليث بن عبدة وابن أبي مريم أنهما سمعا يحيى بن معين يقول: الليث أرفع عندي من محمد بن إسحق/ الكامل 6/ 2118، 2120، وروى الدوري عنه قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ليث بن سعد أثبت في يزيد بن أبي حبيب من محمد بن إسحق/ الكامل لابن عدي 6/ 2118، فلعل هذا التفضيل المقيد هو المراد بالتفضيل المطلق في الرواية السابقة، والليث بن سعد لا يخفى توثيقه، فتفضيله على ابن إسحق مطلقًا أو في شيخ مُعيّن، يتضمن تقوية لحال ابن إسحق في الجملة، لإشراكه مع الليث في مطلق التوثيق. وروى الدوري عن ابن معين أنه قال له: لا تشبَّث بشيء مما يحدثك به ابن إسحق؛ فإن ابن إسحق ليس هو بقوي في الحديث، فقال له رجل: يصح أن ابن إسحق كان يرى القدَر؟ قال: نعم، كان يرى القدَر/ يحيى بن معين وتاريخه 4/ 502 والضعفاء للعقيلي 4/ 28 والكامل لابن عدي 6/ 2117، وروى محمد بن هارون الفلاس المُخَرَّمي قال: سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحق فقال: ما أحب أن أحتج به في الفرائض/ الجرح والتعديل =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 7/ 194، أقول: ومراده بالفرائض: أحكام الحلال والحرام، ومعنى هذا أن ابن معين يحتج بابن إسحق في غير هذا، كالمغازي والسير والترغيب والترهيب ونحو ذلك. ولعل هذا مما جعل السخاوي يذكر ابن معين ضمن من يرى التشدد في الأحكام والتساهل في غيرها/ انظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 284 وهذا خلاف ما قرره ابن سيد الناس أن المعروف عن ابن معين التسوية بين الأحكام وغيرها، ولكنه لم يذكر دليلًا على ذلك/ عيون الأثر 1/ 16. وقد سأل يعقوب بن شيبة يحيى بن معين فقال: كيف محمد بن إسحق عندك؟ قال: ليس هو عندي بذاك، قال يعقوب: ولم يُثَبِّته، وضعفه، ولم يضعفه جدًّا، فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقًا/ الكامل 6/ 2119 والسير 7/ 47 والميزان 3/ 472، وذكر الإمام البخاري أن ابن معين احتمل ابن إسحق/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 37، ويمكن القول: إن ابن معين يرى رد رواية ابن إسحق المدلّسة فقد روى يعقوب بن شيبة عنه: إن المدلس لا يكون حجة فيما دلس/ الكامل لابن عدي 1/ 48. وبالتأمل في تلك الأقوال المتعددة من ابن معين نجد أن منها ما يمكن رده، وباقيها يمكن الجمع بينه، بحمل المطلق منه على المقيد، فرمْيُه ابن إسحق بالقدر، تقدم الجواب عنه بأنه غير قادح في روايته، وتضعيفه له في روايته عن الزهري مطلقًا، يعارضه ما قرره محمد بن يحيى: إن ابن إسحق روى عن الزهري فأحسن الرواية/ تهذيب التهذيب 9/ 46 وذكر الساجي أن أصحاب الزهري كانوا يلجأون إلى محمد بن إسحق فيما شكُّوا فيه من حديث الزهري، ثقة منهم بحفظه/ وفيات الأعيان 4/ 276، فأقل ما يقتضيه هذا أن يَقتَصِر تضعيفُه في الزهري على ما يثبت وهمه فيه بمخالفة من هو أوثق منه من أصحاب الزهري، كما أشار الجوزجاني في كلامه السابق، وما عدا ذلك من رواياته عن الزهري يكون مقبولًا. وأما قول ابن معين: لا أحتج به في الفرائض، فقد أجاب عنه ابن سيد الناس بأنه يعارضه تعديل مَن عدَّله/ عيون الأثر 1/ 16، حيث إن مقتضى ذلك =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الاحتجاج به في الأحكام وفي غيرها، وأما قوله: إن ابن إسحق ثقة وليس بحجة، فقد أجاب عنه المنذري بقوله: يشبه أن يكون هذا رأيه -أي ابن معين- في أن الثقة دون الحجة، وهو خلاف المحكي عنهم في ذلك/ رسالة المنذري في الجرح والتعديل/ 31، أقول: بل جاء عن بعض الأئمة المتقدمين والمتأخرين أن "الحجة" فوق "الثقة" وإن اشتركا في أصل التوثيق، وفي صحة حديث الراوي الموصوف بأي منهما، ولكن عند التعارض يقدم الحجة، فمن أقوال المتقدمين قول عثمان بن شيبة في محمد بن الحسن الأسدي: هو ثقة صدوق، قيل: هو حجة؟ قال: أما حُجَّة فلا/ الثقات لابن شاهين بتحقيق الشيخ صالح المحطب ص 148 وكذا الموقظة للذهبي/ 76 بتحقيق وتعليق فضيلة الشيخ أبي غدة، وقد جرى الذهبي في ترجمة أبي بكر محمد بن أحمد، الملقب بالمُفيد: إن الحجة فوق الثقة/ تذكرة الحفاظ 3/ 979 وانظر قواعد في علوم الحديث للتهانوي مع تعليق أستاذنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة عليها ص 148 وكذا الموقظة للذهبي/ 76، وقد جرى على تفاوتها ابن سيد الناس أيضًا في جوابه عن قول ابن معين هذا، فقال: وأما قول يحيى: ثقة وليس بحجة، فيكفينا التوثيق، ولو لم يُقبل إلا مثل العُمَري -يعني: عبيد الله بن عمر- ومالك، لقل المقبولون/ عيون الأثر 1/ 16. ولكن هذا الجواب منه فيه أمران: أحدهما: إن قوله "يكفينا التوثيق"، مع ما سبق من قوله بتصحيح حديث ابن إسحق، يفيد مجموع الأمرين: أنه يرى صحة حديث من وُصِف بمطلق الثقة، وهذا مخالف لما قدمه في هذا الشرح، حيث قرر: أن المنفرد بحديث، يحتاج أن يكون في المرتبة العليا من الثقة والعدالة والحفظ حتى يُقبَل انفراده في كل طبقة/ ص 308 أصل وهامش، وقرر أيضًا: أن ما انفرد به الثقة ولم يتابع عليه، لا يرتقي إلى درجة الصحيح، حتى يكون مع الثقة، في المرتبة العليا من الحفظ والإتقان، وإن لم يتجاوز الثقة فحديثه حسن/ ص 424 وانظر في كلامه عن حديث الثقة ص 249 - 252 أصل وهامش حيث عارضتُه في التعليق بما استقر =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = عليه رأي الجمهور من أن حديث الثقة، المنفرد به، صحيح لذاته، ما لم تكن فيه علة أخرى قادحة. أو كان شاذًّا، وهذا هو ما عاد إليه المؤلف هنا ليتفق مع ما قرره من صحة حديث ابن إسحق مطلقًا، لا حين قرر قبل ذلك خلافه، حيث إن قوله الآنف بعدم صحة حديث الثقة إذا انفرد، قد تقدم في أوائل هذا الشرح كما بيّنته، وقوله بتصحيح حديث ابن إسحق متأخر عنه، حيث ذكره في الباب الثامن عشر من كتاب الطهارة وهو باب ما جاء في السواك، كما أن قوله بكفاية الوصف بالثقة لصحة حديثه، قد قرره في كتابه "عيون الأثر" كما مر، ثم أحال عليه في الباب المذكور عند القول بتصحيح حديث ابن إسحق، فلعل هذا يعتبر رجوعًا منه إلى رأي الجمهور. أما الأمر الثاني: في كلام المؤلف فهو أنه لم يُجب عن وصف ابن معين لابن إسحق بأنه "صدوق"، وهو لفظ مرتبته أدق مراتب التوثيق للراوي المحتج به، حيث إنه يطلق -بصفة عامة- على من كان مشهورًا بالصدق والستر، وإن كان متأخرًا عن درجة الحافظ الضابط، قال السيوطي: وقد عُلِم أن من هذا حاله فحديثه حسن/ التدريب 1/ 175 وانظر فتح المغيث للسخاوي 1/ 67، فكان على المؤلف أن يجيب عن وصف ابن معين لابن إسحق بلفظ "صدوق" حتى يَسلَم له ترجيح وصفه بالثقة، وبالتالي تصحيحه لحديثه. وبعد تلك الأقوال التي أمكن الرد عليها من أقوال ابن معين، يبقى النظر في الأقوال الأخرى التي تضمنت توثيق ابن إسحق مطلقًا، وإن تفاوتَت، والتي تضمنت تضعيفًا مجملًا له، وكلها في مرتبة الضعيف المنجبر، وبتأمل هذه وتلك، نجد أنه يمكن الجمع بينها، كما أشار إلى ذلك يعقوب بن شيبة فيما سبق، نقلًا عن ابن معين نفسه، فقد سأله يعقوب: كيف محمد بن إسحق عندك؟ قال: ليس بذاك، ولم يُثبِّته، وضعفه، ولم يضعفه جدًّا، قال يعقوب: فقلت له: ففي نفسك مِنْ صدقه شيء؟ قال: لا، كان صدوقًا. فمجموع العبارة يفيد أن ابن معين جعل لابن إسحق حالًا وسطًا من القبول، ويؤيده قول البخاري السابق: إن ابن معين احتمل ابن إسحق، فكونه "لم يُثَبِّتْه" يفيد أنه أنزله عن مرتبة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الوصف بالثَّبْت في الحديث، التي تقدم وصفه بها في أحد أقواله، وكونه "ضعَّفه، ولم يُضعفه جدًّا" يفيد أنه ضعفه ضعفا خفيفًا، ثم إقرارُه مع ذلك بأنه "صدوق" يشير إلى أن تضعيفه الخفيف له راجع الى ضبطه، وبذلك يمكن الجمع بين أقوال ابن معين هذه، بما يزيل تعارضها في الظاهر؛ فيحمل وصفه لابن إسحق بأنه: ثقة، أو لا بأس به، أو صدوق. على ثبوت عدالته، ويحمل وصفه له بأنه ضعيف، أو ليس بقوي، أو ليس بذاك، على سوء حفظه، فتكون خلاصة حاله عمومًا عند ابن معين: أنه صدوق خفيف الضبط، ورُمِي بالقدر، وبذلك ينزل عن درجة الصحة إلى الحسن لذاته، لمطابقة حاله تلك للتعريف المعتمد للحسن لذاته، كما لا يخفى، مع السلامة من القوادح كتدليسه أو شذوذه، والله أعلم. وممن اختلف قوله في ابن إسحق: الإمام النسائي، فقد روى عنه ابنه عبد الكريم قال: نبأني أبي قال: محمد بن إسحق ليس بالقوي/ تاريخ بغداد 1/ 232، والميزان 3/ 469 والسير 7/ 47، ونقل الذهبي عنه أنه قال: قولنا: "ليس بالقوي"، ليس بجرح مُفْسِد، وقد أخرج في سننه لعدد ممن وصفهم بذلك/ الموقظة للذهبي بتحقيق فضيلة الشيخ أبو غدة/ 82 أي أنه لا يقتضي ترك الموصوف به، وهذا يدل على تجريحه لابن إسحق جرحًا خفيفًا، لكنه في بيانه لطبقات الرواة عن نافع، ذكر ابن إسحق في الطبقة الثامنة، وذكر بعدها طبقة تاسعة جعلها للضعفاء، وعاشرة جعلها للمتروكين/ انظر طبقات الرواة للنسائي مع مجموعة رسائل له/ 52، 53 بتصحيح الشيخ جميل علي حسن، وشرح العلل لابن رجب 1/ 403، 404، وصنيعه هذا يدل على إخراجه ابن إسحق من الضعفاء والمتروكين من أصحاب نافع، كما أنه يدل على عده له مع آخر طبقة من المقبولين، ويؤيد هذا أني راجعت تراجم مَن ذكرهم مع ابن إسحق في تلك الطبقة وعددهم خمسة، فوجدت أكثرهم صدوقًا في حفظه شيء، وتلك خلاصة حال ابن إسحق عند ابن معين كما تقدم، ثم إن النسائي قد أخرج له في سننه محتجًا به كما أشرت، فيحمل قوله عنه: ليس بقوي على خفة ضبطه التي تنزله إلى درجة الحسن، وهذا يلتقي مع عده له في أدق درجات المحتج بهم والمقبولين من =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أصحاب نافع، وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن: النسائي ذكر ابن إسحق في الطبقة الخامسة من أصحاب الزهري/ تهذيب التهذيب 9/ 45، لكن لم يبين دلالة ذلك على مرتبة ابن إسحق عنده، ولم أقف عليه في مصدر آخر، نعم سيأتي ذكر ابن المديني له ضمن الطبقة الرابعة من أصحاب الزهري، ثم نبين دلالة ذلك عنده، وأيضًا ذَكَر الذهبي في المغني قول ابن معين: أن ابن إسحق ثقة، وليس بحجة، ثم قال: وكذا قال النسائي وغير واحد/ المغني في الضعفاء للذهبي 2/ 552، ولم أجد ذلك عند غير الذهبي في المغني، ولو ثبت فيمكن حمله على العدالة جمعًا بين أقواله كما مر. وأما عَلي بن المديني فقد تقدم دفعه عن ابن إسحق تكذيب من كذبه، وخصوصًا: مالك وهشام بن عروة، ودلل على صدقه وأمانته في الرواية عمومًا بأمثلة من رواياته وقد سأله يعقوب بن شيبة: كيف حديث ابن إسحق عندك؟ صحيح؟ فقال: نعم حديثه عندي صحيح، ثم نفى قدح كلام مالك وهشام بن عروة فيه، كما مر ذكره، وانظر/ تاريخ بغداد 1/ 229 والميزان 3/ 469، 475 وسير النبلاء 7/ 44 وتهذيب التهذيب 9/ 42 وعيون الأثر 1/ 9، 10 وشرح العلل 1/ 126. وروى إبراهيم بن الحسن ومحمد بن أحمد بن البراء أنهما سمعا ابن المديني يذكر أن مدار حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على ستة، فذكرهم، ثم قال: فصار علم الستة إلى اثني عشر، وعد منهم محمد بن إسحق/ العلل لابن المديني بتحقيق د. محمد الأعظمي، وتاريخ بغداد 9/ 211 والسير 7/ 36 وتهذيب التهذيب 9/ 40، وروى عنه أبو قلابة نفس الرواية إلا أنه ذكر "ثلاثة عشر" بدل "اثني عشر" تاريخ بغداد للخطيب، أقول: وأبو قلابة هو عبد الملك بن محمد، صدوق يخطيء/ التقريب ص 365، فتترجح رواية الاثنين الأولين على روايته وحده، وعمومًا فالنتيجة ثابتة وهي توثيق محمد بن إسحق، وقال الإمام أحمد: كان علي بن المديني يقدمه ويثني عليه/ سير النبلاء 7/ 46، وقال البخاري: رأيت علي بن عبد الله -يعني المديني- يحتج بحديث ابن إسحق/ القراءة خلف الإمام، للبخاري/ =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 36 وتاريخ بغداد 1/ 231 والسير 7/ 39 وتهذيب التهذيب 1/ 49، وقد أقر البخاري ابن المديني على هذا، فلم يتعقبه بشيء. وقال ابن المديني أيضًا: لا أعلم أحدًا ترك ابن إسحق، روى عنه شعبة، وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة ... الخ الكامل لابن عدي 6/ 2119، وهذا القول من ابن المديني يحمل على معنى أنه لا يعلم أحدًا تركه بحجة أو بسبب قادح؛ لأن العقيلي روى بسنده عنه قال: كان يحيى بن سعيد -يعني القطان- لا يُحدث عن محمد بن إسحق، قيل له: لرأيه؟ قال: لا، ليس لرأيه، وإنه كان سيء الرأي فيه، يُضعِّفه/ ضعفاء العقيلي 4/ 26 والسير 7/ 52، والمراد برأي ابن إسحق: ما رُمي به من البدع، والمراد بسوء رأي يحيى القطان فيه: ما تقدم من رميه له بالكَذب بغير وجه حق. ولما ذكر ابن المديني طبقات الرواة عن نافع جعلهم تسع طبقات، وجعل التاسعة: من لا يُكتب عنهم، وجعل ابن إسحق في الطبقة الرابعة، وذكر معه: موسى بن عُقبة، وداود بن الحُصين/ شرح العلل لابن رجب 1/ 401، 402، أقول: وموسى وداود، كل منهما ثقة، على الراجح، فذكرُه ابن إسحق معهما يشير إلى توثيقه مثلهم في الرواية عن نافع، لكن سيأتي ذكره مما أُنكِر على ابن إسحق حديثًا له عن نافع، فلعل توثيقه له في نافع باعتبار الغالب، وإن انتُقِد في بعض الروايات بخصوصها، كما أن الحديث الذي انتقده من روايته عن نافع، ذكر مرة أخرى أنه يمكن تصحيحه كما سيأتي. وذكر ابن المديني أيضًا طبقات الرواة عن الزهري، فجعلهم خمسًا، ثم ذكر ابن إسحق في الثالثة منهم، وهم من لازموه وصحبوه، ورووا عنه، ولكن تُكُلِّم في حفظهم/ شرح العلل لابن رجب 1/ 399، 400، وهذا يفيد الإشارة إلى أن في حفظ ابن إسحق شيئًا وإن كان لا يُخرجه عن دائرة القبول والحُجِّية، ويؤيد ذلك أن ابن المديني ذكر بعد ذلك الطبقة الخامسة من أصحاب الزهري، وهم: المتروكون والمجهولون، فصار ابن إسحق خارجًا عنهم، ومعدودا في طبقات المقبولين مع خفة ضبطه. وقد وَثَّق ابن المديني، محمدَ بن إسحق أيضًا في بعض شيوخه وتلاميذه، فمن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الشيوخ قولُه: ليس أحد أثبت في سعيد بن أبي سعيد المقبُري من ابن أبي ذئب، وليث بن سعد، ومحمد بن إسحق، فهؤلاء الثلاث يُسنِدون أحاديث (حِسَان، ابن) عجلان كان يخطئ فيها/ سؤالات ابن محرز في أحوال الرجال 2/ 207، ومن التلاميذ قوله: ليس كتاب عن ابن إسحق أصح من كتاب إبراهيم بن سعد، وهارون الشامي؛ وذلك أنه أملى على هارون الشامي من كتابه/ المصدر السابق 2/ 200. أقول: وهارون هذا، هو ابن أبي عيسى، صاحب السيرة، وكان كاتبًا لابن إسحق، ولعل اقتصار ابن المديني على بيان سبب توثيقه في ابن إسحق، لأنه كما قال البخاري: يخطيء في حديثه عن غير ابن إسحق/ انظر الضعفاء للعقيلي 4/ 358، والميزان 4/ 285، وأما إبراهيم بن سعد فيتضح سبب توثيق كتابه عن ابن إسحق، مما قدمتُه: أن إبراهيم قد مَيّز في كتابه سماع ابن إسحق من تدليسه، وقد يوجد في روايات إبراهيم ما صرح فيه ابن إسحق بالتحديث ولكن يُنتَقَد على ابن إسحق من جهة أخرى، مثل حديث مس الذكَر الآتي بعد. وقد روى البخاري أن ابن المديني قال له: نظرت في كتب ابن إسحق فما وجدت عليه إلا في حديثين، ويمكن أن يكونا صحيحين/ سير النبلاء 7/ 41 وتهذيب التهذيب 9/ 42 وتاريخ بغداد 1/ 231 وفيه "كتاب" بدل "كتب"، ولم يتعين الحديثان في هذه الرواية كما ترى، ولكن البيهقي بعد ذكر الرواية السابقة قال: وقد فسَّرهما -يعني الحديثين- يعقوب بن سفيان عمَّن سمعه من علي قال: لم أعلم لابن إسحق إلا حديثين منكَرين: نافع عن ابن عمر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا نَعِس أحدكم يوم الجمعة، والزهْري عن عروة عن زيد بن خالد: إذا مس أحدكم فرجَه. وهذان لم يروهما عن أحد/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 60 والذي في كتاب الفَسَوي وما أُخِذ عنه: "لم أجد" بدل "لم أعلم" وفي آخره تكملة نصها: والباقين يقول: "ذكر فلان، ولكن هذا فيه: حدَّثنا/ انظر المعرفة والتاريخ للفَسوي 2/ 27، 28، وقد تعدد تحريف كلمة (الباقين) في المصادر الناقلة عن الفَسوي، دون تغيير في المعنى/ انظر تاريخ بغداد 1/ 229، وسير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = النبلاء 7/ 45، وتهذيب التهذيب 9/ 43، وقد ذكر ابن حجر أن المراد بقول ابن المديني: "الباقين" يعني باقي المناكير من حديثه غير هذين الحديثين، والذي يُفهَم من هذا أن باقي المناكير من حديث ابن إسحق في نظر ابن المديني، يرويها ابن إسحق عن شيوخه بعبارة التدليس وهي "ذَكَر فلان" التي اعتادها في التدليس كما تقدم، أما هذان الحديثان فرواهما عن شيوخه بالتحديث، ومع ذلك فهما معلولان من جهته بسبب آخر. كما سيأتي. ورواية الحديث الأول بالتحديث قد أخرجها أحمد في مسنده قال: ثنا يعقوب ثنا أبي عن محمد بن إسحق حدثني نافع مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إذا نَعِس أحدكم (الحديث) مسند أحمد 2/ 135، أقول: ويعقوب المذكور هو ابن إبراهيم بن سعد، وأبوه: إبراهيم بن سعد من أوثق تلاميذ ابن إسحق والمكثرين عنه، كما تقدم. ورواية الحديث الثاني بالتحديث أخرجها أحمد في المسند 5/ 194 وابن عدي عن أبي يعلي الموصلي ثنا زهير بن حرب ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن ابن إسحق حدثني محمد بن مسلم الزهري عن عروة بن الزبير عن زيد بن خالد الجهني قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (الحديث). قال ابن عدي: قال زهير بن حرب: هذا عندي وَهْم، إنما رواه عروة عن بُسرة/ الكامل 6/ 2125 فأعله بغير التدليس كما ترى، وسيأتي مزيد بيان لذلك. ويلاحَظ في رواية البخاري السابقة عن ابن المديني أنه قال: نظرت في كتب ابن إسحق، فَقيَّد وجود الحديثين المنكرين بما نظره من كتب ابن إسحق فقط، دون استقراء ما رُوِي عنه من حفظه، أمارواية الفَسوي فهي عامة حيث قال: "لم أجد" أو "لم أعلم" كما تقدم، فيشمل ذلك كتبَه وغيرَها، ومع هذا فقد جاءت رواية أخرى بذكر أربعة أحاديث، وقد رواها الفسوي قبل روايته السابقة التي فيها ذِكْر حديثين فقط، فقد قال: وسمعت بعض وَلَد جويرية بن أسماء، وكان ملازمًا لعلي قال: سمعت عليًا يقول: دُفع إلي من حديث ابن إسحق (شيء) فما أنكرت منه إلا أربعة أحاديث، ظننت أن بعضه منه، وبعضه ليس منه/ المعرفة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والتاريخ 2/ 27، وتاريخ بغداد 1/ 229 وفيه "وَقَعَ" بدل "دفَعَ"، وقد تحرفت كلمة "شيء" في المعرفة إلى "ستين" والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى عليه، وسقط من السير كلمة (ستين) السير 7/ 45. وقد أعطى الفسوي لهذه الرواية كما نرى شيئًا من التأكيد ببيان أن راويها عن ابن المديني من الملازمين له؛ ولكنه أبهمه، وبالتالي يكون التعويل على روايته ضعيفًا؛ ثم أن قوله فيها: "دُفع إلي شيء" يدل على قلة ما استقرأه، في حين زاد عدد ما أنكره إلى ضِعْف ما ذكره في الرواية السابقة، وكذلك لم تُحدد فيها الأحاديث حتى نعلم: هل عد منهم الحديثين الواردَين في الرواية الأولى أولًا؟ والذي تبين لي بالبحث، وجود حديثين أعلهما ابن المديني من رواية ابن إسحق، وهما غير الواردين في الرواية الأولى، وبذلك يكون قوله: لم أجد إلا حديثين منكَرين، متجهًا إلى الوقت الذي صدر منه فيه هذا القول فقط، ثم وجد غيرهما بعد ذلك، والحديثان اللذان وقفت عليهما قد ذكرهما في كتاب العلل له، وأحدهما حديث أبي هريرة: "لا يُحَرِّمُ من الرضاع المصَّة والمصتان" وقال: رواه يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه عن ابن إسحق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الحجاج بن أبي الحجاج عن أبي هريرة، وهذا غَلَط، ثم بين وجه الغلط بأن ابن إسحق في هذا الإسناد قد أدخل حديثًا في حديث، ثم قال: والحديث عندي حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحديث) / العلل لابن المديني بتحقيق د. محمد مصطفى الأعظمي/ 81، 82 وقول ابن المديني: والحديث عندي حديث هشام ... الخ معناه: أن هذا سياق سنده المعروف به، والمعتمد، وقد رواه ابن إسحق بسند نحالف، ولم يُعرَف له متابع عليه، فصار منكرًا، وتبين خطؤه فيه. والحديث الثاني: حديث الزبير، مرفوعًا: في لُحوم الأضاحي، قال ابن المديني: رواه ابن إسحق عن عبد الله بن عطاء بن إبراهيم عن أبيه، ولا يُحفَظ عن عبد الله بن إبراهيم هذا شيئًا غيرُ هذا الحديث، ولا أعلم أحدًا روَى عنه إلا ابن إسحق/ العلل 97، أقول: وعبد الله بن عطاء هذا، قال فيه ابن معين: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لا شيء، وقال أبو حاتم: شيخ/ اللسان 3/ 316، فحالُ عبد الله هذا، تجعل ضعف الحديث بهذا الإسناد، راجعًا إليه، وبذلك يكون إعلال الحديث الأول راجعًا إلى وهم ابن إسحق، وإعلال الثاني راجع إلى ضعف شيخه، وهذا يوافق قول ابن المديني السابق عن الأربعة أحاديث المنكرة: إن بعضها من ابن إسحق، وبعضها من غيره. أما الحديثان الأولان: فقد أشار البيهقي إلى وجه النكارة في روايتيهما من طريق ابن إسحق، وهو أنه رُوِي كل منهما من طريق في طريقه المشهورة، ثم دفع البيهقي القول بنكارتهما من طريق ابن إسحق بذكْره متابِعًا له على كل حديث، وبالتالي يمكن تصحيحهما، وبراءة ابن إسحق من التفرد بما يخالف الطريق المشهور لكل منهما. فالحديث الأول، وهو حديث النعاس، ذكر أن طريقه المشهورة: عن عمرو بن دينار عن ابن عمر موقوفًا، وأن ابن إسحق رواه عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا -وقد تقدم تخريج أحمد والترمذي له هكذا- وبذلك خالف ابن إسحق رواية الوقف المشهورة، فقال البيهقي عقب ذكر رواية ابن إسحق: هذا الحديث يُعد في أفراد محمد بن إسحق/ السنن الكبرى له 3/ 237 والقراءة خلف الإمام له/ 60، ثم ذكر أن الحديث قد رُوي من وجه آخر: عن نافع عن ابن عمر، مرفوعًا، كرواية ابن إسحق، وأخرج تلك الرواية بسنده، من طريق يحيى بن سعيد الأنصاري عن نافع، به/ السنن والقراءة خلف الإمام/ الموضع السابق. فيكون يحيى بن سعيد الأنصاري قد تابع ابن إسحق على رواية الحديث من هذا الطريق، مرفوعًا، متابعة تامة، فارتفعت النكارة، وأمكن تصحيح الحديث، بمتابعة الأنصاري، ويكون الحديث قد صحت روايته مرفوعًا، وموقوفًا، وإن اشتهر الموقوف فقط، وعليه قرر البيهقي في كتابه "القراءة خلف الإمام": أن ابن إسحق خَرَج من عُهدة الحديث، ويمكن تصحيحه، كما نقل البخاري عن ابن المديني/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 61. لكنه في السنن أخرج الحديث من طريق ابن إسحق، ثم مَن تابعه، ثم أعله =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بمعارضة رواية الوقف المشهورة، من طريق آخر، فقال: ولا يثبتُ رفعُ هذا الحديث، والمشهور عن ابن عمر، من قوله. ثم أخرجه من تلك الطريق، وهي طريق عمرو بن دينار عن ابن عمر، موقوفًا عليه. أقول: وسندها إلى ابن عمر رجاله ثقات. انظر السنن 3/ 237، وقد تعقب ابن التركماني البيهقي في هذا الإعلال بأن الرفع زيادة ثقة، وقد رُوَيتْ من وجهين فوجب الحكم لها، وأيد ذلك بتصحيح الترمذي للحديث من طريق ابن إسحق/ الجوهر النقي بهامش السنن 3/ 237، 238، وهذا هو الأقرب لما مشى عليه البيهقي نفسه في كتاب القراءة خلف الإمام، وقد صحح ابن حبان الحديث أيضًا من طريق ابن إسحق كما مر. هذا وقد أخرج أبو نعيم الحديث من طريق سفيان عن محمد بن إسحق عن نافع عن ابن عمر أُراه رفعه/ تاريخ أصبهان 2/ 186، لكن هذا الشك يندفع بالرواية السابقة الخالية منه مع المتابعة عليها. أما الحديث الثاني: وهو حديث الوضوء من مس الذكَر، فذكر البيهقي أن ابن المديني عده من مناكير ابن إسحق؛ لأنه مشهور برواية عروة عن بُسرة بنت صفوان، ولكن ابن إسحق رواه فقال: حدثني الزهري عن عروة عن زيد بن خالد الجُهني عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحديث) مسند أحمد 5/ 194، وابن عدي في الكامل 6/ 2125، والقراءة خلف الإمام للبيهقي/ 60، 61، وقد تقدم أن زهير بن حرب -شيخ أبي يَعلَي في هذا الحديث ذكر أن زيد بن خالد، وَهِم وإنما رواه عروة عن بُسرة، وقال الذهبي في الميزان 3/ 473: يقال: هذا غلط، وصوابه: عن بُسرة، بدل: زيد، لكن قال البيهقي: وقد رواه إسحق بن إبراهيم الحنظلي -يعني المعروف بابن رَاهُوية- في مسنده عن محمد بن بكر البرساني عن ابن جريج عن الزهري عن عبد الله بن أبي بكر عن بُسرة بنت صفوان، وعن زيد بن خالد الجهني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (الحديث)، ورواه أحمد بن حنبل رحمه الله، عن البرساني هكذا. وبناء على ذلك قرر أن هذا الحديث كسابقه، قد خرج ابن إسحق من عهدته، ويمكن أن يكونا صحيحين، كما نقل البخاري عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن المديني/ القراءة خلف الإمام للبيهقي/ 61، 62. ثم إن الروايات الثلاثة المتقدمة عن ابن المديني في بيان ما أنكره على ابن إسحق، يدل سياقُها على أن ابن المديني قد ذكرها لبيان قلة ما انتُقِد على ابن إسحق، بحيث لا يقدح في ضبطه لباقي حديثه، وهو الأغلب، وسيأتي تصريح ابن عدي بما يقرب من هذا. وهناك رواية أخرى عن ابن المديني قال: ابن إسحق عندي ثقة، ولم يُضعِّفه عندي إلا الرواية عن أهل الكتاب/ تهذيب التهذيب 9/ 45 والقراءة خلف الإمام للبيهقي / 58. أقول: وهذا النقد قد سبق انتقاد ابن إسحق به من غير ابن المديني، وتقدم الجواب عنه بما يوضح عدم قدحه في شخصه، ولا في رواياته عن المحتج بهم من المسلمين. وقال ابن مُحرز: سمعت عليًّا يقول: كان ابن إسحق صدوقًا/ سؤالات ابن مُحرز في أحوال الرجال 2/ 200، وهذا الوصف سبق ذكر ابن المديني له ردًا لتهمة الكذب عن ابن إسحق، وإثبات أمانتِه في الرواية، وهذا يلتقي مع المعنى الأصلي لكلمة "صدوق" في الاصطلاح وهو الدلالة على شهرة الراوي بالصدق والستر، وإن كان في ضبطه شيء/ التدريب 1/ 175، وعلى هذا يكون وصف ابن المديني لابن إسحق بذلك أنزلَ مرتبة من أقواله السابقة بتوثيقه وصحة حديثه، وإشارته إلى عدم قدح مناكيره في ذلك، وأيضًا عندما سأله محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن ابن إسحق فقال: هو صالح وَسَط/ سؤالات محمد بن عثمان لابن المديني/ 89 وتاريخ بغداد 1/ 230، 231، فهذه أيضًا تدل على إنزاله له عن مرتبة الوصف بصدوق، ولكنه يمكن الجمع بين أقوال ابن المديني هذه، فيُحمَل قوله بتصحيح حديئه والاحتجاج به، على الدرجة الدنيا من مراتب الاحتجاج وهي الحسَن لذاته، وإطلاقُه على الدرجة الدنيا من الصحيح متعارف عليه/ انظر الموقظة للذهبي، بتحقيق فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة 27، 32، 33، 80، 81، 82، ثم يُحمَل قوله: "صالح وَسَط" على الصلاحية للحجة بدرجة متوسطة، بقرينة أقواله السابقة، وبذلك تجتمع تلك الأقوال على =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = معنى مشترك جامع، وعليه تكون خلاصة حال ابن إسحق عند المديني أن نجعل حديئه حسنًا لذاته، ما لم يكن من المنتقد عليه بنكارة أو وهم أو تدليس وسيأتي من أقوال النقاد ما يلتقي مع هذه النتيجة ويؤيدها. وممن تعدد قوله في ابن إسحق أيضًا: الإمام أحمد، وقد تقدمَت بعضُ أقواله مع الرد عليها، وبعض أقواله المقبولة أيضًا مثل قوله في تدليس ابن إسحق، ودفعِه تكذيب من كذبه، وتقرير حجيته في الغازي والسير دون الأحكام، وبقيت له عدة أقوال، بعضها مطلق، وبعضها مقيد، وبعضها مفسر، وبعضها مجمل، بل إنه قد سئل مرة عن ابن إسحق، فقال: ما أدري ما أقول: الكامل لابن عدي 6/ 2120، ولعله قال ذلك قبل أن يختبر مروياته، ويتبين الراجح من حاله، لكثرة الاختلاف فيه، ومما انتقده فيه بخصوصه أنه قيل له: حدّث ابن إسحق حديثًا عن نافع عن ابن عمر قال: "يُزكّى عن العبد النصراني"، فقال: هذا شر على ابن إسحق/ الضعفاء للعقيلي 4/ 28، وقد وصف الذهبي الحديث بأنه من مناكير ابن إسحق/ الميزان 3/ 470، فلعل هذا وجه شَرِّيتِه الذي لم يوضحه الإمام أحمد، وقد تقدم في الجواب عما أنكره ابن المديني وغيره على ابن إسحق أن ذلك قليل بالنسبة لسعة مروياته، فلا يقدح في الباقي، وفي رواية لابن هانيء عن أحمد: أنه ذكر أوثق أصحاب نافع، ثم قال: ومحمد بن إسحق ليس بذاك القوي/ شرح العلل لابن رجب 1/ 475، وظاهر هذه العبارة تضعيفه لابن إسحق في الرواية عن نافع عمومًا، ولكن لا يبعد حَمل مرادِه بها على تضعيفه بالنسبة لمن ذكرهم معه من الأثبات في الرواية عن نافع، وهم: أيوب السختياني، ومالك وعبيد الله بن عمر، فيكون المعنى أن ابن إسحق ليس بقوي كقوة هؤلاء، ولكنه دونهم في القوة والحجية، وبهذا لا تكون العبارة قدحًا، ولو سُلِّم كونها قدحًا، فهو مجمل، ويعارضه ما تقدم عن النسائي وابن المديني مِنْ عَدِّهم ابن إسحق من المقبولين في الرواية عن نافع/ وانظر شرح العلل 1/ 401، 404، ولا يعكر على هذا ما تقدم من القول بنكارة حديثه عن نافع في الزكاة عن العبد النصراني، لأن هذا نقد لإحدى الروايات فقط بخصوصها. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقال الميموني: نبأنا أبو عبد الله بحديث استحْسَنتُه عن محمد بن إسحق، فقلت له: يا أبا عبد الله، ما أحسن هذه القصص التي يجيء بها ابن إسحق، فتبسم إليّ متعجبًا/ تاريخ بغداد 1/ 220، والضعفاء للعقيلي 4/ 27، 28، والذي يفهم من كلام الميموني أنه استحسن السياق القصصي لمتن الحديث، وأراد من شيخه معرفة حال رَاوِيه، وهو ابن إسحق، ويمكن اعتبار تحديث أحمد به، ثم تبسمُه متعجبًا من كلام الميموني، دون إنكار عليه، دليلًا على قبوله لرواية ابن إسحق في المغازي والسير التي تعد القصص من متعلقاتها، وهذا يلتقي مع ما تقدم من تصريح أحمد بالاحتجاج بابن إسحق في المغازي والسير ونحوهما، دون السُّنن والأحكام، لكن ستأتي أكثر من رواية عن أحمد تثبت أن ابن إسحق يحتج به مطلقًا في غير ما ينتقد عليه بتدليس أو شذوذ، أما ما رواه حنبل ابن إسحق عن أحمد قال: ابن إسحق ليس بحجة/ تهذيب الكمال 3/ 1168، وسير النبلاء 7/ 46، فقد جاء عنه أيضًا ما يدل على أن المراد بذلك إنزاله ابن إسحق فقط إلى المرتبة التالية للحجة، وهي الوصف بالثقة، حيث ذكر المنذري أن أحمد قال: لو قال رجل: إن ابن إسحق كان حجة، لما كان مصيبًا، ولكنه ثقة/ رسالة المنذري في الجرح والتعديل/ 22، وعلى هذا فَتُحمل العبارة الأولى على الثانية، وقد تقدم وصف ابن معين له بمثل ذلك. وجاء عن أحمد أيضًا قوله: هو -أي ابن إسحق- صالح الحديث، وأحتجُّ به أنا أيضًا/ شرح العلل 1/ 126، فجمعُه هنا بين الوصف بصالح الحديث، وبين الاحتجاج به، يدل على كونه عنده في درجة متوسطة من التوثيق والحجِّية مطلقًا، ويؤيد هذا ما استخلصه البخاري من موقف أحمد عمومًا من ابن إسحق حيث ذكر أن أحمد قد احتمل ابن إسحق/ تهذيب الكمال 3/ 1168 والقراءة خلف الإمام للبخاري/ 37، وسيأتي تقييد ذلك فقط بغير المنتقد انتقادًا خاصًا، من تدليس أو شذوذ. أما ما ذكره الذهبي من أن أحمد قال في ابن إسحق: "حَسن الحديث وليس بحجة"/ المغني 2/ 552، فلعله اختصار من الذهبي، جَمَعه من قولين منفصلين =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لأحمد، أحدهما: قولُه: "ليس بحجة" كما تقدم، وثانيهما: قولُه: "حسن الحديث" كما سيأتي، ولم أجد هذه العبارة مجتمعة عند غيره، وقد جاءت رواية عن أحمد بتحسين حديث ابن إسحق عمومًا، وذلك في مَعرِض رده على تكذيب مالك له كما تقدم، حيث قال: هو حسن الحديث، ولقد قال مالك -حين ذكره دجَّال من الدجاجِلَة/ انظر تاريخ بغداد 1/ 223، وقد اعتبر ابن رجب وغيرُه هذا قولًا لأحمد بتحسين حديث ابن إسحق عمومًا دون أن يُقْرِنُوه بباقي عبارته المشيرة إلى معارضته لتكذيب مالك لابن إسحق/ شرح العلل لابن رجب 1/ 126 والميزان 3/ 469 وتذكرة الحفاظ 1/ 173، ولكن جاء عن أحمد أيضًا ما يدل على أن تحسينه لحديثه ليس مطلقًا، بل مقيد بغير المنتقد عليه، بتدليس أو شذوذ أو نكارة ونحو ذلك، فقد تقدم في كلامه عن تدليسه أنه قال: وأحسن حديثه عندي ما قال: أخبرني وسمعت/ الجرح والتعديل 7/ 193، 194، ولما سمع منه الأثرم هذا قال له: فإذا قال: حدثني وأخبرني، فهو ثقة؟ قال: هو يقول: أخبرني ويُخالِف/ الضعفاء للعقيلي 4/ 27، وفسر ابن رجب ذلك بأن أحمد يشير إلى أن ابن إسحق يصرح بالتحديث، ويُخالِف الناس في حديثه مع ذلك/ شرح العلل 1/ 127، وأقول: وتلك المخالفة تقتضي الشذوذ أو النكارة، وتشير إلى أن في حفظه شيئًا، فيكون مقتضى قول أحمد هذا، تحسين حديث ابن إسحق فيما لم يدلسه، ولم ينفرد به مخالفًا غيرَه ممن هو أوثق أو أكثر منه. فيتلخص من استعراضنا للمقبول من أقوال أحمد، ومراعاة فهم البخاري وغيره لها، أنه يمكن الجمع بينها على تحسين حديث ابن إسحق في الأحكام وغيرها، ما لم يكن مما دلسه أو خالف فيه من هو أرجح منه. وممن اختلف قوله في ابن إسحق، وقرر اختلاف الأئمة أيضًا فيه الدارقطني حيث سأله السُّلَمي عنه فقال: اختلف الأئمة فيه، وأعرفُهم به مالك/ سؤالات السُّلمي للدارقطني بتحقيق الشيخ خليل حمادة/ 258، وهذا القول من الدارقطني بمثابة إقراره لتكذيب مالك له، وقد تقدم الرد عليه، كما تقدم قول ابن المديني وغيره من السابقين على الدارقطني: إن مالكًا لم يعرف ابن إسحق، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ولم يجالسه، لأنه لم تطل مدة إقامته، ولم يكثر تحديثه بالمدينة، وتقدم أيضًا أن كلام مالك في ابن إسحق كان عن عداء شخصي بينهما، أو أنه كان يكذبه في غير الحديث، فلا يقدح في روايته. ثم إن باقي أقوال الدارقطني في ابن إسحق واحتجاجه به يخالف القول بتكذيبه فقد سأله البُرقاني عن رواية ابن إسحق عن أبيه فقال: جميعًا لا يحتج بهما، وإنما يعتبر بهما/ سؤالات البرقاني للدارقطني بتحقيق الشيخ خليل حمادة/ 335: فتقريره الاعتبار برواية ابن إسحق يقتضي تضعيفه له تضعيفًا يقبل الانجبار، وذلك بخلاف التكذيب كما لا يخفى، ثم إن هذا التضعيف يُحتَمل كونه خاصًا برواية ابن إسحق عن أبيه فقط، لأن هذا موضوع السؤال كما ترى. وأخرج الدارقطني حديث أسامة في الضحك في الصلاة من طريق ابن إسحق عن الحسن، ثم قال: وقد اضطرب ابن إسحق في روايته عن الحسن/ سنن الدارقطني - الصلاة - أحاديث القهقهة 1/ 162، وهذا أيضًا نقد خاص لضبط روايته عن الحسن. وقد أخرج الدارقطني أيضًا من طريق ابن إسحق حديث جابر المتقدم في شرح هذا الباب في النهي عن استدبار القبلة واستقبالها عند قضاء الحاجة، ثم قال عن رواته: كلهم ثقات/ سنن الدارقطني - الطهارة - باب استقبال القبلة في الخلاء 1/ 58، 59، فهذا توثيق لرجال الإسناد بمن فيهم ابن إسحق، وأخرج أيضًا من طريقه حديث عبادة بن الصامت أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى الصبح فثقلت عليه القراءة (الحديث)، وقال الدارقطني: هذا إسناد حسن/ سنن الدارقطني - الصلاة - باب وجوب قراءة أم الكتاب 1/ 318، وبمراجعتي لتراجم رجال هذا الإسناد وجدت أدناهم توثيقا هو ابن إسحق، وأخرج من طريقه أيضًا حديثًا آخر، مع تصريحه بالتحديث وقال: هذا إسناد حسن متصل - باب وجوب الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم- في التشهد 1/ 354، 355، فيستخلص من هذا أن الراجح احتجاج الدارقطني بابن إسحق وأن حديثه عنده في مرتبة الحسن لذاته على الأقل، ما لم يوجد انتقاد خاص فيعمل به في موضعه كالتدليس والاضطراب ونحوه في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بعض الروايات بخصوصها. ومن العلماء من أشار إلى اختلاف آراء النقاد في ابن إسحق، ولم يتعرض للترجيح أو الجمع بينهما، وإنما جعل وجود هذا الاختلاف، دون ترجيح للتوثيق التام مُنزِلًا لحديثه عن درجة الصحة إلى درجة الحسن لذاته، وذلك مراعاة لأن الحسن درجة متوسطة بين الصحة والضعف ومن هؤلاء: ابن القطان، والمنذري. فابن القطان قال ابن سيد الناس عنه: واختار أبو الحسن بن القطان أن يكون حديثه -يعني ابن إسحق- من باب الحَسن؛ لاختلاف الناس فيه/ عيون الأثر 1/ 13، وقدمت من قبل ص 388 ت هامش وما بعدها أن ابن القطان يرى أن المختلف في توثيقه وتجريحه، يكون حديثه في مرتبة الحسن لذاته، وقد وافقه المؤلف على ذلك في الموضع السابق ولكنه خالفه هنا، فذكر في الأصل تحسينه لحديث ابن إسحق، وتعقبه بتصحيحه مطلقًا كما تقدم، وأما في عيون الأثر فذكر تحسين ابن القطان لحديثه تعقيبًا على ذكر اختلاف العلماء في الاحتجاج به في الأحكام وعدمه، ولم يصرح بتعقبه، ولكن أَتْبعه بذكر الأجوبة عما انتُقِد به ابن إسحق عمومًا/ عيون الأثر 1/ 13 - 17، ويفهم من أجوبته ترجيحه لتوثيقه وصحة حديثه. وأما الحافظ المنذري فقال في مختصره لسنن أبي داود بشأن ابن إسحق: وقد اختلف الأئمة في الاحتجاج بحديثه 1/ 40 مع تهذيب السنن لابن القيم، ولم يبين شيئًا عن هذا الاختلاف كما ترى، ولما سئل عما يؤخذ به من الأقوال المختلفة في الراوي مثل محمد بن إسحق وغيره، قال في الجواب عن ذلك بالنسبة لابن إسحق: "وقد أكثر الأئمة الكلام فيه، في الطرفين: الثناء والذم ... ثم ذكر نماذج من الأقوال المختلفة، وعلق عليها بقوله: فمن ترك الاحتجاج بحديث ابن إسحق احتَمل أن يكون تركه للقَدر أو للتشيع أو للتدليس، على رأي من يرى ذلك قادحًا، أو يكون هذا أو غيره من الكلام فيه، وإن لم يقتض عنده حجة في رد حديثه، غير أنه أحدث رِيبةً منعته من الاحتجاج به ... ثم قال: ومن احتج بحديثه احتمل أن يكون لا يرى البدعة مانعة، ولا التدليس. وقصة هشام =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مع الجواب عنها، وما من الكلام فيه في مفسر، لا يؤثر عنده. وما جاء أيضًا عن واحد -يعني من الجرح- وهو -أي الناقد- يَشْترِط العدد، لا يؤثر عنده، والله أعلم/ رسالة الجرح والتعديل للمنذري 21 - 23 و 44. وبهذا أنهى جوابه دون بيان قول معتمد في ابن إسحق، أو بيان لدرجة حديثه، وفي ذكر الرواة المختلف فيهم، ممن ذكر بعض روايتهم في الترغيب والترهيب، صدَّر كلامه عن حال ابن إسحق بقوله: أحد الأئمة الأعلام، حديثه حسن، ثم ذكر بعض أقوال من كذبه، ومن لم يحتج به، ثم قال: ووثقه غير واحد، ووهاه آخرون، وهو صالح الحديث، ما له عندي ذنب إلا ما قد حشاه في السيرة من الأشياء المنكرة المنقطعة والأشعار المكذوبة، ثم واصل بيان باقي أقوال المجرحين والموثقين له، والمصححين لحديثه، ثم قال: وبالجملة فهو ممن اختلف فيه، وهو حسن الحديث كما تقدم -يعني في أول كلامه- والله أعلم/ الترغيب والترهيب - باب ذكر الرواة المختلف فيهم 4/ 577، بتصحيح الشيخ مصطفى محمد عمارة؛ فيلاحظ أن المنذري صدَّر كلامه بتحسين حديث ابن إسحق، وجعل خلاصة حاله أنه مختلف فيه، وأَتْبع ذلك بالقول بتحسين حديثه، وأما انتقاده له بما في سيرته من الأخبار المنكرة والأشعار المكذوبة، فقد تقدم الجواب عنه بأنه لا يقتضي قدحًا في شخصه، ولا في باقي رواياته، وهو الأكثر، فيكون تحسين المنذري لحديثه مقيدًا بغير المنتقد نقدًا خاصًا، كنكارته أو عدم ثبوته، وكذلك يُقَيَّد بغير ما دلسه، حيث وجدته يتوقف فيما لم يصرح فيه ابن إسحق بالتحديث ونحوه مما يدل على الاتصال/ انظر الترغيب والترهيب - الطهارة - الترغيب في السواك 1/ 168. ومن العلماء من ذكر اختلاف الأقوال في ابن إسحق، ولكن أشار إلى ترجيح توثيقه وهو محمد بن سعد، حيث ترجم له في موضعين من طبقاته، فقال في الأول: وقد كتَبتْ عنه العلماء، ومنهم من يستضعفه/ الطبقات/ القسم المحقق/ 402، 403، وفي الموضع الثاني قال: "وكان محمد -يعني ابن إسحق- ثقة، وقد روى عنه الناس". وذكر ممن روى عن شعبة والسفيانَيْن وجماعة من الأئمة، ثم قال: "ومن الناس من تكلم فيه/ الطبقات ج 7 =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = قسم 2/ 67 ط الشعب، فنلاحظ مِنْ صدر كلامه في الموضعين ترجيحه لتوثيقه، حيث صدَّر كلامه الأول بكتابة العلماء عنه وفي الموضع الثاني صدر كلامه بتوثيقه صراحة، وأيده برواية الأئمة عنه، ومنهم من وثقه ودافع عنه كشعبة وابن عيينة كما قدمنا - ثم آخر ابن سعد في الموضعين ذكرَ من تكلم فيه وضعفه، وذلك يدل بوضوح، على ترجيحه لتوثيقه مطلقًا، لكن سيظهر لنا بعد استعراض عامة أقوال النقاد فيه ترجُّح نزوله عن مرتبة الثقة إلى تاليتها وهي مرتبة "الصدوق" لما تبين من وقوع أوهام منه اقتضت خِفة ضبطه، وقد تقدم ذكر ابن المديني لبعضها، وإشارة الإمام أحمد وابن عدي كذلك إليها. ومن العلماء من ذكر اختلاف الأقوال في ابن إسحق، ورد بعضها ثم اختار من باقي الأقوال ما يمكن الجمع به بينها. وهذا في تقديري هو الأولى، وعليه جرى المحققون من العلماء، كما نوضحه فيما يلي: فمن هؤلاء الإمام ابن عدي، فإنه عرض مجمل أقوال العلماء المختلفة في ابن إسحق، وذكر من أحاديثه المنتقدة أكثر من خمسة وعشرين حديثًا، مع بيان علة عدد منها، ثم أشار إلى كثرة مرويات ابن إسحق، وأثنى على تأليفه في المغازي والسيرة كما قدمت ذكره، ثم عقب على ذلك كله بقوله: وقد فَتَّشتُ أحاديثَه الكثيرة فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو وَهَم في الشيء بعد الشيء، كما يخطيء غيره، ولم يتخلف عنه في الرواية الثقات والأئمة، وهو لا بأس به/ الكامل 6/ 2116 - 2125، ويلاحظ أن ابن عدي قد اعتمد في بيان حال ابن إسحق على النظر في الأقوال المختلفة، وسَبْر مروياته لمعرفة مدى مطابقتها لأقوال النقاد فيه، وتقريره في نتيجة الاستقراء: أنه لم يجد من أحاديثه ما يتهيأ القطع بضعفه، إلا ما تبين وهمه فيه أو خطوة، مع قلته، وهذا يعتبر ردًا منه لتكذيب من كذبه، أو ضعفه من غير جهة الضبط، وفيه أيضًا تقييد لتضعيف من ضعفه مطلقًا، أما وصفه حال ابن إسحق عمومًا بأنه: لا بأس به، فهذا توسط منه بين ما وُصِف به من ألفاظ التوثيق المختلفة وبين ما وُصِف به من التجريح بغير الكذب، ووصفُه بهذا اللفظ يجعله في أدق مراتب التوثيق للمحتج بهم من الرواة، مع التسليم بوجود خفة في ضبطه، يُحمَل عليها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = التضعيف بغير الكذب والبدع وتلك مرتبة الحسن لذاته، وفي ذلك رد على عدم الاحتجاج به في الأحكام كما سبق، فتكون خلاصة حال ابن إسحق المستفادة من كلام ابن عدي القائم على الاستقراء للمرويات والنظر في الأقوال المختلفة للعلماء، أن حديثه في مرتبة الحسن لذاته، ما لم يكن مما ظهر وَهمُه أو خطؤه فيه، أو دلَّسه، وفي ذلك جمع بين أقوال الموثقين، وبين أقوال المجَرِّحين التي لم يردَّها. ومن هؤلاء أيضًا الإمام الذهبي، وقد ترجم لابن إسحق في عامة كتبه في الرجال، ففي تذكرة الحفاظ استهل ترجمته بوصفه الإمام الحافظ، ثم قال: وكان أحد أوعية العلم، حَبْرًا في معرفة المغازي والسير، وليس بذاك المتقن، فانحط حديثه عن رتبة الصحة، وهو صدوق في نفسه، مَرضِي، ثم ذكر عددًا من الأقوال المختلفة في تجريحه وتعديله، ثم قال: والذي تقرر عليه العمل أن ابن إسحق، إليه المرجع في المغازي والأيام النبوية، مع أنه يشذ بأشياء، وأنه ليس بحجة في الحلال والحرام، نعم ولا بالواهي، بل يستشهد به/ تذكرة الحفاظ 1/ 172، 173، فيُسْتَخلَص من هذا أنه يعتبر ابن إسحق حجة في المغازي والسير، ولكن يَنزِل حديثه في ذلك عن درجة الصحة إلى الحسن لذاته، لأنه صدوق في ضبطه شيء، وما يشذ به فهو مردود، وأما في أحاديث الأحكام فيرى نزولَه عن درجة الحسن إلى الضعف غير الشديد، وبذلك لا يُحتج بحديثه في الأحكام، ولكن يُستشهد به فقط. وفي ذلك رد لتكذيب من كذبه، أو ضعفه جدًّا، وجَمْعٌ بين باقي الأقوال بتوثيقه، والأقوال بترجيحه بحَمْل كل منها على جانب من حديثه. ومع تصريحه -كما ترى- بأن هذا الذي تقرر عليه العمل بالنسبة لحال ابن إسحق، ودرجة أحاديثه، فإن الذي جرى عليه هو في أكثر كتبه الأخرى في الرجال خلاف ذلك، حيث قرر أن حديث ابن إسحق محتج به في الأحكام وغيرها، وإن كان الاحتجاج به في المغازي والسير آكَد، بحيث يُقدّم عند الترجيح، وأنه في مرتبة الحسن لذاته، ما لم يكن شاذًا أو منكرًا. وقد ذكره أيضًا في منظومته في المدلسين، ولكن لم يبين حكم تدليسه كما قدَّمت/ وانظر المنظومة =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = مع شرحها المسمى بالتأنيس لعبد العزيز الغماري 61، 64 وما بعدها، لكنه نَقل في السير قول ابن نُمَير في شأن ابن إسحق: إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق/ السير 7/ 43، وأقر ذلك، فدل هذا على إقراره لرد ما دلسه ابن إسحق، وهو رأي الجمهور كما قدمته، وانظر الموقِظة/ 45، 47. وفي كتابه "معرفة الرواة المُتكلَّم فيهم بما لا يوجب الرد" ذكر ابن إسحق، وصدَّر كلامه بقوله: صدوق، فأشار بذلك إلى اختيار وصفه بهذا اللفظ الذي يدل على تحسين حديث الموصوف به، كما سيأتي تصريحه بالتحسين، ثم أَتْبع ذلك بذكر بعض أقوال الأئمة في توثيقه وتجريحه/ معرفة الرواة المتكلَّم فيهم بما لا يوجب الرد/ 163، 164 وطُبع الكتاب أيضًا بعنوان: "ذكر أسماء من تُكُلِّم فيه وهو موثق/ 159، 160، وقد اختلطت ترجمة ابن إسحق في الطبعتين بترجمة راو آخر، فتنبه لذلك. وفي الموقظة مَثَّل لأَعلا مراتب الحديث الحسن بثلاثة أسانيد، وثالثها: محمد بن إسحق عن محمد بن إبراهيم التيمي/ الموقظة/ 32، 33 ونقله عنه السيوطي، وأقرَّه/ تدريب الراوي 1/ 160. وفي كتابه ديوان الضعفاء، صدَّر الكلام عن ابن إسحق بقوله: ثقة إن شاء الله، صدوق، احتج به خَلْق من الأئمة، ولا سيما في المغازي، ثم أَتْبع ذلك بذكر أبرز الأقوال المختلفة فيه، توثيقًا وتجريحًا/ ديوان الضعفاء - بتصحيح الشيخ حماد الأنصاري/ 365، وفي كتاب المغني في الضعفاء - الذي أشار الدكتور نور الدين عز وغيره إلى تأخر تأليفه عن الديوان السابق - صدَّر الذهبي أيضًا الكلام عن ابن إسحق بقوله:/ أحد الأعلام، قوي الحديث، إمام، لا سيما في السير. ثم ذكر أهم الأقوال المختلفة فيه توثيقًا وتجريحًا/ المغني مقدمة المحقق د. عتر 1 / ص: ن، ع وج 2/ 552، 553 وكتاب الذهبي ومنهجه في ميزان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الاعتدال/ للشيخ قاسم سعد/ 1563، وفي ميزان الاعتدال، الذي ذكر الذهبي تأخره على كتاب "المغني" السابق، توسع الذهبي في ترجمة ابن إسحق، فعرض عامة الأقوال فيه على اختلافها، توثيقًا وتجريحًا، ورد على من كذَّب ابن إسحق، أو نسبه إلى ما يقتضي رد حديثه مطلقًا، أو شدة ضعفه -وقد سبق نقل عدد من ردوده وأقواله التفصيلية خلال ما مضى من تحقيق الأقوال في ابن إسحق- وفي نهاية عرضه للآراء وما ذكره من الردود، قال: فالذي يظهر لي، أن ابن إسحق، حسن الحديث، صالح الحال، صدوق، وما انفرد به ففيه نكارة، فإن في حفظه شيئًا، وقد احتج به أئمة فالله أعلم: الميزان 1/ 1 و 3/ 468 - 475 والموقظة له/ 81 وقوله: "ما انفرد به ففيه نكارة" يعني إذا خولف ممن هو أرجح منه، ولذا عبر عنه فيما سيأتي بالشذوذ، وسيأتي أيضًا تصريح الحافظ ابن حجر بأنه لا يحتج بابن إسحق إذا خولف، وفي كتاب الكاشف الذي يبدو أن الذهبي فرغ منه قبل الفراغ من الميزان قال الذهبي أيضًا في ترجمة ابن إسحق: كان صدوقًا من بحور العلم، وله غرائب في سعة ما روى، تُسْتَنكر، واختُلِف في الاحتجاج به، وحديثه حسن، وقد صححه جماعة/ الكاشف 3/ 19. أما في سير النبلاء الذي بيضه الذهبي بعد تأليفه للميزان بوقت قصير، فإنه قد ترجم فيه لابن إسحق، على نحو ما في الميزان، وعقب على تبادل النقد بين مالك وبين ابن إسحق فقال: وهذان الرجلان كل منهما قد نال من صاحبه، لكن أثَّر كلام مالك في محمد بعض اللين، ولم يؤثر كلام محمد فيه ولا ذرة، وارتفع مالك وصار كالنجم، والآخر فله ارتفاع بحسبه، ولا سيما في السير، وأما في أحاديث الأحكام فينحط حديثه فيها عن رتبة الصحة إلى رتبة الحَسن، إلا فيما شذ فيه، فإنه يعد منكرًا، هذا الذي عندي في حاله والله أعلم/ مقدمة د. بشار عواد لتحقيق سير النبلاء 1/ 92 والميزان 4/ 616، والسير 7/ 41، وكلام الذهبي هنا يشير إلى اختياره تصحيح حديث ابن إسحق في السير ونحوها، وتحسين حديثه في الأحكام، ويَشترِطُ في الحالين عدم الشذوذ، وهذا كما ترى خلاف ما اتفقت عليه المصادر الستة السابقة، وهي الأكثر، ومن بينها الموقظة التي هي موطن بيان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = القواعد، وقد قرر تحسين حديثه مطلقًا في غير ما شذ به، أو دلسه، دون تفريق بين الأحكام وغيرها، فما اتفقت عليه كلمته في أكثر كتبه هو الْأولى بالاعتماد، وبه يمكن الجمع أيضًا بين أقوال الموثِّقين له، وبين أقوال مخرحيه بغير ما هو مردود من تكذيبه، أو وصفه بما يقتضي شدة ضعفه. وأما ما جزم به الشيخ عبد العزيز الغماري من أن الذهبي قال في ديوان الضعفاء بشأن ابن إسحق: حديثه عندي صحيح، ولم أجد له إلا حديثين منكرين "ثم قرر أن ذلك هو الصواب في حال ابن إسحق/ التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس/ 66، 67 فهذا تصويب بُنِي على خطأ في النقل؛ لأن الذي في الديوان وغيره أيضًا نسبة هذا القول صراحة، وبعبارته المذكورة، إلى علي بن المديني/ انظر ديوان الضعفاء/ 365، وقد سبق ذكر هذا القول بنصه ضمن أقوال ابن المديني، نقلًا من المصادر المتعددة لترجمة ابن إسحق، والمحال عليها هناك فليُتَنبه لهذا السهو العجب مَن يَطلع على كتاب الشيخ الغماري المذكور وجَلَّ من لا يسهو. وممن أشار إلى الاختلاف في ابن إسحق، وحقق القول في حاله بما يعتبر جمعًا بين الأقوال غير المردودة، الحافظ ابن حجر، فقد ذكر حديثًا في الطلاق صححه أبو يعلي من طريق ابن إسحق، ورده غيره، بأن فيه ابن إسحق وشيخه، وهما مختلف فيهما، ثم نقل في الجواب عن ذلك: أنه ليس كل مختلَف فيه مردودًا/ الفتح 9/ 362، وقد أقر هذا الجواب، فدل إقرارة على أن الاختلاف في ابن إسحق لا يَقتضي ردَّه، وفي كتاب العيدين نَقل عن الإسماعيلي قوله: أن ابن إسحق ليس من شرط البخاري/ الفتح 2/ 446 وأقر الإسماعيلي على ذلك؛ لكنه كان قد نبه قبل ذلك في كتاب الأذان على أنه لا يلزم من كون الراوي على غير شرط البخاري أنه لا يصلح عنده للاحتجاج به، بل قد يكون صالحًا للاحتجاج به عنده، وليس هو على شرط صحيحه الذي هو أعلا شروط الصحة/ الفتح 2/ 205، وقد سبق ذكري لهذا في بيان إقرار البخاري للاحتجاج بابن إسحق، وإن لم يَحتجُّ به في صحيحه. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وذَكره ابن حجر فيمن علق البخاري شيئًا من حديثهم ممن تُكُلِّم فيه، فقال: محمد بن إسحق، الإمام في المغازي، مختلف في الاحتجاج به، والجمهور على قبوله في السير، وقد استُفْسِر من أَطلَقَ عليه الجرح فبان أن سببه غير قادح، وأخرج له مسلم في المتابعات، ثم ذكر رواية البخاري له تعليقًا في مواضع عديدة، كما ذكرتُه آنفًا/ وانظر هدي الساري/ 458، وقوله: إن من أطلق عليه الجرح ظهر أن سببه غير قادح، يشير إلى قدح هشام بن عروة وغيرِه بتكذيبه كما مر، وهذا ردٌّ منه لتكذيب من كذبه، أما ما دون ذلك مما يتعلق بضبطه وتدليسه، فسيأتي ما يوضح موقف ابن حجر منه، وقوله هنا: إن الجمهور على قبول ابن إسحق في السير، ليس صريحًا في تحديده درجة حديثه المتعلق بالسير ونحوها؛ لأن القبول يشمل الصحيح والحسن، كما أنه لم يبين درجة حديثه في الأحكام، لكن باقي النقول الآتية عنه توضح هذا، ففي فصل الأحاديث المُنتقدَة على البخاري والجواب عليها، ذَكَر روايةً من طريق ابن إسحق، متعلقة بالمغازي، وعزاها إلى أبي عَوانة في صحيحه (يعني المستخرج على صحيح مسلم)، وعزاها أيضًا إلى عبد الله بن منده في كتاب الإيمان له، وذكر أن هذا الكتاب على شرط الصحة أيضًا، وعلق على تلك الرواية بأنها رواية محمد بن إسحق إمام أهل المغازي، وهو حجة في المغازي، وروايته هنا راجحة على رواية غيره/ الهَدْي 371، ويلاحظ أنه وصف ابن إسحق بأنه حجة في المغازي، وذلك أيضًا يشمل الصحيح والحسن، مع أنه عزا الحديث لكتابين مُشترَط فيهما الصحة. وفي كتاب الحج ذكر حديثًا خالفَ فيه ابنُ إسحق عددًا من الثقات، ثم عقب عليه بقوله: وابن إسحق حسن الحديث إلا أنه لا يحتج به إذا خُولف/ الفتح 4/ 32 فهذا تصريح منه بتحسين حديث ابن إسحق، بشرط أن لا يُخالِف من هو أوثق منه، ويلاحظ أن هذا الشرط لا يعتبر خاصًا بابن إسحق وحده من المحتج بهم؛ لكنه نبه عليه لحصول المخالفة في الحديث المذكور، ولهذا ذكر في موضع آخر تحسين حديث ابن إسحق دون تقييده بذلك، فقد ذكر حديثًا في كتاب التوحيد وعزاه إلى ابن خزيمة، في كتاب الزكاة من صحيحه، ثم علق عليه بقوله: وابن إسحق حاله معروفة، وحديثُه في درجة الحسن/ الفتح 13/ 353، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وفي كتاب الدعوات، ذكر حديثًا من طريق ابن إسحق، وعزاه إلى أصحاب السنن - ومنهم الترمذي وصححه، وإلى ابن خزيمة والحاكم، وذكر تَفرُّد ابن إسحق بزيادة فيه، وإقرار البيهقي تصحيحه بتلك الزيادة ثم ذكر تعقب ابن التُّركماني للبيهقي بأنه قد قال في موضع آخر: إن الحفاظ يَتوقَّون ما ينفرد به ابن إسحق، وتعقب ابن حجر ذلك بقوله: لكن ما ينفرد به ابن إسحق، وإن لم يبلغ درجة الصحيح، فهو في درجة الحَسن إذا صرح بالتحديث، وهو هنا كذلك، وإنما يُصحِّح له من لا يفرق بين الصحيح والحسن، ويجعل كل ما يصلح للحجة صحيحًا، وهذه طريقة ابن حبان ومن ذُكِر معه/ الفتح 11/ 163، وكذا جاءت العبارة: "ابن حبان ومن ذُكر معه" وهذه فيها أمران: أحدهما أنه لم يسبق ذكر ابن حبان، ولكن ذكر ابن خزيمة، فلعل هذا سهو ناسخ، والأمر الثاني أن ممن ذُكر مع ابن خزيمة، الإمام الترمذي، وتفريقه بين الصحيح والحسن لا يخفى، بل نص عليه ابن حجر نفسه/ انظر النكت على ابن الصلاح له 1/ 270، 271، فلا أدري كيف وقع هذا التعبير في الفتح هكذا؟ أما ما يتعلق بابن إسحق فيلاحظ تقييده لتحسين حديثه بما لم يدلسه، وهذا مطابق لرأيه في تدليسه كما قدمته في موضعه، وبهذا يكون المستفاد من كلام ابن حجر في مجموعه أنه يعتبر ابن إسحق حجة في المغازي والسير، وفي الأحكام أيضًا، وأن حديثه عمومًا في مرتبة الحسن لذاته، ما لم يكن مما دلسه أو شذ به، وفي ذلك بالإضافة إلى رد تكذيبه كما قدمت، جَمعٌ بين أقوال الموثقين وبين أقوال المضعفين له مطلقًا، فَيُحمل التوثيق على تحسين حديثه فيما لم يشذ به أو يدلسه، ويُحمَل التضعيف على ما شذ به أو دلسه، أو تَبين وهْمُه فيه لِخفة ضبطه، كما هو حَدُّ الحديث الحسن. ويجدر بالذكر هنا أن ابن حجر لخص حال ابن إسحق في التقريب بقوله: إمام المغازي، صدوق يدلس، ورُمِي بالتشيع والقدَر/ التقريب/ 467، ومقتضى شرطه في التقريب أن هذا أصح وأعدل ما وُصِف به ابن إسحق في نظره/ انظر مقدمة التقريب/ ص 73، لكنه كما ترى لم يُصرِّح في ترجمته بما صرح به في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الفتح من أن حديثه يعتبر حسنًا لذاته، وكذلك ذكر في مقدمة التقريب مراتب الألفاظ، وذكر في المرتبة الثالثة: لفظ: ثقة وما في حكمها، ثم ذكر في المرتبة الرابعة لفظ: صدوق ولا بأس به، أو ليس به بأس، التقريب/ 74، ولكن لم يصرح بدرجة حديث أهل تلك المرتبة، ولا غيرِها، غير أنه يمكن القول: أن تصريحه في عدة مواضع متباعدة من الفتح بتحسين حديث ابن إسحق، يدلنا على أن من وُصِف من الرواة بلفظ "صدوق" وما في مرتبته، ولم يقترن بما يرفعه عن تلك المرتبة أو بما ينزله إلى الضعف، فيعتبر حديثه حسنًا لذاته، في رأي ابن حجر ومن يوافقه. ما لم تكن هناك علة أخرى والله أعلم. النتيجة العامة لبحث حال ابن إسحق: وعندما نستعرض ما مضى جميعه، نجد أن هذا الذي استقر عليه رأي الحافظ ابن حجر، يلتقي مع رأي أغلب العلماء المتقدمين والمتأخرين الذين قَدِّمتُ تحقيق ومقارنة أقوالهم نظريًا، وتطبيقيًا بقدر الإمكان، واستخلاص رأي عام لكل منهم حسبما يَسَّر الله لي فهمُه، سواء من تعددت أقوالهم، وهم: ابن معين والنسائي وابن المديني وأحمد والدارقطني، أو من حَسَّن حديث ابن إسحق نظرًا للاختلاف في حاله دون ترجيح لتوثيقه التام، وهما ابن القطان والمنذري، أو من جعل تحسين حديثه جامعًا بين مختلف الأقوال فيه، وهم: ابن عدي والذهبي، ثم إن رأي هؤلاء جميعًا ومعهم ابن حجر يتفق معه رأي بعض من لم تتعدد أقواله من المتقدمين مثل: محمد بن عبد الله بن نُمير حيث قال كما تقدم، وذَكَر ابن إسحق، إذا حدث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث، صدوق/ وانظر تاريخ بغداد 1/ 227، ومِثْل مُحمد بن يحيى حيث حكى الحاكم عنه قولَه: هو حسن الحديث، عنده غرائب، وروى عن الزهري فأحسن الرواية/ تهذيب التهذيب 9/ 46. وقد سبق للبخاري وغيره استخلاص موقف النقاد بصفة عامة من ابن إسحق، بما يتفق مع هذه النتيجة التفصيلية، فالإمام البخاري قد ذكر -كما تقدم- احتجاج ابن المديني بابن إسحق، ثم ذكر توثيق شعبة وسفيان له، ثم رواية غير =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = واحد من الأئمة عنه، ثم قال: وكذلك احتمله أحمد ويحيى بن معين، وعامة أهل العلم/ القراءة خلف الإمام للبخاري/ 36، 37، وعلى ضوء ما تقدم من خلاصة رأي أحمد وابن معين، من كون حديثه في مرتبة الحسن، يُفَسَّر معنى احتمال عامة أهل العلم له، في كلام البخاري هذا، وقال ابن البرقي: لم أرَ أهل الحديث يختلفون في ثقته وحُسن حديثه وروايته، وفي حديثه عن نافع بعضُ الشيء/ تهذيب التهذيب 9/ 46، وبناء على ما تقدم يكون المراد بأهل الحديث في كلامه: عامَّتَهم، كما عَبر البخاري وليس جميعهم، والعبرة بالأكثر، ومن هذا كله يتضح الآتي: 1 - إن الطعون الموجهة لابن إسحق بما يقتضي رد حديثه، أو شدة ضعفه، مردود عليها، وأما الطعن المفسر بالتدليس، أو بما يقتضي خفة الضبط، فكلاهما مُسلَّم به، وبناء على ذلك يكون ما دلسه أو تبين وهمه فيه، بشذوذ أو نكارة، فهو ضعيف، وما ليس كذلك فهو حسن لذاته، ما لم توجد فيه علة أخرى قادحة. 2 - إن الأقوال المختلفة في ابن إسحق، سواء كانت من عالم واحدًا، أو من أكثر من عالم، يمكن الجمع بين غير المردود منها على جعل حديثه في مرتبة الحسن لذاته، ما لم يُدلسه، أو يشذ به، سواء في ذلك ما تعلق بالأحكام، أو ما تعلق بالمغازي والسيرة ونحوهما، ولكنه يُقدَّم في المغازي والسيرة عند الترجيح لإمامته فيهما. 3 - إن أكثر من واحد من العلماء المتقدمين قالوا بتحسين حديث ابن إسحق فقط، ولم يُعرَف لهم فيه قول آخر يخالف ذلك، كما أن أكثر من جاء عنهم وصف ابن إسحق بألفاظ التوثيق العليا، قد جاء عنهم أيضًا وصفه بما يُنزله إلى مرتبة الحديث الحسن. 4 - إن من يصححوا حديث ابن إسحق، بعضُهم لا يفرق بين الصحيح والحسن كابن خزيمة وابن حبان، وبعضهم يراعي ما يَعضُده من المتابع أو الشاهد كالترمذي. =

مع ذلك الخُلف الواقع في إسناده: هل هو من رواية جابر عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، أو من رواية جابر عن أبي قتادة، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-؟. على أن هذا الخلاف لا يضر، لأمرين: أحدهما: كون رواية أبي قتادة غير محفوظة، كما تقدم (¬1). الثاني: أن كلًا من جابر، وأبي قتادة، صحابى، فسواء ثَبتَ الثاني، أو سَقط (¬2). وأما حديث أبي قتادة، فقد أعلَّه (¬3) بابن لَهيعة (¬4) وقال: ضغفه يحيى القطان، وغيره (¬5). ¬

_ = 5 - إن قول ابن سَيد الناس وغيره ممن يفرق بين الصحيح والحسن، بتصحيح حديث ابن إسحق لذاته، يعتبر خلاف الراجح. والله أعلم. (¬1) انظر: ص 693. (¬2) لأن الحديث سيظل مرفوعًا بواسطة الأول وهو جابر، والراوي عنه في الإسناد الأول "مجاهد بن جبر" وفي الثاني "محمد بن مسلم أبو الزبير" وهما معدودان فيمن روى عن جابر/ انظر ترجمتهما في تهذيب الكمال 13/ 1267، 1305. (¬3) يعني الترمذي، كما تقدم في صدر الباب. (¬4) بفتح اللام وكسر الهاء/ التقريب/ 319. (¬5) بقية كلام الترمذي: من قِبَل حفظه/ جامع الترمذي 1/ 16 ط شاكر، ولكنها لم تذكر في بعض نسخ الترمذي كما في النسخة التي مع عارضة الأحوذي 1/ 26، كما أشرت لذلك في صدر الباب ص 620 وقد تكرر من الترمذي الجزم بتضعيف ابن لهيعة في غير هذا الحديث أيضًا دون بيان لجهة الضعف، فقد أخرج من طريقه حديث تحريم الجمع بين المرأة وابنتها في النكاح، وقال: هذا حديث لا يصح من قبل إسناده، وإنما رواه ابن لهيعة والمثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، والمثنى بن الصباح وابن لهيعة يضعّفان في الحديث/ جامع =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الترمذي - النكاح - باب فيمن يتزوج المرأة ثم يطلقها قبل أن يدخل بها، هل يتزوج ابنتها أم لا؟ 2/ 293 ط عبد الرحمن عثمان فلم يصرح الترمذي هنا ببيان جهة الضعف في ابن لهيعة، لكنه في كتاب العلل الصغير، الذي في نهاية جامعه قد عد ابن لهيعة ممن تُكُلِّم فيهم من جهة حفظهم، وكثرة خطئهم وإن روى عنهم غير واحد من الأئمة ووثقوهم لجلالتهم وصدقهم، ثم قال: فإذا تفرد واحد من هؤلاء بحديث، ولم يتابع عليه، لم يحتج به، كما قال أحمد بن حنبل: ابن أبي ليلى لا يحتج به، إنما عني إذا تفرَّد بالشيء/ جامع الترمذي - كتاب العلل 5/ 399 - 402 وشرح العلل لابن رجب 1/ 103، 104 - 106، 130، أقول: وسيأتي قول أحمد إنه لا يحتج بحديث ابن لهيعة وإنما يكتبه للاعتبار ص 851 فيحمل مراده بنفي الاحتجاج، على ما ينفرد به، كما أوضحه الترمذي في عبارته السابقة. وقد ذكرت في صدر الباب ص 620 أن بيان جهة التضعيف مهمة؛ لأن من العلماء من انتقد ابن لهيعة من جهة تتعلق بالعدالة، وضعف بعض حديثه بذلك، فقد ذكر الذهبي في الميزان من طريقه حديثًا في فضائل علي رضي الله عنه، ثم قال: وقال ابن عدي: لعل البلاء فيه من ابن لهيعة، فإنه مفرط في التشييع/ الميزان 2/ 483 وفي تذهيب تهذيب الكمال نقل قول ابن عدي مع الإشارة إلى أنه قد قاله عقب حديث تذهيب تهذيب الكمال للذهبي 2 / ل 177 ترجمة ابن لهيعة، ولم يتعقب الذهبي ذلك بشيء، لا في الميزان ولا في التذهيب، ولكن تعقبه في السير 8/ 26 بقوله: فما سمعنا بهذا عن ابن لهيعة، بل ولا علمت أنه غير مفرط في التشييع، ولا الرجل متهم بالوضع، ثم أعل الحديث باحتمال أن يكون أدخله بعض الرافضة على راوي الحديث عن ابن لهيعة، وهو كامل بن طلحة، ولم يتفطن لذلك كامل، وإن كان مَحلُّه الصدق. لكني وجدت في أخبار قضاة مصر لأبي عُمر الكندي رواية بسنده إلى أبي جعفر المنصور الخليفة العباسي - أنه لما أُشير عليه بتولية عبد الله بن لهيعة قضاء مصر قال: (فابن لهيعة على ضعف عَقلِه، وسوء مذهبه)؛ لكنه أخرج عقب تلك الرواية، رواية من طريق راوي الأولى وغَيرِه: أنه لما أُشير على أبي جعفر بابن =

فَلْنذكُر ما حضر من ذِكْر ابن لهيعة، لِيُعلَم حالُه (¬1) وهو ¬

_ = لهيعة. قال: "فابن لهيعة"، ولم يصفه بشيء/ أخبار قضاة مصر للكندي/ 278، 279. أقول: فلعل الذهبي لم يكن وقف على قول المنصور هذا بوصف ابن لهيعة بسوء المذهب، أو لم يعتبره؛ لكونه من غير أئمة النقد للرواة، وأما وصف المنصور له ببعصر الضعف في عقله فيبعُد أن يُراد به المعنى الظاهر للعبارة؛ لأنه يجعل صاحبه غير صالح للقضاء، كما لا يخفى، فلعل أبا جعفر كان يرى قلة فطنته، أو خبرته، بالنسبة لغيره، فيمن يصلُح لهذا المنصب الحساس. (¬1) وكلام المؤلف هذا يفيد إقراره تضعيف الترمذي للحديث من طريق ابن لهيعة وبسببه، وأنه ساق ما حضره من كلام العلماء فيه، ليُعلَم حالُه من الضعف، من جهة حفظه، كما قرره الترمذي؛ لكنه ساق بعض الأقوال الدالة على توثيقه وتمام ضبطه؛ إما ضمنًا، مثل القول الآتي، قريبًا: إن مالكًا كان يُحسن القول فيه، وأنه هو المقصود بقول مالك في أحد أحاديث الموطأ: (عن الثقة عن عمرو بن شعيب)، وإما صراحة، مثل ما سيأتي أيضًا من قول أحمد: من كان بمصر مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه، وضبطه وإتقانه؟، ولذا كان عليه إن يدفع تعارض هذا في ظاهره، مع باقي أقوال التضعيف التي ذكرها، وباقي أقوال أحمد نفسه التي ذُكِرَت في ترجمته في كتب الرجال، ودلت صراحة على تضعيفه له وعدم الاحتجاج بما ينفرد به، كما سيأتي في التعليق على الترجمة، خاصة وأن مِنَ العلماء والباحثين من اعتمد على توثيق الإمام أحمد المتقدم لابن لهيعة، ورد باقي أقوال أحمد المجرحة، وغيره، مثل الشيخ أحمد شاكر يرحمه الله، وغيره، كما سيأتي ذكره والرد عليه. ولعل المؤلف اكتفى بما سيلحظه القارئ لِمَا أَورده، من أن أكثر الأقوال على تضعيف ابن لهيعة، ومنها ما هو مفسر بأمثلة تفصيلية محددة تفيد سوء حفظه وتساهله في الأداء، خاصة في آخر عمره، لكن كثرة حديث الرجل، مع كثرة الأقوال فيه، بدءًا من تلاميذه الذين خَبروه، وحتى عصرنا هذا، ومعارضة بعضها لبعض حتى بالنسبة لأقوال العالم الواحد، كل ذلك جعلني أقوم ببذل جَهدي في =

عبد الله بن لَهيعة بن عُقبة (¬1) بن فُرْعَان (¬2) أبو عبد الرحمن (¬3) الحَضرَمِي ¬

_ = جمع أكثر ما وقفت عليه من أقوال في ابن لهيعة، خاصة لِمن نَقَل عنهم المؤلف، مع المقارنة بما ذكره في الأصل، والتحليل لمجموع أقوال كل عالم، ثم استخلاص رأيه العام في حال ابن لهيعة ودرجة حديثه، ثم استخلاص رأي جامع فيه عند الجمهور، وأشهر المحققين المتأخرين، مع الرد المناسب -في تقديري- على ما وجدته مخالفًا للراجح من أقوال العلماء جملة أو تفصيلًا، كما ستجده في التعليقات التالية: (¬1) ونسب في بعض مصادر ترجمته إلى جده فقيل: عبد الله بن عقبة بن لهيعة/ الطبقات لابن سعد ج 7 ق/ 2042 والمجروحين لابن حبان 2/ 18 ط الهند وتبعه السمعاني/ الأنساب 10/ 6، 7 وابن الأثير/ اللباب/ 2/ 373 ثم الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على جامع الترمذي 1/ 16 وسيأتي في التعليق ص 799 أن ابن المبارك كان ربما ينسبه لجده عند الرواية عنه، وقد أشار البخاري إلى الخلاف في نسبته في الضعفاء الصغير فقال: عبد الله بن لهيعة ويقال: ابنُ عُقبة/ الضعفاء/ 266 ط الهند فأشار بذلك إلى ترجيح الأول ثم جزم به في الكبير 5/ 182 والأوسط المطبوع باسم الصغير/ 195 ط الهند وهو المشهور. (¬2) بضم الفاء، وبالراء، وبالعين المهملة/ الإكمال لابن ماكولا 7/ 59 والمُشتبِه/ 506. (¬3) ذكر المزي أن هذا هو الأصح في كنيته، وأنه يُقال له أيضًا (أبو النضر) / تهذيب الكمال 2/ 727 قال الذهبي: ولم يصح/ سير النبلاء 8/ 12، وذكر في موضع آخر 8/ 20 ما يشير إلى وجه عدم صجته حيث قال: وتفرد نوح بن حبيب بأن كنيته (أبو النضح وقد اعتمد الإمام مُسلم الكنية الأولى/ الكنى لمسلم 1/ 519 بتحقيق د. القَشقري، وقد قيل له أيضًا: (أبو خَرِيطَة) وهي الوعاء من الجلْد أو نحوه يُربط على ما فيه من مكتوب/ المعجم الوسيط/ مادة (خرط) 1/ 228 وقد ذكر بِشْر بن المنذر سبب ذلك فقال: كان ابن لهيعة يكنى "أبا خريطة"، كانت له خريطة معلقة في عنقه فكان يدور بمصر، فكلما قدم قوم =

الأُعْدُولِي (¬1)، من أنفسهم، ويقال: الغَافِقِي (¬2) المصري قاضى مصر (¬3)، ¬

_ = كان يدور عليهم، فكان إذا رأى شيخًا سأله: من لقيت؟ وعمن كتبت؟ فإذا وجد عنده شيئًا كتب عنه، فلذلك يكنى: أبا خريطة/ المجروحين لابن حبان 1/ 19 والسير 7/ 23، أقول: وهذه تعتبر لقبًا بلفظ الكنية، حيث إنه مقصود بها مدحه بالجد والاهتمام في طلب الحديث، ولذا أورد ابن حبان حكاية تكنيته بذلك في الاستدلال على جده في الطلب. (¬1) بضم أوله، والدال المهملة، وسكون ثانيه، نسبة إلى "أُعدول" بطن من الحضارمة/ كذا في هامش تهذيب التهذيب 5/ 373 نقلًا عن لب اللباب، وهو كتاب في الأنساب لجلال الدين السيوطي. (¬2) بفتح الغين المعجمة وكسر الفاء والقاف، نسبة إلى غافق بن الشاهد بن عك، بن عدثان بن عبد الله، بطن من الأزد، ينسب إليهم كثير، ومنهم ابن لهيعة هذا، وقد نسب في كل من الأنساب 10/ 7، 8 واللباب 2/ 373 إلى جده فقيل؛ عبد الله بن عقبة بن لهيعة، وهو خلاف المشهور كما أسلفت. (¬3) روى الفسوي عن تلميذ ابن لهيعة وهو يحيى بن عبد الله بن بُكير قال: ولي لهم -أي للعباسيين- ابن لهيعة بيت المال، وولي القلزم، وولي القضاء عشر سنوات في أيام أبي جعفر - يعني المنصور، والقلزم، وبيت المال في أيام المهدي/ المعرفة والتاريخ للفسوي 2/ 486، وحدد أبو عمر الكندي تاريخ تولي ابن لهيعة قضاء مصر بأنه مستهل سنة 155 هـ، من قبل أمير المؤمنين أبي جعفر، وذكر أنه أول قاض ولي مصر من قبل الخليفة - ولعله يعنى أن من سبقوه كانوا يعينون من قبل أمير مصر فقط، وليس من الخليفة، كما يفهم من تولية القاضي السابق عليه، وهو أبو خزيمة الرعيني، وذكر الكندي أن ابن لهيعة ظل قاضيًا على مصر إلى أن صرف عنها في ربيع الآخر سنة 164 هـ، وقال: وليها عشر سنين/ تاريخ قاضة مصر لأبي عمر الكندي 274، 78، 280، فاتفق الفسوي والكندي على أن مدة ولايته القضاء كانت عشر سنوات. واتفق الذهبي مع الفسوي والكندي على تاريخ تولي ابن لهيعة قضاء إقليم مصر من قبل أبي جعفر المنصور، سنة 155 هـ، واتفق مع الكندي على أن راتب ابن لهيعة كان ثلاثين دينارًا في الشهر، لكنه قرر في موضع من ترجمة ابن لهيعة في السير 8/ 14، أن مدة توليه القضاء =

سمع عبد الرحمن بن هرمز، الأعرج (¬1) وعطاء بن أبي رباح، وعبد الله بن هبيرة السبئي (¬2) وأبا الزبير المكي، ومحمد بن ¬

_ =دون السنة، وصرف عنه، ثم حدد المدة بتسعة أشهر، وذلك في موضع ثان من ترجمته لابن لهيعة في السير 8/ 26، وكذا في تذكرة الحفاظ 1/ 239، وفي الميزان 2/ 478، ولا أدري مستنده في هذا، كما أنه لا تناسب بين تلك المدة اليسيرة، وبين المدة التي حددها من هما أسبق منه، وهي عشر سنوات، وقد اعتمد الفسوي على سماع ذلك من ابن بكير، تلميذ ابن لهيعة وهو ثقة. (¬1) وقد كان سماعه منه فرصة نادرة سنح له بها لقاء وحيد عاجل، وتفرد بسماعه منه عن قرينه الليث بن سعد، قال إبراهيم بن صالح: قلت لابن لهيعة: كيف سمعت من الأعرج ولم يسمع منه الليث؟ قال: قدم الأعرج -يعني مصر- فنزل على جعفر بن ربيعة، قال: أي ابن لهيعة، وكنت أكف له -يعني للأعرج- حتى أشتري له الشعير لفرسه بالدراهم، قال: وكان يشنف -أي يبغض- الليث وعمرو بن الحارث، فقال لي: إني أريد أن أُسمِّع شيئًا، وقال: حتى تسمعه، ولا تخبر به أحدًا، قال: فسمعنا من الأعرج، وخرج إلى الإسكندرية، وتحدث الناس بذلك، فقالوا: الأعرج بن هرمز بالإسكندرية، قال ابن بُكير فسمعت الليث يقول: رأيته بمصر، عند المنبر، سئل عن حروف القرآن، ولا أعرفه، ولا أدري من هو/ المعرفة والتاريخ 2/ 442. وقد ذكر الليث نفسه قصة في تفويته على ابن لهيعة السماع من نافع مولى ابن عمر، وانفراده عنه به، ثم اتبعها ذكر هذه الواقعة باختصار، دون ذكر بغض الأعرج له، ولا رؤيته له، وذكر فيها أن ابن لهيعة لما جلس للتحديث، فقال: حدثني الأعرج عن أبي هريرة، دهش الليث، وقال له: متى رأيت الأعرج؟ فقال له ابن لهيعة: إن أردته، هو بالإسكندرية، فخرج الليث إلى الإسكندرية، فوجد الأعرج قد مات -يعني بها، وذكر أنه صلى عليه/ تهذيب الكمال 3/ 1153، وقال الذهبي في ترجمة الأعرج: اتفق أنه خرج إلى الإسكندرية فأدركه أجله بها في سنة 117 هـ/ معرفة القراء الكبار 1/ 77، 78. (¬2) بالأصل هكذا "السبابي" وفي الكاشف 2/ 129 والكامل لابن عدي 4/ 1470 =

المنكدر، وعمارة بن غَزِيَّة (¬1)، ويزيد بن أبي حبيب، ومِشْرَح (¬2) بن هاعان، وعمرو بن دينار، وعمرو بن شعيب (¬3) وأبا قبيل (¬4) حُيَي (¬5) بن هانئ، والحارث بن يزيد الحضرمي، ويزيد بن عمرو المعافري، وحَبَّان بن واسع، وبُكَير (¬6) بن عبد الله بن الأشج، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبا عُشَّانة (¬7) المعافري (¬8) وأبا الأسود، ¬

_ = "السبائي" وما أثبته من الأنساب 7/ 44، 45 والتقريب/ 327 مع ضبطه له بفتح السين المهملة، والباء المنقوطة من تحتها بواحدة، وفتحها وهمزة مقصورة، نسبة إلى "سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان" وأول من ذكره من أصحاب تلك النسبة هو عبد الله هذا. (¬1) بفتح المعجمة وكسر الزاي، بعدها تحتانية ثقيلة/ التقريب/ 409. (¬2) بكسر أوله وسكون ثانيه، وفتح ثالثه، وآخره مهملة/ التقريب/ 532، وذكر ابن ماكولا أن ثانيه شين معجمة 7/ 252. (¬3) سيأتي خلاف في سماع ابن لهيعة منه، مع ترجيح سماعه منه بعض أحاديث معدودة، ثم إدخال بعض الرواة عن ابن لهيعة أحاديث أخرى لم يسمعها منه، وكذا إسقاط ابن لهيعة الواسطة بينه وبين عمرو نسيانًا/ ص 814، 815 ت. (¬4) قَبِيل: بفتح القاف وكسر الموحدة، بعدها تحتانية ساكنة/ التقريب/ 185. (¬5) بالأصل "يحيى" والصواب ما أثبته، وهو بضم أوله، وياءين من تحت، الأولى مفتوحة التقريب/ 185 والخلاصة/ 97. (¬6) مصغر/ التقريب / 127، 128، والمغني للفتني/ 42. (¬7) عُشَّانة: بضم أوله، وتشديد المعجمة، وبعد الألف نون/ التقريب/ 658 وذكر أيضًا أن أوله مهملة/ 185 واسمه: حي -بفتح أوله وتشديد التحتانية- بن يؤمن/ تهذيب الكمال 1/ 347 والتقريب/ 185. (¬8) بفتح الميم والعين المهملة، وكسر الفاء والراء، نسبة إلى معافر بن يعفر بن مالك/ الأنساب 12/ 328، 329.

محمد بن عبد الرحمن، يتيم عروة، وصالح بن أبي عَرِيب (¬1) وأبا يونس، مولى أبي هريرة، وأبا السمح، دَرَّاجا، وسالمًا أبا النضر، وعيَّاش (¬2) بن عباس (¬3) وأبا صخر، حميد بن زياد، وخالد بن أبي عمران، وقال روح بن صلاح (¬4): لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًا. روى عنه الأوزاعي (¬5) والثوري (¬6)، والليث بن سعد، وعمرو بن الحارث (¬7) وعثمان بن حكيم الجذامي، وعبد الله بن المبارك (¬8) ¬

_ (¬1) بفتح المهملة وكسر الراء، وآخره موحدة، واسم أبي عريب: قُلَيب -بالقاف، والموحدة مصغر/ التقريب/ 273. (¬2) بتشديد التحتانية وآخره معجمة/ التقريب/ 436 وتهذيب الكمال 2/ 1075. (¬3) بموحدة ومهملة/ التقريب/ 437. (¬4) هو أحد الرواة عن ابن لهيعة، وبقية كلامه: ولقي الليث بن سعد إثني عشر تابعيًا/ تهذيب الكمال 2/ 728، وبهذه التكملة يظهر معنى صدر كلامه المتعلق بابن لهيعة، وهو أنه يقارن بينه وبين الليث من هذه الناحية، وهي كثرة شيوخ ابن لهيعة من التابعين عن شيوخ الليث، مع أن طبقتهما واحدة، والليث متقدم في الولادة على ابن لهيعة بسنتين تقريبًا على الأقل/ انظر سير النبلاء 8/ 12، 137، وقد روى عنه الليث كما ترى في بيان تلاميذه، قال المزي: وهو من أقرانه، وولد قبله بسنتين/ تهذيب الكمال 2/ 728. (¬5) ومات قبله/ تهذيب الكمال 2/ 728. (¬6) ومات قبله أيضًا/ تهذيب الكمال/ الموضع السابق. (¬7) ومات قبله/ المصدر السابق. (¬8) وكان في روايته عنه ربما نسبه إلى جده/ تهذيب الكمال 2/ 728 فيقول: عبد الله بن عقبة، وذلك خلاف المشهور كما أشرت من قبل.

وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد، أبو عبد الرحمن، المُقْرِي، وعبد الله بن مَسْلَمة القَعْنَبِي (¬1)، وعبد الله بن صالح -كاتب ¬

_ (¬1) قال ابن حبان: أصحابنا يقولون: سماع من سمع منه قبل احتراق كتبه مثل العبادلة ... وذكر الأربعة المتقدم ذكرهم - فسماعهم صحيح، ثم ذكر من نتائج سبره لمروياته، ومن انتقاده الخاص لبعض أحاديث أحد هؤلاء العبادلة وهو ابن وهب، ما يدل على أن صحة سماعهم عنه، لا تقتضي صحة ما يروونه عنه، بل يوجد فيه تدليس عن الضعفاء أو شذوذ من جهته أو نكارة/ المجروحين لابن حبان 2/ 18 - 21، وسيأتي ذكر المؤلف لتفصيل كلام ابن حبان ص 840 - 844، وسيأتي أيضاً في التعليق والأصل عن غير واحد من العلماء: أنهم جمعوا في سياق واحد بين تضعيف ابن لهيعة وعدم الاحتجاج به، وبين تقوية رواية بعض هؤلاء العبادلة وأمثالهم عنه ص 825 هامش 5 إلى 826، 829 هامش 3، 839 هامش 1، وهذا يفيد أن المراد كون رواية هؤلاء وأمثالهم عنه تعتبر أقوى الضعيف؛ لِمَا تميزوا به عن غيرهم، من حيث الثقة والأخذ عنه قبل زيادة سوء حفظه، مع التحري لمروياته، بحيث كان منهم من ينقل من أصوله الخطية بجانب السماع منه، كما سيأتي تفصيله. ومما يؤكد كون رواية هؤلاء عنه لا تعتبر حجة بمفردها، أن بعضهم قد نقد بنفسه ابن لهيعة من جهة ضبطه، كابن المبارك ص 812 هامش 5، وابن وهب، حيث أقسم على صدقه، ثم انتقده من جهة حفظه ص 805، أصل وهامش 2. ثم جاء من بعدهم من ضعف ابن لهيعة أيضاً، وصرح بعدم الاحتجاج بروايتهم عنه، فقد نقل ابن أبي حاتم عن أبيه وأبي زرعة الرازي أن ابن لهيعة أمره مضطرب، ويكتب حديثه على الاعتبار، قال ابن أبي حاتم: قلت لأبي: إذا كان من يروي عن ابن لهيعة مثل ابن المبارك وابن وهب يحتج به؟ قال: لا/ الجرح والتعديل 5/ 147، وتهذيب التهذيب 5/ 379. وذكر الدارقطني ابن لهيعة في الضعفاء وقال: يعتبر بما يروي عنه العبادلة: ابن =

الليث- والوليد بن مسلم، والوليد بن مَزْيد (¬1). وسمع منه قبل احتراق كتبه (¬2): منصور بن عمار (¬3) وقتيبة بن ¬

_ = المبارك، والمقري وابن وهب/ الضعفاء والمتروكين، بتحقيق د. موفق عبد القادر/ 265. كذلك نجد من العلماء من ذكر من المنتقد على ابن لهيعة بعض ما رواه هؤلاء العبادلة عنه، فالبخاري ذكر ابن لهيعة في الضعفاء، وعلق له حديثًا من رواية عبد الله بن يزيد المقري عنه، وحكم بنكارته، وتبعه الذهبي على هذا/ الميزان 2/ 483، وذكر ابن عدي أيضًا مما هو منتقد على ابن لهيعة بعض ما رواه عنه ابن وهب، والقعنبي/ الكامل 4/ 1466، 1467 وتبعه الذهبي في الميزان 2/ 479، 480. وسيأتي عن المحققين من المتأخرين كالذهبي وابن حجر وغيرهما ما يوافق هذا، وذلك في تعليقي في آخر الترجمة إن شاء الله. (¬1) بفتح الميم وسكون الزاي، وفتح التحتانية/ التقريب/ 583. (¬2) لم أجد غير المؤلف من قال: إن هؤلاء الآتي ذكرهم قد رووا عن ابن لهيعة قبل احتراق كتبه، مع مراجعتي لعامة مصادر ترجمته عند المتقدمين والمتأخرين، بل إن أحد من ذكرهم وهو قتيبة بن سعيد قد بحثت ترجمته فوجدت أنه لا يتأتى سماعه من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه كما سيأتي في التعليق عليه ص 802، إن نصف من ذكرهم من طبقة قتيبة هذا، وهناك أيضًا من ذكر سماعه من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه بسنين عديدة ولم يذكرهم، مثل: بشر بن بكر، الذي أخرج العقيلي عنه قوله: لم أسمع من ابن لهيعة بعد سنة 153 هـ/ الضعفاء للعقيلي 2/ 294 وسيأتي أن الاحتراق كان سنة 169 هـ أو سنة 170 هـ ص 822 ت - 823 أصل، ت، ومنهم من صرح بنفسه بأنه كتب عنه بعد الاحتراق، وهو عثمان بن صالح السهمي، كما سيأتي في التعليق عليه. (¬3) هو منصور بن عمار بن كثير، أبو السري السلمي الواعظ، القاص، قدم مصر وجلس يقص على الناس، فسمع كلامه الليث بن سعد، فاستحسن قصصه، وفصاحته، وأقطعه خمسة عشر فدانًا، ثم صار إلى ابن لهيعة فأقطعه خمسة فدادين، ثم =

سعيد (¬1) وعمرو بن خالد، الحراني، وأسد بن موسى، ومحمد بن رُمح (¬2) ومحمد بن الحارث، المصري المعروف بـ "صُدْرة" (¬3)، ¬

_ = خرج إلى بغداد فحدث بها عن الليث وابن لهيعة وغيرهما، وتوفي بها، كذا ذكر الخطيب في ترجمته له، ولكن لم يحدد مولده ولا تاريخ وفاته/ تاريخ بغداد 13/ 71 - 79، ونقل الذهبي تضعيفه عن غير واحد من النقاد، ثم قال: وساق ابن عدي مناكير لمنصور تقضي بأنه واه جدًّا، وقال: لم أجد له وفاة، وكأنه في حدود المائتين/ السير 7/ 93 - 98 وذكره ابن حبان في الثقات: وقال ليس من أهل الحديث الذين يحفظون، وأكثر روايته عن الضعفاء، ثم أخرج له حديث: "أن مشاش الطير يورث السل" وتعقبه بقوله: ليس هذا من حديث ابن لهيعة، وإن كان -يعني ابن لهيعة- ضعيفًا/ الثقات لابن حبان 9/ 170. (¬1) ولد قتيبة سنة 150 هـ على الراجح وجاء عنه أن أول خروجه في طلب الحديث كان إلى العراق، في سنة 172 هـ/ تهذيب التهذيب 8/ 359، وقد احترقت كتب ابن لهيعة سنة 169 هـ أو سنة 175 هـ/ الميزان 2/ 476، 477 والضعفاء للعقيلي 2/ 264 فكيف يتأتى سماعه من ابن لهيعة قبل احتراق كتبه كما ذكر المؤلف؟ ثم إن الإمام أحمد ذكر أن قتيبة هذا آخر من سمع من ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 2/ 1123، وجاء عن قتيبة ما يدل عل أن المراد بالآخرية في كلام الإمام أحمد، هي آخر حياة ابن لهيعة حيث يقول قتيبة: حضرت موت ابن لهيعة، ومات سنة 174 هـ وشهدت جنازته/ تهذيب الكمال 2/ 1124، وأيضًا عده ابن عدي من الرواة المتأخرين عن ابن لهيعة/ الكامل 6/ 1464. (¬2) ووصفه الذهبي/ السير 8/ 13 بأنه خاتمة من روى عن ابن لهيعة، ويبدو أن مراده كونه آخرهم موتًا حيث إنه توفي سنة 242 هـ وقيل سنة 243 / تهذيب الكمال 3/ 1197، 1198، وهو معدود من الطبقة العاشرة عند ابن حجر، ولم أجد من تأخرت طبقته عنها فيمن روى عن ابن لهيعة/ انظر التقريب/ 478. (¬3) ذكر الحافظ ابن حجر وغيره أن هذا لقب محمد المذكور، ولكن لم أقف على ضبطه بالحروف، انظر تقريب التهذيب/ 722 ونزهة الألباب في الألقاب لابن =

وأشهب بن عبد العزيز، وزيد بن الحباب، وعثمان بن صالح السهمي (¬1) ومروان بن محمد الطَّاطَري (¬2) ومُجّاعة (¬3) بن ثابت، ومحمد بن معاوية النيسابوري، وكامل/ بن طلحة الجَحدَرِي (¬4) وحجاج بن سليمان الرُّعَينِي (¬5). ¬

_ = حجر بتحقيق الشيخ عبد العزيز السدير 2/ 420 والخلاصة للخزرجي/ 331 وفي نسخة تهذيب الكمال المصورة ضبطت الصاد بالضمة فوقها 2/ 728. (¬1) قد جاء عن هذا الرجل تصريحه بالكتابة عن ابن لهيعة بعد الاحتراق، فقد سأله ابنه: متى احترقت دار ابن لهيعة؛ فقال: سنة 170، فقال له: واحترقت كتبه كما تزعم العامة؟ فقال: معاذ الله، ما كتبت كتاب عمارة بن غزية -أحد شيوخ ابن لهيعة- إلا من أصل كتاب ابن لهيعة بعد احتراق داره، غير أن بعض ما كان يقرأ منه احترق، وبقيت أصوله بحالها/ تهذيب الكمال 2/ 728، أقول: وكتابته كتاب عمارة بن غَزِية هذا بعد الاحتراق، دليل على سماعه له من ابن لهيعة بعد الاحتراق أيضًا، حيث إِن الرواة عنه كانوا يكتبون ثم يسمعون عليه ما كتبوه/ المعرفة والتاريخ 2/ 434، 435 والسير 8/ 21 نعم يمكن أن يكون سمع منه أيضًا قبل الاحتراق، ومع هذا ما يسوغ اقتصار المؤلف على عده ممن سمع منه قبل الاحتراق فقط. (¬2) بمهملتين مفتوحتين/ التقريب/ 256 بينهما الألف، وفي آخرها الراء، ويقال بمصر ودمشق لمن يبيع الكرابيس والثياب البيض: "طَاطَري" وهذه نسبة إليها، وممن عرف بها، مروان المذكور/ الأنساب 9/ 6، 7. (¬3) بضم أوله وتشديد الجيم، كذا ضبطه الحافظ ابن حجر، في ترجمة "مُجاعة بن مرار"/ التقريب/ 502. (¬4) بفتح الجيم وسكون الحاء، وفتح الدال، المهملتين، وفي آخرها الراء، نسبة إلى "جحدر" وهو اسم رجل/ انظر الأنساب 3/ 206، 207، والتعليق عليها. (¬5) بضم الراء وفتح العين المهملة، وبعدها الياء المنقوطة باثنتين من تحتها وفي آخرها النون، نسبة إلى "ذِي رُعَين" من أقيال اليمن/ الأنساب 6/ 143.

وسعيد بن كثير بن عُفير (¬1). ذكر الحسن بن [علي الخلال عن زيد بن الحباب] (¬2) عن الثوري: أنه قال: عند ابن لهيعة الأصول، وعندنا الفروع. وقال سفيان (¬3): حججت حججًا، لألقى ابن لهيعة. وقال عبد الرحمن بن مهدي: ودِدت أني سمعت من ابن لهيعة خمسمائة حديث، وأني غرمت [مؤدَّى] (¬4) وقال ابن مهدي: ما أعتد بشيء سمعته من ابن لهيعة ¬

_ (¬1) بالمهملة والفاء، مصغر/ التقريب/ 245، ولم يستوعب المؤلف الرواة عن ابن لهيعة، بل ترك منهم من وصف بأنه كان راوية لابن لهيعة - وهو أبو الأسود الذي سيرد ذكره في الكلام عن حال ابن لهيعة/ قريبًا، وهو متقدم الوفاة بكثير من السنين عن عدد ممن ذكرهم المؤلف/ انظر تهذيب التهذيب 10/ 440، 441 وانظر باقي شيوخ وتلاميذ ابن لهيعة في تهذيب الكمال 2/ 727، 728. (¬2) بالأصل "ابن رشيق" والصواب ما أثبته تبعًا لمصادر الترجمة/ الميزان 2/ 447، وتهذيب التهذيب 5/ 376 وفيها قول زيد "سمعت سفيان" بدل "عن" و"يقول" بدل "قال". (¬3) قول سفيان هذا أيضًا مما سمعه منه زيد بن الحباب/ تهذيب التهذيب 5/ 376. (¬4) بالأصل "مادا" وهو يمكن أن تقرأ "ماذا" باعتبار أن الناسخ يهمل النقط كثيرًا، ويكون المعنى: "وأني غرمت كثيرًا"، ولكني رجحت ما أثبته بناء على استقامة المعنى أيضًا عليه، وعلى تفسيره المذكور بعده في كل من تهذيب الكمال 2/ 728 والسير 8/ 17 حيث جاء بعدها ما نصه: "كأنه -أي ابن مهدي- يعني دية" فيصبح معنى العبارة: وأني غرمت دية، يعني في سبيل الرحلة إليه، وجاء في تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 284، "مالًا"، وهو تحريف أيضًا، وهذا القول من ابن مهدي يفيد ثناءه على ابن لهيعة كما لا يخفى، وتؤيده الرواية التالية عنه أيضًا، ولكن سيذكر المؤلف أيضا بعد قليل رواية ثالثة عن ابن مهدي تعارض الروايتين المذكورتين، لإفادتها تركه التحمل عنه مطلقًا، لما تبيَّن له من =

إلا سماع ابن المبارك، ونحوه (¬1) وحدث ابن وهب بحديث، فقيل له: من حدثك بهذا؟ فقال: حدثني به -والله- الصادق البار، عبد الله بن لهيعة (¬2) وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: ¬

_ = سبر بعض ما كتب به إليه من حديثه، وبذلك يحتاج الأمر للنظر في الأقوال الثلاثة، ومعرفة خلاصة رأي ابن مهدي فيه، وذلك عقب الرواية الثالثة بمشيئة الله. (¬1) قول ابن مهدي هذا رواه عنه سماعًا، نعيم بن حماد/ تهذيب الكمال 2/ 278، وتهذيب التهذيب 5/ 375، والسير 8/ 15، والمراد بمن هو نحو ابن المبارك، من كان مثله، كابن وهب وبقية العبادلة السابق ذكرهم، ومن يماثلهم في الطبقة والثقة، وفي الضبط لمروياتهم عنه بكتابتها من أصوله الخطية أو من فروعها الموثقة، بجانب السماع عليه/ انظر المعرفة والتاريخ 2/ 184، 185، 434، 435، والسير 8/ 21. وكلام ابن مهدي المذكور، يحتمل دلالتين: أولاهما أنه يرى أن رواية ابن المبارك ونحوه من الثقات الضابطين عن ابن لهيعة تكشف خطأه من صوابه، وهذا يلتقي مع ما قدمته عن غيره ممن ضعف ابن لهيعة، ولو في رواية الضابطين عنه، وأما الدلالة الثانية لكلامه فهي احتمال الإشارة إلى أن ابن لهيعة في نفسه ثقة عنده، ولكنه يرى أن الخلل في روايته مرجعه إلى الرواة عنه، وهذا يلتقي مع ثنائه عليه كما سبق، وتمنيه الرواية عنه، ولو كلفه ذلك الكثير من المال، ولكن سيأتي عنه بعد قليل ما يعارض هذا، ويوافق الاحتمال الأول كما أشرت اليه في التعليق السابق. (¬2) أخرجه ابن عدي في الكامل 4/ 1463 من طريق أبي الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح أنه سمع ابن وهب، به، وفي تهذيب الكمال 2/ 728 والسير 8/ 17 تعقيب من أبي الطاهر على ذلك بقوله: وما سمعته يحلف بمثل هذا قط. أقول: ولعله أراد بهذا الرد على من كان يسيء القول في ابن لهيعة من تلاميذه الآخرين مثل سعيد بن أبي مريم، الآتي كلامه قريبًا في الأصل، مع تعليقي عليه، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بالمشيئة، لكن يُلاحَظ أن ابن وهب أكد صدقه في روايته، بما يدفع أي اتهام له بالكذب فيها، أما ضبطه فلم يتعرض له بل جاء عنه ما يفيد انتقاد ضبطه خاصة في آخر حياته، وذلك عن دراية، وخبرة حيث إن ابن وهب، كما أشرت من قبل، وكما سيأتي، كان معنيًا بضبط مروياته عن ابن لهيعة، حيث كان ينقلها من أصوله الخطية إلى آخر حياته، بجانب سماعه منه، ولهذا كان من تلاميذ ابن لهيعة الآخرين من يعتمد بدوره على ما كتبه ابن وهب، كما سيأتي ص 850، 852 ويبدو أن عناية ابن وهب تلك بضبط رواياته عن ابن لهيعة جعلته يختبر ضبطه على امتداد حياته، فتبين له وجود بعض الخلل في ضبطه، ونبه غيره على هذا، فقد أخرج العقيلي بسنده عن خالد بن خداش قال: قال لي ابن وهب -ورآني لا أكتب حديث ابن لهيعة-: إني لست كغيري في ابن لهيعة، فاكتبها -يعني الأحاديث من طريقه-، ثم قال خالد: وقال لي: حديثه عن عقبة بن عامر: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لو كان القرآن في إهاب ما مسته النار" ما رفعه لنا ابن لهيعة في أول عمره قط/ الضعفاء للعقيلي 2/ 295 والميزان 2/ 476. فتنبيهه على اختلاف رواية ابن لهيعة للحديث المذكور، بحيث رواه في أول حياته موقوفًا، ثم رواه في أواخرها مرفوعًا، يدلنا على أن ابن وهب كان يكرر السماع من ابن لهيعة، ثم يقارن روايته المتقدمة بروايته المتأخرة، وهذه من طرق اختبار المحدثين لضبط الراوي وحفظه، وقد تبين بذلك لابن وهب وغيره أن ابن لهيعة تغير حفظه في آخر عمره عما كان عليه في أوله، وإن لم يصل به ذلك إلى الاختلاط، كما سيأتي بيانه. وأما قول ابن وهب لخالد: "إني لست كغيري في ابن لهيعة"، فهو يفيد تفاوت تلاميذه في ضبط روايتهم عنه، بل كان منهم من يدخل عليه ما ليس من روايته، كما سيأتي، ولعله يشير بهذه العبارة أيضًا إلى ما عرف عنه من نقله لمروياته عن ابن لهيعة من أصوله الخطية واستمراره على ذلك إلى أن مات ابن لهيعة، كما سيأتي. ويبدو أن هذا قد مكنه من معرفة ما هو من سماعه، وما ليس من سماعه ممن حدث به عنهم، على سبيل الوهم والتساهل في الأداء، كما في روايته بالسماع =

كيف رواية ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر؟ قال: ابن لهيعة ضعيف الحديث (¬1) وقال ابن أبي مريم (¬2) رأيت ابن ¬

_ = عن عمرو بن شعيب، فقد قال يحيى بن بكير: قيل لابن لهيعة: إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب، فضاق ابن لهيعة، وقال: وما يدري ابن وهب، سمعت هذه الأحاديث من عمرو، قبل أن يلتقي أبواه/ تهذيب الكمال 2/ 728 والسير 6/ 18 أقول: وسيأتي بيان بعض ما أدخل على ابن لهيعة في حديثه عن عمرو بن شعيب، وظهوره على يد غير ابن وهب أيضًا كابن المبارك، وابن مهدي وابن أبي مريم/ ص 812، 813 أصل وت، 814 ت، وبه يكون الحق مع ابن وهب، في إثبات صدق ابن لهيعة، دون ضبطه. (¬1) تاريخ عثمان الدارمي عن ابن معين، بتحقيق د. أحمد نور سيف/ 152 والجرح والتعديل 5/ 147 وقد أخرج ابن عدي من رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر عدة أحاديث وأعل بعضها بابن لهيعة وبتلميذه محمد بن الحارث الملقب بصدرة، وبعضها بابن لهيعة وحده، وقال: ولابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر، نسخة، يحدث بذلك ابن بكير، وقتيبة، وغيرهما من المتأخرين/ الكامل 4/ 1464، 1465، وستأتي أقوال أخرى عن ابن معين، ذكرها المؤلف في الأصل، وسنعلق هناك بوجود بعض روايات أخرى عن ابن معين فيها معارضة للرواية المذكورة هنا ولما سيأتي في الأصل. (¬2) هو سعيد بن الحكم بن محمد، المعروف بابن أبي مريم، ثقة ثبت فقيه/ التقريب/ 234، 241، وهو من تلاميذ ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 2/ 728، وعن ابن الجنيد أنه سمع يحيى بن معين يقول: كان ابن أبي مريم سيء الرأي في ابن لهيعة، فلما كتبوها عنه، وسألوه عنها، أي: كتبوا أحاديث ابن لهيعة برواية ابن أبي مريم عنه -سكت عن ابن لهيعة/ السير 8/ 19، وتهذيب الكمال 2/ 729، ولابن أبي مريم بعض أقوال أخرى في نقد شيخه ابن لهيعة، فلا تُقبل منه إلا بحجة/ انظر بعض انتقاداته في تهذيب الكمال 2/ 728 والسير 8/ 25 والمعرفة والتاريخ 2/ 435.

لهيعة (¬1) يعرض عليه ناس من الناس (¬2) أحاديث من أحاديث العراقيين (¬3)، ¬

_ (¬1) هذا القول يرويه أبو حاتم الرازي أنه سمع ابن أبي مريم، به، وقد رواه عن أبي حاتم ابنه وموسى بن العباس، فاختلفت الروايتان، فلفظ رواية ابنه جاء هكذا "رأيت ابن لهيعة في آخر عمره، وقوم من أهل بربر يقرأون عليه من حديث منصور والأعمش والعراقيين، فقلت له: يا أبا عبد الرحمن" إلخ ... وعقب ابن أبي مريم على كلام ابن لهيعة قائلًا: فلم أكتب عنه بعد ذلك/ الجرح 5/ 146، والميزان 2/ 477، ولفظ رواية موسى بن العباس مطابقة لما هنا في الأصل مع زيادة التمثيل للعراقيين بمنصور والأعمش وأبو إسحق -يعني السبيعي-/ الكامل 4/ 1462، والسير 8/ 21، وأهم خلاف بين الروايتين تحديد زمن هذه الواقعة بأنها كانت في آخر حياة ابن لهيعة، حيث اشتملت رواية ابن أبي حاتم على ذلك، وخلت منه رواية موسى بن العباس، ويبدو أن رواية ابن أبي حاتم هي الراجحة، لمناسبتها للأقوال الأخرى التي ذكرت أنه مع سوء حفظه عمومًا، فإنه كان أسوأ بعد احتراق كتبه في آخر حياته./ انظر السير 1/ 28 والميزان 2/ 477 وتهذيب التهذيب 5/ 378، وسيأتي أيضًا في كلام المؤلف في الأصل ما يؤيده. ويرجح رواية ابن أبي حاتم أيضًا اشتمالها على بيان نتيجة تلك الواقعة، وهي ترك ابن أبي مريم للتحمل عن ابن لهيعة. (¬2) في رواية ابن أبي حاتم عن أبيه: أنهم قوم من أهل بربر/ الجرح 5/ 146، وهم شعب أكثره قبائل تسكن الجبال قي شمال إفريقية/ المعجم الوسيط/ مادة "بربر" 1/ 46. (¬3) الذي في الكامل 4/ 1464 من رواية موسى عن أبي حاتم التمثيل للعراقيين بمنصور -يعني ابن المعتمر- والأعمش، وأبي إسحق -يعني السبيعي/ وثلاثتهم كوفيون وفي رواية ابن أبي حاتم: من حديث منصور والأعمش والعراقيين/ الجرح 5/ 146 والميزان 2/ 477، فلعل المقصود: والعراقيين مثل هذين.

فأجازه لهم (¬1)، فقلت: يا أبا عبد الرحمن: هذه الأحاديث ليست من أحاديثك، فقال: هي أحاديث قد مرت على مسامعي (¬2)، وقال أبو حاتم: سألت أبا الأسود (¬3) قلت: كان ابن لهيعة يقرأ ما يُدفع إليه؟ قال: كنا نرى أنه لم يفته من حديث مصر كثير شيء، وكنا نتتبع أحاديث من حديث غيره، عن الشيوخ الذين يروي عنهم، فكنا ندفعها إليه، فيقرؤها (¬4). ¬

_ (¬1) قوله: فأجازه لهم، ليس في رواية ابن أبي حاتم عن أبيه، والظاهر من سياق الكلام، أن المراد بالإجازة الموافقة على قراءتهم عليه ما ليس من حديثه؛ لأن القراءة على العالم، وتسمى أيضًا العرض، لا يعبر عنها بالإجازة بالمقروء، ولكن نكون إخبارًا منه لهم، وإقرارًا بأن المقروء من روايته. (¬2) ذكر الذهبي تعليقًا على هذه العبارة ما نصه: يقول: يكون قد رواها وجادة الميزان 3/ 477، وبهذا يندفع عن ابن لهيعة دعوى سماع ما لم يسمعه، كما قد يتبادر من ظاهر كلام ابن أبي مريم هذا، لكن هذا الصنيع لا شك أنه تساهل واضح في الأداء، ثم إن في رواية ابن أبي حاتم عن أبيه تعقيب لابن أبي مريم على هذه الواقعة بقوله: "فلم أكتب عنه بعد ذلك"/ الجرح 5/ 146، وقد نبهت آنفًا على هذا، ومع أن ابن أبي مريم كان سيء الرأي في ابن لهيعة كما قدمت، إلا أنه لم ينفرد بمثل هذا النقد لابن لهيعة، بل جاء نحوه عن غيره مثل قول أبي الأسود الذي ذكره المؤلف بعد قول ابن أبي مريم هذا، وسيأتي عن غيرهما نحو ذلك أيضًا. (¬3) هو النضر بن عبد الجبار، أحد تلامذة ابن لهيعة الموثقين عمومًا، وفي الرواية عن ابن لهيعة خصوصًا، كما وصف بكثرة الرواية عن ابن لهيعة/ المعرفة والتاريخ 2/ 434، 435، وتهذيب الكمال 2/ 728، 729. (¬4) أخرج ابن عدي هذه الرواية عن موسى بن العباس ثنا أبو حاتم به/ الكامل 4/ 1462 وقد أخرج الفسوي بعض الأحاديث التي رويت عنه مقرونًا بغيره/ المعرفة 1/ 400، 2/ 513، 749، وتلك الرواية عن أبي الأسود، يستفاد منها =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أنه كان يشارك غيره في إدخال تلك الأحاديث زورًا على ابن لهيعة، ويشارك أيضًا في تحملها عنه، وذلك يعارض ما قدمته من توثيقه عمومًا، وفي روايته عن ابن لهيعة خصوصًا، لاسيما أنه سيأتي وصف من كانوا يفعلون ذلك مع ابن لهيعة بعدم تقوى الله ص 836 ت، لكن ما وصف به أبو الأسود من التوثيق يجعلنا نحمل كلامه هذا على أنه كان يشترك مع الفاعلين لذلك بغير قصد التحمل عنه مثلهم، أو الإفساد للحديث، ولكن يقصد اختبار ضبط ابن لهيعة فقط، حيث كان ذلك في أواخر حياته كما سيأتي، ويؤيد ذلك أنه جاء عن أحد تلاميذ أبي الأسود، من النقاد، وهو أحمد بن صالح المصري، ما يفيد أن رواية شيخه أبي الأسود عن ابن لهيعة منضبطة، وخالية مما ليس من حديث ابن لهيعة، فقد ذكر الفسوي سماعه من أبي الأسود، ووصفه بأنه ثقة، ثم قال: وسمعت أحمد بن صالح أبا جعفر -وكان من خيار المتقنين- يثني عليه -يعني على أبي الأسود-، ثم ذكر الفسوي أن أحمد بن صالح قال له: كتبت حديث أبي الأسود في الرق، قال الفسوي: فاستفهمته، -يعني عن المقصود بأنه كتب حديث أبي الأسود في الرق- فقال لي: كنت أكتب عن المصريين وغيرهم ممن يخالجني أمره -يعني أشك في حاله- فإذا ثبت لي، حولته في الرق، وكتبت حديثًا لأبي الأسود في الرِّق، وما أحسن حديثه عن ابن لهيعة/ المعرفة والتاريخ 2/ 434، وذكر الفسوي الرواية بسياق آخر، فيه توضيح أكثر فقال: وسمعت أحمد بن صالح يقول: كتبت حديث ابن لهيعة عن أبي الأسود في الرق، قال: كنت أكتب عن أصحابنا في القراطيس وأستخير الله فيه، فكتبت حديث ابن لهيعة عن النضر في الرق، ثم قال: وظننت أن أبا الأسود كتب -يعني عن ابن لهيعة- من كتاب صحيح، يشبه حديث أهل العلم/ المعرفة والتاريخ 2/ 184، 185. أقول: وفي المعرفة والتاريخ للفسوي روايات كثيرة يرويها عن أبي الأسود وحده، أو مقرونًا بغيره، عن ابن لهيعة ويوجد عدد من تلك الأحاديث في أحد الصحيحين من غير طريقه، وهذا يؤيد قول أحمد بن صالح: إنه وجد روايات أبي الأسود عن ابن لهيعة تشبه به أحاديث أهل العلم/ انظر المعرفة والتاريخ 1/ 252، 253، 254، 299، 2/ 440، 490، 518، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 531، وقد وضع المزي أيضًا رمز ابن ماجه على رواية أبي الأسود عن ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 2/ 728، وبالمقابل أيضًا فإني لم أجد فيما ذُكر في ترجمة ابن لهيعة من الأحاديث المنتقدة عليه - وخاصة في الكامل لابن عدي، لم أجد حديثًا من رواية أبي الأسود عن ابن لهيعة، فهذا كله يفيد عدم القدح في ثقة أبي الأسود، وبراءته من الرواية عن ابن لهيعة ما ليس من حديثه، لكن هذا لا يقتضي صحة حديث ابن لهيعة نفسه، وإن كان من رواية الضابطين عنه، وإنما يقتضي أن رواية الضابطين عنه كأبي الأسود والعبادلة تكون أقل ضعفًا من رواية غيرهم، كما أشرت من قبل ص 800، 801 ت وبالتالي ترتفع روايتهم إلى الحجية بوجود متابع لها أو شاهد يصلح لذلك، ويؤيد هذا ما ذكره أحمد بن صالح في كلامه السابق من أنه حول أحاديث أبي الأسود عن ابن لهيعة من قراطيس الجمع العام الورقية المؤقتة إلى رقاق الجلد الثابتة، بعد أن ثبت له أن حديثه عن ابن لهيعة يشبه حديث أهل العلم، وهم الثقات. ومعنى ذلك أنه قام بعملية الاعتبار الاصطلاحية فقارن رواياته بروايات الثقات المشاركين له ولشيخه في تلك الأحاديث، ولم يعتمد ثبوت الرواية عن ابن لهيعة وحده، ويؤكد هذا أيضًا أنه بعد أن ذكر توثيق أبي الأسود وتلميذ آخر: هو محمد بن رمح في روايتهما عن ابن لهيعة قال الفسوي: فقلت له في حديث ابن لهيعة، قال: لم تعرف مذهبي في الرجال، إني أذهب إلى أنه لا يترك حديث محدث، حتى يجمع أهل مصره على ترك حديثه/ المعرفة والتاريخ 2/ 434، 435 والسير 8/ 18، فقول الفسوي: "فقلت له في حديث ابن لهيعة، أي سألته عن درجة حديث ابن لهيعة في حد ذاته، إذا ضبطه الرواة الثقات عنه، فأجابه ابن صالح بما يفيد أن ابن لهيعة اختلف أهل بلده وهم الأعرف به في قبول روايته وردها، ولم يتفقوا على ترك حديثه، وهو مذهبه: ألا يُترك حديث الرجل، حتى يجمع أهل بلده على تركه، وأنه لهذا لم يترك حديثه كلية، ولكن انتقى منه ما تبين له ثبوته عنه، ثم وجده أيضًا يشبه حديث الثقات، ومقتضى ذلك أنه يرى حديث ابن لهيعة في حد ذاته، ضعيفًا قابلًا للانجبار بمتابع أو شاهد معتبر، وبذلك توسط في حاله بين الترك المطلق، والقبول المطلق، وستأتي بعض أقوال لأحمد بن صالح صريحة في انتقاد حفظه، وبيان تساهله في الأداء ص 820، 821 ت =

وقيل لابن مهدي: تحمل عن عبد الله بن يزيد القصير (¬1) عن ابن لهيعة؟ قال: لا أحمل عن ابن لهيعة قليلًا ولا كثيرًا، ثم قال عبد الرحمن (¬2): كتب إليّ ابن لهيعة كتابًا فيه: ثنا عمرو بن شعيب. قال عبد الرحمن: فقرأته على ابن المبارك، فأخرج (¬3) إليَّ ابنُ المبارك من كتابه، عن ابن لهيعة، فإذا حدثني (¬4) إسحق بن أبي فروة (¬5) عن عمرو بن شعيب. ¬

_ (¬1) هو عبد الله بن يزيد القرشي العدوي أبو عبد الرحمن المقري، القصير/ تهذيب الكمال 2/ 757، وهو أحد العبادلة السابق الكلام عن توثيقهم في الرواية عن ابن لهيعة، ووصفهم بأنهم رووا عنه قبل احتراق كتبه، وقد جاء النص في الجرح والتعديل بدون ذكر "عبد الله بن بزيد القصير" 5/ 146 فلعله سقط ناسخ أو طابع، لوجوده في باقي المصادر مع اتفاق طريق الرواية في الجرح مع الباقي/ انظر الضعفاء للعقيلي 2/ 293، والكامل 4/ 1462. (¬2) وهذا تعليل منه لترك تحمل الحديث مطلقًا عن ابن لهيعة، مهما كانت ثقة الرواة عنه وضبطهم لحديثه. (¬3) في الضعفاء للعقيلي 4/ 292، والتهذيب 5/ 374 والميزان 2/ 476 "فأخرجه" والمعنى: كشف لي عن تلك الأحاديث التي في الكتاب، وهذا من أدلة استعمال المتقدمين للتخريج بمعنى الكشف عن الحديث في أحد مصادره للتثبت من روايته. (¬4) في ضعفاء العقيلي 2/ 294، والميزان 2/ 476، والسير 8/ 15، وتهذيب التهذيب 5/ 374: "أخبرني". (¬5) هو إسحق بن عبد الله بن أبي فروة الأموي، متروك، من الرابعة، وتوفي على الصحيح سنة 140 هـ وهو معدود من شيوخ ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 1/ 86 و 2/ 727 والتقريب 103، وقد تقدم لابن مهدي قولين آخرين في ابن لهيعة: أحدهما: أنه يود السماع منه ولو كثرت كلفة الرحلة إليه، وثانيهما: أنه لا يعتد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بما سمع من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه، وقوله هذا الثالث يمكن أن يكون صدر منه قبل القول الثاني، فيكون المعنى: أنه لا يحمل عنه مباشرة، ولا بواسطة ولو كان الواسطة ثقة كعبد الله بن يزيد القصير، وإنما يحمل عنه بواسطة واحدة وهو عبد الله بن المبارك، لأنه هو الذي كشف له ما في رواية ابن لهيعة من خطأ، ويمكن أن يكون قال ذلك بعد قوله باستثناء رواية ابن المبارك، ويكون المعنى: إنه بعدما تبين له بوضوح خطأ ابن لهيعة فيما كتب به إليه، ترك الرواية عنه مطلقًا، سواء مباشرة أو بالواسطة، وهذا ما أشار اليه الإمام مسلم حيث عد ابن مهدي ممن ترك حديث ابن لهيعة مطلقًا/ الكنى لمسلم 1/ 519، والسير 8/ 20، وأخرج العقيلي بسنده عن محمد بن المثنى قال: ما سمعت عبد الرحمن -يعني ابن مهدي- يحدث عن ابن لهيعة شيئًا قط/ الضعفاء للعقيلي 2/ 294 ولعل تلك الواقعة هي التي جعلت ابن المبارك يقدح في ابن لهيعة فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق بعض المراوزة عن ابن المبارك أنه سمع رجلًا يذكر ابن لهيعة، فقال: قد أراب ابن لهيعة، قال ابن أبي حاتم: يعني ظهرت عورته/ الجرح 5/ 146، والمراد بالعورة وقوع الخطأ في روايته، وقوله في كتابه إلى ابن مهدي: "حدثنا عمرو بن شعيب" يعتبر من خطئه، ولا يحمل على ادعائه سماع ما لم يسمع؛ لأن ذلك من الكذب في الرواية، وهو لم يوصف بذلك، فيحمل الأمر في هذا على الخطأ والوهم، إما منه ابتداء، إذا كان هو الذي كتب بخطه، وإما ممن كلفه بالكتابة وأقره بالتوقيع على ما كتب، ويؤيد ذلك تقرير غير واحد من لدن عصره فما بعده: أنه لم يكن يكذب، ولكن يخطئ لسوء حفظه؛ فتلميذه الخبير بحاله وبمروياته وهو ابن وهب تقدم أنه أقسم على صدقه زيادة في تأكيده، ومن جهة أخرى انتقده في ضبطه، وخاصة في السماع من عمرو بن شعيب/ ص 805، 806 ت. وقال الحاكم: لم يقصد الكذب، وإنما حدث من حفظه، بعد احتراق كتبه، فأخطأ/ تهذيب التهذيب 5/ 378، وقال الذهبي: إن الرجل غير متهم بالوضع/ السير 8/ 26، وسيأتي عن أحمد بن صالح المصري بيان حصول خطأ من تلاميذه في كتابة ما حدثهم به إملاء من أصوله. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وقد ذكر ابن أبي مريم مثالًا محددًا لما نسي فيه ابن لهيعة الواسطة بينه وبين عمرو بن شعيب، وصار يحدث به عن عمرو بن شعيب مباشرة، وذلك هو حديث التكبير عند رؤية الحريق، فقد حضر ابن أبي مريم سماع ابن لهيعة للحديث من زياد بن يونس الحضرمي عن القاسم بن عبد الله بن عمر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعًا، وذكر ابن أبي مريم أن ابن لهيعة كان يحدث به هكذا زمنًا، فلما طال الزمن نسي، فوضع بعض تلاميذه الحديث في جملة حديثه عن عمرو بن شعيب مباشرة، فكان يقرأ عليه فيجيزه، ويحدث به في جملة حديثه عن عمرو بن شعيب/ تهذيب الكمال 2/ 728 والسير 5/ 18، 16 والمعرفة والتاريخ 2/ 185، وفي رواية الفسوي عن ابن أبي مريم بعض التفصيل وهو أن الرواة عن ابن لهيعة هم الذين أدخلوا عليه هذا الحديث، فكتبوه ضمن روايته مباشرة عن عمرو بن شعيب، وكان يقرأ عليه من كتبهم هم، قال ابن أبي مريم: فرأيت بعد -يعني بعد سماع ابن لهيعة للحديث من زياد عن القاسم عن عمرو بن شعيب- يجيء الرجل فيسأله: حدثك عمرو بن شعيب؟ فيقول: لا، إنما حدثنا بعض أصحابنا -يسميه- قال ابن أبي مريم: ثم وضعوا في حديثه عن عمرو بن شعيب، فكان يقول -كم شاء الله- إذا مروا بهذا الحديث: هذا حديث بعض أصحابنا عن عمرو، قال: ثم سكت، فكانوا يضعون عليه في حملة حديث عمرو بن شعيب، فغيروها/ المعرفة والتاريخ 2/ 435، ويتضح من تلك الرواية أن سكوت ابن لهيعة مؤخرًا كان للنسيان بسبب طول الزمن بين التحمل وبين القراءة عليه من كتبهم، وأنه لم يتعمد إسقاط الواسطة بينه وبين عمرو. ثم إن ابن أبي مريم لم ينفرد بذكر هذه الواقعة، بل ذكرها بعده ابن معين، فذكر أن هذا الحديث قد عرض على ابن لهيعة -أي قريء عليه- على أنه من روايته عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، فأقر به، فقال له رجل: أنت سمعت هذا؟ فقال: ما أدري قُرئ عَليَّ، فقيل له: إنما هذا عن القاسم بن عبد الله بن عمر -يعني عن عمرو بن شعيب، كما سبق/ يحيى بن معين وتاريخه- برواية الدوري 2/ 327. وسيأتي عن الإمام أحمد أيضًا مثال آخر ص 851، 852 ت، وانظر الميزان =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 2/ 476، وقد أخرج ابن عدي أيضًا من روايته عن أبي يعلي الموصلي ثنا كامل بن طلحة ثنا ابن لهيعة ثنا عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي -صلى الله عليه وسلم- (الحديث في الجمع بين المرأة وأمها)، ثم قال: وبهذا الإسناد أخبرنا ابن المثنى -يعني أبا يعلى- بأرجح من ثلاثين حديثًا، لم أذكرها لئلا يطول، وعامتها مما لا يتابع عليه/ الكامل 4/ 1469، وهذا كله يفيد أن ما حدث به ابن لهيعة عن عمرو مباشرة منه ما فيه وهم منه، ونكارة، ومنه ما ثبت سماعه منه فعلًا، وقد تقدم ذكر عمرو بن شعيب ممن سمع منهم ابن لهيعة ص 798، وأن ابن لهيعة قد غضب لما قيل له: إن ابن وهب يزعم أنك لم تسمع هذه الأحاديث من عمرو بن شعيب، وأكد سماعه منه، ص 807 ت، لكن أبا حاتم الرازي قال: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب شيئًا/ المراسيل لابن أبي حاتم/ 114، وأضاف العلائي قائلًا: وقد رَوى عنه كثيرًا، وجاء بهامش نسخة الظاهرية من كتاب العلائي ما نصه: قال أبو داود: إنما سمع ابن لهيعة من عمر بن شعيب ثلاثة أشياء، أو أربعة أشياء/ جامع التحصيل للعلائي بتحقيق الشيخ حمدي السلفي/ 215، 216 أصل وهامش، وقال أبو زرعة بن العراقي وجدت بخط الحافظ رشيد الدين العطار: إنه وقع في الجزء الثاني والعشرين من حديث أبي الطيب ابن بنت الشافعي، انتقاء عبد الغني بن سعيد، بالإسناد إلى أحمد بن صالح أنه قال: لم يسمع ابن لهيعة من عمرو بن شعيب إلا حديثين، فأتموها له مائتين. انتهى/ تحفة التحصيل لأبي زرعة ابن العراقي/ ق 171 أ. أقول: والمراد بمن أتموها له، بعض الرواة غير الثقات عنه، كما مر مثاله في حديث الحريق، وعلى هذا فالراجح أن ابن لهيعة قد سمع من عمرو بن شعيب، وإن كانت مروياته عنه تزيد كثيرًا عن العدد الذي ذكره أبو داود وأحمد بن صالح معًا، ومن تلك الروايات ما تبين وهمه فيه، أو نكارته من طريقه، وقد تقدمت إشارة ابن عدي إلى وجود ما يزيد على ثلاثين حديثًا له عن عمرو بن شعيب لا يتابع على عامتها، وذلك مما يقدح في ضبطه، ولكنه لا يقتضي ترك الرواية عنه =

وروى (¬1) ابن عدي من طريق عثمان بن سعيد، ومن طريق معاوية (¬2) عن يحيى تضعيفه (¬3) وروى عنه من طريق عباس الدوري: لا يحتج به (¬4) وذكر علي بن المديني قال: سمعت يحيى بن سعيد يقول: قال لي بِشْر بن السَّرِي: لو رأيتَ ابنَ لهيعة لم تَحمِلْ عنه ¬

_ = مطلقًا، كما قال ابن مهدي، لكونه لم يفحش خطؤه، وبذلك يحتج من حديثه بماله عاضد، كما سيأتي عن غير واحد من العلماء. (¬1) بالأصل "فروى" ولا يستقيم المعنى عليه. (¬2) هو ابن صالح الدمشقي أحد الرواة عن يحيى بن معين/ تهذيب الكمال 3/ 1519. (¬3) رواية معاوية بن صالح موجودة في الكامل 4/ 1462 وفي الضعفاء للعقيلي 2/ 295، وأما عثمان بن سعيد فقد وجدت في تاريخه عن يحيى رواية واحدة قال فيها: قلت كيف رواية ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر؟ فقال: ابن لهيعة ضعيف الحديث/ تاريخ الدارمي عن ابن معين/ 153، وهذه تقدم ذكر المؤلف لها ص 805، 807، ولكن جاء في الكامل عنه رواية ثانية لم أجدها في تاريخه المطبوع، حيث قال ابن عدي بعد ذكر الرواية السابقة: قال عثمان: وفي موضع آخر (قلت): ابن لهيعة كيف حديثه عندك؟ قال: ضعيف/ الكامل لابن عدي 4/ 1462، فتكون تلك الرواية قد وردت في النسخة التي وقعت لابن عدي. (¬4) انظر/ يحيى بن معين وكتابه التاريخ، برواية الدوري، تحقيق د. أحمد نور سيف 2/ 327، ومن طريق الدوري أخرجها ابن عدي/ الكامل 4/ 1462، وكذا العقيلي في الضعفاء 2/ 295، وما تقدم من وصف ابن معين له بالضعف المطلق، يفيد أن مراده بقوله "لا يحتج به" يعني إذا انفرد، فإذا توبع احتج به، وستأتي أقوال لابن معين في الأصل وفي التعليق عليه، بعد قليل، ثم بيان الراجح منها إن شاء الله.

حرفًا (¬1) وقال الحميدي: عن يحيى بن سعيد، كان لا يراه شيئًا (¬2)، وذكر عن يحيى بن معين، أنه قيل له: أنكر أهل مصر احتراق كتب ¬

_ (¬1) أخرجه ابن أبي حاتم/ الجرح 5/ 146 وابن عدي/ الكامل 4/ 1462 من طريق صالح بن أحمد (بن حنبل) عن ابن المديني، به وأخرجه ابن حبان في المجروحين 2/ 20 من طريق ابن أبي شيبة عن ابن المديني، به، وهذا النقد لا يقدح وحده في الموصوف به؛ لاعتماده الأساسي على المظهر الشكلي للراوي، وهو غير كاف في ذلك، وإن كان له دخل في الدلالة على العدالة الباطنة، ولكن لا يتحقق منها إلا بخبرة الباطن، وبشر بن السري صاحب هذا الانتقاد، كان واعظًا ثقة، فلعل انتقاده لابن لهيعة من جهة ترفه، حيث كان من أثرياء مصر ورؤساء أهلها، ولكن الذهبي قد وصفه أيضًا بأنه من ذوي الاحتشام/ السير 8/ 31 وتقدم أن ابن وهب أقسم على أنه كان صادقًا بارًا، وتقدم كذلك أنه أقطع واعظًا آخر وهو منصور بن عمار خمسة أفدنة من أرضه، وذلك كله يدل على أن قول بشر المذكور غير قادح في ابن لهيعة. (¬2) أخرجه البخاري في الكبير 5/ 182 والأوسط المطبوع باسم الصغير/ 195 ط الهند والضعفاء الصغير/ 266 ط الهند، عن الحميدي به، وجاء في الأوسط "لا يرى به بأسًا" بدل "لا يراه شيئًا" ولعله تحريف، حيث أخرج ابن عدي 4/ 462 الترجمة كلها من طريق التاريخ الأوسط، وبسياقه نصًا، وفيه "لا يراه شيئًا"، وأشار إلى أن رواية البخاري في غير الأوسط بنحو ما في الأوسط. وأخرجه العقيلي أيضًا من طريق البخاري عن الحميدي به/ الضعفاء للعقيلي 2/ 293، ويلاحظ إقرار البخاري ليحيى بن سعيد القطان على وصف ابن لهيعة بهذا اللفظ الذي يقتضي شدة ضعفه، وكذا ذكر مسلم أن "يحيى" ممن ترك ابن لهيعة ثم لم يتعقبه/ الكنى لمسلم 1/ 519 لكن هذا معارض بقول عدد من النقاد، ومنهم متشددون أيضًا: بأن ابن لهيعة ضعيف ضعفًا قابلًا للانجبار، وستأتي أقوال عدد منهم في الأصل، وتقدمت أيضًا بعض الأقوال المؤيدة لذلك.

ابن لهيعة، فقال: هو ضعيف، قبل الاحتراق، وبعده (¬1) وذكر عن ¬

_ (¬1) كذا جاء النص في الأصل ويبدو أنه ملفق من قولين لابن معين، حيث إن الذي في الكامل لابن عدي بسنده عن الدورقي هكذا: قال يحيى بن معين: أنكر أهل مصر احتراق كتب ابن لهيعة، والسماع منه واحد، القديم والحديث، وذكر عند يحيى احتراق كتب ابن لهيعة فقال: هو ضعيف قبل أن تحترق، وبعدما احترقت/ الكامل 4/ 1463، وجاء في الميزان 2/ 477 قال: يحيى: "هو ضعيف قبل أن تحترق كتبه وبعدما احترقت"، ويلاحظ أن هذين قولين ليحيى: أحدهما ينفي احتراق كتب ابن لهيعة، وثانيهما بإقراره، ولكنهما متفقان على أن ابن لهيعة ضعيف من جهة ضبطه، وقد تقدم في الأصل قريبًا أنه يضعفه ولا يحتج به، وتقدم أيضًا ص 814 هـ إقراره بان ابن لهيعة قد نسي كيفية روايته لحديث التكبير عند الحريق. ومسألة احتراق الكتب هذه، ودرجة تضعيف ابن لهيعة، قد تعددت فيها أقوال ابن معين، مثلما تعددت أقوال غيره، فبالإضافة لما تقدم، جاء في رواية الدقاق عنه قوله: ابن لهيعة ليس بشيء: قيل ليحيى: فهذا الذي يحكي الناس أنه احترقت كتبه؟ قال: ليس لهذا أصل، سألت عنها بمصر/ من كلام يحيى بن معين، برواية الدقاق، تحقيق الدكتور/ أحمد نور سيف/ 97، وروى ابن الجنيد عنه قال: سمعت يحيى بن معين يقول: ابن لهيعة أمثل من رشدين بن سعد، ورشدين ليس بشيء، وقد كتبت حديث ابن لهيعة، ثم قال: قال لي أهل مصر: ما احترق له كتاب قط، وما زال ابن وهب يكتب عنه حتى مات. قال ابن الجنيد: قلت له: فسماع القدماء والآخرين منه سواء؟ قال: نعم سواء واحد/ وسؤالات ابن الجنيد/ 153، 393 السير 8/ 19، وتهذيب الكمال 2/ 279. وروى ابن أبي الجارود عن يحيى بن معين قال: يكتب عن ابن لهيعة ما كان قبل احتراق كتبه/ ضعفاء العقيلي 2/ 295 والسير 8/ 31، وذكر في التهذيب عنه قال: ابن لهيعة كان ضعيفًا، لا يحتج بحديثه، كان من شاء يقول له: حدَّثَنا/ تهذيب التهذيب 5/ 378، وفي رواية لابن محرز عن ابن معين قال: ابن لهيعة ضعيف الحديث/ سؤالات ابن محرز 1/ 67. وتعددت أيضًا أقواله في اختلاطه، فقد روى عنه ابن محرز قال: سمعت يحيى =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = يقول: قال أبو الأسود -النضر بن عبد الجبار المصري، وكان ثقة-: ما اختلط ابن لهيعة قط، حتى مات/ معرفة الرجال، من رواية ابن محرز عن ابن معين وغيره بتحقيق محمد كامل القصار وآخرين 1/ 68، 101، 2/ 59. وفي رواية الدقاق عنه قال: ابن لهيعة ليس بشيء، تغير أو لم يتغير/ من كلام يحيى بن معين في الرجال/ تحقيق د. أحمد نور سيف/ 108، فلعل مقصوده بالتغير هنا الاختلاط، المذكور في الرواية السابقة، وبذلك يكون قوله هذا مخالفًا لإقراره عدم الاختلاط مطلقًا كما في الرواية السابقة، وسيأتي في الأصل ص 832، 834، حكاية ابن سعد عن أهل مصر نفي الاختلاط، وهو الراجح كما سيأتي. وفي تلك الروايات المتقدمة عن ابن معين نجد بعضها ينفي الاحتراق، وبعضها يقتضي إثباته، كما نجد في اثنتين منها وصفه ابن لهيعة بأنه ليس بشيء، وكذا جاء في رواية لابن محرز 1/ 67 وذلك يفيد شدة ضعفه، وفي الباقي وهو الأكثر - نجد أنه قد وصفه بما يدل على قلة ضعفه بحيث يقبل الانجبار بغيره، إذ وصفه بالضعف المطلق في عمره كله، وقد قال ابن رجب: إنه المشهور عن يحيى/ شرح العلل 1/ 137، وكذا جاء في رواية لابن محرز أن ابن معين قال: ابن لهيعة ضعيف في حديثه كله لا بعضه/ سؤالات ابن محرز 1/ 67، وقال يحيى أيضًا: قد كتبت حديثه وقال: يكتب حديثه قبل احتراق كتبه، فتضعيفه المطلق له، يدل على أن مراده كتابة حديثه للاعتبار، وليس للاحتجاج، وقوله: يكتب حديثه قبل احتراق كتبه، يدل على تضعيفه له قبل الاحتراق وبعده، وإن كان تضعيفه بعد الاحتراق أشد، وأما قوله فيما تقدم أيضًا، بعد نفي احتراق كتبه: "إن ابن وهب كان يكتب عنه حتى مات" فيدل على أن ابن لهيعة كان يمكن بعض تلاميذه من كتابة مروياته من أصوله، وبذلك لا تكون عمدتهم على السماع من حفظه فقط، أو على السماع من كتب غيرهم، وسيأتي في الأصل ص 838، 839 وصف أبي زرعة الرازي لابن وهب وابن المبارك بالكتابة من أصول ابن لهيعة. أما تعدد قول ابن معين في احتراق الكتب، فقد جاء عمن له دراية بابن لهيعة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وملاصقة له، ما يبين وجه الاختلاف في ذلك، وعلى ضوئه يمكن الجمع والتوفيق بين القول بالنفي وبين القول بالإثبات. فقد تقدم قول تلميذ ابن لهيعة وهو عثمان السهمي: احترقت دار ابن لهيعة وكتبه سنة. 170 هـ وسلمت أصوله، وأيد ذلك بقوله: ما كتبت كتاب عمارة بن غزية إلا من أصل كتاب ابن لهيعة، بعد احتراق داره، غير أن بعض ما كان يقرأ فيه احترق، وبقيت أصوله بحالها/ تهذيب الكمال 2/ 728، والسير 8/ 13، وهناك تلميذ آخر، وهو إسحق بن عيسى، تعدد قوله بالإجمال مرة، والتفصيل أخرى، حيث سيأتي في الأصل 823 رواية أحمد عنه: إن كتب ابن لهيعة احترقت سنة 169 هـ، ثم جاء عنه قول آخر مفصل، فقال: ما احترقت أصوله، إنما احترق بعض ما كان يقرأ منه، قال الذهبي: يريد ما نسخ منها/ السير 8/ 21 وبهذا يعرف أن من قال بعدم احتراق كتب ابن لهيعة مطلقًا، فقوله محمول على عدم احتراق النسخ الأصلية لمروياته، وهي التي أثبت عليها سماعاته من شيوخه، وغيرها من طرق التحمل المعتمدة. ومن قرر احتراق كتبه، فيحمل كلامه على النسخ الفرعية التي نسخت من تلك الأصول، واحتفظ بها ابن لهيعة ليقرأ عليه طلاب الحديث منها، حفظًا للأصول من التلف أو التغيير الذي كان يبتلى به المحدثون ممن يخالطهم، وبهذا يمكن الجمع بين قولي ابن معين السابقين بنفي الاحتراق، والتسليم به، كما يمكن الجمع أيضًا بأنه نفى وأثبت بناء على أقوال من سأله من أهل مصر، كما يشير لذلك قوله: سألت عنها بمصر. وقوله: "قال لي أهل مصر". ومع سلامة أصول ابن لهيعة من الاحتراق الذي كان في أواخر حياته كما سيأتي في الأصل، إلا أنه لم يحدث منها إلا في بداية اشتغاله بالرواية، ثم صار بعد ذلك لا يمكن منها إلا القلائل، مثل ابن وهب، وعثمان السهمي السابق ذكرهما، وأما عامة الرواة، فكانوا يتلقون عنه من حفظه، أو من كتب تلاميذه الفرعية، وكلاهما فيه الخطأ والصواب، وقد بين ذلك أحمد بن صالح المصري عن دراية كافية، حيث إنه لما استحسن رواية أبي الأسود النضر بن عبد الجبار عن ابن لهيعة قال

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = له الفسوي: يقولون سماع قديم وسماع حديث، -يعني من العلماء من يقبل سماع القدماء عنه ويرد سماع المتأخرين، فقال أحمد بن صالح: ليس من هذا شيء، ابن لهيعة صحيح الكتابة، كان أخرج كتبه، فأملى على الناس، حتى كتبوا حديثه إملاء، فمن ضبط، كان حديثه حسنًا صحيحًا، إلا أنه كان يحضر من يضبط ويحسن، ويحضر قوم يكتبون ولا يضبطون، ولا يصححون -يعني بالمقابلة على الأصل- وآخرون نظارة، -يعني يسمعون بدون قصد الرواية- وآخرون سمعوا مع آخرين -يعني بالنظر معهم في نسخهم- ثم لم يخرج ابن لهيعة بعد ذلك كتابًا، ولم ير له كتاب، وكان من أراد السماع منه ذهب فانتسخ ممن كتب عنه، وجاء فقرأه عليه، فمن وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح، ومن كتب من نسخة ما، لم تضبط، جاء فيه خلل كثير، ثم ذكر مثالًا للخلل، .. وعقب على ذلك الفسوي بقوله: وكنت كتبت عن ابن رمح كتابًا عن ابن لهيعة، وكان فيه نحو ما وصف أحمد -يعني ابن صالح- فقال: أي ابن صالح-: هذا وقع على رجل ضبط إملاء ابن لهيعة ولما سمع الفسوي من ابن صالح قوله: "إن من ضبط النقل عن أصل ابن لهيعة، أو وقع على نسخة صحيحة فحديثه صحيح"، أراد معرفة مراده بالصحة، فسأله كما قدمت -عن درجة حديث ابن لهيعة في حد ذاته، إذا ثبت عنه، فذكر له ما يفيد أنه يكتب للاعتبار/ وانظر المعرفة والتاريخ للفسوي 2/ 434، 435، وقد ذكر الفسوي أيضًا تلك الرواية عن ابن صالح بنحو السابقة دون ذكر سؤاله له عن درجة حديث ابن لهيعة/ المعرفة والتاريخ 2/ 184. وذكر العجلي أن أحمد بن صالح قال: إن ابن لهيعة ثقة، ورفع به، وقال فيما روى عنه الثقات من الأحاديث ووتع فيها تخليط: يطرح ذلك التخليط/ ثقات العجلي بتحقيق الشيخ صالح المحطب/ 212 وتهذيب التهذيب 5/ 378، وحكى الساجي عن ابن صالح أيضًا قوله: كان ابن لهيعة من الثقات، إلا أنه إذا لقن شيئًا حدث به/ تهذيب التهذيب 5/ 378، وكلا الروايتين تفيدان أن توثيق ابن صالح له مقتصر على عدالته فقط، دون ضبطه، حتى فيما رواه عنه الثقات، فيكونان، بمعنى رواية الفسوي السابقة، وتكون خلاصة حال ابن لهيعة عند =

السعدي (¬1): ابن لهيعة لا يُوقَف (¬2) على حديثه، ولا ينبغي أن يُحتج، أو يُغَتر (¬3) بروايته، فقال ابن بُكَير (¬4): احترق منزل ابن لهيعة وكتبه، ¬

_ = أحمد بن صالح: أنه ضعيف من جهة ضبطه، فيكتب حديثه للاعتبار، ويكون ضعيفًا فيما ينفرد به. وبهذا يلتقي قوله مع أكثر أقوال ابن معين السابقة، وكذا بعض أقواله الآتية في الأصل ص 846، 847. (¬1) هو أبو إسحق إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني السعدي، أحد أئمة الجرح والتعديل، وقد عده الذهبي من المتعنتين في الجرح، وله كتاب في الضعفاء، وهو المطبوع الآن بعنوان "أحوال الرجال" بتحقيق الأستاذ صبحي السامرائي، وقد توفي الجوزجاني السعدي سنة 259 هـ، وقد رمي بالنصب، ودفع الأستاذ صبحي ذلك عنه/ انظر تقريب التهذيب/ والعبر للذهبي 2/ 24، وذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل للذهبي أيضًا/ 159 ومقدمة الأستاذ صبحي لتحقيق أحوال الرجال للجوزجاني/ 10 - 18. (¬2) كذا جاء في كتاب السعدي/ معرفة أحوال الرجال، بتحقيق الأستاذ صبحي السامرائي/ 155، وفي الكامل لابن عدي 4/ 1463 وتهذيب التهذيب 5/ 378، ولكن في الميزان 2/ 477 والسير 8/ 30 "لا نور" ويمكن استقامة المعنى عليها، لكن الراجح ما وافق قول السعدي في كتابه نفسه. (¬3) الذي في الأصل "يعتد" وكذا في الكامل والميزان والسير/ المواضع السابقة، وما أثبته من كتاب السعدي نفسه/ 155 ومثله في تهذيب التهذيب 5/ 378، وهو الأنسب للمعنى، لأن: "لا يعتد بروايته" بمعنى العبارة التي قبلها وهي لا يحتج به" بخلاف "لا يغتر بروايته"، فهي تفيد معنى جديدًا كما هو واضح، أي لا يغتر بروايته التي قد يكون ظاهرها السلامة من العلة. أقول: ومع ما قدمته من كون الجوزجاني متعنت في الجرح، إلا أن قوله هذا في ابن لهيعة لا يعد من تشدده، لأنه يفيد تضعيفه تضعيفا قابلًا للانجبار، حيث أن قوله: "ولا ينبغي أن يحتج به" يفيد أنه يعتبر به، وهذا يلتقي مع قول أكثر العلماء بعد جمع مختلفها، والنظر فيها. (¬4) هو يحيى بن عبد الله بن بكير، تلميذ ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 2/ 728.

سنة [سبعين] (¬1) ومائة، وقال البخاري، نحوه (¬2)، وقال أحمد بن حنبل: ثنا إسحق بن عيسى (¬3) قال: احترقت كتب ابن لهيعة سنة تسع وستين (¬4) ولقيته أنا سنة أربع وستين (¬5) ومائة، ¬

_ (¬1) الذي في الأصل "تسع وستين" والصواب ما أثبته، لإجماع المصادر عليه/ فقد أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه قال: قال ابن بُكير، فذكره/ الجرح 5/ 146، وسيأتي في التعليق التالي باقي المصادر، ويؤيده: أن ابن حجر بعد ذكره قول ابن بكير كما أثبته قال: وكذا قال يحيى بن عثمان بن صالح السهمي عن أبيه .. إلخ/ تهذيب التهذيب 5/ 276، وقول يحيى بن عثمان عن أبيه فيه: إن الاحتراق كان سنة 170 هـ/ انظر تهذيب الكمال 2/ 228. (¬2) من قول المؤلف: وقال البخاري ... إلى قوله: "تسع وستين" مذكور بالهامش مع الإشارة إلى دخوله في الصلب بعلامة "صح" وقول البخاري هذا ليس صادرًا منه ابتداء، وإنما هو يرويه عن يحيى بن بكير أيضًا ويقره عليه، ولفظه: قال ابن بكير: احترق منزل ابن لهيعة وكتبه في سنة سبعين ومائة/ التاريخ الكبير للبخاري 5/ 183 والأوسط المطبوع باسم الصغير/ 195 ط الهند، ومن طريق البخاري أخرجه العقيلي 2/ 294 وابن عدي/ الكامل 4/ 1462، وذكره الذهبي/ الميزان 2/ 476 والسير 8/ 18 وتهذيب الكمال 2/ 728، وتهذيب التهذيب 5/ 376، وتقدم بيان أن هذا محمول على نسخه الفرعية، دون الأصول، لكن الذهبي علق على تلك الرواية بقوله: قلت: الظاهر أنه لم يحترق إلا بعض أصوله/ السير 8/ 18، ولم أجد هذا عن غيره، ولا ذكر هو دليلًا لاستظهاره. (¬3) هو تلميذ ابن لهيعة، وقد تقدم له قول آخر ص 820 ت بأنه ما احترقت أصوله، وإنما احترق بعض ما كان يقرأ منه، وبذلك لا يكون قولاه مختلفين. (¬4) يعني: ومائة. (¬5) بالأصل "وسبعين" والصواب ما أثبته لاستقامة المعنى عليه، مع اتفاق المصادر أيضًا عليه/ انظر العلل لأحمد 1/ 259 بتحقيق د. طلعت قوج وآخر، ط 2 =

وأظنه (¬1) قال: ومات سنة أربع [وسبعين أو ثلاث وسبعين] (¬2). ¬

_ = وتهذيب الكمال 2/ 728، والميزان 2/ 477، والسير 8/ 13، وتهذيب التهذيب 5/ 376. (¬1) ليست بالمصادر السابقة جميعًا، ولكنها في الكامل من طريق الأثرم عن أحمد بن حنبل، به 4/ 1463. (¬2) ليست بالأصل، وأثبتها من المصادر السابقة، والذي جزم به ابن يونس وابن سعد وابن حبان وغيرهم أنه توفي سنة 174 هـ، وجزم ابن يونس وابن سعد أيضًا باليوم والشهر، فقالا: مات يوم الأحد، نصف ربيع الأول/ انظر طبقات ابن سعد جزء 7 قسم 2/ 204، والمجروحين لابن حبان 2/ 18 وتهذيب التهذيب 5/ 377، وذكر المزي أن هشام بن عمار أرخ وفاة ابن لهيعة سنة 175 هـ، وأنه لم يتابعه على ذلك أحد/ تهذيب الكمال 2/ 829 وهشام هذا ممن روى عن ابن لهيعة مكاتبة/ الكامل 4/ 1466. والذي يفهم من قول إسحق هذا: تقريره احتراق كتب شيخه ابن لهيعة، وتحديد زمن الحريق بأنه في سنة 169 هـ، ويمكن الجمع بينه وبين ما قبله من قول ابن بكير إن الاحتراق كان سنة 175 هـ، بأن يكون الاحتراق وقع قي نهاية سنة 169 هـ، وبداية سنة 170 هـ، وقد أشرت من قبل إلى أن قول إسحق هذا محمول على احتراق كتب ابن لهيعة غير الأصول، لما جاء عنه نفسه في رواية، أن ابن لهيعة لم تحترق أصوله، ثم إن تنبيهه على أنه لقي ابن لهيعة قبل الاحتراق بنحو خمس سنوات إشارة إلى أن سماعه منه أجود ممن سمع منه بعد الاحتراق. ويستفاد من قول إسحق أيضًا، أن احتراق كتب ابن لهيعة كان في أواخر حياته، حيث كان بينه وبين وفاته أربع سنين، كما قال ابن حبان/ المجروحين 2/ 18، وذلك على القول الراجح في تاريخ وفاته كما مر. وهذه الفترة هي التي قرر غير واحد من العلماء أن السماع عنه فيها أضعف من السماع عنه قبلها، كما سيأتي في الأصل عن الفلاس وابن سعد.

وقال أبو أحمد بن عدي: وأحاديثه حسان (¬1)، وما قَدْ ضَعَّفَه (¬2) السلف، وهو حسن الحديث (¬3)، يكتب حديثه، وقد حدث عنه الثقات: الثوري، وشعبة، ومالك (¬4) وعمرو بن الحارث، والليث أبن سعد، (¬5) وحديثه حسن، كأنه ¬

_ (¬1) سيتكرر في قول ابن عدي وصف حديث ابن لهيعة بالحسن، ولكنه سيقرن ذلك أيضًا بقوله: "يكتب حديثه" وذلك يدل على أنه ليس المراد: الحسن الاصطلاحي، الذي يقتضي حجية حديثه ابن لهيعة لذاته، وقد يقال: إن اقتران عبارة "يكتب حديثه" بعبارة "حسن الحديث" تشير إلى حملها على الكتابة للاحتجاج؛ ولكن هذا خلاف الأصل في إطلاق تلك العبارة عند المحدثين، كما هو معروف، وأيضًا يعارض هذا تصريح ابن عدي، قبل كلامه هذا في نفس ترجمة ابن لهيعة، بأنه ضعيف/ الكامل 4/ 1464، وقوله في موضع آخر: وابن لهيعة لين في الحديث/ الكامل 6/ 2391 ترجمة منصور بن عمار. (¬2) كذا الأصل والكامل المطبوع 4/ 1470 وفي نسختي أحمد الثالث الخطية 2/ 120، ونسخة الظاهرية ل 508 وفي السير 8/ 22 "ضعفوه" وهي لغة ضعيفة، وقد عرف من ابن عدي اللحن في اللغة، ولعل مراد ابن عدي ينفي تضعيف السلف لابن لهيعة، هو نفي الاجماع على تضعيفه، كما أشار إلى ذلك أحمد بن صالح المصري فيما تقدم ص 811 ت، وانظر المعرفة والتاريخ 2/ 435، وذلك لأن ابن عدي نفسه قد أخرج في ترجمته له قبل كلامه هذا كثيرا من روايات التضعيف له عن السلف/ انظر الكامل 4/ 1462 - 1463، وانظر أيضًا مصادر ترجمته التي أحَلْتُ عليها آنفًا. (¬3) كلمة "الحديث" مكررة بالأصل. (¬4) قال الذهبي: ولم يصرح باسمه/ السير 8/ 12، يعني أنه قال: "عن الثقة" كما سيأتي توضيحه في التعليق التالي. (¬5) ليست بالأصل وأثبتها من الكامل 4/ 1470، وقد أتبع ابن عدي إجماله هذا لرواية هؤلاء الثقات عن ابن لهيعة بتفصيل، أخرج فيه بسنده حديثًا من طريق =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الثوري عن ابن لهيعة، وحديثًا من طريق شعبة عن ابن لهيعة، وأخرج من طريق أبي مصعب عن مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العربان، وعلق عليه بقوله: هكذا ذكره أبو مصعب عن مالد، عن الثقة عن عمرو بن شعيب، وبعض أصحاب الموطأ -يعني رواته عن مالك غير أبي مصعب- يذكرون: عن مالك قال: بلغني عن عمرو بن شعيب، ويقال إن مالكًا سمع الحديث عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب مشهور، ثم أخرجه من غير طريق مالك عن ابن لهيعة به. وأخرج عقب هذا حديثًا من طريق عمرو بن الحارث عن ابن لهيعة، وأخرج حديثين عن طريق الليث بن سعد حدثني ابن لهيعة/ الكامل 4/ 1470، 1471. وقول ابن عدي: يقال: إن مالكًا سمع الحديث من ابن لهيعة، ولم يُسمِّه لضعفه، يشعر بأنه لا يقر القول بهذا، وسيأتي في الأصل قول البيهقي: إن مالكًا كان يحسن القول في ابن لهيعة، وسنعلق على ذلك هناك، ببيان عدم اعتداد البيهقي نفسه بهذا، وقد قال ابن عبد البر تعليقًا على عبارتي مالك السابقتين: وسواء قال: عن الثقة عنده، أو: بلغه، لأنه كان لا يأخذ ولا يحدث إلا عن ثقة، ثم قال: وقد تكلم الناس في "الثقة" عنده يعني في المراد به -في هذا الموضع على ما أوردناه في بابه من كتاب التمهيد/ تجريد التمهيد لابن عبد البر/ 242، 243 مصور عن طبعة القدسي، أقول: ولم يطبع حاليًا هذا الموضع من التمهيد ولكن ذكر الحافظ ابن حجر وغيره بعض الأقوال عن ابن عبد البر، فذكر ابن حجر في تعجيل المنفعة/ 547، 548 أنه قيل المراد "بالثقة" هنا عمرو بن الحارث أو ابن لهيعة، وفي تهذيب التهذيب 5/ 378 قال: وحكى ابن عبد البر: أن الذي في الموطأ عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، في "العُربان" هو ابن لهيعة، ويقال: ابن وهب، حدثه به عنه. أقول: وهذا القول الأخير يفيد أن المراد بالثقة اثنين هما: ابن وهب، وابن لهيعة، لأن معنى قوله: "حدثه به عنه" أي حدث ابن وهب مالكًا بالحديث =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = المذكور عن ابن لهيعة، ويلاحظ أن ابن حجر لم يرجح شيئًا من تلك الأقوال، ولكن الذهبي قال بعد ذكر الحديث: قالوا: هذا ما رواه عن عمرو سوى ابن لهيعة/ السير 8/ 22، وهذا يفيد الجزم بدخوله في المراد بـ "الثقة" في هذا الإسناد، إما وحده، أو مع ابن وهب، أو غيره، فقد قال الكاندهلوي: قال ابن عبد البر: تكلم الناس في الثقة هنا -يعني في حديث العُربان- والأشبه القول: بأنه الزهري عن ابن لهيعة، أو ابن وهب عن ابن لهيعة، لأنه سمعه من عمرو وسمعه منه ابن وهب وغيره، وذكر الكاندهلوي أيضًا أن ابن عبد البر في الاستذكار قال: الأشبه أنه ابن لهيعة، ثم أخرجه من طريق ابن وهب عن مالك عن عبد الله بن لهيعة عن عمرو، به/ أوجز المسالك للكاندهلوي 11/ 46، وسيأتي قول للبيهقي في الأصل. وعلى أي حال فهذا توثيق على الإبهام، وهو مختلف في قبوله ممن جاء عنه من الأئمة حتى عند من يوافقونه في مذهبه/ تدريب الراوي 1/ 311، وكذلك شعبة وغيره ممن وصف بأنه كان لا يروي إلا عن ثقة عنده، ذكر ابن عبد الهادي أن ذلك بحسب الغالب والأكثر من عملهم، وقد يروون عن بعض الضعفاء للاعتبار أو الاستشهاد/ انظر الصارم المنكي في الرد على السبكي لأبي عبد الله ابن عبد الهادي، بتصحيح الشيخ إسماعيل الأنصاري/ 40 وأيضًا ذكر أبو زرعة الرازي أن رواية أمثال هؤلاء عن الشخص تقويه إذا لم يتكلم فيه العلماء/ انظر شرح العلل لابن رجب 1/ 86، 87، أقول: وابن لهيعة كما ترى ليس متكلمًا فيه فقط، بل الأكثرون على تضعيفه من جهة ضبطه كما مر، وذكر النسائي كلًا من مالك وشعبة ويحيى القطان ثم قال: وليس أحد بعد التابعين آمن على الحديث من هؤلاء الثلاثة، ولا أقل رواية عن الضعفاء من هؤلاء الثلاثة/ التعديل والتجريح لأبي الوليد الباجي بتحقيق د. أبو لبابة حسين 2/ 699، 700، وعليه فإن رواية من ذكرهم ابن عدي عن ابن لهيعة، لا تفيد توثيقه بحيث يحتج به، بل سيأتي في الأصل والتعليق عليه تصريح الليث بعدم الاحتجاج بحديثه، رغم ثنائه عليه عند موته/ انظر الميزان 2/ 478. =

بستان (¬1) عمن روى عنه، وهو ممن يكتب حديثه. وقال عمرو بن علي (¬2): ¬

_ (¬1) كذا الأصل، وكذا في نسخة مكتبة أحمد الثالث الخطية للكامل 2 / ل 122، وبذلك تكون كلمة "بستان" -في تقديري- تعتبر تفسيرًا للمراد بالحسن في قوله قبلها: وحديثه حسن، أنه ليس المراد الحسن الاصطلاحي، وإنما حسن سياق المتون، وقوله: عمن روى عنه، لعل المراد به: من سمع منه ابن لهيعة من شيوخه، يعني من لم يدلس عنهم، وعليه يكون معنى العبارة: إن حديث ابن لهيعة الذي لا يدلسه، ولكن يكون متصلًا عن شيوخه فسياقه لألفاظه يكون حسنًا، كحسن البستان المنسق، ولكنه مع ذلك لا يحتج به، حتى يتابعه عليه، أو يشهد له غيره، ويؤيد هذا قوله عقب ذلك: "وهو ممن يكتب حديثه" يعني للاعتبار به، لا للاحتجاج، بدليل تضعيفه المطلق لابن لهيعة قبل ذكره هذا الكلام كما قدمت بيانه قريبًا. ولكن جاء في الكامل المطبوع كلمة "يستبان" بدل "بستان" والمعنى عليها يختلف عما تقدم، لأن معنى "يستبان" يتضح أو يتميز، وعليه يكون معنى عبارة "يستبان عمن روى عنه" أي يتميز الثابت عنه من الروايات عن غير الثابت، بالنظر فيمن روى عنه، وهذا في معنى ما قاله غير واحد من العلماء كما تقدم: إن من روى عنه قبل احتراق كتبه فروايته أجود ممن روى عنه بعد الاحتراق، وكذا من كان يكتب من أصوله، أجود ممن كان يكتب من نسخ تلاميذه. وجاء في تهذيب التهذيب 5/ 379 نص العبارة هكذا "وقال ابن عدي: حديثه كأنه نسيان" وتلك العبارة كما ترى فيها تحريف الكلمة إلى "نسيان" مع سقط واضح من موضعين، كما يعرف من مقارنتها بما في الأصل، وما في الكامل. وعلى أي حال فمجموع كلام ابن عدي في ابن لهيعة خلال الترجمة وفي آخرها، يفيد تضعيفه لحديثه من جهة ضبطه، تضعيفًا قابلًا للانجبار بمتابع أو شاهد، ويؤيد ذلك وصفه له في موضع آخر بأنه لين في الحديث، كما ذكرته آنفًا ص 825 ت. (¬2) هو المعروف بالفلاس، بفتح الفاء وتشديد اللام ألف، وفي آخرها السين المهملة، نسبة إلى من يبيع الفُلوس ويكون صيرفيًا، إلا أن عمرًا هذا لم يكن فلاسًا، ولكن أَطلَق عليه هذه النسبة أحدُ تلاميذه الرواة عنه، والفلاس حافظ متقن =

احترقت كتبه (¬1)، ومن كتب عنه قبل ذلك مثل: ابن المبارك، والمُقْرِي (¬2) أصح (¬3) ممن كتب بعد ¬

_ = ناقد، وله تصانيف منها: التفسير والتاريخ، وتوفي في ذي القعدة من سنة 249 هـ/ الأنساب للسمعاني 10/ 270، 271، وتذكرة الحفاظ 2/ 487، 488. (¬1) تقدم بيان أن إطلاق القول باحتراق كتب ابن لهيعة محمول على نسخه الفرعية أو بعضها، دون أصوله على الراجح/ انظر ص 819، 820 ت. (¬2) هو عبد الله بن يزيد، تقدم في ذكر تلاميذ المؤلف في الأصل ص 800، وقال الإمام أحمد: ما أصح حديثه عن ابن لهيعة/ المعرفة والتاريخ 2/ 192، وسيأتي في التعليق التالي بيان المراد بالأصحية. (¬3) المراد بالأصَحية هنا: كون روايتهما وأمثالهما أثبت عن ابن لهيعة، وأقوى الضعيف، كما أشرت لذلك ص 800 ت ويؤيده بقية كلام الفلاس نفسه، كما سيأتي في التعليق التالي. وقد عبر الذهبي بكلمتي "أجود" و"أقوى" بدل "أصح"/ السير 8/ 14، والمغني 1/ 352، أقول: ورَبْط هذا التفاوت في درجة الضعف باحتراق كتب ابن لهيعة يدل على أن الاحتراق كان له تأثير في زيادة ضعف ضبطه في آخر حياته، لأنه كان قبل وفاته بأربع سنوات، كما تقدم، لكن أحد تلاميذ ابن لهيعة وهو عثمان بن صالح السهمي، بعد أن نفى احتراق أصول ابن لهيعة، وأثبت احتراق بعض نسخه الفرعية، أضاف قائلًا: ولا أعلم أحدًا أخبر بسبب علة ابن لهيعة مني؛ أقْبَلْتُ أنا وعثمان بن عتيق بعد انصرافنا من الصلاة يوم الجمعة، نريد إلى ابن لهيعة، فوافيناه أمامنا راكبًا على حمار، يريد إلى منزله، فأُفْلِج -يعني أصابه الفالج- وسقط عن حماره، فَبدَر ابنُ عَتِيق إليه، فأجلسه، وصرنا به إلى منزله، فكان ذلك أول سبب عِلَّته/ الضعفاء للعقيلي 2/ 294 والميزان 2/ 476، وهذا الكلام يفيد أن عثمان السهمي يرى أن ما احترق من كتب ابن لهيعة ليس هو السبب الحقيقي في زيادة اختلال ضبطه، ولكن السبب الحقيقي هو إصابته بالفالج، وهو نوع من الشلل يصيب أحد شقي =

الاحتراق (¬1) وقال النسائي: هو ضعيف (¬2)، وقال ¬

_ = الجسم طولًا/ المعجم الوسيط - مادة "فلج" 1/ 699، غير أن هذا السبب لم يشتهر خبره مثل اشتهار خبر احتراق الكتب. والذي يبدو لي أن قصر التأثير على أحد السببين غير مسلم، وإنما هما معًا تسببا في زيادة ضعف ضبط الرجل، وإن لم يصلا به إلى درجة الترك، وكان لكل منهما تأثيره الخاص، مع تزامنهما، فالاحتراق كان في آخر حياته، كما تقدم، وكذلك سياق قصة مرضه بالفالج يدل على أنه كان في أواخر حياته، ومما يؤيد وجود تأثير لاحتراق الكتب بجانب تأثير المرض، أن ابن لهيعة قد حجب أصول كتبه عن عامة طلابه مبكرًا، فكانت النسخ الفرعية التي احترقت هي التي يَقْرَأ عليه منها عامة طلابه، كما تقدم، فاحتراقها بالطبع قد حال دون ذلك، وأصبح التعويل في الغالب إما على حفظه، وإما على ما نسخه عامة تلاميذه، وكلاهما وقع فيه الخطأ والصواب، كما أسلفت، ولعل الذين اقتصروا على ذكر تأثير الاحتراق، حتى وإن علموا بالمرض؛ لأنهم رأوا أحد الأمرين كافيًا في إثبات الضعف مع شهرته، فاقتصروا عليه، والله أعلم. (¬1) كذا جاءت تلك الرواية عن الفلاس في الميزان 2/ 477 وشرح العلل لابن رجب 1/ 37 ولكن جاء في رواية ابن أبي حاتم/ الجرح 5/ 147 وابن عدي 4/ 1463 وكذا في السير 8/ 21 قول الفلاس في آخر تلك الرواية ما نصه "وهو ضعيف الحديث" فهذا تضعيف مطلق لابن لهيعة، ومتصل السياق بالتفصيل السابق، فيشمل ما قبل الاحتراق، وما بعده، وإن تفاوتا في درجة الضعف، وبذلك لا يكون مقصود الفلاس بقوله "أصح" هو الصحة الاصطلاحية، كما أوضحته في التعليق السابق. (¬2) الضعفاء والمتروكين للنسائي/ 295 ط الهند، والميزان 2/ 477، وجاء عن النسائي أيضًا من رواية ابنه عبد الكريم عنه أنه قال في ابن لهيعة: ليس بثقة/ تهذيب التهذيب 5/ 378، والسير 8/ 21، وقال المزي: وروى النسائي أحاديث كثيرة من حديث ابن وهب وغيره يقول فيها: عن عمرو بن الحارث، وذكر -يعني الراوي عن عمرو- آخر، ونحو ذلك، وجاء كثير من ذلك في رواية =

مروان (¬1) قلت لليث بن سعد- ورأيته نام بعد العصر (¬2): أتنام بعد العصر، وقد حدثنا ابن لهيعة، عن عَقيل، عن مكحول، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- "من نام/ بعد العصر فاختُلِس (¬3) عقلُه، فلا يلومَن إلا نفسه؟ " فقال ¬

_ = غيره مبيِّنًا أنه ابن لهيعة/ تهذيب الكمال 2/ 729 وتهذيب التهذيب 5/ 377، وعن النسائي: أنه ذكر ابن لهيعة يومًا فقال: ما أخرجت من حديثه قط إلا حديثًا واحدًا، حديث عمرو بن الحارث عن ابن لهيعة عن مِشْرَح بن هَاعَان عن عقبة بن عامر عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: في الحج سجدتان/ الميزان 2/ 477 والسير 8/ 26، والمقصود أنه ما أخرج من حديثه مصرحًا باسمه إلا هذا الحديث الواحد، ولم يعز صاحب تحفة الأشراف، ولا صاحب النكت عليها هذا الحديث من الطريق المذكور إلى النسائي/ التحفة وبهامشها النكت الظراف 7/ 321 ح 9965 ومقتضى ذلك عدم وقوفهما عليه في سنن النسائي الكبرى، ولا في سننه الصغرى أيضًا، فلعله أخرجه في بعض مؤلفاته الأخرى، أو في إحدى روايات السنن التي لم يقفا عليها حينذاك. وقد أخرج ابن حجر رواية للنسائي من طريق عبد الله بن يزيد المقري، ثنا حيوة، وقال النسائي: وذكر -أي المقري- آخر، قالا: أنا جعفر بن ربيعة ... "وساق باقي السند والمتن" ثم قال الحافظ: والمبهم في السند هو: عبد الله بن لهيعة، كان النسائي إذا مر في سند، لم يسمه، ولم يحذفه، لضعفه عنده، ويستغني بمن يقارنه/ نتائج الأفكار 1/ 459 بتحقيق الشيخ حمدي السلفي. ومن هذا كله يتضح أن النسائي لا يحتج بما ينفرد به ابن لهيعة، فيحتاج لمتابع أو مشاهد. (¬1) هو الطَّاطَري، أحد تلاميذه كما تقدم. (¬2) سياق رواية ابن عدي من هنا هكذا "في شهر رمضان" يا أبا الحارث، ما لَكَ أن تنام ... " الكامل 4/ 1463. (¬3) من خَلَستُ الشيء، واختلستُه، إذا سلبتُه،/ النهاية لابن الأثير 2/ 61، مادة "خلس".

الليث: لا أدع ما ينفعني لحديث (¬1) ابن لهيعة عن عقِيل (¬2). وقال ¬

_ (¬1) في رواية ابن عدي "بحديث"/ الكامل 14/ 463 وفي الميزان 2/ 479 كما في الأصل. (¬2) أخرجه ابن عدي في الكامل في ترجمة ابن لهيعة ضمن الأحاديث المنتقدة عليه، فقال: ثنا أبو عروبة، ثنا ابن مصفى، ثنا مروان، به 4/ 1463، وبالإضافة لكونه من رواية ابن لهيعة، فهو أيضًا مرسل، كما ترى. وللحديث روايات أخرى موصولة من طريق ابن لهيعة وغيره، فقد أخرجه ابن عدي عقب الرواية السابقة، وذلك من طريق منصور بن عمار، ثنا ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، مرفوعًا/ الكامل 4/ 1465، ثم أعاده ثانيًا في ترجمة منصور بن عمار بنفس السند والمتن، ووصف منصورًا في صدر ترجمته له بأنه منكر الحديث، ثم أخرج في ترجمته ستة أحاديث من روايته عن ابن لهيعة، وسادسها الحديث المذكور، وعقب عليه بأن ابن لهيعة لين في الحديث، وأن منصورًا مع مواعظه الحسنة لا يتعمد الكذب، وإنكار ما يرويه لعله من جهة غيره/ الكامل 6/ 2389 - 2391. وأورد السيوطي الحديث من معجم الإسماعيلي بسنده عن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن المصري، ثنا ابن لهيعة عن (عقيل) عن ابن شهاب عن أنس، مرفوعًا/ اللآلئ - الأدب والزهد 2/ 279 وعن الإسماعيلي رواه السَّهمي في تاريخ جرجان/ 93 ترجمة 55، وهذا خلاف ما ذكره الشيخ الألباني في تخريج الحديث من تاريخ جرجان/ انظر السلسلة الضعيفة 1/ 57 ح 39. وأخرجه ابن حبان في ترجمة خالد بن القاسم المدائني من المجروحين 2/ 275، 276 ط الهند وذلك من طريق خالد المدائني عن الليث بن سعد عن عَقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعًا، وقد مثل به ابن حبان للأحاديث المقطوعة التي كان يصلها خالد، ويدفعها إلى الليث ليقرأها له، وقد وصف الحاكم وغيره خالدًا هذا بأنه كان يدخل على الليث من حديث ابن لهيعة، ووصفه غير واحد أيضًا بأنه متروك/ اللسان 2/ 383، 384. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = وأخرج ابن الجوزي الحديث من طريق ابن حبان السابقة، وأعله بأن خالدًا كذاب، وأن الحديث لابن لهيعة، فأخذه خالد، ونسبه إلى الليث، ثم أيد هذا بإخراج رواية ابن لهيعة السابقة من طريق ابن عدي بسنده عن منصور بن عمار، حدثنا ابن لهيعة، به، ووصف ابن لهيعة بأنه ذاهب الحديث/ الموضوعات لابن الجوزي - كتاب النوم 3/ 68. وانظر الضعفاء والمتروكين له 1/ 249، 250 والكشف الحثيث لبُرهان الدين الحلبي/ 163. وعزاه ابن حجر/ المطالب العالية - باب كراهية النوم بعد العصر 2/ 397، والهيثمي/ مجمع الزوائد 5/ 116، إلى أبي يعلي عن شيخة عمرو بن الحصين، وقال الهيثمي: إن عمرو بن الحصين متروك، وكذا قال ابن حجر/ تقريب التهذيب ص 420 ووصفه الخطيب بالكذب تهذيب التهذيب 9/ 270 ترجمة محمد بن عبد الله بن علاثة، وكذا نسبه الذهبي إلى الوضع/ الكشف الحثيث/ 322، 323 لبرهان الدين الحلبي. وأخرجه أبو نعيم في الطب من طريق أبي يعلي هذه، عن شيخه عمرو بن الحصين عن ابن علاثة عن الأوزاعي عن الزهري عن عائشة مرفوعًا، كما في اللآلئ، وأورده السيوطي في اللآلئ أيضًا من كتاب الطب لابن السني من طريق عمرو بن الحصين به/ اللآلئ/ الأدب والزاهد (2/ 279). أقول: وبتأمل تلك الطرق عمومًا، نجد أن أقلها ضعفًا: طريقا ابن لهيعة، المرسلة والموصولة، وَوَصْفُ ابن الجوزي له بأنه ذاهب الحديث، تشَدُّد مخالف لقول الجمهور بتضعيفه فقط، وعلى ضوء ذلك ردَّ السيوطي وَمِنْ بعدِه ابنُ عَراق على ابن الجوزي في عده الحديث من الموضوعات، واقتصرا على تضعيفه. (اللآلئ: 2/ 279)، (وتنزيه الشريعة: 2/ 290)، وكذا الشيخ الألباني في السلسلة الضعيفة (1/ 57 ح 39) وفي ضعيف الجامع الصغير وزيادته (5/ 253 ح 5873)، وقول الليث: "لا أدع ما ينفعني لحديث ابن لهيعة عن عَقيل" يدلّ على عدم احتجاجه برواية ابن لهيعة، ولعل هذا مما جعل النَّووي ينسب إليه القول بتضعيف ابن لهيعة. (تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 284)، في حين جاء عن الليث أيضًا أنه لما مات ابن لهيعة قال: ما خَلَف بعدَه مثلَه، المجروحين =

محمد بن سعد: كان ضعيفًا، وعنده حديث كثيرٍ، ومن سمع منه في أول أمره (¬1) أحسن حالًا (¬2) ممن سمع منه بأَخَرة (¬3)، وأما أهل مصر، فيذكرون أنه لم يَختلِطْ (¬4) ولم يزل أول أمره وآخره، ¬

_ = لابن حبان (2/ 19)، والميزان (2/ 478) والسير (8/ 14، 18)، فلعل هذا من باب الثناء على عدالته ودينه. (¬1) بالأصل "مرة" وما أثبته من الطبقات لابن سعد ج 7 / قسم/ 2/ 204 وما نقل عنها/ انظر تهذيب الأسماء للنووي 1/ 284 والسير للذهبي 8/ 20 وتهذيب التهذيب 5/ 379. (¬2) في الطبقات زيادة "في روايته" الموضع السابق، والمراد أن روايته أقل ضعفًا. (¬3) بفتح الهمزة والخاء، أي أخيرًا، أو في آخر عمره/ مختار الصحاح للرازي مادة "أخر" وكذا النهاية لابن الأثير 1/ 29. ويلاحظ أن ابن سعد قد جزم في أول كلامه بتضعيف ابن لهيعة مطلقًا، ثم قرر أن الرواية عنه في آخر عمره، أضعف منها في أوله، وبذلك يلتقي في الجملة مع ما تقدم عن الفلاس، ثم إنه أعقب ذلك بذكر رأي أهل مصر في ابن لهيعة مشيرًا بتأخيره إلى عدم ترجيحه له، وسيأتي بيان أن مآل الرأيين واحد، وإن تفاوتا عند الترجيح. (¬4) أي لم يختلط؛ ولكنه كان سيء الحفظ، مع التساهل في الأداء، كما يفهم ذلك من بقية الكلام الآتية، وقد تقدم في ص 818، 819 ت قول تلميذ ابن لهيعة وراويته الثقة، وهو أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المصري: "ما اختلط ابن لهيعة قط حتى مات" وهناك عبارة سُمِع الليث بن سعد يقولها كثيرًا، وهي أنه كان يقول: أنا أكبر من ابن لهيعة، فالحمد لله الذي متعنا بعقلنا/ المعرفة والتاريخ 1/ 167، فهذه العبارة يمكن أن يستفاد منها شهادة الليث لابن لهيعة بعدم الاختلاط، ويمكن أن يستفاد منها إشارة الليث إلى أنه لم يختلط كما اختلط ابن لهيعة الذي يَصغُره بسنتين تقريبًا، وتقدم أيضًا أن ما ذكره عثمان السهمي =

واحدًا (¬1)؛ ولكن كان يُقْرَأُ عليه ما ليس من ¬

_ = من إصابة شيخه ابن لهيعة بالفالج يظهر فيه أن ذلك في آخر حياته. وذكر الحافظ ابن حجر أن الطبري في تهذيب الآثار - قد قال: إن ابن لهيعة قد اختلط عقله في آخر عمره/ تهذيب التهذيب 5/ 379، ولم يتعقب ابن حجر ذلك بشيء وجزم في التقريب/ ص 319 بوصفه بالاختلاط، وقال سبط ابن العجمي: الكلام فيه معروف، وقال بعض مشايخي فيما قرأت عليه: إنه نسب إلى الاختلاط. انتهى، وعقب السبط على كلام شيخه هذا بقوله: والعمل على تضعيف حديثه/ الاغتباط بمعرفة من رمي بالاختلاط/ 377 ضمن المجموعة الكمالية، ومقتضى ذلك أنه لا يحصر تضعيفه في الاختلاط ومع تأخر ابن الكيال عن السبط فإنه لم يذكره في الكواكب النَّيِّرات، وقد تقدم أيضًا أن ابن معين قد اختلف قوله في اختلاط ابن لهيعة بالنفي مرة والإقرار أخرى، ولكن الأولى بالقبول هو قول النضر بن عبد الجبار بنفي اختلاط ابن لهيعة قط حتى مات؛ وذلك لأنه تلميذه وبَلَدِيُّه، ومشهود له بالثقة وكثرة الرواية عن ابن لهيعة، ويؤيده قول ابن لهيعة نفسه كما سيأتي في الأصل: ص 836: "ولو سألوني لأخبرتهم أنه ليس من حديثي". (¬1) يعني في سوء الحفظ، دون اختلاط بدليل بقية الكلام الآتية في الأصل، كما سأوضِّحه في التعليق عليها، وقد صرح بما أشار اليه ابن سعد هنا بعض تلاميذ ابن لهيعة المصريين، وهو سعيد بن أبي مريم فقال: ما أقربه قبل الاحتراق وبعده الجرح 5/ 146، وهذا كما ترى خلاف ما قرره ابن سعد من التفاوت. وصدر به كلامه، إشارة إلى ترجيحه، على ما حكاه عن أهل مصر من تساوي ضعفه في عمره كله، وعند استعراضنا للأقوال عمومًا في ابن لهيعة نجد من العلماء من يلتقي قوله مع قول ابن سعد، ومنهم من يلتقي مع ما حكاه عن أهل مصر، والذي يبدو لي أن مآل الاتجاهين واحد في الجملة، حيث يتفقان على التضعيف العام لابن لهيعة من جهة ضبطه ضعفًا يقبل الانجبار والفرق بينهما فقط عند الحاجة إلى الترجيح، بين روايتين إحداهما في أول عمره وقبل احتراق كتبه، وثانيهما في آخر عمره بعد احتراق كتبه.

حديثه (¬1) فقيل له في ذلك، فقال: وما ذنبي؟ إنما يجيئوني بكتاب يقرؤونه (¬2)، ولو سألوني لأخبرتُهم أنه ليس من حديثي (¬3). ¬

_ (¬1) في الطبقات زيادة مهمة هنا وهي "فيسكت عليه"/ الطبقات 7 / قسم 2/ 204، وكذا في نقل الذهبي عنها/ السير 8/ 20، وستأتي رواية أخرى عنه أنهم كانوا يقولون له: هذا من حديثك. (¬2) في الطبقات هنا زيادة أيضًا وهي: "ويقومون"/ الطبقات/ الموضع السابق وكذا في نقل الذهبي في السير/ الموضع السابق، أقول: وبوجود لفظة "فيسكت عليه" ولفظة "فيقومون" تتكون لنا إحدى صور القراءة على ابن لهيعة ما ليس من حديثه، وستأتي صورة أخرى لذلك في التعليق التالي. (¬3) الطبقات الكبرى ج 7 قسم 2/ 204، والسير 8/ 20، وهذا السياق الذي حكاه ابن سعد عن أهل مصر في بيان كيفية القراءة على ابن لهيعة ما ليس من حديثه قد أشار الإمام أحمد إلى حصوله بعد احتراق كتب ابن لهيعة، فقد قال: يقولون احترقت كتبه، كان يؤتى بكتب الناس فيقرأها/ الضعفاء للعقيلي 2/ 295، وبذلك تكون فترة حدوثه قليلة، لأن احتراق كتبه كان قبل موته بأربع سنوات تقريبًا وسيأتي عن بعض تلاميذ ابن لهيعة، ما يؤيد ذلك أيضًا وقد ذكر غير واحد من المصريين الذين عُرِفت تلمذتهم الطويلة لابن لهيعة، وغيرهم ممن عاصره بيانًا لكيفية القراءة على ابن لهيعة ما ليس من حديثه، أو تحديثه بذلك، فتلميذ ابن لهيعة وهو سعيد بن أبي مريم يقول: كان حيوة (يعني ابن شريح ت 158 هـ أو 159) أوصى (بِكُتبِه) إلى وَصِيٍّ، وكانت كتبه عند الوصي، فكان من لا يتقي الله، يذهب فيكتب من كتب حيوة (حديث) الشيوخ الذين قد شاركه ابن لهيعة فيهم، ثم يحمل اليه، فيقرأ عليهم/ المعرفة والتاريخ 2/ 185، 436 وتهذيب التهذيب 5/ 375 وتهذيب الكمال 2/ 728، أقول: وتاريخ وفاة حيوة يوضح حصول هذا في أواخر حياة ابن لهيعة، وهذا مما يؤيد ما تقدم من إشارة الإمام أحمد إلى أن ذلك حدث بعد احتراق كتب ابن لهيعة، وكذا قول ابن أبي مريم: إن هذه الطريقة كان يفعلها من لا يتقي الله، يدل على قلة فاعليها، وأنهم من غير ثقات الرواة عن ابن لهيعة، وعلى ذلك فإن ما تقدم في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأصل ص 809 عن تلميذ ابن لهيعة أيضًا وراويته الثقة، وهو أبو الأسود النضر بن عبد الجبار: أنه كان يشارك في ذلك، فيحمل على أنه كان بقصد اختبار ضبط ابن لهيعة في أواخر حياته، ولم يقصد التحمل كما قصد هؤلاء، وتقدم تأييد ذلك بموافقة حديث أبي الأسود هذا عن ابن لهيعة لأحاديث الثقات. وهناك رجل ثقة ممن سكن مصر هو يحيى بن حسان التِّنِّيسِي يقول: جاء قوم ومعهم جزء فقالوا: سمعناه من ابن لهيعة، فنظرت فيه، فإذا ليس فيه حديث واحد من حديث ابن لهيعة، قال: فقمت فجلست إلى ابن لهيعة، فقلت: أي شيء ذا الكتاب الذي حدَّثتَ به؟ ليس هاهنا في هذا الكتاب حديث من حديثك، ولا سمعتَها أنت قط، قال: فما أصنع بهم؟ يجيئون بكتاب، فيقولون: هذا من حديثك، فأحدثهم به/ المجروحين لابن حبان 2/ 20 والسير 8/ 24، أقول وقد جاء عن يحيى هذا قوله: ما رأيت أحفظ من ابن لهيعة بعد هشيم/ الجرح 5/ 148 فلعله قال ذلك قبل تلك الواقعة. وهذا البيان من بعض تلاميذ ابن لهيعة وغيرهم من المصريين يؤكد ثبوت ما حكاه ابن سعد عن أهل مصر بشأن ابن لهيعة، ويستفاد مما حكاه ابن سعد، ومن تلك النماذج التي قدمتها: أولًا: إن هناك فرقًا بين الاختلاط، وبين سوء الحفظ أو التساهل في الأداء، حيث إن ما حكى عن أهل مصر، فيه نفى الاختلاط، وإثبات ما يقتضي سوء الحفظ مع التساهل في الأداء، والفرق بينهما أن الاختلاط يذهب بضبط الراوي لمرويه كليًا، أو يذهب بضبطه لبعض مرويه، بحيث لا يمكن معه استعادة تمييز مرويه، ولا استحضاره في الذهن، أما سوء الحفظ فيمكن معه ذلك بالمذاكرة مع الحفاظ أو بالمراجعة من مكتوب، وبهذا يكون الضعف بالاختلاط أشد، وقد قرر ابن لهيعة عدم اختلاطه فقال كما تقدم: "ولو سألوني لأخبرتهم أن ذلك ليس من حديثي "وهذا لا يتأتى مع الاختلاط. =

وقال أبو زرعة: سماعُ الأوائِل والأواخر منه سواء (¬1)؛ إلا أن ¬

_ = ثانيًا: تصوير كيفية القراءة على ابن لهيعة ما ليس من حديثه، وبيان مدى مسؤوليته عن ذلك ووجهة نظره في تسويغه، فالنماذج السابقة تفيد أن أمر القراءة كان يبدأ من جانب الرواة عنه، حيث يأتونه بما ليس من حديثه، ولا يسألونه إن كان من حديثه أو لا؟ وإنما يقررون له ابتداء أن هذا من حديثك، وهو يكتفي بقولهم من باب إحسان الظن، ونحوه، ويرى تقريرهم هذا مسقطًا للذنب عنه ومسوغًا لإجابة طلبهم، فتارة يحدثهم بما جاؤا به، وتارة يقرهم بالسكوت على ما يقرؤونه عليه، وهم يكتفون بسكوته، ويقومون معتبرين ذلك سماعًا عليه. وفي كلتا الحالتين لا نجد ابن لهيعة قد ادعى ابتداء سماع ما لم يسمع، وبذلك برأه الحاكم من الكذب كما تقدم، ولكن صنيعه هذا يعد تساهلًا واضحًا في الأداء في تلك المرحلة المتأخرة من حياته حيث اكتفى بقول طلاب الرواية عنه، مع ما وصف به من سوء الحفظ، وقد قال ابن خراش: كان -أي ابن لهيعة- يكتب حديثه، احترقت كتبه، فكان من جاء بشيء قرأه عليه، حتى لو وضع أحد حديثًا وجاء به إليه قرأه عليه، قال الخطيب: فمن ثم كثرت المناكير في روايته لتساهله/ تهذيب التهذيب 5/ 378. أقول: ويبدو أن كلام ابن خراش هذا من تشدده، وإن تابعه عليه الخطيب، وما تقدم عن بعض تلاميذه وأهل بلده الذين رأوه، وعرفوه يفيد أن ذلك لم يكن هو الغالب أو الكثير من أدائه، بل كان في أواخر حياته، ومن صنيع غير الثقات من تلاميذه، وقد تقدم أنه أول ما اشتغل بالتحديث أملى من أصوله، وأظهرها لعامة الرواة عنه، ثم استمر يمكن بعض ثقات تلاميذه من الكتابة منها حتى آخر حياته، وكان غيرهم ينقل عنهم، ثم يسمعون عليه، وتقدم أيضًا أنه وجد من تلاميذه كثيرون ضبطوا النقل والتلقي عنه، كالنضر بن عبد الجبار، والعبادلة وأمثالهم وبذلك صارت أغلب الروايات عنه لا يعيبها إلا سوء حفظه، بحيث يحتج منها بما توبع عليه. (¬1) يعني في الضعف: بدليل ما سيأتي في ختام كلامه، أن ابن لهيعة ليس ممن يحتج به، فهو بهذا يقرر عدم تفاوت الرواية سماعًا عن ابن لهيعة في أول حياته، عن =

ابن المبارك وابن وهب كانا يتتبعان أصوله، وليس ممن يُحتَج به (¬1)؛ ¬

_ = الرواية عنه في آخرها، ثم ينبه في باقي كلامه الآتي على ما يلاحظ من انضباط رواية بعض التلاميذ عنه دون بعض، بأن ذلك يرجع إلى اختلاف طريقة تحملهم عنه، لا إلى تغير حاله من قوة إلى ضعف، وفي التعليق التالي ما يوضح ذلك. (¬1) في الجرح 5/ 148: بحديثه، بدل "به" وقد جاءت الرواية عن أبي زرعة بهذا السياق في الميزان 2/ 477 وبنحوه في السير 8/ 21 مع تقديم وتأخير، لكن سياق الرواية عند ابن أبي حاتم فيه زيادة تفصيل بعد قوله: "يتتبعان أصوله" ونصها "فيكتبان منها، وهؤلاء الباقون، كانوا يأخذون عن الشيخ، وكان ابن لهيعة لا يضبط" الجرح 5/ 148، 149. وفي هذا جواب منه على ما قد يُسْتَشكَلُ عليه في قوله السابق: "إن سماع الأوائل والأواخر منه سواء" فيقال: ولماذا نجد رواية المتقدمين كابن المبارك وابن وهب، أضبط من رواية غيرهم؛ فأجاب بأن السبب عدم اعتماد هذين على السماع وحده من ابن لهيعة، ولكنهم كانوا يحرصون على كتابة مروياتهم عنه من أصوله الخطية بجانب السماع من لفظه، وبالتالي يتجنبون خطأه عند التحديث من حفظه، أو من نسخه الفرعية، أو نسخ غير الضابطين من تلاميذه كما تقدم في التعليقات السابقة، في حين يعتمد غير هذين الرجلين وأمثالها على السماع فقط من الشيخ كما جاء النص في الجرح، أو على النسخ المتفرعة عن أصوله، كما استظهره محقق الجرح والتعديل/ انظر الجرح 5/ 148 هامش، ويؤيد ذلك ما تقدم أن ابن لهيعة قد بدأ التحديث بالإملاء من أصوله، ثم حجبها، وصارت العمدة على ما نسخه تلاميذه آنذاك عن أصوله، أو عن نسخ فرعية عملها هو لنفسه لكي يقرأ عليه منها، ثم إن تقريره النهائي بأن ابن لهيعة لا يحتج به عمومًا، يدل على أنه حتى مَن نقل من أصوله، وضبط الرواية عنه كابن وهب وابن المبارك لا يكون حديثهم عنه محتجًا به بمفرده، ولكن يكون ضعفه أقل من غيره، ممن لم يكتب من أصوله. وسيأتي في الأصل عن غير أبي زرعة الإشارة لانضباط كتاب ابن وهب من =

وقال ابن حبان: سَبرْتُ (¬1) أخْبار ابن لهيعة، فرأيته يُدلِّس عن أقوام ¬

_ = حديث ابن لهيعة واعتماد غيره عليه، كما تقدمت الإشارة لانضباط كتاب ابن المبارك وسماعه عن ابن لهيعة، واعتماد غيره عليه. ثم إن أبا زرعة قد جاءت عنه أقوال أخرى في ابن لهيعة تلتقي مع قوله المذكور في الأصل، وتؤكد ضعف حديثه عمومًا ضعفًا قابلًا للانجبار، فقد روى ابن أبي حاتم عن والده وأبي زرعة أنهما ضعفا ابن لهيعة، ووصفاه بأن أمره مضطرب، يكتب حديثه على الاعتبار/ الجرح والتعديل 5/ 147 وقال أبو زرعة وحده: لم تحترق كتبه -يعني ابن لهيعة- ولكن كان رديء الحفظ/ سؤالات البرذعي - ضمن كتاب أبي زرعة وجهوده للدكتور سعدي الهاشمي 2/ 346. (¬1) يقال "سَبَر الشيء سَبْرًا" بمعنى: اعتبره، ونظر فيه، وقاس غَورَه واختبره ليعرف ما فيه، أو ما عنده/ المعجم الوسيط - مادة "سبر" 3/ 411 والنهاية 2/ 333، ومراد ابن حبان هنا داخل في تلك المعاني للسبر، وقد قرر في غير هذا الموضع: أنه "لا يجوز أن يحكم على مسلم بالجرح، وأنه ليس بعدل، إلا بعد السبر"/ المجروحين 2/ 120 ط الهند ترجمة: عمران بن مسلم القصير ومعنى ذلك أنه يعتبر السبر هو الوسيلة المشروعة لكشف حال الراواي، وبالتالي حال حديثه، قبولًا أو ردًا. ولا بد من التنبه إلى أن تلك الوسيلة لا يتأهل لها إلا الأئمة النقاد في كل عصر، كالبخاري وأحمد وابن معين، وابن حبان كما تراه هنا وغيرهم. والذي يَلحَظُه مَن يُطالع تراثهم العظيم الذي ننهل جميعًا منه أن الثقة المتبادلة بينهم كانت تجعل بعضهم يعتمد على سبر الآخر، فيأخذ بما انتهى إليه في حال الراوي، ما لم يظهر له خلافه، ولذا نجد أن ابن حبان في كتابه المجروحين مثلًا، ينبه على قيامه بنفسه بسبر مرويات الشخص عندما يرى غيره من العلماء قد اختلفوا فيه جرحًا وتعديلًا سواء من ناحية العدالة أو الضبط، وقد ظهر هذا في ترجمته لابن لهيعة، حيث بدأ بذكر بعض الآراء المختلفة فيه، ثم قرر أنه قام بعملية السبر لمروياته، بمعنى أنه نظر في أحاديثه التي وقف عليها ليعرف ما فيها من خطأ وصواب، فاعتبرها بالمقارنة برواية الثقات لنفس الأحاديث، فظهر له =

ضعفاء، على أقوام ثقات، قد رآهم (¬1) ثم كان لا يُبَالي، ما دُفِع إليه ¬

_ = ما قرره في بقية كلامه الآتية، وسيأتي أن الإمام أحمد أيضًا فعل نحوًا من هذا بمرويات ابن لهيعة/ ص 851 ت. (¬1) قد جاء النص بالسياق المذكور إلى قول ابن حبان الآتي بعد "مما ليس من حديثه" في الضعفاء والمتروكين لابن الجوزي 2/ 136، 137 وفي شرح العلل لابن رجب 1/ 138 وتهذيب التهذيب 5/ 379 وبمقارنته بنص كلام ابن حبان في المجروحين يتبين أن فيما ذكر اختصارًا وتصرفًا، حيث جاء النص فيه هكذا مع تصويبي بعض الألفاظ من غيره: "قد سبرت أخبار ابن لهيعة من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه، فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودًا، وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرًا، فرجعت إلى الاعتبار، فرأيته يدلس عن أقوام ضعفاء، على أقوام رآهم (هو)، ثقات، فألزق تلك الموضوعات (بهم) .. ثم أتبع هذا بما تقدم عن عبد الرحمن بن مهدي: أنه وجد ما كاتبه به ابن لهيعة فقال: "حدثني عمرو بن شعيب" هو في الحقيقة من روايته عن أحد المتروكين وهو إسحق بن أبي فروة عن عمرو بن شعيب؛ وذكر أيضًا أقوال بعض النقاد فيه، ثم قال: وأما رواية المتأخرين عنه بعد احتراق كتبه ففيه مناكير كثيرة، وذاك (أنه) كان لا يبالي ... الخ المجروحين 2/ 19، 20 ط الهند، وقد نقل الذهبي من أول كلام ابن حبان إلى قوله: "فألزق تلك الموضوعات بهم"/ الميزان 2/ 482، والسير 8/ 23 وقد صوبت ما بين القوسين الهلاليين منهما، ثم إن ابن حبان قد قال في صدر ترجمته لابن لهيعة: وكان شيخًا صالحًا، ولكنه كان يدلس عن الضعفاء قبل احتراق كتبه، ثم ذكر الاحتراق وتاريخه، وحكى قول أصحابه بالتفريق بين من سمع منه قبل الاحتراق ومن سمع بعده/ المجروحين 2/ 18، وقد تقدم ذلك ص 800 ت، وجدير بالذكر أني لم أجد من سبق ابن حبان إلى وصف ابن لهيعة بالتدليس، ومن جاء بعده تابعه على وصف ابن لهيعة بالتدليس عن الضعفاء، كما تراه في نقل الذهبي المتقدم، ولكني لم أجده في منظومته في المدلسين/ 69، مع طبقات المدلسين بتحقيق د. القريوتي، وذكره سبط ابن العجمي في التبيين/ ص 350 من =

قَرأه، سواء كان من حديثه، أَو لَم يكُن مِن حديثه (¬1)، فوجب ¬

_ = المجموعة الكمالية اعتمادًا على نقل الذهبي عن ابن حبان، وعده الحافظ ابن حجر من الطبقة الخامسة والأخيرة من المدلسين، وقال في شأنه: اختلط في آخر عمره وكثر عنه المناكير في روايته، وقال ابن حبان: "كان صالحًا، ولكنه يدلس عن الضعفاء" وقد وصف ابن حجر أصحاب هذه الطبقة بأنهم ضعفوا بأمر آخر سوى التدليس، وقال: فحديثهم مردود، ولو صرحوا بالسماع، إلا أن يوثق من كان ضعفه يسيرًا كابن لهيعة/ طبقات المدلسين بتحقيق الدكتور عاصم القريوتي ص 14، 54 أما السخاوي فقال: إن هؤلاء حديثهم مردود جزمًا، ولو صرحوا بالسماع، إلا إن تُوِبعُوا، أو لو كان الضعف يسيرًا كابن لهيعة/ فتح المغيث للسخاوي 1/ 184 ط الأعظمي. أقول: وما ذكره الحافظ في حكم أصحاب الطبقة من أن ابن لهيعة قد وُثِّق على ضعف يسير فيه، يقتضي قبول ما صرح فيه بالتحديث، وهذا أيضًا ما يقتضيه كلام تلميذه السخاوي؛ لكن الذي ذكره ابن حجر في ترجمته لابن لهيعة في نفس طبقات المدلسين يخالف هذا، حيث وصفه بالاختلاط في آخر عمره وكثرة المناكير عنه في روايته، وذلك يقتضي ضعف روايته، خصوصًا في آخر عمره، ولو صرح بالتحديث، وبهذا يبدو قول الحافظ ابن حجر في ابن لهيعة مختلفًا في الموضعين من كتابه طبقات المدلسين وأصرح من ذلك الاختلاف في باقي مؤلفاته، بين تصحيح بعض رواياته، وتحسين بعضها، وتضعيف لروايته مطلقًا، وتفصيل الأمر في حاله عمومًا، بل وجدت قوله مختلفًا في الحكم على حالة واحدة من رواياته، بالقبول والرد، وسأذكر خلاصة ذلك مع الترجيح في التعليق على آخر الترجمة إن شاء الله. والذي أريد تقريره هنا أن ما دلسه ابن لهيعة، فقد اجتمع فيه سببان للضعف، أحدهما: التدليس، وثانيهما: سوء حفظ ابن لهيعة، فإن صرح بالاتصال، وتوبع زال السببان، وكان حديثه محتجًا به، وإلا فهو ضعيف. (¬1) العبارة من قوله: "ثم كان لا يبالي" ... إلى هنا، يفهم من ظاهرها أن هذه كانت طريقة لابن لهيعة في الأداء يفعلها كثيرًا أو غالبًا، وذلك بسبب الاختصار =

التَّنَكُب (¬1) عن رواية المتقدمين عنه، قبل احتراق كُتُبِه (¬2)؛ لِمَا فيها من الأخبار المدلسة عن المتروكين (¬3)، ووجب ترك الاحتجاج برواية ¬

_ = هنا لأصل كلام ابن حبان، كما أشرت من قبل، ولو رجعنا إلى نص كلامه كما قدمته، في التعليق السابق، فسنجده قد ذكر أن هذا الصنيع حصل من ابن لهيعة بعد احتراق كتبه فقط، وذلك كان قبل موته باربع سنوات تقريبًا، وقد قدمت بيان أن من كان يدفع إليه ما ليس من حديثه هم بعض من لا يتقي الله من الرواة عنه، ولكنه كان يعتمد على تقريرهم له أن هذا من حديثك، إحسانًا للظن بهم، وتساهلًا في الأداء، وعليه فلم يكن هذا شأن ابن لهيعة في الكثير من أدائه، وبالتالي لم يكثر في حديثه ما ليس من روايته، كما قد يتبادر من سياق تلك العبارة، بعد حذف تحديد ابن حبان للزمن الذي حصل فيه ذلك من حياة ابن لهيعة، نعم إن الخطأ في تلك المرحلة كان أكثر، لاجتماع عاملين معًا وهما: ما احترق من كتب ابن لهيعة، وزيادة سوء حفظه بسبب مرضه بالفالج كما تقدم، لكن قلة تلك الفترة بالنسبة لباقي عمره الذي قارب الثمانين، مع قلة من كان يدفع إليه ما ليس من حديثه، يفيد ذلك أن أغلب رواياته، لا يعيبها إلا تدليسه، وسوء حفظه، وبالتالي يحتج من حديثه عمومًا، بما لم يدلسه، وتوبع عليه، كما قدمت ذكره قريبًا. ومما يؤيد قلة التخليط الذي وقع في حديثه قول أحمد بن صالح المصري وهو ممن وصف ابن لهيعة بالتساهل في الأداء قال: ابن لهيعة ثقة وما رُوي عنه من الأحاديث التي فيها تخليط يُطرح ذلك التخليط ... (تهذيب التهذيب: 5/ 378). (¬1) أي الإعراض عن قبول تلك الروايات، وتجنب الاحتجاج بها، كما يتضح من باقي كلامه الآتي، وانظر: المعجم الوسيط مادة "نكب" 2/ 950. (¬2) تقدم بيان أنه احترق بعض كتبه الفرعية فقط، دون أصولها. (¬3) تعليل ترك روايات المتقدمين جميعها عن ابن لهيعة قَبْل احتراق كتبه، بأنه لأجل ما فيها من روايات مدلسة، تعليل غير كاف لرد الجميع بما فيه غير المدلس، =

المتأخرين، بعد احتراق كتبه؛ لما فيها مما ليس من حديثه (¬1)، وقال أبو بكر الخطيب: حدث عن ابن لهيعة: سفيان الثوري، ومحمد بن رُمح، وبين وفاتيهما [إحدى وثمانون] (¬2) ¬

_ = خصوصًا وأن المدلس منها يسهل تمييزه بعبارات الأداء كما هو معروف، فالأولى تعليل الترك العام بسبب عام، ولذا فإن غير واحد من العلماء عللوا تضعيف روايات ابن لهيعة عمومًا بما ظهر لهم من سوء حفظه قبل وبعد الاحتراق، وإن زادت درجة سوء الحفظ بعد الاحتراق، كما مرّ. ومر أيضًا عَدُّه ممن ضُعِّف بأمر آخر غير التدليس. (¬1) هذا التعليل لترك الاحتجاج برواية المتأخرين عن ابن لهيعة بعد احتراق كتبه، يلتقي مع تعليل غير ابن حبان تضعيفَ حديث ابن لهيعة بسوء حفظه؛ لأن قبوله رواية ما ليس من حديثه عنه، ناتج أساسًا عن سوء الحفظ، ومن مجموع كلام ابن حبان هذا عن نتيجة سبره لمرويات المتقدمين والمتأخرين عن ابن لهيعة، نجد أنه يرى ترك الاحتجاج بجميع مروياته، ومقتضى هذا إقراره أنها تصلح للاعتبار، وبذلك يلتقي في النهاية مع أقوال غيره ممن قرر ضعف ابن لهيعة ضعفًا منجبرًا، وإن زاد هو ذكر سبب التدليس، كما مرَّ. (¬2) بالأصل "أربع وتسعون" وهو خطأ، وما أثبته من تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 284، وتهذيب الكمال 2/ 729، وهو مطابق فعلًا للفرق بين تاريخي الوفاة لسفيان، وابن رُمح، حيث إن الأول توفي سنة (161 هـ) كما في التقريب/ 244، والثاني توفي بمصر في شوال سنة (242 هـ) على قول الأكثرين/ تهذيب الكمال: 2/ 279، والكاشف 3/ 43، والسابق واللاحق للخطيب البغدادي، بتحقيق محمد بن مطر الزهراني/ 252، أما "أربع وتسعون" التي جاءت في الأصل فهي فرق بين وفاتَي: محمد بن رُمح، وشخص آخر روى عن ابن لهيعة، وهو عمرو بن الحارث الأنصاري المصري المتوفى سنة (148 هـ) كما ذكره الخطيب، فقد رجعْت إلى مَظِنَّة هذا الكلام من كتب الخطيب، وهو كتاب السابق واللاحق، فوجدته بعد ذِكْر ابن لهيعة قال: "حَدَّث عنه عمرو بن

سنة (¬1) ومات ابن لهيعة سنة أربع وسبعين ومائة (¬2)، في خلافه ¬

_ = الحارث، و (محمد) بن رُمح التجيبي، وبين وفاتيهما أربع وتسعون سنة، ومات عمرو بن الحارث سنة 148 هـ، ثم ذكر الخطيب تحديثَ كل من الأوزاعي وشعبة والليث بن سعد عن ابن لهيعة، مع بيان الفرق بين وفاة كل منهم، وبين وفاة ابن رُمح، ثم حدد وفاة ابن رُمح، كما تقدمت، وبذلك انتهت ترجمته لابن لهيعة/ السابق واللاحق/ 251، 252، أما المزي، فإنه في آخر ترجمة ابن لهيعة قال: قال الحافظ أبو بكر الخطيب، حدث عنه عمرو بن الحارث ومحمد بن رمح وبين وفاتيهما 94 سنة، وحدث عنه سفيان الثوري ومحمد بن رمح، وبين وفاتيهما 81 سنة/ تهذيب الكمال: 2/ 279. وجاء الكلام في تهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 284 معكوس السياق، هكذا: قال الخطيب: حدث عن ابن لهيعة الثوري ومحمد بن رمح، وبين وفاتيهما إحدى وثمانون سنة، وعمرو بن الحارث ومحمد بن رمح وبين وفاتيهما 94 سنة. ويلاحظ أن "سفيان الثوري" لم يذكر في كتاب الخطيب حسب الطبعة الحالية وهي محققة، فلعله ذُكِر في نسختي النووي والمزي، وقد لاحظت عنايته عمومًا بنقل بيان الخطيب للسابق واللاحق من الرواة عمن يترجمهم في تهذيبه، ويلاحظ أيضًا أن المؤلف في الأصل لم ينقل تلك المعلومة كما جاءت في كتاب الخطيب، ولا كما جاءت عند كل من النووي والمزي. (¬1) من هنا فما بعده، ليس من كلام الخطيب. (¬2) هذا ما عليه الأكثرون كما تقدم ص 824، وكانت وفاته بمصر، واتفق ابن سعد وأبو عمر الكندي على أن الوفاة كانت يوم الأحد، لكن قال ابن سعد: للنصف من شهر ربيع الأول، وقال الكندي: لخمس خلون من جمادى الآخرة، وقال يحيى بن بكير تلميذ ابن لهيعة: لِسِتٍّ بَقين من جمادى الآخرة، فلعله أثبت، ووافقهما المفضل الغلابي على ذكر الشهر، لم يحدد يومًا، وذكر ابن عبد الحكم: شهر جمادى الأولى انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد 7 قسم 2/ 204، والمعرفة =

هارون (¬1) وصلى عليه داود بن يزيد، الأمير (¬2)، وكان مولده في سنة سبع وتسعين (¬3) وقال ابن أبي خيثمة: سمعت ابن معين ¬

_ = والتاريخ للفسوي 1/ 164، 165 وفي طبعته تحريف "سبعين" إلى "تسعين" وتاريخ ولاة مصر لأبي عمر الكندي 107، والتاريخ الكبير 5/ 182 - 183 والأوسط -المطبوع باسم الصغير- للبخاري 195 ط الهند، والمجروحين لابن حبان 2/ 18، وتهذيب الكمال 2/ 729، وتهذيب الأسماء واللغات للنووي 1/ 284، وسير النبلاء 8/ 20، 31. (¬1) هو الرشيد، ابن محمد المهدي بن عبد الله المنصور، الخليفة العباسي، بويع له بالخلافة في ربيع الأول سنة (170 هـ)، واستمر في الخلافة حتى توفي بطوس في مستهل جمادى الآخرة سنة (193 هـ). (البداية والنهاية لابن الأثير: 10/ 241، 242). (¬2) هو: داود بن يزيد المهلبي، ولاه هارون الرشيد على الصلاة بمصر، فدخلها - كما يقول الكندي: لأربع عشرة ليلة خلت من المحرم سنة (174 هـ) فجعل على شُرَطِه عمار بن مسلم الطائفي، ثم قال الكندي: وفي ولاية داود بن يزيد توفى عبد الله بن لهيعة يوم الأحد، لخمس خلون من جمادى الآخرة، فصلى عليه داود/ تسمية ولاة مصر للكندي (107)، وانظر: المعرفة والتاريخ (1/ 164)، وتهذيب الكمال 2/ 729. (¬3) نسب هذا القول لابن سعد وابن يونس/ كما في تهذيب الكمال 2/ 729 ولم أجده في ترجمته في طبقات ابن سعد، ونقله الذهبي عن ابن يونس وحده/ تذكرة الحفاظ 1/ 239، والسير 8/ 20) وجزم به النووي دون عزوه لأحد/ تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 284، وهناك رواية عن أحمد بن صالح المصري تقتضي أن ولادة ابن لهيعة سنة (95 هـ)، وعن يحيى بن بُكَير والغلابي، أنها سنة (96 هـ) وبها قال ابن حبان، وتردد الذهبي بينهما فقال: سنة (95 هـ) أو سنة (96 هـ) ولم أجد ترجيحًا في ذلك. انظر: المعرفة والتاريخ 1/ 164، 165 والمجروحين 2/ 18، والسير 8/ 12 والجمع بينهما ممكن على إرادة آخر سنة (95 هـ) وأول سنة (96 هـ).

يقول: ليس بذاك (¬1). قال (¬2): وقال مرّة: ليس حديثه بالقوي، وقال الآجرِّي: قال أبو داود (¬3): أنكر ابن أبي مريم احتراق كتبه، وقال: لم يحترق له ولا كتاب (¬4)، إنما أراد أن يُوقفوا (¬5) عليه أمير مصر. فأرسل إليه ¬

_ (¬1) لم أجد هذا القول من رواية ابن أبي خيثمة عن ابن معين، ولكن وجدته من رواية ابن محرز أنه سأل ابن معين عن ابن لهيعة فقال: "ليس هو بذاك". (سؤالات ابن محرز - لابن معين في معرفة الرجال - بتحقيق محمد كامل القصار 1/ 67). (¬2) يعني ابن أبي خيثمة، وقد أخرج تلك الرواية من طريق ابن أبي خيثمة عن ابن معين الإمام ابن أبي حاتم ولفظه: "ليس حديثه بذلك القوي"/ الجرح: 5/ 147، وكذا في الميزان: 2/ 477. وأخرج العقيلي من طريق أحمد بن محمد الحضرمي عن ابن معين رواية أخرى بلفظ "ليس بقوي في الحديث"/ الضعفاء للعقيلي: 2/ 295، وقال ابن محرز بعد روايته السابقة عن ابن معين: وسمعته مرة أخرى يقول: (ابن لهيعة) ضعيف الحديث/ سؤالات ابن محرز بتحقيق كامل القصار: 1/ 67 أقول: وبهذا يتأيد ما قدمته في ص 819 ت أن أكثر أقوال ابن معين على تضعيفه المطلق لابن لهيعة ضعفًا قابلًا للانجبار بغيره. (¬3) من هنا إلى قوله: "قال أبو داود" الآتية مكتوب بهامش الأصل مع الإشارة إلى دخوله في الصلب بعلامة "صح"، ولم أجد هذا القول لأبي داود في الجزء المطبوع من سؤالات الآجري لأبي داود. (¬4) تقدم المراد بنفي احتراق كتب ابن لهيعة ص: 819، 820 ت. (¬5) كذا الأصل، وذكر صاحب مختار الصحاح وابن الأثير: أن أَوقف الشيء، وأوقفه عليه، لغة رديئة، والمشهور إطلاق: وقفه على الشيء أو الأمر، بمعنى أطلعه عليه. مختار الصحاح مادة "وقف" ص: 733، (النهاية لابن الأثير نفس المادة: =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = 5/ 216)، والمعجم الوسيط 2/ 151، وذكر الزمخشري أن من المجاز: "وقف على المعنى، أحاط به". أساس البلاغة مادة "وقف": 686، وقد أبقيت عبارة الأصل "أوقفوا عليه" طالما وجد لصوابها محمل لغوي، وإن كان ضعيفًا، وقد جاء النص في تهذيب الكمال 2/ 728 "أن يقفوا عليه، فأرسل إليه أمير بخمسمائة دينار"، ولكن في تذهيبه 2 / ل 176، وفي السير 6/ 18، كلاهما للذهبي، جاء النص هكذا: "أن يقفوا عليه أمير، فأرسل إليه أمير ... الخ" ومعنى العبارة كما يبدو من سياقها: أن المحيطين بابن لهيعة في أواخر حياته أرادوا لفت انتباه أمير مصر إلى ابن لهيعة، وإطلاعه على ما صار إليه حاله، ليساعده، ولعل الرجل حينذاك تغيرت حاله المالية والمعيشية، بعد عزله عن القضاء، وإصابته بمرض الفالج مع تقدم السن، كما أسلفته، فرأى المحيطون به أنه ربما إذا بلغ الأمير خبر احتراق داره بمحتوياتها، اهتم بأمره، ووصله بما يُحسن حاله، وقد حدث ذلك فعلًا، كما جاء في بقية كلام ابن أبي مريم هذا. ثم إن محقق سير أعلام النبلاء ذكر كلمة "يعفو" بدل "يقفوا" وذكر بالهامش ما يدل على أن الكلمة جاءت كما أثبتها في تذهيب تهذيب الكمال للذهبي الذي استدرك منه أيضًا حرف "أن" قبل كلمة "يعفو" ولكني راجعت التذهيب فوجدت فيه "أن يقفوا" كما في تهذيب الكمال، غاية الأمر أن القاف غير منقوطة، لكن صورتها الخطية واضحة، والنسخة التي راجعتها فيها ترك النقط كثير، ثم إن العبارة لا يظهر لها معنى بذكر كلمة "يعفو"، ولم يبين المحقق ماذا يكون معنى هذا النص مع إثباتها؟ في حين نجد المعنى واضحًا مع إثبات "يقفوا" كما ذكرته، والله أعلم. ولم يقتصر أمر المواساة لابن لهيعة في تلك الواقعة على الأمير، فقد ذكر قتيبة بن سعيد ويحيى بن بكير -وهما من تلاميذ ابن لهيعة- أن الليث بن سعد أيضًا قد أرسل إليه مالًا، وحدد ابن بكير المبلغ بمائة دينار. انظر: سؤالات البرذعي لأبي زرعة الرازي 2/ 345، 346 ضمن كتاب أبي زرعة الرازي وجهوده، =

خمسمائة دينار. قال أبو داود: سمعت أحمد يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر، في كثرة حديثه، وضبطه، وإتقانه؟، وحدث عنه أحمد (¬1) ¬

_ = للدكتور سعدي الهاشمي، وحدد قتيبة وقت الإرسال بأنه في اليوم التالي للحريق وحدد المبلغ بألف دينار. انظر: سير النبلاء 8/ 26، وتذكرة الحفاظ 1/ 225، وتهذيب الكمال 3/ 1154 وتذهيبه 2 / ل 177، وهو الأنسب. (¬1) بالأصل "آخر" ولا يستقيم المعنى عليه، وما أثبته من تهذيب الكمال 2/ 728، وعبارة: "وحدث عنه أحمد بحديث كثيرا هي من قول أبي داود تعقيبًا على ما رواه عن أحمد من أنه لا يرى في المصريين في وقته من هو أكثر حديثًا ولا أضبط ولا أتقن من ابن لهيعة، وما عدا تهذيب الكمال من المصادر المتعددة التي وقفت عليها قد اقتصرت على حكاية أبي داود لكلام أحمد المذكور فقط دون ذكر تعقيب أبي داود المذكور، شرح العلل لابن رجب 1/ 138، والسير 3/ 18 والميزان 2/ 477، وتهذيب التهذيب 5/ 375 وتذهيب تهذيب الكمال 2 / ل 177، ومراد أبي داود بتحديث أحمد عنه، يعني بواسطة؛ لأن ابن لهيعة توفي وأحمد في العاشرة تقريبًا. أقول: وما حكاه أبو داود عن أحمد يقتضي أنه يحتج به، وأن حديثه عنده صحيح، ولعل هذا مما جعل أبا داود نفسه يعقب على كلام أحمد السابق بتنبيهه على أن أحمد أيضًا قد حدث عنه كثيرًا، ولكن سيأتي تصريح الإمام أحمد نفسه بأنه لا يحتج بابن لهيعة، مع جوابه عن إكثاره الرواية عنه. وقد نقل الشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- قول أحمد السابق في توثيق ابن لهيعة، وأكد به ما ذهب إليه من أن ابن لهيعة ثقة صحيح الحديث، وبذلك رد تضعيف الترمذي لحديث الباب من طريق ابن لهيعة جامع الترمذي - بتعليق الشيخ أحمد شاكر 1/ 16 هامش (1). ولا يُسلَّم للشيخ أحمد شاكر هذا التوثيق لابن لهيعة، ولا اعتماده لقول أحمد بتوثيقه إلا بعد جمعه لباقي أقوال الأئمة الآخرين، ولأقوال أحمد أيضًا، والنظر في تعارضها، واختلافها، ثم الجواب عن الانتقادات القادحة في ضبط ابن لهيعة، =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = والتي تقدم معنا بالأصل والتعليق عليه، عدد منها، مجملًا، ومفصلًا، وكثير منه منقول عن تلاميذ ابن لهيعة، وأهل بلده. وقد قمت في التعليقات السابقة بجمع أقوال العلماء وتلاميذ ابن لهيعة الذين ورد في الأصل كلامهم، وحاولت استخلاص الرأي العام لكل منهم، حتى نصل في النهاية إلى رأي عام في حال ابن لهيعة عمومًا، ودرجة حديثه، إن شاء الله. والذي نحتاجه هنا جمع ما تيسر لي من باقي أقوال الإِمام أحمد في ابن لهيعة غير ما تقدم، ثم استخلاص رأي عام له من ذلك. فقد جاء عنه قوله: ما كان محدث مصر، أو محدثًا بمصر، إلا ابن لهيعة / الميزان: 2/ 478، السير: 8/ 13، 18، وقال أيضًا: ابن لهيعة أجود قراءة لكتبه من ابن وهب/ السير: 8/ 17 وتهذيب التهذيب 5/ 375، وقال: من سمع من ابن لهيعة قديمًا فسماعه أصح، ثم روى عن ابن المبارك ما يفيد تحديده للسماع القديم، بما قبل سنة (159 هـ) / المجروحين لابن حبان: 2/ 19. ويلاحظ أن هذا التاريخ متقدم إحدى عشرة سنة تقريبًا، عن تاريخ احتراق كتبه الذي جعله غير واحد هو الفاصل بين السماع القديم، والسماع الحديث، وقد علق الذهبي على قول أحمد هذا: "إن السماع القديم عن ابن لهيعة أصح" فقال: لأنه -يعني ابن لهيعة- لم يكن بَعدُ تساهل، وكان أمره مضبوطًا، فأفسد نفسه/ السير: 8/ 21، ومراد الذهبي بالتساهل، يعني في الأداء كما تقدم بيانه، ومراده بإفساد نفسه، يعني أنه بتساهله في الأداء، أدخل عليه ما ليس من حديثه، فكان هذا مما تسبب في تضعيف جميعه، وإن لم يصل به ذلك إلى الترك المطلق كما سيأتي عن الذهبي نفسه، وقال الإِمام أحمد أيضًا لقتيبة بن سعيد -تلميذ ابن لهيعة-: أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح، وقال قتيبة: قلت: لأنا كنا نكتب من كتاب عبد الله بن وهب، ثم نسمعه من ابن لهيعة/ تهذيب الكمال: 2/ 728، شرح العلل 1/ 139، أقول: ولكن ابن عدي قد أخرج عدة أحاديث من مناكير ابن لهيعة، وهي من رواية قتيبة بن سعيد عنه/ الكامل: 4/ 1465، 1468، فيكون مراده بالصحة ثبوت رواية قتيبة لها عن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ابن لهيعة، وإن كانت منتقدة عليه، ويؤيد هذا ما جاء عن أحمد أيضًا من وصفه رواية ابن وهب نفسه بأنها صالحة، ولم يقل "صحيحه". وذلك أنه قال: سماع العبادلة من ابن لهيعة عندي صالح، ثم ذكر ثلاثة هم: ابن وهب، وابن المبارك، وابن يزيد المقري/ شرح العلل: 1/ 138 والصلاحية هنا أيضًا محمولة على الثبوت كما تقدم، أو تحمل على الصلاحية للاعتبار، كما سيأتي حكمه العام بهذا على أحاديث ابن لهيعة. وجاء عن أحمد أيضًا قوله: كان ابن لهيعة كتب عن المثنى بن الصباح عن عمرو بن شعيب، وكان بعد يحدث بها عن عمرو بن شعيب نفسه. الضعفاء للعقيلي: 2/ 294، شرح العلل: 1/ 138، الميزان: 2/ 476، السير: 8/ 15، تهذيب التهذيب: 5/ 279، وقال أيضًا: كانوا يقولون: احترقت كتبه، وكان يُؤتَى بكتب الناس، فيقرءوها/ الضعفاء للعقيلي: 2/ 295، وهذا مما يضعف به، كما قال الحافظ ابن حجر. تهذيب التهذيب: 5/ 378، وقول الإمام أحمد: "يقولون: احترقت كتبه" لعله إشارة إلى ما تقدم في الأصل ص: 823 أن إسحق بن عيسى تلميذ ابن لهيعة حدث أحمد بخبر احتراق كتب ابن لهيعة، وقد تقدم أيضًا بيان أن ما ذكره أحمد بالنسبة لرواية ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب، وغيره، ما ليس من حديثه، يدل على سوء حفظه، فلعل ذلك تبين للإمام أحمد بعد توثيقه السابق له، ولهذا جاء عنه قوله: ما حديث ابن لهيعة بحجة، وإني لأكتب كثيرًا مما أكتب أعتبر به، وهو يقوي بعضه ببعض. شرح العلل: 1/ 138، تهذيب الكمال: 2/ 728، الميزان: 2/ 478، السير: 8/ 16، وقد تقدم ص: 793 ت أن من ضُعِّف من جهة حفظه كابن لهيعة وغيرِه، فقول أحمد فيه: "لا يُحتَج به" يعني إذا انفرد بالشيء. ويلاحظ أن قول أحمد هذا في ابن لهيعة، قد بناه على نحو ما تقدم عن ابن حبان، من السبر والاعتبار لمرويات ابن لهيعة، حيث كتب الكثير منها، ثم قارنه بروايات من شاركه من الثقات، فتبين له أنه لا يحتج بما انفرد به، ولكنه يتقوى بغيره، وعليه يكون هذا هو القول المعتبر للإمام أحمد بشأن ابن لهيعة، وهو يلتقي =

بحديث كثير. قال أبو داود: سمعت قتيبة بن سعيد يقول: [كنا] (¬1) لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا مِن كُتب ابن وهب، أو ابن أخيه -يعني ابن أخي ابن لهيعة- (¬2) إلا ما كان من حديث ¬

_ = مع قول غيره من العلماء الذين تقدمت أقوالهم في الأصل، وفي تعليقاتي عليه ومنهم الترمذي، وبه يجاب عن قول أبي داود المتقدم: إن أحمد قد روى عن ابن لهيعة كثيرًا، كما يرد به على من يأخذ بتوثيقه السابق لابن لهيعة، كالشيخ أحمد شاكر، أو غيره. (¬1) ليست بالأصل، وأثبتها من المصادر التي ذكرت قول أبي داود هذا عن قتيبة بن سعيد، ثم إن سياق باقي النص مختلف بالتقديم والتأخير عما في مصادره التي وقفت عليها، حيث جاء فيها هكذا "كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتاب ابن أخيه، أو من كتب ابن وهب، إلا ما كان ... إلخ تهذيب الكمال: 2/ 728، سير النبلاء: 8/ 16، 17، تهذيب التهذيب: 5/ 375، 376. (¬2) هو: لهيعة بن عيسى بن لهيعة، ولي القضاء بمصر مرتين: أولاهما في مستهل شعبان سنة (196 هـ)، ثم عزل عنه في ربيع الأول سنة (198 هـ) ثم وليه مرة ثانية في المحرم سنة (199 هـ) إلى أن مات في مستهل ذي القعدة سنة (204 هـ)، وقد روى عن عمه عبد الله بن لهيعة، وتعلم منه القضاء، وسار فيه سيرة حسنة، استحق بها الثناء الجميل، ومن ذلك اهتمامه بإثبات عدالة أو جرح الشهود الدائمين لديه، بحيث كلف من يقوم بالسؤال عن سيرتهم وسلوكهم كل ستة أشهر، ومن حدثت له جَرْحَة أوقفه عن الشهادة، وخاصة من عُرف ببدعة كالقدر ونحوه، وكان تاسع تسعة من حضرموت، ولُّوا قضاء مصر. انظر: تسمية قضاة مصر للكندي: 313، 315 - 320، تهذيب الكمال: 2/ 728. أقول: ومع توثيق لهيعة هذا، فإن ما ذكر من روايته عن عمه وتعلمه القضاء منه، يدل على خبرته بحديثه، وعنايته بكتابته، بحيث رآه تلاميذ عمه الآخرين، مثل قتيبة هذا أهلًا لأن يُعتَمد على ماكتبه عن عمه، مثل اعتمادهم على كتب ابن وهب؛ لكن لم أجد اشتهار الاعتماد على كتاب لهيعة هذا عن عمه، مثلما =

الأعرج (¬1). وقال البيهقي: كان مالك يُحسِنُ القولَ في ابن لهيعة (¬2) ¬

_ = اشتهر ذلك عن ابن وهب، وبقية العبادلة، كما تقدم ذكره عن غير واحد؛ بل تقدم قريبًا ص: 850 ت، أن قتيبة بن سعيد نفسه، لما قال له الإمام أحمد: إن حديثك عن ابن لهيعة صحيح، قال له: لأنا نكتب من كتب ابن وهب ثم نسمعها من ابن لهيعة، فاقتصر على ذكر الكتابة من كتب ابن وهب، ولم يذكر معه لهيعة كما ذكره في هذه المرة. وعلى كل فقد تقدم أنه يوجد من رواية قتيبة عن ابن لهيعة ما هو منتقد، وأن المراد بالصحة في كلام أحمد السابق، هو الثبوت، بدليل باقي أقواله ص: 849 ت إلى ص: 851 ت، وتقدم أيضًا ص: 800 ت أنه حتى ما كتبه مشاهير الثقات عنه، كالعبادلة، ومنهم ابن وهب فميزته هي ضبط هؤلاء لنقل مروياتهم عن ابن لهيعة من أصوله، بحيث يطمأن إلى كونها من روايته عن شيوخه، ومع ذلك فهي ضعيفة من جهته، بوهم أو نكارة، أو تدليس وغير ذلك، وبالتالي يسري هذا على ما رواه، وكتبه عنه ابن أخيه المذكور، فلا يحتج منه إلا بما توبع عليه. (¬1) لعل السبب في استئناء حديث الأعرج ما قدمته ص: 797 ت من أن سماع ابن لهيعة منه كان في لقاء عاجل وقبل وفاة الأعرج بفترة قصيرة جدًّا، وبذلك لم يتهيأ لابن لهيعة الكتابة عنه لما سمعه منه، فاكتفى بالسماع الشفاهي فقط، وحدث من حفظه بما سمعه منه، كما تقدم ذكره، فيكون قول قتيبة هذا معناه: إلا ما كان من حديث ابن لهيعة عن الأعرج، فقد تلقيناه من ابن لهيعة مشافهة من حفظه فقط. (¬2) لم أجد حكاية البيهقي هذه لرأي مالك، مع ما يلاحظه القارئ من وفرة المراجع التي اعتمدت في ترجمة ابن لهيعة عليها، ولكني وجدت تأكيد البيهقي لضعف ابن لهيعة وعدم الاحتجاج به، كما سأبينه بعد قليل، ومعنى ذلك أنه لم يأخذ بما حكاه عن مالك، ولعل المقصود بإحسان مالك القول في ابن لهيعة ما حكاه إبراهيم بن إسحاق -قاضي مصر- أنه حمل رسالة من الليث بن سعد إلى مالك، وأخذ جوابها، وقال: فكان مالك يسألني عن ابن لهيعة فاُخبِرُه بحاله، =

ويقال: إنه (¬1) الذي روى عنه حديث العُرْبَان في الموطأ، عن الثقة -عنده- عن عمرو بن شعيب، ويقال: ابن وهب، حدثه عن ابن لهيعة (¬2). ¬

_ = فجعل مالك يقول: فابن لهيعة ليس يذكر الحج؟ قال إبراهيم، فسبق إلى قلبي أنه يريد مشافهته والسماع منه. تهذيب الكمال: 2/ 728، الميزان: 2/ 478، السير: 8/ 17. أقول: وهذا الذي فهمه إبراهيم من سؤال مالك عن ابن لهيعة، وإن دل على حسن رأيه فيه ورغبته في السماع منه، لكنه لا يستلزم جزمه بتوثيقه، فقد تقدم أن ابن مهدي تمنى السماع من ابن لهيعة، ولو كثرت كُلْفَتُه، ولكن لما خَبر روايته، ترك حديثه، ويلاحظ في بقية الكلام أن غاية ما فعل مالك عند الرواية عنه أنه وثقه على الإِبهام، وذلك غير كاف، كما أشرت إليه من قبل ص: 827 ت. (¬1) بالأصل "إن" وما أثبته هو المستقيم عليه المعنى، مع موافقته لما في كلام البيهقي، كما سيأتي ذكره. (¬2) أي الحديث الذي فيه النهي عن البيع الذي يُدفع فيه العُربان -بضم العين المهملة وسكون الراء- بوزن "القُربان"، ويقال له "العُرْبُون" بوزن "العُرجون"، وبفتح العين المهملة أيضًا، والمراد به الجزء من الثَّمن، وبيع العُربان: هو أن يشتري السلعة ويدفع إلى صاحبها شيئًا، على أنه إن أمضى البيع، حُسِب من الثمن، وإن لم يمض البيع كان لصاحب السلعة، ولم يرتجعه المشتري - قال ابن الأثير: وهو بيع باطل عند الفقهاء، لما فيه من الشرط والغَرر، وأجازه أحمد، وروي عن ابن عمر إجازته، وحديث النهي منقطع / مختار الصحاح بترتيب الشيخ خاطر مادة "عرب": 422، النهاية لابن الأثير نفس المادة 3/ 202، وأوجز المسالك إلى موطأ مالك: 11/ 44، 45، 47 - 49، وقول ابن الأثير: وحديث النهي منقطع، يعني حديث مالك هذا بروايته له بلاغًا، أو عن الثقة عنده، وإلا فإنه قد رواه من طرق ضعيفة موصولة، وكذا =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أخرجه البيهقي من طريق أخرى ضعيفة، موصولة، وقال عقبها: والأصل في هذا الحديث مُرسَل مالك/ السنن الكبرى للبيهقي 5/ 342، 343، وقد أخرج مالك الحديث في الموطأ، واختلف رواة الموطأ عنه في سياق السند، فرواه ابن وهب عن مالك قال: بلغني عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أنه فال: نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن بيع العُربان، ومن طريق ابن وهب أخرجه البيهقي - البيوع - باب النهي عن بيع العُرْبان 5/ 342. ورواه أبو مصعب عن مالك عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب، به ومن طريقه أخرجه ابن عدي في الكامل، كما تقدم ذكره ص: 826 ت، ومن طريق ابن عدي أخرجه البيهقي في السنن/ الموضع السابق: 5/ 343، وكذا أخرجه يحيى بن يحيى عن مالك عن الثقة، به، مثل رواية أبي مصعب، وذكره بعده تفسير مالك لبيع العربان بنحو ما تقدم. الموطأ - البيوع - باب النهي عن بيع العربان: 2/ 609 ح 1، وقد أشار ابن عدي إلى أن أكثر رواة الموطأ عن مالك رووا الحديث هكذا / الكامل: 4/ 1471، يعني: "عن مالك عن الثقة عن عمرو بن شعيب" وقد قدمت في ص: 826 ت أن ابن عدي بعد إشارته إلى شهرة رواية الحديث عن مالك هكذا، قال: ويقال: إن مالكًا سمع الحديث من ابن لهيعة - عن عمرو بن شعيب، ولم يُسمِّه، لضعفه، والحديث عن ابن لهيعة عن عمرو بن شعيب، مشهور / الكامل: 4/ 1471، أما البيهقي فإنه بعد أن أخرج الحديث من طريق ابن وهب السابقة، ذكر أن مالكًا لم يُسم من رواه عنه، ولم يذكر لعدم التسمية سببًا، كما فعل ابن عدي، ولكنه ذكر أن حبيب بن أبي حبيب روى الحديث عن مالك قال: حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو، به، ثم أخرج سنده به هكذا إلى حبيب، وقال: فذكره، وأضاف قائلًا: "ويقال: لا -أي ليس شيخ مالك فيه عبد الله بن عامر- بل أخذه مالك عن ابن لهيعة وأيد ذلك بحكاية قول ابن عدي السابق؛ لكن لم يذكر فيه أن سبب عدم التسمية ضعف ابن لهيعة، أو لعلها سقطت في الطبع، أو النسخ، ولعل مما يؤيد =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = ذلك تعقيب البيهقي بعد ذلك، حيث إنه عقب على كلام ابن عدي السابق وعلى رواية حبيب بن أبي حبيب المصرح فيها بأن شيخ مالك في الحديث: هو عبد الله بن عامر، بقوله: وحبيب بن أبي حبيب ضعيف، وعبد الله بن عامر وابن لهيعة لا يحتج بهما، والأصل في هذا الحديث مرسل مالك/ السنن للبيهقي: 5/ 343، فصرح بعدم الاحتجاج بأي من الرجلين، كما ترى، وبذلك أشار إلى عدم إقرار أن المراد بالثقة أيًّا منهما. وذلك ما رجحه الزرقاني، كما سيأتي قريبًا. وأما القول الثاني الذي ذكره المؤلف في الأصل من أن المراد بالثقة ابن وهب وابن لهيعة، فلم أجده عند البيهقي، وقد تقدم ص 826 ت أن ابن حجر ذكره في تهذيب التهذيب 5/ 378، وعن ابن عبد البر، وعلى كلا القولين يكون ابن لهيعة داخلًا في المراد بالثقة عند مالك، بل تقدم ص 827 ت أن الذهبي نقل عن جماعة أنه ما رواه عن عمرو بن شعيب إلا ابن لهيعة، وأن ابن عبد البر قال: الأشبه القول بأنه الزهري عن ابن لهيعة، أو ابن وهب عن ابن لهيعة، وجزم في الاستذكار بأنه ابن لهيعة فقط، ولكن الزرقاني عقب على هذا بقوله: وأشبه من ذلك أنه: عمرو بن الحارث المصري، وأيّد ذلك برواية الخطيب للحديث -يعني في كتاب الرواة عن مالك- وذلك من طريق الهيثم بن يمان أبي بشر، والرازي، عن مالك عن عمرو بن الحارث المصري. انظر: أوجز المسالك للكاندهلوي (11/ 46). أقول: ولعل ترجيح الزرقاني كون المراد هو عمرو بن الحارث المصري لأنه فعلًا ثقة فقيه حافظ، كما في التقريب (419)، ولو أننا سلمنا بأن المراد ابن لهيعة - كما رجحه غيره، فذلك توثيق له على الإبهام، وقد قدمت في ص: 827 ت، أن هذا التوثيق مختلف في الأخذ به حتى بالنسبة لأتباع الإِمام الذي يذكره، كمالك أو غيره. انظر: التدريب 1/ 311. وبذلك لا يعتبر هذا توثيقًا من مالك لابن لهيعة. وقد مر بنا أن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = البيهقي بعد ذكره للقول بأن المراد بالثقة عند مالك في الحديث المذكور هو ابن لهيعة، تعقبه بالتصريح بأن ابن لهيعة لا يحتج به، بل نقل الإِمام النووي عنه قوله: أجمع أصحاب الحديث على ضعف ابن لهيعة، وترك الاحتجاج بما ينفرد به. تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 1/ 284، ولم يتعقّبه النووي بشيء. ومن بعد النووي نقل ابن الملقّن عن البيهقي نحو ما نقله النووي. خلاصة البدر المنير، لابن الملقّن، بتحقيق حمدي السلفي 1/ 18، وقد أقره ابن الملقّن في هذا الموضع، ثم تعقبه في موضع آخر بَعدَه، حيث قال عن حديث: وفيه ابن لهيعة وهو واه بإجماعهم، كما قاله البيهقي، وفي دعوى الإِجماع نظر/ الخلاصة 1/ 182. أقول: وما تقدم في ترجمته في الأصل، والتعليق عليها، يؤيد القول بالإجماع، لأن مَنْ وثقه وَجَّه التوثيق لعدالته وصدقه، مع الانتقاد لضبطه بما يقتضي ضعفه، ومع ذلك لو سلَّمنا عدم الإجماع، حيث لا ندعي الإِحاطة التامة بكل الأقوال، فإنه يكفي في ترجيح تضعيفه أقوال جمهور النقاد، وأئمتهم الذين تقدم مجموع أقوال كل منهم، وبيان أن الراجح منها تضعيفه تضعيفًا ينجبر بمتابع أو شاهد. وبهذا الذي قدمته عن البيهقي يتّضح أن قول الدكتور الفاضل/ الطاهر بن محمد الدرديري: إن البيهقي يصحح حديث ابن لهيعة من رواية ابن المبارك وابن وهب والمقري عنه، ليس مسلّمًا له، كما أنه لم يعز ذلك إلى مصدر يرجع اليه. انظر: تخريج الأحاديث النبوية الواردة في المدونة، للدكتور الدرديري 1/ 139 ط مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، وستأتي مناقشة أخرى له في تحسينه حديث ابن لهيعة أيضًا من رواية أحد العبادلة المذكورين ص: 863 ت. وبعد هذا العرض والتحليل والمقارنة ثم التوفيق بين آراء المتقدمين في ابن =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لهيعة، نذكر خلاصة رأي اثنين من أشهر محققين المتأخرين في بيان حال ابن لهيعة، وهما الذهبي وابن حجر، أما الذهبي فقال في تذكرة الحفاظ 1/ 238، 239: ولم يكن -على سعة علمه- بالمتقن، حدث عنه ابن المبارك، وابن وهب، وأبو عبد الرحمنِ المقري، وطائفة، قبل أن يكثر الوهم في حديثه، وقبل احتراق كتبه، فحديث هؤلاء عنه أقوى، وبعضهم يصححه، ولا يرتقي إلى هذا، ثم ختم ترجمته بقوله: "قلت: يروي حديثه في المتابعات، ولا يحتج به". وقول الذهبي عن حديث العبادلة عن ابن لهيعة: "وبعضهم يصححه" لم يحدد لنا أحدًا من هؤلاء البعض حتى ننظر في تصحيحه، وقد تقدم في التعليق على الترجمة بيان أن من وصف رواية هؤلاء العبادلة أو بعضهم بأنها "أصح" أو "صحيحة" فمرادهم بذلك أنها أقوى الضعيف، وليس الصحة الاصطلاحية، وأيدت ذلك بالأدلة والأمثلة. ص: 800 ت وما بعدها. وقول الذهبي في عبارته السابقة بعد الإشارة إلى من صحح حديث العبادلة عنه: "ولا يرتقي إلى هذا" قد يفهم منه أنه يقصد نزوله إلى ما دون الصحيح، وهو الحسن لذاته، ولكن ختامه للترجمة، بأنه لا يحتج به، ينفي هذا. وفي سير النبلاء 8/ 11 استهل ترجمته لابن لهيعة بوصفه بالإمام العلامة، ثم قال بعد ذلك 8/ 13: "وكان من بحور العلم، على لين في حديثه"، ثم ذكر بعد ذلك أيضًا قول الليث عند وفاة ابن لهيعة: إنه "ما خلَف بعده مثلُه" وعقب على ذلك بقوله: لا ريب أن ابن لهيعة كان عالم الديار المصرية هو والليث معًا، ... ولكن ابن لهيعة تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم، وبعض الحفاظ يروي حديثه، ويذكره في الشواهد والاعتبارات، والزهد والملاحم، لا في الأصول، وبعضهم بالغ في وَهْنِه، ولا ينبغي إهداره، وتتجنب نلك المناكير، فإنه عدل في نفسه، ثم قال: وما رواه عنه ابن وهب والمقري والقدماء، فهو أجود/ السير: 8/ 14، ثم ذكر قول أحمد: "من كتب عنه قديمًا فسماعه صحيح"، وعلق عليه بقوله: لأنه لم يكن بعدُ تساهل وكان أمره مضبوطًا، فأفسد نفسه/ السير: 8/ 21. وقد تقدم أن تساهله كان في الأداء =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = بحيث قريء عليه ما ليس من حديثه فأقره، وبذلك دخل في مروياته عن شيوخه ما لم يروه عنهم، كما حدَّث أيضًا من حِفْظه، فوقعت منه أخطاء أُنكرَت عليه، واختلط هذا وذاك بباقي حديثه المنضبط، فأفسده، لاختلاطه به، ولكن يحتج فيه بما له عاضد يدفع ما يُخشَى من الوهم والنكارة. وقول الذهبي: إن ابن لهيعة "تهاون بالإتقان، وروى مناكير، فانحط عن رتبة الاحتجاج به عندهم" فهذا فيه بيان وجه تساهله وتضعيفه، ونتيجة ذلك، وهي عدم الاحتجاج به عند الجميع، ثم إنه وازن بين أقوال الجميع، فبين أن بعضهم يضعفه ضعفًا غير شديد، فيقبل الانجبار بغيره، ويجبر غيره أيضًا، كما يستدل به في الفضائل ونحوها، وبعضهم يبالغ في تضعيفه، فيصفه بشدة الضعف، وبذلك يكون حديثه متروكًا، فلا يجبر غيره، ولا ينجبر به، ولا يستدل به في الفضائل، ثم حاول من جانبه التوسط بين الاتجاهين بالجمع بينهما، فذكر أنه لا ينبغي إهداره مطلقًا، ولكن ما يكون من مناكيره فقط يعتبر متروكًا فيجتنب، وما عدا ذلك يذكر في المتابعات والشواهد، وينجبر ضعفه بوجود عاضد. وأما قوله عن رواية القدماء كابن وهب والمقر بأنها أجود، فتفصيله السابق يجعل المراد بالجودة هنا رواية هؤلاء وأمثالهم أقوى الضعيف. وفي كتاب المغني في الضعفاء قال الذهبي في صدر ترجمته لابن لهيعة: ضعيف، ثم قال: قال أحمد: من كان مثله بمصر في كثرة حديثه وضبطه؟ وقال بعض الناس: ما روي عنه مثل ابن وهب وابن المبارك، فهو أجود، وأقوى/ المغني: 1/ 352، أقول: وعبارة أحمد سبق بيان أنه جاء عنه ما يردها، وسيأتي أيضًا تعقب الذهبي لها، كما أن تصديره الترجمة بالجزم بضَعْف ابن لهيعة بمثابة الرد لها، وأيضًا، يجعل الجودة والقوة في إطار الضعف كما أشرت من قبل. وأيضًا في الديوان قال: ضعفوه، ولكن حديث ابن المبارك وابن وهب والمقري عنه أحسن وأجود، وبعض الأئمة صحح رواية هؤلاء واحتج بها/ ديوان الضعفاء: 175. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = أقول: وقد سبق رده على هذا البعض، مع تصديره الترجمة هنا بعبارة "ضعَّفوه" التي تفيد أن الأكثرين على ذلك، ثم أنه في نهاية الديوان، قسم المذكورين فيه إلى طبقات جعل الأولى لرجال الصحيح المتكلم فيهم بلا حجة، والثانية لرجال لا ينزلون عن درجة الحسن لذاته، والثالثة لمن ليسوا بحجة، لغلطهم، وليسوا بمطروحين، لما فيهم من العلم والخير والمعرفة، وقال: فحديثهم دائر بين الحسن والضعف، يصلح للرواية، والاستشهاد، وتحل رواية أحاديثهم، وعد من هؤلاء ابن لهيعة/ الديوان: 373، فقوله: إن حديث هؤلاء "دائر بين الحُسن، والضعف، يصلح للاستشهاد"، يشير إلى أن التحسين في حالة وجود عاضد، والضعف عند الانفراد، ويؤيَّد هذا جعله الطبقة التالية لهؤلاء وهي الرابعة للمتفق على ضعفهم وطرح روايتهم مطلقًا/ الديوان الموضع السابق. وبذلك وضع ابن لهيعة في درجة التوسط في الضعف التي تقدمت إشارته لها فيما نقلته من السير 8/ 14. وفي الكاشف 2/ 122 استهل الكلام عنه بقوله: ضُعِّف، ثم ذكر قول أحمد السابق: أنه لم يكن بمصر مثله في كثرة حديثه، واتقانه وضبطه، وعقب عليه بقوله: العمل على تضعيف حديثه. وأما الحافظ ابن حجر، فتعددت أحكامه التطبيقية على حديثه، وكذا أقواله فيه: أما التطبيق، فإنه أخرج رواية بسنده من طريق ابن مهدي عن ابن لهيعة، وقال: حدث بها عبد الرحمن بن مهدي الإمام عن ابن لهيعة، فهي من قديم حديثه الصحيح/ لسان الميزان: 1/ 10، 11، وهذا معناه أنه يرى تصحيح حديث ابن لهيعة القديم، أي قبل احتراق كتبه، كما مر، متى كان الراوي عنه ثقة، ولو من غير العبادلة؛ لأن ابن مهدي ليس منهم، مع إمامته. والواقع أنه لا يسلم للحافظ ابن حجر هذا التصحيح، لأمرين: أحدهما: ما سيأتي من كلامه بنفسه، عن رواية العبادلة عن ابن لهيعة وهو أوثق من غيرهم فيه، كما مر. =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = الأمر الثاني: ما تقدم أن ابن مهدي قد جاء عنه تركه التحمل عن ابن لهيعة مطلقًا، ولو من رواية القدماء الموثقين كعبد الله بن يزيد المقري ونحوه، وذلك، لمَّا تبيَّن له اختلال ضبطه، وجاء عنه قوله: ما أعتدَّ بشيء سمعته من ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك ونحوه، فكيف يكون حديث ابن مهدي عنه مع ذلك صحيحًا؟ وأورد في التلخيص الحبير - كتاب كفارة القتل 4/ 38 حديث خزيمة ابن ثابت: "القتل كفارة" وقال: وفيه ابن لهيعة، لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنًا. وأما في تخريج الأذكار، فقد قال عن حديث من رواية ابن وهب أيضًا عن ابن لهيعة: قلت: وابن لهيعة وإن كان ضعيفًا، فحديثه يكتب في المتابعات، ولا سيما ما كان من رواية عبد الله بن وهب، كما قال غير واحد من الأئمة/ نتائج الأفكار، في تخريج أحاديث الأذكار - بتحقيق الشيخ حمدي السلفي 1/ 325، فيلاحظ أنه اختلف حكمه على حديثه من الحسن إلى الضعف، مع اتفاق الحالتين في كون الحديث من رواية أحد العبادلة عنه وهو عبد الله بن وهب. وفي التلخيص الحبير/ الديات: 4/ 35 أورد حديث عقبة بن عامر، مرفوعًا: دية المجوسي ثمانمائة درهم، وعزاه إلى الطحاوي وابن عدي والبيهقي، وقال: وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة. أقول: والحديث أخرجه البيهقي 8/ 101 وابن عدي 4/ 1524، ترجمة عبد الله بن صالح، وهو فيهما من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث عن ابن لهيعة، وهو يرويه بالعنعنة عن شيخه يزيد بن حبيب، وعبد الله بن صالح هذا، ليس معدودًا من العبادلة الموثقين في روايتهم عن ابن لهيعة، كما تقدم. وقد أشار الطحاوي إلى ذلك فقال عن الحديث المذكور: لا يعلم روى عن النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في دية المجوسي غير هذا الحديث، الذي لا يثبته أهل الحديث، لأجل ابن لهيعة، ولا سيما من رواية عبد الله بن صالح عنه/ الجوهر النقي =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = لابن التركماني، بهامش السنن الكبرى للبيهقي: 8/ 101. ولكن الحافظ ابن حجر لم يتعرض للراوي عن لهيعة، كما فعل في رواية ابن وهب السابقة عنه، ولم يسبب الضعف بعنعنة ابن لهيعة عن شيخه، كما أشرت مع أنه عده من الطبقة الخامسة من المدلِّسين كما تقدم، بل جعل الضعف -كما ترى- راجعًا إليه مطلقًا. وفي فتح الباري ذكر عددًا من أحاديث ابن لهيعة في عدة مواضع وعقب على كل منها بوصف ابن لهيعة بالضعف/ انظر: الفتح 1/ 23، 3/ 441، 597، 4/ 184، 354، 12/ 71، 13/ 283، وفي 4/ 338 نقل قول ابن العربي عن حديث: مداره على ابن لهيعة وهو ضعيف، ثم أقره بقوله: وهو كما قال. وقال مرة: ليس من شرط البخاري قطعًا 9/ 536 ومرة قال: ليس من شرط الصحيح 11/ 55، وقال في موضع: لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟ 2/ 253، وقال في موضع: لا بأس به في المتابعات 4/ 93، وقال في التقريب: صدوق، خلَّط بعد احتراق كتبه، ورواية ابن المبارك وابن وهب عنه أعدل من غيرهما، وله في مسلم بعض شيء مقرون/ 319 وفي موضع من نتائج الأفكار فصل القول فيه عن كل ما سبق حيث قال: وهو في الأصل صدوق، لكن احترقت كتبه، فحدث من حفظه فخَلَط، وضعفه بعضهم مطلقًا، ومنهم من فصل: فقبل عنه ما حدث به عنه القدماء، ومنهم من خص ذلك بالعبادلة من أصحابه، وهم: عبد الله بن المبارك، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقري، .. ثم قال: والإِنصاف في أمره: أنه متى اعتضد كان حديثه حسنًا، ومتى خالف كان حديثه ضعيفًا، ومتى انفرد تُوقَّف فيه/ نتائج الأفكار - بتحقيق تلميذنا الفاضل الشيخ عبد الله بن صالح الدوسري 3/ 1054 ح 436. أقول: ومن هذا العرض لتطبيقات الحافظ ابن حجر وأقواله نجد أن تصحيحه في التطبيق لحديث ابن لهيعة القديم، غير مسلم له، ومخالف لما قرره أيضًا بنفسه واعتبره إنصافًا في حال ابن لهيعة، ونجد أن تحسينه لرواية أحد العبادلة عن =

[المعاني والأحكام]: [قول ابن عمر: رَقِيت] (¬1) رَقِى إلى ¬

_ = ابن لهيعة، لم يستقر عليه، وباقي تطبيقاته وأقواله المذكورة متفقة على تضعيف ابن لهيعة مطلقًا، وإن كان ضعفه أكثر بعد احتراق كتبه في أواخر عمره، لكنه عمومًا ينجبر بغيره. وما ذكره في آخر التفصيل المنصف في حال ابن لهيعة من أن ما ينفرد به دون وجود مخالف، يتوقف فيه، فهذا وإن لم يكن ردًا صريحًا لحديثه، إلا أنه بمنزلة الرد حتى نجد له عاضدًا، وقد أشار هو إلى هذا في أحد أقواله السابقة، فقال: لا يحتج به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟. وعلى هذا يلتقي تحقيق الحافظ ابن حجر لحال ابن لهيعة في عمومه مع ما سبق من تحقيق الذهبي، وكلاهما يلتقي مع الراجح من أقوال جمهور النقاد فيه، ابتداء من تلاميذه فمن بعدهم، كما تقدم. وبذلك لا يسلم للشيخ أحمد شاكر -رحمه الله- ما قرره من أن ابن لهيعة ثقة صحيح، وجوابه عما أخطأ فيه بأنه لا يخرجه عن حد الثقة وبالتالي حكم بصحة روايته لحديث هذا الباب عن جابر عن قتادة، مخالفًا بذلك تضعيف الترمذي له بسبب ابن لهيعة./ انظر: جامع الترمذي - باب ما جاء في الرخصة في ذلك -يعني استقبال القبلة ببول أو غائط- 1/ 16 هامش (1) من تعليق الشيخ أحمد شاكر. وكذلك لا يسلم للدكتور الدرديري ما جرى عليه من تحسينه لحديث ابن لهيعة من رواية العبادلة عنه، ولا بناؤه ذلك على قول الحافظ ابن حجر في بيان حال ابن لهيعة./ انظر: تخريج الأحاديث النبوية الواردة في المدونة، للدكتور/ الطاهر محمد الدرديري 1/ 140، 284 - 287، 13/ 1113، 1114. وعلى ضوء ذلك كله يتقرر أن حديث الباب من طريق ابن لهيعة ضعيف لضعفه من جهة حفظه، كما قرره الترمذي، وأقره المؤلف عليه، لكنه حسن، من طريق ابن إسحاق، كما قرره الترمذي والمؤلف أيضًا وغيرهم، وبذلك يصلح للحجة. (¬1) ما بين الحاصرتين ليس بالأصل، وزدته ليتضح الشرح بعده. =

الشيء (¬1) بكسر القاف، ورُقِيا، وَرَقْوا، صَعَد. وارتقى، وترقَّى، مثلُه، ورَقَي غيره، والمَرْقاة، والمِرْقاة: الدرجة، ونظيره: مَسْقاة، ومِسْقاة (¬2)، ومَثْناة، ومِثْناة للحَبْل (¬3)، ومَبْناة، ومِبْناة: لِلعَيْبَة (¬4) أو النِّطع (¬5) -يعني بفتح الميم وكسرها فيها، عن ابن سيدة (¬6). ¬

_ (¬1) من هنا بداية المقابلة بنسخة المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام، وسأرمز لها بحرف "م" وقد جاء النص فيها هنا هكذا: "ترقي إلى الشيء ورُقيًا، بكسر القاف، ورُقُوَّا، سعد ... إلخ. ثم إن هذا الكلام وما بعده إلى آخر شرح الباب، جاء في "م" ضمن شرح الباب التالي لهذا، وهو "باب ما جاء في النهي عن البول قائمًا" وذلك عقب قوله فيه: "بالكوفة فيه أوهام كثير" (انظر: ورقة 38 أمن نسخة الأصل، وقد كتب بهامش "م" مقابل أول هذا التداخل، ما نصه: "الظاهر أن هنا سقط (كذا) قدر ورقة في الأم المنقول عنها أو أكثر"، أقول: والصواب ما ذكرت من التداخل الذي حصل عنه تقديم وتأخير، فقط. (¬2) أي موضع السقي أو قناته أو آلته. (المعجم الوسيط، مادة "سقي" 1/ 437). (¬3) أي طرفه. (المعجم الوسيط، مادة "ثني" 1/ 102). (¬4) وهو وعاء من خوص ونحوه أو من جلد. (المعجم الوسيط، مادة "عيب" 2/ 639). (¬5) بفتح النون وكسرها، بساط من جلد، كثيرًا ما كان يقتل فوقه المحكوم عليه بالقتل، ويطلق أيضًا على ظهر الغار الأعلى. (المعجم الوسيط مادة "نطع" 2/ 930). (¬6) المحكم لابن سيدة (6/ 309)، وفيه "وكسرها فيه". وقد نقل الشوكاني من أول: "رقى إلى الشيء" إلى هنا عن شرح الترمذي لابن سيد الناس/ نيل الأوطار 1/ 98.

وحكي القاضي عياض: رَقَيتُ -بفتح القاف، بغير همز (¬1) وبالهمز أيضًا، وقال: هي لغة قليلة (¬2). وفي بعض ألفاظ الحديث -وليس مما في كتاب الترمذي- على لَبِنَتيْن (¬3) يقال: لَبِنَة، ولَبِنْ، مثل/ كَلِمة وكَلِم (¬4)، ويقال: لِبْنَة، ولِبَن، مثل؛ لِبْدَة، ولِبَدْ. قد تقدم (¬5) فيما حكيناه: أن من ذهب إلى النسخ في حديث أبي أيوب وما في معناه، تمسك بهذه الأحاديث (¬6) وأن الراجح من ¬

_ (¬1) من قوله: "بغير همزة" إلى "وفي بعض ألفاظ .. " بياض في "م". (¬2) الذي في المشارق للقاضي عياض 1/ 299 نصه: وفتح القاف، مع الهمز، لغة طيء، ثم قال: والْأُولى أشهر وأعرف. (¬3) وهي الرواية المتفق عليها. انظر: البخاري مع الفتح - الوضوء - باب من تبرز على لَبِنَتين، 1/ 246، 247 ومسلم - الطهارة - باب الاستطابة 1/ 224، 225 ح 61، وقد ضبطه الحافظ بفتح اللام وكسر الموحدة وفتح النون، تثنية "لَبِنة" وهي ما يُصنع من الطين أو غيره للبناء قبل أن يُحرق/ الفتح: الموضع السابق. (¬4) بالأصل "وكلمة" وما أثبته هو الموافق للمعنى، وللمثال قبله، والمثال بعده. (¬5) في باب ما جاء في النهي عن استقبال القبلة ص 570، 573. (¬6) يعني حديث ابن عمر وحديث جابر المخرجين عند الترمذي في باب الرخصة هذا، وحديث عائشة رضي الله عنها الذي أشار إليه في قوله: وفي الباب، وتقدم تخريج المؤلف له بالعزو إلى أحمد في مسنده، وإلى ابن ماجة، واستوفيت في التعليق عليه، تخريجَه من مصادر أخرى، مع جمع طرقه بتوسع، ودراسة حال المحتاج إليه من رواتها، وبيان الراجح في درجة الحديث/ انظر ص 657 أصل وهامش وما بعدها.

هذه المذاهب: القولُ بالتخصيص، والتفرقة بين الصحاري، وما يتخذ في البيوت من الكُنُف. ورَوى أبو داود من حديث مروان الأصفر (¬1) قال: رأيت ابنَ عمر أناخ راحلته، مستقبلَ القبلة، ثم جلس يبول إليها، فقلتُ: أبا عبد الرحمن، أليس قد نُهي عن هذا؟ قال: بلى، إنما نهي عن ذلك في الفضاء، فإذا (¬2) كان بينكِ وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، ورواه (¬3) أبو داود عن محمد بن يحيى الذُّهلي، عن صفوان بن عيسى عن الحسن بن ذكوان عنه (¬4). ¬

_ (¬1) نقل المزي في التحفة عن أبي القاسم بن عساكر قال عن "الأصفر" هذا: كذا كَناه عوف بن أبي جميلة، وكذا ذكره ابن أبي حاتم، وذكر البخاري: أن هذه الكنية لآخَر من أهل الكوفة اسمه مروان الأصفر، يروي عن الشعبي، ويروي عنه جعفر بن بَرقان الجَزري، والله أعلم/ تحفة الأشراف 6/ 47، 48. (¬2) بالأصل "إذا" وما أثبته من "م" وسنن أبي داود مع بذل المجهود 1/ 29. (¬3) بالأصل "روى" وما أثبته من "م". (¬4) أي عن مروان الأصفر، به/ سنن أبي داود - الطهارة - كراهية استقبال القبلة عند قضاء الحاجة 1/ 28، 29، وذكر المزي أنه جاء في رواية ابن العَبد عن أبي داود، ذكر طريق آخر للحديث، حيث رواه أبو داود فيها أيضًا عن أحمد بن إبراهيم عن صفوان بن عيسى، به؛ ولكن ابن عساكر لم يذكره، يعني في أطرافه للسنن الأربعة/ التحفة 6/ 47، 48، هذا وقد قدمتُ تخريج الحديث في التعليق على باب النهي عن استقبال القبلة يعزوه إلى أبي داود والحاكم والبيهقي والدارقطني والحازمي، وابن خزيمة، وجميعهم أخرجوه من طريق الحسن بن ذكوان، به، وبَينتُ هناك أن الراجح توثيقه بدرجة تجعل حديثه في مرتبة الحسن، إلا أنه معدود في الطبقة الثالثة من المدلسين .. وهم من اختُلِفَ في احتمال تدليسهم ورده، وأشار ابن حجر لترجيح الرد وهو قد روى أثر ابن عمر هذا بالعنعنة، وممن احتملها =

وأما الحديث الذي رواه عبد الرزاق عن زَمْعَة بن صالح، عن سلمة بنِ وَهْرام قال: سمعتُ طاوسًا يقول: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذ أتي أحدكم البُراز، فَليُكْرِم قبلة الله -عز وجل- فلا تستقبلوا القبلة، ولا تستدبروها. رواه الدارقطني (¬1) مسنَدًا، ومرسَلًا، وكرواية عبد الرزاق، رواه وكيع عن زَمعة، وكذلك رواه عبد الله بن وَهب عن زَمعة، عن سَلَمة، وابن طاوس (¬2) عن أبيه، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- مرسلًا. ¬

_ = وصحح حديثه هذا ابن خزيمة والحاكم والدارقطني وحسنه الحازمي، كما بينتُ أنه لو قيل بتضعيف هذه الرواية؛ للعنعنة، عند من لا يَحتمِلُها من الحَسَن، فإن لها ما يَعضُدُها من الصحيح، وهو حديث ابن عمر مرفوعًا الذي أخرجه الستة كما تقدم ص 620 أصل وهامش، وبذلك رجحت رواية أبي داود على ما أخرجه ابن حزم بسند صحيح عن ابن عمر أنه يجوز استقبال الكعبة واستدبارها مطلقًا، وذلك لموافقة رواية أبي داود هذه لحديث ابن عمر المرفوع المتفق عليه، كما بينتُ هناك ضعف رواية ثالثة أوردها ابن حزم عن ابن عمر: أنه كان يَكره أن تُستَقبَلَ القبلتان بالفُروج / فانظر تفاصيل ذلك هنالك ص 576، أصل وهامش، وما بعدها، وقد ذكر المؤلف الحديث هنا باعتباره دليلًا من أدلة الترخيص في الاستقبال بالبول في الخلاء إذا كان هناك ساتر، وبذلك يتخصص النهي العام، فيحمل على ما ليس فيه ساتر، كما أشار اليه المؤلف في الأصل، وانظر ما قدمتُه ص 574 ت. (¬1) لفظ رواية الدارقطني بالإفراد "فلا يَستقبلْها، ولا يستدبرْها"/ السنن للدارقطني 1/ 57، وهو المناسب لصدر الحديث. (¬2) يعني: عن سلمة وابن طاوس، كلاهما عن طاوس/ انظر سنن الدارقطني - الطهارة - باب الاستنجاء 1/ 57.

ورواه سفيان بن عيينة [نا سلمة بن وَهْرام] (¬1) أنه سمع طاوسًا، ولم يرفَعْه، وقال: ابن المديني (¬2): قلت لسفيان: أكان زَمعةُ يرفعُه؟ قال: نعم، وسألت (¬3) سلمة عنه، فلم يعرفه، يعني لم يَرفعه (¬4). ¬

_ (¬1) بالأصل "سفيان بن عيينة أنه سمع طاوسًا" وفي م: سفيان بن عيينة عن زمعة أنه سمع طاوسًا وما أثبته هو الموافق لسند الحديث في سنن الدارقطني 1/ 58 ولرواية البيهقي له من طريق الدارقطني/ معرفة السنن والآثار للبيهقي - الطهارة - باب الاستطابة 1/ 267، 268. (¬2) بالأصل زيادة "وابن سيرين" ومضروب عليها، وهي غير موجودة فعلًا في المصدر المخرج منه، وهو سنن الدارقطني. (¬3) القائل: وسألت .. إلخ هو سفيان، يعني أنه لما سمع الحديث مرسلًا من سلمة سأله عن وجود رواية للحديث بالرفع، فلم يروه له بالرفع، ومعنى هذا أنه كان متحققًا من روايته مرسلًا. (¬4) حديث طاوس هذا قد اشتمل على عدة أحكام، والمقصود منها: ما ذكره المؤلف، وهو بيان النهي عن استقبال القبلة أو استدبارها عند قضاء الحاجة وتعليله بحرمة القبلة وتكريمها. وقد سبق ذكر المؤلف له في باب ما يقول إذا خرج من الخلاء ص 440، 441. وذلك لأن في آخره الدعاء عقب الخروج من الخلاء، كما أشار هناك إلى أنه سيذكره أيضًا في شرح باب الاستنجاء بالحجارة، الآتي بعد أربعة أبواب، وذلك لاشتماله على باب الاستطابة بثلاثة أحجار. وقد سبق في الباب المشار إليه عزو المصنف الحديث إلى الدارقطني وقال: إنه ضَعف مَنْ رَفَع الحديث، يعني من رواه مرفوعًا متصلًا بذكر ابن عباس فيه بين طاوس وبين الرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويلاحظ أن الرواية التي أخرجها الدارقطني هكذا مرفوعة متصلة فيها ذكر الاستنجاء بالأعواد والأحجار أو التراب، وليس فيها ذكر النهي عن الاستقبال أو الاستدبار، والذي رفع الحديث، وضعفه الدارقطني: هو أحمد بن الحسن المُضري -بالضاد المعجمة- كما ذكره في الأصل، فقد قال =

وذكر عبد الحق: أن أحمد بن الحسن، المُضَري، أسنده وهو متروك (¬1) فقدح في مُسنَده، لا في مرسَلِه. وقال ابن القطان: إن ¬

_ = الدارقطني عقب إخراج الرواية المرفوعة المتصلة: لم يُسنده غير المضري، وهو كذاب متروك، وغيره يرويه عن أبي عاصم عن زَمعة عن سلمة بن وهرام عن طاوس مرسلًا، ليس فيه: عن ابن عباس، ثم قال: وكذلك رواه -يعني مرسلًا-: عبد الرزاق، وابن وهب، ووكيع وغيرهم عن زمعة، ورواه ابن عيينة عن سلمة بن وهرام عن طاوس، قَولَه. ثم ساق تلك الروايات، كما ذكرها المؤلف آنفًا/ انظر سنن الدارقطني 1/ 57، 58. وقد خرجْتُها في التعليق على الموضع السابق بالعزو إلى الدارقطني والبيهقي في معرفة السنن والآثار، ورواية سفيان الموقوفة إلى المصنَّف لابن أبي شيبة، ورواية المضري المسندة إلى الطبراني، وبينت أن في سند الرواية المرسلة زمعة بن صالح، وهو ضعيف، وسيأتي ذكر المؤلف لذلك هنا، ليبين أن كلًّا من الرواية المسندة والمرسلة مضعفتين، وقد تعرضت للحديث بعد الموضع المشار إليه أيضًا، وذلك في التعليق على شرح باب النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط / 569 ت، عند ذكر المؤلف لحديث سراقة بن مالك الذي بمعناه، وزدت في التعليق ما سأشير إليه في التعليق بعد التالي لأهميته. (¬1) انظر الأحكام الكبرى لعبد الحق الإشبيلي 1 / ل 14 (مخطوط)، أقول: وهو أحمد بن الحسن بن أبان -المُضَري- بضم الميم وفتح الضاد المعجمة، الآمُلِي، يروي عن أبي عاصم وغيره، ويروي عنه الطبراني، والاقتصار على وصفه بـ "متروك" غير كاف في بيان حاله؛ لأن هذا اللفظ بحسب الاستقراء يطلق على شديد الضعف بسبب فُحش خَطئه، وإن لم يُوصف بالكذب، ويُطلق أيضًا على الموصوف بالكذب مع اقترانها به، تمييزًا للكذاب عن فاحش الخطأ، لاختلاف درجة حديث كل منهما، حيث يعتبر حديث فاحش الخطأ ضعيفًا جدًّا، وحديث الكاذب موضوعًا، وقد تقدم أن الدارقطني جمع له الوصفين معًا، فقال: كذاب متروك، وقال مرة أخرى: حدثونا عنه، وهو كذاب، وقال ابن عدي: =

مُرسَلَه يدور على زَمعة بن صالح، [وقد] (¬1) ضعفه أحمد [ويحيى] (¬2) وأبو حاتم، [فالعمل به] (¬3) متروك [اتفاقًا (¬4) فهذه] مقدمة على علة ¬

_ = كان يسرق الحديث، وقال ابن حبان: كذاب دجال يضع الحديث على الثقات، وقال أبو سعيد النقاش روى عن أبي عاصم وحجاج بن منهال وغيرهما موضوعات/ انظر لسان الميزان 1/ 150، 151. أقول: وشيخه في رواية حديث طاوس المسندة هو أبو عاصم، الذي وصف برواية الموضوعات عنه، وعليه فالأولى وصف أحمد بن الحسن هذا بالكذب صراحة لتطابق حاله، وبالتالي يوصف الحديث من طريقه بالوضع، خاصة وأنه لم يُسنِدْه غيره، كما تقدم عن الدارقطني، وكذا أشار الطبراني -وهو تلميذه- إلى هذا، كما ذكرته في تعليقي السابق ص 441 ت وانظر الفتوحات الربانية على الأذكار النووية 1/ 405، والمشتبه للذهبي/ 594. (¬1) ليست بالأصل وأثبتها من "م". (¬2) ليست بالأصل وأثبتها من "م" ويؤيدها ذكر تضعيف يحيى بن معين له، وكذا أحمد وأبو حاتم وغيرهم/ تهذيب التهذيب 3/ 338، 339. (¬3) بالأصل "والعمل فيه" وما أثبته من "م". (¬4) في الأصل "أبدا والعُمدة" وما أثبته من "م" وهو أنسب؛ لقوله بعد ذلك إن علة الإِرسال مُختلف فيها؛ لكن أيضًا العمل بالضعيف القابل للانجبار مختلف فيه كما هو معروف، والأقوال الواردة في زَمعة هذا أغلبها يتفق على تضعيفه من جهة ضبطه، تضعيفًا قابلًا للانجبار، وبالتالي لا يكون حديثُه متفقًا على ترك العمل به، وإن كان الجمهور على الترك، كما أشرت لذلك في ص 569، لكني وجدت للحديث شاهدًا صحيحًا، كما ذكرته في الموضع المشار إليه، وهو ما أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة مرفوعًا من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط، كتبت له حسنة، ومحي عنه سيئة/ انظر ص 569 وسلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني 3/ 88، 89 وصحيح الترغيب والترهيب له 1/ 63 ح 146، وكنز العمال 9/ 363، وبهذا الشاهد تعتضد الرواية السابقة =

الإرسال؛ لأن تلك مختلف فيها، وهذه متفق عليها. وقال الشافعي -في رواية الربيع عنه- (¬1): حديث طاوس هذا، مرسل، وأهل الحديث لا يثبتونه، ولو ثبت، كان كحديث أبي أيوب، وحديث ابن عمر عن النبي-صلى الله عليه وسلم- مُسند حَسن الإِسناد (¬2) وأولى. أن يَثْبُت منه -لو خالفه-، وإن كان قال طاوس: حق على كل ¬

_ = المرسلة، ويحتج بها، خلافًا لما قرره ابن القطان، وتبعه المؤلف عليه، ثم يجري حملها على ما حملت عليه الأحاديث المطلقة، فتفيد بحالة عدم الساتر، كما أشار إليه الشافعي في كلامه الآتي في الأصل، وقدمت في ص 566 ت أنه كان الأولى بالمؤلف ذكر هذا الشاهد لحديث طاوس ليؤيد الاحتجاج به ويقويه. (¬1) في "م" عن. وقد رواه الربيع عن الشفعي قال: فإن قيل: فقد روى سلمة بن وهرام عن طاوس: حق على كل مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلها لغائط أو بول، قيل له: هذا مرسل ... " / إختلاف الحديث بهامش كتاب الأم 7/ 269، 271، 272. وقد أخرجه البيهقي أيضًا من طريق الربيع عن الشافعي به، في معرفة السنن والآثار كما قدمت ذلك في ص 568، 569 ت، وانظر من وافق الشافعي على ذلك من الأئمة وبيان أنه الصحيح لما فيه من إعمال الأحاديث كلها ص 574 - أصل وت وما بعدها. (¬2) يقصد بحديث ابن عمر ما أخرجه الترمذي في هذا الباب، ونحن الآن في شرحه، وهو أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- على حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة، وهو حديث متفق عليه، وقال الترمذي عنه إنه "حسن صحيح" كما تقدم في صدر الباب وص 620، 621 ت وما بعدها، ولهذا فإن وصف الشافعي له بالحُسن على غير المعنى الاصطلاحي عند الترمذي ومن بعده، كما قدمت بيان هذا مع ذكر قول الشافعي المذكور وغيره من المتقدمين الذين أطلقوا الحَسَن على غير المعنى الاصطلاحي عند مَنْ بَعدهم، كالترمذي وغيره/ انظر ص 197 ت، 198 - 199 ويُلاحَظ عدم تعليق المؤلف على إطلاق الشافعي هذا.

مسلم أن يكرم قبلة الله أن يستقبلَها، فإنما سمع -والله أعلم- حديث أبي أيوب عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأنزل ذلك على إكرام القبلة، وهي أهل أن تُكَرَّم، والحال في الصحارى، كما حدَّث أبو أيوب، وفي البيوت، كما حدَّث ابن عمر، لا أنهما مختلفان. قال الشيخ أبو العباس القرطبي (¬1) وقد ذهب بعض مَنْ مَنع استقبال القبلة واستدبارَها مطلقًا، إلى أن حديث ابن عمر، لا يصلُح لتخصيص حديث أبي أيوب؛ لأنه فِعْل، في خَلْوة، وهو مُحتمِل للخصوص، وحديث أبي أيوب، قول، قُعِّدَتْ به القاعدة، فبقاؤُه/ على عمومه، أولى (¬2). ¬

_ (¬1) في المفهم، شرح مختصره لصحيح مسلم 1/ 94 ب. (¬2) لم يحدد القرطبي القائلين بهذا الجواب عن حديث ابن عمر، وقد تقدم في ص 614، 617 أن أبا أيوب الأنصاري أخذ بعموم النهي في حديثه، إما لأنه لم يبلغه حديث ابن عمر وما في معناه، أو أنه بلغه، ولكن لم يره مخصصًا/ وانظر ما علقته عليه هناك. وذكر ابن العربي في العارضة 1/ 27 أن حديث أبي أيوب لا يعارضه حديث ابن عمر ولا حديث جابر، لأربعة أوجه، وذكر في أولها: أن حديث أبي أيوب قَوْل، وحديث كل من جابر وابن عمر فِعْل، ولا معارضة بين القول والفعل، وذكر في رابعها: أن هذا الفعل لو كان شرعًا -يعني عامًا- لما تستر به الرسول -صلى الله عليه وسلم-. أقول: والمعارضة هي التي ينبني عليها القول بالتخصيص أو بالنسخ أو بالخصوصية؛ فنفي المعارضة دَفْع لما بُني عليها، انظر العدة للصنعاني 1/ 249. وذكر الرازي وأبو الحسين البصري: أن الكرخي يرى إجراء النهي -كما في حديث أبي أيوب- على إطلاقه في الصحراء والبنيان، وفِعْلُه -صلى الله عليه وسلم- كما في =

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ¬

_ = حديث ابن عمر - يكون من خصوصياته/ انظر المحصول للرازي 3/ 392 والمعتمد لأبي الحسين البصري 1/ 391، وبهذا تحدد لنا بعض القائلين بالخصوصية. أما ابن دقيق العيد، فذكر أن من العلماء من رأى العمل بحديث أبي أيوب وما في معناه، واعتقد حديث ابن عمر خاصًا بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: إن من قال بتخصيص هذا الفعل بالنبي -صلى الله عليه وسلم- له أن يقول: إن رؤية هذا الفعل (كان) أمرًا اتفاقيًا، لم يقصده ابن عمر، ولا الرسول -صلى الله عليه وسلم- على هذه الحالة يتعرض لرؤية أحد، فلو كان يترتب على هذا الفعل حكم عام للأمة لبينه لهم بإظهاره بالقول، أو الدلالة على وجود الفعل، فإن الأحكام العامة للأمة، لابد من بيانها، فلما لم يقع ذلك، وكانت هذه الرؤية من ابن عمر على طريق الاتفاق، وعدم قصد الرسول -صلى الله عليه وسلم- دل ذلك على الخصوص به -صلى الله عليه وسلم- وعدم العموم في حق الأمة. اهـ. وعقب على ذلك بقوله: وفيه بَعد ذلِك بَحث/ إحكام الأحكام - مع العدة 1/ 248 - 250 - يعني مُعارَضة. وأيضًا قال ابن حجر عن حديث جابر: إن في الاحتجاج به نظر؛ لأنها حكاية فعل لا عموم لها، فيُحتَمل أن يكون لعذر، ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه/ التلخيص الحبير 1/ 104، ونحوه ذكر الشيخ ابن القيم/ تهذيب سنن أبي داود 1/ 22 مع مختصر المنذري، وانظر ما قدمته ص 570 - 572، 592. أما الشوكاني فقد كرر عدة مرات أن أحاديث الفعل، ومنها حديث ابن عمر الذي معنا - لا تُعارض قولَه الخاص بنا، وذكر في تأييد ذلك خلاصة ما تقدم ذكر ابن دقيق العيد له: من أنه يُمكِن لمن قال بخصوصية فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- الذي في حديث ابن عمر، أن يؤيد به قوله، ثم لم يذكر تعقب ابن دقيق: بأن في هذا بحثًا. انظر: نيل الأوطار 1/ 95، 96، 99، فكأنه أقر ذلك. أقول: فلعل إشارة القرطبي ببعض من ذهب إلى المنع مقصود بها أبا أيوب ثم =

والجواب [عن ذلك أن نقول] (¬1): أنها فعله عليه [الصلاة] (¬2) والسلام، فأقل مراتبِه أن يُحمل على الجواز (¬3) بدليل مطلق اقتداء [الصحابة ¬

_ = مَنْ بَعده كالكرخي وغيره، ثم إن إشارة ابن دقيق العيد السابقة إلى حاجة جواب أصحاب هذا القول عن حديث ابن عمر إلى بحث ومناقشة، قد قام القُرطُبي في باقي كلامه الآتي بجهد مفصل في ذلك، وإن كان ما ذكره يمكن مناقشته فيه أيضًا، كما سيتضح من التعليق عليه بإذن الله، ثم قام الصنعاني أيضًا بجانب كما سيأتي. (¬1) بالأصل ولا في "م" وأثبتها من المفهم لغموض السياق بدونها/ المفهم 1 / ل 94 ب. (¬2) ليست بالأصل ولا في "م". (¬3) فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- متفق على الاستدلال به، ولكن الخلاف بين العلماء: هل يدل بمفرده، أو بمراعاة دليل زائد كالقرينة وغيرها؟ مما يعرف به الوجه الذي وقع فعله -صلى الله عليه وسلم-، عليه من وجوب، وجواز وغيرهما، وفي ذلك مذاهب، ومناقشات طويلة للأصوليين/ انظر المعتمد لأبي الحسين البصري 1/ 377 وما بعدها والعدة للقاضي أبي يعلى الفراء 2/ 478 والمسودة لآل تيمية / 167 - 174 بتحقيق الشيخ محي الدين عبد الحميد ط 1983 م، والمحصول للرازي 3/ 339 وما بعدها، والمستصفى للغزالي مع فواتح الرحموت 2/ 212 وما بعدها، ومفتاح الوصول لأبي عبد الله محمد بن أحمد المالكي التلمساني/ 97 وما بعدها. والذي حققه الغزالي وغيره: أن فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يدل على الحكم؛ لأن الفعل لا صيغة له، قال الغزالي: "التحقيق أن الفعل متردَّد، كما أن اللفظ المشترك -كالقُرء- متردَّد، فلا يجوز حمله على أحد الوجوه إلا بدليل زائد" ثم أجاب عما يعارض ذلك من أدلة/ انظر المستصفى 2/ 218 وما بعدها والمنخول له/ 225، 226 وأشار إلى نحو تحقيق الغزالي صاحب مفتاح الوصول/ 98، =

بفعله] (¬1)، وبدليل قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (¬2). ¬

_ = وعليه فما ذكره القرطبي من إطلاق القول بأن: أقل ما يُحمل عليه الفعل هو الجواز، غير مُسلم له، وما استدَل به لذلك، يُنازَع فيه، كما سيأتي في التعليق عليه. (¬1) في الأصل و"م" "فعل الصحابة به" وما أثبته من المفهم 1 / ل 94 ب، وهو المستقيم عليه المعنى، وقد استَدل باقتداء الصحابة بفعله -صلى الله عليه وسلم- القائلون بدلالة الفعل على الوجوب، والقائلون بدلالته على الندب أيضًا/ المحصول 3/ 347، 350 وما بعدها و 368، وقد أجيب عن ذلك بأن الصحابة لم يتبعوه -صلى الله عليه وسلم- في جميع أفعاله وعباداته، فكيف صار اتباعهم في البعض دليلًا، ولم تعد مخالفتهم في البعض دليل جواز المخالفة؟ وأيضًا فإن الأحداث -التي هي موضوع الباب، كقضاء الحاجة ونحوها- قد عرَّفهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- مساواة الحكم فيها، ففهموا الحكم من ذلك، لامن مجرد حكاية الفعل/ المستصفى 2/ 219، 220، وقال الرازي: لا نسلم أنهم استدلوا بمجرد الفعل، فلعلهم وجدوا مع الفعل قرائن أخرى/ المحصول 3/ 370. (¬2) الآية 21 من سورة الأحزاب، وهي أيضًا مما استدَل به القائلون بدلالة الفعل على الوجوب، والقائلون بدلالته على الندب، والقائلون بدلالته على الإباحة/ المستصفى 2/ 218، 219، والمحصول 3/ 348، 368، 372، 374، وهذا بشير إلى أن أصل التأسي بفعله -صلى الله عليه وسلم- متفق عليه، لكن أجيب عن الاستدلال به على الوجوب فما دونه، بأنه وإن كان لا خلاف على التأسي، إلا أنه يشترط فيه المساواة في الكيفية، من وجوب وغيره، حتى نوقع الفعل على ما أوقعه عليه -صلى الله عليه وسلم- والفعل وحده لا يدل على الكيفية، بل لابد من قول أو قرينة، وقد حصل التأسي بما عُرِفَت كيفيته، وما لم تعرف كيفيته، وقد يقع فعله مخالفًا للتأسي/ المستصفى 2/ 217 والمحصول 3/ 362، 367، 370 - 373.

وبدليل قوله -صلى الله عليه وسلم-[لأم سلمة] (¬1) -حين ¬

_ (¬1) جاء في النسختين وفي المفهم 1 / ل 94 ب ذكر "عائشة" والذي في المستصفى 2/ 219، والمحصول 3/ 356 "أم سلمة" وتؤيده روايات الحديث الآتية، فأثبته، وإن كانت واقعة التقبيل قد حصلت لكل من عائشة وأم سلمة، وروتها كل واحدة منهما، لكن الرواية التي ذكرت في الأصل رواية أم سلمة. فرواية عائشة أخرجها البخاري - الصيام - باب المباشرة للصائم وباب القبلة للصائم/ البخاري مع الفتح 4/ 149، 152 ومسلم - الصيام - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تُحرك شهوته/ صحيح مسلم 2/ 776 - 778، ومالك في الموطأ - الصيام- باب الرخصة في القبلة للصائم 1/ 292 ح 14. ورواية أم سلمة أخرجها البخاري - الصوم - باب القبلة للصائم - مختصرًا/ البخاري مع الفتح 4/ 152، ومسلم - الصيام - باب بيان أن القبلة في الصوم ليست محرمة على من لم تحرك شهوته 2/ 779 بسياق أتم من لفظ البخاري، وفيه أن الذي سأل رجل، وهو عمر بن أبي سلمة. وانظر تحفة الأشراف 12 / ح 16379، 13 ح 18272 والموطأ - الصيام - باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم 1/ 291 ح 13 وسياق روايته: أن رجلًا قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فَوَجَد من ذلك وجدًا شديدًا فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة -زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-، فذكرت ذلك لها، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك، فزاده ذلك شرًا، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يُحل لرسول الله، ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: مالِ هذه المرأة؟ فأخبرَتْه أم سلمة، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ألَّا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟ فقالت: قد أخبرتُها، فذهَبَتْ إلى زَوجها فأخبرتْه، فزاده ذلك شرًا، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يُحل لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، ما شاء، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: والله: إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده.

سألتها المرأة عن قُبلَة الصائم-: أَلا أخبرتيها أني أفعل ذلك؟. وقالت عائشة: [فعلته] (¬1) أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا -تَعني- (¬2) التقاءَ الختانَيْن (¬3) ¬

_ (¬1) ليست بالأصل، وأثبتها من "م" والمفهم 1/ 94 ب. (¬2) في "م" يعني. (¬3) ذكر الرازي أن جواب عائشة هذا كان لرفع اختلاف الصحابة في الغسل من التقاء الختانين/ المحصول 3/ 350، 351 ويؤيده ما أخرجه مسلم ومالك من حديث أبي موسى أنه ذهب إليها وأخبرها بالاختلاف فأجابته بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إذا جلس بين شعبها الأربع، ومس الختان الختان، فقد وجب الغسل - واللفظ لمسلم، وفي رواية مالك زيادة قول أبي موسى لعائشة: لا أسال عن هذا أحدًا بعدك/ انظر صحيح مسلم - الحيض - باب نسخ الماء من الماء 1/ 271، 272 ح 88 والموطأ - الطهارة - باب واجب الغسل إذا التقى الختانان 1/ 46 ح 73، وانظر مسند أحمد 5/ 115. وأما قول عائشة: فَعَلْتُه أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا، فقد أخرج حديثَها المشتمِل على ذلك الترمذي والنسائي وابن ماجة والشافعي في مسنده، جميعهم من طريق القاسم بن محمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل، فعلته أنا ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاغتسلنا -وهذا لفظ الترمذي- وقال: حسن صحيح/ جامع الترمذي - الطهارة - باب ما جاء إذا التقى الختانان وجب الغسل 1/ 72، 73 ح 108 ط عبد الرحمن عثمان والنسائي الكبرى - الطهارة - وجوب الغسل إذا التقى الختانان 1/ 116 ح 240 بتحقيق - عبد الصمد شرف الدين، وابن ماجة - الطهارة - وجوب الغسل من التقاء الختانين 1/ 111 ح 603 ط 2 الأعظمي، وترتيب مسند الشافعي للسندي - بتصحيح عزت عطار وآخر 1/ 38. وأخرج مسلم من طريق أم كلثوم عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- قالت: إن =

وقَبِل ذلك الصحابة، وعملوا عليه (¬1). وأما كون هذا الفعل في خَلْوة (¬2)، فالحدَث كلُّه كذلك، لا يُفعَل إلا في خَلْوة، ويُمنع أن يُفعل في الملأ، ومع ذلك، فقد نُقِل، ¬

_ = رجلًا سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل يُجامع أهله ثم يكسَل، هل عليهما الغسل؟ -وعائشة جالسة- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إني لأفعل ذلك أنا وهذه، ثم نغتسل - صحيح مسلم / الحيض - باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء الختانين 1/ 282 ح 89. (¬1) ومما أجيب به أيضًا عن الحديثين اللذين استدل بهما القرطبي هنا. أن لهما صلة بالصلاة، وقد بين -صلى الله عليه وسلم- أن شرعه وشرعهم فيها سواء، حيث قال: صلوا كما رأيتموني أصلي / المحصول 3/ 365، 366، وقال الغزالي: ونعلم أن الصحابة كانوا يعتقدون في كل فعل له أنه جائز، ويستدلون به على الجواز، ويدل هذا على نفي الصغائر عنه، وكانوا يتبركون بالاقتداء به في العادات، لكن هذا أيضًا ليس بقاطع؛ إذ يُحتمل أن يكون استدلالهم بذلك مع قرائن حَسمت بقية الاحتمالات، وكلامنا في مجرد الأفعال، دون قرينة/ المستصفى 2/ 216 ثم يجاب أيضًا عن حديث الغُسل السابق بأنه وُجد مع الفعل قول منه -صلى الله عليه وسلم-، كما تقدم تخريجه، فلم يكن الاعتماد على الفعل وحده. (¬2) عبارة المفهم: فلا يصلح مانعًا من الاقتداء؛ لأن الحدث كله كذلك يفعل، ويمنع ... إلخ، المفهم 1 / ل 94 ب. وممن أشار إلى كون الفعل في حديث ابن عمر كان في خَلوة: القائلون بالخصوصية، وبعدم النسخ أو التخصيص كما تقدم في كلام ابن العربي ومَن بعده، وذكره أيضًا الغزالي في معرض بيانه أن الصحابة لم يعتقدوا الاقتداء به -صلى الله عليه وسلم- في كل فعل، بل فيما تقترن به قرينة تدل على إرادته -صلى الله عليه وسلم- البيان بالفعل/ المستصفى 2/ 216، 217.

وتُحدِّث به، سيما وأهل بيته كانوا ينقلون ما يفعله في بيته من الأمور المشروعة (¬1). وأما دعوى الخصوص، فقال أبو العباس: لو سمعها النبي -صلى الله عليه وسلم- لغضب على مدعيها، كما قد غضب على من ادعى تخصيصه (¬2) بجواز ¬

_ (¬1) زيادة من المفهم 1/ 94 ب. يؤيد جواب القرطبي هذا ما ذكره الصنعاني، حيث إنه ذكر خلاصة ما تقدم قريبًا عن ابن دقيق العيد في تقوية مَنْ زَعم خصوصية ما في حديث ابن عمر، ثم عقب على قول ابن دقيق العيد عقب هذا: "وفيه بحث"، فقال: كأنه -يعني ابن دقيق العيد- أنه قد يُقال: رواية الواحد كافية في التبليغ، وكم من فعل، ومن حديث لم يروه إلا واحد، مع عموم حكمه للأمة، وأما كونه لم يقصده ابن عمر، فكثير مما يتحمله الراوي ويبلغه من الأقوال والأفعال يكون اتفاقيًا له، لم يأت له، ولا قصده بل يقصد أمرًا آخر فتحصل له الإفادة اتفاقًا، ولا يقول أحد بأنه لا يصلح التحمل إلا لِمن قصده، وكونه -صلى الله عليه وسلم- يفعل في غيبة الناس ما يَنهَى عنه، يتنزه عنه جانبه الشريف، بل يحتمل أنه فعله للإبلاغ، وقد أعلمه الله أنه يُطلِع عليه من يبلّغ ذلك كما وقع/ العُدة مع إحكام الأحكام 1/ 249. لكن الصنعاني بعد تأييد عموم حديث ابن عمر هكذا، فَرَّع عليه قولًا في مسألة الاستقبال للقبلة عند قضاء الحاجة فقال: "ويكون هذا الفعل منه -صلى الله عليه وسلم-، لبيان أن النبي للكراهة، لا للتحريم، سواء في ذلك العمران والصحارى، ثم رد على من وصف هذا القول بأنه بعيد جدًّا/ العُدة/ الموضع السابق، أقول: وقد تقدم في الأصل والتعليق عليه في شرح هذا الباب وما قبله أن أعدل الآراء هو القول بالتخصيص، لما فيه من العمل بمخْتلِف الأدلة، وبه يتأيد من استبعد القول الذي ذكره الصنعاني، وإن حاول هو تقويته. (¬2) في "م" "ادعى الخصوص فقال تخصيصه ... إلخ" وما في الأصل مطابق للمفهم 1 / ل 94 ب.

القُبْلَة (¬1) حتى قال: والله إني لأخشاكم لله، وأعلمُكم بحدوده (¬2) .. في كلام كثير، ذكره أبو العباس (¬3). ويكفينا في رد دعوى الخصوصية: أن الأصل عَدمُها (¬4). ولعل ما قد يتطرق إلى حديث ابن عمر، وحديث جابر، من هذه الاحتمالات -وإن كانت ضعيفة- هو المُقتضِي لقول الإمام أحمد في حديث عراك الغفاري: إنه أحسنُ ما في هذا الباب، مع إرساله - وقد تقدم (¬5). وأما حديث ابن عمر، فيصلح دليلًا على المذهب الرابع، ¬

_ (¬1) في المفهم بعد هذا ما نصه: "فإنه غضب عليه، وأنكر ذلك، وقال: والله ... الخ". (¬2) هذه بقية حديث أم سلمة في القبلة، وقد تقدم تخريجه قريبًا، وما ذكره هنا هو لفظ رواية مالك في الموطأ 1/ 291 ح 13، ولفظ رواية مسلم. أما والله إني لأتقاكم دكه، وأخشاكم له/ صحيح مسلم 1/ 779 ح 74. (¬3) بقية كلام أبي العباس الذي وصفه المؤلف بالكثرة هو "وكيف يجوز توهم هذا"، وقد تبين أن ذلك إنما شُرع إكرامًا للقِبلة، وهو أعلم بحُرمتها، وأحق بتعظيمها، وكيف يَستهين بحرمة ما حرم الله؟ هذا ما لا يصدق توهمه إلا من جاهل بما يقول، أو غافل عما كان يحترمه الرسول -صلى الله عليه وسلم-/ المفهم/ 1 / ل 94 أ. (¬4) وبهذا ردها الصنعاني أيضًا/ العُدة مع الإِحكام 1/ 248، وقال الحافظ ابن حجر: دعوى خصوصية ذلك بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، لا دليل عليها، إذ الخصائص لا تثبت بالاحتمال/ فتح الباري 1/ 245. (¬5) في شرح الباب السابق، ص 684، وأعاده بتصرف ص 691، وقال: لعل مراد أحمد: أحسنُ في الاستدلال، وأصرح في الرخصة.

[الذي يفرق] (¬1) فيه بين الاستقبال والاستدبار، فيمنع الاستقبال، ويباح الاستدبار (¬2)، وذلك، أن حديث أبي أيوب عام فيهما معًا، والعام إذا ثبت تخصيصه في صورة، كان فيما عداها باقيًا على عمومه، ولم يَخُص حديثُ ابن عمر، مما تناوله حديثُ أبي أيوب، إلا الاستدبار فقط، فَبقي الاستقبال المنهى عنه في حديث أبي أيوب بِحَاله (¬3) ¬

_ (¬1) في الأصل "فيفرق" وما أثبته من "م". (¬2) تقدم هذا المذهب في شرح الباب السابق ص 587 وما بعدها، واقتصر هناك على أنه استدل له بحديث سلمان المتضمن للنهي عن الاستقبال فقط، وقد بينت في التعليق ص 589 أنه استدل له أيضًا بحديث عمر هذا، ولكن على أنه ناسخ لحديث النهي لا مخصص، كما سيذكره المؤلف في باقي كلامه الآتي، وقد رد غير واحد هذا المذهب، لمخالفته للأحاديث الصحيحة المصرحة بالنهي عن الاستقبال والاستدبار معًا / انظر ص 589 ت. (¬3) من قول المؤلف قبل هذا: "إن حديث أبي أيوب عام" إلى هنا، هو من كلام شيخه ابن دقيق العيد، مع تصرف، إلا أن شيخه قد أورده اعتراضًا على من خصص حديث أبي أيوب، بحديث ابن عمر، فجعله دليلًا على جواز الاستقبال والاستدبار معًا للقبلة في البنيان، مع أنه ليس فيه إلا ذكر الاستدبار فقط/ انظر إحكام الأحكام 1/ 250. أما المؤلف فذكره كما ترى لبيان وجه تخصيص جواز الاستدبار فقط سواء في البناء أو الفضاء، من عموم حديث أبي أيوب في النهي عن الاستقبال والاستدبار كذلك. وهذا أيضًا تخصيص غير مسلم به، لكون حديث ابن عمر يشمل صورة واحدة من عموم الاستدبار، وهي ما كان في البنيان، وعلى أي من الوجهين، فإن ابن دقيق العيد ذكر أنه لا يُقال: إن حديث ابن عمر مخصص لحديث أبي أيوب إلا إذا كان حديث أبي أيوب بلفظ واحد عام يَشْمل الاستقبال والاستدبار، فيخرج الاستدبار، من هذا اللفظ الواحد ويبقى الاستقبال، والحال ليس كذلك؛ لأن حديث أبي أيوب جملتان منفصلتان كل منهما عامة في محلها، =

ولا يحسُن في الاستقبال، أن يقاس عليه لأمرين (¬1): أحدهما: أنه أفحش من الاستدبار على كلا (¬2) التعليلين: من ¬

_ = وإحداهما دلت على الاستقبال والأخرى على الاستدبار، وحديث ابن عمر تناول بعض صور عموم إحدى الجملتين، وهي الاستدبار، فأخرج منها الاستدبار في البنيان ونحوها، والجملة الثانية باقية على حالها، لم يتناولها، فلم يتكامل التخصيص. ثم أشار ابن دقيق العيد إلى أنه يمكن دفع هذا الاعتراض بوجه آخر، وهو أن يقال: بقياس الاستقبال في البنيان -وإن كان مسكوتًا عنه- على الاستدبار الذي ورد في حديث ابن عمر، ثم رد ذلك بما سيأتي ذكر المؤلف له في باقي كلامه، مع تصرف يسير، دون عزو لشيخه/ انظر إحكام الأحكام 1/ 255، 251 مع العُدة للصنعاني. (¬1) هذان ذكرهما شيخ المؤلف كما أشرت في التعليق السابق، وهو قد أوردهما هنا مع بعض تصرف وزيادة، ولم يعز شيئًا منهما لشيخه/ انظر إحكام الأحكام لابن دقيق العيد/ الموضع السابق، وقد علق الصنعاني على ذكر هذين الأمرين بقوله: واعلم أن هذا كله مبني على أنه لم يَرِد الدليل على الإِباحة، إلا في حديث ابن عمر الذي لم يُفد (غير) جواز الاستدبار، وقد أسلفنا لك حديث جابر، في جواز الاستقبال، وأنه أخرجه أحمد وأبو داود وابن خزيمة وغيرهم/ العدة للصنعاني 1/ 252. أقول: وحديث جابر تقدم تخريجه في هذا الباب، وسيأتي ذكر المؤلف له قريبًا في الأصل وبيان ما أشار إليه الصنعاني من أن التخصيص يُستفاد من مجموعهما، لكن يلاحظ أن حديث ابن عمر كما تقدم قد شمل صورة واحدة من عموم صور الاستدبار وهي ما كان في بناء ونحوه، فلم يكتمل بالحديثين التخصيص، فبقيت الحاجة لغيرهما من نص أو قياس أو غيرهما. والله أعلم. (¬2) في الأصل "كل" وما أثبته من "م" وهو المستقيم عليه المعنى.

حُرمة القبلة -كما هو الراجح عند أصحاب الإمام مالك رحمه الله- أو من حُرمة المصلين -كما اختاره أصحابُنا- (¬1). الثاني: أنه تقديم للقياس، على مقتضى العموم، وفيه ما فيه (¬2) مما (¬3) هو معروف (¬4) في أصول الفقه. فهذا ما في حديث ابن عمر. ¬

_ (¬1) يعني الشافعية، وقد تقدم في الباب السابق ذكر المؤلف للتعليلين مع دليليهما، وعلقت على ذلك بما خلاصته أن التعليل الثاني قد رده غير واحد من العلماء، وأن التعليل الأول هو المعتمد/ انظر ص 565 - 569، 582 وما بعدها أصل وت. (¬2) لما كان هذا كلام ابن دقيق العيد، فإن الشيخ الصنعاني علق عليه بأن المعنى: وفيه خلاف في الأصول، وأبحاث تطول، ثم قال: ولعل الشارح -يعني ابن دقيق العيد في الإحكام- ممن يختار عدم القول به -أي بتقديم القياس على مقتضى العموم- وإليه أشار بقوله: "فيه ما فيه" أي في هذا الوجه من الضعف الذي ثبت فيه وتقرر، كان أمرًا معروفًا معينًا يكتفي بالإِشارة إليه بالاسم الموصول، وهذه العبارة قد تعورفت بين العلماء في الإِشارة إلى وجه الضعف، وإلا، فإنه يمكن حلها بغير هذا، كان يقال: وفيه من الصحة والرصانة ما فيه/ العُدة للصنعاني - على إحكام الأحكام لابن دقيق العيد 1/ 251. (¬3) في "م" "كما". (¬4) لفظ "معروف" ليس في "م". قال الصنعاني تعليقًا على هذا وتتميمًا لما تقدم: قوله: على ما عرف في الأصول، بيان لذلك الضعف، فإنه قرر الجماعة من أئمة التحقيق القول: بأنه لا يخصص العام بالقياس، ولعل الشارح يعني -ابن دقيق العيد- ممن يختار ذلك، كما يشير اليه بحثه هذا/ انظر العُدة للصنعاني 1/ 252. أقول: ولعله بهذا يتأكد لنا أنه كان على المؤلف عزو هذه النقول إلى شيخه، حيث إنها تعبر عن اختياره لأحد الآراء المختلف فيها.

وأما حديث جابر: "فرأيته قبل أن يُقبَض بعام يستقبلها" ئضمن (¬1) أيضًا الاستقبال، فاستفيد الحُكمان من الحديثين معًا (¬2)، ¬

_ (¬1) في "م" "تظمن" بالماء بدل الضاد، وهذه لهجة سمعتها من أهل نجد والحرمين، كما وجدت بعض طلابي بمدينة الرياض عاصمة المملكة العربية السعودية، وهم في المرحلة الجامعية يكتبون الضاد ظاء، وهكذا سمعتها من بعض الهنود والأفغان، وتلك النسخة ذات الرمز "م" منسوخة في المدينة المنورة، فتأثر كاتبها بتلك اللهجة. (¬2) جرى المؤلف على ما سبق تقريره له من أن فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يدل بمفرده على الجواز على الأقل، وقد تقدم تحقيق أن: استفادة الحكم من الفعل تكون بقرينة أو دليل آخر، وقوله: "استفيد الحكمان من الحديثين" إن كان مراده بالحُكمين الاستقبال والاستدبار المطلقين، فحديث ابن عمر مُقيد بالبنيان، وإن كان مراده الاستقبال المقيد بالبنيان فقط فحديث جابر مطلق، ولذا قال الشوكاني: إن حديث جابر يَرُدُّ على من قال بجواز الاستدبار فقط، سواء قيده بالبنيان، كما ذهب إليه البعض، أو لم يقيده كما ذهب إليه آخرون، ويَرد أيضًا على من قيد جواز الاستقبال والاستدبار بالبنيان لعدم التقييد من جابر. ولِتلَافي هذا الرد ذكر الحافظ ابن حجر: أن حديث جابر محمول على أنه رآه -صلى الله عليه وسلم- في بناء ونحوه؛ لأن ذلك هو المعهود من حاله -صلى الله عليه وسلم-، لمبالغته في التستر/ الفتح 1/ 245 ثم قال في موضع آخر: في الاحتجاج به نظر؛ لأنه حكاية فعل لا عموم لها، فيحتمل أن يكون لعذر، ويحتمل أن يكون في بنيان ونحوه، ومن ذلك ترى أن استفادة حكم الاستقبال من حديث جابر مختلف في تقريره، وليس مسلمًا على إطلاقه كما هو ظاهر ما ذكره المؤلف من أن حديث جابر استفيد منه الاستقبال، بل قال الشوكاني عن حديث ابن عمر أنه يمكن أن يقال فيه ما قيل في حديث جابر من احتمال أن يكون -صلى الله عليه وسلم- فعله لعذر، ورتب على ذلك أنه لا يتم للشافعية ومن معهم الاحتجاج به على تخصيص الجواز بالبنيان/ نيل الأوطار 1/ 100. أقول: وأقرب ما يجاب به عن دفع الشوكاني لاستدلال الشافعية ومن معهم =

ولذلك أودعهما الترمذي كتابه، وقدم حديث الاستقبال، إذ هو (¬1) الأهم، كما أشرنا إليه (¬2) وأخَّر حديث الاستدبار -وإن كان أقوى سندًا وأصح مَخرَجًا- (¬3) ولم يَذكر حديث عائشة/ إلا بطرف منه، لِمَحل الإِرسال (¬4) والاستغناء عنه بما ذكره (¬5). ¬

_ = بحديث ابن عمر، أنه ليس دليلهم الوحيد على قولهم، كما أنه جاء عن ابن عمر نفسه ما يُبعِد اعتبارَ حديثه واقعة حال لعذر ونحوه كما تقدم، وتقدم أيضًا بيان أن قول الشافعية ومن معهم هو أعدل الأقوال. انظر شرح الباب السابق ص 574 - 575، 582، وسيأتي أيضًا إشارة المؤلف إلى اختياره. (¬1) أي الاستقبال. (¬2) حيث قال: إنه أفحش من الاستدبار، كما تقدم قريبًا. وقد تقدم تخريج حديث جابر، وبيان درجته/ انظر ص 652 - 657، وص 693 وما بعدها. (¬3) تقدم تخريج الحديث مجملًا في الأصل وموسعًا في التعليق، مع بيان وجه قوة سنده وصحة مخرجه، وأقرب دليل لذلك كونه متفقًا عليه/ انظر ص 620 - 652، 691، 692. وصنيعه هذا مصداق ما قدمته من أنه اعتُرِض على الترمذي بأنه في غالب الأبواب يبدأ بالأحاديث الغربية الإسناد، وأنه أجيب عنه بأن قصده بيان ما فيها من علل، ثم يبين الصحيح في الإسناد/ انظر ص 316، 317. (¬4) تقدم تخريج حديث عائشة، وبيان إرساله، وإثبات صحة سنده موقوفًا عليها/ 657 - 693. (¬5) أشار المؤلف هنا إلى عدم ذكر الترمذي لحديث عائشة إلا بطرف منه، ولم يشر إلى عدم ذكره أيضًا حديث عمار بن ياسر إلا بالإشارة، كما أنه قد خرج حديث =

وإذا قلنا بالتخصيص، كما (¬1) ذهب إليه الشافعي -رحمه الله- ومن حكينا ذلك عنه (¬2)، فالمختار عند أصحابنا (¬3) أنه إنما يجوز الاستقبال، والاستدبار في البنيان، إذا كان قريبًا من ساتر -جدارٍ أو نحوِه- بحيث يكون بينه وبينه ثلاثَة أذرع فما دونها، وبشرط آخر، وهو: أن يكون الحائل مرتفعًا، بحيث يستر أسافل الإِنسان، وقدروه بأُخْرة (¬4) الرَّحْل، وهي نحو ثُلثي ذراع، فإن زاد ما بينه وبينه على ثلاثة أذرع، أو قَصُر الحائل عن أُخرة الرحل، فهو حرام، كالصحراء (¬5)، إلا إذا كان في بيت (¬6) بُني ¬

_ = عائشة، ولم يخرج حديث عمار، وقد ذكره الهيثمي فقال: وعن عمار بن ياسر قال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- مستقبل القبلة بعد النهي - لغائط أو بول، وقال رواه الطبراني في الكبير، وفيه جعفر بن الزبير، وقد أجمعوا على ضعفه/ مجمع الزوائد 1/ 206. (¬1) في الأصل "مما" وما أثبته من "م". (¬2) انظر ص 574 وما بعدها وقال المؤلف وغيره هناك: إنه الأولى، لما فيه من إعمال مختلف الأدلة. (¬3) يعني الشافعية، وكلام المؤلف من هنا إلى قوله فيما سيأتي: وأشهرهما، أنه ساتر، لحصول الحائل، من كلام النووي في المجموع 2/ 78، 79 مع تصرف، ولم يعز المؤلف إليه شيئًا، كما ترى، وقد تكرر ذلك منه في هذا الباب وغيره مما تقدم، كما أوضحته، ولعل تصرفه فيما ينقله، وإن تفاوت قلة وكثرة هو الذي جعله يعفي نفسه من العزو، وإن كان ذلك غير مُسَلَّم له. (¬4) في المجموع 2/ 78، 79 "مؤخرة" وكذا في الموضع التالي بعد نحو سطر. (¬5) في الأصل "وإلا" وما أثبته من "م" والمجموع 2/ 79. (¬6) في "م" زيادة "كنيف" وليست في المجموع 2/ 79 والمعنى مستقيم بدونها، لأنها تفسير لكلمة "بيت".

[لذلك فلا حرج] (¬1) فيه، كيف (¬2) كان. قالوا (¬3): ولو كان في الصحراء، وتسَتَّر (¬4) بشيء - على [الشرطين المذكورين] (¬5)، زال التحريم. فالاعتبار بوجود الساتر المذكور وعدمه، فيَحِلُّ في الصحراء والبنيان، بوجوده، ويَحرُم فيهما بعدمه (¬6) هذا هو الصحيح، المشهور، عند أصحابنا. ومن الأصحاب من اعتبر الصحراء، والبنيان مطلقًا، ولم يعتبر الحائل، فأباح [في] (¬7) البنيان، بكل حائل، وحَرَّم في الصحراء، بكل حائل (¬8). ¬

_ (¬1) في الأصل وفي "م"، "كذلك فلا حجر" وما أثبته من المجموع 2/ 79 وهو الأنسب للمعنى. (¬2) في م "فكيف" وهي تغير المعنى، حيث تجعل معنى العبارة متعلقًا بما بعدها، لا بما قبلها. (¬3) يعني الأصحاب من الشافعية، كما تقدم أول الكلام. (¬4) في م "أو تستر" وما أثبته موافق لما في المجموع 2/ 79. (¬5) في الأصل، و"م"، "الشرط المذكور" وما أثبته من المجموع 2/ 79 وهو الموافق للمعنى، لأن المتقدم شرطان: أحدهما القرب من الساتر، والثاني ارتفاعه بحيث يستر أسافل الإنسان. (¬6) في الأصل "لعدمه" وما أثبته من "م" وهو متسق مع قوله قبله "بوجوده". (¬7) ليست في الأصل وأثبتها من "م". (¬8) الذي في المجموع 2/ 79 أنه ذكر الماوردي والروياني وجهين: أحدهما هذا، -يعني الوجه المتقدم بشروطه، والثاني: يحل -أي الاستقبال- في البناء مطلقًا بلا شرط، ويحرم في الصحراء مطلقًا، وإن قَرُب من الساتر، ثم قال النووي: والصحيح الأول. اهـ. ومن هذا يُفهم أن الوجه الذي ذكره الماوردي والروياني =

والصحيح الأول: وفرعوا عليه، فقالوا: لا فرق بين أن يكون الساتر: دابة، أو جدارًا، أو وهدة (¬1) أو كثيب رمل، أو جبلًا. [ولو] (¬2) أرخى ذيله مقابل القبلة، ففي حصول الستر وجهان لأصحابنا، أصحهما -عندهم- وأشهرهما: أنه ساتر، لحصول الحائل، والله أعلم. وقول ابن عمر: "رَقِيتُ يومًا على بيت حفصة". قال بعض أهل العلم (¬3): هذا الرُّقِي من ابن عمر، الظاهر منه، أنه لم يكن عن ¬

_ = ليس قاصرًا عن اعتبار البناء والصحراء مطلقًا، كما ذكره المؤلف، ولكنه جامع بين الوجه السابق المقيد بالشرطين، وبين الوجه الثاني غير المقيد، فتأمل. (¬1) الأرض المنخفضة، والحفرة/ المعجم الوسيط 2/ 1059. (¬2) بالأصل و"م" "أو" وما أثبته من المجموع 2/ 79، ولا يستقيم المعنى على ما في الأصل؛ لأنه يقتضي اشتراك الدابة وما بعدها، مع إرخاء الذيل في الاختلاف على كونها تعد ساترًا أو لا؟ وهو الآتي إشارة المؤلف إليه بقوله: "في حصول الستر وجهان ... إلخ" في حين أن الذي في المجموع 2/ 79 تخصيص إرخاء الذيل وحدَه بالخلاف، أما الدابة وما بعدها، إلى الجبل، فلم يُذكَر في عَدِّه ساترًا خلاف. (¬3) هذا القول من هنا إلى قوله: "ما لا يجوز له" الآتي: نَقلَه الأُبِّي عن القاضي بلفظ "قيل ... " بدون تحديد من عياض لقائله/ الأبي على صحيح مسلم 2/ 43، 44، وما ذكره المؤلف فيه تصرف عما نقله الأبي عن عياض، ولم يَستَبْعِدْ ما استبعده المؤلف، وهو الاحتمال الثاني؛ ولكن ما سيأتي ذكره من رواية للبيهقي للحديث، تؤيد استبعاد المؤلف لهذا الاحتمال، وقد تقدم أيضًا أن كون ابن عمر رأى الرسول -صلى الله عليه وسلم- اتفاقًا، لا يؤثر في الاحتجاج بحديثه هذا، وقد فصل الحافظ ابن حجر العبارة في الوجه الأول، واستدل به على حِرْص الصحابي على تتبع أحوال الرسول -صلى الله عليه وسلم- ليتبعها، فقال: ولم يقصد ابن عمر =

قصد الاستكشاف، وإنما كان لحاجة غير ذلك. ويَحْتمِل أن يكون ليطلع على كيفية جلوس النبي -صلى الله عليه وسلم- للحدَث -على تقدير أن يكون قد استشعر ذلك- وأنه تحفَّظ من أن يطلع على ما لا يجوز له. وفي هذا الثاني بُعْد (¬1). والله أعلم. ... انتهى الجزء الثاني ويليه الجزء الثالث وأوله: (باب النهي عن البول قائمًا) ¬

_ = الإشراف على النبي -صلى الله عليه وسلم- في تلك الحالة، وإنما صعد السطح لضرورة -كما في الرواية الآتية-: "فحانت منه التفاتة" كما في رواية للبيهقي من طريق نافع عن ابن عمر، نعم لما اتفقت له رؤيته في تلك الحالة عن غير قصد، أحب أن لا يُخْلِي ذلك من فائدة، فحفظ هذا الحكم الشرعي، وكأنه إنما رآه من جهة ظهره، حتى ساغ له تأمل الكيفية المذكورة من غير محذور، ودل ذلك على شدة حرص الصحابي على تتبع أحوال النبي -صلى الله عليه وسلم- ليتبعه، وكذا كان رضي الله عنه / الفتح 1/ 248. (¬1) يؤيد استبعاد المؤلف لهذا الاحتمال الثاني رواية البيهقي للحديث التي تقدم ذكر الحافظ ابن حجر لها، كما في التعليق السابق، وأيضًا جاء في رواية أبي أمية الطرسوسي للحديث من طريق أيوب بن عتبة، أن أيوب قال -عقب روايته للحديث-: كأنه -يعني ابن عمر- فجِئهُ -صلى الله عليه وسلم-/ مسند ابن عمر للطرسوسي/ 39. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، تسليمًا كثيرًا.

أهم المراجع

أهم المراجع (¬1) حرف الألف 1 - الآحاد والمثاني، لابن أبي عاصم (مخطوط). 2 - آداب الشافعي ومناقبه، لابن أبي حاتم الرازي، بتحقيق الشيخ عبد الغني عبد الخالق، ط دار الكتب العلمية، بيروت. 3 - إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين، لمحمد بن محمد الحسيني، المشهور بمرتضى الزبيدي، وبهامشه الإِحياء، تصنيف الإمام الغزالي، الناشر دار الفكر. 4 - الإِحسان في تقريب صحيح ابن حبان، ترتيب الأمير علاء الفارسي، ضبط وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الناشر محمد عبد المحسن الكتبي بالمدينة المنورة سنة 1390، والطبعة الكاملة بتحقيق كمال يوسف الحوت، ط. مؤسسة الكتب الثقافية، بيروت، سنة 1407 هـ. 5 - إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد، ط. مصورة بدار الكتب العلمية، بيروت، ومعه العدة على إحكام الأحكام للصنعاني. 6 - الأحكام الكبرى، لعبد الحق الإِشبيلي، مخطوط. 7 - أخبار القضاة، لوكيع، طبع ونشر عالم الكتب، بيروت. 8 - اختلاف الحديث للإِمام الشافعي، بهامش الجزء السابع من كتاب الأم للشافعي. 9 - إرشاد الساري بشرح البخاري، تأليف الإمام القسطلاني، نشر دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان سنة 1043 هـ، شرح النووي لصحيح مسلم. 10 - أساس البلاغة، للزمخشري جار الله أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري، طبع دار صادر بدون تاريخ. ¬

_ (¬1) ما لم أذكر تاريخ طبعه أو مكانه، فلم أجد ذلك على الطبعة التي استعملتها.

11 - الاستذكار لمذاهب فقهاء الأمصار، وعلماء الأقطار فيما تضمن الموطأ من معاني الرأي والآثار، لابن عبد البر القرطبي، تحقيق الأستاذ علي النجدي، طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بالقاهرة. 12 - الاستيعاب في معرفة الأصحاب، لابن عبد البر القرطبي، بهامش الإصابة. 13 - أسد الغابة في معرفة الصحابة، لعلي بن محمد المعروف بابن الأثير، ط. دار إحياء التراث العربي، بيروت - لبنان. 14 - الاشتقاق، لأبي بكر بن محمد بن الحسن بن دريد، تحقيق عبد السلام هارون، طبع الخانجي بمصر سنة 1378 هـ. 15 - الإِصابة في تمييز الصحابة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، طبع دار صادر بيروت، بدون تاريخ، ومعه الاستيعاب. 16 - أطراف الغرائب، للدارقطني لأبي الفضل ابن طاهر المقدسي، مخطوط بدار الكتب المصرية. 17 - الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الأخبار، لأبي بكر محمد بن موسى الحازمي، بتصحيح راتب حكمي، ط. حمص سنة 1386 هـ. 18 - الإِفصاح عن معاني الصحاح، في اتفاق أئمة الفقهاء واختلافهم، تأليف يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي، ط. المؤسسة السعيدية بالرياض سنة 1380. 19 - إكمال إكمال المعلم، للإِمام أبي عبد الله الأبي، طبع ونشر دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان. 20 - الإِكمال في رفع الارتياب عن المؤتلف والمختلف في الأسماء والكنى والأنساب، للأمير الحافظ ابن ماكولا، الناشر محمد أمين دمج، بيروت - لبنان، بدون تاريخ. 21 - ألفية السيوطي، وشرحها المسمى منهج ذوي النظر، تأليف محمد محفوظ الترمسي، طبعة رابعة بدار الفكر، بيروت سنة 1401 هـ، مصورة عن الطبعة الأولى. 22 - الأم، للإِمام الشافعي وبهامشه: اختلاف الحديث له، ط. دار الشعب بالقاهرة. 23 - الإمام الترمذي والموازنة بين جامعه وبين الصحيحين، الدكتور نور الدين عتر، ط. لجنة التأليف والترجمة والنشر بمصر سنة 1390 هـ. 24 - الأنساب، لأبي سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور التميمي السمعاني، حقق نصوصه وعلق عليه الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي اليماني، الطبعة الثانية سنة 1400 هـ - 1980 م، الناشر محمد أمين دمج، بيروت.

حرف الباء

25 - أوجز المسالك إلى موطأ مالك، للشيخ محمد زكريا الكاندهلوي، ط. دار الفكر، بيروت سنة 1400 هـ. 26 - الأوسط في السنن والإِجماع والاختلاف، لمحمد بن إبراهيم بن المنذر، تحقيق الدكتور أبو حماد صغير، طبع دار طيبة بالرياض سنة 1405 هـ. حرف الباء 1 - البداية والنهاية في التاريخ، للإِمام الحافظ عماد الدين ابن كثير، تحقيق وتصحيح محمد عبد العزيز النجار، نشر مكتبة الأصمعي للنشر والتوزيع وآخرين. 2 - البدر المنير في تخريج أحاديث شرح الرافعي الكبير، لسراج الدين عمر بن علي المعروف بابن الملقن، (مخطوط). 3 - بذل المجهود في حل أبي داود، للشيخ خليل أحمد السهار نفوري، طبع دار الكتب العلمية، بيروت. 4 - برنامج التجيبي، للقاسم بن يوسف التجيبي، تحقيق وإعداد عبد الحفيظ منصور، طبع الدار العربية للكتاب بليبيا وتونس سنة 1981 م. 5 - بيان الوهم والإِيهام الواقعين في الأحكام الكبرى، لعبد الحق الإِشبيلي، تأليف أبو الحسن علي بن القطان المعروف بابن الخراط، مخطوط. حرف التاء 1 - التأنيس بشرح منظومة الذهبي في أهل التدليس، للشيخ عبد العزيز الغماري، طبع مؤسسة الرسالة، بيروت. 2 - تاج العروس بشرح القاموس، لمحمد بن محمد الحسيني المعروف بمرتضى الزبيدي. 3 - تاريخ أصبهان (انظر ذكر أخبار أصبهان). 4 - تاريخ الأمم والملوك، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، بتحقيق د. محمد أبو الفضل إبراهيم، ومعه ذيل المذيل، ط. دار سويدان، بيروت. 5 - التاريخ الأوسط للبخاري (انظر التاريخ الصغير له). 6 - تاريخ بغداد أو "مدينة السلام"، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، الناشر دار الكتب العربي، بيروت. 7 - تاريخ التراث العربي، للدكتور فؤاد سزكين، عرّبه د. محمود فهمي حجازي، راجعه د. عرفه مصطفى ود. سعيد عبد الرحيم، ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإِسلامية سنة 1403 هـ.

8 - تاريخ الثقات (انظر الثقات لابن شاهين). 9 - تاريخ جرجان، لحمزة بن يوسف السهمي، تحت مراقبة د. محمد عبد المعين خان، الطبعة الثالثة 1401 هـ - 1981 م، وبآخره قطعة من كتاب "الرواة المختلف فيهم" لابن شاهين. 10 - تاريخ خليفة بن خياط، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، الطبعة الثانية 1397 هـ - 1977 م، الناشر دار القلم، دمشق. 11 - التاريخ الصغير لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، والظاهر أنه التاريخ الأوسط، ويليه كتاب الضعفاء الصغير للبخاري أيضًا. 12 - تاريخ عثمان الدارمي عن ابن معين، بتحقيق الدكتور أحمد نور سيف، ط. المركز العلمي بجامعة أم القرى 1400 هـ. 13 - التاريخ الكبير، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، الناشر دار الكتب العلمية بيروت، مصورًا عن الطبعة الهندية بإشراف الدكتور محمد عبد المعين خان. 14 - تاريخ واسط، لأسلم بن سهل المعروف ببحشل، تحقيق كوركيس عواد، ط. مصورة، عالم الكتب بيروت، سنة 1406 هـ. 15 - التاريخ وأسماء المحدثين وكُنَاهم، للمقدمي (مخطوط). 16 - تاريخ يحيى بن معين، من رواية عباس الدوري، (مع يحيى بن معين وكتابه التاريخ). 17 - تبصير المنتبه بتحرير المشتبه، لابن حجر العسقلاني، تحقيق علي محمد البجاوي، مراجعة محمد علي النجار، ط. المؤسسة المصرية العامة للتأليف والأنباء والنشر. 18 - التبيين لأسماء المدلسين، للبرهان الحلبي (ضمن المجموعة الكمالية). 19 - تجريد الصحابة، للذهبي، بتصحيح صالحة بنت عبد الحكيم شرف الدين، ط. دار المعرفة بيروت، عن الطبعة الهندية الأولى سنة 1389 هـ. 20 - تحفة الأحوذي شرح جامع الترمذي، للإمام الحافظ محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركافوري، ومعها جامع الترمذي، صححه عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية بالمدينة المنورة، ط. ثانية سنة 1386 هـ. 21 - تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف، للحافظ أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، وبهامشه النكت الظراف على الأطراف للحافظ ابن حجر العسقلاني، تحقيق عبد الصمد شرف الدين، ط. الدار القيمة الهند. 22 - تحفة التحصيل في ذكر رواه المراسيل، تأليف أحمد بن عبد الرحيم المعروف بأبي زرعة بن العراقي، مخطوط.

23 - تخريج الدلالات السمعية على ما كان في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من الحرف والصنائع والعمالات الشرعية، لأبي الحسن علي بن محمد المعروف بالخزاعي التلمساني، ط. المجلس الأعلى للشؤون الإِسلامية بالقاهرة سنة 1401 هـ. 24 - تدريب الراوي في شرح تقريب النواوي، لجلال الدين السيوطي، بتحقيق شيخنا الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف رحمه الله، ط. دار الكتب الحديثة بالقاهرة، سنة 1385 هـ. 25 - تذكرة الحفاظ، للذهبي، بتحقيق الشيخ عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله، الناشر دار إحياء التراث العربي ببيروت. 26 - تذهيب تهذيب الكمال، للذهبي، مخطوط. 27 - تراجم الأحبار من رجال شرح معاني الآثار، للطبيب العالم محمد أيوب المظاهر، طبع باهتمام المولوي الحافظ محمد إلياس، نشر المكتبة الخليلية، سهارنفور - الهند. 28 - ترتيب الثقات للعجلي، لنور الدين الهيثمي، نسخة مصورة على ورق بجامعة الملك سعود برقم (42 ص) والمطبوع. 29 - ترتيب علل الترمذي الكبير، لأبي طالب القاضي، مخطوط، والطبعة المحققة: بتحقيق الأستاذ حمزة ديب مصطفى، نشر مكتبة الأقصى بالأردن سنة 1456 هـ. 30 - ترجمة الزهري من تاريخ دمشق لابن عساكر، حققها الأخ الأستاذ شكر الله قوجاني، ط. مؤسسة الرسالة بيروت سنة 1402 هـ. 31 - الترغيب والترهيب من الحديث الشريف، للحافظ عبد العظيم المنذري، ضبط وتصحيح مصطفى محمد عمارة، نشر الشيخ عبد الله الأنصاري بدولة قطر. 32 - تسمية قضاة مصر، لأبي عمر محمد بن يوسف الكندي، مع تاريخ ولاة عصر للمؤلف نفسه، ط. مؤسسة الكتب الثقافية بيروت، سنة 1407 هـ. 33 - تعجيل المنقعة بزوائد رجال الأئمة الأربعة، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، الناشر دار الكتاب العربي بيروت، مصور عن الطبعة الهندية. 34 - التعديل والتجريح لمن خرج له البخاري في الجامع الصحيع.، تحقيق الأخ د. أبو لبابة الطاهر حسين، ط. دار اللواء بالرياض، سنة 1407 هـ. 35 - تعريف أهل التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس، لابن حجر العسقلاني، ومعه منظومه الذهبي، ومنظومة تلميذه أبي محمود المقدسي، كلاهما في ذكر المدلسين أيضًا، والثلاثة بتحقيق الأخ الدكتور عاصم القريوني، ط. الأولى بمكتبة المنار بالأردن؛ وط. أخرى للطبقات فقط بتحقيق د. عبد الغفار البنداري؛ وآخر نشر

دار الباز بمكة المكرمة، ط. سنة 1405 هـ؛ وطبعة أخرى بتصحيح عبد الرؤوف سعد، نشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة. 36 - التعليق الحمود على منحة المعبود، تأليف الشيخ الساعاتي (مع منحة المعبود). 37 - التعليق المغني على سنن الدارقطني، للمحدث العلامة أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي (مع سنن الدارقطني). 38 - تقريب التهذيب، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تحقيق شيخنا الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف رحمه الله، نشر المكتبة العلمية بالمدينة المنورة، ط. دار المعرفة ببيروت، الطبعة الثانية، 1395 هـ - 1975 م؛ وطبعة أخرى بتحقيق الشيخ محمد عوامة، ط. دار الرشيد حلب - سوريا، سنة 1405 هـ. 39 - التقييد لمعرفة الرواة والسنن والمسانيد، لأبي بكر محمد بن عبد الغني المعروف بابن نقطة، نسخة بالمعهد البريطاني، صورتها بجامعة الملك سعود برقم 26، والنسخة المطبوعة بدائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد بالهند بإشراف السيد شرف الدين أحمد، سنة 1404 هـ - 1984 م. 40 - التقييد والإِيضاح لما أطلق وأغلق من كتاب ابن الصلاح، للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، تصحيح عبد الرحمن محمد عثمان، نشر المكتبة السلفية بالمدينة، ط. الأولى سنة 1389 هـ، ومعه مقدمة ابن الصلاح. 41 - تكملة العراقي لشرح الترمذي، مخطوط بمكتبة لاله لي برقم (510). 42 - التكملة لوفيات النقلة، لزكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي المنذري سنة 656 هـ، حققه وعلق عليه د. بشار عواد معروف، الطبعة الثانية سنة 1401 هـ - سنة 1981 م، الناشر مؤسسة الرسالة ببيروت. 43 - التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير، للإِمام أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، تصحيح السيد عبد الله هاشم اليماني المدني، نشر وتوزيع المكتبة السلفية، المدينة المنورة، ط. مصورة. 44 - تلخيص مستدرك الحاكم، للإِمام الذهبي (بهامش المستدرك للحاكم). 45 - تلقيح فهوم أهل الأثر في المغازي والسير، لعبد الرحمن بن الجوزي. 46 - التمهيد بما في الموطأ من المعاني والأسانيد، تأليف أبي عمر يوسف بن عبد الله المعروف بابن عبد البر القرطبي، تحقيق مصطفى العلوي وآخرين، طبع وزارة الأوقاف المغربية، سنة 1404 هـ وما بعدها.

حرف الثاء

47 - تنوير الحوالك شرح موطأ الإمام مالك، للسيوطي. 48 - تهذيب الآثار، لأبي جعفر الطبري، تحقيق الأستاذ محمود محمد شاكر، طبع مطبعة المدني بالقاهرة سنة 1982 م. 49 - تهذيب الأسماء واللغات، لمحيي الدين النووي، بعناية جماعة من العلماء بإشراف دار الطباعة المنيرية، ط. مصورة بدار الكتب العلمية. 50 - تهذيب التهذيب، لابن حجر العسقلاني، مصورة عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة العارف النظامية الكائية في الهند، حيدرآبار، الناشر دار صادر. 51 - تهذيب سنن أبي داود، للإِمام ابن القيم، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر، وحامد الفقي، نشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت - لبنان. 52 - تهذيب الكمال في أسماء الرجال، جمال الدين أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن المزي، الناشر دار المأمون للتراث، مصورة عن النسخة المحفوظة بدار الكتب المصرية. 53 - توجيه القارئ إلى القواعد والفوائد الأصولية والحديثية والإِسنادية في فتح الباري، جمع وترتيب حافظ ثناء الله الزاهدي، ط. مجلس التحقيق الأثري، بجهلم - باكستان سنة 1406 هـ. 54 - التيسير بشرح الجامع الصغير، للمناوي، طبعة مصورة بالمكتب الإِسلامي، بيروت. حرف الثاء 1 - الثقات، لأبي حفص عمر بن شاهين، بتحقيق الشيخ صبحي السامرائي، ط. الأولى بالدار السلفية بالكويت سنة 1404 هـ؛ وبتحقيق الشيخ صالح المحطب، رسالة ماجستير، بكلية أصول الدين بالرياض على الآلة الكاتبة سنة 1402 هـ. 2 - الثقات، لمحمد بن حبان بن أحمد، أبي حاتم التميمي البستي، الطبعة الأولى 1393 هـ - 1973 م، بمطبعة مجلس دائرة العارف العثمانية بحيدرآباد. حرف الجيم 1 - جامع الأصول، للإِمام مجد الدين المبارك بن محمد المعروف بابن الأثير، تحقيق عبد القادر الأرنؤوط، توزيع ونشر مكتبة الحلواني وغيرها، سنة 1390 هـ. 2 - جامع بيان العلم وفضله، لأبي عمر يوسف بن عبد الله، المعروف بابن عبد البر

القرطبي، بتصحيح إدارة الطباعة المنيرية بالقاهرة، ط. مصورة بدار الكتب العلمية بيروت سنة 1398 هـ. 3 - جامع التحصيل في أحكام المراسيل، لصلاح الدين أبي سعيد خليل بن كيكلدي العلائي، حققه الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، الطبعة الأولى 1398 هـ - 1978 م، وزارة الأوقاف - العراق، الدَّار العربية - للطباعة بالعراق، وطبعة عالم الكتب سنة 1406 هـ. 4 - جامع الترمذي، للإِمام أبي عيسى الترمذي تحقيق شيخنا الشيخ عبد الوهاب عبد اللطيف، والشيخ أحمد شاكر، وعبد الرحمن محمد عثمان، نشر دار الفكر للطباعة والنشر، ط. بيروت، ونسخة خطية مصورة عن نسخة مكتبة محمود باشا، باستانبول رقم 30. 5 - الجامع الصحيح، للإِمام البخاري، بترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، مع شرحه فتح الباري. 6 - الجامع الصحيح، للإِمام مسلم بن الحجاج، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبع ونشر وتوزيع رئاسة إدارات البحوث العلمية والإِفتاء والدعوة والإِرشاد، السعودية سنة 1400 هـ. 7 - الجامع الكبير، المعروف بجمع الجوامع في الحديث، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ط. مصورة عن نسخة خطية بدار الكتب المصرية رقم 95 قولة، ط. الهيئة المصرية للكتاب سنة 1978 م. 8 - الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، تأليف الحافظ الخطيب البغدادي، تحقيق د. محمود الطحان، نشر وتوزيع مكتبة المعارف سنة 1403 هـ؛ وبتحقيق الأخ د. محمد رأفت سعيد، وط. ونشر مكتبة الفلاح الكويت سنة 1401 هـ. 9 - الجرح والتعديل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي، مصور عن الطبعة الأولى بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية، حيدرآباد - الهند سنة 1371 هـ - 1952 م، الناشر دار الكتب العلمية بيروت. 10 - جمهرة أنساب العرب، لأبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم، بتحقيق د. عبد السلام هارون، الطبعة الرابعة بدار المعارف بمصر. 11 - الجوهر النقي في الرد على البيهقي، لعلاء الدين بن علي، المعروف بابن التركماني، بذيل السنن الكبرى للبيهقي.

حرف الحاء

حرف الحاء 1 - حاشية الإمام السندي على سنن النسائي، مع سنن النسائي الصغرى. 2 - حاشية السيوطي على سنن النسائي، مع سنن النسائي أيضًا. 3 - حاشية السندي على سنن ابن ماجة (مع سنن ابن ماجة). 4 - حلية الأولياء وطبقات الأصفياء، لأبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، الناشر دار الكتاب العربي بيروت، الطبعة الثالثة سنة 1400 هـ - 1980 م. حرف الخاء 1 - خصائص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، للإِمام النسائي، صححه عبد الرحمن حسن محمود، نشر مكتبة الآداب ومطبعتها بالقاهرة. 2 - الخطط التوفيقية، لعلي مبارك، ط. بولاق سنة 1300 هـ. 3 - خطط مصر والقاهرة، لأحمد بن عبد القادر المقريزي، ط. أوفست مكتبة المثنى ببغداد، بدون تاريخ. 4 - خلاصة البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير للرافعي، تأليف سراج الدين عمربن علي المعروف بابن الملقن، بتحقيق الشيخ حمدي السلفي، ط. دار الرشد بالرياض سنة 1407 هـ. 5 - خلاصة تذهيب تهذيب الكمال في أسماء الرجال، لصفي الدين أحمد بن عبد الله الخزرجي الأنصاري، الناشر مكتب المطبوعات الإِسلامية حلب، الطبعة الثانية سنة 1391 هـ - سنة 1971 م، مع مقدمة للكتاب بقلم شيخنا الأستاذ عبد الفتاح أبو غدة. 6 - الخلاصة في أصول الحديث، للحسين بن عبد الله الطيبي، بتحقيق الأستاذ صبحي السامرائي، نشر ديوان الأوقاف العراقية سنة 1391 هـ. حرف الدال 1 - الدر المنثور في تفسير القرآن بالمأثور، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، ط. مصورة بدار المعرفة بيروت، عن الطبعة الميمنية بالقاهرة. 2 - دلائل النبوة، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، بتحقيق د. عبد المعطي قلعجي، ط. أولى بدار الكتب العلمية ببيروت سنة 1405 هـ. 3 - الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب، لابن فرحون المالكي سنة 999 هـ، تحقيق وتعليق د. محمد الأحمدي أبو النور، الناشر، دار اللواء للنشر والتوزيع، الرياض دار التراث للطبع والنشر بالقاهرة.

حرف الذال

4 - ديوان الضعفاء والمتروكين، للإِمام شمس الدين محمد بن أحمد، المعروف بالذهبي، بتحقيق فضيلة الشيخ حماد الأنصاري، ط. أولى بمكتبة النهضة الحديثة بمكة الكرمة سنة 1378 هـ. حرف الذال 1 - ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الأحاديث، تصنيف الإمام عبد الغني النابلسي، مصورة عن طبعة طهران بدون تاريخ، نشر عباس الباز بمكة الكرمة. 2 - ذكر أخبار أصبهان، للحافظ أبي نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، مع فهرس لأحاديثه مرتب هجائيًا، ط. الدار العلمية، دلهي سنة 1405 هـ. 3 - ذيول تذكرة الحفاظ، للحسيني، وتقي الدين ابن فهد، وجلال الدين السيوطي، ط. مصورة بدار إحياء التراث العربي عن طبعة حسام الدين القدسي بالقاهرة. حرف الراء 1 - رسالة في الجرح والتعديل، للحافظ عبد العظيم المنذري، حققه وعلق عليه الدكتور عبد الرحمن الفريوائي، طبع مكتبة دار الأقصى بالكويت سنة 1406 هـ. 2 - الرسالة المستطرفة لبيان مشهور كتب السنة المشرفة، للإِمام أبي جعفر الكتاني رحمه الله، طبع دار الكتب العلمية، بيروت - لبنان، عن الطبعة الأولى سنة 1332 هـ. 3 - الرواة المختلف فيهم، لابن شاهين (مع تاريخ جرجان للسهمي). 4 - الرياض المستطابة في جملة من روى عنه في الصحيحين من الصحابة، ليحيى بن أبي بكر العامري، بإشراف الشيخ عبد الله بن إبراهيم الأنصاري والشيخ عبد التواب هيكل، طبع على نفقة الشؤون الدينية بوزارة التربية والتعليم القطرية سنة 1400 هـ. حرف الزاي 1 - أبو زرعة الرازي وجهوده في السنة النبوية، مع تحقيق كتابه الضعفاء وأجوبته على أسئلة البرذعي، دراسة وتحقيق د. سعدي الهاشمي، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإِسلامية سنة 1402 هـ. 2 - زوائد ابن ماجة، للبوصيري (انظر مصباح الزجاجة). 3 - زوائد مسند البزار (انظر كشف الأستار).

حرف السين

حرف السين 1 - سؤالات الآجري لأبي داود السجستاني في الجرح والتعديل، قطعة محققة بتحقيق الأستاذ محمد علي العمري، ط. المجلس العلمي بالجامعة الإِسلامية بالمدينة المنورة سنة 1403 هـ. 2 - سؤالات ابن محرز لابن معين وغيره في معرفة أحوال الرجال، بتحقيق محمد كامل القصّار وآخرين، ط. مجمع اللغة العربية دمشق سنة 1405 هـ. 3 - سؤالات البرذعي، لأبي زرعة الرازي مع الضعفاء له. 4 - سؤالات اليرقاني للدارقطني، بتحقيق الدكتور عبد الرحيم القسقري، ط. باكستان، وبتحقيق الشيخ خليل حمادة ضمن رسالته للماجستير مكتوبة على الآلة الكاتبة سنة 1403 هـ بكلية أصول الدين بالرياض.

5 - السابق واللاحق في تباعد ما بين وفاة راويين عن شيخ واحد، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، تحقيق ودراسة محمد بن مطر الزهراني، الناشر دار طيبة بالرياض، الطبعة الأولى سنة 1402 هـ - 1982 م. 6 - سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة، تخريج وتعليق محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإِسلامي بيروت، ط. رابعة سنة 1398 هـ. 7 - السنة ومكانتها في التشريع، للدكتور مصطفى السباعي رحمه الله، ط. ثانية بالمكتب الإِسلامي بيروت. 8 - سنن أبي داود، تحقيق وتصحيح عزت الدعاس، نشر وتوزيع محمد علي السيد حمص، والنسخة المطبوعة مع عون المعبود، والمطبوعة مع بذل المجهود. 9 - سنن ابن ماجة القزويني، مع حاشية السندي عليها، ط. مصورة بدار الفكر بيروت، وبتصحيح وترقيم الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عيسى الحلبي بالقاهرة سنة 1972 م؛ وبتحقيق وفهرسة د. محمد مصطفى الأعظمي، ط. ثانية بشركة الطباعة العربية السعودية بالرياض سنة 1404 هـ. 10 - السنن الأبين والمورد الأمعن في المحاكمة بين الإِمامين في السند المعنعن، لأبي عبد الله محمد بن عمر، المعروف بابن رشيد، تقديم وتحقيق الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، الدار التونسية للنشر سنة 1397 هـ. 11 - سنن الدارقطني، للإِمام علي بن عمر الدارقطني، بتصحيح السيد عبد الله هاشم يماني المدني، طبع سنة 1386 هـ بالقاهرة، ط. مصورة عنها بفيصل آباد باكستان، ومعها التعليق المغني للشيخ محمد شمس الحق العظيم آبادي. 12 - سنن الدارمي، للإِمام أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي، تخريج وتصحيح السيد عبد الله هاشم يماني المدني، طبع دار المحاسن بالقاهرة سنة 1376 هـ، ط. مصورة عنها بباكستان فيصل آباد.

13 - السنن الكبرى، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، ومعه الجوهر النقي في الرد على البيهقي، ط. دار الفكر. 14 - السنن الكبرى، للإِمام النسائي، صورة ورقية عن نسخة مراد ملا.

15 - (*) سنن النسائي الصغرى، مصورة من الطبعة الأولى سنة 1948 م، ومعها حاشية السندي وحاشية السيوطي، ط. مصورة بدار الفكر بيروت. 16 - سير أعلام النبلاء، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، أشرف على تحقيق اليهاب وخرج أحاديثه الشيخ شعيب الأرنؤوط، حقق الجزء الأول حسين الأسد، الطبعة الثانية 1402 هـ، الناشر مؤسسة الرسالة بيروت. 17 - السيرة النبوية، لابن هشام، بتحقيق الشيخ محيي الدين عبد الحميد، ط. دار الشعب بالقاهرة. 18 - السيرة النبوية، لمحمد بن إسحق، قطعة بتحقيق وتقديم د. محمد حميد الله، ط. قونية - تركيا سنة 1401 هـ.

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: حدث خلل طباعي في ترتيب مراجع حرفي السين والشين فتم إصلاحه، مع إبقاء النصوص في صفحاتها

حرف الشين

حرف الشين 1 - شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن مخلوف، ط. مصورة عن الطبعة الأولى سنة 1349 هـ، نشر دار الكتاب العربي. 2 - شذرات الذهب في أخبار من ذهب، لأبي الفرج عبد الحي بن العماد الحنبلي المتوفى 1089، ط. دار إحياء التراث العربي بيروت. 3 - شرح ألفية العراقي المسماة بالتبصرة والتذكرة، كلاهما للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، ط. مصورة لدار الباز مكة المكرمة، ومعه فتح الباقي بشرح ألفية العراقي للشيخ زكريا الأنصاري. 4 - شرح تقريب النووي في المصطلح، للإِمام محمد بن عبد الرحمن السخاوي، مخطوط.

5 - شرح الحافظ جلال الدين السيوطي على سنن النسائي (مع سنن النسائي). 6 - شرح السنة، للإِمام محيي السنة الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق وتخريج الشيخ شعيب الأرنؤوط ومحمد زهير الشاويش، ط. أولى بالمكتب الإِسلامي سنة 1390 هـ. 7 - شرح شرح نحبة الفكر للحافظ ابن حجر، لعلي بن سلطان القاري، ط. دار الفكر العلمية، بيروت 1398 هـ. 8 - شرح صحيح مسلم، للإِمام النووي (مع إرشاد الساري شرح صحيح البخاري).

حرف الصاد

9 - شرح علل الترمذي، للإِمام عبد الرحمن بن أحمد بن رجب الحنبلي، تحقيق وتعليق د. نور الدين عتر، نشر دار الملاح للطباعة والنشر، سوريا سنة 1389 هـ؛ وبتحقيق الأخ الدكتور همام عبد الرحيم سعيد، نسخة على الآلة الكاتبة، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين بالأزهر. 10 - شرح منظومة الذهبي في أهل التدليس، للشيخ عبد العزيز الغماري (انظر التأنيس). 11 - شرح نخبة الفكر، للحافظ ابن حجر (ضمن مجموعة الرسائل الكمالية رقم 2)، ط. مكتبة المعارف، الطائف - السعودية. 12 - شروط الأئمة الستة، للحافظ أبي الفضل محمد بن طاهر المقدسي، ويليه شروط الأئمة الخمسة للحافظ أبي بكر محمد بن موسى الحازمي، طبع ونشر وتوزيع دار زاهد القدسي، مصورة عن طبعة القاهرة سنة 1357 هـ. 13 - شواهد التوضيح والتصحيح لشكلات الجامع الصحيح، لجمال الدين محمد بن عبد الله النحوي، بتحقيق الشيخ محمد فؤاد عبد الباقي، ط. عالم الكتب، بيروت. حرف الصاد 1 - الصارم المُنْكي في الرد على السبكي، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي، بتصحيح الشيخ إسماعيل بن محمد الأنصاري، طبع دار الإِفتاء، السعودية 1403 هـ. 2 - الصحاح في اللغة، لإِسماعيل بن حماد الجوهري، تحقيق أحمد عبد الغفور عطار، ط. دار العلم للملايين ببيروت سنة 1399 هـ. 3 - صحيح ابن خزيمة، لأبي بكر محمد بن إسحق بن خزيمة، تحقيق وتعليق د. محمد مصطفى الأعظمي والشيخ محمد ناصر الدين الألباني، ط. المكتب الإِسلامي سنة 1395 هـ. 4 - صحيح مسلم، انظر (الجامع الصحيح). 5 - صحيح البخاري، انظر (الجامع الصحيح).

حرف الضاد

حرف الضاد 1 - الضعفاء، للعقيلي أبو جعفر محمد بن عمرو المكي، بتحقيق د. عبد المعطي أمين قلعجي، ط. دار الكتب العلمية لبنان؛ ونسخة مصورة عن نسخة الظاهرية، جامعة الإمام محمد بن سعود برقم 4738/ 4742. 2 - الضعفاء والمتروكين، لابن الجوزي، نسخة مصورة عن نسخة المكتبة الأزهرية، جامعة الملك سعود برقم ف / 126؛ والمطبوعة بتحقحق الأخ د. عبد القادر سليمان الأفغاني على الآلة الكاتبة، رسالة دكتوراه بالأزهر؛ وبتصحيح أبي الفداء عبد الله القاضي، ط. دار الكتب العلمية بيروت، نشر دار الباز مكة المكرمة سنة 1406 هـ. 3 - الضعفاء والمتروكين، لأبي عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، وبهوامشها التعليقات للإِمامين أبي الطيب محمد شمس الحق العظيم آبادي، والشيخ محمد محيي الدين إله آبادي، الناشر إدارة ترجمان السنة لاهور، سنة 1397 هـ - 1977 م. 4 - ضعيف الجامع الصغير وزيادته، للشيخ محمد ناصر الدين الألباني، نشر المكتب الإِسلامي بيروت، ط. ثانية سنة 1399 هـ. حرف الطاء 1 - الطبقات، لأبي عمر خليفة بن خياط العصفري، حققه د. أكرم ضياء العمري، الناشر دار طيبة الرياض، الطبعة الثانية 1402 هـ - 1982 م. 2 - طبقات الحفاظ، لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي، تحقيق د. علي عمر، ط. القاهرة سنة 1393 هـ. 3 - طبقات الحنابلة، للقاضي أبي الحسين محمد بن أبي يعلى، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، بدون تاريخ. 4 - طبقات الشافعية الكبرى، لشيخ الإسلام تاج الدين السبكي، بتحقيق د. محمود الطناحي، ود. عبد الفتاح الحلو، مكتبة الحلبي القاهرة؛ ومصورة عن الطبعة الثانية بالأوفست، الناشر دار المعرفة للطباعة والنشر والتوزيع بيروت. 6 - (*) طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة، بتحقيق د. عبد العليم خان، ط. دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد بالهند، سنة 1399 هـ. 7 - طبقات القراء، لابن الجزري (انظر غاية النهاية). 8 - الطبقات الكبرى، لمحمد بن سعد، ط. دار التحرير بالقاهرة سنة 1388 هـ، عن الطبعة الأوروبية؛ وط. دار صادر بيروت؛ والقطعة المحققة بتحقيق د. زياد منصور،

_ (*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا الرقم بالمطبوع

حرف العين

ط. المجلس العلمي بالجامعة الإِسلامية بالمدينة النورة سنة 1403 هـ. 8 - طبقات المدلسين (انظر تعريف أهل التقديس). حرف العين 1 - عارضة الأحوذي في شرح جامع الترمذي، لأبي بكر بن العربي، ومعها جامع الترمذي، ط. دار الكتب العلمية بيروت. 2 - العبر في خبر من غبر، للذهبي، بتحقيق الدكتور صلاح المنجد، طبع حكومة الكويت، طبعة ثانية سنة 1984 م. 3 - عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النسب، تأليف الإمام أبي بكر محمد بن علي الحازمي، تحقيق وتعليق عبد الله كانون، الطبعة الثانية، القاهرة المطابع الأميرية سنة 1393 هـ. 4 - العقد الفريد، لابن عبد ربه، ط. بيروت. 5 - علل الحديث، لأبي محمد عبد الرحمن ابن أبي حاتم الرازي، على نفقة الشيخ محمد نصيف وشركاه، ط. مصورة، دار السلام بحلب. 6 - العلل الكبير للترمذي (انظر ترتيب العلل). 7 - العلل المتناهية في الأحاديث الواهية، لعبد الرحمن بن علي الجوزي، حققه وعلق عليه الأستاذ إرشاد الحق الآثري، الناشر إدارة ترجمان السنة لاهور. 8 - العلل الواردة في الأحاديث، للحافظ علي بن عمر الدارقطني، بتحقيق د. محفوظ الرحمن السلفي، ط. أولى بدار طيبة الرياض، سنة 1405 هـ وما بعدها. 9 - عمدة القارئ شرح صحيح البخاري، لبدر الدين محمود بن أحمد العيني، ط. دار الفكر بيروت، وطبع مصطفى البابي الحلبي بالقاهرة. 10 - عمل اليوم والليلة، للإِمام النسائي، دراسة وتحقيق الدكتور فاروق حمادة، طبع دار الإِفتاء السعودية سنة 1401 هـ. 11 - عيون الأثر في فنون المغازي والسير، لحمد بن محمد (ابن سيد الناس) اليعمري، ط. دار المعرفة بيروت. حرف الغين 1 - غاية النهاية في طبقات القراء، لشمس الدين أبي الخير محمد بن محمد بن الجزري، عني بنشره ج - برجستراس، الطبعة الثانية سنة 1400 هـ، دار الكتب العلمية ببيروت 1980 م.

حرف الفاء

2 - الغرر المجموعة في بيان ما في صحيح مسلم من الأحاديث المقطوعة، للإِمام الحافظ رشيد الدين أبي الحسن يحيى بن علي، المعروف بالرشيد العطار، مخطوط. 3 - غريب الحديث، المنسوب لأبي عبيد القاسم بن سلام الهروي، تحت مراقبة د. محمد عبد المعين خان، نشر مطبعة مجلة دار المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن - الهند سنة 1387 هـ. حرف الفاء 1 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ومعه صحيح البخاري، بمراجعة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز لثلاثة أجزاء من أوله، وتكملة الباقي بإشراف الأستاذ محب الدين الخطيب، ط. مصورة عن الطبعة السلفية. 2 - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي، للشيخ زكريا الأنصاري مع شرح العراقي للألفية نفسها المسماة: التبصرة والتذكرة. 3 - فتح العزيز بشرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير للرافعي، (مع المجموع للنووي، والتلخيص الحبير لابن حجر). 4 - فتح المغيث بشرح ألفية الحديث للعراقي، للإِمام عبد الرحمن السخاوي، تصحيح الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نشر وتوزيع المكتبة العلمية المدينة المنورة؛ وطبعة عبد الرحمن عثمان، ط. المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 5 - الفتوحات الربانية على الأذكار النووية، تأليف محمد بن علان الصديقي، طبعة مصورة بدار إحياء التراث العربي ببيروت. 6 - فوات الوفيات، لمحمد بن شاكر الكتبي، تحقيق د. إحسان عباس، الناشر دار صادر بيروت. 7 - فيض القدير بشرح الجامع الصغير، لعبد الرؤوف المناوي، ومعه الجامع الصغير للسيوطي، ط. دار المعرفة ببيروت سنة 1391 هـ. حرف القاف 1 - القراءة خلف الإمام، لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، ط. دار الكتب العلمية. 2 - القراءة خلف الإمام، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، بتصحيح أبو هاجر محمد السعيد بسيوني، ط. دار الكتب العلمية بيروت، توزيع دار الباز بمكة المكرمة.

حرف الكاف

3 - قواعد في علوم الحديث، للعلامة ظفر أحمد العثماني التهانوي، بتحقيق فضيلة شيخنا الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، مع إعلاء السنن، ط. إدارة القرآن والعلوم الإِسلامية كراتشي - باكستان، توزيع المكتبة الإِمدادية مكة الكرمة. حرف الكاف 1 - الكاشف في معرفة من له رواية في الكتب الستة، للإِمام الذهبي، تحقيق د. عزت علي عيد عطية، وموسى محمد علي الموسى، الناشر دار الكتب الحديثة القاهرة، الطبعة الأولى 1392 هـ - 1972 م. 2 - الكافي في فقه أهل المدينة، لأبي عمر يوسف بن عبد الله القرطبي، بتحقيق د. محمد محمد الموريتاني. 3 - الكامل في ضعفاء الرجال، لأبي أحمد عبد الله بن عدي، المقدمة بتحقيق الشيخ صبحي البدري السامرائي، مطبعة سلمان الأعظمي بغداد، بدون تاريخ؛ والطبعة الكاملة بتحقيق لجنة بإشراف دار الفكر ببيروت؛ ونسخة الظاهرية الخطية ونسخة أحمد الثالث الخطية. 4 - كشف الأسرار عن زوائد البزار على الكتب الستة، تأليف الحافظ نور الدين الهيثمي، تحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، طبع مؤسسة الرسالة. 5 - كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، لحاجي خليفة، ومعه ذيل كشف الظنون، لإِسماعيل البغدادي، ط. دار الفكر بيروت سنة 1402 هـ. 6 - الكفاية في علم الرواية، لأبي بكر أحمد بن علي الخطيب البغدادي، ط. مصورة للمكتبة العلمية. 7 - الكمال في أسماء الرجال، لعبد الغني المقدسي، صورة ميكروفيلمية، للجزء الأول من بداية الكتاب إلى آخر حرف الهمزة، بجامعة الإمام محمد بن سعود رقم 2738 ف، والثاني من الباء إلى أول حرف العين برقم 2739 ف، والثالث من نسخة أحمد الثالث أوله من اسمه خالد بن يزيد، وآخره عبد الله بن سهل برقم 735 ف، والثالث أيضًا من نسخة دار الكتب المصرية 55 مصطلح 2737 ف، وهو يبدأ بعبد المنعم، وينتهي بآخر الكتاب وهو آخر كنى النساء. 8 - الكنى، لأبي أحمد الحاكم، مخطوط الأزهر. 9 - الكنى والأسماء، للإِمام الدولابي، طبع دار الكتب العلمية ببيروت، سنة 1403 هـ.

حرف اللام

10 - الكواكب النيرات في معرفة من اختلط من الثقات، لأبي البركات محمد بن أحمد المعروف بابن الكيال، بتحقيق الشيخ عبد القيوم عبد رب النبي، ط. دار المأمون للتراث دمشق سنة 1401 هـ. حرف اللام 1 - اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة، جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، الطبعة الثانية سنة 1401 هـ - سنة 1981 م، بدار المعرفة ببيروت. 2 - اللباب في تهذيب الأنساب، لعز الدين بن الأثير الجزري، بتاريخ سنة 1400 هـ سنة 1980 م، دار صادر بيروت. 3 - لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ، لتقي الدين محمد بن فهد المكي (ضمن ذيول تذكرة الحفاظ). 4 - لسان العرب، لجمال الدين محمد بن مكرم بن منظور، ط. الدار المصرية للتأليف والنشر، مصورة عن طبقة بولاق. 5 - لسان الميزان، لأحمد بن علي بن حجر العسقلاني المتوفى سنة 853 هـ، الطبعة الثانية سنة 1971 م - سنة 1390 هـ، منشورات مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ببيروت. حرف الميم 1 - المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروكين، للحافظ محمد بن حبان بن أحمد، أبي حاتم التميمي البستي، تحقيق محمود إبراهيم زايد، الناشر دار المعرفة ببيروت؛ وطبع المطبعة العزيزية بحيدرآباد سنة 1390 هـ، بتصحيح عزيز بك القادري. 2 - مجمع الزوائد ومنبع الفوائد، للحافظ نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، ط. دار الكتاب العربي بيروت 1402 هـ. 3 - المجموع شرح المهذب، للإِمام يحيى بن شرف النووي؛ ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي، والتلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني، ط. مصورة للمكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 4 - المحكم والمحيط الأعظم، لعلي بن إسماعيل بن سيده، تحقيق د. مراد كامل، ط. مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1392 هـ. 5 - المحلَّى، لأبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم، بتحقيق وتعليق الشيخ أحمد شاكر، ط. المطبعة المنيرية القاهرة.

6 - مختار الصحاح، للإِمام محمد بن أبي بكر الرازي، بترتيب محمود خاطر، مراجعة لجنة مركز تحقيق التراث بدار الكتب الصرية، طبع الهيئة الصرية العامة للكتاب سنة 1976 م. 7 - المدخل إلى معرفة الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم، بتحقيق د. إبراهيم بن علي آل كليب، رسالة ماجستير على الآلة سنة 1403 هـ، بكلية أصول الدين بالرياض. 8 - المدونة الكبرى، للإِمام سحنون بن سعيد التنوخي، ط. دار الفكر بيروت. 9 - المراسيل، لأبي محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الحنظلي الرازي، توفي سنة 327 هـ، بعناية الأخ شكر الله بن نعمة الله قوجاني، الطبعة الثانية 1402 هـ - 1982 م، الناشر مؤسسة الرسالة. 10 - مراصد الاطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع، لصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق البغدادي، بتحقيق علي محمد البجاوي، مصور عن طبعة مطبعة الحلبي بالقاهرة سنة 1373 هـ. 11 - مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح، للشيخ علي القاري، نشر المكتبة الإِسلامية للحاج رياض الشيخ، بدون تاريخ. 12 - مسائل الإمام أحمد، لأبي داود السجستاني، تصحيح وتقديم السيد محمد رشيد رضا، طبع دار المعرفة بيروت، بدون تاريخ. 13 - المستدرك على الصحيحين، لأبي عبد الله محمد بن عبد الله المعروف بالحاكم النيسابوري، وبذيله تلخيص المستدرك للذهبي، ط. دار الكتب العلمية - بيروت. 14 - المستفاد من مبهمات المتن والإِسناد، لأحمد بن عبد الرحيم، أبو زرعة ابن العراقي، بتصحيح الشيخ حماد الأنصاري، ط. مطابع الرياض، السعودية. 15 - مسند الإمام أحمد بن حنبل، نشر المكتب الإِسلامي للطباعة والنشر، بيروت. 16 - مسند الحميدي، لأبي بكر عبد الله الحميدي، بتحقيق الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي، نشر عالم الكتب بيروت، بدون تاريخ. 17 - مسند عمر بن عبد العزيز، للحافظ أبي بكر محمد بن محمد بن سليمان الباغندي، وبآخره تذييل عليه للمحقق الشيخ محمد عوامه، ط. مكتبة دار الدعوة سوريا، سنة 1397 هـ.

18 - مشارق الأنوار على صحاح الآثار، تأليف الإمام القاضي عياض، طبع ونشر المكتبة العتيقة بتونس - دار التراث القاهرة. 19 - مشاهير علماء الأمصار، لأبي حاتم محمد بن حبان البستي، بتصحيح م. فلايشهمر، ط. مصورة بدار الكتب العلمية بيروت. 20 - المشتبه في الرجال أسمائهم وأنسابهم، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الطبعة الأولى سنة 1962 م، دار إحياء الكتب العربية - عيسى الحلبي وشركاه. 21 - مشيخة ابن الجوزي، تأليف أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي، تقديم وتحقيق محمد محفوظ، نشر دار الغرب الإِسلامي بيروت، سنة 1400 هـ. 22 - مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجة، للإِمام البوصيري، بتحقيق وتعليق محمد الكشناوي، طبع دار العربية ببيروت لبنان، سنة 1402 هـ؛ وبتحقيق د. عزت عطية والشيخ موسى محمد علي، ط. دار الكتب الحديثة القاهرة سنة 1983 م. 23 - المصنف، للإِمام عبد الرزاق الصنعاني، تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي، توزيع المكتب الإِسلامي سنة 1403 هـ. 24 - المصنف في الأحاديث والآثار، لأبي بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة، بعناية الشيخ مختار الندوي، ط. الدار السلفية بومباي - الهند سنة 1400 هـ. 25 - معارف السنن شرح جامع الترمذي، للشيخ محمد يوسف البنوري بإفادة شيخه محمد أنور شاه الكشميري، ط. كراتشي - باكستان سنة 1393 هـ. 26 - معالم السنن، للإِمام أبي سليمان حمد الخطابي، مع مختصر المنذري لسنن أبي داود، وتهذيب ابن القيم لسنن أبي داود، تحقيق الشيخ أحمد شاكر، ومحمد حامد الفقي، مطبعة أنصار السنة المحمدية بالقاهرة سنة 1376 هـ. 27 - معجم الأدباء، لياقوت بن عبد الله الحموي، ط. دار المستشرق بيروت. 28 - معجم البلدان، لياقوت بن عبد الله الحموي، ط. دار صادر بيروت سنة 1399 هـ. 29 - معجم الشعراء، لمحمد بن عمران المرزباني، بتحقيق عبد الستار فراج، ط. عيسى الحلبي بالقاهرة سنة 1960 م. 30 - المعجم الكبير، لسليمان بن أحمد الطبراني، تحقيق حمدي عبد المجيد السلفي، الدار العربية للطباعة والنشر بغداد، الطبعة الأولى سنة 1978 م وما بعدها. 31 - معجم ما استعجم، لأبي عبيد البكري، تحقيق الأستاذ مصطفى السقا، ط. مصورة.

32 - معجم مقاييس اللغة، لابن فارس، بتحقيق د. عبد السلام محمد هارون، طباعة مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1390 هـ. 33 - المعجم الوسيط، قاموس لغوي، إخراج دكتور إبراهيم أنيس وآخرين، مصور عن طبعة 2 بدار إحياء التراث العربي بيروت، بدون تاريخ. 34 - معرفة الرجال عن يحيى بن معين (انظر سؤالات ابن محرز). 35 - معرفة السنن والآثار، لأبي بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق الأستاذ السيد أحمد صقر، ط. أولى بالجلس الأعلى للشؤون الإِسلامية. 36 - معرفة علوم الحديث، لأبي عبد الله الحاكم، بتحقيق د. معظم حسين، ط. دار الكتب العلمية بيروت 1397 هـ. 37 - معرفة القراء الكبار، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، تحقيق د. بشار عواد، وشعيب الأرناؤوط، وصالح مهدي عباس، ط. مؤسسة الرسالة بيروت 1454 هـ. 38 - المعرفة والتاريخ، لأبي يوسف يعقوب بن سفيان الفسوي، تحقيق د. أكرم ضياء العمري، ط. مطبعة الإِرشاد ببغداد سنة 1394 هـ. 39 - المغازي الأولى ومؤلفوها، للمستشرق يوسف هورفتس، ترجمة د. حسين نصار، ط. الحلبي، سنة 1369 هـ. 40 - المغني عن حمل الأسفار في الأسفار في تخريج ما في الإِحياء من الأخبار، للحافظ زين الدين عبد الرحيم العراقي، ط. بذيل الإِحياء للغزالي، ط. مصطفى الحلبي بالقاهرة سنة 1358 هـ. 41 - المغني في ضبط أسماء الرجال ومعرفة كنى الرواة وألقابهم وأنسابهم، للشيخ محمد طاهر الفتني، ط. دار الكتاب العربي بيروت - لبنان، سنة 1399 هـ. 42 - المغني في الضعفاء، لشمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي توفي سنة 747 هـ، حققه الأخ د. نور الدين عز، الناشر دار المعارف سورية، الطبعة الأولى 1391 هـ - سنة 1971 م، مطبعة البلاغة حلب. 43 - المغني في الفقه الحنبلي، شرح مختصر الخرقي، تأليف الإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن قدامة، ومعه الشرح الكبير على متن المقنع، تأليف شمس الدين عبد الرحمن بن محمد ابن قدامة المقدسي، ط. دار الكتاب اللبناني سنة 1392 هـ. 44 - المفهم في شرح ما أشكل من تلخيص صحيح مسلم، كلاهما للإمام أبي العباس أحمد بن أبي عمر بن إبراهيم القرطبي، مخطوط.

45 - مكمل إكمال الإِكمال، للإِمام أبي عبد الله محمد بن محمد يوسف السنوسي، طبع ونشر المكتبة العلمية لبنان - بيروت. 46 - منتخب الإِرشاد للخليلي، انتخاب الحافظ السلفي، مخطوط؛ ونسخة بتحقيق د. محمد سعيد بن عمر إدريس، رسالة دكتوراه على الآلة الكاتبة سنة 1406 هـ. 47 - المنتخب من ذيل المذيل، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، بتحقيق د. محمد أبو الفضل إبراهيم، ط. دار سويدان بيروت، (مع تاريخ الأمم والملوك للطبري). 48 - المنتقى من السنن المسندة، تأليف الحافظ أبي محمد عبد الله بن علي بن الجارود، نشر المكتبة الأثرية باكستان سنة 1403 هـ. 49 - منحة المعبود في ترتيب مسند الطيالسي أبي داود، للساعاتي، طبع المكتبة الإِسلامية بيروت، سنة 1400 هـ. 50 - منظومة أبي محمود المقدسي تلميذ الحافظ الذهبي في بيان المدلسين (مع طبقات المدلسين بتحقيق د. عاصم القريوتي). 51 - منظومة الذهبي في المدلسين (مع طبقات المدلسين بتحقيق د. عاصم القريوتي). 52 - من كلام أبي زكريا يحيى بن معين رواية أبي خالد الدقاق، بتحقيق د. أحمد نور سيف، ط. دار المأمون للتراث، نشر مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى سنة 1400 هـ. 53 - منهج ذوي النظر شرح منظومة علم الأثر (انظر ألفية السيوطي مع شرحها). 54 - موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان، لنور الدين علي بن بكر الهيثمي، بتصحيح ونشر الشيخ محمد عبد الرحمن حمزة، ط. المكتبة السلفية بالقاهرة. 55 - الموقظة في مصطلح الحديث، لأبي عبد الله محمد بن أحمد الذهبي، بتحقيق فضيلة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة، ط. مكتب المطبوعات الإِسلامية بحلب سنة 1405 هـ. 56 - موضح أوهام الجمع والتفريق، لأحمد بن علي (الخطيب البغدادي)، بتحقيق الشيخ عبد الرحمن المعلمي اليماني، ط. دائرة المعارف العثمانية حيدرآباد - الهند سنة 1378 هـ. 57 - الموضوعات الكبرى، أبي الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي القرشي، توفي سنة 597 هـ، ضبط وتقديم وتحقيق عبد الرحمن محمد عثمان، الطبعة الأولى سنة

حرف النون

1386 هـ - سنة 1966 م، الناشر محمد عبد المحسن صاحب المكتبة السلفية بالمدينة المنورة. 58 - الموطأ، للإِمام مالك، بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، طبع دار إحياء الكتب العربية سنة 1370 هـ، ومع شرحه أوجز المسالك. 59 - ميزان الاعتدال في نقد الرجال، لأبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق علي محمد البجاوي، الناشر دار المعرفة بيروت، مصورة عن الطبعة المصرية. حرف النون 1 - نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار، تأليف الحافظ أحمد بن علي بن حجر العسقلاني، بتحقيق الشيخ حمدي عبد المجيد السلفي، نشر مكتبة المثنى بالعراق سنة 1406 هـ؛ وبتحقيق تلميذنا الفاضل الشيخ عبد الله بن صالح الدوسري، رسالة ماجستير على الآلة سنة 1407 هـ، كلية أصول الدين بالرياض. 2 - نصب الراية لأحاديث الهداية، تأليف جمال الدين يوسف بن عبد الله الزيلعي، ومعه حاشيتيّ بغية الألمعي، ومنية الألمعي فيما فات الزيلعي، للشيخ قاسم بن قطلوبغا الحنفي. 3 - النكت الوفية بما في شرح الألفية للعراقي، لإِبراهيم بن عمر البقاعي (مخطوط). 4 - النهاية في غريب الحديث والأثر، للإِمام مجد الدين ابن الأثير، تحقيق ظاهر أحمد الزاوي، ومحمود محمد الطناحي، نشر دار الفكر سنة 1399 هـ. حرف الواو 1 - الوافي بالوفيات، لصلاح الدين خليل بن أبيك الصفدي، باعتناء هلموت ريتر، الناشر دار النشر خرائز شتايز بفيسبادن، سنة 1394 هـ - 1974 م. 2 - وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزّمان، لأبي العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان، حققه إحسان عباس، بتاريخ 1398 هـ - 1978 م، دار صادر بيروت. حرف الياء 1 - يحيى بن معين وكتابه التاريخ، دراسة وترتيب وتحقيق د. أحمد نور سيف، طبع مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى مكة المكرمة، سنة 1399 هـ.

§1/1